كتاب : العناية شرح الهداية
المؤلف : محمد بن محمد البابرتي  

هَذَا الْتَزَمَ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ اسْتَوْجَبَ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَذَلِكَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ ، وَأَمَّا إذَا وُكِّلَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ ضَمَانُ ثَمَنٍ حَيْثُ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ بِالثَّمَنِ يُسْتَوْفَى مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَ مِنْهُ ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ .
وَالْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَيْضًا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَجْنُونٌ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ ( لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ إلَّا عَلَى أَنَّ الْحُقُوقَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا عَثَرَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ .

قَالَ ( وَالْعَقْدُ الَّذِي يَعْقِدُهُ الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ) : كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ ، وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ ، فَكَذَا تَوَابِعُهُ وَصَارَ كَالرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ .
وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ ، وَصِحَّةُ عِبَارَتِهِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَكَذَا حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ كَانَ سَفِيرًا عَنْهُ لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ كَالرَّسُولِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ ( يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِالثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى ، وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَيُخَاصِمُ فِي الْعَيْبِ وَيُخَاصِمُ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْهُ ، اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ كَالْعَبْدِ يُتَّهَبُ وَيُصْطَادُ هُوَ الصَّحِيحُ .
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ : وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَالَ ( وَالْعَقْدُ الَّذِي يَعْقِدُهُ الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ إلَخْ ) الْعُقُودُ الَّتِي يَعْقِدُهَا الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : ضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْوَكِيلِ ، وَآخَرُ بِالْمُوَكِّلِ .
فَضَابِطَةُ الْأَوَّلِ كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ ، وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ هُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَكَذَا تَوَابِعُهُ ، وَاعْتَبَرَهُ بِالرَّسُولِ وَبِالْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ ( وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ فِي هَذَا الضَّرْبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ) أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ وَصِحَّةُ عِبَارَتِهِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لَهُ أَهْلِيَّةُ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابُ فَكَانَ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ مِنْهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ سَوَاءً .
وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ ، بِخِلَافِ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَغْنِيَانِ عَنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَكِيلُ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ فَلِهَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ : يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِالثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَيُخَاصِمُ فِي الْعَيْبِ وَيُخَاصَمُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ( قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ ، وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَكَذَا تَوَابِعُهُ .
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَكِنْ يَعْقِدُ الْوَكِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ ، وَمَعْنَى الْخِلَافَةِ أَنْ يُثْبِتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً ، وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ مُوجِبًا حُكْمُهُ لِلْوَكِيلِ فَكَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالتَّوْكِيلِ السَّابِقِ ، وَهَذَا طَرِيقَةُ أَبِي

طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ أَصَحُّ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ : هُوَ الصَّحِيحُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَصِحُّ جَوَابًا عَنْهُ مَعَ الْتِزَامِ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ : الْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ فَكَذَا الْحُقُوقُ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ خِلَافَةً وَالشَّافِعِيُّ أَصَالَةً .
وَتَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ جِهَتَيْنِ : جِهَةَ حُصُولِهِ بِعِبَارَتِهِ ، وَجِهَةَ نِيَابَتِهِ عَنْ الْمُوَكِّلِ ، وَإِعْمَالُهُمَا وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ وَالْحُقُوقَ لِلْوَكِيلِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لِحُصُولِهِمَا بِعِبَارَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ بَطَلَ التَّوْكِيلُ ، وَلَوْ أَثْبَتْنَاهُمَا لِلْمُوَكِّلِ بَطَلَ عِبَارَتُهُ فَأَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْغَرَضُ مِنْ التَّوْكِيلِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( اعْتِبَارٌ لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ ) فَتُعَيَّنُ الْحُقُوقُ لِلْوَكِيلِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِغَيْرِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ السَّبَبُ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَصْطَادُ فَإِنَّ مَوْلَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ طَرِيقَةِ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ لِتَحْقِيقِ السَّبَبِ مِنْ جِهَتِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ مَنْكُوحَةَ الْوَكِيلِ أَوْ قَرِيبَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي لَكَانَ ذَلِكَ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ يَقْتَضِي مِلْكًا مُسْتَقِرًّا .
وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ حُرَّةً عَلَى رَقَبَتِهَا فَأَجَازَ الْمَوْلَى صَارَتْ الْأَمَةُ مَهْرًا لِلْحُرَّةِ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ وَإِنْ مَلَكَهَا الزَّوْجُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ

الْمِلْكِ وَمِلْكُ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ يَنْتَقِلُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ إطْلَاقَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ } " الْحَدِيثَ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ : الْوَكِيلُ نَائِبٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ ، فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ قِبَلِهِ ، فَوَافَقَ أَبَا الْحَسَنِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ وَأَبَا طَاهِرٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ .
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : هَذَا حَسَنٌ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ ) وَأَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ : وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ .

قَالَ ( وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى مُوَكِّلِهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ سَفِيرًا .

قَالَ ( وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى مُوَكِّلِهِ إلَخْ ) هَذِهِ ضَابِطَةُ الضَّرْبِ الثَّانِي : كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى مُوَكِّلِهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ حُقُوقًا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ وَلَا وَكِيلُ الْمَرْأَةِ بِتَسْلِيمِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ مَحْضٌ لِعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ .
فَإِنَّهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ لَهُ فَكَانَ كَالرَّسُولِ وَعِبَارَتُهُ عِبَارَةُ الْمُرْسِلِ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْهُ ، وَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْعَقْدُ رَجَعَ إلَيْهِ الْحُقُوقُ كَمَا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ ، لِأَنَّهُ ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ إسْقَاطٌ فَيَتَلَاشَى ، وَمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا فِيهِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ عَدَمُ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَيْهِنَّ لِكَوْنِهِنَّ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَالذُّكُورِ ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ نَوْعَ مِلْكٍ عَلَى الْحُرَّةِ بِالنِّكَاحِ ضَرُورَةَ النَّسْلِ وَفِي ذَلِكَ إسْقَاطٌ لِمَالِكِيَّتِهَا فَيَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَيْسَ الْكَلَامُ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ فِي نَقْلِ الْحُقُوقِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ قُلْنَا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ إنَّ الْحُكْمَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافَةً ، اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ وَتَبْقَى الْحُقُوقُ مُتَعَلِّقَةً بِالْوَكِيلِ اعْتِبَارًا لِعِبَارَتِهِ ، وَهَاهُنَا الْحُكْمُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْعِبَارَةِ لَا بِالتَّأْخِيرِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِكَوْنِهَا لِلْإِسْقَاطِ ، فَأَمَّا أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ لِلْوَكِيلِ أَوْ تَنْتَقِلَ الْعِبَارَةُ إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ

لِأَنَّهُ يُبْطِلُ التَّوْكِيلَ وَيُنَافِي الْإِضَافَةَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ سَفِيرًا وَلِلَّهِ دَرُّهُ عَلَى فَضْلِهِ وَتَنَبُّهِهِ لِلَطَائِفِ الْعِبَارَاتِ ، جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الطَّلَبَةِ خَيْرًا .

وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَخَوَاتِهِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ .
فَأَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ فَهُوَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ، وَالْوَكِيلُ بِالْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالْإِقْرَاضِ سَفِيرٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ ، وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ ، إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ فِيهِ .

قَالَ ( وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَخَوَاتِهِ إلَخْ ) أَيْ وَمِنْ أَخَوَاتِ الضَّرْبِ الثَّانِي الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَيُضِيفُ إلَى مُوَكِّلِهِ وَالْحُقُوقُ تَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ ( وَأَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ ) وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ ( فَهُوَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَكَانَ كَالْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْوَكِيلِ .
وَإِذَا وَكَّلَ بِأَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُعِيرَ دَابَّتَهُ أَوْ يُودِعَ مَتَاعَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ وَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَهُ لَك مُوَكِّلِي أَوْ رَهَنَهُ ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَلَا أَنْ يَقْبِضَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَالرَّهْنَ وَالْقَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا ) يَعْنِي فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ ( يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ ) فَالْحُكْمُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ ، فَقَوْلُهُ ( فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا ) مُقْتَضَاهُ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ .
وَيُدْفَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا لَاقَى مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْوَكِيلِ كَانَ ثَابِتًا لِمَنْ لَهُ الْمَحَلُّ وَالْحُقُوقُ فِيمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالْعِبَارَةِ وَحْدَهَا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْحُكْمَ الِانْفِصَالَ عَنْهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمُوَكِّلِ بِجَعْلِ الْعِبَارَةِ سِفَارَةً ، فَفِيمَا احْتَاجَ إلَى الْقَبْضِ أَوْلَى لِضَعْفِهَا فِي الْعِلِّيَّةِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ نَحْوُ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِعَارَةِ أَوْ الِارْتِهَانِ أَوْ الِاسْتِيهَابِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَالْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ .
أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَلَا إشْكَالَ ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِلْمُوَكِّلِ وَتَتَعَلَّقُ

الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ لِاجْتِمَاعِ الْقَوْلِ وَالْقَبْضِ .
وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَهِيَ تَجْعَلُ الْقَبْضَ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ ( وَكَذَا ) إذَا وَكَّلَ بِعَقْدِ ( الشَّرِكَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ ) كَانَتْ الْحُقُوقُ رَاجِعَةً إلَى الْمُوَكِّلِ لِلْإِضَافَةِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ .
وَاعْلَمْ أَنِّي أُعِيدُ لَك هَاهُنَا مَا ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ، وَأَزِيدُك مَا يَسَّرَ اللَّهُ ذِكْرَهُ لِكَوْنِ الْمَقَامِ مِنْ مَعَارِكِ الْآرَاءِ ، فَإِنْ ظَهَرَ لَك فَاحْمَدْ اللَّهَ ، وَإِنْ سَمَحَ ذِهْنُك بِخِلَافِهِ فَلَا مَلُومَةَ فَإِنَّ جَهْدَ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ : التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَرُدَّ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ أُمِرَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مِلْكُهُ .
وَأَوْرَدَ بِأَنَّهُ هَلَّا جَعَلَ مَحَلَّهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ الْبَدَلَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ إيفَاءِ الْقَرْضِ لَا الِاسْتِقْرَاضِ .
وَأَوْرَدَ التَّوْكِيلَ بِالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ ، وَلَا مَحَلَّ لَهُ سِوَى الْمُسْتَعَارِ وَالْمَوْهُوبِ ، إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ بَدَلٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُجْعَلُ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ وَالْمَوْهُوبَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالْإِعَارَةِ وَالْهِبَةِ لَا الِاسْتِعَارَةِ وَالِاتِّهَابِ ، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِجَعْلِهَا مُوجِبَةً لِلْمِلْكِ عِنْدَ الْقَبْضِ بِإِقَامَةِ الْمُوَكِّلِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلْيَكُنْ فِي الِاسْتِقْرَاضِ كَذَلِكَ .
فَالْجَوَابُ أَنَّا اعْتَبَرْنَا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا

ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعَقْدِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ يَلْزَمُ فِي الذِّمَّةِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَدَلٌ فِي الذِّمَّةِ ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا مَحَلًّا لَهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَفِيهِ بَدَلٌ مُعْتَبَرٌ لِلْإِيفَاءِ فِي الذِّمَّةِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ ) فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي الِاسْتِقْرَاضِ .
قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيمَا اسْتَقْرَضَ لِلْآمِرِ إلَّا إذَا بَلَغَ عَلَى سَبِيلِ الرِّسَالَةِ فَيَقُولُ أَرْسَلَنِي إلَيْك فُلَانٌ وَيَسْتَقْرِضُ مِنْك ، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُسْتَقْرِضِ : يَعْنِي الْمُرْسِلَ .

قَالَ ( وَإِذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ ) ( فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ لِمَا أَنَّ الْحُقُوقَ إلَى الْعَاقِدِ ( فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ ثَانِيًا ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ، وَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ الدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ وَبِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ إنْ كَانَ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْفَصْلَيْنِ .

قَالَ ( وَإِذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ إلَخْ ) إذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَلِهَذَا إذَا نَهَاهُ الْوَكِيلُ عَنْ ذَلِكَ صَحَّ ، وَإِنْ نَهَاهُ الْمُوَكِّلُ لَا يَصِحُّ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ مُطَالَبَةُ الْمُوَكِّلِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُوَكِّلِ صَحَّ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ حَقُّهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ ثُمَّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ .
وَأَمَّا فِي الصَّرْفِ فَقَبْضُ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، وَلَوْ ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْقَبُولِ وَقَبِلَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَجُزْ ، فَكَذَا إذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ قَوْلُهُ وَلِهَذَا ) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ إنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ .
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ وَقَعَتْ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ حَقَّهُ ، وَلِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ؛ وَلَوْ أَبْرَآهُ جَمِيعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا بَرِئَ الْمُشْتَرِي بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا .
فَإِنْ قِيلَ : الْمُقَاصَّةُ لَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الثَّمَنِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا تَقَعُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَحْدَهُ .
أَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِهِ .
وَلِلْوَكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُشْتَرِيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَذَا بِعِوَضٍ لَكِنَّهُ

يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْإِبْرَاءِ وَالْمُقَاصَّةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ وَهُوَ حَقُّ الْوَكِيلِ ، فَكَانَ بِالْإِبْرَاءِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلَا تَضْمِينُ الْوَكِيلِ .
الْجَوَابُ أَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَجَازَ إبْرَاؤُهُ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْوَكِيلِ هُوَ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ أَسْقَطَ حَقَّ الْقَبْضِ ، وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ حَقُّ الْقَبْضِ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الثَّمَنِ ضَرُورَةً ، وَانْسَدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَابُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَزِمَ الْوَكِيلَ الضَّمَانُ ، كَالرَّاهِنِ يُعْتِقُ الرَّهْنَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ لِسَدِّهِ بَابَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ .
وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ : الثَّمَنُ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ لَا مَحَالَةَ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ .
وَالْجَوَابُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ .
سَلَّمْنَا أَنَّ الثَّمَنَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ لَكِنَّ الْقَبْضَ حَقُّ الْوَكِيلِ لَا مَحَالَةَ فَإِذَا أَسْقَطَهُ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ قَبْضُهُ سَقَطَ الثَّمَنُ ضَرُورَةً كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا .
قِيلَ : كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بَيْعٌ يُوجِبُ مُقَاصَّةً لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ وُصُولُ الثَّمَنِ إلَيْهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْمُقَاصَّةِ وُصُولًا مُتَقَدِّمًا إنْ كَانَتْ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ ، وَمُتَأَخِّرًا بِالضَّمَانِ إنْ كَانَتْ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ .

( بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ) : ( فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ ) : ( قَالَ : وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ ) لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ ، ( إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولَ : ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا .
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ تَتَحَمَّلُ فِي الْوَكَالَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ اسْتِحْسَانًا ، لِأَنَّ مَبْنَى التَّوْكِيلِ عَلَى التَّوَسُّعَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ .
وَفِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ

( بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ) : ( فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ ) قَدَّمَ مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَأَمَسُّ حَاجَةً وَهُوَ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَقَدَّمَ فَصْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْبَيْعُ يُنْبِئُ عَنْ إزَالَتِهِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ .
قَالَ ( وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ إلَخْ ) إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ : أَيْ نَوْعِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغُ ثَمَنِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ هَاهُنَا غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَنْطِقِ ، فَإِنَّ الْجِنْسَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْحَيَوَانِ ، وَالنَّوْعُ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْإِنْسَانِ مَثَلًا ، وَالصِّنْفُ هُوَ النَّوْعُ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدٍ عَرَضِيٍّ كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا بِالْجِنْسِ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا عَلَى اصْطِلَاحِ أُولَئِكَ ، وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفُ ، فَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا ، وَالْأَوَّلُ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى ذِكْرِ شَيْءٍ ، وَالثَّانِي لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَبْدًا هِنْدِيًّا ، أَوْ تَسْمِيَةُ جِنْسِهِ وَمَبْلَغُ ثَمَنِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ فَإِنْ ذَكَرَ الْجِنْسَ مُجَرَّدًا عَنْ الْوَصْفِ أَوْ الثَّمَنَ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمَعْرِفَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا أُمِرَ بِهِ .
وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ مَعْلُومًا وَهُوَ الشِّرَاءُ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَيْسَ هُوَ الشِّرَاءُ بَلْ شِرَاءُ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ النَّوْعَ لَمْ يَعْلَمْ

الْفِعْلَ الْمُضَافَ إلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْآخَرِ وَهُوَ التَّوْكِيلُ الْعَامُّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت فَإِنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِي يَكُونُ مُمْتَثِلًا وَيَقَعُ عَنْ الْآمِرِ ( وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ اسْتِحْسَانًا ) وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَكِيلُ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ ، وَفِي ذَلِكَ الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فَكَذَلِكَ فِيمَا اعْتَبَرَ بِهِ .
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ ( لِأَنَّ مَبْنَى التَّوْكِيلِ عَلَى التَّوْسِعَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ وَفِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ حَرَجٌ ) فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَكَانَ مَا فَرَضْنَاهُ تَوْسِعَةً ضَيِّقًا وَحَرَجًا ، وَذَلِكَ خَلَفٌ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ وَغَيْرِهَا لِيَتَمَيَّزَ مَا يُفْسِدُ الْوَكَالَةَ عَمَّا لَا يُفْسِدُهَا فَنَقُولُ : إذَا بَيَّنَ الْمُوَكَّلَ بِهِ بِجِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَوَصْفِهِ فَذَاكَ مَعْلُومٌ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ بِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنْ تَرَكَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَذَكَرَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَذَاكَ مَجْهُولٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ بِهِ لَا مَحَالَةَ .
وَإِنْ بَيَّنَ الْجِنْسَ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَإِنْ ضَمَّ إلَى ذِكْرِهِ بَيَانَ النَّوْعِ أَوْ الثَّمَنِ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْوَصْفَ كَالْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ بَيْنَ الثَّمَنِ أَوْ لَا لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ .
وَفِي الْعُرْفِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا كَثِيرَةً ، وَكَذَا الثَّوْبُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى

الْكِسَاءِ ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا ، وَكَذَا الدَّارُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَيَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ ، لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ وَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ ، وَإِلَّا إذَا وَصَفَهَا فَإِنَّهَا جَازَتْ لِارْتِفَاعِ تَفَاحُشِهَا بِذِكْرِ الْوَصْفِ وَالثَّمَنِ ، وَإِذَا قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا ، فَإِنْ قَالَ عَبْدًا تُرْكِيًّا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ مُوَلَّدًا وَهُوَ الَّذِي وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ قَالَ جَارِيَةً هِنْدِيَّةً أَوْ رُومِيَّةً أَوْ فَرَسًا أَوْ بَغْلًا صَحَّتْ ، لِأَنَّ بِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ جَارِيَةً بِأَلْفٍ صَحَّتْ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا عَادَةً فَلَا يَمْتَنِعُ الِامْتِثَالُ .
وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ النَّوْعَ أَوْ الثَّمَنَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ صَارَتْ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةً ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّفَةَ : أَيْ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالسُّلْطَةَ .
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَانُ اشْتِمَالِ لَفْظِهِ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ .

