كتاب : العناية شرح الهداية
المؤلف : محمد بن محمد البابرتي  

( فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا ) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ احْتِيَاطًا ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يُدْخِلَ غَيْرَهَا فِي قَسْمِهَا .( فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا ) وَوَجْهُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ ، وَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُجَوِّزَاهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا فِي الْفَرْقِ لَهُمَا : إنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ فَلَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا هَذَا الْمَنْعُ فَلَيْسَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ ثُمَّ الْحُرَّةَ صَحَّ نِكَاحُهُمَا ، وَلَكِنَّهُ بِاعْتِبَارِ إدْخَالِ نَاقِصَةِ الْحَالِ عَلَى كَامِلَةِ الْحَالِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : نِكَاحُ الْأُولَى قَائِمٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَرَدَ عَلَيْهِمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ .
وَقَدْ نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ فَرْقٌ آخَرُ أَضْعَفُ مِنْ هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ .

( وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ : وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا إذْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ يَنْتَظِمُهَا اسْمُ النِّسَاءِ كَمَا فِي الظِّهَارِ .

قَالَ ( وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ ) أَوْ مِنْهُمَا إذَا قَدَّمَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ ( وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } ) نَصَّ عَلَى الْعَدَدِ ( وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ ) وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ هَذَا مَعْدُولٌ وَهُوَ وَصْفٌ وَلِهَذَا مُنِعَ عَنْ الصَّرْفِ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ فَكَانَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَتَثْبُتُ الزِّيَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } سَلَّمْنَا أَنَّهُ عَدَدٌ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ : مِنْ بَوْلٍ ، وَغَائِطٍ ، وَقَيْءٍ ، وَمَنِيٍّ ، وَدَمٍ } وَبِالِاتِّفَاقِ يُغْسَلُ مِنْ الْخَمْرِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَصَّ عَلَى الْعَدَدِ مَعَ كَلِمَةِ الْحَصْرِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ وَصْفًا ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مَعْنَاهُ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ .
فَإِنْ قِيلَ : سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ مُقْتَضَاهُ التِّسْعُ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْوَهْمَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الرَّافِضَةَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَفْضَلِ الْمَوْجُودَاتِ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ بِفَضِيلَةِ النُّبُوَّةِ أَوْ ازْدِيَادِهِمْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ التِّسْعِ ، وَعَنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْعُدُولِ وَحِرَفِ الْجَمْعِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَوَهَّمُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ

بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ أَحَدُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ .
قَالَ الْفَرَّاءُ : لَا وَجْهَ لِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْجَمْعِ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ عَنْ التِّسْعِ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ الْعِيِّ فِي الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ الْمَجِيدُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ صَحَّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ مِنْ النِّسْوَةِ حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ } وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ نِكَاحًا ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ) أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ ( ضَرُورِيٌّ ) فِي حَقِّ الْحُرِّ ( عِنْدَهُ ) كَمَا تَقَدَّمَ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ ( وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } فَإِنَّ اسْمَ النِّسَاءِ يَنْتَظِمُ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ ، كَمَا فِي الظِّهَارِ فَإِنَّ آيَتَهُ مَذْكُورَةٌ بِلَفْظِ النِّسَاءِ وَيَتَنَاوَلُ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ

( وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ ) وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ حَتَّى مَلَّكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى .
وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ فَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ أَرْبَعًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ .
.( وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَصْلَ النِّكَاحِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي حَقِّ النِّكَاحِ لِمَا مَلَكَهُ ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَلِهَذَا قَالَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ ) عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الطَّلَاقِ كَمَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ ( فَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ أَرْبَعًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ ) وَتَمَلُّكُهُ أَصْلَ النِّكَاحِ لَا يَمْنَعُ التَّنْصِيفَ بِالرِّقِّ كَالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ طَلَبَ الْقَسْمِ وَيَتَنَصَّفُ قَسْمُهَا .

قَالَ ( فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ إحْدَى الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ نَظِيرُ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ .وَقَوْلُهُ ( فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ ) ظَاهِرٌ

قَالَ ( فَإِنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ زِنًا جَازَ النِّكَاحُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : النِّكَاحُ فَاسِدٌ ( وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ) لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ .
وَلَهُمَا أَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ ، وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي .

قَالَ ( فَإِنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا ) الْحَامِلُ إذَا تَزَوَّجَتْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : جَازَ النِّكَاحُ ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : النِّكَاحُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ ) أَيْ فِي الْحَمْلِ الثَّابِتِ بِالنَّسَبِ إنَّمَا كَانَ ( لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَاسَ حَمْلَ الزِّنَا عَلَى الْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ بِعِلَّةِ حُرْمَةِ الْحَمْلِ ( وَلَهُمَا أَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ جَازَ نِكَاحُهَا .
فَإِنْ قُلْت : مَا بَالُ الْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذَا النَّصِّ ؟ قُلْت : لِمَكَانِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتْ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ لَحَلَّ وَطْؤُهَا بَعْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا .
أَجَابَ بِقَوْلِهِ ( وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ ) وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لِعَارِضٍ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ لَا يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ النِّكَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ .
وَقَوْلُهُ ( وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ .
وَتَقْرِيرُهُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ بَلْ إنَّمَا هُوَ ( لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي )

( فَإِنْ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ السَّبْيِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ) لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِوَقَوْلُهُ ( فَإِنْ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ السَّبْيِ ) صُورَتُهُ أَنْ تُسْبَى الْحَرْبِيَّةُ حَامِلًا فَيُرِيدَ السَّابِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ تَضَعْ الْحَمْلَ ، لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ زَوْجِهَا ثَابِتٌ فَكَانَ الْمَاءُ مُحْتَرَمًا وَاجِبَ الصِّيَانَةِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُهَاجِرَةِ .

( وَإِنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ ) لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ ، فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ .

وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا ) لِوُجُودِ حَدِّهِ وَهُوَ صَيْرُورَةُ الْمَرْأَةِ مُتَعَيِّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ فِرَاشًا لِشَخْصٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ فَإِنَّهُ سَبَبُ الْحُرْمَةِ فِي الْمُحْصَنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لَبَطَلَ نِكَاحُهَا حَائِلًا أَيْضًا .
أَجَابَ بِقَوْلِهِ ( إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ ) وَكَانَ فِرَاشًا ضَعِيفًا ( فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ ) لِأَنَّ الْحَمْلَ مَانِعٌ فِي الْجُمْلَةِ ، وَكَذَلِكَ الْفِرَاشُ ، فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يَحْصُلُ التَّأَكُّدُ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَأَكِّدٍ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ نَفْيًا لِلنَّسَبِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ النَّفْيَ دَلَالَةً ، كَمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَةٍ لَهُ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ هَذَا الْأَكْبَرُ مِنِّي ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِي نَسَبُ الْبَاقِينَ ، وَإِذَا انْتَفَى نَسَبُهُ كَانَ حَمْلًا غَيْرَ ثَابِتِ النَّسَبِ ، وَفِي مِثْلِهِ يَجُوزُ النِّكَاحُ كَمَا تَقَدَّمَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ ، وَالدَّلَالَةُ إنَّمَا تُعْمَلُ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا صَرِيحٌ ، وَالصَّرِيحُ هَاهُنَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْحَمْلُ مِنْهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَلَفْظُ الْبَاطِلِ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ هُنَاكَ الْبَاطِلَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ : لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ مَعَ الْمُنَافِي إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ تَحَقُّقِ الْمَقَاصِدِ مِنْ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى

عَقْدٍ لَا يَتَضَمَّنُ الْمَقَاصِدَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ أَهْوَنُ ، أَمَّا فِي الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْمَسْبِيَّةِ فَكَذَلِكَ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ جَازَ النِّكَاحُ وَلَكِنْ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا

قَالَ ( وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ ، وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ ( فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشَّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ .
وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا .
بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الشَّغْلِ .

( وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا ) لِعَدَمِ حَدِّ الْفِرَاشِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ( فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ ( يَسْتَبْرِئَهَا ) قَالَ الشَّارِحُونَ : مَعْنَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْبَابُ دُونَ الْوُجُوبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَيُقَالُ : إنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِحْبَابَ صِيَانَةً لِمَائِهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ بِالِاسْتِحْبَابِ ( وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشُّغْلَ بِمَاءِ الْوَلِيِّ ) وَلَوْ تَحَقَّقَ الِاشْتِغَالُ بِمَاءِ الْغَيْرِ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا ، فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ التَّنَزُّهُ ( كَمَا فِي الشِّرَاءِ ) فَإِنَّ الْمُوجِبَ فِيهِ احْتِمَالُ الشُّغْلِ ، لَكِنَّ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَى النِّكَاحِ أَوْرَثَ ضَعْفًا فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا .
وَلَهُمَا أَنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ حَبَلِ زَانٍ ، وَالْحُكْمُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي مِثْلِهِ أَمَارَةُ فَرَاغِ الرَّحِمِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا عَلَى رَحِمٍ فَارِغٍ عَنْ شَاغِلٍ مُحْتَرَمٍ ، وَإِنْ كَانَ الرَّحِمُ فَارِغًا لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا إذْ الْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِلَا سَبَبٍ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الِاسْتِحْبَابُ وَكَانَ حَقُّهُ التَّأْخِيرَ لِأَنَّ نَفْيَهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوُجُوبِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ ، إمَّا لِأَنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ بِهِ فَكَانَ نَفْيُهُ أَهَمَّ ، وَإِمَّا لِيَتَّصِلَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِيهِ وَاجِبٌ .
وَمَنْ تَذَكَّرَ مَا سَلَفَ مِنْ الْمَسَائِلِ يَفْطِنُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقُيُودِ الَّتِي لَمْ يُصَرِّحْ

بِذِكْرِهَا الْمُصَنِّفُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِمَا تَضَمَّنَ كَلَامُهُ فِيمَا سَلَفَ ، وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ الشِّرَاءِ ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مُحَمَّدٍ صُورَةُ النِّزَاعِ عَلَى الشِّرَاءِ بِالْفَارِقِ وَهُوَ أَنَّ الشِّرَاءَ مَعَ الشُّغْلِ جَائِزٌ دُونَ النِّكَاحِ ، فَالْحُكْمُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ وَإِلَّا لَكَانَ حُكْمًا بِمَا لَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ .

( وَكَذَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا ) وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا .وَقَوْلُهُ ( وَكَذَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي ) ظَاهِرٌ .
وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَحِلَّ لِأَنَّ احْتِمَالَ الشُّغْلِ قَائِمٌ ، وَدَلِيلُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ الْحِلِّ رَاجِحٌ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالُ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُجُودِ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَجَّحْنَا جَانِبَ الْعَدَمِ لِأَصَالَتِهِ وَلِتَقَوِّي الْأَصَالَةِ هُنَا بِعَدَمِ حُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ .

قَالَ ( وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ بَاطِلٌ ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ أَتَمَتَّعُ بِك كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ .
قُلْنَا : ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ .

قَالَ ( وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ بَاطِلٌ ) صُورَةُ الْمُتْعَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ( أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ أَتَمَتَّعُ بِك كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ ) أَوْ يَقُولُ خُذِي مِنِّي هَذِهِ الْعَشَرَةَ لِأَسْتَمْتِعَ بِك أَيَّامًا ، أَوْ مَتِّعِينِي نَفْسَك أَيَّامًا أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَيَّامًا ، وَهَذَا عِنْدَنَا بَاطِلٌ ( وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ جَائِزٌ ) وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا ) بِالِاتِّفَاقِ ( فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ .
قُلْنَا : قَدْ ظَهَرَ نَاسِخُهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى نَسْخِهَا : مِنْهَا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ { أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى يَوْمَ خَيْبَرَ : أَلَا إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ } .
وَمِنْهَا حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ : { أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتْعَةَ عَامَ الْفَتْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَجِئْت مَعَ ابْنِ عَمٍّ لِي إلَى بَابِ امْرَأَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَةٌ ، وَكَانَتْ بُرْدَةُ ابْنِ عَمِّي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدَتِي ، فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا دُمْيَةُ عَيْطَاءَ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَى شَبَابِي وَإِلَى بُرْدَتِهِ ، فَقَالَتْ : هَلَّا بُرْدَةٌ كَبُرْدَةِ هَذَا أَوْ شَبَابًا كَشَبَابِ هَذَا ؟ ثُمَّ آثَرَتْ شَبَابِي عَلَى بُرْدَتِهِ ، فَبِتّ عِنْدَهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحْت إذَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي : أَلَا إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ ، فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهَا } ثُمَّ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ قَدْ انْتَسَخَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْأَحَادِيثُ نَاسِخَةً وَالْإِجْمَاعُ مُظْهِرًا لِأَنَّ نَسْخَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِ الصَّحِيحِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَيْنَ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ

عَبَّاسٍ مُخَالِفًا ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ ( وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ ) رَوَى جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَا خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَالْمُتْعَةِ ( فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ ) وَقِيلَ فِي نِسْبَةِ جَوَازِ الْمُتْعَةِ إلَى مَالِكٍ نَظَرٌ لِأَنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ } .
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ وَإِنْ سَمَّى صَدَاقًا وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ .
وَأَقُولُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى قَوْلٍ لَهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَرْوِي حَدِيثًا يَكُونُ وَاجِبَ الْعَمَلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يُعَارِضُهُ أَوْ يُرَجَّحُ عَلَيْهِ

( وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ بَاطِلٌ ) مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ .
وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ مُدَّةُ التَّأْقِيتِ أَوْ قَصُرَتْ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ وَقَدْ وُجِدَ

( وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ بَاطِلٌ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ ) .
وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا وُجُودُ لَفْظٍ يُشَارِكُ الْمُتْعَةَ فِي الِاشْتِقَاقِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ .
وَالثَّانِي شُهُودُ الشَّاهِدَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ مَعَ ذِكْرِ لَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ النِّكَاحِ وَأَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُعَيَّنَةً ( وَقَالَ زُفَرُ هُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ ) لِأَنَّ التَّوْقِيتَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ( وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ ) بِلَفْظِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُتْعَةِ هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَرْأَةِ لَا لِقَصْدِ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ ( وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي ) دُونَ الْأَلْفَاظِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ كَفَالَةٌ .
وَقَوْلُهُ ( وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ مُدَّةُ التَّأْقِيتِ أَوْ قَصُرَتْ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنَّهُمَا إنْ ذَكَرَا مِنْ الْوَقْتِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ إلَيْهِ كَمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّأْبِيدِ .
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّأْقِيتَ مُعَيِّنٌ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك لِلنِّكَاحِ وَمُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ شَرْعًا إلَّا لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُتْعَةَ ؛ فَإِذَا قَالَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عَيَّنَ التَّوْقِيتَ جِهَةَ كَوْنِهِ مُتْعَةً مَعْنًى ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْمُدَّةُ الْقَلِيلَةُ وَالْكَثِيرَةُ سَوَاءٌ وَاسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا شَرَطَ وَقْتَ الْعَقْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ، وَلَا

فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ فَاشْتِرَاطُهُ بَعْدَ شَهْرٍ لِيَنْقَطِعَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْعَقْدِ مُؤَبَّدًا ، وَلِهَذَا لَوْ مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ فَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا .
وَأَمَّا صُورَةُ النِّزَاعِ فَالشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ لَا فِي قَاطِعِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ صَحَّ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَقْدٌ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ .

( وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ الَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى ) لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطٌ فِيهِ ، ثَمَّ جَمِيعُ الْمُسَمَّى لِلَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ .

قَالَ ( وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْأَصْلِ أَيْ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَصُورَتُهَا ظَاهِرَةٌ ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ تَأْتِي فِي الْبُيُوعِ .
وَقَوْلُهُ ( وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَلْفًا مَثَلًا يُنْظَرُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا وَيُقْسَمُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا .
فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ ، وَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الْأُخْرَى يَثْبُتُ عَلَيْهِ .
لَهُمَا أَنَّهُ قَابِلُ الْمُسَمَّى بِالْبُضْعَيْنِ وَكُلُّ مَا كَانَ مُقَابِلًا بِشَيْئَيْنِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا سُلِّمَا لِمَنْ قَابَلَ وَلَمْ يُسَلِّمْ هَاهُنَا إلَّا أَحَدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ كَمَا لَوْ خَاطَبَ امْرَأَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ضَمَّ مَا لَا يَحِلُّ إلَى مَا يَحِلُّ فِي النِّكَاحِ كَضَمِّ الْجِدَارِ إلَى الْمَرْأَةِ فِيهِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنِّكَاحِ ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَسَمَّى كَانَ الْمُسَمَّى كُلُّهُ لِلْمَرْأَةِ ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِمَنْ تَحِلُّ ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَبَهُمَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الْإِيجَابِ ، حَتَّى لَوْ أَجَابَتَا صَحَّ نِكَاحُهُمَا جَمِيعًا فَيَثْبُتُ انْقِسَامُ الْبَدَلِ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْإِيجَابِ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ أَصْلًا وَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ يُحَدَّ إنْ دَخَلَ بِهَا وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ صُورَةِ الْعَقْدِ .

( وَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً فَجَعَلَهَا الْقَاضِي امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا وَسِعَهَا الْمُقَامُ مَعَهُ وَأَنْ تَدَعَهُ يُجَامِعُهَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ الْحُجَّةُ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمَا مُتَيَسِّرٌ ، وَإِذَا ابْتَنَى الْقَضَاءُ عَلَى الْحُجَّةِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بَاطِنًا بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ نَفَذَ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ ، بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا فَلَا إمْكَانَ

وَقَوْلُهُ ( وَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهِيَ مُلَقَّبَةٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا .
وَمَعْنَى نُفُوذِهِ ظَاهِرًا نُفُوذُهُ فِيمَا بَيْنَنَا بِثُبُوتِ التَّمْكِينِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَمَعْنَى نُفُوذِهِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْحِلِّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا بِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ أَلْحَقَهَا بِالْأَشْرِبَةِ وَالْأَنْكِحَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي أُخْرَى أَلْحَقَهَا بِالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ وَاضِحٌ .
قَالُوا ( الْقَاضِي أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ ) وَالْخَطَأُ فِي الْحُجَّةِ يَمْنَعُ مِنْ النُّفُوذِ بَاطِنًا كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي ) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَجْرَحُهُمْ وَمِثْلُ هَذِهِ الشُّهُودِ هُوَ الْحُجَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الشَّرْعِ ( لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الصِّدْقِ حَقِيقَةً ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، فَلَوْ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ لِلْقَضَاءِ لَمَا أَمْكَنَ الْقَضَاءُ أَصْلًا ، وَإِذَا وُجِدَتْ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ نَفَذَ الْحُكْمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ( بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمَا مُتَيَسِّرٌ ) بِالْأَمَارَاتِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْقَضَاءُ إظْهَارُ مَا كَانَ ثَابِتًا لَا إثْبَاتُ مَا لَمْ يَكُنْ وَالنِّكَاحُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَكَيْفَ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا ؟ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ ( بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ ) يَعْنِي تَقْدِيمَ النِّكَاحِ عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ

أَنْكَحْتُك إيَّاهُ وَحَكَمْت بَيْنَكُمَا بِذَلِكَ ( قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ ) فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِئَلَّا تُنَازِعَهُ طَلَبَ الْوَطْءِ ثَانِيًا .
وَسَأَلَنِي بَعْضُ أَذْكِيَاءِ الْمَغَارِبَةِ حِينَ قَدِمَ مِصْرَ حَاجًّا سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَاعِنًا فِي الْمَذْهَبِ .
فَأَجَبْته بِقَوْلِهِمْ هَذَا قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ ، فَقَالَ : قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْوَطْءِ فَيُطَلِّقُهَا فَإِنَّهُ مُخَلِّصٌ عَنْ الْمُنَازَعَةِ مَعَ الْبَرَاءَةِ عَنْ عُهْدَةِ وَطْءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ مُحَلِّلٌ ، فَقُلْت : تَعْنِي بِالطَّلَاقِ طَلَاقًا مَشْرُوعًا أَوْ غَيْرَ مَشْرُوعٍ ، لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَهُوَ يَقْتَضِي النِّكَاحَ لَا مَحَالَةَ ، وَإِمَامُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِيٌّ .
فَإِنَّهُ رَوَى أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : شَاهِدَاك زَوَّجَاك .
وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِقَضَائِهِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْعَقْدِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا ، وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَضَاءً بِشَهَادَةِ الزُّورِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا جُعِلَ قَضَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُشْتَرَطَ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ قَوْلِهِ قَضَيْت عَمَلًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ } .
أُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا ذَهَبُوا إلَى ذَلِكَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ قَالُوا : إنْشَاءُ النِّكَاحِ لَا يُثْبِتُ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يُثْبِتُ مُقْتَضَى صِحَّةِ قَضَائِهِ فِي الْبَاطِنِ وَالْمُقْتَضَى لَا تُرَاعَى شَرَائِطُهُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا لَوْ كَانَ مَقْصُودًا كَمَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ

وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ سُقُوطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ .
وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ عَنْ إثْبَاتِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِشِرَاءٍ أَوْ أَوْ إرْثٍ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ إلَّا ظَاهِرًا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَا يَحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَطْؤُهَا ( لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا ) فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهُ .
بَيَانُهُ أَنَّ فِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةً وَلَا يُمْكِنُ الْقَاضِيَ تَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْهَا بِدُونِ الْحُجَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِقَصْرِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْمُدَّعِي وَذَلِكَ نَافِذٌ مِنْهُ ظَاهِرًا ، فَأَمَّا أَنْ يَنْفُذَ بَاطِنًا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءٍ جَدِيدٍ فَلَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ طَرِيقَهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا فَيُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَتَنْفِيذُهُ .

وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِرِضَاهَا ) وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِيٌّ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ( عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ ( فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ وُقُوفًا ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ مُخِلٌّ بِهَا ، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : يَرْتَفِعُ الْخَلَلُ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ .
وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً مُمَيِّزَةً وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَلَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُفْءِ وَغَيْرِ الْكُفْءِ وَلَكِنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ .
وَيُرْوَى رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا

( بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ ) أَخَّرَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ عَنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِنْ كَانَا شَرْطَيْ النِّكَاحِ لِأَنَّ حِلَّ مَحَلِّ النِّكَاحِ شَرْطُ جَوَازِهِ بِالِاتِّفَاقِ ، بِخِلَافِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ ، وَتَحْرِيرُ الْمَذَاهِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ وَأَمَّا وَجْهُ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِدُونِ الْوَلِيِّ كَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَمَا قَالَ ( لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ مُخِلٌّ بِهَا ) لِأَنَّهُنَّ سَرِيعَاتُ الِاغْتِرَارِ سَيِّئَاتُ الِاخْتِيَارِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّوَقَانِ .
وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا إذَا أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ كَمَا اخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْجَوَازَ حِينَئِذٍ وَهْم لَا يَقُولُونَ بِهِ .
وَأَيْضًا الْمُدَّعِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ ، فَالدَّلِيلُ الْمُطَابِقُ بَيَانُ الْخَلَلِ فِي الْعِبَارَةِ وَالِاعْتِذَارُ بِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ تَعْلِيلُ أَنْ لَا يُفَوَّضَ إلَيْهِنَّ أَمْرُ النِّكَاحِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنْ يَأْذَنَ الْوَلِيُّ أَوْ لَا غَيْرُ دَافِعٍ لِانْتِفَاءِ الْمُطَابَقَةِ .
وَأَمَّا وَجْهُ مَنْ جَوَّزَهُ فَهُوَ ( أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً مُمَيِّزَةً ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَلَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ ) بِالِاتِّفَاقِ ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ .
فَإِنْ قُلْت : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا بَلْ فِي حَقٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِكُفْءٍ .
فِي رِوَايَةٍ .
قُلْت : لَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُرَدَّ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَالِصِ حَقِّهَا مَا كَانَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ تَمْلِيكِ

مَنَافِعِ بُضْعِهَا وَاسْتِيجَابِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَنَحْوِهَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَالِصُ حَقِّهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْعَارِضِ مِنْ لُحُوقِ الْعَارِ لِلْأَوْلِيَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِثْلُهُ فَاسِدٌ .
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } نُهِيَ الْوَلِيُّ عَنْ الْعَضْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْمَنْعُ إذَا كَانَ الْمَمْنُوعُ فِي يَدِهِ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ } " فَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ مُشْتَرَكَةُ الْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ مَنْعِهِنَّ عَنْ النِّكَاحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُنَّ يَمْلِكْنَهُ ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } وَقَوْلُهُ { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَقَوْلُهُ { أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } يُعَارِضُهَا .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَسَاقِطُ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ فَأَنْكَرَهُ ، وَلِأَنَّ عَائِشَةَ عَمِلَتْ بِخِلَافِهِ زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ ، وَلِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } " وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مُتَعَارِضَيْنِ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِمَا لِلْجَانِبَيْنِ وَصَارَ إلَى الْمَعْقُولِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .
وَقَوْلُهُ ( وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْوَلِيُّ

بِالتَّزْوِيجِ ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا فَلِمَ أُمِرَ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ إذَا طَالَبَتْهُ ، وَأَيُّ حَاجَةٍ لَهَا إلَى طَلَبِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْوَلِيِّ فِي خَالِصِ حَقِّهَا .
وَوَجْهُهُ أَنَّهَا بِمُبَاشَرَةِ هَذَا التَّصَرُّفِ تُنْسَبُ إلَى الْوَقَاحَةِ فَجُعِلَ التَّصَرُّفُ مِنْ الْوَلِيِّ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَاجِبًا عَلَيْهِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ النِّسْبَةِ إلَيْهَا .
وَقَوْلُهُ ( وَلَكِنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ ) يَعْنِي إذَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الزَّوْجِ .
وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ عَمَّنْ يُرَبِّيهِ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ : وَلَكِنْ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ : وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَعَلِمَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ فَسَكَتَ حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ، لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا جُعِلَ رِضًا فِي حَقِّ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ، قَالَ : كَذَا كَانَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ شَيْخِي .
وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ ) يَعْنِي لِدَفْعِ ضَرَرِ الْعَارِ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ .
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ ، فَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ إلَى الْقَاضِي ، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ( لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ وَيُرْوَى رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا ) يَعْنِي يَنْعَقِدُ نِكَاحُهَا عِنْدَهُ أَيْضًا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا يُوقَفُ عَلَى الْإِجَازَةِ .

( وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ ) خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالصَّغِيرَةِ وَهَذَا لِأَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا .
وَلَنَا أَنَّهَا حُرَّةٌ مُخَاطَبَةٌ فَلَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ ، وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِقُصُورِ عَقْلِهَا وَقَدْ كَمُلَ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فَصَارَ كَالْغُلَامِ وَكَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الصَّدَاقِ بِرِضَاهَا دَلَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا .

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ ) إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى .
لَهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا تُزَوَّجُ كُرْهًا فَكَذَا الْبَالِغَةُ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْجَهَالَةُ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ ( وَلِهَذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِهَا جَاهِلَةً بِأَمْرِ النِّكَاحِ ( يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا ، وَلَنَا أَنَّهَا حُرَّةٌ مُخَاطَبَةٌ ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ ( لَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ ) وَقَوْلُهُ ( وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِالْمُفَارَقَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ إنَّمَا كَانَتْ ( لِقُصُورِ عَقْلِهَا ) وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فَصَارَ الْإِجْبَارُ عَلَيْهَا كَالْإِجْبَارِ عَلَى الْغُلَامِ ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جَازَ لِقُصُورِ الْعَقْلِ ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا لَا يَجُوزُ وَصَارَ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ : أَيْ فِي مَالِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ التَّصَرُّفُ فِيهِ .
وَقَوْلُهُ .
( وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الصَّدَاقِ بِرِضَاهَا دَلَالَةً ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي عَنْ قَبْضِ صَدَاقِهَا وَأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ ذَلِكَ لِيُجَهِّزَهَا بِذَلِكَ مَعَ مَالِ نَفْسِهِ لِيَبْعَثَ بِهَا إلَى زَوْجِهَا فَكَانَ ذَلِكَ إذْنًا دَلَالَةً ( وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا ) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ تَبْطُلُ بِصَرِيحٍ يُخَالِفُهَا .

قَالَ ( وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إذْنٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا ، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ } وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا فِيهِ رَاجِحَةٌ ، لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ لَا عَنْ الرَّدِّ ، وَالضَّحِكُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السُّخْطِ وَالْكَرَاهَةِ .
وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ بِمَا سَمِعَتْ لَا يَكُونُ رِضًا ، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا .وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ ) ظَاهِرٌ .

قَالَ ( وَإِنْ فَعَلَ هَذَا غَيْرُ وَلِيٍّ ) يَعْنِي اسْتَأْمَرَ غَيْرُ الْوَلِيِّ ( أَوْ وَلِيٌّ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ ) ( لَمْ يَكُنْ رِضًا حَتَّى تَتَكَلَّمَ بِهِ ) لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا ، وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ ، وَالِاكْتِفَاءُ بِمِثْلِهِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمَرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ مِنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُوَقَوْلُهُ ( وَإِنْ فَعَلَ هَذَا ) يَعْنِي الِاسْتِئْمَارَ وَالِاسْتِئْذَانَ ( غَيْرُ وَلِيٍّ ) وَهُوَ الْأَجَانِبُ أَوْ قَرِيبٌ لَيْسَ بِوَلِيٍّ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا ( أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ ) كَاسْتِئْذَانِ الْأَخِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ ( لَا يَكُونُ رِضًا حَتَّى تَتَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا ) وَقَوْلُهُ ( وَلَوْ وَقَعَ ) أَيْ السُّكُوتُ دَلِيلًا ( فَهُوَ ) دَلِيلٌ ( مُحْتَمَلٌ ) يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَالرَّدَّ ( وَالِاكْتِفَاءُ بِمِثْلِهِ ) فِي الدَّلَالَةِ ( لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ ) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ ، أَوْ فِي حَقِّ وَلِيِّ غَيْرِهِ أَحَقُّ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ ( بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمِرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ) وَقَوْلُهُ ( وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْمَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَمَّى الزَّوْجُ عَلَى وَجْهٍ تَعْرِفُهُ ، أَمَّا إذَا أَبْهَمَ وَقَالَ إنِّي أُزَوِّجُك رَجُلًا فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ رِضًا .

( وَلَا تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ ) لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بِدُونِهِ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ رَسُولًا لَا يُشْتَرَطُ إجْمَاعًا وَلَهُ نَظَائِرُ

وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ ) وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي الِاسْتِئْمَارِ لِأَنَّ رَغْبَتَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ .
وَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ ( وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ كَوْنِهِ رِضًا .
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَقُولُ : إذَا اسْتَأْمَرَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا مِنْهَا بِالنَّصِّ ، فَأَمَّا إذَا بَلَغَهَا الْعَقْدُ فَسَكَتَتْ فَلَا يَتِمُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا إلَى الْإِجَازَةِ ، وَالسُّكُوتُ لَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا لِتَمَكُّنِهَا أَنْ تَرْجِعَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَحِينَ بَلَغَهَا الْخَبَرُ يَكُونُ مُلْزِمًا فَلَا يُمْكِنُهَا الرُّجُوعُ فَلَا يَلْزَمُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ ، لَكِنَّا نَقُولُ هَذَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ لَهَا عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ جَوَابَيْنِ : لَا ، وَنَعَمْ .
فَيَكُونُ سُكُوتُهَا دَلِيلًا عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي يَحُولُ الْحَيَاءُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَهُوَ نَعَمْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا بَلَغَهَا الْعَقْدُ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ .
وَقَوْلُهُ ( ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا ) اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ إذَا كَانَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : مَا فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَنَحْوِهَا ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ أَصْلًا كَالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْهَدَايَا وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَاَلَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَأَخَوَاتِهَا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ

الْمَأْذُونِ وَإِخْبَارِ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَنَحْوِهَا .
فَالْأَوَّلُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَقْلُ وَالْعَدَالَةُ وَالضَّبْطُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ مَعَ الْعَدَدِ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ .
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ دُونَ الْعَدَالَةِ .
وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الْمُبَلِّغُ رَسُولًا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَالَةُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ غَيْرِهِ ، فَلَوْ أَخْبَرَ الْغَيْرُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَالَةُ فَكَذَا هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ : إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ نَظِيرُ الْقِسْمِ الثَّانِي فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ مُمَيِّزًا سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَمَوْضِعُ ذَلِكَ أُصُولُ الْفِقْهِ .

( وَلَوْ اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ } وَلِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا مِنْهَا وَقَلَّ الْحَيَاءُ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا( وَلَوْ اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ } " ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْمُشَاوَرَةَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَقَدْ وُجِدَ النُّطْقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالسُّؤَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ مِنْهَا فِي الْجَوَابِ .
وَقِيلَ الْمُشَاوَرَةُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الرَّأْيِ بِالْإِشَارَةِ إلَى الصَّوَابِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنُّطْقِ ( وَلِأَنَّ النُّطْقَ ) فِي النِّكَاحِ مِنْ الثَّيِّبِ ( لَا يُعَدُّ عَيْبًا ) وَإِذَا لَمْ يُعَدَّ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى النُّطْقِ فِي الْبِكْرِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا عَيْبًا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ ، وَلِأَنَّ السُّكُوتَ صَارَ رِضًا لِتَوَفُّرِ الْحَيَاءِ ، فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَخْبَرَتْ أَنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { سُكُوتُهَا رِضَاهَا } " وَالْحَيَاءُ فِي الثَّيِّبِ غَيْرُ مُتَوَفِّرٍ لِقِلَّتِهِ بِالْمُمَارَسَةِ ( فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا ) .

( وَإِذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ ) لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا وَمِنْهُ الْبَاكُورَةُ وَالْبُكْرَةُ وَلِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ ( وَلَوْ زَالَتْ ) بَكَارَتُهَا ( بِزِنًا فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ وَالْمَثَابَةُ وَالتَّثْوِيبُ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا فَيُعَيِّبُونَهَا بِالنُّطْقِ فَتَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا ، أَمَّا الزِّنَا فَقَدْ نُدِبَ إلَى سَتْرِهِ ، حَتَّى لَوْ اُشْتُهِرَ حَالُهَا لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا

( وَإِذَا زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَثْبَةٍ ) وَهُوَ الْوُثُوبُ مِنْ فَوْقٍ ( أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ ) عَنَسَتْ الْجَارِيَةُ وَعَنِسَتْ عُنُوسًا : إذَا جَاوَزَتْ وَقْتَ التَّزْوِيجِ فَلَمْ تَتَزَوَّجْ ( فَهِيَ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ ) فِي كَوْنِ إذْنِهَا سُكُوتَهَا ( لِأَنَّهَا بِكْرٌ ) إذْ الْبِكْرُ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مُصِيبُهَا أَوَّلَ مُصِيبٍ ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَاكُورَةِ وَهِيَ أَوَّلُ الثِّمَارِ وَمِنْ الْبُكْرَةِ وَهِيَ أَوَّلُ النَّهَارِ .
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا زَائِلَةَ الْبَكَارَةِ بِالْوَثْبَةِ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا قُلْتُمْ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَهُوَ الْعُذْرَةُ لَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ بِكْرٍ ، وَلِأَنَّ النُّطْقَ سَقَطَ لِلْحَيَاءِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هَاهُنَا ( لِأَنَّهَا تَسْتَحِي لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ ، وَلَوْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِزِنًا فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً ) إذْ الثَّيِّبُ مَنْ يَكُونُ مُصِيبُهَا عَائِدًا إلَيْهَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَثُوبَةِ وَهِيَ الثَّوَابُ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا مَرْجُوعٌ إلَيْهَا فِي الْعَاقِبَةِ ، وَمِنْ الْمَثَابَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُثَابُ : أَيْ يُرْجَعُ إلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَمِنْ التَّثْوِيبِ : وَهُوَ الدُّعَاءُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَإِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ السُّكُوتَ رِضًا بِعِلَّةِ الْحَيَاءِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .
وَإِذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا ، وَهَاهُنَا قَدْ وُجِدَتْ لِمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا فَيُعَيِّرُونَهَا ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيَعِيبُونَهَا ( بِالنُّطْقِ ) فَتَسْتَحِي ( فَتَمْتَنِعُ ) مِنْ

النُّطْقِ وَكَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً ( فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا ) وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ } " وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ بِعِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا لَا تَعْلِيلَ فِي مُقَابَلَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَدْمَ عَمَلٍ بِعِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا حَيَاءٌ يَكُونُ مِنْ كَرَمِ الطَّبِيعَةِ وَذَلِكَ أَمْرٌ مَحْمُودٌ ، وَهَذَا الْحَيَاءُ حَيَاءُ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ حَتَّى يَدْخُلَ تَحْتَ النَّصِّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَيَاءَ أَشَدُّ لِأَنَّ فِي الِاسْتِنْطَاقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ثَيِّبٌ ظُهُورُ فَاحِشَتِهَا فَكَانَ كَالضَّرْبِ مِنْ التَّأْفِيفِ فَيُلْحَقُ بِهِ .
قَوْلُهُ ( بِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا : يَعْنِي أَنَّ مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ( أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ ) لَا يَكُونُ إذْنُهَا سُكُوتَهَا لِعَدَمِ الْحَيَاءِ ثَمَّةَ ( لِأَنَّ الشَّرْعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا ) مِنْ لُزُومِ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَإِثْبَاتِ النَّسَبِ ( أَمَّا الزِّنَا فَقَدْ نُدِبَ إلَى سَتْرِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَهَرَ حَالُهَا ) بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا أَوْ لِصَيْرُورَتِهِ عَادَةً ( لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا ) فَإِنْ قِيلَ : يَجِبُ أَنْ يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الْبِكْرِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ } " أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَعِيدٌ فَإِنَّ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هَذَا مَوْجُودٌ أَيْضًا ، وَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ صِفَةِ الْحَيَاءِ .

( وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَتْ وَقَالَتْ رَدَدْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ ، فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ فَكَانَتْ مُنْكِرَةً ، كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ اللُّزُومَ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ، وَسَتَأْتِيك فِي الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدُّ عَارِضٌ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَدَمُ الْكَلَامِ ، وَلَا شَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى عُرُوضِ الْكَلَامِ ( فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ) فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ بِالسُّكُوتِ بِالْإِجْمَاعِ ، لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي السُّكُوتَ .
وَقَوْلُهُ ( وَنَحْنُ نَقُولُ ) ظَاهِرٌ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْإِنْكَارُ الْمَعْنَوِيُّ وَزُفَرُ يَعْتَبِرُ الْإِنْكَارَ الصُّورِيَّ .
وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ .
وَوَجْهُهُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَاللُّزُومُ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ لِلسَّاكِتِ ( وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى السُّكُوتِ ثَبَتَ النِّكَاحُ ) فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ السُّكُوتَ عَدَمُ الْكَلَامِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ عِلْمُ الشَّاهِدِ مُحِيطًا بِهِ كَمَا إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى وَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ قُلْته فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ يُقْبَلُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ لِمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَهُ لَسَمِعَهُ الشُّهُودُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ .
قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ : بَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ وَهُوَ يُثْبِتُ عَدَمًا وَهُوَ السُّكُوتُ ، حَتَّى لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا أَجَازَتْ أَوْ رَضِيَتْ حِينَ عَلِمَتْ حَتَّى اسْتَوَتَا فِي الْإِثْبَاتِ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ لِإِثْبَاتِهِ اللُّزُومَ ( وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ، وَسَتَأْتِيك فِي الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ

تَعَالَى ) .

( وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ بِكْرًا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ ثَيِّبًا وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ ) وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِ الْأَبِ ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا .
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرَّةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ ، إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ .
قُلْنَا : لَا بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ إحْرَازًا لِلْكُفْءِ .
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَتِمُّ بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَبُعْدِ قَرَابَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى رُتْبَةً ، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَإِنَّهُ أَعْلَى وَأَوْلَى .
وَلَنَا أَنَّ الْقَرَابَةَ دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ أَظْهَرْنَاهُ فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةُ إلَّا مُلْزِمَةً وَمَعَ الْقُصُورِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ .
وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثِّيَابَةَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ فَأَدَرْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهَا تَيْسِيرًا .
وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ ، وَلَا مُمَارَسَةَ تُحْدِثُ الرَّأْيَ بِدُونِ الشَّهْوَةِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الصِّغَرِ ، ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ } وَالتَّرْتِيبُ فِي

الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ .

قَالَ ( وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ) يَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ( إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ بِكْرًا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ ثَيِّبًا وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ ) عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي الْإِرْثِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : وَلِيُّهُمَا الْأَبُ لَيْسَ إلَّا ، حَتَّى لَوْ زَوَّجَهُمَا الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلِيُّهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ لَا غَيْرُ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ بِكْرًا ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهَا ، حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا الْأَخُ أَوْ الْعَمُّ ، أَوْ زَوَّجَ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ كَرْهًا لَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ ( وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرَّةِ ) مَعَ قِيَامِ الْمُنَافِي ( بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ ) فِي الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمَا ( غَيْرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ) فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجَدُّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءُ الْأَبِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ عَلَيْهِ كَالْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالْجُزْئِيَّةُ قَدْ ضَعُفَتْ بِالْجَدِّ وَشَفَقَتُهُ قَدْ نَقَصَتْ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ ( قُلْنَا لَا ) نُسَلِّمُ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ( بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ ) مِنْ التَّنَاسُلِ وَالسَّكَنِ وَالِازْدِوَاجِ وَقَضَاءِ الشَّهْوَةِ ( وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالِ الصِّغَرِ إحْرَازًا لِلْكُفْءِ ) لِكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِحْرَازُ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ .
وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلنَّظَرِ وَالنَّظَرُ لَا يَتِمُّ بِالتَّفْوِيضِ إلَى

غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَبُعْدِ قَرَابَتِهِ ( وَلِهَذَا ) أَيْ وَلِقُصُورِ شَفَقَتِهِ ( لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى رُتْبَةٍ ) لِكَوْنِهِ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ ( فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَإِنَّهُ أَعْلَى أَوْلَى .
وَلَنَا أَنَّ ) الْوِلَايَةَ لِلنَّظَرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ قَرِيبٍ ، لِأَنَّ ( الْقَرَابَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ ) فَإِنَّ النَّظَرَ فِيهِمَا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ الْقَرَابَةِ ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ كَمَالًا وَقُصُورًا بِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَبُعْدِهَا ، لَكِنْ مَا فِي الْبَعِيدَةِ مِنْ الْقُصُورِ مُمْكِنُ التَّدَارُكِ فَأَظْهَرْنَاهُ فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ فَجَعَلْنَا لَهُمَا خِيَارَ الْبُلُوغِ ، فَإِذَا بَلَغَا وَوَجَدَا الْأَمْرَ عَلَى مَا يَنْبَغِي مَضَيَا عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ وَجَدَا قَدْ أَوْقَعًا خَلَلًا بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ فَسَخَا النِّكَاحَ ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ بِسَبَبِ الْقُصُورِ غَيْرُ مُمْكِنِ التَّدَارُكِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَدَاوُلِ الْأَيْدِي بِأَنْ يَبِيعَ الْوَلِيُّ ثُمَّ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ ، وَقَدْ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ ، وَلَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ ( فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةَ إلَّا مُلْزِمَةٌ ) وَلَا إلْزَامَ مَعَ الْقُصُورِ ، بِخِلَافِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ فَإِنَّهُمَا ثَابِتَانِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ غَالِبًا ، فَكَانَ التَّدَارُكُ بِالتَّوَقُّفِ مُمْكِنًا .
وَقَوْلُهُ ( وَجْهُ قَوْلِهِ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثِّيَابَةَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّأْيَ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَالثِّيَابَةُ سَبَبٌ لِحُدُوثِهِ ( لِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ ) فَتُقَامُ مَقَامَهُ وَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا ( وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقْتَضَى لِلْوِلَايَةِ النَّظَرِيَّةِ هُوَ الْحَاجَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ لِلصِّغَرِ وَالْمَانِعِ وَهُوَ قُصُورُ الشَّفَقَةِ قَدْ انْتَفَى

لِأَنَّ الشَّفَقَةَ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ مُتَوَافِرَةٌ ، وَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضَى وَانْتَفَى الْمَانِعُ يَجِبُ تَحَقُّقُ الْحُكْمِ ، وَلَا نُسَلِّمُ حُصُولَ الرَّأْيِ لِلصَّغِيرَةِ بِسَبَبِ الْمُمَارَسَةِ لِأَنَّ الرَّأْيَ وَالْعِلْمَ بِلَذَّةِ الْجِمَاعِ إنَّمَا يَحْدُثُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ بِشَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ لَهَا ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الثِّيَابَةُ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لَا تَصْلُحُ مَدَارًا .
وَأَمَّا الصِّغَرُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَاجَةِ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُدَارًا ، فَكُلَّمَا ثَبَتَ الصِّغَرُ ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ ( ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ) يَعْنِي مِنْ إطْلَاقِ الْوَلِيِّ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ ( قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ } ) وَقَوْلُهُ ( وَالتَّرْتِيبُ فِي الْعَصَبَاتِ ) ظَاهِرٌ .

قَالَ ( فَإِنْ زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ ) يَعْنِي الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ ( فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا ) لِأَنَّهُمَا كَامِلَا الرَّأْي وَافِرَا الشَّفَقَةِ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُبَاشَرَتِهَا كَمَا إذَا بَاشَرَاهُ بِرِضَاهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ( وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ ، إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا خِيَارَ لَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ .
وَلَهُمَا أَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ وَالنُّقْصَانُ يُشْعِرُ بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى الْمَقَاصِدِ عَسَى وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ بِخِيَارِ الْإِدْرَاكِ ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ ، وَالْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ لِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي أَحَدِهِمَا وَنُقْصَانِ الشَّفَقَةِ فِي الْآخَرِ فَيَتَخَيَّرُ .
قَالَ ( وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ ) بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْفَسْخَ هَاهُنَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ وَهُوَ تَمَكُّنُ الْخَلَلِ وَلِهَذَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَجُعِلَ إلْزَامًا فِي حَقِّ الْآخَرِ فَيُفْتَقَرُ إلَى الْقَضَاءِ .
وَخِيَارُ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا ( وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى فَاعْتُبِرَ دَفْعًا وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ ) ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ وَقَدْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا ، ( وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ فَلَهَا الْخِيَارُ حَتَّى تَعْلَمَ فَتَسْكُتَ ) شَرَطَ الْعِلْمَ بِأَصْلِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِهِ ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَعُذِرَتْ بِالْجَهْلِ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِالْخِيَارِ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ ، بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَتِهَا

فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ

وَقَوْلُهُ ( اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ ) بِجَامِعِ دَاعِيَةِ الْقَرَابَةِ ( وَلَهُمَا أَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ ) خُصِّصَ الْأَخُ لِيُعْلَمَ بِهِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ الْجَدِّ .
وَقَوْلُهُ ( فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى الْمَقَاصِدِ عَسَى ) يَعْنِي أَنَّ وَرَاءَ الْكَفَاءَاتِ وَالْمَهْرِ مَقَاصِدَ أُخْرَى فِي النِّكَاحِ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ وَحُسْنِهِ وَلَطَافَةِ الْعِشْرَةِ وَغِلَظِهَا وَكَرَمِ الصُّحْبَةِ وَلُؤْمِهَا وَتَوْسِيعِ النَّفَقَةِ وَتَقْتِيرِهَا ، وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ أَهَمُّ مِنْ الْكَفَاءَةِ ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إلَّا بِجِدٍّ بَلِيغٍ وَنَظَرٍ صَائِبٍ ، فَلِنُقْصَانِ قَرَابَتِهِ وَقُصُورِ شَفَقَتِهِ رُبَّمَا لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ فَيُتَوَهَّمُ الْخَلَلُ فِيهَا فَيَتَدَارَكُ بِخِيَارِ الْإِدْرَاكِ .
وَقَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْقَاضِي ) يَعْنِي فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الْبُلُوغِ ، وَأَرَادَ بِالْإِطْلَاقِ قَوْلَهُ فَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ .
وَقَوْلُهُ ( هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى خَالِدُ بْنُ صُبَيْحٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْيَتِيمَةِ إذَا زَوَّجَهَا الْقَاضِي لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ وَكَانَ فِي قُوَّةِ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ .
وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ( بِقَوْلِهِ لِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي أَحَدِهِمَا ) يَعْنِي الْأُمَّ ( وَنُقْصَانُ الشَّفَقَةِ فِي الْآخَرِ ) يَعْنِي الْقَاضِيَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ ، فَإِذَا ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ فِي تَزْوِيجِهِمَا فَفِي تَزْوِيجِ الْقَاضِي أَوْلَى .
وَقَوْلُهُ ( وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ ( الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْفَسْخَ هَاهُنَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ وَهُوَ تَمَكُّنُ الْخَلَلِ ) بِسَبَبِ قُصُورِ شَفَقَةِ الْمُزَوِّجِ ( وَلِهَذَا ) أَيْ لِتَمَكُّنِ الْخَلَلِ ( يَشْمَلُ

) الْفَسْخُ ( الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ) لِأَنَّ قُصُورَ الشَّفَقَةِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ مُمْكِنٌ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْغُلَامِ ، وَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ خَفِيًّا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا وَالْمَهْرُ تَامًّا فَرُبَّمَا يُنْكِرُهُ الزَّوْجُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِلْإِلْزَامِ .
وَأَمَّا خِيَارُ الْعِتْقِ فَلِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا ، فَإِنَّ الزَّوْجَ قَبْلَ عِتْقَهَا كَانَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ ثُمَّ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ وَهُوَ أَمْرٌ جَلِيٌّ لَيْسَ لِلْإِنْكَارِ فِيهِ مَجَالٌ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْإِلْزَامِ ، لَكِنْ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهَا وَذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ يَسْتَلْزِمُهَا ، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ وُجُودِ اللَّازِمِ مُحَالٌ ، فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ أَصْلَ الْمِلْكِ فِي ضِمْنِ مَالِهَا مِنْ دَفْعِ الزِّيَادَةِ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ دَفْعَهَا مَا عَلَيْهَا مِنْ الزِّيَادَةِ يُبْطِلُ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ الْمُسْتَتْبِعِ الزِّيَادَةِ وَفِي ذَلِكَ جَعْلُ التَّابِعِ مَتْبُوعًا وَهُوَ عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَنَقْصُ الْأُصُولِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَعْلِ التَّابِعِ مَتْبُوعًا ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ لِلضَّرَرِ الْمَرْضِيِّ ، فَإِنَّ الزَّوْجَ حِينَ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَالِمًا لَهَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ الْتَزَمَ الضَّرَرَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ وَالضَّرَرُ الْمَرْضِيُّ غَيْرُ ضَائِرٍ ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهَا فِي النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ ضَرَرُهَا بِمُرْضٍ فَكَانَ ضَائِرًا ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الضَّرَرُ الضَّائِرُ وَغَيْرُ الضَّائِرِ يُدْفَعُ الضَّائِرُ دُونَ غَيْرِهِ .
وَقَوْلُهُ ( ثُمَّ عِنْدَهُمَا ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِدُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَا يَرَى خِيَارَ الْبُلُوغِ

، وَإِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ .
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا أُمُورٌ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ : الْأَوَّلُ أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ فِي الْفُرْقَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ دُونَ خِيَارِ الْعِتْقِ .
وَالثَّانِي أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ يَثْبُتُ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ يَثْبُتُ لِلْجَارِيَةِ فَقَطْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا .
وَالثَّالِثُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا بَلَغَتْ وَقَدْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ أَوْ لَمْ تَكُنْ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَالِمَةً فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلِأَنَّهَا لَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِالْخِيَارِ ( لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهَا عَلَى خِيَارِهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِهِ ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِالنِّكَاحِ فَكَانَتْ مَعْذُورَةً فِي الْجَهْلِ ؛ وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ فَإِنَّهَا مَعْذُورَةٌ فِي الْجَهْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ جَاهِلَةً بِالْعِتْقِ أَوْ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَمَةَ لِاشْتِغَالِهَا بِالْخِدْمَةِ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَكَانَتْ مَعْذُورَةً .

( ثُمَّ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ ) اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، وَخِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ بَلْ لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا ، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا ، بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ ( فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرِثَهُ الْآخَرُ ) وَكَذَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ بِهِ وَقَدْ انْتَهَى بِالْمَوْتِ ، بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ الْفُضُولِيِّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَمَّةَ مَوْقُوفٌ فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَهَاهُنَا نَافِذٌ فَيَتَقَرَّرُ بِهِ .

وَقَوْلُهُ ( ثُمَّ خِيَارُ الْبِكْرِ ) تَفْرِيعٌ عَلَى خِيَارِ الْبُلُوغِ الشَّامِلِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ غُلَامًا فَبَلَغَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ ( مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ ) بِالْجَزْمِ ( مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا ) وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالسُّكُوتِ ( اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ) فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ إذَا أَدْرَكَتْ وَاسْتُؤْمِرَتْ لِلنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَانَ سُكُوتُهَا رِضًا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فَأَدْرَكَتْ وَسَكَتَتْ كَانَ سُكُوتُهَا رِضًا فَيَبْطُلُ اخْتِيَارُهَا وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ الثَّيِّبُ إذَا اُسْتُؤْمِرَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ عَقْدِ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُمَا رِضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ خِيَارِ الْبُلُوغِ لَمْ يَكُنْ السُّكُوتُ مِنْهُمَا رِضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ ( وَخِيَارُ الْبُلُوغِ ) تَفْرِيعٌ آخَرُ عَلَى خِيَارِ الْبُلُوغِ ، وَيَتَضَمَّنُ الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ .
وَتَقْرِيرُهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ ( فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ) يَعْنِي مَجْلِسَ بُلُوغِهَا بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ وَقَدْ كَانَ بَلَغَهَا خَبَرُ النِّكَاحِ فَسَكَتَتْ أَوْ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْخَبَرِ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ ، بَلْ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَأَمَّا خِيَارُ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ بَلْ يَمْتَدُّ إلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ .
وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ ) دَلِيلُ عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ خَاصَّةً .
وَتَقْرِيرُهُ خِيَارُ بُلُوغِهَا لَمْ يَثْبُتْ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَمَا لَا يَثْبُتُ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنَّ التَّفْوِيضَ هُوَ الْمُقْتَصِرُ عَلَى

الْمَجْلِسِ كَمَا سَيَجِيءُ .
وَقَوْلُهُ ( بَلْ لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ ) دَلِيلٌ يَشْمَلُ الْبِكْرَ وَالْغُلَامَ .
وَتَقْرِيرُهُ : خِيَارُ الْبُلُوغِ ثَبَتَ بِعَدَمِ الرِّضَا لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ ، وَمَا يَثْبُتُ بِعَدَمِ الرِّضَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا لِوُجُودِ مُنَافِيهِ ، فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَثْبُتُ مَعَ مُنَافِيهِ ، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا دُونَ سُكُوتِ الْغُلَامِ فَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَيَمْتَدُّ خِيَارُهُ إلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْإِدْرَاجِ فِي ضِمْنِ الْإِيجَازِ الَّذِي هُوَ قَرِيبٌ إلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ ، جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُحَصِّلِينَ خَيْرًا .
وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ ) لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَتَقْرِيرُهُ : خِيَارُ الْعِتْقِ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَقْ لَمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ ، وَكُلُّ خِيَارٍ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ ( كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ) فَيَكُونُ الْقِيَامُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ .
وَبَيَانُ تَضَمُّنِ هَذَا الْوَجْهِ لِلْوَجْهِ الْخَامِسِ أَنَّهُ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا .
يَعْنِي وَالرِّضَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْبُلُوغِ ، وَخِيَارُ الْإِعْتَاقِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ وَيَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتُ لَيْسَ بِإِعْرَاضٍ وَهُوَ خَفِيٌّ جِدًّا .
وَقَوْلُهُ ( ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ ) يَعْنِي سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ( لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا ) وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَجِبْ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَوَجَبَ ، وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَوْ تَنَاكَحَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ مَلَكَ الزَّوْجُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ( وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا ) أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى .
وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ) ظَاهِرٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ .

قَالَ ( وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى هَؤُلَاءِ ( وَلَا ) وِلَايَةَ ( لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ ، أَمَّا الْكَافِرُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُقَالَ ( وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ ) الْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَاصِرَةِ ، فَمَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى هَؤُلَاءِ ، أَمَّا إلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَلِلْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْكُفْءِ ، وَأَمَّا إلَى الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى ( وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ) يَعْنِي الْوِلَايَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْحِسِّيَّةِ مِنْهَا .

( وَلِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) مَعْنَاهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تَثْبُتُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ .
لَهُمَا مَا رَوَيْنَا ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا وَإِلَى الْعَصَبَاتِ الصِّيَانَةُ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ ( وَمَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ) يَعْنِي الْعَصَبَةَ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ ( إذَا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَهَا ) ( جَازَ ) لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ ، وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ }

وَقَوْلُهُ ( وَلِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ ) يَعْنِي كَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ ( وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ ) أَيُّ عَصَبَةٍ كَانَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَصَبَةً يَحِلُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ كَابْنِ الْعَمِّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ كَالْعَمِّ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَعَصَبَتِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ الْعَصَبَاتِ الْأُمُّ ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ الْبِنْتُ ثُمَّ بِنْتُ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتُ الْبِنْتِ ثُمَّ بِنْتُ ابْنِ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتُ بِنْتِ الْبِنْتِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ ثُمَّ الْأَخُ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الْقَاضِي وَمَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ .
وَقَوْلُهُ ( لَهُمَا مَا رَوَيْنَا ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ } " عُرِفَ الْإِنْكَاحُ بِاللَّامِ فِي غَيْرِ مَعْهُودٍ فَكَانَ مَعْنَاهُ هَذَا الْجِنْسُ مُفَوَّضٌ إلَى هَذَا الْجِنْسِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ فِيهِ مَدْخَلٌ ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِصِيَانَةِ الْقَرَابَةِ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَالصِّيَانَةِ إلَى الْعَصَبَاتِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ ، وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ ) فَإِنْ قُلْت : هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ لَا يَجُوزُ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ إذَا وُجِدَتْ الْعَصَبَاتُ وَالثَّانِي أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ

لِغَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بِاعْتِبَارِ الشَّفَقَةِ وَكَمَالِ الرَّأْيِ .
وَالْقَوْلُ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } وَلِكَوْنِ التَّوْرِيثِ مَبْنِيًّا عَلَى الْوِلَايَةِ .
قَوْلُهُ ( وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ ) يَعْنِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ( فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } " ) أَمَّا الْحَاكِمُ وَهُوَ الْقَاضِي فَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .

( وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ ) وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وِلَايَتِهِ .
وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ فِيهِ مُنِعَ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ ( وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهَا الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ .
وَقِيلَ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِأَقْصَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَقِيلَ : إذَا كَانَ بِحَالٍ يَفُوتُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ ) يَعْنِي كَالْأَبِ ( غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ ) كَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ .
( وَقَالَ زُفَرُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ .
لِزُفَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا ، وَالْحَقُّ الْقَائِمُ بِشَخْصٍ لَا يَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ ( وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ ) بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِذَا كَانَتْ وِلَايَةُ الْأَقْرَبِ فِي غَيْبَتِهِ قَائِمَةً لَا يَكُونُ لِلْأَبْعَدِ وِلَايَةٌ ( وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ ) وَكِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ ظَاهِرَةٌ ( فَفَوَّضْنَاهُ ) أَيْ النَّظَرَ ( إلَى الْأَبْعَدِ ) وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ ) إشَارَةً إلَى جَوَابِ الشَّافِعِيِّ ( كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ ) فَإِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى السُّلْطَانِ بِمَوْتِ الْأَقْرَبِ فَكَذَا بِغَيْبَتِهِ .
وَقَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ فِيهِ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ بِالْمَنْعِ : يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ جَوَازَهُ ( وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بَعْدَ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ ) يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْأَقْرَبُ وَقَدْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ لَا يُرَدُّ النِّكَاحُ ، ثُمَّ فَسَّرَ الْغَيْبَةَ الْمُنْقَطِعَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ) مِنْهُمْ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عِصْمَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ .
وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ ) يَعْنِي لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ

فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
حَتَّى لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا فِي الْبَلْدَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً .

( وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجْنُونَةِ أَبُوهَا وَابْنُهَا فَالْوَلِيُّ فِي نِكَاحِهَا ابْنُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا ) لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً مِنْ الِابْنِ .
وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ ، وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ كَأَبِي الْأُمِّ مَعَ بَعْضِ الْعَصَبَاتِ .وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً مِنْ الِابْنِ ) بِدَلِيلِ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَعُمُّ النَّفْسَ وَالْمَالَ ، وَالِابْنُ لَيْسَ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ ( وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ مَعَهُ يَسْتَحِقُّ السُّدُسَ بِالْفَرْضِيَّةِ فَقَطْ .
وَقَوْلُهُ ( وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ ) جَوَابُ مُحَمَّدٍ .

( الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ } وَلِأَنَّ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً ، لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا ، بِخِلَافِ جَانِبِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا تَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِفَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ لَمَّا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، أَنَّ عَدَمَهَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ أَوْ يُمَكِّنُ الْأَوْلِيَاءَ مِنْ الْفَسْخِ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَذْكُرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ ، وَالْكَفَاءَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْكُفْءُ وَهُوَ النَّظِيرُ مِنْ كَافَأَهُ إذَا سَاوَاهُ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءُ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ } رَوَاهُ جَابِرٌ وَلِأَنَّ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةٌ ) وَالنِّكَاحُ شُرِعَ لِانْتِظَامِهَا وَلَا تَنْتَظِمُ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَكَافِئَيْنِ ( لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا ) مِنْ جَانِبِهِ بِخِلَافِ جَانِبِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ

( وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْوَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ) يَعْنِي مَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ قِيلَ : الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ ، فَفِي الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ بِدُونِهَا وَحَقِّ الِاعْتِرَاضِ مُخَالَفَةٌ لَهُ .
قُلْت : جَازَ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا

( ثُمَّ الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النَّسَبِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ ( فَقُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ } وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ لِمَا رَوَيْنَا .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ ، كَأَنَّهُ قَالَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ .
وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءَ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ .

( ثُمَّ الْكَفَاءَةُ ) عِنْدَنَا ( تُعْتَبَرُ فِي ) خَمْسَةِ أَشْيَاءَ ( النَّسَبِ ) وَالْحُرِّيَّةِ ، وَالدِّينِ ، وَالْمَالِ ، وَالصَّنَائِعِ أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ : لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِ لِأَنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ بِالْحَدِيثِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى } وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ } وَالْمُرَادُ بِالْمَوَالِي الْعُتَقَاءُ لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ عَرَبٍ فِي الْأَكْثَرِ غُلِّبَتْ عَلَى الْعَجَمِ حَتَّى قَالُوا الْمَوَالِي بَعْضُهَا أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهَا أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ ( وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ لِمَا رَوَيْنَا ) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ } قَابَلَ الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ بَيْنَ قَبَائِلِهِمْ ؛ أَلَا يَرَى { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ مِنْ عُثْمَانَ وَكَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ } ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّسَبَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ قِيلَ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يَكُونُ التَّفَاخُرُ فِيهِمْ بِالنَّسَبِ بَلْ بِالدِّينِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سَلْمَانُ حِينَ افْتَخَرَتْ الصَّحَابَةُ بِالْأَنْسَابِ وَانْتَهَى الْأَمْرُ إلَيْهِ : أَبِي الْإِسْلَامُ لَا أَبَ لِي سِوَاهُ .
قَوْلُهُ ( وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ) يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) النَّسَبُ ( نَسَبًا مَشْهُورًا ) فِي الْحُرْمَةِ ( كَأَهْلِ

بَيْتِ الْخِلَافَةِ ) فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ قُرَشِيَّةٌ مِنْ أَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ قُرَشِيًّا لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( كَأَنَّهُ ) يَعْنِي مُحَمَّدًا ( قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ ) لَا لِانْعِدَامِ أَصْلِ الْكَفَاءَةِ .
وَقَوْلُهُ ( وَبَنُو بَاهِلَةَ ) بَنُو بَاهِلَةَ قَبِيلَةٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ مَعْنِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ فَنُسِبَ وَلَدُهَا إلَيْهَا ، وَالْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ وَالْقُرَى ، وَالْوَاحِدُ عَرَبِيٌّ ، وَالْأَعْرَابِيُّ وَاحِدُ الْأَعْرَابِ وَهُمْ أَهْلُ الْبَدْوِ ( وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطْبُخُونَ عِظَامَ الْمَيْتَةِ وَيَأْخُذُونَ الدُّسُومَاتِ مِنْهَا .
قَالَ قَائِلُهُمْ : وَلَا يَنْفَعُ الْأَصْلَ مِنْ هَاشِمٍ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ مِنْ بَاهِلَهْ

( وَأَمَّا الْمَوَالِي فَمَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَصَاعِدًا فَهُوَ مِنْ الْأَكْفَاءِ ) يَعْنِي لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِ .
وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ النَّسَبِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَأَبُو يُوسُفَ أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِالْمُثَنَّى كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ .
وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ فِيمَا بَيْنَ الْمَوَالِي بِالْإِسْلَامِ .وَقَوْلُهُ ( وَأَمَّا الْمَوَالِي ) ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ ( كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ الشَّخْصِ فِي الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّ الشُّهُودَ إذَا ذَكَرُوا اسْمَ الْغَائِبِ وَاسْمَ أَبِيهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ ، وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ .
وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ ) نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ هَذَا فِي الْمَوَالِي ، وَأَمَّا فِي الْعَرَبِ فَمَنْ لَا أَبَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَهُوَ كُفْءٌ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَتَفَاخَرُونَ بِالنَّسَبِ فَيَعُدُّونَ النَّسَبَ كُفْئًا لِنَسَبِ آخَرَ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَقَدْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ ، وَمُفَاخَرَتَهُمْ بِالْإِسْلَامِ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ يَفْتَخِرُ عَلَى مَنْ لَا أَبَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَعُدُّهُ كُفْئًا لَهُ

وَالْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ نَظِيرُهَا فِي الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِيهِ مَعْنَى الذُّلِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ( وَالْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ نَظِيرُهَا ) أَيْ نَظِيرُ الْكَفَاءَةِ ( فِي الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ هِيَ حُرَّةُ الْأَصْلِ ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ لَا يَكُونُ كُفْئًا لَهَا وَالْمُعْتَقُ أَبُوهُ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا أَبَوَانِ فِي الْحُرِّيَّةِ ( لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِيهِ مَعْنَى الذُّلِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ ) بِسَبَبِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إذَا أَحْرَزَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفْئًا لَهُ .

قَالَ ( وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الدِّينِ ) أَيْ الدِّيَانَةِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ ، وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ .

قَالَ ( وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الدِّينِ ) أَيْ وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ ( أَيْ فِي الدِّيَانَةِ ) وَهِيَ التَّقْوَى وَالصَّلَاحُ وَالْحَسَبُ وَهُوَ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ الدِّينُ بِالدِّيَانَةِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الدِّينِ هُوَ الْإِسْلَامُ ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ لِأَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ شَرْطُ جَوَازِ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي حَقِّ الِاعْتِرَاضِ لِلْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدِّينِ بِمَعْنَى الدِّيَانَةِ ( وَهَذَا ) أَيْ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي الدِّيَانَةِ ( قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ) أَيْ الدِّينَ بِمَعْنَى الدِّيَانَةِ ( مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضِعَةِ النَّسَبِ ) فَلَمَّا كَانَ النَّسَبُ مُعْتَبَرًا فِيهَا كَانَتْ الدِّيَانَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ .
وَقَوْلُهُ ( وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) أَيْ قِرَانُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى تَكُونُ الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ قَوْلُهُمَا جَمِيعًا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْكَفَاءَةَ فِي الدِّينِ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْفَاسِقُ ذَا مُرُوءَةٍ يَكُونُ كُفْئًا ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرَادَ بِهِ أَعْوَانَ السُّلْطَانِ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ مَهَابَةٌ عِنْدَ النَّاسِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ ) الْكَفَاءَةُ فِي الدِّيَانَةِ ( لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ ، فَلَا تُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ ) أَيْ يُضْرَبُ عَلَى قَفَاهُ بِعَرْضِ الْكَفِّ ( وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ فَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ كُفْئًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ( لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الصَّفْعِ

قَالَ ( وَ ) تُعْتَبَرُ ( فِي الْمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُهُمَا أَوْ لَا يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامُهُ .
وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ .( وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) عَنْ عُلَمَائِنَا ( حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُهُمَا أَوْ لَا يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا ) أَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامَهُ بِهَا ( وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا ) لَيْسَ بِمُطَالَبٍ بِهِ فَلَا يُسْقِطُ الْكَفَاءَةَ .
وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) هُوَ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
رَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : الْكُفْءُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ .
قُلْت : فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْمَهْرَ دُونَ النَّفَقَةِ ، قَالَ : لَيْسَ بِكُفْءٍ قُلْت : فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ النَّفَقَةَ دُونَ الْمَهْرِ ، قَالَ : يَكُونُ كُفْئًا .
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي تَعْلِيلِهِ : لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجْرِي فِيهِ التَّسْهِيلُ وَالتَّأْجِيلُ وَيُعَدُّ قَادِرًا عَلَى الْمَهْرِ بِيَسَارِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ ، وَلَا يُعَدُّ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ بِيَسَارِ الْأَبِ لِأَنَّ الْآبَاءَ فِي الْعَادَاتِ يَتَحَمَّلُونَ الْمُهُورَ عَنْ الْأَوْلَادِ دُونَ النَّفَقَةِ الدَّائِرَةِ .

فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى فَمُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إنَّ الْفَائِقَةَ فِي الْيَسَارِ لَا يُكَافِئُهَا الْقَادِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْغِنَى وَيَتَعَيَّرُونَ بِالْفَقْرِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَبَاتَ لَهُ إذْ الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌوَقَوْلُهُ ( فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى فَمُعْتَبَرَةٌ ) ظَاهِرٌ .

( وَ ) تُعْتَبَرُ ( فِي الصَّنَائِعِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ تَفْحُشَ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالدَّبَّاغِ .
وَجْهُ الِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا .
وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْحِرْفَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ ، وَيُمْكِنُ التَّحَوُّلُ عَنْ الْخَسِيسَةِ إلَى النَّفِيسَةِ مِنْهَاوَقَوْلُهُ ( وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ ) فِي رِوَايَةٍ لَا تُعْتَبَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْطَارُ كُفْئًا لِلْعَطَّارِ .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ إلَّا الْحَائِكَ وَالْحَجَّامَ ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ تَفْحُشَ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالدَّبَّاغِ ) وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ .

قَالَ ( وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا ) وَقَالَا : لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ .
وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ عَلَيْهِ .
لَهُمَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ حَقُّهَا وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَفْتَخِرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهِ فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ ، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَيَّرُ بِهِ .

قَالَ ( وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ) إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ( فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا الْوَضْعُ ) أَيْ وَضْعُ الْقُدُورِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ( إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ عَلَيْهِ ) فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ الْوَلِيِّ لَمْ يَقُلْ لَيْسَ لَهُمْ الِاعْتِرَاضُ ، وَأَقُولُ : هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَضْعُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا فَعَقَدَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ امْرَأَةً وَوَلِيَّهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ قَلِيلٍ فَفَعَلَ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الْوَلِيِّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْوَضْعِ دَلَالَةٌ عَلَى رُجُوعِ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ ( فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ ) يَعْنِي فِي تَعَيُّرِ الْأَوْلِيَاءِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَدَبَنَا إلَى رُخَصِ الصَّدَاقِ دُونَ تَرْكِ الْكَفَاءَةِ ، وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضَعْ بَنَاتِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَزَوَّجَهُنَّ بِأَدْنَى الصَّدَاقِ ، فَإِنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ وَنَشٍّ : أَيْ نِصْفِ أُوقِيَّةٍ ، وَمُهُورُهُنَّ كَانَتْ فَوْقَ مُهُورِ سَائِرِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِقَدْرِ الشَّرَفِ ، وَلَمْ يَزَلْ الشَّرَفُ كَانَ بِقُرَيْشٍ فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا .
وَالْجَوَابُ بِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ

مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعَيُّرِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَهُوَ وَصْفٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْبَابِ ، وَأَمَّا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فَرْقٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي التَّحْصِيلِ .
وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ ) جَوَابُ قَوْلِهِمَا كَمَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ لَا يَشْتَغِلُونَ بِاسْتِيفَاءِ الْمُهُورِ عَادَةً وَرُبَّمَا يَعُدُّونَهُ ضَرْبًا مِنْ اللُّؤْمِ فِي الْعَادَاتِ .

( وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَزَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : لَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ ، وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى الْمَهْرِ .
أَمَّا الْمَالِيَّةُ فَهِيَ الْمَقْصُودُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَالدَّلِيلُ عَدِمْنَاهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا .

وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ ) ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ ( وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ ) بَيَانُهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَقَالَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ " بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ وَفَسَادِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا أَصْلًا أَوْ زَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَ النِّكَاحِ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْمُصَنِّفِ ( لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ ) وَلَا نَظَرَ فِيمَا إذَا حَطَّ عَنْ مَهْرِهَا أَوْ زَادَ عَنْ مَهْرِهِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا كَمَا إذَا بَاعَ الْأَبُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا بِذَلِكَ ( وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ ) تَقْرِيرُهُ : النَّظَرُ وَالضَّرَرُ فِي هَذَا الْعَقْدِ بَاطِنَانِ ، لَكِنْ لِلنَّظَرِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ( وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ ) الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هَاهُنَا فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ وَهُوَ جَوَازُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ النَّظَرَ وَالضَّرَرَ فِي هَذَا الْعَقْدِ بَاطِنَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَيْسَ حُصُولَ الْمَالِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى الْمَهْرِ مِنْ الْكَمَالَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْإِخْتَانِ وَالْعَرَائِسِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُ الْأَبِ فِي الْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ إلَى ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ ، فَكَانَ النَّظَرُ وَالضَّرَرُ بَاطِنَيْنِ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى الدَّلِيلِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ يُجْبَرُ بِهِ خَلَلُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ

حَتَّى يَقَعَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ النَّظَرِ وَالضَّرَرِ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَبِ فَالدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى النَّظَرِ مَعْدُومٌ .

( وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَمَةً فَهُوَ جَائِزٌ ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْكَفَاءَةِ لِمَصْلَحَةِ تَفَوُّقِهَا وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَلَا يَجُوزُ .قَوْلُهُ : ( وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ ) نَظِيرُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّزْوِيجِ بِضَرَرٍ ظَاهِرٍ ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ .

فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا ( وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ ) وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ ( وَإِنْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ جَازَ ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ .
لَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي الْوَلِيِّ ضَرُورَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّاهُ سِوَاهُ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ .
وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ ، وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ دُونَ التَّعْبِيرِ وَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ ، وَإِذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ .
.

لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَتَصَرُّفِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ .
وَقَوْلُهُ ( وَغَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ الْوَكَالَةِ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ .
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ ) صُورَتُهُ وَتَحْرِيرُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ ظَاهِرٌ ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ .
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ الْوَلِيَّ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِيهِ كَمَذْهَبِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَبَنَاهُ عَلَى الضَّرُورَةِ ( وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ ) وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا لِأَنَّهُ لَا تَمَانُعَ فِي التَّعْبِيرِ بِأَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ عَلَى صَدَاقِ كَذَا ، وَإِنَّمَا التَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ كَالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ لَا مُبَاشِرٌ ( بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ ، وَإِذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ ) أَيْ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَمَّا قَامَ مَقَامَ اثْنَيْنِ قَامَتْ عِبَارَتُهُ الْوَاحِدَةُ أَيْضًا مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ ( فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ ) .

