كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

المحيي المميت فإن لم يك من الطبائعيين كان مؤمنا وإن كان منهم فلا حتى يقول إلا الله أو إلا الباري أو اسما آخر لا تأويل لهم فيه وأن الكافر إذا قال لا إله إلا المالك أو الرازق لم يكن مؤمنا لأنه قد يريد السلطان الذي يملك أمر الجند ويرتب أرزاقهم ولو قال لا مالك إلا الله أو لا رازق إلا الله كان مؤمنا وبمثله أجاب فيما لو قال لا إله إلا الله العزيز أو العظيم أو الحكيم أو الكريم وبالعكوس وانه لو قال لا إله إلا الله الملك الذي في السماء أو إلا ملك السماء كان مؤمنا قال الله تعالى { أأمنتم من في السماء }
ولو قال لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمنا وكذا لو قال لا إله إلا الله ساكن السماء لأن السكون محال على الله تعالى وأنه لو قال آمنت بالله إن شاء أو إن كان شاء بنا لم يكن مؤمنا وأنه لو قال اليهودي أنا بريء من اليهودية أو نصراني أنا بريء من النصرانية لم يكن مؤمنا لأنه ضد اليهودية غير منحصر في الاسلام وكذا لو قال بريء من كل ملة تخالف الاسلام فليس مؤمنا لأنه لا ينفي التعطيل لأنه مخالف وليس بملة فإن قال من كل ما يخالف الإسلام من دين ورأي وهوى كان مؤمنا وأنه لو قال الإسلام حق لم يكن مؤمنا لأنه قد يقر بالحق ولا ينقاد له وهذا يخالف ما حكينا عن البغوي في قوله دينكم حق وأنه لو قال لمعتقد ملة أسلم فقال أسلمت أو أنا مسلم لم يكن مقرا بالإسلام لأنه قد يسمي دينه الذي هو عليه إسلاما ولو قال في جوابه أنا مسلم مثلكم كان مقرا بالإسلام ولو قيل لمعطل أسلم فقال أنا مسلم أو من المسلمين كان مقرا بالإسلام لأنه لا دين له يسميه إسلاما وقد يتوقف في هذا
وبالله التوفيق

كتاب حد الزنى
هو من المحرمات الكبائر وموجب للحد وفيه بابان الأول فيما يوجب الحد ومعرفة الحد
وضابط الموجب أن إيلاج قدر الحشفة من الذكر في فرج محرم يشتهى طبعا لا شبهة فيه سبب لوجوب الحد فإن كان الزاني محصنا فحده الرجم ولا يجلد معه وقال ابن المنذر من أصحابنا يجلد ثم يرجم وإن كان غير محصن فواجبه الجلد والتغريب وسواء في هذين الرجل والمرأة ويشترط في المحصن هنا ثلاث صفات إحداها التكليف فلا حد على صبي ولا مجنون لكن يؤدبان بما يزجرهما الثانية الحرية فليس الرقيق والمكاتب وأم الولد ومن بعضه رقيق محصنين الثالثة الوطء في نكاح صحيح ويكفي تغييب الحشفة ولا يشترط كونه ممن ينزل ويحصل بوطء في الحيض والإحرام وعدة الشبهة ولا يحصل بالوطء بملك اليمين وهل يحصل بالوطء بشبهة أو في نكاح فاسد قولان المشهور وبه قطع الجمهور لا وهل يحصل بوطء زوجة قبل التكليف والحرية وجهان أصحهما عند الجمهور وهو ظاهر النص لا فلا يجب الرجم على من وطىء في نكاح صحيح وهو صبي أو مجنون أو رقيق ثم زنى بعد كماله وحكي وجه ثالث أنه يحصل بوطء الصبي دون الرقيق ووجه رابع عكسه فإن شرطنا وقوعه في حال الكمال فهل يشترط كون الزاني الآخر كاملا حينئذ فيه ثلاثة أقوال أظهرها لا فلو كان أحدهما كاملا دون الآخر صار الكامل محصنا لأنه حر مكلف وطىء في نكاح صحيح والثاني نعم فلو كان أحدهما

غير كامل لم يصر الكامل محصنا والثالث إن كان نقص الناقص بالرق صار الكامل محصنا وإن كان بصغر أو جنون فلا وقال الإمام هذا الخلاف في صغيرة أو صغير لا يشتهيه الجنس الآخر فإن كان مراهقا حصل قطعا

فرع إذا زنى البكر بمجصنة أو المحصن ببكر رجم المحصن منهما وجلد
الآخر وغرب
فرع الرقيق يجلد خمسين سواء فيه القن والمكاتب وأم الولد ومن بعضه
حر وفيمن نصفه حر ونصفه رقيق وجه أنه يحد ثلاثة أرباع حد الحر ووجه ثالث أنه إن كان بينه وبين سيده مهايأة ووافق نوبة نفسه فعليه حد الحر وإلا فحد العبد والصحيح الأول وهل يغرب العبد نصف سنة أم سنة أم لا يغرب أقوال أظهرها الأول
فصل في تغريب الحر وفيه مسائل إحداها تغرب المرأة كما يغرب الرجل
لكن هل تغرب وحدها وجهان أصحهما لا هكذا أطلق مطلقون الوجهين وخصهما الإمام والغزالي بما إذا كان الطريق آمنا فعلى هذا يشترط محرم أو زوج يسافر معها وفي النسوة الثقات عند أمن الطريق وجهان وربما اكتفى بعضهم بواحدة ثقة وشرط بعضهم أن يكون معها زوج أو محرم فإن قلنا بالأصح فتطوع الزوج أو محرم بالسفر أو وجدت نسوة ثقات يسافرن فذاك وإن لم يخرج المحرم ولا الزوج إلا

بأجرة أعطي أجرة وهل هي في مالها أم في بيت المال وجهان كأجرة الجلاد أصحهما الأول وإن امتنع من الخروج بأجرة لم يجبر على الأصح كما في الحج فعلى هذا قياس اشتراط المحرم أن يؤخر التغريب حتى يتيسر وذكر الروياني أنها تغرب ويحتاط الإمام في ذلك وإن قلنا بالإجبار وهو محكي عن ابن سريج فاجتمع محرمان أو محرم وزوج فأيهما يقدم لم يتعرض الأصحاب
قلت يحتمل وجهين كنظائره أحدهما الإقراع والثاني يقدم باجتهاده من يراه وهذا أرجح
والله أعلم
الثانية يغرب الزاني إلى مسافة القصر وقيل يجوز دونها وقيل يكفي التغريب إلى موضع لو خرج المبكر إليه لم يرجع بيومه لإطلاق لفظ التغريب والصحيح الأول ولو رأى الإمام التغريب إلى فوق مسافة القصر فعل وقال المتولي إن كان على مسافة القصر موضع صالح لم يجز التغريب إلى ما فوقه والصحيح الأول وبه قطع الجمهور غرب عمر رضي الله عنه إلى الشام وعثمان رضي الله عنه إلى مصر والبدوي يغرب عن حلته وقومه ولا يمكن من الإقامة بينهم ولو عين السلطان جهة لتغريبه فطلب الزاني جهة غيرها فهل يجاب أم يتعين ما عينه الإمام وجهان أصحهما الثاني قال البغوي لا يرسله الإمام إرسالا بل يغربه إلى بلد معين وإذا غرب إلى بلد معين فهل يمنع من الانتقال إلى بلد آخر وجهان أصحهما لا وبه قطع المتولي واختاره الإمام
الثالثة قال البغوي لا يمكن المغرب من أن يحمل معه أهله وعشيرته لأنه لا يستوحش حينئذ وله أن يحمل جارية يتسرى

بها وما يحتاج إليه للنفقة وقال المتولي لو خرج معه عشيرته لم يمنعوا
الرابعة الغريب إذا زنى يغرب من بلد الزنى تنكيلا وإبعادا عن موضع الفاحشة لا يغرب إلى بلده ولا إلى بلد بينه وبين بلده دون مسافة القصر ولو رجع هذا الغريب إلى بلده فهل يمنع وجهان أصحهما نعم ثم هذا في غريب له وطن فإن لم يكن بأن هاجر حربي إلى دار الإسلام ولم يتوطن بلدا قال المتولي يتوقف الإمام حتى يتوطن بلدا ثم يغربه ولو زنى مسافر في طريقه غرب إلى غير مقصده
الخامسة إذا رجع المغرب إلى البلد الذي غرب منه رد إلى الموضع الذي غرب إليه وهل تستأنف المدة أم يبني وجهان أصحهما تستأنف وهما راجعان إلى أنه هل يجوز تفريق سنة التغريب السادسة لا يعتقل في الموضع الذي غرب إليه لكن يحفظ بالمراقبة والتوكيل به فإن احتيج إلى الاعتقال خوفا من رجوعه اعتقل
السابعة لو زنى ثانيا في البلد المغرب فيه غرب إلى موضع آخر قال ابن كج قال بعض الأصحاب يكفيه ذلك والصحيح خلافه لأن المقصود التنكيل ولا يحصل إلا بتغريب الإمام
التاسعة قال ابن كج مؤنة المغرب بقدر مؤنة الحضر في ماله وما زاد في بيت المال وهذا غريب


قلت الصواب أن الجميع في ماله
والله أعلم
العاشرة يجوز تقديم التغريب على المجلد

فرع ذكر الروياني أن الأصح أنه لا يلزم المغرب أن يقيم في
حتى يكون كالحبس له فلا يمكن من الضرب في الأرض لأنه كالنزهة ومما يناسب التغريب النفي في قطع الطريق وسيأتي إن شاء الله تعالى وثبت في الحديث نفي المخنثين وهو تعزيز
فرع ليس من شرط الإحصان الإسلام فإذا زنى ذمي مكلف حر وطىء
صحيح رجم ولو ارتد محصن لم يبطل إحصانه فلو زنى في الردة أو بعد الإسلام رجم
فصل قولنا إيلاج الفرج في الفرج يدخل فيه اللواط وهو من الفواحش
الكبائر فإن لاط بذكر ففي عقوبة الفاعل قولان أظهرهما أن حده حد الزنى فيرجم إن كان محصنا ويجلد ويغرب إن لم يكن محصنا والثاني يقتل محصنا كان أو غيره وفي كيفية قتله أوجه أحدها بالسيف كالمرتد والثاني يرجم تغليظا عليه والثالث يهدم عليه جدار أو يرمى من شاهق حتى يموت أخذاف من عذاب قوم لوط صلى الله عليه وسلم


قلت أصحهما بالسيف
والله أعلم
وأما المفعول به فإن كان صغيرا أو مجنونا أو مكرها فلا حد عليه ولا مهر لأن منفعة البضع غير متقومة وإن كان مكلفا طائعا فإن قلنا إن الفاعل يقتل قتل المفعول به بما يقتل الفاعل وإن قلنا حده حد الزنى جلد المفعول به وغرب محصنا كان أو غيره وإن وطىء امرأة أجنبية في دبرها فطريقان أصحهما أنه كاللواط بذكر فيجيء في الفاعل القولان وتكون عقوبة المرأة الجلد والتغريب على الأصح وقيل هو زنى في حقها فترجم المحصنة وتجلد وتغرب غيرها ولو لاط بعبده فهو كاللواط بأجنبي ولو وطىء زوجته أو أمته في دبرها فالمذهب أن واجبه التعزيز وقيل في وجوب الحد قولان كوطء الأخت المملوكة

فرع المفاخذات ومقدمات الوطء وإتيان المرأة لا حد فيها ولو وجدنا رجلا
تعزيز في هذه الصور ولو وجدنا بامرأة خلية حبلا أو ولدت وأنكرت الزنى فلا حد
قلت ولو لم تنكر ولم تعترف بل سكتت فلا حد وإنما يجب الحد ببينة أو اعتراف
والله أعلم
والاستمناء حرام وفيه التعزيز ولو مكن امرأته أو جاريته من العبث بذكره فأنزل قال القاضي حسين في أول فتاويه يكره لأنه في معنى العزل


فصل أما قولنا المشتهي طبعا فيحترز عن صورتين إحداهما إذا أولج في
أقوال أظهرها التعزيز والثاني القتل محصنا كان أو غيره والثالث حد الزنى فيفرق بين المحصن وغيره وقيل واجبه واجب اللواط وقيل التعزيز قطعا فإن قلنا يقتل ففي كيفيته الخلاف السابق في اللوط وفي قتل البهيمة ثلاثة أوجه أصحهما تقتل المأكولة دون غيرها وسواء أتاها في دبرها أو قبلها وقيل إن أتاها في دبرها لم نقتلها وهل يحل أكلها إذا كانت مأكولة فذبحت وجهان أصحهما نعم وقيل يحل قطعا فإن قلنا لا يحل أكلها أو كانت غير مأكولة فهل يجب ضمانها إذا كانت لغير الفاعل وجهان
أصحهما نعم فعلى هذا هل الضمان على الفاعل أم في بيت المال أصحهما الأول كالوجهين في أجرة الجلاد وإن قلنا يحل أكلها ففي التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة الوجهان ولو مكنت امرأة قردا من نفسها كان الحكم كما لو أتى الرجل بهيمة حكاه البغوي وغيره ولا يثبت اللواط وإتيان البهيمة إلا بأربعة عدول وقيل إن قلنا الواجب التعزيز كفى عدلان وهو ضعيف مخالف للنص
فصل أما قولنا لا شبهة فيه فالشبهة ثلاثة أقسام في المحل والفاعل
والجهة
أما الشبهة في المحل فوطء زوجته الحائض والصائمة والمحرمة وأمته قبل الاستبراء وجارية ولده لا حد فيه ولو وطىء أمته المحرمة

عليه بمحرمية رضاع أو نسب أو مصاهرة كأخته منهما وبنته وأمه من رضاع وموطوءة أبيه وابنه لم يجب الحد على الأظهر ولو وطىء جارية له فيها شرك أو أمته المزوجة أو المعتدة من غيره أو المجوسية والوثنية أو أسلمت أمة ذمي فوطئها قبل أن تباع فلا حد على المذهب وقيل فيه القولان فإن قلنا لا حد ثبت النسب والمصاهرة وإلا فلا وقيل يثبت النسب وتصير الجارية أم ولد بلا خلاف
وأما الشبهة في الفاعل فمثل أن يجد امرأة في فراشه فيطأها ظانا أنها زوجته أو أمته فلا حد وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه نص عليه وسواء كان ذلك ليلة الزفاف أو غيرها ولو ظنها جارية له فيها شرك فكانت غيرها وقلنا لا يجب الحد بوطء المشتركة قال الإمام فيه تردد يجوز أن يقال لا حد لأنه ظن ما يسقط الحد ويجوز أن يقال يحد لأنه علم التحريم وإنما جهل وجوب الحد وكان من حقه أن يمتنع
قلت هذا الثاني هو الظاهر الجاري على القواعد في نظائره
والله أعلم
وأما الشبهة في الجهة فقال الأصحاب كل جهة صححها بعض العلما وأباح الوطء بها لا حد فيها على المذهب وإن كان الواطىء يعتقد التحريم وذلك كالوطء في النكاح بلا ولي كمذهب أبي حنيفة وبلا شهود كمذهب مالك ونكاح المتعة وقيل يجب في النكاح بلا ولي على من يعتقد تحريمه دون غيره وقيل يجب على من أعتقد الإباحة أيضا كما نحد الحنفي على شرب النبيذ ولو وطىء المرهونة بإذن الراهن وجب الحد على الصحيح


فرع لو تزوج بنته أو غيرها من محارمه بنسب أو رضاع أو
من طلقها ثلاثا أو من لاعنها أو نكح من تحته أبع خامسة أو نكح أختا على أخت أو معتدة أو مرتدة أو نكح ذات زوج أو نكح كافر مسلمة ووطىء عالما بالحال وجب الحد لأنه وطء صادف محلا لا ملك له فيه ولا شبهة ملك وهو مقطوع بتحريمه فتعلق به الحد وحكى ابن كج فيمن نكح أخته من رضاع ووطىء وادعى جهل التحريم قولين في تصدقيه ولا خلاف أنه لا يقتل في الأخت من النسب ولو نكح وثنية أو مجوسية قال البغوي وجب الحد وقال الروياني في جمع الجوامع لا حد في المجوسية للخلاف ولو ادعى الجهل بكونها معتدة أو مزوجة حلف إن كان ما يدعيه ممكنا ولا حد نص عليه وعن القاضي أبي حامد أنه نقل أن اليمين مستحبة ولو قالت المرأة علمت أني معتدة أو مزوجة حدت وإن لم يحد الواطىء ولو استأجر امرأة فزنى بها لزمها الحد ولو أباحت له الوطء لزمهما الحد ولو أباح وطء جاريته لغيره فعلى ما ذكرنا في الرهن ولو زنت خرساء بناطق أو عكسه أو زنى بامرأة له عليها قصاص لزمهما الحد ويقبل إقرار الأخرس ولو زنى مكلف بمجنونة أو مراهقة أو نائمة حد ولو مكنت مكلفة مجنونا أو مراهقا أو استدخلت ذكر نائم لزمها الحد ولو قال زنيت بها فأنكرت لزمه حد الزنى وحد القذف ولو زنى في دار الحرب وجب عليه الحد والمشهور أن للإمام أن يقيمه هناك إن لم يحف فتنة وفي قول لا يقيمه هناك


فصل يشترط لوجوب الحد كون الفاعل مختارا مكلفا فلو أكره رجل على
الزنى فزنى لم يجب الحد على الأصح ولا حد على صبي ولا مجنون ومن جهل تحريم الزنى لقرب عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عن المسلمين لا حد عليه ومن نشأ بين المسلمين وقال لم أعلم التحريم لم يقبل قوله ولو علم التحريم ولم يعلم تعلق الحد به فقد جعله الإمام على التردد الذي ذكره فيمن وطىء من يظنها مشتركة فكانت غيرها
قلت الصحيح الجزم بوجوب الحد وهو المعروف في المذهب والجاري على القواعد
والله أعلم
فصل يشترط للحد ثبوت الزنى عند القاضي ببينة أو إقراره ويستحب لمن
ارتكب كبيرة توجب الحد الله تعالى أن يستر على نفسه وهل يستحب للشهود ترك الشهادة في حدود الله تعالى وجهان أصحهما لا لئلا تتعطل
قلت الأصح أن الشاهد إن رأى المصلحة في الشهادة شهد وإن رآها في الستر ستر
والله أعلم
وإذا ثبت الحد لم يجز العفو عنه ولا الشفاعة فيه وإذا قرأ على نفسه بزنى ثم رجع عنه سقط الحد وهل يستحب له الرجوع وجهان أحدهما نعم كالستر ابتداء والثاني لا لأن الهتك قد حصل


قلت مقتضى الحديث الصحيح في قصة ماعز رضي الله عنه أنه يستحب فهو الراجح والله أعلم
ولو قال زينت بفلانة فهو مقر بالزنى قاذف لها فإن أنكرت أو قال كان تزوجني لزمه وحد القذف فإن رجع سقط حد الزنى وحده ولو قال زنيت بها مكرهة لم يجب حد القذف ويجب مع حد الزنى المهر ولا يسقط المهر بالرجوع ولو رجع بعد ما أقيم بعض الحد ترك الباقي ولو قتله شخص بعد الرجوع ففي وجوب القصاص وجهان نقلهما ابن كج وقال الأصح لا يجب وبه قال أبو إسحق لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع ولو رجع بعد ما جلد بعض الحد فأتم الإمام الحد فمات منه والإمام يعتقد سقوط الحد بالرجوع فنقل ابن قطان في وجوب القصاص قولين فإن قلنا لا يجب نصف الدية أم يوزع على السياط قولان وقال ابن كج عندي لا قصاص والرجوع كقوله كذبت أو رجعت عما أقررت به أو ما زنيت أو كنت فأخذت أو لمست فظننته زنى ولو شهدوا على إقراره بالزنى فقال ما أقررت أو قال بعد حكم الحاكم بإقراره ما أقررت فالصحيح أنه لا يلتفت إلى قوله لأنه تكذيب للشهود والقاضي وعن أبي إسحق والقاضي أبي الطيب يقبل لأنه غير معترف في الحال وإن قال لا تقيموا علي الحد أو هرب أو امتنع من الاستسلام فهل هو رجوع وجهان أصحهما لا لكن يخلي في الحال ولا يتبع فإن رجع فذاك وإلا أقيم عليه حد ولو أتبع الهارب فرجم فلا ضمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم في قضية ماعز رضي الله عنه شيئا والرجوع عن الإقرار بشرب الخمر كالرجوع عن الإقرار بالزنى وفي الرجوع عن

الإقرار بالسرقة وقطع الطريق خلاف يأتي في السرقة إن شاء الله تعالى

فرع لو تاب من ثبت زناه فهل يسقط الحد عنه بالتوبة قولان
وهو الجديد لا يسقط لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحدود والزواجر ثم قيل القولان فيمن تاب قبل الرفع إلى القاضي فأما بعده فلا يسقط قطعا وقيل هما في الحالين
فرع إذ ثبت زناه ببينة لم يسقط الحد برجوع ولا بالتماس ترك
ولا بالهرب ولا غيرها هذا هو المذهب وفيه خلاف حكاه الإمام ولو أقر بالزنى ثم شهد عليه أربعة بالزنى ثم رجع عن الإقرار هل يحد وجهان قال ابن القطان نعم وأبو إسحق لا إذ لا أثر للبينة مع الإقرار وقد بطل الإقرار
فرع الكلام في عدد الشهود لزنى ورجوع بعضهم أو كلهم مذكور في
الشهادات وهناك يذكر إن شاء الله تعالى كيفية الشهادة وأنه يشترط تفسير الزنى بخلاف القذف فإنه لو قال زنيت كان قاذفا لحصول العار وهل يشترط في الإقرار بالزنى التفسير كالشهادة أم لا كالقذف وجهان
قلت الاشتراط أقوى ويستأنس فيه بقصة ماعز رضي الله عنه
والله أعلم


وسواء شهدوا بالزنى في مجلس أو مجالس متفرقة ولو شهدوا ثم غابوا أو ماتوا فللحاكم أن يحكم بشهادتهم ويقيم الحد
وتقبل الشهادة بالزنى بعد تطاول الزمن ولو شهد أربعة على امرأة بالزنى وشهد أربع نسوة أنها عذراء فلا حد للشبهة ولو قذفها قاذف لم يلزمه حد القذف لوجود الشهادة واحتمال عود البكارة وكذا لا يجب حد القذف على الشهود ولو أقامت هي أربعة على أنه أكرهها على الزنى وطلبت المهر وشهد أربع نسوة أنها عذراء فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر لأنه يثبت مع الشبهة ولا يجب عليها حد القذف لشهادة الشهود ولو شهد اثنان أنه وطئها بشبهة وأربع نسوة أنها عذراء فلا حد عليه للشبهة ويجب المهر ولو شهد أربعة عليها بالزنى وشهد أربع نسوة أنها رتقاء فليس عليها حد الزنى ولا عليهم حد القذف لأنهم رموا من لا يمكنه الجماع ولو شهد أربعة بالزنى وعين كل واحد منهم زاوية من زاويا بيت فلا حد على المشهود عليه وفي وجوب حد القذف على الشهود خلاف يأتي إن شاء الله تعالى لأنه لم يتم عددهم في زنية لو شهد اثنان أن فلانا أكره من أربعة هل عليهم حد القذف إن قلنا لا وجب المهر وإلا فلا ولو شهد اثنان أنه زنى بها مكرهة وآخر أنه زنى بها طائعة لم يجب عليها حد الزنى وهل يجب على الرجل يبنى على أن شاهدي الطواعية هل عليهما حد القذف للمرأة قولان إن قلنا نعم وهو الأظهر فلا الشاهدين فاسقان وإن قلنا لا وجب على الأصح لاتفاقهم على زناه وكذلك يجب عليه المهر ولا خلاف أنه لا يجب حد القذف على شاهدي الإكراه ولا يجب حد القذف للرجل


الباب الثاني في استيفاء الحد
فيه طرفان الأول في كيفيته وفيه مسائل إحداها إقامة الحدود على الأحرار إلى الأمام أو من فوض إليه الإمام وإذا أمر باستيفائه جاز للمفوض إليه ولا يجب حضور الإمام سواء ثبت بالبينة أو الإقرار ولا حضور الشهود إذا ثبت بالبينة لكن يستحب حضورهم وابتداؤهم بالرجم ويستحب أن يستوفى بحضرة جماعة أقلهم أربعة
الثانية لا يقتل المحصن بالسيف لأن المقصود التمثيل به وتنكيله بالرجم فيرجم وليس لما يرجم به تقدير لا جنسا ولا عددا فقد تصيب الأحجار مقاتله فيموت سريعا وقد تبطىء موته ولا يرمى بصخرة تذفف ولا يطول تعذيبه بالحصيات الخفيفة بل يحيط الناس به فيرمونه من الجوانب بحجارة معتدلة ومدر ونحوها حتى يموت فإن كان رجلا لم يحفر له عند الرجم سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار وفي المرأة أوجه أحدها يستحب أن يحفر إلى صدرها ليكون أستر لها والثاني لا يستحب بل هو إلى خيرة الإمام وأصحها إن ثبت زناها بالبينة يستحب أن يحفر وإن ثبت بالإقرار فلا ليمكنها الهرب إن رجعت
الثالثة الصحيح الذي قطع به الجمهور أن الرجم لا يؤخر للمرض لأن نفسه مستوفاة فلا فرق بينه وبين الصحيح وقيل إن ثبت بالإقرار أخر حتى يبرأ لأنه ربما رجع في أثناء الرمي فيعين ذلك على قتله ومثل هذا الخلاف يعود في أنه هل يرجم في شدة الحر والبرد وإن كان الواجب الجلد فإن كان المرض مما يرجى زواله أخر حتى يبرأ وكذا المحدود والمقطوع في حد وغيره لا يقام عليه حد آخر حتى

يبرأ وفي وجه لا يؤخر بل يضرب في المرض بحسب ما يحتمله من ضرب بعثكال وغيره ولو ضرب كما يحتمله ثم برأ هل يقام عليه حد الأصحاء وجهان حكاهما ابن كج وليكونا مبنيين على أنه هل تؤخر إقامة الجلد أم تستوفى بحسب الإمكان إن قلنا بالأول فالذي جرى ليس بحد فلا يسقط كما لو جلد المحصن لا يسقط الرجم وإن قلنا بالثاني لم يعد الحد وإن كان المرض مما لا يرجى زواله كالسل والزمانة أو كان مخدجا وهو الضعيف الخلقة الذي لا يحتمل السياط لم يؤخر إذ لا غاية تنتظر ولا يضرب بالسياط بل يضرب بعثكال عليه مائة شمراخ وهو الغصن ذو الفروع الخفيفة ولا يتعين العثكال بل له الضرب بالنعال وأطراف الثياب كذا حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما فلو كان على الغصن مائة فرع ضرب به دفعة واحدة وإن كان عليه خمسون ضرب به مرتين وعلى هذا القياس ولا يكفي الوضع عليه بل لا بد مما يسمى ضربا وينبغي أن تمسه الشماريخ أو ينكبس بعضها على بعض لثقل الغصن ويناله الألم فإن لم تمسه ولا انكبس بعضها على بعض أو شك فيه لم يسقط الحد وفي النهاية وجه ضعيف أنه لا يشترط الإيلام ولا تفرق السياط على الأيام وإن احتمل التفريق بل يقام عليه الممكن ويخلى سبيله ولو كان لا يحتمل السياط المعتبرة في جلد الزنى وأمكن ضربه بقضبان وسياط خفيفة فقد تردد فيه الإمام وقال ظاهر كلام الأصحاب أنه يضرب بالشماريخ والذي أراه أنه يضرب بالأسواط لأنه أقرب إلى صور الحد ولو برأ قبل أن يضرب بالشماريخ أقيم عليه حد الآصحاء وإن برأ بعد لم يعد عليه وفي إقامة الضرب بالشماريخ مقام الضربات والجلد بالسياط مزيد كلام نذكره في الأيمان إن شاء الله تعالى


فرع يؤخر قطع السرقة إلى البرء ولو سرق من لا يرجى زوال
على الصحيح لئلا يفوت الحد ولو وجب حد القذف على مريض قال ابن كج يقال للمستحق اصبر إلى البرء أو اقتصر على الضرب بالعثكال وفي التهذيب أنه يجلد بالسياط سواء يرجى زوال مرضه أم لا لأن حقوق الآدمي مبنية على الضيق وجلد الشرب كجلد الزنى
فرع الرابعة لا يقام الجلد في حر ولا برد شديدين بل يؤخر
الوقت وكذا القطع في السرقة بخلاف القصاص وحد القذف وأما الرجم فإن ثبت بالبينة لم يؤخر لأنه مقتول وكذا إن ثبت بالإقرار على الصحيح
فرع لو جلد الإمام في مرض أو شدة حر أو برد فهلك
فالنص أنه لا يضمن ونص أنه لو ختن أقلف في شدة حر أو برد فهلك ضمن فقيل في وجوب الضمان فيهما قولان وقيل بظاهر النصيحة وهو الأصح لأن الجلد ثبت بالنص والختان بالاجتهاد فإن أوجبنا الضمان فهل يضمن جميعه أم نصفه وجهان وهل الضمان على عاقلة الإمام أم في بيت المال قولان سبقا قال الإمام إن لم نوجب الضمان فالتأخير مستحب قطعا وإن أوجبناه فوجهان أحدهما أن التأخير واجب وضمناه لتركه الواجب والثاني يجوز التعجيل

ولكن بشرط سلامة العاقبة كما في التعزير وفي عبارة الغزالي ما يشعر بأن الراجح استحباب التأخير وفي المهذب وغيره الجزم بأنه لا يجوز التعجيل في شدة الحر والبرد ويجوز أن يقال بوجوب التأخير مع الاختلاف في وجوب الضمان كما يجب على آحاد الناس تفويض رجم الزاني المحصن إلى الإمام مع الاختلاف في ضمانه لو بادر بقتله
قلت المذهب وجوب التأخير مطلقا
والله أعلم
ولو عجل جلد المريض قبل برئه فهلك ففي ضمانه الخلاف في الجلد في الحر والبرد بلا فرق
الطرف الثاني في بيان مستوفيه
فإن كان المحدود حرا فالمستوفي الإمام أو من فوض إليه كما سبق هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الأصحاب وحكي عن القفال رواية قول إنه يجوز للآحاد استيفاؤه حسبة كالأمر بالمعروف وليس بشىء
وإن كان مملوكا فلسيده إقامة الحد عليه وله تفويضه إلى غيره ولا يحتاج إلى أذن الإمام فيه وسواء العبد والأمة وخرج ابن القاص قولا في العبد كأنه ألحقه بالاجبار على النكاح ولم يوافق عليه بل قطع الأصحاب بأن له إقامته عليهما ويجوز للإمام أيضا إقامته على الرقيق ومن بدر إليه منهما وقع الموقع وهل الأولى للسيد أن يقيمه بنفسه ليكون أستر أم الأولى تفويضه إلى الإمام ليخرج من خلاف أبي حنيفة في إلحاقه بالحر وجهان نقلهما الشيخ أبو خلف الطبري


قلت أصحهما الأول لثبوت الحديث فيه ولا يراعى الخروج من خلاف يخالف السنة
والله أعلم
ولو تنازع في إقامته الإمام والسيد فأيهما أولى فيه احتمالات للإمام أظهرها الإمام لعموم ولايته والثاني السيد لغرض إصلاح ملكه والثالث إن كان جلدا فالسيد وإن كان قتلا أو قطعا فالإمام لأن إعمال السلاح بصاحب الأمر أليق والعبد المشترك يقيم حده ملاكه وتوزع السياط على قدر الملك فإن حصل كسر فوض المنكسر إلى أحدهم وهل يغربه السيد إن قلنا بتغريب العبد وجهان أصحهما نعم لأنه بعض الحد والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه كالقن والمكاتب كالحر على الصحيح وعن ابن القطان كالقن ومن بعضه حر لا يحده إلا الإمام وهل إقامة السيد الحد بالولاية على ملكه كولاية التزويج أم تأديبا وإصلاحا كمعالجته بالفصد والحجامة وجهان

فرع فيما يقيمه السيد على رقيقه من العقوبات أما التعزير فله ذلك
في حقوق الله تعالى كما يؤدبه لحق نفسه وفيه وجه ضعيف لأن التعزير غير مضبوط فيفتقر إلى اجتهاده وأما الحدود فله الجلد في الزنى والقذف والشرب وفي الشرب وجه لأن للسيد في بضع أمته وعبده حقا فإنه لا يتزوج إلا بإذنه بخلاف الشرب وقياس هذا الفرق مجيء الوجه في جلد القذف وهل له قطعه في السرقة والمحاربة وقتله في الردة وجهان الأصح المنصوص نعم لإطلاق الخبر ومنهم من جزم بجواز القطع وأجرى ابن الصباغ وجماعة هذا الخلاف في القطع والقتل قصاصا وفي التهذيب أن الأصح أن القطع والقتل إلى الإمام


فرع في أحوال السيد إن جمع شروط الولاية أقام الحد وإن كان
امرأة فهل تقيمه هي أم السلطان أم وليها فيه أوجه أصحها الأول وللفاسق والمكاتب والكافر إقامته على رقيقهم على الأصح بناء على أن سبيله سبيل الإصلاح وفي كتاب ابن كج أن السيد لا يحد عبيد مكاتبه على المذهب وإن قلنا يحدهم المكاتب إذ لا تصرف له فيهم وفيه أنه ليس لكافر أن يحد عبده المسلم بحال وهل يقيم الأب والجد والوصي والقيم الحد على رقيق الطفل وجهان وقيل لا يجوز لغير الأب والجد وفيهما الوجهان ويشبه أن يقال إن قلنا الحد إصلاح فلهم قامته وإن قلنا ولاية ففيه الخلاف وهل يجوز كون السيد جاهلا وجهان بناء على أنه إصلاح أم ولاية ويشترط كونه عالما بقدر الحد وكيفيته
فرع العقوبة التي يقيمها السيد على عبده يقيمها إذا أقر العبد عنده
بموجبها فلو شاهده السيد فله إقامتها على الأصح وله سماع البينة بذلك على الأصح لأنه يملك إقامة هذا الحد فيسمع بينته كالإمام وعلى هذا ينظر تزكية الشهود ويشترط كونه عالما بصفاتهم وأحكام الحدود وقيل ليس له سماعها وإنما يحده بعد ثبوته عند الإمام
فرع قذف رقيق زوجته الرقيقة هل يلاعن بينهما السيد كما يقيم الحد
وجهان ولو قذف العبد سيده فله إقامة الحد عليه ولو قذف

السيد عبده فله رفع الأمر إلى القاضي ليعزره ولو زنى ذمي ثم نقض العهد واسترق لم يسقط عنه الحد ويقيمه الإمام لا السيد لأنه لم يكن مملوكا يومئذ ولو زنى عبد فباعه سيده فإقامة الحد إلى المشتري اعتبارا بحال الاستيفاء

فرع من قتل حدا بالرجم وغيره غسل وكفن وصلي عليه ودفن في
المسلمين


كتاب حد القذف
القذف من الكبائر ويتعلق به الحد بالنص والإجماع ويشترط لوجوب الحد على القاذف كونه مكلفا مختارا فلا حد على صبي ومجنون ومكره ويعزر الصبي والمجنون الذي له نوع تمييز وسواء في هذا المسلم والذمي والمعاهد فإن كان القاذف حرا فحده ثمانون جلدة وإن كان رقيقا أو مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد أو بعضه حر فأربعون جلدة ويشترط كون المقذوف محصنا وقد سبق في كتاب اللعان بيان ما يحصل به إحصانه ولا يحد الأب والجد بقذف الولد وولد الولد وقال ابن المنذر يحد
قلت الأم والجدات كالأب
والله أعلم
ومن ورث من أمه حد قذف على أبيه سقط ومن قذف شخصا بزنيتين فالمذهب أن عليه حدا واحدا وقد سبق إيضاحه في اللعان ولو قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زاني فقد سبق في اللعان أنه قذف وكذا لو خاطب خنثى بأحد اللفظتين ولو قال له زنى فرجك وذكرك فقذف صريح ولو قال زنى فرجك أو قال زنى ذكرك قال صاحب البيان الذي يقتضيه المذهب أن فيه وجهين أحدهما قذف صريح والثاني كناية كما لو أضاف الزنى إلى يد رجل أو امرأة وصرائح القذف وكناياته سبقت في اللعان
فصل قال الأصحاب حد القذف وإن كان حق آدمي ففيه مشابهة حدود
تعالى في مسائل


إحداها لو قال له اقذفني فقذفه ففي وجوب الحد وجهان الأصح لا وقول الأكثرين لا يجب
الثانية لو استوفى المقذوف حد القذف لم يقع الموقع كحد الزنى لو استوفاه أحد الرعية وفي وجه ضعيف يقع الموقع كما لو استقل المقتص بقتل الجاني
الثالثة ينشطر بالرق كما سبق وحقوق الآدمي لا تختلف قالوا لكن المغلب فيه حق الآدمي لمسائل منها أنه لا يستوفى إلا بطلبه بالاتفاق ويسقط بعفوه ويورث عنه ولو عفا عن الحد على مال ففي صحته وجهان
قلت الصحيح أنه لا يستحق المال
والله أعلم

فرع من التعريض في القذف أن يقول ما أنا بابن اسكاف ولا
قال يا قواد فليس صريحا في قذف زوجة المخاطب لكنه كنآية ولو قال يا مؤاجر فليس بصريح في قذف المخاطب على الصحيح الذي قاله الجمهور وقال ابن ابراهيم المروذي عن شيخه التيمي هو صريح في قذفه بالتمكين من نفسه لاعتياد الناس القذف به وقيل هو صريح من العامي فقط ولو رماه بحجر فقال من رماني فأمه زانية فإن كان يعرف الرامي فقاذف وإلا فلا
فصل الرمي بالزنى لا في معرض الشهادة يوجب حد القذف فأما في

معرض الشهادة فينظر إن تم العدد وثبتوا أقيم حد الزنى على المرمي ولا شىء عليهم وإن لم يتم العدد بأن شهد اثنان أو ثلاثة فهل يلزمهم حد القذف قولان أظهرهما نعم وهو نصه قديما وجديدا لأن عمر رضي الله عنه جلد الثلاثة الذين شهدوا ولئلا تتخذ صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في أعراض الناس ولو شهد على زنى امرأة زوجها مع ثلاثة فالزوج قاذف لأن شهادته عليها بالزنى لا تقبل وفي الثلاثة القولان ولو شهد أربع نسوة أو ذميون أو عبيد أو فيهم امرأة أو عبد أو ذمي فالمذهب أنهم قذفة فيحدون لأنهم ليسوا من أهل الشهادة فلم يقصدوا إلا العار وقيل فيهم القولان وصور الإمام المسألة فيما إذا كانوا في ظاهر الحال بصفة الشهود ثم بانوا عبيدا أو كفارا ومراده أن القاضي إذا علم حالهم لا يصغي إليهم فيكون قولهم قذفا محضا لا في معرض شهادة ولو شهد أربعة فساق أو فيهم فاسق نظر إن كان فسقهم مقطوعا به كالزنى والشرب فقيل فيهم القولان وقيل لا يحدون قطعا وهو الأصح عند القاضي أبي حامد لأن نقص العدد متيقن وفسقهم إنما يعرف بالظن والحد يسقط بالشبهة وإن كان فسقهم مجتهدا فيه كشرب النبيذ لم يحدوا قطعا وفي معنى الفسق المجتهد فيه ما إذا كان فيهم عدو للمشهود عليه لأن رد الشهادة بالعداوة مجتهد فيه ولو حددنا العبيد الذين شهدوا فعتقوا وأعادوا الشهادة قبلت ولو لم يتم العدد فحددنا من شهد ثم عاد من يتم به العدد فشهدوا لم تقبل شهادتهم كالفاسق ترد شهادته ثم يتوب ويعيدها لا تقبل وهذا الخلاف المذكور هو فيمن شهد في مجلس القاضي أما من شهد في غير مجلسه فقاذف بلا خلاف وإن كان بلفظ الشهادة


فرع لو شهد أربعة بالشروط المعتبرة ثم رجعوا لزمهم حد القذف لأنهم
ألحقوا به العار سواء تعمدوا أو أخطؤوا لأنهم فرطوا في ترك التثبت وقيل في حدهم القولان لأنهم شهود والمذهب الأول ولو رجع بعضهم فعلى الراجح الحد على المذهب وقيل بالقولين وأما من أصر على الشهادة فلا حد عليه وقيل بالقولين والمذهب الأول وسواء الرجوع بعد حكم القاضي بالشهادة وقبله ولو شهد أكثر من أربعة فرجع بعضهم إن بقي أربعة فلا حد على الراجعين وإلا فعلى الراجعين الحد
فرع شهد واحد على إقراره بالزنى ولم يتم العدد فطريقان أحدهما في
وجوب حد القذف عليه القولان والمذهب القطع بأن لا حد لأنه لا حد على من قال لغيره أقررت بأنك زنيت وإن ذكره في معرض القذف والتعيير
فرع تقاذف شخصان لا يتقاصان لأن التقاص إنما يكون عند اتفاق الجنس
والصفة وقد سبق معظم مسائل الكتاب في كتاب اللعان
وبالله التوفيق