( ثُمَّ إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ ) ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَلَا يُدْرَى مُرَادُ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ ( وَإِنْ كَانَ جِنْسًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا ، وَبِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ فَلَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ .
مِثَالُهُ : إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا فَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ وَالْحَبَشِيِّ أَوْ الْهِنْدِيِّ أَوْ السِّنْدِيِّ أَوْ الْمُوَلِّدِ جَازَ ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَوْ بَيَّنَ النَّوْعَ أَوْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ وَالْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالسِّطَةَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ ، وَمُرَادُهُ مِنْ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ النَّوْعُ

( وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ ) لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ .
وَفِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْخَيْلِ وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا ، وَكَذَا الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَيَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ ( قَالَ : وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَوَصَفَ جِنْسَ الدَّارِ وَالثَّوْبِ جَازَ ) مَعْنَاهُ نَوْعُهُ ، وَكَذَا إذَا سَمَّى نَوْعَ الدَّابَّةِ بِأَنْ قَالَ حِمَارًا أَوْ نَحْوَهُ .

( قَالَ : وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا ) اسْتِحْسَانًا .
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا عُرْفَ فِي الْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ ، وَقِيلَ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ فَعَلَى الْحِنْطَةِ ، وَإِنْ قَلَّتْ فَعَلَى الْخُبْزِ ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ .

قَالَ ( وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا إلَخْ ) وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ ( وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ ) أَيْ أَقْوَى وَأَرْجَحُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْقِيَاسِ ، وَالْعُرْفُ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا .
قَالُوا : هَذَا عُرْفُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَإِنَّ سُوقَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا عِنْدَهُمْ يُسَمَّى سُوقَ الطَّعَامِ ، أَمَّا فِي عُرْفِ غَيْرِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ .
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ : الطَّعَامُ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ .
وَقِيلَ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْحِنْطَةِ ، وَإِنْ قَلَّتْ فَهُوَ عَلَى الْخُبْزِ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مُطْلَقٌ : أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً إذَا وَكَّلَ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ يَنْصَرِفُ إلَى شِرَاءِ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا ، وَهَذَا الثَّانِي الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ قِيلَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلٍ مُخَالِفٍ لِلْأَوَّلِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ ، وَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ : قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا قُلْنَا : ثُمَّ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خُبْزًا ، وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا الْخُبْزَ لِأَنَّ ادِّخَارَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الِادِّخَارُ فِي الْحِنْطَةِ .
وَأَقُولُ : فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْعُرْفِ يَنْصَرِفُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُتَنَاوِلِ لِكُلِّ مَطْعُومٍ إلَى

الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا ، وَالدَّرَاهِمُ بِقِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَسِطَّتِهَا تَعَيَّنَ أَفْرَادُ مَا عَيَّنَهُ الْعُرْفُ .
وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يَتَرَجَّحُ عَلَى ذَلِكَ وَيَصْرِفُهُ إلَى خِلَافِ مَا حَمَلَ بِهِ عَلَيْهِ ، مِثْلُ الرَّجُلِ اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ وَدَفَعَ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَاشْتَرَى بِهَا خُبْزًا وَقَعَ عَلَى الْوَكَالَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ .

قَالَ ( وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَبَضَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ ( فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرِي دَعْوَى كَالشَّفِيعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا بَعْدَهُ .قَالَ ( وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ إلَخْ ) وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَا وُكِّلَ بِهِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بِيَدِهِ أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْمُوَكِّلُ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْبَائِعِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ ، لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْوَكَالَةِ .
وَلِأَنَّ فِي الرَّدِّ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ( وَلِهَذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَيْهِ ( كَانَ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرَى دَعْوَى كَالشَّفِيعِ وَغَيْرِهِ ) كَالْمُسْتَحَقِّ ( قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ )

قَالَ ( وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .

قَالَ ( وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ إلَخْ ) إذَا وَكَّلَ شَخْصًا بِأَنْ يَعْقِدَ عَقْدَ الصَّرْفِ أَوْ يُسْلِمَ فِي مَكِيلٍ مَثَلًا فَفَعَلَ جَازَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبَلَ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ الْعَيْنَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ فِي الدُّيُونِ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَبُولَ السَّلَمِ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْوَكِيلُ حِفْظًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الِانْتِقَاضِ ، وَبِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ ، وَالثَّمَنُ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِهِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَالْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِتَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ .
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُهُ ضَرُورَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ وَبِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ .
وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِهِ ، وَالثَّابِتُ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ ، وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِجَوَازِ قَبُولِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآمِرِ بِهِ .
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُبْدَلُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ وَآخَرُ يَمْلِكُ بَدَلَهُ ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ فِي الشِّرَاءِ يَمْلِكُ الْمُبْدَلَ وَيَلْزَمُ الْبَدَلُ فِي ذِمَّتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَاجْعَلْ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْمَالُ لَهُ كَمَا فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ .
فَالْجَوَابُ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ آنِفًا ، وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الطَّعَامُ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ ، فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى

الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا عَلَيْهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى الْآمِرِ لِإِطْلَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ بَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْمَجْلِسِ ، فَإِنْ قَبَضَ الْعَاقِدُ وَهُوَ الْوَكِيلُ بَدَلَ الصَّرْفِ صَحَّ قَبْضُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ أَوْ مِمَّنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّ قَبْضَهُ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا

( فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ ) لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ ( وَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الرَّسُولِ ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ ، وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ .( فَإِنْ فَارَقَ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : هَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِيهِ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ يَصِيرُ كَالصَّارِفِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ .
وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ ، وَمُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحَقُّ قَبْضُ الْعَاقِدِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخِلَافِ الرَّسُولَيْنِ : أَيْ الرَّسُولِ فِي بَابِ الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي السَّلَمِ : أَيْ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْوَكَالَةُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ الرَّسُولُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ إذَا قَبَضَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِقَبْضِهِ ( لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ ) وَإِلَّا لَكَانَ افْتِرَاقٌ بِلَا قَبْضٍ ، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ يَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَكَانَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ .

( قَالَ : وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَقَدْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ لَمَّا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَهُ الْمُوَكِّلُ يَكُونُ رَاضِيًا بِدَفْعِهِ مِنْ مَالِهِ ( فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْهُ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ

قَالَ ( وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ ) إذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ : أَيْ صَارَ الْوَكِيلُ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ أَمَارَتِهَا ، فَإِنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُوَكِّلُ عَيْبًا بِالْمُشْتَرَى يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ الْمُبَادَلَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا ذَكَرْتُمْ فَرْعٌ عَلَى الْمُبَادَلَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهِ ؟ قُلْنَا : الْفَرْعُ الْمُخْتَصُّ بِأَصْلِ وُجُودِهِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ أَصْلِهِ فَلَا امْتِنَاعَ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِأَصْلِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْمُشْتَرَى مِنْ جِهَتِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ ) دَلِيلٌ آخَرُ .
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ ، وَالْإِذْنُ ثَابِتًا هَاهُنَا دَلَالَةً لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الدَّفْعُ عَلِمَ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالدَّفْعِ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَكَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ آمِرًا بِهِ دَلَالَةً .
وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ حَبْسِهِ لَا يُسْقِطُ الرُّجُوعَ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْ صَارَ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِ الْوَكِيلِ ، فَالْهَلَاكُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ .
وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ ، وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِقَبْضِ الثَّمَنِ ، وَعَلَى هَذَا لَا فَصْلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَا .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ

صَارَ قَابِضًا بِيَدِ الْوَكِيلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ .
وَالْحَبْسُ فِي السَّلَمِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ ، وَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ التَّسْلِيمُ الِاخْتِيَارِيُّ يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي الرِّضَا ، وَهَذَا التَّسْلِيمُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْحَبْسِ مَا لَمْ يَقْبِضْ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ .
وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ إنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِتَتْمِيمِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْ يَكُونَ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ أَحَدُهُمَا بِحَبْسِهِ فَكَانَ الْآمِرُ فِيهِ مَوْقُوفًا فِي الِابْتِدَاءِ ، إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ عَنْهُ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِلْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ حَبَسَهُ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا بِقَبْضِهِ ، فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ .
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا وَقِيمَةُ الْبَيْعِ عَشَرَةً رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخَمْسَةٍ .
وَضَمَانُ الْبَيْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ بِهِ ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا .
وَضَمَانُ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَكْثَرَ ، وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ .
زُفَرُ يَقُولُ : مَنْعُهُ حَقَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا

( وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ .
قُلْنَا : هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ ، عَلَى أَنَّ قَبْضَهُ مَوْقُوفٌ فَيَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ وَلِنَفْسِهِ عِنْدَ حَبْسِهِ ( فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَضَمَانَ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِغَيْرِ حَقٍّ ، لَهُمَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَا هُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ .
قُلْنَا : يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ ، كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ .

( وَلَهُمَا ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ ) كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْبَائِعُ حَبْسُهُ إنَّمَا هُوَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ ، فَكَذَا حَبْسُ الْوَكِيلِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ الضَّمَانُ حَبَسَ أَوْ لَمْ يَحْبِسْ ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَحْبِسْ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا حَبَسَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ بِالْقَبْضِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَتَقْوَى جِهَةُ كَوْنِهِ بَائِعًا فَلَزِمَ الضَّمَانُ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْبِسْ فَقَبْضُهُ كَانَ لِمُوَكِّلِهِ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ أَمَانَةً وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا قَبْلَ الْحَبْسِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَصَارَ مَضْمُونًا بَعْدَ الْحَبْسِ ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ لَا مَعْنَى الْبَيْعِ ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْحَبْسِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهَذَا لِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ .
وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ) لِنَفْيِ قَوْلِهِمَا : يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرَى لَيْسَ كَالْمَبِيعِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ ، وَهَاهُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْبَيْعِ : يَعْنِي الَّذِي بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَائِعِهِ .
وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قُلْنَا يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ ، وَمِثْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ عَيْبًا بِالْمُشْتَرَى فَرَدَّهُ وَرَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوَكِّلِ .
قِيلَ : وَهَذَا مُغَالَطَةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ ، لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَبَيْنَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بَعْدَ الْحَبْسِ ، فَفِي الْأَوَّلِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ، وَفِي الثَّانِي لَا ، وَانْفِسَاخُ الْبَيْعِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى

انْفِسَاخِهِ مِنْ الْأَصْلِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ مَوْضِعِ النِّزَاعِ ، وَأَنَّهُ كَمَا تَرَى فَاسِدٌ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الْوَكِيلَ بَائِعٌ كَانَ الْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فَاسْتَوَيَا فِي وُجُودِ الْفَسْخِ وَبَطَلَ الْفَرْقُ ، بَلْ إذَا تَأَمَّلْت حَقَّ التَّأَمُّلِ وَجَدْت مَا ذُكِرَ مِنْ جَانِبِ أَبِي يُوسُفَ غَلَطًا أَوْ مُغَالَطَةً ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ مِنْ الْوَكِيلِ بِمَنْزِلَةِ بَائِعِ الْبَائِعِ ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَائِعِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسْخُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَائِعِهِ فَكَانَ ذِكْرُهُ أَحَدَهُمَا .

( قَالَ : وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِنْ لَحْمٍ يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ ) وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ .
لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ عِشْرِينَ فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَيَنْفُذُ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ لَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يَتَنَاوَلُ السَّمِينَ وَهَذَا مَهْزُولٌ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ .

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ ) وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّحْمُ يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عِشْرُونَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : وَقَالَا : يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ .
وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ : أَيْ فِي وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ فِي آخِرِ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَالَ فِيهِ : لَزِمَ الْآمِرَ عَشَرَةٌ مِنْهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَالْبَاقِي لِلْمَأْمُورِ .
لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ ، وَالْوَكِيلُ لَمْ يُخَالِفْهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَإِنَّمَا جَاءَ ظَنُّهُ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا سِيَّمَا إذَا زَادَ خَيْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَقَدْ خَالَفَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ فَيَنْفُذُ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ ، وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ .
وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ يَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْآمِرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ ثَبَتَتْ ضِمْنًا لِلْعِشْرِينِ إلَّا قَصْدًا وَقَدْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةٍ قَصْدًا ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِثُبُوتِهَا فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ .
وَالْمُتَضَمَّنِ لَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ أَيْضًا تَبَعًا

لَهُ .
وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةً .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : يَعْنِي لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ مِنْهُمَا شَيْءٌ ، وَالْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ .
وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ بِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ ضِمْنِيٌّ ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي ضِمْنِ مَا تَضَمَّنَهُ ، وَمَا تَضَمَّنَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ فَكَذَا مَا فِي ضِمْنِهِ ، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَكُلُّ قَصْدِي لِأَنَّ أَجْزَاءَ الثَّمَنِ تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضِّمْنُ فِي الشِّرَاءِ .
وَعَنْ الثَّانِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَجْعَلُ اللَّحْمَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي قِيمَتِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَلَامُنَا فِيهِ ، وَحِينَئِذٍ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُوَكِّلِ أَيَّ عَشَرَةٍ شَاءَ ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ ، فَالثَّوْبَانِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ لَكِنْ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَذَلِكَ لَا يُعَيِّنُ حَقَّ الْمُوَكِّلِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ مَجْهُولًا فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ فَقَالَ : لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ ، وَهَذَا لَا يَتَمَشَّى إلَّا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ اللَّحْمَ مِثْلِيًّا وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيلٍ آخَرَ ، وَلَعَلَّ ذَاكَ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ أَيْضًا مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ قَلِيلٌ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مَفْرُوضِ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ وَقَدْ اخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ فِي تَطَرُّقِ الْخَلَلِ فِي احْتِمَالِ التَّسَاوِي كَثْرَةً مَادَّةً

وَصُورَةً وَطُولًا وَعَرْضًا وَرِفْعَةً وَرُقْعَةً ، وَأَجَلُهُ كَوْنُهُ حَاصِلًا بِصُنْعِ الْعِبَادِ مَحَلُّ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فَلَا يَلْزَمُ تَحَمُّلُهُ مِنْ تَحَمُّلِ مَا هُوَ أَقَلُّ خَلَلًا ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ ) جَوَابٌ عَنْ تَمْثِيلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِتَوْكِيلِ بَيْعِ الْعَبْدِ بِأَلْفٍ وَبَيْعِهِ بِأَلْفَيْنِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ لَهُ .
وَرُدَّ بِأَنَّ الدِّرْهَمَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ بَدَلَ مِلْكِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَمَّةَ مُبْدَلٌ مِنْهُ لَا بَدَلٌ فَكَانَ الْفَرْقُ ظَاهِرًا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ قِيَاسُ الْمَبِيعِ عَلَى الثَّمَنِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَلْفَ الزَّائِدَ لَا يَفْسُدُ بِطُولِ الْمُكْثِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى نَاجِزَةٍ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي اللَّحْمِ فَيَتْلَفُ .
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ ؛ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ السَّمِينَ وَالْمُشْتَرَى هَزِيلٌ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ .

