كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

من قيمة الولد
وفي أمالي السرخسي أنا إذا قلنا بالتبعيض فالحكم كذلك وإن قلنا بحرية الجميع لزم كل واحد للآخر نصف قيمة ولده ولم يجز العراقيون وغيرهم الخلاف في تبعيض الحرية في ولد كل واحد إذا كان الأول معسرا والثاني موسرا وحكموا بأن ولد الموسر حر كله والخلاف مخصوص بالمعسر
الصورة الثانية اختلفا في السابق فقال كل واحد أنا أولدتها أولا ولدي هذا واحتمل صدق كل واحد منهما فهما موسران أو معسران أو أحدهما موسر والآخر معسر والاعتبار باليسار والإعسار حالة الإحبال
الضرب الأول موسران فكل واحد يدعي على الآخر جميع المهر وجميع قيمة ولده لأنه يقول وطئتها وهي مستولدتي أو يدعي نصفها على ما ذكرناه في الصورة الأولى وكل واحد يقر للآخر بنصف المهر ونصف قيمة الجارية لأنه يقول أنا أولدتها وهي مشتركة فصارت مستولدة لي ويقرأ أيضا بنصف قيمة الولد على اختلاف فيه وما يقر به كل واحد من نصف قيمة الجارية يكذبه فيه الآخر فيسقط إقراره به وتبقى دعوى كل واحد في المهر وقيمة الولد فإن اقتضى الحال التسوية بينهما لم يعظم أثر الاختلاف وجاء الكلام في التقاص وإن تفاوتا حلف كل واحد على نفي ما يدعيه الآخر
وقيل يتحالفان على النفي والإثبات وهو بعيد فإذا حلف فلا شىء لأحدهما على الآخر وهي مستولدة احدهما على الابهام ونفقتها عليه فإذا ماتا فهي حرة والولاء موقوف بينهما
وإن مات أحدهما فالأصح

أنه لا يعتق شىء منها لاحتمال أنها مستولدة الآخر وقال ابن أبي هريرة وأبو علي الطبري يعتق نصفها واختاره القاضيان أبو الطيب والروياني وحكى ذلك عن نصه في الأم لأنه يملك نصفها وقد أولدها وشككنا هل سرى إحبال شريكه إلى نصيبه والأصل عدمه
الضرب الثاني أن يكونا معسرين فلا ثمرة للاختلاف والحكم كما لو عرف السابق وهما معسران
وإذا مات أحدهما عتق نصيبه وولاؤه لعصبته
وإن ماتا فالولاء لعصبتهما بالسوية
ونقل الربيع في الأم أن الولاء موقوف وإن كانا معسرين
واتفق الجمهور أن هذا غلط من الربيع أو من غيره
وقيل أراد حالة الموت فلا فرق حينئذ بين كونهما موسرين أو معسرين لما سبق أن الاعتبار في اليسار والإعسار بحالة الإحبال
الضرب الثالث أن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا فيحلف كل واحد على نفي ما يدعي عليه ويثبت الاستيلاد للموسر في نصيبه فلا منازعة وهما متنازعان في نصيب المعسر فنصف نفقتها على الموسر ونصفها بينهما ثم إن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته وإذا مات المعسر بعده عتق نصيبه وولاؤه موقوف بينهما وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شىء فإذا مات الموسر بعده عتقت كلها وولاء نصفها لورثته وولاء النصف الآخر موقوف قال الصيدلاني هذا إذا قلنا لا تتوقف سراية الاستيلاد على أداء القيمة فإن قلنا يتوقف هنا الأداء فتكون الجارية هنا مستولدتهما والولاء بينهما بلا وقف أما لو كان الاختلاف عكسه فقال كل واحد للآخر أنت وطئت أولا فسرى إلى نصيبي وهما موسران فقال البغوي يتحالفان ثم نفقتها عليهما وإذا مات أحدهما لمن يعتق نصيبه لاحتمال أن الآخر سبقه بالاستيلاد ويعتق نصيب الحي لأنه أقر بأن الميت أولد أولا ثم سرى إلى نصيبه وعتق بموته وولاء ذلك النصف