كتاب السرقة
هي موجبة للقطع بالنص والإجماع وفيه ثلاثة أبواب الأول فيما يوجب القطع وهو السرقة ولها ثلاثة أركان أحدها المسروق وله ستة شروط أحدها أن يكون نصابا وهو ربع دينار من الذهب الخالص فلا قطع فيما دونه ويقطع بربع دينار قراضة بلا خلاف ولو سرق دينارا مغشوشا فإن بلغ خالصه ربعا قطع وإلا فلا ولو سرق دراهم أو غيرها قوم بالذهب وحكي أن ابن بنت الشافعي رحمهما الله اختار مذهب داود وهو أنه يجب القطع بسرقة القليل ولا يعتبر نصاب
قلت هذا غلط مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة في اعتبار ربع دينار
والله أعلم
والاعتبار بالذهب المضروب فبه يقع التقويم حتى لو سرق شيئا يساوي ربع مثقال من غير المضروب كالسبيكة وحلي لا تبلغ ربعا مضروبا بالقيمة فلا قطع على الأصح وبه قال الاصطخري وأبو علي ابن أبي هريرة والطبري وصححه الإمام وغيره وجزم به العبادي ولو سرق خاتما وزنه دون ربع وقيمته بالصنعة تبلغ ربعا فلا قطع على الصحيح والخلاف في المسألتين راجع إلى أن الاعتبار بالوزن أو بالقيمة وأما التبر الذي إذا خلص نقص فلا قطع في سرقة ربع منه بل يشترط أن يخلص منه رحع ولا سرق فلوسا ظنها دنانير قطع إن بلغت قيمتها نصابا وإلا فلا ولو سرق دنانير ظنها فلوسا لا تبلغ قيمتها نصابا قطع ولو سرق ثوبا خسيسا وفي جيبه ربع دينار أو

ما تبلغ قيمته نصابا ولم يعلم بالحال وجب القطع على الأصح لأنه أخرج نصابا من حرزه بقصد السرقة

فرع لو أخرج نصابا من حرز دفعتين فصاعدا نظر إن تخلل اطلاع
وإعادته الحرز بإصلاح النقب أو إغلاق الباب فالإخراج الثاني سرقة أخرى فإن كان المخرج في كل دفعة دون النصاب لم يجب القطع وإن لم يتخلل الاطلاع والإعادة ففيه أوجه أصحها يجب القطع والثاني لا والثالث إن عاد وسرق ثانيا بعد ما اشتهر خراب الحرز وعلم به الناس أو المالك فلا قطع وإن عاد قبله قطع والرابع إن عاد تلك الليلة قطع وإن عاد في ليلة أخرى فلا والخامس إن لم يطل الفصل بين الإخراجين قطع وإن طال فلا والسادس إن كان يخرج شيئا فشيئا ويضعه خارج البيت أو خارج الباب حتى تم نصابا ولم يفارق الحرز قطع وإن ذهب بالمسروق أولا إلى بيته ونحوه مسرعا وعاد ولو مع قرب الفصل فلا قطع
فرع انثيال الحنطة ونحوها عند فتح أسفل وعائه أو نحوه هل هو
باليد وجهان أحدهما لا لأنه خرج بسبب لا مباشرة والسبب ضعيف فلا يقطع به وأصحهما نعم لأنه بفعله هتك الحرز فعلى هذا لو أخرج بيده أو انثال دفعة ما يساوي نصابا قطع وإن أخرجه شيئا فشيئا على التواصل أو انثال كذلك قطع على المذهب وقيل وجهان ولو طر جيبه أو كمه فسقطت الدراهم

شيئا فشيئا فكانثيال الحبوب ولو أخذ طرف منديل أو جذع وأخرجه من الحرز جرا قطع لأنه شىء واحد ولو أخرج نصفه وترك النصف الآخر في الحرز لخوف أو غيره فلا قطع وإن كان حصة المخرج أكثر من نصاب لأنه مال واحد ولم يتم إخراجه

فرع لو جمع من البذر المبثوث في الأرض ما بلغ نصابا فإن
الأرض محرزة فلا قطع وإن كانت فوجهان أصحهما يقطع لأن الأرض تعد بقعة واحدة والبذر المفرق فيها كأمتعة في زوايا بيت وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان إحراز الأرض
فرع لو أخرج اثنان من حرز نصابا أو أكثر ولم يبلغ نصابين
عليهما وإن أخرجا ما يبلغ نصابين قطعا جميعا وإن انفرد كل واحد بإخراج قطع من بلغ ما أخرجه نصابا دون من لم يبلغ ما أخرجه نصابا
فرع قال الإمام إذا كان المسروق عرضا تبلغ قيمته بالاجتهاد ربع دينار
يجب ما لم يقطع المقومون ببلوغها نصابا وللمقومين قطع واجتهاد والقطع من جماعة لا يزلون معتبر ومن جماعة لا يبعد الزلل منهم فيه احتمالان أحدهما يكفي كما تقبل الشهادة مع احتمال الغلط والثاني المنع لأن الشهادة تستند إلى معاينة وقال الروياني في جمع الجوامع لو شهد عدلان بسرقة فقوم أحدهما المسروق نصابا والآخر دونه فلا قطع وأما المالك فإن رضي بأقل القيمتين فذاك

وله أن يحلف مع الذي شهد بالأكثر ويأخذه ولو شهدا بأنه نصاب وقومه آخران بدونه فلا قطع ويؤخذ في الغرم بالأقل وقال أبو حنيفة بالأكثر

فرع القيمة تختلف بالبلاد والأزمان فيعتبر في كل مكان وزمان قيمة

فرع ادعى السارق نقص قيمة المسروق عن النصاب لم يقطع فإن قامت
بأن قيمته نصاب قطع
فرع نقصت قيمة المسروق في الحرز عن نصاب بأن أكل بعضه أو
وأخرج دون نصاب فلا قطع وإن نقص بعد الإخراج قطع ولو شق الثوب في الحرز أو ذبح الشاة في الحرز ثم أخرجه فعليه ضمان النقص وإن كان المخرج نصابا قطع وإلا فلا
فرع سواء كان النصاب المسروق لواحد أو لجماعة فيجب القطع إذا اتحد
الحرز
الشرط الثاني أن يكون مملوكا لغير السارق فلا قطع على من سرق مال نفسه من يد غيره كيد المرتهن والمستأجر والمستعير والمودع وعامل القراض والوكيل والشريك فلو أخذ مع ماله نصابا

آخر لزمه القطع ولو سرق ما اشتراه من يد البائع في زمن الخيار أو بعده فلا قطع وإن سرق معه مالا آخر فإن كان قبل أداء الثمن قطع وإن كان بعده فلا قطع على الأصح كمن سرق من دار اشتراها ولو وهب له شىء فسرقه بعد القبول وقبل القبض فالصحيح أنه لا قطع بخلاف ما لو أوصى له بشىء فسرقه قبل موت الموصي فإنه يقطع وإن سرق بعد موت الموصي وقبل القبول بني على أن الملك في الوصية بماذا يحصل إن قلنا بالموت لم يقطع وإلا قطع ولو أوصى بمال للفقراء فسرقه فقير بعد موته لم يقطع كسرقة المال المشترك وإن سرقه غني قطع

فرع لو طرأ الملك في المسروق قبل إخراجه من الحرز بأن ورثه
أو اشتراه أو اتهبه وهو في الحرز فلا قطع وإن طرأ الملك بعد إخراجه من الحرز لم يسقط القطع لكن لو وقع ذلك قبل الرفع إلى القاضي لم يمكن استيفاء القطع بناء على أن استيفاء القطع يتوقف على دعوى المسروق منه ومطالبته بالمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى
فرع إذا ادعى السارق أن ما أخذه على صورة السرقة ملكه فقال
قد غصبه مني أو من مورثي أو كان وديعة لي عنده أو عارية أو كنت اشتريته منه أو وهبه لي وأذن لي في قبضه أو أذن لي في أخذه لم يقبل قوله في المال بل يصدق المأخوذ منه بيمينه في نفي الغصب والبيع والهبة وبلا يمين في قوله أذن لي في أخذ ماله ويسقط القطع بدعوى الملك على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور وفيه وجه أو قول مخرج ويجري الخلاف فيما لو ادعى أن المسروق

منه عبده وهو مجهول النسب أو أن الحرز ملكه غصبه منه المسروق منه وفيما إذا شهد عليه بزنى فادعى أن المرأة زوجته أو كانت أمة فقال باعنيها مالكها ورأى الإمام الأصح في حد الزنى أنه لا يسقط بهذه الدعوى بناء على المذهب فيما إذا قامت بينة أنه زنى بأمة فلان الغائب أنه يحد ولا ينتظر حضور الغائب بخلاف مثله في السرقة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ولا يجري فيمن قطع يد إنسان وادعى أنه أذن له في قطعها بل يقتص منه بلا خلاف لأن القطع حق آدمي فهو كالمال ولو أقر المسروق منه أن المال كان ملك السارق فلا قطع بلا خلاف وإذا قلنا بالمنصوص فسرق شخصان وادعيا أن المسروق ملكهما لم يقطعا وإن ادعاه أحدهما لنفسه أولهما وأنكره الآخر واعترف بالسرقة فلا قطع على المدعي وفي المنكر وجهان أصحهما يقطع ولو قال أحدهما هذا ملك شريكي وأخذت معه بإذنه وأنكر الشريك فالذي نقله الأصحاب أنه كالصورة المتقدمة لا قطع على من يدعي ملك الشريك وفي الآخر الوجهان وقال البغوي ينبغي أن يقال يقطع المنكر وفي المدعى الوجهان ولو سرق عبد وادعى أن المسروق ملك سيده فإن صدقه السيد فلا قطع وكذا إن كذبه على الأصح

فرع قال الإمام يجري الخلاف في دعوى الملك إذا ظهرت صورة السرقة
فإن سرق من حرز هو بما فيه في يد رجل ولم تقم بينة مفصلة فقال السارق هو ملكي فعلى قولنا بسقوط القطع ببقاء النزاع بينهما في المال فيصدق المأخوذ منه بيمينه وإن قلنا لا يسقط القطع بالدعوى فإن حلف المسروق منه ثبت القطع مع المال ويجيء الخلاف في أن القطع يثبت باليمين المردودة والأصح ثبوته كما سنذكره إن شاء الله

تعالى ويجري أيضا فيما لو قامت بينة مفصلة يثبت مثلها في السرقة فقال السارق كان أباحه أو وهبه أو باعه لي واعتمد الشهود ظاهر الحال أما إذا قال لم يزل ملكي وكان غصبنيه أو قال ما سرقت أصلا فهذا يناقض قول الشهود ويكذبهم فهل يسقط به الحد تفريعا على أن الدعوى التي لا تكذبهم مسقطة فيه وجهان أصحهما نعم قال ابن كج موضع الخلاف في أن القطع يسقط بدعوى السارق الملك ما إذا حلف المسروق منه على نفي الملك الذي يدعيه أما لو نكل حلف وحلف السارق فيستحق المال ويسقط عنه القطع بلا خلاف ولو نكل السارق أيضا فيشبه أن يجيء فيه الخلاف
الشرط الثالث أن يكون محترما فلو سرق خمرا أو كلبا أو جلد ميتة غير مدبوغ فلا قطع سواء سرقه مسلم أم ذمي لأنه ليس بمال فلو كان الإناء الذي فيه الخمر يساوي نصابا قطع على الأصح المنصوص وإن كان فيه بول فالمذهب وجوب القطع وطرد صاحب البيان فيه الوجهين وطردهما فيما يستهان به كقشور الرمان وهو بعيد بل الصواب القطع بالوجوب ولو سرق آلات الملاهي كالطنبور والمزمار أو صنما فإن كان لا يبلغ بعد الكسر والتغيير نصابا فلا قطع وإن بلغه قطع على الأصح عند الأكثرين منهم العراقيون والروياني لأنه سرق نصابا من حرز واختار الإمام وأبو الفرج الزاز أنه لا قطع من الملاهي فأشبه الخمر ولأنه غير محرز لأن كل أحد مأمور بإفساد الآت الملاهي ويجوز الهجوم على الدور لكسرها وإبطالها ولأنه لا يجوز إمساكها فهي كالمغصوب يسرق من حرز الغاصب ثم الوجهان فيما إذا قصد السرقة أما إذا قصد بإخراجها أن يشهد تغييرها وإفسادها فلا قطع بلا خلاف ولو كسر ما أخذه في

الحرز ثم أخرجه وهو يبلغ نصابا قطع على المذهب ولو سرق آنية ذهب أو فضة ففي المهذب و التهذيب إنه يقطع لأنها تتخذ للزينة والوجه ما قاله صاحب البيان أنه يبنى على اتخاذها إن جوزناه قطع وإلا فلا كالملاهي وكذا ذكره الإمام لكنه رأى نفي القطع بعيدا
الشرط الرابع أن يكون الملك تاما قويا وفيه مسائل إحداها إذا سرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالهما المشترك فهل يقطع قولان أظهرهما لا لأن له في كل قدر جزءا وإن قل فيصير شبهة كوطء المشتركة فعلى هذا لو سرق ألف دينار له منه قدر دينار شائعا لم يقطع والثاني نعم إذ لا حق له في نصيب الشريك فعلى هذا ثلاثة أوجه قال الأكثرون إن كان المال بينهما بالسوية فسرق نصف دينار فصاعدا فقد سرق من الشريك نصابا وإن كان ثلثاه للسارق فإذا سرق ثلاثة أرباع فقد سرق منه نصابا والثاني إنما يجعل سارقا لنصاب من الشريك إذا زاد المأخوذ على قدر حقه بنصاب فلو كان بينهما مناصفة فسرق نصف المال وزيادة ربع دينار أو كان ثلثاه للسارق فسرة ثلثيه وزيادة لا تبلغ ربع دينار فلا قطع والثالث إن كان المشترك مما يجبر على قسمته كالحبوب وسائر المثليات فلا قطع حتى يزيد المأخوذ على قدر حصته بنصاب وإن كان مما لا يجبر فيه كالثياب فإذا سرق نصف دينار إن اشتركا بالسوية أو ثلاثة أرباع دينار إن كان الثلثان للسارق قطع
الثانية إذا سرق من مال بيت المال نظر إن سرق مما أفرز لطائفة مخصوصين وليس السارق منهم قطع قال الإمام وكذا الفيء المعد للمرتزقة تفريعا على أنه ملكهم وإن سرق من غيره فأوجه

أحدها وهو مقتضى إطلاق العراقيين لا قطع سواء كان غنيا أو فقيرا وسواء سرق من الصدقات أو مال المصالح والثاني يقطع وأصحها التفصيل فإن كان السارق صاحب حق في المسروق بأن سرق فقير من الصدقات أو مال المصالح فلا قطع وإن لم يكن صاحب حق فيه كالغني فإن سرق من الصدقات قطع وإن سرق من المصالح فلا قطع على الأصح لأنه قد يصرف ذلك إلى عمارة المساجد والرباطات والقناطير فينتفع بها الغني والفقير أما إذا سرق ذمي مال المصالح فالصحيح أنه يقطع لأنه مخصوص بالمسلمين ولا ينظر إلى إنفاق الإمام عليهم عند الحاجة لأنه إنما ينفق للضرورة وبشرث الضمان ولا ينظر إلى انتفاعه بالقناطر والرباطات لأنه إنما ينتفع تبعا وفي وجه لا قطع واختاره البغوي وقال ينبغي أن لا يكون إنفاق الإمام عليه بشرط الضمان قال وهذا في مال المصالح أما لو سرق من مال من مات ولم يخلف وارثا فعليه القطع لأنه إرث للمسلمين خاصة ولو كفن مسلم من بيت المال فسرق نباش كفنه قطع إذا لم يبق لغير الميت فيه حق كما لو كساه حيا
الثالثة إذا سرق ستر الكعبة وهو محرز بالخياطة عليه فالمذهب وجوب القطع وبه قطع الجمهور ونقل ابن كج فيه قولين والمعروف الأول وألحقوا باب المسجد وجذعه وتأزيره وسواريه فأوجبوا القطع بسرقتها قالوا ولا قطع بسرقة ما يفرش في المسجد من حصير وغيره ولا في القناديل المسرجة لأنها معدة لانتفاع الناس والقناديل التي لا تسرج ولا يقصد منها إلا الزينة كالأبواب هذه طريقة الجمهور ورأى الإمام تخريج وجه في الأبواب والسقوف لأنها من أجزاء المسجد والمسجد مشترك وذكر في الحصر والقناديل

ونحوها ثلاثة أوجه ثالثها الفرق بين ما يقصد به الاستضاءة أو الزينة وكل هذا في المسلم أما الذمي إذا سرق الباب أو الحصير أو غيرهما فيقطع بلا خلاف وذكر الفوراني في سرقة بكرة اليد المسبلة أنه يقطع وكذا حكاه البغوي قال والوجه عندي أنها كحصير المسجد لأنها لمنفعة الناس
الرابعة لو سرق مالا موقوفا أو مستولدة وهي نائمة أو مجنونة وجب القطع على الأصح بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه وكذا من بعضه حر ولو سرق من غلة الأرض الموقوفة أو ثمرة شجرة موقوفة قطع بلا خلاف فلو كان للسارق استحقاق أو شبهة استحقاق بأن وقف على جماعة فسرقه أحدهم أو سرق أبو بعض الموقوف عليهم أو ابنه أو وقف على الفقراء فسرق فقير فلا قطع بلا خلاف

فرع الصحيح وجوب الحد على من زنى بجارية بيت المال وإن لم
بسرقة مال
الشرط الخامس أن لا يكون فيه شبهة استحقاق للسارق وفيه مسائل احداها سرق مستحق الدين مال المدين نص أنه لا قطع فقيل بإطلاقه والأصح التفصيل فإن أخذه لا بقصد استيفاء الحق أو بقصده والمدين غير جاحد ولا مماطل قطع وإن قصده وهو جاحد أو مماطل فلا قطع ولا فرق بين أن يأخذ من جنس حقه أو من غيره وقيل يختص بمن أخذ جنس حقه والصحيح الأول ولو أخذ زيادة على قدر حقه فلا قطع على الصحيح لأنه إذا تمكن من الدخول

والأخذ لم يبق المال محرزا عنه وقيل إن بلغت الزيادة نصابا وهي مستقلة قطع
الثانية من يستحق النفقة بالبعضية على المسروق منه لا يقطع بسرقة ماله ويقطع بسرقة مال الأخ وسائر الأقارب ولو سرق أحد الزوجين مال الآخر إن لم يكن محرزا عنه فلا قطع وإلا فثلاثة أقوال أظهرها يقطع والثاني لا والثالث يقطع الزوج دون الزوجة وقيل يقطعان بلا خلاف قال الأصحاب ومن لا يقطع بسرقة مال شخص لا يقطع عبده بسرقة مال ذلك الشخص فلا يقطع العبد بسرقة مال أبي سيده وابنه وفي قطع عبد أحد الزوجين بسرقته مال الآخر الخلاف وفي وجه يقطع العبد وإن لم يقطع سيده ورجحه الإمام والصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور هو الأول لأن يد العبد كيد السيد ولو سرق مكاتب أحد الزوجين مال الآخر وقلنا لا قطع على العبد فوجهان كما لو سرق المكاتب مال سيده ففيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى وعن القاضي حسين أنا إذا لم نقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر ينبغي أن لا يقطع ولد أحدهما بسرقة مال الآخر وغلط القاضي في ذلك ولو كان لرجل زوجتان سرقت إحداهما مال الأخرى أو سرق مال زوجة أبيه أو ابنه فالمذهب وجوب الحد ولا يقطع العبد بسرقة مال سيده بخلاف ما لو زنى بجاريته والمدبر وأم الولد ومن بعضه حر في كل ذلك كالقن وكذا المكاتب في الأصح ولا خلاف أن السيد لا يقطع بما في يد مملوكه وإن قدرنا له ملكا ولو سرق ممن بعضه مملوكه ما ملكه ببعضه الحر قال القفال لا يقطع وقال الشيخ أبو علي يقطع
الثالثة لو أخذ المال على صورة السرقة على ظن أن المأخوذ

ملكه أو ملك أبيه أو ابنه أن الحرز ملكه فلا قطع على الأصح للشبهة

فرع في صور يتوهم أنها شبهة وليست مؤثرة فلا أثر لكون المسروق
الأصل كالحطب والحشيش والصيد ومال المعدن ولا لكونه معرضا للفساد كالرطب والتين والرياحين والشواء والهريسة والجمد والشمع المشتعل ولو سرق عينا فقطع ثم سرقها من المالك الأول أو غيره قطع ثانيا ولا يشترط كون المسروق في يد المالك بل السرق من يد المودع والمرتهن والوكيل وعامل القراض والمستعير والمستأجر يوجب القطع والخصم فيها الماك وإذا قلنا الماء لا يملك فلا قطع بسرقته وإن قلنا يملك قطع في الأصح ووجه المنع أنه تافه ويجري الوجهان في سرقة التراب لأنه لا تقصد سرقته لكثرته ويجب القطع بسرقة المصحف وكتب التفسير والحديث والفقه وكذا الشعر الذي يحل الانتفاع به وما لا يحل الانتفاع به لا قطع فيه إلا أن يبلغ الجلد والقرطاس نصابا ويجب القطع بسرقة قرون الحيوان
الشرط السادس كونه محرزا فلا قطع في سرقة ما ليس بمحرز ويختلف الحرز باختلاف الأحوال والأموال والتعويل في صيانة المال وإحرازه على شيئين أحدهما الملاحظة والمراقبة والثاني حصانة الموضع ووثاقته فإن لم يكن للموضع حصانة كالموضوع في صحراء أو مسجد أو شارع اشترط مداومة اللحاظ وإن كان له حصانة وانضم إليها اللحاظ المعتاد كفى ولم تشترط مداومته ويحكم في ذلك العرف وتفضيله بمسائل

احداها الاصطبل حرز الدواب مع نفاستها وكثرة قيمتها وليس حرزا للثياب والنقود والصفة في الدار وعرصتها حرزان للأواني وثياب البذلة دون الحلي والنقود لأن العادة فيها الإحراز في المخازن وكذا الثياب النفيسة تحرز في الدور وفي بيوت الحانات وفي الأسواق المنيعة والمتبن حرز للتبن دون الأواني والفرش
واعلم أن ما كان حرزا لنوع كان حرزا لما دونه وإن لم يكن حرزا لما فوقه
الثانية إذا نام في صحراء أو مسجد أو شارع على ثوبه أو توسد عيبته أو متاعه أو اتكأ عليه فسرق الثوب من تحته أو العيبة أو أخذ المنديل من رأسه أو المداس من رجله أو الخاتم من أصبعه وجب القطع لأنه محرز به ولو زال رأسه عما توسده أو انقلب في النوم عن الثوب وخلاه فلا قطع بسرقته ولو رفع السارق النائم عن الثوب أولا ثم أخذه فلا قطع ولو وضع متاعه أو ثوبه بقربه في الصحراء أو المسجد فإن نام أو ولاه ظهره أو ذهل عنه بشاغل لم يكن محرزا وإن كان متيقظا يلاحظه فتغفله السارق وأخذ المال قطع على الصحيح وهل يشترط أن لا يكون في الموضع زحمة الطارقين وجهان أحدهما لا وتكفي الملاحظة لكن لا بد بسبب الزحمة من مزيد مراقبة وتحفظ وأصحهما نعم وتخرجه الزحمة عن كونه محرزا وأجري الوجهان في الخباز والبزاز وغيرهما إذا كثرت الزحمة على حانوته قال الإمام ولو وضع المتاع في شارع ولاحظه جمع صار عدد اللاحظين في معارضة عدد الطارقين كلاحظ في الصحراء في معارضة طارق ويشترط كون الملاحظ بحيث يقدر على المنع لو اطلع على سارق إما بنفسه وإما بالاستغاثة فإن كان ضعيفا لا يبالي به السارق

والموضع بعيد عن الغوث فليس بحرز بل الشخص شائع مع ماله وينبغي أن لا يفرق بين كون الصحراء مواتا أو غيره
واعلم أن الركن الأول في كونه محرزا الملاحظة فلا تكفي حصانة الموضع على أصل الملاحظة حتى إن الدار المتفردة في طرف البلد لا تكون حرزا وإن تناهت في الحصانة وكذا القلعة المحكمة لأنه إذا لم يكن الموضع على أصل الملاحظة حتى إن الدار المنفردة في طرف البلد لا تكون خطر لكن لا يحتاج مع الحصانة إلى دوام الملاحظة بخلاف ما ذكرنا في الصحراء

فرع لو أدخل يده في جيب إنسان أو كمه وأخذ المال أو
كمه وأخذ المال قطع لأنه محرز به وسواء ربطه من داخل الكم أم من خارجه أم لم يربطه وإن أخذه من رأس منديل على رأس قال البغوي إن كان قد شده عليه قطع وإلا فلا
الثالثة الدار إن كانت منفصلة عن العمارات بأن كانت في بادية أو في الطرق الخراب من البلد أو في بستان فليست بحرز إن لم يكن فيها أحد سواء كان الباب مفتوحا أو مغلقا فإن كان فيها صاحبها أو حافظ آخر نظر إن كان نائما والباب مفتوح فليست حرزا وإن كان مغلقا فوجهان الذي أجاب به الشيخ أبو حامد ومن تابعه أنه محرز والذي يقتضيه إطلاق الإمام والبغوي خلافه
قلت الذي قاله أبو حامد أقوى وجزم الرافعي في المحرر بأنه غير محرز
والله أعلم


وإن كان من فيها متيقظا فالأمتعة فيها محرزة سواء كان الباب مفتوحا أو مغلقا لكن لو كان ممن لا يبالي به وهو بعيد عن الغوث فالحكم على ما ذكرناه في الملحوظ بعين الضعيف في الصحراء وإن كانت الدار متصلة بدور أهله نظر إن كان الباب مغلقا وفيها صاحبها أو حافظ آخر فهي حرز لما فيها ليلا ونهارا متيقظا كان الحافظ أو نائما وإن كان الباب مفتوحا فإن كان من فيها نائما لم يكن حرزا ليلا قطعا ولا نهارا في الأصح وقيل حرز نهارا في زمن الأمن من النهب وغيره وإن كان من فيها متيقظا لكنه لا يتم الملاحظة بل يتردد في الدار فتغفله إنسان فسرق لم يقطع على الأصح المنصوص للتقصير بإهمال المراقبة مع فتح الباب ولو كان يبالغ في الملاحظة بحيث يحصل الإحراز بمثله في الصحراء فانتهز السارق فرصة قطع بلا خلاف ولو فتح صاحب الدار بابها وأذن للناس في الدخول كشراء متاعه كما يفعله من يخبز في داره فوجهان لأن الزحمة تشغل فأما إذا لم يكن فيها أحد فالمذهب وبه قطع البغوي أنه إن كان الباب مغلقا فهو حزر بالنهار في وقت الأمن وليس حرزا في وقت الخوف ولا في الليل وإن كانت مفتوحا لم يكن حرزا أصلا ومن جعل الدار المنفصلة عن العمارات حرزا عند إغلاق الباب فأولى أن يجعل المتصلة بها عند الإغلاق حرزا وإذا ادعى السارق أن صاحب الدار نام أو ضيع ما فيها وأعرض عن اللحاظ فقال الغزالي يسقط القطع بمجرد دعواه كما في دعوى الملك ويجيء فيه الوجه المذكور هناك
واعلم أن الأمر في كل هذا مبني على العادة الغالبة في الإحراز وعلى هذا الأصل قال الأصحاب النقد والجوهر والثياب لا تكون محرزة إلا بإغلاق الباب عليها وأمتعة العطارين والبقالين والصيادلة إذا تركها على باب الحانوت ونام فيه أو غاب عنه فإنه ضم بعضها إلى

بعض وربطها بحبل أو علق عليها شبكة أو وضع لوحين على باب الحانوت مخالفين كفى ذلك إحرازا في النهار لأن الجيران والمارة ينظرونها وإن تركها مفرقة ولم يفعل شيئا مما ذكرناه لم تكن محرزة وأما بالليل فلا تكون محرزة إلا بحارس قال الروياني
والبقل والفجل قد يضم بعضه إلى بعض ويطرح عليه حصير ويترك على باب الحانوت وهناك حارس ينام ساعة ويدور ساعة فيكون محرزا وقد يزين العامي حانوته أيام العيد بالأمتعة النفيسة ويشق عليه رفعها ليلا فيتركها ويلقى عليها نطعا وينصب حارسا فتكون محرزة بخلاف سائر الأيام لأن أهل السوق يعتادون ذلك فيقوى بعضهم ببعض والثياب على باب حانوت القصار والصباغ كأمتعة العطارين هذا فيما ينقل في العادة إلى داخل بناء ويغلق عليه باب فأما الأمتعة الثقيلة التي يشق نقلها كالحطب فهي محرزة بأن يشد بعضها إلى بعض وكذلك الخزف والقدور تحرز بالشرائح التي تنصب على وجه الحانوت وإن تركت متفرقة لم تكن محرزة وفي وجه لا يكفي الشد بل يشترط أن يكون عليها باب مغلق أو يكون على سطح محوط والأول أصح حيث جرت العادة به وكذا الطعام في الغرائر في موضع البيع محرزا إذا شد بعضها إلى بعض بحيث لا يمكن أخذ شيء منه إلا بحل الرباط أو فتق بعض الغرائر نص عليه الشافعي رحمه الله والحطب والقصيل على السطح المحوط محرزان والأجذاع الثقال على أبواب المساكين محرزة وقال البغوي متاع البقال في الحانوت في الليل محرز في وقت الأمن إذا كان الباب مغلقا وفي غير وقت الأمن لا بد من حارس ومتاع البياع والبزار لا يكون محرزا إلا بالحارس وإن الكدس في الصحراء والبذر المستتر بالتراب والزرع والقطن

قصيلا كانا أو اشتد الحرب وخرج الجوزق ليست محرزة إلا بحارس وفي جمع الجوامع للروياني أن الزرع في المزارع محرز وإن لم يكن حارس وفي تعليقه الشيخ إبراهيم المروزذي أن الزرع إذا كان قصيلا لا يحتاج إلى حارس لأنه يحفظ مثله في العادة وهذا يجري في البذر المستتر ولو كانت هذه الأشياء في محوط فهي كالثمار في البساتين والثمار على الأشجار إنك كانت في برية لا تكون محرزة إلا بحارس وفي الكرم والبساتين المحوطة كذلك إن كانت بعيدة عن الطرق والمساكن وإن كانت متصلة بها والجيران يراقبونها في العادة فهي محرزة وإلا فيحتاج إلى حارس والأشجار في أفنية الدور محرزة وفي البرية تحتاج إلى حارس والحنطة في مطامير المفازة والتبن في المتبن والثلج في المثلجة والجمد في المجمدة في الصحراء غير محرزة إلا بحارس وباب الدار والحانوت والمغلاق والحلقة على الباب محرزة بالتركيب والتسمير وكذا الآجر إذا سرق من صحن الدار أو استخرجه من الجدار داخلا أو خارجا ليلا أو نهارا وجب القطع والشرط في كونها محرزة أن تكون الدار بحيث تحرز ما فيها ولو كان باب الدار مفتوحا فدخل داخل وقلع باب بيت وأخرجه فعن أبي إسحق أنه لا قطع كما لو أخذ متاعا منها وقال الأكثرون يقطع والباب محرز بالتركيب كباب الدار والقفل على الباب محرز كالباب والحلقة وقال ابن سلمة ليس بمحرز لأنه للإحراز به لا لإحرازه والأول أصح


المسألة الرابعة الخيام بربطها وتنضيد الأمتعة فيها له تأثير في الاستغناء عن دوام اللحاظ المعتبر في الأمتعة الموضوعة في الصحراء لكنها ليست كالدور في الحصانة لأنها في نفسها قابلة للسرقة فإذا ضرب في صحراء خيمة وآوي إليها متاعا فسرق منها أو سرقت هي نظر إن لم يشد أطنابها ولم يرسل أذيالها فهي وما فيها كالمتاع الموضوع في الصحراء وإن شدها بالأوتاد وأرسل أذيالها فإن لم يكن صاحبها فيها فلا قطع وقيل الخيمة محرزة دون ما فيها والصحيح الأول وإن كان صاحبها في نفسها مستيقظا أو نائما أو نام بقربها وجب القطع بسرقتها أو سرقة ما فيها لحصول الإحراز في العادة قال الأئمة والشرط أن يكون هناك من يتقوى به فأما إذا كان في مفازة بعيدة عن الغوث وهو ممن لا يبالي به فليس بحرز ولو ضرب خيمة بين العمارة فهو كالمتاع الموضوع بين يديه في السوق وهل يشترط إسبال باب الخيمة إذا كان من فيها نائما وجهان أصحهما لا ولو شدها بالأوتاد ولم يرسل أذيالها وكان يمكن دخولها من كل وجه فهي محرزة وما فيها كيس بمحرز هكذا ذكروه وقد يفهم منه أن الأمتعة والأحمال إذا شد بعضها ببعض تكون محرزة بعض الإحراز وإن لم يكن هناك خيمة ولو أن السارق يجيء النائم في الخيمة ثم سرق فلا قطع لأنها لم تكن حرزا حين سرق
الخامسة المواشي في الأبنية المغلقة الأبواب محرزة إن اتصلت بالعمارة سواء كان صاحبها فيها أم لم يكن للعادة وإن كانت في برية لم تكن محرزة إلا إذا كان صاحبها فيها مستقيظا أو نائما فإن كان الباب مفتوحا اشترط كونه مستيقظا ويكفي أن يكون المراح من حطب أو حشيش وأما في غير الأبنية فلها أحوال
احدها أن تكون الإبل ترعى في صحراء فهي محرزة إذا كان

معها حافظ يراها جميعا ويبلغها صوته فإن لم ير بعضها لكونه في وهدة أو خلف جبل أو حائط فذلك البعض غير محرز ولو نام أو تشاغل لم تكن محرزة ولو لم يبلغ صوته بعضها ففي المهذب وغيره أن ذلك البعض غير محرز وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاء بالنظر لأنه إذا قصد ما يراه أمكنه العدو إليه وحكم الخيل والبغال والحمير وهي ترعى حكم الإبل وكذا الغنم إذا كان الراعي على نشز من الأرض يراها جميعا فهي محرزة إذا بلغها صوته وإن كانت متفرقة
الثاني أن تكون سائرة أما الإبل فإن كانت مقطورة يسوقها سائق فمحرزة إن انتهى نظره إليها وإن كانت يقودها اشترط أن ينظر إليه كل ساعة وينتهي نظره إليها إذا التفت فإن كان لا يرى البعض لحائل جبل أو بناء فذلك البعض غير محرز وحكى ابن كج وجها أنه لا يشترط انتهاء النظر إلى آخرها وليجيء هذا في سوقها ولو ركب الحافظ أولها فهو كقائدها ولو ركب غير الأول فهو لما بين يديه كسائق ولما خلفه كقائد وحيث يشترط انتهاء نظره إليها ففي اشتراط بلوغ الصوت ما سبق وقد يستغنى بنظر المارة عن نظره إذا كان يسيرها في سوق مثلا أما إذا لم تكن مقطورة بأن كانت تساق أو تقاد فمنهم من أطلق أنها غير محرزة لأنها لا تسير هكذا غالبا وبهذا قطع البغوي وقال صاحب الإفصاح المقطورة وهذه سواء وبهذا أخذ الروياني المعتبر أن تقرب منه ويقع نظره عليها ولا تعتبر صورة القطر فإن اعتبرناه فيشترط أن لا يزيد القطار الواحد على تسعة للعادة الغالبة فإن زاد فهي كغير المقطورة ومنهم من أطلق ذكر القطر ولم يقيد بعدد والأصح توسط ذكره أبو الفرج السرخسي فقال في الصحراء لا يتقيد بعدد وفي العمران يعتبر ما جرت العادة بأن

يجعل قطارا وهو ما بين سبعة إلى عشرة فإن زاد لم تكن الزيادة محرزة والخيل والبغال والحمير والغنم السائرة كالإبل السائرة إذا لم تكن مقطورة ولم يشترطوا القطر فيها لكنه معتاد في البغال ويختلف عدد الغنم المحرزة بالواحد بالبلد والصحراء
الثالث أن تكون الإبل مناخة فإن لم يكن معها أحد فليس محرزة وإن كان معها صاحبها فإن كانت معقولة لم يضر نومه ولا اشتغاله عنها لأن في حل المعقولة ما يوقظ النائم والمشتغل وإن لم تكن معقولة اشترط أن ينظر إليها ويلاحظها

فرع الطعام على دابة محرزة محرز فيقطع سارقه سواء من الوعاء أو
مع الوعاء أو مع الدابة ولو ساق بقرة وتبعها عجلها فإنما يكون العجل محرزا إذا قرب منه بحيث يراه إذا التفت وأن يلتفت كل ساعة كما سبق في قائد القطار وعن المسعودي أن الغنم المرسلة في سكة تشرع إليها أبواب الدور لا تكون محرزة حتى تأوي إلى موضع وليكن هذا فيما إذ كثرت وتعذرت الملاحظة ومن دخل مراحا وحلب الغنم أو جز صوفها وأخرج منه نصابا قطع
السادسة إذا نبش قبرا وسرق منه الكفن فالمذهب وجوب القطع في الجملة وبه قطع الجمهور وحكى ابن خيران وابن الوكيل قولا آخر أنه لا قطع فيه بحال لأنه موضوع للبلى لا للإحراز ويتفرع على المذهب صور
إحداها إن كان القبر في بيت محرز قطع بسرقة الكفن منه وكذا لو كانت المقبرة محفوفة بالعمارة يندر تخلف الطارقين عنها في زمن يتأتى فيه النبش أو كان عليها حراس مرتبون ولو كان القبر

في مفازة وبقعة ضائعة فوجهان أحدهما ليس بحرز وبه قطع صاحب المهذب والغزالي وعزاه إلى جماهير الأصحاب لأن السارق يأخذ من غير خطر والثاني واختاره القفال والقاضي ورجحه العبادي القبر حرز للكفن حيث كان لأن النفوس تهاب الموتى ولو كان القبر في بيت محرز فسرق الكفن حافظ البيت فعلى الوجه الأول لا قطع وعلى الثاني يجب ولو كان القبر في مقابر البلاد الواقعة على طرف العمارة فإن كان لها حارس وجب القطع وإلا فوجهان أصحهما يجب أيضا لأنه حرز في العادة
الثانية لو وضع في القبر شيء سوى الكفن قال الإمام إن كان القبر في بيت تعلق القطع بسرقته وإن كان في المقابر فوجهان أصحهما وبه قطع الجمهور لا قطع للعادة بخلاف الكفن لأن الشرع قطع فيه النباش وجعله محرزا لضرورة التكفين والدفن وخص الإمام الوجه الآخر بما إذا كان من جنس الكفن كثوب وضع فيه وكما لو كفن في زيادة على خمسة أثواب ففي الزيادة على الخمسة التي تلي الميت الوجهان وليس الوجه مختصا فقد حكاه الروياني فيما لو وضع في القبر مضربة أو وسادة للميت وعن بعضهم أنه أجراه فيما لو وضع معه دراهم أو دنانير بل في الرقم للعبادي أن القفال أوجب القطع فيما لو دفن معه مال في برية والتابوت الذي يدفن فيه كالأكفان الزائدة والزيادة على ما استحب تطييب الميت به كسائر الأموال وعن الماسرجسي أنه يقطع بالقدر المتسحب كالكفن
الثالثة إذا كفن من تركته فلمن الكفن فيه أوجه أصحها للورثة لكن يقدم الميت فيه كقضاء دينه وإن كان الملك للورثة وعلى هذا لو سرقه بعض الورثة أو ولد بعضهم فلا قطع

والثاني يبقى على ملك الميت لحاجته إليه وإن كان لا يثبت له الملك ابتداء كما يبقى الدين عليه وإن لم يثبت عليه ابتداء والثالث أن الملك فيه لله عز وجل فإن قلنا الملك فيه للوارث فهو الخصم في السرقة وإن قلنا للميت فهل الخصم الوارث أم الحاكم وجهان وإن قلنا لله عز وجل فالخصم الحاكم هذا ما ذكره الأصحاب وقال الإمام إن كان من يقول الملك لله تعالى أو للميت يقول يتعين رده بعد ما أخذه النباش إلى الميت ولا يجوز للوارث إبداله فالتفريع والخلاف في أن الخصم من هو صحيح لكن هذا قول عري عن التحصيل والوجه عندي أن للوارث إبداله بعد انفصاله عن الميت وحينئذ يجب الجزم بأنه الخصم لا غير ولو أكل الميت سبع أو ذهب به سيل وبقي الكفن فإن قلنا إنه ملك الورثة اقتسموه وإن قلنا ملك الميت فالأصح أنه يجعل في بيت المال لمصالح المسلمين والثاني أنه للورثة وإن قلنا لله تعالى جعل في بيت المال قطعا هذا كله إذا كفن من تركته فإن كفنه أجنبي أو كفن من بيت المال فلمن الملك فيه فيه طريقان أحدهما على الأوجه والثاني للأجنبي أو على حكم بيت المال ويكون كالعارية
قلت هذا أصح
والله أعلم
والقول في أن الخصم في السرقة من هو وفي أنه لو أكله سبع إلى من يرد الكفن مبني على الخلاف في الملك

فرع كفن سيد عبده فهل الكفن ملك السيد أم لا يملكه أحد
وجهان

أصحهما الأول ولو سرق الكفن وضاع كفن ثانيا من التركة فإن لم يكن فهو كمن مات ولا تركة له
قلت هكذا جزم صاحب التتمة بأنه يجب تكفينه ثانيا من التركة وقال صاحب الحاوي إذا كفن من ماله وقسمت التركة ثم سرق الكفن استحب للورثة تكفينه ثانيا ولا يلزمهم ذلك وهذا قوي
والله أعلم
وإنما يقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر أما إذا أخرجه من اللحد إلى فضاء القبر وتركه هناك لخوف أو غيره فلا يقطع هكذا نص عليه الشافعي رحمه الله عنه ويجوز أن يخرج على الخلاف في الإخراج من بيت إلى صحن الدار

