كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

فرع السخلة المرباة بلبن الكلبة لها حكم الجلالة

ولا يحرم الزرع وإن كثر الزبل وسائر النجاسات في أصله لأنه لا يظهر فيه أثر النجاسة وريحها
قلت وإذا عجن دقيقا بماء نجس وخبزه فهو نجس يحرم أكله
ويجوز أن يطعمه لشاة وبعير ونحوهما ونص عليه الشافعي رحمه الله تعالى ونقله البيهقي في السنن الكبير في باب نجاسة الماء الدائم عن نصه واستدل له بحديث صحيح
وفي فتاوى صاحب الشامل أنه يكره إطعام الحيوان المأكول نجاسة
وهذا لا يخالف ما نص عليه الشافعي في الطعام لأنه ليس بنجس العين
قال ابن الصباغ ولا يكره أكل البيض المسلوق بماء نجس كما لا يكره الوضوء بماء سخن بالنجاسة
والله أعلم
فصل الحيوان المأكول إنما يحل إذا ذبح الذبح المعتبر ويستثنى السمك والجراد
أشعر أم لا
قال الشيخ أبو محمد في كتاب الفرق إنما يحل إذا سكن في البطن عقيب ذبح الأم فأما لو بقي زمنا طويلا يضطرب ويتحرك ثم سكن فالصحيح أنه حرام
ولو خرج الجنين في الحال وبه حركة المذبوح حل
وإن خرج رأسه وفيه حياة مستقرة قال القاضي حسين وصاحب التهذيب لا يحل إلا بذبحه لأنه مقدور عليه
وقال القفال يحل لأن خروج بعض الولد كعدم خروجه في العدة وغيرها

قلت قول القفال أصح
والله أعلم
قال صاحب التهذيب لو أخرج رجله فقياس ما قاله القاضي أن يخرج ليحل كما لو تردى بعير في بئر
ولو وجدت مضغة لم تبن فيها الصورة ولا تشكل الأعضاء ففي حلها وجهان بناء على وجوب الغرة فيها وثبوت الاستيلاد
قلت إذا ذكى الحيوان وله يد شلاء هل تحل بالذكاة أم هي ميتة وجهان
الصحيح الحل
وقد ذكرهما الرافعي في باب القصاص في الأطراف
والله أعلم

فصل كسب الحجام حلال هذا هو المذهب المعروف

وقال ابن خزيمة حرام على الأحرار ويجوز أن يطعمه العبيد والدواب وهذا شاذ
ولا يكره أكل كسب الحجام للعبيد سواء كسبه حر أم عبد
ويكره للحر سواء كسبه حر أم عبد
وللكراهة معنيان
أحدهما مخالطة النجاسة
والثاني دناءته
فعلى الثاني يكره كسب الحلاق ونحوه
وعلى الأول كره كسب الكناس والزبال والدباغ والقصاب والخاتن
وهذا الذي أطلقه جمهور الأصحاب
ولا يكره كسب الفاصد على الأصح
وفي الحمامي والحائك وجهان
قلت الأصح لا يكره كسب الحائك
والله أعلم
وكره جماعة كسب الصواغ

فرع قال الماوردى أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة

وأيها أطيب فيه ثلاثة مذاهب للناس
أشبهها مذهب الشافعي أن التجارة أطيب
قال والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل
قلت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده فهذا صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما من عمل يده لكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدمي وغيره وعموم الحاجة إليها
والله أعلم
فصل كل ما ضر كالزجاج والحجر والسم يحرم

وكل طاهر لا ضرر فيه يحل أكله إلا المستقذرات الطاهرة كالمني والمخاط ونحوهما فإنها محرمة على الصحيح وإلا الحيوان الذي تبتلعه حيا سوى السمك والجراد فإنه يحرم قطعا وكذا ابتلاع السمك والجراد على وجه كما سبق
وفي جلد الميتة المدبوغ خلاف سبق في الطهارة
ويجوز شرب دواء فيه قليل سم إذا كان الغالب منه السلامة واحتيج إليه
قال الإمام ولو تصور شخص لا يضره أكل السموم

الظاهرة لم تحرم عليه
وقال الروياني النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة يحرم أكله ولا حد على آكله ويجوز استعماله في الدواء وإن أفضى إلى السكر إذا لم يكن منه بد
وما يسكر مع غيره ولا يسكره بنفسه إن لم ينتفع به في دواء وغيره حرم أكله
وإن كان ينتفع به في الدواء حل التداوي به

الباب الثاني في حال الاضطرار
فيه مسائل
إحداها للمضطر إذا لم يجد حلالا أكل المحرمات كالميتة والدم ولحم الخنزير وما في معناها
والأصح وجوب أكلها عليه كما يجب دفع الهلاك بأكل الحلال
والثاني يباح فقط
الثانية في حد الضرورة لا خلاف أن الجوع القوي لا يكفي لتناول الحرام ولا خلاف أنه لا يجب الامتناع إلى أن يشرف على الموت فإن الأكل حينئذ لا ينفع
ولو انتهى إلى تلك الحالة لم يحل له الأكل فإنه غير مفيد
ولا خلاف في الحل إذا كان يخاف على نفسه لو لم يأكل من جوع أو ضعف عن المشي أو الركوب وينقطع عن رفقته ويضيع ونحو ذلك
فلو خاف حدوث مرض مخيف جنسه فهو كخوف الموت
وإن خاف طول المرض فكذلك على الأصح أو الأظهر
ولو عيل صبره وجهده الجوع فهل يحل له المحرم أم لا يحل حتى يصل إلى أدنى الرمق قولان
قلت أظهرهما الحل
والله أعلم
ولا يشترط فيما يخاف منه تيقن وقوعه لو لم يأكل بل يكفي غلبة الظن

الثالثة يباح للمضطر أن يأكل من المحرم ما يسد الرمق قطعا ولا تحل الزيادة على الشبع قطعا
وفي حل الشبع ثلاثة أقوال
ثالثها إن كان قريبا من العمران لم يحل وإلا فيحل
ورجح القفال وكثير من الأصحاب المنع
ورجح صاحب الإفصاح والروياني وغيره الحل
هكذا أطلق الخلاف أكثرهم
وفصل الإمام والغزالي تفصيلا حاصله إن كان في بادية وخاف إن ترك الشبع لا يقطعها ويهلك وجب القطع بأنه يشبع
وإن كان في بلد وتوقع الطعام الحلال قبل عود الضرورة وجب القطع بالاقتصار على سد الرمق
وإن كان لا يظهر حصول طعام حلال وأمكنه الرجوع إلى الحرام مرة بعد أخرى إن لم يجد الحلال فهو موضع الخلاف
قلت هذا التفصيل هو الراجح
والأصح من الخلاف الاقتصار على سد الرمق
والله أعلم
الرابعة يجوز له التزود من الميتة إن لم يرج الوصول إلى الحلال
وإن رجاه قال في التهذيب وغيره يحرم
وعن القفال أن من حمل الميتة من غير ضرورة لم يمنع ما لم يتلوث بالنجاسة
وهذا يقتضي جواز التزود عند الضرورة وأولى
قلت الأصح جواز التزود إذا رجا
والله أعلم
الخامسة إذا جوزنا الشبع فأكل ما سد رمقه ثم وجد لقمة حلالا لم يجز أن يأكل من المحرم حتى يأكلها فإذا أكلها هل له الإتمام إلى الشبع وجهان
وجه المنع أنه باللقمة عاد إلى المنع فيحتاج إلى عود الضرورة
قلت الأصح الجواز
والله أعلم
السادسة لو لم يجد المضطر إلى طعام غيره وهو غائب أو ممتنع من البذل

فهل يقتصر على سد الرمق أم له الشبع فيه طرق أصحها طرد الخلاف كالميتة
والثاني له الشبع قطعا
والثالث ليس له قطعا
السابعة المحرم الذي يضطر إلى تناوله قسمان مسكر وغيره فيباح جميعه ما لم يكن فيه إتلاف معصوم فيجوز للمضطر قتل الحربي والمرتد وأكله قطعا
وكذا الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة على الأصح فهم
ولو كان له قصاص على غيره ووجده في حالة اضطرار فله قتله قصاصا وأكله وإن لم يحضره السلطان
وأما المرأة الحربية وصبيان أهل الحرب ففي التهذيب أنه لا يجوز قتلهم للأكل وجوزه الإمام والغزالي لأنهم ليسوا بمعصومين
والمنع من قتلهم ليس لحرمة أرواحهم ولهذا لا كفارة فيهم
قلت الأصح قول الإمام
والله أعلم
والذمي والمعاهد والمستأمن معصومون فيحرم أكلهم
ولا يجوز للوالد قتل ولده للأكل ولا للسيد قتل عبده
ولو لم يجد إلا آدميا معصوما ميتا فالصحيح حل أكله قال الشيخ إبرهيم المروذي إلا إذا كان الميت نبيا فلا يجوز قطعا
قال في الحاوي فإذا جوزنا لا يأكل منه إلا ما يسد الرمق حفظا للحرمتين
قال وليس له طبخه وشيه بل يأكله نيئا لأن الضرورة تندفع بذلك وطبخه هتك لحرمته فلايجوز الإقدام عليه بخلاف سائر الميتات فإن للمضطر أكلها نيئة ومطبوخة
ولو كان المضطر ذميا والميت مسلما فهل له أكله حكى فيه صاحب التهذيب وجهين
قلت القياس تحريمه
والله أعلم
ولو وجد ميتة ولحم آدمي أكل الميتة وإن كانت لحم خنزير
وإن وجد المحرم صيدا ولحم آدمي أكل الصيد
ولو أراد المضطر أن يقطع قطعة

من فخذه أو غيرها ليأكلها فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم وإلا جاز على الأصح بشرط أن لا يجد غيره
فإن وجد حرم قطعا
ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره قطعا ولا للغير أن يقطع من نفسه للمضطر
القسم الثاني المسكر والمذهب عند جمهور الأصحاب أنه لا يحل شرب الخمر لا للتداوي ولا للعطش
وقيل يجوز لهما
وقيل لهذا دون ذاك
وقيل بالعكس
فإذا جوزنا للعطش فوجد خمرا وبولا شرب البول لأن تحريمه أخف
كما لو وجد بولا وماء نجسا شرب الماء لأن نجاسته طارئة
وما سوى المسكر من النجاسات يجوز التداوي به كله على الصحيح المعروف
وقيل لا يجوز
وقيل لا يجوز إلا بأبوال الإبل
وفي جواز التبخر بالند الذي فيه خمر وجهان بسبب دخانه
قلت الأصح الجواز لأنه ليس دخان نفس النجاسة
والله أعلم
الثامنة إذا وجد المضطر طعاما حلالا لغيره فله حالان
أحدهما أن يكون مالكه حاضرا
فإن كان مضطرا إليه فهو أولى به وليس للأول أخذه منه إذا لم يفضل عن حاجته إلا أن يكون نبيا فإنه يجب على المالك بذله له فإن آثر المالك غيره على نفسه فقد أحسن
قال الله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }
وإنما يؤثر على نفسه مسلما
فأما الكافر فلا يؤثره حربيا كان ذميا وكذا لا يؤثر بهيمة على نفسه
وإن لم يكن المالك مضطرا لزمه إطعام المضطر مسلما كان أو ذميا أو مستأمنا وكذا لو كان يحتاج إليه في ثاني الحال على الأصح
وللمضطر أن يأخذه قهرا أو يقاتله عليه وإن أتى القتال على نفس المالك فلا ضمان فيه
وإن قتل المالك المضطر في الدفع عن طعامه لزمه القصاص
وإن منعه الطعام فمات جوعا فلا ضمان
قال في الحاوي ولو قيل يضمن كان مذهبا
وهل القدر الذي يجب على

المالك بذله ويجوز للمضطر أخذه قهرا والقتال عليه ما يسد الرمق أم قدر الشبع فيه قولان بناء على القولين في الحلال من الميتة
وهل يجب على المضطر الأخذ قهرا والقتال فيه خلاف مرتب على الخلاف في وجوب الأكل من الميتة وأولى بأن لا يجب
قلت المذهب لا يجب القتال كما لا يجب دفع الصائل وأولى
والله أعلم
وخصص صاحب التهذيب الخلاف بما إذا لم يكن عليه خوف في الأخذ قهرا
قال فإن كان لم يجب قطعا

فرع حيث أوجبنا على المالك بذله للمضطر ففي الحاوي وجه أنه يلزمه
بذله مجانا ولا يلزم المضطر شىء كما يأكل الميتة بلا شىء
والمذهب أنه لا يلزمه البذل إلا بعوض وبهذا قطع الجمهور
وفرقوا بينه وبين ما إذا خلص مشرفا على الهلاك بالوقوع في ماء أو نار فإنه لا تثبت أجرة المثل لأن هناك يلزمه التخليص ولا يجوز التأخير إلى تقرير الأجرة وهنا بخلافه وسوى القاضي أبو الطيب وغيره بينهما فقالوا إن احتمل الحال هناك موافقته على أجرة يبذلها أو يلتزمها لم يلزم تخليصه حتى يلتزمها كما في المضطر
وإن لم يحتمل حال التأخير في صورة المضطر فأطعمه لم يلزمه العوض فلا فرق بينهما
ثم إن بذل المالك طعامه مجانا لزمه قبوله ويأكله إلى أن يشبع فإن بذله بالعوض نظر إن لم يقدر العوض لزم المضطر قيمة ما أكل في ذلك الكان والزمان وله أن يشبع وإن قدره فإن لم يفرد ما يأكله فالحكم كذلك
وإن أفرده فإن كان المقدر ثمن المثل فالبيع صحيح وللمضطر ما فضل عن الأكل
وإن كان

أكثر والتزمه ففيما يلزمه أوجه
أقيسها وهو الأصح عند القاضي أبي الطيب يلزمه المسمى لأنه التزمه بعقد لازم
وأصحها عند الروياني لا لزمه إلا ثمن المثل في ذلك الزمان والمكان لأنه كالمكره
والثالث وهو اختيار صاحب الحاوي إن كانت الزيادة لا تشق على المضطر ليساره لزمته وإلا فلا
قال أصحابنا وينبغي للمضطر أن يحتال في أخذه منه ببيع فاسد ليكون الواجب القيمة قطعا وقد يفهم من كلامهم القطع بصحة البيع وأن الخلاف فيما يلزم ثمنا
لكن الوجه جعل الخلاف في صحة العقد لمعنى الإكراه وأن المضطر هل هو مكره أم لا وفي تعليق الشيخ أبي حامد ما يبين ذلك
وقد صرح الإمام فقال الشراء بالثمن الغالي للضرورة هل يجعله مكروها حتى لا يصح الشراء وجهان أقيسهما صحة البيع
قال وكذا المصادر من جهة السلطان الظالم إذا باع ماله للضرورة ولدفع الأذى الذي يناله
والأصح صحة البيع لأنه لا إكراه على البيع ومقصود الظالم تحصيل المال من أي جهة كان وبهذا قطع الشيخ إبرهيم المروذي واحتج به لوجه لزوم المسمى في مسألة المضطر

فرع متى باع المالك بثمن المثل ومع المضطر مال لزمه شراؤه وصرف
ما معه إلى الثمن حتى لو كان معه إزار فقط لزمه صرفه إليه إن لم يخف الهلاك بالبرد ويصلي عاريا لأن كشف العورة أخف من أكل الميتة
ولهذا يجوز أخذ الطعام قهرا ولا يجوز أخذ ساتر العورة قهرا وإن لم يكن معه مال لزمه التزامه في ذمته سواء كان له مال في موضع آخر أم لا
ويلزم المالك في هذا الحال البيع نسيئة

فرع ليس للمضطر الأخذ قهرا إذا بذل المالك بثمن المثل
فإن طلب أكثر فله أن لا يقبل ويأخذه قهرا ويقاتله عليه
فإن اشتراه بالزيادة مع إمكان أخذه قهرا فهو مختار في الالتزام فيلزمه المسمى بلا خلاف
والخلاف السابق إنما هو فيمن عجز عن الأخذ قهرا
فرع لو أطعمه المالك ولم يصرح بالإباحة فالأصح أنه لا عوض عليه
ويحمل على المسامحة المعتادة في الطعام
ولو اختلفا فقال أطعمتك بعوض فقال بل مجانا فهل يصدق المالك لأنه أعرف بدفعه أم المضطر لبراءة ذمته وجهان
أصحهما الأول
ولو أوجر المالك المضطر قهرا أو أوجره وهو مغمى عليه فهل يستحق القيمة وجهان
أحسنهما يستحق لأنه خلصه من الهلاك كمن عفا عن القصاص ولما فيه من التحريض على مثل ذلك
فرع كما يجب بذل المال لإبقاء الآدمي المعصوم يجب بذله لإبقاء البهيمة
المحترمة وإن كان ملكا للغير
ولا يجب البذل للحربي والمرتد والكلب العقور
ولو كان لرجل كلب غير عقور جائع وشاة لزمه ذبح الشاة لإطعام الكلب
قال في التهذيب وله أن يأكل من لحمها لأنها ذبحت للأكل

الحال الثاني أن يكون المالك غائبا فيجوز للمضطر أكل طعامه ويغرم له القيمة
وفي وجوب الأكل وقدر المأكول ما سبق من الخلاف
وإن كان الطعام لصبي أو مجنون والولي غائب فكذلك
وإن كان حاضرا فهو في ما لهما ككامل الحال في ماله وهذه إحدى الصور التي يجوز فيها بيع مال الصبي نسيئة
المسألة التاسعة إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير وهو غائب فثلاثة أوجه
ويقال أقوال
أصحها يجب أكل الميتة
والثاني الطعام
والثالث يتخير بينهما وأشار الإمام إلى أن هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي
وإن كان صاحب الطعام حاضرا فإن بذله بلا عوض أو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن الناس بمثلها ومعه ثمنه أو رضي بذمته لزمه القبول
وإن لم يبعه إلا بزيادة كبيرة فالمذهب الذي قطع به العراقيون والطبريون وغيرهم أنه لا يلزمه شراؤه لكن يستحب وإذا لم يلزمه الشراء فهو كما لو لم يبذله أصلا
وإذا لم يبذله لا يقاتله عليه المضطر إن خاف من المقاتلة على نفسه أو خاف إهلاك المالك في المقاتلة بل يعدل إلى الميتة
وإن كان لا يخاف لضعف المالك وسهولة دفعه فهو على الخلاف المذكور فيما إذا كان غائبا
وقال في التهذيب يشتريه بالثمن الغالي ولا يأكل الميتة
ثم يجيء الخلاف في أنه يلزمه المسمى أو ثمن المثل قال وإذا لم يبذل أصلا وقلنا طعام الغير أولى من الميتة يجوز أن يقال يقاتله ويأخذه قهرا
العاشرة لو اضطر محرم ولم يجد إلا صيدا فله ذبحه وأكله ويلزمه الفدية
وإن وجد صيدا وميتة فالمذهب أنه يلزمه أكل الميتة
وفي قول الصيد
وفي قول أو وجه يتخير
وقيل يأكل الميتة قطعا
ولو وجد المحرم لحم صيد ذبح وميتة فإن ذبحه حلال لنفسه فهذا مضطر وجد ميتة وطعام الغير وإن ذبحه هذا المحرم قبل إحرامه فهو واجد طعاما حلالا لنفسه

فليس مضطرا
وإن ذبحه في الإحرام أو ذبحه محرم آخر فأوجه
أصحها يتخير بينهما
والثاني تتعين الميتة
والثالث الصيد
ولو وجد المحرم صيدا وطعام الغير فهل يتعين الصيد أم الطعام أم يتخير فيه ثلاثة أوجه أو أقوال سواء جعلنا الصيد الذي يذبحه المحرم ميتة أم لا
وإن وجد صيدا وميتة وطعام الغير فسبعة أوجه
أصحها تتعين الميتة
والثاني الطعام
والثالث الصيد
والرابع يتخير بينها
والخامس تخير بين الطعام والميتة
والسادس يتخير بين الصيد والميتة
والسابع يتخير بين الصيد والطعام

فرع إذا لم نجعل ما ذبحه المحرم من الصيد ميتة فهل على
ما يأكل منه وجهان بناء على القولين في أن المحرم هل يستقر ملكه على الصيد
قلت ينبغي أن يكون الراجح ترك الكلب والتخيير بين الباقي
والله أعلم
الثانية عشرة ليس للعاصي بسفره أكل الميتة حتى يتوب على الصحيح
وسبق بيانه في صلاة المسافر
الثالثة عشرة نص الشافعي رضي الله عنه أن المريض إذا وجد مع غيره طعاما يضره ويزيد في مرضه جاز له تركه وأكل الميتة ويلزم مثله لو كان الطعام له
وعد هذا من أنواع الضرورة وكذا التداوي كما سبق
وسبق أيضا في أول الكتاب بيان الانتفاع بالنجاسات
ولو تنجس الخف

بخرزه بشعر الخنزير فغسل سبعا إحداهن بتراب طهر ظاهره دون باطنه وهو موضع الخرز
وقيل كان الشيخ أبو زيد يصلي في الخف النوافل دون الفرائض فراجعه القفال فيه فقال الأمر إذا ضاق اتسع أشار إلى كثرة النوافل
قلت بل الظاهر أنه أراد أن هذا القدر مما تعم به البلوى ويتعذر أو يشق الاحتراز منه فعفي عنه مطلقا
وإنما كان لا يصلي فيه الفريضة احتياطا لها وإلا فمقتضى قوله العفو فيهما
ولا فرق بين الفريضة والنفل في اجتناب النجاسة ومما يدل على صحة ما تأولته أن القفال قال في شرحه التلخيص سألت أبا زيد عن الخف يخرز بشعر الخنزير هل تجوز الصلاة فيه فقال الأمر إذا ضاق اتسع قال القفال مراده أن بالناس حاجة إلى الخرز به فللضرورة جوزنا ذلك
والله أعلم

فصل في مسائل تتعلق بالأطعمة إحداها قال الشيخ إبرهيم المروذي في تعليقه
أن نحكم بالتحريم إن ظهرت المضرة فيه
قلت قطع صاحب المهذب وغيره بتحريم أكل التراب
والله أعلم
الثانية يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه ويكره أن يعيب

الطعام
ويستحب أن يأكل من أسفل الصحفة وأن يقول بعد الفراغ الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
الثالثة إذا استضاف مسلم لا اضطرار به مسلما استحب له ضيافته ولا تجب
والأحاديث الواردة في الباب محمولة على الاستحباب
الرابعة من مر بثمر غيره أو زرعه لم يجز له أن يأخذ منه ولا يأكل بغير إذن صاحبه إلا أن يكون مضطرا فيأكل ويضمن
وحكم الثمار الساقطة من الأشجار حكم سائر الثمار إن كانت داخل الجدار
فإن كانت خارجه فكذلك إن لم تجر عادتهم بإباحتها فإن جرت بذلك فهل تجري العادة المطردة مجرى الإباحة وجهان
قلت الأصح تجري
والمختار أنه يجوز أكل الإنسان من طعام قريبه وصديقه بغير إذنه إذا غلب على ظنه أنه لا يكره ذلك فإن تشكك فحرام بلا خلاف
ويستحب ترك التبسط في الأطعمة المباحة فإنه ليس من أخلاق السلف هذا إذا لم تدع إليه حاجة كقرى الضيف والتوسعة على العيال في الأوقات المعروفة
والسنة اختيار الحلو من الأطعمة وتكثير الأيدي على الطعام والتسمية في أوله
فإن نسي وتركها في أوله أتى بها في أثناء الأكل
ويستحب الجهر بها ليذكره غيره ويستحب الحديث الحسن على الأكل وقد بقيت آداب تتعلق بالأكل أخرتها إلى باب الوليمة لكونه أليق بها
والله أعلم

كتاب النذر
هو التزام شىء وفيه فصلان
أحدهما في أركانه وهي ثلاثة الناذر والمنذور والصيغة
الأول الناذر
وهو كل مكلف مسلم فلا يصح نذر الصبي والمجنون
وفي نذر السكران الخلاف في تصرفاته
ولا يصح نذر الكافر لى الصحيح
ويصح من السفيه المحجور عليه بفلس نذر القرب البدنية ولا تصح المالية من السفيه
وأما المفلس فإن التزم في ذمته ولم يعين مالا صح نذره ويؤديه بعد قضاء حقوق الغرماء
فإن عين مالا بني على ما لو أعتق أو وهب هل يوقف صحة تصرفه أم يكون باطلا فإن أبطلناه فكذا النذر
وإن توقفنا توقف النذر قاله في التتمة
قال ولو نذر عتق المرهون انعقد نذره
فإن نفذنا عتقه في الحال أو عند أداء المال وإلا فهو كمن نذر إعتاق من لا يملكه
الركن الثاني الصيغة
فلا يصح النذر إلا باللفظ
وفي قول قديم تصير الشاة ونحوها هديا وأضحية بالنية وحدها أو بها مع التقليد كما سبق في بابه
ثم النذر قسمان
أحدهما نذر التبرر وهو نوعان
أحدهما نذر المجازاة وهو أن يلتزم قربة في مقابلة حدوث نعمة أو اندفاع

بلية كقوله إن شفى الله مريضي أو رزقني ولدا فلله علي أعتاق أو صوم أو صلاة
فإذا حصل المعلق عليه لزمه الوفاء بما التزم
ولو قال فعلي ولم يقل فلله علي فالصحيح أنه كذلك
وقيل لا بد من التصريح بذكر الله تعالى وهو قريب من الخلاف في وجوب الإضافة إلى الله تعالى في نية الوضوء والصلاة
النوع الثاني أن يلتزم ابتداء من غير تعليق على شىء فيقول لله علي أن أصلي أو أصوم أو أعتق فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما يصح ويلزم الوفاء به
والثاني لا يصح ولا يلزمه شىء

فرع لو عقب النذر بالمشيئة فقال لله علي كذا إن شاء الله
لم يلزمه شىء كما هو في تعقيب الأيمان والطلاق والعقود
ولو قال لله علي كذا إن شاء زيد لم يلزمه شىء وإن شاء زيد
القسم الثاني نذر اللجاج والغضب وهو أن يمنع نفسه من فعل أو يحثها عليه بتعليق التزام قربة الفعل أو بالترك
ويقال فيه يمين اللجاج والغضب
ويقال له أيضا يمين الغلق
ويقال نذر الغلق بفتح العين المعجمة واللام فإذا قال إن كلمت فلانا أو دخلت الدار أو إن لم أخرج من البلد فإنه علي صوم شهر أو صلاة فلله أو حج أو إعتاق رقبة ثم كلمه أو دخل أو لم يخرج ففيما يلزمه طرق
أشهرها على ثلاثة أقوال
أحدها يلزمه الوفاء بما التزم
والثاني يلزمه كفارة يمين
والثالث يتخير بينهما وهذا الثالث هو الأظهر عند العراقيين لكن الأظهر على ما ذكره صاحب التهذيب والروياني وإبرهيم المروذي والموفق بن طاهر وغيرهم

وجوب الكفارة
والطريق الثاني القطع بالتخيير
والثالث نفي التخيير والاقتصار على القولين الأولين
والرابع الاقتصار على التخيير وقول وجوب الكفارة ونفي القول الأول
والخامس الاقتصار على التخيير ولزوم الوفاء ونفي وجوب الكفارة
قلت الأظهر التخيير بين الجميع
والله أعلم
فإن قلنا بوجوب الكفارة فوفى بما التزم لم تسقط الكفارة على الأصح فإن كان الملتزم من جنس ما تتأدى به الكفارة فالزيادة على قدر الكفارة تقع تطوعا
وإن قلنا بالتخيير فلا فرق بين الحج والعمرة وسائر العبادات
وخرج قول أنه يلزم الوفاء بهما خاصة لعظم أمرهما كما يلزمان بالشروع

فرع إذا التزم على وجه اللجاج إعتاق عبد بعينه فإن قلنا واجبه
بما التزم أعتقه كيف كان
وإن قلنا عليه كفارة يمين فإن كان بحيث يجزىء في الكفارة فله أن يعتقه أو يعتق غيره أو يطعم أو يكسو
وإن كان بحيث لا يجزىء واختار الإعتاق أعتق غيره
وإن قلنا يتخير فإن اختار الوفاء أعتقه كيف كان وإن اختار التكفير اعتبر في إعتاقه صفات الإجزاء
وإن التزم إعتاق عبيده فإن أوجبنا الوفاء أعتقهم
وإن أوجبنا الكفارة أعتق واحدا أو أطعم أو كسا
وإن قال إن فعلت كذا فعبدي حر وقع العتق إذا فعله بلا خلاف

فرع لو قال إن فعلت كذا فعلي نذر أو فلله علي
الله أنه يلزمه كفارة يمين وبهذا قطع صاحب التهذيب وإبرهيم المروذي وقال القاضي حسين وغيره هذا تفريع على قولنا تجب الكفارة
فأما إن أوجبنا الوفاء فيلزمه قربة من القرب والتعيين إليه وليكن ما يعينه مما يلتزم بالنذر
وعلى قول التخيير يتخير بين ما ذكرنا وبين الكفارة
ولو قال إن فعلت كذا فعلي كفارة يمين فالواجب كفارة على الأقوال كلها
ولو قال فعلي يمين أو فلله علي يمين فالصحيح أنه لغو لأنه لم يأت بنذر ولا صيغة يمين وليست اليمين مما يثبت في الذمة
وقيل يلزمه كفارة يمين إذا فعله
قال الإمام وعلى هذا فالوجه أن يجعل كناية ويرجع إلى نيته
ولو قال نذرت لله لأفعلن كذا فإن نوى اليمين فهو يمين
وإن أطلق فوجهان
ولو عدد أجناس قرب فقال إن دخلت فعلي حج وعتق وصدقة فإن أوجبنا الوفاء لزمه ما التزمه وإن أوجبنا الكفارة لزمه كفارة واحدة على المذهب
وعن الشيخ أبي محمد احتمال في تعددها
ولو قال ابتداء لله علي أن أدخل الدار اليوم قال في التهذيب المذهب أنه يمين وعليه كفارة يمين إن لم يدخل
وكذا لو قال لامرأته إن دخلت الدار فلله علي أن أطلقك فهو كقوله إن دخلت الدار فوالله لأطلقنك حتى إذا مات أحدهما قبل التطليق لزمه كفارة يمين
ولو قال إن دخلت الدار فلله علي أن آكل الخبز فدخلها لزمه كفارة يمين على الصحيح
وقيل هو لغو

فرع لو قال ابتداء مالي صدقة أو في سبيل الله ففيه

أحدها وهو الأصح عند الغزالي وقطع به القاضي حسين أنه لغو لأنه لم يأت بصيغة التزام
والثاني أنه كما لو قال لله علي أن أتصدق بمالي فيلزمه التصدق
والثالث يصير ماله بهذا اللفظ صدقة كما لو قال جعلت هذه الشاة أضحية
وقال في التتمة إن كان المفهوم من اللفظ في عرفهم معنى النذر أو نواه فهو كما لو قال لله علي أن أتصدق بمالي أو أنفقه في سبيل الله وإلا فلغو
وأما إذا قال إن كلمت فلانا أو فعلت كذا فمالي صدقة فالمذهب الذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافعي رحمه الله أنه بمنزلة قوله فعلي أن أتصدق بمالي أو بجميع مالي
وطريق الوفاء أن يتصدق بجميع أمواله
وإذا قال في سبيل الله يتصدق بجميع أمواله على الغزاة
وقال إمام الحرمين والغزالي يخرج هذا على الأوجه الثلاثة في الصورة الأولى
والمعتمد ما نص عليه وقاله الجمهور
فرع الصيغة قد تتردد فتحتمل نذر التبرر وتحتمل نذر اللجاج فيرجع فيها
في السبب وهو شفاء المريض مثلا بالتزام المسبب وهو القربة المسماة
وفي اللجاج يرغب عن السبب لكراهته الملتزم
وذكر الأصحاب في ضبطه أن الفعل إما طاعة

وإما معصية وإما مباح
والالتزام في كل واحد منهما تارة يعلق بالإثبات وتارة بالنفي
أما الطاعة ففي طرف الإثبات يتصور نذر التبرر بأن يقول إن صليت فلله علي صوم يوم معناه إن وفقني الله للصلاة صمت
فإذا وفق لها لزمه الصوم
ويتصور اللجاج بأن يقال له صل فيقول لا أصلي وإن صليت فعلي صوم أو عتق فإذا صلى ففيما يلزمه الأقوال والطرق السابقة
وأما في طرف النفي فلا يتصور نذر التبرر لأنه لا بر في ترك الطاعة ويدخله اللجاج بأن يمنع من الصلاة فيقول إن لم أصل فلله علي كذا فإذا لم يصل ففيما يلزمه الأقوال
وأما المعصية ففي طرف النفي يتصور نذر التبرر بأن يقول إن لم أشرب الخمر فلله علي كذا ويقصد إن عصمني الله من الشرب
ويتصور نذر اللجاج بأن يمنع من شربها ويقول إن لم أشربها فلله علي صوم أو صلاة
وفي طرف الإثبات لا يتصور إلا اللجاج بأن يؤمر بالشرب فيقول إن شربت فلله علي كذا
وأما المباح فيتصور في طرفي النفي والإثبات فيه النوعان معا
فالتبرر في الإثبات أن أكلت كذا فلله علي صوم يريد أن يسره الله تعالى لي
واللجاج أن يؤمر بأكله فيقول إن أكلت فلله علي كذا
والتبرر في النفي إن لم آكل كذا فلله علي صوم يريد إن أعانني الله تعالى على كسر شهوتي فتركته
واللجاج أن يمنع من أكله فيقول إن لم آكله فلله علي كذا
وإن قال إن رأيت فلانا فعلي صوم
فإن أراد إن رزقني الله رؤيته فهو نذر تبرر
وإن ذكره لكراهته رؤيته فهو لجاج
وفي الوسيط وجه في منع التبرر في المباح

فرع لا فرق في جميع ما ذكرناه بين قوله فعلي كذا
علي كذا هذا هو الصحيح
وفي وجه لا يلزمه شىء إذا لم يذكر الله تعالى
فرع لو قال أيمان البيعة لازمة لي قال أصحابنا كانت البيعة في
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصافحة فلما ولي الحجاج رتبها أيمانا تشتمل على ذكر اسم الله تعالى وعلى الطلاق والإعتاق والحج وصدقة المال فإن يرد القائل الأيمان التي رتبها الحجاج لم يلزمه شىء
وإن أرادها نظر إن قال فطلاقها وعتاقها لازم لي وانعقدت يمينه بهما ولا حاجة إلى النية
وإن لم يصرح بذكرهما لكن نواهما فكذلك لأنهما ينعقدان بالكناية مع النية
وإن نوى اليمين بالله تعالى أو لم ينو شيئا لم تنعقد يمينه ولا شىء عليه
فرع نص الشافعي رضي الله عنه في نذر اللجاج أنه لو قال
كذا فلله علي نذر حج إن شاء فلان فشاء لم يكن عليه شىء
قال في التتمة هذا إذا غلبنا في اللجاج معنى في النذر
فإن قلنا هو يمين فهو كمن قال والله لا أفعل كذا إن شاء زيد وسيأتي في الأيمان إن شاء الله تعالى أن من قال والله لا أدخلها إن شاء فلان أن لا أدخلها
فإن شاء فلان انعقدت يمينه عند المشيئة وإلا فلا

الركن الثالث المنذور
الملتزم بالنذر معصية أو طاعة أو مباح
فالمعصية كنذر شرب الخمر أو الزنا أو القتل أو الصلاة في حال الحدث أو الصوم في حال الحيض أو القراءة حال الجنابة أو نذر ذبح نفسه أو ولده فلا ينعقد نذره
فإن لم يفعل المعصية المنذورة فقد أحسن ولا كفارة عليه على المذهب وبه قطع جمهور الأصحاب
وحكى الربيع قولا في وجوبها
واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي للحديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين
قال الجمهور المراد بالحديث نذر اللجاج
قالوا ورواية الربيع من كيسه
وحكى بعضهم الخلاف وجهين
قلت هذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف باتفاق المحدثين وإنما صح حديث عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصية الله رواه مسلم وحديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم
والله أعلم
وأما الطاعة فأنواع أحدها الواجبات فلا يصح نذرها لأنها واجبة بإيجاب الشرع فلا معنى لالتزامها وذلك كنذر الصلوات الخمس وصوم رمضان وكذا لو نذر أن لا يشرب الخمر ولا يزني
وسواء علق ذلك بحصول نعمة أو التزمه ابتداء

وإذا خالف ما ذكره ففي لزوم الكفارة ما سبق في قسم المعصية
وادعى صاحب التهذيب أن الظاهر هنا وجوبها
النوع الثاني العبادات المقصودة وهي التي شرعت للتقرب بها
وعلم من الشارع الاهتمام بتكلف الخلق إيقاعها عبادة كالصوم والصلاة والصدقة والحج والاعتكاف والعتق فهذه تلزم بالنذر بلا خاف
قال الإمام وفروض الكفاية التي يحتاج في أدائها إلى بذل مال أو مقاساة مشقة تلزم بالنذر أيضا كالجهاد وتجهيز الموتى
ويجيء مما سنذكره إن شاء الله تعالى في نذر السنن الراتبة وجه أنها لا تلزم
وعن القفال أن من نذر الجهاد لا يلزمه شىء
وفي صلاة الجنازة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ليس فيه بذل مال ولا كبير مشقة وجهان
أصحهما لزومها بالنذر أيضا

فرع كما يلزم أصل العبادة بالنذر يلزم الوفاء بالصفة المستحبة فيها إذا
الركوع أو السجود
أو شرط المشي في الحجة الملتزمة إذا قلنا المشي في الحج أفضل من الركوب فلو أفردت الصفة بالنذر والأصل واجب شرعا كتطويل القراءة والركوع والسجود في الفرائض أو أن يقرأ في الصبح مثلا سورة كذا أو أن يصلي الفرض في جماعة فالأصح لزومها لأنها طاعة
والثاني لا لئلا تغير عما وضعها الشرع عليه
ولو نذر فعل السنن الراتبة كالوتر وسنة الفجر والظهر فعلى الوجهين
ولو نذر صوم رمضان في السفر فوجهان
أحدهما وبه قطع في الوجيز ونقله إبرهيم المروذي عن عامة الأصحاب لا ينعقد نذره وله الفطر لأنه التزام يبطل رخصة الشرع
والثاني وهو اختيار القاضي حسين وصاحب التهذيب انعقاده ولزوم الوفاء كسائر المستحبات
ويجري الوجهان فيمن نذر إتمام الصلاة