موقوف فإذا مات الآخر عتقت كلها وولاء الكل موقوف
وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فقال المعسر سرى إيلادك إلى نصيبي وقال الموسر أنت أولدت أولا ولم يسر إلى نصيبي تحالفا ثم النفقة عليهما فإن مات الموسر أولا عتقت كلها
أما نصيب الموسر فبموته وولاؤه لعصبته وأما نصيب المعسر فبإقراره وولاؤه موقوف
وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شىء لاحتمال أن الموسر سبقه بالإحبال فإذا مات المعسر بعده عتقت كلها
وولاء نصيب الموسر لعصبته ونصيب الموسر موقوف وبالله التوفيق
الحكم الخامس في جناية المكاتب والجناية عليه وفيه مسائل إحداها إذا جنى على أجنبي بما يوجبه قصاص نفس أو طرف فلمستحقه القصاص
فإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال نظر إن كان في يده مال وكان الواجب مثل قيمته أو أقل طولب به مما في يده وإن كان أكثر فهل يطالب بالأرش بالغا ما بلغ أم لا يطالب إلا بأقل الأمرين من قيمته والأرش قولان أظهرهما الثاني فعلى هذا له أن يفدي بالأقل وإن لم يرض السيد وإن فدى بالأرش وزاد على القيمة لم يستقل به فإن أذن السيد فقولان كتبرعه فإن لم يكن في يده مال وطلب مستحق الأرش تعجيزه عجزه الحاكم ثم يباع كله في الجناية إن استغرق الأرش قيمته وإلا فيباع قدر الأرش وتبقى الكتابة في الباقي فإذا أدى حصته من النجوم عتق ذلك القدر
ولو أراد السيد أن يفديه من ماله ويستديم الكتابة فله ذلك وعلى مستحق الأرش قبوله هذا هو المذهب وفيه شىء سبق
وفيما يفديه ( به ) قولان الجديد بأقل الأمرين والقديم بالأرش وله أن يرجع عن اختيار الفداء ويسلمه للبيع إلا إذا

مات العبد بعد اختيار الفداء أو باعه بإذن المجني عليه بشرط الفداء فيلزمه الفداء
ولو أبرأه السيد من النجوم أو أعتقه لزمه الفداء لأنه فوت متعلق حق المجني عليه فهو كما لو قتله هذا إذا قلنا بالمذهب والذي قطع به الجمهور أنه ينفذ إعتاقه وأشار ابن كج إلى خلاف فيه كإعتاق القن الجاني والفرق أن المكاتب صار متحق العتق بالكتابة قبل الجناية فإذا أعتقه وقع العتق عن الجهة المستحقة بخلاف القن وفيما يفديه السيد به طريقان أحدهما على القولين الجديد والقديم والثاني القطع بالأقل بخلاف حال بقاء الكتابة لأن الرق باق هناك وكما يلزم السيد بإعتاق المكاتب فداؤه يلزمه بإعتاقه فداء ابن المكاتب وأبيه إذا تكاتبا عليه وجنيا لأنهما يعتقان بإعتاقه
ولو عتق المكاتب بأداء النجوم لزمه ضمان الجناية ولا يلزم السيد فداؤه وفيما يلزمه الطريقان
ولو جنى المكاتب جنايات وأعتقه السيد أو أبرأه عن النجوم لزمه أن يفديه فإن أدى النجوم وعتق فضمان الجنايات على المكاتب وأما الذي يلزمهما فإن كاتب الجنايات معا بأن قتل جماعة بضربة أو هدم عليهم جدارا ففيه القولان كالجناية الواحدة والجديد أقل الأمرين من أرش الجنايات كلها وقيمته والقديم وجوب الأروش كلها وإن كانت الجنايات متفرقة فالقديم بحاله وفي الجديد قولان أظهرهما أنه أيضا بحاله فيجب الأقل من الأروش كلها وقيمته
والثاني يجب لكل جناية الأقل من أرشها والقيمة لأن البيع كان عقب كل جناية وبالإعتاق فوت ذلك فكأنه أحدث لكل جناية منعا ولو أراد المكاتب أن يفدي نفسه مما في يده عن الجنايات فطريقان أحدهما على القولين المنقولين عن الجديد والثاني القطع بالأقل من أرش كل جناية والقيمة
وقطع البغوي بأنه يؤخذ مما في يده الأقل