قَالَ ( وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي وَهُوَ غَائِبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الثَّانِيَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا .

قَالَ ( وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إلَخْ ) وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ وَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا بَاشَرَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ ، فَإِذَا سَمَّى الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسٍ أَوْ لَمْ يُسَمِّ فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فَاشْتَرَى وَهُوَ غَائِبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْآمِرَ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ .
أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِ مَا سَمَّى فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَالْأَمْرُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحْضُرَ رَأْيُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ .
قِيلَ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا أَنْكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ لَا عَنْ الْمُوَكِّلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ : وَأُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُوَكَّلَ بِهِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَيْهِ حَيْثُ أَنْكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ ، فَإِنَّ الْإِنْكَاحَ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُضَافٍ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ مَوْجُودَةً فَوَقَعَ عَنْ الْوَكِيلِ ، وَإِذَا عُرِفَ مَا بِهِ الْمُخَالَفَةُ فَمَا عَدَاهُ مُوَافِقُهُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمُسَمَّى مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِالنُّقُودِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ أَوْ إذَا اشْتَرَى

الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَهُ رَأْيُهُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا .
قِيلَ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَأَجَازَهُ جَازَ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ لَا يَقَعُ ، وَالرِّوَايَةُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ الْوَكَالَةِ فِيهِمَا مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ ، وَتَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إذَا انْفَرَدَا عَنْ مَالٍ إلَى الرَّأْيِ فَجَعَلْنَاهَا مَجَازًا لِلرِّسَالَةِ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالرَّسُولُ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ فَكَانَ الْمَأْمُورُ مَأْمُورًا بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْآمِرِ لَا بِشَيْءٍ آخَرَ ، وَتَوْكِيلُ الْآخَرِ أَوْ الْإِجَازَةُ لَيْسَ مِنْ النَّقْلِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ الْوَكِيلُ .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ الْوَكَالَةِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ ، فَاعْتُبِرَ الْمَأْمُورُ وَكِيلًا وَالْمَأْمُورُ بِهِ حُضُورُ رَأْيِهِ وَقَدْ حَضَرَ بِحُضُورِهِ أَوْ بِإِجَازَتِهِ .

قَالَ ( وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ : فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ ) قَالَ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ : إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُطْلَقٌ .
وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا .
وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ، فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ ، وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ ، وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يَحْكُمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ لِلْعَاقِدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَحْكُمُ النَّقْدُ ؛ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا ، فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا يَحْتَمِلُ النِّيَّةَ لِلْآمِرِ ، وَفِيمَا قُلْنَا حَمْلُ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ .
وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ

قَالَ ( وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إلَخْ ) إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ .
وَقَوْلُهُ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ النَّقْدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ ، وَأَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إلَى مَالِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ لِلْآمِرِ حَمْلًا لِحَالِ الْوَكِيلِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا ، إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا لِكَوْنِهِ غَصْبًا لِدَرَاهِمِ الْآمِرِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ لِلْمَأْمُورِ حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَادَةً لِجَرَيَانِهَا بِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً .
دَلِيلًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي يُعْلَمُ بِالدَّلَالَةِ ، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَيُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى غَيْرِهِ شَرْعًا فَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ وَيُضِيفَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ وَالْعَادَةُ مُشْتَرَكَةٌ لَا مَحَالَةَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَصِيرُ غَاصِبًا دُونَ الثَّانِي فَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ شَرْعًا ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ فَأَمَّا إنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهِيَ لَهُ ، أَوْ لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِشَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَكِيلُ نَوَيْت لِنَفْسِي وَقَالَ الْمُوَكِّلُ نَوَيْت لِي حُكْمُ النَّقْدِ بِالْإِجْمَاعِ فَمِنْ مَالِ مَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ كَانَ الْمَبِيعُ لَهُ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِمَا مَرَّ

مِنْ حَمْلِ حَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا ، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَالِهِ أَوْ بِالنِّيَّةِ لَهُ وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُحْكَمُ النَّقْدُ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ ، أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا ، فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ تَعَيَّنَ بِهِ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَيْنِ وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ نَوَى لِلْآمِرِ وَنَسِيَهُ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا قُلْنَا ) يَعْنِي تَحْكِيمَ النَّقْدِ ( حَمْلُ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّقْدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَالشِّرَاءُ لَهُ كَانَ غَصْبًا كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ .
وَإِذَا عَلِمْت هَذِهِ الْوُجُوهَ ظَهَرَ لَك أَنَّ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ تَفْصِيلًا إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَلَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ ، إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ كَانَ لَهُ ، وَإِنْ نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالنَّقْدِ وَخِلَافًا فِيمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ أَوْ يَحْكُمُ النَّقْدُ ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ يَقَعُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُطْلَقٌ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ فَكَانَ حَمْلُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ : أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْإِضَافَةِ أَوْلَى ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي .
بَقِيَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى أَيِّ نَقْدٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُفِيدَ شَيْئًا لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ الشِّرَاءَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ يَتَعَيَّنُ ، وَإِنَّمَا نَقُولُ الْوَكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِهَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ

الشِّرَاءِ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، وَإِذَا تَقَيَّدَتْ بِهَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ بِغَيْرِهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْوَكَالَةِ قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مَعَ اسْتِفَادَةِ حُكْمِهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ نَفْيًا لِقَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَالْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ إجْمَاعًا وَلَا يَحْكُمُ النَّقْدُ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْإِسْلَامِ ، وَهَذَا الْقَائِلُ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ وَالسَّلَمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ لِلنَّقْدِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ السَّلَمِ ، فَإِنَّ الْمُفَارَقَةَ بِلَا نَقْدٍ تُبْطِلُ السَّلَمَ ، فَإِذَا جُهِلَ مَنْ لَهُ الْعَقْدُ يُسْتَبَانُ بِالنَّقْدِ وَلَيْسَ الشِّرَاءُ كَذَلِكَ فَكَانَ الْعَقْدُ لِلْعَاقِدِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الْأَصْلِ .

قَالَ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ ) ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ .
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا ، إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقَوْلُ لِلْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هَاهُنَا ، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .

قَالَ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إلَخْ ) وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالْأَوَّلُ سَيَجِيءُ ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَيِّتًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ أَوْ حَيًّا .
وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَهُ ، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ سَبَبِهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ ، فَإِنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ هُوَ الْعَقْدُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِئْنَافِهِ ، لِأَنَّ الْعَبْدَ مَيِّتٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعَقْدِ ، فَكَانَ قَوْلُ الْوَكِيلِ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي لِإِرَادَةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُنْكَرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، فَقَوْلُهُ ( لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ ) مَعْنَاهُ اسْتِئْنَافُ سَبَبِهِ فَهُوَ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ ، وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ ) رَاجِعٌ إلَى " مَا " فِي عَمَّا ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : إنْ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ كَيْفَ يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ تَمَلُّكَ اسْتِئْنَافِ الشِّرَاءِ دَائِرٌ مَعَ التَّصَوُّرِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْسَخَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ مَعَ بَائِعِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ لِلْمُوَكِّلِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَرَادَ أَنْ يَلْزَمَهَا الْآمِرُ ،

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ : أَيْ لِلْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ ( وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هَاهُنَا ) يَعْنِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَكِيلُ أَمِينًا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ ( وَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ لَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ ) وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الرُّجُوعَ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ شِرَاءَ مَا وَكَّلَ بِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ عَزْلٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ حَالَ غَيْبَتِهِ ، بِخِلَافِ حُضُورِهِ فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَوَقَعَ الْمُشْتَرَى لَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ فِيهِ التُّهْمَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ جَانِبِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ .

( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ ثُمَّ جَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ أَنَا أَمَرْته بِذَلِكَ فَإِنَّ فُلَانًا يَأْخُذُهُ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ .
( فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ آمُرْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ ( إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَكُونُ بَيْعًا عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي ، كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِاسْتِتْمَامِ التَّرَاضِي وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ .

قَالَ ( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ إلَخْ ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ : يَعْنِي لِأَجْلِهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ ، فَلَمَّا طَلَبَهُ مِنْهُ فُلَانٌ أَبَى أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّ لِفُلَانٍ وِلَايَةَ أَخْذِهِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ : يَعْنِي قَوْلَهُ لِفُلَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ ، وَالْإِقْرَارُ بِالشَّيْءِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِنْكَارِ اللَّاحِقِ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ لِفُلَانٍ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْوَكَالَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّفَاعَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ طَلَبُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ مِنْ الشَّفِيعِ فَقَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْتهَا لَك : أَيْ لِأَجْلِ شَفَاعَتِك .
قُلْنَا : خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ ، وَسُؤَالُ التَّسْلِيمِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَرِينَةٌ فِي الشُّفْعَةِ وَلَيْسَ الْقَرِينَةُ بِمَوْجُودَةٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ( وَإِنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ آمُرْهُ أَنَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى لِأَجْلِهِ إلَيْهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ فُلَانًا الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى لِأَجْلِهِ ، وَفَاعِلُ يُسَلِّمُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا ( فَيَكُونُ بَيْعًا وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ ) أَيْ عَلَى فُلَانٍ عُهْدَةُ الْأَخْذِ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي كَالْفُضُولِيِّ إذَا اشْتَرَى لِشَخْصٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرَى لِأَجْلِهِ .
وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ .

قَالَ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا جَازَ ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ ( إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ ( وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ جَازَ ، وَإِنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً ، فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةً وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ وَالزِّيَادَةُ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ ( إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يُشْتَرَى بِمِثْلِهِ الْبَاقِي جَازَ ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يُشْتَرَى بِمِثْلِهَا الْبَاقِي لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ .

قَالَ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا إلَخْ ) وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا ( وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا جَازَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ ) عَنْ قَيْدِ شِرَائِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ ( فَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ ) أَيْ الشِّرَاءِ ( إلَّا فِيمَا لَا يُتَغَابَنُ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَ : أَيْ جَازَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ الْغَبَنَ الْفَاحِشَ بِالْإِجْمَاعِ ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ الْبَيْعَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ .
وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ .
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ جَازَ ، وَإِنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ دَلَالَةً فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ مُوَافَقَةٌ وَبِأَقَلَّ مِنْهُمَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ ، وَبِالزِّيَادَةِ مُخَالَفَةٌ إلَى شَرٍّ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا .
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْآمِرَ إذَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَزْيَدَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ ، وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ وَاشْتَرَى الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ قَبْلَ الِاخْتِصَامِ لِثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ .
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ ، فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالِانْقِسَامُ بِالسَّوِيَّةِ كَانَ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ ، وَإِذَا جَاءَ الصَّرِيحُ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ بَطَلَ الدَّلَالَةُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

وَمُحَمَّدٌ : إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْبَاقِيَ جَازَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ وَإِنْ حَصَلَ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْبَاقِيَ لِتَحْصِيلِ غَرَضِ الْآمِرِ

قَالَ ( وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينَ الْبَائِعِ ؛ وَلَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ يَجُوزُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ ( وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَالَا : هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ ) وَعَلَى هَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ .
لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ دُونِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عَلَيْك مَنْ شِئْت ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ لِلَّهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ .
وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ تَعَاطَيَا .

قَالَ ( وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ إلَخْ ) مَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا مُعَيَّنًا صَحَّ عَلَى الْآمِرِ وَلَزِمَهُ قَبْضُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ عِنْدَ الْمَأْمُورِ ، لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينُ الْبَائِعِ ، وَلَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ جَازَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ، فَكَذَا إذَا عَيَّنَ الْمَبِيعَ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا : هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يُسْلِمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَمَنْ يَعْقِدُ بِهِ عَقْدَ الصَّرْفِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ ( لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ ) وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَانَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ ، لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقَ بِمَا لِي عَلَيْك عَلَى الْمَسَاكِينِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بَطَلَتْ ) وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا قَبَضَ الدَّنَانِيرَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِهَا ثُمَّ نَقَدَ

دَنَانِيرَ الْمُوَكِّلِ فَالطَّعَامُ لِلْوَكِيلِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِدَنَانِيرِ الْمُوَكِّلِ .
وَالْمَسْأَلَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ فِي الْوَكَالَةِ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ لَا تَفْصِلُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ، وَالْأُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ تَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْكُتُبِ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هَذَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ ، وَأَمَّا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَلَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ .
وَقَالَ : قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الزِّيَادَاتِ : رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ دِرْهَمَ جَارِيَةً وَأَرَاهُ الدَّرَاهِمَ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى سُرِقَتْ الدَّرَاهِمُ ، ثُمَّ اشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ .
ثُمَّ قَالَ : وَالْأَصْلُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَاتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِلَا خِلَافٍ ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الشِّرَاءِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَكَذَا فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ .
وَأَمَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ هَلْ تَتَعَيَّنُ ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : تَتَعَيَّنُ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ ثُمَّ قَالَ : وَفَائِدَةُ النَّقْلِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ تَأَقُّتُ بَقَاءِ الْوَكَالَةِ بِبَقَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمَنْقُودَةِ ، وَهَذَا قَوْلٌ مِنْهُمْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ التَّوَقُّتُ بِبَقَائِهَا وَقَطْعُ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَجَبَ لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : فَعَلَى هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ حَدَثُوا بَعْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمِائَتَيْ سَنَةٍ

.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، فَلَعَلَّ اعْتِمَادَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ التَّقْيِيدِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ .
ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : إنَّمَا قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِهِ ، وَنُقِلَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْأَلَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .
وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا : لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، بَلْ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ فَيَقُومُ مِثْلُهَا مَقَامَهَا فَتَصِيرُ كَأَنَّ عَيْنَهَا بَاقِيَةٌ ، فَذَكَرَ الِاسْتِهْلَاكَ لِبَيَانِ تَسَاوِيهِمَا فِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِهِمَا ( قَوْلُهُ وَإِذَا تَعَيَّنَتْ ) هُوَ تَتِمَّةُ الدَّلِيلِ .
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْقَبْضِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَيْنٌ مَثَلًا فَاشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ آخَرَ شَيْئًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ ( أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفٍ ) أَيْ بِدَفْعِ ( مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَذَلِكَ ) لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ، فَكَانَ مَا أَدَّى الْمَدْيُونُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ مِلْكَ الْمَدْيُونِ ، وَلَا يَمْلِكُهُ الدَّائِنُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْأَمْرُ بِدَفْعِ مَا لَيْسَ بِمِلْكِهِ ( بَاطِلٌ ) وَصَارَ ( كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك مَنْ شِئْت ) فَإِنَّهُ بَاطِلٌ

لِأَنَّهُ أَمَرَ بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ إلَّا بِالْقَبْضِ إلَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْمَدْيُونُ بِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعَ ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ عَيَّنَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلْآمِرِ ( لِأَنَّهُ يَصِيرُ ) الْبَائِعُ أَوَّلًا ( وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ ) وَذَلِكَ لَيْسَ بِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَمْ يُقْبَضْ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ أَوْ لَا لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ هَاهُنَا لِكَوْنِهِ بَيْعًا بِشَرْطٍ وَهُوَ أَدَاءُ الثَّمَنِ عَلَى الْغَيْرِ ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى الْآمِرِ بِالتَّصَدُّقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي سِيَاقِ دَلِيلِهِمَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ ( وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ ) رُجُوعٌ إلَى أَوَّلِ الْبَحْثِ : يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْلَمْ بَائِعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ ، فَإِذَا هَلَكَ عِنْدَهُ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ لَكِنْ إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ عَنْهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي ، فَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ .

قَالَ ( وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ ، فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَمْرُ تَنَاوَلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا فَيَضْمَنُ .
قَالَ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ ) أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَلِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ فِي هَذَا يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ .
ثُمَّ يُفْسَخُ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ .

قَالَ ( وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا إلَخْ ) رَجُلٌ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي الْأَلْفَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ ، وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ خَالَفَ إلَى شَرٍّ حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْآمِرُ تَنَاوَلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا فَيَضْمَنُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَلِلْمُخَالَفَةِ إلَى شَرٍّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَى قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ يَتَحَالَفَانِ وَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا قِيلَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ الْآمِرَ سَوَاءٌ قَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ كَانَ مُوَافِقًا لِلْآمِرِ ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ كَانَ مُخَالِفًا إلَى خَيْرٍ وَذَلِكَ يَلْزَمُ الْآمِرَ ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا فِي هَذَا أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ يُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِلْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ ، فَإِذَا تَحَالَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ الْحُكْمِيُّ بَيْنَهُمَا وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ ، وَفِيهِ مُطَالَبَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ اُعْتُبِرَتْ الْمُخَالَفَةُ وَالْأَمَانَةُ ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ وَالْمُبَادَلَةُ ، فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ سَبَقَتْ الْأَمَانَةُ الْمُبَادَلَةَ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ ،

بِخِلَافِ الثَّانِي .