في السفر إذا قلنا الإتمام أفضل
ويجريان فيمن نذر القيام في النوافل أو استيعاب الرأس بالمسح أو التثليث في الوضوء أو الغسل أو أن يسجد للتلاوة والشكر عند مقتضيهما
قال الإمام وعلى مساق الوجه لو نذر المريض القيام في الصلاة وتكلف المشقة أو نذر صوما وشرط أن لا يفطر بالمرض لم يلزم الوفاء لأن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب شرعا والمرض مرخص
النوع الثالث القربات التي لم تشرع لكونها عبادة وإنما هي أعمال وأخلاق مستحسنة رغب الشرع فيها لعظم فائدتها
وقد يبتغى بها وجه الله تعالى فينال الثواب فيها كعيادة المرضى وزيارة القادمين وإفشاء السلام بين المسلمين وتشميت العاطس
وفي لزومها بالنذر وجهان
الصحيح اللزوم
ويلزم تجديد الوضوء بالنذر على الأصح
قال في التتمة لو نذر الاغتسال لكل صلاة لزمه الوفاء وليبن هذا على أن تجديد الغسل هل يستحب قال ولو نذر الوضوء انعقد نذره ولا يخرج عنه بالوضوء عن حدث بل بالتجديد
قلت جزم أيضا بانعقاد نذر الوضوء القاضي حسين
وفي التهذيب وجه ضعيف أنه لا يلزم
وقولهم لا يخرج عن النذر إلا بالتجديد معناه بالتجديد حيث يشرع وهو أن يكون قد صلى بالأول صلاة ما على الأصح
والله أعلم
قال ولو نذر أن يتوضأ لكل صلاة لزم الوضوء لكل صلاة
وإذا توضأ لها عن حدث لا يلزمه الوضوء لها ثانيا بل يكفي الوضوء الواحد عن واجبي الشرع والنذر
قال ولو نذر التيمم لم ينعقد على المذهب
قال ولو نذر أن لا يهرب من ثلاثة فصاعدا من الكفار فإن علم من نفسه القدرة على مقاومتهم انعقد نذره وإلا فلا
وفي كلام الإمام أنه لا يلزم بالنذر انكفاف قط حتى لو نذر أن لا يفعل مكروها لا ينعقد نذره
ولو نذر أن يحرم بالحج في شوال أو من بلد كذا لزمه على الأصح

وأما المباح فالذي لم يرد فيه ترغيب كالأكل والنوم والقيام والقعود فلو نذر فعلها أو تركها لم ينعقد نذره
قال الأئمة وقد يقصد بالأكل التقوي على العبادة وبالنوم النشاط عند التهجد فينال الثواب لكن الفعل غير مقصود والثواب يحصل بالقصد الجميل
وهل يكون نذر المباح يمينا توجب الكفارة عند المخالفة فيه ما سبق في نذر المعاصي والفرض
وقطع القاضي بوجوب الكفارة في المباح وذكر في المعصية وجهين وعلق الكفارة باللفظ من غير حنث وهذا لا يتحقق ثبوته
والصواب في كيفية الخلاف ما قدمناه

فرع لو نذر الجهاد في جهة بعينها ففي تعيينها أوجه

قال صاحب التلخيص يتعين لاختلاف الجهات
وقال أبو زيد لا يتعين بل يجزئه أن يجاهد في جهة أسهل وأقرب منها
وقال الشيخ أبو علي وهو الأصح الأعدل لا يتعين لكن يجب أن تكون التي يجاهد فيها كالمعينة في المسافة والمؤنة وتجعل مسافات الجهات كمسافات مواقيت الحج
فرع يشترط في القربة المالية كالصدقة والتضحية والإعتاق أن يلتزمها في الذمة أو يضيف إلى

فإن كان لغيره لم ينعقد نذره قطعا ولا كفارة عليه على المذهب وبه قطع الجمهور وذكر في التتمة في لزومها وجهين وهو شاذ
قال في التتمة لو قال إن ملكت عبدا فلله علي أن أعتقه انعقد نذره
قال ولو قال إن شفى الله مريضي

فكل عبد أملكه حر أو فعبد فلان حر إن ملكته لم ينعقد نذره قطعا لأنه لم يلتزم التقرب بقربة لكن علق الحرية بعد حصول النعمة بشرط وليس هو مالكا في حال التعليق فلغا كما لو قال إن ملكت عبدا أو عبد فلان فهو حر فإنه لا يصح قطعا
قال ولو قال إن شفى الله مريضي فعبدي حر إن دخل الدار انعقد لأنه مالكه وقد علقه بصفتين الشفاء والدخول
قال ولو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أشتري عبدا وأعتقه انعقد

فرع قال في التهذيب في باب الاستسقاء لو نذر الإمام أن يستسقي
أن يخرج في الناس ويصلي بهم
ولو نذره واحد من الناس لزمه أن يصلي منفردا
وإن نذر أن يستسقي بالناس لم ينعقد لأنهم لا يطيعونه
ولو نذر أن يخطب وهو من أهله لزمه
وهل له أن يخطب قاعدا مع استطاعته القيام فيه خلاف كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الصلاة المنذورة
فرع سئل الغزالي رحمه الله في فتاويه عما لو قال البائع للمشتري
إن خرج المبيع مستحقا فلله علي أن أهبك ألف دينار فهل يصح هذا النذر أم لا وإن حكم حاكم بصحته هل يلزمه فأجاب بأن الصاحات لا تلزم بالنذر وهذا مباح ولا يؤثر فيه قضاء القاضي إلا إذا نقل مذهب معتبر في لزوم ذلك النذر

فرع قال بعضهم لو نذر أن يكسو يتيما لم يخرج عن
لأن مطلقه في الشرع للمسلم
قلت ينبغي أن يكون فيه خلاف مبني على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع أو جائزه كما لو نذر إعتاق رقبة
والله أعلم
الفصل الثاني في ححكام النذر إذا صح النذر لزم الوفاء به
والمعتبر فيه مقتضى ألفاظ الالتزام
والملتزمات أنواع
الأول الصوم فإن أطلق التزامه فقال لله علي صوم أو أن أصوم لزمه صوم يوم
ويجيء فيه وجه ضعيف أنه يكفيه إمساك بعض يوم بناء على أن النذر ينزل على أقل ما يصح من جنسه وأن إمساك بعض اليوم صوم وسنذكرهما إن شاء الله تعالى
ولو نذر صوم أيام وقدرها فذاك
وإن أطلق ذكر الأيام لزمه ثلاثة
ولو قال أصوم دهرا أو حينا كفاه صوم يوم

فرع هل يجب تبييت النية في الصوم المنذور أم تكفي نيته
يبنى ذلك على أنه إذا التزم عبادة بالنذر وأطلقها فعلى أي شىء ينزل نذره فيه قولان مأخوذان من معاني كلام الشافعي رحمه الله
أحدهما ينزل على أقل واجب من جنسه يجب بأصل الشرع لأن المنذور واجب فجعل كواجب بالشرع ابتداء
والثاني ينزل على أقل ما يصح من جنسه
وقد يقال على أقل جائز الشرع لأن لفظ الناذر لا يقتضي التزام زيادة عليه
وهذا الثاني أصح عند الإمام والغزالي ولكن الأول أصح فقد صححه العراقيون والروياني وغيرهم
فإن قلنا بالقول الأول أوجبنا التبييت وإلا جوزناه بنية من النهار هذا إذا أطلق نذر الصوم
فأما إذا نذر صوم يوم أو أيام فصحته بنية النهار مع التنزيل على أقل ما يصح تنبني على أصل آخر وهو أن صوم التطوع إذا نواه نهارا هل يكون صائما من وقت النية أم من أول النهار وفيه خلاف سبق في بابه
والأصح الثاني
فإن قلنا به صح صوم الناذر بنية النهار وإلا وجب التبييت
وينبني على القولين في تنزيل النذر مسائل
منها لو نذر أن يصلي وأطلق إن قلنا بالقول الثاني فركعة وإلا فركعتان وهو المنصوص
ومنها جواز الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام فيه وجهان بناء عليهما
فلو نذر أن يصلي قاعدا جاز القعود قطعا كما لو صرح بنذر ركعة أجزأته قطعا
فإن صلى قائما فهو أفضل
ولو نذر أن يصلي قائما لزمه القيام قطعا
ولو نذر أن يصلي ركعتين فصلى أربعا بتسليمة واحدة بتشهد أو بتشهدين قطع صاحب التهذيب بجوازه
وفي التتمة فيه وجهان
ويمكن بناؤه على

الأصل السابق إن نزلنا على واجب الشرع لم يجزئه كما لو صلى الصبح أربعا وإلا أجزأه
وإن نذر أربع ركعات فإن نزلنا على واجب الشرع أمرناه بتشهدين
فإن ترك الأول سجد للسهو ولا يجوز أداؤها بتسليمتين
وان نزلنا على الجائز
تخير إن شاء بتشهدين
ويجوز بتسلمتين بل هو أفضل
قلت الأصح أنه يجوز بتسليمتين
والفرق بين هذه المسألة وباقي المسائل المخرجة على هذا الأصل عليه وقوع الصلاة مثنى وزيادة فضلها
والله أعلم
ولو نذر أن يصلي ركعتين على الأرض مستقبلا القبلة لم يجز فعلهما على الراحلة
ولو نذر فعلهما على الراحلة فله فعلهما على الأرض مستقبلا
وأن أطلق فعلى أيهما يحصل فيه خلاف مبني على هذا الأصل
وأما لو نذر أن يتصدق فإنه لا يحمل على خمسة دراهم أو نصف دينار بل يجزئه أن يتصدق بدانق ودونه مما يتمول لأن الصدقة الواجبة في الزكاة غير منحصرة في نصاب الذهب والفضة بل تكون في صدقة الفطر وفي الخلطة
ومنها إذا نذر إعتاق رقبة فإن نزلنا على واجب الشرع لزمه رقبة مؤمنة سليمة وإلا أجزأه كافرة معيبة
قال الداركي الأول أصح
قلت الأصح عند الأكثرين الثاني
منهم المحاملي وصاحبا التنبيه والمستظهري وهو الراجح في الدليل
والله أعلم
فلو قيد فقال لله علي إعتاق رقبة مؤمنة سليمة لم تجزه الكافرة ولا المعيبة قطعا
ولو قال كافرة أو معيبة أجزأته قطعا
ولو أعتق مسلمة أو سليمة فقيل لا تجزئه والصحيح أنها تجزئه لأنها أكمل وذكر الكفر والعيب ليس للتقرب بل لجواز الاقتصار على الناقص فصار كمن نذر التصدق بحنطة رديئة يجوز له التصدق بالجيدة
ولو قال علي أن أعتق هذا الكافر أو المعيب لم يجزئه غيره

لتعلق النذر بعينه
أما لو نذر أن يعتكف فليس جنس الاعتكاف واجبا بالشرع وقد سبق في بابه وجهان في أنه هل يشترط اللبث أم يكفي المرور في المسجد مع النية والأول أصح
فعلى هذا لابد من لبث ويخرج عن النذر بلبث ساعة ويستحب أن يمكث يوما
وإن اكتفينا بالمرور فللإمام فيه احتمالان
أحدهما يشترط لبث لأن لفظ الاعتكاف يشعر به
والثاني لا حملا له على حقيقته شرعا

فصل إذا لزمه صوم يوم النذر استحب المبادرة به ولا تجب المبادرة
بل يخرج عن نذره بأي يوم كان ما يقبل الصوم غير رمضان
ولو نذر صوم خميس ولم يعين صام أي خميس شاء
فإذا مضى خميس ولم يصمه استقر في ذمته حتى لو مات قبل الصوم فدي عنه
ولو عين في نذره يوما كأول خميس من الشهر أو خميس هذا الأسبوع تعين على المذهب وبه قطع الجمهور فلا يجوز الصوم قبله وإذا تأخر عنه صار قضاء فإن أخر بلا ذر أثم وإن أخر بعذر سفر أو مرض لم يأثم
وقال الصيدلاني وغيره فيه وجهان
والثاني منهما لا يتعين كما لو عين مكانا فعلى هذا يجوز الصوم قبله وبعده
ولو عين يوما من أسبوع والتبس عليه فينبغي أن يكون يوم الجمعة لأنه آخر الأسبوع فإن لم يكن هو المعين أجزأه وكان قضاء
ولو نذر صوم يوم مطلق من الأسبوع المعين صام منه أي يوم كان
فرع اليوم المعين بالنذر وإن عيناه لا يثبت له خواص رمضان من
بالفطر بالجماع فيه ووجوب الإمساك لو أفطر فيه وعدم قبول صوم آخر من

قضاء أو كفارة بل لو صامه عن قضاء أو كفارة صح بلا خلاف كذا قاله الإمام
وفي التهذيب وجه آخر أنه لا ينعقد كأيام رمضان

فرع الخلاف السابق في أن اليوم المعين بالنذر هل يتعين يجري مثله
في الصلاة اذا عين لها في نذرها وقتا وفي الحج إذا عين له سنة
وجزم صاحب التهذيب بالتعيين قال لو نذر صلاة في وقت معين غير أوقات النهي تعين فلا يجوز قبله ولا يجوز التأخير عنه وإذا لم يصل فيه وجب القضاء
ولو نذر أن يصلي ضحوة صلى في ضحوة أي يوم شاء فلو صلى في غير الضحوة لم يجزه
ولو عين ضحوة فلم يصل فيها قضى أي وقت كان من ضحوة وغيرها
ولو عين للصدقة وقتا قال الصيدلاني يجوز تقديمها على وقتها بلا خلاف
فرع لو نذر صوم أيام مثل أن قال لله تعالى علي
صوم عشرة أيام فالقول في أن المبادرة تستحب ولا تجب وفي أنه إذا عينها هل تتعين على ما ذكرناه في اليوم الواحد
ويجري الخلاف في تعين الشهر والسنة المعينين
وحيث لا نذكره نحن ولا الأصحاب نقتصر على الصحيح
ويجوز صومها متتابعة ومتفرقة لحصول الوفاء بالمسمى
وإن قيد النذر بالتتابع لزمه
فلو أخل به فحكمه حكم صوم الشهرين المتتابعين
ولو قيد بالتفريق فوجهان
أحدهما لا يجب التفريق وأقربهما أنه يجب وبه قطع ابن كج وصاحب التهذيب وغيرهما لأن التفريق معتبر في صوم التمتع
فعلى هذا قالوا لو صام عشرة متتابعة حسبت له خمسة ويلغى بعد كل يوم يوم

فرع لو نذر صوم شهر نظر إن عين كرجب أو شعبان أو
من الآن فالصوم يقع متتابعا لتعين أيام الشهر
وليس التتابع مستحقا في نفسه حتى لو أفطر يوما لا يلزمه الاستئناف
ولو فاته الجميع لا يلزمه التتابع في قضائه كرمضان فلو شرط التتابع فوجهان
أحدهما لا يلزمه لأن شرط التتابع مع تعيين الشهر لغو
وأصحهما وبه قطع العراقيون يجب حتى لو أفسد يوما لزمه الاستئناف
وإذا فات قضاه متتابعا
وإن أطلق وقال أصوم شهرا فله التفريق والتتابع
فإن فرق صام ثلاثين يوما
وإن تابع وابتدأ بعد مضي بعض الشهر الهلالي فكذلك وإن ابتدأ في أول الشهر وخرج ناقصا كفاه
فرع إذا نذر صوم سنة فله حالان

أحدهما أن يعين سنة متوالية كقوله أصوم سنة كذا أو أصوم سنة من أول شهر كذا أو من الغد فصيامها يقع متتابعا بحق الوقت ويصوم رمضان عن فرضه ويفطر العيدين وكذا أيام التشريق بناء على المذهب أنه يحرم صومها ولا يجب قضاؤها لأنها غير داخلة في النذر
وإذا أفطرت بحيض أو نفاس ففي وجوب القضاء قولان ويقال وجهان
أظهرهما لا يجب كالعيد وبه قال الجمهور وصححه أبو علي الطبري وابن القطان والروياني
ولو أفطر بالمرض ففيه هذا الخلاف
ورجح ابن كج وجوب القضاء لأنه لا يصح أن تنذر صوم أيام

الحيض ويصح أن تنذر صوم أيام المرض
ولو أفطر بالسفر وجب القضاء على المذهب وقيل على الخلاف وبه قال ابن كج
وإذا أفطر بعض الأيام بغير عذر أثم ولزمه القضاء بلا خلاف
وسواء أفطر بعذر أم بغيره لا يلزمه الاستئناف
وإذا فات صوم السنة لم يجب التتابع في قضائه كرمضان
هذا كله إذا لم يتعرض للتتابع
فإن شرط التتابع مع التعيين للسنة فعلى الوجهين السابقين في الشهر
فإن قلنا تجب رعايته فأفطر بغير عذر وجب الاستئناف
وإن أفطرت بالحيض لم يجب
والإفطار بالسفر والمرض له حكم الشهرين المتتابعين
فإن قلنا لا يبطل التتابع ففي القضاء الخلاف السابق
ولو قال لله علي صوم هذه السنة تناول السنة الشرعية وهي من المحرم إلى المحرم فإن كان مضى بعضها لم يلزمه إلا صوم الباقي
فإن كان رمضان باقيا لم يلزمه قضاؤه عن النذر ولا قضاء العيدين
وفي التشريق والحيض والمرض ما ذكرنا في جميع السنة
الحال الثاني نذر صوم سنة وأطلق نظر إن لم يشرط التتابع صام ثلاثمائة وستين يوما أو اثني عشر شهرا بالهلال وكل شهر استوعبه بالصوم فناقصه كالكامل
وإن انكسر شهر أتمه ثلاثين
وشوال وذو الحجة منكسران بسبب العيد والتشريق ولا يلزم التتابع
فإن صام سنة متوالية قضى رمضان والعيدين والتشريق
ولا بأس بصوم يوم الشك عن النذر وتقضي أيام الحيض هذا الذي ذكرناه هو المذهب
وحكي وجه أنه لا يخرج عن نذره إلا بثلاثمائة وستين يوما
ووجه أنه إذا صام من المحرم إلى المحرم أو من شهر آخر إلى مثله أجزاه لأنه يقال صام سنة ولا يلزمه قضاء رمضان والعيدين والتشريق
أما إذا شرط التتابع فقال لله على أن أصوم سنة متتابعا فيلزمه التتابع ويصوم رمضان عن فرضه ويفطر العيدين والتشريق
وهل يلزمه قضاؤها للنذر فيه طريقان
المذهب وهو المنصوص وبه قطع الجمهور أنه يلزمه القضاء

على الاتصال بآخر المحسوب من السنة
والثاني في وجوبه وجهان
أحدهما لا يلزمه كالسنة المعينة ثم يحسب بالشهر الهلالي وإن كان ناقصا
وإذا أفطر بلا عذر وجب الاستئناف
وإن أفطرت بالحيض لم يجب الاستئناف
وفي السفر والمرض ما ذكرنا في الشهرين المتتابعين
ثم في قضاء أيام الحيض والمرض الخلاف المذكور في الحال الأول
وإذا نذر صوم شهر بعينه فقضاء ما يفطره لمرض أو حيض على ما سبق في السنة
وكذا لو نذرت صوم يوم معين فحاضت ففي وجوب القضاء القولان
ولو نذرت صوم يوم غير معين فشرعت في صوم فحاضت لزمها القضاء

فرع لو نذر صوم ثلاثمائة وستين يوما لزمه صوم هذا العدد ولا
التتابع
ولو قال متتابعة وجب التتابع ويقضي لرمضان والعيدين والتشريق على الاتصال
وحكي وجه أن التتابع يلغو هنا وهو شاذ
فصل من شرع في صوم تطوع فنذر إتمامه لزمه إتمامه على الصحيح
الخلاف فيمن نذر أن يتم صوم كل يوم نوى فيه صوم النفل
وإذا أصبح ممسكا ولم ينو فهو متمكن من صوم التطوع
فلو نذر أن يصوم فقد أطلقوا في لزوم الوفاء قولين بناء على أن النذر ينزل على واجب الشرع أم على ما يصح قال الإمام والذي أراه اللزوم قال وقال الأصحاب لو قال علي أن أصلي ركعة واحدة لم يلزمه إلا ركعة
ولو قال علي أن

أصلي كذا قاعدا لزمه القيام عند القدرة إذا حملنا المنذور على واجب الشرع وإنهم تكلفوا فرقا بينهما قال ولا فرق فيجب تنزيلهما على الخلاف

فرع لو نذر صوم بعض يوم لم ينعقد نذره على الأصح
وعلى الثاني ينعقد وعليه صوم يوم كامل
وذكر في التتمة تفريعا على الانعقاد أنه لو أمسك بقية نهاره عن النذر أجزأه إن لم يكن أكل شيئا في أوله
فإن أكل لا يجزئه على الصحيح
وقد سبق في كتاب الصوم وجه أنه إذا نوى التطوع بعد الأكل أجزأه
فعلى ذلك الوجه يجزئه هذا عن نذره
ولو نذر أن يصلي بعض ركعة ففي انعقاده وجهان كالصوم
ووجه الانعقاد أنه قد يؤمر بفعل ما دون ركعة ويثاب عليه وهو ما إذا أدرك الإمام بعد الركوع حتى يدرك به فضيلة الجماعة في الركعة الأخيرة
قال في التتمة فعلى هذا يلزمه ركعة كاملة إن أراد أن يأتي بالمنذور منفردا
وإن اقتدى بإمام بعد الركوع في الركعة الأخيرة خرج عن نذره لأنه أتى بما التزمه وهو قربة في نفسه
وقطع غيره بأنه يلزمه ركعة مطلقا
ولو نذر ركوعا لزمه ركعة باتفاق المفرعين
ولو نذر تشهدا ففي التتمة أنه يأتي بركعة يتشهد في آخرها أو يقتدي بمن قعد للتشهد في آخر صلاته أو يكبر ويسجد سجدة ويتشهد على طريقة من يقول سجود التلاوة يقتضي التشهد فيخرج به عن نذره
ولو نذر سجدة فردة فطريقان
في التتمة أن السجدة قربة بدليل سجدتي التلاوة والشكر
فيكون في انعقاد نذره الوجهان في نذر عيادة المريض وتشميت العاطس
فإن قلنا لا ينعقد فالحكم كما في الركوع والطريق الثاني لا ينعقد نذر

السجدة قطعا وهو الأصح وبه قطع الشيخ أبو محمد بناء على الأصح أنها ليست قربة بلا سبب

فرع لو نذر أن يحج هذه السنة

وهو على مائة فرسخ ولم يبق إلا يوم واحد فالمذهب أنه لا ينعقد نذره ولا شىء عليه
وقيل في لزوم كفارة بذلك خلاف سبق نظائره
وقيل ينعقد نذره ويقضي في سنة أخرى
فرع لو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان ففي انعقاد
أظهرهما عند الأكثرين انعقاده
فعلى هذا إن قدم ليلا فلا صوم على الناذر إذ لم يوجد يوم قدومه
ولو عنى باليوم الوقت فالليل غير قابل للصوم ويستحب أن يصوم الغد أو يوما آخر
وإن قدم نهارا فللناذر أحوال
أحدها أن يكون مفطرا فيلزمه أن يصوم عن نذره يوما
وهل نقول لزمه بالنذر الصوم من أول اليوم أم من وقت القدوم وجهان
ويقال قولان
أصحهما الأول وبه قال ابن الحداد
وتظهر فائدة الخلاف في صور
منها لو نذر اعتكاف اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم نصف النهار
إن قلنا بالأول اعتكف باقي اليوم وقضى ما مضى
قال الصيدلاني وله أن يعتكف يوما مكانه
والظاهر أنه يتعين
وإن قلنا بالثاني اعتكف باقي اليوم وليس عليه شىء آخر

ومنها إذا قال لعبده أنت حر اليوم الذي يقدم فيه فلان فباعه ضحوة ثم قدم فلان في بقية يومه فإن قلنا بالأول بان بطلان البيع وحرية العبد وبه قال ابن الحداد وإن قلنا بالثاني فالبيع صحيح ولا حرية
هذا إذا كان قدوم فلان بعد تفرقهما عن المجلس ولزوم العقد
أما لو قدم قبل انقضاء الخيار فيحصل العتق على الوجهين لأنه إذا وجدت الصفة المعلق عليها والخيار ثابت حصل العتق
ولو مات السيد ضحوة ثم قدم فلان لم يورث عنه على الوجه الأول ويورث على الثاني
ولو أعتقه عن كفارته ثم قدم لم يجزه على الأول ويجزئه على الثاني
ومنها لو قال لزوجته أنت طالق يوم يقدم فلان فماتت أو مات الزوج في بعض الأيام ثم قدم فلان في بقية ذلك اليوم فإن قلنا بالأول بان أن الموت بعد الطلاق فلا توارث بينهما إن كان الطلاق بائنا وإن قلنا بالثاني لم يقع الطلاق
ولو خالعها في صدر النهار ثم قدم فلان في آخره فعلى الأول يتبين بطلان الخلع إن كان الطلاق بائنا وعلى الثاني يصح الخلع ولا يقع الطلاق المعلق
الحال الثاني أن يقدم فلان والناذر صائم عن واجب من قضاء أو نذر فيتم ما هو فيه ويصوم لهذا النذر يوما آخر
واستحب الشافعي رحمه الله أن يعيد الصوم الواجب الذي هو فيه لأنه بان أنه صام يوما مستحق الصوم لكونه يوم قدوم فلان
قال في التهذيب في هذا دليل على أنه إذا نذر صوم يوم بعينه ثم صامه عن نذر آخر أو قضاء ينعقد ويقضي نذر هذا اليوم
الحال الثالث أنه يقدم وهو صائم تطوعا أو غير صائم لكنه ممسك قال في التهذيب ويكون ذلك قبل الزوال فيبنى على أنه يلزمه الصوم من أول النهار أم من وقت القدوم إن قلنا بالأول لزمه صوم يوم آخر ويستحب أن يمسك بقية النهار وإن قلنا بالثاني ففي التتمة أنه يبنى على

جواز نذر صوم بعض يوم
إن جوزناه نوى إذا قدم وكفاه ذلك ويستحب أن يعيد يوما كاملا للخروج من الخلاف
وإن لم نجوزه فلا شىء عليه ويستحب أن يقضي
وقال في التهذيب إن قلنا يلزم الصوم من وقت القدوم فهنا وجهان
أصحهما يلزمه صوم يوم آخر
والثاني يلزمه إتمام ما هو فيه ويكون أوله تطوعا وآخره فرضا
كمن دخل في صوم تطوع ثم نذر إتمامه يلزمه الإتمام
هذا إذا كان صائما عن تطوع وإن لم يكن صائما نوى ويصوم بقية النهار إن كان قبل الزوال
أما إذا تبين للناذر أن فلانا يقدم غدا فنوى الصوم من الليل ففي إجزائه عن نذره وجهان
أصحهما يجزئه وبه قطع الأكثرون لأنه بنى النية على أصل مظنون
وخص صاحب التتمة الوجهين بما إذا قلنا يلزم الصوم من أول اليوم قال فإن قلنا باللزوم من وقت القدوم لم يجزه
الحال الرابع أن يقدم فلان يوم العيد أو في رمضان فهو كما لو قدم ليلا

فصل إذا نذر صوم يوم الاثنين أبدا لزمه الوفاء تفريعا على الصحيح
أن الوقت المعين للصوم يتعين
ولو نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم يوم الاثنين ففي انعقاد نذر ذلك اليوم الخلاف السابق وسائر الأثانين تلزمه كما لو نذر صوم الأثانين
ولا يجب قضاء الأثانين الواقعة في رمضان لكن لو وقع فيه خمسة أثانين ففي قضاء الخامس قولان وكذا لو وقع يوم عيد في يوم الاثنين أظهرهما لا قضاء كالأثانين في رمضان وأيام التشريق كالعيد بناء على المذهب أنها لا تقبل الصوم
ولو صدر هذا النذر من امرأة

وأفطرت في بعض الأثانين بحيض أو نفاس فالمذهب أن القضاء على القولين كالعيد وبه قطع الأكثرون
وقيل يجب قطعا لأن واجبه شرعا يقضى فكذا بالنذر
ثم الطريقان فيما إذا لم يكن لها عادة غالبة فإن كانت فعدم القضاء فيما يقع في عادتها أظهر وقطع به بعضهم
وقيل خلافه لأن العادة قد تختلف
ولو أفطر الناذر بعض الأثانين بالمرض فالمذهب وجوب القضاء وبه قطع قاطعون وقيل هو على الخلاف فيمن نذر سنة بعينها
ولو لزمه صوم شهرين متتابعين عن كفارة قدم صوم الكفارة على الأثانين سواء تقدم وجوب الكفارة أو تأخر لأنه يمكن قضاء الأثانين
ولو عكس لم يتمكن من الكفارة لفوات التتابع
ثم إن لزمت الكفارة بعد نذر الأثانين قضى الأثانين الواقعة في الشهرين لأنه أدخل على نفسه صوم الشهرين بعد النذر وإن لزمت الكفارة قبله فوجهان
وقيل قولان
أصحهما عند صاحب التهذيب وطائفة من العراقيين يجب القضاء ويحكى عن رواية الربيع
والثاني لا وهو الأصح عند القاضيين أبي الطيب وابن كج وإمام الحرمين والغزالي
قلت الثاني أصح
والله أعلم
ولو نذر أن يصوم شهرا متتابعا أو شهرين أو أسبوعا ثم نذر الأثانين فإن لم يعين الشهر أو الشهرين فهو كما لو لزمته الكفارة ثم نذر الأثانين
وإن عين ففي التتمة أنه يبنى على أنه إذا عين وقتا للصوم هل يجوز أن يصوم فيه ن قضاء أو نذر آخر وقد سبق فيه الخلاف
فإن جوزناه فهو كما لو لم يعين
وإن لم نجوزه فحكم ذلك الشهر حكم رمضان وبهذا قطع صاحب التهذيب
وقال أيضا إذا صادف نذران زمانا معينا فيحتمل أن يقال لا ينعقد النذر الثان وطرد هذا الاحتمال فيما إذا قال إن قدم زيد فلله علي أن أصوم اليوم التالي لقدومه وإن قدم عمرو فلله علي أن أصوم

أول خميس بعد قدومه فقدما معا يوم الأربعاء
ونقل أنه يصوم عن أول نذر نذره ويقضي يوما للنذر الثاني
وفي تعليق الشيخ أبي حامد وغيره أنه لو نذر أن يصوم أول خميس بعد شفاء مريضه ونذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فشفي المريض وأصبح الناذر في أول الخميس صائما فقدم فيه فلان يقع صوما عما نواه والنذر للآخر
فإن قلنا لا ينعقد فلا شىء عليه
وإن قلنا ينعقد قضى عنه يوما آخر

فصل إذا نذر صوم الدهر انعقد نذره ويستثنى عنه أيام العيد وأيام
التشريق وقضاء رمضان
وكذا لو كان عليه كفارة حال النذر
فلو لزمه كفارة بعد النذر فالمذهب أنه يصوم عنها ويفدي عن النذر
وقال في التتمة يبنى على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع أم جائزة إن قلنا بالأول لم يصم عن الكفارة ويصير كالعاجز عن جميع الخصال وإن قلنا بالثاني صام عن الكفارة
ثم إن لزمت بسبب هو فيه مختار لزمه الفدية وإلا فلا
ولو أفطر في رمضان بعذر أو غيره لزمه القضاء ويقدمه على النذر كما يقدم الأداء
ثم أن أفطر بعذر فلا فدية
وإن تعدى لزمته
ولو أفطر يوما فلا سبيل إلى قضائه لاستغراق العمر
ثم إن كان بعذر مرض أو سفر فلا فدية
وإن تعدى لزمته
قال الإمام ولو نوى في بعض الأيام قضاء يوم أفطره متعديا فالوجه أنه يصح وإن كان الواجب غير ما فعل ثم يلزمه المد لما ترك من الأداء في ذلك اليوم
وينبغي أن يكون في صحته الخلاف السابق في أن الزمن المعين لصوم النذر هل يصح فيه غيره لأن أيام عمره متعينة للنذر قال الإمام وهل يجوز أن يصوم عن المفطر المتعدي وليه في حياته

تفريعا على أنه يصوم عن الميت وليه الظاهر جوازه لتعذر القضاء منه
وفيه احتمال من جهة أنه قد يطرأ عذر يجوز ترك الصوم له ويتصور تكلف القضاء منه وقد يستفاد مما ذكره الإمام أنه إذا سافر قضى ما أفطر فيه متعديا وينساق النظر إلى أنه هل يلزمه أن يسافر ليقضي فصل لو نذر صوم يوم العيد لم ينعقد كما لو نذرت صوم يوم الحيض
ولو نذر صوم أيام التشريق لم ينعقد على المذهب
وإذا جوزنا على وجه صومها لغير المتمتع ففي انعقادها وجهان كنذر الصلاة في وقت الكراهة
والأصح أنه لا ينعقد نذر صوم يوم الشك ولا الصلاة في الأوقات المكروهة
النوع الثاني من الملتزمات الحج والعمرة
الحج والعمرة يلزمان بالنذر فإذا نذرهما ماشيا فهل يلزمه المشي أم له الركوب فيه قولان
أظهرهما الأول وهما مبنيان على أن الحج ماشيا أفضل أم راكبا فيه ثلاثة أقوال
أظهرها المشي أفضل
والثاني الركوب أفضل
والثالث هما سواء
وقال ابن سريج هما سواء ما لم يحرم
فإذا أحرم فالمشي أفضل
قال الغزالي في الإحياء من سهل عليه المشي فهو أفضل في حقه ومن ضعف وساء خلقه لو مشى فالركوب أفضل
قلت الصواب أن الركوب أفضل وإن كان الأظهر لزوم المشي بالنذر لأنه مقصود
والله أعلم
فإن قلنا المشي أفضل لزمه بالنذر وإن قلنا الركوب أو سوينا لم يلزمه المشي بالنذر

ويتفرع على لزوم المشي مسائل
إحداها لو صرح بابتداء المشي من دويرة أهله إلى الفراغ هل يلزمه المشي قبل الإحرام وجهان
أصحهما نعم فلو أطلق الحج ماشيا فإن قلنا لا يلزمه المشي من دويرة أهله مع التصريح به فهنا أولى وإلا فوجهان
أصحهما يلزمه من وقت الإحرام سواء أحرم من الميقات أو قبله وبهذا قطع جماعة
وبنى صاحب التتمة الوجهين على أنه من أين يلزمه الإحرام فعن أبي إسحاق من دويرة أهله
وعن غيره من الميقات
فعلى الأول يمشي من دويرة أهله
وعلى الثاني من الميقات
ولو قال أمشي حاجا فالصحيح أنه كقوله أحج ماشيا
ومقتضى كل واحد منهما اقتران الحج والمشي
وفيه ( وجه ) أن قوله أمشي حاجا يقتضي أن يمشي من مخرجه إلى الحج
الثانية في نهاية المشي طريقان
المذهب أنه يلزمه المشي حتى يتحلل التحللين وبهذا قطع الجمهور وهو المنصوص وله الركوب بعد التحللين وإن بقي عليه الرمي أيام منى
والطريق الثاني فيه وجهان حكاهما الإمام
أحدهما هذا
والثاني له الركوب بعد التحلل الأول
وأما العمرة فليس لها إلا بحلل واحد فيمشي حتى يفرغ منها
والقياس أنه إذا كان يتردد في خلال أعمال النسك لغرض تجارة وغيرها فله أن يركب ولم يذكروه
الثالثة لو فاته الحج لزمه القضاء ماشيا
وإذا تحلل في سنة الفوات بأعمال عمرة هل يلزمه المشي في تلك الأعمال قولان أظهرهما عند الأكثرين لا يلزمه لأنه خرج بالفوات عن أن يجزئه عن نذره
ولو فسد الحج بعد الشروع فيه فهل يجب المشي في المضي في فاسده فيه القولان
الرابعة لو ترك المشي بعذر بأن عجز فحج راكبا وقع حجه عن النذر
وهل عليه جبر المشي الفائت بإراقة الدم قولان
أحدهما لا

- أ - كما لو نذر الصلاة قائما فعجز صلى قاعدا ولا شىء عليه
وأظهرهما اعم
فعلى هذا يلزمه شاة على المشهور
وفي قول بدنة وإن ترك المشي مع القدرة فحج راكبا فقد أساء
وفيه قولان القديم
لا تبرأ ذمته من حجه بل عليه القضاء لأنه لم يأت به على صفته الملتزمة
والأظهر أنه تبرأ ذمته
فعلى هذا هل يلزمه الدم قولان أو وجهان
أظهرهما نعم
وهل هو شاة أم بدنة فيه الخلاف السابق

فرع من نذر حجا استحب أن يبادر إليه في أول سني الإمكان

فإن مات قبل الإمكان فلا شىء عليه كحجة الإسلام
وإن مات بعده أحج عنه من ماله وإن عين في نذره سنة تعينت على الصحيح كالصوم فلو حج قبلها لم يجزئه
ولو قال أحج في عامي هذا وهو على مسافة يمكن الحج منها في ذلك العام لزمه الوفاء تفريعا على الصحيح
فإن لم يفعل مع الإمكان صار دينا في ذمته يقضيه بنفسه
فإن مات ولم يقض أحج عنه من ماله
وإن لم يمكنه قال في التتمة إن كان مريضا وقت خروج الناس ولم يتمكن من الخروج معهم أو لم يجد رفقة وكان الطريق مخوفا لا يتأتى للآحاد سلوكه فلا قضاء عليه لأن المنذور حج في تلك السنة ولم يقدر عليه وكما لا تستقر حجة الإسلام والحالة هذه
ولو صده عدو أو سلطان بعد ما أحرم حتى مضى العام قال الإمام إذا امتنع عليه الإحرام للعدو فالمنصوص أنه لا قضاء
وخرج ابن سريج قولا أنه يجب وبه قال المزني
كما لو قال أصوم غدا فأغمي عليه حتى مضى الغد يجب القضاء
والمذهب الأول
ولو منعه عدو أو سلطان وحده أو منعه رب الدين وهو لا يقدر على وفائه لم يلزمه القضاء

- ب - على الأظهر ولو منعه المرض بعد الإحرام فالمذهب وجوب القضاء وبه قطع الجمهور ولا ينزل منزلة الصد لأنه يتحلل بالصد ولا يتحلل بالمرض
وحكى الإمام عن الأصحاب تخريجه على الخلاف في الصد وكذلك حكى الخلاف فيما إذا امتنع الحج في ذلك العام بعد الاستطاعة
وإذا رأيت كتب الأصحاب وجدتها متفقة على أن الحجة المنذورة في ذلك كحجة الإسلام إن اجتمعت في العام الذي عينه شرائط فرض الحج وجب الوفاء واستقر في الذمة وإلا فلا
والنسيان وخطأ الطريق والضلال فيه كالمرض
ولو كان الناذر معضوبا وقت النذر أو طرأ العضب ولم يجد المال حتى مضت السنة المعينة فلا قضاء عليه
ولو نذر صلاة أو صوما أو اعتكافا في وقت معين فمنعه عما نذر عدو أو سلطان لزمه القضاء بخلاف الحج لأن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع وقد يجب الصوم والصلاة مع العجز فلزما بالنذر
والحج لا يجب إلا بالاستطاعة