من أروش الجنايات كلها ومن قيمته ويشبه أن يكون هذا هو المذهب ولو لم يكن في يده مال وسأل المستحقون تعجيزه عجزه الحاكم ويباع ويقسم الثمن على أقدار الأروش وإن أبرأه بعضهم قسم على الباقين وإن اختار السيد فداءه بعد التعجيز لم يبع وفيما يفديه به القولان
المسألة الثانية إذا جنى المكاتب على عبد سيده أو على طرف سيده فله القصاص وإن قتل السيد فللوارث القصاص فإن عفا المستحقون على مال أو كانت موجبة للمال تعلق الواجب بما في يده لأنه معه كأجنبي وهل الواجب الأرش أم أقل الأمرين فيه القولان فإن قلنا الواجب الأرش وكان أكثر من القيمة فقال الشيخ أبو حامد له أن يفدي نفسه به وقال القاضي أبو الطيب فيه الخلاف في هبته لسيده ثم قال ابن الصباغ وهذا يقتضي أن يقال للسيد الامتناع من القبول لا يلزمه قبول الهبة وعندي أنه يلزمه القبول إذا أمكن أداؤه وأداء مال الكتابة وإذا لم يكن في يده شىء أو كان لا يفي بالأرش هل للسيد تعجيزه بسبب الأرش وجهان أحدهما لا لأنه إذا عجزه سقط الأرش لأنه لا يثبت له على عبده دين بخلاف ما إذا عجزه أجنبي فإن الأرش يتعلق برقبته وأصحهما نعم وبه قطع الشيخ أبو حامد وغيره ويستفيد رده إلى الرق المحض وإذا عجز بسبب الأرش أو النجوم ورق فهل يسقط الأرش أم يبقى في ذمته إلى أن يعتق وجهان
أصحهماالأول وهما كالوجهين فيما لو كان له على عبد غيره دين فملكه هل يسقط
وجناية المكاتب على طرف ابن سيده كجنايته على أجنبي وجنايته على نفسه تثبت القصاص اللسيد فإن عفا أو كان القتل خطأ فهو كما لو جنى على السيد ولو أعتق السيد المكاتب بعد جنايته عليه أو أبرأه عن النجوم فإن لم يكن في يده مال سقط الأرش على المذهب وإن كان تعلق به على الأصح


ولو أدى النجوم فعتق لم يسقط الواجب بلا خلاف كما لا يسقط إذا جنى على أجنبي وأدى النجوم وعتق ثم الواجب الأرش بالغا ما بلغ هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور وقيل فيه القولان
المسألة الثالثة إذا جنى عبد المكاتب فجنايته إما على أجنبي وإما على سيد المكاتب وإما سيد سيده فإن كانت على أجنبي فله القصاص فإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال تعلق برقبته يباع فيه إلا أن يفديه المكاتب وهل يفديه بالأرش أم بالأقل قولان وقيل بالأقل قطعا فإن قلنا بالأرش وكان قدر قيمته أو أقل فله الاستقلال به وإلا فلا يستقل وفي جوازه بإذن السيد قولان كتبرعه
وفي الوقت الذي تعتبر قيمة العبد فيه أوجه الأصح وظاهر نصه في المختصر يوم الجناية لأنه وقت تعلق الأرش والثاني يوم الاندمال والثالث يوم الفداء والرابع أقل القيمتين من يومي الجناية والفداء قال ابن كج هذا هو المذهب وهو نصه في الأم قال وعندي أن الحكم في جناية المكاتب بنفسه إذا اعتبرنا قيمته كذلك هذا كله في عبد المكاتب الذي لم يتكاتب عليه أما من يكاتب عليه كولده من أمته ووالده وولده إذا وهبا له حيث يجوز القبول فليس له أن يفديه بغير إذن سيده وبإذنه قولان كتبرعه لأن فداءه كشرائه ولو جنى بعض عبيد المكاتب على بعض أو جنى عبد غيره على عبده فله أن يقتص لأنه من مصالح الملك ولا يحتاج فيه إلى إذن السيد على المشهور فلو كان القاتل والد المقتول أو كان في عبيد المكاتب أبوه فقتل عبدا له لم يقتص ولو كان فيهم ابنه فقتل

