كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

( دعا باسم ليلى ضلَّل اللهُ سعيَه ... وليلَى بأرضٍ عنه نازحةٍ قفرِ )
الغناء لعريب خفيف ثقيل ثم قال له أبوه تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى فتعلق بأستار الكعبة وقال اللهم زدني لليلى حبا وبها كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا فهام حينئذ وأختلط فلم يضبط قالوا فكان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل إلا ما ينبت في البرية من بقل ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشأم فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجد فيقال له وأين أنت من نجد قد شارفت الشام أنت في موضع كذا فيقول فأروني وجهة الطريق فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه أو يكسوه فيأبى فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه

وريح الخزامى هل تهب على نجد
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي وأخبرنا حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن أبي مسكين قال
خرج منا فتى حتى إذا كان ببئر ميمون إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال وإذا معهم فتى أبيض طوال جعد كأحسن من رأيت من الرجال على هزال منه

وصفرة وإذا هم متعلقون به فسألت عنه فقيل لي هذا قيس المجنون خرج به أبوه يستجير له بالبيت وهو على أن يأتي به قبر رسول اللهليدعو له هناك لعله يكشف ما به فإنه يصنع بنفسه صنيعا يرحمه منه عدوه يقول أخرجوني لعلني أتنسم صبا نجد فيخرجونه فيتوجهون به نحو نجد ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي نفسه من الجبل فإن شئت الأجر دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجد فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له يا أبا المهدي هذا الفتى أقبل من نجد فتنفس تنفسة ظننت أن كبده قد انصدعت ثم جعل يسألني عن واد واد وموضع موضع وأنا أخبره وهو يبكي أحر بكاء وأوجعه للقلب ثم أنشأ يقول
( ألا ليت شِعري عن عُوَارِضَتَيْ قناً ... لطول الليالِي هل تغيَّرتَا بعدِي )
( وهل جارتانا بالبَتِيل إلى الِحمَى ... على عَهْدِنا أم لم تَدُوما على العهدِ )
( وعن عُلُوِيَّاتِ الرياح أذا جرتْ ... بريح الخُزَامَى هل تَهُبُّ على نجد )
( وعن أُقْحُوانِ الرمل ما هو فاعلٌ ... إذا هو أَسْرَى ليلةً بِثَرىً جَعد )
( وهل أنفُضَنَّ الدهرَ أفنانَ لِمَّتي ... على لاحقِ المتنينِ مُندَلِقِ الوَخْدِ )

( وهل أسمعنّ الدهرَ أصواتَ هَجْمةِ ... تحدَّرُ من نَشْزٍ خَصِيبٍ إلى وَهْدِ )
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي والعتبي قالا
مر المجنون بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم شات وقد أتى ابن عم له في حي المجنون لحاجة فوقف عليه ثم أنشأ يقول

صوت
( بِربِّك هل ضَمَمْتَ إليكَ لَيلَى ... قُبيلَ الصبح أو قَبَّلْتَ فاها )
( وهل رَفَّتْ عليك قُرونُ ليلى ... رَفِيفَ الأُقْحُوانة في نَدَاها )
فقال اللهم إذ حلفتني فنعم قال فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر فما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه وسقط الجمر مع لحم راحتيه وعض على شفته فقطعها فقام زوج ليلى مغموما بفعله متعجبا منه فمضى
غنى في البيتين المذكورين في هذا الخبر الحسين بن محرز ولحنه رمل بالوسطى عن الهشامي
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال قال محمد بن الحكم عن عوانة إنه حدثه ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا
إن أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادي القرى قبل توحشه ليمتاروا

خوفا عليه من أن يضيع أو يهلك فمروا في طريقهم بجبلي نعمان فقال له بعض فتيان الحي هذان جبلا نعمان وقد كانت ليلى تنزل بهما قال فأي الرياح يأتي من ناحيتهما قالوا الصبا قال فوالله لا أريم هذا الموضع حتى تهب الصبا فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلاثة أيام حتى هبت الصبا ثم انطلق معهم فأنشأ يقول
صوت
( أيا جَبَلَيْ نَعمانَ باللهِ خَلِّيَا ... سبيل الصَّبا يَخْلُص إليّ نَسيمُها )
( أجِدَّ بردَها أو تَشْفِ منّي حرارَةً ... على كَبدٍ لم يبقَ إلا صَمِيمُها )
( فإنّ الصَّبَا ريحٌ إذا ما تنسّمَتْ ... على نَفْسِ محزونٍ تجلَّتْ هُمُومُها )

المجنون والديار الخوالي
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسين بن الحرون قال حدثني الكسروي عن جماعة من الرواة قال
لما منع أبو ليلى المجنون وعشيرته من تزويجه بها كان لا يزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه لهم فأخبروه بذلك فلم يرعه وقال الموت أروح لي فليتهم قتلوني فلما علموا بذلك وعرفوا أنه لا يزال يطلب غرة منهم حتى إذا تفرقوا دخل دورهم فارتحلوا عنها وأبعدوا وجاء المجنون عشية فأشرف على دورهم فإذا هي منهم بلاقع فقصد منزل ليلى

الذي كان بيتها فيه فألصق صدره به وجعل يمرغ خديه على ترابه ويبكي ثم أنشأ يقول وذكر هذه الأبيات ابن حبيب وأبو نصر له بغير خبر
( أيا حَرَجَاتِ الحيّ حيث تحمّلوا ... بذي سَلَمٍ لا جَادَكُنَّ رَبيعُ )
( وخَيماتُكِ اللاتي بمُنعَرَج اللِّوَى ... بَلِينَ بِلىً لم تَبلَهنّ رُبُوعُ )
( نَدِمتُ على ما كان مِنّي ندامةً ... كما يَندَمُ المغبونُ حين يبيعُ )
( فَقَدتُكِ من نفسٍ شَعَاعٍ فإِنّني ... نهيتُكِ عن هذا وأنتِ جمِيع )
( فقرّبْتِ لي غيِر القريب وأشرفتْ ... إليكِ ثَنايا ما لهنّ طُلُوعُ )
وذكر خالد بن جميل وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته قبل أن يختلط أن تستزيره ليلة إذا وجدت فرصة لذلك فمكث مدة يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوفه فأتى أهلها ذات يوم والحي خلوف فجلس إلى نسوة من أهلها حجرة منها بحيث تسمع كلامه فحادثهن طويلا ثم قال ألا

أنشدكن أبياتا أحدثتها في هذه الأيام قلن بلى فأنشدهن

صوت
( يا للرِّجالِ لِهَمٍّ باتَ يَعُروني ... مُستَطْرَفٍ وقَدِيمٍ كاد يُبْلِيني )
( مَنْ عاذِري من غريم غيِر ذي عُسُرٍ ... يأبى فيمطُلُني دَينِي ويَلْوِينِي )
( لا يُبعِدُ النقدَ مِنْ حقّي فينكرَه ... ولا يُحدِّثُني أنْ سوفَ يَقْضِيني )
( وما كشُكرِيَ شكرٌ لو يوافِقُني ... ولا مُنايَ سواه لو يُوافِيني )
( أطعتُه وعصيتُ الناس كلَّهُمُ ... في أمرِه وهواه وهو يَعْصِيني )
قال فقلن له ما أنصفك هذا الغريم الذي ذكرته وجعلن يتضاحكن وهو يبكي فاستحيت ليلى منهن ورقت له حتى بكت وقامت فدخلت بيتها وانصرف هو
في الثلاثة الأبيات الأول من هذه الأبيات هزج طنبوري للمسدود قالا في خبرهما هذا وكان للمجنون ابنا عم يأتيانه فيحدثانه ويسليانه ويؤانسانه فوقف عليهما يوما وهما جالسان فقالا له يا أبا المهدي ألا تجلس قال لا بل أمضي إلى منزل ليلى فأترسمه وأرى آثارها فيه فأشفي بعض ما في صدري بها فقالا له فنحن معك فقال إذا فعلتما أكرمتما وأحسنتما فقاما معه حتى أتى دار ليلى فوقف بها طويلا يتتبع آثارها ويبكي ويقف في موضع موضع منها ويبكي ثم قال
صوت
( يا صاحِبيّ ألِمَّا بِي بمنزلةٍ ... قد مرّ حينٌ عليها أيُّمَا حينِ )
( إني أرَى رَجَعَاتِ الحبّ تَقتُلُني ... وكان في دبدئها ما كان يَكْفِينِي )
( لا خيرَ في الحبّ ليسَتْ فيه قَارعَةٌ ... كأنّ صاحبَها في نَزْع مَوتون )

( إن قال عُذَّالُهُ مَهْلاً فَلاَن لهم ... قال الهَوى غيرُ هذا القولِ يَعْنِينِي )
( ألْقَى من اليأس تاراتٍ فتقتُلُني ... وللرجاء بشاشاتٌ فتُحْيينِي )
الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل من جامع غنائه

إذا جاء قعقعن الحلي
وقال هشام بن الكلبي عن أبي مسكين إن جماعة من بني عامر حدثوه قالوا كان رجل من بني عامر بن عقيل يقال له قيس بن معاذ وكان يدعى المجنون وكان صاحب غزل ومجالسة للنساء فخرج على ناقة له يسير فمر بامرأة من بني عقيل يقال لها كريمة وكانت جميلة عاقلة معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى النزول والحديث وعليه حلتان له فاخرتان وطيلسان وقلنسوه فنزل فظل يحدثهن وينشدهن وهن أعجب شيء به فيما يرى فلما أعجبه ذلك منهن عقر لهن ناقته وقمن إليها فجعلن يشوين ويأكلن إلى أن أمسى فأقبل غلام شاب حسن الوجه من حيهن فجلس إليهن فأقبلن عليه بوجوههن يقلن له كيف ظللت يا منازل اليوم فلما رأى ذلك من فعلهن غضب فقام وتركهن وهو يقول
( أَأَعِقُر من جَرَّا كريمةَ ناقتي ... وَوَصْلِيَ مَفْرُوشٌ لِوَصْلِ مُنَازِلِ )
( إذا جاء قَعْقَعْنَ الحُليَّ ولم أَكُنْ ... إذا جئتُ أرضيَ صوتَ تلكَ الخلاخِل )
قال فقال له الفتى هلم نتصارع أو نتناضل فقال له إن شئت ذلك فقم إلى حيث لا تراهن ولا يرينك ثم ما شئت فافعل وقال
( إذا ما انتضَلْنا في الخلاء نَضَلْتُه ... وإِن يَرْمِ رشْقاً عندها فهو ناضِلي )
وقال ابن الكلبي في هذا الخبر فلما أصبح لبس حلته وركب ناقته ومضى متعرضا لهن فألفى ليلى جالسة بفناء بيتها وكانت معهن يومئذ جالسة وقد علق بقلبها وهويته وعندها جويريات يحدثنها فوقف بهن وسلم فدعونه إلى النزول وقلن له هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره قال إي لعمري

فنزل وفعل فعلته بالأمس فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما عندها فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره وقد كان علق حبها بقلبه وشغفه واستملحها فبينما هي تحدثه إذ أقبل فتى من الحي فدعته فسارته سرارا طويلا ثم قالت له انصرف فانصرف ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وامتقع وشق عليه ما فعلت فأنشأت تقول
( كلاَنَا مُظهِرٌ للناس بُغضاً ... وكلٌّ عند صاحبه مَكِينُ )
( تُبَلِّغُنَا العيونُ مَقَالَتَيْنا ... وفي القلبين ثمَّ هَوىً دَفِينُ )
قد نسبت هذا الشعر متقدما فلما سمع هذين البيتين شهق شهقة عظيمة وأغمي عليه فمكث كذلك ساعة ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ
حدثني عمي عن عبد الله بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال حدثنا أبو العالية عن أبي ثمامة الجعدي قال
لا يعرف فينا مجنون إلا قيس بن الملوح

خبر اتصال المجنون بليلى
قال وحدثني بعض العشيرة قال قلت لقيس بن الملوح قبل أن يخالط ما أعجب شيء أصابك في وجدك بليلى قال طرقنا ذات ليلة أضياف ولم يكن عندنا لهم أدم فبعثني أبي إلى منزل أبي ليلى وقال لي اطلب لنا منه أدما فأتيته فوقفت على خبائه فصحت به فقال ما تشاء فقلت طرقنا ضيفان ولا أدم عندنا لهم فأرسلني أبي نطلب منك أدما فقال يا ليلى أخرجي إليه ذلك النحي فاملئي له إناءه من السمن فأخرجته ومعي قعب فجعلت تصب

السمن فيه ونتحدث فألهانا الحديث وهي تصب السمن وقد امتلأ القعب ولا نعلم جميعا وهو يسيل حتى استنقعت أرجلنا في السمن قال فأتيتهم ليلة ثانية أطلب نارا وأنا متلفع ببرد لي فأخرجت لي نارا في عطبة فأعطتنيها ووقفنا نتحدث فلما احترقت العطبة خرقت من بردي خرقة وجعلت النار فيها فكلما احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبق علي من البرد إلا ما وارى عورتي وما أعقل ما أصنع وأنشدني
( أمُسْتَقْبِلي نَفْحُ الصَّبَا ثم شَائقي ... ببَرْدِ ثَنَايَا أُمِّ حَسّانَ شائِق )
( كأنَّ على أنيابها الخمرَ شَجَّهَا ... بماء الندى من آخرِ الليلِ عَاتِقُ )
( وما شِمْتُهُ إلا بعيني تَفَرُّساً ... كما شِيم في أعلى السّحابةِ بَارِقٌ )
ومن الناس من يروي هذه الأبيات لنصيب ولكن هكذا روي في هذا الخبر
أخبرنا محمد بن خلف وكيع عن عبد الملك بن محمد الرقاشي عن عبد الصمد بن المعذل قال
سمعت الأصمعي يقول وقد تذاكرنا مجنون بني عامر قال هو قيس بن معاذ العقيلي ثم قال لم يكن مجنونا إنما كانت به لوثة وهو القائل
( أَخذَتْ محاسنَ كلِّ ما ... ضَنَّتْ محاسنُه بحُسنِهْ )
( كادَ الغزالُ يكونُها ... لولاالشَّوَى ونُشُوزُ قَرنِهْ )

قال وهو القائل

صوت
( ولم أرَ لَيلَى بعد مَوْقفِ ساعةٍ ... بخَيْفِ مِنْى تَرِمي جمارَ المحصَّبِ )
( ويُبدِي الحصَى منها إذا قَذَفتْ به ... من البُرْدِ أطرافَ البَنانِ المخضَّب )
( فأصبحتُ من لَيْلَى الغَداةَ كناظرٍ ... مع الصبح في أعقابِ نجمٍ مُغرِّبِ )
( ألا إنما غادرتِ يا أمَّ مالكٍ ... صَدىً أينما تذهبْ به الريحُ يذهب )
في هذه الأبيات لحن من الثقيل الأول ابتداؤه نشيد من صنعة الواثق وهو المشهور وذكره ابن المكي لأبيه يحيى
وهو في جامع غناء سليم بن سلام له
وذكره حبش في موضعين من كتابه فنسبه في طريقة الثقيل الأول في أحدهما إلى ابن محرز والآخر إلى يحيى المكي
وزعم الهشامي أن فيه لسليم بن سلام لحنا آخر من الثقيل الأول
أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني إبراهيم بن سعد الزهري قال أتاني رجل من عذرة لحاجة فجرى ذكر العشق والعشاق فقلت له أنتم أرق قلوبا أم بنو عامر قال إنا لأرق الناس قلوبا ولكن غلبتنا بنو عامر بمجنونها
أخبرني أحمد بن عمر بن موسى بن زكويه القطان إجازة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال أخبرني عبد الجبار بن سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جده قال أنا رأيت مجنون بني عامر وكان جميل الوجه أبيض اللون قد علاه شحوب واستنشدته فأنشدني قصيدته التي يقول فيها
( تَذَكَّرْتُ لَيْلَى والسِّنينَ الخواليا ... وأَيامَ لا أُعْدِي على اللَّهوِ عادِيا )
أخبرني محمد بن الحسن الكندي خطيب مسجد القادسية قال حدثنا

الرياشي قال سمعت أبا عثمان المازني يقول سمعت معاذا وبشر بن المفضل جميعا ينشدان هذين البيتين وينسبانهما لمجنون بني عامر
( طمِعْتُ بليلَى أن تَرِيعَ وإِنَّما ... تُقَطِّعُ أعناقَ الرجالِ المطامِعُ )
( وداينتُ ليلَى في خَلاَءٍ ولم يكن ... شهودٌ على ليلى عُدُولٌ مَقَانِعُ )
وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب عن ابن سلام قال قضى عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري على رجل من قومه قضية أوجبها الحكم عليه وظن العنبري أنه تحامل عليه وانصرف مغضبا ثم لقيه في طريق فأخذ بلجام بغلته وكان شديدا أيدا ثم قال له إيه يا عبيد الله
( طمِعْتُ بليلى أن تَريعَ وإِنَّما ... تُقَطِّعُ أعناقَ الرجالِ المطامِعُ ) فقال عبيد الله
( وبايعتُ ليلَى في خلاءٍ ولم يكنْ ... شهودٌ عدولٌ عند ليلى مَقَانِعُ )

خل عن البغلة
قال الصولي في خبره هذا والبيتان للبعيث هكذا قال فلا أدري أمن قوله هو أم حكاية عن أبي خليفة
ليلى للمجنون ابق الله وأتقِِ على نفسك
أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري عن عبد الله بن خلف الدلال قال حدثنا زكريا بن موسى عن شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال
لما اختلط عقل قيس بن الملوح وترك الطعام والشراب مضت أمه إلى ليلى فقالت لها إن قيسا قد ذهب حبك بعقله وترك الطعام والشراب فلو جئته وقتا لرجوت أن يثوب إليه بعض عقله فقالت ليلى أما نهارا فلا لأنني لا آمن قومي على نفسي ولكن ليلا فأتته ليلا فقالت له يا قيس إن أمك تزعم أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب فاتق الله وأبق على نفسك فبكى وأنشأ يقول
( قالتْ جُنِنتَ على أيْشٍ فقلتُ لها ... الحبُّ أعظمُ ممّا بالمجانين )
( الحبُّ ليس يُفيقُ الدهرَ صاحبُه ... وإِنما يُصرَعُ المجنونُ في الحِينِ )
قال فبكت معه وتحدثا حتى كاد الصبح أن يسفر ثم ودعته وانصرفت فكان آخر عهده بها

هل جن قيس بن الملوح
أخبرنا ابن المرزبان قال قال القحذمي لما قال المجنون
( قضاها لغيري وابتلاني بحبُها ... فهلاَّ بشيءٍ غير ليلى ابتلانِيَا )
سلب عقله
الغناء لحكم ثقيل أول وقيل إنه لابن الهربذ وفيه لمتيم خفيف ثقيل أول من جامع أغانيها وحدثني جحظة بهذا الخبر عن ميمون بن هارون أنه بلغه أنه لما قال هذا البيت برص
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن طاهر القرشي عن ابن عائشة قال إنما سمي المجنون بقوله
( ما بالُ قلبِكَ يا مجنونُ قد خُلِعَا ... في حبِّ مَنْ لا تَرَى في نَيْلِه طَمَعَا )
( الحبُّ والودّ نِيطا بالفؤاد لها ... فأصبحا في فؤادِي ثابتَيْنِ معَا )
حدثنا وكيع عن ابن يونس قال قال الأصمعي لم يكن المجنون مجنونا إنما جننه العشق وأنشد له
( يُسَمُّونني المجنونَ حين يَرَوْنَنْي ... نعم بِيَ مِن ليلى الغداةَ جنونُ )