فرع إذا نذر حجات كثيرة انعقد نذره ويأتي بهن على توالي السنين
بشرط الإمكان
فإن أخر استقر في ذمته ما أخره
فإذا نذر عشر حجات ومات بعد خمس سنين أمكنه الحج فيهن قضي من ماله خمس حجات
ولو نذرها المعضوب ومات بعد سنة وكان يمكنه أن يحج عن نفسه الحجج العشر في تلك السنة قضيت من ماله
وإن لم يف ماله إلا بحجتين أو ثلاث لم يستقر إلا المقدور عليه

- ج -

فرع من نذر الحج لزمه أن يحج بنفسه إلا أن يكون
نفسه
فرع لو نذر الحج راكبا فإن قلنا المشي أفضل أو سوينا بينهما
شاء مشى وإن شاء ركب
وإن قلنا الركوب أفضل لزمه الوفاء
فإن مشى فعليه دم
وقال صاحب التهذيب عندي أنه لا دم لأنه عدل إلى أشق الأمرين
ولو نذر أن يحج حافيا فله لبس النعلين ولا شىء عليه
فرع يخرج الناذر عن حج النذر بالإفراد وبالتمتع وبالقران

وإذا نذر القران فقد التزم النسكين
فإن أتى بهما مفردين فقد أتى بالأفضل وخرج عن نذره
وإن تمتع فكذلك وإن نذر الحج والعمرة مفردين فقرن أو تمتع وقلنا بالمذهب إن الإفراد أفضل فهو كما لو نذر الحج ماشيا وقلنا المشي أفضل فحج راكبا

فرع من نذر أن يحج وعليه حجة الإسلام لزمه للنذر حجة
نذر أن يصلي وعليه صلاة الظهر يلزمه صلاة أخرى
النوع الثالث إتيان المساجد
فإذا قال لله علي أن أمشي إلى بيت الله الحرام أو آتيه أو أمشي إلى البيت الحرام لزمه إتيانه على المذهب
وقيل في لزومه قولان
ولو قال أمشي إلى بيت الله أو آتيه ولم يقل الحرام فوجهان أو قولان
أحدهما يحمل على البيت الحرام
وأصحهما لا ينعقد نذره إلا أن ينوي البيت الحرام
ولو قال أمشي إلى الحرام أو المسجد الحرام أو إلى مكة أو ذكر بقعة أخرى من بقاع الحرم كالصفا والمروة ومسجد الخيف ومنى ومزدلفة ومقام إبرهيم وقبة زمزم وغيرها فهو كما لو قال إلى بيت الله الحرام
حتى لو قال آتي دار أبي جهل أو دار الخيزران كان الحكم كذلك لشمول حرمة الحرم في تنفير الصيد وغيره
ولو نذر أن يأتي عرفات فإن أراد التزام الحج وعبر عنه بشهود عرفة أو نوى أن يأتيها محرما انعقد نذره بالحج
فإن لم ينو ذلك لم ينعقد نذره لأن عرفات من الحل فهو كبلد آخر
وعن ابن أبي هريرة أنه إن نذر إتيان عرفات يوم عرفات لزمه أن يأتيها حاجا
وقيد في التتمة هذا الوجه بما إذا قال ذلك يوم عرفة بعد الزوال
وعن القاضي حسين الاكتفاء بأن يحصل له شهودها يوم عرفة وربما قال بهذا الجواب على الإطلاق
والصحيح ما قدمناه
ولو قال آتي مر الظهران أو بقعة أخرى قريبا من الحرم لم يلزمه شىء قطعا وسواء في لزوم الإتيان لفظ المشي والاتيان والانتقال والذهاب والمضي والمصير والمسير ونحوها
ولو نذر أن يمس بثوبه حطيم الكعبة فهو كما لو نوى إتيانها

ولو نذر أن يأتي مسجد المدينة أو المسجد الأقصى ففي لزوم إتيانهما قولان
قال في البويطي يلزم وقال في الأم لا يلزم ويلغو النذر
وهذا هو الأظهر عند العراقيين والروياني وغيرهم
التفريع إن قلنا بالمذهب إنه يلزم إتيان المسجد الحرام بالتزامه قال الصيدلاني وغيره إن حملنا النذر على الواجب شرعا لزمه حج أو عمرة وهذا نص الشافعي رحمه الله في المسألة وهو المذهب
وإن قلنا لا يحمل على الواجب بني على أصل آخر وهو أن دخول مكة هل يقتضي الإحرام بحج أو عمرة أم لا إن قلنا نعم فإذا أتاه لزمه حج أو عمرة
وإن قلنا لا فهو كمسجد المدينة والأقصى ففيه القولان في أنه هل يلزم إتيانه وإذا لزم فتفريعه كتفريع المسجدين
أما إذا أوجبنا إتيان مسجد المدينة والأقصى فهل يلزمه مع الإتيان شىء آخر وجهان
أحدهما لا إذ لم يلتزمه
وأصحهما نعم إذ الإتيان المجرد ليس بقربة
فعلى هذا فيما يلزمه أوجه
أحدها يتعين أن يصلي في المسجد الذي أتاه
قال الإمام الذي أراه أنه لا يلزمه ركعتان بل يكفيه ركعة قولا واحدا
وذكر ابن الصباغ والأكثرون أنه يصلي ركعتين
قال ابن القطان وهل يكفي أن يصلي فريضة أم لا بد من صلاة زائدة وجهان بناء على وجهين فيمن نذر أن يعتكف شهرا بصوم فهل يكفيه أن يعتكف في رمضان والوجه الثاني يتعين أنه يعتكف فيه ولو ساعة لأن الاعتكاف أخص القربات بالمسجد
والثالث وهو الأصح يتخير بينهما وبه قطع في التهذيب
وقال الشيخ أبو علي يكفي في مسجد المدينة أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم
وتوقف فيه الإمام من جهة أن الزيارة لا تتعلق بالمسجد وتعظيمه
قال وقياسه أنه لو تصدق في المسجد أو صام يوما كفاه
والظاهر الاكتفاء بالزيارة
وإذا نزلنا المسجد الحرام منزلة المسجدين وأوجبنا ضم قربة إلى الإتيان ففي تلك القربة أوجه
أحدها الصلاة
والثاني الحج أو العمرة والثالث

يتخير
قال الإمام ولو قيل يكفي الطواف لم يبعد
ثم مهما قال أمشي إلى بيت الله الحرام لم يكن له الركوب على الأصح بل يلزمه المشي كما سبق فيما إذا قال أحج ماشيا
والوجه الآخر يمشي من الميقات
وذكر القاضي أبو الطيب وكثير من العراقيين أنه لا خلاف بين الأصحاب أنه يمشي من دويرة أهله
لكن يحرم من دويرة أهله أم من الميقات وجهان
قال أبو إسحق من دويرة أهله
وقال صاحب الإفصاح من الميقات وهو الأصح
ولو قال أمشي إلى مسجد المدينة أو الأقصى وأوجبنا الإتيان ففي وجوب المشي وجهان
أصحهما الوجوب
ولو كان لفظ الناذر الإتيان أو الذهاب أو غيرهما مما سوى المشي فله الركوب بلا خلاف
وأما إذا نذر إتيان مسجد آخر سوى الثلاثة فلا ينعقد نذره إذ ليس في قصدها قربة وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد


الحديث
قال الإمام كان شيخي يفتي بالمنع من شد الرحال إلى غير هذه المساجد الثلاثة وربما كان يقول يحرم
قال والظاهر أنه ليس فيه تحريم ولا كراهة وبه قال الشيخ أبو علي
ومقصود الحديث تخصيص القربة بقصد المساجد الثلاثة
واعلم أنه سبق في الاعتكاف أن من عين بنذره مسجد المدينة أو الأقصى للاعتكاف تعين على الأظهر
والفرق أن الاعتكاف عبادة في نفسه وهو مخصوص بالمسجد فإذا كان للمسجد فضل فكأنه التزم فضيلة في العبادة الملتزمة والإتيان بخلافه ويوضحه أنه لا خلاف في أنه لو نذر إتيان سائر المساجد لم يلزمه وفي مثله في الاعتكاف خلاف

فرع إذا نذر الصلاة في موضع معين لزمه الصلاة لا محالة
المسجد الحرام تعين للصلاة الملتزمة
وإن عين مسجد المدينة أو الأقصى فطريقان
قال الأكثرون في تعيينه القولان في لزوم الإتيان
وقطع المراوزة بالتعين والتعيين هنا أرجح كالاعتكاف وإن عين سائر المساجد والمواضع لم يتعين
وإذا عين مسجد المدينة أو الأقصى للصلاة وقلنا بالتعيين فصلى في المسجد الحرام خرج عن نذره على الأصح بخلاف العكس
وهل تقوم الصلاة في أحدهما مقام الصلاة في الآخر وجهان
قلت فيه وجه ثالث أنه يقوم مسجد المدينة مقام الأقصى دون عكسه
وهذا هو الأصح ونص عليه في البويطي
والله أعلم
وذكر الإمام أنه لو قال أصلي في مسجد المدينة فصلى في غيره ألف صلاة لم يخرج عن نذره كما لو نذر ألف صلاة لا يخرج عن نذره بصلاة واحدة في مسجد المدينة وإن شيخه كان يقول لو نذر صلاة في الكعبة فصلى في أطراف المسجد خرج عن نذره
فرع قد سبق أن المذهب في نذر المشي إلى بيت الله الحرام
قصده بالحج أو العمرة
فلو قال في نذره أمشي إلى بيت الله الحرام بلا حج ولا عمرة فوجهان
أحدهما ينعقد نذره ويلغو قوله بلا حج ولا عمرة
الثاني لا ينعقد

ثم إذا أتاه فإن أوجبنا إحراما لدخول مكة لزمه حج أو عمرة
وإن قلنا لا فعلى ما ذكرنا في مسجد المدينة والأقصى
قلت أصحهما ينعقد
والله أعلم

فرع لو قال أصلي الفرائض في المسجد

قال في الوسيط يلزمه إذا قلنا صفات الفرائض تفرد بالالتزام
فرع قال القاضي ابن كج إذا نذر أن يزور قبر النبي صلى
وسلم فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا
ولو نذر أن يزور قبر غيره فوجهان
فرع قال في التتمة لو قال أمشي ونوى بقلبه حاجا أو معتمرا
النذر إلى ما نوى وإن نوى إلى بيت الله الحرام جعل ما نواه كأنه تلفظ به
النوع الرابع الهدايا والضحايا
إذا نذر ذبح حيوان ولم يتعرض لهدي ولا أضحية بأن قال لله علي أن أذبح هذه البقرة أو أنحر هذه البدنة فإن قال مع ذلك وأتصدق بلحمها أو نواه لزمه الذبح والتصدق
وإن لم يقله ولا نواه فوجهان
أحدهما ينعقد نذره ويلزمه الذبح والتصدق
وأصحهما لا ينعقد
ولو نذر أن يهدي بدنة أو شاة إلى مكة أو أن يتقرب بسوقها إليها

ويذبحها ويفرق لحمها على فقرائها لزمه الوفاء ولو لم يتعرض للذبح وتفرقة اللحم لزمه الذبح بها أيضا
وفي تفرقة اللحم بها وجهان
أحدهما لا تجب تفرقته بها إلا أن ينوي بل له أن يفرق في موضع آخر
وأصحهما الوجوب
ولو نذر أن يذبح خارج الحرم ويفرق اللحم في الحرم على أهله
قال في التتمة الذبح خارج الحرم لا قربة فيه فيذبح حيث شاء ويلزمه تفرقة اللحم وكأنه نذر أن يهدي إلى مكة لحما
ولو نذر أن يذبح بمكة ويفرق اللحم على فقراء بلد آخر وفى بما التزم
ولو قال لله علي أن أنحر أو أذبح بمكة ولم يتعرض للفظ القربة والتضحية ولا التصدق باللحم ففي انعقاد نذره وجهان
أصحهما الانعقاد وبه قطع الجمهور
وعلى هذا في وجوب التصدق باللحم على فقرائها الوجهان السجبقان
ولو نذر الذبح بأفضل بلد كان كنذر الذبح بمكة فإنها أفضل البلاد
ولو نذر الذبح أو النحر ببلدة أخرى ولم يقل مع ذلك وأتصدق على فقرائها ولا نواه فوجهان أو قولان
أصحهما وهو نصه الأم لا ينعقد
والثاني ينعقد
فإن قلنا ينعقد لو تلفظ مع ذلك بالتصدق أو نواه فهل يتعين التصدق باللحم على فقرائها أم يجوز نقله إلى غيرهم فيه طريقان
المذهب أنهم يتعينون
وقيل فيه خلاف مأخوذ من نقل الصدقة
فإن قلنا لا يتعينون لم يجب الذبح بتلك البلدة بخلاف مكة فإنها محل ذبح الهدايا
وإن قلنا يتعينون فوجهان
أحدهما لا يحب الذبح بها بل لو ذبح خارجها ونقل اللحم إليها طريا جاز وبهذا قطع صاحب التهذيب وجماعة
والثاني تتعين إراقة الدم بها كمكة وبهذا قطع العراقيون وحكوه عن نصه في الأم
ولو قال أضحي ببلد كذا وأفرق اللحم على أهلها انعقد نذره ويغني ذكر التصدق ونيته
وجعل الإمام وجوب التفرقة على أهلها وجوب الذبح بها على الخلاف السابق
قال ولو اقتصر على قوله أضحي بها فهل يتضمن ذلك تخصيص التفرقة بهم وجهان
الصحيح الذي جرى عليه الأئمة أنه تجب

التفرقة والذبح بها
وفي فتاوى القفال أنه لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بعشرة على فلان فشفاه الله تعالى لزمه التصدق عليه
فإن لم يقبل لم يلزمه شىء
وهل لفلان مطالبته بالتصدق بعد الشفاء يحتمل أن يقال نعم كما لو نذر إعتاق عبد معين إن شفي فشفي له المطالبة بالاعتاق وكما لو وجبت الزكاة والمستحقون في البلد محصورون لهم المطالبة

فصل إذا قال لله علي أن أضحي ببدنة أو أهدي بدنة
قال الإمام البدنة في اللغة الإبل ثم الشرع قد يقيم مقامها بقرة أو سبعا من الغنم
وقال الشيخ أبو حامد وجماعة اسم البدنة يقع على الإبل والبقر والغنم جميعا
ثم له حالان
أحدهما أن يطلق التزام البدنة فله إخراجها من الإبل
وهل له العدول إلى بقرة أو سبع من الغنم فيه ثلاثة أوجه
أحدها لا
والثاني نعم
والصحيح المنصوص أنه إن وجدت الإبل لم يجز العدول وإلا جاز
الحال الثاني أن يقيد فيقول علي أن أضحي ببدنة من الإبل أو ينويها فلا يجزئه غير الإبل إذا وجدت بلا خلاف فإن عدمت فوجهان
أحدهما يصبر إلى أن يجدها ولا يجزئه غيرها
والصحيح المنصوص أن البقرة تجزئه بالقيمة
فإن كانت قيمة البقرة دون قيمة البدنة من الإبل فعليه إخراج الفاضل
وفي وجه لا تعتبر القيمة كما في حالة الإطلاق
والصحيح الأول
واختلفوا في كيفية إخراج الفاضل ففي الكافي للقاضي الروياني أنه يشتري به بقرة أخرى إن أمكن وإلا فهل يشتري به شقصا أو يتصدق به على المساكين وجهان
وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه يتصدق به وقال

المتولي يشارك إنسانا في بدنة أو بقرة أو يشتري به شاة
وإذا عدل إلى الغنم في هذه الحالة اعتبرت القيمة أيضا
ثم نقل الروياني في جمع الجوامع أنه إذا لم يجد الإبل في حالة التقييد يتخير بين البقرة والغنم لأن الاعتبار بالقيمة
والذي ذكره ابن كج والمتولي أنه لا يعدل إلى الغنم مع القدرة على البقرة لأنها أقرب
ولو وجد ثلاث شياه بقيمة البدنة فوجهان
أصحهما لا تجزئه بل عليه خن يتم السبع من عنده
والثاني تجزئه لوفائهن بالقيمة قاله أبو الحسين النسوي من أصحابنا شيخ كان في زمن أبي إسحق وابن خيران
ولو نذر شاة فجعل بدلها بدنة جاز
وهل يكون الكل فرضا وجهان

فرع في الصفات المعتبرة في الحيوان المنذور مطلقا فإذا قال لله علي
الأضحية والسلامة من العيوب قولان بناء على أن مطلق النذر يحمل على أقل ما وجب من ذلك الجنس أو على أقل ما يتقرب به
والأول أظهر
ولو قال أضحي ببعير أو بقرة ففيه مثل هذا الخلاف
قال الإمام وبالاتفاق لا يجزىء الفصيل لأنه لا يسمى بعيرا ولا العجل إذا ذكر البقرة ولا السخلة إذا ذكر الشاة
ولو قال أضحي ببدنة أو أهدي بدنة جرى الخلاف
ورأى الإمام هذه الصورة أولى باشتراط السن والسلامة
ولو قال لله علي هدي أو أن أهدي ولم يسم شيئا ففيه القولان إن حملنا على أقل ما يتقرب به من جنسه خرج عن نذره بكل منحة حتى الدجاجة والبيضة وكل ما يتمول لوقوع الاسم عليه
وعلى هذا فالصحيح أنه لا يجب إيصاله مكة وصرفه إلى فقرائها بل يجوز التصدق به على غيرهم
ينسب هذا القول إلى

الإملاء والقديم
وإن حملنا على أقل ما يجب من جنسه حمل على ما يجزىء في الأضحية وينسب هذا إلى الجديد
وعلى هذا يجب إيصاله مكة فإن محل الهدي الحرم
وفيه وجه ضعيف أنه لا يجب إلا أن يصرح به
ولو قال علي أن أهدي الهدي حمل على المعهود الشرعي بلا خلاف

فرع ولو نذر أن يهدي مالا معينا وجب صرفه إلى مساكين الحرم

وفيه وجه ضعيف أنهم لا يتعينون
ثم ينظر إن كان المعين من النعم بأن قال أهدي هذه البدنة أو الشاة وجب التصدق بها بعد الذبح ولا يجوز التصدق بها حية لأن في ذبحها قربة ويجب الذبح في الحرم على الأصح
وعلى الثاني يجوز أن يذبح خارج الحرم بشرط أن ينقل اللحم إليه قبل أن يتغير
وإن كان من غير النعم وتيسر نقله إلى الحرم بأن قال أهدي هذه الظبية أو الطائر أو الحمار أو الثوب وجب حمله إلى الحرم
وأطلق مطلقون أن مؤنة النقل على الناذر فإن لم يكن له مال بيع بعضه لنقل الباقي
وأستحسن ما حكي عن القفال أنه إن قال أهدي هذا فالمؤنة عليه وإن قال جعلته هديا فالمؤنة فيه يباع بعضه
لكن مقتضى جعله هديا أن يوصل كله الحرم فيلتزم مؤنته كما لو قال أهدي
ثم إذا بلغ الحرم فالصحيح أنه يجب صرفه إلى مساكين الحرم
لكن لو نوى صرفه إلى تطييب الكعبة أو جعل الثوب سترا لها أو قربة أخرى هناك صرفه إلى ما نوى
وفيه وجه أنه وإن أطلق فله صرفه إلى ما يرى
ووجه أضعف منه أن الثوب الصالح للستر يحمل عليه عند الإطلاق
قال الإمام قياس المذهب والذي صرح به الأئمة أن ذلك المال المعين يمتنع بيعه وتفرقة ثمنه بل يتصدق بعينه وينزل تعيينه منزل تعيين الأضحية والشاة

في الزكاة فيتصدق بالظبية والطائر وما في معناهما حيا ولا يذبحه إذ لا قربة في ذبحه
ولو ذبحه فنقصت القيمة تصدق باللحم وغرم ما نقص
وفي التتمة وجه آخر ضعيف أنه يذبح
وطردهما فيما إذا أطلق ذكر الحيوان وقلنا لا يشترط أن يهدي ما يجزىء في الأضحية
أما إذا نذر إهداء بعير معيب فهل يذبحه وجهان
أحدهما نعم نظرا إلى جنسه
وأصحهما لا لأنه لا يصلح للتضحية كالظبية
أما إذا كان المال المعين مما لا يتيسر نقله كالدار والأرض والشجر وحجر الرحى فيباع وينقل ثمنه فيتصدق به على مساكين الحرم
قال في التهذيب ويتولى الناذر البيع والنقل بنفسه

فرع في مسائل من الأم لو قال أنا أهدي هذه الشاة نذرا
إلا أن تكون نيته إني سأحدث نذرا أو سأهديها
ولو نذر أن يهدي هديا ونوى بهيمة أو جديا أو رضيعا أجزأه
والقولان السابقان فيما إذا أطلق نذر الهدي ولم ينو شيئا
ولو نذر أن يهدي شاة عوراء أو عمياء أو ما لا يجوز التضحية به أهداه ولو أهدى تاما كان أفضل

فصل في مسائل منثورة
إحداها إذا نذر الصوم في بلد لم يتعين بل له أن يصوم حيث شاء سواء عين مكة أو غيرها
وفي وجه شاذ إذا عين الحرم اختص به
الثانية ستر الكعبة وتطييبها من القربات سواء سترها بالحرير وغيره
ولو نذر سترها وتطييبها صح نذره
وإذا نذر أن يجعل ما يهديه في رتاج الكعبة وطيبها قال إبرهيم المروذي ينقله إليها ويسلمه إلى القيم ليصرفه في الجهة المذكورة إلا أن يكون ند نص في نذره أنه يتولى ذلك بنفسه
ولو نذر تطييب مسجد المدينة أو الأقصى أو غيرهما من المساجد ففيه تردد للإمام
ومال الإمام إلى تخصيصه بالكعبة والمسجد الحرام
الثالثة نقل القاضي ابن كج وجهين فيمن قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعجل زكاة مالي هل يصح نذره ووجهين فيمن قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أذبح عن ولدي هل يلزمه الذبح عن ولده لأن الذبح عن الأولاد مما يتقرب به ووجهين فيما إذا قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أذبح ابني فإن لم يجز فشاة مكانه هل يلزمه ذبح شاة ووجهين فيما إذا نذر النصراني أن يصلي أو يصوم ثم أسلم هل يلزمه أن يصلي صلاة شرعنا وصومه قلت الأصح في الصورة الثانية الصحة
وفي الباقي البطلان
والله أعلم
الرابعة في فتاوى القفال أنه لو نذر أن يضحي بشاة ثم عين شاة

لنذره فلما قدمها للذبح صارت معيبة لا تجزىء
ولو نذر أن يهدي شاة ثم عين شاة وذهب بها إلى مكة فلما قدمها للذبح تعيبت أجزأته لأن الهدي ما يهدى إلى الحرم وبالوصول إليه حصل الإهداء والتضحية لا تحصل إلا بالذبح
الخامسة قال صاحب التقريب لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أشتري بدرهم خبزا وأتصدق به لا يلزمه الشراء بل يلزمه أن يتصدق بخبز قيمته درهم
السادسة لو قال إن شفى الله مريضي فلله على رجلي حج ماشيا صح نذره إلا أن يريد إلزام الرجل حاجة
ولو قال على نفسي أو رقبتي صح
السابعة إذا نذر إعتاق رقبة وكان عليه رقبة عن كفارة فأعتق رقبتين ونواهما عن الواجب أجزأه وإن لم يعين كما لو كان عليه كفارتان مختلفتان
الثامنة لو نذر صلاتين لم يخرج عن نذره بأربع ركعات بتسليمة واحدة
التاسعة لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بشىء صح نذره ويتصدق بما شاء من قليل وكثير
ولو قال فعلي ألف ولم يعين شيئا باللفظ ولا بالنية لم يلزمه شىء
العاشرة ولو نذر صوم شهر ومات قبل إمكان الصوم يطعم عنه عن كل يوم مد بخلاف ما لو لزمه قضاء رمضان لمرض أو سفر ومات قبل إمكان القضاء لا يطعم عنه لأن المنذور مستقر بنفس النذر قاله القفال وبنى على هذا أنه لو حلف وحنث في يمينه وهو معسر فرضه الصيام فمات قبل الإمكان يطعم عنه
وأنه لو نذر حجة ومات قبل الإمكان يحج عنه وهذا بخلاف ما قدمناه في الحج

الحادية عشرة قال القفال من التزم بالنذر أن لا يكلم الآدميين يحتمل أن يقال يلزمه لأنه مما يتقرب به ويحتمل أن يقال لا لما فيه من التضييق والتشديد وليس ذلك من شرعنا كما لو نذر الوقوف في الشمس
قلت الاحتمال الثاني أصح
واعلم أنه ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر
وفي فتاوى القاضي حسين أنها لو كانت تلد أولادا ويموتون فقالت إن عاش لي ولد فلله علي عتق رقبة قال يشترط للزوم العتق أن يعيش لها ولد أكثر مما عاش أكبر أولادها الموتى وإن قلت تلك الزيادة
وقال العبادي متى ولدت حيا لزمها العتق وإن لم يعش أكثر من ساعة لأنه عاش
والأول أصح
وأنه لو نذر التضحية بهذه الشاة على أن لا يتصدق بلحمها لا ينعقد
وأنه لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق على ولدي أو على زيد وزيد موسر يلزمه الوفاء لأن الصدقة على الغني جائزة وقربة
وأنه لو نذر صوم سنة معينة ثم قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بدينار فشفي فأراد التصدق به على ذلك المريض وهو فقير فإن كان لا يلزمه نفقته جاز وإلا فلا
وأنه لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أصوم الأثانين من هذه السنة
قال لا ينعقد نذر الثاني لأن الزمان مستحق لغيره
وقال العبادي ينعقد ويلزمه القضاء
قيل له لو كان له عبد فقال إن شفى الله مريضي فلله علي عتقه ثم قال إن قدم زيد فعلي عتقه قال ينعقدان فإن وقعا معا أقرع بينهما هذا آخر المنقول من فتاوى القاضي

ومما يحتاج إليه إذا نذر زيتا أو شمعا أو نحوه ليسرج به في مسجد أو غيره إن كان بحيث ينتفع به ولو على الندور مصل هناك أو نائم أو غيرهما صح ولزم
وإن كان يغلق ولا يتمكن أحد من الدخول والانتفاع به لم يصح
ولو وقف شيئا ليشترى من غلته زيت أو غيره ليسرج به في مسجد أو غيره فحكمه في الصحة ما ذكرناه في النذور
والله أعلم

كتاب البيع
باب ما يصح به البيع البيع مقابلة مال بمال أو نحوه
ويعتبر في صحته ثلاثة أمور
الأول الصيغة وهي الإيجاب من جهة البائع كقوله بعتك أو ملكتك ونحوهما
وفي ملكتك وجه ضعيف
والقبول من المشتري كقوله قبلت أو ابتعت أو اشتريت أو تملكت
ويجيء في تملكت ذلك الوجه وسواء تقدم قول البائع بعت أو قول المشتري اشتريت فيصح البيع في الحالين ولا يشترط اتفاق اللفظين بل لو قال البائع بعتك أو اشتريت فقال المشتري تملكت أو قال البائع ملكتك
فقال اشتريت صح لأن المعنى واحد

فرع المعاطاة ليست بيعا على المذهب

وخرج ابن سريج قولا من الخلاف في مصير الهدي منذورا بالتقليد أنه يكتفى بها في المحقرات وبه أفتى الروياني وغيره
والمحقر كرطل خبز وغيره مما يعتاد فيه المعاطاة
وقيل هو ما دون نصاب السرقة
فعلى المذهب في حكم المأخوذ بالمعاطاة وجهان
أحدهما أنه

إباحة لا يجوز الرجوع فيها قاله القاضي أبو الطيب
وأصحهما له حكم المقبوض بعقد فاسد فيطالب كل واحد صاحبه بما دفعه إن كان باقيا أو بضمانه إن تلف
فلو كان الثمن الذي قبضه البائع مثل القيمة قال الغزالي في الإحياء هذا مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض فله تملكه لا محالة
وقال الشيخ أبو حامد لا مطالبة لواحد منهما وتبرأ ذمتهما بالتراضي وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة فإنه لا براءة وإن وجد التراضي
وقال مالك رضي الله عنه ينعقد بكل ما يعده الناس بيعا واستحسنه ابن الصباغ
قلت هذا الذي استحسنه ابن الصباغ هو الراجح دليلا وهو المختار لأنه لم يصح في الشرع اشتراط لفظ فوجب الرجوع إلى العرف كغيره من الألفاظ
وممن اختاره المتولي والبغوي وغيرهما
والله أعلم

فرع لو قال بعني فقال بعتك

إن قال بعده اشتريت أو قبلت انعقد قطعا وإلا انعقد على الأصح
وقيل على الأظهر
وقيل ينعقد قطعا
ولو قال اشتر مني فقال اشتريت قال في التهذيب هو كالصورة السابقة
وقال بعضهم لا ينعقد قطعا
ولو قال أتبيعني عبدك بكذا أو قال بعتني بكذا فقال بعت لم ينعقد حتى يقول بعده اشتريت
وكذا لو قال البائع أتشتري داري أو اشتريت مني فقال اشتريت لا ينعقد حتى يقول بعده بعت

فرع كل تصرف يستقل به الشخص كالطلاق والعتاق والإبراء ينعقد بالكناية
مع النية كانعقاده بالصريح
وما لا يستقل به بل يفتقر إلى إيجاب وقبول ضربان أحدهما ما يشترط فيه الشهادة كالنكاح وبيع الوكيل إذا شرط الموكل الإشهاد فهذا لا ينعقد بالكناية لأن الشاهد لا يعلم النية
والثاني ما لا يشترط فيه وهو نوعان
أحدهما ما يقبل مقصوده التعليق بالغرر كالكتابة والخلع فينعقد بالكناية مع النية
والثاني ما لا يقبل كالبيع والإجارة وغيرهما
وفي انعقاد هذه التصرفات بالكناية مع النية وجهان
أصحهما الانعقاد كالخلع
ومثال الكناية في البيع أن يقول خذه مني أو تسلمه بألف أو أدخلته في ملكك أو جعلته لك بكذا وما أشبهها
ولو قال سلطتك عليه بألف ففي كونه كناية وجهان
أحدهما لا كقوله أبحتكه بألف
قلت الأصح أنه كناية
والله أعلم
فرع لو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه ترتب ذلك على أن الطلاق
بالكتب مع النية إن قلنا لا فهذه العقود أولى أن لا تنعقد وإلا ففيها الوجهان في انعقادها بالكنايات
فإن قلنا تنعقد فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب على الأصح
قلت المذهب أنه ينعقد البيع بالمكاتبة لحصول التراضي لا سيما وقد قدمنا أن الراجح انعقاده بالمعاطاة
وقد صرح الرافعي بترجيح صحته بالمكاتبة في كتاب

الطلاق وستأتي هذه المسائل كلها مبسوطة فيه إن شاء الله تعالى
واختار الغزالي في الفتاوى أنه ينعقد قال وإذا قبل المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول ويتمادى خيار الكاتب أيضا إلى أن ينطع خيار المكتوب إليه حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع
والله أعلم
ولو تبايع حاضران بالمكاتبة فإن منعناه في الغيبة فهنا أولى وإلا فوجهان
وحكم الكتب على القرطاس والرق واللوح والأرض والنقش على الحجر والخشب واحد ولا أثر لرسم الأحرف على الماء والهواء
قال بعض أصحابنا تفريعا على صحة البيع بالمكاتبة لو قال بعت داري لفلان وهو غائب فلما بلغه الخبر قال قبلت انعقد البيع لأن النطق أقوى من الكتب
قال إمام الحرمين والخلاف المذكور في أن البيع ونحوه هل ينعقد بالكناية مع النية هو فيما إذا عدمت قرائن الأحوال فإن توفرت وأفادت التفاهم وجب القطع بالصحة لكن النكاح لا يصح بالكناية وإن توفرت القرائن
وأما البيع المقيد بالإشهاد فقال في الوسيط الظاهر انعقاده عند توفر القرائن
قلت قال الغزالي في الفتاوى لو قال أحد المتبايعين بعني فقال قد باعك الله أو بارك الله لك فيه أو قال في النكاح زوجك الله بنتي أو قال في الإقالة قد أقالك الله أو قد رده الله عليك فهذا كناية فلا يصح النكاح بكل حال
وأما البيع والإقالة فإن نواهما صحا وإلا فلا
وإذا نواهما كان التقدير قد أقالك الله لأني قد أقلتك
والله أعلم

فرع لو باع مال ولده لنفسه أو مال نفسه لولده فهل
الإيجاب والقبول أم تكفي إحداهما وجهان سيأتيان إن شاء الله تعالى بفروعهما في باب الخيار
فرع يشترط أن لا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول وأن لا يتخللهما
كلام أجنبي عن العقد فإن طال أو تخلل لم ينعقد سواء تفرقا عن المجلس أم لا
ولو مات المشتري بين الإيجاب والقبول ووارثه حاضر فقبل فالأصح المنع
وقال الداركي يصح
فرع يشترط موافقة القبول الإيجاب

فلو قال بعت بألف صحيحة فقال قبلت بألف قراضة أو بالعكس
أو قال بعت جميع الثوب بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة لم يصح
ولو قال بعتك هذا بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة قال في التتمة يصح العقد لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق وفيه نظر
وفي فتاوى القفال أنه لو قال بعتك بألف درهم فقال اشتريت بألف وخمسمائة صح البيع وهو غريب

فرع لو قال المتوسط للبائع بعت كذا فقال نعم أو بعت

وقال للمشتري اشتريت بكذا فقال نعم أو اشتريت انعقد على الأصح لوجود الصيغة والتراضي
والثاني لا لعدم تخاطبهما
فرع لو قال بعتك بألف فقال قبلت صح قطعا بخلاف النكاح يشترط
على رأي أن يقول قبلت نكاحها احتياطا للأبضاع
ولو قال بعتك بألف إن شئت فقال اشتريت انعقد على الأصح لأنه مقتضى الإطلاق
فرع يصح بيع الأخرس وشراؤه بالإشارة والكتابة

فرع جميع ما سبق هو فيما ليس بضمني من البيوع

فأما البيع الضمني فيما إذا قال أعتق عبدك عني على ألف فلا تعتبر فيه الصيغ التي قدمناها بل يكفي فيه الالتماس والجواب قطعا
الأمر الثاني أهلية البائع والمشتري ويشترط فيهما لصحة البيع التكليف

فلا ينعقد بعبارة الصبي والمجنون لا لأنفسهما ولا لغيرهما سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز باشر بإذن الولي أو بغير إذنه وسواء بيع الاختبار وغيره
وبيع الاختبار هو الذي يمتحنه الولي به ليستبين رشده عند مناهزة الاحتلام ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقل فإذا انتهى الأمر إلى اللفظ أتى به الولي
وفي وجه ضعيف يصح منه بيع الإختبار
قلت ويشترط في المتعاقدين الاختيار
فإن أكرها على البيع لم يصح إلا إذا أكره بحق بأن يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دين عليه أو شراء مال أسلم إليه فيه فأكرهه الحاكم عليه صح بيعه وشراؤه لأنه إكراه بحق
فأما بيع المصادر فالأصح صحته
وقد سبق بيانه في نصف الباب الثاني من الأطعمة
ويصح بيع السكران وشراؤه على المذهب وإن كان غير مكلف كما تقرر في كتب الأصول وسنوضحه في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى
والله أعلم

فرع لو اشترى الصبي شيئا فتلف في يده أو أتلفه فلا ضمان
الحال ولا بعد البلوغ
وكذا لو اقترض مالا لأن المالك هو المضيع بالتسليم إليه
وما داما باقيين فللمالك الاسترداد
ولو سلم ثمن ما اشتراه لزم الولي استرداده ولزم البائع رده إلى الولي
فإن رده إلى الصبي لم يبرأ من الضمان
وهذا كما لو سلم الصبي درهما إلى صراف لينقده أو سلم متاعا إلى مقوم ليقومه فإذا أخذه لم يجز رده إلى الصبي بل يرده إلى وليه إن كان المال للصبي
وإن كان لكامل فإلى المالك
فلو أمره الولي بدفعه إلى الصبي فدفعه إليه سقط عنه الضمان إن كان المال للولي وإن كان للصبي فلا كما لو أمره بإلقاء مال الصبي

في البحر ففعل فإنه يلزمه الضمان
ولو تبايع صبيان وتقابضا وأتلف كل واحد ما قبضه نظر إن جرى ذلك بإذن الوليين فالضمان عليهما وإلا فلا ضمان عليهما وعلى الصبيين الضمان لأن تسليمهما لا يعد تسليطا وتضييعا

فرع لا ينعقد نكاح الصبي وسائر تصرفاته لكن في تدبير المميز ووصيته
خلاف مذكور في موضعه
ولو فتح بابا وأخبر بإذن أهل الدار في الدخول أو أوصل هدية وأخبر عن إهداء مهديها فهل يجوز الاعتماد عليه نظر إن انضمت قرائن تحصل العلم بذلك جاز الدخول والقبول وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بقوله
وإن لم ينضم نظر إن كان غير مأمون القول لم يعتمد وإلا فطريقان
أصحهما القطع بالاعتماد
والثاني على الوجهين في قبول روايته
فرع كما لا تصح تصرفاته اللفظية لا يصح قبضه في تلك التصرفات
يفيد قبضه الملك في الموهوب له وإن اتهبه الولي ولا لغيره إذا أمره الموهوب له بالقبض له
ولو قال مستحق الدين لمن عليه سلم حقي إلى هذا الصبي فسلم إليه قدر حقه لم يبرأ من الدين وكان ما سلمه باقيا في ملكه حتى لو ضاع لضاع عليه ولا ضمان على الصبي لأن الدافع ضيعه بتسليمه ويبقى الدين بحاله لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فلا يزول عن الذمة

كما لو قال ألق حقي في البحر فألقى قدر حقه لا يبرأ بخلاف ما لو قال مالك الوديعة للمودع سلم مالي إلى هذا الصبي فسلم خرج من العهدة لأنه امتثل أمره في حقه المتعين كما لو قال ألقها في البحر فامتثل
ولو كانت الوديعة للصبي فسلمها إليه ضمن سواء كان بإذن الولي أو بغير إذنه إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولي به