عبدا له فله أن يقتص وهل له أن يبيع ابنه وأباه إذا كانا في ملكه وجنيا على عبد آخر له جناية توجب المال فوجهان
أصحهما المنع وهو نصه في الأم أما إذا جنى عبد المكاتب ( على المكاتب ) فله الاقتصاص بغير إذن السيد فإن كانت الجناية خطأ أو عفا على مال لم يجب إذ لا يثبت لسيده على عبده مال وإن جنى على سيد سيده فهو كما لو جنى على أجنبي فيباع في الأرش إلا أن يفديه المكاتب
الرابعة الجناية على المكاتب إن كانت على طرفه فله الاقتصاص ولا يشترط إذن السيد على المشهور ثم إن إقتص فذاك وإن عفا على مال ثبت المال لكن إن كان دون أرش الجناية فقدر المحاباة حكمه حكم الجميع إذا عفا مجانا وسنذكره إن شاء الله تعالى وإن عفا مطلقا فإن قلنا موجب أحد الأمرين أو قلنا يوجب القصاص ولكن مطلق العفو يوجب المال ثبت الأرش وإن قلنا يوجب القصاص ومطلق العفو لا يوجب المال لم يجب شىء وإن عفا مجانا سقط القصاص ثم إن قلنا موجب العمد القصاص لم يجب شىء وإن قلنا مطلق العفو لا يوجب المال وإن قلنا يوجبه فوجهان أحدهما يجب المال إن عفا بغير إذن السيد وبإذنه قولان كتبرعه والثاني لا يجب شىء وإن عفا بغير إذنه لأن الجناية على هذا القول لا توجب المال وإنما تثبته إذا اختاره أو عفا مطلقا على قول فإذاعفا مجانا فقد ترك الاكتساب بالعفو ولا يجبر على الكسب وإن كانت الجناية موجبة للمال لم يصح عفوه بغير إذن سيده وبإذنه قولان
وحيث ثبت المال بالجناية على طرفه فهو للمكاتب يستعين به

على أداء النجوم
وهل يستحق أخذه في الحال أم يتوقف على الاندمال قولان كالجناية على الحر
وقيل يستحقه في الحال قطعا مبادرة إلى تحصيل العتق فإن قلنا تتوقف على الاندمال وقد قطعت يده نظر إن سرت الجناية إلى النفس انفسخت الكتابة وعلى الجاني القيمة للسيد إن كان أجنبيا وإن اندملت فإن كان الجاني أجنبيا أخذ المكاتب نصف قيمته وإن كان السيد استحق عليه نصف القيمة وهو يستحق النجوم فإن حل نجم واتحد الحقان جنسا وصفة ففيه أقوال التقاص فيأخذ من له الفضل الفضل وإن اختلفا أخذ كل واحد حقه وإن قلنا له أخذ الأرش في الحال فإن كان مثل دية حر أو أقل فله أخذ جميعه وإلا فلا يأخذ أكثر من قدر الدية لأن الجناية قد تسري إلى نفسه بعد عتقه فيعود الواجب إلى دية وإذا أخذ ماله أخذه ثم اندملت الجراحة فقد استقر الأرش ويأخذ الباقي إن لم يكن أخذ الجميع وإن سرت إلى النفس نظر إن سرت قبل أن يعتق انفسخت الكتابة فإن كان الجاني أجنبيا فللسيد مطالبته بتمام القيمة وإن كان هو السيد سقط عنه الضمان وأخذ أكسابه وإن كانت السراية بعد عتقه بأداء النجوم فإن كان الجاني أجنبيا فعليه تمام الدية لأن الاعتبار في الضمان بحال الاستقرار ويكون ذلك لورثته فإن لم يكونوا فللسيد بالولاء وإن كان الجاني السيد فعليه تمام الدية أيضا بخلاف ما لو جرح عبده القن ثم أعتقه فمات بالسراية فإنه لا ضمان لأن ابتداء الجناية غير مضمون هناك وهنا مضمون ولو حصل العتق بالتقاص فهو كما لو حصل بالأداء ولا يمنع من التقاص كون الدية إبلا لأن الواجب في الإبتداء نصف القيمة والتقاص حينئذ يحصل ثم إن سرت الجناية بعد العتق وجب الفاضل من الإبل
ولو عفا المكاتب عن المال ولم نصحح عفوه ثم