( لَيَالِيَ يُزْهَى بِي شَبَابٌ وشِرَّةٌ ... وإذا بِي مِنْ خَفْضِ المَعيشةِ لِينُ )
أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحاق بن محمد بن أبان قال حدثني علي ابن سهل عن المدائنى أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال لم يكن مجنونا وإنما قيل له المجنون بقوله
( وإِنِّي لمجنونٌ بليلَى مُوَكَّلٌ ... ولستُ عَزُوفاً عن هواها ولا جَلْدَا )
( إِذا ذُكِرَتْ ليلَى بكيتُ صَبَابةً ... لِتَذْكِارها حتى يَبُلَّ البُكَا الخدَّا )
أخبرني عمر بن جميل العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عون ابن عبد الله العامري أنه قال ما كان والله المجنون الذي تعزونه إلينا مجنونا إنما كانت به لوثة وسهو أحدثهما به حب ليلى وأنشد له
( وبي مِنْ هوى ليلَى الذي لو أبُثُّه ... جماعةَ أعدائِي بكتْ لي عُيونُها )
( أَرى النفس عن ليلى أبتْ أن تُطِيعَني ... فقد جُنَّ مِن وَجْدِي بليلَى جُنونُها )
أخبرني ابن المرزبان قال قال العتبي إنما سمي المجنون بقوله
( يقولُ أُناسٌ عَلَّ مجنونَ عامرٍ ... يرومُ سُلُوُّا قلتُ أَنّى لِمَا بِيَا )
( وقد لامني في حُبِّ ليلَى أقاربي ... أخِي وابنُ عمّي وابنَ خالِي وخالِيَا )
( يقولون ليلَى أهلُ بيتِ عَدَاوةٍ ... بنفسيَ ليلِى مِن عَدُوٍّ ومالِيَا )
( ولو كان في ليلى شَذاً مِن خصومةٍ ... لَلوَّيتُ أعناقَ المَطِيّ المَلاوِيَا )

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي عن عيسى بن إسماعيل قال قال ابن سلام لو حلفت أن مجنون بني عامر لم يكن مجنونا لصدقت ولكن توله لما زوجت ليلى وأيقن اليأس منها ألم تسمع إلى قوله
( أيا ويحَ مَنْ أمسى تُخُلِّسَ عَقلُه ... فأصبح مذهوباًِ به كلَّ مذهبِ )
( خَلِيعاَ مِنَ الخُلاَّنِ إلا مُجَامِلا ... يُساعِدني مَنْ كان يَهْوَى تَجنُّبي )
( إذا ذُكِرْت ليلَى عَقَلتُ وراجَعَتْ ... عَوازِبُ قلبي مِنْ هَوىً مُتَشَعِّبِ )
أخبرني به الحسن بن علي عن دينار بن عامر التغلبي عن مسعود بن سعد عن ابن سلام ونحوه
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني صالح بن سعيد قال أنشدني يعقوب بن السكيت للمجنون
( يُسَمُّونَنِي المجنونَ حين يَرونَنِي ... نَعَمْ بيَ مِن ليلَى الغداةَ جُنُونُ ) قال وأنشدنا له أيضا

صوت
( وشُغِلْتُ عن فهم الحديثِ سِوَى ... ما كان فيكِ فإِنه شُغْلي )
( وأُدِيمُ لَحْظَ مُحَدِّثي لِيَرَى ... أنْ قَد فهِمتُ وعِندكُم عَقْلي )

شجون المجنون مع أم مالك
أخبرني ابن المرزبان عن محمد بن الحسن بن دينار الأحول عن علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة
أن صاحبة مجنون بني عامر التي كلف بها ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش وكنيتها أم مالك وقد ذكر هذه الكنية المجنون في شعره فقال
( تكادُ بِلادُ اللهِ يا أمَّ مالكٍ ... بما رَحُبَتْ يوماَ عليَّ تَضِيقُ ) وقال أيضا
( فإنّ الذي أمّلتُ مِن أُمّ مالكٍ ... أشابَ قَذَالي واستَهَامَ فُؤادِيَا )
( خليلَيَّ أن دارَتْ على أمِّ مالكٍ ... صُرُوفُ اللّيالِي فابغِيَا ليَ ناعِيَا )
وقال أبو عمرو الشيباني علق المجنون ليلى بنت مهدي بن سعد من بني الحريش وكنيتها أم مالك فشهر بها وعرف خبره فحجبت عنه فشق ذلك عليه فخطبها إلى أبيها فرده وأبى أن يزوجه إياها فاشتد به الأمر حتى جن وقيل له مجنون بني عامر فكان على حاله يجلس في نادي قومه فلا يفهم ما يحدث به ولا يعقله إلا إذا ذكرت ليلى وأنشد له أبو عمرو
صوت
( ألا ما لِليلَى لا تُرَى عند مَضْجَعِي ... بليلٍ ولا يَجْرِي بذلكَ طائرُ )

( بَلَىْ إنّ عُجْمَ للطيرَ تَجرِيِ إذا جَرَتْ ... بليلَى ولكنْ ليس الطير زاجزُ )
( أزالَتْ عن العهد الذي كان بيننا ... بِذِي الأثْلِ أم قد غيَّرتْها المقادِرُ )
( فواللهِ ما في القرب لي منكِ راحةٌ ... ولا البعدُ يُسْلِينِي ولا أنا صابرُ )
( وواللهِ ما أدرِي بأيَّةِ حِيلَةٍ ... وأيِّ مَرَامٍ أو خِطارٍ أُخاطِرُ )
( وتاللهِ إِنَّ الدهرَ في ذاتِ بينِنا ... عليّ لها في كلِّ حالٍ لجائِرُ )
( فلو كنتِ إِذا أزمعتِ هَجري تركتِني ... جميعَ القُوَى والعقلُ مِنِّيَ وافرُ )
( ولكنَّ أيامِي بِحَقْلِ عُنَيزَةٍ ... وبالرَّضْم أيامٌ جناها التَّجَاوُرُ )
( وقد أصبح الوُدُّ الذي كان بيننا ... أمانِيَّ نفسٍ والمؤمِّلُ حائِرُ )
( لَعَمْرِي لقد رَنَّقْتِ يا أمّ مالكٍ ... حياتي وساقَتْني إليكِ المقادرُ )
قال أبو عمرو وأخبرني بعض الشاميين قال دخلت أرض بني عامر فسألت عنه المجنون الذي قتله الحب فخبروني عن أنه كان عاشقا لجارية منهم يقال لها ليلى ربا معها ثم حجبت عنه فاشتد ذلك عليه وذهب عقله فأتاه إخوان

من إخوانه يلومونه على ما يصنع بنفسه فقال

صوت
( يا صاحِبيّ ألِمَّا بي بمنزلةٍ ... قد مرَّ حينٌ عليها أَيُّما حيِنِ )
( في كل منزلةٍ ديوانُ مَعْرِفةٍ ... لم يُبقِ باقيةً ذكرُ الدواوينِ )
( إني أرَى رَجَعَاتِ الحبِّ تقتُلُني ... وكان في بدئها ما كان يكفيني ) الغناء لابن جامع خفيف ثقيل
قيس الهائم على وجهه
أخبرني هاشم الخزاعي عن العباس بن الفرج الرياشي قال
ذكر العتبي عن أبيه قال كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى ويألفها ويأنس بها ثم غيبت عن ناظره فكان أهله يعزونه عنها ويقولون نزوجك أنفس جارية في عشيرتك فيأبى إلا ليلى ويهذي بها ويذكرها فكان ربما استراح إلى أمانيهم وركن إلى قولهم وكان ربما هاج عليه الحزن والهم فلا يملك مما هو فيه أن يهيم على وجهه وذلك قبل أن يتوحش مع البهائم في القفار فكان قومه يلومونه ويعذلونه فأكثروا عليه في الملامة والعذل يوما فقال
صوت
( يا لَلرِّجال لهمٍّ بات يَعْرُونِي ... مُستطرفٍ وقديٍم كان يَعْنِيني )
( على غَرِيم مَليء غيرِذِي عُدُمٍ ... يأبَى فيمْطُلُني دَيْنِي ويَلْوِينِي )
( لا يذكُر البعضَ من دَينِي فَيُنكِره ... ولا يُحَدِّثنِي أنْ سوف يَقْضِيني )
( وما كَشُكْرِي شُكرٌ لو يُوافِقُنِي ... ولا مُنًى كَمُنَاهُ إذ يُمَنّينِي )
( أطعتُه وعَصَيتُ الناسَ كُلّهُمُ ... في أمره ثم يأبَى فهو يَعْصِينِي )
( خَيرِي لمن يبتغِي خيري ويأمُلُه ... من دون شَرّي وشَرِّي غيرُ مأمونِ )

( وما أُشارِكُ في رأيِي أخا ضَعَفٍ ... ولا أقولُ أخِي مَنْ لا يُوَاتِينِي )
في هذه الأبيات هزج طنبوري للمسدود من جامعه
وقال أبو عمرو الشيباني حدثني رباح العامري قال كان المجنون أول ما علق ليلى كثير الذكر لها والإتيان بالليل إليها والعرب ترى ذلك غير منكر أن يتحدث الفتيان إلى الفتيات فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدموا إليه فذهب لذلك عقله ويئس منه قومه واعتنوا بأمره واجتمعوا إليه ولاموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه وقالوا والله ما هي لك بهذه الحال فلو تناسيتها رجونا أن تسلوا قليلا فقال لما سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء
صوت
( فواكبِدَا مِن حب من لا يُحِبّنِي ... ومِن زَفَرَاتٍ مالهنَّ فَنَاءُ )
( أَرَيْتِكِ إن لم أُعطِكِ الحبَّ عن يدٍ ... ولم يكُ عندي إذ أبيْتِ إباءُ )
( أتارِكَتِي للموت أنتِ فميِّتٌ ... وماللنفوس الخائفاتِ بَقَاءُ )
ثم أقبل على القوم فقال إن الذي بي ليس بهّين فأقلوا من ملامكم فلست بسامع فيها ولا مطيع لقول قائل
أخبرني عمي ومحمد بن حبيب وابن المرزبان عن عبد الله بن أبي سعد عن عبد العزيز بن صالح عن أبيه عن ابن دأب عن رباح بن حبيب العامري
أنه سأله عن حال المجنون وليلى فقال كانت ليلى من بني الحريش وهي

بنت مهدي بن سعيد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش وكانت من أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن جسما وعقلا وأفضلهن أدبا وأملحهن شكلا وكان المجنون كلفا بمحادثة النساء صباًبهن فبلغه خبرها ونعتت له فصبا إليها وعزم على زيارتها فتأهب لذلك ولبس أفضل ثيابه ورجل جمته ومس طيبا كان عنده وارتحل ناقة له كريمة برحل حسن وتقلد سيفه وأتاها فسلم فردت عليه السلام وتحفت في المسألة وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا وكل واحد منهما مقبل على صاحبه معجب به فلم يزالا كذلك حتى أمسيا فانصرف إلى أهله فبات بأطول ليلة شوقا إليها حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى ثم انصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الأولى واجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك فأنشأ يقول
( نَهارِي نهارُ الناسِ حتى إذا بدا ... ليَ الليلُ هَزَّتْني إِليكِ المضاجعُ )
( أُقَضِّي نهارِي بالحديث وبِالمُنَى ... ويَجمَعُنِي والهمَّ بالليلِ جامِعُ )
( لَقَد ثَبَتَتْ في القلب منكِ محبَّةٌ ... كما ثَبَتَتْ في الراحتينِ الأصابعُ )
عروضه من الطويل والغناء لإبراهيم الموصلي رمل بالوسطى عن

عمرو قال وأدام زيارتها وترك من كان يأتيه فيتحدث إليه غيرها وكان يأتيها في كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى انصرف فخرج ذات يوم يريد زيارتها فلما قرب من منزلها لقيته جارية عسراء فتطير منها وأنشأ يقول
( وكيف يُرَجَّى وصلُ لَيْلَى وقد جرى ... بِجَدِّ القُوَى والوصلِ أعسرُ حاسرُ )
( صَدِيعُ العَصَا صَعْبُ المرام إذا انتحى ... لوصلِ امرىءٍ جُذَّت عليه الأواصِرُ )
ثم سار إليها في غد فحدثها بقصته وطيرته ممن لقيه وأنه يخاف تغير عهدها وانتكاثه وبكى فقالت لا ترع حاش لله من تغير عهدي لا يكون والله ذلك أبدا إن شاء الله فلم يزل عندها يحادثها بقية يومه ووقع له في قلبها مثل ما وقع لهافي قلبه فجاءها يوما كما كان يجيء وأقبل يحدثها فأعرضت عنه وأقبلت على غيره بحديثها تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه فلما رأى ذلك جزع جزعا شديدا حتى بان في وجهه وعرف فيه فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت
( كِلاَنا مُظهرٌ للناس بغضا ... وكلٌّ عند صاحبه مَكِينُ ) فسري عنه وعلم ما في قلبها فقالت له إنما أردت أن أمتحنك والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك وأعطي الله عهدا إن جالست بعد يومي هذا رجلا

سواك حتى أذوق الموت إلا أن أكره على ذلك قال فانصرفت عنه وهو من أشد الناس سرورا وأقرهم عينا وقال
( أظُنُّ هواها تارِكِي بِمَضَلَّةٍ ... من الأرض لا مالٌ لديَّ ولا أهلُ )
( ولا أحدٌ أُفضِي إليه وصيّتي ... ولا صاحبٌ إلا المطيَّةُ والرَّحْلُ )
( مَحَا حبُّها حبَّ الأُلَى كُنَّ قبلها ... وحَلَّتْ مكانا لم يكن حُلَّ مِنْ قبلُ )

زواج ليلى ودعاء المجنون بطلاقها
أخبرني جعفر بن قدامة عن أبي العيناء عن العتبي قال
لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعة فلم يرضهم أهلها وخطبها رجل من ثقيف موسر فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون ثم نمي إليه طرف منه لم يتحققه فقال
( دعَوْتُ إلهي دعوةً ما جهِلتُها ... وربِّي بما تُخفِي الصدورُُ بصيرُ )
( لئن كنتَ تُهدِي بردَ أنيابها العُلا ... لأفقرَ مِنِّي إنَّني لَفَقِيرُ )
( فقد شاعتِ الأخبارُ أنْ قد تَزَوجَتْ ... فهل يأتِيَنِّي بالطلاق بشِيرُ ) وقال أيضا
( ألا تِلك لَيلَى العامِريَّةُ أصبَحَتْ ... تَقَطَّعُ إلا من ثَقِيفٍ حِبالُها )

( هُم حبسوُها محْبس البُدْن وابتغى ... بها المال أقوامٌ ألا قلَّ مالُها )
( إذا التفتتْ والعيِسُ صُعْرٌ من البُرى ... بنخلة جلّت عبرة العينِ حالُها ) قال وجعل يمر ببيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليه ويقول إذا جاوزه

صوت
( ألا أَيُّها البيتُ الذي لا أَزُوره ... وإِن حَلَّه شخصٌ إليّ حبيبُ )
( هجرتُكَ إشفاقاً وزرتُك خائفاً ... وفيك عليّ الدهرَ منكَ رقيبُ )
( سأستعتِبُ الأيامَ فيكَ لعلّها ... بيومِ سُرورٍ في الزمان تؤوبُ )
الغناء لعريب ثاني ثقيل بالوسطى قال وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال
صوت
( كأنّ القلبَ ليلةَ قِيلَ يُغدَى ... بلَيْلَى العامريَّةِ أو يُرَاحُ )
( قَطَاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فباتَتْ ... تُجاذِبُه وقد عَلِقَ الجَناحُ )
عروضه من الوافر الغناء لابن المكي خفيف ثقيل أول بالوسطى في

مجراها عن إسحاق وفيه خفيف ثقيل آخر لسليمان مطلق في مجرى البنصر وفيه لإبراهيم رمل بالوسطى في مجراها عن الهشامي قال فلما نقلت ليلى إلى الثقفي قال
( طرِبتَ وشاقتكَ الحُمُولُ الدّوافعُ ... غَداةَ دعا بالبين أسْفَعُ نازعُ )
( شَحَا فَاهُ نعباً بالفراق كأنه ... حريبٌ سلِيبٌ نازحُ الدار جازعُ )
( فقلتُ ألا قد بَيَّنَ الأمرُ فانصرِف ... فقد راعَنا بالبِينِ قبلَك رائعُ )
( سُقِيتَ سُمُوما من غراب فإِنّني ... تبيّنتُ ما خبَّرتَ مذ أنتَ واقعُ )
( ألم تَرَ أنِّي لا مُحِبٌّ ألومُه ... ولا بِبدِيلٍ بعدهم أنا قانُع )
( ألم تر دارَ الحيّ في رونقِ الضحى ... بحيثُ انحنتْ للهَضْبتين الأَجَارعُ )
( وقد يتناءى الإِلْفُ من بعد أُلْفةٍ ... ويصدَعُ ما بين الخليطين صادِعُ )
( وكم من هَوىً أو جيِرةٍ قد ألِفتُهم ... زمانا فلم يمنعهُم البَين مانِعُ )
( كأنِّي غداةَ البين مَيِّتُ جوبةٍ ... أخو ظمأ سُدّتْ عليه المشارعُ )
( تَخَلَّسَ من أوشال ماءٍ صُبَابةً ... فلا الشُّربُ مبذولٌ ولا هو ناقِعُ )
( وبيضٍ تَطَلَّى بالعَبِير كأنها ... نِعُاج المَلاَ جِيبَتْ عليها البراقعُ )

( تحمّلنَ من وادي الأراكِ فأومَضَت ... لهنّ بأطراف العيون المدامِعُ )
( فما رِمْنَ ربعَ الدار حتى تشابهتْ ... هجائنُهَا والجُونُ منها الخواضعُ )
( وحتى حملنَ الحُورَ من كُلّ جانب ... وخاضت سُدُولَ الرَّقْم منها الأكارعُ )
( فلما استوتْ تحتَ الخدورِ وقد جرى ... عَبِيرٌ ومسكٌ بالعرانِين رَادعُ )
( أَشَرْنَ بأن حُثُّو الجِمالَ فقد بدا ... من الصيف يومٌ لافحُ الحرِّ ماتِعُ )
( فلمّا لَحِقْنَا بالحُمول تباشَرَتْ ... بنا مُقْصِرَاتٌ غاب عنها المطامِعُ )
( يُعرِّضنَ بالدَّلِّ المَلِيح وإِن يُرِدْ ... جَنَاهُنَّ مشغوفٌ فهنّ مَوَانعُ )
( فقلتُ لأصحابي ودَمعِيَ مُسْبَلٌ ... وقد صَدَعَ الشملَ المشتَّتَ صَادعُ )
( أليلَى بأبواب الُخدورِ تعرّضتْ ... لِعَيني أم قرنٌ من الشمس طالعُ )

حمام الأيك يهيج أحزان المجنون
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي
أن أبا المجنون حج به ليدعو الله عز و جل في الموقف أن يعافيه فسار ومعه ابن عمه زياد بن كعب بن مزاحم فمر بحمامة تدعو على أيكة فوقف يبكي فقال له زياد أي شيء هذا ما يبكيك أيضا سر بنا نلحق الرفقة فقال

( أأن هَتَفَتْ يوماً بوادٍ حمامةٌ ... بكيتَ ولم يَعْذِرك بالجهل عاذِرُ )
( دَعَتْ ساقَ حُرٍّ بعد ما عَلَتِ الضُّحَى ... فهاج لكَ الأحزانَ أن ناح طائرُ )
( تُغنِّي الضُّحَى والصبُّحَ في مُرْجَحِنَّةٍ ... كِثافِ الأعالِي تحتها الماءُ حائرُ )
( كأن لم يكن بالغَيْل أو بطنِ أيْكةٍ ... أو الجزعِ من تول الأشاءةِ حاضِرُ )
( يقول زيادٌ إذ رأى الحيَّ هَجَّرُوا ... أرَى الحيّ قد ساروا فهل أنتَ سائرُ )
( وإِنّي وإِن غالَ التقادُمُ حاجتي ... مُلِمٌّ على أوطان لَيْلَى فَناظِرُ )
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر عن الزبير عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب عن هارون بن موسى الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني ابن المرزبان عن ابن الهيثم عن العمري عن العتبي قالوا جميعا