فصل إسلام المتعاقدين ليس بشرط في مطلق التبايع لكن لو اشترى كافر
عبدا مسلما أو اتهبه أو أوصي له به فقبل لم يملكه على الأظهر
قال في التتمة القولان في الوصية إذا قلنا يملكها بالقبول
وإن قلنا بالموت ثبت بلا خلاف كالإرث
ولو اشترى مصحفا أو شيئا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمذهب القطع بأنه لا يملك
وقيل على القولين
قال العراقيون وكتب الفقه التي فيها آثار السلف لها حكم المصحف في هذا
وقال صاحب الحاوي كتب الفقه والحديث يصح بيعها للكافر
وفي أمره بإزالة الملك عنها وجهان
قلت الخلاف في بيع العبد والمصحف والحديث والفقه إنما هو في صحة العقد مع أنه حرام بلا خلاف
والله أعلم
وإذا قلنا لا يصح شراء الكافر عبدا مسلما فاشترى من يعتق عليه كأبيه وابنه صح على الأصح
ويجري الوجهان في كل شراء يستعقب عتقا كقول الكافر لمسلم أعتق عبدك المسلم عني بعوض أو بغير عوض وإجابته وكما إذا أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه
ورتب الإمام الخلاف في هاتين الصورتين على شراء القريب
وقال الأولى أولى بالصحة لأن الملك فيها ضمني والثانية أولى بالمنع لأن العتق فيها وإن حكم به فهو ظاهر غير محقق بخلاف القريب
ولو اشترى الكافر عبدا مسلما بشرط الإعتاق وصححنا الشراء بهذا

الشرط فهو كما لو اشتراه مطلقا لأن العتق لا يحصل بنفس الشراء
وقيل هو كشراء القريب

فرع يجوز أن يستأجر الكافر مسلما على عمل في الذمة كدين في

ويجوز أن يستأجره بعينه على الأصح حرا كان أو عبدا
فعلى هذا هل يؤمر بإزالة ملكه عن المنافع بأن يؤجره مسلما وجهان
قطع الشيخ أبو حامد بأنه يؤمر
قلت وإذا صححنا إجارة عينه فهي مكروهة نص عليه الشافعي رضي الله عنه
والله أعلم
وفي ارتهانه العبد المسلم وجهان
ويجوز إعارة العبد المسلم لكافر قطعا
وكذا إيداعه عنده
قلت الأصح صحة ارتهانه العبد المسلم والمصحف ويسلم إلى عدل
وفي الإعارة وجه أنها لا تجوز وبه جزم صاحب المهذب والتنبيه والجرجاني وهو ضعيف
والله أعلم
فرع لو باع الكافر عبدا مسلما ورثه أو أسلم عنده ثم وجد
عيبا فالمذهب أنه له رد الثوب بالعيب
وهل له استرداد العبد وجهان أصحهما له ذلك
والثاني لا بل يسترد قيمته لأنه كالهالك
وطرد الإمام والغزالي الوجهين في جواز رد الثوب
والصواب الأول وبه قطع في

التهذيب وغيره
ولو وجد مشتري العبد به عيبا ففي رده واسترداده الثوب طريقان
أحدهما القطع بالجواز
والثاني على الوجهين
ولو باع الكافر العبد المسلم ثم تقايلا فإن قلنا الإقالة بيع لم ينفد وإن قلنا فسخ فعلى الوجهين في الرد بالعيب

فرع ولو وكل كافر مسلما ليشتري عبدا مسلما لم يصح لأن العقد
للموكل أولا وينتقل إليه آخرا
ولو وكل مسلم كافرا ليشتري له عبدا مسلما فإن سمى الموكل في الشراء صح وإلا فإن قلنا يقع الملك للوكيل أولا لم يصح وإن قلنا يقع للموكل صح
فرع لو اشترى كافر مرتدا فوجهان لبقاء علقة الإسلام كالوجهين في

فرع لو اشترى كافر كافرا فأسلم قبل قبضه فهل يبطل البيع كمن
عصيرا فتخمر قبل قبضه أم لا كمن اشترى عبدا فأبق قبل قبضه وجهان
فإن قلنا لا يبطل فهل يقبضه المشتري أم ينصب الحاكم من يقبض عنه ثم يأمره بإزالة الملك وجهان
وقطع القفال في فتاويه بأنه لا يبطل ويقبضه الحاكم وهذا أصح

فرع جميع ما سبق تفريع على قول المنع

أما إذا صححنا شراءه فإن علم الحاكم به قبل القبض فيمكنه من القبض أم ينصب من يقبضه فيه الوجهان
وإذا حصل القبض أو علم به بعد قبضه أمر بإزالة الملك فيه كما نذكره في الفرع بعده إن شاء الله تعالى
فرع إذا كان في يد الكافر عبد فأسلم لم يزل ملكه عنه
في يده بل يؤمر بإزالة ملكه عنه ببيع أو هبة أو عتق أو غيرها
ولا يكفي الرهن والتزويج والإجارة والحيلولة وتكفي الكتابة على الأصح وتكون كتابة صحيحة
وإن قلنا لا تكفي فوجهان
أحدهما أنها كتابة فاسدة فيباع العبد
والثاني صحيحة
ثم إن جوزنا بيع المكاتب بيع مكاتبا وإلا فسخت الكتابة وبيع
ولو امتنع من إزالة ملكه باعه الحاكم عليه بثمن المثل كما يبيع مال من امتنع من أداء الحق
فإن لم يجد مشتريا بثمن المثل صبر وحال بينه وبينه ويستكسب له وتؤخذ نفقته منه
ولو أسلمت مستولدة كافر فلا سبيل إلى نقلها إلى غيره بالبيع والهبة ونحوهما على المذهب
وهل يجبر على إعتاقها وجهان
الصحيح لا يجبر بل يحال بينهما وينفق عليها وتستكسب له في يد مسلم
ولو مات كافر أسلم عبد في يده صار لوارثه وأمر بما كان يؤمر به مورثه فإن امتثل وإلا بيع عليه

قلت قال المحاملي في كتابه اللباب لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء إلا في ست مسائل
إحداها بالإرث
الثانية يسترجعه بإفلاس المشتري
الثالثة يرجع في هبته لولده
الرابعة إذا رد عليه بعيب
الخامسة إذا قال لمسلم أعتق عبدك عني فأعتقه وصححناه
السادسة إذا كاتب عبده الكافر فأسلم العبد ثم عجز عن النجوم فله تعجيزه وهذه السادسة فيها تساهل فإن المكاتب لا يزول الملك فيه ليتجدد بالتعجيز
وترك سابعة وهي إذا اشترى من يعتق عليه
والله أعلم
الأمر الثالث صلاحية المعقود عليه فيعتبر في المبيع لصحة بيعه خمسة شروط
أحدها الطهارة فالنجس ضربان نجس العين ونجس بعارض
فالأول لا يصح بيعه فمنه الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما وسواء الكلب المعلم وغيره ومنه الميتة وسرجين جميع البهائم والبول ويجوز بيع الفيلج وفي باطنه الدود الميت لأنه بقاءه من مصالحه كالنجاسة في جوف الحيوان
قلت الفيلج بالفاء وهو القز
ويجوز بيعه وفيه الدود سواء كان ميتا أو حيا وسواء باعه وزنا أو جزافا صرح به القاضي حسين في فتاويه
والله أعلم
وفي بيع بزر القز وفأرة المسك وجهان بناء على طهارتهما
الضرب الثاني قسمان
أحدهما متنجس يمكن تطهيره كالثوب

والخشبة والآجر فيجوز بيعها لأن جوهرها طاهر
فإن استتر شىء من ذلك بالنجاسة الواردة خرج على بيع الغائب
والثاني ما لا يمكن تطهيره كالخل واللبن والدبس إذا تنجست فلا يجوز بيعها
وأما الدهن فإن كان نجس العين كودك الميتة لم يصح بيعه بحال
وإن نجس بعارض فهل يمكن تطهيره وجهان
أصحهما لا
فعلى هذا لا يصح بيعه كالبول
والثاني يمكن
فعلى هذا في صحة بيعه وجهان
أصحهما لا يصح هذا ترتيب الأصحاب
وقيل إن قلنا يمكن تطهيره جاز بيعه وإلا فوجهان
قلت هذا الترتيب غلط ظاهر وإن كان قد جزم به في الوسيط
وكيف يصح بيع ما لا يمكن تطهيره قال المتولي في بيع الصبغ النجس طريقان
أحدهما كالزيت
والثاني لا يصح قطعا لأنه لا يمكن تطهيره وإنما يصبغ به الثوب ثم يغسل
والله أعلم
وفي بيع الماء النجس وجهان كالدهن إذا قلنا يمكن طهارته لأن تطهير الماء ممكن بالمكاثرة
وأشار بعضهم إلى الجزم بالمنع وقال إنه ليس بتطهير بل يستيحل ببلوغه قلتين من صفة النجاسة إلى الطهارة كالخمر تتخلل
ويجوز نقل الدهن النجس إلى الغير بالوصية كالكلب
وأما هبته والصدقة به فعن القاضي أبي الطيب منعهما
ويشبه أن يكون فيهما ما في هبة الكلب من الخلاف
قلت ينبغي أن يقطع بصحة الصدقة به للاستصباح ونحوه
وقد جزم المتولي بأنه يجوز نقل اليد فيه بالوصية وغيرها
قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر لا يجوز اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع وما في معناها هذا نصه
واتفق الأصحاب على جواز اقتنائه لهذه الثلاثة وعلى اقتنائه لتعليم الصيد ونحوه

والأصح جواز اقتنائه لحفظ الدور والدروب وتربية الجرو لذلك وتحريم اقتنائه قبل شراء الماشية الزرع
وكذا كلب الصيد لمن لا يصيد
ويجوز اقتناء السرجين وتربية الزرع به لكن يكره
واقتناء الخمر مذكوذ في كتاب الرهن
والله أعلم
الشرط الثاني أن يكون منتفعا به
فما لا نفع فيه ليس بمال فأخذ المال في مقابلته باطل
ولعدم المنفعة سببان
أحدهما القلة كالحبة والحبتين من الحنطة والزبيب ونحوهما فإن ذلك القدر لا يعد مالا ولا ينظر إلى ظهور النفع إذا ضم إليه غيره ولا إلى ما يفرض من وضع الحبة في فخ
ولا فرق في ذلك بين زمان الرخص والغلاء
ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة من صبرة الغير
فإن أخذ لزمه ردها
فإن تلفت فلا ضمان إذ لا مالية لها
وقال القفال يضمن مثلها
وحكى صاحب التتمة وجها أنه يصح بيع مالا منفعة فيه لقلته وهو شاذ ضعيف
السبب الثاني الخسة كالحشرات
والحيوان الطاهر ضربان ضرب ينتفع به فيجوز بيعه كالنعم والخيل والبغال والحمير والظباء والغزلان
ومن الجوارح كالصقور والبزاة والفهد
ومن الطير كالحمام والعصفور والعقاب
وما ينتفع بلونه كالطاووس أو صوته كالزرزور
ومما ينتفع به القرد والفيل والهرة ودود القز
وبيع النحل في الكوارة صحيح إن شاهد جميعه وإلا فهو من بيع الغائب
وإن باعه وهو طائر فوجهان
قطع في التتمة بالصحة وفي التهذيب بالبطلان

قلت الأصح الصحة
والله أعلم
الضرب الثاني ما لا ينتفع به فلا يصح بيعه كالخنافس والعقارب والحيات والفأر والنمل ونحوها ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها وفي معناها السباع التي لا تصلح للصيد والقتال عليها كالأسد والذئب والنمر
ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة
ونقل القاضي حسين وجها في جواز بيعها لأنها طاهرة
والانتفاع بجلودها متوقع بالدباغ
ونقل أبو الحسن العبادي وجها آخر أنه يجوز بيع النمل في عسكر مكرم وهي المدينة المشهورة بخراسان لأنه يعالج به السكر و نصيبين لأنه تعالج به العقارب الطيارة
والوجهان شاذان ضعيفان
ولا يجوز بيع الحدأة والرخمة والغراب
فإن كان في أجنحة بعضها فائدة جاء فيها الوجه الذي حكاه القاضي كذا قاله الإمام ولكن بينهما فرق فإن الجلود تدبغ ولا سبيل إلى تطهير الأجنحة
قلت وجه الجواز الانتفاع بريشها في النبل فانه وإن قلنا بنجاسته يجوز الانتفاع به في النبل وغيره من اليابسات
والله أعلم
ويصح بيع العلق على الأصح لمنفعته امتصاص الدم ولا يصح بيع الحمار الزمن الذي لا نفع فيه على الأصح بخلاف العبد الزمن فإنه يتقرب بإعتاقه
والثاني يجوز لغرض جلده إذا مات

فرع السم إن كان يقتل كثيره وينفع قليله كالسقمونيا والأفيون جاز

وإن قتل كثيره وقليله فقطع بالمنع
ومال الإمام وشيخه إلى الجواز ليدس في طعام الكافر

فرع آلات الملاهي كالمزمار والطنبور وغيرهما إن كانت بحيث لا تعد
بعد الرض والحل مالا لم يصح بيعها لأن منفعتها معدومة شرعا
وإن كان رضاضها يعد مالا ففي صحة بيعها وبيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرهما وجهان
الصحيح المنع
وتوسط الإمام فذكر الإمام وجها ثالثا اختاره هو والغزالي أنه إن اتخذت من جوهر نفيس صح بيعها
وإن اتخذت من خشب ونحوه فلا والمذهب المنع المطلق وبه أجاب عامة الأصحاب
فرع الجارية المغنية التي تساوي ألفا بلا غناء إذا اشتراها بألفين

قال المحمودي بالبطلان والأودني بالصحة وأبو زيد إن قصد الغناء بطل وإلا فلا
قلت الأصح قول الأودني
قال إمام الحرمين هو القياس السديد ولو بيعت بألف صح قطعا
ويجري الخلاف في كبش النطاح والديك الهراش
ولو باع إناء من ذهب أو فضة صح قطعا لأن المقصود الذهب فقط ذكره القاضي أبو الطيب قال المتولي يكره بيع الشطرنج
قال والنرد إن صلح لبياذق الشطرنج فكالشطرنج وإلا فكالمزمار
والله أعلم

فرع بيع الماء المملوك صحيح على الصحيح وستأتي تفاريعه في إحياء
الموات إن شاء الله تعالى
فإذا صححناه ففي بيعه على شط النهر وبيع التراب في الصحراء وبيع الحجارة بين الشعاب الكثيرة والأحجار وجهان
أصحهما الجواز
فرع بيع لبن الآدميات صحيح

قلت ولنا وجه أنه نجس فلا يصح بيعه حكاه في الحاوي عن الأنماطي وهو شاذ مردود وسبق ذكره في كتاب الطهارة
والله أعلم
الشرط الثالث أن يكون المبيع مملوكا لمن يقع العقد له
فإن باشر العقد لنفسه فليكن له وإن باشره لغيره بولاية أو وكالة فليكن لذلك الغير
فلو باع مال غيره بلا إذن ولا ولاية فقولان
الجديد بطلانه
والقديم أنه ينعقد موقوفا على إجازة المالك فإن أجاز نفذ وإلا لغا
ويجري القولان فيما لو زوج أمة غيره أو ابنته أو طلق منكوحته أو أعتق عبده أو أجر داره أو وهبها بغير إذنه
ولو اشترى الفضولي لغيره نظر إن اشترى بين مال الغير ففيه القولان وإن اشترى في الذمة نظر إن أطلق أو نوى كونه للغير فعلى الجديد يقع للمباشر وعلى القديم يقف على الإجازة فإن رد

نفذ في حق الفضولي
ولو قال اشتريت لفلان بألف في ذمته فهو كاشترائه بعين مال الغير
ولو اقتصر على قوله اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن إلى ذمته فعلى الجديد وجهان
أحدهما يلغو العقد والثاني يقع عن المباشر
وعلى القديم يقف على إجازة فلان فإن رد ففيه الوجهان
ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه نظر إن لم يسمه وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أم لا
وإن سماه نظر إن لم يأذن له لغت التسمية
وهل يقع عنه أم يبطل وجهان
وإن أذن له فهل تلغو التسمية وجهان
فإن قلنا نعم فهل يبطل من أصله أم يقع عن المباشر فيه الوجهان
وإن قلنا لا وقع عن الآذن
وهل يكون الثمن المدفوع قرضا أم هبة وجهان
قال الشيخ أبو محمد وحيث قلنا بالقديم فشرطه أن يكون للعقد مجيز في الحال مالكا كان أو غيره
حتى لو أعتق عبد الطفل أو طلق امرأته لا يتوقف على إجازته بعد البلوغ والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد
حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ وكذا لو باع مال الغير ثم ملكه وأجاز قال إمام الحرمين لم يعرف العراقيون هذا القول القديم وقطعوا بالبطلان
قلت قد ذكر هذا القديم من العراقيين المحاملي في اللباب والشاشي وصاحب البيان ونص عليه في البويطي وهو قوي وإن كان الأظهر عند الأصحاب هو الجديد
والله أعلم

فرع لو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى فقولان

أظهرهما بطلان الجميع
والثاني للمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل منها لعسر تتبعها بالإبطال

فرع لو باع مال أبيه على ظن أنه حي وهو فضولي
ملك العاقد فقولان
أظهرهما أن البيع صحيح لصدوره من مالك
والثاني البطلان لأنه في معنى المعلق بموته ولأنه كالغائب
ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف ببيع الهازل هل ينعقد فيه وجهان وبالخلاف في بيع التلجئة
وصورته أن يخاف غصب ماله أو الإكراه على بيعه فيبيعه لإنسان بيعا مطلقا
وقد توافقا قبله على أنه لدفع الشر لا على حقيقة البيع
والصحيح صحته
ويجري الخلاف فيما لو باع العبد على ظن أنه آبق أو مكاتب فبان أنه قد رجع وفسخ الكتابة
ويجري فيمن زوج أمة أبيه على ظن أنه حي فبان ميتا هل يصح النكاح فإن صححنا فقد نقلوا وجهين فيمن قال إن مات أبي فقد زوجتك هذه الجارية
فرع القولان في أصل بيع الفضولي وفي الفرعين بعده يعبر عنهما بقولي
وقف العقود
وحيث قالوا فيه قولا وقف العقود أرادوا هذين القولين
وسميا بذلك لأن الخلاف آيل إلى أن العقد هل ينعقد على التوقف أم لا بل يكون باطلا ثم ذكر الإمام أن الصحة على قول الوقف ناجزة لكن الملك لا يحصل إلا عند الإجازة
قال ويطرد الوقف في كل عقد يقبل الاستنابة كالبيوع والإجارات والهبات والعتق والطلاق والنكاح وغيرها
الشرط الرابع القدرة على تسليم المبيع ولا بد منها
وفواتها قد يكون حسا وقد يكون شرعا
وفيه مسائل

إحداها بيع الآبق والضال باطل عرف موضعه أم لا لأنه غير مقدور على تسليمه في الحال
هذا هو المذهب المعروف
قال الأصحاب لا يشترط في الحكم بالبطلان اليأس من التسليم بل يكفي ظهور التعذر
وأحسن بعض الأصحاب فقال إذا عرف موضعه وعلم أنه يصله إذا رام وصوله فليس له حكم الآبق
الثانية إذا باع المالك ماله المغصوب نظر إن قدر البائع على استرداده وتسلمه صح البيع كما يصح بيع الوديعة
وإن عجز نظر إن باعه لمن لا يقدر على انتزاعه من الغاصب لم يصح
وإن باعه من قادر على انتزاعه صح على الأصح
ثم إن علم المشتري بالحال فلا خيار له
لكن لو عجز عن انتزاعه لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب فله الخيار على الصحيح
وإن كان جاهلا حال العقد فله الخيار
ولو باع الآبق ممن يسهل عليه رده ففيه الوجهان في المغصوب
ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة وإعتاقهما
قال في البيان لا يجوز كتابة المغصوب لأنها تقتضي التمكين من التصرف
الثالثة لا يجوز بيع السمك في الماء والطير في الهواء وإن كان مملوكا له لما فيه من الغرر
ولو باع السمك في بركة لا يمكنه الخروج منها فإن كانت صغيرة يمكن أخذه بغير تعب ومشقة صح
وإن كانت كبيرة لا يمكن أخذه إلا بتعب شديد لم يصح على

الأصح
وحيث صححنا فهو إذا لم يمنع الماء رؤيته فإن منعها فعلى قولي بيع الغائب إن عرف قدره وصفته وإلا فلا يصح قطعا
وبيع الحمام في البرج على تفصيل بيع السمك في البركة
ولو باعها وهي طائرة اعتمادا على عادة عودها ليلا فوجهان كما سبق في النحل
أصحهما عند الإمام الصحة كالعبد المبعوث في شغل
وأصحهما عند الجمهور المنع إذ لا وثوف بعودها لعدم عقلها
قلت ولو باع ثلجا أو جمدا وزنا وكان ينماع إلى أن يوزن لم يصح على الأصح وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى في المسائل المنثورة في آخر كتاب الإجارة
والله أعلم
الرابعة لو باع جزءا شائعا من سيف أو إناء ونحوهما صح وصار مشتركا
ولو عين بعضه وباعه لم يصح لأن تسليمه لا يحصل إلا بقطعه وفيه نقص وتضييع للمال
ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب فإن لم يعين
الخامسة لا يصح بيع المرهون بعد الإقباض قبل الفكاك
السادسة جناية العبد إن أوجبت مالا متعلقا بذمته لم يمنع بيعه بحال
وإن أوجبته متعلقا برقبته فإن باعه بعد اختيار الفداء صح كذا أطلقه في

التهذيب
وإن باعه قبله وهو معسر فلا ومنهم من طرد الخلاف الآتي في الموسر وحكم بالخيار للمجني عليه إن صححنا
وإن كان موسرا فالأظهر أنه لا يصح
وقيل لا يصح قطعا
وقيل موقوف
فإن فداه نفذ وإلا فلا
فإن لم نصحح البيع فالسيد على خيرته إن شاء فداه وإلا فيسلمه ليباع في الجناية
وإن صححناه فالسيد ملتزم للفداء ببيعه مع العلم بجنايته فيجبر على تسليم الفداء كما لو أعتقه أو قتله
وقيل هو على خيرته إن فدى أمضى البيع وإلا فسخ والصحيح أنه ملتزم للفداء
فإن تعذر تحصيل الفداء أو تأخر لإفلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية لأن حق المجني عليه سبق حق المشتري
هذا كله إذا أوجبت الجناية المال لكونها خطأ أو شبه عمد أو عفا مستحق القصاص على مال أو أتلف العبد مالا
أما إذا أوجبت قصاصا ولا عفو فالمذهب صحة البيع كبيع المريض المشرف على الموت
وقيل فيه القولان
وإذا اختصرت قلت المذهب أنه لا يصح بيعه إن تعلق برقبته مال ويصح إن تعلق به قصاص
ولو أعتق الجاني فإن كان السيد معسرا لم ينفذ على الأظهر
وقيل لا ينفذ قطعا
وإن كان موسرا نفذ على أظهر الأقوال
والثالث موقوف
إن فداه نفذ وإلا فلا
واستيلاد الجانية كإعتاقها
ومتى فدى السيد الجاني فالأظهر أنه يفديه بأقل الأمرين من الأرش وقيمة العبد
والثاني يتعين الأرش وإن كثر
قلت ولو ولدت الجارية لم يتعلق الأرش بالولد قطعا ذكره القاضي أبو الطيب في نماء الرهن
والله أعلم
الشرط الخامس كون المبيع معلوما
ولا يشترط العلم به من كل وجه بل يشترط العلم بعين المبيع وقدره وصفته
أما العين فمعناه أنه لو قال بعتك عبدا من العبيد أو أحد عبدي أو عبيدي هؤلاء أو شاة من هذا القطيع

فهو باطل
وكذا لو قال بعتهم إلا واحدا مبهما
وسواء تساوت قيمة العبيد والشياه أم لا وسواء قال ولك الخيار في التعيين أم لا
وحكى في التتمة قولا قديما أنه لو قال بعتك أحد عبيدي أو عبيدي الثلاثة على أن تختار من شئت في ثلاثة أيام أو أقل صح العقد وهذا شاذ ضعيف
ولو كان له عبد فاختلط بعبيد لغيره فقال بعتك عبدي من هؤلاء والمشتري يراهم ولا يعرف عينه
قال في التتمة له حكم بيع الغائب
وقال صاحب التهذيب عندي أنه باطل

فرع بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من دار وأرض وعبد
وثمرة وغيرها صحيح
لكن لو باع جزءا شائعا من شىء بمثله من ذلك الشىء كالدار والفرس كما إذا كان بينهما نصفين باع نصفه بنصف صاحبه فوجهان
أحدهما لا يصح البيع لعدم الحاجة إليه
وأصحهما يصح لوجود شرائطه وله فوائد
منها لو كانا جميعا أو أحدهما ملك نصيبه بالهبة من أبيه انقطعت ولاية الرجوع
ومنها لو ملكه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف على عيب لم يملك الرد على بائعه
ومنها لو ملكته بالصداق فطلقها قبل الدخول لم يكن له الرجوع فيه
قلت ولو باع نصفه بالثلث من نصف صاحبه ففي صحته الوجهان
أصحهما الصحة ويصير بينهما أثلاثا وبهذا قطع صاحب التقريب واستبعده الإمام
وقد ذكر الإمام الرافعي هذه المسألة في كتاب الصلح
والله أعلم
ولو باع الجملة واستثنى منها جزءا شائعا جاز
مثاله بعتك ثمرة هذا البستان إلا ربعها وقدر الزكاة منها
ولو قال بعتك ثمرة هذا البستان بثلاثة

آلاف درهم إلا ما يخص ألفا فإن أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور صح وكان استثناء للثلث
وإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم فلا لأنه مجهول

فرع إذا باع أذرعا من أرض أو دار أو ثوب فإن كانا
بأن باع ذراعا من عشرة ويعلمان أن الجملة عشرة صح على الصحيح وكأنه باعه العشر
قال الإمام إلا أن يعني معينا فيبطل كشاة من القطيع
ولو اختلفا فقال المشتري أردت الإشاعة فالعقد صحيح
وقال البائع بل أردت معينا ففيمن يصدق احتمالان
قلت أرجحهما البائع
والله أعلم
وإن كان أحدهما لا يعلم جملة الذرعان لم يصح البيع
ولو وقف على طرف الأرض وقال بعتك كذا ذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي في الطول صح على الأصح
فرع إذا قال بعتك صاعا من هذه الصبرة فله حالان

أحدهما أن يعلما مبلغ صيعانها فالعقد صحيح قطعا وينزل على الإشاعة
ولو كانت الصبرة مائة صاع فالمبيع عشر العشر فلو تلف بعضها تلف بقدره من المبيع
هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور
وحكى الإمام في تنزيله وجهين
أحدهما هذا
والثاني المبيع صاع من الجملة غير مشاع أي صاع كان
فعلى هذا يبقى المبيع ما بقي صاع

الحال الثاني أن لا يعلما أو أحجها مبلغ صيعانها فوجهان
أحدهما وهو اختيار القفال لا يصح كما لو فرق صيعان الصبرة وقال بعتك صاعا منها فإنه لا يصح
وأصحهما يصح وهو المنصوص
وفي فتاوى القفال أنه كان إذا سئل عن هذه المسألة يفتي بهذا الثاني مع ذهابه إلى الأول ويقول المستفتي يستفتيني عن مذهب الشافعي رضي الله عنه لا عما عندي
وعلى هذا المبيع صاع منها أي صاع كان
فلو تلف جميعها إلا صاعا تعين العقد فيه والبائع بالخيار بين أن يسلم صاعا من أعل الصبرة أو أسفلها وإن لم يكن الأسفل مرئيا لأن رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها
قلت وأما استدلال الأول بأنه لو فرقت صيعانها فباع صاعا لم يصح فهكذا قطع به الجمهور
وحكى صاحب المهذب في تعليقه في الخلاف عن شيخه القاضي أبي الطيب صحة بيعه لعدم الغرر
والصحيح المنع
والله أعلم

فرع إبهام ممر الأرض المبيعة كإبهام نفس المبيع

وصورته أن يبيع أرضا محفوفة بملكه من جميع الجوانب ويشرط للمشتري حق الممر من جانب ولم يعينه فالبيع باطل لاختلاف الغرض بالممر
فإن عين الممر من جانب صح البيع
ولو قال بعتكها بحقوقها صح وثبت للمشتري حق الممر من كل جانب كما كان ثابتا للبائع قبل البيع
وإن أطلق البيع ولم يتعرض للممر فوجهان
أصحهما يصح ويكون كما لو قال بعتكها بحقوقها
والثاني أنه لا يقتضي الممر فعلى هذا هو كما لو صرح بنفي الممر وفيه وجهان
أصحهما بطلان البيع لعدم الانتفاع في الحال والثاني الصحة لإمكان تحصيل الممر وقال في التهذيب إن أمكن تحصيل ممر صح البيع وإلا فلا
ولو

كانت الأرض المبيعة ملاصقة للشارع فليس للمشتري سلوك ملك البائع فإن العادة في مثلها الدخول من الشارع فينزل الأمر عليه
ولو كانت ملاصقة ملك المشتري لم يتمكن من المرور فيما بقي للبائع بل يدخل من ملكه القديم
وأبدى الإمام فيه احتمالا قال وهذا إذا أطلق البيع أما إذا قال بحقوقها فله الممر في ملك البائع
ولو باع دارا وازتثنى لنفسه بيتا فله الممر فإن نفى الممر نظر إن أمكن اتخاذ ممر صح البيع وإلا فوجهان
قلت أصحهما البطلان كمن باع ذراعا من ثوب ينقص بالقطع
والله أعلم

فصل وأما القدر فالمبيع قد يكون في الذمة وقد يكون معينا والأول
هو السلم والثاني هو المشهور باسم البيع والثمن فيهما جميعا قد يكون في الذمة وإن كان يشترط في السلم تسليم رأس المال في مجلس العقد وقد يكون معينا فما كان في الذمة من العوضين اشترط كونه معلوم القدر حتى لو قال بعتك ملء هذا البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا لم يصح البيع
ولو قال بعت بما باع به فلان فرسه أو ثوبه وأحدهما لا يعلم لم يصح على الصحيح للغرر
وقيل يصح للتمكن من العلم كما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم يصح البيع وإن كانت الجملة مجهولة في الحال
وقيل إن حصل العلم قبل التفرق صح
ولو قال بعتك بمائة دينار إلا عشرة دراهم لم يصح إلا أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم
قلت ينبغي ألا يكفي علمهما بالقيمة بل يشترط معه قصدهما استثناء القيمة
وذكر صاحب المستظهري فيما إذا لم يعلما حال العقد قيمة الدينار بالدراهم

ثم علما في الحال طريقين
أصحهما لا يصح كما ذكرنا
والثاني على وجهين
والله أعلم
ولو قال بعتك بألف من الدراهم والدنانير لم يصح

فرع إذا باع بدرامم أو دنانير اشترط العلم بنوعها فإن كان في
نقد واحد أو نقود يغلب التعامل بواحد منها انصرف العقد إلى المعهود وإن كان فلوسا إلا أن يعين غيره
فإن كان نقد البلد مغشوشا ففي صحة المعاملة به وجهان ذكرناهما في كتاب الزكاة إلا أنا خصصناهما بماإذا كان قدر النقرة مجولا وربما نقل العراقيون الوجهين مطلقا ووجهوا المنع بأن المقصود غير متميز عما ليس بمصود فصار كما لو شيب اللبن بالماء وبيع فإنه لا يصح
وحكي وجه ثالث أنه إذا كان الغش غالبا لم يجز التعامل بها
وإن كان مغلوبا جاز
وعلى الجملة الأصح الصحة مطلقا وعلى هذا ينصرف إليه العقد عند الإطلاق
ولو باع بمغشوشة ثم بان أن فضتها قليلة جدا فله الرد على المذهب
وقيل وجهان
أما إذا كان في البلد نقدان أو نقود لا غلبة لبعضها فلا يصح البيع حتى يعين
وتقويم المتلف يكون بغالب نقد البلد
فإن كان فيه نقدان فصاعدا ولا غالب عين القاضي واحدا للتقويم
ولو غلب من جنس العروض نوع فهل ينصرف الذكر إليه عند الإطلاق وجهان
أصحهما ينصرف كالنقد
ومن صوره أن يبيع صاعا من الحنطة بصاع منها أو بشعير في الذمة ثم يحضره قبل التفرق
وكما ينصرف العقد إلى النقد الغالب ينصرف في الصفات إليه أيضا
حتى لو باع بدينار أو بعشرة دنانير والمعهود في البلد الصحاح انصرف إليه وإن كان المعهود المكسر انصرف إليه
قال في البيان إلا أن تتفاوت قيمة

المكسر فلا يصح
وعلى هذا القياس لو كان المعهود أن يؤخذ نصف الثمن من هذا ونصفه من ذاك أو أن يؤخذ على نسبة أخرى فالبيع صحيح محمول عليه
وإن كان يعهد التعامل بهذا مرة وبهذا مرة ولم يكن بينهما تفاوت صح البيع وسلم ما شاء منهما
وإن كان بينهما تفاوت بطل البيع كما لو كان في البلد نقدان غالبان وأطلق
ولو قال بعت بألف صحاح ومكسرة فوجهان
أصحهما البيع باطل
والثاني أنه صحيح ويحمل على التنصيف
ويشبه أن يجري هذا الوجه فيما إذا قال بعت بألف ذهبا وفضة
قلت لا جريان له هناك والفرق كثرة التفاوت بين الذهب والفضة فيعظم الغرر
والله أعلم

فرع لو قال بعتك بدينار صحيح فجاء بصحيحين وزنهما مثقال لزمه القبول
لأن الغرض لا يختلف بذلك
وإن جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف قال في التتمة لزمه قبوله والزيادة أمانة في يده
والصواب أنه لا يلزمه القبول لما في الشركة من الضرر وقد ذكر في البيان نحو هذا
فلو تراضيا به جاز
وحينئذ لو أراد أحدهما كسره وامتنع الآخر لم يجبر عليه لما في هذه القسمة من الضرر
ولو باع بنصف دينار صحيح بشرط كونه مدورا جاز إن كان يعم وجوده
وإن لم يشترط فعليه شق وزنه نصف مثقال
فإن سلم إليه صحيحا أكثر من نصف مثقال وتراضيا بالشركة فيه جاز
ولو باعه شيئا بنصف دينار صحيح ثم باعه شيئا آخر بنصف دينار صحيح فإن سلم صحيحا عنهما فقد زاد خيرا وإن سلم قطعتين وزن كل واحدة نصف دينار جاز
فلو شرط في العقد الثاني تسليم صحيح عنهما فالعقد الثاني فاسد والأول ماض

على الصحة إن جرى الثاني بعد لزومه وإلا فهو إلحاق شرط فاسد بالعقد في زمن الخيار وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى

فرع لو باع بنقد قد انقطع عن أيدي الناس فالعقد باطل لعدم
على التسليم
وإن كان لا يوجد في تلك البلدة ويوجد في غيرها فإن كان الثمن حالا أو مؤجلا إلى مدة لا يمكن نقله فيها فهو باطل أيضا
وإن كان مؤجلا إلى مدة يمكن نقله فيها صح
ثم إن حل الأجل وقد أحضره فذاك وإلا فيبنى على أن الاستبدال عن الثمن هل يجوز إن قلنا لا فهو كانقطاع المسلم فيه
وإن قلنا نعم استبدل ولا ينفسخ العقد على الصحيح
وفي وجه ينفسخ
فإن كان يوجد في البلد إلا أنه عزيز فإن جوزنا الاستبدال صح العقد
فإن وجد فذاك وإلا فيستبدل
وإن لم نجوزه لم يصح
فلو كان النقد الذي جرى به التعامل موجودا ثم انقطع
فإن جوزنا الاستبدال استبدل وإلا فهو كانقطاع المسلم فيه
فرع لو باع بنقد معين أو مطلق وحملناه على نقد البلد فأبطل
ذلك النقد لم يكن للبائع إلا ذاك النقد كما لو أسلم في حنطة فرخصت فليس له غيرها
وفيه وجه شاذ ضعيف أنه مخير إن شاء أجاز العقد بذلك النقد وإن شاء فسخه كما لو تعيب قبل القبض

فرع لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم أو هذه
كل ذراع بدرهم أو هذه الأغنام كل شاة بدرهم صح العقد في الجميع على الصحيح ولا تضر جهالة جملة الثمن لأنه معلوم التفصيل
وقال ابن القطان لا يصح
ولو قال بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا لم يصح وأن علم عدد الجملة بخلاف مثله في الثوب والصبرة والأرض لأن قيمة الشياة تختلف
ولو قال بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم لم يصح
وقال ابن سريج يصح في صاع فقط
قلت وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الإجارة أنه لو قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم لم يصح على الصحيح الذي قطع به الجمهور واختار الإمام وشيخه الصحة
والله أعلم
ولو قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم أو قال مثله في الأرض والثوب نظر إن خرج كما ذكر صح البيع
وإن خرج زائدا أو ناقصا ففيه قولان
أظهرهما لا يصح لتعذر الجمع بين الأمرين
والثاني يصح لإشارته إلى الصبرة ويلغو الوصف
فعلى هذا إن خرج ناقصا فالمشتري بالخيار
فإن أجاز فهل يجيز بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به أم بالقسط لمقابلة كل صاع بدرهم وجهان
وإن خرج زائدا فلمن تكون الزيادة وجهان
أصحهما للمشتري فلا خيار له قطعا ولا للبائع على الأصح
والثاني يكون للبائع فلا خيار له وللمشتري الخيار على الأصح

فرع هذا الذي سبق هو فيما إذا كان العوض في الذمة
معينا فلا تشترط معرفة قدره بالكيل والوزن
فلو قال بعتك هذه الصبرة أو بعتك بهذه الدراهم صح وتكفي المشاهدة لكن هل يكره بيع الصبرة جزافا قولان
قلت أظهرهما يكره وقطع به جماعة وكذا البيع بصبرة ادراهم مكروه
والله أعلم
ولو كانت الصبرة على موضع من الأرض فيه ارتفاع وانخفاض أو باع السمن أو نحوه في ظرف مختلف الأجزاء رقة وغلظا فثلاث طرق
أصحها أن في صحة البيع قولي بيع الغائب والثاني القطع بالصحة والثالث القطع بالبطلان وهو ضعيف وإن كان منسوبا إلى المحققين
فإن قلنا بالصحة فوقت الخيار هنا معرفة مقدار الصبرة أو التمكن من تخمينه برؤية ما تحتها وإن قلنا بالبطلان فلو باع الصبرة والمشتري يظنها على استواء الأرض ثم بان تحتها دكة فهل نتبين بطلان العقد وجهان أصحهما لا ولكن للمشتري الخيار كالعيب والتدليس وبه قطع صاحب الشامل وغيره
والله أعلم
فرع لو قال بعتك هذه الصبرة إلا صاعا فإن كانت معلومة الصيعان
وإلا فلا