عتق قبل أخذ المال فهل له أخذه قولان أظهرهما نعم لأن عفوه وقع لاغيا ولو جنى على طرف المكاتب عبده فله القصاص فإن كانت الجناية خطأ أو عفا على مال لم يثبت له على عبده مال وإن كانت الجناية على نفس المكاتب انفسخت الكتابة ويموت رقيقا
ثم إن قتله السيد فليس عليه إلا الكفارة وإن قتله أجنبي فللسيد القصاص أو القيمة وله أكسابه بحكم الملك لا بالإرث

فرع جنى على طرف مكاتبه وكان الأرش مثل النجوم وحكمنا بالتقاص وحصول
العتق ثم جنى عليه السيد جناية أخرى موجبة للقصاص فهي جناية على حر فيجب القصاص نص عليه في الأم فإن قال لم أعلم أنه حصل التقاص والعتق لم يقبل منه كما لو قتل من كان عبدا فعتق وقال لم أعلم أنه عتق قال الربيع فيه قول أنه يؤخذ منه دية حر ولا قصاص للشبهة قال في الأم لو عتق المكاتب فاختلف هو ومن جنى عليه فقال المكاتب كنت حرا عند الجناية وقال الجاني بل مكاتبا صدق الجاني بيمينه وتقبل شهادة السيد للمكاتب
فصل في مسائل منثورة قال لمكاتبه إن عجزت عن النجوم بعد وفاتي
حر صح التعليق فإن قال المكاتب قبل الحلول عجزت لم يعتبر قوله وإن قاله بعد الحلول ووجدنا له ما يفي بالواجب فلا عجز أيضا وإن لم يوجد صدق بيمينه ويقبل إقرار المكاتب بديون المعاملة وبالبيع

وما يقدر على إنشائه وفي كتاب ابن كج أنه لو قال بعت هذه السلعة وهذا ثمنها قبل إقراره وإن قال بعتها وتلف الثمن في بدين ففي القبول قولان وإن أقر بديم جناية فهل يقبل في حق السيد قولان أظهرهما عند البغوي نعم ويؤدي مما في يده كدين المعاملة ولكن لو كان ما أقر به أكثر من قيمته لم يلزم إلا قدر قيمته فإن لم يكن في يده شىء بيع في دين الجناية
والثاني وبه قطع جماعة لا يقبل في حق السيد لأنه لم يسلط عليه بعقد الكتابة فإن قبلنا إقراره فعجز قبل أن يؤخذ منه فهل يباع فيه أم لا يباع ويكون في ذمته إلى أن يعتق قولان
ولا يقبل إقرار السيد على المكاتب بالجناية لكن لو عجز ألزم السيد بإقراره ولو قال كان جنى قبل الكتابة لم يقبل على المكاتبة أيضا لخروجه عن يده بالكتابة
ولو مات سيد المكاتب فقد سبق أن الكتابة تبقى فإن لم يعتق بالأداء إلى الوارث فلو كان له وارثان لم يعتق إلا بأداء حقهما فإن كان الوارث صغيرا أو مجنونا لم يعتق إلا بالدفع إلى وليه فإن كان له وصيان لم يعتق إلا بالدفع إليهما إلا إذا أثبت لكل واحد منهما الاستقلال فإن كان على الميت دين وأوصى بوصايا فإن كان الوارث وصيا في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا عتق بالدفع إليه وإلا فيجمع بين الوصي والورثة ويدفع إليهم فإن لم يوص إلى أحد قام القاضي مقام الوصي ولو دفع إلى الغريم لم يعتق وإن دفع إلى الوارث فإن قضى الديون والوصايا عتق وإلا وجب الضمان على المكاتب ولم يعتق هكذا ذكره البغوي
وقال القاضي أبو الطيب إن كان الدين مستغرقا للتركة برىء المكاتب بالدفع الى الغريم وان كان قد أوصى بالنجوم لإنسان عتق بالدفع إليه وإن أوصى بها للفقراء أو المساكين دفعها إلى من أوصى إليه