يا جبل التوباد
كان المجنون وليلى وهما صبيان يرعيان غنما لأهلهما عند جبل في بلادهما يقال له التوباد فلما ذهب عقله وتوحش كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به

فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديدا واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم فإذا ثاب إليه عقله رأى بلدا لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم بأبي أنتم أين التوباد من أرض بني عامر فيقال له وأين أنت من أرض بني عامر أنت بالشام عليك بنجم كذا فأمه فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن فيرى بلادا ينكرها وقوما لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر فيقولون وأين أنت من أرض بني عامر عليك بنجم كذا و كذا فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد فإذا رآه قال في ذلك
( وأجْهَشْتُ للتَّوبادِ حين رأيتُه ... وكَبَّرَ للرحمن حينَ رآنِي )
( وأذرَيتُ دمعَ العين لمّا عرفتُه ... ونادى بأعلى صوته فدعانِي )
( فقلتُ له قد كان حولَك جيرةٌ ... وعهدِي بذاكَ الصّرم منذ الزمانِ )
( فقال مَضَوْا واستودَعُوني بلادَهم ... ومَنْ ذا الذي يبقَى على الحَدَثانِ )
( وإِني لأبكي اليومَ من حَذَرِي غداً ... فِراقَكَ والحيَّانِ مُجْتَمِعانِ )
( سِجَالاً وَتْهتَاناً وَوبْلاً ودِيمَةً ... وسَحًّا وتَسْجاماً إلى هَمَلانِ )
أخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب عن هارون بن موسى الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال لما قال المجنون
( خليليّ لا واللهِ لا أملكُ الذي ... قضى اللهُ في ليلى ولا ما قَضَى لِيَا )
( قضاها لغيري وابتلانِي بحبّها ... فَهَلاَّ بشيءٍ غير لَيلى ابتلانِيَا ) سلب عقله

وحدثني جحظة عن ميمون بن هارون عن إسحاق الموصلي أنه لما قالهمابرص
قال موسى بن جعفر في خبره المذكور وكان المجنون يسير مع أصحابه فسمع صائحا يصيح يا ليلى في ليلة ظلماء أو توهم ذلك فقال لبعض من معه أما تسمع هذا الصوت فقال ما سمعت شيئا قال بلى والله هاتف يهتف بليلى ثم أنشأ يقول
( أقولُ لأدْنى صاحِبَيَّ كُلَيمةٌ ... أُسِرَّتْ من الأقصى أجِبْ ذا المَنادِيَا )
( إذا سِرْتُ في الأرْضِ الفَضاءِ رأيتِني ... أُصانِعُ رَحْلي أن يَمِيلَ حِيَالِيَا )
( يميناً إذا كانت يميناً وإِن تكن ... شِمالاً يُنازِعْني الهوَى عن شِمَالِيَا )
وقال ابن شبيب وحدثني هارون بن موسى قال قلت لغرير بن طلحة الخزومي من أشعر الناس ممن قال شعرا في منى ومكة وعرفات فقال أصحابنا القرشيون ولقد أحسن المجنون حيث يقول
( وداعٍ دعا إذ نحن بالخَيفِ من مِنىً ... فهيَّجَ أحزانَ الفؤادِ وما يدري ) ( دعا باسم ليلى غيرَها فكأنما ... أطارَ بليلى طائراً كان في صدري )
فقلت له هل تروي للمجنون غير هذا قال نعم وأنشدني له
( أما والذي أرْسَى ثَبِيراً مكانه ... عليه السَّحابُ فوقه يَتَنَصَّبُ )

حذف

( وما سَلَكَ المومَاةَ من كلّ جَسْرةٍ ... طليحٍ كجفن السّيف تَهْوِي فتُركبُ )
( لقد عِشْتُ مِنْ ليلى زمانا أُحِبُها ... أخا الموت إذ بعضُ المِحبين يكذِبُ )
أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن أسحاق عن أبيه قال كانت كنية ليلى أم عمرو وأنشد للمجنون

صوت
( أبى القلبُ إلا حُبَّهُ عامريَّةً ... لها كنيةٌ عمرٌو وليس لها عمرُو )
( تكادُ يدي تَنْدَى إذا ما لمستُها ... ويُنبتُ في أطرافها الورقُ الخُضْرُ ) الغناء لعريب ثقيل أول وقال حبش فيه لإسحاق خفيف ثقيل
ليلى المنيحة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي عن دماذ عن أبي عبيدة قال خطب ليلى صاحبة المجنون جماعة من قومها فكرهتهم فخطبها رجل من ثقيف موسر فرضيته وكان جميلا فتزوجها وخرج بها فقال المجنون في ذلك
( ألا إنّ ليلى كالمَنيحةِ أصبحَتْ ... تَقَطَّعُ إلا من ثقيفٍ حِبالُها )
( فقد حبسوها مَحْبَسَ البُدْنِ وابتغَى ... بها الريحَ أقوامٌ تساحت مالُها )
( خليليّ هل مِنْ حيلةٍ تعلمانها ... يُدَنِّي لنا تكليم ليلى احتيالُها )
( فإن أنتما لم تَعْلَمَاها فلستُما ... بأوّلِ باغٍ حاجةً لا ينالُها )

( كأنّ مع الركب الذين أغتَدَوْا بها ... غمامةَ صيفٍ زعزعَتْها شَمَالُها )
( نظرتُ بمُفْضَى سَيلِ جَوْشَنَ إذ غَدَوْا ... تَخُبُّ بأطراف المَخَارِم آلُها )
( بشافيةِ الأحزان هيَّج شوقَها ... مُجَامَعَةُ الأُلاَّفِ ثم زِيَالُها )
( إذا التفتتْ من خَلْفِها وهي تَعْتَلي ... بها العِيسُ جَلَّى عَبْرَة العينِ حَالُها )
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر أحمد بن حاتم قال وأنشدناه المبرد للمجنون فقال

صوت
( وأَحْبِسُ عنكِ النفسَ والنفسُ صَبَّةٌ ... بِذِكْراكِ وَالمَمْشَى إليكِ قريبُ )
( مخافةَ أن تسعى الوُشَاةُ بِظنَّةِ ... وأَحْرُسُكم أن يستريبَ مُرِيبُ )
( فقد جعلتْ نفسي وأنتِ اجترمتِه ... وكنتِ أعزَّ الناسِ عنكِ تَطِيبُ )
( فلو شئتِ لم أَغْضَبْ عليكِ ولم يزل ... لكِ الدهرَ منِّى ما حييتُ نصيبُ )
( أمَا والذي يَبْلو السرائرِ كُلَّها ... ويعلَمُ ما تُبْدِي به وتَغِيبُ )
( لقد كنتِ ممن تَصْطَفِي النفسُ خُلَّةً ... لها دون خُلاَّنِ الصَّفاء حُجُوبُ )
ذكر يحيى المكي أنه لابن سريج ثقيل أول وقال الهشامي إنه من منحول يحيى إليه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الحسن بن محمد بن طالب

الديناري قال حدثني إسحاق الموصلي وأخبرني به محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني سعيد بن سليمان عن أبي الحسن الببغاء قال
بينا أنا وصديق لي من قريش نمشي بالبلاط ليلا إذا بظل نسوة في القمر فسمعت إحداهن تقول أهو هو فقالت لها أخرى معها إي والله إنه لهو هو فدنت مني ثم قالت يا كهل قل لهذا الذي معك
( ليستْ لياليكَ في خاخٍ بعائدةٍ ... كما عهدتَ ولا أيامُ ذي سَلَمِ )
فقلت أجب فقد سمعت فقال قد والله قطع بي وأرتج علي فأجب عني فقلت
( فقلتُ لها يا عزّ كلُّ مصيبةٍ ... إذا وُطّنتْ يوماً لها النفسُ ذَلَّتِ )
ثم مضينا حتى إذا كنا بمفرق طريقين مضى الفتى إلى منزله ومضيت إلى منزلي فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي فالتفت فقالت لي المرأة التي كلمتها تدعوك فمضيت معها حتى دخلت دارا واسعة ثم صرت إلى بيت فيه حصير وقد ثنت لي وسادة فجلست عليها ثم جاءت جارية بوسادة مثنية فطرحتها ثم جاءت المرأة فجلست عليها فقالت لي أنت المجيب قلت نعم قالت ما كان أفظ لجوابك وأغلظه فقلت لها ما حضرني غيره فسكتت ثم قالت لا والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من إنسان كان معك فقلت لها أنا الضامن لك عنه ما

تحبين فقالت هيهات أن يقع بذلك وفاء فقلت أنا الضامن وعلي أن آتيك به في الليلة القابلة فانصرفت فإذا الفتى ببابي فقلت ما جاء بك قال ظننت أنها سترسل إليك وسألت عنك فلم أعرف لك خبرا فظننت أنك عندها فجلست أنتظرك فقلت له وقد كان الذي ظننت وقد وعدتها أن آتيك فأمضي بك إليها في الليلة المقبلة فلما أصبحنا تهيأنا وانتظرنا المساء فلما جاء الليل رحلنا إليها فإذا الجارية منتظرة لنا فمضت أمامنا حين رأتنا حتى دخلت تلك الدار ودخلنا معها فإذا رائحة طيبة ومجلس قد أعد ونضد فجلسنا على وسائد قد ثنيت لنا وجلست مليا ثم أقبلت عليه فعاتبته مليا ثم قالت
صوت
( وأنتَ الذي أخلفتَني ما وعدتَني ... وأشْمَتَّ بي مَنْ كان فيكَ يلومُ )
( وأبرزتني للناس ثم تركْتَنِي ... لهم غَرَضاً أُرمَى وأنتَ سَليمُ )
( فلو كان قولُ يَكلُمُ الجلدَ قد بدا ... بِجِلْديَ من قول الوشاة كُلُومُ )
هذه الأبيات لأميمة امرأة ابن الدمينة وفيها غناء لإبراهيم الموصلي ذكره إسحاق ولم يجنسه
وقال الهشامي هو خفيف رمل
وفيه لعريب خفيف ثقيل أول ينسب إلى حكم الوادي وإلى يعقوب
قال ثم سكتت وسكت الفتى هنيهة ثم قال

( غَدَرْتِ ولم أغدِر وخُنْتِ ولم أخُنْ ... وفي بعض هذا للمحبّ عَزَاءُ )
( جزيتُكِ ضِعْفَ الودّ ثم صَرَمتِني ... فحبُّكِ من قلبي إليكِ أَداءُ )
فالتفتت إلي فقالت ألا تسمع ما يقول قد خبرتك فغمزته أن كف فكف ثم أقبلت عليه وقالت صوت
( تجاهَلْتَ وَصلي حيَن جَدّتْ عَمَايتي ... فهلاّ صرَمتَ الحبلَ إذ أنا أُبصِرُ )
( ولي من قُوَى الحبل الذي قد قطعتَه ... نصيب وإذ رأيي جميعُ مُوفَّرُ )
( ولكنما آذنتَ بالصَّرْم بغتَةً ... ولستُ على مثل الذي جئتَ أَقدِرُ )
الغناء لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن عمرو فقال
( لقد جعلتْ نفسِي وأنتِ اجترمتِه ... وكنت أعزَّ الناس عنكِ تطيبُ )
قال فبكت ثم قالت أو قد طابت نفسك لا والله ما فيك بعدها خير ثم التفتت إلي وقالت قد علمت أنك لا تفي بضمانك ولا يفي به عنك
وهذا البيت الأخير للمجنون وإنما ذكر هذا الخبر هنا وليس من أخبار المجنون لذكره فيه

رجع الخبر إلى سياقة أخبار المجنون
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي أن رهط المجنون اجتازوا في نجعة لهم بحيّ ليلى وقد جمعتْهم نُجعهٌ فرأى أبيات أهل ليلى ولم يقدم على الإلمام بهم وعدل أهله إلى جهة أخرى فقال المجنون
( لعمرُكَ إنّ البيتَ بالقِبَل الذي ... مررتُ ولم أُلْمِم عليه لَشَائِقُ )

حذف

( وبالجَزْعِ مِن أعلى الجنيبةِ منزلٌ ... شَجَا حَزنٍ صدرِي به مُتَضايِقُ )
( كأني إذا لم أَلق ليلى مُعَلَّقٌ ... بِسِبَّينِ أهْفُو بين سَهْلٍ وحَالِق )
( على أنني لو شئتُ هاجت صبابتي ... عليّ رسومٌ عيّ فيها التَّناطُقُ )
( لَعمْرُكِ إن الحبَّ يا أمَّ مالكٍ ... بقلبي براني اللهُ منه لَلاَصِقُ )
( يَضمُّ عليّ الليلُ أطرافَ حُبِّكم ... كما ضَمَّ أطرافَ القمِيص البَنَائِقُ )

صوت
( وماذا عسى الواشونَ أن يتحدّثوا ... سوى أن يقولوا إنني لكِ عاشِقُ )
( نَعَم صدق الواشونَ أنتِ حبيبةٌ ... إليّ وإن لم تَصْفُ منكِ الخلائِقُ )
الغناء لمتيم ثقيل أول من جامعها
وفيه لدعامة رمل عن حبش
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني أحمد بن الطيب قال قال ابن الكلبي دخلت ليلى على جارة لها من عقيل وفي يدها مسواك تستاك به فتنفست ثم قالت سقى الله من أهدى لي هذا المسواك فقالت لها جارتها من هو قالت قيس بن الملوح وبكت ثم نزعت ثيابها تغتسل فقالت ويحه لقد علق مني ما أهلكه من غير أن أستحق ذلك فنشدتك الله أصدق في صفتي أم كذب فقالت لا والله بل صدق قال وبلغ المجنون قولها فبكى ثم انشأ يقول
( نُبِّئْتُ ليلى وقد كنَّا نبخّلها ... قالت سقى المزنُ غيثاً منزلا خرِبَا )
( وحبَّذَا راكبٌ كُنَّا نَهَشُّ به ... يُهدِي لنا من أَراكِ الموسم القُضُبَا )

( قالتْ لجارتها يوما تُسَائِلُها ... لَمَّا استَحَمَّت وألقَتْ عندها السَّلَبَا )
( يا عَمْرُكِ الله أَلاّ قُلْتِ صادقةً ... أَصَدَقَتْ صِفةُ المجنون أم كذبَا )
ويروى نشدتك الله ويروى أصادقا وصف المجنون أم كذبا
وقال أبو نصر في أخباره لما زوجت ليلى بالرجل الثقفي سمع المجنون رجلا من قومها يقول لآخر أنت ممن يشيع ليلى قال ومتى تخرج قال غدا ضحوة أو الليلة فبكى المجنون ثم قال

صوت
( كأنّ القلبَ ليلةَ قيل يُغدَى ... بليلى العامريّةِ أو يُراحُ )
( قطاةٌ عَزَّها شرَكٌ فباتتْ ... تُجاذِبه وقد عَلِقَ الجناحُ )
الغناء ليحيى المكي خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه رمل ينسب إلى إبراهيم وإلى أحمد بن يحيى المكي وقال حبش فيه خفيف ثقيل بالوسطى لسليم
غريب الدار
وقال الهيثم بن عدي في خبره حدثني عبد الله بن عياش الهمداني قال حدثني رجل من بني عامر قال مطرنا مطرا شديدا في ربيع ارتبعناه ودام المطر ثلاثا ثم أصبحنا في اليوم الرابع على صحو وخرج الناس يمشون على الوادي فرأيت رجلا جالسا حجرة وحده فقصدته فإذا هو المجنون جالس وحده يبكي فوعظته وكلمته طويلا وهو ساكت لم يرفع رأسه إلي ثم أنشدني بصوت حزين لا أنساه أبدا وحرقته
صوت
( جَرى السَّيلُ فاستبكانِيَ السيلُ إذا جرى ... وفاضَتْ له من مُقْلَتَيَّ غُروبُ )
( وما ذَاكَ إلا حينَ أيقنتُ أنه ... يكون بوادٍ أنتِ فيه قريبُ )
( يكون أُجَاجاً دونكم فإذا انتهى ... إليكم تَلَقَّى طيبَكم فيطيبُ )
( أَظَلُّ غريبَ الدارِ في أرض عامرٍ ... ألا كلُّ مهجورٍ هناكَ غَرِيبُ )
( وإن الكثيبَ الفردَ من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيبُ )
( فَلا خَيرَ في الدنيا إذا أنتَ لم تَزُر ... حبيباًُ ولم يَطرَبْ إليكَ حبيبُ )
وأول هذه القصيدة وفيه أيضا غناء
صوت
( ألا أيّها البيتُ الذي لا أزوره ... وهِجْرانُه منّي إليه ذُنوبُ )
( هجرتُكَ مشتاقاً وزرتُكَ خائفاً ... وفيكَ عليّ الدهرَ منكَ رقيبٌ )
( سأستَعْطِفُ الأيامَ فيكَ لعلّها ... بيوم سرورٍ في هواكَ تُثِيبُ )
هذه الأبيات في شعر محمد بن أمية مروية ورويت هاهنا للمجنون في هذه القصيدة
وفيها لعريب ثقيل أول
ولعبد الله بن العباس ثاني ثقيل
ولأحمد بن المكي خفيف ثقيل
( وأُفرِدْتُ إفرادَ الطرِيد وباعدتْ ... إلى النفس حاجاتٌ وهنّ قريبُ )

صوت
( جَرى السَّيلُ فاستبكانِيَ السيلُ إذا جرى ... وفاضَتْ له من مُقْلَتَيَّ غُروبُ )
( وما ذَاكَ إلا حينَ أيقنتُ أنه ... يكون بوادٍ أنتِ فيه قريبُ )
( يكون أُجَاجاً دونكم فإذا انتهى ... إليكم تَلَقَّى طيبَكم فيطيبُ )
( أَظَلُّ غريبَ الدارِ في أرض عامرٍ ... ألا كلُّ مهجورٍ هناكَ غَرِيبُ )
( وإن الكثيبَ الفردَ من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيبُ )
( فَلا خَيرَ في الدنيا إذا أنتَ لم تَزُر ... حبيباًُ ولم يَطرَبْ إليكَ حبيبُ )
وأول هذه القصيدة وفيه أيضا غناء
صوت
( ألا أيّها البيتُ الذي لا أزوره ... وهِجْرانُه منّي إليه ذُنوبُ )
( هجرتُكَ مشتاقاً وزرتُكَ خائفاً ... وفيكَ عليّ الدهرَ منكَ رقيبٌ )
( سأستَعْطِفُ الأيامَ فيكَ لعلّها ... بيوم سرورٍ في هواكَ تُثِيبُ )
هذه الأبيات في شعر محمد بن أمية مروية ورويت هاهنا للمجنون في هذه القصيدة
وفيها لعريب ثقيل أول
ولعبد الله بن العباس ثاني ثقيل
ولأحمد بن المكي خفيف ثقيل
( وأُفرِدْتُ إفرادَ الطرِيد وباعدتْ ... إلى النفس حاجاتٌ وهنّ قريبُ )

( لئن حال يأسٌ دون لَيْلَى لربّما ... أتى اليأسُ دون الأمر فهو عَصِيبُ )
( ومنّيتِني حتى إذا ما رأيتِني ... على شَرَفٍ للناظرين يُرِيبُ )
( صدَدتِ وأشمَتِّ العدوَّ بصرْمِنا ... أثابكِ يا لَيْلَى الجزاءَ مُثيبُ )