فصل إذا كان الحرز ملكا للسارق نظر إن كان في يد المسروق
فسرق منه المؤجرة قطع لأن المنافع مستحقة للمستأجر وفي هذا الاستبدال إعلام بأن التصوير فيمن استحق بالإجارة إيواء المتاع دون من استأجر أرضا للزراعة فآوى إليها ماشية وإن كان الحرز في يده بإعارة وسرق المعير منه مال المستعير قطع على الأصح المنصوص وقيل لا وقيل إن دخل الحرز بنية الرجوع عن العارية فلا قطع وإن دخل بنية السرقة قطع ولو أعار عبدا لحفظ مال أو رعي غنم ثم سرق مما يحفظه عبده فقيل يقطع قطعا وقيل فيه الأوجه ولو أعار قميصا فلبسه المستعير وطر المعير جيبه وأخذ ما فيه قطع ولو كان الحرز في يده بغصب فسرق مالك الحرز منه فلا قطع لأن دخوله جائز فليس محرزا عنه وإن سرق منه أجنبي لم يقطع على

الأصح ولو اشترى الحرز وسرق منه قبل القبض مال البائع فإن لم يكن أدى الثمن قطع وإلا فلا على الأصح ولو غصب مالا أو سرقة ووضعه في حرزه فجاء مالك المال وسرق من ذلك الحرز مالا للغاصب فلا قطع على الأصح لأن له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله وخصص جماعة الوجهين بما إذا كان مال الغاصب متميزا لا عن ماله سواء أخذه وحده أم مع مال نفسه فأما إذا كان مخلوطا به بحيث لا يتميز أحدهما فلا قطع قطعا وهذا تفريع على أن المال المشترك لا يقطع به الشريك ولو سرق أجنبي المال المغصوب أو المسروق لم يقطع على الأصح

فصل سرق طعاما في عام القحط والمجاعة فإن كان يوجد عزيزا بثمن
قطع وإن كان لا يوجد ولا يقدر عليه فلا قطع وعلى هذا يحمل ما جاء عن عمر رضي الله عنه لا قطع في عام المجاعة
الركن الثاني نفس السرقة وهي أخذ المال على وجه الخفية فلا قطع على من أخذ عيانا كالمختلس والمنتهب فالمختلس هو من يعتمد الهرب والمنتهب الذي يعتمد القوة والغلبة ولا يقطع المودع إذا جحد وفيه ثلاثة أطراف الأول في إبطال الحرز وقد يكون بالنقب وفتح الباب وقد يكون بتغييبه عن نظر الملاحظ وفيه صور الأولى إذا نقب ثم عاد وأخرج نصابا في ليلة أخرى فإن علم صاحب الحرز بالنقب أو كان ظاهرا يراه الطارقون وبقي كذلك فلا قطع

لانتهاك الحرز وإلا فيقطع على الأصح وبه قال ابن سريج وغيره كما لو نقب وأخرج المال آخر ولو نقب واحد ودخل آخر الحرز وأخرج المال في الحال أو بعده لم يقطع واحد منهما ويضمن الأول الجدار
والثاني ما أخذه وقيل في وجوب القطع على الثاني قولان والمذهب الأول فلو كان في الدار حافظ قريب من النقيب وهو يلاحظ المتاع فهو محرز به فيقطع الآخذ
وإن كان الحافظ نائما لم يقطع في الأصح كما سبق فيمن نام في الدار وبابها مفتوح
الثانية تعاون شريكان على النقب وأخرجا نصابين بأن أخرج كل واحد نصابا أو حملا متاعا يساوي نصابين لزمهما القطع وإن تعاونا على النقب وانفرد أحدهما بالإخراج فالقطع على المخرج خاصة وحكى الإمام في المخرج وجها شاذا جدا ولو نقب واحد ودخل مع آخر وأخرجا المال قطع الجامع بين النقب والإخراج دون الآخر ولو اشتركا في النقب ولو يخرجا إلا نصابا فقد سبق أنه لا قطع على واحد منهما ولو أخرج أحدهما بعد الاشتراك في النقب ثلثا والآخر سدسا قطع صاحب الثلث دون الآخر وفيما يحصل به الاشتراك في النقب وجهان أحدهما لا يحصل بأخذ آلة واحدة ويستعملاها معا كما لا يحصل الاشتراك في قطع اليد إلا بأن يمرا حديدة واحدة وأصحهما تحصل الشركة وإن أخذ هذا لبنات وهذا لبنات
الثالثة الشريكان في النقب إذا دخل أحدهما ووضع المتاع قريبا من النقب أو دخل أحد السارقين ووضعه قريبا من باب الحرز وأدخل الآخر يده وأخذه فالقطع على الثاني المخرج دون الأول وكذا لو وقف أحدهما على طرف السطح ونزل الآخر وجمع الثياب وربطها

بحبل فرفعها الواقف فالقطع عليه لا على الأول وعليهما الضمان ولو وضع الداخل المتاع خارج الحرز أو الباب وأخذه الآخر فالقطع على المخرج دون الآخذ ولو وضع المتاع على وسط النقب فأخذه الآخر وأخرجه وهو يساوي نصابين فقولان أحدهما يقطعان وأظهرهما لا قطع على واحد منهما ولو ناول الداخل الخارج في النقب قال الروياني لا يقطع واحد منهما ذكره بعد حكايته القولين المذكورين ويشبه أن يكون هذا تفريعا على الأظهر وإلا فلا فرق ولو نقب اثنان ودخلا وأخذ أحدهما المال وشده على وسط الآخر فخرج به الآخر فالقطع على هذا الآخر دون الأول ولو أن الآخر أخذ المال فأخرجه والمتاع في يده قطع المحمول وفي الحامل وجهان أصحهما لا يقطع لأنه ليس بجامل للمال ولهذا لو حلف لا يحمل طبقا فحمل رجلا حاملا طبقا لا يحنث ولو نقب زمن وأعمى وأدخل الأعمى الزمن فأخذ المال وحمله الأعمى وأخرجه قطع الزمن وفي الأعمى الوجهان قال صاحب البيان ولو أن الأعمى حمل الزمن وأدخله فدل الزمن الأعم على المال وأخذه وخرج به قطع الأعمى ولا يقطع الزمن على الأصح ولو نقب واحد ودخل فوضع المتاع على وسط النقب فأخذه آخر أو دخل غير الناقب ووضعه في الوسط فأخذه الناقب فلا قطع على واحد منهما

فرع لا فرق في هتك الحرز بين النقب وكسر الباب وقلعه وفتح
والقفل وتسور الحائط فيجب القطع بأخذ المال في جميع هذا الأحوال


الطرف الثاني في وجوه النقل وفيه مسائل إحداها رمى المال إلى خارج الحرز من النقب أو الباب أو من فوق الجدار لزمه القطع سواء أخذه بعد الرمي أو تركه فضاع أو أخذه غيره وقيل إن لم يأخذه فلا قطع فعلى هذا لو أخذه معينة ففيه تردد للإمام والصحيح الأول لو أدخل يده في النقب أو أدخل فيه محجنا أو حبلا في رأسه كلاب من السطح وأخرج به ثوبا أو إناء ونحوه قطع
الثانية لو أتلف المال في الحرز بأكل أو إحراق فلا قطع ولو ابتلع في الحرز جوهرة أو دينارا فثلاثة أوجه أصحها أنها إن خرجت منه بعد ذلك قطع وإلا فلا والثاني لا يقطع مطلقا والثالث يقطع ونقل الغزالي وجها رابعا أنه إن أخذها بعد الانفصال عنه قطع وإلا فلا ولم أره لغيره ولو أخذ الطيب فتطيب به في الحرز ثم خرج فإن لم يمكن أن يجمع منه ما يبلغ نصابا فلا قطع وكذا إن أمكن على الأصح لأن استعماله يعد إهلاكا كأكل الطعام
الثالثة لو كان في الحرز ماء جار فوضع عليه حتى خرج قطع على الصحيح وإن كان راكدا وحركه حتى خرج به فهو كالجاري وإن حركه غيره فخرج فالقطع على المحرك وإن زاد الماء بانفجار أو مجيء سيل فخرج به لم يقطع على الأصح ولو كان في بستان أترج والماء يدخل من أحد طرفيه ويخرج من الآخر فجمع نارا ووقودا ووضعه على الماء حتى دخل وعلا الدخان فأسقط الأترج في المالء وخرج من الطرف الآخر فأخذه أو رمى الأشجار بحجارة من خارج البستان حتى تناثرت الثمار في الماء وخرجت من الجانب الآخر لم يقطع على الصحيح ولو كانت الريح تهب فعرض المتاع

حتى خرجت به أو وضعه على طرف النقب فطارت به الريح قطع ولا أثر لمعاونة الريح كما أنها لا تمنع وجوب القصاص وحل الصيد والحالة هذه ولو كانت الريح راكدة فوضعه على طرف النقب فهبت وأخرجته فلا قطع على الأصح
الرابعة لو وضع متاعا في حرز على ظهر دابة وسيرها بسوق أو قود حتى خرجت أو عقد اللؤلؤة على جناح طائر وطيره قطع على المذهب وبه قطع الأصحاب وفي البيان وجه ولو كانت الدابة في السير فوضع المتاع عليها فخرجت به فلا قطع فهو كما لو سيرها ولو لم تكن سائرة ولا سيرها بل كانت واقفة فوضع المتاع عليها فسارت وخرجت به فلا قطع على الأصح لأن لها اختيارا في السير وقيل لا قطع بلا خلاف وقيل إن سارت في الحال قطع وإلا فوجهان وقيل إن وقفت ثم سارت فلا قطع وإن سارت في الحال فوجهان ولو أخرج شاة فتبعها أخرى أو سخلتها ولم تكن الأولى نصابا ففيه هذا الخلاف والمذهب أنه لا قطع في الصورتين وفي دخول السخلة في ضمانه وجهان ولو نقب الحرز ثم أمر صبيا لا يميز بإخراج المال فأخرجه فقال الجمهور يجب القطع على الآمر قطعا وقيل على الخلاف في خروج البهيمة التي كانت واقفة وإن كان مميزا وله اختيار صحيح ورؤية فلا قطع لأنه ليس آلة له والعبد الأعجمي كالصبي الذي لا يميز
الخامسة لو سرق عبدا صغيرا لا يميز قطع إن كان محرزا وإنما يكون محرزا إذا كان في دار السيد أو بفناء داره فإن بعد عنها ودخل سكة أخرى فليس بمحرز وسواء في المحرز بفناء الدار كان وحده أو كان يلعب مع الصبيان لأنه لا يعد مضيعا وسواء

حملة نائما أو مستقيظا أو دعاه فتبعه لأنه كالبهيمة يساق أو يقاد ويجيء فيه الخلاف في تسيير البهيمة والمجنون والأعجمي الذي لا يميز كصغير لا يميز وإن كان الصغير مميزا فسرقه نائما أو سكران أو مضبوطا فعلى ما ذكرناه في غير المميز ولو دعاه وخدها فتبعه باختياره فليس بسرقة بل هو خيانة لو أكرهه بالسيف حتى خرج من الحرز قطع على الأصح ولو حمل عبدا قويا قادرا على الامتناع فلم يمتنع فلا قطع ولو حمله نائما أو سكران قال الإمام الوجه عندي الجزم بثبوت يده عليه حتى لو تلف قبل التيقظ ضمنه لأن المنقول لا يتوقف ثبوت اليد عليه على الاستيلاء والتمكن من المقاومة عند طلب الاسترداد قال وفي تحقيق السرقة نظر لأن مثل هذا العبد محرز بيده وقوته هكذا ذكر المسألة الإمام والغزالي في الوسيط على الترديد وأطلق في الوجيز أنه لا قطع قال الإمام ولو جلس حيث لا مستغاث يصاح به وهو يلاحظ متاعه فتغفله ضعيف وأخذ المال ولو شعر به صاحب المال لطرده فهل نقول لا قطع كما لو أخذه قوي لا يبالي بصاحب المال أم نقول يختلف الحكم بحسب اختلاف الآخذين الظاهر عندنا أنه يختلف
السادسة الحر لا يضمن باليد فلا قطع بسرقته وإن كان طفلا لأنه ليس بمال فلو كان مع الصبي مال أو في عنقه قلادة تبلغ نصابا فلا قطع أيضا على الأصح لأنه في يد الصبي ومحرز به فلم يخرجه من حرزه هكذا أطلق الجمهور الوجهين وصورهما الإمام فيما لو كان الصبي نائما أو مربوطا عند الحمل قال ويجريان في أن من حمله على غير صورة السرقة هل تدخل الثياب التي عليه في ضمانه ولو حمل حرا مستقلا وأخرجه من الحرز وعليه ثيابه أو معه مال

آخر قال الإمام تقدم عليه مسألة وهي أنه لو نام على بعير عليه أمتعة
فجاء سارق فأخذ بزمامه وأخرجه عن القافلة وجعله في مضيعة وفيه أربعة أوجه أحدها يجب القطع لأنه أخرج نصابا من الحرز والمأمن إلى المضيعة والثاني لا قطع لأن البعير وما عليه محرز بالراكب ولم يخرجه من يده والثالث إن كان الراكب قويا لا يقاومه السارق لو انتبه فلا قطع وإن كان ضعيفا لا يبالي به السارق قطع ولا أثر ليد الضعيف والربع وهو الأصح ولم يذكر كثيرون سواه إن كان الراكب حرا فلا قطع لأن المتاع والبعير في يده وإن كان عبدا قطع لأن العبد في نفسه مسروق يتعلق به القطع ثم بنى الإمام على هذا الخلاف خلافا حكاه في أن المستقل إذا حمله حامل هل يدخل ما عليه من الثياب تحت يد الحامل قال والقول بدخولها بعيد وهو في الحر القوي أبعد منه في الضعيف وحيث لا تثبت يد الحامل على الثياب فلا سرقة وأن ما مع الحر لا يدخل في يد الحامل لأن يد المحمول ثابتة على ما معه ولهذا نقول ما يوجد مع اللقيط يحكم بأنه في يده

فرع لو سرق حليا من عنق صبي أو سرق ثيابه قطع وفي
العبد الصغير محرزا ولو سرق قلادة من عنق كلب أو سرقها مع الكلب قطع وحرز الكلب كحرز الدواب
الطرف الثالث في المحل المنقول إليه فلا قطع بنقل المتاع من بعض زوايا الحرز إلى بعضها ولو نقل من بيت إلى صحن الدار نظر إن كان باب البيت مغلقا وباب الدار

مفتوحا قطع لأنه أخرجه من حرزه وجعله في محل الضياع وإن كان باب البيت مفتوحا وباب الدار مغلقا فلا قطع وإن كان البابان مغلقين فلا قطع على الأصح المنصوص وقيل يقطع وقيل إن كان الصحن حرزا لم يقطع وإلا فيقطع وإن كان باب البيت والدار مفتوحين فالمال ضائع إذا لم يكن محرزا باللحاظ فلا قطع وهذه الصور الأربع ظاهرة التصوير إذا لم يوجد من السارق تصرف في باب الدار بأن تسور الجدار ودخل أما إذا فتح باب الدار المغلق ثم أخرج المتاع من البيت إلى الصحن فالحرز الذي يهتكه السارق في حكم الحرز الدائم بالنسبة إليه فيكون كما لو نقل إلى الصحن وباب الدار مغلق هذا ما رآه الإمام أصح فإن أغلق الباب بعد فتحه فهو أظهر وجميع ما ذكرنا في دار هي وبيوتها لواحد فلو سكنها جماعة وانفرد كل واحد بحجرة أو بيت وفي معناها الخانات والمدارس والرباطات فهو في حق من لا يسكن الخان كدار يختص بها واحد حتى إذا سرق من حجرها أو صحنها ما يحرزه الصحن وأخرج من الخان قطع وإن أخرج من البيوت والحجر إلى صحن الخان فوجهان أحدهما يقطع بكل حال لأن الصحن ليس حرزا لصاحب البيت بل هو مشترك بين السكان كالسكة المشتركة بين أهلها وبهذا قطع صاحب المهذب وجماعة والثاني وبه قطع الغزالي والبغوي وغيرهما أنه كالإخراج من بيوت الدار إلى صحنها فيفرق بين أن يكون باب الخان مفتوحا أو مغلقا ويقرب من هذا ما حكي عن الشيخ أبي محمد أنه إن كان نهارا قطع وإن كان ليلا فلا لأن الباب يكون مغلقا وأما إذا سرق أحد السكان فإن سرق من العرصة فلا قطع لأنها مشتركة وما فيها غير محرز عنهم قال الإمام هذا إذا كان فتح الباب هينا على من يخرج منها بأن كان موثقا بسلاسل ونحوها أما إذا كان موثقا بالمغاليق وله مفتاح بيد حارس وكان يحتاج مخرج المتاع إلى معاناة وما يحتاج إليه من يحاول

الدخول من خارج ففيه تردد وإن أخرجه من بعض البيوت إلى الصحن وكان باب البيت مغلقا والصحن في حق السكان كسكة منسدة بالإضافة إلى الدور ولا فرق بين أن يكون باب الخان مفتوحا أو مغلقا كما لو كان على السكة باب لا فرق بين أن يكون مغلقا أو مفتوحا

فرع سرق الضيف مال المضيف من موضع محرز عنه قطع وإن سرقه
محرز عنه لم يقطع ولو سرق جار من طرف حانوت جاره حيث يحرز بلحاظ الجيران فلا قطع لأنه محرز به لا عنه
فرع دخل رجل الحمام مغتسلا فسرق لم يقطع فإن دخل سارقا وهناك
الحمامي أو غيره قطع فإن كان نائما أو معرضا أو لم يكن أحد فلا قطع قال البغوي وغيره إنما يقطع بسرقة ثوب من دخل الحمام إذا استحفظ الحمامي فحفظه فإن لم يستحفظه فلا ضمان على الحمامي بترك الحفظ ولا قطع على السارق وإن استحفظه فلم يحفظ ضمن ولا قطع على السارق
فرع أذن صاحب الدكان للناس في دخوله للشراء فمن دخل مشتريا وسرق
لم يقطع ومن دخل سارقا قطع وإن لم يأذن في دخوله قطع كل داخل
الركن الثالث السارق وشرطه التكليف والاختيار والالتزام فلا قطع على صبي ومجنون ومكره وحربي وفي السكران الخلاف

السابق في الطلاق وغيره ويقطع المسلم والذمي بسرقة مال المسلم والذمي وكذا يحد الذمي إذا زنى ثم في التهذيب وغيره أنا إذا ألزمنا حاكمها الحكم بينهم أقام عليه الحد وقطعه وإن لم يرض وإن لم يلزمه الحكم لم يحده ولم يقطعه إلا برضاه سواء من مسلم أو ذمي وإن كان يجب الحكم بين المسلم والذمي بلا خلاف لأن القطع حق الله تعالى لا حق المسروق منه وأشار الإمام إلى الجزم بأنه قطع إذا سرق مال مسلم ولا يتوقف على رضاه وذكر أنه إذا سرق مال ذمي لم يقطع حتى يترافعوا إلينا ويجيء القولان في إجبار الممتنع إذا جاءنا الخصم قال ولو زنى بمسلمة ففي كلام بعض الأصحاب أن الحد على القولين قال الإمام هذا غلط والصواب الجزم بإقامة الحد قهرا وإن كان ذلك لله تعالى لأنا لو فوضنا الأمر إلى رضاه لجر ذلك فضيحة عظيمة وغايتنا أن نحكم بنقض العهد وإذا طلب تجديده وجب التجديد وكيف قدر الخلاف فالمذهب أنه لا يشترط رضاه على الإطلاق كما سبق في بابي الزنى والنكاح وأما المعاهد ومن دخل بأمان ففيه أقوال أظهرها عند الأصحاب وهو نصه في أكثر كتبه لا يقطع لأنه لم يلتزم فأشبه الحربي والثاني يقطع كالذمي وكحد القذد والقصاص والثالث وهو حسن إن شرط عليه في العهد قطعه إن سرق قطع وإلا فلا ومنهم من اكتفى على هذا القول بأن يشرط عليه أن لا يسرق ومنهم من قطع بالتفصيل ومنهم من قطع بنفي القطع ولا خلاف أنه يسترد المسروق أو بدله إن تلف ولو سرق مسلم مال معاهد قال الإمام التفصيل فيه كالفتصيل في معاهد سرق مال مسلم ولو زنى معاهد بمسلمة فطريقان أحدهما أن في حد الزنى الخلاف كالقطع والثاني الجزم بأن لا حد لأنه محض حق الله تعالى لا يتعلق بخصومة آدمي وطلبه وهذا موافق لنقل

العراقيين والبغوي وفي انتقاض عهد المعاهد بالسرقة أوجه ثالثها إن شرط أن لا يسرق انتقض وإلا فلا

فرع سواء في وجوب القطع الرجل والمرأة والعبد الآبق وغيره

الباب الثاني فيما تثبت به السرقة
تثبت بثلاث حجج إحداها اليمين المردودة فإذا ادعى عليه سرقة توجب القطع فأنكر وحلف فلا شيء عليه وإن نكل ردت اليمين على المدعي فإذا حلف وجب المال والقطع هكذا نقله الإمام عن الأصحاب وكذا ذكره الغزالي وإبراهيم المروذي لأن اليمين المردودة كالإقرار وكالبينة وكلاهما يوجب القطع والذي ذكره صاحبا الشامل والبيان وغيرهما أنه لا يثبت بها القطع لأنه حق الله تعالى فأشبه ما لو قال أكره أمتي على الزنى فحلف المدعي بعد نكول المدعي عليه يثبت المهر دون حد الزنى
قلت صحح الرافعي في المحرر الأول
والله أعلم
الحجة الثانية الإقرار فإذا أقر بسرقة توجب القطع أجري عليه حكمها ولا يشترط تكرير الإقرار فلو أقر ثم رجع فالمذهب أنه لا يقبل في المال وأنه يقبل في سقوط القطع فلو رجع بعد قطع بعض اليد سقط الباقي فإن كان يرجى برؤه فذاك وإلا فللمقطوع قطع الباقي لئلا يتأذى به ولا يلزم الإمام ذلك
ولو أقر اثنان بسرقة نصابين ثم رجع أحدهما سقط القطع دون الآخر والرجوع عن الإقرار بقطع الطريق كالرجوع عن الإقرار بالسرقة ولو أقر بإكراه أمة على الزنى ثم رجع فالمذهب سقوط الحد دون المهر


فرع إذا أقر ابتداء من غير تقدم دعوى بأنه سرق من زيد
توجب القطع فهل يقطع في الحال أم ينتظر حضور زيد ومطالبته وجهان أصحهما الثاني لأنه ربما حضر وأقر أنه كان أباحه المال فيسقط الحد وإن كذبه السارق والحد يسقط بالشبهة فتأخيره أولى ولو بإكراه جارية غائب على الزنى فوجهان أصحهما يحد للزنى ولا يؤخر لأنه لا يتوقف على طلبه ولو حضر وقال كنت أبحتها له لم يسقط الحد وقال ابن سريج يؤخر لاحتمال أنه يقر بأنه وقف عليه تلك الجارية قال الإمام وعلى الأول لو قال المالك كنت بعتها أو وهبتها وأنكر المقر ينبغي أن لا يسقط الحد وعلى قياسه ينبغي أن لا يسقط الحد إذا أقر بوقف الجارية وكذبه المقر
قلت ليس الوقف كالبيع فإنه يصح بلا قبول على المختار
والله أعلم
وإذا قلنا لا يقطع حتى يحضر الغائب فهل يحبس فيه أوجه أحدها نعم كمن أقر بقصاص لغائب أو صبي والثاني إن قصرت المسافة وتوقع قدومه على قرب حبس وإلا فلا والثالث إن كانت العين تالفة حبس للغرم وإن كانت باقية أخذت منه ثم يفرق بين طول المسافة وقصرها ولو أقر بغصب مال غائب لم يحبس لأن الحكام لا مطالبة له بمال الغائب
فرع لو أقر عبد بسرقة موجبة للقطع قطع وفي قبوله في المال
أظهرها لا يقبل والثاني يقبل والثالث إن كان المال في يده قبل وإن

تلف فلا والرابع عكسه هذا إذا كان المال في يده أما إذا كان في يد السيد أو أجنبي فلا يقبل إقراره فيه بلا خلاف ولو أقر بسرقة دون النصاب لم يقبل بلا خلاف إلا أن يصدقه
سيده

فرع متى رفع إلى مجلس القضاء واتهم بما يوجب عقوبة لله تعالى
أن يعرض له بالإنكار ويحمله عليه فلو أقر بذلك ابتداء أو بعد الدعوى فهل يعرض له بالرجوع فيه أوجه الصحيح الذي قطع به عامة الأصحاب نعم للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز رضي الله عنه بعد إقراره بالزنى لعلك قبلت والثاني لا ونقله الإمام عن الجمهور وليس كما قال والثالث إن لم يكن عالما بجواز الرجوع عرض له وإلا فلا فعلى الأول هل يستحب للقاضي التعريض وجهان أحدهما نعم للحديث وأصحهما لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك التعريض في أكثر الأوقات
والتعريض في الزنى لعلك فاخذت أو لمست أو قبلت
وفي شرب الخمر لعلك لم تعلم أن ما شربته مسكر
وفي السرقة لعلك غصبت أو أخذت بإذن المالك أو من غير حرز ونحوها ولا يحمله القاضي على الرجوع تصريحا بأن يقول ارجع عن الإقرار أو اجحده وإذا ثبت الحد بالبينة لا يحمله على الإنكار وأما حقوق الآدمي فلا يعرض له بالرجوع عن الإقرار بها حتى لا يعرض في السرقة بما يسقط الغرم إنما يسعى في دفع القطع وهل للحاكم أن يعرض للشهود بالتوقف في حدود الله تعالى وجهان
قلت أصحهما نعم إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا
والله أعلم


فرع قال الإمام في الحديث من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر
بستر الله هذا دليل على أنه لا يجب على من قارف موجب حد إظهاره للإمام قال وكان شيخي يقطع به وفيه احتمال إذا قلنا الحد لا يسقط بالتوبة
قلت الصواب الجزم بأنه لا يجب الإظهار لقصة ماعز وإنما لا يسقط الحد بالتوبة على قول في ظاهر الحكم وأما فيما بينه وبين الله تعالى فالتوبة تسقط أثر المعصية
والله أعلم
الحجة الثالثة الشهادة فيثبت القطع بشهادة رجلين ولا يثبت برجل وامرأتين فلو شهد رجل وامرأتان بالسرقة أو شاهد وحلف المدعي معه ثبت المال ولا يثبت القطع كما لو علق الطلاق أو العتق على غصب أو سرقة فشهد رجل وامرأتان على الغصب أو السرقة ثبت المال دون الطلاق والعتق وقيل في ثبوت المال في السرقة قولان والمذهب الأول ولا تقبل في السرقة شهادة مطلقة لاختلاف المذاهب فيها فيشترط بيان السارق بالإشارة إليه إن كان حاضرا أو ذكر اسمه ونسبه بحيث يتميز إن كان غائبا ويكفي عند حضوره أن يقول سرق هذا وحكى ابن كج وجها أنه يشترط أن يقول هذا بعينه وليس بشىء ويشترط أن يبين المسروق والمسروق منه وكون السرقة من حرز بتعيين الحرز أو صفته وعن القاضي أبي الطيب وغيره أن الشاهد يقول أيضا ولا أعلم له فيه شبهة قال صاحب الشامل وليكن هذا تأكيدا لأن الأصل عدم الشبهة ويشترط أن تتفق شهادة الشاهدين فلو شهد أحدهما أنه سرق بكرة والآخر أنه سرق عشية أو أحدهما بسرقة كبش أبيض والآخر بكبش أسود فهما شهادتان على سرقتين

مختلفتين فلا قطع وللمشهود له أن يحلف مع أحدهما فيغرمه ولو شهد اثنان أنه سرق كذا غدوة وشهد آخران أنه سرق عشية فالبينتان متعارضتان فلا يحكم بواحدة منهما وفي الصورة الأولى لا يقال متعارضتان لأن الحجة لم تتم فلو لم تتوارد الشهادتان على معين بل قال بعضهم سرق كبشا غداة وقال بعضهم سرق كبشا عشية فإن كان الذي شهد واحدا وواحدا فلا قطع وللمشهود له أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الغرم أو معهما ويأخذ غرم ما شهدا به جميعا وإن شهد اثنان واثنان وجب القطع وغرم ما شهد به هذان وهذان لكمال الحجتين ولو شهد واحد بسرقة كبش وآخر بسرقة كبشين ثبت الواحد وتعلق به القطع إن بلغ نصابا ولو شهد واحد بسرقة ثوب قيمته ربع دينار وشهد آخر بسرقة ذلك الثوب وقومه بثمن دينار لم يقطع ويغرم ثمن دينار وللمشهود له أن يحلف مع شاهد الربع ويستحقه ولو شهد اثنان بسرقته وقالا قيمته ربع وشهد آخران بسرقته وقالا قيمته ثمن لم يقطع وللمشهود له الثمن ولو شهد أحدهما بسرقة ثوب أبيض قيمته ربع والآخر بسرقة ثوب أسود قيمته ثمن فلا قطع ولا يثبت بهما شىء لاختلافهما وله أن يحلف مع أحدهما وإن شهد اثنان واثنان تمت الشهادتان فيقطع ويغرم الربع والثمن معا

فرع كما يشترط التفصيل في الشهادة بالسرقة يشترط في الإقرار بها فلا
واسم السرقة يقع على ما يقطع به وعلى غيره وفي الشهادة على الزنى يشترط التفصيل وكذا في الإقرار به على الأصح


فرع الشهادة بالسرقة إن ترتبت على دعوى المسروق منه أو وكيله فذاك
وإنشهد الشهود على سبيل الحسبة فهل تقبل شهادتهم وجهان أصحهما نعم فعلى هذا إن كان المسروق منه غائبا فالنص أنه لا يقطع حتى يحضر الغائب ونص فيما لو شهد أربعة بالزنى بجارية غائب أنه يحد ولا ينتظر حضور الغائب فقيل قولان فيهما وقيل ينتظر المالك في الصورتين وغلطوا ناقل نص الزنى أو تأولوه والمذهب تقرير النصين والفرق أن حد الزنى لا يسقط بإباحة الوطء وحد السرقة يسقط بإباحة المال فربما كان الغائب أباحه فانتظر اعترافه ولأن القطع متعلق حق الآدمي فإنه شرع حفظا لماله فاشترط حضوره فإن قلنا لا يقطع ولا يحد في الحال فهل يحبس فيه الخلاف السابق فيمن أقر بسرقة مال غائب أو بالزنى بجارية غائب وأشار الإمام إلى أن الظاهر عند الأصحاب أنه يحبس لما يتعلق به من حق الله تعالى وإذا لم يقطع حتى حضر المالك فإن لم يطلب المال أو اعترف بما يسقط القطع فلا قطع وإن طلب ولم تظهر شبهة فإن قلنا شهادة الحسبة مقبولة قطع وهل تجب إعادة الشهادة لثبوت المال وجهان أصحهما نعم لأن شهادة الحسبة لا تقبل في الأموال والثاني لا ويثبت الغرم تبعا وإن قلنا غير مقبولة فلا بد من إعادة البينة للمال والأصح أنها لا تعاد للقطع
فرع سرق مال صبي أو مجنون قال ابن كج إن انتظرنا حضور
طلبه انتظر بلوغه وإفاقته وإلا قطعناه في الحال


فرع إذا قلنا يسقط الحد بدعوى الملك فهل يستفصله القاضي سعيا في
سقوط الحد فيه تردد للإمام
قلت الأصح لا يستفصله لأنه إغراء له بادعاء الباطل
والله أعلم
الباب الثالث في الواجب على السارق
وهو شيئان أحدهما رد المال إن كان باقيا وضمانه إن تلف سواء في ذلك الغني والفقير
الثاني القطع فتقطع من السارق والسارقة يده اليمنى فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى فإن سرق بعد ذلك عزر ونقل الإمام عن القديم قولا أنه يقتل للحديث والمشهور التعزير والحديث منسوخ أو مؤول على أنه قتله لاستحلاله أو لسبب آخر وتقطع اليد من الكوع والرجل من المفصل بين الساق والقدم ويمد العضو مدا عنيفا حتى ينخلع ثم يقطع بحديدة ماضية ويمكن المقطوع جالسا ويضبط لئلا يتحرك ويحسم موضع القطع بأن يغمس في زيت أو دهن مغلي لتنسد أفواه العروق وينقطع الدم وهل هذا حق لله تعالى وتتمة للحد أم هو حق للمقطوع ونظر له وجهان أصحهما الثاني فعلى الأول يتركه الإمام ويكون ثمن الدهن ومؤنة الحسم على الخلاف في مؤنة الجلاد وإن قلنا بالأصح فالمؤنة على

المقطوع ولو تركه السلطان فلا شىء عليه وحينئذ يستحب للسارق أن يحسم ولا يجب لأن في الحسم ألما شديدا وقد يهلك الضعيف والمداواة بمثل هذا لا تجب بحال وقيل للإمام إجباره والصحيح الأول ويستحب للإمام أن يأمر بالحسم عقب القطع ولا يفعله إلا بإذن السارق إلا على قول من أجبره والسنة أن تعلق اليد المقطوعة في عنقه ثم الذي يوجد في كتب الجمهور أنها تعلق ساعة وأطلقوا ولم يفوضوه إلى رأي الإمام وحكى الإمام وجها أنها لا تعلق ووجها تعلق ثلاثا ووجها الأمر فيه إلى رأي الإمام وهذه الأوجه غريبة ضعيفة

فرع لو كان على يمينه أصبع زائدة فوجهان أحدهما لا تقطع بل
رجله اليسرى وأصحهما تقطع ولا يبالى بالزيادة لأن المراد التنكيل بخلاف القصاص فإن مقصوده المساواة ولو كانت اليمين شلاء فإن قال أهل الخبرة إن قطعت لا ينقطع الدم لم تقطع ويكون كمن لا يمين له وإن قالوا ينقطع قطعت واكتفي بها ولو كانت ناقصة أربع أصابع اكتفينا بها لحصول الإيلام والتنكيل وإن لم يبق إلا الكف أو بعض الكف بلا أصابع ففي الاكتفاء بذلك وجهان أو قولان أصحهما الاكتفاء لما ذكرنا وطرد القاضي أبو حامد الوجهين فيما لو كانت يمينه بلا إبهام
فرع من لا يمين له تقطع رجله اليسرى كما ذكرنا ولو سرق
فسقطت بآفة أو جناية سقط عنه القطع وقيل يعدل إلى الرجل كما لو فات محل القصاص يعدل إلى بدله وهو الدية

والصحيح الأول لأن القطع تعلق بها ولو سرق مرارا ولم يقطع اكتفي بقطع يمينه عن الجميع كمن زنى أو شرب مرات يلزمه حد واحد

فرع بدر أجنبي فقطع يمين السارق بغير إذن الإمام لا قصاص عليه
مستحقة القطع فلو سرى إلى النفس فلا ضمان لأنها متولدة من مستحق لكن يعزر المبادر لافتئاته على الإمام هكذا أطلقوه ويشبه أن يجعل وجوب القصاص على الخلاف في قتل الزاني المحصن ولو قطع يساره جان أو قطعها الجلاد عمدا وجب القصاص على القاطع ولا يسقط عن السارق قطع اليمين فلو قال القاطع لم أعلم أنها يساره حلف ولزمته الدية ولو قال الجلاد للسارق أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها فطريقان قال القاضي أبو الطيب وآخرون إن قال المخرج ظننتها اليمين أو أن اليسار تجزىء سقط بها القطع على الأظهر فإن قلنا لا يسقط فقال القاطع علمت أنها اليسار وأنها لا تجزىء لزمه القصاص وإن قال ظننتها اليمين أو أنها تجزىء لزمه الدية وقال الشيخ أبو حامد يراجع القاطع أولا فإن قال علمتها اليسار وأنها لا تجزىء لزمه القصاص وبقي القطع واجبا في اليمين وإن قال ظننتها اليمين أو أن اليسار تجزىء لزمه الدية وفي سقوط قطع اليمين القولان وكلام الإمام وغيره يوافق هذا الطريق إلا أن القصاص إنما يلزم القاطع وإن علم الحال إذا لم يوجد من المخرج قصد بذل وإباحة ولو سقطت يسار السارق بآفة بعد وجوب قطع اليمين فقال أبو اسحاق يسقط قطع اليمين في قول كما في مسألة غلط الجلاد وغلطه الأصحاب وقالوا لا يسقط


فرع لو كان لمعصمه كفان نقل الإمام عن الأصحاب أنهما تقطعان ولا
يبالى بالزيادة كالأصبع الزائدة واختار هو أن يفصل فإن تميزت الأصلية وأمكن الاقتصار على قطعها لم تقطع الزائدة وإلا فتقطع فلو أشكل الحال قال الإمام فالذي رأيته للأصحاب أنهما يقطعان ويوافقه ما في فتاوى القفال أن الكفين الباطشتين تقطعان جميعا لأنهما في حكم يد ولهذا لا تجب فيهما ديتان لكن في التهذيب أنه تقطع في السرقة إحداهما فإن سرق ثانيا قطعت الأخرى ولا تقطعان بسرقة واحدة بخلاف الأصبع الزائدة لأنه لا يقع عليها اسم يد وهذا أحسن قال ولو كان يبطش بأحدهما قطعت الباطشة دون الأخرى وإن سرق ثانيا قطعت رجله فلو صارت الأخرى باطشة فسرق ثانيا قطعت هي لا الرجل فإن سرق ثالثا قطعت الرجل
قلت الصحيح المنصوص أنه لا يقطع إلا إحداهما كما ذكره في التهذيب وقد جزم به جماعة منهم القاضي أبو الطيب وصاحب البحر والشيخ نصر المقدسي وغيرهم ونقله القاضي والمقدسق عن نص الشافعي رحمه الله وقد أوضحته في صفة الوضوء من شرح المهذب
والله أعلم
فصل في مسائل منثورة في فتاوى القفال إذا كان ثوبه بين يديه
المسجد فقال لرجل احفظ ثوبي فقال نعم أحفظه فرقد صاحب الثوب وذهب الرجل وترك الثوب فسرق لزمه الضمان ولو سرقه المستحفظ فلا قطع عليه ولو أغلق باب داره أو حانوته وقال للحارس انظر إليه أو

احفظه فأهمله الحارس فسرق ما فيه لم يضمن لأنه محرز في نفسه ولم يدخل تحت يده ولو سرقه الحارس قطع وفي فتاوى الغزالي إذا تغفل السارق الحمامي وسرق الثياب اعتبر في وجوب القطع أن يخرجها من الحمام وأن الموضوع في الصحراء لا يكفي لوجوب القطع أخذه ولا النقل بخطوة ونحوها بل ضبط مثل ذلك أن يقال إحراز مثله بالمعاينة فإذا غيبه عن عينه بحيث لو تنبه له لم يره بأن دفنه في تراب أو واراه تحت ثوبه أو حال بينهما جدار فقد أخرجه من حرزه وأنه لو علم قردا النزول إلى الدار وإخراج المتاع فنقب وأرسل القرد وأخرج المتاع ينبغي أن لا يقطع لأن للحيوان اختيارا بخلاف الأخذ بالمحجن وفي فتاوى البغوي لو وضع ميت على وجه الأرض ونضدت الحجارة عليه كان ذلك كالدفن حتى يجب القطع بسرقة الكفن لا سيما إذا كان لا يمكنهم الحفر
قلت ينبغي أن لا يقطع إلا إن تعذر الحفر لأنه ليس بدفن
والله أعلم وأنهم لو كانوا في بحر فطرح الميت في الماء فأخذ رجل كفنه لم يقطع لأنه ظاهر فهو كما لو وضع الميت على شفير القبر فأخذ ولو غيبه الماء فغاص سارق وأخذ الكفن لم يقطع أيضا لأن طرحه لا يعد إحرازا وقد يتوقف في هذا وبالله التوفيق


باب قطاع الطرق
فيه أطراف الأول في صفتهم وتعتبر فيهم الشوكة والبعد عن الغوث وأن يكونوا مسلمين مكلفين فالكفار ليس لهم حكم القطاع وإن أخافوا السبيل وقيل والمراهقون لا عقوبة عليهم ويضمنون المال والنفس كما لو أتلفوا في غير هذا الحال وأما الشوكة فقطاع الطريق طائفة يترصدون في المكامن للرفقة فإذا رأوهم برزوا قاصدين الأموال معتمدين في ذلك على قوة وقدرة يتغلبون بها وفيهم شرعت العقوبات الغليظة التي سنصفها إن شاء الله تعالى وأما الذين لا يعتمدون قوة ولكن ينتهزون ويختلسون ويولون معتمدين على ركض الخيل أو العدو على الأقدام كما يتعرض الواحد والنفر اليسير لأخذ القافلة فيسلبون شيئا فليسوا بقطاع وحكمهم في الضمان والقصاص حكم غيرهم ولو خرج واحد أو شرذمة يسيرة فقصدهم جماعة يغلبونهم بقوتهم فهم قطاع وإن لم يكثر عددهم لاعتمادهم على الشوكة والنجدة بالإضافة إلى الواحد والشرذمة كذا نقله الإمام عن طرق الأصحاب ويقرب منه ما ذكره ابن كج أنه لو أقام خمسة أو عشرة في كهف أو شاهق جبل فإن مر بهم قوم لهم شوكة وعدة لم يتعرضوا لهم وإن مر قوم قليلو العدد قصدوهم بالقتل وأخذ المال فحكمهم حكم قطاع الطريق في حق الطائفة اليسيرة وإن تعرضوا للأقوياء وأخذوا شيئا فهم مختلسون ورأى الإمام أن يفصل القول في الرفقة اليسيرة والواحد فيقال إن كان خروجهم في مثل ذلك الطريق يعد تضييعا وتغريرا بالنفس والمال فالمتعرضون لهم ليسوا بقطاع وينزل خروجهم في هذه الحالة كترك المال في موضع لا يعد حرزا وأقام الإمام