فيفرقها أو إلى الحاكم وإن أوصى بقضاء الدين منها تعين صرفها إليه وهو كما لو أوصى بها لإنسان
ولو مات السيد والمكاتب ممن يعتق على الوارث عتق عليه ولو نكح الإبن مكاتبة أبيه ثم مات الأب والابن وارث انفسخ النكاح لأنه ملك زوجته وكذا لو مات السيد وبنته تحت مكاتبه فورثت زوجها ولو اشترى المكاتب زوجته أو اشترت المكاتبة زوجها انفسخ النكاح وبالله التوفيق


كتاب أمهات الأولاد
ولد الرجل من أمته ينعقد حرا وتصير الأمة بالولادة مستولدة تعتق بموته ويقدم عتقها على الديون واستيلاد المريض مرض الموت كاستيلاد الصحيح في النفوذ من رأس المال كإنفاق المال في اللذات والشهوات
ويثبت الاستيلاد أيضا بإلقاء مضغة فيها خلقة آدمي إما لكل أحد وإما للقوابل وأهل الخبرة من النساء فإن لم يظهر وقلن هذا أصل آدمي ولو بقي لتصور لم يثبت الاستيلاد على المذهب وقد سبق بيانه في العدد
فصل يحرم بيع المستولدة وهبتها ورهنها والوصية بها وعن الشافعي رحمه
الله فيه اختلاف قول وإنما ميل القول إشارة إلى مذهب من جوزه ومنهم من قال جوزه في القديم فعلى هذا هل يعتق بموت السيد وجهان أحدهما لا وبه قال صاحب التقريب والشيخ أبو علي
والثاني نعم قاله الشيخ أبو محمد والصيدلاني كالمدبر قال الإمام وعلى هذا يحتمل أن يقال يعتق من رأس المال ويحتمل من الثلث وإذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز بيعها فقضى قاض بجوازه فحكى الروياني عن الأصحاب أنه ينقض قضاؤه وما كان فيه من خلاف بين القرن الأول فقد انقطع وصار مجمعا على منعه ونقل الإمام فيه وجهين


فرع أولاد المستولدة إن كانوا من السيد فأحرار وإن حدثوا من نكاح
أو زنى فلهم حكم الأم فليس للسيد بيعهم ويعتقون بموته وإن كانت الأم قد ماتت في حياة السيد
ولو أعتق السيد الأم لم يعتق الولد وكذا حكم العكس كما في التدبير بخلاف ما لو أعتق المكاتبة يعتق ولدها ولو ولدت المستولدة من وطء شبهة فإن كان الواطىء يعتقد أنها زوجته الأمة فالولد رقيق للسيد كالأم وهو كما لو أتت به من نكاح أو زنى وإن كان يعتقدها زوجته الحرة أو أمته انعقد الولد حرا وعليه قيمته للسيد
وأما الأولاد الحاصلون قبل الاستيلاد بنكاح أو زنى فليس لهم حكم الأم بل للسيد بيعهم إذا ولدوا في ملكه ولا يعتقون بموته لأنهم حدثوا قبل ثبوت حق الحرية للأم
فرع المستولدة فيما سوى نقل الملك فيها كالقنة فله إجارتها واستخدامها ووطؤها وأرش
قتلوا ومن غصبها فتلفت في يده ضمنها كالقنة ولو شهد إثنان على إقرار السيد بالإستيلاد وحكم بهما ثم رجعا قال أبو علي لا يغرمان لأن الملك باق فيها ولم يفوتا إلا سلطنة البيع ولا قيمة لها بانفرادها
قال الإمام فإذا مات السيد وفات الملك فالذي نراه وجوب الغرم عليهما للورثة كما لو شهدا بتعليق العتق فوجدت الصفة فحكمت بعتقه فرجعا غرما وفي تزويجها أقوال أظهرها للسيد الاستقلال به لأنه يملك بيعها ووطأها كالمدبرة