أبلغيها السلام وقولي لها هيهات
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثنا مهدي بن سابق قال حدثنا بعض مشايخ بني عامر أن المجنون مر في توحشه فصادف حي ليلى راحلا ولقيها فجأة فعرفها وعرفته فصعق وخر مغشيا على وجهه وأقبل فتيان من حي ليلى فأخذوه ومسحوا التراب عن وجهه وأسندوه إلى صدورهم وسألوا ليلى أن تقف له وقفة فرقت لما رأته به وقالت أما هذا فلا يجوز أن أفتضح به ولكن يا فلانة لأمة لها اذهبي إلى قيس فقولي له ليلى تقرأ عليك السلام وتقول لك أعزز علي بما أنت فيه ولو وجدت سبيلا إلى شفاء دائك لوقيتك بنفسي منه فمضت الوليدة إليه وأخبرته بقولها فأفاق وجلس وقال أبلغيها السلام وقولي لها هيهات إن دائي ودوائي أنت وإن حياتي ووفاتي لفي يديك ولقد وكلت بي شقاء لازما وبلاء طويلا
ثم بكى وأنشأ يقول
( أقول لأصحابي هي الشمس ضوءُها ... قريبٌ ولكن في تَنَاوُلِها بُعدُ )
( لقد عرضتْنا الريحُ منها بنفحةٍ ... على كَبِدِي من طيبِ أرواحها بَرْدُ )
( فما زلتُ مَغْشيّاً عليَّ وقد مَضتْ ... أناةٌ وما عندي جوابٌ ولا رَدُّ )
( أُقَلَّبُ بالأيدي وأهلي بِعَوْلةٍ ... يُفدُّونني لو يستطيعون أن يَفْدُوا )
( ولم يبق إلا الجلدُ والعظمُ عاريا ... ولا عظمَ لي إن دام ما بي ولا جِلدُ )
( أَدُنيايَ مالي في انقطاعي وغُربتي ... إليكِ ثوابٌ منكِ دَينٌ ولا نَقْدُ )
( عِدِينِي بنفسِي أنتِ وعداً فربّما ... جلاَ كُربَةَ المكروب عن قلبه الوعدُ )

وقد يُبتلَى قومٌ ولا كَبليّتِي ... ولا مثلَ جَدِّي في الشقاء بكم جَدُّ )
( غَزَتنِي جنودُ الحّب من كلِّ جانبٍ ... إذا حان من جندٍ قُفُولٌ أتى جُندُ )
وقال أبو نصر أحمد بن حاتم كان أبو عمرو المدني يقول قال نوفل بن مساحق أخبرت عن المجنون أن سبب توحشه أنه كان يوما بضرية جالسا وحده إذ ناداه مناد من الجبل
( كِلاَنَا يا أُخَيّ يُحِبُ لَيْلَى ... بفِيَّ وفِيكَ من لَيْلَى الترابُ )
( لقد خَبَلتْ فؤادكَ ثم ثنَّتْ ... بقلبي فهو مَهمومٌ مُصاب
( شَرِكتُكَ في هَوَى مَن ليس تُبدِي ... لنا الأيامُ منه سِوَى اجتنابِ )

نوفل بن مساحق يروي أخبار المجنون
قال فتنفس الصعداء وغشي عليه وكان هذا سبب توحشه فلم ير له أثر حتى وجده نوفل بن مساحق قال نوفل قدمت البادية فسألت عنه فقيل لي

توحش ومالنا به عهد ولا ندري إلى أين صار فخرجت يوما أتصيد الأروى ومعي جماعة من أصحابي حتى إذا كنت بناحية الحمى إذا نحن بأراكة عظيمة قد بدا منها قطيع من الظباء فيها شخص إنسان يرى من خلل تلك الأراكة فعجب أصحابي من ذلك فعرفته وأتيته وعرفت أنه المجنون الذي أخبرت عنه فنزلت عن دابتي وتخففت من ثيابي وخرجت أمشي رويدا حتى أتيت الأراكة فارتقيت حتى صرت على أعلاها وأشرفت عليه وعلى الظباء فإذا به وقد تدلى الشعر على وجهه فلم أكد أعرفه إلا بتأمل شديد وهو يرتعي في ثمر تلك الأراكة فرفع رأسه فتمثلت ببيت من شعره
( أَتَبكي على ليلى ونفسُك باعَدتْ ... مَزَارَكَ من ليلى وشِعْبَاكُما معَا )
قال فنفرت الظباء واندفع في باقي القصيدة ينشدها فما أنسى حسن نغمته وحسن صوته وهو يقول
( فما حَسَنٌ أن تأتيَ الأمرَ طائعا ... وتَجْزَعَ أن داعي الصبابةِ أسمعا )
( بكتْ عَينيَ اليسرى فلما زجرتُها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلَتا معَا )
( وأذكرُ أيامَ الحِمَى ثم أَنثَني ... على كبدي من خَشيةٍ أن تَصدَّعا )
( فليسَتْ عَشِيَّاتُ الحِمَى برواجعٍ ... عليك ولكن خَلّ عينيكَ تَدمَعَا )
( معي كلُ غِرٍّ قد عصَى عاذلاته ... بوصل الغَوانِي من لَدُنْ أن تَرعرَعَا )
( إذ راحَ يمشِي في الرداءينِ أسرَعتْ ... إليه العيونُ الناظراتُ التطلُّعَا )

قال ثم سقط مغشيا عليه فتمثلت بقوله
( يا دارَ ليلى بسِقْطِ الحيّ قد دَرَسَتْ ... إلا الثُّمَامَ وإلا مَوْقِدَ النَّارِ )
( ما تفتأ الدهرَ من ليلى تموت كذا ... في موقف وقفتْه أو على دارِ )
( أبْلَى عظامَكَ بعد اللحمِ ذِكْرُكَهَا ... كما يُنَحِّتُ قِدْحَ الشَّوْحَطِ البارِي ) فرفع رأسه إلي وقال من أنت حياك الله فقلت أنا نوفل بن مساحق فحياني فقلت له ما أحدثت بعدي في يأسك منها فأنشدني يقول
( ألا حُجِبَتْ ليلى وآلى أميُرها ... عليّ يميناً جاهداً لا أزورُها )
( وأوعدني فيها رجالٌ أبوهُمُ ... أبي وأبوها خُشِّنَتْ لي صُدورُها )
( على غير جُرمٍ غيرَ أني أُحِبُّها ... وأنَّ فؤادي رهنُها وأسيرُها )
قال ثم سنحت له ظباء فقام يعدو في أثرها حتى لحقها فمضى معها
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال لما قال مجنون بني عامر
( قضاها لغيرِي وابتلاني بحبّها ... فهلاَّ بشيءٍ غيرِ ليلى ابتلانيا ) نودي في الليل أنت المتسخط لقضاء الله والمعترض في أحكامه واختلس عقله فتوحش منذ تلك الليلة وذهب مع الوحش على وجهه وهذه القصيدة التي قال فيها هذا البيت من أشهر أشعاره والصوت المذكور بذكره أخبار المجنون هاهنا منها
وفيها أيضا عدة أبيات يغنى فيها فمن ذلك

صوت
( أَعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ ... وقد عِشتُ دهراً لا أَعُدُّ اللّيالِيَا )
( أَرَاني إذا صَلّيتُ يمّمْتُ نحوَها ... بوجْهِي وإن كان المصلَّى ورائِيَا )
( وما بيَ إِشراكٌ ولكنَّ حبَّها ... كعُود الشجَا أعيا الطبيبَ المُداوِيَا )
( أُحِبُّ من الأسماء ما وافق اسمَها ... وأشبَهه أو كان منه مُدَانِيَاي )
في هذه الأبيات هزج خفيف لمعان معزفي
صوت
( وخبّرتمانِي أنّ تيماءَ منزلٌ ... لليلى إذا ما الصيفُ ألقَى المراسيَا )
( فهذي شهورُ الصيّف عنّي قد انقضَتْ ... فما للنَّوى تَرمِي بليلَى المراميَا ) في هذين البيتين لحن من الرمل صنعته عجوز عمير الباذغيسي على لحن إسحاق
( أَمَاوِيَّ إنّ المالَ غادٍ ورائحُ ...
وله حديث قد ذكر في أخبار إسحاق
وهذا اللحن إلى الآن يغنى لأنه أشهر في أيدي الناس وإنما هو لحن إسحاق أخذ فجعل على هذه الأبيات وكيد بذلك

صوت
( فلو كان واشٍٍ باليمامة بيتُه ... وداري بأعلَى حَضْرَمَوْتَ أهتدَي لِيَا )
( وماذا لهم لا أحسنَ اللهُ حالَهُمْ ... من الحظّ في تَصْريم ليلى حِباليَا )
( فأنتِ التي إن شئتِ أشقَيتِ عِيشتي ... وإن شئتِ بعدَ اللهِ أنعمتِ باليَا )
( وأَنتِ التي ما من صديقٍ ولا عِداً ... يَرى نِضْوَ ما أبقيتِ إلا رَثَي لِيَا )
( أمَضروبةٌ ليلى على أن أزورَها ... ومُتَّخَذٌ ذنباً لها أن تَرانيَا ) ي
( إذا سِرْتُ في الأرض الفضاءِ رأيتُني ... أٌصانِعُ رَحْلي أن يَميلَ حِيَاليَا )
( يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن ... شِمالاً يُنازِعْنِي الهوى عن شمِالِيَا )
( أُحِبُّ من ألاسماء ما وافق اسمَها ... وأشبَههُ أو كان منه مُدانيَا )
( هي السحرُ إلا أنّ للحسر رُقْيَةً ... وإِنِّيَ لا أُلْفِي لها الدهرَ راقِيَا )
وأنشد أبو نصر للمجنون وفيه غناء
صوت
( تكاد يدِي تَنْدَى إذا ما لمستُها ... وينبُتُ في أطرافها الورَقُ الخُضرُ )
( أبى القلبُ إلا حبَّها عامريَّةً ... لها كنيةٌ عمرو وليس لها عمرُو )
الغناء لعريب ثقيل أول وذكر الهشامي أن فيه لإسحاق خفيف ثقيل
المجنون بعد موت أبيه كنت سيفا لا تفل مضاربه
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه

عن الهيثم بن عدي قال أنشدني جماعة من بني عقيل للمجنون يرثي أباه ومات قبل اختلاطه وتوحشه فعقر على قبره ورثاه بهذه الأبيات
( عقَرتُ على قبر الملوّّح ناقتي ... بِذي السَّرْحِ لمّا أن جَفتْه أقاربُهْ )
( وقلتُ لها كوني عقيراً فإنّني ... غداةَ غدٍ ماشٍ وبالأمس راكبُهْ )
( فلا يُبعِدَنْكَ اللهُ يابنَ مزاحمٍ ... وكلُّ امرىءٍ لِلْموتِ لا بدّ شاربُهْ )
( فقد كنتَ طَلاّع النِّجادِ ومُعْطِيَ الْجياد ... وسيفاً لا تُفَلُّ مَضَارِبُهْ )
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب عن الحزامي عن محمد بن معن قال بلغني أن رجلا من بني جعدة بن كعب كان أخا وخلا للمجنون مر به يوما وهو جالس يخط في الأرض ويعبث بالحصى فسلم عليه وجلس عنده فأقبل يخاطبه ويعظه ويسليه وهو ينظر إليه ويلعب بيده كما كان وهو مفكر قد غمره ما هو فيه فلما طال خطابه إياه قال يا أخي أما لكلامي جواب فقال له والله يا أخي ما علمت أنك تكلمني فاعذرني فإني كما ترى مذهوب العقل مشترك اللب وبكى ثم أنشأ يقول

صوت
( وشُغِلتُ عن فَهم الحديث سِوى ... ما كان منكِ فإنه شُغْلي )
( وأُدِيمُ لَحْظَ مُحَدِّثي ليَرى ... أنْ قد فهمتُ وعندكم عَقْلِي )
الغناء لعلويه
وقال الهيثم مر المجنون بواد في أيام الربيع وحمامه يتجاوب فأنشأ يقول

صوت
( ألا يا حَمَامَ الأيكِ ما لَكَ باكياً ... أفارقْتَ إِلفاً أم جفاك حبيب
( دعاكَ الهوى والشوقُ لما ترنَّمَتْ ... هَتُوفُ الضحى بين الغصون طَروبُ )
( تُجاوِبُ وُرْقاً قد أذِنَّ لصوتها ... فكلٌّ لِكلّ مُسْعِدٌ ومُجيبُ )
الغناء لرذاذ ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى
وقال خالد بن حمل حدثني رجال من بني عامر أن زوج ليلى وأباها خرجا في أمر طرق الحي إلى مكة فأرسلت ليلى بأمة لها إلى المجنون فدعته فأقام عندها ليلة فأخرجته في السحر وقالت له سر إلي في كل ليلة ما دام القوم سفرا فكان يختلف إليها حتى قدموا
وقال فيها في آخر ليلة لقيها وودعته
( تمتّعْ بليلى إنما أنتَ هامةٌ ... من الهام يدنو كلَّ يوم حِمَامُها )
( تمتّعْ إلى أن يرجعَ الركبُ إنهم ... متى يرجعوا يَحْرُمْ عليكَ كلامُها )
مرض المجنون ولم تعده ليلى
وقال الهيثم مرض المجنون قبل أن يختلط فعاده قومه ونساؤهم ولم تعده ليلى فيمن عاده فقال
صوت
( ألا ما لِليلَى لا تُرَى عند مَضْجَعي ... بليلٍ ولا يَجْرِي بها لِيَ طائرُ )
( بلى إنّ عُجْمَ الطير تجري إذا جَرَتْ ... بليلَى ولكن ليس للطير زاجرُ )

( أحالَتْ عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الرِّمْثِ أم قد غيّبتْها المقابرُ )
الغناء لسليم ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي
( فوالله ما في القرب لي منكِ راحةٌ ... ولا البُعدُ يُسْلِيني ولا أنا صابرُ )
( ووالله ما أدرِي بأيّةِ حِيلةٍ ... وأيّ مَرَامٍ أو خِطارٍ أُخاطرُ )
( ووالله إنّ الدهرَ في ذات بينِنا ... عليّ لها في كلّ أمرٍ لجائرُ )
( فلوكنتِ إذا أزمَعْتِ هَجْري تركتِني ... جميعَ القُوى والعقلُ منّيَ وافرُ )
( ولكنَّ أيامي بحَفْل عُنَيزَةٍ ... وذِي الرِّمثِ أيامٌ جناها التجاوُرُ )
( فقد أصبح الودُّ الذي كان بيننا ... أمانيَّ نفس إن تَخَبَّرّ خابرُ )
( لَعَمْرِي لقد أَرْهَقْتِ يا أمَّ مالكٍ ... حياتي وساقَتْني إِليكِ المقادرُ )
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال حدثني بعض بني عقيل قال قيل للمجنون أي شيء رأيته أحب إليك قال ليلى قيل دع ليلى فقد عرفنا ما لها عندك ولكن سواها قال والله ما أعجبني شيء قط فذكرت ليلى إلا سقط من عيني وأذهب ذكرها بشاشته عندي غير أني رأيت ظبيا مرة فتأملته وذكرت ليلى فجعل يزداد في عيني حسنا ثم إنه عارضه ذئب وهرب منه فتبعته حتى خفيا عني فوجدت

الذئب قد صرعه وأكل بعضه فرميته بسهم فما أخطأت مقتله وبقرت بطنه فأخرجت ما أكل منه ثم جمعته إلى بقية شلوه ودفنته وأحرقت الذئب وقلت في ذلك
( أبى اللُه أن تبقَى لحيّ بشاشةٌ ... فصبراً على ما شاءه اللُه لي صبرَا )
( رأيتُ غزالاً يرتَعِي وَسْطَ روضةٍ ... فقلتُ أَرَى ليلى تراءتْ لنا ظُهْرا )
( فيا ظبيُ كُلْ رَغْداً هنيئاً ولا تخف ... فإنكَ لي جارٌ ولا تَرْهَبِ الدهرَا )
( وعندي لكم حِصنٌ حصينٌ وصارمٌ ... حُسَامٌ إذا أعملتهُ أحسنَ الهَبْرَا )
( فما راعني إلا وذئبٌ قدانتَحَى ... فأعلقَ في أحشائه النابَ والظُّفْرا )
( ففوّقتُ سهمي في كَتُوم غَمَزْتُها ... فخالط سهمي مُهجَةَ الذئبِ والنَّحْرَا )
( فأذهب غيظي قتلُه وشفى جَوًى ... بقلبَي إن الحرَّ قد يُدركُ الَوِتْرا )
قال أبو نصر بلغ المجنون قبل توحشه أن زوج ليلى ذكره وعضهه وسبه وقال أو بلغ من قدر قيس بن الملوح أن يدعي محبة ليلى وينوه باسمها فقال ليغيظه بذلك
( فإن كان فيكم بعلُ ليلى فإنّني ... وذي العرش قد قبّلتُ فاها ثمانِيا )

( وأشهَدُ عند الله أنّي رأيتُها ... وعشرون منها أصبعا مِنْ وَرَائِيا )
( أليس من البلوى التي لا شَوَى لها ... بأن زُوِّجتْ كلباً وما بُذِلتْ لِيا )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال خرج المجنون في عدة من قومه يريدون سفرا لهم فمروا في طريق يتشعب وجهتين إحداهما ينزلها رهط ليلى وفيها زيادة مرحلة فسألهم أن يعدلوا معه إلى تلك الوجهة فأبوا فمضى وحده وقال
صوت
( أأتركُ ليلى ليس بيني وبينها ... سوَى ليلةٍ إني إِذاً لَصَبُورُ )
( هَبُوني امرأً منكم أضلَّ بعيَره ... له ذِمَّةٌ إنّ الذِّمام كبيُر )
( وَللصَّاحبُ المتروكُ أعظمُ حرمةً ... على صاحبٍ مِنْ أن يَضِلَّ بعيُر )
( عفا اللهُ عن ليلَىالغداةَ فإنها ... إذا وَلِيَتْ حُكماً عليّ تَجُورُ )
الغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش وفيه لابن المارقي خفيف ثقيل عن الهشامي وفيه لعلويه رمل بالبنصر
وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن المجنون كان ذات ليلة جالسا مع أصحاب له من بني عمه وهو وله يتلظى ويتململ وهم يعظونه

ويحادثونه حتى هتفت حمامة من سرحة كانت بإزائهم فوثب قائما وقال

صوت
( لقد غَرَّدَتْ في جنح ليل حمامةٌ ... على إلفها تبكي وإني لنائمُ )
( كَذبتُ وبيتِ اللهِ لو كنتُ عاشقاً ... لمَاَ سَبَقَتْني بالبكاء الحمائمُ )
ثم بكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه فما أفاق حتى حميت الشمس عليه من غد
الغناء في هذين البيتين لعبد الله بن ذحمان ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى
وذكر أبو نصر عن أصحابه أن رجلا مر بالمجنون وهو برمل يبرين يخطط فيه فوقف عليه متعجبا منه وكان لا يعرفه فقال له ما بك يا أخي فرفع رأسه إليه وأنشأ يقول
( بِي اليأسُ والداءُ الهُيَامُ أصابني ... فَإِياكَ عنّي لايكُنْ بكَ ما بِيَا )
( كَانّ جفونَ العينِ تهمي دموعُها ... غداةَرأتْ أظعانَ ليلى غوادِيَا )
( غُروبٌ أمرَّتْها نواضحُ بُزَّلٌ ... على عَجَلٍ عُجْم يُروِّينَ صادِيا )
وقال خالد بن جمل ذكر حماد الرواية أن نفرا من أهل اليمن مروا بالمجنون فوقفوا ينظرون إليه فأنشأ يقول