قَالَ ( وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمَأْمُورَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ ) قِيلَ لَا تَحَالُفَ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ ، إذْ هُوَ حَاضِرٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ ، فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ ، وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ ذَكَرَ مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَقَبْلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَبْقَى الْخِلَافُ ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَظْهَرُ .

قَالَ ( وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ إلَخْ ) وَإِذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْوَكِيلَ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ .
قِيلَ لَا تَحَالُفَ هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْبَائِعِ رَفَعَ الْخِلَافَ فَيُجْعَلُ تَصَادُقُهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ أَنْشَأَهُ لَزِمَ الْآمِرَ فَكَذَا هَاهُنَا ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْبَائِعَ ثَمَّةَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ لِعَدَمِ مَا يَرْفَعُهُ ( وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ كَمَا ذَكَرْنَا ) فَإِنْ قِيلَ : الْمَذْكُورُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ وَالتَّحَالُفُ يُخَالِفُهُ .
أَجَابَ بِقَوْلِهِ ( وَقَدْ ذَكَرَ ) يَعْنِي مُحَمَّدًا ( مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ ) لِأَنَّ الْبَائِعَ وَهُوَ الْوَكِيلُ مُدَّعٍ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ .
وَأَمَّا الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُوَكِّلُ فَمُنْكِرٌ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ ، فَلَمَّا كَانَ يَمِينُ الْوَكِيلِ هُوَ الْمُخْتَصَّ بِالتَّحَالُفِ كَانَتْ أَعْظَمَ الْيَمِينَيْنِ فَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُدَّعِي فَعَلَى الْمُنْكِرِ أَوْلَى ( قَوْلُهُ وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَقَبْلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذْ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُعْتَبَرًا فَبَقِيَ الْخِلَافُ وَالتَّحَالُفُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ وَهُوَ أَظْهَرُ ) قَالَ فِي الْكَافِي : وَهُوَ الصَّحِيحُ .

( فَصْلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ ) : قَالَ ( وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ : اشْتَرِ لِي نَفْسِي مِنْ الْمَوْلَى بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ ، فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ لِلْمَوْلَى : اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْحُقُوقَ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ ، وَإِذَا كَانَ إعْتَاقًا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ ( وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي ) لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَيُحَافِظْ عَلَيْهَا .
بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ مُتَعَيَّنٌ ، وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ ( وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى ) ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ ( وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ ) ثَمَنًا لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ هُنَاكَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ ، وَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَاقِدِ ، أَمَّا هَاهُنَا فَأَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعَقِّبٌ لِلْوَلَاءِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ وَيَرْغَبُ فِي الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ

لَمَّا كَانَ شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ إعْتَاقًا لَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَسَائِلِ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ .
وَالتَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَنْ يُوَكِّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى .
وَأَنْ يُوَكِّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَالْعَبْدُ فِي الْأَوَّلِ مُوَكِّلٌ وَفِي الثَّانِي وَكِيلٌ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُهُمَا بِجَعْلِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ بَدَلًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَجَعْلِ الْمَصْدَرِ مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا مَتْرُوكٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فِي تَوْكِيلِ الْعَبْدِ رَجُلًا أَوْ فِي تَوْكِيلِ الْعَبْدِ رَجُلٌ .
قَالَ ( وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ إلَخْ ) إذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَوْلَى اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ، فَإِنْ عَيَّنَهُ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى ، أَمَّا أَنَّهُ حُرٌّ فَلِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُعْتِقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ ، لِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولٌ مِنْهُ لِلْعِتْقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ حَيْثُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ وَالْحُقُوقُ لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ ، وَأَمَّا أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ إعْتَاقًا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي ، لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْحَقِيقَةُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ ، وَقَدْ أَمْكَنَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَيُحَافِظُ اللَّفْظُ عَلَى الْحَقِيقَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ

بِالْحَقِيقَةِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ .
فَالْجَوَابُ سَيَأْتِي بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ تَعَذَّرَتْ ثَمَّةَ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ ، وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ أُخْرَى ثَمَنًا لِلْعَبْدِ ، فَإِنَّهُ أَيْ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَمْ يَصِحَّ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ : وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْعَبْدِ نَفْسِهِ حَتَّى عَتَقَ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى ؟ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَفِيمَا إذَا بَيَّنَ الْوَكِيلُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْعَبْدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى ؟ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ .
قُلْت : وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ شِرَاءَ نَفْسِهِ قَبُولَهُ الْإِعْتَاقَ بِبَدَلٍ ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى كَانَ إعْتَاقًا بِلَا بَدَلٍ ، وَهَذَا ( بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ ) يَعْنِي أَنْ يُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ أَجْنَبِيًّا بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلَاهُ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ وَقْتَ الشِّرَاءِ اشْتَرَيْته لِمُوَكِّلِي لِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لِلْمُوَكِّلِ ، لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ : يَعْنِي الَّذِي يَقَعُ لَهُ وَاَلَّذِي لِلْمُوَكِّلِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ ، وَفِي الْحَالَيْنِ : أَيْ حَالِ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ وَالْإِضَافَةِ إلَى مُوَكِّلِهِ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ نَحْوَ الْعَاقِدِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ ، أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إعْتَاقٌ يَعْقُبُ الْوَلَاءَ وَلَا مُطَالَبَةَ فِيهِ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ : أَيْ لَا يَرْضَى الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ

الْوَلَاءَ وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَالْآخَرُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ ، وَالْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ يَرْغَبُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ ، وَشَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَسَى بِكَادَ فَاسْتَعْمَلَهُ اسْتِعْمَالَهُ .
وَقَوْلُهُ ( وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ ) هُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْعِتْقِ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْوَكِيلِ .
وَذَكَرَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ الْمَأْذُونَ وَالْمُكَاتَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ وَالْمَالُ عَلَى الْوَكِيلِ .
وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي وَكَالَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ تَوَكُّلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ كَتَوَكُّلِهِ بِشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ ، وَهُنَاكَ يَصِيرُ هُوَ الْمُطَالَبَ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَكَذَا هَاهُنَا .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِي عِتْقِهِ سَفِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْآمِرِ وَلَيْسَ إلَيْهِ مِنْ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ .

( وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْبَائِعُ الْحَبْسَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ .
الْعَقْدُ لِلْآمِرِ .
( وَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ ( وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ .

قَالَ ( وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك إلَخْ ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ .
وَمَنْ وَكَّلَ عَبْدًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فَالْعَقْدُ أَوْ الْعَبْدُ لِلْآمِرِ ، لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ لِأَنَّهَا لِمَوْلَاهُ ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَهُ عِبَارَةٌ مُلْزِمَةٌ كَالْحُرِّ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ فَكَانَ تَوْكِيلُهُ بِشِرَائِهَا كَتَوْكِيلِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمَوْلَى وَكَتَوْكِيلِ أَجْنَبِيٍّ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ ( إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ ) يَعْنِي هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ إلَّا أَنَّهَا بِيَدِهِ ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَالْمُودَعِ إذَا اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ وَهِيَ بِحَضْرَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ احْتِبَاسُهَا لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا مُسَلَّمَةً إلَيْهِ .
فَإِنْ قُلْت : الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يَصِيرُ تَسْلِيمًا يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ كَمَا قُلْنَا فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّهُ لَيْسَ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْحَبْسِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا مَرَدَّ لَهُ ، وَكَوْنُ قَبْضِ الْوَكِيلِ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَكَوْنُهَا بِيَدِهِ كَذَلِكَ ، وَقَبْضُ الْوَكِيلِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا مَرَدَّ لَهُ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ .
وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ : الْقَبْضُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ إذَا قَامَ بِمَكَانٍ لَا يُجْعَلُ فِي غَيْرِهِ إلَّا بِالِاعْتِبَارِ ، وَجَازَ تَرْكُ الِاعْتِبَارِ إذَا

اقْتَضَاهُ ضَرُورَةً ، وَأَمَّا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ نَفْسِهِ ، فَإِذَا خَرَّجَ نَفْسَهُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَالِيَّتِهِ لَا تَنْفَكُّ سُلِّمَتْ إلَيْهِ ، وَلَا حَبْسَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَوْلُهُ فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ ) نَتِيجَةُ الدَّلِيلِ .
وَتَقْرِيرُهُ : الْعَبْدُ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ ، وَكُلُّ مَنْ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ مَالٍ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا ، فَالْعَبْدُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى حُرٍّ تَوَكَّلَ بِشَيْءٍ وَفَعَلَهُ .
وَقَوْلُهُ ( فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ إنَّمَا تُفِيدُهُ الْمِلْكَ إذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمَوْلَى وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْعَبْدِ بِعْنِي نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ بِعْت لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ حَتَّى يَقُولَ الْعَبْدُ قَبِلْت بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ كَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ مُقَدَّرٍ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَيَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت مَسْبُوقًا بِقَوْلِ الْعَبْدِ بِعْنِي نَفْسِي .
فَإِنْ قُلْت إذَا أَضَافَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَمَنْ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ الْعَاقِدَ .
فَإِنْ قُلْت : قَدْ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجْرَ زَالَ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ مَعَ مَوْلَاهُ فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ إذْنٌ ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي مِنِّي فَقَالَ الْمَوْلَى بِعْت فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْعَبْدُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ

شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَكَانَ مُخَالِفًا فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ : الِامْتِثَالَ وَغَيْرَهُ ، فَلَا يُجْعَلُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّصَرُّفِ أَنْ يَقَعَ عَمَّنْ بَاشَرَهُ ، وَعُورِضَ بِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى مَجَازِهِ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَلْبَتَّةَ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَقِيقَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ قَرِينَةٌ لِلْمَجَازِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ إضَافَةُ الْعَبْدِ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ وَرَضِيَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ .
لَا يُقَالُ : فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ صَحِيحًا .
لِأَنَّا نَقُولُ : الِاحْتِمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْكَارَ وَالتَّرْجِيحَ مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إلَى نَفْسِهِ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ .

( فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ ) قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا : يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ إذْ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ .
وَلَهُ أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ ، وَهَذَا مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ ، وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ .

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الشِّرَاءِ بِأَنْوَاعِهِ ذَكَرَ أَحْكَامَ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَمَا ذُكِرَ لِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ ثَمَّةَ فَهُوَ وَجْهُ تَأْخِيرِ فَصْلِ الْبَيْعِ .
قَالَ ( الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ إلَخْ ) إذَا وَكَّلَ شَخْصًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ بِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ التَّقْيِيدِ بِعُمُومِ الْمُشَبَّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ( وَقَالَا : يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ ) وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ مِنْهُمْ بِغَبَنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ .
وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا فَكَانَ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مُلْحَقًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْأَقْوَالِ قَبْلَ الدَّلَائِلِ فَنَقُولُ : عَقْدُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا فِي الشِّرَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَعَكْسُهُ غَيْرُ جَائِزٍ كَذَلِكَ ، وَبِغَبَنٍ يَسِيرٍ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَعَلَى مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا ، وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ، غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ وَالْبُيُوعِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ جَائِزٌ .
إذَا عُرِفَ هَذَا فَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فِي جَانِبِهِمَا قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ : أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَخْصٍ دُونَ آخَرَ وَالْمُطْلَقُ يُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِ فَكَانَ الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفٍ ، لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ التُّهْمَةُ وَلَا تُهْمَةَ هَاهُنَا ، لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَيْثُ إيثَارُ

الْعَيْنِ أَوْ الْمَالِيَّةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ حَيْثُ يَحِلُّ لِلِابْنِ وَطْءُ جَارِيَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ مُتَبَايِنًا عَنْ مِلْكِ أَبِيهِ لَكَانَتْ جَارِيَتُهُ مُشْتَرَكَةً ، وَلَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَارِيَةِ أَبِيهِ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّ تَبَايُنَ الْأَمْلَاكِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الْمَنَافِعِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ يَنْفِيهِ ، وَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ كَمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ عَبْدِهِ : يَعْنِي الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ ، لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ ، وَالْبَيْعُ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ كَانَ مُسْتَزِيدًا مُسْتَنْقِصًا قَابِضًا مُسْلِمًا مُخَاصِمًا فِي الْعَيْبِ ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ التَّقَابُلِ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ قِيَامُ مُقَابِلِيهِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي أَكْسَابِ الْمُكَاتَبِ حَتَّى لَا تَصِحَّ تَبَرُّعَاتُهُ وَلَا تَزْوِيجُ عَبْدِهِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ : يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ ، لَكِنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْوَكَالَاتِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْإِعَانَةِ فَكَانَتْ مَوْضِعَ أَمَانَةٍ ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هَاهُنَا بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ تُهْمَةُ إيثَارِ الْعَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَجْوِيزِ بَيْعِ الْمُضَارِبِ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ظَهَرَ الرِّبْحُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مَعَ أَنَّ لَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ حُكْمَ الْوَكِيلِ ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَعَمُّ تَصَرُّفًا مِنْ الْوَكِيلِ ، فَقَدْ يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ

عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ ، كَمَا إذَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا فَجَازَ أَنْ يَجُوزَ تَصَرُّفُهُ مَعَ هَؤُلَاءِ نَظَرًا إلَى جِهَةِ اسْتِبْدَادِهِ ، وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالصَّرْفُ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ عَرَى عَنْهَا غَيْرُهُ فَكَانَ مِمَّا يُوهِمُ جَوَازَهُمَا مَعَ هَؤُلَاءِ ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا كَهُوَ فِيمَا سِوَاهُمَا كَذَا قِيلَ .

قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَا : لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا ، وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجُمْدِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ .
وَلَهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ ، وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ وَالتَّبَرُّمِ مِنْ الْعَيْنِ ، وَالْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ وَأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِهِ ، غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ مَعَ أَنَّهُ بَيْعٌ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَر فِيهِ ، وَالْمُقَايَضَةُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .

قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرْضِ ) الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَبِعَرْضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا : لَا يَجُوزُ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ وَلَا بِغَيْرِ النُّقُودِ ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ عُرْفًا ، إذْ التَّصَرُّفَاتُ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا ، وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ بِأَيَّامِ الْبَرْدِ ، وَبِالْجَمْدِ بِسُكُونِ الْمِيمِ : مَا جَمَدَ مِنْ الْمَاءِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ ، تَسْمِيَةٌ لِلِاسْمِ بِالْمَصْدَرِ بِأَيَّامِ الصَّيْفِ ، وَبِالْأُضْحِيَّةِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهَا ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَلِهَذَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِهِ ، وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ إخْرَاجَ السِّلْعَةِ مِنْ الْمِلْكِ بَيْعٌ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ السِّلْعَةِ فِي الْمِلْكِ شِرَاءٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ لَكِنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ ( قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ بِالْغَبَنِ ) تَنْزِلُ فِي الْجَوَابِ : يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ ، لَكِنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبَنِ أَوْ بِالْعَيْنِ : أَيْ الْعَرْضِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ لِتِجَارَةٍ رَابِحَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا ، وَعِنْدَ التَّبَرُّمِ مِنْ الْعَيْنِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالَى بِقِلَّةِ الثَّمَنِ وَكَثْرَتِهِ ، فَكَانَ

الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ ، بَلْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ مَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ فَيَنْدَفِعُ نِزَاعُهُ أَوْ تَظْهَرُ مُكَابَرَتُهُ .
وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهِيَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَالْبَيْعُ بِالْغَبَنِ أَوْ الْعَيْنِ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ بِالْغَبَنِ أَوْ الْعَيْنِ فَلَمَّا جَعَلَ هَذَا بَيْعًا مُطْلَقًا فِي الْيَمِينِ جَعَلَ فِي الْوَكَالَةِ كَذَلِكَ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْعُرْفِ فِي الْيَمِينِ فِي نَوْعِ جَرَيَانِهِ فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا قَدِيدًا حَنِثَ ، وَفِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ لَحْمًا قَدِيدًا وَقَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْآمِرِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى لَحْمٍ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ .
وَالْقَدِيدُ لَا يُبَاعُ فِيهَا عَادَةً فَلَا يَقَعُ التَّوْكِيلُ عَلَيْهِ ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي حَقِّهِمَا فَاخْتَلَفَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ .
وَأَمَّا الْبَيْعُ بِالْغَبَنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَيْعًا حَقِيقَةً وَعُرْفًا ، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُرْفًا فَيُقَالُ بَيْعٌ رَابِحٌ وَبَيْعٌ خَاسِرٌ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَلَكَهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ .
أَجَابَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ كَلَامَنَا فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِالْبَيْعِ وَهُمَا لَيْسَا مَأْمُورَيْنِ .
سَلَّمْنَا ذَلِكَ ، لَكِنْ لَيْسَ أَمْرُهُمَا مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ بَلْ هِيَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ حَدِّ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مُبَادَلَةُ

الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ .
وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْبَيْعُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْرَاجِ مِلْكِهِ مُتَوَصِّلًا بِهِ إلَى تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ لَهُ ، وَالشِّرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ مُتَوَصِّلًا إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ مِلْكِهِ ، وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ ، فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يُطْلَقَانِ عَلَى عَقْدٍ شَرْعِيٍّ يَرِدُ عَلَى مَجْمُوعِ مَالَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِطْلَاقِ لَفْظٍ يَخُصُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ، فَيَسْقُطُ مَا قِيلَ إذَا كَانَ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِيمَا إذَا رَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَانِبَ الْبَيْعِ ، وَمَا قِيلَ إذَا كَانَ شِرَاءً كُلُّ وَجْهٍ كَانَ الْوَكِيلُ بِهِ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ بِالِاتِّفَاقِ ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُقَايَضَةُ إلَّا إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعَرْضِ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ يَسِيرًا كَمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَطْلَقَ فِي تَوْكِيلِهِ الْبَيْعَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ بِالصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالْأَقَلِّ أَصْلًا لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالنَّصِّ فَكَذَا وَكِيلُهُ ، فَعَلَيْك بِهَذَا وَتَطْبِيقِهِ عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ مُلَاحِظًا بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ تَحْمَدْ الْمُتَصَدِّي لِتَلْفِيقِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا ، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ ، حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ فَلَا تَتَمَكَّنُ هَذِهِ التُّهْمَةُ ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ الْعَقْدُ .
قَالَ ( وَاَلَّذِي لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ، وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ " الإل نيم " وَفِي الْحَيَوَانَاتِ " الإل يازده " وَفِي الْعَقَارَاتِ " الإل دوازده " ) لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَوَّلِ وَيَقِلُّ فِي الْأَخِيرِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْأَوْسَطِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ .

قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ إلَخْ ) الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَالْغَبَنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْفَاحِشِ ، لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَوْ قَدْ وَجَدَهُ خَاسِرًا أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ ، حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ .
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ قَالُوا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : يُتَحَمَّلُ فِيهِ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ لَا الْفَاحِشُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يُتَحَمَّلُ فِيهِ الْيَسِيرُ أَيْضًا ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَ مُوَكِّلَهُ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ وَلَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ هَذِهِ التُّهْمَةُ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُطْلِقُ الْعَقْدَ حَيْثُ يَقُولُ اشْتَرَيْت وَلَا يَقُولُ لِفُلَانٍ .
ثُمَّ بَيَّنَ الْغَبَنَ الْيَسِيرَ وَالْفَاحِشَ فَقَالَ ( وَاَلَّذِي لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ) فَيَكُونُ مُقَابِلُهُ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا التَّحْدِيدُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي الْبَلَدِ كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ ، فَأَمَّا مَا لَهُ ذَلِكَ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا فَزَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ كَالْفَلْسِ مَثَلًا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ، إذْ الدَّاخِلُ تَحْتَهُ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَقْوِيمِهِمْ ، وَلَا حَاجَةَ هَاهُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ .
وَقِيلَ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ .
وَقِيلَ الْفَاحِشُ ، وَيُسَاعِدُهُ سَوْقُ الْكَلَامِ فِي الْعُرُوضِ " الإل نيم " وَفِي الْحَيَوَانَاتِ " الإل يازده " وَفِي الْعَقَارِ " الإل دوازده " فَإِذَا كَانَ

الْغَبَنُ إلَى هَذَا الْمَبْلَغِ كَانَ يَسِيرًا لَزِمَ الْآمِرَ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ الْوَكِيلَ ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْغَبَنَ يَزِيدُ بِقِلَّةِ التَّجْرِبَةِ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَتِهَا ، وَقِلَّتُهَا وَكَثْرَتُهَا بِقِلَّةِ وُقُوعِ التِّجَارَاتِ وَكَثْرَتِهِ ، وَوُقُوعُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَثِيرٌ وَفِي الْأَخِيرِ قَلِيلٌ وَفِي الْأَوْسَطِ مُتَوَسِّطٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ نِصَابٌ تَقَعُ بِهِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فَجُعِلَ أَصْلًا ، وَالدِّرْهَمُ مَالٌ يُحْبَسُ لِأَجْلِهِ فَقَدْ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْمُمَاكَسَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيمَا كَثُرَ وُقُوعُهُ يَسِيرًا ، وَالنِّصْفُ مِنْ النَّصَفَةِ فَكَانَ يَسِيرًا وَضُوعِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوُقُوعِ ، فَمَا كَانَ أَقَلَّ وُقُوعًا مِنْهُ اُعْتُبِرَ ضِعْفُهُ ، وَكَانَ أَقَلَّ مِنْ الْأَقَلِّ اُعْتُبِرَ ضِعْفُ ضِعْفِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُ فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ أَوْلَى ( وَقَالَا : لَا يَجُوزُ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ ( إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ ، فَإِذَا بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً ، وَإِذَا لَمْ يَبِعْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَا يَجُوزُ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا .

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَ نِصْفَهُ إلَخْ ) وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَاسْتَوْضَحَ بِقَوْلِهِ : أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ جَازَ عِنْدَهُ ، فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ أَوْلَى .
وَقَالَا : لَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَبَيْعُ النِّصْفِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا ، لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى التَّفْرِيقِ ، فَإِذَا بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَا يَجُوزُ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا ، فَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ آنِفًا فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ .
وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التُّهْمَةَ فِي الشِّرَاءِ مُتَحَقِّقَةٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ .
وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِطْلَاقُ فَيَمْلِكُ بَيْعَ الْعَبْدِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِهِ ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ : أَيْ إطْلَاقُ الْأَمْرِ وَتَقْيِيدُهُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ ، وَالْعُرْفُ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ جُمْلَةً .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِالشِّرَاءِ ، وَقَدْ قَالَ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي ذَلِكَ ،

وَلَكِنَّهُ صَحَّ بِحَدِيثِ { حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ } ، وَإِذَا صَحَّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ فَجَعَلْنَاهُ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ وَصَرَفْنَاهُ إلَى الْمُتَعَارَفِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَلَوْ عَمِلْنَا بِإِطْلَاقِهِ كَانَ ذَلِكَ إبْطَالًا لِلْقِيَاسِ وَالْعُرْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْإِعْمَالُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى .

( وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ كَانَ مَوْرُوثًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا شِقْصًا ، فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الْبَيْعَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ .
وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الشِّرَاءِ تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ عَلَى مَا مَرَّ .
وَآخَرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ .

قَالَ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثْ مِثْلُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْآمِرِ ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ .
وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا لَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِظُهُورِ التَّارِيخِ ، أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الْأَطِبَّاءُ ، وَقَوْلُهُنَّ وَقَوْلُ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا فِي الرَّدِّ ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى رَدٍّ وَخُصُومَةٍ .
قَالَ ( وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ ، وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ .
قَالَ ( فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ لَزِمَ الْمَأْمُورَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِإِمْكَانِهِ السُّكُوتَ وَالنُّكُولَ ، إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيُلْزِمَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ ثَالِثُهُمَا ، وَالرَّدُّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي ، غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ الْإِقْرَارُ ، فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ ، وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا

بِحُجَّةٍ ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْحَقُّ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ ثُمَّ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الرَّدُّ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا .

قَالَ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ إلَخْ ) وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ ؛ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا وَالْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحُجَّةِ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ إقْرَارٍ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَعَايَنَ الْبَيْعَ فَيُعْلَمُ التَّارِيخُ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ لِلرَّدِّ إلَيْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لَا لِلْقَضَاءِ بَلْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْبَيْعَ قَدْ يُشْتَبَهُ تَارِيخُهُ فَيَحْتَاجُ إلَيْهَا لِظُهُورِهِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ الْعَيْبُ ظَاهِرًا كَالْقَرْنِ فِي الْفَرْجِ وَالْمَرَضِ الدَّقِّ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ الْأَطِبَّاءِ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ ، وَالرَّدُّ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ أَوْ الطَّبِيبِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحُجَّةِ ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى رَدٍّ وَخُصُومَةٍ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي ، وَالْفَسْخُ بِالْحُجَّةِ الْكَامِلَةِ عَلَى الْوَكِيلِ فَسْخٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ كَانَ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ ، فَإِنْ رَدَّهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ : أَيْ كَامِلَةٌ فَتَتَعَدَّى ، وَالْوَكِيلُ فِي النُّكُولِ مُضْطَرٌّ لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ ، وَإِنْ رَدَّهُ بِإِقْرَارٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ السُّكُوتُ أَوْ الْإِنْكَارُ حَتَّى تُعْرَضَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيُقْضَى بِالنُّكُولِ ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ

الْمُوَكِّلَ فَيَلْزَمَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي ، غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ وَهِيَ الْإِقْرَارُ قَاصِرَةٌ ، فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ ، وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ لَا يَلْزَمُهُ ، وَهَذِهِ فَائِدَةُ الْحَاجَةِ إلَى الْقَضَاءِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَيَسْقُطُ مَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يَقْبَلُهُ لَا مَحَالَةَ .
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَكَانَ رَدُّهُ بِإِقْرَارٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ آمِرَهُ ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا انْتَقَلَ إلَى الْوَكِيلِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ قَدْ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ حَيْثُ فَسَخَ وَاسْتَرَدَّ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ .
وَالْبَائِعُ : أَيْ الْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا .
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ وَالرَّدُّ بِإِقْرَارٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ بِغَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةِ بُيُوعِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيِّنٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إنْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَيْهِ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ .
وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ ، وَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُخَاصِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ .
وَقَوْلُهُ الرَّدُّ مُتَعَيِّنٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ تَمَّ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ صُورَةَ الرَّدِّ بِالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ لِعَدَمِ تَأَتِّيهِمَا لَدَى عَدَمِ الْقَضَاءِ .

قَالَ ( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ ) ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ .
قَالَ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِذِكْرِ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ فَقَامَتْ دَلَالَةُ الْإِطْلَاقِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْإِطْلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا فَنَزَلَ إلَى الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَنْتَظِمُهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ وَالْوَجْهُ قَدْ تَقَدَّمَ .

قَالَ ( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ إلَخْ ) إذَا اخْتَلَفَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فِي إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ وَتَقْيِيدِهِ فَقَالَ الْآمِرُ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بَلْ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ ، وَمَنْ يُسْتَفَادُ الْأَمْرُ مِنْ جِهَتِهِ أَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ ، إلَّا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ مَا يُخَالِفُ مُدَّعَاهُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْيِيدِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ التَّقْيِيدِ ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَقُلْ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا الشَّيْءِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِبَيْعِهِ ؛ وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِمَالِي أَوْ فِي مَالِي لَا يَمْلِكُ إلَّا الْحِفْظَ فَلَيْسَ فِي الْعَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مُدَّعَاهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ ؛ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَ فِي الْبَزِّ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْت إلَيَّ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنَّ فِي الْعَقْدِ مَا يُخَالِفُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِذِكْرِ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْإِطْلَاقِ قَائِمَةً ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْإِطْلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا فَنَزَلَ إلَى الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ وَفِيهَا الْقَوْلُ لِلْآمِرِ كَمَا مَرَّ آنِفًا ( ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَنْتَظِمُهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ ) مُتَعَارَفٍ ، عِنْدَ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ فِيهَا كَالْبَيْعِ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ

بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ ، ( وَالْوَجْهُ ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( تَقَدَّمَ ) فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرْضِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا

قَالَ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتَوِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تُوثَقُ بِهِ ، وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ نِيَابَةً وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخْذِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ أَصَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْهُ .( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتْوَى الْمَالُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) قِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هَاهُنَا الْحَوَالَةُ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْأَصِيلَ لَا يَبْرَأُ .
وَقِيلَ بَلْ هِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا ، وَالتَّوَى فِيهَا بِأَنْ يَمُوتَ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ مُفْلِسَيْنِ ، وَقِيلَ التَّوَى فِيهَا هُوَ أَنْ يَأْخُذَ كَفِيلًا وَيَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَيَحْكُمَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَمُوتُ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تُوثَقُ بِهِ ، وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَهَلَكَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا قَبَضَ بَدَلَهُ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَخَذَ بِالدَّيْنِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ نِيَابَةً حَتَّى إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ صَحَّ نَهْيُهُ وَقَدْ اسْتَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ الثَّمَنَ أَصَالَةً لَا نِيَابَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْ الْقَبْضِ .

( فَصْلٌ ) قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ ) وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا ، وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي .
قَالَ ( إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغْبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَالرَّأْيُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا لِتَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ

فَصْلٌ ) وَجْهُ تَأْخِيرِ وَكَالَةِ الِاثْنَيْنِ عَنْ وَكَالَةِ الْوَاحِدِ ظَاهِرٌ طَبْعًا وَوَضْعًا ( وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِكَلَامَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ حَيْثُ وَكَّلَهُمَا مُتَعَاقِبًا وَإِنْ كَانَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُمَا الْأَحْكَامُ أَوْ أَحَدُهُمَا صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ مَحْجُورٌ ، إنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إذَا قَالَ وَكَّلْتُكُمَا بِبَيْعِ كَذَا أَوْ بِخُلْعِ كَذَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ ( قَوْلُهُ وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا قَدَّرَ الْمُوَكِّلُ الْبَدَلَ فَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الرَّأْيِ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَدَلَ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا لَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهُ فِي الزِّيَادَةِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنُ وَيَخْتَارَانِ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ أَدَاءً لِلثَّمَنِ .
وَقَوْلُهُ ( إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ : يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْوَكِيلَيْنِ لَا يَتَصَرَّفُ بِانْفِرَادِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ إلَّا فِي الْخُصُومَةِ ، فَإِنَّ تَكَلُّمَهُمَا فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَيْهَا مُتَعَذِّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ .
وَقَوْلُهُ ( وَالرَّأْيُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا ) إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ دُونَ صَاحِبِهِ ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ وَالْمُوَكِّلُ رَضِيَ

بِرَأْيِهِمَا .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الرَّأْيَيْنِ يَحْصُلُ فِي تَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ سَابِقًا عَلَيْهَا فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ .

( قَالَ : أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ) ( أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ ، وَعِبَارَةُ الْمَثْنَى وَالْوَاحِدُ سَوَاءٌ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا فَاعْتَبَرَهُ بِدُخُولِهِمَا .

وَقَوْلُهُ ( أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ) وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى .
فَإِذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُطَلِّقَ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَكَذَا بِالْعِتْقِ الْمُفْرَدِ ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ ، وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى وَالْوَاحِدِ فِيهِ سَوَاءٌ ؛ وَلَوْ كَانَتْ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْقَبْضِ وَهُوَ مُمْكِنٌ ، وَلِلْمُوَكَّلِ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ أَنْفَعُ ، فَإِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا كَانَ قَابِضًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَبْضِ النِّصْفِ إذَا كَانَ مَعَ صَاحِبِهِ .
وَأَمَّا مُنْفَرِدًا فَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ .
قَوْلُهُ ( وَهَذَا ) أَيْ جَوَازُ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا ، أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا ، لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ ) كَمَا مَرَّ ، وَإِذَا كَانَ تَمْلِيكًا صَارَ التَّطْلِيقُ مَمْلُوكًا لَهُمَا فَلَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآخَرِ .
قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى إيقَاعِ نِصْفِ تَطْلِيقَةٍ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْإِبْطَالُ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ الْإِبْطَالِ مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ التَّطْلِيقُ ، فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِهِمَا الدَّارَ ، فَإِنَّ بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، فَكَذَا هَاهُنَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَفِي قَوْلِهِ طَلِّقَاهَا أَيْضًا مُعَلَّقٌ بِفِعْلِهِمَا ،

وَيَقَعُ بِإِيقَاعِ أَحَدِهِمَا .
أُجِيبَ بِالْمَنْعِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ حَرْفَ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ شِئْتُمَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَاجْعَلْهُ مِثْلَ قَوْلِهِ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا مُفَوِّضًا إلَى رَأْيِهِمَا .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى الرَّأْيِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ .

قَالَ ( وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ ) لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ .
قَالَ ( إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ ) لِوُجُودِ الرِّضَا ( أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ) لِإِطْلَاقِ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ ، وَإِذَا جَازَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي .

قَالَ ( وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ إلَخْ ) وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ ، وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ ، ( قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ ) وَفِيهِ تَشْكِيكٌ ، وَهُوَ أَنَّ تَفَاوُتَ الْآرَاءِ مُدْرَكٌ بِيَقِينٍ وَإِلَّا لَمَا جَازَ التَّعْلِيلُ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَقْوَى رَأْيًا مِنْ الْأَوَّلِ .
وَأَيْضًا الرِّضَا بِرَأْيِ الْوَكِيلِ وَرَدُّ تَوْكِيلِهِ تَنَاقُضٌ ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقْوَى رَأْيًا أَوْ قَوِيَّهُ فِي رَأْيِ الْأَوَّلِ لَمَا وَكَّلَهُ ، فَرَدُّ تَوْكِيلِهِ مَعَ الرِّضَا بِرَأْيِهِ مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقُوَّةِ فِي الرَّأْيِ لِمَا يَكُونُ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُوَكِّلِ ، وَحَيْثُ اخْتَارَهُ لِلتَّوْكِيلِ مِنْ بَيْنِ مَنْ يَعْرِفُهُ بِالرَّأْيِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ ، الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَا ثَمَّةَ مَنْ يَفُوقُهُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَقَبُولُ تَوْكِيلِهِ حِينَئِذٍ مُنَاقِضٌ لِظَنِّهِ فَلَا يَجُوزُ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ ، فَإِنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ يَقُولُ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ أَوْ أَطْلَقَ التَّفْوِيضَ إلَى رَأْيِهِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَسَاوِيهِ مَعَ غَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي ظَنِّهِ فَجَازَ تَوْكِيلُهُ كَمَا جَازَ تَصَرُّفُهُ ، وَإِذَا جَازَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي حَيْثُ قَالَ : وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ ثَمَّةَ ، فَإِنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ

وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ الرَّأْيِ وَقَدْ حَصَلَ .
قِيلَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ لَمْ يُكْتَفَ بِحُضُورِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِجَازَةِ صَرِيحًا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ قَالَ : مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ لِلْجَوَازِ إجَازَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا وَشَرْطُ إجَازَتِهِ قَالَ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ جَازَ .
حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ ، فَكَانَ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْإِذْنِ بِهِ صَارَ كَالْعَدَمِ ، وَعَادَ الْوَكِيلُ الثَّانِي فُضُولِيًّا وَعَقْدُهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْإِجَازَةِ أَلْبَتَّةَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ بِدُونِهَا مَا ذُكِرَ .
وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ الرَّأْيِ وَهُوَ حَاصِلٌ عِنْدَ الْحُضُورِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ ، بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ ، وَعَلَى هَذَا أَحَدُ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
أَمَّا فِيمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ : وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ الْإِجَازَةِ لِلْحَاضِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَأَجَازَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ أَوْ غَائِبٌ فَقَطْ ، وَأَمَّا فِي تَعْلِيلِهِمْ فَلِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ

وَهُوَ الرَّأْيُ ، وَقَدْ حَضَرَ كَمَا ذَكَرَهُ .
وَتَوْجِيهُ كَوْنِهِ فُضُولِيًّا فِي أَحَدِ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ لَيْسَ كَوَكِيلِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ الْمُوَكِّلِ فِي الْجُمْلَةِ ، بِخِلَافِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ عَقْدِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَكِيلَ الْوَكِيلِ لَمَّا كَانَ يَتَصَرَّفُ بِتَوْكِيلِهِ وَرِضَاهُ بِالتَّصَرُّفِ كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا لَا مَحَالَةَ ، وَأَمَّا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ رِضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ غَيْظًا مِنْهُ عَلَى اسْتِبْدَادِهِ بِالتَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ صَاحِبِهِ .
هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

قَالَ ( فَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَضَرَ ، وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ .
( وَإِنْ عَقَدَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَمْ يَجُزْ ) لِأَنَّهُ فَاتَ رَأْيَهُ إلَّا أَنْ يُبْلِغَهُ فَيُجِيزَهُ ( وَكَذَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ ) لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيُهُ ( وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغِيبَتِهِ يَجُوزُ ) لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ ، لِأَنَّهُ لَمَا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ .

( قَوْلُهُ وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ ) يَعْنِي إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى جَازَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ تَكُونُ ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَتَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ لَا الثَّانِي .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الثَّانِي إذْ السَّبَبُ وَهُوَ الْعَقْدُ وُجِدَ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي وَالثَّانِي كَالْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي ( وَإِنْ عَقَدَ الثَّانِي فِي غَيْبَةِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ ) لِفَوَاتِ رَأْيِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ فَيُجِيزَهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ بِحُضُورِ رَأْيِهِ ، وَلَوْ قَدَّرَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغَيْبَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الرَّأْيَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ التَّقْدِيرُ ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ بَاشَرَ رُبَّمَا بَاعَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ لِذَكَائِهِ وَهِدَايَتِهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهِرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ ، وَاخْتِيَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارَ الْمُشْتَرِي .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ فِي

الْوَكَالَاتِ أَنْ يُوَكِّلَ الْأَهْدَى فِي تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي التَّوْكِيلِ بِتَقْدِيرِ ثَمَنٍ صَالِحٍ لِزِيَادَةِ الرِّبْحِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِنِيَابَةِ الْآخَرِ عَنْهُ فِي مُجَرَّدِ الْعِبَارَةِ .

قَالَ ( وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا لَمْ يَجُزْ ) مَعْنَاهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ ، وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَى الْقَادِرِ الْمُشْفِقِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا ( قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : وَالْمُرْتَدُّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ ) لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَبْعَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ فَأَوْلَى بِسَلْبِ الْوِلَايَةِ ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالِ وَلَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ ، ثُمَّ تَسْتَقِرُّ جِهَةُ الِانْقِطَاعِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَيَبْطُلُ وَبِالْإِسْلَامِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَصِحَّ .

قَالَ ( وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ ) إذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ مُسْلِمَةٌ حُرَّةٌ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا .
يَعْنِي تَصَرَّفَ فِي مَالِهَا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ اشْتَرَى لَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اشْتَرَى لَهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ مَعَ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ .
أَمَّا الرِّقُّ فَلِأَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ .
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى قُدْرَةٍ وَشَفَقَةٍ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ .
وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا .
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : وَالْمُرْتَدُّ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَبْعَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ صَارَ مِنَّا دَارًا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ مِنَّا دِينًا ، وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ دُونَ الْحَرْبِيِّ ، فَإِذَا سُلِبَتْ وِلَايَةُ الذِّمِّيِّ فَالْحَرْبِيُّ أَوْلَى .
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالُ وَلَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ إنْ أَسْلَمَ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ ، وَذَلِكَ أَيْ الْوِلَايَةُ النَّظَرِيَّةُ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ ، أَوْ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ ،

وَالْمِلَّةُ مُتَرَدِّدَةٌ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً فِي الْحَالِ لَكِنَّهَا مَرْجُوَّةُ الْوُجُودِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ ، فَإِنْ قُتِلَ اسْتَقَرَّتْ جِهَةُ الِانْقِطَاعِ فَتَبْطُلُ عُقُودُهُ ، وَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَصَحَّتْ .
وَلَمَّا كَانَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَرَكَا أَصْلَهُمَا فِي نُفُوذِ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ ؛ خَصَّ قَوْلَهُمَا بِالذِّكْرِ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ .

( بَابُ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ ) قَالَ ( الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ .
هُوَ يَقُولُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُ الْخُصُومَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ .
وَلَنَا أَنْ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ ، وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ ، وَنَظِيرُهُ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا ، إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ .

بَابُ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ : أَخَّرَ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَقَعُ بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ ، وَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ بِمُطَالَبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ، أَوْ لِأَنَّهَا مَهْجُورَةٌ شَرْعًا فَاسْتَحَقَّتْ التَّأْخِيرَ عَمَّا لَيْسَ بِمَهْجُورٍ .
قَالَ ( الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ ) الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ : أَيْ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ ( خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
هُوَ يَقُولُ رَضِيَ بِالْخُصُومَةِ وَلَيْسَ الْقَبْضُ بِخُصُومَةٍ ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَوْلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْقَبْضُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ ( وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ مَا دَامَ وَكِيلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ ) لِتَوَهُّمِ الْإِنْكَارِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَعَذُّرِ الْإِثْبَاتِ بِعَارِضٍ مِنْ مَوْتِ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَطْلِ وَالْإِفْلَاسِ ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ( وَمَشَايِخُ بَلْخِي رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَفْتَوْا بِقَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ ) وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ غَيْرُ ثَابِتٍ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً .
أَمَّا نَصًّا فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا دَلَالَةً فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي وَلَا يَرْضَى بِأَمَانَتِهِ وَقَبْضِهِ ، وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ وَقَعَتْ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ( وَنَظِيرُ هَذَا الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا ) يُقَالُ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاقْتَضَيْته دَيْنِي وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي : أَيْ أَخَذْته ( إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ ) لِأَنَّ النَّاسَ يَفْهَمُونَ مِنْ التَّقَاضِي الْمُطَالَبَةَ لَا الْقَبْضَ (

وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفٌ وَهِيَ أَوْلَى مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ وَجْهٌ لِأَصْلِ الرِّوَايَةِ ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ أَوْ عَلَى الْعُرْفِ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ .
قَالُوا عَلَى الْعُرْفِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ

قَالَ ( فَإِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا ، وَاجْتِمَاعُهُمَا مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا مَرَّ .
قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ ، وَقَالَا : لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ ، رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي فِي الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِالْقَبْضِ رِضًا بِهَا .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ، إذْ قَبْضُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِيفَاءَ الْعَيْنِ حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ .
وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا

( وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْقَبْضِ مُمْكِنٌ ، بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ ) فَإِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَيْهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ ( لِمَا مَرَّ ) أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُذْهِبٌ لِمَهَابَتِهِ .
قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إلَخْ ) الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَإِذَا اقْتَضَى الْقَبْضُ وَأَقَامَ الْخَصْمُ بَيِّنَتَهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ ، وَقَالَا : لَا يَكُونُ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَصْمِ ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ ، وَالْخُصُومَةُ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا بِهَا ، وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْمَالِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي إلَى الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِهَا .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ قَبْضُ نَفْسِ الدَّيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِكَوْنِهِ وَصْفًا ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ ، لَكِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ قَبْضَهُ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَضَاءُ دُيُونٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهَا وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الدُّيُونِ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ تَوْكِيلًا بِالتَّمَلُّكِ كَانَ تَوْكِيلًا بِالِاسْتِقْرَاضِ إذْ التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ مِثْلِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا عَيْنُ مَالِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ ، وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ ، وَالْوَكِيلُ بِالتَّمَلُّكِ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَالْأَصِيلُ فِيهَا خَصْمٌ فِيهَا كَالْمُوَكِّلِ فَكَانَ كَالْوَكِيلِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِتَسْلِيمِ الْمُوَكِّلِ الشُّفْعَةَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَالشُّفْعَةُ تَبْطُلُ ، وَالْوَكِيلُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إذَا

أَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَخْذِ الْوَاهِبِ الْعِوَضَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَالرُّجُوعُ يَبْطُلُ ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ خَصْمٌ يَطْلُبُ حُقُوقَ الْعَقْدِ ، وَبِالْقِسْمَةِ بِأَنْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلًا بِأَنْ يُقَاسِمَ مَعَ شَرِيكِهِ وَأَقَامَ الشَّرِيكُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ ، وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ تُقْبَلُ .
قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَهَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَشْبَهَ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ مِنْهَا بِالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ .
لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ هَاهُنَا كَذَلِكَ .
وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا ) إشَارَةٌ إلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّمَلُّكِ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ .

قَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ ، وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ ( حَتَّى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ فَلَمْ تُعْتَبَرْ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ كَذَا هَذَاقَالَ ( وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إلَخْ ) الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ ، حَيْثُ لَا مُبَادَلَةَ هُنَاكَ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَيْنِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ ، فَإِذَا وَكَّلَ بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فَأَقَامَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ دُفِعَ الْعَبْدُ إلَى الْوَكِيلِ ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآمِرُ لِأَنَّهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ فَتُقْصَرُ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ تُعَادُ الْبَيِّنَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهُ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ فَكَذَا هَذَا ،

.
قَالَ ( وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ) وَمَعْنَاهُ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ عَلَى الْعَتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمْ تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ اسْتِحْسَانًا دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ .وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْوَكِيلُ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا ؛ نَقَلَهَا إلَيْهِ وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ قَبَضَهُمَا فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ عَلَى الْعَتَاقِ أَوْ مَنْ هُمَا بِيَدِهِ عَلَى الِارْتِهَانِ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ قِيَاسًا لِقِيَامِهَا لِأَعْلَى خَصْمٍ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ دُونَ الْقَضَاءِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالرَّهْنَ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ قَصْرُ يَدِ الْوَكِيلِ ، وَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَلَى الْمَوْلَى ، وَلَكِنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ قَصْرِ يَدِهِ الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ فَقَبِلْنَاهَا فِي الْقَصْرِ دُونَ غَيْرِهِ .

قَالَ ( وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِكَالَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ .
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهُ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ قَطْعًا وَصِحَّتُهُ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ قَطْعًا وَذَلِكَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا .
وَطَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيُصْرَفُ إلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ قَطْعًا ؛ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ ، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ لِلتَّنْصِيصِ زِيَادَةَ دَلَالَةٍ عَلَى مِلْكِهِ إيَّاهُ ؛ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوْلَى .
وَعَنْهُ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ وَيُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِيهِ ؛ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ ، وَإِقْرَارُهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا إقْرَارُ نَائِبِهِ .
وَهُمَا يَقُولَانِ : إنَّ التَّوْكِيلَ يَتَنَاوَلُ جَوَابَ يُسَمَّى خُصُومَةً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا ، وَالْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُصُومَةٌ مَجَازًا ، إمَّا

لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ ، أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ، لَكِنْ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوِكَالَةِ حَتَّى لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِضًا وَصَارَ كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا .

قَالَ ( وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ إلَخْ ) إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ ؛ وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ الْوَكَالَةَ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : جَازَ إقْرَارُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا ، لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا .
وَالْقِيَاسُ إمَّا شُمُولُ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِمَّا شُمُولُ الْعَدَمِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمْ ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ اسْتِحْسَانٌ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ مَأْمُورٌ بِالْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهَا الْخُصُومَةُ ، وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِمُنَازَعَةٍ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ حُقُوقِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ ، كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ ، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ .
قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ لَمْ يُورِدْهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ : يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ

بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا فَهُوَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، كَذَا فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ قَطْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَصِحَّتُهُ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ قَطْعًا ، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ تَصَرُّفٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ اخْتَلَجَ فِي ذِهْنِك صِحَّةُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ بِبَيْعِ الْخَمْرِ فَتَذَكَّرَ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ ، وَذَلِكَ أَيْ مَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ مُطْلَقُ الْجَوَابِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا كَانَ مُحِقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ ، لَكِنَّ لَفْظَ الْخُصُومَةِ مَوْضُوعٌ لِلْمُقَيَّدِ فَيُصْرَفُ إلَى الْمُطْلَقِ مَجَازًا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ قَطْعًا ( قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ ) جَوَابٌ عَنْ مُسْتَشْهَدِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَوَجْهُهُ : لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِثْنَاءَ ، لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ الْإِنْكَارِ عَيْنًا ، وَقَدْ لَا يَحِلُّ لَهُ كَمَا مَرَّ آنِفًا .
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ إنَّمَا صَحَّ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّنْصِيصُ زِيَادَةُ دَلَالَةٍ عَلَى تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ .
وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِنْكَارُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ مُحِقًّا ، فَإِذَا نَصَّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ خَصْمَهُ مُبْطِلٌ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْكَارُ ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ بِحَالِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ وَكِيلِ الطَّالِبِ وَوَكِيلِ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الْمَطْلُوبِ لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ : أَيْ عَلَى الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُثْبِتُ مَا ادَّعَاهُ

بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يَضْطَرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْإِقْرَارِ بِعَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى الْإِقْرَارِ فَكَذَا وَكِيلُهُ ، إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ يُحِيلُ الْيَمِينَ عَلَى مُوَكِّلِهِ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْرَى فِي الْأَيْمَانِ فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ فَائِدَتَهُ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْمُدَّعِي قَدْ يَعْجِزُ عَنْ إثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَقَدْ لَا يَضْطَرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْإِقْرَارِ بِعَرْضِ الْيَمِينِ لِكَوْنِهِ مُحِقًّا فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُفِيدًا .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مَجْبُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ إذَا عَرَضَ الْيَمِينَ وَهُوَ مُبْطِلٌ فَكَانَ مَجْبُورًا فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاؤُهُ مُفِيدًا فِيهِ ، بِخِلَافِ الطَّالِبِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ حَالٍ فَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مُفِيدًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَوَابَ عَنْ صُورَةِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صُلْحُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ دَاعٍ إلَى الصُّلْحِ أَوْ إلَى الْإِبْرَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ مُجَوِّزُ الْمَجَازِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ إفْضَاءَهَا إلَى الصُّلْحِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ يَكُنْ أَشَدَّ مِنْ إفْضَائِهَا إلَى الْإِقْرَارِ فَهُوَ مِثْلُهُ لَا مَحَالَةَ .
وَأَيْضًا الْخُصُومَةُ وَالصُّلْحُ مُتَقَابِلَانِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الِاسْتِعَارَةُ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ إمَّا بِلَا أَوْ بِنَعَمْ .
وَالصُّلْحُ عَقْدٌ آخَرُ يَحْتَاجُ إلَى عِبَارَةٍ أُخْرَى خِلَافَ مَا وُضِعَ لِلْجَوَابِ وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمُطْلَقِ الْجَوَابِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا ( قَوْلُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَأْخَذِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ : أَيْ بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّ التَّوْكِيلَ يَنْصَرِفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ أَوْ بَعْدَمَا ثَبَتَ جَوَازُ إقْرَارِ

الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ ( يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ ) فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ( الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ ، وَإِقْرَارُهُ الْمُوَكِّلَ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا إقْرَارُ نَائِبِهِ ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَتَنَاوَلُ جَوَابًا يُسَمَّى خُصُومَةً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ ، وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ مَجَازٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْخُصُومَةُ وَالْمَجَازَ وَهُوَ الْإِقْرَارُ ( وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ خُصُومَةً مَجَازًا إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِخُصُومَةٍ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَجَازًا ) ، إذْ الْإِقْرَارُ خُصُومَةٌ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابٌ ، وَلَا جَوَابَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا إقْرَارَ يَكُونُ خُصُومَةً مَجَازًا فِي غَيْرِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْجَوَابُ الْمُوَكَّلُ بِهِ ( أَمَّا ) أَنَّهُ خُصُومَةٌ مَجَازًا فَ ( لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ ) فَكَانَ مُجَوِّزَهُ التَّضَادُّ .
وَهُوَ مُجَوِّزٌ لُغَوِيٌّ لِمَا قَرَّرْنَا فِي التَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُجَوِّزًا شَرْعِيًّا ( أَوْ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ سَبَبُ الْإِقْرَارِ ) فَكَانَ الْمُجَوِّزُ السَّبَبِيَّةَ وَهُوَ مُجَوِّزٌ شَرْعِيٌّ نَظِيرُ الِاتِّصَال الصُّورِيِّ فِي اللُّغَوِيِّ كَمَا عُرِفَ .
وَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَ ( لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَ ) الْمُسْتَحَقُّ ( هُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ) وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ بَدَلٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ أَوْفَى تَأْدِيَةً لِلْمَقْصُودِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِجَوَابٍ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَبَرًا وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ .
وَمَعْنَاهُ ( إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ

الْقَاضِي خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَا يُدْفَعَ الْمَالُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِصًا وَصَارَ كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ) فَإِنَّهُمَا إذَا ادَّعَيَا شَيْئًا لِلصَّغِيرِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ فَإِنَّ إقْرَارَهُمَا ( لَا يَصِحُّ وَلَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِمَا ) لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْمَالِ بِسَبَبِ إقْرَارِهِمَا بِمَا قَالَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا .

قَالَ ( وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ أَبَدًا ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ ، وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوِكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا ، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَا يُقْبَلُ لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ فَيَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُطَالَبُ الْعَبْدُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَالِ عَنْ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّاهُ

قَالَ ( وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ إلَخْ ) وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ أَبَدًا لَا بَعْدَ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ وَلَا قَبْلَهَا ، أَمَّا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَصِحَّ حَالَ التَّوْكِيلِ لِمَا سَيُذْكَرُ لَمْ تَنْقَلِبْ صَحِيحَةً كَمَنْ كَفَلَ لِغَائِبٍ فَأَجَازَهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْهُ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَلَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً ، وَأَمَّا قَبْلَ الْبَرَاءَةِ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَالْكَفِيلُ لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ كَالْمُحَالِ إذَا وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِمَا قُلْنَا .
وَنُوقِضَ بِتَوْكِيلِ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ، وَذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ الطَّالِبِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ .
سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَكَلَامُنَا فِي التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عَمَلَ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ ضِمْنِيٌّ لِكَوْنِ الْمُوَكِّلِ أَصِيلًا فِي إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ وَالضِّمْنِيَّاتُ قَدْ لَا تُعْتَبَرُ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ الْأَصْلُ وُقُوعُ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِ الْفَاعِلِ .
فَإِنْ قِيلَ فَلْتَنْسَخْهَا الْوَكَالَةُ ، لِطَرَيَانِهَا عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ تَأَخَّرَتْ الْكَفَالَةُ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَنْسَخُهَا .
قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ضَمِنَ الْمَالَ لِلْمُوَكِّلِ يَصِحُّ الضَّمَانُ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ .
فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاسِخَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ

الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ ، وَالْوَكَالَةُ دُونَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْكَفِيلُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ دُونَ الْوَكَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ نَاسِخَةً لِلْكَفَالَةِ وَإِنْ جَازَ عَكْسُهُ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ ) دَلِيلٌ آخَرُ .
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَسْتَلْزِمُ قَبُولَ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا ، وَلَوْ صَحَّحْنَا الْوَكَالَةَ هَاهُنَا انْتَفَى اللَّازِمُ وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مُبْرِئًا نَفْسَهُ ، وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ فَيَلْزَمُ عَدَمُهُ حَالَ فَرْضِ وُجُودِهِ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَعْدُومٌ وَنَظِيرُ بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بُطْلَانُهَا فِي عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ لِلْغُرَمَاءِ قِيمَتَهُ وَيُطَالِبُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ ، وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ كَانَ فِي مِقْدَارِهَا عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُبْرِئُ بِهِ نَفْسَهُ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا .

.
قَالَ ( وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ خَالِصُ مَالِهِ ( فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ الْوِكَالَةَ ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ ( وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ ) لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضُهُ ( وَإِنْ كَانَ ) ضَاعَ ( فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ وَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ .
قَالَ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ ) لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمَا ، وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ فَتَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ ، فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فِي الْوِكَالَةِ .
وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَا قُلْنَا ، وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ ، إمَّا ظَاهِرًا أَوْ مُحْتَمَلًا فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ غَرَضِهِ .

قَالَ ( وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ إلَخْ ) وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ ، لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْغَرِيمُ خَالِصُ حَقِّهِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ، فَمَا أَدَّاهُ الْمَدْيُونُ مِثْلُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ لَا عَيْنُهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَكَانَ تَصْدِيقُهُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ ، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ فِيهَا وَإِلَّا دَفَعَ الْغَرِيمُ إلَيْهِ ثَانِيًا ، لِأَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ ثَابِتًا وَالْمَدْيُونُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ سُقُوطُ الدَّيْنِ بِأَدَائِهِ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ يُنْكِرُ الْوَكَالَةَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ فَسَدَ الْأَدَاءُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَدْيُونِ فَيَجِبُ الدَّفْعُ ثَانِيًا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ ، لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ ، وَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّ الْوَكِيلَ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ وَالْمُحِقُّ فِي الْقَبْضِ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ : يَعْنِي الْأَخْذَ الثَّانِي ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ بَاقِيَةً أَيْضًا .
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً أَمْكَنَ نَقْضُ الْقَبْضِ فَيَرْجِعُ يَنْقُضُهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَلَمْ يُمْكِنْ نَقْضُهُ فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ يَعْنِي إذَا ضَاعَ

فِي يَدِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ ضَمَّنَ الْمَدْيُونُ الْوَكِيلَ عَلَى رِوَايَةِ التَّشْدِيدِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اضْمَنْ لِي مَا دَفَعْت إلَيْك عَنْ الطَّالِبِ حَتَّى لَوْ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنِّي مَالَهُ أَرْجِعُ عَلَيْك بِمَا دَفَعْته إلَيْك أَوْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ لِلْمَدْيُونِ وَقَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك إنْ أَخَذَ مِنْك الطَّالِبُ ثَانِيًا أَرُدُّ عَلَيْك مَا قَبَضْته مِنْك عَلَى رِوَايَةِ التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْوَكِيلِ وَالْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِمَا فِيمَا يَقْبِضُهُ ثَانِيًا فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنَا ضَامِنٌ لَك مَا يَقْبِضُهُ مِنْك فُلَانٌ ، وَهُوَ ضَمَانٌ صَحِيحٌ لِإِضَافَتِهِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ ، وَهُوَ قَبْضُ رَبِّ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ عَلَيْهِ : أَيْ يَذُوبُ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَالَةً أُضِيفَتْ إلَى حَالِ وُجُوبٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ( وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ ) يَعْنِي وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَيْضًا لِأَنَّ فَرْعَ التَّكْذِيبِ سَيَأْتِي عَقِيبَ هَذَا ( وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ ، وَإِنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مُكَذِّبًا لَهُ فِي ) دَعْوَى ( الْوَكَالَةِ ، وَهَذَا ) أَيْ جَوَازُ الرُّجُوعِ فِي صُورَةِ التَّكْذِيبِ ( أَظْهَرُ ) مِنْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ مَعَ التَّضْمِينِ وَالسُّكُوتِ ، لِأَنَّهُ إذَا كَذَّبَهُ صَارَ الْوَكِيلُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَقَوْلُهُ ( لَمَّا قُلْنَا ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ ، لَكِنَّهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ لَا دَلِيلُ الْأَظْهَرِيَّةِ ( وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ

الْمَذْكُورَةِ دَفَعَهُ مَعَ التَّصْدِيقِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ ، وَدَفَعَهُ بِالتَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ ، وَدَفَعَهُ سَاكِنًا مِنْ غَيْرِ سَاكِتًا مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ ، وَدَفَعَهُ مَعَ التَّكْذِيبِ ( لَيْسَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ ، لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ ، إمَّا ظَاهِرًا ) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّصْدِيقِ ( أَوْ مُحْتَمَلًا ) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّكْذِيبِ .
وَقِيلَ ظَاهِرًا إنْ كَانَ الْوَكِيلُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ ، أَوْ مُحْتَمَلًا إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ ( فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ ) فَإِنَّهُ ( لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ تَصَرُّفًا لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ حُصُولِ غَرَضِهِ ) لِأَنَّ سَعْيَ الْإِنْسَانِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مَرْدُودٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ .
وَلَمْ يُذْكَرْ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ هَلْ يَسْتَحْلِفُ أَوْ لَا .
قَالَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَحْلِفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَحْلِفُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ لَكِنَّهُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ نِيَابَتُهُ عَنْ الْآمِرِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ فَلَا يُسْتَحْلَفُ ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ ، وَالْحُكْمُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ عِنْدَهُ وَقَدْ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ

( وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ ) لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ

( وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالِ الْغَيْرِ ) بِحَقِّ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِبَقَاءِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُودَعِ ، وَالْإِقْرَارُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِحَقِّ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ ( بِخِلَافِ الدَّيْنِ ) عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ إقْرَارُهُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَحَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ الْمُودَعُ فَهَلْ لِلْمُودَعِ الرُّجُوعُ أَوْ لَا ، فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ إنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ مُصَدِّقًا لَا يَرْجِعُ وَإِنْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ أَوْ سَكَتَ أَوْ كَذَّبَهُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يَرْجِعُ إنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَخَذَهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ ، وَأَمَّا الِاسْتِرْدَادُ قَبْلَ حُضُورِ الْغَائِبِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا مَرَّ ( وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى ) أَيْ لِأَنَّ مَالَ الْوَدِيعَةِ لَا يَبْقَى ( مَالَ الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ ) وَرَوَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ نَصْبَ مَالِهِ وَوَجَّهَهُ بِكَوْنِهِ حَالًّا كَمَا فِي كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي : أَيْ مُشَافِهًا ، وَمَعْنَاهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالَ الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ ، وَأَرَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَالَّ مُقَيِّدٌ لِلْعَامِلِ ، فَكَلَّمْتُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْمُشَافَهَةِ : أَيْ كَلَّمْتُهُ فِي حَالِ الْمُشَافَهَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ حَالَ كَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ ، وَالظَّاهِرُ فِي إعْرَابِهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ لَا يَبْقَى : أَيْ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ

لِانْتِقَالِهِ إلَى الْوَارِثِ ، فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ ) فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ

.
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَا يُصَدِّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ .( وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودِع لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، لِأَنَّ الْمُودِعَ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارُ الْمُودِعِ ) إقْرَارًا ( بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَدْ تَقَدَّمَ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فَكَانَ ذِكْرُهُمَا تَكْرَارًا .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا هُنَالِكَ بِاعْتِبَارِ الْقَضَاءِ ، وَهَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الدَّعْوَى ، وَلِهَذَا صَدَّرَهُمَا هَاهُنَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ ادَّعَى ، وَهُنَالِكَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَقَرَّ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ لِأَنَّ إيرَادَهُمَا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ بَعِيدُ الْمُنَاسَبَةِ .

قَالَ ( فَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا يَقْبِضُ مَالَهُ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَاهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ ) لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ .
قَالَ ( وَيَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ ) رِعَايَةً لِجَانِبِهِ ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ نَائِبٌقَالَ ( فَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دَيْنِهِ ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِذَلِكَ الْمَالِ وَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ ادْفَعْ الْمَالَ ثُمَّ اتَّبِعْ رَبَّ الْمَالِ فَاسْتَحْلِفْهُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ ) يَعْنِي بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ ( وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ ) إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ ( ثُمَّ يَتَّبِعُ الْغَرِيمُ رَبَّ الدَّيْنِ فَيَسْتَحْلِفُهُ رِعَايَةً لِجَانِبِهِ ) فَإِنْ حَلَفَ مَضَى الْأَدَاءُ ، وَإِنْ نَكَلَ يَتَّبِعُ الْقَابِضَ فَيَسْتَرِدُّ مَا قَبَضَ ( وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ نَائِبٌ ) وَالنِّيَابَةُ لَا تُجْرَى فِي الْأَيْمَانِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَحْلَفَهُ عَلَى الْعِلْمِ ، فَإِنْ نَكَلَ خَرَجَ عَنْ الْوَكَالَةِ وَالطَّالِبُ عَلَى حُجَّتِهِ ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ فَجَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي حَقًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ فَتَحْلِيفُ الْوَكِيلِ يَكُونُ نِيَابَةً وَهِيَ لَا تُجْرَى فِي الْأَيْمَانِ ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَعْلَمَ اسْتِيفَاءَ مُوَرِّثِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ بِالْأَصَالَةِ .

.
قَالَ ( وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي ) بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَالِكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ ، وَهَاهُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا قَالُوا : يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ ، لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ .
وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النَّظَرَ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ .

قَالَ ( وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ إلَخْ ) إذَا وُكِّلَ بِرَدِّ جَارِيَةٍ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ فِيهَا مُمْكِنٌ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِ الْمُوَكِّلِ ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَغَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِالْقَضَاءِ ، وَالْقَضَاءُ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ بِالنُّكُولِ ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى الْفَسْخُ وَلَا يَرُدُّ بِالنُّكُولِ ؛ لَمْ يَبْقَ فِي الِاسْتِحْلَافِ فَائِدَةٌ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَاسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مَاضِيًا عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ تَرُدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْمُشْتَرَى .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا سَبِيلَ لِلْآمِرِ عَلَى الْجَارِيَةِ .
سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا قَوْلَ الْكُلِّ ، لَكِنَّ النَّقْضَ هَاهُنَا لَمْ يُوجِبْهُ دَلِيلٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْجَهْلِ بِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلرَّدِّ وَهُوَ رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ بِتَصَادُقِهِمَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ وَثَمَّةَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ ، وَقَالُوا هَذَا أَصَحُّ ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا : أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَصْلِ الْجَارِيَةِ وَالدَّيْنِ فَيُدْفَعُ الدَّيْنُ كَمَا تَقَدَّمَ وَتُرَدُّ

الْجَارِيَةُ ، وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ عَدَمَ التَّأْخِيرِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ إنَّمَا كَانَ لِكَوْنِ التَّدَارُكِ مُمْكِنًا عِنْدَ ظُهُورِ الْخَطَإِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ نَافِذٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ، فَإِذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْقَضَاءِ عِنْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي رُدَّتْ الْجَارِيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يُؤَخَّرُ إلَى التَّحْلِيفِ .
وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ النَّظَرُ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ إنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ فَيُنْتَظَرُ لِلنَّظَرِ لَهُ إنْ كَانَ غَائِبًا .

قَالَ ( وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فَهَذَا كَذَلِكَ .
وَقِيلَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا .
وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ ، فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ فَلَا يَدْخُلَانِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

قَالَ ( وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا إلَخْ ) وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا عَنْ أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ مَالِهِ فَالْعَشَرَةُ الَّذِي أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ .
قِيلَ : هَذَا اسْتِحْسَانٌ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ ، وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رُجُوعِ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَدَّى مِنْ الثَّمَنِ ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ : يَعْنِي فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ ، وَهَذَا أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْإِنْفَاقِ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَهْلُ قَدْ يَضْطَرُّ إلَى شِرَاءِ شَيْءٍ يَصْلُحُ لِنَفَقَتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ مَالُ الْمُتَوَكِّلِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، فَكَانَ فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ تَجْوِيزُ الِاسْتِبْدَالِ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، فَإِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا .
وَقِيلَ : الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الْمَدْيُونُ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَيُوَكِّلُهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِهَا فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَضَاءً عَنْهُ فَإِنَّهُ فِي الْقِيَاسِ مُتَبَرِّعٌ ، حَتَّى إذَا أَرَادَ الْمَأْمُورُ أَنْ يَحْبِسَ الْأَلْفَ الَّتِي دُفِعَتْ إلَيْهِ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ ذَلِكَ

وَلَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ لَيْسَ بِشِرَاءٍ فَلَا يَكُونُ الْآمِرُ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا لَأَلْزَمْنَاهُ دَيْنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ فَجَعَلْنَاهُ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا .
فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فَيَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِنْفَاقِ وَهُوَ أَمْرٌ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّرَاهِمِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهَا فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ فَكَانَ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا أَيْضًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ ) : قَالَ ( وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ ، إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ يُطْلَبُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ ، وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ .

بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ : وَجْهُ تَأْخِيرِ بَابِ الْعَزْلِ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ إنْ كَانَ لِلطَّالِبِ فَعَزْلُهُ صَحِيحٌ حَضَرَ الْمَطْلُوبُ أَوْ لَا ، لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالْعَزْلِ يَبْطُلُ حَقُّهُ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَإِنْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِثْلُ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ ، فَأَمَّا إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ لَا : فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لِلْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ فَكَانَ الْعَزْلُ امْتِنَاعًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ ، وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَرُدَّهَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْبَةِ الطَّالِبِ لِأَنَّ بِالتَّوْكِيلِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ إحْضَارِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ عَلَيْهِ ، وَبِالْعَزْلِ حَالَ غَيْبَتِهِ يُبْطِلُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مُسْتَثْنًى ، وَصَحَّ بِحَضْرَتِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَيُمْكِنُهُ طَلَبُ نَصْبِ وَكِيلٍ آخَرَ مِنْهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ دَلِيلَهُ يُلَوِّحُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهَاهُنَا لَا إبْطَالَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ( قَوْلُهُ فَصَارَ ) أَيْ فَصَارَ التَّوْكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ إذَا كَانَ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ ( كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ ) بِأَنْ وَضَعَ الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَشَرَطَ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَعْزِلَ الْعَدْلَ عَنْ الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَارَ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ وَبِالْعَزْلِ يَبْطُلُ هَذَا الْحَقُّ .
فَإِنْ قِيلَ : عَزْلُ الرَّاهِنِ الْعَدْلَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ ، بِخِلَافِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَإِنَّهُ

صَحِيحٌ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الطَّالِبِ رَضِيَ بِهِ أَوْ لَا ، وَلَوْ كَانَتَا مُتَشَابِهَتَيْنِ لَمَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا هَذِهِ التَّفْرِقَةُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَدَارَ جَوَازِ الْعَزْلِ وَعَدَمِهِ عَلَى بُطْلَانِ الْحَقِّ وَعَدَمِهِ فَإِذَا بَطَلَ الْحَقُّ بَطَلَ الْعَزْلُ ، وَفِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَبْطُلْ الْحَقُّ بِالْعَزْلِ بِحَضْرَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ جَائِزًا ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ فَلَوْ صَحَّ الْعَزْلُ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَالَبَ الرَّاهِنُ بِالْبَيْعِ .

قَالَ ( فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ ) لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ إضْرَارًا بِهِ مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ وِلَايَتِهِ أَوْ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْحُقُوقِ إلَيْهِ فَيَنْقُدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ فَيَضْمَنُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَيَسْتَوِي الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ فَلَا نُعِيدُهُقَالَ ( فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ إلَخْ ) إذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ وَلَمْ يَبْلُغْهُ عَزْلُهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ لِأَنَّ فِي عَزْلِهِ إضْرَارًا بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ بُطْلَانُ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ ذَلِكَ ، وَفِي الْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ تَكْذِيبٌ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ لِبُطْلَانِ وِلَايَتِهِ ، وَضَرَرُ التَّكْذِيبِ ظَاهِرٌ لَا مَحَالَةَ .
وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْحُقُوقِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْقُدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ ، فَإِذَا كَانَ مَعْزُولًا كَانَ التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ فَيَضْمَنُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ سِيَّانِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِعَادَةِ .

.
قَالَ ( وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا لِأَنَّ قَلِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ ، وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ .
وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَصَارَ كَالْمَيِّتِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : حَوْلٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا .
قَالُوا : الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّحَاقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ

قَالَ ( وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ إلَخْ ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْوَكَالَةِ مَا يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا أَحَدٍ ، وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ إلَّا بِرِضَا الطَّالِبِ ، فَفِي الْأَوَّلِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَلِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ ، إذْ اللُّزُومُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ فِي فَسْخِهَا ، فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَكِيلَ عَنْهَا ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ غَيْرُ لَازِمٍ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ ، لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ بِسَبِيلٍ مِنْ نَقْضِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ يَتَجَدَّدُ عَقْدُ الْوَكَالَةِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَيَنْتَهِي فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ فَكَذَا فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ ، وَقَدْ بَطَلَ الْأَمْرُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ مِنْهُمْ ابْتِدَاءً ، وَنُوقِضَ بِالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ لِعَارِضِ الْخِيَارِ ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ الْعَارِضُ وَتَقَرَّرَ الْأَصْلُ ، وَفِي الثَّانِي لَا تَبْطُلُ فَلَا تَبْطُلُ فِي صُورَةِ تَسْلِيطِ الْعَدْلِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ ، وَفِيمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي هَذَا النَّوْعِ صَارَ لَازِمًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فَلَا يَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ فَلَا يَلْزَمُ بَقَاءُ الْأَمْرِ .
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَنْ بَيَانِ التَّقْسِيمِ سَاكِتٌ وَهُوَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ .
وَالْجُنُونُ الْمُطْبِقُ بِكَسْرِ الْبَاءِ هُوَ الدَّائِمُ ، وَشَرَطَ الْإِطْبَاقَ فِي الْجُنُونِ لِأَنَّ قَلِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ

الْإِغْمَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْوَكَالَةُ .
وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَرَوَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ ، وَعَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَصَارَ كَالْمَيِّتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ آخِرًا : حَوْلٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ فَقُدِّرَ بِهِ احْتِيَاطًا .
قَالَ الْمَشَايِخُ : الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللِّحَاقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُ مَوْقُوفَةٌ وَالْوَكَالَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمُ بِلِحَاقِهِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَمْرُ اللِّحَاقِ ، وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ : أَيْ كَوْنُ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا أَوْ نَافِذًا فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ ،

وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا عَلَى مَا عُرِفَ .وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ وَكِيلٌ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ ، مَا خَلَا التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّ رِدَّتَهَا تُخْرِجُ الْوَكِيلَ بِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ ، لِأَنَّهَا حِينَ كَانَتْ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي الْحَالِ ثُمَّ بِرِدَّتِهَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَزْلًا مِنْهَا لِوَكِيلِهَا ، فَبَعْدَمَا انْعَزَلَ لَا يَعُودُ وَكِيلًا إلَّا بِالتَّجْدِيدِ .

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ الشَّرِيكَانِ فَافْتَرَقَا ، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْحَجْرِ وَالْعَجْزِ وَالِافْتِرَاقِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ .

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ إلَخْ ) وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَكَانَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، عَلِمَ بِذَلِكَ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَالِثًا بِشَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَلِهِ بِنَفْسِهِ فَافْتَرَقَا فَكَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ وَالِافْتِرَاقِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ ، كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ التَّقَاضِي فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُطَالَبٌ بِإِيفَاءِ مَا وَلِيَهُ ، وَلَهُ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ بِعَقْدِهِ ، فَإِذَا بَقِيَ حَقُّهُ بَقِيَ وَكِيلُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْحَجْرِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِمُبَاشَرَتِهِ ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ هُوَ وَلِيُّهُ ثُمَّ افْتَرَقَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَمْضَى الْوَكِيلُ مَا وَكَّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا ، لِأَنَّ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ كَتَوْكِيلِهِمَا فَصَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَنْعَزِلُ بِنَقْضِهِمَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ مَا وَلِيَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَلِهِ ، فَمَا الْفَارِقُ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا وَكَّلَ فِيمَا وَلِيَهُ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَتَانِ : جِهَةُ مُبَاشَرَتِهِ ، وَجِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا ، فَإِنْ بَطَلَتْ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأُخْرَى وَهِيَ مُسْتَنِدَةٌ إلَى حَالِ الْمُفَاوَضَةِ ،

وَتَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا فِيهَا كَتَوْكِيلِهِمَا فَتَبْقَى فِي حَقِّهِمَا ، وَإِذَا وَكَّلَ فِيمَا لَمْ يَلِهِ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا لَا غَيْرُ وَقَدْ بَطَلَتْ بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا ، وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ كَوَكِيلٍ مَأْذُونٍ بِالتَّوْكِيلِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِتَصَرُّفِ وَاحِدٍ وَحُصُولُهُ بِاثْنَيْنِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا تَرَى ، وَفِيهِ مَا فِيهِ .
وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ فِي افْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ الْوَكَالَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ ، فَإِنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ الْمُتَضَمَّنَةُ لَهَا فَتَبْطُلُ مَا كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا ، هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ الشَّرِكَةِ لَا غَيْرُ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعِبَارَةِ الْكِتَابِ .

قَالَ ( وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بَعْدَ جُنُونِهِ وَمَوْتِهِقَالَ ( وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا إلَخْ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُبْطِلَةِ لِلْوَكَالَةِ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ شَرَعَ فِيهَا مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ ، فَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَجُنُونِهِ ، وَالْأَمْرُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَ مَأْمُورًا بِهِ لَمْ يَبْقَ صَحِيحًا ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ ،

( وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ) لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا قَالَ : وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ .
لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ إطْلَاقٌ لِأَنَّهُ رُفِعَ الْمَانِعُ .
أَمَّا الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَإِنَّمَا عَجَزَ بِعَارِضِ اللَّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا .
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ ، لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ وَبِاللَّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ وَبَطَلَتْ الْوِلَايَةُ فَلَا تَعُودُ كَمِلْكِهِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ .

وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا .
لِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّوْكِيلَ إطْلَاقٌ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْمَانِعَ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْوَكِيلَ كَانَ مَمْنُوعًا شَرْعًا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ لِمُوَكِّلِهِ ، فَإِذَا وَكَّلَهُ رَفَعَ الْمَانِعَ ، وَأَمَّا أَنْ يَحْدُثُ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ وَوِلَايَةٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَهِيَ الْعَقْلُ وَالْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةُ الصَّالِحَةُ لَهُ ، وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ عُرُوضِ هَذَا الْعَارِضِ .
وَإِنَّمَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضِ اللِّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا ، وَهَذَا يَنْزِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَمُخَلِّصُهُ مَعْرُوفٌ .
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ تَمْلِيكُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَمْلِكُ تَنْفِيذَ تَصَرُّفِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْوَكَالَةِ ، وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ : أَيْ تَمْلِيكُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ مُلْصَقٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِلَا مِلْكٍ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ ، فَكَانَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِلتَّنْفِيذِ بِالْوَكَالَةِ وَقَدْ بَطَلَ الْمِلْكُ بِاللِّحَاقِ لِأَنَّهُ لَحِقَ بِهِ بِالْأَمْوَاتِ فَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْمِلْكُ بَطَلَتْ الْوِلَايَةُ ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْوِلَايَةُ بَطَلَ التَّوْكِيلُ لِئَلَّا تَتَخَلَّفَ الْعِلَّةُ عَنْ الْمَعْلُولِ ، وَإِذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ كَمِلْكِهِ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ إلَى أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا .
بَقِيَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ

وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَإِنَّهُ بَعِيدُ التَّعَلُّقِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ فَيُقَالُ الْوَكِيلُ لَهُ وِلَايَتَانِ وِلَايَةُ أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ ، وَالْأُولَى ثَابِتَةٌ لَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَبَعْدَهُ ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً قَبْلَهُ ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْكِيلِ فَكَانَتْ ثَابِتَةً بِهِ ،

وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ .
وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ وَلَمْ يَزَلْ بِاللَّحَاقِ .وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا فِي الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا عَادَ مُسْلِمًا عَادَ إلَيْهِ مَالُهُ عَلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَادَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ .
وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ بِرِدَّتِهِ وَالْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ ، وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ وَلَمْ يَزُلْ بِاللِّحَاقِ وَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى فِي عَدَمِ الْعَوْدِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ، وَلَعَلَّ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ عُرُوضِ الْعَوَارِضِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمُوَكِّلِ كَانَ أَنْسَبَ ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ الْعَوْدَ هَاهُنَا جَرَّدَ ذِكْرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ ( وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ) وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْتَظِمُ وُجُوهًا : مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ بِالْخُلْعِ فَخَالَعَهَا ، بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَبَانَهَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ ، فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ وَالْعَجْزُ قَدْ زَالَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ فَوَهَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلُ عَدَمِ الْحَاجَةِ .
أَمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ ( وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ إلَخْ ) وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ أَوْ الْإِسْقَاطَاتِ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، فَإِذَا وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ بِنَفْسِهِ بَطَلَتْ .
وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِانْقِضَاءِ الْحَاجَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ فَأَبَانَهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِمُوَكِّلِهِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ لِلْآمِرِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَطَلَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الطَّلَاقِ كَانَ وَكِيلُهُ كَذَلِكَ وَمَا لَا فَلَا ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ بِالْخُلْعِ فَخَالَطَهَا ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ) مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَمَبْنَاهُ انْقِضَاءُ الْحَاجَةِ ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ بَطَلَتْ ، فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ .
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا قَبِلَهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ

مَرَّةً أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ كَالْعَقْدِ الْمُبْتَدَإِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْوَكِيلُ غَيْرُهُمَا فَكَانَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ وَهُوَ بَاقٍ ، وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِعَجْزِ الْوَكِيلِ وَقَدْ زَالَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ فَوَهَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَ ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلُ عَدَمِ الْحَاجَةِ : أَمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ زَوَالِ الْحَاجَةِ ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الدَّعْوَى ) : قَالَ ( الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ ) وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِيهِ ، فَمِنْهَا مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ .
وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَتَمَسَّكُ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ : الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ .

كِتَابُ الدَّعْوَى ) : لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ لِأَجْلِ الدَّعْوَى ذَكَرَ الدَّعْوَى عَقِيبَ الْوَكَالَةِ .
وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ مُطَالَبَةُ حَقٍّ فِي مَجْلِسِ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ .
وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِي الْمُعَامَلَاتِ ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى النَّوْعِ أَوْ الشَّخْصِ .
وَشَرْطُهَا حُضُورُ خَصْمِهِ وَمَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّعَى بِهِ وَكَوْنُهُ مُلْزِمًا عَلَى الْخَصْمِ ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْغَائِبِ لَمْ تَسَعْ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَجْهُولًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَضَاءِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ هَذَا الْحَاضِرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَذَلِكَ لِإِمْكَانِ عَزْلِهِ فِي الْحَالِ .
وَحُكْمُ الصَّحِيحَةِ مِنْهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ بِالنَّفْيِ أَوْ الْإِثْبَاتِ .
وَشَرْعِيَّتُهَا لَيْسَتْ لِذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْقِطَاعُهَا بِالْقَضَاءِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمَظْنُونِ بِبَقَائِهَا ، وَفِي دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى شَرْعِيَّتِهَا كَثْرَةٌ .
قَالَ ( الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إلَخْ ) الدَّعْوَى لَا تَحْصُلُ إلَّا مِنْ مُدَّعٍ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ ؛ فَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا .
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِيهِ .
فَمِنْهَا مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ : يَعْنِي الْقُدُورِيَّ : الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ ، وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ .
وَقِيلَ : الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ : يَعْنِي الْبَيِّنَةَ أَوْ الْإِقْرَارَ كَالْخَارِجِ ، وَالْمُدَّعَى

عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَامٍّ : أَيْ جَامِعٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ صُورَةَ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ اسْتِحْقَاقَ غَيْرِهِ .
وَقِيلَ : الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ ، وَبِمَعْنَاهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : الْمُدَّعِي كُلُّ مَنْ ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ ادَّعَى ظَاهِرًا وَقَرَارُ الشَّيْءِ عَلَى مَاهِيَّتِه ، وَالظَّاهِرُ كَوْنُ الْأَمْلَاكِ فِي يَدِ الْمُلَّاكِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَمِ ، فَالْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يُرِيدُ إزَالَةَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُرِيدُ قَرَارَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَلَعَلَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْمُودَعِ ، فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِمُتَمَسِّكٍ بِالظَّاهِرِ ، إذْ رَدُّ الْوَدِيعَةَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْفَرَاغَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَعْدَ الِاشْتِغَالِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى وَكِيلِ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ يُنْكِرُ الْوَكَالَةَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ، لِأَنَّ الْمَدْيُونَ يَدَّعِي بَرَاءَةً بَعْدَ الشَّغْلِ فَكَانَتْ عَارِضَةً وَالشُّغْلُ أَصْلًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُورِدَ بِالْعَكْسِ بِأَنَّهُ مُدَّعٍ وَيَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : فِي الْأَصْلِ : الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَرُوِيَ { الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ أَنْكَرَ وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا : يَعْنِي إذَا تَعَارَضَ الْجِهَتَانِ فِي صُورَةٍ فَالتَّرْجِيحُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى يَكُونُ بِالْفِقْهِ : أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَهُوَ يَدَّعِي الرَّدَّ صُورَةً ، فَلَوْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47