ما رآه وجها ولو كانت الرفقة يتأتى منهم دفع القاصدين ومقاومتهم فاستسلموا حتى قتلوا وأخذت أموالهم فالقاصدون لهم ليسوا بقطاع لأن ما فعلوه لم يصدر عن شوكتهم بل الرفقة ضيعوا هكذا أطلقه الأصحاب ويجوز أن يقال ليست الشوكة مجرد العدد والعدة بل تحتاج مع ذلك إلى اتفاق كلمة ومتبوع مطاع وعزيمة على القتال والقاصدون للرفقة هكذا يكونون في الغالب والرفقة لا تجتمع كلمتهم ولا يضبطهم مطاع ولا عزم لهم على القتال وخلوهم عن هذه الأمور يوقعهم في التخاذل لا عن قصد منهم فينبغي أن لا يجعلوا مضيعين ولا يخرج قاصدوهم عن كونهم قطاعا ولو أن الرفقة قاتلوهم ونالت كل طائفة من الأخرى فهل هم قطاع فيه احتمالان للإمام أصحهما نعم وبه جزم الغزالي وأما البعد عن الغوث فإنما اشترط ليمكنهم الاستيلاء والقهر مجاهرة وذلك إنما يتحقق غالبا في المواضع البعيدة عن العمارة ولو خرج جماعة في المصر فحاربوا أو أغار عسكر على بلدة أو قرية أو خرج أهل أحد طرفي الجلد على الطرف الآخر وكان لا يلحق المقصودين غوث لو استغاثوا فهم قطاع طريق وإن كان يلحقهم غوث فهم منتهبون ليسوا قطاعا وامتناع لحاق الغوث لضعف السلطان أو لبعده وبعد أعوانه وقد يغلب أهل الفساد في مثل هذه الحالة فلا يقاومهم أهل العفة وتتعذر عليهم الاستغاثة ولو دخل جماعة بالليل دارا وكابروا ومنعوا أصحاب الدار من الاستغاثة مع قوة السلطان وحضوره فالأصح أنهم قطاع وبه قطع القفال والبغوي والثاني أنهم سراق والثالث مختلسون

فرع لا يشترط في قطاع الطريق الذكورة بل لو اجتمع نسوة لهن
و قوة فهن قاطعات طريق ولا يشترط أيضا شهر السلاح بل

الخارجون بالعصي والحجارة قطاع وذكر الإمام أنه يكفي القهر وأخذ المال باللكز والضرب بجمع الكف وفي التهذيب نحوه وكلام جماعة يقتضي أنه لا بد من آلة ولا يشترط العدد بل الواحد إذا كان له فضل قوة يغلب بها الجماعة وتعرض للنفوس والأموال مجاهرا فهو قاطع طريق
الطرف الثاني في عقوبتهم فإذا علم الإمام من رجل أو من جماعة أنهم يترصدون للرفقة ويخيفون السبيل ولم يأخذوا بعد مالا ولا قتلوا نفسا طلبهم وعزرهم بالحبس وغيره قال ابن سريج والحبس في هذه الحال في غير موضعهم أولى لأنه أحوط وأبلغ في الزجر والإيحاش وإن أخذ قاطع من المال قدر نصاب السرقة قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى فإن عاد مرة أخرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى وإنما يقطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة وسواء كان النصاب لواحد أو لجماعة الرفقة كما سبق في السرقة وإن كان المأخوذ دون نصاب فلا قطع وقال ابن خيران فيه قولان كالقولين في قتل قاطع الطريق هل تعتبر فيه الكفاءة لأنه فارق السرقة في اشتراط الحرز فكذا في النصاب والمذهب الأول لقوله صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار فصاعدا وما ادعاه في الحرز ممنوع بل الذي قاله الأصحاب أنه لو كان المال ضائعا تسير به الدواب بلا حافظ فلا قطع ولو كانت الجمال مقطورة ولم تتعهد كما شرطنا فيها لم يجب القطع وإن قتل قاطع الطريق قتل وهو قتل متحتم ليس سبيله سبيل القصاص وإن جمع بين القتل وأخذ المال قتل وصلب ويعتبر في المال كونه نصابا ويجيء فيه خلاف ابن خيران هذا هو المذهب وخرج ابن سلمة قولا أنه تقطع يده ورجله ويقتل ويصلب وحكى صاحب التقريب

قولا أنه إن قتل وأخذ نصابا قطع وقتل ولم يصلب وإن قتل وأخذ دون نصاب لم يقطع بل يقتل ويصلب وفي كيفية القتل والصلب ذا اجتمعا قولان أظهرهما يقتل ثم يصلب وعلى هذا كم يترك مصلوبا وجهان أصحهما وهو نصه ثلاثا فإذا مضى الثلاث وسال صليبه وهو الودك أنزل وإلا فوجهان أحدهما لا ينزل بل يترك حتى يسيل صليبه وأصحهما ينشل ويكفي ما حصل من النكال ولو خيف التغير قبل الثلاث هل ينزل وجهان أصحهما نعم وبه قال الماسرجسي وغيره والوجه الثاني من الأصل يترك مصلوبا حتى يسيل صديده ويتهرأ ولا ينزل بحال والوجهان متفقان على أن يصلب على خشبة ونحوها وهو الصحيح وعن ابن أبي هريرة أنه يطرح على الأرض حتى يسيل صديده قال الإمام وذكر الصيدلاني أنه يترك حتى يتساقط وفي القلب منه شىء فإني لم أره لغيره وإذا قلنا ينتظر سيلان الصليب لم نبال نتنه ولفظ البغوي في حكاية وجه ابن أبي هريرة أنه يترك حتى يسيل صديده إلا أن يتأذى به الأحياء وما ذكره الإمام أقرب إلى سياق ذلك الوجه
والقول الثاني في كيفية القتل أنه يصلب حيا ثم يقتل وعلى هذا كيف يقتل أيترك بلا طعام وشراب حتى يموت أم يجرح حتى يموت أم يترك مصلوبا ثلاثا ثم ينزل ويقتل فيه أوجه ويعرف بهذا أن الصلب على هذا القول يراد به صلب لا يموت منه وتقدم في كتاب الجنائز حكم الصلاة عليه وأن الخلاف السابق في إنزاله عن الخشبة بعد ثلاث وتركه جار تفريعا على القول الثاني أما إذا لم يأخذ مالا ولا قتل ولكن كثر جمع القاطعين وكان ردءا لهم وأرغب الرفقة عليه كما لا حد في مقدمات الزنى ولو أخذ بعضهم أقل من نصاب فكذلك الحكم إذا شرطنا النصاب ولا يكمل نصابه بما أخذه غيره وفيما يعاقب به الردء وجهان أصحهما يعزره الإمام باجتهاده بالحبس

أو التغريب أو سائر وجوه التأديب كسائر المعاصي والثاني يغربه بنفيه إلى حيث يرى وليختر جهة يحف بها أهل النجدة من أصحاب الإمام وإذا عين صوبا منعه العدول إلى غيره وعلى هذا هل يعزر في البلد المنفي إليه بضرب وحبس وغيرهما أم يكفي النفي وجهان
قلت الأصح أنه إلى رأي الإمام وما اقتضته المصلحة
والله أعلم

فرع من اجتمع عليه قتل وصلب فمات فهل يجب صلبه وجهان أحدهما
لأن القتل والصلب مشروعان تعذر أحدهما فوجب الآخر والثاني لا وبه قال الشيخ أبو حامد وينسب إلى النص لأنه تابع للقتل فسقط بسقوط المتبوع
الطرف الثالث في حكم هذه العقوبة وهو أمران الأول السقوط بالتوبة وقد سبق أن قاطع الطريق إذاهرب يطلب ويقام ما يستوجبه من حد أو تعزير فلو تاب قبل القدرة عليه سقط ما يختص بقطع الطريق من العقوبات على المذهب وقيل قولان وإن تاب بعد القدرة لم يسقط على المذهب وقيل قولان وهل تؤثر التوبة في إسقاط حد الزنى والسرقة والشرب في حق غير قاطع الطريق وفي حقه قبل القدرة وبعدها فيه قولان سبقا الأظهر لا يسقط صححه الإمام والبغوي وغيرهما وهو منسوب إلى الجديد لإطلاق آية الزنى وقياسا على الكفارة ورجح جماعة من العراقيين السقوط
قلت رجح الرافعي في المحرر منع السقوط وهو أقوى
والله أعلم


ثم ما يسقط بالتوبة في حق قاطع الطريق قبل القدرة يسقط بنفس التوبة وأما توبته بعد القدرة وتوبة الزاني والسارق فوجهان أحدهما كذلك ويكون إظهار التوبة كإظهار الإسلام تحت السيف والثاني يشترط مع التوبة إصلاح العمل ليظهر صدقه فيها ونسب الإمام هذا الوجه إلى القاضي حسين والأول إلى سائر الأصحاب والذي ذكره جماعة من العراقيين والبغوي والروياني هو ما نسبه إلى القاضي واحتجوا بظاهر القرآن قال الله تعالى في قطاع الطريق { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } لم يذكر غير التوبة وقال في الزنى { فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } وفي السرقة { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح } قال الإمام معرفة إصلاح العمل بأن يمتحن سرا وعلنا فإن بدا الصلاح أسقطنا الحد عنه وإلا حكمنا بأنه لم يسقط قال الإمام وهذا مشكل لأنه لا سبيل إلى حقيقته وإن خلي فكيف يعرف صلاحه ويشبه أن يقال تفريعا على هذا إذا أظهر التوبة امتنعنا من إقامة الحد فإن لم يظهر ما يخالف الصلاح فذاك وإن ظهر أقمنا عليه الحد وقد ذكرنا في باب حد الزنى في موضع القولين في سقوط الحد بالتوبة طريقين أحدهما تخصيصهما بمن تاب قبل الرفع إلى القاضي فإن تاب بعد الرفع لم يسقط قطعا والثاني طردهما في الحالين وقد يرجع هذا الخلاف إلى أن التوبة بمجردها تسقط الحد أم يعتبر الإصلاح إن اعتبرناه اشترط مضي زمن يظهر به الصدق فلا تكفي التوبة بعد الرفع

فرع إذا تاب قاطع الطريق قبل القدرة فإن كان قد قتل سقط
القتل فللولي أن يقتص وله العفو هذا هو المذهب وفيه وجه شاذ يسقط القصاص فلا يبقى عليه شىء أصلا وحكي وجه

أنه يسقط بالتوبة القصاص وحد القذف لأنهما يسقطان بالشبهة كحدود الله تعالى ونقله ابن القطان في القذف قولا قديما وليس بشىء وإن كان قد قتل وأخذ المال سقط الصلب وانحتام القتل وبقي القصاص وضمان المال وفي القصاص ما ذكرنا وإن كان قد أخذ المال سقط قطع الرجل وكذا قطع اليد على المذهب
الأمر الثاني في حكم قتله فإذا قتل قاطع الطريق خطأ بأن رمى شخصا فأصاب غيره أو شبه عمد لم يلزمه القتل وتكون الدية على عاقلته وإن قتل عمدا فقد سبق أنه يتحتم قتله واختلفوا في حكم قتله فقالت طائفة وهو الأصح هذا قتل فيه معنى القصاص ومعنى الحدود لأنه في مقابلة قتل ولكن لا يصح العفو عنه ويتعلق استيفاؤه بالسلطان وما المغلب من المعنيين فيه قولان وقال آخرون هل يتمحض حقا لله تعالى أم فيه أيضا حق آدمي قولان أظهرهما الثاني ويقال على هذا القول أصل القتل في مقابلة القتل والتحتم حق لله تعالى ويتفرع على هذا الخلاف صور
منها لو قتل قاطع الطريق من لا يكافئه كابنه وعبد وذمي فإن لم يراع معنى القصاص وحق الآدمي قتلناه حدا ولم نبال بعدم الكفاءة وإن راعيناه لم نقتله به وأوجبنا الدية أو القيمة ولو قتل عبد نفسه فقال ابن أبي هريرة والقاضي حسين هو على الخلاف وقال أبو إسحق لا يقتل قطعا كما لا يقطع إذا أخذ مال نفسه واختاره الصيدلاني


ومنها لو مات فإن راعينا القصاص أخذنا الدية من تركته وإلا فلا شىء فيها
ومنها لو قتل في قطع الطريق جماعة فإن راعينا القصاص قتل بواحد وللباقين الديات فإن قتلهم مرتبا قتل بالأول ولو عفا ولي الأول لم يسقط ذكره البغوي وإن لم نراع القصاص قتل بهم ولا دية
ومنها لو عفا الولي على مال إن راعينا القصاص سقط القصاص ووجب المال وقتل حدا كمرتد وجب عليه قصاص وعفي عنه وإن لم نراعه فالعفو لغو
ومنها لو تاب قبل القدرة لم يسقط القصاص إن راعينا معناه ويسقط الحد وإلا فلا شىء عليه
ومنها لو قتل بمثقل أو بقطع عضو فإن راعينا القصاص قتلناه بمثل ما قتل وإلا فيقتل بالسيف كالمرتد
ومنها لو قتله شخص بغير إذن الإمام إن راعينا القصاص لزمه الدية لورثته ولا قصاص لأن قتله متحتم ويجيء فيه وجه وإن لم نراعه فليس عليه إلا التعزير لافتئاته على الإمام

فرع إذا جرح قاطع الطريق جرحا ساريا فهو قاتل وقد سبق حكمه
جرح جرحا واقفا نظر إن كان مما لا قصاص فيه كالجائفة فواجبه المال ولا قتل وإن كان مما فيه قصاص كقطع يد ورجل قوبلت بمثله وهل يتحتم القصاص في الجراحة فيه أقوال أظهرها لا كما لا كفارة والثاني نعم والثالث يتحتم في اليدين والرجلين دون الأنف والأذن والعين وغيرها قال ابن الصباغ لو قطع يد رجل ثم قتله فإن قلنا الجراحة لا تتحتم فهو كما لو قطعه في غير المحاربة ثم قتله فيها

وسيأتي إن شاء الله تعالى
وإن قلنا يتحتم قطع ثم قتل
ولو قطع في المحاربة وأخذ المال نظر إن قطع يمينه فإن قلنا لا يتحتم وعفا أخذ دية اليد وقطعنا يمين المحارب ورجله اليسرى حدا وإن لم يعف أو قلنا يتحتم قطعت يمينه بالقصاص وقطعت رجله حدا كما لو قطع الطريق ولا يمين له وإن قطع يساره فإن قلنا لا يتحتم وعفا أخذ الدية وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى وإن لم يعف أو قلنا بالتحتم قطعت يساره وتؤخر قطع اليمين والرجل اليسرى حتى تندمل اليسار ولا يوالى بين عقوبتين

فصل يوالى على قاطع الطريق بين قطع يده ورجله لأن قطعهما عقوبة
واحدة كالجلدات في الحد الواحد وإن كان مقطوع اليمين قطعت رجله اليسرى ولا تجعل اليد اليسرى بدلا عن اليمنى فإن كان مفقود اليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى ولو قطع يسار انسان وسرق قطعت يساره قصاصا وأمهل إلى الاندمال ثم تقطع يمينه عن السرقة ولا يوالى لأنهما عقوبتان مختلفتان وقدم القصاص لأن العقوبة التي هي حق آدمي آكد من التي هي حق الله تعالى لأنها تسقط بما لا تسقط به عقوبة الآدمي بخلاف الحقوق المالية فإن فيها ثلاثة أقوال في أنه يقدم حق الله تعالى أم الآدمي أم يستويان لاستوائهما في التأكد وعدم السقوط بالشبهة ولو وجب قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى بقطع الطريق وقطع اليد اليسرى بقصاص قدم قطع اليسرى قصاصا ثم يمهل إلى الاندمال ثم يقطع العضوان لقطع الطريق ولو استحقت يمينه بقصاص وقطع للطريق فإن عفا

مستحق القصاص قطعت يمينه مع رجله اليسرى حدا وإلا فيقدم القصاص وتقطع الرجل اليسرى عن الحد وتقطع عقيب القصاص وقيل يمهل بها إلى الاندمال والأول أصح ولو استحقت يده اليمنى ورجله اليسرى بقصاص وقطع طريق نظر إن عفا مستحق القصاص قطع العضوان عن الحد وإن اقتص فيهما سقط الحد لفوات محله الذي تعلق به ولو قطع العضوين في قطع الطريق وأخذ المال فإن قلنا الجراحة في قطع الطريق لا تتحتم فهو كما لو قطع العضوين في غير المحاربة وقطع أيضا الطريق وإن قلنا تتحتم قطعناهما قصاصا وسقط الحد كذا ذكره الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما وسووا بين قطع العضوين قبل أخذ المال وبعده قال صاحب المهذب إن قلنا بالتحتم فإن تقدم أخذ المال واقتص في العضوين سقط الحد وإن تقدم قطع العضوين ثم أخذ المال لم يسقط بالقصاص حد قطع الطريق بل تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى

فصل اجتمع عليه عقوبات آدميين كحد قذف وقصاص عضو وقصاص نفس فإن
حضر المستحقون وطلبوا حقوقهم جميعا جلد ثم قطع ثم قتل ويبادر بالقتل بعد القطع ولا يبادر بالقطع بعد الجلد إن كان مستحق القتل غائبا لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت قصاصه وإن كان حاضرا وقال عجلوا القطع وأنا أبادر بالقتل بعد القطع فوجهان أحدهما يبادر لأن التأخير كان حقه وقد رضي بالتقديم
وأصحهما المنع خوفا من هلاكه بالموالاة ورأى الإمام تخصيص الوجهين بمن خيف موته بالموالاة بحيث يتعذر قصاص النفس لانتهائه إلى حركة

المذبوح ورأى الجزم بالمبادرة إذا أمكن استيفاء القصاص بعد القطع أما إذا لم يجتمعوا على الطلب فإن أخر مستحق النفس حقه جلد فإذا برأ قطع وإن أخر مستحق الطرف حقه جلد ويتعذر القتل لحق مستحق الطرف وعلى مستحق النفس الصبر حتى يستوفي مستحق الطرف حقه قال الغزالي ولو مكن مستحق النفس من القتل وقيل لمستحق الطرف بادر وإلا ضاع حقك لفوات محله لم يكن بعيدا ولو بادر مستحق النفس فقتله كان مستوفيا حقه ورجع مستحق الطرف إلى الدية ولو أخر مستحق الجلد حقه فقياس ما سبق أن يصبر الآخران وإذا اجتمع عليه حدود قذف لجماعة حد لكل واحد حدا ولا يوالى بل يمهل بعد كل حد حتى يبرأ هكذا ذكره البغوي وغيره لكنه سبق في القصاص أنه يوالى بين قطع الأطراف قصاصا وقياسه أن يوالى بين الحدود وذكروا تفريعا على الأول الوجهين فيما لو وجب على عبد حدان لقذف شخصين هل يوالى أصحهما عند البغوي لا لأنهما حدان والثاني نعم لأنهما كحد حر قال الروياني هذا أقرب إلى المذهب وأما ترتيب حدود القذف فينبغي أن يقال إن قذفهم مرتبا حد للأول فالأول وإن قذفهم بكلمة وقلنا بالأظهر إنه يتعدد الحد أقرع

فرع اجتمع عليه حدود لله تعالى بأن شرب وزنى وهو بكر وسرق
قتل بردة قدم الأخف فالأخف وتجب رعاية هذا الترتيب والإمهال سعيا في إقامة الجميع وأخفها حد الشرب ثم يمهل حتى يبرأ ثم يجلد للزنى ويمهل ثم يقطع فإذا لم يبق إلا القتل قتل ولم يمهل وحكى أبو بكر الطوسي وجها أنه إذا كان فيها قتل يوالى

بلا إمهال والصحيح الأول وبه قطع الجمهور ولو اجتمع معها أخذ مال في محاربة قطعت يده ورجله بعد جلد الزنى وهل يوالى بين قطع اليد والرجل أم يؤخر قطع الرجل حتى تندمل اليد وجهان أحدهما يؤخر لأن اليد مقطوعة عن السرقة والرجل عن المحاربة ولا يوالى بين حدين وأصحهما وهو المنصوص يوالى لأن اليد تقع عن المحاربة والسرقة فصار كما لو انفردت المحاربة ولو اجتمعت عقوبات لله تعالى ولآدمي بأن انضم إلى هذه العقوبات حد قذف قدم حد القذف على حد الزنى نص عليه واختلفوا لم قدم فقال أبو إسحق وجماعة لأنه حق آدمي وقال ابن أبي هريرة لأنه أخف والأول أصح عند الأصحاب وفيما يقدم من حد الشرب والقذف وجهان بناء على المعنيين ويجريان في حد الزنى وقصاص الطرف والإمهال بعد كل عقوبة إلى الاندمال على ما ذكرنا ولو كان الواجب بدل قتل الردة قتل قصاص فالقول في الترتيب والإمهال كذلك ولو اجتمع الرجم للزنى وقتل قصاص فهل يقتل رجما بإذن الولي ليتأدى الحقان أم يسلم إلى الولي ليقتله قصاصا وجهان أصحهما الثاني
ولو كان الواجب قتل محاربة فهل يجب التفريق بين الحدود المقامة قبل القتل وجهان أحدهما لا لجنه متحتم القتل فلا معنى للإمهال بخلاف قتل الردة والقصاص فإنه يتوقع الإسلام والعفو وأصحهما نعم لأنه قد يموت بالموالاة فتفوت سائر الحدود ولو اجتمع قتل محاربة مع قصاص في غير محاربة نظر إن سبق قتل المحاربة قتل حدا ويعدل صاحب القصاص إلى الدية وإن سبق قتل القصاص خير الولي فيه فإن عفا قتل وصلب للمحاربة وإن اقتص عدل لقتل المحاربة إلى الدية وهل يصلب فيه الخلاف المذكور فيما إذا مات المحارب قبل قتله

ولو سرق ثم قتل في المحاربة فهل يقطع للسرقة ويقتل للمحاربة أم يقتصر على القتل والصلب ويندرج حد السرقة في حد المحاربة وجهان

فرع من زنى مرارا وهو بكر حد لها حدا واحدا وكذا لو
مرارا وهل يقال تجب حدود ثم تعود إلى حد واحدة أم لا يجب إلا حد وتجعل الزنيات كالحركات في زنية واحدة ذكروا فيه احتمالين ولو زنى أو شرب فأقيم عليه الحد ثم زنى أو شرب أقيم عليه حد آخر فإن لم يبرأ من الأول أمهل حتى يبرأ ولو أقيم عليه بعض الحد فارتكب الجريمة ثانيا دخل الباقي في الحد الثاني وإذا زنى فجلد ثم زنى قبل التغريب جلد ثانيا وكفاه تغريب واحد ولو جلد خمسين فزنى ثانيا جلد مائة وغرب ودخل في المائة والخمسون الباقية ولو زنى وهو بكر ثم زنى قبل أن يحد وقد أحصن فهل يكتفى بالرجم ويدخل فيه الجلد أم يجمع بينهما وجهان أصحهما عند الإمام والغزالي الأول وأصحهما عند البغوي وغيره الثاني لاختلاف العقوبتين وعلى هذا فهل يجلد مائة ويغرب عاما ثم يرجم أم يجلد ويرجم ويدخل التغريب في الرجم وجهان أصحهما الثاني
ولو زنى عبد فعتق قبل الحد وزنى ثانيا فإن كان بكرا جلد مائة وغرب عاما وإن كان محصنا جلد خمسين ثم رجم هكذا أطلقه البغوي ويشبه أن يكون على الخلاف فيمن زنى وهو بكر ثم زنى وهو محصن
ولو زنى ذمي محصن ثم نقض العهد واسترق فزنى ثانيا ففي دخول الجلد في الرجم الوجهان قال البغوي الأصح المنع فيجلد خمسين ثم يرجم وإن قلنا بتغريب العبد ففي اندراج التغريب في الرجم الوجهان


فصل لا يثبت قطع الطريق إلا بشهادة رجلين ويشترط في الشهادة التفصيل
وتعيين قاطع الطريق ومن قتله أو أخذ ماله وتقاس صوره بما سبق في الشهادة على السرقة ولو شهد اثنان من الرفقة نظر إن لم يتعرضا لقصد المشهود عليه نفسا ومالا قبلت شهادتهما وليس على القاضي أن يبحث عنهما هل هما من الرفقة أم لا فإن بحث فلهما أن لا يجيبا وإن لم يثبتا على الشهادة وإن قالا قطع هذا وهؤلاء علينا الطريق فأخذوا مالنا ومال رفقتنا لم تقبل شهادتهما في حق أنفسهما ولا في حق غيرهما وقيل في حق غيرهما قولان والمذهب الأول لأنهما صارا عدوين قال الماسرجسي وغيره لو شهد رجلان بوصية لهما فيها نصيب أو إشراف لم تقبل في شىء وإن قالا نشهد بها سوى ما يتعلق بنا من المال والإشراف قبلت شهادتهما
فصل يحسم موضع القطع من قاطع الطريق كما سبق في السارق ويجوز
تحسم اليد ثم تقطع الرجل وأن تقطعا جميعا ثم تحسما قال العبادي في الرقم إن قلنا إن قتل قاطع الطريق يراعى فيه معنى القصاص لزمه الكفارة وإن قلنا حد محض فلا كفارة


باب حد شارب الخمر
شرب الخمر من كبائر المحرمات قال الأصحاب عصير العنب إذا اشتد وقذف بالزبد حرام بالإجماع وسواء قليله وكثيره ويفسق شاربه ويلزمه الحد ومن استحله كفر وعصير الرطب النيء كعصير العنب النيء كذا ذكره البغوي وطائفة وحكاه الروياني عن بعضهم واستغربه واختار كونه كسائر الأشربة أما سائر الأشربة المسكرة فهي في التحريم ووجوب الحد عندنا كعصير العنب لكن لا يكفر مستحلها لاختلاف العلماء فيها وذكر الأصحاب خلافا في أن اسم الخمر هل يتناولها والأكثرون على المنع وكل شراب حكمنا بتحريمه فهو نجس وبيعه باطل وما لا يسكر من الأنبذة لا يحرم لكن يكره شرب المنصف والخليطين للحديث الناهي عنهما والمنصف ما عمل من تمر ورطب وشراب الخليطين ما عمل من بسر ورطب وقيل ما عمل من تمر وزبيب وسبب النهي أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس بمسكر ويكون مسكرا وهذا كالنهي عن الانتباذ في الأوعية التي كانوا ينبذون فيها كالدباء وهو القرع والحنتم وهو جرار خضر والنقير وهو جذع ينقر ويتخذ منه إناء والمزفت وهو المطلي بالزفت وهو القار ويقال له المقير لأن هذه الأوعية يشتد فيها ولا يعلم به بخلاف الأسقية من الأدم
قلت والنهي عن هذه الأوعية منسوخ ثبت نسخه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم
والله أعلم
وفي الباب طرفان الأول في الشراب الموجب للحد فكل ملتزم لتحريم المشروب شرب ما يسكر جنسه مختارا بلا ضرورة ولا عذر لزمه الحد فهذه خمسة قيود


الأول الملتزم فلا حد على صبي ومجنون وحربي والمذهب أن الذمي لا يحد بالخمر وأن الحنفي يحد بشرب النبيذ وإن كان لا يعتقد تحريمه ويأتي في الشهادة إن شرب الحنفي النبيذ هل يفسق به وترد شهادته إن شاء الله تعالى
الثاني قولنا شرب ما يسكر جنسه يخرج بلفظ الشرب ما لو احتقن أو استعط بالخمر فلا حد لأن الحد للزجر ولا حاجة فيه إلى الزجر وقيل يحد وقيل يحد في السعوط دون الحقنة والأول أصح ويتعلق بكون المشروب مسكرا في جنسه صور منها أنه يدخل فيه النبيذ ودردي الخمر والثخين منها إذا أكله بخبز أو ثرد فيها وأكل الثريد أو طبخ بها وأكل المرق فيحد بكل ذلك ولا يحد بأكل اللحم المطبوخ بها ولا بأكل خبز أو معجون عجن بها على الصحيح فيهما وعلى هذا قال الإمام من شرب كوز ماء فيه قطرات خمر والماء غالب لم يحد لاستهلاك الخمر
الثالث كون الشارب مختارا فلا حد على من أوجر قهرا والمذهب أنه لا يحد من أكره حتى شرب وذكر ابن كج فيه وجهين
الرابع أن لا يكون مضطرا فلو غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها غير الخمر وجب عليه إساغتها بالخمر ولا حد وحكى إبرهيم المروذي في تحريم الإساغة وجهين لعموم النهي والمذهب الأول وأما شربها للتداوي والعطش والجوع إذا لم يجد غيرها ففيه أوجه أصحها والمنصوص وقول الأكثرين لا يجوز لعموم النهي ولأن بعضها يدعو إلى بعض
والثاني يجوز كما يجوز شرب البول والدم لذلك وكما يتداوى بالنجاسات كلحم الحية والسرطان والمعجون فيه خمر
والثالث يجوز للتداوي دون العطش والجوع ورجحه الروياني
والرابع عكسه لأن دفع العطش موثوق به في الحال وهذا هو الصحيح عند الإمام ونقل اتفاق الأصحاب على تحريم التداوي قال وبلغنا عن

آحاد من المتأخرين لبس بجوازه من غير تدوين في كتاب
والخامس يجوز للعطش دون الجوع لأنها تحرق كبد الجائع ثم الخلاف في التداوي مخصوص بالقليل الذي لا يسكر ويشترط خبر طبيب مسلم أو معرفة المتداوي إن عرف ويشترط أن لا يجد ما يقوم مقامها ويعتبر هذان الشرطان في تناول سائر الأعيان النجسة ولو قال الطبيب يتعجل بها الشفاء فالأصح أنه كرجاء الشفاء ثم قال القاضي حسين والغزالي لا حد على المتداوي وإن حكمنا بالتحريم لشبهة الخلاف وقال الإمام أطلق الأئمة المعتبرون أقوالهم في طرقهم أن التداوي حرام موجب للحد وإذا جوزنا الشرب للعطش لزمه الشرب كتناول الميتة للمضطر ولا حد وإذا لم نجوزه ففي الحد الخلاف كالتداوي
الخامس أن لا يكون له عذر في الشرب فلو شرب قريب عهد بالاسلام وادعى جهل التحريم لم يحد فلو قال علمت التحريم وجهلت الحد وجب الحد ولو شرب خمرا وهو يظن أنه يشرب غير مسكر في جنسه فلا حد وإن سكر منه لم يلزمه قضاء الصلوات كالمغمى عليه وإن علم أنه من جنس المسكر وظن أن ذلك القدر لا يسكر حد ولزمه قضاء الصلوات الفائتة في السكر

فرع إنما يجب الحد إذا ثبت الشرب بإقراره أو شهادة رجلين وفي
الشيخ أبي حامد أنه يجب أيضا إذا علمنا شربه المسكر بأن رأيناه شرب من شراب إناء شرب منه غيره فسكر وليكن هذا مبنيا على أن القاضي يقضي بعلمه ولا تعويل على النكهة وظهور الرائحة منها ولا على مشاهدة سكره وتقيئه الخمر لاحتمال غلط أو إكراه ثم صيغة المقر والشاهد إن كانت مفصلة بأن قال شربت الخمر أو شربت ما شرب منه غيري فسكر منه وأنا به عالم مختار وفصل الشاهد

كذلك فذاك وإن قال شربت الخمر أو ما شربه غيري فشرب منه فسكر منه واقتصر عليه أو شهد اثنان أنه شرب الخمر من غير تعرض للعلم والاختيار فوجهان أحدهما لا حد لاحتمال الجهل والإكراه كما لا بد من التفصيل في الزنى وبهذا قال القاضي أبو حامد واختاره الإمام وأصحهما وأشهرهما وظاهر النص وبه قطع بعضهم يجب الحد لأن إضافة الشرب إليه حاصلة والأصل عدم الإكراه والظاهر من حال الآكل والشارب العلم بما يشربه وصار كالإقرار بالبيع والطلاق وغيرهما والشهادة عليها لا يشترط فيها تعرض للاختيار والعلم بخلاف الزنى فإنه يطلق على مقدماته وفي الحديث العينان تزنيان
فروع ما يزيل العقل من غير الأشربة كالبنج حرام لكن لا حد في تناوله ولو احتيج في قطع اليد المتآكلة إلى زوال عقله هل يجوز ذلك يخرج على الخلاف في التداوي بالخمر
قلت الأصح الجواز وقد سبق في مسائل طلاق السكران ومن زال عقله ما يقتضي الجزم به ولو احتاج إلى دواء يزيل العقل لغرض صحيح جاز تناوله قطعا كما سبق هناك
والله أعلم
الند المعجون بالخمر نجس قال ابن الصباغ ولا يجوز بيعه وكان ينبغي أن يجوز كالثوب النجس لإمكان تطهيره بنقعه في الماء ومن يتبخر به هل يتنجس فيه وجهان كدخان النجاسة
الطرف الثاني في الحد الواجب في الشرب وهو أربعون جلدة على الحر وعشرون على الرقيق واختار ابن المنذر أنه ثمانون وهل يجوز أن يضرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب والسوط أم يتعين ما عدا السوط أم يتعين السوط فيه

ثلاثة أوجه الصحيح الأول وهو جواز الجميع ولو رأى الإمام أن يبلغ به ثمانين أو ما بينها وبين الأربعين جاز على الأصح فعلى هذا هل الزيادة تعزير أم حد وجهان أصحهما عند الجمهور تعزير لأنها لو كانت حدا لم يجز تركها وتركها جائز فعلى هذا هو تعزيرات على أنواع من هذيان يصدر منه ونحوه والثاني أن الزيادة حد لأن التعزير لا يكون إلا على جناية مخففة ثم كان ينبغي أن لا ينحصر في ثمانين وتجوز الزيادة عليها وهي غير جائزة بالاتفاق وعلى هذا حد الشرب مخصوص بأن يتحتم بعضه ويتعلق بعضه باجتهاد الإمام

فصل في كيفية الجلد في الزنى والقذف والشرب وهو بسوط معتدل الحجم
بين القضيب والعصا وبه تعتبر الخشبات ولا يكون رطبا ولا شديد اليبوسة خفيفا لا يؤلم ويضرب ضربا بين ضربين فلا يرفع الضارب يده فوق رأسه بحيث يبدو بياض إبطه لأنه يشتد ألمه ولا يضع السوط عليه وضعا فإنه لا يؤلم ولكن يرفع ذراعه ليكسب السوط ثقلا فإن كان المجلود رقيق الجلد يدمى بالضرب الخفيف لم يبال به ويفرق السياط على الأعضاء ويتقي الوجه والمقاتل كثغرة النحر والفرج ونحوهما وهل يجتنب الرأس وجهان أصحهما عند الجمهور لا لأنه مستور بالشعر بخلاف الوجه ولا تشد يده بل تترك يداه ليتقي بهما ولا يلقى على وجهه ولا يمد ولا يجرد عن الثياب بل يترك عليه قميص أو قميصان ولا يترك عليه ما يمنع الألم من جبة محشوة وفروة ويجلد الرجل قائما والمرأة

جالسة وتلف أو تربط عليها ثيابها ويتولى لف ثيابها امرأة وأما الضرب فليس من شأن النساء فيتولاه رجل ويوالي بين الضربات ولا يجوز أن يفرق فيضرب في كل يوم سوطا أو سوطين لأنه لا يحصل به إيلام وتنكيل وزجر ولو جلد في الزنى في يوم خمسين متوالية وفي يوم يليه خمسين كذلك أجزأ قال الإمام في ضبط التفريق إن كان بحيث لا يحصل من كل دفعة ألم له وقع كسوط أو سوطين في كل يوم لم يجز وإن كان يؤلم ويؤثر بماله وقع فإن لم يتخلل زمن يزول فيه الألم الأول كفى وإن تخلل لم يكف على الأصح

فرع لا يقام حد الشرب في السكر بل يؤخر حتى يضيق
فرع لا تقام الحدود في المسجد ولا التعزير فإن فعل وقع الموقع
في أرض مغصوبة

باب التعزير
هو مشروع في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة سواء كانت من مقدمات ما فيه حد كمباشرة أجنبية بغير الوطء وسرقة ما لا قطع فيه والسب والإيذاء بغير قذف أو لم يكن كشهادة الزور والضرب بغير حق والتزوير وسائر المعاصي وسواء تعلقت المعصية بحق الله تعالى أم بحق آدمي ثم جنس التعزير من الحبس أو الضرب جلدا أو صفعا إلى رأي الإمام فيجتهد ويعمل ما يراه من الجمع بينهما والاقتصار على أحدهما وله الاقتصار على التوبيخ باللسان على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى
قال الإمام قال الأصحاب عليه أن يراعي الترتيب والتدريج كما يراعيه دافع الصائل فلا يرقى إلى مرتبة وهو يرى ما دونها مؤثرا كافيا وأما قدر التعزير فإن كان من غير جنس الحد كالحبس تعلق باجتهاد الإمام وإن رأى الجلد فيجب أن ينقص عن الحد وفي ضبطه أوجه أحدها أنه يفرق بين المعاصي وتقاس كل معصية بما يناسبها من الجناية الموجبة للحد فيعزر في الوطء المحرم الذي لا يوجب حدا وفي مقدمات الزنى دون حد الزنى وفي الإيذاء والسب بغير قذف دون حد القذف وفي إدارة كأس الماء على الشرب تشبيها بشاربي الخمر دون حد الخمر وفي مقدمات السرقة دون حد السرقة وعلى هذا فتعزير الحر يعتبر بحده والعبد بحده والوجه الثاني أن جميع المعاصي سواء ولا يزاد تعزير على عشر جلدات للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد والثالث وهو الأصح عند الجمهور وظاهر النص أنه تجوز الزيادة على عشرة بحيث ينقص عن أدنى حدود المعزر فلا يزاد تعزير حر على تسع وثلاثين جلدة ولا العبد على تسع عشرة

والحديث قال بعضهم إنه منسوخ واستدل بعمل الصحابة رضي الله عنهم بخلافه من غير إنكار والرابع يعتبر أدنى الحدود على الإطلاق فلا يزاد حر ولا عبد على تسع عشرة والخامس حكاه البغوي الاعتبار بحد الحر فيبلغ بالحر والعبد تسعا وثلاثين

فصل من الأصحاب من يخص لفظ التعزير بضرب الإمام أو نائبه للتأديب
في غير حد ويسمي ضرب الزوج زوجته والمعلم الصبي والأب ولده تأديبا لا تعزيرا ومنهم من يطلق التعزير على النوعين وهو الأشهر فعلى هذا مستوفي التعزير الإمام والزوج والأب والمعلم والسيد أما الإمام فيتولى بالولاية العامة إقامة العقوبات حدا وتعزيرا والأب يؤدب الصغير تعليما وزجرا عن سيء الأخلاق وكذا يؤدب المعتوه بما يضبطه ويشبه أن تكون الأم في زمن الصبي في كفالته كذلك كما ذكرنا في تعليم أحكام الطهارة والصلاة والأمر بها والضرب عليها أن الأمهات كالآباء والمعلم يؤدب الصبي بإذن الولي ونيابة عنه والزوج يعزر زوجته في النشوز وما يتعلق به ولا يعزرها فيما يتعلق بحق الله تعالى والسيد يعزر في حق نفسه وكذا في حق الله تعالى على الأصح وإذا أفضى تعزير إلى هلاك وجب الضمان على عاقلة المعزر ويكون قتله شبه عمد فإن كان الإسراف في الضرب ظاهرا وضربه بما يقصد به القتل غالبا فهو عمد محض وحكى الإمام عن المحققين تفريعا على هذه القاعدة أن المعزر إذا علم أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح لم يكن له الضرب المبرح ولا غيره أما المبرح فلأنه مهلك وليس له الإهلاك وأما غيره فلا فائدة فيه

فصل الجناية المتعلقة بحق الله
تعالى خاصة يجتهد الإمام في تعزيرها بما يراه من ضرب أو حبس أو اقتصار على التوبيخ بالكلام وإن رأى المصلحة في العفو فله ذلك وإن تعلقت الجناية بحق آدمي فهل يجب التعزير إذا طلب وجهان أحدهما يجب وهو مقتضى كلام صاحب المهذب كالقصاص والثاني لا يجب كالتعزير لحق الله تعالى وهذا هو الذي أطلقه الشيخ أبو حامد وغيره ومقتضى كلام البغوي ترجيحه وقال الإمام قدر التعزير وما به التعزير إلى رأي الإمام ولا تكاد تظهر جنايته عند الإمام إلا ويوبخه ويغلظ له القول فيؤول الخلاف إلى أنه هل يجوز الاقتصار على التوبيخ ولو عفد مستحق العقوبة عن القصاص أو الحد أو التعزير فهل للإمام التعزير فيه أوجه أحدها لا لأنه أسقطها والثاني نعم لأن فيه حقا لله تعالى ويحتاج إلى زجره وزجر غيره عن مثل ذلك وأصحها إن عفا عن الحد فلا تعزير وإن عفا عن بعزير عزر لأن الحد مقدر لا نظر للإمام فيه فإذا سقط لم يعدل إلى غيره والتعزير يتعلق أصله بنظره فلم يؤثر فيه إسقاط غيره وبالله التوفيق

كتاب ضمان إتلاف الإمام
وحكم الصيال وإتلاف البهائم فيه ثلاثة أبواب
الأول في ضمان يلزم الولاة بتصرفاتهم وفيه طرفان الأول في موجب الضمان والثاني في محله
أما الأول فما يفضي إلى الهلاك من التصرفات المتعلقة بالولاة أنواع أحدها التعزير فإذا مات منه المعزر وجب ضمانه لأنه تبين بالهلاك أنه جاوز الحد المشروع وحكي وجه أنه لا ضمان إذا عزر لحق الآدمي بناء على أنه واجب إذا طلب المستحق فصار كالحد والصحيح الأول ويجب الضمان أيضا في تعزير الزوج والمعلم إذا أفضى إلى الهلاك سواء ضربه المعلم بإذن أبيه أو دون إذنه لكن لو كان مملوكا فضربه بإذن سيده قال البغوي لا ضمان لأنه لو أذن في قتله فقتله لم يضمنه ثم الضمان الواجب الدية على عاقلة الزوج والمعلم وفي حق الإمام هل هو على عاقلته أم في بيت المال فيه خلاف سبق ويعود أيضا إن شاء الله تعالى لكن لو أسرف المعزر وظهر منه قصد القتل تعلق به القصاص والدية المغلظة في ماله
الثاني الحد والحدود في غير الشرب مقدرة بالنص فمن مات منها فالحق قتله فلا ضمان لكن لو أقيم الحد في حر أو برد مفرطين ففي الضمان خلاف سبق والمذهب أنه لا ضمان أيضا وأما حد الشرب فإن ضرب بالنعال وأطراف الثياب فمات منها ففي وجوب الضمان وجهان بناء على أنه هل يجوز أن يحد هكذا إن قلنا نعم