( ألا أيها الركبُ اليَمَانُونَ عرِّجوا ... علينا فقد أمسى هوانَا يمانِيَا )
( نُسائِلْكُم هل سالَ نَعْمانُ بعدنا ... وحَبَّ إلينا بطنُ نَعْمانَ وادِيَا )
يقول في هذه القصيدة
صوت
( ألا يا حَمَامَيْ قَصْرِ وَدّانَ هِجْتُما ... عليّ الهوَى لمَّا تغنَّيتُما لِيَا )
( فأبكيتُماني وسْطَ صَحْبي ولم أُكن ... أبالِي دُموعَ العينِ لو كنتُ خالِيَا )
غنى في هذين البيتين علويه غناء لم ينسب
( فواللهِ إِنّي لا أُحبُّ لغير أن ... تَحُلّ بها ليلى البِرَاقَ الأَعَاليَا )
( ألا يا خليلي حُبُّ لَيْلَى مُجشِّمِي ... حياضَ المنايا أو مُقِيدي الأعادِيَا )
( ويا أيُّها القُمْريَّتان تَجاوَبَا ... بلَحْنيكما ثم اسجَعَا عَلِّلاَ نِيِا )
( فإن أنتما استَطْربتما وأردتُمَا ... لَحَاقاً بأطراف الغَضَى فاتْبعانِيَا )

نشيج العاشقين
قال أبو نصر وذكر خالد بن كلثوم أن زوج ليلى لما أراد الرحيل بها إلى بلده

بلغ المجنون أنه غاد بها فقال

صوت
( أمُزمِعةٌ للبين ليلَى ولم تَمُتْ ... كأنكَ عما قد أظلَّك غافِلُ )
( ستَعلم إن شطَّتْ بهم غُرْبةُ النّوَى ... وزالوا بليلَى أنّ لُبّك زائل )
الغناء للزبير بن دحمان ثقيل بالوسطى
قال أبو نصر قال خالد وحدثني جماعة من بني قشير أن المجنون سقم سقاما شديدا قبل اختلاطه حتى أشفى على الهلاك فدخل إليه أبوه يعلله فوجده ينشد هذه الأبيات ويبكي أحر بكاء وينشج أحر نشيج
( ألا أيُّها القلبُ الذي لَّج هائِماً ... بليلَى وليداً لم يُقطّع تمائمُه )
( أَفِقْ قد أفاقَ العاشقون وقد أَنَي ... لحالكَ أن تلقَى طبيبا تلائمُه )
( فمالَكَ مسلوبَ العَزاء كأَنّما ... تَرى نأيَ ليلَى مَغْرَماً أنتَ غارِمُه )
( أَجِدَّكَ لا تُنسيكَ لَيْلَى مُلِمَّةٌ ... تُلِمُّ ولا يُنسيك عهدا تقادُمُه )
قال ووقف مستترا ينظر إلى أظعان ليلى وقد رحل بها زوجها وقومها فلما رآهم يرتحلون بكى وجزع فقال له أبوه ويحك إنما جئنا بك متخفيا ليتروح بعض ما بك بالنظر إليهم فإذا فعلت ما أرى عرفت وقد أهدر السلطان دمك إن مررت بهم فأمسك أو فانصرف فقال مالي سبيل إلى النظر إليهم يرتحلون وأنا ساكن غير جازع ولا باك فانصرف بنا فانصرف وهو يقول
صوت
( ذُدِ الدّمعَ حتى يظعَنَ الحيّ إنّما ... دموعُكَ إن فاضت عليكَ دليلُ )

( كأنَّ دموعَ العين يومَ تحمَّلوا ... جُمانٌ على جَيب القميص يسيلُ )
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني إسحاق بن محمد عن بعض أصحابه عن ابن الأعرابي للمجنون

صوت
( ألا ليتَ ليلَى أطفأتْ حَرَّ زَفْرَةٍ ... أُعالجها لا أستطيع لها رَدَّاً )
( إذا الرّّيحُ من نَحوِ الحِمَى نَسَمَتْ لنا ... وجدتُ لمسراها وَمَنْسَمها بَرْدََا )
( على كَبِد قد كاد يُبِدي بها الهَوى ... نُدُوباً وبعضُ القوم يحسَبُني جَلْدَا )
هذا البيت الثالث خاصة يروى لابن هرمة في بعض قصائده وهو من المائة المختارة التي رواها إسحاق أوله
( أفاطم إنّ النّأيَ يُسلي من الهَوى ... )
وقد أخرج في موضع آخر
غنى في هذين البيتين عبد آل الهذلي ولحنه المختار على ما ذكره جحظة ثاني ثقيل وهما في هذه القصيدة
( وإنّي يَمَانيُّ الهوى مُنجِدُ النّوَى ... سبيلان ألقى من خلافهما جُهْدَا )
( سقَى اللهُ نَجداً من رَبيعٍ وصَيِّفٍ ... وماذا يُرَجَّى من ربيع سقَى نَجْدَا )
( بلى إنّه قد كانَ للعيش قُرّةً ... وللصَّحب والرُّكبان منزلةً حَمْدَا )
( أبَى القلبُ أن ينفكَّ من ذِكرِ نِسوَةٍ ... رِقاقٍ ولم يُخلقَن شُؤْمَاً ولا نُكْدا )

( إذا رُحْنَ يَسحَبنَ الذُّيولَ عَشيّةً ... ويقتُلْنَ بالألحاظ أنفُسَنا عَمْداَ )
( مَشَى عَيطَلاتٌ رُجَّحٌ بخصورها ... رَوادفُ وَعْثاتٌ تردُّ الخُطَا رَدَّا )
( وتَهتزّ ليلَى العامريّةُ فوقَها ... ولاثتْ بسِبّ القَزّ ذا غُدُرٍ جَعْدَا )
( إذا حَرَّك المِدرَى ضَفَائرها العُلاَ ... مَجَجْن نَدَى الريحانِ والعنبرَ الوَرْدَا )
وأخبار الهذليين تذكر في غير هذا الموضع إن شاء الله لئلا تنقطع أخبار المجنون ولهما في المائة الصوت المختارة أغان تذكر أخبارها معا إن شاء الله
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال ذكر الهيثم بن عدي وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن الهيثم عن العمري عن الهيثم بن عدي قال مر المجنون برجلين قد صادا ظبية فربطاها بحبل وذهبا بها فلما نظر إليها وهي تركض في حبالهما دمعت عيناه وقال لهما حلاها وخذا مكانها شاة من غنمي وقال ميمون في خبره وخذا مكانها قلوصا من إبلي فأعطاهما وحلاها فولت تعدو هاربة
وقال المجنون للرجلين حين رآها في حبالهما
( يا صاحِبيّ اللّذَينِ اليومَ قد أخذا ... في الحبل شِبْهاً لليلى ثم غَلاَّها )
( إني أَرى اليوم في أعطاف شاتِكُما ... مَشَابِهاً أشبَهتْ ليلَى فَحُلاَّها قال وقال فيها وقد نظر إليها وهي تعدو أشد عدو هاربة مذعورة

( أيا شبهَ ليلَى لا تُراعِي فإنّني ... لكِ اليومَ من وَحْشيِّةٍ لَصَديقُ )
( ويا شِبهَ ليلى لو تَلَبّثتِ ساعةً ... لعلّ فؤادي من جَوَاه يُفِيقُ )
( تَفِرُّ وقد أطلقتُها من وَثَاقِها ... فأنتِ لليلى لو علِمْتِ طَلِيقُ )
قمرٌ توسَّط جنح ليلٍ مبردِ
وذكر أبو نصر عن جماعة من الرواة وذكر أبو مسلم ومحمد بن الحسن الأحولُ أن ابن الأعرابيّ أخبرهما أن نسوةً جلسن إلى المجنون فقلن له ما الذي دعاك إلى أن أحللتَ بنفسك ما ترى في هَوَى ليلى وإنما هي امرأة من النساء هل لك في أن تصرِفَ هواك عنها إلى إحدانا فنُسَاعِفَكَ ونَجزيَكَ بهواكَ ويَرجِعَ إليك ما عَزَبَ من عقلك وجسمك فقال لهنَّ لو قَدَرتُ على صرف الهوى عنها إليكنَّ لصرفتهُ عنها وعن كلّ أحد بعدها وعِشتُ في الناس سويّاً مستريحاً فقلن له ما أعجبك منها فقال كل شيء رأيتُه وشاهدتُه وسمعتُه منها أعجبني والله ما رأيتُ شيئاً منها قطّ إلا كان في عيني حَسَناً وبقلبي عَلِقاً ولقد جَهَدتُ أن يَقبُحَ منها عندي شيءُ أو يَسمُجَ أو يُعاب لأسلُو عنها فلم أجده فقلن له فَصِفها لنا فأنشأ يقول
( بيضاءُ خالصةُ البياض كأنها ... قمرٌ توسّط جُنح ليلٍ مُبرَدِ )
( موسومةٌ بالحسن ذاتُ حواسدٍ ... إنَّ الجمالَ مظنةٌ للحسَّد )
( وترى مدامعها ترقرُقَ مقلةٍ ... سوداءَ ترغبُ عن سواد الأثمد )
( خودٌ إذا كثر الكلامُ تعوّذتْ ... بِحمى الحياء وإن تكلَّم تقصِدِ )

( إذا رُحْنَ يَسحَبنَ الذُّيولَ عَشيّةً ... ويقتُلْنَ بالألحاظ أنفُسَنا عَمْداَ )
( مَشَى عَيطَلاتٌ رُجَّحٌ بخصورها ... رَوادفُ وَعْثاتٌ تردُّ الخُطَا رَدَّا )
( وتَهتزّ ليلَى العامريّةُ فوقَها ... ولاثتْ بسِبّ القَزّ ذا غُدُرٍ جَعْدَا )
( إذا حَرَّك المِدرَى ضَفَائرها العُلاَ ... مَجَجْن نَدَى الريحانِ والعنبرَ الوَرْدَا )
وأخبار الهذليين تذكر في غير هذا الموضع إن شاء الله لئلا تنقطع أخبار المجنون ولهما في المائة الصوت المختارة أغان تذكر أخبارها معا إن شاء الله
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال ذكر الهيثم بن عدي وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن الهيثم عن العمري عن الهيثم بن عدي قال مر المجنون برجلين قد صادا ظبية فربطاها بحبل وذهبا بها فلما نظر إليها وهي تركض في حبالهما دمعت عيناه وقال لهما حلاها وخذا مكانها شاة من غنمي وقال ميمون في خبره وخذا مكانها قلوصا من إبلي فأعطاهما وحلاها فولت تعدو هاربة
وقال المجنون للرجلين حين رآها في حبالهما
( يا صاحِبيّ اللّذَينِ اليومَ قد أخذا ... في الحبل شِبْهاً لليلى ثم غَلاَّها )
( إني أَرى اليوم في أعطاف شاتِكُما ... مَشَابِهاً أشبَهتْ ليلَى فَحُلاَّها قال وقال فيها وقد نظر إليها وهي تعدو أشد عدو هاربة مذعورة

قال ثم قال ابن الأعرابي هذا والله من حسن الكلام ومنقح الشعر وأنشد أبو نصر للمجنون أيضا وفيه غناء قال
( كأنّ فؤادي في مخالبِ طائرٍ ... إذا ذُكِرتْ ليلَى يَشُدُّ بها قَبْضَا )
( كأنّ فِجَاجَ الأرض حَلْقة خاتَمٍ ... عليّ فما تزدادُ طولاً ولا عَرضَاً )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو مسلم عن القحذمي قال قال رجل من عشيرة المجنون له إني أريد الإلمام بحي ليلى فهل تودعني إليها شيئا فقال نعم قف بحيث تسمعك ثم قل

صوت
( اللهُ يعلمُ أنّ النفسَ هالكةٌ ... باليأس منكِ ولكنّي أُعنِّيها )
( مَنّيتُكِ النفسَ حتى قد أضرَّ بها ... واستيقَنَتْ خُلُفاً مماّ أُمنِّيها )
( وساعةٌ منك أَلهُوهَا وإن قَصُرَتْ ... أشْهَى إليّ من الدنيا وما فيها ) قال فمضى الرجل ولم يزل يرقب خلوة حتى وجدها فوقف عليها ثم قال لها يا ليلى لقد أحسن الذي يقول
( اللهُ يعلم أنّ النفسَ هالكةٌ ... باليأس مِنك ولكنيّ أُعَنّيها ) وأنشد الأبيات فبكت بكاء طويلا ثم قالت أبلغه السلام وقل له
( نفسِي فداؤكَ لو نفسي ملكتُ إذاً ... ما كان غيرُك يَجْزِيها ويُرضِيها )
( صبراً على ما قضاه الله فيكَ على ... مرارةٍ في اصطباري عنكَ أخفِيها ) قال فأبلغه الفتى البيتين وأخبره بحالها فبكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه ثم أفاق وهو يقول

( عَجِبتُ لعُروةَ العُذْرِيّ أضحى ... أحاديثاً لقومٍ بعد قومِ )
( وعروةُ مات موتاً مُسْتَريحاً ... وها أنا ميّتٌ في كلّ يومِ )
أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر للمجنون
صوت
( أيا زينةَ الدنيا التي لا ينالهُا ... مُنايَ ولا يبدو لقلبي صرِيمُها )
( بعيني قَذاةٌ من هواكِ لَوَ أنّها ... تَداوَى بمن تَهَوى لصحَّ سقيمها )
( وما صبَرَت عن ذكرِك النفسُ ساعةً ... وإن كنتُ أحياناً كثيرًا ألومها )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال سأل الملوح أبو المجنون رجلا قدم من الطائف أن يمر بالمجنون فيجلس إليه فيخبره أنه لقي ليلى وجلس إليها ووصف له صفات منها ومن كلامها يعرفها المجنون وقال له حدثه بها فإذا رأيته قد اشرأب لحديثك واشتهاه فعرفه أنك ذكرته لها ووصفت ما به فشتمته وسبته وقالت إنه يكذب عليها ويشهرها بفعله وإنها ما اجتمعت معه قط كما يصف ففعل الرجل ذلك وجاء إليه فأخبره بلقائه إياها فأقبل عليه وجعل يسائله عنها فيخبره بما أمره به الملوح فيزداد نشاطا ويثوب إليه عقله إلى أن أخبره بسبها إياها وشتمها له فقال وهو غير مكترث لما حكاه عنها

صوت
( تمرّ الصَّبَا صَفْحاً بساكن ذي الغَضَى ... ويَصَدَعُ قلبي أن يَهُبَّ هُبُوبُها )
( إذا هبَّتِ الريحُ الشَّمَالُ فإِنّما ... جوايَ بما تُهدِى إليّ جَنُوبُها )
( قريبةُ عهدٍ بالحبيب وإنما ... هَوَى كلِّ نفسٍ حيثُ كان حبيبُها )
( وحسبُ الليالي أن طَرَحْنَكَ مَطْرَحاً ... بدار قِلىً تُمِسي وأنتَ غَرِيبُها ) حلال لليلى شتمنا وانتقصنا ... هنيئا ومغفورٌ لليلى ذنوبها
ذكر أبو أيوب المديني أن الغناء في هذا الشعر لابن سريج ولم يذكر طريقته
وفيه لمتيم غناء ينسب
وذكر الهيثم بن عدي أن المجنون قال وفيه غناء
صوت
( كأن لم تكن ليلى تُزارُ بِذي الأَثْلِ ... وبالجِزْعِ من أجزاع وَدّانَ فالنخلِ )

( صديقٌ لنا فيما نَرَى غير أنها ... تَرى أن حبّي قد أحلّ لها قَتلي )

تبكي وتقول أنا ليلى
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة بن حريم عن أشياخ من بني مرة قالوا خرج منا رجل إلى ناحية الشام والحجاز وما يلي تيماء والسراة وأرض نجد في طلب بغية له فإذا هو بخيمة قد رفعت له وقد أصابه المطر فعدل إليها وتنحنح فإذا امرأة قد كلمته فقالت انزل فنزل
قال وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم فقالت سلوا هذا الرجل من أين أقبل فقلت من ناحية تهامة ونجد فقالت ادخل أيها الرجل فدخلت إلى ناحية من الخيمة فأرخت بيني وبينها سترا ثم قالت لي يا عبد الله أي بلاد نجد وطئت فقلت كلها قالت فبمن نزلت هناك قلت ببني عامر فتنفست الصعداء ثم قالت فبأي بني عامر نزلت فقلت بني الحريش فاستعبرت ثم قالت فهل سمعت بذكر فتى منهم يقال له قيس بن الملوح ويلقب بالمجنون قلت بلى والله وعلى أبيه نزلت وأتيته فنظرت إليه يهيم في تلك الفيافي ويكون مع الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له امرأة يقال لها ليلى فيبكي وينشد أشعارا قالها فيها
قال فرفعت الستر بيني وبينها فإذا فلقة قمر لم ترعيني مثلها فبكت حتى ظننت والله أن قلبها قد انصدع فقلت أيتها المرأة اتقي الله فما قلت بأسا فمكثت طويلا على تلك الحال من البكاء والنحيب ثم قالت
( ألا ليتَ شِعرِي والخُطُوبُ كثيرةٌ ... متى رَحْلُ قيسٍ مُسْتقِلٌّ فراجعُ )
( بنفسي مَنْ لا يستقلّ بِرَحْلِه ... ومَنْ هو إن لم يحفَظِ اللهُ ضائعُ )

ثم بكت حتى سقطت مغشيا عليها فقلت لها من أنت يا أمة الله وما قصتك قالت أنا ليلى صاحبته المشؤومة والله عليه غير المؤنسة له فما رأيت مثل حزنها ووجدها عليه قط

نهاية عاشق
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة وأخبرني عثمان عن الكراني عن العمري عن لقيط وحدثنا إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي وأبو مسلم المستملي عن ابن الأعرابي يزيد بعضهم على بعض
أن عثمان بن عمارة المري أخبرهم أن شيخا منهم من بني مرة حدثه أنه خرج إلى أرض بني عامر ليلقى المجنون قال فدللت على محلته فأتيتها فإذا أبوه شيخ كبير وإخوة له رجال وإذا نعم كثير وخير ظاهر فسألتهم عنه فاستعبروا جميعا وقال الشيخ والله لهو كان آثر في نفسي من هؤلاء وأحبهم إلي وإنه هوي امرأة من قومه والله ما كانت تطمع في مثله فلما أن فشا أمره وامرها كره أبوها أن يزوجها منه بعد ظهور الخبر فزوجها من غيره فذهب عقل ابني ولحقه خبل وهام في الفيافي وجدا عليها فحبسناه وقيدناه فجعل يعض لسانه وشفتيه حتى خفنا عليه أن يقطعها فخلينا سبيله فهو يهيم في هذه الفيافي مع الوحوش يذهب إليه كل يوم بطعامه فيوضع له حيث يراه فإذا تنحوا عنه جاء فأكل منه
قال فسألتهم أن يدلوني عليه فدلوني على فتى من الحي كان صديقا له وقالوا إنه لا يأنس إلا به ولا يأخذ أشعاره عنه غيره فأتيته فسألته أن يدلني عليه فقال إن كنت تريد شعره فكل شعر إلى أمس عندي وأنا ذاهب إليه غدا فإن كان قال شيئا أتيتك به فقلت بل أريد أن تدلني عليه لآتيه فقال

لي إنه إن نفر منك نفر مني فيذهب شعره فأبيت إلا أن يدلني عليه فقال اطلبه في هذه الصحارى فإذا رأيته فادن منه مستأنسا ولا تره أنك تهابه فإنه يتهددك ويتوعدك أن يرميك بشيء فلا يروعنك واجلس صارفا بصرك عنه والحظه أحيانا فإذا رأيته قد سكن من نفاره فأنشده شعرا غزلا وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذريح شيئا فأنشده إياه فإنه معجب به فخرجت فطلبته يومي إلى العصر فوجدته جالسا على رمل قد خط فيه بأصبعه خطوطا فدنوت منه غير منقبض فنفر مني نفور الوحش من الإنس وإلى جانبه أحجار فتناول حجرا فأعرضت عنه فمكث ساعة كأنه نافر يريد القيام فلما طال جلوسي سكن وأقبل يخط بأصبعه فأقبلت عليه وقلت أحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول
( ألا يا غرابَ البينِ ويحك نبِّني ... بعلمك في لبُنى وأنت خبيرُ )
( فإن أنتَ لم تُخبِر بشيءٍ علمته ... فلا طِرْتَ إلا والجناحُ كسيُر )
( ودُرْتَ بأعداد حبيبُك فيهمُ ... كما قد تَراني بالحبيب أَدورُ ) فأقبل علي وهو يبكي فقال أحسن والله وأنا أحسن منه قولا حيث أقول
( كأنّ القلبَ ليلةَ قِيلَ يغُدَى ... بليلى العامريَّةِ أو يُراحُ )
( قطاةٌ عزّها شَرَكٌ فباتت ... تُجاذِبه وقد عَلِقَ الجناحُ ) فأمسكت عنه هنيهة ثم أقبلت عليه فقلت وأحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول
( وإني لَمُفْنٍ دمعَ عَيْنَيَّ بالبكا ... حِذَاراً لِمَا قد كان أو هو كائنُ )