فصل وأما الصفة
ففيها مسائل
إحداها في بيع الأعيان الغائبة والحاضرة التي لم تر قولان
قال في القديم و الإملاء والصرف من الجديد يصح وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم وقال بتصحيحه طائفة من أئمتنا وأفتوا به منهم البغوي والروياني
وقال في الأم و البويطي لا يصح وهو اختيار المزني
وفي محل القولين ثلاث طرق
أصحها أنهما فيما لم يره المتعاقدان أو أحدهما جلا فرق
والثاني أنهما فيما شاهده البائع دون المشتري
فإن لم يشاهده البائع فباطل قطعا
والثالث إن رآه المشتري صح قطعا وإلا فالقولان
الثانية القولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته وفيما إذا أجر بعين غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السلم وسلمها في المجلس
أما إذا أصدقها عينا غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص على عين غائبة فيصح النكاح وتقع البينونة ويسقط القصاص قطعا
وفي صحة المسمى القولان
فإن لم يصح وجب مهر المثل على الرجل في النكاح وعلى المرأة في الخلع ووجبت الدية على المعفو عنه
ويجريان في رهن الغائب وهبته وهما أولى بالصحح لعدم الغرر
ولهذا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية
الثالثة إن لم يجز بيع الغائب وشراؤه لم يجز بيع الأعمى وشراؤه وإلا فوجهان
أصحهما لا يجوز أيضا إذ لا سبيل إلى رؤيته فيكون كبيع الغائب على أن لا خيار
والثاني يجوز ويقام وصف غيره له مقام رؤيته وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم
فإذا قلنا لا يصح بيعه وشراؤه لم يصح

منه الإجارة والرهن والهبة أيضا
وهل له أن يكاتب عبده قال في التهذيب لا
وقال في التتمة المذهب جوازه تغليبا للعتق
قلت الأصح الجواز
والله أعلم
ويجوز أن يؤجر نفسه وللعبد الأعمى أن يشتري نفسه وأن يقبل الكتابة على نفسه لعلمه بنفسه ويجوز أن يتزوج
وإذا زوج موليته تفريعا على أن العمى غير قادح في الولاية والصداق عين مال لم يثبت المسمى وكذا لو خالع الأعمى على مال
أما إذا أسلم في شىء أو أسلم إليه فينظر إن عمي بعد بلوغه سن التمييز صح لأنه يعرف الأوصاف ثم يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط ولا يصح قبضه بنفسه على الأصح لأنه لا يميز بين المستحق وغيره
وإن خلق أعمى أو عمي قبل التميز فوجهان
أصحهما عند العراقيين والأكثرين من غيرهم الصحة لأنه يعرف بالسماع
فعلى هذا إنما يصح إذا كان رأس المال موصوفا معينا في المجلس فإن كان معينا فهو كبيعة العين
ثم كل ما لا يصح من الأعمى من التصرفات فطريقه أن يوكل ويحتمل ذلك للضرورة
قلت لو كان الأعمى رأى شيئا مما لا يتغير صح بيعه وشراؤه إياه إذا صححنا ذلك من البصير وهو المذهب
والله أعلم
الرابعة إذا لم نجوز بيع الغائب وشراءه فعليه فروع
أحدها لو اشترى غائبا رآه قبل العقد نظر إن كان مما لا يتغير غالبا كالأرض والأواني والحديد والنحاس ونحوها أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء صح العقد لحصول العلم المقصود
وقال الأنماطي لا يصح وهو شاذ مردود
فإذا صححناه فوجده كما رآه أولا فلا خيار
وإن وجده متغيرا فالمذهب أن العقد صحيح وله الخيار وبهذا قطع الجمهور

وذكر في الوسيط وجها أنه يتبين بطلان البيع لتبين انتفاء المعروفة
قال الإمام وليس المراد بتغيره حدوث عيب فإن خيار الغيب لا يختص بهذه الصورة بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية
فكل ما فات منها فهو كتبين الخلف في الشرط
وأما إذا كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا بأن رأى ما يسرع فساده من الأطعمة ثم اشتراه بعد مدة صالحة فالبيع باطل
وإن مضت مدة يحتمل أن يتغير فيها ويحتمل أن لا يتغير أو كان حيوانا فالأصح الصحة
فإن وجده متغيرا فله الخيار
وإذا اختلفا فقال المشتري تغير
وقال البائع هو بحاله فالأصح المنصوص أن القول قول المشتري مع يمينه لأن البائع يدعي عليه علمه بهذه الصفة فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب
والثاني القول قول البائع
الثاني استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم هل يقوم مقام الرؤية وكذا سماع وصفه بطرق التواتر وجهان
أصحهما لا وبه قطع العراقيون
الثالث لو رأى بعض الشىء دون بعض فإن كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي صح البيع قطعا وذلك مثل رؤية ظاهر صبرة الحنطة ونحوها
ثم لا خيار إذا رأى باطنها إلا إذا خالف ظاهرها
وحكي قول شاذ ضعيف أنه لا يكفى رؤية ظاهر الصبرة بل لا بد من أن يقلبها ليعرف باطنها والمشهور هو الأول
وفي معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق
فلو كان شىء منها في وعاء فرأى أعلاه أو رأى أعلى السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها كفى
ولو كانت الحنطة في بيت مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب كفى إن عرف سعة البيت وعمقه وإلا فلا
وكذا حكم الجمد في المجمدة
ولا تكفي رؤية صبرة البطيخ والسفرجل والرمان بل لا بد من رؤية كل واحدة منها
ولا يكفي في سلة العنب والخوخ ونحوهما رؤية أعلاها لكثرة الاختلاف فيها بخلاف الحبوب
وأما التمر فإن لم تلزق حباته فصبرته كصبرة

الجوز واللوز
وإن التزقت كالقوصرة كفى رؤية أعلاها على الصحيح
وأما القطن في العدل فهل تكفي رؤية أعلاه أم لا بد من رؤية جميعه فيه خلاف حكاه الصيمري وقال الأشبه عندي أنه كقوصرة التمر
الرابع لو أراه أنموذجا وبنى أمر البيع عليه نظر إن قال بعتك من هذا النوع كذا فهو باطل لأنه لم يعين مالا ولم يراع شروط السلم ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح لأنالوصف باللفظ يرجع إليه عند النزاع
وإن قال بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الأنموذج منها فإن لم يدخل الأنموذج في البيع لم يصح على الأصح لأن المبيع غير
مرئي
وإن أدخله صح على الأصح
ولا يخفى أن مسألة الأنموذج مفروضة في المتماثلات
الخامس إذا كان الشىء مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي
فإن كان المرئي صوانا له كقشر الرمان والبيض كفى رؤيته وكذا شراء الجوز واللوز في القشر الأسفل
ولا يصح بيع اللب وحده على القولين جميعا لأن تسليمه لا يمكن إلا بكسر القشر فينقص عين المبيع
ولو رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها لم يكف لأن المعرفة التامة لا تحصل به وليس فيه صلاح له بخلاف السمك يراه في الماء الصافي يجوز بيعه
وكذا الأرض يعلوها ماء صاف لأن الماء من صلاحهما
وإن لم يكن كذلك لم تكف رؤية البعض على هذا القول الذي تفرع عليه
وأما على القول الآخر فيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في المسألة الخامسة
السادس الرؤية في كل شىء على حسب ما يليق به
ففي شراء الدار لا بد من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا والمستحم والبالوعة
وفي البستان يشترط رؤية الأشجار والجدران ومسايل الماء ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الأشجار ونحوهما
وقيل في

اشتراط رؤية طريق الدار ومجرى الماء الذي تدور به الرحى وجهان
ويشترط في شراء العبد رؤية الوجه والأطراف ولا يجوز رؤية العورة
وفي باقي البدن وجهان
أصحهما الاشتراط وبه قطع صاحبا التهذيب و الرقم
وفي الجارية أوجه
أحدها كالعبد
والثاني يشترط رؤية ما يظهر عند الخدمة
والثالث تكفي رؤية الوجه والكفين
وفي الأسنان واللسان وجهان
ويشترط رؤية الشعر على الأصح
قلت الأصح أنها كالعبد
والله أعلم
ويشترط في الدواب رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ويشترط رفع السرج والإكاف والجل
وفي وجه يشترط أن يجري الفرس بين يديه ليعرف سيره ويشترط في الثوب المطوي نشره
قال الإمام ويحتمل عندي أن يصحح بيع الثياب التي لا تنشر أصلا إلا عند القطع لما في نشرها من النقص
قلت قال القفال في شرح التلخيص لو اشترى الثوب المطوي وصححناه فنشره واختار الفسخ وكان لطيه مؤنة ولم يحسن طيه لزم المشتري مؤنة الطي كما لو اشترى شيئا ونقله إلى بيته فوجد به عيبا فإن مؤنة الرد على المشتري
والله أعلم
ثم إذا نشرت فما كان صفيقا كالديباج المنقش فلا بد من رؤية وجهيه وكذا البسط والزلالي
وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه كالكرباس كفى رؤية أحد وجهيه على الأصح
ولا يصح بيع الثياب التوزية في المسوح على هذا القول ولا بد في شراء المصحف والكتب من تقليب الأوراق ورؤية جميعها
وفي الورق البياض لا بد من رؤية جميع الطاقات
قال أبو الحسن العبادي الفقاع يفتح رأسه فينظر فيه بقدر الإمكان ليصح بيعه
وأطلق الغزالي في الإحياء المسامحة به

قلت الأصح قول الغزالي
والله أعلم
المسألة الخامسة إذا جوزنا بيع الغائب فعليه فروع
أحدها بيع اللبن في الضرع باطل
فلو قال بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا لم يجز على المذهب لعدم تيقن وجود ذلك القدر
وقيل فيه قولا بيع الغائب
ولو حلب شيئا من اللبن فأراه ثم باعه رطلا مما في الضرع فوجهان كالأنموذج
وذكر الغزالي الوجهين فيما لو قبض قدرا من الضرع وأحكم شده وباع ما فيه
قلت الأصح في الصورتين البطلان لأنه يختلط بغيره مما ينصب في الضرع
والله أعلم
الثاني لا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم
وفي وجه يجوز بشرط الجز وهو شاذ ضعيف
ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذكاة وتجوز الوصية باللبن في الضرع والصوف على الظهر
الثالث بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ باطل سواء بيع الجلد واللحم معا أو أحدهما
ولا يجوز بيع الأركاع والرؤوس قبل الإبانة
وفي الأركاع وجه شاذ
ويجوز بيعها بعد الإبانة نيئة ومشوية
وكذا المسموط نيئا ومشويا
وفي النيء احتمال للإمام
الرابع بيع المسك في الفأرة باطل سواء بيع معها أو دونها كاللحم في الجلد سواء فتح رأس الفأرة أم لا
وقال في التتمة إذا كانت مفتوحة نظر إن لم يتفاوت ثخنها وشاهد المسك فيها صح البيع وإلا فلا
وقال ابن سريج يجوز بيعه مع الفأرة مطلقا كالجوز
ولو رأى المسك خارج الفأرة ثم اشتراه بعد الرد إليها فإن كان رأسها مفتوحا فرآه جاز وإلا فعلى قولي بيع الغائب

قلت قال أصحابنا لو باع المسك المختلط بغيره هم يصح لأن المقصود مجهول
كما لا يصح بيع اللبن المخلوط بماء
ولو باع سمنا في ظرف ورأى أعلاه مع ظرفه أو دونه صح
فإن قال بعتكه بظرفه كل رطل بدرهم فإن لم يكن للظرف قيمة بطل
وإن كان فقد قيل يصح وإن اختلفت قيمتهما كما لو باع فواكه مختلطة أو حنطة مختلطة بشعير وزنا أو كيلا
وقيل باطل لأن المقصود السمن وهو مجهول بخلاف الفواكه فكلها مقصودة
وقيل إن علما وزن الظرف والسمن جاز وإلا فلا وهذا هو الأصح صححه الجمهور وقطع به معظم العراقيين
وإن باع المسك بفأرة كل مثقال بدينار فكالسمن بظرفه ذكره البغوي وغيره
والله أعلم
الخامس لو رأى بعض الثوب وبعضه الآخر في صندوق فالمذهب أنه على القولين في الغائب وبه قال الجمهور
وقيل باطل قطعا
ولو كان المبيع شيئين رأى أحدهما فقط فإن أبطلنا بيع الغائب بطل فيما لم يره وفي المرئي قولا تفريق الصفقة وإلا ففي صحة العقد فيهما القولان فيمن جمع في صفقة بين مختلفي الحكم لأن ما رآه لا خيار فيه وما لم يره فيه الخيار
فإن صححنا فله رد ما لم يره وإمساك ما رآه
السادس إذا لم يشرط الرؤية فلا بد من ذكر جنس المبيع ونوعه بأن يقول بعتك عبدي التركي أو فرسي العربي
ولا يكفي بعتك ما في كمي أو كفي أو خزانتي أو ميراثي من فلان إذا لم يعرفه المشتري
وفي وجه يكفي
وفي وجه آخر يكفي ذكر الجنس ولا حاجة إلى النوع فيقول عبدي وهما شاذان ضعيفان
وإذا ذكر الجنس والنوع لم يفتقر إلى ذكر الصفات على الأصح المنصوص في الإملاء والقديم
وفي وجه يفتقر إلى ذكر معظم الصفات وضبط ذلك بما يصف به المدعى عند القاضي قاله القاضي أبو حامد
وفي وجه أضعف

منه يفتقر إلى صفات السلم قاله أبو علي الطبري
فعلى الأصح لو كان له عبدان من أنواع فلا بد من زيادة يقع بها التمييز كالتعرض للسن أو غيره
السابع إذا قلنا يشترط الوصف فوصف فإن وجده كما وصف فله الخيار على الأصح
وقيل له الخيار قطعا
وإن وجده دون وصفه فله الخيار قطعا
وإن قلنا لا حاجة إلى الوصف فللمشتري الخيار عند الرؤية سواء شرط الخيار أم لا
وقيل لا يثبت الخيار إلا أن يشرطه
والصحيح الأول
وهل له الخيار قبل الرؤية فيه أوجه
الصحيح أنه يند فسخه قبل الرؤية ولا تنفذ إجارته
والثاني ينفذان
والثالث لا ينفذان
وأما البائع فالأصح أنه لا خيار له سواء كان رأى المبيع أم لا
وقيل له الخيار في الحالين
وقيل له الخيار إن لم يكن رآه وبه قطع الشيخ ومتابعوه كالمشتري
ثم خيار الرؤية حيث ثبت هل هو على الفور أم يمتد امتداد مجلس الرؤية وجهان
أصحهما يمتد
قال الشيخ أبو محمد
الوجهان بناء على وجهين في أنه هل يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية كشراء العين الحاضرة أم لا يثبت للاستغناء بخيار الرؤية فعلى الأول خيار الرؤية على الفور لثلا يثبت خيار مجلسين
وعلى الثاني يمتد
الثامن لو تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية ففي انفساخ البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط
ولو باعه قبل الرؤية لم يصح بخلاف ما لو باعه في زمن خيار الشرط فإنه يصح على الأصح لأنه يصير مجيزا للعقد وهنا لا إجازة قبل الرؤية
التاسع هل يجوز أن يوكل في الرؤية من يفسخ أو يجيز ما يستصوبه وجهان
أصحهما يجوز كالتوكيل في خيار العيب والخلف
والثاني لا لأنه خيار شهوة لا يتوقف على نقص ولا غرض فأشبه ما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة يوكل في الاختيار
العاشر نقل صاحب التتمة والروياني وجها أنه يعتبر على قول اشتراط

الرؤية الذوق في الخل ونحوه والشم في المسك ونحوه واللمس في الثياب ونحوها والصحيح المعروف أنها لا تعتبر
الحادي عشر ذكر بعضهم أنه لا بد من ذكر موضع المبيع الغائب
فلو كان في غير بلد التبايع وجب تسليمه في ذلك البلد ولا يجوز شرط تسليمه في بلد التبايع
بخلاف السلم فإنه مضمون في الذمة
والعين الغائبة غير مضمونة في الذمة فاشتراط نقلها يكون بيعا وشرطا
الثاني عشر لو رأى ثوبين فسرق أحدهما فاشترى الباقي ولا يعلم أيهما المسروق قال الغزالي في الوسط إن تساوت صفتهما وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس واحد صح قطعا وإن اختلفا في شىء من ذلك خرج على بيع الغائب
الثالث عشر إذا لم نشرط الرؤية فاختلفا فقال البائع للمشتري رأيت المبيع فلا خيار لك فأنكر المشتري فالقول قول البائع على الأصح
وإن شرطنا الرؤية فاختلفا قال الغزالي في فتاويه القول قول البائع لأن إقدام المشتري على العقد اعتراف بصحته ولا ينفك هذا عن خلاف
قلت هذه مسألة اختلافهما في مفسد للعقد وفيها الخلاف المعروف
والأصح أن القول قول من يدعي الصحة وعليه فرعها الغزالي
وبقيت مسائل تعلق بالباب منها بيع أستار الكعبة فيه خلاف قدمته في أواخر الحج
وبيع أشجار الحرم وصيده حرام باطل
قال القفال إلا أن يقطع شيئا يسيرا لدواء فيجوز بيعه حينئذ
وفيما قاله نظر وينبغي أن لا يجوز كالطعام الذي أبيح له أكله لا يجوز بيعه
قال صاحب التلخيص حكم شجر النقيع بالنون الذي هو الحمى حكم أشجار الحرم فلا يجوز بيعه
ومما تعم به البلوى ما اعتاده الناس من بيع نصيبه من الماء الجاري لن النهر
قال المحاملي في اللباب هذا باطل لوجهين
أحدهما أن المبيع غير معلوم القدر
والثاني أن الماء الجاري

غير مملوك وسيأتي هذا مع غيره مبسوطا في آخر كتاب إحياء الموات إن شاء الله تعالى
والله أعلم

باب الربا
إنما يحرم الربا في المطعوم والذهب والفضة
فأما المطعوم فسواء كان مما يكال أو يوزن أم لا هذا هو الجديد وهو الأظهر
والقديم أنه يشترط مع الطعم الكيل أو الوزن
فعلى هذا لا ربا في السفرجل والرمان والبيض والجوز وغيره مما لا يكال ولا يوزن
وقال الأودني من أصحابنا لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا ولا يشترط الطعم وهذا شاذ مردود
والمراد بالمطعوم ما يعد للطعم غالبا تقوتا أو تأدما أو تفكها أو غيرها فيدخل في الفواكه والحبوب والبقول والتوابل وغيرها
وسواء ما أكل نادرا كالبلوط والطرثوث وما أكل غالبا وما أكل وحده أو مع غيره
ويجري الربا في الزعفران على الأصح وسواء ما أكل للتداوي كالإهليلج والبليلج والسقمونيا وغيرها وما أكل لغرض آخر
وفي التتمة وجه أنه ما يقتل كثيره ويستعمل قليله في الأدوية كالسقمونيا لا ربا فيها وهو ضعيف
والطين الخراساني ليس ربويا على المذهب
والأرمني ربوي على الصحيح لأنه دواء
ودهن البنفسج والورد والبان ربوي على الأصح
ودهن الكتان والسمك وحب الكتان وماء الورد والعود ليس ربويا على الأصح
والزنجبيل والمصطكى ربوي على الأصح
والماء إذا صححنا بيعه ربوي على الأصح
ولا ربا في الحيوان ولكن ما يباح أكله على هيئته كالسمك الصغير على وجه يجري فيه الربا على الأصح
وأما الذهب والفضة فقيل يثبت الربا فيهما

لعينهما لا لعلة
وقال الجمهور العلة فيهما صلاحية الثمنية الغالبة
وإن شئت قلت جوهرية الأثمان غالبا
والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلى والأواني منهما
وفي تعدى الحكم إلى الفلوس إذا راجت وجه والصحيح أنه لا ربا فيهما لانتفاء الثمنية الغالبة
ولا يتعدى إلى غير الفلوس من الحديد والنحاس والرصاص وغيرها قطعا

فصل إذا باع مالا بمال فله حالان

أحدهما أن لا يكونا ربوبين
والثاني أن يكونا
فالحال الأول يشمل ما إذا لم يكن فيهما ربوي وما إذا كان أحدهما ربويا
وعلى التقديرين في هذا الحال لا تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض في المجلس سواء اتفق الجنس أو اختلف
حتى لو باع حيوانا بحيوانين من جنسه أو أسلم ثوبا في ثوبين من جنسه جاز
وأما الحال الثاني فتارة يكونان ربويين بعلتين وتارة بعلة
فإن كانا بعلتين لم تجب رعاية التماثل ولا التقابض ولا الحلول
ومن صوره أن يسلم أحد النقدين في الحنطة أو يبيع الحنطة بالذهب أو بالفضة نقدا أو نسيئة وإن كانا بعلة
فإن اتحد الجنس بأن باع الذهب بالذهب والحنطة بالحنطة ثبتت أحكام الربا الثلاثة فتجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس
وإن اختلف الجنس كالحنطة وبالشعير والذهب بالفضة لم تعتبر الماثلة ويعتبر الحلول والتقابض في المجلس

فرع حيث اعتبرنا التقابض فتفرقا قبله بطل العقد

ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ثم تفرقا بطل فيما لم يقبض
وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة
والتخاير في المجلس قبل التقابض كالتفرق فيبطل العقد
وقال ابن سريج لا يبطل
والصحيح الأول
ولو وكل أحدهما وكيلا بالقبض فقبض قبل مفارقة الموكل المجلس جاز وبعده لا يجوز
فرع قد سبق بيع مال الربا بجنسه مع زيادة لا يجوز
فلو أراد بيع صحاح بمكسرة أو غير ذلك مع الزيادة فله طرق
منها أن يبيع الدراهم بالدنانير أو بعرض
فإذا تقابضا وتخايرا أو تفرقا اشترى منه الدراهم المكسرة بالدنير أو العرض فيصح ذلك سواء اتخذه عادة أم لا
ولو اشترى المكسرة بالدنانير أو العرض الذي اشتراه منه قبل قبضه لم يجز
وإن كان بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير جاز على المذهب بخلاف ما لو باعه لغير بائعه قبل التفرق والتخاير فإنه لا يجوز لما فيه من إسقاط خيار العاقد الآخر وهنا يحصل بتجايعهما الثاني إجازة الأول
ومنها أن يقرض صاحبه الصحاح ويستقرض منه المكسرة ثم يبرىء كل واحد منهما صاحبه

ومنها أن يهب كل واحد ماله للآخر
ومنها أن يبيع الصحاح بوزنها مكسورة ويهبه صاحب المكسورة الزيادة فجميع هذه الطرق جائزة إذا لم يشرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر
قلت هذه الطرق وإن كانت جائزة عندنا فهي مكروهة إذا نويا ذلك
ودلائل الكراهة أكثر من أن تحصى
والله أعلم

فرع لو باع نصفا شائعا من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة جاز
إليه الدينار ليحصل تسليم النصف ويكون النصف الآخر أمانة في يد القابض بخلاف ما لو كان له عشرة عليه فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت أحد عشر كان الدينار الفاضل للدافع على الإشاعة ويكون مضمونا على القابض لأنه قبضه لنفسه
ثم إذا سلم الدراهم الخمسة فله أن يستقرضها ويشتري بها النصف الآخر
ولو باعه كل الدينار بعشرة وليس معه إلا خمسة فدفعها إليه واستقرض منه خمسة أخرى فقبضها وردها إليه عن الثمن جاز ولو استقرض الخمسة المدفوعة لم يكف على الأصح
فصل معيار الشرع الذي ترعى المماثلة به هو الكيل والوزن

فالمكيل لا يجوز بيع بعضه ببعض وزنا ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت وزنا
والموزون لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت كيلا

والذهب والفضة موزونان
والحنطة والشعير والتمر والزبيب والملح ونحوها مكيلة وكل ما كان مكيلا بالحجاز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكيل وما كان موزونا فموزون
فلو أحدث الناس خلاف ذلك فلا اعتبار بإحداثهم
فلو كان الملح قطعا كبارا فوجهان
أحدهما يسحق ويباع كيلا فإنه الأصل
وأصحهما يباع وزنا اعتبارا بهيئته في الحال
وكذا كل شىء يتجافى في الكيل يباع بعضه ببعض وزنا وما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان ولم يعلم هل كان يكال أم يوزن أو علم أنه كان يوزن مرة ويكال أخرى ولم يكن أحدهما أغلب قال المتولي إن كان أكبر جرما من التمر اعتبر فيه الوزن وإن كان مثله أو أصغر ففيه أوجه
أصحها تعتبر عادة الوقت في بلد البيع
والثاني عادة الوقت في أكثر البلاد
فإن اختلفت ولا غالب اعتبرنا شبه الأشياء به
والثالث يعتبر الوزن
والرابع الكيل
والخامس يعتبر بأشبه الأشياء به
والسادس يتخير بين الكيل والوزن وهو ضعيف
ثم منهم من خص هذا الخلاف بما إذا لم يكن للشىء أصل معلوم العيار
أما إذا استخرج ماهذا حاله من أصل
فهو معتبر بأصله
ومنهم من أطلق قال الإمام وسواء المكيال المعتاد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المكاييل المحدثة بعده كما أنا إذاعرفنا التساوي بالتعديل في كفتي الميزان تكتفي به وإن لم نعرف قدر ما في كل كفة
وفي الكيل بالقصعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به
تردد للقفال
والأصح الجواز
والوزن بالطيار والقرسطون وزن
وأما الماء فقد يتأتى به الوزن بأن يوضع الشىء في ظرف ويلقى في الماء وينظر قدر غوصه لكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا فالظاهر أنه لا يجوز التعويل عليه في الربويات
قلت قد عول أصحابنا عليه في أداء المسلم فيه وفي الزكاة في مسألة الإناء بعضه ذهب وبعضه فضة وقد ذكرناه في بابه ولكن الفرق ظاهر
والله أعلم

فرع هذا الذي ذكرناه كله في مقدر يباع بجنسه

أما ما لا يقدر بكل ولا وزن كالبطيخ والقثاء والرمان والسفرجل فإن قلنا بالقديم إنه لا ربا فيها جاز بيع بعضها ببعض كيف شاء حتى قال القفال لو جفف شىء منها وكان يوزن في جفافه فلا ربا فيه أيضا لأنه لا ربا فيه في أكمل أحواله وهو حال الرطوبة
قال الإمام والظاهر جريان الربا فيه فإنه في حال الجفاف مطعوم مقدر
وإن قلنا بالجديد إن فيه الربا جاز بيعه بغير جنسه كيف شاء
وأما بجنسه فينظر إن كان مما يجفف كالبطيخ الذي يفلق وحب الرمان الحامض وكل ما يجفف من الثمار وإن مقدرا كالمشمش والخوخ والكمثري الذي يفلق لم يجز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة ويجوز حال الجفاف على الصحيح
وعلى الشاذ لا يجوز إذ ليس له حال كمال
وإن كان مما لا يجفف كالقثاء ونحوه فهل يجوز بيع بعضه ببعض في حال رطوبته فيه وفي المقدرات التي لا تجفف كالرطب الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب قولان
أظهرهما لا يجوز كالرطب بالرطب
والثاني يجوز كاللبن باللبن
فعلى هذا إن لم يمكن كيله كالبطيخ والقثاء بيع وزنا
وإن أمكن كالتفاح والتين فيباع كيلا أو وزنا وجهان
أصحهما وزنا ولا بأس على الوجهين بتفاوت العدد
فرع لو أراد شريكان قسمة ربوي فإن قلنا بالأظهر إن القسمة بيع
يجز

قسمة المكيل وزنا ولا الموزون كيلا
وما لا يباع بعضه ببعض كالرطب والعنب لا يقسم أصلا
وإن قلنا القسمة إفراز جاز قسمة المكيل وزنا وعكسه وجاز قسمة الرطب ونحوه وزنا
ولا يجوز قسمة غير الرطب والعنب خرصا
ويجوز قسمتهما خرصا إذا قلنا إفراز
وقيل لا يجوز
والأول هو الأصح المنصوص

فرع لا يجوز بيع الربوي بجنسه جزافا ولا بالتخمين والتحري

فلو باع صبرة حنطة بصبرة أو دراهم بدراهم جزافا وخرجنا متماثلتين لم يصح العقد لأن التساوي شرط
وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد
ولهذا لو نكح امرأة لا يعلم أهي أخته أم معتدة أم لا لم يصح النكاح وسواء جهلا الصبرتين أو إحداهما
ولو قال بعتك هذه الصبرة بهذه مكايلة أو كيلا بكيل أو هذه الدراهم بتلك موازنة أو وزنا بوزن فإن كالا أو وزنا وخرجتا سواء صح العقد وإلا لم يصح على الأظهر
وعلى الثاني يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة ولمشتري الكبيرة الخيار
وحيث صححنا فتفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل والوزن لم يبطل العقد على الأصح
ولو قال بعتك هذه الصبرة بكيلها من صبرتك وصبرة المخاطب أكبر صح
ثم إن كالا في المجلس وتقابضا تم العقد
وإن تقابضا الجملتين وتفرقا قبل الكيل فعلى الوجهين
ولو باع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافا جاز ولو باعها بها صاعا بصاع أو بصاعين فهو كما لو كانتا من جنس واحد
قلت قال أكثر أصحابنا إذا باع صبرة حنطة بصبرة شعير صاعا بصاع وخرجتا متساويتين صح
وإن تفاضلتا فرضي صاحب الزائدة بتسليم الزيادة تم

البيع ولزم الآخر قبولها
وإن رضي صاحب الناقصة بقدرها من الزائدة أقر العقد
وإن تشاحا فسخ البيع
والله أعلم

فصل في بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة ومقصوده أن يشتمل العقد على
صفة وهو ضربان
أحدهما يكون الربوي من الجانبين جنسا والثاني يكون جنسين
فالأول فيه تقع القاعدة المقصودة
فمن صوره أن يختلف الجنس من الطرفين أو أحدهما كما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم أو بمدي عجوة أو بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير أو بصاعي حنطة أو بصاعي شعير
ومن صوره أن يختلف النوع أو الصفة من الطرفين أو أحدهما كما إذا باع مد عجوة ومد صيحاني بمد عجوة ومد صيحاني أو بمدي عجوة أو بمدي صيحاني أو باع مائة دينار جيدة ومائة دينار رديئة بمائتي دينار جيد أو رديء أو وسط أو بمائة جيد ومائة رديء فلا يصح البيع في شىء من هذه الصور ونظائرها
هذا هو الصحيح المعروف الذي قطع به الجمهور ولنا وجه أنه إذا باع مد عجوة ودرهما بمد ودرهم والدرهمان من ضرب واحد والمدان من شجرة واحدة أو باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما وصاعا الحنطة من صبرة وكذا الشعير صح
ويحكى هذا عن القاضيين أبي الطيب وحسين واختاره الروياني
وحكى صاحب البيان وجها أنه لا يضر اختلاف النوع والصفة إذا اتحد الجنس
والمعروف ما سبق

ومن صور هذا الأصل أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر أو بصحيحين أو بمكسرين إذا كانت قيمة المكسر دون الصحيح ولنا وجه ضعيف أن صفة الصحة في محل المسامحح
ثم إن الأصحاب أطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم المذهب
وحكى صاحب التتمة أنه إذا باع مدا ودرهما بمدين بطل العقد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين
وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدين قيه قولا تفريق الصفقة
وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاعي حنطة أو بصاعي شعير
ويمكن أن يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله
ولو كان الجيد مخلوطا بالرديء فباع صاعا منه بمثله أو بجيد أو برديء جاز لأن التوزبع إنما يكون عند تميز أحد النوعين عن الآخر
أما إذا لم يتميز فهو كما لو باع صاعا وسطا بجيد أو رديء فيجوز
ثم صور البطلان مفروضة فيما إذا قابل الجملة بالجملة
فلو فصل فتبايعا مد عجوة ودرهما بمد ودرهم وجعلا المد في مقابلة المد والدرهم في مقابلة الدراهم أو جعلا المد في مقابلة الدراهم والدراهم في مقابلة المد جاز وكان كصفقتين متباينتين
الضرب الثاني أن يكون الربوي من الطرفين جنسين وفي الطرفين أو أحدهما شىء آخر فإن اختلفت علة الربا بأن باع درهما ودينارا بصاع حنطة وصاع شعير جاز
وإن اتفقت فإن كان التقابض شرطا في جميع العوضين بأن باع صاع حنطة أو صاع شعير بصاعي تمر أو بصاع تمر وصاع ملح جاز أيضا
وإن كان التقابض شرطا في البعض فقط بأن باع صاع حنطة ودرهما بصاعي شعير ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم لأن ما يقابل الدرهم من الشعير لا يشترط فيه التقابض
وما يقابل الحنطة يشترط فيه

فرع لو باع صاع حنطة بصاع حنطة وفيهما أو في أحدهما
التبن أو مدر أو حبات شعير لم يجز
وضبط الإمام المنع بأن يكون الخليط قدرا لو ميز ظهر على المكيال فإن كان لا يظهر لم يضر ولو كان فيهما أو في أحدهما دقاق تبن أو قليل تراب لم يضر لأن ذلك يدخل في تضاعيف الحنطة ولا يظهر في المكيال بخلاف ما لو باع موزنا بجنسه وفيهما أو في أحدهما قليل تراب لا يجوز لأنه يؤثر في الوزن
ولو باع حنطة بشعير وفيهما أو في أحدهما حبات من الآخر يسيرة صح وإن كثر لم يصح قال الإمام ولا يضبط ذلك بالتأثير في الكيل ولا بالتمل بل ضبط الكثير أن يكون الشعير المخالط للحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا وكذا بالعكس
فرع لو باع دارا بذهب فظهر فيها معدن ذهب أو باع دارا
ماء بدار فيها بئر ماء وقلنا الماء ربوي صح البيع في المسألتين على الأصح لأنه تابع والثاني لا يصح كبيع دار موهت بذهب تمويها يحصل منه شىء بذهب
فصل في الحال الذي تعتبر فيه المماثلة الربوي ضربان

ما يتغير من حال إلى حال وما لا يتغير

فالمتغير تعتبر المماثلة في بيع الجنس منه بالجنس في أكمل أحواله
فمنه الفواكه فتعتبر المماثلة حال الجفاف خاصة فلا يجوز بيع الرطب بتمر ولا رطب ولا بيع العنب بعنب ولا زبيب وكذا كل ثمرة لها حال جفاف كالتين والمشمش والخوخ والبطيخ والكمثري الذين يفلقان والإجاص والرمان الحامض لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها
وحكى وجه في المشمش والخوخ وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب أنه يجوز بيعها بعضها ببعض في حال الرطوبة لأنها أكمل أحوالها
وهذا الوجه شاذ
ويجوز بيع الجديد بالعتيق إلا أن تبقى في الجديد نداوة بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال
وأما ما ليس له حال جفاف كالعنب الذي لا يتزبب والرطب الذي لا يتتمر والبطيخ والكمثرى اللذين لا يفلقان والرمان الحلو والباذنجان والقرع والبقول فقد سبق أنه لا يجوز جيع بعضها ببعض على الأظهر
ويجوز المزني بيع الرطب بالرطب وبه قال مالك و أبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم
ويستثنى من بيع الرطب بالتمر صورة العرايا وستأتي إن شاء الله تعالى

فرع يجوز بيع الحنطة بالحنطة بعد التنقية من القشر والتبن ما دامت
على هيأتها بعد تناهي جفافها
فإذا بطلت تلك الهيئة خرجت عن الكمال
فلا يجوز بيع الحنطة بشىء مما يتخذ منها من المطعومات كالدقيق والسويق والخبز والنشا ولا بما فيه شىء مما يتخذ من الحنطة كالمصل ففيه الدقيق والفالوذج ففيه النشا
وكذا لا يجوز بيع الأشياء بعضها ببعض لخروجها عن حال الكمال
هذا هو المذهب والمشهور
وحكي قول أنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق كيلا وجعل إمام الحرمين هذا القول في أن الحنطة والدقيق جنسان يجوز التفاضل فيهما
ويشبه أن يكون منفردا بهذه الرواية
وحكي البويطي والمزني قولا أنه يجوز

بيع الدقيق بالدقيق كالدهن بالدهن
وحكي قول في جواز بيع الخبز الجاف المدقوق بمثله كيلا
وقول أن الحنطة مع السويق جنسان
وكل هذه الأقوال شاذة
ولا يجوز بيع الحنطة المقلية ولا المبلولة بمثلها ولا بغيرها
وإن جففت المبلولة لم يجز أيضا لتفاوت جفافها والحنطة التي فركت وأخرجت من السنابل ولم يتم جفافها كالمبلولة
والنخالة ليس ربوية وكذا الحنطة المسوسة التي لم يبق فيها شىء من اللب فيجوز بيعها بالحنطة وبعضها ببعض متفاضلا

فرع السمسم وغيره من الحبوب التي تتخذ منها الأدهان حال كمالها ما
بالدقيق
وأما دهنها المستخرج فكامل فيجوز بيع بعضه ببعض متماثلا على الصحيح
وقيل لا يجوز لما يطرح فيه من ملح ونحوه
فرع قد يكون للشىء حالتا كمال كالزبيب والخل كاملان وأصلهما العنب
وكذا العصير كامل على الأصح فيجوز بيع عصير العنب بعصير العنب وعصير الرطب بعصير الرطب
والمعيار فيه وفي الدهن الكيل
ويجوز بيع الكسب بالكسب وزنا إن لم يكن فيه خلط
فإن كان لم يجز

فرع الأدهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر كلها مستخرجة

فإذا قلنا يجري فيها الربا جاز بيع بعضها ببعض وإن ربى السمسم فيها ثم استخرج دهنه
وإن استخرج الدهن ثم طرحت أوراقها فيه لم يجز
فرع عصير الرمان والتفاح وسائر الثمار كعصير العنب والرطب وكذا