وهو الصحيح فلا ضمان كسائر الحدود وإلا فيجب لأنه عدل عن الجنس الواجب ولو ضرب أربعون جلدة فمات ففي الضمان قولان ويقال وجهان أحدهما يضمن لأن تقديره بأربعين كان بالاجتهاد والمشهور لا ضمان كسائر الحدود لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أن الشارب يضرب أربعين وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين فإن قلنا بالضمان فهل يجب كل الضمان أم نصفه أم يوزع على التفاوت بين ألم السياط والضرب بالنعال وأطراف الثياب فيه أوجه أصحها الأول وإن ضربه أحدا وأربعين فهل يجب كل الضمان أم نصفه أم جزء من أحد وأربعين جزءا فيه أقوال أظهرها الثالث وإن ضرب اثنين وأربعين وقلنا بالثالث وجب جزءان من اثنين وأربعين وعلى هذا القياس حتى إذا ضرب ثمانين استوى القول الثاني والثالث ووجب النصف ولو جلد في القذف أحدا وثمانين فمات فهل يجب نصف الدية أم جزء من أحد وثمانين جزءا منها فيه القولان ثم إن كانت الزيادة من الجلاد ولم يأمره الإمام إلا بالثمانين فالضمان على اختلاف القولين على الجلاد وإن أمر الإمام بذلك فالضمان متعلق بالإمام وكذا لو قال الإمام اضرب وأنا أعد فغلط في العد فزاد على الثمانين ولو أمر الإمام بثمانين في الشرب فزاد الجلاد جلدة واحدة ومات المجلود فأربعة أوجه أصحها توزع الدية أحد وثمانون جزءا يسقط منها أربعون ويجب أربعون على الإمام وجزء على الجلاد والثاني يسقط ثلث الدية ويجب على الإمام ثلث وعلى الجلاد ثلث والثالث يسقط نصفها ويجب على الإمام ربع وعلى الجلاد ربع والرابع يسقط نصفها ويوزع نصفها على أحد وأربعين جزءا أربعون على الإمام وجزء على الجلاد

الثالث الاستصلاح بقطع سلعة وبالختان وفيه مسائل إحداها في حكم قطع السلعة من العاقل المستقل بأمر نفسه والسلعة بكسر السين وهي غدة تخرج بين اللحم والجلدة نحو الحمصة إلى الجوزة فما فوقها وقد يخاف منها وقد لا يخاف لكن تشين فإن لم يكن في قطعها خطر وأراد المستقل قطعها لإزالة الشين فله قطعها بنفسه ولغيره بإذنه وإن كان في قطعها خطر نظر إن لم يكن في قائها خطر لم يجز القطع لإزالة الشين فإن كان في بقائها خوف أيضا نظر إن كان الخطر في القطع أكثر لم يجز القطع وإن كان في الإبقاء أكثر جاز القطع على الصحيح وقيل لا لأنه فتح باب الروح بخلاف الإبقاء وإن تساوى الخطر جاز القطع على الأصح إذ لا معنى للمنع مما لا خطر فيه وأما من عظمت آلامه ولم يطقها فأراد أن يريح نفسه بمهلك مذفف فيحرم ذلك فلو وقع في نار علم أنه لا ينجو منها وأمكنه أن يلقي نفسه في بحر ورأى ذلك أهون عليه من الصبر على لفحات النار فله ذلك على الأصح وهو قول الشيخ أبي محمد ولو تآكل بعض الأعضاء فهو كسلعة يخاف منها ولو قطع السلعة أو العضو المتآكل من المستقل قاطع بغير إذنه فمات لزمه القصاص سواء فيه الإمام وغيره لأنه متعد
الثانية المولى عليه لصغر أو جنون يجوز لوليه الخاص وهو الأب والجد أن يقطع من السلعة واليد المتآكلة وإن كان فيه خوف وخطر إذا كان الخطر في الترك أكثر وليس للسلطان ذلك لأن القطع يحتاج إلى نظر دقيق وفراغ تام وشفقة كاملة كما أن للأب والجد تزويج البكر الصغيرة دون السلطان قال الإمام وقد ذكرنا عند استواء الطرفين في الخوف خلافا في أن المستقل هل له القطع من نفسه والأصح

والحالة هذه أنه لايقطع من طفله وأما ما لا خطر فيه ولا خوف غالبا كالفصد والحجامة وقطع سلعة بلا خطر فيجوز فعله للولي الخاص وكذا للسلطان وفي التهذيب وجه أن القطع المخطر لا يجوز للولي الخاص وفي جمع الجوامع للروياني وجه أنه لا يجوز للسلطان الفصد والحجامة والصحيح ما سبق وليس للأجنبي المعالجة ولا القطع المخطر بحال ولو فعل فسرى ومات به تعلق بفعله القصاص والضمان وأما السلطان إذا فعل بالصبي ما منعناه فسرى إلى نفسه فعليه الدية مغلظة في ماله لتعديه وقيل في كونه في بيت المال أو على عاقلته القولان كما لو أخطأ لأنه قصد الإصلاح والمذهب الأول وفي وجوب القصاص قولان أظهرهما لا يجب لأنه قصد الإصلاح واستبعد الأئمة وجوب القصاص وقال صاحب الإفصاح القولان إذا كان للصبي أب أو جد فإن لم يكونا فلا قود بلا خلاف لأنه لا بد له ممن يقوم بشأنه وهذا راجع إلى أن للسلطان قطع السلعة ولو قطع الأب والجد السلعة حيث لا يجوز فمات فلا قصاص للبعضية وتجب الدية في ماله وقيل لا ضمان على الأب أصلا لأن ولايته أتم وإنما يقطعها للشفقة وأما ما يجوز للأب والسلطان من فصد الصغير وحجامته وقطع سلعته للأب إذا أفضى إلى تلف فلا ضمان فيه على الأصح وبه قال الجماهير لئلا يمتنع من ذلك فيتضرر الصغير بخلاف التعزير
الثالثة الختان واجب في حق الرجال والنساء وقيل سنة وقيل واجب في الرجل سنة في المرأة والصحيح المعروف هو الأول وختان الرجل قطع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة ويقال لتلك الجلدة القلفة قال الإمام فلو بقي مقدار ينبسط على سطح الحشفة وجب قطعه حتى لا يبقى جلد

متجاف هذا هو الصحيح المعروف للأصحاب وقال ابن كج عندي يكفي قطع شىء من الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها وأما من المرأة فتقطع من اللحمة التي في أعلق الفرج فوق مخرج البول وتشبه تلك اللحمة عرف الديك فإذا قطعت بقي أصلها كالنواة ويكفي أن يقطع ما يقع عليه الاسم قال الأصحاب وإنما يجب الختان بعد البلوغ ويستحب أن يختن في السابع من ولادته إلا أن يكون ضعيفا لا يحتمله فيؤخر حتى يحتمله قال الإمام ولو كان الرجل ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يجز أن يختن بل ينتظر حتى يصير بحيث يغلب على الظن سلامته وفي وجه في تعليق القاضي حسين وهو مقتضى كلام البغوي لا يجوز ختان الصغير حتى يبلغ عشر سنين
قلت ولنا وجه في البيان وغيره أنه يجب على الولي ختان الصغير قبل بلوغه لأنه أرفق فعليه النظر له والصحيح أنه لا يجب حتى يبلغ وهل يحسب يوم الولادة من السبعة المستحبة وجهان في المستظهري أصحهما لا وحكاه عن الأكثرين وأما الخنثى فلا يختن في صغره فإذا بلغ فوجهان أحدهما يجب ختان فرجه ليتوصل إلى المستحق وبهذا قطع في البيان وأصحهما لا يجوز ختانه لأن الجرح لا يجوز بالشك وبه قطع البغوي فعلى الأول إن أحسن الختان ختن نفسه وإلا اشترى جارية تختنه فإن لم يمكن تولاه الرجال والنساء للضرورة كالتطبيب ولو كان لرجل ذكران إن كانا عاملين ختنا وإن كان أحدهما ختن وحده وهل يعرف العمل بالجماع أو البول وجهان
والله أعلم

فرع مؤنة الختان في مال المختون وفي وجه يجب على الوالد
صغيرا
فرع إذا بلغ غير مختون أمره به الإمام فإن امتنع أجبره فإن
الممتنع فمات فلا ضمان لأنه مات من واجب لكن لو وقع ختانه في حر أو برد شديدين ففي الضمان خلاف سبق في الزنى والمذهب وجوبه وأجرى الإمام هذا الخلاف فيما لو ختنه الأب في حر أو برد شديدين وجعل الأب أولى بنفي الضمان لأن الأب هو الذي يتولى الختان غالبا فهو في حقه كالحد في حق الإمام ومن ختن صبيا في سن لا يحتمله فمات منه لزمه القصاص سواء الولي وغيره لكن لا قصاص على الأب والجد للبعضية وعليهما الدية وإن كان في سن يحتمله فمات نظر إن ختنه أبوه أو جده أو الإمام إذا لم يكن له ولي غيره فلا ضمان على الأصح وإن ختنه أجنبي فقال البغوي يحتمل أن يبنى على ختن الإمام في الحر الشديد إن ضمناه ضمن هنا وإلا فلا وقال السرخسي يبنى على أن الجرح اليسير هل فيه قصاص وفيه وجهان إن قلنا نعم فهو عمد وإلا فشبه عمد وإذا أوجبنا الضمان في الختان في حر شديد فالواجب نصف الضمان على الأصح وقيل كله
الطرف الثاني في محل ضمان إتلاف الإمام فما تعدى به من التصرفات وقصر فيه أو أخطأ لا يتعلق بالحكم بأن رمى صيدا فقتل إنسانا حكمه فيه حكم سائر الناس فيجب

في ماله أو على عاقلته وأما الضمان الواجب بخطئه في الأحكام وإقامة الحدود فهل هو على عاقلته أم في بيت المال قولان أظهرهما على عاقلته وقد سبقا في باب العاقلة فإن قلنا على العاقلة فالكفارة في ماله وإن قلنا على بيت المال فهل الكفارة في بيت المال أم في ماله وجهان فلو ضرب الإمام في الخمر ثمانين ومات المجلود ففي محل الضمان القولان ولو جلد حاملا جدا فألقت جنينا ميتا ففي محل الغرة القولان إن جهل حملها فإن علمه فقيل بالقولين والمذهب أنها على عاقلته لأنه عدل عن الصواب عمدا ولو انفصل حيا ومات وجب كل الدية ومحلها على ما ذكرنا ولو ماتت الحامل فقد أطلق في مختصر أنه لا يضمنها قال الشيخ أبو حامد وغيره إن ماتت من الجلد وحده بأن ماتت قبل الإجهاض فلا ضمان وهو موضع النص وذكر ابن الصباغ أن فيه والحالة هذه الخلاف فيما لو حده في حر مفرط فمات وإن ماتت من الإجهاض وحده بأن أجهضت ثم ماتت وأحيل الموت على الإجهاض وجب كمال ديتها وإن قيل ماتت بالحد والإجهاض جميعا وجب نصف ديتها

فرع سنذكر في الشهادات إن شاء الله تعالى أن القاضي إذا حكم
اثنين ثم بانا عبدين أو ذميين نقض الحكم وإن بانا فاسقين نقضه على الأظهر فلو أقام الحد بشهادة اثنين ثم بانا ذميين أو عبدين أو امرأتين أو مراهقين أو فاسقين ومات المحدود فقد بان بطلان الحكم فينظر إن قصر في البحث عن حالهما فالضمان عليه لا يتعلق ببيت المال ولا بالعاقلة أيضا إن تعمد قال الإمام وإنما يتردد في وجوب القصاص والراجح الوجوب لأن الهجوم على القتل ممنوع

منه بالإجماع ويحتمل أن لا يجب بإسناده القتل إلى صورة البينة وإن لم يقصر في البحث بل بذل وسعه جرى القولان في أن الضمان على عاقلته أم في بيت المال ثم إذا ضمنت العاملة أو بيت المال فهل يثبت الرجوع على الشاهدين فيه أوجه أحدها نعم لأنهما غرا القاضي وأصحمما لا لأنهما يزعمان أنهما صادقان ولم يوجد منهما تعد وقد ينسب القاضي إلى تقصير في البحث والثالث يثبت الرجوع للعاقلة دون بيت المال فإن أثبتنا الرجوع طولب الذميان في الحال وفي العبدين يتعلق بذمتهما على الأصح وقيل بالرقبة وأما المراهقان فإن قلنا يتعلق برقبة العبدين نزلنا ما وجد منهما منزلة الإتلاف وإلا فقول الصبي لا يصلح للالتزام فلا رجوع وإن بانا فأسقين فإن قلنا لا ينقض الحكم فلا أثر له وإن قلنا ينقض ففي الرجوع عليهما أوجه أحدها نعم كالعبدين والثاني لا لأن العبد مأمور بإظهار حاله بخلاف الفاسق وأصحها إن كان مجاهرا بالفسق ثبت الرجوع لأن عليه أن يمتنع من الشهادة ولأن قبول شهادته مع مجاهرته يشعر بتعزيره وإن كان مكاتما فلا

فرع قتل الجلاد وضربه بأمر الإمام كمباشرة الإمام إذا لم يعلم ظلمه
وخطأه ويتعلق الضمان والقصاص بالإمام دون الجلاد لأنه آلته ولو ضمناه لم يتول الجلد أحد وإن علم أن الإمام ظالم أو مخطىء ولم يكرهه الإمام عليه فالقصاص والضمان على الجلاد دون الإمام لأنه إذا علم الحال لزمه الإمتناع ويجىء على قولنا أمر الإمام إكراه أن يكون هذا كما لو أكرهه وإن أكرهه فالضمان عليهما وإن اقتضى الحال القصاص وجب على الإمام وفي الجلاد قولان ولو أمره بضربه

وقال أنا ظالم في ضربه فضربه الجلاد ومات قال البغوي إن قلنا أمر السلطان ليس بإكراه فالضمان على الجلاد وإن قلنا إكراه فإن قلنا لا ضمان على المكره فالضمان على الإمام ولو قال افعل إن شئت فليس بإكراه قطعا ولو قال اضرب ما شئت أو ما أحببت لم تكن له الزيادة على الحد فإن زاد ضمن ولو أمره بقتل في محل الاجتهاد كقتل مسلم بذمي وحر بعبد والإمام والجلاد يعتقدان أنه غير جائز فقتله قال البغوي القود عليهما إن جعلنا أمر السلطان إكراها وأوجبنا القود على المكره والمكره جميعا ولو اعتقد الجلاد منعه والإمام جوازه أو ظن أن الإمام اختار ذلك المذهب ففي وجوب القصاص والضمان على الجلاد وجهان أصحهما عند الأصحاب الوجوب وبه قطع ابن الصباغ والبغوي وغيرهما لأن واجبه الامتناع فإن أكره فحكمه معروف والثاني لا اعتبار باعتقاد الإمام ولو كان الإمام لا يعتقد جواز قتل حر بعبد فأمره به تاركا للبحث وكان الجلاد يعتقد جوازه فقتله عملا باعتقاده فقد بني على الوجهين قتله فإن اعتبرنا اعتقاد الإمام وجب القصاص وإن اعتبرنا اعتقاد الجلاد فلا قال الإمام وهذا ضعيف هنا لأن الجلاد مختار عالم بحال والإمام لم يفوض إليه النظر والاجتهاد بل القتل فقط فالجلاد كالمستقل

فصل لا ضمان على الحجام إذا حجم أو فصد بإذن من يعتبر
إلى تلف وكذا لو قطع سلعة بالأذن للمعنى الذي ذكرناه في الجلاد بخلاف من قطع يدا صحيحة بإذن صاحبها فمات منه حيث توجب الدية على قول لأن الإذن هناك لا يبيح القتل وهنا الفعل جائز

لغرض صحيح وأما إذا قطع بالإذن ووقف القطع فلم يسر فلا ضمان بلا خلاف
وبالله التوفيق

الباب الثاني في الصيال
هو متضمن لمعرفة الصائل وهو المدفوع والمصول عليه وهو المدفوع عنه وكيفية الدفع وحكمه
أما الصائل فكل قاصد من مسلم وذمي وعبد وحر وصبي ومجنون وبهيمة يجوز دفعه فإن أبى الدفع على نفسه فلا ضمان بقصاص ولا دية ولا كفارة ولا شىء على رأس إنسان وخاف منها ولم يمكنه دفعها إلا بإتلافها ففي الضمان وجهان أصحهما بجب لأنه قصد لها بخلاف الآدمي والبهيمة ولو حالت بهيمة بين جائع وطعامه في بيت ولم يصله إلا بقتلها ففي الضمان وجهان ويمكن أن يجعل الأصح هنا نفي الضمان كما ذكرنا فيما لو عم الجراد المسالك فوطئه المحرم
أما المصول عليه فيجوز الدفع عن النفس والطرف ومنفعته والبضع ومقدماته وعن المال وإن قل إذا كانت المذكورات معصومة ويجوز لغير المصول عليه الدفع وله دفع مسلم صال على ذمي وأب صال على ابنه وسيد صال على عبده لأنهم معصومون مظلومون وحكى الإمام قولا قديما أنه لا يجوز الدفع عن المال إذا لم يحصل الدفع إلا بقتل أو قطع طرف والمشهور الأول وبه قطع الجماهير وفي الحديث الصحيح من قتل دون ماله فهو شهيد فله الدفع في كل هذه الصور وإن أتى الدفع على الصائل فلا ضمان فيه ولو وجده ينال من جاريته ما دون الفرج فله دفعه وإن أتى على نفسه وللأجنبي دفعه كذلك حسبة ويجوز أن يكون المدفوع عنه ملك

القاصد فمن رأى إنسانا يتلف مال نفسه بأن يحرق كدسه ويغرق متاعه جاز له دفعه وإن كان حيوانا بأن رآه يشدخ رأس حماره وجب على الأجنبي دفعه على الأصح وبه قطع البغوي لحرمة الحيوان أما كيفية الدفع فيجب على المصول عليه رعاية التدريج والدفع بالأهون فالأهون فإن أمكنه الدفع بالكلام أو الصياح أو الاستغاثة بالناس لم يكن له الضرب وكذا لو اندفع شره بأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله لم يضربه وكذا لو حال بينهما جدار أو خندق أو نهر عظيم فإن حال نهر صغير وغلب على ظنه أنه إن عبر النهر عليه قال ابن الصباغ فله رميه ومنعه العبور أما إذا لم يندفع الصائل إلا بالضرب فله الضرب ويراعى فيه الترتيب فإن أمكن باليد لم يضربه بسوط وإن أمكن بسوط لم يجز بالعصا ولو أمكن بقطع عضو لم يجز إهلاكه وإذا أمكن بدرجة فدفعه بما فوقها ضمن وكذا لو هرب فتبعه وضربه ضمن ولو ضربه ضربة فولى هاربا أو سقط وبطل صياله فضربه أخرى فالثانية مضمونة بالقصاص وغيره فإن مات منهما لم يجب قصاص النفس ويجب نصف الدية لأنه هلك من مضمون وغيره ولو عاد بعد الجرحين فصال فضربه ثالثة فمات منها لزمه ثلث الدية ومتى غلب على ظنه أن الذي أقبل عليه بالسيف يقصده فله دفعه بما يمكنه وإن لم يضربه المقبل ولو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا ولم يجد المصول عليه إلا سيفا أو سكينا فالصحيح أن له الضرب به لأنه لا يمكنه الدفع إلا به ولا يمكن نسبته إلى التقصير بترك استصحاب سوط والمعتبر في حق كل شخص حاجته ولذلك نقول الحاذق الذي يحسن الدفع بأطراف السيف من غير جرح يضمن إن جرح ومن لا يحسن لا يضمن بالجرح ولو قدر المصول عليه على الهرب أو التحصن بموضع حصين أو على

الالتجاء إلى فئة هل يلزمه ذلك أم له أن يثبت ويقاتل فيه اختلاف نص وللأصحاب طريقان أصحهما على قولين أظهرهما يجب الهرب لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون والطريق الثاني حمل نص الهرب على من تيقن النجاة بالهرب والآخر على من لم يتيقن

فرع عض شخص يده أو عضوا آخر فليخلصه بأيسر الممكن فإن أمكن
لحييه وتخليص ما عضه فعل وإلا ضرب شدقه ليدعه فإن لم يمكنه وسل يده فسقطت أسنانه فلا ضمان وسواء كان العاض ظالما أو مظلوما لأن العض لا يجوز بحال ومتى أمكنه التخلص بضرب فمه لا يجوز العدول إلى غيره فإن لم يمكنه إلا بعضو آخر بأن يبعج بطنه أو يفقأ عينه أو يعصر خصييه فله ذلك على الصحيح وقيل ليس له قصد عضو آخر
أما حكم الدفع فقد ذكرنا أنه جائز وهل يجب أم يجوز الاستسلام وترك الدفع ينظر إن قصد أخذ المال أو إتلافه ولم يكن ذا روح لم يجب الدفع لأن إباحة المال جائزة وإن قصد أهله وجب عليه الدفع بما أمكنه لأنه لا مجال فيه وشرط البغوي للوجوب أن لا يخاف على نفسه وإن قصد نفسه نظر إن كان كافرا وجب الدفع وأشار الروياني إلى أنه لا يجب بل يستحب وهو غلط والصواب الأول وبه قطع الأصحاب وإن كان بهيمة وجب وإن كان مسلما فقولان وقيل وجهان أظهرهما لا يجب الدفع بل له الاستسلام والثاني يجب وعن القاضي حسين أنه إن أمكنه دفعه بغير قتله

وجب وإلا فلا والقائلون بجواز الاستسلام منهم من يزيد ويصفه بالاستحباب وهو ظاهر الأحاديث وإن كان الصائل مجنونا أو مراهقا فقيل لا يجوز الاستسلام قطعا لأنهما لا إثم عليهما كالبهيمة والمذهب طرد القولين لحرمة الآدمي ورضى بالشهادة
وهل يجب الدفع عن الغير فيه ثلاث طرق أصحها أنه كالدفع عن نفسه فيجب حيث يجب ولا يجب حيث لا يجب والثاني القطع بالوجوب لأن له الإيثار بحق نفسه دون غيره والثالث ونسبه الإمام إلى معظم الأصوليين القطع بالمنع لأن شهر السلاح يحرك الفتن وليس ذلك من شأن آحاد الناس وإنما هو وظيفة الإمام وعلى هذا هل يحرم أم يجوز فيه خلاف عنهم فإن أوجبنا فذلك إذا لم يخف على نفسه ثم قال الإمام الخلاف في أن آحاد الناس هل لهم شهر السلاح حسبة لا يختص بالصيال بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره هل لآحاد الناس منعه بما يجرح ويأتي على النفس فيه وجهان أحدهما نعم نهيا عن المنكر ومنعا من المعصية والثاني لا خوفا من الفتن ونسب الثاني إلى الأصوليين والأول إلى الفقهاء وهو الموجود للأصحاب في كتب المذهب حتى قال الفوراني والبغوي والروياني وغيرهم من علم خمرا في بيت رجل أو طنبورا وعلم شربه أو ضربه فله أن يهجم على صاحب البيت ويريق الخمر ويفصل الطنبور ويمنع أهل الدار الشرب والضرب فإن لم ينتهوا فله قتالهم وإن أتى القتال عليهم وهو مثاب على ذلك وفي تعليق الشيخ إبرهيم المروذي أن من رآه مكبا على معصية من زنى أو شرب خمر أو رآه يشدخ شاة أو عبدا فله دفعه وإن أتى الدفع عليه فلا ضمان

فصل إذا وجد رجلا يزني بامرأته
أو غيرها لزمه منعه ودفعه فإن هلك في الدفع فلا شىء عليه وإن اندفع بضرب غيره ثم قتله لزمه القصاص إن لم يكن الزاني محصنا فإن كان فلا قصاص على الصحيح وقد سبق في الجنايات وإذا قال قتلته لذلك وأنكر وليه فعلى القاتل البينة وينظر إن ادعى أنه قصد امرأته فدفعه فأتى الدفع على نفسه ثبت ذلك بشاهدين وإن ادعى أنه زنى بها وهو محصن لم يثبت الزنى إلا بأربعة فإن لم يكن بينة حلف ولي القتيل على نفي العلم بما يقوله ومكن من القصاص ولو كان للقتيل وارثان فحلف أحدهما ونكل الآخر حلف القاتل للآخر وعليه نصف الدية للحالف وإن كان أحدهما بالغا والآخر صغيرا وحلف البائع لم يقبض حتى يبلغ الصغير فيحلف أو يموت فيحلف وارثه وإن أخذ البالغ نصف الدية حكى الروياني أنه يؤخذ للصغير أيضا فإذا بلغ حلف فإن نكل وحلف القاتل رد عليه ما أخذ ولو أقر الورثة أن مورثهم كان معها تحت ثوب يتحرك تحرك المجامع وأنزل ولم يقروا بما يوجب الحد لم يسقط القصاص وإن أقروا بما يوجبه وقالوا كان بكرا فالقول قولهم وعلى القاتل البينة بالحصان ولو أخرج سارق المتاع من حرزه ثم ألقاه وهرب لم يكن له أن يتبعه فيضربه فإن تبعه فقطع يده التي وجب قطعها بالسرقة فلا قصاص لأنها مستحقة الإزالة وكذا في قطع الطريق إذا قطع ما وجب قطعه منه لا قصاص لكن يعزر لافتئاته ويجيء في وجوب القصاص الخلاف السابق في الزاني المحصن ولو وجب الجلد على زان فجلده واحد من الناس لم يقع حدا إلا بإذن الإمام بخلاف القطع وفي تعليق ابراهيم المروذي وجهان فيمن جلد رجلا ثمانين وقال كان قذفني وأقام بينة به هل يحسب ذلك عن

الحد وبني على الوجهين أنه إن عاش هل يعاد الحد وإن مات هل يجب القصاص على الضارب

فصل إذا نظر إلى حرمة إنسان في داره من كوة أو ثقب
صاحب الدار فلم ينته فرماه بحصاة ونحوها فأصاب عينه فأعماه أو أصاب قريبا من عينه فجرحه فلا ضمان وإن سرى إلى النفس لم يضمن قال الشافعي رحمه الله ولو ثبت المطلع ولم يندفع بعد رميه بالشىء الخفيف استغاث عليه صاحب الدار فإن لم يكن في موضع غوث قال أحببت أن ينشده بالله تعالى فإن لم يندفع فله ضربه بالسلاح ويناله بما يردعه فإن أتى على نفسه فلا ضمان ولو لم ينل منه صاحب الدار عاقبه السلطان وسواء كان وقوف الناظر في الشارع أو في سكة منسدة الأسفل أو في ملك نفسه إذ ليس للواقف في ملكه مد النظر إلى حرم الناس وعن القاضي حسين وجه ضعيف أنه ليس له قصد عينه إذا وقف في الشارع أو ملك نفسه وإنما يقصده إذا وقف في ملك المنظور إليه وليس بشىء ثم إنما يرمي عينه إذا قصد النظر والتطلع أما إذا كان مخطئا أو وقع بصره اتفاقا وعلم صاحب الدار الحال فلا يرميه فلو رماه وقال الناظر لم أكن قاصدا أو لم أطلع على شىء فلا شىء على الرامي لأن الاطلاع حاصل وقصده أمر باطن لا يطلع عليه وهذا ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق قصده وفي كلام الإمام ما يدل على أنه لا يرمي حتى يتبين الحال وهو حسن
فرع هل يجوز رميه قبل إنذاره وجهان أحدهما يحكى عن الشيخ أبي
والقاضي حسين لا بل ينذره ويزجره ويأمره بالانصراف

فإن أصر رماه جريا على قياس الدفع بالأهون ولأنه قد يكون له عذر وأصحهما وبه قال الماسرجسي والقاضي أبو الطيب وجزم به الغزالي يجوز رميه قبل الإنذار واستدل صاحب التقريب بجواز الرمي هنا قبل الإنذار على أنه لا يجب تقديم الكلام في دفع كل صائل وأنه يجوز للمصول عليه الابتداء بالفعل قال الإمام مجال التردد في كلامه هو موعظة قد تفيد وقد لا تفيد فأما ما يوثق بكونه دافعا من تخويف وزعقة مزعجة فيجب قطعا وهذا أحسن وينبغي أن يقال ما لا يوثق بكونه دافعا ويخاف من الابتداء به مبادرة الصائل لا يجب الابتداء به قطعا

فرع ليكن الرمي بشىء خفيف تقصد العين بمثله كبندقة وحصى خفيفة أما
إذا رشقه بنشاب أو رماه بحجر ثقيل فيتعلق به القصاص والدية لكن لو لم يمكن قصد عينه أو لم ينزجر فيستغيث عليه ويدفعه بما أمكنه كما سبق ولا يقصد رمي غير العين إذا أمكنه إصابتها فإن لم يمكن فرمى عضوا آخر ففي التهذيب حكاية وجهين فيه ونقل أنه لو أصاب موضعا بعيدا عن عينه بلا قصد فلا يضمن على الأصح والأشبه ما ذكره الروياني أنه إن رماه فأصاب غير العين فإن كان بعيدا لا يخطىء من العين إليه ضمن وإن كان قريبا يخطىء إليه لم يضمن
فرع لو كان للناظر محرم في الدار أو زوجة أو متاع لم
لأن له في النظر شبهة وقيل لا يكفي أن يكون له في الدار محرم بل لا يمنع قصد عينه إلا إذا لم يكن في الدار إلا محارمه

والصحيح الأول ولو كان الناظر محرما لحرم صاحب الدار فلا يرمى إلا أن تكون متجردة إذا ليس للمحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة

فرع لو لم يكن في الدار حرم بل كان فيها المالك وحده
العورة فله الرمي ولا ضمان وإلا فوجهان أصحهما لا يجوز رميه والثاني يجوز لأن من الأحوال ما يكره الاطلاع عليه ولو كان الحرم في الدار مستترات بالثياب أو في بيت أو منعطف لا يمتد النظر إليهن فهل يجوز قصد عينه وجهان أصحهما نعم لعموم الأحاديث ولأنه يريد سترهن عن الأعين وإن كن مستورات بثياب ولأن الحرم في الدار لا يدرى متى يسترن وينكشفن فيحسم باب النظر
فرع لو كان باب الدار مفتوحا فنظر منه أو من كوة واسعة
في الجدار فإن كان مجتازا لم يجز رميه وإن وقف ونظر متعمدا لم يجز رميه أيضا في الأصح لتفريط صاحب الدار ولو نظر من سطح نفسه أو نظر المؤذن من المنارة جاز رميه في الأصح إذ لا تفريط من صاحب الدار ولو وضع الأعمى عينه على ضق الباب فرماه ضمن سواء علم عماه أم لا ولو نظرت المرأة أو المراهق جاز رميهما على الأصح ولو قعد في طريق مكشوف العورة فنظر إليه ناظر لم يجز له رميه لأنه الهاتك حرمته قال ابن المرزبان لو دخل مسجدا وكشف عورته وأغلق الباب أو لم يغلقه فنظر إليه إنسان لم يكن له رميه لأن الموضع لا يختص به ولو كانت الدار ملكا للناظر قال السرخسي

إن كان من فيها غاصبا لم يكن له الرمي وإن كان مستأجرا فله ذلك وفي المستعير وجهان

فرع لو انصرف الناظر قبل الرمي إليه لم يجز أن يتبعه ويرميه
إذا أدبر
فرع لو دخل دار رجل بغير إذنه فله أمره بالخروج ودفعه كما
عن سائر أمواله والأصح أنه لا يدفعه قبل الإنذار كسائر أنواع الدفع وبه قال الماسرجسي ثم هل يتعين قصد رجله لكون الدخول بها كما يتعين قصد العين في النظر أم لا يتعين لأنه دخل بجميع البدن وجهان أصحهما الثاني وهل يجوز قصد العين وجهان قال أبو إسحق وأبو علي بن أبي هريرة والطبري يجوز لأنه بأول الهجوم متطلع ومنهم من منعه والأصح أن له دفعه بما يتيسر ولا يتعين قصد عضو بعينه ولا يمتنع قصد عضو
ودخول الخيمة في الصحراء كالدار في البنيان ولو أخذ المتاع وخرج فله أن يتبعه ويقاتله إلى أن يطرح متاعه ولو قتله وقال قتلته لأنه كابر ولم يخرج وأنكر الولي فهو المصدق وعلى القاتل البينة وإن قال قتلته لأنه قصدني فكذلك وقد ذكر أنه يحتاج إلى بينة بأنه دخل داره مقبلا شاهرا سلاحه ولا تكفي بينة بأنه دخل داره بسلاح من غير شهر
فرع لو وضع أذنه على شق الباب أو وقف على الباب يتسمع
أذنه إذ ليس السمع كالبصر في الاطلاع على العورات وقال الإمام وفي بعض التعاليق عن شيخي وجه ولا أثق بالمعلق

فصل في مسائل من الصيال
قال ابن كج لو صال عليه فحل وأمكنه الهرب فلم يهرب وقتله دفعا هل يلزمه الضمان يبنى على أنه هل يجب الهرب إذا صال عليه إنسان إن قلنا نعم ضمن وإلا فلا وأبدى ترددا في حل أكل لحم البهيمة التي تلفت بالدفع قال إبرهيم المروذي إن لم يصب المذبح لم تحل وإن أصابه فوجهان لأنه لم يقصد الذبح والأكل ولو صال العبد المبيع على البائع أو أجنبي قبل القبض فقتله دفعا انفسخ العقد ولو صال على المشتري فقتله ففي مصيره قابضا وجهان
ولو صال العبد المغصوب أو المستعار على مالكه فقتله دفعا لم يبرأ الغاصب والمستعير على الأصح وفي البيان أنه لو قطع يد الصائل دفعا فلما ولى تبعه فقتله لزمه القصاص في النفس ثم حكى عن بعض الأصحاب أن لورثة المصول عليه أن يرجعوا في تركة الصائل بنصف الدية قال والذي يقتضيه المذهب أنهم لا يرجون بشىء لأن النفس لا تنقص بنقص اليد
الباب الثالث في ضمان ما تتلفه البهائم
إذا اتلفت البهيمة فإما أن لا يكون معهاأحد من مالك وغيره وإما أن يكون
الحال الأول أن لا يكون أحد وأتلفت زرعا أو غيره نظر إن أتلفته بالنهار فلا ضمان على صاحبها وإن أتلفته بالليل لزم صاحبها الضمان للحديث الصحيح في ذلك ولأن العادة أن أصحاب الزروع والبساتين يحفظونها نهارا ولا بد من إرسال المواشي للرعي ثم العادة أنها لا تترك

منتشرة ليلا فإذا تركها ليلا فقد قصر فضمن ولو جرت العادة في ناحية بالعكس فكانوا يرسلون المواشي ليلا للرعي ويحفظونها نهارا وكانوا يحفظون الزرع ليلا فوجهان أصحهما ينعكس الحكم فيضمن ما أتلفته بالنهار دون الليل اتباعا لمعنى الخبر والعادة والثاني لا تأثير للعادة ويتعلق به فروع
الأول المزارع في الصحراء والبساتين التي لا جدار لها حكمها ما ذكرنا أما إذا كان الزرع في محوط وكان للبساتين باب يغلق فتركه مفتوحا فوجهان أحدهما الحكم كذلك لإطلاق الحديث ولأن العادة حفظ البهائم وربطها ليلا فإرسالها تقصير وأصحهما لا ضمان وإن أتلفت بالليل لأن التقصير من صاحب الزرع بفتح الباب
الثاني إنما يعتاد إرسال المواشي إذا كان هناك مراع بعيدة عن المزارع وحينئذ إن فرض انتشارها إلى أطراف المزارع لم يعد تقصيرا فأما إذا كانت المراعي متوسطة للمزارع أو كانت البهائم ترعى في حريم السواقي فلا يعتاد إرسالها بلا راع فإن أرسلها فمقصر ضامن لما أفسدته وإن كان نهارا هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور
الثالث لو ربط بهيمته وأغلق بابه واحتاط على العادة ففتح الباب لص أو انهدم الجدار فخرجت ليلا فلا ضمان إذ لا تقصير ولو قصر صاحب البهيمة وحضر صاحب الزرع فإن قدر على تنفيرها فليفعل فإن تهاون فهو المقصر المضيع لزرعه فلا ضمان على الصحيح وينبغي أن لا يبالغ التنفير والإبعاد بل يقتصر على قدر الحاجة فإن زاد فضاعت قال إبرهيم المروذي لزمه الضمان وتصير داخله في ضمانه بالتبعيد فيق قدر الحاجة ولو أخرجها من زرعه وأدخلها في زرع غيره فأفسدته لزمه الضمان
فإن كانت محفوفة بمزارع الناس ولم

يمكن إخراجها إلا بإدخالها مزرعة غيره لم يجز أن يقي مال نفسه بمال غيره بل يصبر ويغرم صاحبها
الرابع إذا أرسل دابة في البلد فأتلفت شيئا ضمن على الأصح وجميع ما ذكرنا فيما إذا تعلق إرسال الدابة وضبطها باختياره فإن انفلتت لم يضمن ما أتلفته بحال ولو ربط دابته في موات أو ملك نفسه وغاب عنها لم يضمن ما تتلفه وإن ربطها في الطريق على باب داره أو في موضع آخر لزمه الضمان سواء كان الطريق ضيقا أو واسعا لأن الارتفاق في الطريق إنما يجوز بشرط سلامة العاقبة كإشراع الجناح وقيل إن كان واسعا فلا ضمان والصحيح المنصوص هو الأول ولم يتعرضوا للفرق بين ربطه بإذن الإمام ودون إذنه

فرع إذا أرسل الحمام أو غيرها من الطير فكسرت شيئا أو التقطت
فلا ضمان لأن العادة إرسالها ذكره ابن الصباغ
الحال الثاني إذا كان مع البهيمة شخص ضمن ما أتلفته من نفس ومال سواء أتلفت ليلا أو نهارا وسواء كان سائقها أو راكبها أو قائدها وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو عضها أو ذنبها لأنها تحت يده وعليه تعهدها وحفظها وسواء كان الذي مع البهيمة مالكها أو أجيره أو مستأجرا أو مستعيرا أو غاصبا لشمول اليد وسواء البهيمة الواحدة والعدد كالإبل المقطورة وحكى ابن كج وجها أنه إن كانت الماشية مما تساق كالغنم فساقها لم يضمن وإن كانت مما يقاد

فساقها ضمن والصحيح أنه يضمن في الحالين وبه قطع الجماهير ولو كان معها قجئد وسائق فالضمان عليهما نصفين وفي الراكب مع السائق أو القائد وجهان أحدهما عليهما نصفين والثاني يخص الراكب بالضمان لقوة يده وتصرفه ولو اجتمع راكب وسائق وقائد فهل يختص الراكب بالضمان أم يجب عليهم أثلاثا وجهان ولو كان يسير دابة فنخسها إنسان فرمحت وأتلفت شيئا فالضمان على الناخس على الصحيح وقيل عليهما ولو انفلتت الدابة من يد صاحبها وأتلفت شيئا فلا ضمان عليه من يده فلو أمسك على اللجام وركبت رأسها فهل يضمن ما تتلفه قولان وعن صاحب التلخيص طرد الخلاف وإن لم يكن معها الراكب كما إذا غلبت السفينتان الملاحين قال الإمام والدابة النزقة التي لا تنضبط بالكبح والترديد في معاطف اللجام لا تركب في الأسواق ومن ركبها فهو مقصر ضامن لما تتلفه وإذا راثت الدابة أو بالت في سيرها في الطريق فزلق به إنسان وتلفت نفس أو مال أو فسد شىء من رشاش الوحل بممشاها وقت الوحول والأنداء أو مما يثور من الغبار وقد يضر ذلك بثياب البزازين والفواكه فلا ضمان في كل ذلك لأن الطريق لا يخلو عنه والمنع من الطرق لا سبيل إليه لكن ينبغي أن يحترز مما لا يعتاد كالركض المفرط في الوحل والإجراء في مجتمع الوحول فإن خالف ضمن ما يحدث منه وكذا لو ساق الإبل في الأسواق غير مقطورة لأنه لا يمكن ضبطها حينئذ وإذا بالت الدابة أو راثت في الطريق وقد وقفها فيه فأفضى المرور في موضع البول إلى تلف فعلى الخلاف السابق فيما لو أتلفت الدابة الموقوفة هناك شيئا والمذهب أنه لا ضمان وقيل يفرق بين طريق واسع وضيق وعن ابن الوكيل وجه أنه يجوز أن تقف الدابة في الطريق مطلقا كما يجوز أن يجريها فإذا بالت أو