( وقالوا غداً أو بعد ذاكَ بليلةٍ ... فراقُ حبيبٍ لم يَبِن وهو بائنُ )
( وما كنتُ أخشى أن تكونَ مَنِيّتِي ... بكفّيكِ إلا أن مَنْ حَانَ حَائِنُ ) قال فبكى والله حتى ظننت أن نفسه قد فاضت وقد رأيت دموعه قد بلت الرمل الذي بين يديه ثم قال أحسن لعمر الله وأنا والله أشعر منه حيث أقول

صوت
( وأدْنيتِني حتى إذا ما سَبَيتِني ... بقولٍ يُحِلُ العُصْمَ سَهْلَ الأباطِحِ )
( تناءيْتِ عنّي حِينَ لا لِيَ حيلةٌ ... وخلّفتِ ما خلّفتِ بين الجوانحِ )
ويروى وغادرت ما غادرت ثم سنحت له ظبية فوثب يعدو خلفها حتى غاب عني وانصرفت وعدت من غد فطلبته فلم أجده وجاءت امرأة كانت تصنع له طعامه إلى الطعام فوجدته بحاله فلما كان في اليوم الثالث غدوت وجاء أهله معي فطلبناه يومنا فلم نجده وغدونا في اليوم الرابع نستقري أثره حتى وجدناه في واد كثير الحجارة خشن وهو ميت بين تلك الحجارة فاحتمله أهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه
ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا
قال الهيثم فحدثني جماعة من بني عامر أنه لم تبق فتاة من بني جعدة ولا بني الحريش إلا خرجت حاسرة صارخة عليه تندبه واجتمع فتيان الحي يبكون عليه أحر بكاء وينشجون عليه أشد نشيج وحضرهم حي ليلى معزين وأبوها معهم فكان أشد القوم جزعا وبكاء عليه وجعل يقول ما علمنا أن الأمر يبلغ كل

هذا ولكني كنت امرأ عربيا أخاف من العار وقبح الأحدوثة ما يخافه مثلي فزوجتها وخرجت عن يدي ولو علمت أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده ولا احتملت ما كان علي في ذلك قال فما رئي يوم كان أكثر باكية وباكيا على ميت من يومئذ

نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
منها الصوت الذي أوله
( أَلاَ يا غرابَ البين ويحكَ نَبِّني ... بعِلمكَ في لُبْنَى وأنتَ خبيُر )
الغناء لابن محرز ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لحكم
وفي رواية ابن الأعرابي أنه أنشده مكان
( أَلاَ يا غرابَ البينِ ويحكَ نَبِّني ... بعلمكَ في لُبنَى وأنتَ خبيُر )
صوت
( أَلاَ يا غرابَ البينِ هل أنتَ مُخْبِري ... بخيرٍ كما خَبَّرْتَ بالنأي ِوالشَّرِّ )
( وخبّرتَ أن قد جَدّ بَيْنٌ وقَرَّبُوا ... جِمالاً لبينٍ مُثْقَلاتٍ من الغَدْرِ )
( وهِجتَ قذَى عينٍ بلُبنَى مريضةٍ ... إذا ذُكرَتْ فاضتْ مدامعها تجرِي )
( وقلتَ كذاكَ الدهرُ ما زال فاجعاً ... صدقتَ وهل شيءٌ بباقٍ على الدهرِ )
الشعر لقيس بن ذريح والغناء لابن جامع ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيه لبحر ثقيل أول بالوسطى عن عمرو
وفيه لدحمان ثاني ثقيل عن الهشامي وعبد الله بن موسى

ومنها صوت الذي أوله
( كأنّ القلبَ ليلةَ قِيلَ يُغْدَى ... بليلى العامريّةِ أو يُرَاحُ )
ومنها الصوت الذي أوله
( وأدنيتنِي حتى إذا ما سبيتِني ... بقولٍ يُحلّ العُصْمَ سهلَ الأباطِحِ ) الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي
أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا الفضل الربعي عن محمد بن حبيب قال
لما مات مجنون بني عامر وجد في أرض خشنة بين حجارة سود فحضر أهله وحضر معهم أبو ليلى المرأة التي كان يهواها وهو متذمم من أهله فلما رآه ميتا بكى واسترجع وعلم أنه قد شرك في هلاكه فبينما هم يقلبونه إذ وجدوا خرقة فيها مكتوب
( أَلاَ أيها الشيخُ الذي ما بنا يرضَى ... شَقِيتَ ولا هُنِّيتَ من عَيشِكَ الغَضّا )
( شَقِيَت كما أشقيتَني وتركتَني ... أهِيمُ مع الهُلاّكِ لا أَطْعَمُ الغَمْضَا )
صوت
( كأنّ فؤادي في مخالب طائرٍ ... إذا ذُكِرَتْ ليلَى يَشُدّ بها قَبْضَا )
( كأن فِجاجَ الأرضِ حَلْقَةٌ خاتَمٍ ... عليّ فما تزدادُ طُولاً ولا عَرْضا )
في هذين البيتين رمل ينسب إلى سليم وإلى ابن محرز وذكر حبش والهشامي أنه لإسحاق
أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد ابن

حبيب قال حدثني بعض القشيريين عن أبيه قال
مررت بالمجنون وهو مشرف على واد في أيام الربيع وذاك قبل أن يختلط وهو يتغنى بشعر لم أفهمه فصحت به يا قيس أما تشغلك ليلى عن الغناء والطرب فتنفس تنفسا ظننت أن حيازيمه قد انقدت ثم قال

صوت
( وما أُشرِفُ الأيْفاعَ إلا صبابَةً ... ولا أُنشِدُ الأشعارَ إلا تداويا )
( وقد يجمعُ اللهُ الشتيتَينِ بعدما ... يظنّان جهد الظنّ أن لا تلاقِيا )
( لحى الله أقواماً يقولون إنّني ... وجدتُ طَوَالَ الدّهرِ للحبّ شافِيا )
والتقى القيسان ابن الملوح وابن ذريح
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال اجتاز قيس بن ذريح بالمجنون وهو جالس وحده في نادي قومه وكان كل واحد منهما مشتاقا إلى لقاء الآخر وكان المجنون قبل توحشه لا يجلس إلا منفردا ولا يحدث أحدا ولا يرد على متكلم جوابا ولا على مسلم سلاما فسلم عليه قيس بن ذريح فلم يرد عليه السلام فقال له يا أخي أنا قيس بن ذريح فوثب إليه فعانقه وقال مرحبا بك يا أخي أنا والله مذهوب بي مشترك اللب فلا تلمني فتحدثا ساعة وتشاكيا وبكيا ثم قال له المجنون يا أخي إن حي ليلى منا قريب فهل لك أن تمضي إليها فتبلغها عني السلام فقال له أفعل
فمضى قيس بن ذريح حتى أتى ليلى فسلم وانتسب فقالت له حياك الله ألك

حاجة قال نعم ابن عمك أرسلني إليك بالسلام فأطرقت ثم قالت ما كنت أهلا للتحية لو علمت أنك رسوله قل له عني أرأيت قولك
( أبَتْ ليلةُ بالغَيلِ يا أمّ مالكٍ ... لكم غيرَ حب صادقٍ ليس يكذبُ )
( ألا إنما أبقيتِ يا أُمَّ مالكٍ ... صَدىً أينما تذهبْ به الريحُ يذهبِ )
أخبرني عن ليلة الغيل أي ليلة هي وهل خلوت معك في الغيل أو غيره ليلا أو نهارا فقال لها قيس يا ابنة عم إن الناس تأولوا كلامه على غير ما أراد فلا تكوني مثلهم إنما أخبر أنه رآك ليلة الغيل فذهبت بقلبه لا أنه عناك بسوء قال فأطرقت طويلا ودموعها تجري وهي تكفكفها ثم انتحبت حتى قلت تقطعت حيازيمها ثم قالت اقرأ على ابن عمي السلام وقل له بنفسي أنت والله إن وجدي بك لفوق ما تجد ولكن لا حيلة لي فيك فانصرف قيس إليه ليخبره فلم يجده
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عمي عن ابن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال مر المجنون بعد اختلاطه بليلى وهي تمشي في ظاهر البيوت بعد فقد لها طويل فلما رآها بكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه فانصرفت خوفا من أهلها أن يلقوها عنده فمكث كذلك مليا ثم أفاق وأنشأ يقول
( بكى فرحاً بليلى إذ رآها ... محبُّ لا يرى حَسَنَاً سواها )

( لقد ظفِرَتْ يداه ونال مُلكاً ... لئن كانتْ تراه كما يراها )
الغناء لابن المكي رمل بالبنصر
وفيه لعريب ثقيل أول عن الهشامي
وفيه خفيف رمل ليزيد حوراء وقد نسب لحنه إلى ابن المكي ولحن ابن المكي إليه

صوت
من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
( رُبَّ ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمرَ بالماء الزّلالِ )
( عَصَفَ الدّهرُ بهم فانقرضوا ... وكذاكَ الدهرُ حالاً بعد حالِ )
الشعر لعدي بن زيد العبادي والغناء لابن محرز ولحنه المختار خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيه خفيف رمل آخر بالبنصر ابتداؤه نشيد ذكر عمرو بن بانة أنه لابن طنبورة وذكر أحمد بن المكي أنه لأبيه
وهذه الأبيات قالها عدي بن زيد العبادي على سبيل الموعظة للنعمان بن المنذر فيقال إنها كانت سبب دخوله في النصرانية
حدثني بذلك أحمد بن عمران المؤدب قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد ومعه عدي بن زيد فمروا بشجرة فقال له عدي بن زيد أيها الملك أتدري ما تقول هذه الشجرة قال

لا قال تقول
( رُبَّ ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمرَ بالماء الزُّلالِ )
( عَصَفَ الدهْرُ بهم فانقرضوا ... وكذاك الدهرُ حالاً بعد حالِ ) قال ثم جاوز الشجرة فمر بمقبرة فقال له عدي أيها الملك أتدري ما تقول هذه المقبرة قال لا قال تقول
( أيها الركبُ المُخبُونَ ... على الأرض المُجِدّون )
( فكما أنتم كُنّا ... وكما نحن تكونونَ ) فقال له النعمان إن الشجرة والمقبرة لا يتكلمان وقد علمت أنك إنما أردت عظتي فما السبيل التي تدرك بها النجاة قال تدع عبادة الأوثان وتعبد الله وتدين بدين المسيح عيسى بن مريم قال أوفي هذا النجاة قال نعم فتنصر يومئذ وقد قيل إن هذه القصة كانت لعدي مع النعمان الأكبر بن المنذر وإن النعمان الذي قتله هو ابن المنذر بن النعمان الأكبر الذي تنصر
وخبر هذا يأتي مع أحاديث عدي

ذكر عدى بن زيد ونسبه وقصته ومقتله
هو عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار
وكان أيوب هذا فيما زعم ابن الأعرابي أول من سمي من العرب أيوب شاعر فصيح من شعراء الجاهلية وكان نصرانيا وكذلك كان أبوه وأمه وأهله وليس ممن يعد في الفحول وهو قروي
وكانوا قد أخذوا عليه أشياء عيب فيها
وكان الأصمعي وأبو عبيدة يقولان عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها
وكذلك عندهم أمية بن أبي الصلت ومثلهما كان عندهم من الإسلاميين الكميت والطرماح قال العجاج كانا يسألاني عن الغريب فأخبرهما به ثم أراه في شعرهما وقد وضعاه

في غير مواضعه فقيل له ولم ذاك قال لأنهما قرويان يصفان ما لم يريا فيضعانه في غير موضعه وأنا بدوي أصف ما رأيت فأضعه في مواضعه
وكذلك عندهم عدي وأمية

آل عدي في الحيرة
قال ابن الأعرابي فيما أخبرني به علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن محمد بن حبيب عنه وعن هشام بن الكلبي عن أبيه قال سبب نزول آل عدي بن زيد الحيرة أن جده أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرىء القيس بن زيد مناة فأصاب دما في قومه فهرب فلحق بلبن قلام أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة
وكان بين أيوب بن محروف وبين أوس بن قلام هذا نسب من قبل النساء فلما قدم عليه أيوب بن محروف أكرمه وأنزله في داره فمكث معه ما شاء الله أن يمكث ثم أن أوسا قال له يا بن خال أتريد المقام عندي وفي داري فقال له أيوب نعم فقد علمت أني أن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دما لم أسلم وما لي دار إلا دارك آخر الدهر قال أوس إني إن قد كبرت وأنا خائف أن أموت فلا يعرف ولدي لك من الحق مثل ما أعرف وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمر يقطعون فيه الرحم فانظر أحب مكان في الحيرة إليك فأعلمني به لأقطعكه أو أبتاعه لك قال وكان لأيوب صديق في الجانب الشرقي من الحيرة وكان منزل أوس في الجانب الغربي فقال له قد أحببت أن يكون

المنزل الذي تسكننيه عند منزل عصام بن عبدة أحد بني الحارث بن كعب فابتاع له موضع داره بثلثمائة أوقية من الذهب وأنفق عليها مائتي أوقية ذهب وأعطاه مائتين من الإبل برعائها وفرسا وقينة فمكث في منزل أوس حتى هلك ثم تحول إلى داره التي في شرقي الحيرة فهلك بها
وقد كان أيوب اتصل قبل مهلكه بالملوك الذين كانوا بالحيرة وعرفوا حقه وحق ابنه زيد بن أيوب وثبت أيوب فلم يكن منهم ملك يملك إلا ولولد أيوب منه جوائز وحملان

مقتل زيد بن أيوب
ثم إن زيد بن أيوب نكح امرأة من آل قلام فولدت له حمادا فخرج زيد بن أيوب يوما من الأيام يريد الصيد في ناس من أهل الحيرة وهم منتدون بحفير المكان الذي يذكره عدي بن زيد في شعره فانفرد في الصيد وتباعد من أصحابه فلقيه رجل من بني امرىء القيس الذين كان لهم الثأر قبل أبيه فقال له وقد عرف فيه شبه أيوب ممن الرجل قال من بني تميم قال من أيهم قال مرئي قال له الأعرابي وأين منزلك قال الحيرة قال أمن بني أيوب أنت قال نعم ومن أين تعرف بني أيوب واستوحش من الأعرابي وذكر الثأر الذي هرب أبوه منه فقال له سمعت بهم ولم يعلمه أنه قد عرفه فقال له زيد بن أيوب فمن أي العرب أنت قال أنا امرؤ من طيىء فأمنه زيد وسكت عنه ثم إن الأعرابي اغتفل زيد بن أيوب فرماه بسهم فوضعه بين كتفيه ففلق قلبه فلم يرم حافر دابته حتى مات فلبث أصحاب زيد حتى إذا كان الليل طلبوه وقد افتقدوه وظنوا أنه قد أمعن في طلب الصيد فباتوا يطلبونه حتى يئسوا منه ثم غدوا في طلبه فاقتفوا أثره حتى وقفوا عليه ورأوا معه أثر راكب يسايره فاتبعوا الأثر حتى وجدوه قتيلا فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله فاتبعوه وأغدوا السير فأدركوه مساء الليلة الثانية فصاحوا

به وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنبل حتى حال الليل بينهم وبينه وقد أصاب رجلا منهم في مرجع كتفيه بسهم فلما أجنه الليل مات وأفلت الرامي فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجلا آخر معه من بني الحارث بن كعب فمكث حماد في أخواله حتى أيفع ولحق بالوصفاء فخرج يوما من الأيام يلعب مع غلمان بني لحيان فلطم اللحياني عين حماد فشجه حماد فخرج أبو اللحياني فضرب حمادا فأتى حماد أمه يبكي فقالت له ما شأنك فقال ضربني فلان لأن ابنه لطمني فشججته فجزعت من ذلك وحولته إلى دار زيد بن أيوب وعلمته الكتابة في دار أبيه فكان حماد أول من كتب من بنى أيوب فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب الملك النعمان الأكبر فلبث كاتبا له حتى ولد له ابن من امرأة تزوجها من طيىء فسماه زيدا باسم أبيه وكان لحماد صديق من الدهاقين العظماء يقال له فروخ ماهان وكان محسنا إلى حماد فلما حضرت حمادا الوفاة أوصى بابنه زيد إلى الدهقان وكان من المرازبة فأخذه الدهقان إليه فكان عنده مع ولده وكان زيد قد حذق الكتابة والعربية قبل أن يأخذه الدهقان فعلمه لما أخذه الفارسية فلقنها وكان لبيبا فأشار الدهقان على كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه ولم يكن كسرى يفعل ذلك إلا بأولاد المرازبة فمكث يتولى ذلك لكسرى زمانا ثم إن النعمان النصري اللخمي هلك فاختلف أهل الحيرة فيمن يملكونه إلى أن يعقد كسرى الأمر لرجل ينصبه فأشار عليهم المرزبان

بزيد بن حماد فكان على الحيرة إلى أن ملك كسرى المنذر بن ماء السماء ونكح زيد بن حماد نعمة بنت ثعلبة العدوية فولدت له عديا وملك المنذر وكان لا يعصيه في شيء وولد للمرزبان ابن فسماه شاهان مرد
فلما تحرك عدي بن زيد وأيفع طرحه أبوه في الكتاب حتى إذا حذق أرسله المرزبان مع ابنه شاهان مرد إلى كتاب الفارسية فكان يختلف مع ابنه ويتعلم الكتابة والكلام بالفارسية حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر وتعلم الرمي بالنشاب فخرج من الأساورة الرماة وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها
ثم إن المرزبان وفد على كسرى ومعه ابنه شاهان مرد فبينما هما واقفان بين يديه إذ سقط طائران على السور فتطاعما كما يتطاعم الذكر والأنثى فجعل كل واحد منقاره في منقار الآخر فغضب كسرى من ذلك ولحقته غيرة فقال للمرزبان وابنه ليرم كل واحد منكما واحدا من هذين الطائرين فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال وملأت أفواهكما بالجوهر ومن أخطأ منكما عاقبته فاعتمد كل واحد منهما طائرا منهما ورميا فقتلاهما جميعا فبعثهما إلى بيت المال فملئت أفواهما جوهرا وأثبت شاهان مرد وسائر أولاد المرزبان في صحابته فقال فروخ ماهان عند ذلك للملك

عدي كاتب كسرى وموفده إلى ملك الروم
إن عندي غلاما من العرب مات أبوه وخلفه في حجري فربيته فهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية والملك محتاج إلى مثله فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل فقال ادعه فأرسل إلى عدي بن زيد وكان جميل الوجه فائق الحسن وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه فلما كلمه وجده أظرف الناس وأحضرهم جوابا فرغب فيه وأثبته مع ولد المرزبان فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى فرغب أهل الحيرة إلى عدي ورهبوه فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصة وهو معجب به قريب منه وأبوه زيد بن حماد يومئذ حي إلا أن ذكر عدي قد ارتفع وخمل ذكر أبيه فكان عدي إذا دخل على المنذر قام جميع من عنده حتى يعقد عدي فعلا له بذاك صيت عظيم فكان إذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أبيه وأهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين وأكثر وأقل ثم إن كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده فلما أتاه عدي بها أكرمه وحمله إلى عماله على البريد ليريه سعة أرضه وعظيم ملكه وكذلك كانوا يصنعون فمن ثم وقع عدي بدمشق وقال فيها الشعر
فكان مما قاله بالشأم وهي أول شعر قاله فيما ذكر
( رُبَّ دارٍ بأسفلِ الجِزْع مِنْ دُومَةَ ... أشْهَى إليّ مِنْ جَيرُون )