قَالَ ( وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا أَوْ رَجُلًا بِغَيْرِ رِضَاهُ ) وَهَذَا عِنْدَنَا فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحُكْمِهِ ، وَالْفُضُولِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَيَلْغُو .
وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا .
حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ يُنَفِّذُهُ ، وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْ الْعَقْدِ ( وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ قَالَ آخَرُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْهُ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَأَجَازَتْ جَازَ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي قَالَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَائِبًا فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ جَازَ .
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَأَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ .
وَلَوْ جَرَى الْعَقْدُ بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ وَالْأَصِيلِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ .
هُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَنْفُذُ ، فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا يَتَوَقَّفُ وَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ .
وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ شَطْرُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ شَطْرٌ حَالَةَ الْحَضْرَةِ فَكَذَا عِنْدَ الْغَيْبَةِ ، وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ ، وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ ، وَكَذَا الْخُلْعُ

وَأُخْتَاهُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ مِنْ جَانِبِهِ حَتَّى يَلْزَمَ فَيَتِمَّ بِهِ

وَقَوْلُهُ ( وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ ) ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ ( وَلَهُ مُجِيزٌ ) أَيْ قَابِلٌ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا آخَرَ أَوْ وَكِيلًا أَوْ أَصِيلًا .
وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحُكْمِهِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ الْأَصْلِيَّةَ هُوَ الْحُكْمُ وَالْأَسْبَابُ وَالْعِلَلُ وَسَائِلُ إلَيْهِ ( وَالْفُضُولِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ ) وَإِلَّا لَجَازَ لِلنَّاسِ تَمْلِيكُ أَمْوَالِ النَّاسِ لِلنَّاسِ وَفِيهِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا كَانَ كَلَامُهُ لَغْوًا ( وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ ) وَهُوَ قَوْلُهُ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت ( صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ ) وَهُوَ الْحُرُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ ( مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ) وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ( وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ ( فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً نَفَّذَهُ ) وَإِلَّا أَبْطَلَهُ .
وَقَوْلُهُ ( وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحِكْمَةٍ وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ : يَعْنِي سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّ الْحُكْمَ هَاهُنَا لَمْ يَنْعَدِمْ بَلْ تَأَخَّرَ إلَى الْإِجَازَةِ ، وَالْحُكْمُ قَدْ يَتَرَاخَى عَنْ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، فَإِنَّ لُزُومَهُ مُتَرَاخٍ إلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ .
وَقَوْلُهُ ( وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ ) ظَاهِرٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى لَا مُجِيزَ لَهَا فَلَا تَتَوَقَّفُ ، وَالثَّانِيَةَ لَهَا مُجِيزٌ فَتَتَوَقَّفُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ التَّوَقُّفِ وُجُودُ الْمُجِيزِ .
وَقَوْلُهُ ( وَهَذَا ) أَيْ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ ( قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَبَلَغَهُ ) يَعْنِي بِغَيْرِ مُجِيزٍ ( كَأَجَازَهُ جَازَ ) قَوْلُهُ ( وَحَاصِلُ ذَلِكَ ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ : هَاهُنَا سِتُّ مَسَائِلَ ، ثَلَاثٌ مِنْهَا تَقِفُ عَلَى

الْإِجَازَةِ بِلَا خِلَافٍ : إحْدَاهَا أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا قَالَ : زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ ، أَوْ قَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ فَأَجَابَهُ فُضُولِيٌّ وَقَالَ : زَوَّجْتهَا مِنْك وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَقِيلَ عَنْ فُلَانٍ : فُضُولِيٌّ تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِجَازَةِ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ بِالِاتِّفَاقِ ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَكُونُ تَامًّا مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ .
وَفِي ثَلَاثٍ مِنْهَا اخْتِلَافٌ : إحْدَاهَا مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ : زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ وَلَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ آخَرُ .
وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ وَلَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا ، وَعَلَى قَوْلِهِ آخِرًا يَتَوَقَّفُ ( هُوَ يَقُولُ ) فِي الْفُضُولِيِّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ نَفَذَ ، فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا تَوَقَّفَ ) لِأَنَّ كَلَامَ الْوَاحِدِ عَقْدٌ تَامٌّ فِي النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بِاعْتِبَارِ الْإِجَازَةِ انْتِهَاءً ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ ، فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ : خَالَعْتُ امْرَأَتِي عَلَى كَذَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَقَبِلَتْ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ ، احْتِيَاجُ الْكُلِّ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ( وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ شَرْطُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ شَطْرُ حَالَةِ الْحَضْرَةِ ) حَتَّى مَلَكَ الرُّجُوعَ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ وَبَطَلَ بِالْقِيَامِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ ، وَلَوْ كَانَ عَقْدًا تَامًّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَالْجَامِعُ ( فَكَذَا عِنْدَ الْغَيْبَةِ

) لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الصِّيغَةُ وَهِيَ لَمْ تَخْتَلِفْ ( وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ كَلَامَهُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ ) فَيَصِيرُ كَكَلَامَيْنِ ( وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ ) لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَيَتَوَقَّفُ ( وَكَذَا الْخُلْعُ وَأُخْتَاهُ ) أَيْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَالْإِعْتَاقُ عَلَيْهِ ( لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ مِنْ جَانِبِهِ ) وَلِهَذَا كَانَ لَازِمًا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ ، وَالْيَمِينُ يَتِمُّ بِالْحَالِفِ فَكَانَ عَقْدًا تَامًّا ، وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ جَانِبِهِ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ .

( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ اثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُقَوْلُهُ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ اثْنَتَيْنِ ) لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَالثَّانِي مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا : لَا يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي إحْدَاهُمَا ؛ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا مَنْكُوحَةً ؛ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثَلَاثًا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ .
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ : وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ دُونَ النِّكَاحِ ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْبَيَانِ ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَفِي الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَنْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ فَزَوَّجَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ جَازَ نِكَاحُ فُلَانَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ وَتَوَقَّفَ نِكَاحُ الْأُخْرَى عَلَى الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهَا .

( وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةً لِغَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ ( وَقَالَا : لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا ) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِالْأَكْفَاءِ .
قُلْنَا الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا .
وَذُكِرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الزَّوْجِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ ( وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ ) قَيَّدَهُ بِالْأَمِيرِ وَحُكْمُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ .
قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ : وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمِيرًا فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً ، إمَّا اتِّفَاقًا ، وَإِمَّا لِمَا قِيلَ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِتَظْهَرَ الْكَفَاءَةُ فَإِنَّهَا مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمَا ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَمَةً لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ أَمَةَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الدَّلِيلِ بِقَوْلِهِ : وَعَدَمُ التُّهْمَةِ .
وَأَمَّا إطْلَاقُ اللَّفْظِ فَإِنَّ لَفْظَ امْرَأَةٍ مُطْلَقٌ يَقَعُ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَقَعُ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا .
وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِالْأَكْفَاءِ ) قَالَ الْكَشَانِيُّ : دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ أَيْضًا عِنْدَهُمَا ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ ( قُلْنَا الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ ) يَعْنِي كَمَا هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا قُلْتُمْ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا قُلْنَا ، فَإِنَّ الْأَشْرَافَ كَمَا يَتَزَوَّجُونَ الْحَرَائِرَ يَتَزَوَّجُونَ الْإِمَاءَ لِلتَّسْهِيلِ ( أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ ) أَيْ عُرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ وَالِاسْتِعْمَالُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ .
وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعُرْفَ عَلَى نَوْعَيْنِ : لَفْظِيٍّ نَحْوُ الدَّابَّةِ تُقَيَّدُ لَفْظًا بِالْفَرَسِ وَنَحْوُ الْمَالِ بَيْنَ الْعَرَبِ بِالْإِبِلِ .
وَعَمَلِيٍّ أَيْ عُرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ : أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَمَلَ النَّاسِ كَذَا كَلُبْسِهِمْ الْجَدِيدَ يَوْمَ الْعِيدِ وَأَمْثَالِهِ ( فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ وَالتَّقْيِيدُ يُقَابِلُهُ ، وَمِنْ شَرْطِ التَّقَابُلِ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ الَّذِي يَرِدَانِ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ ( وَذَكَرَ ) يَعْنِي مُحَمَّدًا ( فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ ) إشَارَةً إلَى مَا

ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِحْسَانِ الْكَفَاءَةِ عِنْدَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ .

( بَابُ الْمَهْرِ ) : ( وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَهْرًا ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ لُغَةً فَيَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ ، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِمَا بَيَّنَّا ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ

لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ ، فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ ، وَالْمَهْرُ هُوَ الْمَالُ يَجِبُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ، إمَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْعَقْدِ .
وَلَهُ أَسَامٍ : الْمَهْرُ ، وَالصَّدَاقُ ، وَالنِّحْلَةُ ، وَالْأَجْرُ ، وَالْفَرِيضَةُ ، وَالْعُقْرُ .
لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { فَانْكِحُوا } وَالنِّكَاحُ لُغَةً لَا يُنْبِئُ إلَّا عَنْ الِانْضِمَامِ وَالِازْدِوَاجِ فَيَتِمُّ بِالْمُتَنَاكِحِينَ ، فَلَوْ شَرَطْنَا التَّسْمِيَةَ فِيهِ زِدْنَا عَلَى النَّصِّ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ ( ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا ) يَعْنِي أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِبَانَةِ شَرَفِ الْمَحَلِّ ( فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ ) فَإِنْ قِيلَ : هَذَا دَعْوَى فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ .
قُلْت : دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } حَكَمَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ ، وَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ ذِكْرِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ ( وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِمَا بَيَّنَّا ) أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ فَيَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ .
وَقَوْلُهُ وَفِيهِ ) أَيْ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ( خِلَافُ مَالِكٍ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُهُ ، قَالَ : لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةِ مِلْكِ مُتْعَةٍ بِمِلْكِ مَهْرٍ فَيَفْسُدُ بِشَرْطِ نَفْيِ عِوَضِهِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا ثَمَنَ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَهْرٌ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ يَقْتَضِي شُمُولَ الْعَدَمِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتْعَةِ كَمَا سَيَجِيءُ .
قُلْنَا : دَلَالَةُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَنْفِيَ الْمَهْرَ كَدَلَالَتِهِ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ ذِكْرِهِ لِأَنَّ إمَّا يَكُونُ عِوَضًا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ تَرْكِ ذِكْرِهِ وَنَفْيِهِ كَالْبَيْعِ .

( وَأَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ } وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وُجُوبًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ اسْتِدْلَالًا بِنِصَابِ السَّرِقَةِ ( وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ ) عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَانْعِدَامِهِ وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ صَارَ مُقْتَضِيًا بِالْعَشَرَةِ ، فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا ، وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ .
وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَجِبُ خَمْسَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا ( وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا عَشْرَةً فَمَا زَادَ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ) ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ وَبِهِ يَتَأَكَّدُ الْبَدَلُ ، وَبِالْمَوْتِ يَنْتَهِي النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَيَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مَوَاجِبِهِ ( وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَالْخَلْوَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } الْآيَة وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ ، فَفِيهِ تَفْوِيتُ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَيْهِ سَالِمًا فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِيهِ النَّصَّ ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ عِنْدَنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
.

( وَأَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ حَقُّهَا ) شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا صِيَانَةً لِبُضْعِهَا عَنْ الِابْتِذَالِ مَجَّانًا ( فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَيْهَا .
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ } ) إنَّمَا ذَكَرَهُ بِالْوَاوِ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَلَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَلَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ إطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } بِهِ لِأَنَّهُ نُسِخَ .
الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ { أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمْ سُقْت إلَيْهَا فَقَالَ : زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَالنَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ ، وَبِمَا رُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً قَامَتْ وَقَالَتْ : وَهَبْت نَفْسِي مِنْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَا حَاجَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِالنِّسَاءِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : لِي حَاجَةٌ ، زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا ؟ فَقَالَ : مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَا فَالْتَمِسْ شَيْئًا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ

يَجِدْ شَيْئًا ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ } .
الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَتْرُوكُ الْعَمَلِ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَجَبَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ كَذَلِكَ .
وَأَمَّا الْعَمَلُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْيِيدَ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ قَوْله تَعَالَى { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ } لِأَنَّ الْفَرْضَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِأَمْوَالِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } مَالًا مُقَدَّرًا ، وَبَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ مِقْدَارَهُ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ تَوَلَّى بَيَانَ مِقْدَارِهِ كَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ الْمَهْرُ .
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى مَا يُعَجَّلُ بِالسَّوْقِ إلَيْهَا ، أَمَّا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلِأَنَّهُ مُصَرِّحٌ بِهِ ، وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَلِأَنَّهُ أَمَرَ ذَلِكَ الرَّجُلَ بِالِالْتِمَاسِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ عِنْدَنَا وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي الَّذِي يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ .
وَعَنْ الثَّالِثِ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ عَائِشَةَ عَمِلَتْ بِخِلَافِهِ ، وَلَوْ لَمْ تَعْرِفْ نَسْخَهُ مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فَقَامَ دَلِيلُ النَّسْخِ فِي الْأَوْلِيَاءِ دُونَ غَيْرِهَا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ النَّسْخِ تَرْكُهُ بِمَا لَمْ يَقُمْ وَلَا التَّحَكُّمُ .
وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ ) أَيْ الْمَهْرُ حَقُّ الشَّرْعِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ } عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ ، وَكَانَ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ شَرَفِ الْمَحَلِّ ( فَيَتَقَدَّرُ بِمَالِهِ

خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ اسْتِدْلَالًا بِنِصَابِ السَّرِقَةِ ) لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِهِ عُضْوٌ مُحْتَرَمٌ فَلَأَنْ يَتْلَفَ بِهِ مَنَافِعُ بُضْعٍ كَانَ أَوْلَى ( وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَانْعِدَامِهِ ) كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ .
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ( أَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ ) إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي كَوْنِهَا صَدَاقًا لَا تَتَجَزَّأُ ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ ؛ كَمَا لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِهَا صَحَّ فِي جَمِيعِهَا ، وَأَمَّا حَقُّهَا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِسُقُوطِهِ لِأَنَّ الرِّضَا بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ رِضًا بِالْعَشَرَةِ .
وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا بِرِضَاهَا بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا وَحَقَّ الشَّرْعِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ ، فَمَا كَانَ حَقَّهَا فَقَدْ سَقَطَ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَمَا كَانَ حَقَّ الشَّرْعِ فَلَمْ يَسْقُطْ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَانْعِدَامِهِ : يَعْنِي لَيْسَ هَذَا الْقِيَاسُ صَحِيحًا ( لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ ) فَلَا يَكُونُ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا بِالْعَشَرَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْعَشَرَةُ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الرِّضَا بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ رِضًا بِهَا لَا مَحَالَةَ ( وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَ خَمْسَةٌ عِنْدَهُمْ ) وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا .
وَقَوْلُهُ ( وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا عَشَرَةً ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَهْرَ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ يَتَقَرَّرُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالدُّخُولِ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْمَوْتِ ،

أَمَّا الدُّخُولُ فَلِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ وَهُوَ الْبُضْعُ ( وَبِهِ ) أَيْ بِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ ( يَتَأَكَّدُ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ ) وَهُوَ الْمَهْرُ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي بَابِ الْبَيْعِ يَتَأَكَّدُ بِهِ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ، فَإِنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَأَكِّدًا لِكَوْنِهِ عَلَى عَرَضِيَّةِ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ وَبِتَسْلِيمِهِ يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْمَهْرِ كَانَ عَلَى عَرَضِيَّةِ أَنْ يَسْقُطَ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ الِارْتِدَادِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَبِالدُّخُولِ تَأَكَّدَ .
وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِهِ نِهَايَتَهُ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلرَّفْعِ ( وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَرَّرَ بِجَمِيعِ مَوَاجِبِهِ ) الْمُمْكِنِ تَقْرِيرُهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَالْإِرْثِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَالنَّسَبِ .
وَقُلْنَا : " مَوَاجِبِهِ الْمُمْكِنِ تَقْرِيرُهَا " احْتِرَازًا عَنْ النَّفَقَةِ وَحِلِّ التَّزَوُّجِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَلَمْ يَحِلَّ وَقْتَ النِّكَاحِ ، وَأَمَّا الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ فَهُوَ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ .
وَيُعْلَمُ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ ( فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ) وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ .
وَقَوْلُهُ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ : يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ الْبَدَلِ ، لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَعُودُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ سَالِمًا إلَيْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ الْبَدَلِ كَمَا إذَا تَبَايَعَا ثُمَّ تَقَابَلَا .
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَقْيِسَةَ مُتَعَارِضَةُ قِيَاسٌ

يَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْت ، وَقِيَاسٌ آخَرُ يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَا مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ الْمَهْرِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْقِيَاسَانِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى النَّصِّ .
وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ أَنَّ الْقِيَاسَ الْوَاحِدَ لَا وُجُودَ لَهُ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّصِّ فَضْلًا عَنْ الْأَقْيِسَةِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّعَارُضَ إذَا ثَبَتَ بَيْنَ الْحُجَّتَيْنِ كَانَ الْمَصِيرُ إلَى مَا بَعْدَهُمَا لَا إلَى مَا قَبْلَهُمَا .
وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ ، وَلَوْ ثَبَتَ التَّعَارُضُ صُورَةً لَمْ يُتْرَكَا .
بَلْ يَعْمَلُ الْمُجْتَهِدُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ .
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذِكْرَ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسَيْنِ هَاهُنَا لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بَلْ لِبَيَانِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَعَارُضِهِمَا أَوْ لِمُخَالَفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا النَّصَّ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : فَوَجَبَ الْعَمَلُ عَلَيْنَا بِظَاهِرِ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ، فَإِنَّا لَوْ خَلَّيْنَا وَمُجَرَّدَ الْقِيَاسِ وَعَمِلْنَا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى النَّصِّ لَزِمَ تَرْكُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ فَتَرَكْنَاهُمَا جَمِيعًا وَعَمِلْنَا بِالنَّصِّ ، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الْمُعَارَضَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا بَلْ هُوَ قَوْلٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ ، وَالتَّقْدِيرُ لَا يَرُدُّ مَا يَرُدُّ فِي التَّعَارُضِ ، هَذَا أَحْسَنُ مَا وَجَدْته فِي الِاعْتِذَارِ فِي هَذَا الْبَحْثِ وَهُوَ كَمَا تَرَى .
وَقَوْلُهُ ( وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ ) قَدْ ظَهَرَ مَعْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ .

قَالَ ( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْمَوْتِ ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الدُّخُولِ .
لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وُجُوبًا حَقُّ الشَّرْعِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَتَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ دُونَ النَّفْيِقَالَ ( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ) لِلْمُفَوِّضَةِ وَاَلَّتِي شُرِطَ فِي نِكَاحِهَا أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْمَوْتِ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الدُّخُولِ .
لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً .
وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وُجُوبًا حَقُّ الشَّرْعِ كَمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا حَالَةَ الْبَقَاءِ فَتَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ دُونَ النَّفْيِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُلَاقِيَ التَّصَرُّفُ مَا تَمْلِكُهُ دُونَ مَا لَا تَمْلِكُهُ .

( وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ } الْآيَة ثُمَّ هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ رُجُوعًا إلَى الْأَمْرِ ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ ( وَالْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا ) وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ .
وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَقَوْلُهُ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا تَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ

( وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } وَالْفَرِيضَةُ هِيَ الْمَهْرُ : أَيْ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ الْمِسَاسُ ، وَفَرَضَ الْفَرِيضَةَ وَأَمَرَ بِالْمُتْعَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ { حَقًّا } وَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا وَذُكِرَ بِكَلِمَةِ عَلَى ( وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ ) عِنْدَنَا ( رُجُوعًا إلَى الْأَمْرِ ) وَغَيْرِهِ ( وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ ) فَإِنَّهَا عِنْدَهُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا إحْسَانًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ إلَى الَّتِي لَهَا مَهْرٌ أَوْ نِصْفُ مَهْرٍ لِئَلَّا يُعَارَضَ الْأَمْرُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ " مَتَاعًا " مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَتِّعُوا وَالْمُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ فَكَيْفَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُسْتَحَبِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : الْأَمْرُ وَكَلِمَةُ عَلَى فِي { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وَمَتَاعًا وَحَقًّا وَكَلِمَةُ عَلَى فِي قَوْلِهِ { عَلَى الْمُحْسِنِينَ } كُلُّهَا تَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَتَأْكِيدَهُ ، فَإِمَّا أَنْ تُبْطِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِأَجْلِ لَفْظِ الْإِحْسَانِ أَوْ تُؤَوِّلَهُ لَا أَرَاك تَعْدِلُ عَنْ التَّأْوِيلِ فَتُؤَوِّلُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْوَاجِبَ وَيَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ إحْسَانًا مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا وَهِيَ دِرْعٌ وَمِلْحَفَةٌ وَخِمَارٌ ) فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السَّفِلَةِ فَمِنْ الْكِرْبَاسِ ، وَإِنْ كَانَتْ وَسَطًا فَمِنْ الْقَزِّ ، وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَفِعَةَ الْحَالِ فَمِنْ الْإِبْرَيْسَمِ ( وَهَذَا التَّقْدِيرُ ) أَيْ تَقْدِيرُ الْعَدَدِ ( مَرْوِيٌّ

عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُصَلِّي فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَتَخْرُجُ فِيهَا عَادَةً فَتَكُونُ مُتْعَتُهَا كَذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ ( لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ : كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمَهْرَ التَّامَّ لَمْ يَجِبْ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ إلْحَاقُ الْمُتْعَةِ بِنَفْسِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَمَامِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفِهِ ، وَفِي مَهْرِ الْمِثْلِ الْمُعْتَبَرُ حَالُهَا فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ .
وَقَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ ) هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ ( عَمَلًا بِالنَّصِّ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ } ) أَيْ عَلَى الْغَنِيِّ بِقَدْرِ حَالِهِ { وَعَلَى الْمُقْتِرِ } أَيْ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُقِلِّ بِقَدْرِ حَالِهِ .
ثُمَّ الْمُتْعَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ ، وَلَكِنْ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَيُصَارُ إلَى خَلَفِهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَلَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لَهُ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً فَلَهَا الْمُتْعَةُ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ ؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَتْ فَلَهَا الْخَمْسَةُ لِأَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الْأَصْلُ ، وَالْمُتْعَةَ خَلَفُهُ ، وَلَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَا مُتْعَةَ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَهَا الْمُتْعَةُ بِالنَّصِّ .
فَإِنْ قِيلَ : نَصُّ الْمُتْعَةِ مُطْلَقٌ عَنْ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فَفِيهَا تَقْيِيدٌ لَهُ وَهُوَ نَسْخٌ .
فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ } دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرٌ شَرْعًا ، وَالْإِيجَابُ

بِالتَّسْمِيَةِ فِي مَهْرِ مَنْ يُعْتَبَرُ فِي مَهْرِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيَانٌ لِذَلِكَ الْمُقَدَّرِ الْمُجْمَلِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } فَكَانَ مُعَارِضًا لِآيَةِ الْمُتْعَةِ ، وَالتَّفْصِيلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ تَوْفِيقٌ بَيْنَهُمَا ، فَتَأَمَّلْ إنْ كَانَ الْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك .

( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَةٍ فَهِيَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ نِصْفُ هَذَا الْمَفْرُوضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ .
وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا الْفَرْضَ فِي الْعَقْدِ إذْ هُوَ الْفَرْضُ الْمُتَعَارَفُ .
.( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَةِ مَهْرٍ فَهِيَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ) بِالِاتِّفَاقِ ( وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ نِصْفُ هَذَا الْمَفْرُوضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ ) وَالْمَفْرُوضُ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ( وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ) إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ بِهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمَفْرُوضُ جَمِيعًا ، أَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فَلِأَنَّهُ الْوَاجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ ، وَأَمَّا الْمَفْرُوضُ فَبِحُكْمِ التَّسْمِيَةِ وَكَانَ كَمَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا ثُمَّ زَادَ لَهَا شَيْئًا فَإِنَّهُمَا يَلْزَمَانِ عَلَى تَقْدِيرَيْ الدُّخُولِ وَالْمَوْتِ لَكِنَّهُ يَسْقُطُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَلْزَمُهُ الْمَفْرُوضُ وَكَانَ تَعْيِينًا لَهُ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ ( فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ( الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ .

قَالَ ( وَإِنْ زَادَ لَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ ) خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَ ) إذَا صُحِّحَتْ الزِّيَادَةُ ( تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَنْتَصِفُ مَعَ الْأَصْلِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ ، وَعِنْدَهُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ .وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ ) فَإِنَّهُ يَقُولُ : الزِّيَادَةُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تُلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنْ قُبِضَتْ مُلِكَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَوَعَدَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي بَابِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَنَحْنُ نَتْبَعُهُ فِي ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ ) يَعْنِي بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ ( وَعِنْدَهُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ ) عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ .
وَقَوْلُهُ ( عَلَى مَا مَرَّ ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ .

( وَإِنْ حَطَّتْ عَنْهُ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ

( وَإِذَا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً ) حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَوَانِعُ ، أَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ ، وَقِيلَ مَرَضُهُ لَا يُعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ ، وَالْإِحْرَامِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّمِ وَفَسَادِ النُّسُكِ وَالْقَضَاءِ ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ .
وَصَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْمَنْذُورِ كَالتَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ ، وَالصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ .

قَالَ ( وَإِذَا خَلَا الزَّوْجُ بِامْرَأَتِهِ ) هَذَا بَيَانٌ أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ فِي حَقِّ لُزُومِ كَمَالِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ عِنْدَنَا .
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ : لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ( لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ) وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ لِأَنَّ التَّأَكُّدَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَتَسْلِيمُهَا بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُوجَدْ ( وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا مَقْدُورًا وَالْمَقْدُورُ لِلْمَرْأَةِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهَا ذَلِكَ فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، فَإِنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ تَسْلِيمٌ يَجِبُ بِهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَصَحِيحٌ لَكِنَّ ذَلِكَ تَسْلِيمٌ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْمَرْأَةِ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ مُكَلَّفَةً بِذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا ) بَيَانٌ لِمَا يَكُونُ مَانِعًا عَنْ الْخَلْوَةِ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ شَرْعِيًّا .
وَقَوْلُهُ ( وَقِيلَ : مَرَضُهُ ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرَضَ فِي جَانِبِهَا يَتَنَوَّعُ بِلَا خِلَافٍ ، وَأَمَّا الْمَرَضُ مِنْ جَانِبِهِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ أَيْضًا يَتَنَوَّعُ ، وَقِيلَ : إنَّهُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ وَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَجَمِيعُ أَنْوَاعِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ .
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : هُوَ الصَّحِيحُ .
وَوَجْهُهُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَرَضُهُ ( لَا يَعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ ) وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِفْسَادِ فَلَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ لُزُومَ الْقَضَاءِ

فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَنَا لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يُعَدُّ ، وَإِلَى إفْسَادِ الْخَلْوَةِ ، بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّ لُزُومَ قَضَائِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فَرْضٌ مُطْلَقٌ فَكَانَ أَثَرُهُ عَامًّا .
وَقَوْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ ) أَيْ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا هُوَ الصَّحِيحُ .
وَأَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ بِغَيْرِ عُذْرٍ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى ، وَفِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْوَطْءِ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ الْمُؤْثِمِ .

( وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ ، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أُدِيرَ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ السَّحْقِ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ .وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ ) الْمَجْبُوبُ هُوَ الَّذِي اُسْتُؤْصِلَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَاهُ مِنْ الْجَبِّ وَهُوَ الْقَطْعُ إذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ ( بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ ) لِوُجُودِ آلَةِ الْجِمَاعِ فِي الْمَرِيضِ وَقَدْ يُجَامِعُ بِخِلَافِ الْمَجْبُوبِ ، وَالْمَرَضُ مَانِعٌ عَنْ الْخَلْوَةِ فَالْجَبُّ أَوْلَى ( بِخِلَافِ الْعِنِّينِ ) فَإِنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ مُتَعَذَّرٌ وَسَلَامَةُ الْآلَةِ وُجُودُ السَّبَبِ إلَى الْوَطْءِ إذْ الْأَصْلُ السَّلَامَةُ فِي الْوَصْفِ أَيْضًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ السَّحْقِ ) لِأَنَّهُ وَسِعَ مِثْلَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ أَتَتْ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا عَدَمُ التَّسْلِيمِ فَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ .

قَالَ ( وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ) احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ ، وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا كَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً .( وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً ( احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ ) أَمَّا أَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَمْلِكَانِ إسْقَاطَهَا وَالتَّدَاخُلُ يَجْرِي فِيهَا ، وَحَقُّ الْعَبْدِ لَا يَتَدَاخَلُ ، وَأَمَّا أَنَّهَا حَقُّ الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ رِعَايَةُ نَسَبِ الْوَلَدِ وَهُوَ حَقُّهُ ( فَلَا يُصَدِّقُ ) الْمَرْأَةَ ( فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ ) بِقَوْلِهَا لَمْ يَطَأْنِي ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ فَلَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ فِي إبْطَالِ حَقِّهَا بِقَوْلِهِ لَمْ أَطَأْهَا ( بِخِلَافِ الْمَهْرِ ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ ( لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ ) قَوْلُهُ ( وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ) أَيْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ .

قَالَ ( وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ ، إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ طَرِيقَةُ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمُتْعَةَ لَا تَتَكَرَّرُ ( وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ ، وَالْعَقْدُ يُوجِبُ الْعِوَضَ فَكَانَ خَلَفًا وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ فَلَا تَجِبُ مَعَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ ، وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ فَلَا تَلْحَقُهُ الْغَرَامَةُ بِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ .

قَالَ ( وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ ) التَّرْكِيبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةً لِلْمُفَوِّضَةِ الْغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَهُوَ يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ لِلْمُسْتَثْنَاةِ مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا لَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْحَصْرِ .
وَزَادَ الْفُقَهَاءُ وَجَامِعُ الْإِسْبِيجَابِيِّ ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةً لِلْمُسْتَثْنَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الْوُجُوبِ ، وَذَكَرَ فِي الْحَصْرِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ لِهَذِهِ الْمُسْتَثْنَاةِ أَيْضًا .
وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ : وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ إلَخْ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُتْعَةَ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ .
فَالْوَاجِبَةُ لِلَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ .
وَالْمُسْتَحَبَّةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَقَدْ وَقَعَ اخْتِيَارُهُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ التُّحْفَةِ وَمُخَالِفًا لِلْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ .
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَهُ فِي الْمُسْتَثْنَاةِ قَوْلَانِ : فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ : تَجِبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَصْرِ ، وَفِي الْجَدِيدِ لَا تَجِبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ، فَعَلَى هَذَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : وَاجِبَةٍ ،

وَمُسْتَحَبَّةٍ ، وَغَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ .
لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَلْمُوسَةً أَوْ لَا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُهَا مُسَمًّى أَوْ لَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ ، وَإِنْ كَانَ فَهِيَ الْمُسْتَثْنَاةُ الَّتِي لَا تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ مَلْمُوسَةً سَوَاءٌ كَانَ مَهْرُهَا مُسَمًّى أَوْ لَمْ يَكُنْ تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ تَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبَةٍ وَإِلَى غَيْرِهَا ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ ( لِأَنَّهَا وَجَبَتْ ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَعَدَمُهُ لِلْمُسْتَثْنَاةِ .
وَتَقْرِيرُهُ : الْمُتْعَةُ وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ لِإِيحَاشِهَا بِالْفِرَاقِ ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَجِبُ لِكُلِّ مَنْ أُوحِشَتْ بِهِ ، فَالْمُتْعَةُ تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ لِأَنَّهَا أُوحِشَتْ بِالْفِرَاقِ ( إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ) يَعْنِي الْمُسْتَثْنَاةَ ( نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ ) مَعْنًى ( فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ) لِعَوْدِ مَالِهَا إلَيْهَا سَالِمًا ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمَهْرِ كُلِّهِ كَمَا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ نِصْفَ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ ( وَالْمُتْعَةُ لَا تَتَكَرَّرُ ) فَلَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِهَذِهِ الْمُطَلَّقَةِ وَتَجِبُ لِغَيْرِهَا ، وَإِنَّمَا قَالَ : وَجَبَتْ صِلَةً احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِنَا إنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ وَالْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْهُ .
وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ عِوَضَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ مَرَّةً فَلَا تَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ ، وَعِنْدَهُ تَسْتَحِقُّ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً بِسَبَبِ الْإِيحَاشِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْمُتْعَةُ لِوَحْشَةِ الْفِرَاقِ .
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ عِنْدَنَا لِئَلَّا يَزِيدَ الْخَلَفُ عَلَى الْأَصْلِ .
وَعِنْدَهُ تُزَادُ .

وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ ) لِوُجُودِ حَدِّ الْخَلَفِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ ، وَالْحَالُ أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْعِوَضَ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ ، فَكَانَ وُجُوبُ الْمُتْعَةِ مُضَافًا إلَى الْعَقْدِ بَعْدَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا يَعْنِي بِالْخَلَفِ إلَّا مَا يَجِبُ بَعْدَ سُقُوطِ شَيْءٍ مُضَافًا إلَى سَبَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ فَثَبَتَ أَنَّهَا خَلَفٌ ( وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ ) فَالْمُتْعَةُ لَا تُجَامِعُ مَهْرَ الْمِثْلِ وَلَا شَيْئًا مُتَّصِلًا بِهِ كَكُلِّ الْمَفْرُوضِ عِنْدَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْضِ الْمَفْرُوضِ عِنْدَهُ قَبْلَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قِيلَ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِهِ : إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ كُلُّ الْمَفْرُوضِ ، كَمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ ، وَبِقَوْلِهِ شَيْئًا مِنْهُ نِصْفُ الْمَفْرُوضِ كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ التَّسْمِيَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْمُتْعَةُ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَإِنَّ قِيَاسَهُ هَكَذَا الْمُتْعَةُ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ فَالْمُتْعَةُ لَا تُجَامِعُ الْأَصْلَ ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ التَّسْمِيَةِ كَمَا تَرَى ، وَلَيْسَ الْمُدَّعَى إلَّا عَدَمَ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ مَعَ وُجُوبِ الْمُسَمَّى أَوْ بَعْضِهِ وَمَعَ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ .
فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ : الْأَصْلُ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمُتْعَةُ لَا تُجَامِعُهُ وُجُوبًا ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ الْمُسَمَّى وَبَعْضُهُ وَمَنْ هِيَ مِنْ الْمُتَّصِلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ } أَيْ بَعْضُهُمْ مُتَّصِلٌ بِبَعْضٍ ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَالْخَلَفُ وَهُوَ الْمُتْعَةُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ وُجُوبًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا

طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَلَا يُجَامِعُ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ كُلُّ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ وَبَعْضُهُ قَبْلَهُ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ مُلْحَقًا بِالثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ لَا أَنَّهُ مِنْ نَتِيجَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي مُقَدِّمَاتِهِ ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ أُلْحِقَ بِحُكْمِهِ ، وَمَعْنَى الِاتِّصَالِ بَيْنَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقَعُ أَمْثَالًا لِمَا هُوَ الْمَهْرُ عِنْدَ اللَّهِ وَبَيَانٌ لَهُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ ، وَيُعَضِّدُ هَذَا قَوْلُهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ ( فَلَا تَجِبُ مَعَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ ) لِتَنَاوُلِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكُلِّ الْمُسَمَّى وَبَعْضِهِ ، هَذَا الَّذِي سَنَحَ لِي فِي حَلِّ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ .
وَتَقْرِيرُهُ : سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِيحَاشِ جَانِيًا لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ ( فَلَا تَلْحَقُهُ الْغَرَامَةُ ) بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ ( فَكَانَ ) الْمُتْعَةُ بِتَأْوِيلِ الْمَتَاعِ ( مِنْ بَابِ الْفَضْلِ ) أَيْ الِاسْتِحْبَابِ .

( وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ بِنْتَه عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ فَالْعَقْدَانِ جَائِزَانِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : بَطَلَ الْعَقْدَانِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً ، وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَبَطَلَ الْإِيجَابُ .
وَلَنَا أَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا سَمَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِقَالَ ( وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ) وَإِذَا زَوَّجَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِلْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَنَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَيُسَمَّى هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الشِّغَارِ مِنْ الشُّغُورِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَالْإِخْلَاءُ ، وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ كَأَنَّهُمَا رَفَعَا الْمَهْرَ وَأَخْلَيَا الْبُضْعَ عَنْهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : النِّكَاحَانِ بَاطِلَانِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ ابْنَتَهُ مَنْكُوحَةَ الْآخَرِ وَصَدَاقَ ابْنَتِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ انْقِسَامَ مَنَافِعِ بُضْعِهَا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ، فَيَصِيرُ النِّصْفُ لِلزَّوْجِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَالنِّصْفُ لِبِنْتِهِ بِحُكْمِ الْمَهْرِ فَيَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ ، وَالِاشْتِرَاكُ فِي هَذَا الْبَابِ مُبْطِلٌ لِلْإِيجَابِ ( وَلَنَا أَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصِحُّ صَدَاقًا ) وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ( كَمَا إذَا سَمَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ ) وَقَوْلُهُ ( وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ ) جَوَابُ الْخَصْمِ .
وَبَيَانُهُ أَنَّ الْبُضْعَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ صَدَاقًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الِاشْتِرَاكُ لِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِ الْمَرْأَةِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِامْرَأَةِ أُخْرَى فَبَقِيَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ .

( وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ إيَّاهَا سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ، وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ وَلَهَا خِدْمَتُهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالشَّرْطِ يَصْلُحُ مَهْرًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ الْمُعَاوَضَةُ ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الزَّوْجِ غَنَمَهَا وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءً بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ ، وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِإِذْنِهِ وَبِأَمْرِهِ ، وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْأَغْنَامِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ .

( وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ لَهَا سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ سَنَةً وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ لَهَا سَنَةً جَازَ وَلَهَا الْخِدْمَةُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا ( لِأَنَّ مَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالشَّرْطِ يَصْلُحُ مَهْرًا ) لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ ، وَالتَّعْلِيمُ وَالْخِدْمَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ جَازَ عِنْدَهُ ( فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الزَّوْجِ غَنَمَهَا .
وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ ) فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ( هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } ( وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ ) فَلَا يَكُونُ الِابْتِغَاءُ بِهِ مَشْرُوعًا ( وَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا ) لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ ، وَالتَّمَوُّلُ يَعْتَمِدُ الْبَقَاءَ زَمَانَيْنِ فَلَا تَكُونُ الْخِدْمَةُ مَالًا فَلَا يَكُونُ الِابْتِغَاءُ بِهِ مَشْرُوعًا ( وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءٌ بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ ) كَمَا فِي الْإِجَارَةِ ( وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ ) وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ يُمْنَعُ جَوَازُ النِّكَاحِ عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ وَرَعْيِ الْغَنَمِ ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ لَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ( لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ ) لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ خَادِمَةً وَالزَّوْجُ مَخْدُومًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { النِّكَاحُ رِقٌّ } وَفِي جَعْلِ خِدْمَةِ الزَّوْجِ مَهْرًا لَهَا كَوْنُ الرَّجُلِ خَادِمًا وَالْمَرْأَةِ مَخْدُومَةً وَذَلِكَ خِلَافُ مَوْضُوعِ النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ ( بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِأَنَّهُ يُسَلِّمُ

فِيهِ رَقَبَتَهُ كَالْمُسْتَأْجَرِ ، وَلَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ( وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ الْمَوْلَى مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ ) بِالنِّكَاحِ وَهَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءٌ بِالْمَالِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُدَّعَى دَلِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ الْمَشْرُوعُ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ ، فَذَكَرَ الْعَبْدُ مَرَّةً بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ الثَّانِي ( وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ ) وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الدَّلِيلِ : وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا ، فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ وَلَنَا فَقَوْلُهُ ( ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ ) يُنَاقِضُ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا كَانَ الْمُنَاسِبُ وَلَهُمَا دَفْعًا لِلِالْتِبَاسِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَقَالَ : وَلَنَا وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخِدْمَةِ فَقَالَ فِي الْآخَرِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْخِدْمَةُ مَالٌ عِنْدَ الْعَقْدِ ( إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ ) أَيْ خِدْمَةَ الْحُرِّ ( لَيْسَتْ بِمَالٍ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ ) أَيْ لَا تُسْتَحَقُّ الْخِدْمَةُ فِي النِّكَاحِ ( بِحَالٍ ) وَلَوْ كَانَتْ مَالًا لَاسْتُحِقَّتْ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعَقْدُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ

الْمُضَافِ إلَى الْمَحَلِّ ، وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ كَوْنُ الْمَهْرِ غَيْرَ مَالٍ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ سَمَاعَهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِكَلِمَةِ " أَوْ " هَكَذَا أَوْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ ، وَهُوَ حَسَنٌ لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَا تُسْتَحَقُّ بِحَالٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَيَكُونُ الْأَوَّلُ إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ : وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ ، وَالثَّانِي إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى أَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ إلَّا بِمَا يَنْفِيهِ مِنْ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ ، وَهُوَ لَا يَتِمُّ لِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَالًا لَاسْتُحِقَّتْ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ كَوْنُ الْمَهْرِ غَيْرَ مَالٍ يَقُولُ الْمَانِعُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي ذَلِكَ بَلْ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْمُنَاقَضَةِ مَانِعٌ آخَرُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنْ سَمَاعِي بِكَلِمَةِ إذْ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ الدَّلِيلِ فِي مَطْلَعِ الْبَحْثِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِبَيَانِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ ( وَهَذَا ) أَيْ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ ( لِأَنَّ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ ) أَيْ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْخِدْمَةُ لِضَرُورَةِ حَاجَةِ النَّاسِ فِي الْعُقُودِ وَهِيَ إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُحْتَاجِ ( فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ ) لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ ( لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ) وَلَوْ قَالَ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهُ كَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ .

( فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبَضَتْهَا وَوَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا ( فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ حَتَّى وَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ .
وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَهْرَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا تَبْرَأُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ( وَلَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهَا الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا : رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ حَطٌّ فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الطَّلَاقِ .
وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تَلْتَحِقُ حَتَّى لَا تَتَنَصَّفُ ، وَلَوْ كَانَتْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ ، فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ .
وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ

قَالَ ( فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ بِالْقِسْمَةِ الْأَوَّلِيَّةِ عَلَى قِسْمَيْنِ : إمَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ كَالنُّقُودِ أَوْ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ بِهِ كَالْعُرُوضِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مَقْبُوضًا لَهَا ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ تَهَبَ الْمَرْأَةُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ وَهَبَتْهَا لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعَ بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ مَهْرًا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يُنَصِّفُ الصَّدَاقَ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَكَانَتْ هِبَةً ، هَذِهِ الْأَلْفُ كَهِبَةِ أَلْفٍ أُخْرَى ، وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا اسْتَوْجَبَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ ( وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ ) غَيْرَ الدَّرَاهِمِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ ذَلِكَ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَتْ .
( فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ حَتَّى وَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ ، وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ الْمَهْرَ بِالْإِبْرَاءِ ) وَمَا سُلِّمَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ غَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالزَّوْجُ سَلَّمَ لَهُ غَيْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ ( فَلَا تَبْرَأُ ) الْمَرْأَةُ ( عَمَّا

يَسْتَحِقُّهُ ) وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ هُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ لَكِنْ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ ( وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ كَمَنْ يَقُولُ لِآخَرَ : لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك ، وَقَالَ الْآخَرُ : الْجَارِيَةُ جَارِيَتُك وَلِيَ عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ الْمَالُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ بَيْعُ الْجَارِيَةِ ( وَلَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهَا الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا : يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ) فَلَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ ثُمَّ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عِنْدَنَا عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ فَكَذَا إذَا قَبَضَتْ الْبَعْضَ ( وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ ) الَّذِي لَمْ يَقْبِضْهُ ( حُطَّ ) وَالْحَطُّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ابْتِدَاءً عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ الْمَقْبُوضَةِ .
( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ ) وَهُوَ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ ( قَدْ حَصَلَ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ) كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَاسْتَعْجَلَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ سَتَظْهَرُ فِيمَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا .
وَقَوْلُهُ وَالْحَطُّ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ حَطٌّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَطَّ إنَّمَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُغَابَنَةٍ يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ عَنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالزِّيَادَةِ أَوْ الْحَطِّ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَاسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ ) يَعْنِي

أَنَّ الْحَطَّ وَالزِّيَادَةَ سِيَّانِ فِي الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَالزِّيَادَةُ فِي النِّكَاحِ لَمْ تَلْتَحِقْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا تَتَنَصَّفَ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأَصْلِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ الْحَطُّ ( وَلَوْ كَانَتْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ ) مِثْلُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ فَوَهَبَتْ الْمَرْأَةُ مِائَتَيْنِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَتَّى يَتِمَّ النِّصْفُ ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا سُلِّمَ لِلزَّوْجِ مُعْتَبَرٌ وَعِنْدَهُمَا الْمَقْبُوضُ مُعْتَبَرٌ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا قَبَضَتْ فَيَتَنَصَّفُ الْمَقْبُوضُ وَهُوَ ثَمَانُمِائَةٍ .

( وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ فَوَهَبَتْ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ) وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِبَذْلٍ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ فَإِذَا عَيَّنَ فِيهِ يَصِيرُ كَأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ

( وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ فَوَهَبَتْ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ سُلِّمَ لَهُ الْمَهْرُ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا تَبْرَأُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ ( وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ) مَا ذَكَرَهُ ( أَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ) لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ .
وَقَوْلُهُ ( وَلِهَذَا ) أَيْ وَلِأَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا ( لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ شَيْئًا آخَرَ مَكَانَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا ) وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نِصْفِ الْمَقْبُوضِ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَتْ مَكَانَهُ شَيْئًا آخَرَ جَازَ ( بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ ) يَعْنِي الصَّدَاقَ الْعَرَضَ مِنْ زَوْجِهَا ( لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِبَدَلٍ ) وَهُوَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِلَا بَدَلٍ فَلَا يَنُوبُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ .
( وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ ) يَعْنِي مِثْلَ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِهِمَا لَا مُطْلَقَهُ ( أَوْ عُرُوضٍ فِي الذِّمَّةِ ) بِأَنْ قَالَ عَلَى ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ الْوَسَطُ مِمَّا سَمَّى وَيَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيُشْبِهُ النُّقُودَ ( فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ) يَعْنِي إذَا وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ قَبَضَتْ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ ( لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ ) يَعْنِي أَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا رَدُّهُ بِعَيْنِهِ ، وَكُلُّ مَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُ مُتَعَيَّنًا فِي الرَّدِّ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا

يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ .
وَقَوْلُهُ ( وَهَذَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ ) إشَارَةٌ إلَى شَيْئَيْنِ إلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ بِلَا تَعْيِينٍ ، وَإِلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ .
وَتَقْرِيرُهُ الْجَهَالَةَ تُحُمِّلَتْ فِي النِّكَاحِ وَكُلُّ مَا تُحُمِّلَ فِي النِّكَاحِ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ فَالْجَهَالَةُ لَا تُنَافِي النِّكَاحَ ، فَإِذَا شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ صَحَّ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينٍ لِيَتَحَقَّقَ الْإِيفَاءُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، فَإِذَا عُيِّنَ بِالْقَبْضِ صَارَ كَأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُتَعَيَّنًا فَكَذَلِكَ إذَا عُيِّنَ بِالْقَبْضِ .
وَفَائِدَةُ الْأُولَى صِحَّةُ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا وَمُنِعَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَفَائِدَةُ الثَّانِيَةِ عَدَمُ رُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إنْ وَهَبَتْهُ لَهُ وَعَدَمُ وِلَايَةِ الِاسْتِبْدَالِ إنْ لَمْ تَهَبْ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ .

( وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى ، فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْمُسَمَّى ) ؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ ( وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيُكْمِلُ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْكَرَامَةِ وَالْهِدَايَةِ مَعَ الْأَلْفِ ( وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا ، فَإِنْ أَقَامَ بِهَا فَلَهَا الْأَلْفُ ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَلْفِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ ) حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا .
وَقَالَ زُفَرُ : الشَّرْطَانِ جَمِيعًا فَاسِدَانِ ، وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ أَلْفٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي قَوْلِهِ : إنْ خِطْتِهِ الْيَوْمَ فَلَكِ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خِطْتِهِ غَدًا فَلَكِ نِصْفُ دِرْهَمٍ ، وَسَنُبَيِّنُهَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ

قَالَ ( وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ ( أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ) أَوْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ فُلَانَةَ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ شَرْطُ عَدَمِ التَّزَوُّجِ وَعَدَمِ الْمُسَافَرَةِ وَطَلَاقِ الضَّرَّةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنْعَ عَنْ الْأَمْرِ الْمَشْرُوعِ ( فَإِنْ وَفَى بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْمُسَمَّى ) لِأَنَّهُ سَمَّى مَا صَلُحَ مَهْرًا ( وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ ) وَإِنْ لَمْ يُوفِ بِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ ( لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ ) حَتَّى رَضِيَتْ بِتَنْقِيصِ الْمُسَمَّى عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ( فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيُكْمِلُ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْكَرَامَةِ ) بِأَنْ شَرَطَ مَعَ الْأَلْفِ أَنْ يُكْرِمَهَا وَلَا يُكَلِّفَهَا الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ وَمَا تَتْعَبُ بِهِ وَكَمَا لَوْ سَمَّى الْهَدِيَّةَ مَعَ الْأَلْفِ بِأَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا مَعَ الْأَلْفِ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ ( وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ .
وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ ذُكِرَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبُضْعُ بَدَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَهُمَا الْأَلْفُ وَالْأَلْفَانِ فَتَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ لِلْجَهَالَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ مُفِيدٌ فَيَصِحَّانِ جَمِيعًا .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ .
فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي لِأَنَّ الْجَهَالَةَ نَشَأَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَعَلَى أَلْفٍ إنْ

كَانَتْ قَبِيحَةً حَيْثُ يَصِحُّ فِيهَا الشَّرْطَانِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْأُولَى وُجِدَتْ الْمُخَاطَرَةُ فِي التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي أَنَّ الزَّوْجَ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَا مُخَاطَرَةَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا جَمِيلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِمَّا قَبِيحَةٌ غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُهَا وَجَهْلُهُ بِصِفَتِهَا لَا يُوجِبُ الْمُخَاطَرَةَ فَيَصِحُّ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ وُجُوهَ الْأَقْوَالِ وَأَحَالَهَا عَلَى بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخِيَاطَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا أَوْكَسُ وَالْآخَرُ أَرْفَعُ ؛ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا فَلَهَا الْأَوْكَسُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا فَلَهَا الْأَرْفَعُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ( فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ) لَهُمَا أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى ، وَقَدْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَوْكَسِ إذْ الْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ ، وَالْعُدُولُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْبَدَلِ ، إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْفَعِ فَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْأَوْكَسِ فَالزَّوْجُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ ، وَالْوَاجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِثْلِهِ الْمُتْعَةُ وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ .

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ ) أَصْلُ هَذَا أَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّسْمِيَةِ إذَا صَحَّتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ .
وَعِنْدَهُمَا الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْمُسَمَّى ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا فَسَدَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْأَوْكَسِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ الْأَوْكَسَ فِي ذَلِكَ مُتَعَيَّنٌ ، وَمَا فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ وَإِنَّمَا قَالَ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ ( إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ ) لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لِأَنَّهُ قِيمَةُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهُمَا .
وَقَوْلُهُ إلَّا مَهْرَ الْمِثْلِ ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ هُوَ الْأَعْدَلَ كَانَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاجِبًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ .
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ ( إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعِ فَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْأَوْكَسِ فَالزَّوْجُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ ) فَعَمَلُنَا بِرِضَاهُمَا .
وَقَوْلُهُ ( وَالْوَاجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الْأَرْفَعِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْأَرْفَعُ مَهْرًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمُسَمَّى .
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مَا تَكُونُ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةَ الْمُتْعَةِ ( وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا عَادَةً فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ )

( وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ ، وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا قِيمَتَهُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ ، بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَاوَضَةٌ .
وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ كَالدِّيَةِ وَالْأَقَارِيرِ ، وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ ، وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ ، أَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ ، وَالْعَبْدُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا .

قَالَ ( وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى حِمَارٍ أَوْ فَرَسٍ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِهِ .
وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ نَوْعٌ لَا جِنْسٌ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مِنْ الْجِنْسِ اسْمَ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ مَا أَشْبَهَهُ ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِالتَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ مَا أَشْبَهَهُ وَلَمْ تَصِحَّ بِهِ التَّسْمِيَةُ .
وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ : أَرَادَ بِالْجِنْسِ مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ النَّوْعُ بِاصْطِلَاحِ غَيْرِهِمْ .
قَوْلُهُ ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ) وَاضِحٌ .
وَقَوْلُهُ ( وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ ) مَعْنَاهُ أَنَّ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً وَمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، أَمَّا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا مَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً : يَعْنِي بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَكَانَ كَالدِّيَةِ وَالْأَقَارِيرِ حَيْثُ يَلْزَمُ فِيهِمَا أَيْضًا مَالٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَعَمَلُنَا بِمَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً ، وَقُلْنَا : لَا يَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ فِي مِثْلِهِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي مِثْلِهِ مُتَحَمَّلَةٌ كَمَا فِي الدِّيَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ فِيهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَكَمَا فِي الْأَقَارِيرِ ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَعَمِلْنَا بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ( وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا ) مَعْلُومَ الْوَسَطِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا وَجَبَ

فِي الزَّكَاةِ ذَلِكَ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ( وَذَلِكَ ) إنَّمَا يُتَصَوَّرُ ( عِنْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ ، وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ حِينَئِذٍ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ ) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ عَلَى دَابَّةٍ لَمْ يَجِدْ نَوْعًا يُتَوَسَّطُ فَيَلْزَمُهُ .
قَوْلُهُ ( وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ( مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ ) أَيْ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَيَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ أَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ) فَلَا يَفْسُدُ بِالْجَهَالَةِ مَا لَمْ تَفْحُشْ .
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَسَطِ وَالْقِيمَةِ جِهَةَ أَصَالَةٍ ، أَمَّا الْقِيمَةُ فَلِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ ، وَأَمَّا الْوَسَطُ فَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ بِأَيِّهِمَا أَتَى .

( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَعْنَاهُ : ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ) وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ ، وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ يَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، وَكَذَا إذَا سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَسَمَّى جِنْسَهُ دُونَ صِفَتِهِ ، وَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ لَا يُخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا

وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ ) يَعْنِي لَمْ يَذْكُرْ نَوْعًا مِنْهُ .
وَقَوْلُهُ ( إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ ) يَعْنِي أَنَّهَا تَكُونُ قُطْنًا وَكَتَّانًا وَإِبْرَيْسَمًا وَغَيْرَهَا .
وَقَوْلُهُ ( وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ ) مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ هُوَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَى حَدٍّ يَجُوزُ فِيهِ عَقْدُ السَّلَمِ .
وَقَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَسَطِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ بِضَرْبِ الْأَجَلِ صَارَ نَظِيرَ السَّلَمِ .
وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِدَلِيلِ أَنَّ مُسْتَهْلِكَهَا لَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ فَصَارَتْ كَالْعَبْدِ ( وَكَذَا إذَا سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَسَمَّى جِنْسَهُ ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ مَنٍّ مِنْ زَعْفَرَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْوَسَطِ وَقِيمَتِهِ ( وَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ لَا يُخَيَّرُ ) بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْوَسَطِ ( لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا ) حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَلِهَذَا جَازَ اسْتِقْرَاضُهُ وَالسَّلَمُ فِيهِ .

( وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَكِنْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِمَا أَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .قَوْلُهُ ( وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ ) مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك عَلَى خَمْرٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَزَوَّجْتُك بِشَرْطِ قَبُولِك الْخَمْرَ ، هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَا يَرْبُو عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُهُ فَهَذَا أَوْلَى ( بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ بِمَعْنَى الرِّبَا وَهُوَ يُفْسِدُهُ ، وَفِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قِيَاسِ مَالِكٍ النِّكَاحَ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَالَ تَسْمِيَةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ تَمْنَعُ وُجُوبَ عَرَضٍ آخَرَ ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالْعَقْدِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَانَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِهِمَا ، وَقُلْنَا : لَمَّا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فِي نَفْسِهَا لِكَوْنِ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ : أَيْ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لَمْ تَمْنَعْ وُجُوبَ الْغَيْرِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .

( فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا : لَهَا مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَجِبُ الْقِيمَةُ ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَطْمَعَهَا مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ حُرٍّ .
وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا ، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَثَلٌ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ ، وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنَافِعِ ، وَالْخَمْرُ مَعَ الْخَلِّ جِنْسَانِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ .

قَالَ ( فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ .
وَحَاصِلُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّسْمِيَةِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ الْقِيمَةِ .
ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِشَارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَالْإِشَارَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الْجِنْسَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ دَلِيلَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِيهِ ( لِكَوْنِهَا ) يَعْنِي الْإِشَارَةَ ( أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ ، وَيَحْصُلُ بِهَا كَمَالُ التَّمْيِيزِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الشَّيْءِ وَارِدَةٌ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَمِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ ، وَيَجُوزُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَأَخَّرَ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى اخْتِيَارِ مَذْهَبِهِ ، وَدَلِيلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى تَقْدِيمِ مُقَدِّمَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَاهِيَّةِ هُوَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبِالذَّاتِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إلَيْهِ إشَارَةً حِسِّيَّةً .
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنْسِ مَا يَكُونُ الْفَاصِلُ بَيْنَ آحَادِهِ أَمْرًا وَاحِدًا فَيَكُونُ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا كَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّاةِ ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي غَيْرِ الْإِنْسَانِ ، وَبِالْجِنْسَيْنِ مَا يَكُونُ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَفْحُشُ التَّفَاوُتُ كَالْخَلِّ وَالْخَمْرِ فَإِنَّ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا الِاسْمُ وَالصِّفَةُ كَالْحُمُوضَةِ فِي الْخَلِّ وَالْحِدَّةِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَعْنَى كَالْإِسْكَارِ وَعَدَمِهِ ، وَالْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا

الِاسْمُ وَالصِّفَةُ ، فَإِذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ التَّسْمِيَةُ وَالْإِشَارَةُ فِي الْعَقْدِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُشَارَ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ هُنَاكَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَاهِيَّةٍ أُخْرَى وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ وَالصِّفَةُ تَتْبَعُ الْمَوْصُوفَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَوْصُوفُ مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ لَوْلَا الصِّفَةُ وَلَمْ تُعْتَبَرْ الصِّفَةُ لِتَبَعِيَّتِهَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ ، فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ حِينَئِذٍ تَدُلُّ عَلَى مَاهِيَّةِ خِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُسَمَّى مِثْلَ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَلَا يَكُونَ تَابِعًا لَهُ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعَدَمِ شَيْءٍ لَا يَتْبَعُهُ فَيَتَعَارَضَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَعْرِفُ الْمَاهِيَّةَ ، وَالْإِشَارَةُ إنَّمَا تُعْرَفُ ذَاتًا مُشَارًا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ .
هَذَا الَّذِي سَنَحَ لِي فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ ، وَأَزِيدُك بَيَانًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ دَلَّتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ عَلَى مَعْنًى يَتَحَقَّقُ الْمُشَارُ إلَيْهِ عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ فَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ، فَإِنَّ صِفَةَ كَوْنِهِ عَبْدًا إذَا ارْتَفَعَتْ عَادَ حُرًّا لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ ، وَكَذَا فِي الْمَيْتَةِ وَالذَّكِيَّةِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَكُلِّ مَوْضِعٍ دَلَّتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ عَلَى مَعْنًى لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُشَارُ إلَيْهِ عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ لِوُجُودِ الْوَاسِطَةِ فَهُمَا جِنْسَانِ ، فَإِنَّ صِفَةَ كَوْنِهِ خَلًّا إذَا ارْتَفَعَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَصِيرًا ، وَكَذَا إذَا ارْتَفَعَ كَوْنُهَا جَارِيَةً لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً .

( فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهُ مُسَمًّى ، وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ عَبْدًا ) ؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ .

وَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْإِشَارَةَ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْحُرِّ تُخْرِجُهُ عَنْ الْعَقْدِ فَكَانَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الثَّانِي لَغْوًا وَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ ، وَلَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَوَجْهُ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ ، وَكَذَا وَجْهُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ ، وَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ وَجَبَ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُسَمًّى بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْطَلَتْ الْعَبْدَ الثَّانِيَ .
وَقَوْلُهُ ( وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَ قَبْلَ هَذَا ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا إلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَبِمَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا ثُمَّ إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْأَلْفُ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، فَفَوَاتُهُ يُوجِبُ فَوَاتَ رِضَاهَا فَيُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ .
وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ أَصْلًا ، وَبِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى مَا شُرِطَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَهَا إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلٍ لَزِمَهَا ضَرَرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، أَمَّا هَاهُنَا فَيُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ بِالتَّفَحُّصِ ، فَلَوْ لَزِمَهَا ضَرَرٌ لَزِمَهَا بِضَرْبٍ مِنْ تَقْصِيرِهَا .

( وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِيهِ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِفَسَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ( وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ بِهَا التَّمَكُّنُ فَلَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ ( فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ ( وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ) إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ .
وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ ، هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهَا بِالتَّفْرِيقِ ( وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ .
وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ ، وَالْإِقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ .

قَالَ ( وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ) النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مِثْلُ النِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ وَنِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَنَحْوِهَا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ .
وَقَوْلُهُ ( هُوَ يَعْتَبِرُهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ ) يَعْنِي أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبًا أَصْلِيًّا ، فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ يُرْجَعُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ ( وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَوْفَى ) أَيْ مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ بِهَذَا الْعَقْدِ هُوَ ( لَيْسَ بِمَالٍ ) وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ ، فَالْمُسْتَوْفَى بِهِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ ( وَإِنَّمَا يُتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ ) وَالتَّسْمِيَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَبَطَلَتْ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقَوُّمِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ شَرْعًا فَصِرْنَا إلَى مَا هُوَ قِيمَتُهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَهُوَ عَقْدُ الْمُفَوِّضَةِ إذَا كَانَ صَحِيحًا وَذَلِكَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَيَبْطُلُ ، مَا زَادَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَكِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسَمَّى لَا تَجِبُ ( لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ ) أَيْ تَسْمِيَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى .
فَإِنْ قُلْت : هَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ لِأَنَّك أَسْقَطْت اعْتِبَارَ التَّسْمِيَةِ إذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ اعْتَبَرْتهَا إذَا نَقَصَتْ مِنْهُ وَهِيَ إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً يَجِبُ شُمُولُ الْعَدَمِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً يَجِبُ شُمُولُ الْوُجُودِ ؟ قُلْت : هِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ ، فَاسِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا وُجِدَتْ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ فَاعْتَبَرْنَا فَسَادَهَا إذَا زَادَتْ وَصِحَّتَهَا إذَا انْتَقَصَتْ لِانْضِمَامِ رِضَاهَا إلَيْهَا ، وَهَذَا الْحَلُّ

مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ .
وَإِنَّمَا قَيَّدْت الْمُسْتَوْفَى بِقَوْلِي بِهَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَلِئَلَّا يَنْتَقِضَ بِالْمُفَوِّضَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى هُنَاكَ أَيْضًا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَمْ يُتَقَوَّمْ بِالتَّسْمِيَةِ بَلْ بِالْعَقْدِ .
وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ وَاضِحٌ .
وَقَوْلُهُ ( وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ) يَعْنِي فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا دَخَلَ بِهَا لِمَا ذَكَرَ أَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَقِيقَةِ الدُّخُولِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ ، وَيُعْتَبَرُ الْجِمَاعُ فِي الْقُبُلِ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ ( إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ ) أَيْ الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ بِالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ ) وَكَانَ قَوْلُهُ ( وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ ) تَفْسِيرًا لِلِاحْتِيَاطِ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ ( وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ ) وَقَالَ زُفَرُ : يُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ حَتَّى إذَا وَطِئَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثُمَّ رَأَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي تَعْتَدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ تَكُونُ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً .
وَقَوْلُهُ ( هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ .
وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ وُجُودُ رُكْنِهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ( وَ ) شُبْهَةُ النِّكَاحِ ( رَفَعَهَا بِالتَّفْرِيقِ ) وَقَوْلُهُ التَّفْرِيقَ فِي مَوْضِعَيْنِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَرِّقٍ وَلَيْسَ رَفْعُ النِّكَاحِ مَوْقُوفًا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ .
وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقَّ الْفَسْخِ دُونَ

مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ وَالرَّافِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا رَفَعَا حُكْمَهُمَا إلَى الْحَاكِمِ .
وَقَوْلُهُ ( وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا ) ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ .
قَوْلُهُ ( وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ يُؤْخَذُ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ( لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ وَالْإِقَامَةَ بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ إقَامَةَ النِّكَاحِ مَقَامَ الْوَطْءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النِّكَاحَ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ فَلَا يُقَامُ مَقَامَهُ ، وَفِي تَعْلِيلِهِ هَذَا إشَارَةٌ إلَى فَسَادِ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .

قَالَ ( وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ فِيهِ وَلَا شَطَطَ " وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ ، وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ ( وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ تَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا ) لِمَا بَيَّنَّا ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا لِمَا أَنَّهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا .قَالَ ( وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا ) اعْلَمْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ بِعَشِيرَتِهَا الَّتِي مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا كَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَقَوْمِ أُمِّهَا كَالْخَالَاتِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ قِيمَةُ بُضْعِ النِّسَاءِ فَيُعْتَبَرُ بِالْقَرَابَاتِ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ .
وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ( لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ ) لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى أَقَارِبِ الْأَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَيْهِ ، وَلِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ جِنْسِهِ وَالْإِنْسَانُ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ لَا مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أُمِّهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ قَدْ تَكُونُ أَمَةً وَالِابْنَةَ تَكُونُ قُرَشِيَّةً تَبَعًا لِأَبِيهَا ( وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ تَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا ) بِأَنْ يَكُونَ أَبُوهَا تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ فَإِنَّ أُمَّهَا وَخَالَتَهَا تَكُونُ مِنْ قَبِيلَتِهَا .
وَقَوْلُهُ ( لِمَا بَيَّنَّا ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ .

( وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ تَتَسَاوَى الْمَرْأَتَانِ فِي السِّنِّ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ ) ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ ، وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ قَالُوا : وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي الْبَكَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِوَقَوْلُهُ ( وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ ) ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ ( بِاخْتِلَافِ الدَّارِ ) أَيْ الْبَلَدِ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ الْبُضْعِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى نَظِيرِهِ بِصِفَتِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالسِّنِّ السِّنُّ وَقْتَ التَّزَوُّجِ .

( وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَا يَقْبَلُهُ فَيَصِحُّ ( ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَالَاتِ ، وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ إذَا أَدَّى عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِأَمْرٍ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الْكَفَالَةِ ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَوَّجَةُ صَغِيرَةً ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرَةِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِي النِّكَاحِ ، وَفِي الْبَيْعِ عَاقِدٌ وَمُبَاشِرٌ حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَالْحُقُوقُ إلَيْهِ ، وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَيَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ .

( وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ ) يَعْنِي إذَا زَوَّجَ الْوَلِيُّ ابْنَتَهُ وَضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ عَنْ الزَّوْجِ صَحَّ ( لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ ، وَقَدْ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى مَا يَقْبَلُ الضَّمَانَ ) وَهُوَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْمَهْرَ دَيْنٌ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ يَصِحَّانِ فِيهِ .
فَإِنْ قُلْت : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَضَمِنَ عَنْهُ الْمَهْرَ لِلْمَرْأَةِ .
قُلْت يَنْبُو عَنْهُ قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَا فِي الصِّحَّةِ سَوَاءً ؛ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ امْرَأَةً فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ بِالْمَهْرِ مِنْ أَبِ الزَّوْجِ فَيُؤَدِّيَ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ بِاللَّفْظِ صَرِيحًا ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا زَوَّجَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ الْوَكِيلَ بِالْمَهْرِ مَا لَمْ يَضْمَنْ .
وَقَوْلُهُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ ) ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ ( وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ ) أَيْ إبْرَاءُ الْأَبِ الْمُشْتَرِيَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَيَمْلِكُ قَبْضَهُ ) أَيْ يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ .
وَقَوْلُهُ ( وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ قَبْضَ الصَّدَاقِ أَيْضًا كَالْوَكِيلِ يَمْلِكُ قَبْضَ الثَّمَنِ ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ فِي الْأَبِ .

قَالَ ( وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَتَمْنَعَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا ) أَيْ يُسَافِرَ بِهَا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ : أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ .
فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا .
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا .
وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ .
لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ ، وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ ، كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ .
وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تُصْرَفُ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا يُخْلَى عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ ، وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ .
ثُمَّ إذَا وُجِدَ آخَرُ وَصَارَ مَعْلُومًا تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَدْفَعُ كُلَّهُ بِهَا ، ثُمَّ إذَا جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَأُخْرَى يَدْفَعُ بِجَمِيعِهَا ، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا نَقَلَهَا إلَى حَيْثُ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } ، وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى

بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ .
.

وَقَوْلُهُ ( وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا ) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَهْرٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا ، أَوْ بَعْضُهُ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا ؛ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مُعَجَّلًا فَإِمَّا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا ( حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْ إخْرَاجِهَا ) إلَى السَّفَرِ ( لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ ) وَهُوَ الْمَهْرُ ( كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمُبْدَلِ ) وَهُوَ الْبُضْعُ ( فَصَارَ كَالْبَيْعِ ) فِي أَنَّ الْبَائِعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَأْخُذَ الثَّمَنَ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي التَّعْيِينِ ( وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوفِيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ ) وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَتَذَكَّرَهُ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مُؤَجَّلًا ، فَإِمَّا أَنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : مُوجَبُ النِّكَاحِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ أَوَّلًا عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا ، فَحِينَ قَبِلَ الزَّوْجُ الْأَجَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِمُوجَبِ الْعَقْدِ فَقَدْ رَضِيَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ إلَى أَنْ يُوفِيَ الْمَهْرَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلًا لَيْسَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْبَيْعِ لَا مَحَالَةَ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ مُقَايَضَةً لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ أَوَّلًا فَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي رَاضِيًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فِي الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ .
وَقَوْلُهُ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ ) فَإِطْلَاقُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ لَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، أَمَّا

قَبْلَ الْحُلُولِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْمَنْعِ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَهُ أَوْلَى .
قَوْلُهُ ( وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ) يَعْنِي فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ( فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يَعْنِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ .
وَقَالَا : لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ ( وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا ) إنْ كَانَتْ ( بِرِضَاهَا ) فَعَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا بِالِاتِّفَاقِ ( وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ ) تَسْتَحِقُّهَا مُدَّةَ الْمَنْعِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ مَنْعٌ يَحِقُّ وَلَا تَسْتَحِقُّهَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ ( لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ ) وَتَسْلِيمُهُ يَنْفِي حَقَّ الْحَبْسِ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ .
وَقَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ ) جَازَ أَنْ يَكُونَ مُنَاقَضَةً ، وَتَقْرِيرُهُ : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ ( مَا قَابَلَ الْبَدَلَ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ كُلِّهِ ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضَةً وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ لَا يُخَلَّى عَنْ الْبَدَلِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ وَالْمَنْعُ عَمَّا يُقَابِلُ الْبَدَلَ صَحِيحٌ .
وَقَوْلُهُ وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ ) أَيْ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ جَوَابٌ عَنْ

قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا كَانَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ قَبْلَ أَدَاءِ الْمُعَجَّلِ ، فَإِذَا أَدَّى لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ .
فَإِنْ قُلْت : فَإِنْ سَمَّوْا الْمَهْرَ سَاكِتِينَ عَنْ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيرِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ ؟ قُلْت : يَجِبُ حَالًّا ، وَقَدْ أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ آنِفًا فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ ( وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا نَقَلَهَا إلَى حَيْثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا ) وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ ( لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ : الْأَخْذُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ .
وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ قَوْلَهُ { مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } دَلِيلٌ مَخْصُوصٌ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ وَهُوَ قَوْلُهُ { وَلَا تُضَارُّوهُنَّ } ( وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ ) سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْقَرْيَةِ وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ : ذَلِكَ تَبْوِئَةٌ وَلَيْسَ بِسَفَرٍ ، وَإِخْرَاجُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدِ سَفَرٍ لَيْسَ بِتَبْوِئَةٍ .

قَالَ ( وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ ) فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ ، وَمَعْنَاهُ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا هُوَ الصَّحِيحُ .
لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فِيهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورِيٌّ ، فَمَتَى أَمْكَنَ إيجَابُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يُصَارُ إلَيْهِ .
وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ ، وَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجْرِ يَحْكُمُ فِيهِ الْقِيمَةَ الصَّبْغُ .
ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلِ ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَحْكُمُ مُتْعَةُ مِثْلِهَا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجَبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ فَتَحْكُمُ كَهُوَ .
وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ ، وَالْمُتْعَةُ لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُفِيدُ تَحْكِيمُهَا ، وَوَضْعُهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا عِشْرُونَ فَيُفِيدُ تَحْكِيمَهَا ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِقْدَارِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ .
وَشَرْحُ قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي حَالِ قِيَامِ

النِّكَاحِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى الْأَلْفَ وَالْمَرْأَةَ الْأَلْفَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ تُقْبَلُ .
وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ .
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ تَحَالَفَا ، وَإِذَا حَلَفَا يَجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ .
هَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيِّ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءِ بِالْمُسَمَّى فَيُصَارُ إلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَهُ ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
.

قَالَ ( وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ تَخْتَلِفَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَمَاتِهِمَا أَوْ يَكُونَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ فِي حَيَاتِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ .
وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ أَوْ فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى ، أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ وَرَثَتِهَا ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ فِي الزِّيَادَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَكَلَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَكُونُ دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا لِأَنَّهُ لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَدَّعِيَ شَيْئًا قَلِيلًا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتَزَوَّجُ مِثْلُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَهْرِ عَادَةً فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ تَقْدِيرٌ شَرْعًا .
وَقَوْلُهُ ( لَا يُصَارُ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا ) أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ .
وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ ) أَيْ مُوجَبِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ ( كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ ( فَتَحَكُّمٌ ) الْمُتْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ .
وَقَوْلُهُ ( وَوَجْهُ

التَّوْفِيقِ ) أَيْ بَيْنَ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ وَاضِحٌ .
وَقَوْلُهُ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) يَعْنِي مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّعَاوَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ ( وَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ) أَيْ مَعَ يَمِينِهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْحَطَّ وَهِيَ تُنْكِرُ ، فَإِنْ نَكَلَتْ يُقْضَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْحَطِّ ، وَإِنْ حَلَفَتْ يُقْضَى لَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَلْفٍ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ وَأَلْفٍ بِاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَفَائِدَةُ هَذَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي هَذَا الْأَلْفِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الدَّرَاهِمَ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الدَّنَانِيرَ ( وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ ) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلزَّوْجِ وَفِيمَا إذَا شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَرْأَةِ ( تُقْبَلُ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لِلزَّوْجِ ( تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لِلْمَرْأَةِ تُقْبَلُ ( بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ ظَاهِرًا ( وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ تَحَالَفَا ) لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهِيَ تُنْكِرُ ، وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرِعَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي الْبِدَايَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا ، فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ يُقْضَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ صَرِيحًا ، وَإِنْ نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ وَجَبَ الْمُسَمَّى أَلْفٌ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْحَطِّ ، وَإِنْ حَلَفَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47