راثت في وقوفها وتلف به إنسان فلا ضمان ولو كان يركض دابته فأصاب شىء من موضع السنابك عين إنسان وأبطل ضوءها فإن كان الموضع موضع ركض فلا ضمان وإلا فيضمن ولو كان يسوق دابة عليها حطب أو حمله عى ظهره أو على عجلة فاحتك ببناء وأسقطه لزمه ضمانه وإن دخل السوق به وتلف منه مال أو نفس ففي التهذيب وغيره أنه إن كان ذلك وقت الزحام ضمن وإن لم يكن زحام وتمزق ثوبه بخشبة تعلقت به مثلا فإن كان صاحب الثوب مستقبلا للدابة فلا ضمان لأن التقصير منه إلا أن يكون أعمى فعلى صاحب الدابة اعلامه وإن كان يمشي قدام الدابة لزم صاحبها الضمان إذا لم يعلمه لأنه مقصر في العادة وإن كان من صاحب الثوب جذبه أيضا بأن تعلقت الخشبة بثوبه فجذبه وجذبتها الدابة فعلى صاحبها نصف الضمان ولو كان يمشي فوقع مقدم مداسه على مؤخر مداس غيره وتمزق لزمه نصف الضمان لأنه تمزق بفعله وفعل صاحبه هكذا ذكره إبرهيم المروذي وينبغي أن يقال إن تمزق مؤخر مداس السابق فالضمان على اللاحق وإن تمزق مقدم مداس اللاحق فلا ضمان على السابق وجميع ما ذكرنا في وجوب الضمان على صاحب الدابة هو فيما إذا لم يوجد من صاحب المال تقصير فإن وجد بأن عرضه للدابة أو وضعه في الطريق فلا ضمان على صاحب الدابة

فرع إذا كانت له هرة تأخذ الطيور وتقلب القدور فأتلفت شيئا فهل
على صاحبها ضمان وجهان أصحهما نعم سواء أتلفت ليلا

أو نهارا لأن مثل هذه الهرة ينبغي أن تربط ويكف شرها وكذا الحكم في كل حيوان تولع بالتعدي والثاني لا ضمان سواء أتلفت ليلا أو نهارا لأن العادة لا تربط أما إذا لم يعهد منها ذلك فوجهان أصحهما لا ضمان لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها والثاني يفرق بين الليل والنهار كما سبق في البهيمة وأطلق الإمام في ضمان ما تتلفه الهرة أربعة أوجه أحدها يضمن والثاني لا والثالث يضمن ليلا لا نهارا كالبهيمة والرابع عكسه لأن الأشياء تحفظ عنها ليلا وإذا أخذت الهرة حمامة وهي حية جاز فتل أذنها وضرب فمها لترسلها وإذا قصدت الحمام فأهلكت في الدفع فلا ضمان فلو صارت ضارية مفسدة فهل يجوز قتلها في حال سكونها وجهان أصحهما وبه قال القفال لا يجوز لأن ضراوتها عارضة والتحرز عنها سهل وقال القاضي حسين تلتحق بالفواسق الخمس فيجوز قتلها ولا يختص بحال ظهور الشر قال الإمام وقد انتظم لي كلام الأصحاب أن الفواسق مقتولات لا يعصمها الاقتناء ولا يجري الملك عليها ولا أثر لليد والاختصاص فيها

فرع لو كان في داره كلب عقور أو دابة رموح فدخلها إنسان
أو عضه الكلب فلا ضمان إن دخل بغير إذن صاحب الدار أو بإذنه وأعلمه بحال الكلب والدابة وإن لم يعلمه فقولان كما لو وضع بين يديه طعاما مسموما ومنهم من خص الخلاف بمن كان أعمى أو في ظلمة وقطع بنفي الضمان إذا كان بصيرا يرى
فرع لو ابتلعت البهيمة في مرورها جوهرة ضمنها صاحبها إن كان معها
أو وجد منه تقصير بأن طرح لؤلؤة غيره بين يدي دجاجة وإلا فوجهان أحدهما يفرق بين الليل والنهار كالزرع والثاني يضمن

ليلا ونهارا وإذا أوجبنا الضمان فطلب صاحب الجوهرة ذبحها ورد الجوهرة فقد سبق بيانه في الغصب

فصل في مسائل منثورة من الباب وربما سبق بعضها فأعدناه أو صح
فتاوى البغوي أن الراعي كالمالك يضمن ما أتلفته الدابة في يده ولو كان عنده دابة وديعة فأرسلها فأتلفت لزمه الضمان ليلا كان أو نهارا لأن عليه حفظها ليلا ونهارا وفي هذا توقف ويشبه أن يقال عليه حفظها بحسب ما يحفظ الملاك وأنه لو استأجر رجلا لحفظ دوابه فأتلفت زرعا ليلا أو نهارا فعلى الأجير الضمان لأن عليه حفظها في الوقتين وذكر أنه رأى المسألة كذلك في طريقة العراق
قلت ينبغي أن لا يضمن الأجير والمودع إذا أتلفت ليلا كان أو نهارا لأن على صاحب الزرع حفظه نهارا وتفريط الأجير إنما يؤثر في أن مالك الدابة يضمنه
والله أعلم
وأنه لو دخلت دابة ملك رجل فأخرجها ضمن كما لو هبت الريح بثوب في حجره فألقاه ضمن بل عليه ردها إلى المالك فإن لم يجده سلمها إلى الحاكم إلا أن تكون مسيبة من جهة المالك كالإبل والبقر وعلى هذا فالذي سبق أنه يخرجها من زرعه إلا إذا كان زرعه محفوفا بزرع الغير يحمل على ما إذا كانت مسيبة من جهة المالك وأنها لو دخلت بهيمة أرضه فتلف زرعه دفعها كما يدفعها لو صالت فإن نحاها عن الزرع واندفع ضررها لم يجز إخراجها عن الملك لأن شغلها المكان وإن كان فيه ضرر بحيث لا يبيح إضاعة مال غيره ولو أن مالكها أدخلها في ملك صاحب الأرض بغير إذنه فأخرجها بعد غيبة

مالكها أو وضع إنسان متاعه في المفازة على دابة شخص بغير إذنه وغاب ألقاه صاحب الدابة فيحتمل وجهين في الضمان وعدمه وأنه لو كان يقطع شجرة في ملكه فسقطت على رجل أحد النظارة فانكسرت فإن عرف القاطع أنها إذا سقطت تصيب الناظر ولم يعرف الناظر ذلك ولا أعلمه القاطع ضمن القاطع سواء دخل ملكه بإذنه أو بغير إذنه وإن عرف الناظر ذلك أو عرفاه جميعا أو جهلاه فلا ضمان وأنه لو دخلت بقرة ملكه فأخرجها من ثلمة فهلكت ضمن إن لم تكن الثلمة بحيث تخرج البقرة منها بسهولة وأنه لو دخلت دابة ملكه فرمحت صاحب الملك فمات فحكم الضمان كما لو أتلفت زرعه يفرق بين الليل والنهار وإذا أوجبنا الضمان فالدية على العاقلة كحفر البئر وأنه لو ركب صبي أو بالغ دابة رجل دون إذنه فغلبته الدابة وأتلفت شيئا فعلى الراكب الضمان بخلاف ما لو ركب المالك فغلبته حيث لا يضمن في قول لأنه غير متعد وأنه إذا أهاجت الرياح وأظلم النهار فتفرقت غنم الراعي ووقعت في زرع فأفسدته فالراعي مغلوب وفي وجوب الضمان عليه قولان أظهرهما لا ضمان وكذا الحكم لو ند بعير من صاحبه فأتلف شيئا ولو نام وتفرقت الأغنام وأتلفت ضمن لتقصيره وأن الرجل لو كان على دابة فسقطت ميتة وأهلكت شيئا أو مات الراكب وسقط على شىء لم يضمن وكذا لو انتفخ ميت وتكسر بسبب انتفاخه قارورة بخلاف الطفل يسقط على قارورة يضمن لأن للطفل فعلا بخلاف الميت وأنه لو استقبل دابة فردها فأتلفت في انصرافها شيئا ضمنه الراد ولو نخسها فأسقطت الراكب أو رمحت منه إنسانا فأتلفته فعلى الناخس الضمان فإن نخس بإذن الراكب تعلق الضمان بالراكب

ولو حل قيدا عن دابة فخرجت وأتلفت شيئا لا يضمن كما لو أبطل الحرز فأخذ المال وأنه لو سقطت دابة في وهدة فنفر من سقطها بعير وهلك لا يجب ضمانه على صاحب الدابة وأنه إذا ابتاع بهيمة بثمن في ذمته فأتلفت على المشتري مالا ضمنه البائع لأنها في يده كما لو أتلفت المستعارة شيئا على المعير يضمنه المستعير وأنه لو ألقى نخاعته في الحمام فزلق بها حر أو عبد وانكسر لزمه الضمان إن ألقاها على الممر وبالله التوفيق

كتاب السير
هي جمع سيرة وهي الطريقة والمقصود الكلام في الجهاد وأحكامه وفيه ثلاثة أبواب الأول في وجوب الجهاد وبيان فروض الكفايات وفيه أطراف
الأول في مختصر يتعلق بابتداء الأمر بالجهاد وغيره قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتبليغ والإنذار بلا قتال واتبعه قوم بعد قوم وفرضت الصلاة بمكة ثم فرض الصوم بعد الهجرة بسنتين واختلفوا في أن الزكاة فرضت بعد الصوم أم قبله ثم فرض الحج سنة ست وقيل سنة خمس وكان القتال ممنوعا منه في أول الإسلام وأمروا بالصبر على أذى الكفار فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجبت الهجرة على من قدر فلما فتحت مكة ارتفعت الهجرة منها إلى المدينة ونفي وجوب الهجرة من دار الحرب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ثم أذن الله سبحانه وتعالى في القتال للمسلمين إذا ابتدأهم الكفار بقتال ثم أباح القتال ابتداء لكن في غير الأشهر الحرم ثم أمر به من غير تقييد بشرط ولا زمان ولم يعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم صنما قط قال صاحب البيان كان متمسكا قبل النبوة بدين إبرهيم صلى الله عليه وسلم
قلت تعرض الرافعي رحمه الله لهذه النبذ ولم يذكر فيها ما يليق به ولا بهذا الكتاب وأنا أشير إلى أصول مقاصدها بألفاظ وجيزة

إن شاء الله تعالى اتفقوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعبد صنما قط والأنبياء قبل النبوة معصومون من الكفر واختلفوا في العصمة من المعاصي وأما بعد النبوة فمعصومون من الكفر ومن كل ما يخل بالتبليغ وما يزري بالمروءة ومن الكبائر واختلفوا في الصغائر فجوزها الأكثرون ومنعها المحققون وقطعوا بالعصمة منها وتأولوا الظواهر الواردة فيها واختلفوا في أن نبينا صلى الله عليه وسلم هل كان قبل النبوة يتعبد على دين نوح وإبرهيم أم موسى أم عيسى أم يتعبد لا ملتزما دين واحد من المذكورين والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشىء إذ ليس فيه دلالة على عقل ولا ثبت فيه نص ولا إجماع واختلف أصحابنا في شرع من قبلنا هل هو شرع لنا إذا لم يرد شرعنا بنسخ ذلك الحكم والأصح أنه ليس بشرع لنا وقيل بلى وقيل شرع إبرهيم فقط وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وله أربعون سنة وقيل أربعون ويوم فأقام في مكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة وقيل عشرا وقيل خمس عشرة والصحيح الأول ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها عشرا بالإجماع ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول وتوفي صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ومنها ابتداء التاريخ ودفن ليلة الأربعاء وقيل ليلة الثلاثاء ومدة مرضه صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه اثنا عشر يوما وقيل أربعة عشر وغسله علي والعباس والفضل وقثم وأسامة وشقران رضي الله عنهم وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وصلى عليه المسلمون أفرادا بلا إمام ودخل قبره علي والعباس والفضل وقثم وشقران ودفن في اللحد وجعل فيه تسع لبنات ودفن في الموضع الذي توفي فيه وهو

حجرة عائشة ثم دفن عنده أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما ولم يحج صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلا حجة الوداع سنة عشر وسميت حجة الوداع لأنه ودع الناس فيها صلى الله عليه وسلم واعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر واختلفوا هل فرض الحج سنة ست أو خمس أو تسع وأول ما وجب الإنذار والدعاء إلى التوحيد ثم فرض الله تعالى من قيام الليل ما ذكره في أول سورة المزمل ثم نسخه بما في أواخرها ثم نسخه بإيجاب الصلوات الخمس ليلة الإسراء بمكة بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب وكان صلى الله عليه وسلم مأمورا بالصلاة إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة وبعد الهجرة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر ثم أمره الله تعالى باستقبال الكعبة
ذكر بعض الأمور المشهورة بعد الهجرة على ترتيب السنين السنة الأولى فيها بنى صلى الله عليه وسلم مسجده ومساكنه وآخى بين المهاجرين والأنصار وشرع الأذان وأسلم عبد الله بن سلام
السنة الثانية فيها حولت القبلة إلى الكعبة قال محمد بن حبيب الهاشمي حولت في الظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان كان صلى الله عليه وسلم في أصحابه فحانت صلاة الظهر في منازل بني سلمة فصلى بهم ركعتين من الظهر في مسجد القبلتين إلى القدس ثم أمر في الصلاة باستقبال الكعبة وهو راكع في الركعة الثانية فاستدار واستدارت الصفوف خلفه صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين وفي شعبان منها فرض صوم رمضان وفيها فرضت صدقة الفطر وفيها كانت غزوة بدر في رمضان وفي شوال منها تزوج عائشة وفيها تزوج علي فاطمة

السنة الثالثة فيها غزوات وأربع سرايا منها غزوة أحد يوم السبت السابع من شوال ثم غزوة بدر الصغرى في هلال ذي القعدة وفيها غزوة بني النضير وحرمت الخمر بعد غزوة أحد وتزوج حفصة وتزوج عثمان أم كلثوم وولد الحسن بن علي
الرابعة فيها غزوة الخندق وذكرها جماعة في الخامسة والصحيح أنها في الرابعة ويقال لها الأحزاب أيضا وكان حصار الأحزاب المدينة خمسة عشر يوما ثم هزمهم الله تعالى وفيها قصرت الصلاة ونزل التيمم وتزوج أم سلمة
الخامسة فيها غزوة ذات الرقاع في أول المحرم وبها صلى صلاة الخوف وهي أول صلوات الخوف ثم غزوة دومة الجندل وغزوة بني قريظة
السادسة غزوة الحديبية وبيعة الرضوان وغزوة بني المصطلق وكسفت الشمس ونزل الظهار
السابعة فيها غزوة خيبر وتزوج أم حبيبة وميمونة وصفية وجاءته مارية وبغلته دلدل وقدم جعفر وأصحابه من الحبشة وأسلم أبو هريرة وعمرة القضاء
الثامنة فيها غزوة مؤتة وذات السلاسل وفتح مكة في رمضان وولد إبرهيم وتوفيت زينب وغزوة حنين والطائف وفيها غلاء السعر فقالوا سعر لنا
التاسعة فيها غزا تبوك وحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس وتوفيت أم كلثوم والنجاشي وتتابعت الوفود ودخل الناس في دين الله أفواجا

العاشرة فيها حجة الوداع ووفاة إبرهيم وإسلام جرير ونزل اليوم أكملت لكم دينكم وغزواته صلى الله عليه وسلم بنفسه خمسة وعشرون غزوة وقيل سبع وعشرون وسراياه ست وخمسون وقيل غير ذلك
والله أعلم
الطرف الثاني في وجوب الجهاد قد يكون فرض كفاية وقد يتعين كما سيأتي إن شاء الله تعالى وهل كان فرض كفاية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم فرض عين فيه وجهان أصحهما فرض كفاية لقوله تعالى { لا يستوي القاعدون } الآية وأما اليوم فهو ضربان أحدهما أن يكون الكفار مستقرين في بلدانهم فهو فرض كفاية فإن امتنع الجميع منه أثموا وهل يعمهم الإثم أم يختص بالذين يدنوا إليه وجهان
قلت الأصح أنه يأثم كل من لا عذر له كما سيأتي بيان الأعذار إن شاء الله تعالى
والله أعلم
وإن قام من فيه كفاية سقط عن الباقين
وتحصل الكفاية بشيئين
أحدهما أن يشحن الإمام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الكفار وينبغي أن يحتاط بإحكام الحصون وحفر الخنادق ونحوهما ويرتب في كل ناحية أميرا كافيا يقلده الجهاد وأمور المسلمين
الثاني أن يدخل الإمام دار الكفر غازيا بنفسه أو بجيش يؤمر عليهم من يصلح لذلك وأقله مرة واحدة في كل سنة فإن زاد فهو أفضل ويستحب أن يبدأ بقتال من يلي دار الإسلام من الكفار فإن كان الخوف من الأبعدين أكثر بدأ بهم ولا يجوز إخلاء سنة عن جهاد

إلا لضرورة بأن يكون في المسلمين ضعف وفي العدو كثرة ويخاف من ابتدائهم الاستئصال أو لعذر بأن يعز الزاد وعلف الدواب في الطريق فيؤخر إلى زوال ذلك أو ينتظر لحاق مدد أو يتوقع إسلام قوم فيستميلهم بترك القتال هذا ما نصر عليه الشافعي وجرى عليه الأصحاب رحمهم الله وقال الإمام المختار عندي في هذا مسلك الأصوليين فإنهم قالوا الجهاد دعوة قهرية فيجب إقامته بحسب الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم ولا يختص بمرة في السنة ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة وما ذكره الفقهاء حملوه على العادة الغالبة وهي أن الأموال والعدد لا تتأتى لتجهيز الجنود في السنة أكثر من مرة ثم إن تمكن الإمام من بث الأجناد للجهاد في جميع الأطراف فعل وإلا فيبدأ بالأهم فالأهم وينبغي له أن يرعى النصفة بالمناوبة بين الأجناد في الإغزاء ويسقط الوجوب في هذا الضرب بأعذار
منها الصغر والجنون والأنوثة وللإمام أن يأذن للمراهقين والنساء في الخروج وأن يستصحبهم لسقي الماء ومداواة المرضى ومعالجة الجرحى ولا يأذن للمجانين بحال ولا جهاد على الخنثى
ومنها المرض فلا جهاد على من به مرض يمنعه من القتال والركوب على دابة ولا على من لا يمكنه القتال إلا بمشقة شديدة ولا اعتبار بالصداع ووجع الضرس والحمى الخفيفة ونحوها
ومنها العرج فلا جهاد على من به عرج بين وإن قدر على الركوب ووجد دواب وقيل يلزمه الجهاد راكبا والصحيح الأول وسواء العرج في رجل أو رجليه ولا اعتبار بعرج يسير لا يمنع المشي ولا جهاد على أشل اليد ولا من فقد معظم أصابعه بخلاف فاقد الأقل
ومنها العمى فلا جهاد على أعمى ويجب على الأعور والأعشى

وعلى ضعيف البصر إن كان يدرك الشخص ويمكنه أن يتقي السلاح
ومنها الفقر فلا جهاد على من عجز عن سلاح وأسباب القتال ويشترط أن يجد نفقة طريقه ذهابا ورجوعا فإن لم يكن له أهل ولا عشيرة ففي اشتراط نفقة الرجوع وجهان سبقا في الحج فإن كان القتال على باب البلد أو حواليه سقط اشتراط نفقة الطريق ويشترط وجدان راحلة إن كان سفره مسافة القصر ويشترط كون جميع ذلك فاضلا عن نفقة من يلزمه نفقته وسائر ما ذكرناه في الحج وكل عذر يمنع وجوب الحج يمنع وجوب الجهاد إلا أمن الطريق فإنه شرط هناك ولا يشترط هنا لأن مبنى الغزو على ركوب المخاوف هذا إن كان الخوف من طلائع الكفار وكذا لو كان من متلصصي المسلمين على الصحيح ولو بذل للفاقد ما يحتاج إليه لم يلزمه قبوله إلا أن يبذله الإمام فيلزمه أن يقبل ويجاهد لأن ما يعطيه الإمام حقه ولا يلزم الذمي الجهاد والحاصل أن الجهاد لا يجب إلا على مسلم بالغ عاقل ذكر حر مستطيع ولا جهاد على رقيق وإن أمره سيده إذ ليس القتال من الاستخدام المستحق للسيد ولا يلزمه الذب عن سيده عند خوفه على روحه إذا لم نوجب الدفع عن الغير بل السيد في ذلك كالأجنبي وللسيد استصحابه في سفر الجهاد وغيره ليخدمه ويسوس دوابه والمدبر والمكاتب ومن بعضه حر لا جهاد عليهم

فرع مما يمنع وجوب الجهاد الدين فمن عليه دين حال لمسلم أو
ليس له أن يخرج في سفر جهاد أو غيره إلا بإذنه وله أن يمنعه السفر لتوجه المطالبة به والحبس إن امتنع وإن كان معسرا فليس له منعه على الصحيح إذ لا مطالبة في الحال ولو استناب الموسر من يقضي دينه من مال حاضر فله الخروج وإن أمره بالقضاء من مال

غائب فلا ومتى أذن صاحب الدين فله الخروج ويلتحق بأصحاب فرض الكفاية وفيه احتمال للإمام وإن كان الدين مؤجلا فله أن يخرج في سفر لا يغلب فيه الخطر على ما سبق في التفليس وهل لصاحب الدين منعه من سفر الجهاد فيه خمسة أوجه أصحها لا والثاني نعم إلا أن يقيم كفيلا بالدين والثالث له المنع إن لم يخلف وفاء والرابع له المنع إن لم يكن من المرتزقة والخامس له ذلك إن كان الدين يحل قبل رجوعه وركوب البحر كسفر الجهاد على الأصح

فرع من أحد أبويه حي يحرم عليه الجهاد إلا بإذنه أو بإذنهما
كانا حيين مسلمين ولا يحتاج إلى إذن كافر والأجداد والجدات كالوالدين وقيل لا يشترط إذن الجد مع وجود الأب ولا الجدة مع وجود الأم والأول أصح وليس للوالد منع الولد من حجة الاسلام على الصحيح وله المنع من حج التطوع وأما غفره لطلب العلم فإن كان لطلب ما هو متعين فله الخروج بغير إذنهما وليس لهما المنع وإن كان لطلب ما هو فرض كفاية بأن خرج لطلب درجة الفتوى في الناحية مستقل بالفتوى فليس لهما المنع على الأصح فإن لم يكن هناك مستقل ولكن خرج جماعة فليس لهما على المذهب لأنه لم يوجد في الحال من يقوم بالمقصود والخارجون فلا يظفرون بالمقصود وإن لم يخرج معه أحد لم يحتج إلى إذن ولا منع لهما قطعا لأنه يدفع الإثم عن نفسه كالفرض المتعين عليه وقيد بعضهم هذه الصورة بما إذا لم يمكنه التعلم في بلده ويجوز أن لا يشترط ذلك بل يكفي أن يتوقع في السفر زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ أو غيرهما كما لم يقيد الحكم في سفر التجارة بمن لم يتمكن منها ببلده بل اكتفي بتوقع زيادة ربح أو رواج وأما سفر

التجارة وغيره فإن كان قصيرا فلا منع منه بحال وإن كان طويلا نظر إن كان فيه خوف ظاهر كركوب بحر أو بادية مخطرة وجب الاستئذان على الصحيح ولهما المنع وإن كان الأمن غالبا فالأصح أنه لا منع ولا يلزمه الاستئذان والولد الكافر في هذه الأسفار كالمسلم بخلاف سفر الجهاد فإنه متهم فيه والرقيق كالحر على الصحيح لشمول معنى البر والشفقة

فرع من خرج للجهاد بإذن صاحب الدين أو الوالدين ثم رجعوا عن
أو كان الأبوان كافرين فخرج ثم أسلما ولم يأذنا وعلم المجاهد الحال فإن لم يشرع في القتال ولم يحضر الوقعة لزمه الانصراف إلا أن يخاف على نفسه أو ماله أو يخاف انكسار قلوب المسلمين فلا يلزمه فإن لم يمكنه الانصراف للخوف وأمكنه أن يقيم في قرية في الطريق حتى يرجع الجيش لزمه أن يقيم وأوهم في الوسيط خلافا في وجوب الإقامة هناك وحكى ابن كج قولا أنه لا يلزمه الانصراف والمشهور الأول وإن علم بعد الشروع في القتال فأربعة أوجه أصحها تجب المصابرة ويحرم الانصراف والثاني يجب الانصراف والثالث يتخير بين الانصراف والمصابرة والرابع يجب الانصراف إن رجع صاحب الدين دون الأبوين إن رجع لعظم شأن الدين ومن شرط عليه الاستئذان فخرج بلا إذن لزمه الانصراف ما لم يشرع في القتال لأن سفره سفر معصية إلا أن يخاف على نفسه أو ماله فإن شرع في القتال فوجهان مرتبان وهذه الصورة أولى بوجوب الانصراف لأن أول الخروج معصية ولو خرج عبد بغير إذن سيده لزمه الانصراف ما لم يحضر الوقعة فإن حضر فلا قال الروياني يستحب الرجوع

فرع لو مرض من خرج للجهاد أو عرج أو فني زاده
أن ينصرف ما لم يحضر الوقعة وكذا الحكم لو كان العذر حاصلا وقت الخروج فإن حضر الوقعة فهل يلزمه الثبات أم له الرجوع وجهان أصحهما الثاني قال الإمام والوجهان إذا لم يورث انصرافه فشلا في الجند فإن أورثه حرم الرجوع قطعا وفي التهذيب في صورة موت الدابة يلزمه القتال راجلا إن أمكنه ذلك وإلا فلا وقيل إذا انقطع عنه سلاحه أو انكسر لزمه القتال بالحجارة إن أمكنه
فرع حيث جوزنا الانصراف لرجوع الأبوين أو صاحب الدين عن الإذن أو
لحدوث المرض ونحوه فليس للسلطان حبسه قال الشافعي رحمه الله إلا أن يتفق ذلك لجماعة ويخشى من انصرافهم خلل في المسلمين ولو انصرف لذهاب نفقة أو هلاك دابة ثم قدر على النفقة والدابة في بلاد الكفار لزمه الرجوع للجهاد وإن كان فارق بلاد الكفر لم يلزمه الرجوع وعن نصه أن من خرج للجهاد وبه عذر مرض وغيره ثم زال عذره وصار من أهل فرض الجهاد لم يكن له الرجوع عن الغزو وكذا لو حدث العذر وزال قبل أن ينصرف
فرع من شرع في قتال ولا عذر له لزمه المصابرة وعبر الأصحاب
بأن الجهاد يصير متعينا على من هو من أهل فرض الكفاية بالشروع ولو اشتغل شخص بالتعلم وأنس الرشد فيه من نفسه هل يحرم عليه قطعه وجهان أحدهما نعم فيلزمه الاتمام قاله القاضي حسين وأصحهما لا لأن الشروع لا يغير حكم المشروع فيه بخلاف بالجهاد فإن رجوعه يؤدي إلى التخذيل وهل يجب إتمام صلاة الجنازة إذا

شرع فيها وجهان قال القفال لا وقال الجمهور نعم وهو الأصح قال الغزالي الأصح أن العلم وسائر فروض الكفاية تتعين بالشروع
الضرب الثاني الجهاد الذي هو فرض عين فإذا وطىء الكفار بلدة للمسلمين أو أطلوا عليها ونزلوا بابها قاصدين ولم يدخلوا صار الجهاد فرض عين على التفصيل الذي نبينه إن شاء الله تعالى وعن ابن أبي هريرة وغيره أنه يبقى فرض كفاية والصحيح الأول فيتعين على أهل تلك البلدة الدفع بما أمكنهم وللدفع مرتبتان
إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم واستعدادهم للحرب فعلى كل واحد من الأغنياء والفقراء التأهب بما يقدر عليه وإذا لم يمكنهم المقاومة إلا بموافقة العبيد وجب على العبيد الموافقة فينحل الحجر عن العبيد حتى لا يراجعوا السادات وإن أمكنهم المقاومة من غير موافقة العبيد فوجهان أصحهما أن الحكم كذلك لتقوى القلوب وتعظم الشوكة وتشتد النكاية والثاني لا ينحل الحجر عنهم للاستغناء عنهم والنسوة إن لم تكن فيهن قوة دفاع لا يحضرن وإن كان فعلى ما ذكرنا في العبيد ويجوز أن لا يحوج المزوجة إلى إذن الزوج كما لا يحوج إلى إذن السيد ولا يجب في هذا النوع استئذان الوالدين وصاحب الدين
المرتبة الثانية أن يتغشاهم الكفار ولا يتمكنوا من اجتماع وتأهب فمن وقف عليه كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذ فعليه أن يتحرك ويدفع عن نفسه بما أمكن يستوي فيه الحر والعبد والمرأة والأعمى والأعرج والمريض ولا تكليف على الصبيان والمجانين وإن كان يجوز أن يقتل ويؤسر ولو امتنع لقتل جاز أن

يستسلم فإن المكاوحة والحالة هذه استعجال القتل والأسر يحتمل الخلاص ولو علمت المرأة أنها لو استسلمت امتدت الأيدي إليها لزمها الدفع وإن كانت تقتل لأن من أكره على الزنى لا تحل له المطاوعة لدفع القتل فإن كانت لا تقصد بالفاحشة في الحال وإنما يظن ذلك بعد السبي فيحتمل أن يجوز لها الاستسلام في الحال ثم تدفع حينئذ ولو كان في أهل البقعة كثرة خرج بعضهم وفيهم كفاية ففي تحتم المساعدة على الآخرين وجهان أصحهما الوجوب لأن الواقعة عظيمة وأما غير أهل تلك الناحية فمن كان منهم على دون مسافة القصر فهو كبعضهم حتى إذا لم يكن في أهل البلدة كفاية وجب على هؤلاء أن يطيروا إليهم وإن كان فيهم كفاية ففي وجوب المساعدة عليهم الوجهان ومن كان على مسافة القصر إن لم يكن في أهل البلدة والذين يلونهم كفاية وجب عليهم أن يطيروا إليهم فإن طار إليهم من تحصل به الكفاية سقط الحرج عن الباقين وهذا معنى قول البغوي إذا دخل الكفار دار الإسلام فالجهاد فرض عين على من قرب وفرض كفاية فيحق من بعد وعلى هذا فحكم أهل الأعذار على ما ذكرناه في الضرب الأول وفيه وجه أنه يجب على جميعهم المساعدة والمسارعة وليكن هذا في الأقربين ممن هو على مسافة القصر وإن كان في أهل البلدة والذين يلونهم كفاية فالأصح أنه لا يجب على الذين فوق مسافة القصر المساعدة لأنه يؤدي إلى إيجاب على جميع الأمة وفي ذلك حرج من غير حاجة والثاني يجب على الأقربين فالأقربين بلا ضبط حتى يصل الخبر بأنهم قد دفعوا وأخرجوا وليس لأهل البلدة ثم الأقربين

فالأقربين إذا قدروا على القتال أن يلبثوا إلى لحوق الآخرين ولا يشترط وجود المركوب فيمن دون مسافة القصر وفيمن على مسافة القصر فما فوقها وجهان أصحهما الاشتراط كالحج والثاني لا لشدة الخطب ويشترط فيمن فوق مسافة القصر ودونها وجود الزاد على الأصح إذ لا استقلال بغير زاد ولا معنى لإلزامهم الخروج مع العلم بأنهم سيهلكون ولو نزل الكفار على خراب أو جبل في دار الإسلام بعيد عن الأوطان والبلدان ففي نزوله منزلة دخول البلدة وجهان أطلقهما الغزالي والذي نقله الإمام عن الأصحاب أنه ينزل منزلته لأنه من دار الإسلام واختار هو المنع لأن الدار تشرف بسكن المسلمين فإذا لم يكن مسكنا لأحد فتكليف المسلمين التهاوي على المتالف بعيد
قلت هذا الذي اختاره الإمام ليس بشىء وكيف يجوز تمكين الكفار من الاستيلاء على دار الإسلام مع إمكان الدفع
والله أعلم

فرع لو أسروا مسلما أو مسلمين فهل هو كدخول دار الإسلام وجهان
لا لأن إزعاج الجنود لواحد بعيد وأصحهما نعم لأن حرمته أعظم من حرمة الدار فعلى هذا لا بد من رعاية النظر فإن كانوا على قرب دار الإسلام وتوقعنا استخلاص من أسروه لو طرنا إليهم فعلنا وإن توغلوا في بلاد الكفر ولا يمكن التسارع إليهم وقد لا يتأتى خرقها بالجنود اضطررنا إلى الانتظار كما لو دخل منهم ملك عظيم الشوكة طرف بلاد الإسلام لا يتسارع إليه آحاد الطوائف
الطرف الثالث في بيان فروض الكفاية هي كثيرة مفرقة في أبوابها كغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه

ودفنه وكذا صلاة الجماعة والأذان والعيد إذا قلنا إنهن فرض كفاية وكذا التقاط المنبوذ وغير ذلك وفروض الكفاية أمور كلية تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية لا ينتظم الأمر إلا بحصولها فيطلب الشارع تحصيلها ولا يطلب تكليف واحد فواحد بها بخلاف فرض العين فإن كل واحد مكلف بتحصيله وفروض الكفاية أقسام منها ما يتعلق بأصل الدين وهو إقامة الحجة العلمية ومعناها أنه كما تجب إقامة الحجة القهرية بالسيف يجب أن يكون في المسلمين من يقيم البراهين ويظهر الحجج ويدفع الشبهات ويحل المشكلات ومنها ما يتعلق بالفروع كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمراد منه الأمر بواجبات الشرع والنهي عن محرماته فهو فرض كفاية فإن نصب لذلك رجل تعين عليه بحكم الولاية وهو المحتسب ولقد أحسن أقضى القضاة الماوردي ترتيب الأمر بالمعروف وتقسيمه فجعله ثلاثة أضرب أحدها ما يتعلق بحقوق الله تعالى وهو نوعان أحدهما يؤمر به الجميع دون الأفراد كإقامة الجمعة حيث تجتمع شروطها فإن كانوا عددا يرون انعقاد الجمعة بهم والمحتسب لا يراه فلا يأمرهم بما لا يجوزه ولا ينهاهم عما يرونه فرضا عليهم ويأمرهم بصلاة العيد وهل هو واجب أم مستحب وجهان
قلت الصحيح وجوب الأمر وإن قلنا صلاة العيد سنة لأن الأمر بالمعروف هو الأمر بالطاعة لا سيما ما كان شعارا ظاهرا
والله أعلم
النوع الثاني يؤمر به الآحاد مثل إن أخر بعض الناس

الصلاة عن وقتها فإن قال نسيتها حثه على المراقبة ولا يعترض على من أخرها والوقت باق لاختلاف العلماء في فضل التأخير
الضرب الثاني ما يتعلق بحق آدمي وينقسم إلى عام كالبلد إذا تعطل شربه أو انهدم سوره أو طرقه أبناء السبيل المحتاجون وتركوا معونتهم فإن كان في بيت المال مال لم يؤمر الناس بذلك وإن لم يكن أمر أهل المكنة برعايتها
وإلى خاص كمطل المدين الموسر فالمحتسب يأمره بالخروج عنه إذا استعداه صاحب الدين وليس له الضرب والحبس
الثالث الحقوق المشتركة كأمر الأولياء بإنكاح الأكفاء وإلزام النساء أحكام العدد وأخذ السادة بحقوق الأرقاء وأصحاب البهائم بتعهدها وأن لا يستعملوها فيما لا تطيق وذكر في المنكرات أن من يغير هيئة عبادة كجهره في صلاة سرية وعكسه وزيادة في الأذان يمنعه وينكر عليه ومن تصدى للتدريس أو الوعظ وليس هو من أهله ولا يؤمن اغترار الناس به في تأويل أو تحريف أنكر عليه المحتسب وشهر أمره لئلا يغتر به وإذا رأى رجلا واقفا مع امرأة في شارع يطرقه الناس لم ينكر عليه وإن كان في طريق خال فهو موضع ريبة فينكر ويقول وإن كانت محرما لك فصنها عن مواقف الريب ولا ينكر في حقوق الآدميين كتعديه في جدار جاره إلا باستعداء صاحب الحق وينكر على من يطيل الصلاة من أئمة المساجد المطروقة وعلى القضاة إذا حجبوا الخصوم وقصروا في النظر والخصومات والسوقي الذي يختص بمعاملة النساء تختبر أمانته فإن ظهرت منه خيانة منع من معاملتهن وهذا باب لا تتناهى صوره
قلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية بإجماع الأمة

وهو من أعظم قواعد الإسلام ولا يسقط عن المكلف لكونه يظن أنه لا يفيد أو يعلم بالعادة أنه لا يؤثر كلامه بل يجب عليه الأمر والنهي فإن الذكرى تنفع المؤمنين وليس الواجب عليه أن يقبل منه بل واجبه أن يقول كما قال الله تعالى { ما على الرسول إلا البلاغ } قالوا ومن أمثلته أن يرى مكشوف بعض عورته في حمام ونحو ذلك ولا يشترط في الآمر والناهي كونه ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر والنهي في حق نفسه وفي حق غيره فإن أخل بأحدهما لم يجز الإخلال بالآخر ولا يختص الأمر والنهي بأصحاب الولايات والمراتب بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين وواجب عليهم قال إمام الحرمين والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول كانوا يأمرون الولاة وينهونهم مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بذلك بغير ولاية ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه قال أصحابنا وإنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف بحسب الأشياء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنى والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها وإن كان من دقائق الأقوال والأفعال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام الابتداء بإنكاره بل ذلك للعلماء ويلتحق بهم من أعلمه 8 العلماء بأن ذلك مجمع عليه ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره أما المختلف فيه فلا إنكار فيه لأن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد ولا نعلمه ولا إثم على المخطىء لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب ويكون برفق لأن العلماء متفقون على استحباب الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة

ثابتة أو وقوع في خلاف آخر وذكر الماوردي خلافا في أن من قلده السلطان الحسبة هل له حمل الناس على مذهبه فيما اختلف العلماء فيه إذا كان المحتسب مجتهدا أم ليس له تغيير ما كان على مذهب غيره والأصح أنه ليس له تغييره لما ذكرناه ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد على غيره مجتهدا فيه وإنما ينكرون ما خالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا
وأما صفة النهي عن المنكر ومراتبه فضابطه قوله صلى الله عليه وسلم فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فعليه أن يغير بكل وجه أمكنه ولا يكفي الوعظ لمن أمكنه إزالته باليد ولا تكفي كراهة القلب لمن قدر على النهي باللسان وقد سبق في كتاب الغصب صفة كسر الملاهي وجملة متعلقة بالمنكرات وينبغي أن يرفق في التغيير بالجاهل وبالظالم الذي يخاف شره فإن ذلك أدعى إلى قبول قوله وإزالة المنكر وإن قدر على من يستعين به ولم يمكنه الاستقلال استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب فإن عجز رفع ذلك إلى صاحب الشوكة وقد تقدم هذا في كتاب الصيال فإن عجز عن كل ذلك فعليه أن يكرهه بقلبه قال أصحابنا وغيرهم وليس للآمر والناهي البحث والتنقيب والتجسس واقتحام الدور بالظنون بل إن رأى شيئا غيره قال الماوردي فإن غلب على ظن المحتسب أو غيره استسرار قوم بالمنكر بأمارة وآثار ظهرت فذلك ضربان أحدهما أن يكون فيه انتهاك حرمة يفوت تداركها بأن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فيجوز التجسس والإقدام على الكشف والإنكار والثاني ما قصر عن هذه الرتبة فلا يجوز فيه الكشف والتجسس

واعلم أنه لا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بأن يخاف منه على نفسه أو ماله أو يخاف على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع
والله أعلم

فصل ومن فروض الكفاية إحياء الكعبة بالحج في كل سنة هكذا أطلقوه
وينبغي أن تكون العمرة كالحج بل الاعتكاف والصلاة في المسجد الحرام فإن التعظيم وإحياء البقعة يحصل بكل ذلك
قلت لا يحصل مقصود الحج بما ذكر فإنه مشتمل على الوقوف والرمي والمبيت بمزدلفة ومنى وإحياء تلك البقاع بالطاعات وغير ذلك
والله أعلم
ومنها ما يتعلق بمصالح المعايش وانتظام أمور الناس كدفع الضرر عن المسلمين وإزالة فاقتهم كستر العورة وإطعام الجائعين وإغاثة المستغيثين في النائبات فكل ذلك فرض كفاية في حق أصحاب الثروة والقدرة إذا لم تف الصدقات الواجبة بسد حاجاتهم ولم يكن في بيت المال ما يصرف إليها فلو انسدت الضرورة فهل يكفي ذلك أم تجب الزيادة إلى تمام الكفاية التي يقوم بها من تلزمه النفقة حكى الإمام فيه وجهين

قلت قال الإمام في كتابه الغياثي يجب على الموسر المواساة بما زاد على كفاية سنة
وأما الحرف والصناعات وما به قوام المعايش كالبيع والشراء والحراثة وما لا بد منه حتى الحجامة والكنس فالنفوس مجبولة على القيام بها فلا تحتاج إلى حث عليها وترغيب فيها لكن لو امتنع الخلق منها أثموا وكانوا ساعين في إهلاك أنفسهم فهي إذن من فروض الكفاية

فصل ومن فروض الكفاية ما يتعلق بالدين وبصلاح المعيشة كتحمل الشهادة وأدائها وإعانة
غسلا وتكفينا وصلاة ودفنا ونحو ذلك
فصل من العلوم ما يتعين طلبه وتعلمه ومنها فرض كفاية

فمن المتعين ما يحتاج إليه لإقامة مفروضات الدين كالوضوء والصلاة والصيام وغيرها فإن من لا يعلم أركان الصلاة وشروطها لا يمكنه إقامتها وإنما يتعين تعلم الأحكام الظاهرة دون الدقائق والمسائل التي لا تعم بها بلوى وإن كان له مال زكوي لزمه تعلم