( ونَدَامَى لا يَفرحونَ بما نالُوا ... ولا يرهَبُونَ صَرْفَ المَنُونِ )
( قد سُقِيتُ الشَّمُولَ في دارِ بِشْرٍ ... قَهْوَةً مُرَّةً بماء سَخِينِ ) ثم كان أول ما قاله بعدها قوله
( لمِن الدارُ تعفَّتْ بخِيَمْ ... أصبحَتْ غيَّرها طولُ القِدَمْ )
( ما تَبِينُ العينُ من آياتها ... غيرَ نُؤْيٍ مثل خطٍّ بالقَلَمْ )
( صالحا قد لفَّها فاستَوسقَتْ ... لفَّ بازيِّ حَمَاماً في سَلَمْ )
قال وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق حتى أصلح أبوه بينهم لأن أهل الحيرة حين كان عليهم المنذر أرادوا قتله لأنه كان لا يعدل فيهم وكان يأخذ من

أموالهم ما يعجبه فلما تيقن أن أهل الحيرة قد أجمعوا على قتله بعث إلى زيد بن حماد بن زيد بن أيوب وكان قبله على الحيرة فقال له يا زيد أنت خليفة أبي وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة فلا حاجة لي في ملككم دونكموه ملكوه من شئتم فقال له زيد إن الأمر ليس إلي ولكني أسبر لك هذا الأمر ولا آلوك نصحا فلما أصبح غدا إليه الناس فحيوه تحية الملك وقالوا له ألا تبعث إلى عبدك الظالم يعنون المنذر فتريح منه رعيتك فقال لهم أولا خير من ذلك قالوا أشر علينا قال تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك وأنا آتيه فأخبره أن أهل الحيرة قد اختاروا رجلا يكون أمر الحيرة إليه إلا أن يكون غزوٌ أو قتال فلك اسم الملك وليس إليك سوى ذلك من الأمور قالوا رأيك أفضل
فأتى المنذر فأخبره بما قالوا فقبل ذلك وفرح وقال إن لك يا زيد علي نعمة لا أكفرها ما عرفت حق سبد وسبد صنم كان لأهل الحيرة فولى أهل الحيرة زيدا على كل شيء سوى اسم الملك فإنهم أقروه للمنذر وفي ذلك يقول عدي
( نحن كنّا قد علِمْتُمْ قبلَكُمْ ... عَمَدَ البيتِ وأوتادَ الإِصَارِ )
قال ثم هلك زيد وابنه عدي يومئذ بالشأم وكانت لزيد ألف ناقة الحمالات كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولوه ما ولوه فلما هلك أرادوا أخذها فبلغ ذلك المنذر فقال لا واللات والعزى لا يؤخذ مما كان في يد زيد ثفروق وأنا أسمع الصوت
ففي ذلك يقول عدي بن زيد لابنه النعمان بن المنذر

( وأبوكَ المرءُ لم يُشْنأُ به ... يومَ سِيمَ الخَسْفَ منّا ذو الخَسَارِ )
قال ثم إن عديا قدم المدائن على كسرى بهدية قيصر فصادف أباه والمرزبان الذي رباه قد هلكا جميعا فاستأذن كسرى في الإلمام بالحيرة فأذن له فتوجه إليها وبلغ المنذر خبره فخرج فتلقاه في الناس ورجع معه
وعدي أنبل أهل الحيرة في أنفسهم ولو أراد أن يملكوه لملكوه ولكنه كان يؤثر الصيد واللهو واللعب على الملك فمكث سنين يبدو في فصلي السنة فيقيم في جفير ويشتو بالحيرة ويأتي المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى فمكث كذلك سنين وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع مبدى من مبادي العرب ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر وكانت إبله في بلاد بني ضبة وبلاد بني سعد و كذلك كان أبوه يفعل لا يجاوز هذين الحيين بإبله ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر وهي يومئذ جارية حين بلغت أو كادت
وخبره يذكر في تزويجها بعد هذا
قال ابن حبيب وذكر هشام بن الكلبي عن إسحاق بن الجصاص وحماد

الراوية وأبي محمد بن السائب قال كان لعدي بن زيد أخوان أحدهما اسمه عمار ولقبه أبي والآخر اسمه عمرو ولقبه سمي وكان لهم أخ من أمهم يقال له عدي بن حنظلة من طيىء وكان أبي يكون عند كسرى وكانوا أهل بيت نصارى يكونون مع الأكاسرة ولهم معهم أكل وناحية يقطعونهم القطائع ويجزلون صلاتهم
وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان بن المنذر في حجر عدي بن زيد فهم الذين أرضعوه وربوه وكان للمنذر ابن آخر يقال له الأسود أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب فأرضعه ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مر ينا ينتسبون إلى لخم وكانوا أشرافا
وكان للمنذر سوى هذين من الولد عشرة وكان ولده يقال لهم الأشاهب من جمالهم فذلك قول أعشى بن قيس بن ثعلبة
( وبنو المنذرِ الأشاهب في الحِيْرَة ... ِيمشونَ غُدْوَةً كالسيوفِ )

دهاء عدي وسعيه في ولاية النعمان
وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيرا وأمه سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك فلما احتضر المنذر وخلف أولاده العشرة وقيل بل كانوا ثلاثة عشر أوصى بهم إلى إياس بن قبيصة الطائي وملكه على الحيرة إلى

أن يرى كسرى رأيه فمكث مملكا عليها أشهرا وكسرى في طلب رجل يملكه عليهم وهو كسرى بن هرمز فلم يجد أحدا يرضاه فضجر فقال لأبعثن إلى الحيرة اثني عشر الفا من الأساورة ولأملكن عليهم رجلا من الفرس ولآمرنهم أن ينزلوا على العرب في دورهم ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم وكان عدي بن زيد واقفا بين يديه فأقبل عليه وقال ويحك يا عدي من بقي من آل المنذر وهل فيهم أحد فيه خير فقال نعم أيها الملك السعيد إن في ولد المنذر لبقية وفيهم كلهم خير فقال ابعث إليهم فأحضرهم فبعث عدي إليهم فأحضرهم وأنزلهم جميعا عنده ويقال بل شخص عدي بن زيد إلى الحيرة حتى خاطبهم بما أراد وأوصاهم ثم قدم بهم على كسرى قال فلما نزلوا على عدي بن زيد أرسل إلى النعمان لست أملك غيرك فلا يوحشنك ما أفضل به إخوتك عليك من الكرامة فإني إنما أغترهم بذلك ثم كان يفضل إخوته جميعا عليه في النزل والإكرام والملازمة ويريهم تنقصا للنعمان وأنه غير طامع في تمام أمر على يده وجعل يخلو بهم رجلا رجلا فيقول أذا أدخلتكم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم وأجملها وإذا دعا لكم بالطعام لتأكلوا فتباطؤوا في الأكل وصغروا اللقم ونزروا ما تأكلون فأذا قال لكم أتكفونني العرب فقولوا نعم فإذا قال لكم فإن شذ أحدكم عن الطاعة وأفسد أتكفوننيه فقولوا لا إن بعضنا لا يقدر على بعض ليهابكم ولا يطمع في تفرقكم ويعلم أن للعرب منعة وبأسا فقبلوا منه وخلا بالنعمان فقال له البس ثياب السفر وادخل متقلدا بسيفك وإذا جلست للأكل فعظم اللقم وأسرع المضغ والبلع وزد في الأكل وتجوع قبل ذلك فإن كسرى يعجبه كثرة الأكل من العرب خاصة ويرى أنه لا خير في العربي إذا لم يكن أكولا شرها ولا سيما إذا رأى غير طعامه وما لا عهد له بمثله وإذا سألك هل تكفيني العرب فقل نعم فإذا قال لك فمن لي بإخوتك فقل له إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم لأعجز قال وخلا ابن مرينا بالأسود فسأله عما أوصاه به

عدي فأخبره فقال غشك والصليب والمعمودية وما نصحك ولئن أطعتني لتخالفن كل ما أمرك به ولتملكن ولئن عصيتني ليملكن النعمان ولا يغرنك ما أراكه من الإكرام والتفضيل على النعمان فإن ذلك دهاء فيه ومكر وإن هذه المَعَدِّيّة لا تخلو من مكرٍ وحيلةٍ فقال له إن عدياً لم يألُني نصحاً وهو أعلم بِكسْرى منك وإن خالفُته أوحشُته وأفسد عليّ وهو جاء بنا ووصَفَنا وإلى قوله يرجع كسْرى فلمَّا أيِسَ ابن مَرِينَا من قبوله منه قال ستَعلمُ ودعا بهم كسْرى فلما دخلوا عليه أعجبه جمالُهم وكمالُهم ورأى رجالاً قَلَّما رأى مثلَهم فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم به عديّ فجعل ينظر إلى النعمان مِنْ بينهم ويتأمّلُ أكله فقال لعديّ بالفارسية إن يكن في أحد منهم خيرٌ ففي هذا فلما غسلوا أيديَهم جعل يدعو بهم رجلا رجلا فيقول له أتكفيني العرب فيقول نعم أكفيكها كلها إلا إخوتي حتى انتهى إلى النعمان آخرهم فقال له أتكفيني العرب قال نعم قال كلها قال نعم قال فكيف لي بإخوتك قال إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز فملكه وخلع عليه وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب

توعد ابن مرينا لعدي وتدبير المكيدة له
فلما خرج وقد ملك قال ابن مرينا للأسود دونك عقبى خلافك لي ثم إن عديا صنع طعاما في بيعة وأرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت فإن لي حاجة فأتى في ناس فتغدوا في البيعة فقال عدي بن زيد لابن مرينا ياعدي إن أحق من عرف الحق ثم لم يلم عليه من كان مثلك وإني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان فلا تلمني على شيء كنت على مثله وأنا أحب ألا تحقد علي شيئا لو قدرت عليه ركبته وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيك من نفسي فإن نصيبي في هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك وقام إلى البيعة فحلف ألا يهجوه أبدا ولا يبغيه غائلة ولا يزوي عنه خيرا

أبدا
فلما فرغ عدي بن زيد قام عدى بن مرينا فحلف مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقي
وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد
( ألا أبلغ عديّاً عن عديٍّ ... فلا تجزَعْ وإِن رَثَّتْ قُوَاكا )
( هياكلَنا تَبَرَّ لغير فَقْرٍ ... لِتُحمَدَ أو يَتِمَّ به غِنَاكَا )
( فإِن تظفَرْ فلم تظفر حميداً ... وإن تَعطَبْ فلا يَبْعُدْ سِوَاكا )
( نَدِمتَ نَدامةً الكُسعيّ لمَّا ... رأتْ عيناكَ ما صنعتْ يداكا )
قال ثم قال عدي بن مرينا للأسود أما إذا لم تظفر فلا تعجزن أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام كيدها ومكرها وأمرتك أن تعصيه فخالفتني قال فما تريد قال أريد ألا تأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها علي ففعل
وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة فلم يكن في الدهر يوم يأتي إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا فصار من أكرم الناس عليه حتى كان لا يقضي في ملكه شيئا إلا بأمر ابن مرينا وكان إذا ذكر عدي بن زيد عند النعمان أحسن الثناء عليه وشيع ذلك بأن يقول إن عدي بن زيد فيه مكر وخديعة والمعدي لا يصلح إلا هكذا
فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه إذا رأيتموني أذكر عديا عند الملك بخير فقولوا إنه لكذلك ولكنه لا يسلم عليه أحد وإنه ليقول إن الملك يعني النعمان عامله وإنه هو ولاه ما ولاه فلم يزالوا بذلك حتى أضغنوه عليه فكتبوا كتابا على لسانه إلى قهرمان له

ثم دسوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه وأتوا به النعمان فقرأه فاشتد غضبه فأرسل إلى عدي بن زيد

عدي في حبس النعمان يقول شعرا
عزمت عليك إلا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك وعدي يومئذ عند كسرى فاستأذن كسرى فأذن له
فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد فجعل عدي يقول الشعر وهو في الحبس فكان أول ما قاله وهو محبوس من الشعر
( ليتَ شِعْرِي عن الهمام ويأتيكَ ... بخُبْرِ الأنباء عطفُ السُّؤالِ )
( أين عنَّا إخطارُنا المالَ والأنفُسَ ... إذ ناهَدُوا لِيومِ المِحال )
( ونِضَالي في جنبكَ الناسَ يرمُون ... وأَرْمِي وكُلُّنا غَيرُ آلي )
( فأُصيبُ الذي تُريد بلا غِشٍّ ... وأُرْبي عليهِمُ وأُوالِي )

( ليتَ أَنِّي أخذتُ حَتْفِي بكَفَّيّ ... ولم ألْقَ مِيتَةَ الأَقْتَالِ )
( مَحَلوا مَحْلَهُمْ لصَرْعَتِنَا العامَ ... فقد أوقَعُوا الرحَا بالثِّفَال )
وهي قصيدة طويلة
قالوا وقال أيضا وهو محبوس
( أرِقْتُ لمكفَهِرٍّ بات فيه ... بَوَارِقُ يَرْتَقِينَ رُؤُوسَ شِيبِ )
( تَلُوح المشرَفيَّةُ في ذُرَاه ... ويجلو صفحَ دَخدار قَشيبِ ) ويروى تخال المشرفية الدخدار فارسية معربة وهو الثوب المصون
يقول فيها
( سعى الأعداءُ لا يألون شرّاً ... عليّ وربِّ مكة والصليبِ )
( أرادوا كي تُمهِّلَ عن عدِيٍّ ... ليُسجنَ أو يُدهْدَه في القليبِ )
( وكنتُ لِزازَ خَصمِكَ لم أُعَرِّدْ ... وقد سَلكوكَ في يومٍ عصِيب )

( أُعَالِنُهمْ وأُبطِنُ كلّ سرٍّ ... كما بينَ اللِّحاء إلى العَسِيبِ )
( فَفُزْتُ عليهمُ لمّا التَقينَا ... بتاجِكَ فوزَة القِدْح الأرِيبِ )
( وما دَهْرِي بأن كُدِّرتُ فضلاً ... ولكن ما لقيتُ من العَجِيبِ )
( ألا مَنْ مُبلِغُ النعمانِ عنّي ... وقد تُهْدَى النَّصيحةُ بالمغيبِ )
( أحظّي كان سِلْسِلةً وقَيْداً ... وغُلاًّ والبيانُ لَدى الطبيبِ )
( أتاكَ بأنّني قد طالَ حبسِي ... ولم تَسْأَم بمسجونٍ حَرِيبِ )
( وبَيْتي مُقْفِرٌ إلا نساءً ... أراملَ قد هَلَكْنَ من النّحيبِ )
( يُبَادِرْنَ الدموعَ على عَديٍّ ... كَشَنٍّ خانَه خَرْزُ الرَّبيبِ )
( يُحاذِرْنَ الوُشاةَ على عَدِيّ ... وما اقترفُوا عليه من الذُّنُوبِ )
( فإن أخطأتُ أو أوهمْتُ أمراً ... فقد يهِمُ المصافي بالحبيبِ )
( وإن أظْلِمْ فقد عاقَبْتُموني ... وإِن أُظْلَمْ فذلِكَ من نصيبي )
( وإن أهلِكْ تجدْ فقدي وتُخذَلْ ... إذا التَقتِ العَوالي في الحروبِ )
( فهل لكَ أن تَداركَ ما لدينا ... ولا تُغْلَبْ على الرأي المصيبِ )
( فإِني قد وَكَلْتُ اليومَ امري ... إلى ربٍّ قريبٍ مستجيبِ ) قالوا وقال فيه أيضا طال ذا الليلُ علينا واعتكَرْ ... وكأني ناذرُ الصبح سَمَرْ )

( مِنْ نجّي الهمّ عندي ثاوياً ... فوقَ ما أُعْلِنُ منه وأُسِرُّ )
( وكأن الّليل فيه مثلُه ... ولَقدْماً ظُنَّ بالليلِ القِصَرْ )
( لم أُغَمِّضْ طولَه حتى انقضى ... أتمنّى لو أَرَى الصُّبحَ جَشَرْ )
( غير مَا عِشْقٍ ولكن طارَقٌ ... خَلَسَ النومَ وأجداني السَّهَرْ )
وفيها يقول
( أبِلغِ النُّعمانَ عَنِّي مَأْلُكاً ... قولَ مَنْ قد خافَ ظَنّاً فاعتذَرْ )
( أنّنِي والله فاقبلْ حَلِفِي ... لأَبِيلٌ كُلَّمَا صَلَّى جَأَرْ )
( مُرْعَدٌ أحشاؤُه في هَيكَلٍ ... حَسَن لِمتُه وافي الشَّعَرْ )
( ما حَمَلْتُ الغِلَّ مِنْ أعدائِكم ... ولَدَى اللهِ مِنَ العِلْمِ المُسَرّْ )
( لا تكونَنَّ كَآسِي عَظْمِه ... بِأَساً حتى إِذا العَظْمُ جَبَرْ )
( عَادَ بعدَ الجَبْرِ يَبْغي وَهْنَهُ ... يَنْحُوَنَّ المَشيَ مِنه فانكَسَرْ )
( واذْكُرِ النُّعمَى التي لم أنَسَها ... لكَ في السَّعي إِذا العبدُ كَفَرْ ) وقا ل له أيضا وهي قصيدة طويلة
( أَبلِغِ النُّعمانَ عنّي مَأْلُكاً ... أنه قد طال حَبسِي وانتِظَارِي )

( لو بغير الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماءِ اعِتِصَارِي )
( ليتَ شِعري عن دخيلٍ يفترِي ... حيثما أدركَ لَيلي ونَهاري )
( قاعِداً يكرُبُ نفسي بَثُّها ... وحراماً كان سِجْني واحتِصَارِي )
( أَجْلَ نُعْمَى ربَّها أوَّلُكُمْ ... ودُنُوّي كان مِنكم واصْطِهَاري ) في قصائد كثيرة كان يقولها فيه ويكتب بها إليه فلا تغني عنده شيئا
هذه رواية الكلبي

لماذا حبس النعمان عديا
وأما المفضل الضبي فإنه ذكر أن عدي بن زيد لما قدم على النعمان صادفه لا مال عنده ولا أثاث ولا ما يصلح لملك وكان آدم إخوته منظرا وكلهم أكثر مالا منه فقال له عدي كيف أصنع بك ولا مال عندك فقال له النعمان ما أعرف لك حيلة إلا ما تعرفه أنت فقال له قم بنا نمض إلى ابن قردس رجل من أهل الحيرة من دومة فأتياه ليقترضا منه مالا فأبى أن يقرضهما وقال ما عندي شيء فأتيا جابر بن شمعون وهو الأسقف أحد بني الأوس بن قلام بن بطين بن جمهير ابن لحيان من بني الحارث بن كعب فاستقرضا منه مالا فأنزلهما عنده ثلاثة أيام يذبح لهم ويسقيهم الخمر فلما كان في اليوم الرابع قال لهما ما تريدان فقال له عدي تقرضنا أربعين ألف درهم يستعين بها النعمان على أمره عند كسرى فقال لكما عندي ثمانون ألفا ثم أعطاهما إياها فقال النعمان لجابر لا جرم لا