ويجوز بيع خل الرطب بخل الرطب وخل العنب بخل العنب كيلا
ولا يجوز بيع خل الزبيب بمثله ولا خل التمر بمثله لأن فيهما ماء فيمتنع العلم بالمماثلة
ولا يجوز بيع خل العنب بخل الزبيب ولاخل الرطب بخل التمر لأن في أحدهما ماء
ولا يجوز بيع خل الزبيب بخل التمر إذا قلنا الماء ربوي
قلت فإن قلنا الماء غير ربوي فمقتضى كلام الرافعي جوازه وبه صرح الجمهور
وقيل فيه القولان فيمن جمع بين عقدين مختلفي الحكم لأن الخلين يشترط فيهما القبض في المجلس بخلاف الماءين
وممن ذكر ذا الطريق البغوي في كتابه التعليق في شرح مختصر المزني
وهذا الطريق هو الصواب ولعل الأصحاب اقتصروا على أصح القولين وهو أنه يجوز جمع مختلفي الحكم
والله أعلم
ويجوز بيع خل الزبيب بخل الرطب وخل التمر بخل العنب لأن الماء في أحد الطرفين والمماثلة بين الخلين غير معتبرة تفريعا على الصحيح أنهما جنسان

فرع اللبن كامل فيباع بعضه ببعض سواء فيه الحليب والحامض والرائب
الخاثر ما لم يكن مغلي بالنار فيباع بعضها ببعض كيلا
ولا مبالاة بكون ما يحويه المكيال من الخاثر أكثر وزنا لأن الاعتبار بالكيل كالحنطة الصلبة بالرخوة
وفي كلام الإمام ما يقتضي جواز الكيل والوزن جميعا
ويجوز بيع السمن بالسمن كيلا إن كان ذائبا ووزنا إن كان جامدا قاله في التهذيب وهو توسط بين وجهين أطلقهما العراقيون
المنصوص أنه يوزن
وقال أبو إسحق يكال
ويجوز بيع المخيض بالمخيض إذا لم يكن فيهما ماء
ومال المتولي إلى المنع
والمذهب الجواز
ولا يجوز بيع الأقط بالأقط ولا المصل بالمصل ولا الجبن بالجبن ولا يجوز بيع الزبد بالزبد ولا بالسمن على الأصح
ولا يجوز بيع اللبن بما تخذ منه كالسمن والمخيض وغيرهما
فرع الربوي المعروض على النار ضربان

أحدهما المعروض للعقد والطبخ كالدبس واللحم المشوي فلا يجوز بيع الدبس بالدبس والسكر بالسكر والفانيد بالفانيد واللبأ باللبأ على الأصح في الجميع
ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر ولا بالسكر كالرطب بالرطب وبالتمر
أما اللحم إذا بيع بجنسه فإن كانا طريين أو أحدهما لم يجز على الصحيح
وإن كانا مقددين جاز إلا أن يكون فيهما أو في أحدهما من الملح ما يظهر في الوزن
ويشترط أن يتناهى جفافه بخلاف

التمر فإنه يباع الجديد منه بالعتيق وبالجديد لأنه مكيل وأثر الرطوبة الباقية لا تظهر في المكيال واللحم موزون فيظهر أثر الرطوبة في الوزن
هذا إذا لم يكن اللحم مطبوخا ولامشويا
فأما المطبوخ فلا يجوز بيعهما بمثلهما ولا بالنيء
الضرب الثاني المعروض للتمييز والتصفية فهو كامل فيجوز بيع بعضه ببعض كالسمن
وفي العسل المصفى بالنار وجهان
أصحهما أنه كامل كالمصفى بالشمس ومعياره معيار السمن
ولا يجوز بيع الشهد بالشهد ولا بالعسل
ويجوز بيع الشمع بالعسل وبالشهد لأن الشمع ليس ربويا

فرع التمر إذا نزع نواه بطل كماله لأنه يسرع إليه الفساد
فلا يجوز بيع منزوع النوى بمثله ولا بغير منزوعه على الصحيح
وقيل يجوز فيهما
وقيل يجوز بمثله فقط
ومفلق المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كماله بنزع النوى على الأصح
ولا يبطل كمال اللحم بنزع عظمه لأنه لا يتعلق صلاحه ببقائه
وهل يشترط نزع العظم في جواز بيع بعضه ببعض وجهان
أصحهما عند الأكثرين الاشتراط
والثاني يسامح به
فعلى هذا يجوز بيع لحم الفخذ بالجنب ولا يضر تفاوت العظام كما لا يضر تفاوت النوى

فصل في معرفة الجنسية
قد سبق في أول الباب أن بيع الربوي بجنسه يشترط فيه المماثلة
وبغير جنسه يجوز فيه التفاضل
والتجانس وعدمه قد يظهران وقد يشتبهان فما ظهر فلا حاجة إلى تنصيص عليه وما اشتبه يحتاج
فمن ذلك لحوم الحيوانات هل هي جنس أم أجناس قولان
أظهرهما أنهما أجناس
فإن قلنا جنس فالحيوانات البرية وحشيها وأهليها كلها جنس وكذا البحرية كلها جنس
وفي البحرية مع البرية وجهان
أصحهما جنس
والثاني جنسان
وإن قلنا أجناس فحيوان البر مع البحر جنسان والأهلي مع الوحشي جنسان
ثم لكل واحد منهما أجناس فلحوم الإبل على اختلاف أنواعها جنس واحد ولحوم البقر جواميسها وغيرها جنس والغنم ضأنها ومعزها جنس والبقر الوحشي جنس والظباء جنس
وفي الظبي مع الإبل تردد للشيخ أبي محمد واستقر جوابه أنهما كالضأن والمعز
وأما الطيور فالعصافير على اختلاف أنواعها جنس والبطوط جنس
وعن الربيع أن الحمام بالمعنى المتقدم في الحج وهو كل ما عب وهدر جنس
فيدخل فيه القمري والدبسي والفواخت
واختار هذا جماعة منهم الإمام وصاحب التهذيب واستبعده العراقيون وجعلوا كل واحد منها جنسا
وسموك البحر جنس
وأما غنم الماء وبقره وغيرهما ففيها مع السمك أو مع مثلها قولان
أظهرهما أنها أجناس
وفي الجراد أوجه
أحدها أنه ليس من جنس اللحوم
والثاني أنه من لحوم البريات
والثالث أنه من لحوم البحريات

قلت أصحهما الأول
والله أعلم
وأما أعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة فالمذهب أنها أجناس
والمخ جنس آخر وكذا الجلد
قلت المعروف أن الجلد ليس ربويا فيجوز بيع جلد بجلود وبغيرها فلا حاجة إلى قوله إنه جنس آخر
والله أعلم
وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان
وسنام البعير معهما جنس آخر
والرأس والأكارع من جنس اللحوم
وفي الأكارع احتمال للإمام
وأما الأدقة والخلول والأدهان فهي أجناس على المذهب
وكذا عصير العنب مع عصير الرطب
وحكي في الأدقة قول أنها جنس ووجه أبعد منه في الخلول والأدهان و يجري مثله في عصبر العنب مع عصير الرطب
والألبان أجناس على المذهب فيجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متفاضلا وبيع أحدهما بما يتخد من الآخر
ولبن الضأن والمعز جنس ولبن الوعل مع المعز الأهلي جنسان
وبيوض الطير أجناس على المذهب
وقيل وجهان
أصحهما أنها أجناس
وزيت الزيتون مع زيت الفجل والتمر المعروف مع التمر الهندي أجناس على المذهب
وفي البطيخ المعروف مع الهندي والقثار مع الخيار وجهان
قلت الأصح أنهما جنسان
والله أعلم
والبقول كالهندباء والنعنع وغيرهما أجناس إن قلنا إنها ربوية
ودهن السمسم وكسبه جنسان كالمخيص مع السمن
وفي عصير العنب مع خله والسكر مع الفانيذ وجهان
أصحهما جنسان
والسكر الطبرزد والنبات جنس واحد
والسكر الأحمر مع الأبيض جنس على الأصح لأنه عكر الأبيض ألا أن صفتهما مختلفة

فرع بيع اللحم بالحيوان المأكول من جنسه باطل خلافا للمزني
وإن باعه بحيوان مأكول من غير جنسه كلحم غنم ببقرة فإن قلنا اللحوم جنس بطل
وإن قلنا أجناس بطل أيضا على الأظهر
وإن باعه بحيوان غير مأكول بطل على الأظهر
وفي بيع الشحم والألية والطحال والقلب والكلية والرئة بالحيوان والسنام بالبعير ولحم السمك بالشاة وجهان
أصحهما البطلان
ويجري الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغا
فإن دبغ فلا منع
فرع لا يجوز بيع دهن السمسم ولا كسبه بالسمسم ولا دهن الجوز
ولا بيع السمن باللبن
ويجوز بيع الجوز بالجوز وزنا واللوز باللوز كيلا مع قشرهما على المذهب
وحكي قول أنه لا يجوز ويجوز بيع لب الجوز بلبه ولب اللوز بلبه على الصحيح
ويجوز بيع البيض بالبيض في قشره وزنا على المذهب
ويجوز بيع لبن الشاة بشاة بيع في ضرعها لبن بأن جرى البيع عقيب الحلب فإن كان في ضرعها لبن لم يجز
ولو باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن لم يصح على الصحيح
وبيع بيض بدجاجة كبيع لبن بشاة
ولو باع لبن شاة ببقرة في ضرعها لبن فإن قلنا الألبان جنس لم يجز وإلا فقولان للجمع ين مختلفي الحكم فإن ما يقابل اللبن من اللبن يشترط فيه التقابض وما يقابل الحيوان لا يشترط

فرع يجري الربا في دار الحرب جريانه في دار الإسلام سواء
والكافر
باب البيوع
المنهي عنها ما ورد فيه النهي من البيوع قد يحكم بفساده وهو الأغلب لأنه مقتضى النهي
وقد لا يحكم بفساده لكون النهي ليس لخصوصية البيع بل لأمر آخر
فالقسم الأول أنواع
منها بيع اللحم بالحيوان وقد سبق
ومنها بيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان وبيع الكالىء بالكالىء
وسنشرحها بعد إن شاء الله تعالى
ومنها بيع الغرر
ومنها بيع ما لم يقدر على تسليمه وقد سبق
ومنها بيع مال الغير
ومنها بيع ما ليس عنده وفيه تفسيران
أحدهما أن يبيع غائبا
والثاني ما لا يملكه ليشتريه فيسلمه
ومنها بيع الكلب والخنزير وقد سبق ذكرهما في شرائط المبيع
ومنها بيع عسب الفحل بفتح العين وإسكان السين المهملتين والمشهور في كتب الفقه أنه ضرابه وقيل أجرة ضرابة وقيل هو ماؤه
فعلى الأول والثالث تقديره بدل عسب الفحل
وفي رواية الشافعي رضي الله عنه

نهى عن ثمن عسب الفحل
والحاصل إن بذل عوضا عن الضراب إن كان بيعا فباطل قطعا وكذا إن كان إجارة على الأصح
ويجوز أن يعطي صاحب الأنثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية
ومنها بيع حبل الحبلة هو نتاج النتاج
ومعناه أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد هذه الدابة
كذا فسره ابن عمر و الشافعي وغيرهما رضي الله عنهم
وقيل هو بيع ولد نتاج هذه الدابة قاله أبو عبيد وأهل اللغة
ومنها بيع الملاقيح وهي ما في بطون الأمهات من الأجنة الواحدة ملقوحة
وبيع المضامين وهي ما في أصلاب الفحول
ومنها بيع الملامسة
وفيه تأويلات
أحدها تأويل الشافعي رضي الله عنه وهو أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحبه بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته
والثاني أن يجعل نفس اللمس بيعا فيقول إذا لمسته فهو مبيع لك
والثالث أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس وغيره ولزم البيع
وهذا البيع باطل على التأويلات كلها
وفي الأول احتمال للإمام وقاله صاحب التتمة تفريعا على صحة نفي خيار الرؤية
قال في التتمة وعلى التأويل الثاني له حكم المعاطاة
والمذهب الجزم بالبطلان على التأويلات
ومنها بيع المنابذة وفيه تأويلات
أحدها أن يجعلا نفس النبذ بيعا قاله الشافعي رضي الله عنه وهو بيع باطل
قال الأصحاب ويجيء فيه الخلاف في المعاطاة فإن المنابذة مع قرينة البيع هي نفس المعاطاة
والثاني أن يقول بعتك على أني إذا نبذته إليك لزم البيع وهو باطل
والثالث أن المراد نبذ الحصاة وسيأتي إن شاء الله تعالى
ومنها بيع الحصاة وفيه تأويلات
أحدها أن يقول بعتك من

هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة
والثاني أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي الحصاة
والثالث أن يجعلا نفس الرمي بيعا فيقول إذا رميت الحصاة فهذا الثوب مبيع لك بكذا والبيع باطل في جميعها
ومنها بيعتان في بيعة وفيه تأويلان نص عليهما في المختصر
أحدهما أن يقول بعتك هذا بألف على أن تبيعني دارك بكذا أو تشتري مني داري بكذا وهو باطل
والثاني أن يقول بعتكه بألف نقدا أو بألفين نسيئة فخذه بأيهما شئت أو شئت أنا وهو باطل
أما لو قال بعتك بألف نقدا وبألفين نسيئة أو قال بعتك نصفه بألف ونصفه بألفين فيصح العقد
ولو قال بعتك هذا العبد بألف نصف بستمائة لم يصح لأن ابتداء كلامه يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسوية وآخره يناقضه
ومنها بيع المحاقلة والمزابنة وسيأتي بيانهما أن شاء الله تعالى
ومنها بيع المجر بفتح الميم وإسكان الجيم والراء وهو ما في الرحم وقيل هو الربا
وقيل هو المحاقلة والمزابنة
ومنها بيع السنين وله تفسيران
أحدهما بيع ثمرة النخلة سنين
والثاني أن يقول بعتك هذا سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا فترد إلي المبيع وأرد إليك الثمن
ومنها بيع العربان
ويقال العربون وهو أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم على أنه إن أخذ السلعة فهي من الثمن وإلا فهي للمدفوع إليه مجانا
ويفسر أيضا بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له خفا أو خاتما أو ينسج له ثوبا على أنه إن رضيه فالمدفوع من الثمن وإلا فهو للمدفوع إليه
ومنها بيع العنب قبل أن يسود والحب قبل أن يشتد وبيع الثمار قبل أن تنجو من العاهة وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى

ومنها بيع السلاح لأهل الحرب لا يصح ويجوز بيعهم الحديد لأنه لا يتعين للسلاح
قلت بيع السلاح لأهل الذمة في دار الإسلام صحيح
وقيل وجهان حكاهما المتولي والبغوي والروياني وغيرهم
والله أعلم
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهرة
قال القفال المراد الهرة الوحشية إذ ليس فيها منفعة استئناس ولا غيره
قلت مذهبنا أنه يصح بيع الهرة الأهلية نص عليه الشافعي رضي الله عنه وغيره
والجواب عن الحديث من أوجه ذكرها الخطابي
أحدها أنه تكلم في صحته
والثاني جواب القفال
والثالث أنه نهي تنزيه
والمقصود أن الناس يتسامحون به ويتعاورونه
هذه أجوبه الخطابي لكن الأول باطل فإن الحديث في صحيح مسلم من رواية جابر رضي الله عنه
والله أعلم
ومنها النهي عن بيع وسلف وهو البيع بشرط القرض
ومنها النهي عن بيع وشرط
والشرط ينقسم إلى فاسد وصحيح
فالفاسد يفسد العقد على المذهب وفيه كلام سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى
فمن الفاسد إذا باع عبده بألف بشرط أن يبيعه داره أو يشتري منه داره وبشرط أن يقرضه عشرة فالعقد الأول باطل
فإذا أتيا بالبيع الثاني نظر إن كانا يعلمان بطلان الأول صح وإلا فلا لأنهما يأتيان به على حكم الشرط الفاسد كذا قطع به صاحب التهذيب وغيره
والقياس صحته وبه قطع الإمام وحكاه عن شيخه في كتاب الرهن
ولو اشترى زرعا وشرط على بائعه أن يحصده بطل البيع على المذهب
وقيل فيه قولان لأنه جمع بين بيع وإجارة
وقيل شرط الحصاد باطل
وفي البيع قولا تفريق الصفقة
وكذا الحكم لو أفرد الشراء

بعوض والاستئجار بعوض فقال اشتريته بعشرة على أن تحصده بدرهم لأنه جعل الإجارة شرطا في البيع فهو في معنى بيعتين في بيعة
ولو قال اشتريت هذا الزرع واستأجرتك على حصاده بعشرة فقال بعت وأجرت فطريقان
أحدهما على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم
والثاني تبطل الإجارة
وفي البيع قولا تفريق الصفقة
ولو قال اشتريت هذا الزرع بعشرة واستأجرتك لحصده بدرهم صح الشراء ولم تصح الإجارة لأنه استأجره للعمل فيما لم يملكه
ونظائر مسألة الزرع تقاس بها كما إذا اشترى ثوبا وشرط عليه صبغه وخياطته أو لبنا وشرط عليه طبخه أو نعلا وشرط عليه أن ينعل به دابته أو عبدا رضيعا على أنه يتم إرضاعه أو متاعا على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف بيته فإن لم يعرفه بطل قطعا
ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا فهل يصح العقد ويسلمه إليه في موضعه أم لا يصح حتى يشترط تسليمه في موضعه لأن العادة قد تقتضي حمله إلى داره فيه وجهان
قلت أصحهما الصحة
والله أعلم
وأما الشرط الصحيح في البيع فمن أنواعه شرط الأجل المعلوم في الثمن
فإن كان الثمن مجهولا بطل
قال الروياني ولو أجل الثمن ألف سنة بطل العقد للعلم بأنه لا يعيش هذه المدة
فعلى هذا يشترط في صحة الأجل احتمال بقائه إليه
قلت لا يشترط احتمال بقائه إليه بل ينتقل إلى وارثه لكن التأجيل بألف سنة وغيرها مما يبعد بقاء الدنيا إليه فاسد
والله أعلم
ثم موضع الأجل إذا كان العوض في الذمة
فأما ذكره في المبيع أو في الثمن المعين مثل أن يقول اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها في وقت كذا فباطل يبطل البيع
ولو حل الأجل فأجل البائع المشتري مدة أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب فهو وعد لا يلزم
كما أن بدل الإتلاف لا يتأجل وإن

أجله
ولو أوصى من له دين حال على إنسان بإمهاله مدة لزم ورثته إمهاله تلك المدة لأن التبرعات بعد الموت تلزم قاله في التتمة
ولو أسقط من عليه الدين المؤجل الأجل فهل يسقط حتى يتمكن المستحق من مطالبته في الحال وجهان
أصحهما لا يسقط لأن الأجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالإسقاط ألا ترى أن مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح لو أسقط صفة الجودة والصحة لم تسقط
ومن أنواعه شرط الخيار ثلاثة أيام وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
ومنها شرط الرهن والكفيل والشهادة فيصح البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن أو يتكفل به كفيل أو يشهد عليه سواء كان الثمن حالا أو مؤجلا
ويجوز أيضا أن يشرط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ولا بد من تعبين الرهن والكفيل
والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الوصف بصفة المسلم فيه
وفي الكفيل المشاهدة أو المعرفة بالإسم والنسب ولا يكفي الوصف كقوله رجل موسر ثقة
هذا هو المنقول للأصحاب
ولو قال قائل الاكتفاء بالوصف أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله لم يكن مبعدا
وقال القاضي ابن كج لا يشترط تعيين الكفيل
فإذا أطلق أقام من شاء كفيلا وهذا شاذ مردود
ولا يشترط تعيين الشهود على الأصح
وادعى الإمام أنه لا يشترط قطعا ورد الخلاف إلى أنه لو عين الشهود هل يتعينون ولا يشترط التعرض لكون المرهون عند المرتهن أو عند عدل على الأصح بل إن اتفقا على يد المرتهن أو عدل وإلا جعله الحاكم في يد عدل
وينبغي أن يكون المشروط رهنه غير المبيع
فلو شرط كون المبيع نفسه رهنا بالثمن بطل البيع على المذهب وبه قطع الأصحاب إلا الإمام فإنه قال هو مبني على أن البداءة بالتسليم بمن فإن قلنا بالبائع أو يجبران أو لا يجبران بطل البيع لأنه شرط ينافي مقتضاه
وإن قلنا بالمشتري فوجهان
أحدهما هذا

والثاني يصح البيع والشرط سواء كان الثمن حالا أو مؤجلا
ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه بطل البيع أيضا
ولو رهنه بالثمن من غير شرط صح إن كان بعد القبض
فإن كان قبله فلا إن كان الثمن حالا لأن الحبس ثابت له
وإن كان مؤجلا فهو كرهن المبيع بدين آخر قبل القبض
ثم إذا لم يرهن المشتري ما شرطه أو لم يشهد أو لم يتكفل الذي عينه فلا إجبار لكن للبائع الخيار
ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام المعين
فإن فسخ فذاك
وإن أجاز فلا خيار للمشتري
ولو عين شاهدين فامتنعا من التحمل فإن قلنا لا بد من تعيين الشاهدين فللبائع الخيار وإلا فلا
ولو باع بشرط الرهن فهلك المرهون قبل القبض أو تعيب أو وجد به عيبا قديما فله الخيار في فسخ البيع وإن تعيب بعد القبض فلا خيار
ولو ادعى الراهن أنه حدث بعد القبض وقال المرتهن قبله فالقول قول الراهن
ولو هلك الرهن بعد القبض أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم فلا أرش له وليس له فسخ البيع على الأصح

فرع في بيع الرقيق بشرط العتق ثلاثة أقوال

المشهور أنه يصح العقد والشرط
والثاني يبطلان
والثالث يصح البيع ويبطل الشرط
فإذا صححنا الشرط فذاك إذا أطلق أو قال بشرط أن تعتقه عن نفسك
أما إذا قال بشرط أن تعتقه عني فهو لاغ
ثم في العتق المشروط وجهان
أصحهما أنه حق لله تعالى

كالملتزم بالنذر
والثاني أنه حق للبائع فعلى هذا للبائع المطالبة به قطعا
وإن قلنا إنه لله تعالى فللبائع المطالبة به أيضا على الأصح
وإذا أعتقه المشتري فالولاء له بلا خلاف سواء قلنا الحق لله تعالى أم للبائع لأنه أعتق ملكه
فإن امتنع من العتق فإن قلنا الحق لله تعالى أجبر عليه
وإن قلنا للبائع لم يجبر بل يخير البائع في فسخ البيع
وإذا قلنا بالإجبار قال في التتمة يخرج على الخلاف في المولى إذا امتنع من الطلاق فيعتقه القاضي على قول ويحبسه حتى يعتق على قول
وذكر الإمام احتمالين
أحدهما هذا
والثاني يتعين الحبس
فإذا قلنا العتق حق للبائع فأسقطه سقط كما لو اشترط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه
وعن الشيخ أبي محمد أن شرط الرهن والكفيل لا يفرد بالإسقاط كالأجل فلو أعتق المشتري هذا العبد عن الكفارة فإن قلنا الحق لله تعالى أو للبائع ولم يأذن لم يجز
وإن أذن أجزأه عنها على الأصح
ويجوز استخدامه والوطء والإكساب للمشتري
ولو قتل كانت القيمة له ولا يكلفه صرفها إلى عبد آخر ليعتقه
ولو باعه لغيره وشرط عليه عتقه لم يصح على الصحيح
ولو أولد الجارية لم يجزئه عن الإعتاق على الصحيح
ولو مات العبد قبل عتقه فأوجه
أصحها ليس عليه إلا الثمن المسمى لأنه لم يلتزم غيره
والثاني عليه مع ذلك قدر التفاوت بمثل نسبته من الثمن
والثالث للبائع الخيار إن شاء أجاز العقد ولا شىء له وإن شاء فسخ ورد ما أخذ من الثمن ورجع بقيمة العبد
والرابع ينفسخ
ثم إن هذه الأوجة مفرعة على أن العتق للبائع أم مطردة سواء قلنا له أو لله تعالى فيه رأيان للأمام
أظهرهما الثاني
قلت وهذا الثاني مقتضى كلام الأصحاب وإطلاقهم
والله أعلم
ولو اشترى عبدا بشرط أن يدبره أو يكاتبه أو يعتقه بعد شهر

أو سنة أو دارا بشرط أن يجعلها وقفا فالأصح أن البيع باطل في جميع ذلك
وقيل إنه كشرط الإعتاق
وجميع ما سبق في شرط الإعتاق مفروض فيما إذا لم يتعرض للولاء
فأما إذا شرط مع العتق كون الولاء للبائع فالمذهب أن البيع باطل وبهذا قطع الجمهور
وحكي قول أنه يصح البيع ويبطل الشرط
وحكى الإمام وجها أنه يصح الشرط أيضا ولا يعرف هذا الوجه عن غير الإمام
ولو اشترى بشرط الولاء دون شرط الإعتاق بأن قال بعتكه بشرط أن يكون لي الولاء إن أعتقته فالبيع باطل قطعا ذكره في التتمة
ولو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه فالبيع باطل قطعا لتعذر الوفاء بالشرط فإنه يعتق عليه قبل إعتاقه قاله القاضي حسين
قلت قد حكى الرافعي في كتاب كفارة الظهار عن ابن كج أنه لو اشترى عبدا بشرط أن يعلق عتقه بصفة لم يصح البيع على الأصح
وحكى وجهين فيما لو اشترى جارية حاملا بشرط العتق فولدت ثم أعتقها هل يتبعها الولد وأنه لو باع عبدا بشرط أن يبيعه المشتري بشرط العتق فالمذهب بطلان البيع
وعن ابن القطان أنه على وجهين
والله أعلم

فصل في ضبط صحيح الشروط في البيع وفاسدها قال الأصحاب الشرط ضربان

ما يقتضيه مطلق العقد وما لا يقتضيه
فالأول كالإقباض والانتفاع والرد بالعيب ونحوها فلا يضر التعرض لها ولا ينفع
والثاني قسمان
ما يتعلق بمصلحة العقد وما لا يتعلق
فالأول قد يتعلق بالثمن كشرط الرهن والكفيل وقد يتعلق بالمثمن كشرط أن يكون

العبد خياطا أو كاتبا وقد يتعلق بهما كشرط الخيار
فهذه الشروط لا تفسد العقد وتصح في أنفسها
والقسم الثاني نوعان
ما لا يتعلق به غرض يورث تنازعا وما يتعلق
فالأول كشرط أن لا يأكل إلا الهريسة ولا يلبس إلا الخز ونحو ذلك فهذا لا يفسد العقد بل يلغو هكذا قطع به الإمام والغزالي
وقال صاحب التتمة لو شرط التزام ما ليس بلازم بأن باع بشرط أن يصلي النوافل أو يصوم شهرا غير رمضان أو يصلي الفرائض في أول أوقاتها فالبيع باطل لأنه ألزم ما ليس بلازم
ومقتضى هذا فساد العقد في مسألة الهريسة
والثاني كشرطه أن لا يقبض ما اشتراه أو لا يتصرف فيه بالبيع والوطء ونحوهما وكشرط بيع أخر أو قرض وكشرط أن لا خسارة عليه في ثمنه إن باعه فنقص فهذه الشروط وأشباهها فاسدة تفسد البيع إلا الإعتاق على ما سبق

فرع لا يجوز بيع الحمل لا من مالك الأم ولا من غيره

ولو باع حاملا بيعا مطلقا دخل الحمل في البيع
ولو باعها واستثنى حملها لم يصح البيع على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى الإمام فيه وجهين
ولو كانت الأم لإنسان والحمل لآخر فباع الأم لمالك الحمل أو لغيره أو باع جارية حاملا بحر فالمذهب أن البيع باطل وبه قطع الأكثرون
وقيل يصح واختاره الإمام والغزالي
ولو باع جارية أو دابة بشرط أنها حامل فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما يصح البيع
والثاني لا يصح
وقيل يصح في الجارية قطعا وهما مبنيان على أن الحمل يعلم أم لا
إن قلنا لا لم يصح وإلا

صح
ولو قال بعتك هذه الدابة وحملها أو هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن لم يصح على الأصح
وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو علي لأنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم بخلاف البيع بشرط أنها حامل فإنه وصف تابع
وقال أبو زيد يصح لأنه يدخل عند الإطلاق فلا يضر ذكره كأساس الدار
ولو قال بعتك الجبة بحشوها فقيل هو على الخلاف
وقيل يصح قطعا لأن الحشو داخل في مسمى الجبة فذكره تأكيد للفظ الجبة بخلاف الحمل فإذا قلنا بالبطلان في هذه الصور قال الشيخ أبو علي في صورة الجبة في صحة البيع في الظهارة والبطانة قولا تفريق الصفقة وفي صورة الدابة يبطل البيع في الجميع لأن الحشو يمكن معرفة قيمته
قال الإمام هذا حسن
ولو باع حاملا وشرط وضعها لرأس الشهر ونحوه لم يصح البيع قطعا وبيض الطير كحمل الدابة والجارية في جميع ذلك
ولو باع شاة بشرط أنها لبون فطريقان
أصحهما أنه على الخلاف في البيع بشرط الحمل لكن الصحة هنا أقوى
والطريق الثاني يصح قطعا لأن هذا شرط صفة فيها لا يقتضي وجود اللبن فيها حالة العقد فهو كشرط الكتابة في العبد
فلو شرط كون اللبن في الضرع كان كشرط الحمل قطعا
ولو شرط كونها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن بطل البيع قطعا لأن ذلك لا ينضبط فصار كما لو شرط في العبد أن يكتب كل يوم عشر ورقات
ولو باع لبونا واستثنى لبنها لم يصح العقد على الصحيح كاستثناء حمل الجارية والكسب في بيع السمسم والحب في بيع القطن

فرع ومن الشروط الصحيحة باتفاق أو على خلاف مسائل نشير إلى بعضها
مختصرة

منها البيع بشرط البراءة من العيوب
ومنها بيع الثمار بشرط القطع وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
ومنها لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا بشرط أن يكال بمكيال معين أو بوزن معين أو بذرع معين أو شرط ذلك في الثمن ففيه خلاف نشرحه في باب السلم إن شاء الله تعالى
وفي معناه تعيين رجل يتولى الكيل أو الوزن
ومنها لو باع دارا واستثنى لنفسه سكناها أو دابة استثنى ظهرها إن لم يبين المدة لم يصح البيع قطعا وإن بينها لم يصح أيضا على الأصح
ومنها لو باع بشرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفي الثمن فإن كان مؤجلا بطل العقد
وإن كان حالا بني على أن البداءة بالتسليم بمن فإن جعلنا ذلك من مقتضى العقد لم يضر ذكره وإلا فيفسد العقد
ومنها لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا فإن أراد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر فالعقد باطل لأنه شرط عقد في عقد
وإن أراد أنها إن خرجت عشرة آصع أخذت تسعة دراهم فإن كانت الصيعان مجهولة لم يصح لأنه لا يعلم حصة كل صاع
وإن كانت معلومة صح
فإن كانت عشرة فقد باع كل صاع وتسعا بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أنقصك صاعا فإن أراد رد صاع إليه فهو فاسد
وإن أراد أنها إن خرجت تسعة آصع أخذت عشرة دراهم فإن كانت الصيعان مجهولة لم يصح وإن كانت معلومة صح
فإن كانت تسعة آصع فقد باع كل صاع بدرهم وتسع
وفيه وجه أنه لا يصح مع العلم أيضا لقصور العبارة عن المحمل المذكور
ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا أو أنقصك ولم يبين إحدى الجهتين فهو فاسد

ومنها لو باع أرضا على أنها مائة ذراع فخرجت دون المائة فقولان
أظهرهما صحة البيع
وقيل يصح قطعا للإشارة وصار كالخلف في الصفة
فعلى هذا للمشتري الخيار في الفسخ ولا يسقط بحط البائع من الثمن قدر النقص
وإذا أجاز يجيز بجميع الثمن على الأظهر وبقسطه على القول الآخر
ولو خرجت أكثر من مائة ففي صحة البيع القولان
فإن صححناه فالصحيح أن للبائع الخيار
فإن أجاز كانت كلها للمشتري ولا يطالبه للزيادة بشىء
والوجه الآخر اختاره صاحب التهذيب أنه لا خيار للبائع ويصح البيع في الجميع بجميع الثمن المسمى وينزل شرطه منزلة من شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما لا خيار له
فإذا قلنا بالصحيح فقال المشتري لا تفسخ فأنا أقنع بالقدر المشروط شائعا ولك الزيادة لم يسقط خيار البائع على الأظهر
ولو قال لا تفسخ لأزيدك في الثمن لما زاد لم يكن له ذلك ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف
ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أنه عشرة أذرع أو القطيع على أنه عشرون شاة أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا وحصل نقص أو زيادة
وفرق صاحب الشامل بين الصبرة وغيرها فقال إن زادت الصبرة رد الزيادة
وإن نقصت وأجاز المشتري أجاز بالحصة وفيما سواها يجيز بجميع الثمن
ومنها لو قال بع عبدك من زيد بألف على أن علي خمسمائة فباعه على هذا الشرط لم يصح البيع على الأصح
والثاني يصح ويجب على زيد ألف وعلى الآمر خمسمائة كما لو قال ألق متاعك في البحر على أن علي كذا

فصل البيع الصحيح
إذا ضم إليه شرط فذلك الشرط ضربان صحيح وفاسد
فإن كان صحيحا فالعقد صحيح
وإن كان فاسدا فإن كان مما لا يفرد بالعقد نظر إن لم يتعلق به غرض يورث تنازعا لم يؤثر ذلك في العقد كما سبق
قال الإمام ومن هذا القبيل ما إذا عين الشهود لتوثيق الثمن وقلنا لا يتعينون فلا يفسد به العقد وإن تعلق به غرض فسد البيع بفساده للنهي عن بيع وشرط
هذا هو المشهور
ولنا قول رواه أبو ثور أن البيع لا يفسد بفساد الشرط بحال لقصة بريرة رضي الله عنها
وإن كان مما يفرد بالعقد كالرهن والكفيل فهل يفسد البيع لفسادهما قولان
أظهرهما يفسد كسائر الشروط الفاسدة
والثاني لا كالصداق الفاسد لا يفسد النكاح
ولو باع بشرط نفي خيار المجلس أو خيار الرؤية ففيه خلاف نذكره في باب الخيار إن شاء الله تعالى
فصل إذا اشترى شيئا شراء فاسدا إما لشرط فاسد وإما لسبب آخر
قبضه لم يملكه بالقبض ولا ينفذ تصرفه فيه ويلزمه رده وعليه مؤنة رده كالمغصوب
ولا يجوز حبسه لاسترداد الثمن
ولا يقدم به على الغرماء على المذهب
وحكي قول ووجه للأصطخري أن له حبسه ويقدم به وهو شاذ ضعيف
وتلزمه أجرة المثل للمدة التي كان في يده سواء استوفى المنفعة أم

تلفت تحت يده
وإن تعيب في يده فعليه أرش النقص وإن تلف فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف كالمغصوب لأنه مخاطب كل لحظة من جهة الشرع برده
وفي وجه تعتبر قيمته يوم التلف
وفي وجه يوم القبض
وقد يعبر عن هذا الخلاف بالأقوال
وكيف كان فالمذهب اعتبار الأكثر
وما حدث من الزوائد المنفصلة كالولد والثمرة والمتصلة كالسمن وتعلم صنعة مضمون عليه كزوائد المغصوب
وفي وجه شاذ لا يضمن الزيادة عند التلف
ولو أنفق على العبد مدة لم يرجع بها على البائع إن كان المشتري عالما بفساد البيع وإلا فوجهان
قلت أصحهما لا يرجع
والله أعلم
وإن كانت جارية فوطئها المشتري فإن كان الواطىء والموطوءة جاهلين فلا حد ويجب المهر
وإن كانا عالمين وجب الحد إن اشتراها بميتة أو دم
وإن اشتراها بخمر أو بشرط فاسد فلا حد لاختلاف العلماء في حصول الملك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه يملكه في هذه الحالة فصار كالوطء في النكاح بلا ولي ونحوه
قال الإمام ويجوز أن يقال يجب الحد فإن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يبيح الوطء وإن كان يثبت الملك بخلاف الوطء في النكاح بلا ولي
وإذا لم يجب الحد وجب المهر
فإن كانت بكرا وجب مع مهر البكر أرش البكارة
أما مهر البكر فللاستمتاع ببكر
وأما الأرش فلإتلاف البكارة
وإن استولدها فالولد حر للشبهة
فإن خرج حيا فعليه قيمته يوم الولادة وتستقر عليه قيمته
بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة فإنه يغرم قيمة الولد ويرجع بها على البائع لأنه غره ولا تصير الجارية في الحال أم ود
فإن كان ملكها في وقت فقولان
وإن نقصت بالحمل أو الوضع لزمه الأرش
وإن خرج الولد ميتا فلا قيمة
لكن إن سقط بجناية وجبت الغرة على عاقلة الجاني وعلى المشتري أقل الأمرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة ويطالب به

المالك من شاء من الجاني والمشتري
ولو ماتت في الطلق لزمه قيمتها وكذا لو وطىء أمة الغير بشبهة فأحبلها فماتت في الطلق
وهذه الصورة وأخواتها مذكورة في كتاب الرهن واضحة

فرع لو اشترى شيئا شراء فاسدا فباعه لآخر فهو كالغاصب يبيع المغصوب

فإن حصل في يد الثاني لزمه رده إلى المالك
فإن تلف في يده نظر إن كانت قيمته في يدهما سواء أو كانت في يد الثاني أكثر رجع المالك بالجميع على من شاء منهما والقرار على الثاني لحصول التلف في يده
وإن كانت القيمة في يد الأول أكثر فضمان النقص على الأول والباقي يرجع به على من شاء منهما والقرار على الثاني
وكل نقص حدث في يد الثاني يطالب به الأول ويرجع به على الثاني وكذا حكم أجرة المثل
فصل إذا فسد العقد بشرط فاسد ثم حذفا الشرط لم ينقلب العقد
سواء كان الحذف في المجلس أو بعده
وفي وجه ينقلب صحيحا إن حذف في المجلس وهو شاذ ضعيف
ولو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد إثبات الخيار أو الأجل أو قدرهما نظر إن كان ذلك بعد لزوم العقد لم يلحق بالعقد
وكذا الحكم في رأس مال السلم والمسلم فيه والصداق وغيرها وكذا الحط لا يلحق شىء من ذلك بالعقد حتى أن الشفيع يأخذ بما سمي في العقد لا بما بقي بعد الحط
وإن كانت هذه الإلحاقات قبل لزوم العقد بأن كانت في مجلس العقد أو في زمن خيار الشرط فأوجه
أحدها لا يلحق