ظواهر أحكام الزكاة قال الروياني هذا إذا لم يكن له ساع يكفيه الأمر
قلت الراجح أنه لا يسقط عنه التعلم بالساعي إذ قد يجب عليه ما لا يعلمه الساعي
ومن يبيع ويشتري ويتجر يتعين عليه معرفة أحكام التجارات وكذا ما يحتاج إليه صاحب كل حرفة يتعين عليه تعلمه والمراد الأحكام الظاهرة الغالبة دون الفروع النادرة والمسائل الدقيقة
وأما فرض الكفاية فالقيام بعلوم الشرع فرض كفاية ويدخل في ذلك التفسير والحديث على ما سبق في الوصية ومنها أن ينتهي في معرفة الأحكام إلى حيث يصلح للفتوى والقضاء كما سنذكره في أدب القاضي إن شاء الله تعالى وهناك يتبين أن المجتهد في الشرع مطلقا يفتي وأن المتبحر في مذهب بعض الأئمة المجتهدين يفتي أيضا على الصحيح ولا يكفي أن يكون في الاقليم مفت واحد لعسر مراجعته واعتبر الأصحاب فيه مسافة القصر وكأن المراد أن لا يزيد ما بين كل مفتيين على مسافة القصر وأما العلوم العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب والحساب المحتاج إليه وقسمة الوصايا والمواريث قال الغزالي ولا يستبعد عد الطب والحساب من فروض الكفاية فإن الحرف والصناعات التي لا بد للناس منها في معايشهم كالفلاحة فرض كفاية فالطب والحساب أولى وأما أصول العقائد فالاعتقاد المستقيم مع التصميم على ما ورد به القرآن والسنة فرض عين وأما العلم المسمى علم الكلام فليس بفرض عين ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم يشتغلون به قال الإمام ولو بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة الإسلام لما أوجبنا التشاغل به وربما نهينا عنه فأما اليوم وقد ثارت البدع فلا سبيل إلى تركها

تلتطم ولا بد من إعداد ما يدعى به إلى المسلك الحق وتزال به الشبه فصار الاشتغال بأدلة العقول فرض كفاية فأما من استراب في أصل من أصول الاعتقاد فيلزمه السعي في إزاحته حتى تستقيم عقيدته
قلت ولا يتعين تعلم كيفية الوضوء والصلاة وشبههما إلا بعد وجوب ذلك فإن كان بحيث لو صبر إلى دخول الوقت لم يتمكن من إتمام تعلمها مع الفعل في الوقت فهل يلزمه التعلم قبل الوقت تردد فيه الغزالي والأصح ما جزم به غيره أنه يلزمه كما يلزم السعي إلى الجمعة قبل الوقت لمن بعد منزله وإذا كان ما تعلق به الوجوب على الفور كان تعلم كيفيته على الفور وإن كان على التراخي كالحج فتعلم الكيفية على التراخي وأما علم القلب كالحسد والعجب والرياء وشبهها فقد قال الغزالي معرفة حدودها وأسبابها وطبها وعلاجها فرض عين وقال غيره فيه تفصيل ضمن زرق قلبا سليما من هذه الأمراض المحرمة كفاه ذلك ومن لم يسلم وتمكن من تطهير قلبه بغير تعلم العلم المذكور وجب تطهره وإن لم يتمكن إلا بتعلم وحب وقد سبق في كتاب الصلاة وجوب تعليم الصغار على أوليائهم ومن فرض الكفاية معرفة أصول الفقه والفقه والنحو واللغة والتصريف وأسماء الرواة والجرح والتعديل واختلاف العلماء واتفاقهم وقد يكون من العلم مستحب كالتبحر في أصول الأدلة بالزيادة على القدر الذي يحصل به فرض الكفاية وكتعلم العامي نوافل العبادات لغرض العمل لا لما يقوم به المجتهدون من تمييز الفرض من النفل فإن ذلك فرض كفاية في حقهم قال صاحب الحاوي وإنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على من جمع أربعة شروط وهي أن يكون مكلفا وممن يتقلد القضاء لا عبدا ولا امرأة وأن يكون بليدا وأن يقدر على الانقطاع إليه بأن تكون له كفاية ويدخل الفاسق في الفرض ولا

يسقط به لأنه لا تقبل فتواه للمستفتين وفي دخول المرأة والعبد وجهان لأنهما أهل للفتوى دون القضاء
واعلم أن تعليم الطالبين وإفتاء المستفتين فرض كفاية فإن لم يكن من يصلح إلا واحدا وكان هناك جماعة ولا يحصل الغرض إلا بكلهم تعين عليهم وإذا كان هناك غير المفتي هل يأثم بالرد وجهان أصحهما لا وينبغي أن يكون المعلم كذلك ويستحب الرفق بالمتعلم والمستفتي فهذه أنواع العلوم الشرعية ووراءها أشياء تسمى علوما منها محرم ومكروه ومباح فالمحرم كالفلسفة والشعوذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين وكذا السحر على الصحيح فكل ذلك محرم وتتفاوت دركات تحريمه
والمكروه كأشعار المولدين المشتملة على الغزل والبطالة
والمباح كأشعار المولدين التي ليس فيها سخف ولا شىء مما يكره ولا ينشط إلى الشر أو يثبط عن الخير ولا يحث عليه أو يستعان به عليه
والله أعلم

فرع إذا تعطل فرض كفاية أثم كل من علم به وقدر على
من لم يعلم وكان قريبا من الموضع يليق به البحث والمراقبة قال الإمام ويختلف هذا بكبر البلد وصغره وقد يبلغ التعطل مبلغا ينتهي خبره إلى سائر البلاد فيجب عليهم السعي في التدارك وفي الصورة دليل على أنه لا يجوز الإعراض والإهمال ويجب البحث والمراقبة على ما يليق الحال
فرع إذا قام بالفرض جمع لو قام به بعضهم يسقط الحرج عن

كانوا كلهم مؤدين للفرض ولا مزية للبعض على البعض وإذا صلى على الجنازة جمع ثم آخرون كانت صلاة الآخرين فرض كفاية كالأولين
قلت للقائم بفرض الكفاية مزية على القائم بفرض العين من حيث إنه أسقط الحرج عن نفسه وعن المسلمين وقد قال إمام الحرمين في كتابه الغياثي الذي أراه أن القيام بفرض الكفاية أفضل من فرض العين لأنه لو ترك المتعين اختص هو بالإثم ولو فعله اختص بسقوط الفرض وفرض الكفاية لو تركه أثم الجميع وفرض الكفاية لو فعله سقط الحرج عن الجميع وفاعله ساع في صيانة الأمة عن المأثم ولا يشك في رجحان من حل محل المسلمين أجمعين في القيام بمهم من مهمات الدين
والله أعلم

فصل في السلام فيه مسائل الأولى ابتداء السلام سنة مؤكدة فإن سلم
على واحد وجب عليه الرد وإن سلم على جماعة فالرد في حقهم فرض كفاية فإن رد أحدهم سقط الحرج عن الباقين وإن رد الجميع كانوا مؤدين للفرض سواء ردوا معا أو متعاقبين فإن امتنعوا كلهم أثموا ولو رد غير من سلم عليه لم يسقط الفرض عمن سلم عليه ويكون ابتداء السلام أيضا سنة على الكفاية فإذا لقي جماعة آخرين فسلم أحد هؤلاء على هؤلاء كفى ذلك في إقامة أصل السنة
الثانية لا بد من ابتداء السلام ورده من رفع الصوت بقدر ما يحصل به الإسماع ويجب أن يكون الرد متصلا بالسلام الاتصال

المشترط بين الإيجاب والقبول في العقود قال المتولي لو ناداه من وراء حائط أو ستر وقال السلام عليك يا فلان أو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسالة لزمه الرد ولو سلم على أصم أتى باللفظ لقدرته عليه ويشير باليد ليحصل الإفهام فإن لم يضم الإشارة إلى اللفظ لم يستحق الجواب وكذا في جواب سلام الأصم يجب الجمع بين اللفظ والإشارة وسلام الأخرس بالإشارة معتد به وكذا رده
الثالثة صيغته السلام عليكم أو سلام عليكم قال الإمام وكذا لو قال عليكم السلام وقال المتولي عليكم السلام ليس بتسليم
قلت الصحيح أنه تسليم يجب فيه الرد كما قال الإمام وممن قال أيضا إنه تسليم أبو الحسن الواحدي من أصحابنا ولكن يكره الابتداء به نص على كراهته الغزالي في الإحياء ويدل عليه الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي عن أبي جري بضم الجيم تصغير جرو رضي الله عنه قال قلت عليك السلام يا رسول الله قال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى
والله أعلم
ويستحب مراعاة صيغة الجمع وإن كان المسلم عليه واحدا خطابا ولملائكته ولو قال السلام عليك وترك صيغة الجمع حصل أصل السنة وصيغة الجواب وعليكم السلام أو وعليك السلام للواحد فلو ترك حرف العطف فقال عليكم السلام قال الإمام يكفي ذلك ويكون جوابا والأفضل أن يدخل الواو وقال المتولي ليس بجواب

قلت الصحيح المنصوص وقول الأكثرين أنه جواب
والله أعلم
ولو قال المجيب وعليكم قال الإمام الرأي عندنا أنه لا يكون جوابا فإنه ليس فيه تعرض للسلام ومنهم من جعله جوابا للعطف
ولو قال عليكم بغير واو فليس بجواب قطعا وكمال السلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وكمال الرد وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قلت قد قال الماوردي وغيره إن الأفضل في الابتداء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفيه حديث حسن ولو قال المجيب السلام عليكم أو سلام عليكم كان جوابا والألف واللام أفضل
والله أعلم
ولو تلاقى رجلان فسلم كل واحد على صاحبه وجب على كل واحد منهما جواب الآخر ولا يحصل الجواب بالسلام وإن ترتب السلامان قاله المتولي
قلت قد قاله أيضا شيخه القاضي حسين لكن أنكره الشاشي فقال هذا يصلح للجواب فإن كان أحدهما بعد الآخر كان جوابا وإن كانا دفعة لم يكن جوابا هذا كلام الشاشي وتفصيله حسن وينبغي أن يجزم به
والله أعلم
الرابعة لو سلم عليه جماعة فقال وعليكم السلام وقصد الرد عليهم جميعا جاز وسقط الفرض في حق الجميع كما لو صلى على جنائز صلاة واحدة
الخامسة السنة أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على

الجالس والطائفة القليلة على الكثيرة ولا يكره ابتداء الماشي والجالس
قلت وكذا لا يكره ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل وإن كان خلاف السنة والسنة أن يسلم الصغير على الكبير ثم هذا الأدب فيما إذا تلاقيا أو تلاقوا في الطريق فأما إذا ورد على قاعد أو قعود فإن الوارد يبدأ سواء كان صغيرا أو كبيرا قليلا أو كثيرا
والله أعلم
السادسة يكره أن يخص طائفة من الجمع بالسلام
السابعة لا يلزم الصبي جواب السلام لأنه ليس مكلفا ولو سلم على جماعة فيهم صبي لم يسقط الفرض عنهم بجوابه
قلت هذا هو الأصح وبه قطع القاضي والمتولي وقال الشاشي يسقط كما يصح أذانه للرجال ويتأدى به الشعار وهذا كالخلاف في سقوط الفرض بصلاته على الميت
والله أعلم
ولو سلم صبي على بالغ ففي وجوب الرد عليه وجهان بناء على صحة إسلامه
قلت كذا ذكره القاضي والمتولي والصحيح وجوب الرد قال الشاشي هذا البناء فاسد وهو كما قال واعلم أن السلام على الصبيان سنة
والله أعلم
الثامنة سلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال ولو سلم رجل على امرأة أو عكسه فإن كان بينهما زوجية

أو محرمية جاز ووجب الرد وإلا فلا يجب إلا أن تكون عجوزا خارجة عن مظنة الفتنة
قلت وجاريته كزوجته وقوله جاز ناقص والصواب أنه سنة كسلام الرجل على الرجل قاله أصحابنا قال المتولي ولو سلم على شابة لم يجز لها الرد ولو سلمت كره له الرد عليها ولو كان النساء جمعا فسلم عليهن الرجل جاز للحديث الصحيح في ذلك
والله أعلم
التاسعة في السلام بالعجمية ثلاثة أوجه ثالثها إن قدر على العربية لم يجزئه
قلت الصواب صحة سلامه بالعجمية إن كان المخاطب يفهمها سواء قدر على العربية أم لا ويجب الرد لأنه يسمى تحية وسلاما
والله أعلم
ومن لا يستقيم نطقه بالسلام يسلم كيف أمكنه
العاشرة في استحباب السلام على الفساق ووجوب الرد على المجنون والسكران إذا سلما وجهان ولا يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام فلو سلم على من لم يعرفه فبان ذميا استحب أن يسترد سلامه بأن يقول استرجعت سلامي تحقيرا له وله أن يحيي الذمي بغير السلام بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك ولو سلم عليه ذمي لم يزد في الرد على قوله وعليك
قلت ما ذكره من استحباب استرداد السلام من الذمي ذكره المتولي ونقله عن ابن عمر رضي الله عنهما وقوله أن يحيي الذمي بغير السلام ذكره المتولي وهذا إذا احتاج إليه لعذر فأما من غير حاجة فالاختيار أن لا يبتدئه بشىء من الإكرام أصلا فإن ذلك بسط

له وإيناس وملاطفة وإظهار ود وقد قال الله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } وأما المبتدع فالمختار أنه لا يبدأ بسلام إلا لعذر أو خوفا من مفسدة ولو مر على جماعة فيهم مسلمون أو مسلم وكفار فالسنة أن يسلم ويقصد المسلمين أو المسلم ولو كتب كتابا إلى مشرك وكتب فيه سلاما فالسنة أن يكتب كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل سلام على من اتبع الهدى
والله أعلم
الحادية عشرة قال المتولي ما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة القوم دعاء وليس بتحية فيستحب الجواب عنه ولا يجب
قلت هذا الذي قاله المتولي قاله شيخه القاضي حسين وقد أنكره الشاشي فقال هذا فاسد لأن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند القدوم واستدل بالحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة قال الترمذي حديث حسن
والله أعلم
الثانية عشرة قال المتولي يستحب لمن دخل دار نفسه أن يسلم على أهله ولمن دخل مسجدا أو بيتا ليس فيه أحد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
قلت يستحب أن يسمي الله تعالى قبل دخوله ويدعو ثم يسلم
والله أعلم
الثالثة عشرة من سلم في حال لا يستحب فيها السلام لم

يستحق جوابا فمن تلك الأحوال أنه لا يسلم على من يقضي حاجته ولا على من في الحمام قال الشيخ أبو محمد والمتولي لا يسلم على مشتغل بالأكل ورأى الإمام حمل ذلك على ما إذا كانت اللقمة في فمه وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع ويعسر الجواب في الحال أما إذا سلم بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى فلا يتوجه المنع وأما المصلي فأطلق الغزالي أنه لا يسلم عليه حتى يفرغ ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة نص عليه في القديم وقيل يجب وقيل يجب الرد باللفظ بعد الفراغ والصحيح أنه لا يجب الرد مطلقا فإن قال في الصلاة عليكم السلام بطلت وإن قال عليهم السلام لم تبطل وقد سبق هذا في كتاب الصلاة ولا منع من السلام على من هو في مساومة أو معاملة
قلت ومن الأحوال التي لا يسلم فيها حالة الأذان والإقامة والخطبة على خلاف وتفصيل سبق فيها وأما المشتغل بقراءة القرآن فقال أبو الحسن الواحدي المفسر من أصحابنا الأولى ترك السلام عليه قال فإن سلم كفاه الرد بالإشارة وإن رد باللفظ استأنف الاستعاذة ثم يقرأ وفيما قاله نظر والظاهر أنه يسلم عليه ويجب الرد باللفظ وأما الملبي في الإحرام فيكره السلام عليه فإن سلم رد عليه لفظا نص عليه وقد سبق في الحج ولو سلم في هذه المواضع التي لا يستحق فيها جوابا هل يشرع الرد فيه تفصيل أما المشتغل بالبول والجماع ونحوهما فيكره له الرد كما سبق في باب الاستطابة وأما الأكل ومن في الحمام فيستحب له الرد وأما المصلي فيسن له الرد إشارة كما سبق
والله أعلم

الرابعة عشرة التحية بالطلبقة وهي أطال الله بقاك وحني الظهر وتقبيل اليد لا أصل له في الشرع لكن لا يمنع الذمي من تعظيم المسلم بها ولا يكره تقبيل اليد لزهد وعلم وكبر سن وتسن المصافحة ويكره للداخل أن يطمع في قيام القوم ويستحب لهم أن يكرموه ويسن تشميت العاطس وهو سنة على الكفاية كما سبق في ابتداء السلام وإنما يسن إذا قال العاطس الحمد لله والتشميت أن يقول يرحمك الله أو يرحمك ربك ويكرر التشميت إذا تكرر العطاس إلا أن يعلم أنه مزكوم فيدعو له بالشفاء ويسن للعاطس أن يجيب المشمت فيقول يهديكم الله أو يغفر الله لكم ولا يجب ذلك وتسن عيادة المريض وزيارة القادم ومعانقته
قلت قد اختصر الإمام الرافعي الكلام في السلام وما يتعلق به وقد جمعت فيه في كتاب الأذكار جملا نفيسة موضحة بدلائلها من الأحاديث الصحيحة مع آيات من القرآن العزيز وضممت إليها مهمات متعلقة بما لا يستغني راغب في الخير عن معرفة مثلها وقد خللت بعضها فيما سبق وأنا أرمز إلى جملة من الباقي إن شاء الله تعالى فمن ذلك السنة أن يرفع صوته بالسلام رفعا يسمعه المسلم عليهم سماعا محققا ولا يزيد رفعه على ذلك وإذا شك في سماعهم زاد في الرفع واستظهر وإن سلم على أيقاظ عندهم نيام خفض صوته بحيث يسمع الأيقاظ ولا يوقظ النيام ثبت ذلك في صحيح مسلم عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ خلاف الأولى فإن جمع بين الإشارة واللفظ فحسن وعليه يحمل حديث الترمذي وهو حديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم ألوى بيده بالتسليم ويستحب أن يرسل سلامه إلى من غاب عنه ويلزم

الرسول أن يبلغه فإنه أمانة ويجب أداء الأمانة وقد سبق أنه يلزم المرسل إليه رد السلام على الفور ويستحب أن يرد على المبلغ أيضا فيقول وعليه وعليك السلام ورحمه الله وبركاته ولو سلم على إنسان ثم لقيه على قرب فالسنة أن يسلم عليه ثانيا وثالثا وأكثر والسنة أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام والأحاديث الصحيحة وعمل الأمة على وفق ذلك مشهور وأما حديث السلام قبل الكلام فضعيف ويستحب لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على الابتداء بالسلام للحديث الحسن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام ولو مشى في سوق أو شارع يطرق كثيرا ونحوه مما يكثر فيه المتلاقون قال صاحب الحاوي إنما يسلم هنا على بعض الناس دون بعض لأنه لو سلم على الجميع تعطل عن كل مهم وخرج به عن العرف قال ولو دخل على جماعة قليلة يعمهم سلام اقتصر على سلام واحد عليهم وما زاد من تخصيص بعضهم فهو أدب ويكفي أن يرد أحدهم فإن زادوا فأفضل فإن كانوا جميعا لا ينتشر فيهم سلام واحد كالجامع والمجلس الحفل فسنة السلام أن يبدأ به إذا شاهدهم ويكون مؤديا سنة السلام في حق من سمعه ويدخل في فرض الكفاية في الرد كل من سمعه فإن جلس فيهم سقط عنه سنة السلام في حق من لم يسمع وإن أراد الجلوس فيمن بعدهم ممن لم يسمعه فوجهان أحدهما أن سنة السلام حصلت بالسلام على أولهم لأنه جمع واحد فإن أعاد السلام عليهم كان أدبا والثاني أنها باقية لم تحصل قال فعلى الأول يسقط فرض الرد عن الأولين برد واحد من الآخرين وعلى الثاني لا يسقط ولعل الثاني أصح ولا يترك السلام لكونه يغلب على ظنه أن المسلم عليه لا يرد
قال المتولي وأما التحية عند خروجه من الحمام بقول طاب

حمامك ونحوه فلا أصل له وهو كما قال فلم يصح في هذا شىء لكن لو قال لصاحبه حفظا لوده أدام الله لك هذا النعيم ونحو ذلك من الدعاء فلا بأس به إن شاء الله تعالى وإذا ابتدأ المار فقال صبحك الله بخير أو بالسعادة أو قواك الله أو لا أوحش الله منك أو نحو ذلك من ألفاظ أهل العرف لم يستحق جوابا لكن لو دعا له قبالته كان حسنا إلا أن يريد تأديبه وتأديب غيره لتخلفه وإهماله السلام
وإذا قصد باب إنسان وهو مغلق فالسنة أن يسلم ثم يستأذن فيقول السلام عليكم أأدخل فإن لم يجبه أحد أعاد ذلك ثانيا وثالثا فإن لم يجبه أحد انصرف وذكر صاحب الحاوي خلافا في تقديم السلام على الاستئذان وعكسه واختار مذهبا ثالثا فقال إن وقعت عين المستأذن على صاحب البيت قبل دخوله قدم السلام وإن لم تقع عليه عينه قدم الاستئذان والصحيح المختار تقديم السلام فقد صحت فيه أحاديث صريحة وإذا استأذن بدق الباب ونحوه فقيل من أنت فليقل فلان ابن فلان أو فلان الفلاني أو المعروف بكذا وما أشبهه بحيث يحصل تعريف تام ويكره أن يقتصر على قوله أنا أو الخادم أو المحب أو نحو ذلك مما لا يعرف به والحديث الصحيح في ذلك مشهور ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف به وإن تضمن تبجيلا له إذا لم يعرفه المخاطب إلا به بأن يكني نفسه أو يقول القاضي فلان أو الشيخ فلان أو نحوه
وأما قول الرافعي إذا قال أطال الله بقاءك إلى آخره فيحتاج فيه إلى تتمات فأما أطال الله بقاءك فقد نص جماعة من السلف على كراهته وأما حني الظهر فمكروه للحديث الصحيح في النهي عنه ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم وصلاح

وأما القيام فالذي نختاره أنه مستحب لمن فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو ولادة أو ولاية مصحوبة بصيانة ويكون على جهة البر والإكرام لا للرياء والإعظام وعلى هذا استمر عمل الجمهور من السلف والخلف وقد جمعت جزءا في ذلك ضمنته أحاديث صحيحة وآثارا وأفعال السلف وأقوالهم الدالة لما ذكرته وأجبت عما خالفها وأما الداخل فيحرم عليه أن يحب قيامهم له ففي الحديث الحسن من أحب أن يمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار وهذا ظاهر في التحريم وقد روي بألفاظ أوضحتها مع معناه وما يتعلق به في جزء الترخيص في القيام وأما قوله لا يمنع الذمي من تعظيم المسلم بها فلا نوافق عليه
وأما تقبيل اليد فإن كان لزهد صاحب اليد وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته ونحوه من الأمور الدينية فمستحب وإن كان لدنياه وثروته وشوكته ووجاهته ونحو ذلك فمكروه شديد الكراهة وقال المتولي لا يجوز وظاهره التحريم وأما تقبيله خد ولده الصغير وبنته الصغيرة وسائر أطرافه على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة فسنة والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة مشهورة وكذا قبلة ولد صديقه وغيره من الأطفال الذين لا يشتهون على هذا الوجه وأما التقبيل بشهوة فحرام بالإتفاق وسواء في ذلك الوالد وغيره بل النظر إليه بالشهوة حرام على الأجنبي والقريب بالاتفاق ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرك
ويسن تقبيل وجه صاحبه إذا قدم من سفر ونحوه ومعانقته للحديث الصحيح فيهما وأما المعانقة وتقبيل الوجه لغير القادم من سفر ونحوه فمكروهان صرح به البغوي وغيره للحديث الصحيح

في النهي عنهما وأما المصافحة فسنة عند التلاقي سواء فيه الحاضر والقادم من سفر والأحاديث الصحيحة فيها كثيرة جدا وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل لتخصيصه لكن لا بأس به فإنه من جملة المصافحة وقد حث الشرع على المصافحة وجعله الشيخ الإمام أبو محمد ابن عبد السلام من البدع المباحة ويستحب مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها
ويسن زيارة الصالحين والإخوان والجيران والأصدقاء والأقارب وإكرامهم وبرهم وصلتهم وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم وينبغي أن تكون زيارته على وجه يرتضونه وفي وقت لا يكرهونه ويستحب أن يطلب من أخيه الصالح أن يزوره وأن يكثر زيارته إذا لم يشق وأما العاطس فيسن له أن يقول الحمد لله وإن كان في صلاة قاله وأسمع نفسه ولو قال الحمد لله على كل حال كان أفضل ففيه حديث صحيح ويسن بمن جاءه العطاس أن يضع يده أو ثوبه ونحوه على وجهه ويخفض صوته وتشميته إلى ثلاث مرات فإن زاد دعا له بالشفاء ولا يشمته حتى يسمع تحميده وأقل التشميت وجوابه أن يسمعه ولو قال لفظا آخر غير الحمد لله لم يشمت ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عطس أحدكم فحمد الله تعالى فشمتوه فإن لم يحمد الله تعالى فلا تشمتوه وهذا الحديث مما ينبغي حفظه وإشاعته فإن كثيرا من الناس يتساهلون فيه وإذا لم يحمد الله تعالى يستحب لمن عنده أن يذكره الحمد ولو سمع حمده بعض القوم يشمته السامعون فقط ولو عطس يهودي فليقل يهديكم الله ولا يقل يرحمكم الله ففيه

حديث صحيح ولو تثاءب فالسنة أن يرده ما استطاع وأن يضع يده على فمه ثبت ذلك في صحيح مسلم وسواء كان في صلاة أو غيرها ويستحب إجابة من ناداه بلبيك وأن يقول لمن ورد عليه مرحبا وأن يقول لمن أحسن إليه جزاك الله خيرا أو حفظك الله ونحوهما ويسن لمن أحب أخا له في الله تعالى أن يخبره أنه يحبه وهذا الباب واسع جدا وفيما ذكرته مقنع وقد أوضحت جميع ذلك بدلائله الصحيحة المتظاهرة في كتاب الأذكار وفيه ما لا يستغنى عن مثله من أشباهه وإنما بسطت هذا الفصل على خلاف العادة لأنه أحكام وسنن تدعو الحاجة إليها ويكثر العمل بها فهي أولى من نوادر المسائل التي لا تقع في العادة وأسأل الله الكريم التوفيق للخيرات
والله أعلم

الباب الثاني في كيفية الجهاد
وما يتعلق به فيه أطراف الأول في قتال الكفار وفيه مسائل إحداها يكره الغزو بغير إذن الإمام أو الأمير المنصوب من جهته ولا يحرم وإذا بعث سرية أمر عليهم أميرا ويأمرهم بطاعته ويوصيه بهم ويسن أن يأخذ البيعة عليهم أن لا يفروا وأن يبعث الطلائع ويتجسس أخبار الكفار ويستحب خروجهم يوم الخميس أول النهار وأن يعقد الرايات ويجعل كل فريق تحت راية ويجعل لكل طائفة شعارا حتى لا يقتل بعضهم بعضا بياتا وأن يدخل دار الحرب بتعيينه الحرب لأنه أحوط وأهيب وأن يستنصر بالضعفاء وأن يدعو عند التقاء الصفي وأن يكبر من غير إسراف في رفع الصوت وأن يحرض الناس على القتال وعلى الصبر والثبات

الثانية لا يقاتل من لم تبلغه الدعوة حتى يدعوه إلى الإسلام وأما من بلغتهم الدعوة فيستحب أن يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه ويجوز بياتهم بغير دعاء ثم الذين لا يقرون بالجزية يقاتلون وتسبى نساؤهم وتغنم أموالهم حتى يسلموا والذين تقبل منهم الجزية يقاتلون حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية
الثالثة تجوز الاستعانة بأهل الذمة وبالمشركين في الغزو ويشترط أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين ويأمن خيانتهم وشرط الإمام والبغوي وآخرون شرطا ثالثا وهو أن يكثر المسلمون بحيث لو خان المستعان بهم وانضموا إلى الذين يغزوهم لأمكننا مقاومتهم جميعا وفي كتب العراقيين وجماعة أنه يشترط أن يكون في المسلمين قلة وتمس الحاجة إلى الاستعانة وهذان الشرطان كالمتنافيين لأنهم إذا قلوا حتى احتاجوا لمقاومة فرقة إلى الاستعانة بالأخرى فكيف يقاومونهما قلت لا منافاة فالمراد أن يكون المستعان بهم فرقة لا يكثر العدو بهم كثرة ظاهرة وشرط صاحب الحاوي أن يخالفوا معتقد العدو كاليهود مع النصارى قال وإذا خرجوا بشروطه اجتهد الأمير فيهم فإن رأى المصلحة في تميزهم ليعلم نكايتهم أفردهم في جانب الجيش بحيث يراه أصلح وإن رآها في اختلاطهم بالجيش لئلا تقوى شوكتهم فرقهم بين المسلمين
والله أعلم
ثم إن حضر الذمي بإذن الإمام استحق الرضخ إلا أن يكون استأجره فلا يستحق غير الأجرة وإن نهاه عن الحضور فحضر

فلا شيء له وللإمام تعزيزه إذا رآه وإن لم ينهه ولم يأذن له لم يرضخ له على الأصح
الرابعة يجوز الاستعانة بالعبد إذا أذن سيده وأن يستصحب المراهقين إذا كان فيهم جلادة وغناء في القتال وكذا لمصلحة سقي الماء ومداواة الجرحى ويستصحب النساء لمثل ذلك كما سبق وفي جواز إحضار نساء أهل الذمة وصبيانهم قولان أحدهما نعم كالمسلمين والثاني لا إذا كان لا قتال فيهم ولا رأي ولا يتبرك بحضورهم
الخامسة يمنع المخذل من الخروج في الجيش فإن خرج رده فلو قاتل لم يستحق شيئا ولو قتل كافرا لم يستحق سلبه والمخذل من يخوف الناس بأن يقول عدونا كثير وخيولنا ضعيفة ولا طاقة لنا بهم ونحو ذلك وفي معناه المرجف والخائن فالمرجف من يكثر الأراجيف بأن يقول قتلت سرية كذا أو لحقهم مدد للعدو من جهة كذا أو لهم كمين في موضع كذا والخائن من يتجسس لهم ويطلعهم على العورات بالمكاتبة والمراسلة وحكى الروياني وجها أنه يسهم للمخذل إذا لم ينهه الإمام ووجها أنه يرضخ له والصحيح الذي قطع به الأصحاب لا سهم ولا رضخ مطلقا
السادسة لا يجوز أن يستأجر الإمام ولا أحد الرعية مسلما للجهاد لأن إن لم يكن متعينا عليه فمتى حضر الصف تعين ولا يجوز أخذ أجرة عن فرض العين وعن الصيدلاني أنه يجوز للإمام أن يستأجره ويعطيه أجرة من سهم المصالح والصحيح الأول لكن الإمام يرغب في الجهاد ببذل الأهبة والسلاح من بيت المال أو من مال نفسه فينال ثواب الإعانة ويقع الجهاد عن المباشر وكذا إذا بذل أهبته واحد من الرعية من ماله قال الأصحاب وما يدفع إلى المرتزقة

من الفيء وإلى المطوعة من الصدقات حقوقهم المرتبة وليس أجرة وجهادهم واقع عنهم ولو أكره الإمام جماعة على الخروج والجهاد لم يستحقوا أجرة لما ذكرنا من وقوع الجهاد عنهم وامتناع استئجارهم هكذا أطلقوه وقال البغوي إن تعين عليهم الجهاد فالحكم كذلك وإلا فلهم الأجرة من حين أخرجهم إلى أن حضروا الوقعة وأطلق مطلقون أنه لو عين الإمام رجلا وألزمه بغسل الميت ودفنه لم يكن له أجرة واستدرك الإمام فقال هذا إذا لم يكن للميت تركة ولا في بيت المال اتساع فإن كان له تركة فمؤنة تجهيزه في تركته وإلا ففي بيت المال إن اتسع فيستحق المكره الأجرة والتفصيلان حسنان فليحمل عليهما الإطلاقان
وهل يجوز للإمام استئجار عبيد المسلمين قال الإمام إن جوزنا استئجار الحر فكذا العبد وإلا فوجهان بناء على أنه لو وطىء الكفار دار المسلمين هل يتعين على العبيد الجهاد إن قلنا نعم فهم من أهل فرض الجهاد فإذا وافوا الصف وقع الجهاد عنهم فيكون استئجارهم كالأحرار وإلا فيجوز استئجارهم وإن أخرج الإمام العبيد قهرا لزمت أجرتهم من يوم الإخراج إلى أن يعود كل عبد إلى يد سيده هكذا أطلقه البغوي وغيره وينبغي أن يبنى ذلك على الوجهين إن قلنا إنهم من أهل فرض الجهاد فكالأحرار أما الذمي فللإمام أن يستعمله للجهاد بمال يبذله له وهل طريقه الإجارة أم الجعالة وجهان أحدهما الجعالة لجهالة العمل وأصحهما الإجارة وتحتمل جهالة العمل لأن المقصود القتال ولو كان جعالة لجاز للذمي الانصراف متى شاء وهو بعيد وعلى هذا وجهان أحدهما لا يجوز أن يبلغ بالأجرة سهم راجل وكان حاصل هذا الوجه الحكم بالانفساخ والرد إلى أجرة المثل إن بان زيادة الأجرة على سهم وإلا ففي الابتداء لا يعلم سهم الراجل من الغنيمة والصحيح

أنه لا حجر في قدر الأجرة كسائر الإجارات وهل لآحاد المسلمين استئجار الذمي للجهاد وجهان أصحهما المنع لأن الآحاد لا يتولون المصالح العامة وقد يكون في حضوره مفسدة يعلمها الإمام دون الآحاد

فرع لو أخرج الإمام أهل الذمة استحب أن يسمي لهم أجرة فإن
مجهولا بأن قال نرضيكم أو نعطيكم ما تستعينون به وجبت أجرة المثل وإن أخرجهم وحملهم على الجهاد كرها وجبت أجرة المثل وإن خرجوا راضين ولم يسم لهم شيئا فهذا موضع الرضخ وفي محله أقوال سبقت في قسم الغنيمة وأما الأجرة الواجبة مسماة كانت أو أجرة المثل فهل تؤدى من خمس الخمس سهم المصالح من هذه الغنيمة أو غيرها أم من أصل الغنيمة أم من أربعة أخماسها أوجه أصحها الأول وهو نصه في المختصر وقطع به جماعة
فرع لو أخرجهم قهرا ثم خلى سبيلهم قبل وقوفهم في الصف أو
ولم يقفوا لم يجب لهم إلا أجرة الذهاب وإن تعطلت منافعهم في الرجوع لأنهم يتصرفون حينئذ كيف شاؤوا ولو وقف المقهورون ولم يقاتلوا فهل لهم أجرة مدة الوقوف وجهان أصحهما لا فعلى هذا إن لم يكن عليهم حبس وقهر فلا شيء لهم وإلا ففيه الخلاف في أن منفعة الحر هل تضمن بالحبس والتعطيل دون الاستيفاء ولو استأجر الذمي فلم يقاتل ففي استحقاقه الوجهان

السابعة فيمن يمتنع قتله من الكفار في الحرب فيكره للغازي قتل قريبه فإن كان القريب محرما ازدادت الكراهة فإن سمع أبا أو قريبا آخر يذكر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بسوء لم يكره قتله ويحرم قتل نساء الكفار وصبيانهم والمجانين والخناثى فإن قاتلوا جاز قتلهم ولو أسر منهم مراهق وشككنا في بلوغه كشفت عانته فإن كان أنبت حكم ببلوغه وإلا فهو صبي وقد سبق في كتاب الحجر قولان في أن الإنبات بلوغ أم دليل بلوغ فإن قال المأسور استعجلت الشعر بالدواء فإن قلنا هو بلوغ لم يقبل قوله بل يحكم ببلوغه وإن قلنا دليل البلوغ وهو الأظهر فيصدق بيمينه ويحكم بالصغر هكذا نص عليه وبه أخذ الأصحاب وذكروا فيه إشكالين أحدهما أن اليمين تعمل في النفي وهذه لإثبات الاستعجال وأجيب بأنا فعلناه لحقن الدم وقد يخالف القياس لذلك ولهذا قبلنا جزية المجوس دون نكاحهم والثاني كيف يحلف من يدعي الصبى فقال بعض الأصحاب اليمين احتياط أو استظهار لا واجبة وقال الجمهور لا بد منها لأن الدليل الظاهر موجود فلا يترك بمجرد قوله وقد سبق في الحجر أن المعتبر الشعر الخشن دون اللين وأن في إلحاق شعر الإبط والوجه الخشن بالعانة وجهين ونبات الشارب كاللحية ولا أثر لاخضراره
الثامنة في جواز قتل الراهب شيخا كان أو شابا والأجير والمحترف المشغول بحرفته والشيخ الضعيف والأعمى والزمن ومقطوع اليد والرجل قولان أظهرهما الجواز
وقيل يقتل الأجير والمحترف قطعا فإن كان فيهم من له رأي يستعين الكفار برأيه وتدبير الحرب قتل قطعا ثم الذي يفهم من كلام الأصحاب أنه لا فرق بين

أن يحضر ذو الرأي في صف القتال أو لا يحضر في أنه يجوز قتله ولا بين أن يقدر على الأخرق منهم في صف القتال أو يدخل بعض بلادهم فيجده هناك في أن في قتله القولين وفي السوقة طريقان المذهب القطع بقتلهم والثاني على القولين فإن جوزنا قتل هؤلاء جاز استرقاقهم وسبي نسائهم وصبيانهم واغتنام أموالهم وإلا فالمذهب أنهم يرقون بنفس الأسر كالنساء وقيل قولان كأسير إذا أسلم قبل الاسترقاق ففي قول يتقين رقه وفي قول للإمام أن يرقه وأن يمن عليه أو يفاديه وقيل لا يجوز استرقاقهم بل يتركون ولا يتعرض لهم ويجوز سبي نسائهم وصبيانهم على الأصح وقيل لا يجوز وقيل يجوز سبي نسائهم دون صبيانهم لأنهم أبعاضهم وأجرى بعضهم الخلاف في اغتنام الأموال قال الإمام من منع اغتنام أموال السوقة فقد قرب من خرق الإجماع ولو ترهبت امرأة ففي جواز سبيها وجهان بناء على قتل الراهب

فرع لايجوز قتل رسول الكفار

التاسعة يجوز للإمام محاصرة الكفار في بلادهم والحصون والقلاع وتشديد الأمر عليهم بالمنع من الدخول والخروج وإن كان فيهم النساء والصبيان واحتمل أن يصيبهم ويجوز التحريق بإضرام النار ورمي النفط إليهم والتغريق بإرسال الماء ويبيتهم وهم غافلون ولو تترسوا بالنساء والصبيان نظر إن دعت ضرورة إلى الرمي والضرب بأن كان ذلك في حال التحام القتال ولو تركوا لغلبوا المسلمين جاز الرمي والضرب وإن لم تكن ضرورة بأن كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم واحتمل الحال تركهم فطريقان

أصحهما على قولين أحدهما يجوز رميهم كما يجوز نصب المنجنيق على القلعة وإن كان يصيبهم ولئلا يتخذوا ذلك ذريعة إلى تعطيل الجهاد والثاني المنع وهذا أصح عند القفال ومال إلى ترجيح الأول مائلون
والطريق الثاني القطع بالجواز ورد المنع إلى الكراهة وقيل في الكراهة على هذا قولان ولو تترسوا بهم في القلعة فقيل هذه الصورة أولى بالجواز لئلا يتخذ ذلك حيلة إلى استبقاء القلاع لهم وفي ذلك فساد عظيم وقيل قولان وإن عجزنا عن القلعة إلا به
قلت الراجح في الصورتين الجواز
والله أعلم
ولو كان في البلدة أو القلعة مسلم أو أسير أو تاجر أو مستأمن أو طائفة من هؤلاء فهل يجوز قصد أهلها بالنار والمنجنيق وما في معناهما فيه طرق المذهب أنه إن لم يكن ضرورة كره ولا يحرم على الأظهر لئلا يعطلوا الجهاد بحبس مسلم فيهم وإن كانت ضرورة كخوف ضررهم أو لم يحصل فتح القلعة إلا به جاز قطعا والطريق الثاني لا اعتبار بالضرورة بل إن كان ما يرمى به يهلك المسلم لم يجز وإلا فقولان والثالث وبه أجاب صاحب الشامل إن كان عدد المسلمين الذين فيهم مثل المشركين لم يجز رميهم وإن كان أقل جاز لأن الغالب أنه لا يصيب المسلمين والمذهب الجواز وإن علم أنه يصيب مسلما وهو نصه في المختصر لأن حرمة من معنا أعظم حرمة ممن في أيديهم فإن هلك منهم هالك فقد رزق الشهادة قاله أبو إسحاق ولو رمى بشيء منها إلى القلعة أو

البلدة فقتل مسلما فإن لم يعلم أن فيها مسلما لم يجب إلا الكفارة وإن علم وجبت الدية والكفارة حكاه الروياني

فرع لو تترس الكفار بمسلمين من الأسارى وغيرهم نظر إن لم تدع
إلى رميهم واحتمل الحال الإعراض عنهم لم يجز رميهم فإن رمى رام فقتل مسلما قال البغوي هو كما لو قتل مسلما في دار الحرب إن علمه مسلما لزمه القصاص وإن ظنه كافرا فلا قصاص وتجب الكفارة وفي الدية قولان وإن دعت ضرورة إلى رميهم بأن تترسوا بهم في حال التحام القتال وكانوا بحيث لو كففنا عنهم ظفروا بنا وكثرت نكايتهم فوجهان أحدهما لا يجوز الرمي إذا لم يمكن ضرب الكفار إلا بضرب مسلم لأن غايته أن نخاف على أنفسنا ودم المسلم لا يباح بالخوف بدليل صورة الإكراه والثاني وهو الصحيح المنصوص وبه قطع العراقيون جواز الرمي على قصد قتال المشركين ويتوقى المسلمين بحسب الإمكان لأن مفسدة الإعراض أكثر من مفسدة الإقدام ولا يبعد احتمال طائفة للدفع عن بيضة الإسلام ومراعاة للأمور الكليات فإن جوزنا الرمي فرمى وقتل مسلما فلا قصاص فتجب الكفارة وفي الدية طرق أصحها وظاهر النص وبه قال المزني وابن سلمة إن علم أن المرمي مسلم وجبت وإلا فلا والثاني قاله أبو إسحاق إن قصده بعينه وجبت سواء علمه مسلما أم لا وإلا فلا والثالث قولان مطلقا والرابع قاله ابن الوكيل إن علم أن هناك مسلما وجبت وإلا فقولان وإن لم نجوز الرمي فرمى وقتل ففي وجوب القصاص طريقان أحدهما قولان كالمكره والثاني يجب قطعا كالمضطر إذا قتل رجلا ليأكله بخلاف المكره فإنه ملجأ ولأن هناك من يحال عليه وهو المكره