والثاني قاله في القديم لا يزوجها إلا برضاها والثالث لا يجوز وإن رضيت وعلى هذا هل يزوجها القاضي وجهان أحدهما نعم بشرط رضاها ورضى السيد والثاني لا ويجري الخلاف في تزويج بنت المستولدة فإذا جوزناه فلا حاجة إلى الاستبراء بخلاف المستولدة لأنها كانت فراشا له وابن المستولدة لا يجبره السيد على النكاح وليس له أن ينكح بغير إذن السيد فإن أذن فوجهان حكاهما الروياني في الكافي تخريجا من الخلاف في المستولدة
قلت الصحيح والصواب الجواز والفرق ظاهر
والله أعلم

فصل إذا زنى رجل بأمة فأتت بولد من زنى ثم ملكها لم
له ولو ملك ذلك الولد لم يعتق عليه ولو أولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها لم تصر أم ولد له على المذهب لأنها علقت برقيق والاستيلاد إنما يثبت تعبا لحرية الولد ولو ملكها وهي حامل منه فكذلك الحكم ولكن يعتق الولد عليه لأنه ملك ولده قال الصيدلاني وصورة ملكها حاملا أن تضع لدون ستة أشهر من حين ملكها وأن لا يطأها بعد الملك وتلد لدون أربع سنين فأما إذا وطئها بعد الملك وولدت لستة أشهر من وقت الملك فيحكم بحصول العلوق في ملك اليمين وثبوت الاستيلاد وحرية الولد وإن أمكن كونه سابقا عليه أما إذا استولد أمة الغير بشبهة ثم ملكها فينظر إن وطئها على ظن أنها زوجته المملوكة فالولد رقيق ولا يثبت الاستيلاد وإن وطئها على ظن أنها زوجته الحرة أو أمته فالولد حر وفي ثبوت

الاستيلاد قولان وكذا لو نكح أمة غر بحريتها فأولدها فالولد حر وفي ثبوت الاستيلاد إذا ملكها القولان ويجريان فيما لو اشترى أمة شراء فاسدا وأولدها على ظن الصحة أحدهما وهو القديم يثبت لأنها علقت منه بحر وأظهرهما وهو الجديد لا يثبت لأنها علقت في غير ملك اليمين فعلى القديم يكون أولادها الحادثون بعد ملكه من نكاح أو زنى لهم حكمها فيعتقون بموت السيد والحاصلون قبل أن يملكها ليس لهم حكمها وإن حصلوا بعد الاستيلاد لأنهم حصلوا قبل ثبوت الحق للأم ولو ملكها وهي حامل من نكاح أو زنى ففي فتاوى القاضي حسين أنه لا يثبت لذلك الولد حكم الأم بل يكون قنا للمشتري اعتبارا بحال العلوق

فرع سبق في الكتابة إذا أولد الشريكان مكاتبتهما والقنة في معناها

فرع أولد مرتد أمته صارت مستولدة إن أبقينا ملكه وإن أزلناه لم
يثبت الاستيلاد في الحال فإن أسلم فعلى القولين فيما إذا أولد أجنبية ثم ملكها وإن توقفنا في الملك فكذا في الاستيلاد
فرع إذا أسلمت مستولدة كافر أو استولد أمته بعد إسلامها فقد ذكرنا
في البيع أنه لا سبيل إلى بيعها وأنه لا يجبر على اعتاقها على الصحيح ولكن يحال بينهما وتجعل عند امرأة ثقة وكسبها له ونفقتها عليه فإن أسلم رفعت الحيلولة وإن مات عتقت