وصححه في التتمة
والثاني يلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط قاله أبو زيد والقفال
والثالث وهو الأصح عند الأكثرين يلحق في مدة الخيارين جميعا وهو ظاهر النص
فعلى هذا في محل الجواز وجهان
أحدهما قاله أبو علي الطبري واختاره الشيخ أبو علي وصاحب التهذيب وغيرهما أنه مفرع على قولنا الملك في زمن الخيار للبائع أو قلنا موقوف وفسخ العقد فأما إن قلنا للمشتري أو قلنا إنه موقوف وأمضي العقد فلا يلحق كما بعد اللزوم
والوجه الثاني أن الجواز مطرد عى الأقوال كلها وهو الصحيح عند العراقيين
فإذا قلنا يلحق فالزيادة تلزم الشفيع كما تلزم المشتري
وفي الحط قبل اللزوم مثل هذا الخلاف
فإن ألحقناه بالعقد انحط عن الشفيع
وعلى هذا الوجه ما يلحق بالعقد من الشروط الفاسدة قبل انقضاء الخيار له حكم المقترن بالعقد في إفساده وينحط جميع الثمن فهو كما لو باع بلا ثمن
القسم الثاني من المناهي ما لا يقتضي الفساد
فمنه الاحتكار وهو حرام على الصحيح وقيل مكروه وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء ولا يدعه للضعفاء ويحبسه ليبيعه بأكثر عند اشتداد الحاجة
ولا بأس بالشراء في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء
ولا بأس بإمساك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ولكن الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته
وفي كراهة إمساكه وجهان
ثم تحريم الاحتكار يختص بالأقوات
ومنها التمر والزبيب ولا يعم جميع الأطعمة
ومنها التسعير وهو حرام في كل وقت على الصحيح
والثاني يجوز في وقت الغلاء دون الرخص
وقيل إن كان الطعام مجلوبا حرم التسعير
وإن كان يزرع في البلد ويكون عند القناة جاز
وحيث جوزنا التسعير فذلك في الأطعمة ويلحق بها علف الدواب على الأصح
وإذا سعر الإمام عليه فخالف استحق التعزير
وفي صحة البيع وجهان مذكوران في التتمة

قلت الأصح صحة البيع
والله أعلم

فصل يحرم أن يبيع حاضر لباد وهو أن يقدم إلى البلد بدوي
بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت ليرجع إلى وطنه فيأتيه بلدي فيقول ضع متاعك عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر
ولتحريمه شروط
أحدها أن يكون عالما بالنهي فيه
وهذا شرط يعم جميع المناهي
والثاني أن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه كالأطعمة ونحوها
فأما ما لا يحتاج إليه إلا نادرا فلا يدخل في النهي
والثالث أن يظهر ببيع ذلك المتاع سعة في البلد فإن لم يظهر لكبر البلد أو قلة ما معه أو لعموم وجوده ورخص السعر فوجهان أوفقهما للحديث التحريم
والرابع أن يعرض الحضري ذلك على البدوي ويدعوه إليه
أما إذا التمس البدوي منه بيعه تدريحا أو قصد الإقامة في البلد ليبيعه كذلي فسأل البلدي تفويضه إليه فلا بأس لأنه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك منه ولو أن البلدي استشار البلدي فيما فيه حظه فهل يرشده إلى الادخار والبيع على التدريج وجهان
حكى القاضي ابن كج عن أبي الطيب بن سلمة وأبي إسحق المروزي أنه يجب عليه إرشاده إليه أداء للنصيحة
وعن أبي حفص بن الوكيل أنه لا يرشده إليه توسيعا على الناس
ثم لو باع البلدي للبدوي عند اجتماع شروط التحريم أثم وصح البيع
قلت قال القفال الإثم على البلدي دون البدوي ولا خيار للمشتري
والله أعلم

فصل يحرم تلقي الركبان
وهو أن يتلقى طائفة يحملون طعاما إلى البلد فيشتريه منهم قبل قدومهم البلد ومعرفة سعره
وشرط تحريمه أن يعلم النهي ويقصد التلقي
فلو خالف فتلقى واشترى أثم وصح البيع ولا خيار لهم قبل أن يقدموا ويعلموا السعر وبعده يثبت لهم الخيار إن كان الشراء بأرخص من سعر البلد سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر
وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فوجهان
الأصح لا خيار لهم
ولو ابتدأ القادمون فالتمسوا منه الشراء وهم عالمون بسعر البلد أو غير عالمين فعلى الوجهين
ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل من اصطياد وغيره فرآهم فاشترى منهم فوجهان
أحدهما لا يعصي لعدم التلقي وأصحهما عند الأكثرين يعصي لشمول المعنى
فعلى الأول لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين
وقيل إن أخبر بالسعر كاذبا فلهم الخيار
وحيث أثبتنا الخيار في هذه الصور فهو على الفور على الأصح
والثاني يمتد ثلاثة أيام
ولو تلقى الركبان وباعهم ما يقصدون شراءه من البلد فهل هو كالمتلقي للشراء وجهان
فصل يحرم السوم على سوم أخيه

وهو أن يأخذ شيئا ليشتريه فيجيء إليه غيره ويقول رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو يقول لمالكه استرده لأشتريه منك بأكثر
وإنما يحرم بعد استقرار الثمن
فأما ما يطاف به فيمن يزيد وطلبه طالب فلغيره الدخول عليه والزيادة فيه
وإنما يحرم إذا حصل

التراضي صريحا
فإن لم يصرح ولكن جرى ما يدل على الرضى ففي التحريم وجهان
أصحهما لا يحرم
فإن لم يجر شىء بل سكت فالمذهب أنه لا يحرم كما لو صرح بالرد
وقيل هو على الوجهين
ويحرم أن يبيع على بيع أخيه وأن يشتري على شراء أخيه
فالبيع على بيع أخيه أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو الشرط افسخ لأبيعك خيرا منه أو أرخص
والشراء على شرائه أن يقول للبائع افسخ لأشتريه منك بأكثر
وشرط القاضي ابن كج في البيع على البيع أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا مفرطا
فإن كان فله أن يعرفه ويبيع على بيعه لأنه ضرب من النصيحة
قلت هذا الشرط انفرد به ابن كج وهو خلاف ظاهر إطلاق الحديث والمختار أنه ليس بشرط
والله أعلم
ولو أذن البائع في بيعه ارتفع التحريم على الصحيح

فصل يحرم النجش وهو أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو
راغب فيها ليغر غيره
فإن اغتر به إنسان فاشتراها صح البيع ثم لا خيار له إن لم يكن الذي فعله الناجش بمواطأة من البائع وإن كان فلا خيار أيضا على الأصح
ولو قال البائع أعطيت بهذه السلعة كذا فصدقه واشتراه فبان خلافه قال ابن الصباغ في ثبوت الخيار الوجهان
واعلم أن الشافعي رضي الله عنه أطلق القول بتعصية الناجش وشرط في تعصية البائع على بيع أخيه أن يكون عالما بالنهي
قال الأصحاب السبب فيه أن النجش خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد معلوم من الألفاظ العامة وإن لم يعلم هذا

الحديث والبيع على بيع أخيه إنما عرف تحريمه من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف هذا الخبر قال الرافعي ولك أن تقول البيع على بيع أخيه إضرار أيضا وتحريم الإضرار معلوم من الألفاظ العامة والوجه تخصيص التعصية بمن عرف التحريم بعموم أو خصوص

فصل يحرم التفريق بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة ونحوها ولا يحرم

وفي الرد بالعيب وجهان
وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي رحمه الله لو اشترى جارية وولدها الصغير ثم تفاسخا البيع في أحدهما جاز وحكم التفريق في الرهن مذكور في بابه
وإذا فرق بينهما في البيع والهبة ففي صحة العقد قولان
أظهرهما لا يصح لأنه منهي عن تسليمه
قال أبو الفراج البزاز القولان في التفريق بعد أن تسقيه اللبأ أما قبله فلا يصح قطعا
وإلى متى يمتد ( تحريم ) التفريق قولان
أحدهما إلى البلوغ
وأظهرهما إلى بلوغه سن التمييز سبع سنين أو ثمان سنين تقريبا
ويكره التفريق بعد البلوغ
فلو فرق بعده ببيع أو هبة يصح قطعا
ولو كانت الأم رقيقة والولد حرا أو بالعكس فلا منع من بيع الرقيق منهما
وهل الجدة والأب وسائر المحارم كالأم فيه كلام يأتي في كتاب السير إن شاء الله تعالى
والتفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن جائز على الصحيح وبه قطع الجمهور
قلت هذا الوجه الشاذ في منع التفريق بين البهيمة وولدها هو في التفريق بغير الذبح
وأما ذبح أحدهما فجائز بلا خلاف
والله أعلم

فصل بيع الرطب والعنب
ممن يتوهم اتخاذه إياه نبيذا أو خمرا مكروه
وإن تحقق اتخاذه ذلك فهل يحرم أو يكره وجهان
فلو باع صح على التقديرين
قلت الأصح التحريم
ثم قال الغزالي في الإحياء بيع الغلمان المرد إن عرف بالفجور بالغلمان له حكم بيع العنب من الخمار
وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية
والله أعلم
وبيع السلاح للبغاة وقطاع الطريق مكروه ولكنه يصح
وتكره مبايعة من اشتملت يده على حلال وحرام وسواء كان الحلال أكثر أو بالعكس
فلو باعه صح
قلت قال أصحابنا لو دخل قرية يسكنها مجوس لم يصح شراء اللحم منها حتى يعلم أهلية الذبح لأن الأصل التحريم فلا يزال إلا يقين أو ظاهر
والله أعلم
فصل ليس من المناهي بيع العينة بكسر العين المهملة وبعد الياء نون
وهوأن

يبيع غيره شيئا بثمن مؤجل ويسلمه إليه ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقدا
وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ويشتري بأكثر منه إلى أجل سواء قبض الثمن الأول أم لا وسواء صارت العينة عادة له غالبة في البلد أم لا
هذا هو الصحيح المعروف في كتب الأصحاب وأفتى الأستاذ أبو إسحق الاسفراييني والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة له صار البيع الثاني كالمشروط في الأول فيبطلان جميعا


فصل يجوز بيع دور مكة وبيع المصحف

وكتب الحديث
وقال الصيمري يكره بيع المصحف
قلت ونص الشافعي رضي الله عنه على كراهة بيع المصحف
وقال الروياني وغيره لا يكره وسائر الكتب المشتملة على ما يباح الانتفاع به يجوز بيعها بلا كراهة
ومن المناهي البيع في وقت النداء يوم الجمعة وسبق بيانه في بابها
ومنها في الحديث نهى عن بيع المضطر
قال الخطابي فيه تأويلان
أحدهما المراد به المكره فلا يصح بيعه إن أكره بغير حق وإن كان بحق صح
والثاني أن يكون عليه ديون مستغرقة فتحتاج إلى بيع ما معه بالوكس فيستحب أن لا يبتاع منه بل يعان إما بهبة وإما بقرض وإما باستمهال صاحب الدين
فإن اشترى منه صح

ومنها النهي عن بيع المصراة والنهي عن بيع ما فيه عيب إلا أن يبينه وكلاهما حرام إلا أنه ينعقد
ومنها النهي عن البيع في المسجد وسبق تفصيله في الاعتكاف
ومنها يكره غبن المسترسل ويكره بيع العينة وسبق بيانه
ومنها ما قاله صاحب التلخيص
قال نهى عن بيع الماء وهو محمول على ما إذا

أفرد ماء عين أو بئر أو نهر بالبيع فإن باعه مع الأرض بأن باع أرضا مع شربها من الماء في نهر أو واد صح ودخل الماء في البيع تبعا
وكذا إذا كان الماء في إناء أو حوض أو غيرهما مجتمعا فبيعه صحيح مفردا وتابعا
والله أعلم

باب تفريق الصفقة
إذا جمع شيئين في صفقة فهو ضربان
أحدهما أن يجمع بينهما في عقد واحد
والثاني في عقدين مختلفي الحكم
أما الأول فله حالان
أحدهما أن يقع التفريق في الابتداء
والثاني أن يقع في الانتهاء
فالحال الأول ينظر إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع بطل العقد في الجميع كمن جمع بين أختين أو خمس نسوة في عقد نكاح
وإن لم يكن كذلك فإما أن يجمع بين شيئين كل واحد منهما قابل لما أورده عليه من العقد وإما أن لا يكون كذلك
فإن كان الأول بأن جمع بين عينين في البيع صح العقد يهما
ثم إن كانا من جنسين كعبد وثوب أو من جنس لكنهما مختلفا القيمة كعبدين وزع الثمن عليهما باعتبار القيمة
وإن كانا من جنس ومتفقي القيمة كقفيزي حنطة واحدة وزع عليهما باعتبار الأجزاء
وإن كان الثاني فإما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد كمن باع خمرا وميتة فالعقد باطل وإماأن يكون أحدهما قابلا فالذي هو غير قابل قسمان
أحدهما أن يكون متقوما كمن باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ففي

صحة البيع في عبده قولان
أظهرهما يصح واختاره المزني
والثاني لا يصح
وفي علته وجهان
وقيل قولان
أحدهما الجمع بين حلال وحرام
والثاني جهالة العوض الذي يقابل الحلال
والقسم الثاني أن لا يكون متقوما وهو نوعان
أحدهما يتأتى تقدير التقويم فيه من غير تقدير تغير الخلقة كمن باع حرا وعبدا فالحر غير متقوم لكن يمكن تقديره رقيقا
وفي المسألة طريقان
أصحهما طرد القولين
والثاني القطع بالفساد
قال الشيخ أبو محمد القولان على الطريق الأول فيما إذا كان المشتري جاهلا بالحال
فإن كان عالما فالوجه القطع بالبطلان
ولو باع عبده ومكاتبه أو أم ولده فهو كما لو باع عبده وعبد غيره لأنهما متقومان بدليل الإتلاف
النوع الثاني أن لا يتأتى تقدير تقويمه من غير فرض تغير الخلقة كمن باع خلا وخمرا أو مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا ففي صحة البيع في الخل والمذكاة والشاة خلاف مرتب على العبد مع الحر وأولى بالفساد لأنه لا بد في التقويم من التقدير بغيره ولا يكون المقوم هو المذكور في العقد
ولو رهن عبده وعبد غيره أو حرا وعبدا أو وهبهما فإن صححنا البيع فهنا أولى وإلا فقولان بناء على العلتين
ولو زوج أخته وأجنبية أو مسلمة ومجوسية فكالرهن والهبة
الحال الثاني أن يقع التفريق في الانتهاء وهو قسمان
أحدهما أن لا يكون اختياريا كمن اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل قبضهما انفسخ البيع في التالف وفي الباقي طريقان
أحدهما على القولين في جمع عبده وعبد غيره
وأصحهما القطع بأنه لا ينفسخ لعدم العلتين
ولو تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض أو في

الصرف وبعض العوض غير مقبوض انفسخ العقد في غير المقبوض
وفي الباقي الطريقان
فلو قبض أحد العبدين وتلف الآخر في يد البائع ترتب الانفساخ في المقبوض على الصورة السابقة وهذه أولى بعدم الانفساخ لتأكد العقد فيه بانتقال الضمان إلى المشتري
هذا إن كان المقبوض باقيا في يد المشتري
فإن تلف في يده ثم تلف الآخر في يد البائع فالقول بالانفساخ أضعف لتلفه على ضمانه
وإذا قلنا بعدم الانفساخ فهل له الفسخ وجهان
أحدهما نعم ويرد قيمته
والثاني لا وعليه حصته من الثمن
ولو اكترى دارا وسكنها بعض المدة ثم انهدمت انفسخ العقد في المستقبل ويخرج في الماضي على الخلاف في المقبوض التالف
فإن قلنا لا ينفسخ فهل له الفسخ فيه الوجهان
فإن قلنا لا فسخ فعليه من المسمى ما يقابل الماضي

وإن قلنا بالفسخ وفسخ فعليه أجرة المثل للماضي
ولو انقطع بعض المسلم فيه عند المحل والباقي مقبوض أو غير مقبوض وقلنا لو انقطع الكل ينفسخ العقد انفسخ في المنقطع
وفي الباقي الخلاف فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما
فإذا قلنا لا ينفسخ فله الفسخ
فإن أجاز فعليه حصته من رأس المال فقط
وإن قلنا إنه لو انقطع الكل لم ينفسخ العقد فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكل وإن شاء أجازه في الكل
وهل له الفسخ في القدر المنقطع والإجازة في الباقي قولان بناء على ما سنذكره في القسم الذي يليه
القسم الثاني أن يكون اختياريا كمن اشترى عبدين صفقة واحدة فوجد بأحدهما عيبا فهل له إفراده بالرد قولان
أظهرهما ليس له وبه قطع الشيخ أبو حامد
والقولان في العبدين وكل شيئين لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر
فأما في زوجي خف ومصراعي باب ونحوهما فلا يجوز الإفراد قطعا
وشذ بعضهم فطرد القولين ولا فرق على القولين بين أن يتفق ذلك بعد القبض

أو قبله
فإن لم نجوز الإفراد فقال رددت المعيب فهل يكون ذلك ردا لهما أصحهما لا بل هو لغو
ولو رضي البائع بإفراده جاز على الأصح
وإذا جوزنا الإفراد فرده استرد قسطه من الثمن
وعلى هذا القول لو أراد رد السليم والمعيب جميعا فله ذلك على الصحيح
ولو وجد العيب بالعبدين معا وأراد إفراد أحدهما بالرد جرى القولان
ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد الباقي عيبا ففي إفراده بالرد قولان مرتبان وأولى بالجواز لتعذر ردهما
فإن جوزنا الإفراد رد الباقي واسترد من الثمن حصته
وطريق التوزيع تقدير العبدين سليمين وتقويمهما وتقسيط المسمى على القيمتين
فلو اختلفا في قيمة التالف فادعى المشتري ما يقتضي زيادة المرجوع به على ما اعترف به البائع فالأظهر أن القول قول البائع مع يمينه لأن الثمن ملكه فلا يسترد منه إلا ما اعترف به
وإن لم نجوز الإفراد فوجهان
وقيل قولان
أصحهما لا فسخ له ولكن يرجع بأرش العيب لأن الهلاك أعظم من العيب
ولو حدث عنده عيب لم يتمكن من الرد
فعلى هذا إن اختلفا في قيمة التالف عاد القولان
وهل النظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض فيه الخلاف الذي سيأتي في معرفة أرش العيب القديم
والوجه الثاني أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد
فإن اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه غارم
وفيه وجه شاذ أن القول قول البائع لئلا تزال يده عما لم يعترف به

فرع لو باع شيئا يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له كعبد أو
له نصفها أو صاعي حنطة له أحدهما صفقة واحدة ترتب على ما إذا باع عبدين

أحدهما له
فإن قلنا يصح هناك في ملكه فهنا أولى وإلا فقولان
إن عللنا بالجمع بين حلال وحرام لم يصح وإن عللنا بالجهالة صح لأن حصة المملوك معلومة
ولو باع جميع الثمار وفيها الزكاة فهل يصح البيع في قدر الزكاة سبق بيانه في كتاب الزكاة
فإن قلنا لا يصح فالترتيب في الباقي كما ذكرنا فيمن باع عبدا له نصفه
ولو باع أربعين شاة فيها واجب الزكاة وقلنا لا يصح بيع قدر الزكاة فالترتيب في الباقي كما سبق فيمن باع عبده وعبد غيره

فرع ومما يتفرع على العلتين لو ملك زيد عبدا وعمرو آخر فباعاهما
صفقة واحدة بثمن واحد ففي صحة العقد قولان
وكذا لو باع عبدين له لرجلين لكل واحد واحدا بعينه بثمن واحد إن عللنا بالجمع بين حلال وحرام صح وإن عللنا بالجهالة فلا لأن حصة كل واحد مجهولة
ولو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل واحد ثمنا فقال بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين فإن عللنا بالجمع فسد وإن عللنا بالجهالة صح في عبده كذا قاله في التتمة
ولك أن تقول سنذكر أن تفصيل الثمن من أسباب تعدد العقد وإن تعدد وجب القضاء بالصحة على العلتين
فرع اعلم أن طائفة من الأصحاب توسطوا بين قولي تفريق الصفقة فقالوا
الأصح الصحة في المملوك إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على أجزائه
والأصح الفساد إن كان مما يتوزع على قيمته
وقال الأكثرون الأصح الصحة في القسمين

فصل إذا باع ماله
ومال غيره وصححناه في ماله نظر إن كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار
فإن أجاز فكم يلزمه من الثمن قولان
أظهرهما حصة المملوك فقط إذا وزع على القيمتين
والثاني يلزمه جميع الثمن ثم قيل القولان فيما إذا كان المبيع مما يتقسط الثمن عليه بالقيمة
فإن كان مما يتقسط على أجزائه فالواجب القسط قطعا
والأصح طرد القولين في الحالين
فإن قلنا الواجب جميع الثمن فلا خيار للبائع
وإن قلنا القسط فلا خيار له أيضا على الأصح
وإن كان المشتري عالما بالحال فلا خيار له كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه
وكم يلزمه من الثمن فيه طريقان
المذهب أنه على القولين
وقيل يجب الجميع قطعا لأنه التزمه عالما
ولو اشترى عبدا وحرا أو خلا وخمرا أو مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا وصححنا العقد فيما يقبله وكان المشتري جاهلا بالخال فأجاز أو كان عالما ففيما يلزمه الطريقان
فإن أوجبنا القسط ففي كيفية توزيع الثمن على هذه الأشياء وجهان
أصحهما عند الغزالي ينظر إلى قيمتها عند من يرى لها قيمة
والثاني يقدر الخمر خلا ويوزع عليهما باعتبار الأجزاء وتقدر الميتة مذكاة والخنزير شاة ويوزع عليهما باعتبار القيمة
وقيل يقدر الخمر عصيرا والخنزير بقرة
قلت هذا الذي صححه الغزالي احتمال للإمام
والصحيح هو الثاني وبه قطع الدارمي والبغوي وآخرون وحكاه الإمام عن طوائف من أصحاب القفال
والله أعلم
ولو نكح مسلمة ومجوسية في عقد وصححنا نكاح المسلمة فالذي قطع

به الجماهير أنه لا يلزمه جميع المسمى قطعا لأنه لا خيار له بخلاف الجيع على قول
ويقل في قول يلزمه جميع المسمى وله الخيار في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل
فإذا قلنا بقول الجمهور ففيما يلزمه قولان
أظهرهما مهر المثل
والثاني قسطها من المسمى إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل المجوسية
ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض فانفسخ العقد فيه وقلنا لا ينفسخ في الباقي فله الخيار فيه
فإن أجاز فالواجب قسطه من الثمن قطعا
كذا قاله الجمهور لأن الثمن يوزع عليهما في الابتداء
وطرد أبو إسحق المروزي فيه القولين

فرع لو باع ربويا بجنسه فخرج بعض أحد العوضين مستحقا وصححنا العقد
في الباقي فأجاز فالواجب القسط بلا خلاف لأن الفصل بينهما حرام
فرع لو باع معلوما ومجهولا لم يصح في المجهول وينبني في المعلوم
على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره
فإن قلنا لا يصح فيما له لم يصح هنا في المعلوم وإلا فقولان بناء على أنه كم يلزمه من الثمن فإن قلنا الجميع صح ولزمه هنا أيضا جميع الثمن
وإن قلنا القسط لم يصح لتعذر التقسيط
وحكي قول شاذ أنه يصح وله الخيار
فإن أجاز لزمه جميع الثمن

فرع في الإشارة إلى طرف من مسائل الدور يتعلق بتفريق الصفقة
أن محاباة المريض مرض الموت في البيع والشراء حكمها حكم هبته وسائر تبرعاته تعتبر من الثلث
فإذا باع المريض عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا مال له غيره بطل البيع في بعض المبيع وفي الباقي طريقان
أصحهما عند الجمهور أنه على قولي تفريق الصفقة
والثاني القطع بالصحة وهو الأصح عند صاحب التهذيب لأن المحاباة هنا وصية وهي تقبل من الغرر ما لا يقبل غيرها
فإن صححنا بيع الباقي ففي كيفيته قولان
ويقال وجهان
أحدهما يصح البيع في القدر الذي يحتمله الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ويبطل في الباقي فيصح في ثلثي العبد بالعشرة ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة والثمن وهو عشرة وذلك مثل المحاباة وهي عشرة
ولا تدور المسألة على هذا القول
والثاني أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع وجب أن يرتد إلى المشتري ما يقابله من الثمن فتدور المسألة لأن ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة وما يقابله من الثمن يدخل فيها
ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصها
ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق
منها أن ينسب ثلث المال إلى قدر المحاباة
ويصحح البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة
فنقول في هذه الصورة ثلث المال عشرة والمحاباة عشرون والعشرة نصف العشرين فيصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن وهو خمسة كأنه اشترى سدسه بخمسة ووصى له بثلثه ويبقى مع الورثة

نصف العبد وهو خمسة عشر والثمن وهو خمسة فالمبلغ عشرون
وذلك مثل المحاباة
واختلف الأصحاب في الأصح في هذين القولين أو الوجهين في الكيفية فذهب الأكثرون إلى ترجيح الأول وبه قال ابن الحداد
قال القفال والأستاذ أبو منصور البغدادي وغيرهما هو المنصوص للشافعي رضي الله عنه
قالوا والثاني خرجه ابن سريج
وذهب آخرون إلى ترجيح الثاني وهو اختيار أكثر الحساب وبه قال ابن القاص وابن اللبان وتابعهما إمام الحرمين وهذا أقوى في المعنى
ولو باع مريض صاع حنطة يساوي عشرين بصاع لصحيح يساوي عشرة ومات ولا مال له غيره فإن قلنا بالقول الأول فالبيع باطل فيهما بلا خلاف لأن مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهو ستة وثلثان
وفيما يقابله من صاع الصحيح المشترى وهو نصفه فيكون خمسة أسداس صاع في مقابلة صاع وذلك ربا
وإن قلنا بالثاني صح البيع في ثلثي صاع المريض بثلثي صاع الصحيح وبطل في الباقي
وقطع قاطعون بهذا الثاني هنا لئلا يبطل غرض الميت في الوصية
قال في التهذيب وهو الأصح
وطريقه أن ثلث مال المريض ستة وثلثان والمحاباة عشرة والستة والثلثان ثلثا العشرة فنفذ البيع في ثلثي صاع ويثبت الخيار للصحيح لتبعيض صفقته ولا خيار لورثة الميت لئلا يبطلوا المحاباة التي هي وصية وهذا متفق عليه
وغلطوا صاحب التلخيص في إطلاقه قولين في ثبوت الخيار
ولو كانت المسألة بحالها وصاع المريض يساوي ثلاثين وقلنا يتقسذ الثمن صح البيع في نصف صاع بنصف صاع
ولو كانت بحالها وصاع المريض يساوي أربعين صح البيع في أربعة أتساع الصاع بأربعة أتساع الصاع
ولو أتلف المريض الصاع الذي أخذه ثم مات وفرعنا على القول الذي يجيء عليه الدور صح البيع في ثلثة بثلث صاع صاحبه سواء كانت قيمة صاع المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر لأن ما أتلفه قد نقص من ماله
أما ما صح البيع فيه

فهو ملكه وقد أتلفه
وأما ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه فينقص قدر الغرم من ماله
ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم أقل والمحاباة أكثر
ومتى قلت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقل
مثاله كانت قيمة صاع المريض عشرين وصاع الصحيح عشرة فمال المريض عشرون وقد أتلف عشرة نحطها من ماله يبقى عشرة كأنها كل ماله والمحاباة عشرة فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث الصاع لأن ثلث صاع المريض ستة وثلثان وثلث صاع الصحيح ثلاثة وثلث فالمحاباة بثلاثة وثلث وقد بقي في يد الورثة ثلثا صاع وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدون منه قيمة ثلثي صاع الصحيح وهو ستة وثلثان تبقى في أيديهم ستة وثلثان وهي مثلا المحاباة
فلو كانت بحالها وصاع المريض يساوي ثلاثين فمال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة نحطها من ماله يبقى عشرون كأنها كل ماله والمحاباة عشرون مثل ماله فثلث ماله هو ثلث المحاباة فصح البيع في ثلث صاع لأن ثلث صاع المريض عشرة وثلث صاع الصحيح ثلاثة وثلث فالمحاباة بستة وثلثين وقد بقي في يد الورثة ثلثا صاع وهو عشرون يؤدون منه قيمة ثلثي صاع الصحيح وهو ستة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث وهي مثلا المحاباة
الضرب الثاني من جمع الصفقة أن يجمع عقدين مختلفي الحكم
فإذا جمع في صفقة بين إجارة وسلم أو إجارة وبيع أو سلم وبيع عين أو صرف وغيره فقولان
أظهرهما يصح العقد فيهما
والثاني لا يصح في واحد منهما
وصورة الإجارة والسلم أجرتك داري سنة وبعتك كذا سلما بكذا
وصورة الإجارة والبيع بعتك عبدي وأجرتك داري سنة بكذا
ولو جمع بيعا ونكاحا فقال زوجتك جاريتي هذه وبعتك عبدي هذا بكذا والمخاطب ممن يحل له نكاح الأمة أو قال زوجتك بنتي وبعتك عبدها وهي في حجره أو رشيدة وكلته في بيعه صح النكاح بلا خلاف
وفي البيع والمسمى في

النكاح القولان
فإن صححنا وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل وإلا وجب في النكاح مهر المثل
ولو جمع بيعا وكتابة فقال لعبده كاتبتك على نجمين وبعتك ثوبي هذا جميعا بألف فإن حكمنا بالبطلان في الصور السابقة فهنا أولى وإلا فالبيع باطل وفي الكتابة القولان

فصل محل القولين في مسائل الباب إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا
حتى لو باع ماله في صفقة ومال غيره في صفقة أخرى صح في ماله بلا خلاف
وأما بيان تعددها واتحادها فطريقه أن يقول إذا سمى لكل واحد من الشيئين ثمنا مفصلا فقال بعتك هذا بكذا وهذا بكذا فقبل المشتري كذلك على التفصيل فهما عقدان متعددان
ولو جمع المشتري في القبول فقال قبلت فيهما فكذلك على المذهب لأن القبول يترتب على الإيجاب
فإذا وقع مفسرا فكذلك القبول
وقيل إن الصفقة متحدة وهو شاذ
وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع وإن اتحد المشتري والمعقود عليه كما إذا باع رجلان عبدا لرجل صفقة واحدة
وهل تتعدد بتعدد المشتري مثل أن يشتري رجلان من رجل عبدا فقولان
أظهرهما تعدد كالبائع
والثاني لا لأن المشتري بان على الإيجاب السابق فالنظر إلى من أوجب العقد
وللتعدد والاتحاد فوائد غير ما ذكرنا
منها إذا حكمنا بالتعدد فوزن أحد المشتريين نصيبه من الثمن لزم البائع تسليم قسطه من المبيع بتسليم المشاع
وإن قلنا بالاتحاد لم يجب تسليم شىء إلى أحدهما وإن وزن جميع ما عليه حتى يزن الآخر لثبوت حق الحبس كما لو اتحد المشتري وسلم بعض الثمن لا يسلم إليه قسطه من المبيع
وفيه وجه أنه يسلم إليه القسط إذا كان مما يقبل القسمة وهو شاذ

ومنها إذا قلنا بالتعدد فخاطب رجل رجلين فقال بعتكما هذا العبد بألف فقبل أحدهما نصف بخمسمائة أو قال مالكا عبد لرجل بعناك هذا العبد بألف فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة لم يصح على الأصح

فرع إذا وكل رجلان رجلا في البيع أو الشراء وقلنا الصفقة تتعدد
بتعدد المشتري أو وكل رجلين في البيع أو الشراء فهل الاعتبار في تردد العقد واتحاده بالعاقد أو المعقود له فيه أوجه
أصحها عند الأكثرين أن الاعتبار بالعاقد وبه قال ابن الحداد لأن أحكام العقد تتعلق به
ألا ترى أن المعتبر رؤيته دون رؤية الموكل وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل
والثاني الاعتبار بالمعقود له قاله أبو زيد والخضري وصححه الغزالي في الوجيز لأن الملك له
والثالث الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفي الشراء بالعاقد قاله أبو إسحق المروزي
والفرق أن العقد يتم في الشراء بالمباشر دون المعقود له
ولهذا لو أنكر المعقود له الإذن في المباشرة وقع العقد للمباشر بخلاف طرف البيع
قال الإمام وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة
فإن وكله بشراء عبد بثوب معين فهو كالتوكيل بالبيع
والرابع الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفي البيع بهما جميعا فأيهما تعدد تعدد العقد اعتبارا بالشقص المشفوع فإن العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع ولا يتعدد بتعدد الوكيل
ويتفرع على هذا الأوجه مسائل
منها لو اشترى شيئا بوكالة رجلين فخرج معيبا فإن اعتبرنا العاقد فليس لأحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا لم يكن لأحدهما إفراد نصيبه بالرد
وهل لأحد الموكلين والابنين أخذ

الأرش إن وقع اليأس من رد الآخر بأن رضي به فنعم وإن لم يقع فكذلك على الأصح
ومنها لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما أو وكل أحد الشريكين صاحبه فباع الكل ثم خرج معيبا فعلى الوجه الأول لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما
وعلى الأوجه الأخر يجوز
ولو وكل رجل رجلين في بيع عبده فباعاه لرجل فعلى الوجه الأول يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما
وعلى الأوجه الأخر لا يجوز
ولو وكل رجلان رجلا في شراء عبد أو وكل رجل رجلا في شراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا فعلى الوجه الأول والثالث ليس لأحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد
وعلى الثاني والرابع يجوز
وقال القفال إن علم البائع أنه يشتري لهما فلأحدهما رد نصيبه لرضى البائع بالتشقيص
وإن جهله فلا
ومنها لو وكل رجلان رجلا في بيع عبد ورجلان رجلا في شرائه فتبايع الوكيلان فخرج معيبا فعلى الوجه الأول لا يجوز التفريق
وعلى الوجوه الأخر يجوز
ولو وكل رجل رجلين في بيع عبد ووكل رجل آخرين في شراء فتبايع الوكلاء فعلى الوجه الأول يجوز التفريق
وعلى الأوجه الأخر لا يجوز

باب خيار المجلس
والشرط الخيار ضربان
خيار نقص وهو ما يتعلق بفوات شىء مظنون الحصول
وخيار شهوة وهو ما لا يتعلق بفوات شىء
فالأول له باب نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى

وأما الثاني فله سببان المجلس والشرط
وإذا صححنا بيع الغائب أثبتنا خيار الرؤية فتصير الأسباب ثلاثة
السبب الأول كونهما مجتمعين في مجلس العقد فلكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما لم يتفرقا أو يتخايرا

فصل في بيان العقود التي يثبت فيها خيار المجلس والتي لا تثبت
العقود ضربان
أحدهما العقود الجائزة إما من الجانبين كالشركة والوكالة والقراض والوديعة والعارية وإما من أحدهما كالضمان والكتابة فلا خيار فيها وكذا الرهن لكن لو كان الرهن مشروطا في بيع وأقبضه قبل التفرق أمكن فسخ الرهن بأن يفسخ البيع فينفسخ الرهن تبعا
وحكي وجه أنه يثبت الخيار في الكتابة والضمان وهو شاذ ضعيف
الضرب الثاني العقود اللازمة وهي نوعان
واردة على العين وواردة على المنفعة
فالأول كالصرف وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة فيثبت فيها جميعا خيار المجلس وتستثنى صور
إحداها إذا باع ماله لولده أو بالعكس ففي ثبوت خيار المجلس وجهان
أصحهما يثبت
فعلى هذا يثبت خيار للأب وخيار للولد والأب نائبه
فإن ألزم البيع لنفسه وللولد لزم
وإن ألزم لنفسخ بقي الخيار للولد
وإذا

فارق المجلس لزم العقد على الأصح
والثاني لا يلزم إلا بالإلزام لأنه لا يمكن أن يفارق نفسه وإن فارق المجلس
الثانية لو اشترى من يعتق عليه كأبيه وابنه قال جمهور الأصحاب يبنى ثبوت خيار المجلس على أقوال الملك في زمن الخيار
فإن قلنا إنه للبائع فلهما الخيار ولا نحكم بالعتق حتى يمضي زمن الخيار
وإن قلنا موقوف فلهما الخيار
وإذا أمضينا العقد تبينا أنه عتق بالشراء
وإن قلنا الملك للمشتري فلا خيار له ويثبت للبائع
ومتى يعتق وجهان
أصحهما لا يحكم بعتقه حتى يمضي زمن الخيار ثم نحكم يومئذ بعتقه من يوم الشراء
والثاني نحكم بعتقه حين الشراء
وعلى هذا هل ينقطع خيار البائع وجهان كالوجهين في ما إذا أعتق المشتري العبد الأجنبي في زمن الخيار وقلنا الملك له
قال في التهذيب ويحتمل أن نحكم بثبوت الخيار للمشتري أيضا تفريعا على أن الملك له وأن لا يعتق العبد في الحال لأنه لم يوجد منه الرضى إلا بأصل العقد
هذه طريقة الجمهور
وقال إمام الحرمين المذهب أنه لا خيار
وقال الأودني يثبت وتابع الغزالي إمامه على ما اختاره وهو شاذ والصحيح ما سبق عن الأصحاب
الثالثة الصحيح أن شراء العبد نفسه من سيده جائز
وفي ثبوت خيار المجلس وجهان حكاهما أبو حسن العبادي ومال إلى ترجيح ثبوته وقطع الغزالي وصاحب التتمة بعدم ثبوته
الرابعة في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر وجهان لأنه يتلف بمضي الزمان
الخامسة إن صححنا بيع الغائب ولم نثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية فهذا البيع من صور الاستثناء

السادسة إن باع بشرط نفي خيار المجلس فثلاثة أوجه سنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى
أحدها يصح البيع والشرط
فعلى هذا تكون هذه الصورة مستثناة هذا حكم المبيع بأنواعه
ولا يثبت خيار المجلس في صلح الحطيطة ولا في الإبراء ولا في الإقالة إن قلنا إنها فسخ وإن قلنا إنها بيع ففيها الخيار
ولا يثبت في الحوالة إن قلنا إنها ليست معاوضة وإن قلنا معاوضة فكذا أيضا على الأصح لأنها ليست على قواعد المعاوضات
ولا يثبت في الشفعة للمشتري وفي ثبوته للشفيع وجهان
فإن أثبتناه فقيل معناه أنه بالخيار بين الأخذ والترك ما دام في المجلس مع تفريعنا على قول الفور
قال إمام الحرمين هذا غلط بل الصحيح أنه على الفور
ثم له الخيار في نقض الملك ورده
ومن اختار عين ماله لإفلاس المشتري فلا خيار له وفي وجه ضعيف له الخيار ما دام في المجلس
ولا خيار في الوقف كالعتق ولا في الهبة إن لم يكن ثواب
فإن كان ثواب مشروط أو قلنا يقتضيه الإطلاق فلا خيار أيضا على الأصح لأنه لا يسمى بيعا والحديث ورد في المتبايعين
ويثبت الخيار في القسمة إن كان فيها رد زإلا فإن جرت بالإجبار فلا خيار وإن جرت بالتراضي فإن قلنا إنها إقرار فلا خيار وإن قلنا بيع فكذا على الأصح
النوع الثاني العقد الوارد على المنفعة
فمنه النكاح ولا خيار فيه ولا خيار في الصداق على الأصح
فإن أثبتناه ففسخت وجب مهر المثل
وعلى هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع ولا تندفع الفرقة بحال
ومنه الإجارة وفي ثبوت خيار المجلس فيها وجهان
أصحهما عند صاحب المهذب وشيخه الكرخي يثبت وبه قال الاصطخري وصاحب التلخيص وأصحهما عند الإمام وصاحب التهذيب والأكثرين لا يثبت