ولو تترس الكفار بذمي أو مستأمن أو عبد فالحكم في جواز الرمي والدية والكفارة كما ذكرنا لكن حيث تجب دية يجب في العبد قيمته وفي التهذيب أنه لو تترس كافر بترس مسلم أو ركب فرسه فرماه مسلم فأتلفه فإن كان في غير التحام أو في التحام وأمكنه أن يتوقى الترس والفرس ضمن وإن لم يمكنه في الالتحام الدفع إلا بإصابته فإن جعلناه كالمكره لم يضمن لأن المكره في المال يكون طريقا في الضمان وهنا لا ضمان على الحربي حتى يجعل المسلم طريقا وإن جعلناه مختارا لزمه الضمان
العاشرة في حكم الهزيمة إذا التقى الصفان قد أطلق الغزالي أنه إن كان في انهزامه كسر المسلمين لم يجز الانهزام بحال وإلا ففيه التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى ولم يتعرض الجمهور لذلك بل قالوا إذا التقى الصفان فله حالان أحدهما أن لا يزيد عدد الكفار على ضعف عدد المسلمين بل كانوا مثلي المسلمين أو أقل فتحرم الهزيمة والانصراف إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فالمتحرف من ينصرف ليكمن في موضع ويهجم أو يكون في مضيق فينصرف ليتبعه العدو إلى متسع سهل للقتال أو يرى المصلحة في التحول إلى مضيق أو يتحول من مقابلة الشمس والريح إلى موضع يسهل عليه القتال
والمتحيز إلى فئة من ينصرف على قصد أن يذهب إلى طائفة يستنجد بها في القتال وسواء كانت تلك الطائفة قليلة أو كثيرة قريبة أو بعيدة وقيل يشترط قربها والصحيح الأول وعلى هذا هل يلزمه تحقيق عزمه بالقتال مع الفئة المتحيز إليها وجهان أصحهما لا لأن العزم مرخص فلا حجر عليه بعد ذلك والجهاد لا يجب قضاؤه وفي كلام الإمام أن التحيز إنما يجوز إذا استشعر المتحيز

عجزا محوجا إلى الاستنجاد لضعف المسلمين ولعل ما حكيناه عن الغزالي أخذه من هذا ولم يشترط الأصحاب ما ذكراه وكأنهم رأوا ترك القتال والانهزام في الحال مجبورا بعزمه وكل واحد من التحرف والتحيز يتضمن العزم على العود إلى القتال والرخصة منوطة بعزمه ولا يمكن مخادعة الله تعالى في العزم هذا الذي ذكرناه من تحريم الهزيمة إلا لمتحرف أو متحيز هو في حال القدرة أما من عجز بمرض ونحوه أو لم يبق معه سلاح فله الانصراف بكل حال ويستحب أن يولي متحرفا أو متحيزا فإن أمكنه الرمي بالأحجار فهل تقوم مقام السلاح وجهان
قلت أصحهما تقوم
والله أعلم
ولو مات فرسه وهو لا يقدر على القتال راجلا فله الانصراف ومن غلب على ظنه أنه إن ثبت قتل هل له الانصراف وجهان الصحيح المنع ثم المتحيز إلى فئة بعيدة لا يشارك الجيش فيما يغنمونه بعد مفارقته ولا يبطل حقه مما غنموه قبل مفارقته هكذا نص عليه وبمثله أجاب في المتحرف ومنهم من أطلق بأن المتحرف يشارك ولعله فيمن لم يبعد ولم يغب والنص فيما إذا تحرف ثم انقطع عن القوم قبل أن يغنموا وهل يشارك المتحيز إلى فئة قريبة فيما غنموه بعد مفارقته وجهان أصحهما نعم لبقاء نصرته والاستنجاد به فهو كالسرية القريبة تشارك الجيش فيما غنمه
الحالة الثانية إذا زاد عدد الكفار على مثلي المسلمين جاز الانهزام وهل يجوز انهزام مائة من أبطالنا من مائتين وواحد من ضعفاء الكفار وجهان أصحهما لا لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف والثاني نعم لأن اعتبار

الأوصاف يعسر فتعلق الحكم بالعدد ويجري الوجهان في عكسه وهو فرار مائة من ضعفائنا من مائة وتسعة وتسعين من ضعفائهم فإن اعتبرنا العدد لم يجز وإن اعتبرنا المعنى جاز وإذا جاز الفرار نظر إن غلب على ظنهم أنهم إن ثبتوا ظفروا استحب الثبات وإن غلب على ظنهم الهلاك ففي وجوب الفرار وجهان وقال الإمام إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية وجب الفرار قطعا وإن كان فيه نكاية فوجهان
قلت هذا الذي قاله الإمام هو الحق وأصح الوجهين أنه لا يجب لكن يستحب
والله أعلم

فرع لقي مسلم مشركين إن طلباه فله الفرار وإن طلبهما ولم يطلباه
فهل له أن يولي بعد ذلك وجهان أصحهما نعم لأن فرض الجهاد والثبات إنما هو في الجماعة ولو ولى النساء لم يأثمن فلسن من أهل فرض الجهاد نص عليه كما لا إثم على صبي ومغلوب على عقله إذا وليا ويأثم السكران ولو قصد الكفار بلدا فتحصن أهله إلى أن يجدوا قوة ومددا لم يأثموا إنما الإثم على من ولى بعد اللقاء
قلت قال صاحباالحاوي و البحر تجوز الهزيمة من أكثر من المثلين وإن كان المسلمون فرسانا والكفار رجالة وتحرم الهزيمة من المثلين وإن كان المسلمون رجالة والكفار فرسانا وهذا الذي قالاه فيه نظر ويمكن تخريجه على الوجهين السابقين في أن الاعتبار بالمعنى أم بالعدد
والله أعلم

فصل المبارزة جائزة
ولو خرج كافر وطلبها استحب الخروج إليه وابتداء المبارزة لا مستحب ولا مكروه وقال ابن أبي هريرة تكره وأطلق ابن كج استحبابها والصحيح الأول وإنما تحسن المبارزة ممن جرب نفسه وعرف قوته وجرأته فأما الضعيف الذي لا يثق بنفسه فتكره له المبارزة ابتداء وإجابة نص عليه وفيه وجه أنه يحرم والصحيح الأول ويستحب أن لا يبارز إلا بإذن الأمير فلو بارز بغير إذنه جاز على الصحيح وبه قطع الجمهور لأن التغرير بالنفس في الجهاد جائز والثاني يحرم لأن للإمام نظرا في تعيين الأبطال
فصل نقل رؤوس الكفار إلى بلاد الإسلام فيه وجهان أحدهما لا يكره
للإرعاب والثاني وهو الصحيح وبه قطع العراقيون والروياني يكره ولم يتعرض الجمهور للفرق بين كافر فيه نكاية وغيره وقال صاحب الحاوي لا يكره إن كان فيه نكاية بل يستحب
الطرف الثاني في سبي الكفار واسترقاقهم وفيه مسائل إحداها نساء الكفار وصبيانهم إذا وقعوا في الأسر رقوا وكان حكمهم حكم سائر أموال الغنيمة فالخمس لأهل الخمس والباقي للغانمين والعبيد إذا وقعوا في الأسر كانوا كسائر أموال الغنيمة لا يتخير الإمام فيهم لأن عبد الحربي مال له واحتج له الشيخ أبو علي بأن عبد الحربي لو أسلم في دار الحرب ولم يخرج ولا قهر سيده

لا يزول ملك الحربي عنه وإذا سباه المسلمون كان عبدا مسلما ولا يجوز المن عليه ويسترق ولولا أنه مال يخلى سبيله كالحر ولما جاز استرقاقه هكذا ذكره ابن الحداد وصرح بأنه ليس للإمام قتل العبيد ولا المن عليهم وتابعه الأصحاب على هذا وفي المهذب أنه لو رأى الإمام قتله لشره وقوته قتله وضمن قيمته للغانمين وأما الرجال الأحرار الكاملون إذا أسروا فالإمام مخير بين أن يقتلهم صبرا بضرب الرقبة لا بتحريق وتغريق ولا يمثل بهم أو يمن عليهم بتخلية سبيلهم أو يفاديهم بالرجال أو بالمال أو يسترقهم ويكون مال الفداء ورقابهم إذا استرقوا كسائر أموال الغنيمة وليس هذا التخيير للتشهي بل يلزم الإمام أن يجتهد ويفعل من هذه الأمور الأربعة ما هو الحظ للمسلمين فإن لم يظهر له وجه الصواب في الحال وتردد حبسهم حتى يظهر وسواء في الاسترقاق كان الأسير كتابيا أو وثنيا وقال الاصطخري يحرم استرقاق الوثني لأنه لا يقر بالجزية والصحيح الأول وسواء كان الكافر من العرب أو غيرهم على الجديد المشهور وفي القديم لا يجوز استرقاق العرب وهل يجوز استرقاق بعض شخص وجهان أصحهما نعم قال البغوي فإن منعناه فضرب الرق على بعضه رق كله وكان يجوز أن يقال لا يرق شىء وإذا اختار الفداء جاز بالمال سلاحا كان أو غيره ويجوز بأسارى المسلمين فيرد مشركا بمسلم أو مسلمين أو مشركين بمسلم ويجوز أن يفديهم بأسلحتنا التي في أيديهم ولا يجوز أن يرد أسلحتهم التي في أيدينا بمال يبذلونه كما لا يجوز أن يبيعهم السلاح وفي جواز ردها بأسارى المسلمين وجهان

فرع لو قتل مسلم أو ذمي الأسير قبل أن يرى الإمام رأيه

ولا قصاص ولا دية لأنه لا أمان له وهو حر إلى أن يسترق ولذلك يجوز أن يخلى سبيله والأموال لا ترد إليهم بعد الاغتنام ولو وقع في الأسر صبي أو امرأة فقيل وجبت القيمة لأنه صار مالا بنفس الأسر ثم إن سبي الصبي وحده فهو محكوم بإسلامه تبعا للسابي ففيه قيمة عبد مسلم وإن كان قاتله عبدا لزمه القصاص

فرع لو أسر بالغ له زوجة لم ينفسخ عقد نكاحه بالأسر فإن
أو من عليه استمرت الزوجية وإن استرقه ارتفع النكاح حينئذ وإن أسر صبي له زوجة انفسخ النكاح بنفس أسره
فرع لو أسر كافر ومعه زوجته وصبيانه يخير الإمام فيه دونهم
المسألة الثانية إذا أسلم الأسير وهو رجل حر مكلف قبل أن يختار الإمام فيه شيئا عصم دمه وهل يصير رقيقا بنفس الإسلام فيه طريقان أصحهما على قولين أحدهما نعم لأنه أسير محرم القتل فأشبه الصبي وأظهرهما لا يرق بل للإمام أن يسترقه أو يمن أو يفادي والطريق الثاني القطع بالتخيير لأنه كان ثابتا فلا يزول فإن اختار الفداء فشرطه أن يكون له فيهم عز أو عشيرة يسلم بها ديته ونفسه وسواء قلنا يرق أو يجوز إرقاقه فأرقه كان غنيمة وكذا لو فاداه بمال كان غنيمة ولو أسلم قبل أسره والظفر به عصم دمه وماله سواء أسلم وهو محصور وقد قرب الفتح أو أسلم في حال أمنه وسواء أسلم في دار الحرب أو الإسلام ويعصم أيضا أولاده الصغار عن السبي ويحكم بإسلامهم تبعا له والحمل كالمنفصل فلا يسترق تبعا لأمه وهل يعصم إسلام الجد ولد ابنه

الصغير فيه أوجه أصحها نعم والثاني لا والثالث إن كان الابن ميتا عصم وإلا فلا والمجنون من أولاده كالصغير فلو كان بلغ عاقلا ثم جن عصمه أيضا على الصحيح ولو أسلمت المرأة قبل الظفر بها عصمت نفسها ومالها وأولادها الصغار وحكى الفوراني في الأولاد قولا وهو شاذ مردود وأما الأولاد البالغون العقلاء فلا يعصمهم إسلام الأب لاستقلالهم بالإسلام وهل يعصم إسلامه قبل الأسر زوجته عن الاسترقاق نص أنه يجوز استرقاقها ونص أن المسلم لو أعتق كافرا فالتحق بدار الحرب لا يجوز استرقاقه فقيل فيهما قولان أحدهما لا تسترق زوجته ولا عتيقه لئلا يبطل حقه كما لا يغنم ماله والثاني يسترقان لاستقلالهما والمذهب تقرير النصين لأن الولاء لا يرتفع وإن تراضيا بخلاف النكاح ويجري الخلاف في استرقاق حربية نكحها مسلم وهو في دار الحرب فإن قلنا لا يعصمها وكانت حاملا عند إسلامه ففي جواز استرقاقها وجهان أحدهما المنع لأن الحمل محكوم بإسلامه فلا تملك دونه كما لا تباع دونه وأصحهما نعم لأنها حربية فأشبهت غيرها وإذا استرقت فإن كان قبل الدخول انقطع النكاح في الحال لأنه زال ملكها عن نفسها فملك الزوج أولى ولأنها صارت أمة كافرة ولا يجوز إمساك أمة كافرة للنكاح وقيل يستمر النكاح وإن استرقت حكاه صاحب التقريب والصحيح الأول وإن كان بعد الدخول فوجهان أصحهما انقطاع النكاح والثاني يتوقف مدة العدة فإن أعتقت وأسلمت قبل انقضاء العدة استمر النكاح وكذا لو أعتقت ولم تسلم لأن إمساك الحرة الكتابية للنكاح جائز فلو أسلمت ولم تعتق فإن كان الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة فله إمساكها وإلا ففي جواز إمساكها وجهان ولو أسلم بعد ما استرقت زوجته الحامل حكم بإسلام الحمل ولم

يبطل رقه ولو أسلمت حامل تحت حربي لم تسترق هي ولا ولدها لأنهما مسلمان

فرع لو استأجر مسلم دار حربي في دار الحرب ثم غنمها المسلمون
استأجر حربيا رقيقا أو حرا فاسترق لم تنقطع الإجارة بل يبقى للمستأجر استحقاق المنفعة لأن منافع الأموال مملوكة ملكا تاما مضمونة كأعيان الأموال بخلاف منفعة البضع فإنها تستباح ولا تملك ملكا تاما ولهذا لا تضمن باليد وقيل في انقطاع الإجارة خلاف كانقطاع النكاح
فرع يجوز سبي منكوحة الذمي إذا كانت حربية وينقطع به نكاحه وأما
سبي عتيقه واسترقاقه فيبنى على استرقاق عتيق المسلم إن جوزناه فهنا أولى وإلا فوجهان أصحهما يجوز لأن الذمي لو التحق بدار الحرب استرق فعتيقه أولى ولو أعتق ذمي عبدا ثم نقض السيد العهد وصار حربيا فالصحيح أن ولاءه على عتيقه لا يبطل حتى لو عتق كان ولاؤه باقيا عليه ولمعتقه أيضا الولاء على عتيقه ولو ملك عتيقه فأعتقه كان لكل واحد منهما الولاء على الآخر وفي وجه يبطل باسترقاقه ولاؤه على عتيقه كما يبطل ملكه على عبده
فرع إذا سبي الزوجان معا أو سبي أحدهما انفسخ النكاح صغيرين كانا
أو كبيرين واسترق الزوج وسواء كان قبل الدخول أو بعده لقول الله تعالى { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم }

ولقوله صلى الله عليه وسلم لا توطأ حامل حتى تضع ولم يفرق ولأن الرق يزيل ملكها عن نفسها فعصمة النكاح أولى بالزوال وإن كان الزوجان رقيقين فغنما أو أحدهما ففي انقطاع النكاح وجهان سواء أسلما أم لا أصحهما لا ينقطع إذا لم يحدث رق وإنما انتقل من شخص إلى شخص فأشبه البيع وغيره والثاني ينقطع لحدوث السبي ولهذا لو سبيت مستولدة صارت قنة ومنهم من قطع بالأول
المسألة الثالثة لو كان لمسلم على حربي دين فاسترق لم يسقط الدين فلو كان الدين للسابي ففي سقوطه الوجهان فيمن كان له دين على عبد غيره فملكه وإذا لم يسقط قضى من الغنيمة بعد استرقاقه ويقدم الدين على الغنيمة كما يقدم على الوصية وإن زال ملكه بالرق كما أن الدين على المرتد يقضى من ماله وإن أزلنا ملكه ولأن الرق كالموت والحجر وكلاهما يعلق الدين بالمال فإن غنم المال قبل استرقاقه ملكه الغانمون ولم يقض منه الدين كما لو انتقل ملكه بوجه آخر وإن غنم مع استرقاقه فوجهان أحدهما يقدم الدين كما يقدم في التركة وأصحهما تقدم الغنيمة لتعلقها بالعين كما يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن وليس من المعية أن يقع الاغتنام مع الأسر لأن المال يملك بنفس الأخذ والرق لا يحصل بنفس الأسر في

الرجال الكاملين ولكن يظهر ذلك في النسوة وفيما إذا وقع الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر وإذا لم يوجد مال يقضي منه الدين فهو في ذمته إلى أن يعتق وهل يحل الدين المؤجل بالرق وجهان مرتبان على الخلاف في الحلول بالإفلاس وأولى بالحلول لأنه يشبه الموت من حيث إنه يزيل الملك ويقطع النكاح هذا إن كان الدين لمسلم فإن كان لذمي فمثله أجاب الإمام وقال دين الذمي محترم كعين ماله وذكر البغوي فيه وجهين وإن كان الحربي واسترق المدين فالمحكي عن القاضي حسين وهو الظاهر سقوط الدين وفيه احتمال للإمام هذا إذا استرق من عليه الدين أما إذا استرق من له الدين فلا تبرأ ذمة المدين بل هو كودائع الحربي المسبي هذا لفظه في الوسيط ولم ينص والحالة هذه على حال من عليه الدين وذكر الإمام هذا الجواب فيما إذا استقرض مسلم من حربي أو اشترى منه شيئا والتزم الثمن ثم استرق المستحق قال لا يسقط وفي التهذيب أنه لو كان لحربي على حربي دين واسترق من أحدهما سقط لزوال ملكه قال ولو قهر المدين رب الدين سقط لأن الدار دار حرب حتى إذا قهر العبد سيده يصير حرا ويصير السيد عبدا له ولو قهرت أمرأة زوجها ملكته وانفسخ النكاح وقد يفهم من هذه الجملة أنه إن كان دين المسترق على مسلم طولب به كما يطالب بودائعه لأنه ملتزم وإن كان على حربي سقط لأن المستحق زال ملكه والحربي غير ملتزم حتى يطالب ولو اقترض من حربي أو التزم بالشراء ثمنا ثم أسلما أو قبلا الجزية أو الأمان فالاستحقاق مستمر وكذا يبقى مهر الزوجة إذا أسلما إن لم يكن خمرا ونحوه ولو سبق المستقرض إلى الإسلام أو الأمان فالنص أن الدين يستمر كما لو أسلما ونص أنه لو ماتت زوجة حربي فجاءنا مسلما أو

مستأمنا فجاء ورثتها يطلبون مهرها لم يكن لهم شىء وللأصحاب طريقان أحدهما فيهما قولان أظهرهما يبقى الاستحقاق وعلى هذا تبتنى قواعد نكاح المشركات والثاني المنع لأنه يبعد أن يمكن الحربي من مطالبة مسلم أو ذمي والطريق الثاني القطع بالقول الأول وحمل النص الثاني على من أصدقها خمرا وقبضته في الكفر ولو أتلف حربي مالا على حربي أو غصبه ثم أسلما أو أسلم المتلف فوجهان أصحهما لا يطالبه بالضمان لأنه لم يلتزم شيئا والإسلام يجب ما قبله والإتلاف ليس عقدا يستدام ولأن الحربي لو قهر حربيا على ماله ملكه والإتلاف نوع من القهر ولأن إتلاف مال الحربي لا يزيد على إتلاف مال المسلم وهو لا يوجب الضمان على الحربي والثاني يطالب لأنه لازم عندهم فكأنهم تراضوا عليه ويزيد على هذا ما نقل عن القاضي حسين أن الحربي لو جنى على مسلم فاسترق فأرش الجناية في ذمته قال الإمام هذا إخلال من ناقل أو هفوة من القاضي
المسألة الرابعة إذا سبيت امرأة وولدها الصغير لم يفرق بينهما في القسمة بل يقومهما فإن وافقت قيمتهما نصيب أحد الغانمين جعلهما له وإلا اشترك فيهما اثنان أو باعهما وجعل ثمنهما في المغنم فإن فرق بينهما في القسمة ففي صحتها قولان كما سبق في البيع فإن صححنا فعن صاحب الحاوي أن المتبايعين لا يقران على التفريق بل يقال لهما إن تراضيتما ببيع الآخر ليجتمعا في الملك فذاك وإلا فسخنا البيع وقال ابن كج يقال للبائع يتطوع بتسليم الآخر أو يفسخ البيع فإن تطوع فامتنع المشتري من القبول فسخ البيع ولو رضيت الأم بالتفريق لم يرتفع التحريم على الصحيح رعاية لحق الولد وأم الأم عند عدم الأم كالأم فلو كان له أم وجدة فبيع مع الأم فلا تحريم وإن بيع مع الجدة وقطع عن الأم حرم على الأظهر والأب كالأم على

الأظهر أو الأصح وفي الأجداد والجدات من جهة الأب أوجه ثالثها يجوز التفريق بينه وبين الأجداد دون الجدات لأنهن أصلح للتربية ولا يحرم التفريق بينه وبين سائر المحارم كالأخ والعم وغيرهما على المذهب وقيل هم كالأب ولو كان له أبوان حرم التفريق بينه وبين الأب ويجوز التفريق للضرورة مثل أن تكون الأم حرة فيجوز بيع الولد ولو كانت الأم لواحد والولد لآخر فلكل منهما بيع ملكه منفردا وقد سبق في كتاب البيع أن التحريم هل ينتهي لسن التمييز أم يبقى إلى البلوغ قولان أظهرهما الأول
الطرف الثالث في إتلاف أموالهم إن احتاج المسلمون إلى إتلاف أموال الكفار كتخريب بناء وقطع شجر ليكفوا عن القتال أو ليظفروا بهم فلهم ذلك وإن لم يحتاجوا نظر إن لم يغلب على ظنهم حصول ذلك المال للمسلمين جاز إتلافه مغايظة لهم وتشديدا عليهم وإن غلب على الظن حصوله كره الإتلاف ولا يحرم على الأصح هذا إذا دخل الإمام دارهم مغيرا ولم يمكنه الاستقرار فيها فأما إذا فتحها قهرا فيحرم التخريب والقطع لأنها صارت غنيمة وكذا لو فتحها صلحا على أن تكون لنا أو لهم ولو غنما أموالهم وانصرفنا وخفنا الاسترداد فإن كانت غير حيوان جاز إتلافها لئلا يأخذوها فيتقووا بها وأما الحيوان فإن قاتلونا عليه واحتجنا في القتال إلى عقره لدفعهم أو للظفر بهم جاز وإن غنمنا خيلهم وماشيتهم ولحقونا وخفنا الاسترداد أو ضعف بعضها وتعذر سوقها لم يجز عقرها وإتلافها لكن تذبح للأكل وإن خفنا أنهم يأخذون الخيل ويقاتلوننا عليها ويشتد الأمر جاز إتلافها ولو لحقونا ومعنا نساؤهم وصبيانهم وخفنا استردادهم لم يجز قتلهم قطعا

فرع لو ظفرنا بكتب لهم مما يحل الانتفاع به كطب وشعر
وتواريخ فلها حكم سائر الأموال فتباع أو تقسم وما حرم الانتفاع به ككتب الكفر والهجو والفحش المحض لم يترك بحاله بل إن كان في رق أو كاغد ثخين وأمكن غسله غسل ثم هو كسائر الأموال فإن لم يمكن أبطلت منفعته بتمزيق ثم الممزق كسائر الأموال وعن القاضي أبي الطيب أنها تمزق أو تحرق وضعفوا الإحراق لما فيه من التضييع لأن للمزق قيمة وإن قلت وكتب التوراة والانجيل مما يحرم الانتفاع به لأنهم بدلوا وغيروا وإنما نقرها في أيديهم كما نقر الخمر
فرع إذا دخلنا دارهم غزاة قتلنا الخنازير وأرقنا الخمور وتحمل ظروفها إلا
به للاصطياد أو للماشية والزرع فحكى الإمام عن العراقيين أن للإمام أن يسلمه إلى واحد من المسلمين لعلمه بحاجته إليه ولا يحسب عليه واعترض بأن الكلب منتفع به فليكن حق اليد فيه لجميعهم كما أن من مات وله كلب لا يستبد به بعض الورثة والموجود في كتب العراقيين أنه إن أراده بعض الغانمين أو أهل الخمس ولم ينازعه غيره سلم إليه وإن تنازعوا فإن وجدنا كلابا وامكنت القسمة عددا قسم و إلا أقرع بينهم وهذا هو المذهب وقد سبق في الوصية أنه تعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة وتعتبر منافعها فيمكن أن يقال به هنا
الطرف الرابع في الاغتنام قد سبق في كتاب قسم الغنيمة أن الغنيمة المال المأخوذ من

الكفار بالقهر وإيجاف خيل وركاب والفيء ما حصل منهم بلا قتال وإذا دخل واحد أو شرذمة دار الحرب مستخفين وأخذوا مالا على صورة السرقة فوجهان أحدهما وبه قطع الغزالي وادعى الإمام أنه المذهب المعروف أنه ملك من أخذه خاصة والأصح الموافق لكلام الجمهور أنه غنيمة مخمسة وقد قال الأصحاب لو غزت طائفة بغير إذن الإمام متلصصين وأخذت مالا فهو غنيمة مخمسة وفي التهذيب أن الواحد إذا دخل دار الحرب وأخذ مال حربي بقتال أخذ منه الخمس والباقي له وإن أخذه على جهة السوم ثم جحده أو هرب فهو له ولا يخمس وهذه الصورة قريبة من السرقة والمأخوذ على صورة اختلاس كالمأخوذ على صورة السرقة وقال صاحب الحاوي هو غنيمة وعن أبي إسحق أنه فيء لأنه بغير إيجاف خيل وليكن الوجه القائل باختصاص السارق والمختلس مخصوصا بما إذا دخل واحد أو نفر يسير دار الحرب وأخذوا فأما إذا أخذ بعض الجيش بسرقة أو اختلاس فيشبه أن يكون غلولا ويدل عليه أن الروياني نقل أن ما يهديه الكافر إلى الإمام أو إلى واحد من المسلمين والحرب قائمة لا يملكه المهدى إليه بكل حال وإذا لم يختص المهدى إليه بالهدية فأولى أن لا يختص سارق بمسروق

فرع المال الضائع الذي يؤخذ في دارهم على هيئة اللقيطة إن كان
يعلم أنه للكفار فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه غنيمة لا يختص به الآخذ وقال الإمام والغزالي هو لمن أخذه بناء على أن المسروق لمن أخذه فإن أمكن كونه للمسلمين بأن كان هناك مسلمون أو أمكن أن يكون ضالة بعض الجيش وجب تعريفه ثم بعده يعود خلاف الجمهور والإمام في أنه غنيمة أم للآخذ وأما صفة التعريف

فقال الشيخ أبو حامد يعرفه يوما أو يومين ويقرب منه قول الإمام يكفي بلوغ التعريف إلى الأجناد إذا لم يكن هناك مسلم سواهم ولا ينظر إلى احتمال مرور التجار وفي المهذب و التهذيب يعرفه سنة ولفظ التهذيب أنه لو وجد ضالة في دار الحرب لحربي فهي غنيمة فالخمس لأهله والباقي له ولمن معه ولو وجد ضالة لحربي في دار الإسلام لم يختص هو بها بل تكون فيئا وكذا لو دخل صبي أو امرأة منهم بلادنا فأخذه رجل يكون فيئا وإن دخل منهم رجل فأخذه مسلم كان غنيمة لأن لأخذه مؤنة وللإمام الخيار فيه فإن استرقه كان الخمس لأهله والباقي لمن أخذه بخلاف الضالة لأنها مال للكفار حصل في أيدينا بلا قتال

فرع المباحات التي لم يملكها أحد كالحطب والحشيش والحجر والصيد البري
عنه في المختصر إلا أن يكون مصنوعا أو صيدا مقرطا أو موسوما فلا يكون لمن أخذه يعني إلا أن يكون حجرا مصنوعا بنقر أو نقش أو منحوتا والمقرط في أذنه قرط ويروى مقرطق وهو الذي جز صوفه وجعل على هيئة القرطق فهذه الأحوال آثار للملك والدار للكفار فالظاهر أنها كانت لهم فتكون غنيمة فإن أمكن كونها لمسلم فهي كسائر الضوال يجب تعريفها كما سبق
فصل للغنيمة أحكام أحدها يجوز التبسط بتناول أطعمتها وبعلف الدواب قبل
والأخذ ومكان الأخذ أما جنسه فهو القوت وما يصلح به القوت واللحم والشحم وكل طعام يعتاد أكله على العموم ولعلف

الدواب التبن والشعير وما في معناهما وذكر الإمام فيما ليس بقوت ولكن يؤكل غالبا كالفواكه وجهين وقطع الجمهور بجواز التبسط في الجميع وأما الفانيد والسكر والأدوية التي تندر الحاجة إليها ففيها أوجه الصحيح وبه قال الجمهور لا تباح لندور الحاجة فإن احتاج إليها مريض منهم أخذ قدر حاجته بقيمته وينبغي أن يقال يراجع أمير الجيش فيه والثاني تباح للحاجة بلا عوض والثالث أن ما لا يؤكل إلا تداويا يحسب عليه وما يكون للتداوي وغيره لا يحسب عليه وأما المنفعة المعتبرة فمنفعة الأكل والشرب والعلف وفي جواز أخذ الشحم والدهن لتوقيح الدواب وهو مسحها بالمذاب وهو المغلي ولجربها وجهان أحدهما الجواز كعلفها والأصح المنصوص المنع كالمداواة وعلى الأول ينبغي أن يجوز الادهان بها ولا يجوز إطعام البزاة والصقور منها بخلاف الدواب المحتاج إليها للركوب والحمل
ولا يجوز أخذ سائر الأموال ولا الانتفاع بها كلبس ثوب وركوب دابة فلو خالف لزمته الأجرة كما تلزمه القيمة إذا أتلف بعض الأعيان فإن احتاج لة رد وغيره قال الروياني يستأذن الإمام ويحسب عليه ويجوز أن يأذن في لبسه بالأمرة مدة الحاجة ثم يرده إلى المغنم ولا يجوز استعمال السلاح إلا أن يضطر إليه في القتال فإذا انقضت الحرب رده إلى المغنم ويجوز ذبح الحيوان المأكول للحمه كتناول الأطعمة وقيل لا يجوز لندور الحاجة إليه والصحيح الأول ثم قال الجماهير لا فرق بين الغنم وسائر الحيوانات المأكولة وأشار

الإمام إلى تخصيص الذبح بالغنم وصرح به الغزالي والصواب الأول
ثم ما يذبح يجب رد جلده إلى المغنم إلا ما يؤكل مع اللحم ويحرم على الذابح أن يتخذ من جلده سقاء أو حذاء أو شراكا فإن فعل وجب رد المصنوع كذلك ولا شىء له في الصنعة بل إن نقص لزمه الأرش وإن استعمله لزمه الأجرة ومتى ذبح ما يجوز ذبحه هل تلزمه قيمته لندور الحاجة وجهان الصحيح المنع كالأطعمة ودعوى الندور ممنوعة
أما الأخذ وقدر المأخوذ فيجوز أخذ العلف والطعام لمن يحتاج إليه فلو كان معه ما يغنيه عنهما هل له الأخذ وجهان أحدهما لا لاستغنائه وأصحهما نعم لإطلاق الأحاديث وكل من أخذ فليأخذ كفايته ولا بأس باختلاف قدر ما يأخذون بحسب الحاجة قال البغوي ولهم التزود لقطع مسافة بين أيديهم ولو أكل فوق حاجته لزمه قيمته نص عليه ولو كان معه دابتان فأكثر فله أخذ علفهن وفي وجه لا يأخذ إلا علف واحدة كما لا يسهم إلا لفرس والصحيح الأول ولو أخذ غانم فوق حاجته وضيف به غانما أو غانمين جاز وليس فيه إلا أنه تولى إصلاح الطعام لهم وليس له أن يضيف به غير الغانمين فإن فعل لزم الآكل الضمان ويكون المضيف كمن قدم طعاما مغصوبا إلى ضيف فأكله فينظر أعلم الحال أم جهله والحكم ما سبق في كتاب الغصب ولو أتلف بعض الغانمين من طعام الغنيمة شيئا كان كإتلافه مالا آخر فيلزمه رد القيمة إلى المغنم لأنه لم يستعمله في الوجه المسوغ شرعا وما يأخذه لا يملكه بالأخذ لكن أبيح له الأخذ كالضيف ذكره الإمام
ولو لحق الجيش مدد بعد انقضاء القتال وحيازة المال هل لهم

التبسط في الأطعمة وجهان أصحهما المنع وبه قطع البغوي ووجه الجواز مظنة الحاجة وعزة الطعام هناك ومن دخل من الغانمين دار الإسلام وقد فضل مما أخذه شىء ففي وجوب رده إلى المغنم ثلاثة أقوال أظهرها يجب لزوال الحاجة والمأخوذ متعلق حق الجميع والثاني لا لإباحة الأخذ والثالث إن كان قليلا لا يبالى به ككسر الخبز وبقية التبن في المخالي لم يرد وإلا فيرد ومتى وجب الرد فإن لم تقسم الغنيمة رده إلى المغنم وإن قسمت رده إلى الإمام فإن أمكن قسمته كما قسمت الغنيمة فعل وإن لم يكن لنزارة ذلك القدر ولتفرق الغانمين قال الصيدلاني يجعل في سهم المصالح أما مكان الأخذ والتبسط فهو دار الحرب فإذا انتهوا إلى عمران دار الإسلام وتمكنوا من الشراء أمسكوا ولو خرجوا عن دار الحرب ولم ينتهوا إلى عمران دار الإسلام فوجهان أصحهما جواز التبسط لبقاء الحاجة والثاني المنع لأن مظنة الحاجة دار الحرب فنياط الحكم به وعكسه ولو وجدوا سوقا في دار الحرب وتمكنوا من الشراء فقد طرد الغزالي فيه الوجهين لانعكاس الدليلين وقطع الإمام بالجواز وقال لم أر أحدا منع التبسط بهذا السبب ونزلوا دار الحرب في إباحة الطعام منزلة السفر في الرخص فإنها وإن ثبتت لمشقة السفر فالمرفه الذي لا كلفة عليه يشارك فيها وذكر أنه لو كان لجماعة من الكفار معنا مهادنة وكانوا لا يمتنعون من مبايعة من يطرقهم من المسلمين فالظاهر وجوب الكف عن أطعمة المغنم في دارهم لأنها وإن لم تكن مضافة إلى دار الإسلام فهي في قبضة الإمام بمثابة دار الإسلام فيما نحن فيه للتمكن من الشراء منهم

فرع ليس للغانم أن يقرض ما أخذه من الطعام والعلف لغير الغانمين

ولا أن يبيعه فإن فعل لزم الآخذ رده إلى المغنم فلو أقرضه غانما آخر فوجهان الصحيح عند الجمهور وهو المنصوص أن للمقرض مطالبة المقترض بعينه أو بمثله من بعينه أو بمثله من المغنم لا من خالص ماله لأنه إذا أخذه صار أحق به ولم تزل يده عنه إلا ببدل
والثاني وهو قول الشيخ أبي حامد ورجحه الإمام أنه لا مطالبة ولا يلزمه الرد لأن الآخذ من جملة المستحقين وإذا حصل في يده فكأنه أخذه بنفسه والوجهان متفقان أنه ليس قرضا محققا لأن الآخذ لا يملك المأخوذ حتى يملكه لغيره فعلى الأول لو رد عليه من خالص ملكه لم يأخذه المقرض لأن غير المملوك لا يقابل بالمملوك حتى إذا لم يكن في المغنم طعام آخر سقطت المطالبة وإذا رد من المغنم الأول أحق به لحصوله في يده وعلى هذا إذا دخلوا دار الإسلام انقطعت حقوق الغانمين عن أطعمة المغنم فيرد المستقرض على الإمام وإذا دخلوا دار الإسلام وقد بقي عين المستقرض في يد المقترض بني على أن الباقي من طعام المغنم هل يجب رده إلى المغنم إن قلنا نعم رده إلى المغنم وإلا فإن جعلنا للقرض اعتبارا رده إلى المقرض وإلا لم يلزمه شىء

فرع لو باع غانم ما أخذه لغانم آخر فهذا إبدال مباح بمباح
الضيفان لقمة بلقمة وكل واحد منهما أولى بما صار إليه ولو تبايعا صاعا بصاعين لم يكن ذلك ربا لأنه ليس بمعاوضة محققة
فرع مقتضى ما تكرر أن المأخوذ مباح للغانم غير مملوك أنه لا
له أن يأكل طعام نفسه ويصرف المأخوذ إلى حاجة أخرى بدلا عن طعامه كما لا يتصرف الضيف فيما قدم إليه إلا بالأكل

فرع قال الإمام لو قل الطعام واستشعر الأمير الازدحام والتنازع فيه
من معه كفايته مزاحمة المحتاجين
الحكم الثاني سقوط حق الغانمين بالإعراض وفيه مسائل إحداها يسقط حق الغانم بالإعراض عن الغنيمة وتركها قبل القسمة لأن المقصود الأعظم من الجهاد إعلاء الدين والذب عن الملة والغنيمة تابعة فمن أعرض عنها فقد محض عمله للمقصود الأعظم ولو قال أحدهم وهبت نصيبي للغانمين فإن أراد الإسقاط سقط حقه وإن أراد التمليك فوجهان أصحهما عند صاحب الشامل الصحة وبه قال أبو إسحق وأقواهما المنع وبه قال ابن أبي هريرة وأما بعد القسمة فيستقر الملك ولا يسقط بالإعراض كسائر الأملاك ولو أفرز الخمس ولم يقسم الأخماس الأربعة فوجهان ويقال قولان الأصح المنصوص يصح الإعراض لأنه لم يتعين حقه والثاني خرجه ابن سريج لا يصح لأن حقهم تميز عن الجهات العامة فصار كمال مشترك ولو قال اخترت الغنيمة هل يمنع ذلك من صحة الإعراض وجهان أشبههما نعم ولو أعرض جميع الغانمين فوجهان أصحهما يصح إعراضهم فيصرف الجميع إلى مصرف الخمس لأن المعنى المصحح للإعراض يشمل للواحد والجمع وأما أصحاب الخمس فغير ذوي القربى جهات عامة لا يتصور فيها إعراض وفي صحة إعراض ذوي القربى وجهان أحدهما نعم كالغانم وأصحهما لا لأنهم يستحقونه بلا عمل فأشبه الإرث ولو كان من الغانمين محجور عليه بفلس صح إعراضه لأن اختيار التملك كالاكتساب فلا يلزمه ولأن الإعراض يمحض جهاده للآخرة فلا يمنع منه

ولو أعرض محجور عليه بسفه قال الإمام ففي صحة إعراضه تردد ولعل الظاهر المنع فلو فك حجره قبل القسمة صح إعراضه ولا يصح إعراض صبي عن الرضخ ولا إعراض وليه فإن بلغ قبل القسمة صح إعراضه ولا يصح إعراض العبد عن رضخه ويصح إعراض سيده لأنه حقه ولا يصح إعراض مستحق السلب عنه على الأصح لأنه متعين كالوارث وكنصيبه بعد القسمة

فرع من أعرض من الغانمين قدر كأنه لم يحضر وضم نصيبه إلى
وقيل يضم إلى الخمس خاصة والصحيح الأول ولو مات غانم ولم يعرض انتقل حقه إلى ورثته فإن شاؤوا طلبوا أو أعرضوا
المسألة الثانية في وقت ملك الغانمين الغنيمة ثلاثة أوجه أصحها لا يملكون إلا بالقسمة لكن لهم أن يتملكوا بين الحيازة والقسمة لأنهم لو ملكوا لم يصح إعراضهم كمن احتطب ولأن للإمام أن يخص كل طائفة بنوع من المال ولو ملكوا لم يصح إبطال حقهم عن نوع بغير رضاهم والثاني يملكون بالحيازة والاستيلاد التام لأن الاستيلاد على ما ليس بمعصوم من المال سبب للملك
ولأن ملك الكفار زال بالاستيلاد ولو لم يملكوا لزال الملك إلى غير مالك لكنه ملك ضعيف يسقط بالإعراض والثالث موقوف فإن سلمت الغنيمة حتى قسموها بان أنهم ملكوا بالاستيلاد وإلا فإن تلفت أو أعرضوا تبينا عدم الملك فعلى هذا قال الإمام لا نقول بان بالقسمة أن حصة كل واحد بعينها صارت ملكه بالاستيلاد بل نقول إذا اقتسموا بان أنهم ملكوا الغنيمة ملكا مشاعا ثم بالقسمة تميزت الحصص وقيل يتعين بالقسمة أن كل واحد ملك حصته على التعين

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28