وهل للكافر تزويجها إذا جوزنا تزويج المستولدة وجهان حكاهما الصيدلاني أصحهما لا وبه قطع القفال لانقطاع الموالاة
والثاني نعم لأنه تصرف بالملك
وعلى الأول
قيل لا يزوجها القاضي أيضا
وقال أبو إسحق يزوجها القاضي إذا أرادته والمهر للسيد وكذا يزوجها الحاكم إذا أراد السيد تزويجها وإن كرهت هي فتصير النفقة على الزوج قال أبو إسحق وهي أحق بحضانة الولد ما لم تتزوج فإذا تزوجت صار الأب أحق بالولد إلا أن يكون مميزا فيخاف أن يفتنه عن دينه فلا يترك عنده
قلت الصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا حضانة لكافر على مسلم كما سبق في الحضانة ولا حضانة هنا للأب
والله أعلم

فرع في فتاوى القفال أن العبد إذا أولد جارية ابنه الحر لا
ويثبت النسب دون الاستيلاد لأنه ليس من أهل الملك وأن المكاتب إذا أولد جارية ابنه الحر فيحتمل أنه يبنى ثبوت الاستيلاد على الخلاف في أنه إذا أولد جارية نفسه هل يثبت وأن من وطىء جارية بيت المال يحد ولا نسب ولا استيلاد وسواء في هذا الغني والفقير لأنه لا يجب الإعفاف من بيت المال
وأنه لو أعتق مستولدته على مال يجوز
ولو باعها نفسها صح على الظاهر لأن بيع العبد نفسه إعتاق على الحقيقة
فرع إذا أولد جاريته المحرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة لزمه
الحد في قول والتعزير على الأظهر
وعلى القولين يكون الولد حرا نسبيا وتصير هي مستولدة قال الأصحاب رحمهم الله ولا يتصور

اجتماع هذه الأحكام ووجوب الحد إلا في هذه الصورة على أحد القولين
واعلم أن أحكام المستولدة سبقت معرفة ف أبوابها فتركنا إعادتها
قال الإمام الرافعي رحمه الله قد تيسر الفراغ من هذا الكتاب في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرة وستمائة ونختم الكتاب بما بدأناه وهو حمد الله ذي الجلال والإكرام وولي الطول والإنعام والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم
قلت قد أحسن الإمام الرافعي رضي الله عنه فيما حققه ولخصه وأتقنه واستوعبه في هذا الكتاب ويسر الاحتواء على متفرقات المذهب ونفائس خفاياه على المفتين والطلاب
واعلم أيها الراغب في الخيرات والحريص على معرفة النفائس المحققات وحل الغوامض والمشكلات والتبحر في معرفة المذهب والوقوف على ما تعتمده من المصنفات وتعمد إليه عند نزول الفتاوى الغامضات وتثق به عند تعارض الآراء المضطربات وتحث على تحصيله من أردت نصحه من أولى الرغبات أنه لم يصنف في مذهب الشافعي رضي الله عنه ما يحصل لك مجموع ما ذكرته أكمل من كتاب الرافعي ذي التحقيقات بل اعتقادي واعتقاد كل مصنف أنه لم يوجد مثله في الكتب السابقات ولا المتأخرات فيما ذكرته من هذه المقاصد المهمات وقد يسر الله الكريم وله الحمد في هذا المختصر مع ذلك جملا متكاثرات من الزوائد المتممات والنوادر المستجادات وغير ذلك من المحاسن المطلوبات وأسأل الله الكريم أن يكثر النفع به لي ولوالدي ومشايخي وسائر أحبابنا المسلمين والمسلمات وحسبنا الله ونعم الوكيل

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وقد رأيت ختم الكتاب بما ختم به الإمام أبو عبد الله محمد بن إسمعيل البخاري صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
والحمد لله باطنا وظاهرا وأولا وآخرا اللهم طل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبرهيم وعلى آل إبرهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبرهيم وعلى آل إبرهيم في العالمين إنك حميد مجيد
قال مختصره الإمام الزاهد العابد أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي فرغت منه يوم الأحد الخامس عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وستين وستمائة ولله الحمد
غفر الله له ولوالديه ولمن نظر فيه ولصاحبه ولمن دعا لهم بالمغفرة ولجميع المسلمين
آمين رب العالمين

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28