وبه قال أبو إسحق وابن خيران
قال القفال في طائفة الخلاف في إجارة العين
أما الإجارة على الذمة فيثبت فيها قطعا كالسلم
فإن أثبتنا الخيار في إجارة العين ففي ابتداء مدتها وجهان
أحدهما من وقت انقضاء الخيار بالتفرق
فعلى هذا لو أراد المؤجر أن يؤجره لغيره في مدة الخيار قال الإمام لم يجزه أحد فيما أظن وإن كان محتملا في القياس
وأصحهما أنها تحسب من وقت العقد
فعلى هذا على من تحسب مدة الخيار إن كان قبل تسليم العين إلى المستأجر فهي محسوبة على المؤجر
وإن كانت بعده فوجهان بناء على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمن الخيار من ضمان من يكون الأصح أنه من ضمان المشتري
فعلى هذا يحسب على المستأجر وعليه تمام الأجرة
والثاني من ضمان البائع
فعلى هذا يحسب على المؤجر ويحط من الأجرة قدر ما يقابل تلك المدة
وأما المساقاة ففي ثبوت خيار المجلس فيها طريقان
أصحهما على الخلاف في الإجارة
والثاني القطع بالمنع لعظم الغرر فيها فلا يضم إليه غرر الخيار
والمسابقة كالإجارة إن قلنا إنها لازمة وكالعقود الجائزة إن قلنا جائزة

فرع لو تبايعا بشرط نفي خيار المجلس فثلاثة أوجه أصحها البيع باطل
والثاني أنه صحيح ولا خيار
والثالث صحيح والخيار ثابت
ولو شرط نفي خيار الرؤية على قول صحة بيع الغائب فالمذهب أن البيع باطل وبه قطع الأكثرون
وطرد الإمام والغزالي فيه الخلاف
وهذا الخلاف يشبه الخلاف في شرط البراءة من العيوب
ويتفرع على نفي خيار المجلس ما إذا قال لعبده إن بعتك فأنت حر ثم باعه بشرط نفي الخيار فإن قلنا البيع

باطل أو صحيح ولا خيار لم يعتق
وإن قلنا صحيح والخيار ثابت عتق لأن عتق البائع في مدة الخيار نافذ

فصل فيما ينقطع به خيار المجلس وجملته أن كل عقد ثبت فيه
فإنه ينقطع بالتخاير وينقطع أيضا بأن يتفرقا بأبدانهما عن مؤلس العقد
أما التخاير فهو أن يقولا تخايرنا أو اخترنا إمضاء العقد أو أمضيناه أو أجزناه أو ألزمناه وما أشبهها
فلو قال أحدهما اخترت إمضاءه انقطع خياره وبقي خيار الآخر كما إذا أسقط أحدهما خيار الشرط
وفي وجه ضعيف لا يبقى خيار الآخر لأن هذا الخيار لا يتبعض ثبوته فلا يتبعض سقوطه
ولو قال أحدهما لصاحبه اختر أو خيرتك فقال الآخر اخترت انقطع خيارهما
وإن سكت لم ينقطع خياره وينقطع خيار القائل على الأصح لأنه دليل الرضى
ولو أجاز واحد وفسخ الآخر قدم الفسخ
ولو تقابضا في المجلس وتبايعا العوضين بيعا ثانيا صح البيع الثاني أيضا على المذهب وبه قطع الجمهور لأنه رضى بلزوم الأول
وقيل إنه يبنى على أن الخيار هل يمنع انتقال الملك إن قلنا يمنع لم يصح
ولو تقابضا في الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد
فإن أجازاه قبل التقابض فوجهان
أحدهما تلغو الإجازة فيبقى الخيار
والثاني يلزم العقد وعليهما التقابض
فإن تفرقا قبل التقابض انفسخ العقد ولا يأثمان إن تفرقا عن تراض
وإن انفرد أحدهما بالمفارقة أثم
وأما التفرق فأن يتفرقا بأبدانهما فلو أقاما في ذلك لمجلس مدة متطاولة أو قاما وتماشيا مراحل

فهما على خيارهما
هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور
وحكي وجه أنه لا يزيد على ثلاثة أيام
ووجه أنهما لو شرعا في أمر آخر وأعرضا عما يتعلق بالعقد وطال الفصل انقطع الخيار
ثم الرجوع في التفرق إلى العادة
فما عده الناس تفرقا لزم به العقد
فلو كانا في دار صغيرة فالتفرق أن يخرج أحدهما منها أو يصعد السطح
وكذا لو كانا في مسجد صغير أو سفينة صغيرة
فإن كانت الدار كبيرة حصل التفرق بأن يخرج أحدهما من البيت إلى الصحن أو من الصحن إلى بيت أو صفة
وإن كانا في صحراء أو في سوق فإذا ولى أحدهما ظهره ومشى قليلا حصل التفرق على الصحيح
وقال الاصطخري يشترط أن يبعد عن صاحبه بحيث لو كلمه على العادة من غير رفع الصوت لم يسمع كلامه
ولا يحصل التفرق بأن يرخى ستر بينهما أو يشق نهر
ولا يحصل ببناء جدار بينهما من طين أو جص على الأصح
وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتساعهما كالصحراء

فرع لو تناديا متباعدين وتبايعا صح البيع

قال الإمام يحتمل أن يقال لا خيار لهما لأن التفرق الطارىء يقطع الخيار فالمقارن يمنع ثبوته
ويحتمل أن يقال يثبت ما داما في موضعهما وبهذا قطع صاحب التتمة
ثم إذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره
وهل يبطل خيار الآخر أم يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للإمام
قلت الأصح ثبوت الخيار وأنه متى فارق أحدهما موضعه بطل خيار الآخر
ولو تبايعا وهما في بيتين من دار أوصحن وصفة ينبغي أن يكونا كالمتباعدين فيما ذكرنا وأن يثبت الخيار حتى يفارق أحدهما
والله أعلم

فرع لو مات أحدهما في المجلس نص أن الخيار لوارثه وقال
إذا باع ومات في المجلس وجب البيع
وللأصحاب ثلاث طرق
أصحها في المسألتين قولان
أظهرهما يثبت الخيار للوارث والسيد كخيار الشرط والعيب
والثاني يلزم لأنه أبلغ من المفارقة بالبدن
والطريق الثاني يثبت لهما قطعا
وقوله في المكاتب وجب البيع معناه لا يبطل بخلاف الكتابة
والثالث تقرير النصين
والفرق بأن الوارث خليفة الميت بخلاف السيد
وحكي قول مخرج من خيار المجلس في خيار الشرط أنه لا يورث وهو شاذ
ولو باع العبد المأذون أو اشترى ومات في المجلس فكالمكاتب
وكذا الوكيل بالشراء إذا مات في المجلس هل للموكل الخيار فيه الخلاف كالمكاتب
هذا إذا فرغنا على الصحيح أن الاعتبار بمجلس التوكيل
وفي وجه يعتبر مجلس الموكل وهو شاذ
ثم إن لم يثبت الخيار للوارث فقد انقطع خيار الميت
وأما الحي ففي التهذيب أن خياره لا ينقطع حتى يفارق ذلك المجلس
وقال الإمام يلزم العقد من الجانبين ويجوز تقدير خلاف فيه لما سبق أن هذا الخيار لا يتبعض سقوطه كثبوته
قلت قول صاحب التهذيب أصح وفيه وجه ثالث حكاه القاضي حسين يمتد حتى يجتمع هو والوارث
ورابع حكاه الروياني أنه ينقطع خياره بموت صاحبه
فإذا بلغ الخبر الوارث حدث لهذا الخيار معه
والله أعلم
وإن قلنا يثبت الخيار للوارث فإن كان حاضرا في المجلس امتد الخيار بينه وبين العاقد الآخر حتى يتفرقا أو يتخايرا
وإن كان غائبا فله الخيار إذا وصل الخبر إليه
وهل هو على الفور أم يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر

إليه وجهان كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث وبلغه الخبر بعد مضي مدة الخيار ففي وجه يمتد كما كان يمتد للميت لو بقي
ومنهم من بناهما على وجهين في كيفية ثبوته للعاقد الباقي
أحدهما له الخيار ما دام في مجلس العقد
فعلى هذا يكون خيار الوارث في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع
والثاني يتأخر خياره إلى أن يجتمع هو والوارث في مجلس فحينئذ يثبت الخيار للوارث
قلت حاصل الخلاف في خيار المجلس للوارث الغائب أربعة أوجه
منها ثلاثة جمعها القاضي حسين
أصحها يمتد الخيار حتى يفارق مجلس الخبر
والثاني حتى يجتمعا
والثالث على الفور
والرابع يثبت له الخيار إذا أبصر المبيع ولا يتأخر
والله أعلم

فرع إذا ورثه اثنان فصاعدا وكانوا حضورا في مجلس العقد فلهم الخيار
إلى أن يفارقوا العاقد الآخر ولا ينقطع بمفارقة بعضهم على الأصح
وإن كانوا غائبين عن المجلس قال في التتمة إن قلنا في الوارث الواحد يثبت الخيار في مجلس مشاهدة المبيع فههم الخيار إذا اجتمعوا في مجلس واحد
وإن قلنا له الخيار إذا اجتمع هو والعاقد فكذا لهم الخيار إذا اجتمعوا به
ومتى فسخ بعضهم وأجاز بعضهم ففي وجه لا ينفسخ في شىء والأصح أنه ينفسخ في الجميع كالمورث إذا فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض
قلت وسواء فسخ بعضهم في نصيبه فقط أو في الجميع
والله أعلم

فرع إذا حمل أحد المتعاقدين فأخرج من المجلس مكرها فإن منع
بأن سد فمه لم ينقطع خياره على المذهب
وقيل وجهان كالقولين في الموت وهنا أولى ببقائه لأن إبطال حقه قهرا بعيد
وإن لم يمنع الفسخ فطريقان
أحدهما ينقطع
وأصحهما على وجهين
أصحهما لا ينقطع
فإن قلنا ينقطع خياره انقطع أيصا خيار الماكث وإلا فله التصرف بالفسخ والإجارة إذا تمكن
وهل هو على الفور فيه الخلاف السابق
فإن قلنا لا يتقيد بالفور وكان مستقرا حين زايله الإكراه في المجلس امتد الخيار امتداد ذلك المجلس
وإن كان مارا فإذا فارق في مروره مكان التمكن انقطع خياره وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع بالعاقد الآخر إن طال الزمان
وإن قصر ففيه احتمال للإمام
وإذا لم يبطل خيار المخرج لم يبطل خيار الماكث أيضا إن منع الخروج معه وإلا بطل على الأصح
ولو ضربا حتى تفرقا بأنفسهما ففي انقطاع الخيار قولان كحنث المكره
ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر مع التمكن بطل خيارهما وإن لم يتمكن بطل خيار الهارب وحده قاله في التهذيب
قلت أطلق الفوراني والمتولي وصاحبا العدة و البيان وغيرهم أنه يبطل خيارهما بلا تفصيل وهو الأصح لأنه تمكن من الفسخ بالقول ولأن الهارب فارق مختارا بخلاف المكره فإنه لا فعل له
والله أعلم

فرع لو جن أحدهما أو أغمي عليه لم ينقطع الخيار بل
الحاكم مقامه فيفعل ما فيه الحظ من الفسخ والإجازة
وفي وجه مخرج من الموت أنه ينقطع
ولو خرس أحدهما في المجلس فإن كانت له إشارة مفهومة أو كتابة فهو على خياره وإلا نصب الحاكم نائبا عنه
فرع لو جاء المتعاقدان معا فقال أحدهما تفرقنا بعد البيع فلزم وأنكر
الثاني التفرق وأراد الفسخ فالقول قول الثاني مع يمينه للأصل
ولو اتفقا على التفرق وقال أحدهما فسخت قبله وأنكر الآخر فالقول قول المنكر مع يمينه على الصحيح وعلى الثاني قول مدعي الفسخ لأنه أعلم بتصرفه
ولو اتفقا على عدم التفرق وادعى أحدهما الفسخ وأنكر الآخر فدعواه الفسخ فسخ
السبب الثاني للخيار الشرط
يصح خيار الشرط بالإجماع ولا يجوز أكثر من ثلاثة أيام فإن زاد بطل البيع ويجوز دون الثلاثة
فلو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد فهل يبطل البيع أو يصح ويباع عند الإشراف على الفساد ويقام ثمنه مقامه وجهان حكاهما صاحب البيان
قلت أصحهما الأول
والله أعلم
ويشترط أن تكون المدة متصلة بالعقد
فلو شرطا خيار ثلاثة فما دونها من آخر الشهر أو متى شاءا أو شرطا خيار الغد دون اليوم بطل البيع

ولا يجوز شرط الخيار مطلقا ولا تقديره بمدة مجهولة
فإن فعل بطل العقد ولو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد جاز
ولو قالا إلى طلوعها قال الزبيري لا يجوز لأن السماء قد تغيم فلا تطلع وهذا بعيد فإن التغيم إنما يمنع من الإشراق واتصال الشعاع لا من الطلوع
واتفقوا على أنه يجوز أن يقول إلى الغروب وإلى وقت الغروب
قلت الأصح خلاف قول الزبيري
والله أعلم
ولو تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل أو عكسه لم يدخل فيه الليل والنهار كما لو باع بألف إلى رمضان لا يدخل رمضان في الأجل

فرع لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا بعينه بطل البيع
لو باع أحدهما لا بعينه
ولو شرط الخيار في أحدهما بعينه ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم وكذا لو شرط في أحدهما خيار يوم وفي الآخر يومين
فإن صححنا البيع ثبت الخيار فيما شرط كما شرط
ولو شرط الخيار فيهما ثم أراد الفسخ في أحدهما فعلى قولي تفريق الصفقة في الرد بالعيب
ولو اشترى اثنان شيئا من واحد صفقة واحدة بشرط الخيار فلأحدهما الفسخ في نصيبه كما في الرد بالعيب
ولو شرط لأحدهما الخيار دون الآخر صح البيع على الأظهر
فرع لو اشترى بشرط أنه إن لم ينقده الثمن في ثلاثة أيام
بينهما

أو باع بشرط أنه إن رد الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما بطل البيع كما لو تبايعا بشرط أنه إن قدم زيد اليوم فلا بيع بينهما هذا هو الصحيح
وعن أبي إسحق أنه يصح العقد والمذكور في الصورة الأولى شرط الخيار للمشتري
وفي الثانية شرط للبائع

فرع قد اشتهر في الشرع أن قوله لا خلابة عبارة عن اشتراط
ثلاثة أيام
فإذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط
وإن كانا جاهلين لم يثبت الخيار
فإن علم البائع دون المشتري فوجهان
قلت الصحيح أنه لايثبت
والله إعلم
فرع إذا شرطا الخيار ثلاثة أيام ثم أسقطا اليوم الأول سقط الكل

فرع إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة فما دونها فابتداء المدة من وقت
العقد أم من وقت التفرق أو التخاير فيه وجهان
أصحهما الأول
وأما ابتداء مدة الأجل فإن جعلنا الخيار من العقد فالأجل أولى وإلا فوجهان
فإذا قلنا ابتداء الخيار من العقد فانقضت المدة وهما مصطحبان بعد انقطع خيار الشرط وبقي خيار المجلس
وإن تفرقا والمدة باقية فالحكم بالعكس
ولو أسقطا

أحد الخيارين لم يسقط الآخر
ولو قالا ألزمنا العقد أو أسقطنا الخيار مطلقا سقطا
ولو شرطا الابتداء من وقت التفرق بطل العقد على الصحيح
وفي وجه يصح البيع والشرط
وأما إذا قلنا ابتداء الخيار من التفرق فإذا تفرقا انقطع خيار المجلس واستؤنف خيار الشرط
ولو أسقطا الخيار قبل التفرق بطل خيار المجلس ويبطل الآخر على الأصح لأنه غير ثابت
ولو شرطا ابتداءه من حين العقد فوجهان
أصحهما يصح العقد والشرط
ولو شرطا الخيار بعد العقد وقبل التفرق وقلنا بثبوته فالحكم على الوجه الثاني لا يختلف وعلى الأول يحسب من وقت الشرط لا من وقت العقد ولا من التفرق

فرع من له خيار الشرط له فسخ العقد حضر صاحبه أو غاب
نفوذ هذا الفسخ إلى الحاكم
فصل فيما يثبت فيه خيار الشرط من العقود وما لا يثبت والقول
فيه أنه مع خيار المجلس يتلازمان في الأغلب لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط فربما انفكا لذلك فإذا أردت التفصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس
واعلم بأنهما متفقان في صورة الخلاف والوفاق إلا أن البيوع التي يشترط

فيها التقابض في المجلس كالصرف وبيع الطعام بالطعام أو القبض في أحد العوضين كالسلم لا يجوز شرط الخيار فيها وإن ثبت خيار المجلس وإلا أن خيار الشرط لا يثبت في الشفعة بلا خلاف
وكذا في الحوالة على ما حكاه العراقيون وإلا أن الوجه الغريب المذكور في خيار المجلس للبائع لمفلس لم يطردوه هنا وإلا أن في الهبة بشرط الثواب طريقة قاطعة تنفي خيار الشرط وإلا أن في الإجارة أيضا طريقة مثل ذلك
وحكم شرط الخيار في الصداق مذكور في كتاب الصداق

فصل يجوز شرط الخيار للعاقدين ولأحدهما بالإجماع

ويجوز أن يشرط لأحدهما يوم وللآخر يومان أو ثلاثة
فإن شرطه لغيرهما فإن كان الغير أجنبيا فقولان
أحدهما يفسد البيع
وأظهرهما يصح البيع والشرط ويجري القولان في بيع العبد بشرط الخيار للعبد
ولا فرق على القولين بين أن يشرطا جميعا أو أحدهما الخيار لشخص واحد وبين أن يشرط هذا الخيار لواحد وهذا لآخر
فإذا قلنا بالأظهر ففي ثبوت الخيار للشارط أيضا قولان أو وجهان
أظهرهما وهو ظاهر نصه في الصرف أنه لا يثبت اقتصارا على الشرط
فإذا لم نثبت الخيار للعاقد مع الأجنبي فمات الأجنبي في زمن الخيار ثبت له الآن على الأصح
وإن أثبتنا الخيار للعاقد مع الأجنبي فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ
ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر فالفسخ أولى
ولو اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا فيأتي بما يأمره به من الفسخ والإجازة فالمنصوص أنه يجوز وليس له الرد حتى يقول استأمرته فأمرني بالفسخ

وتكلموا فيه من وجهين أحدهما أنه لماذا شرط أن يقول استأمرته قال الذين خصوا الخيار المشروط للأجنبي به هذا جواب على المذهب الذي قلناه ومؤيد له
وقال الآخرون إنه مذكور احتياطا
والوجه الثاني أنه أطلق في التصوير شرط المؤامرة فهل يحتمل ذلك الصحيح أنه لا يحتمل واللفظ محمول على ما إذا قيد المؤامرة بالثلاث فما دونها
وقيل يحتمل الإطلاق والزيادة على الثلاث كخيار الرؤية
أما إذا كان ذلك الغير هو الموكل فيثبت الخيار للموكل فقط وللوكيل بالبيع والشراء شرط الخيار للموكل على الأصح لأن ذلك لايضره
وطرد الشيخ أبو علي الوجهين في شرط الخيار لنفسه أيضا
وليس للوكيل في البيع شرط الخيار للمشتري ولا للوكيل في الشراء شرطه للبائع فإن خالف بطل العقد
وإذا شرط الخيار لنفسه وجوزناه أو أذن فيه صريحا ثبت له الخيار ولا يفعل إلا ما فيه الحظ للموكل لأنه مؤتمن بخلاف الأجنبي المشروط له الخيار لا يلزمه رعاية الحظ هكذا ذكروه
ولقائل أن يجعل شرط الخيار له ائتمانا وهذا أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد
ثم هل يثبت للموكل الخيار معه في هذه الصورة فيه الخلاف المذكور فيما إذا شرط للأجنبي هل يثبت للعاقد وحكى الإمام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالإذن المطلق من الموكل ثلاثة أوجه أن الخيار يثبت للوكيل أو للموكل أم لهما قلت أصحهما للوكيل
ولو حضر الموكل مجلس العقد فحجر على الوكيل في خيار المجلس فمنعه الفسخ والإجازة فقد ذكر الغزالي كلاما معناه أن فيه احتمالين
أحدهما يجب الامتثال وينقطع خيار الوكيل قال وهو مشكل لأنه يلزم منه رجوع الخيار إلى الموكل وهو مشكل
والثاني لا يمتثل لأنه من لوازم السبب السابق وهو البيع ولكنه مشكل لأنه يخالف شأن الوكالة التي مقتضاها امتثال قول الموكل وهذا الثاني أرجح وهذا معنى كلام الغزالي

في البسيط و الوسيط
وليس في المسألة خلاف وإن كانت عبارته موهمة إثبات خلاف
والله أعلم

فصل ملك المبيع في زمن الخيار لمن فيه ثلاثة أقوال أحدها للمشتري
والملك في الثمن للبائع
والثاني للبائع والملك في الثمن للمشتري
والثالث موقوف
فإن تم البيع بان حصول الملك للمشتري بنفس البيع وإلا بان أن ملك البائع لم يزل
وكذا يتوقف في الثمن
وفي موضع الأقوال طرق
أحدها أنها إذا كان الخيار لهما إما بالشرط وإما بالمجلس
أما إذا كان لأحدهما فهو مالك المبيع لنفوذ تصرفه
والثاني أنه لا خلاف في المسألة ولكن إن كان الخيار للبائع فالملك له
وإن كان للمشتري فله
وإن كان لهما فموقوف
وتنزل الأقوال على هذه الأحوال
والثالث طرد الأقوال في جميع الأحوال وهو الأصح عند عامة الأصحاب منهم العراقيون والحليمي
وأما الأظهر من الأقوال فقال الشيخ أبو حامد ومن نحا نحوه الأظهر أن الملك للمشتري وبه قال الإمام
وقال آخرون الأظهر الوقف وبه قال صاحب التهذيب والأشبه توسط ذكره جماعة وهو أنه إن كان الخيار للبائع فالأظهر بقاء الملك له
وإن كان للمشتري فالأظهر انتقاله إليه
وإن كان لهما فالأظهر الوقف
التفريع
لهذه الأقوال فروع كثيرة
منها ما يذكر في أبوابه

ومنها ما يذكر هنا
فمن ذلك كسب العبد والأمة المبيعين في زمن الخيار فإن تم البيع فهو للمشتري إن قلنا الملك له أو موقوف
وإن قلنا للبائع فوجهان
قال الجمهور الكسب للبائع لأن الملك له عند حصوله
وقال أبو علي الطبري للمشتري
وإن فسخ البيع فهو للبائع إن قلنا الملك له أو موقوف
وإن قلنا للمشتري فوجهان
أصحهما للمشتري
وقال أبو إسحق للبائع
وفي معنى الكسب اللبن والثمرة والبيض ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة
ومنه النتاج فإن فرض حدوث الولد وانفصاله في مدة الخيار لامتداد المجلس فهو كالكسب
وإن كانت الجارية أو البهيمة حاملا عند البيع وولدت في زمن الخيار بني على أن الحمل هل يأخذ قسطا من الثمن وفيه قولان
أحدهما لا كأعضائها
فعلى هذا هو كالكسب بلا فرق
وأظهرهما نعم كما لو بيع بعد الانفصال مع الأم
فعلى هذا الحمل مع الأم كعينين بيعتا معا
فإن فسخ البيع فهما للبائع وإلا فللمشتري
ومنه العتق فإذا أعتق البائع في زمن الخيار المشروط لهما أو للبائع نفذ إعتاقه على كل قول
وإن أعتقه المشتري فإن قلنا الملك للبائع لم ينفذ إن فسخ البيع وكذا إن تم على الأصح
وإن قلنا موقوف فالعتق أيضا موقوف فإن تم العقد بان نفوذه وإلا فلا
وإن قلنا الملك للمشتري ففي العتق وجهان
أصحهما وهو ظاهر النص لا ينفذ صيانة لحق البائع عن الإبطال
وعن ابن سريج أنه ينفذ لمصادفته الملك
ثم قيل بالنفوذ عنه مطلقا
وقيل إنه يفرق بين أن يكون موسرا فينفذ أو معسرا فلا ينفذ كالمرهون
فإن قلنا لا ينفذ فاختار البائع الإجارة ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان
وإن قلنا ينفذ فمن

وقت الإجازة أم الإعتاق وجهان
أصحهما الأول
وإن قلنا بوجه ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان
أحدهما يبطل وليس له إلا الثمن
وأصحهما لا يبطل لكن لا يرد العتق بل إذا فسخ أخذ منه قيمة العبد كنظيره في الرد بالعيب
هذا كله إذا كان الخيار لهما أو للبائع
أما إذا كان للمشتري فينفذ إعتاقه على جميع الأقوال لأنه إما مصادف ملكه وإما إجازة وليس فيه إبطال حق الغير
وإن أعتقه البائع فإن قلنا الملك للمشتري لم ينفذ تم البيع أم فسخ
ويجيء فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المآل
وإن قلنا بالوقف لم ينفذ إن تم البيع وإلا نفذ
وإن قلنا إنه للبائع فإن اتفق الفسخ فهو نافذ وإلا فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم فهو كإعتاق الراهن
ومنه الوطء فإن كان الخيار لهما أو للبائع ففي حله للبائع طرق
أحدها أنا إن جعلنا الملك له فهو حلال وإلا فوجهان
وجه الحل أنه يتضمن الفسخ وفي ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله
والطريق الثاني إن لم نجعل الملك له فحرام وإلا فوجهان
وجه التحريم ضعف الملك و الطريق الثالث القطع بالحل مطلقا
والمذهب من هذا كله الحل إن جعلنا الملك له والتحريم إن لم نجعله له ولا مهر عليه بحال
وأما وطء المشتري فحرام قطعا لأنه وإن ملك على قول فملك ضعيف ولكن لا حد عليه على الأقوال لوجود الملك أو شبهته
وهل يلزمه المهر إن تم البيع فلا إن قلنا الملك للمشتري أو موقوف
وإن قلنا للبائع وجب المهر له على الصحيح
وقال أبو إسحق لا يجب نظرا إلى المآل
وإن فسخ البيع وجب المهر للبائع إن قلنا الملك له أو موقوف
وإن قلنا للمشتري فلا مهر على الأصح
ولو أولدها فالولد حر نسيب على الأقوال
وهل يثبت الاستيلاد إن قلنا الملك للبائع فلا
ثم إن تم البيع أو ملكها بعد ذلك ففي ثبوته حينئذ قولان كمن وطىء جارية

غيره بشبهة ثم ملكها
وعلى وجه الناظر إلى المآل إذا تم البيع نفذ الاستيلاد بلا خلاف
وعلى قول الوقف إن تم البيع بان ثبوت الاستيلاد وإلا فلا
فلو ملكها يوما عاد القولان
وعلى قولنا الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف المذكور في العتق
فإن لم يثبت في الحال وتم البيع بان ثبوته
ورتب الأئمة الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق فقيل الاستيلاد أولى بالثبوت
وقيل عكسه
وقال الإمام ولا يبعد القول بالتسوية
والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر
أما إذا كان الخيار للمشتري وحده فحكم حل الوطء كما سبق في حل الوطء في طرف البائع إذا كان الخيار لهما أو له
وأما البائع فيحرم عليه الوطء هنا
فلو وطىء فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب القيمة كما ذكرناه في طرف المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع

فرع إذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار نظر إن كان
انفسخ العقد
وإن كان بعده وقلنا الملك للبائع انفسخ أيضا فيسترد الثمن ويغرم للبائع القيمة
وفي القيمة الخلاف المذكور في كيفية غرامة المستعير والمستام
وإن قلنا الملك للمشتري أو موقوف فوجهان أو قولان
أحدهما ينفسخ أيضا لحصول الهلاك قبل استقرار العقد
وأصحهما لا ينفسخ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض ولا أثر لولاية الفسخ كما في خيار العيب
فإن قلنا بالانفساخ فعلى المشتري القيمة
قال الإمام وهنا يقطع باعتبار قيمة يوم التلف لأن الملك قبل ذلك لمشتري
وإن قلنا بعدم الانفساخ فهل ينقطع الخيار وجهان
أحدهما نعم كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع
وأصحهما

لا كما لا يمتنع التحالف بتلف المبيع ويخالف الرد بالعيب لأن الضرر ثم يندفع بالأرش فإن قلنا بالأول استقر العقد ولزم الثمن
وإن قلنا بالثاني فإن تم العقد لزم الثمن وإلا وجبت القيمة على المشتري واسترد الثمن
فإن تنازعا في تعيين القيمة فالقول قول المشتري
ومن الأصحاب من قطع بعدم الانفساخ وإن قلنا الملك للبائع
وذكروا تفريعا أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمن الخيار فعلى البائع رد الثمن وعلى المشتري القيمة
قال الإمام هذا تخليط ظاهر

فرع لو قبض المشتري المبيع في زمن الخيار وأتلفه متلف قبل انقضائه
إن قلنا الملك للبائع انفسخ البيع كالتلف
وإن قلنا للمشتري أو موقوف نظر إن أتلفه أجنبي بني على ما لو تلف
إن قلنا ينفسخ العقد هناك فهو كإتلاف الأجنبي المبيع قبل القبض وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى
وإن قلنا لا ينفسخ وهو الأصح فكذا هنا وعلى الأجنبي القيمة والخيار بحاله
فإن تم البيع فهي للمشتري وإلا فللبائع
وإن أتلفه المشتري استقر الثمن عليه
فإن أتلفه في يد البائع وجعلنا إتلافه قبضا فهو كما لو تلف في يده
وإن أتلفه البائع في يد المشتري ففي التتمة أنه يبنى على أن إتلافه كإتلاف الأجنبي أم كالتلف بآفة سماوية وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى

فرع لو تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد القبض بأن
فمات أحدهما ففي الانفساخ في التالف الخيار السابق
فإن انفسخ جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة
وإن لم ينفسخ فقي خياره في الباقي إن قلنا يجوز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار وإلا ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان
وإذا بقي الخيار فيه ففسخ رده مع قيمة الهالك
فرع إذا قبض المبيع في زمن الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف
يده فهو كما لو تلف في يد المشتري
حتى إذا فرعنا على أن الملك للبائع ينفسخ البيع ويسترد الثمن ويغرم القيمة حكاه الإمام عن الصيدلاني
ثم أبدى احتمالا في وجوب القيمة لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك
فرع لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن
في زمن الخيار
فلو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده وله استرداد المدفوع
وقيل ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه
والأول أصح

فرع لو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم خاطبها بالطلاق في زمن
فإن تم العقد وقلنا الملك للمشتري أو موقوف لم يقع الطلاق
وإن قلنا للبائع وقع
وإن فسخ وقلنا للبائع أو موقوف وقع
وإن قلنا للمشتري فوجهان
وليس له الوطء في زمن الخيار لأنه لا يدري أيطأ بالملك أو بالزوجية هذا هو الصحيح المنصوص
وفي وجه له الوطء
فصل فيما يحصل به الفسخ والإجازة لا يخفى ما يحصلان به من
البائع فسخت البيع أو استرجعت المبيع أو رددت الثمن
وقال الصيمري قول البائع في زمن الخيار لا أبيع حتى يزيد في الثمن وقول المشتري لا أفعل فسخ وكذا قول المشتري لا أشتري حتى تنقص لي من الثمن وقول البائع لا أفعل وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال
فرع إذا كان للبائع خيار فوطؤه المبيعة في زمن الخيار فسخ على
لإشعاره باختيار الإمساك
وفي وجه لا يكون فسخا
وفي وجه إنما يكون

فسخا إذا نوى به الفسخ
فعلى الصحيح لو قبل أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة لا يكون فسخا على الأصح وكذا الركوب والاستخدام
وقطع في التهذيب بأن الجميع فسخ

فرع إعتاق البائع إن كان له الخيار فسخ بلا خلاف

وفي بيعه وجهان
أصحهما أنه فسخ
فعلى هذا في صحة البيع المأتي به وجهان
أصحهما الصحة كالعتق
ويجري هذا الخلاف في الإجارة والتزويج وكذا في الرهن والهبة إن اتصل بهما القبض وسواء وهب لمن لا يتمكن من الرجوع في هبته أو يتمكن كولده
فإن تجرد الرهن والهبة عن القبض فهو كالعرض على البيع وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
فرع إذا علم البائع أن المشتري يطأ الجارية وسكت عليه هل يكون
وجهان
أصحهما لا كما لو سكت على بيعه وإجارته وكما لو سكت على وطء أمته لا يسقط به المهر
ولو وطىء بالإذن حصلت الإجازة ولم يجب على المشتري مهر ولا قيمة ولد وثبت الاستيلاد قطعا
وما سبق في الفصل الماضي مفروض فيما إذا لم يأذن له البائع في الوطء ولا علم به

فرع وطء المشتري هل هو إجازة منه وجهان

أصحهما نعم وإعتاقه إن كان بإذن البائع نفذ وحصلت الإجازة في الطرفين وإلا ففي نفوذه ما سبق
فإن نفذ حصلت الإجازة وإلا فوجهان
أصحهما الحصول لدلالته على اختيار التملك
قال الإمام ويتجه أن يقال إن أعتق وهو يعلم عدم نفوذه لم يكن إجازة قطعا
وإن باع أو وقف أو وهب وأقبض بغير إذن البائع لم ينفذ قطعا ولكن يكون إجازة على الأصح
ولو باشر هذه التصرفات بإذن البائع أوباع للبائع نفسه صح على الأصح
قال ابن الصباغ وعلى الوجهين جميعا يلزم البيع ويسقط الخيار
وقياس ما سبق أنا إذا لم ننفذها كان سقوط الخيار على وجهين
ولو أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها كان مجيزا
ومجرد الإذن في هذه التصرفات لا يكون إجازة من البائع حتى لو رجع قبل التصرف كان على خياره ذكره الصيدلاني وغيره
فرع في العرض على البيع والإذن والتوكيل فيه وجهان وكذا في الرهن
والهبة دون القبض
أحدهما أنها كلها فسخ من جهة البائع وإجازة من جهة المشتري
وأصحهما أنها ليست فسخا ولا إجازة
ولو باع المبيع في زمن الخيار بشرط الخيار قال الإمام إن قلنا لا يزول ملك البائع فهو قريب من الهبة الخالية من القبض وإن قلنا يزول ففيه احتمال لأنه أبقى لنفسه مستدركا

فرع اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا نظر إن كان الخيار
الجارية بناء على ما سبق أن إعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ولا يعتق العبد المشتري وإن جعلنا الملك فيه لمشتريه لما فيه من إبطال حق صاحبه على الأصح
وعلى الوجه القائل بنفاذ إعتاق المشتري تفريعا على أن الملك للمشتري يعتق العبد ولا تعتق الجارية
وإن كان الخيار لمشتري العبد فثلاثة أوجه
أصحها يعتق العبد لأنه إجازة
والأصل استمرار العقد
والثاني تعتق الجارية لأن عتقها فسخ فقدم على الإجازة
ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين وأجاز الآخر قدم الفسخ
والثالث لا يعتق واحد منهما
وإن كان الخيار لبائع العبد وحده فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشتر والخيار لصاحبه وبالإضافة إلى الجارية بائع
وقد سبق الخلاف في إعتاقهما
والذي يفتى به أنه لا ينفذ العتق في واحد منهما في الحال
فإن فسخ صاحبه نفذ في الجارية وإلا ففي العبد
ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما مشتري الجارية فقس الحكم بما ذكرناه وقل إن كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية على الأصح
وإن كان للمعتق وحده فعلى الأوجه الثلاثة
في الأول يعتق العبد وفي الثاني الجارية ولا يخفى الثالث

باب خيار النقيصة
هو منوط بفوات شىء من المعقود عليه كان يظن حصوله وذلك الظن من أحد ثلاثة أمور
أولها شرط كونه بتلك الصفة
وثانيها اطراد العرف بحصولها فيه
وثالثها أن يفعل العاقد ما يورث ظن حصولها
فالأول من أسباب الظن كقوله بعت هذا العبد بشرط كونه كاتبا
والصفات الملتزمة بالشرط قسمان
أحدهما يتعلق به غرض مقصود فالخلف فيها يثبت الخيار وفاقا أو على خلاف فيه وذلك بحسب قوة الغرض وضعفه
والثاني لا يتعلق به غرض مقصود فاشتراطه لغو ولا خيار بفقده
فإذا شرط كون العبد كاتبا أو خبازا أو صائغا فهو من القسم الأول
ويكفي أن يوجد من الصفة المشروطة ما ينطلق عليه الاسم ولا تشترط النهاية فيها
ولو شرط إسلام العبد فبان كافرا أو شرط كون الجارية يهودية أو نصرانية فبانت مجوسية ثبت الخيار
ولو شرط كفره فبان مسلما ثبت الخيار على الصحيح
وقيل إن كان قريبا من بلاد الكفر أو في ناحية أغلب أهلها الذميون ثبت الخيار وإلا فلا
وقال المزني لا خيار أصلا
ولو شرط بكارة الجارية فبانت ثيبا فله الرد سواء كانت مزوجة أم لا
وقال أبو إسحق لا خيار إن كانت مزوجة لأن الافتضاض حق للزوج
والصحيح الأول لأنه قد يطلقها
ولو شرط ثيابتها فبانت بكرا أو شرط سبوطة شعرها فبان جعدا فلا خيار على الأصح لأنها أفضل كما لو شرط كون العبد أميا فبان كاتبا أو كونه فاسقا فبان عفيفا
ولو شرط الجعودة فبان سبطا ثبت الخيار
ولو شرط كون العبد خصيا فبان

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28