جرى لي درهم إلا على يديك إن أنا ملكت
قال وجابر هو صاحب القصر الأبيض بالحيرة ثم ذكر من قصة النعمان وإخوته وعدي وابن مرينا مثل ما ذكره ابن الكلبي
وقال المفضل خاصة إن سبب حبس النعمان عدي بن زيد أن عديا صنع ذات يوم طعاما للنعمان وسأله أن يركب إليه ويتغدى عنده هو وأصحابه فركب النعمان إليه فاعترضه عدي بن مرينا فاحتبسه حتى تغدى عنده هو وأصحابه وشربوا حتى ثملوا ثم ركب إلى عدي ولا فضل فيه فأحفظه ذلك ورأى في وجه عدي الكراهة فقام فركب ورجع إلى منزله فقال عدي بن زيد في ذلك من فعل النعمان
( أحَسِبْتَ مجلِسَنا وحُسْنَ حديثِنا يُودِي بمالِكْ ... )
( فالمالُ والأهلون مَصْرَعَةُ لأمرِكَ أو نَكَالِك ... ْ )
( ما تأمُرَنْ فينا فأمرُكَ في يمينكَ أو شِمالِكْ ... )
قال وأرسل النعمان ذات يوم إلى عدي بن زيد فأبى أن يأتيه ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه وقد كان النعمان شرب فغضب وأمر به فسحب من منزله حتى انتهي به إليه فحبسه في الصنين ولج في حبسه وعدي يرسل إليه بالشعر فما قاله له
( لَيس شيءٌ على المنونِ ببَاقِ ... غيرُ وجه المسبَّح الخَلاَّقِ )
( إن نَكُنْ آمِنِينَ فاجأنا شَرٌّ ... مُصيبٌ ذَا الوُدِّ والإِشفَاقِ )
( فَبريءٌ صدرِي من الظلم للرَّبّ ... وحِنْثٍ بِمُعْقَدِ الميثاقِ )
( ولقد ساءني زيارةُ ذي قُرْبى ... حبيبٍ لودّنا مُشتاقِ )

( ساءه ما بنا تَبَيَّنَ في الأيدي ... وإشناقُها إلى الأعناق )
( فاذهبِي يا أُمَيمَ غيرَ بعيدٍ ... لايُؤَاتِي العِنَاقُ مَنْ في الوَثاقِ )
( واذهَبِي يا أمَيمَ إن يشأ اللّهُ ... يُنْفِّسْ مِنْ أَزْمِ هذا الخِناق )
( أو تَكنْ وِجهَةٌ فتلكَ سبيلُ الناس ... لا تَمَنعُ الحتوفَ الرَّواقِي ) ويقول فيها
( وتقول العُداةُ أَودَى عديٌّ ... وبنوه قد أيقنوا بغَلاَقِ )
( يا أبا مُسْهِرٍ فَأبلِغْ رسولاً ... إخوتي إن أتيتَ صَحْنَ العِرَاق )
( أبلِغاً عامراً وأَبلِغْ أخاه ... أننّي مُوثقٌ شديدُ وَثاَقِي )
( في حديد القِسْطَاس يرقُبني الحارسُ ... والمرءُ كلَّ شيءٍ يُلاَقي )
( في حديدٍ مُضَاعَف وغُلُولٍ ... وثيابٍ مُنَضَّحَاتٍ خِلاَقِ )
( فَاركبُوا في الحرام فُكُّوا أخاكم ... إنَّ عِيراً قد جُهِّزَتْ لانِطَلاَقِ ) يعني الشهر الحرام
قالوا جميعا وخرج النعمان إلى البحرين فأقبل رجل من غسان فأصاب في الحيرة ما أحب ويقال إنه جفنة بن النعمان الجفني فقال عدي بن زيد في ذلك
( سما صَقْرٌ فَأَشْعَلَ جانِبَيْها ... وألهاك المروَّحُ والعَزِيبُ ) المروح الإبل المروحة إلى أعطانها
والعزيب ما ترك في مراعيه
( وثَبْنَ لدي الثَّوِيّة مُلْجَمَاتٍ ... وصبَّحْنَ العِبَادَ وهُنَّ شِيبُ )

( ألا تلكَ الغَنِيمةُ لا إفالٌ ... تُرَجِّيها مُسَوَّمَةٌ ونِيبُ )
( تُرَجِّيها وقد صابَتْ بِقُرِّ ... كما ترجُو أصاغرَها عَتِيبُ )

عدي يخاطب أخاه شعرا وأخوه يرد
وقالوا جميعا فلما طال سجن عدي بن زيد كتب إلى أخيه أبي وهو مع كسرى بهذا الشعر

( أَبلِغْ أٌبَيّاً على نَأْيهِ ... وهل ينفعُ المرءَ ما قد عَلِمْ )
( بأنّ أخاكَ شقيقَ الفُؤَاد ... ِ كنتَ به واثقاً ما سَلِمْ )
( لَدَى مَلِكٍ مُوثَقٌ في الحديدِ ... إمّا بحقّ وإمّا ظُلِمْ )
( فلا أَعْرِفَكْ َ كذات الغُلام ... ما لم تجِدْ عارِماً تَعْتَرِمْ )
( فأَرضَكَ أرضَكَ إن تأتِنَا ... تَنَمْ نومةً ليَس فيها حُلُمْ ) قال فكتب إليه أخوه أبي
( إن يكن خانك الزمانُ فلا عاجزُ ... باعٍ ولا أَلَفُّ ضعيفُ )
( ويمينِ الإِله لو أنّ جَأْوَاء ... طَحُونا تُضيءُ فيها السيوفُ )
( ذاتَ رِزٍّمجتابةً غمرةَ الموتِ ... صَحيحٌ سِرْبالُها مكفُوفُ )
( كنتَ في حَمْيها لجئتُكَ أسعى ... فاعلمن لو سمعتُ إذ تَستَضِيف )
( أو بمالٍ سألتَ دونكَ لم يُمنَعْ ... تِلادٌ لحاجةٍ أو طَرِيفُ )
( أو بأرضٍ أستطِيعُ آتِيكَ فيها ... لم يَهُلْنِي بُعْدٌ بها أو مَخُوف )
( إن تَفُتْنِي واللهِ إِلْفَاً فَجُوعاً ... لا يُعَقِّبْك ما يَصوبُ الخريفُ )
( في الأعادي وأنتَ منّي بعيدٌ ... عزَّ هذا الزمانُ والتعّنِيفُ )

( ولعَمْري لئن جزِعتُ عليه ... لجزوعٌ على الصديق أَسُوفُ )
( ولعَمْري لئن ملكتُ عَزائي ... لقليلٌ شَرْوَاكَ فيما أطُوفُ )

كسرى يأمر باطلاق عدي والنعمان يقتله
قالوا جميعا فلما قرأ أبي كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه في أمره وعرفه خبره فكتب إلى النعمان يأمره بإطلاقه وبعث معه رجلا وكتب خليفة النعمان إليه إنه قد كتب إليك في أمره فأتى النعمان أعداء عدي من بني بقيلة وهم من غسان فقالوا له اقتله الساعة فأبى عليهم وجاء الرسول وقد كان أخو عدي تقدم إليه ورشاه وأمره أن يبدأ بعدي فيدخل إليه وهو محبوس بالصنين فقال له ادخل عليه فانظر ما يأمرك به فامتثله فدخل الرسول على عدي فقال له إني قد جئت بإرسالك فما عندك قال عندي الذي تحب ووعده بعدة سنية وقال له لا تخرجن من عندي وأعطني الكتاب حتى أرسله إليه فإنك والله إن خرجت من عندي لأقتلن فقال لا أستطيع إلا أن آتي الملك بالكتاب فأوصله إليه فانطلق بعض من كان هناك من أعدائه فأخبر النعمان أن رسول كسرى دخل على عدي وهو ذاهب به وإن فعل والله لم يستبق منا أحدا أنت ولا غيرك فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات ثم دفنوه
ودخل الرسول إلى النعمان فأوصل الكتاب إليه فقال نعم وكرامة وأمر له بأربعة آلاف مثقال ذهبا وجارية حسناء وقال له إذا أصبحت فادخل أنت بنفسك فأخرجه فلما أصبح ركب فدخل السجن فأعلمه الحرس أنه قد مات منذ أيام ولم نجترىء على إخبار الملك خوفا منه وقد عرفنا كراهته لموته
فرجع إلى النعمان وقال له إني كنت أمس

دخلت على عدي
وهو حي وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني وذكر أنه قد مات منذ أيام
فقال له النعمان أيبعث بك الملك إلي فتدخل إليه قبلي كذبت ولكنك أردت الرشوة والخبث فتهدده ثم زاده جائزة وأكرمه وتوثق منه ألا يخبر كسرى إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه
فرجع الرسول إلى كسرى وقال إني وجدت عديا قد مات قبل أن أدخل عليه
وندم النعمان على قتل عدي وعرف أنه احتيل عليه في أمره واجترأ أعداؤه عليه وهابهم هيبة شديدة
ثم إنه خرج إلى صيده ذات يوم فلقي ابنا لعدي يقال له زيد فلما رآه عرف شبهه فقال له من أنت فقال أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف ففرح به فرحا شديدا وقربه وأعطاه ووصله واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه ثم كتب إلى كسرى إن عديا كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه فأصابه ما لابد منه وانقطعت مدته وانقضى أجله ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل الله له منه خلفا لما عظم الله من ملكه وشأنه وقد بلغ ابن له ليس بدونه رأيته يصلح لخدمة الملك فسرحته إليه فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل وليصرف عمه عن ذلك إلى عمل آخر
وكان هو الذي يلي المكاتبة عن الملك إلى ملوك العرب في أمورها وفي خواص أمور الملك
وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة مهران أشقران يجعلان له هلاما والكمأة الرطبة في حينها واليابسة والأقط والإدم وسائر تجارات

العرب فكان زيد بن عدي يلي ذلك له وكان هذا عمل عدي
فلما وقع زيد بن عدي عند الملك هذا الموقع سأله كسرى عن النعمان فأحسن الثناء عليه
ومكث على ذلك سنوات على الأمر الذي كان أبوه عليه
وأعجب به كسرى فكان يكثر الدخول عليه والخدمة له

صفات نساء ملوك العجم
وكانت لملوك العجم صفة من النساء مكتوبة عندهم فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة فإذا وجدت حملت إلى الملك غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب ولا يظنونها عندهم
ثم إنه بدا للملك في طلب الصفة وأمر فكتب بها إلى النواحي ودخل إليه زيد بن عدي وهو في ذلك القول فخاطبه فيما دخل إليه فيه ثم قال إني رأيت الملك قد كتب في نسوة يطلبن له وقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عارفا وعند عبدك النعمان من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة قال فاكتب فيهن قال أيها الملك إن شر شيء في العرب وفي النعمان خاصة أنهم يتكرمون زعموا في أنفسهم عن العجم فأنا أكره أن يغيبهن عمن تبعث إليه أو يعرض عليه غيرهن وإن قدمت أنا عليه لم يقدر على ذلك فابعثني وابعث معي رجلا من ثقاتك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبه فبعث معه رجلا جلدا فهما فخرج به زيد فجعل يكرم الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة فلما دخل عليه أعظم الملك وقال إنه قد احتاج إلى نساء لنفسه وولده وأهل بيته وأراد كرامتك بصهره فبعث إليك فقال ما هؤلاء النسوة فقال هذه صفتهن قد جئنا بها وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية كان أصابها إذ أغار على الحارث

الأكبر بن أبي شمر الغساني فكتب إلى أنوشروان بصفتها وقال إني قد وجهت إلى الملك جارية معتدلة الخلق نقية اللون والثغر بيضاء قمراء وطفاء كحلاء دعجاء حوراء عيناء قنواء شماء برجاء زجاء أسيلة الخد شهية المقبل جثلة الشعر عظيمة الهامة بعيدة مهوى القرط عيطاء

عريضة الصدر كاعب الثدي ضخمة مشاش المنكب والعضد حسنة المعصم لطيفة الكف سبطة البنان ضامرة البطن خميصة الخصر غرثى الوشاح رداح الأقبال رابية الكفل لفاء الفخذين ريا الروادف ضخمة المأكمتين مفعمة الساق مشبعة الخلخال لطيفة الكعب والقدم قطوف المشي مكسال الضحى بضة المتجرد سموعا للسيد ليست بخنساء ولا سفعاء رقيقة الأنف عزيزة النفس لم تغذ في

بؤس حيية رزينة حليمة ركينة كريمة الخال تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها وتستغني بفصيلتها دون جماع قبيلتها قد أحكمتها الأمور في الأدب فرأيها أهل الشرف وعملها عمل أهل الحاجة صناع الكفين قطيعة اللسان رهوة الصوت ساكنته تزين الولي وتشين العدو إن أردتها اشتهت وإن تركتها انتهت تحملق عيناها وتحمر وجنتاها وتذبذب شفتاها وتبادرك الوثبة إذا قمت ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست
قال فقبلها أنوشروان وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى ابن هرمز
فقرأ زيد هذه الصفة على النعمان فشقت عليه وقال لزيد والرسول يسمع أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته فقال الرسول لزيد بالفارسية ما المها والعين فقال له بالفارسية كاوان أي البقر فأمسك الرسول وقال زيد للنعمان إنما أراد الملك كرامتك ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به
فأنزلهما يومين عنده ثم كتب إلى كسرى إن الذي طلب الملك ليس عندي وقال لزيد اعذرني عند الملك
فلما رجعا إلى كسرى قال زيد للرسول الذي قدم معه أصدق الملك عما سمعت فإني سأحدثه بمثل حديثك ولا أخالفك فيه
فلما دخلا على كسرى قال زيد هذا

كتابه إليك فقرأه عليه
فقال له كسرى وأين الذي كنت خبرتني به قال قد كنت خبرتك بضنتهم بنسائهم على غيرهم وإن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعري على الشبع والرياش وإيثارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه حتى إنهم ليسمونها السجن فسل هذا الرسول الذي كان معي عما قال فإني أكرم الملك عن مشافهته بما قال وأجاب به
قال للرسول وما قال فقال له الرسول أيها الملك إنه قال أما كان في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا فعرف الغضب في وجهه ووقع في قلبه منه ما وقع لكنه لم يزد على أن قال رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا ثم صار أمره إلى التباب
وشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان وسكت كسرى أشهرا على ذلك

النعمان يستجير بقبائل العرب
وجعل النعمان يستعد ويتوقع حتى أتاه كتابه أن أقبل فإن للملك حاجة إليك فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوي عليه ثم لحق بجبلي طيىء وكانت فرعة بنت سعد بن حارثة بن لأم عنده وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب بنت أوس بن حارثة فأراد النعمان طيئا على أن يدخلوه الجبلين ويمنعوه فأبوا ذلك عليه وقالوا له لولا صهرك لقتلناك فإنه لا حاجة بنا إلى معاداة كسرى ولا طاقة لنا به وأقبل يطوف على قبائل العرب ليس أحد منهم يقبله غير أن بني رواحة بن قطيعة بن عبس قالوا إن شئت قاتلنا معك لمنة

كانت له عندهم في أمر مروان القرظ قال ما أحب أن أهلككم فإنه لا طاقة لكم بكسرى فأقبل حتى نزل بذي قار في بني شيبان سرا فلقي هانىء بن قبيصة وقيل بل هانىء بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وكان سيدا منيعا والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ذي الجدين وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك وعلم أن هانئا يمنعه مما يمنع منه نفسه
وقال حماد الراوية في خبره إنه إنما استجار بهانىء كما استجار بغيره فأجاره وقال له قد لزمني ذمامك مما أمنع نفسي وأهلي وولدي منه ما بقي من عشيرتي الأدنين رجل وإن ذلك غير نافعك لأنه مهلكي ومهلكك وعندي رأي لك لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي ولكنه الصواب فقال هاته فقال إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الملك سوقة والموت نازل بكل واحد ولأن تموت كريما خير من أن تتجرع الذل أو تبقى سوقة بعد الملك هذا إن بقيت فامض إلى صاحبك وأرسل إليه هدايا

ومالا وألق نفسك بين يديه فإما أن صفح عنك فعدت ملكا عزيزا وإما أن أصابك فالموت خير من أن يتلعب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها وتأكل مالك وتعيش فقيرا مجاورا أو تقتل مقهورا فقال كيف بحرمي قال هن في ذمتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي فقال هذا وأبيك الرأي الصحيح ولن أجاوزه
ثم أختار خيلا وحللا من عصب اليمن وجوهرا وطرفا كانت عنده ووجه بها إلى كسرى وكتب إليه يعتذر ويعلمه أنه صائر إليه ووجه بها مع رسوله فقلبها كسرى وأمره بالقدوم فعاد إليه الرسول فأخبره بذلك وأنه لم ير له عند كسرى سوءا
فمضى إليه حتى إذا وصل إلى المدائن لقيه زيد بن عدي على قنطرة ساباط فقال له انج نعيم إن استطعت النجاء فقال له أفعلتها يا زيد أما والله لئن عشت لك لأقتلنك قتلة لم يقتلها عربي قط ولألحقنك بأبيك فقال له زيد امض لشانك نعيم فقد والله أخيت لك أخية لا يقطعها المهر الأرن

نهاية النعمان في سجن كسرى
فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقيده وبعث به إلى سجن كان له بخانقين فلم يزل فيه حتى وقع الطاعون هناك فمات فيه
وقال حماد الراوية والكوفيون بل مات بساباط في حبسه
وقال ابن الكلبي ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات واحتجوا بقول الأعشى
( فذاك وما أنجى من الموت ربَّه ... بساباطَ حتى ماتَ وهو مُحَزْرَقُ )
قال المحزرق المضيق عليه
وأنكر هذا من زعم أنه مات بخانقين وقالوا لم يزل محبوسا مدة طويلة وإنه إنما مات بعد ذلك لحين قبيل الإسلام وغضبت له العرب حينئذ وكان قتله سبب وقعة ذي قار

عدي يتزوج هند بنت النعمان
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح وأخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن ممهرويه قال قال علي بن الصباح حدثني هشام بن الكلبي عن أبيه قال
كان عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب الشاعر العبادي يهوى هند بنت النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن امرىء القيس ابن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم وهو مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ولها يقول
( عَلِقَ الأحشاءَ من هِندٍ عَلَقْ ... مُستسِرٌّ فيه نَصْبٌ وأَرَقْ ) وهي قصيدة طويلة
وفيها أيضا يقول
( مَنْ لِقَلب دَنِفٍ أو مُعتَمَدْ ... قد عَصَى كُلَّ نَصُوحٍ ومُفَدّْ ) وهي طويلة
وفيها أيضا يقول
( يا خليليّ يَسِّرَا التعسِيرَا ... ثم رُوحَا فهجِّرا تهجِيرَا )
( عرِّجا بي على ديارٍ لهندٍ ... ليس أن عُجْتُما المَطِيَّ كبيرَا )
قال ابن الكلبي وقد تزوجها عدي
وقال ابن أبي سعد وذكر ذلك خالد

ابن كلثوم أيضا قالا كان سبب عشقه إياها أن هندا كانت من أجمل نساء أهلها وزمانها وأمها مارية الكندية فخرجت في خميس الفصح وهو بعد السعانين بثلاثة أيام تتقرب في البيعة ولها حينئذ أحدى عشرة سنة وذلك في ملك المنذر وقد عدي حينئذ بهدية من كسرى إلى المنذر والنعمان يومئذ فتى شاب فاتفق دخولها البيعة وقد دخلها عدي ليتقرب وكانت مديدة القامة عبلة الجسم فرآها عدي وهي غافلة فلم تنتبه له حتى تأملها وقد كان جواريها رأين عديا وهو مقبل فلم يقلن لها ذلك كي يراها عدي وإنما فعلن هذا من أجل أمة لهند يقال لها مارية وقد كانت أحبت عديا فلم تدر كيف تأتي له
فلما رأت هند عديا ينظر إليها شق ذلك عليها وسبت جواريها ونالت بعضهن بضرب فوقعت هند في نفس عدي فلبث حولا لا يخبر بذلك أحدا فلما كان بعد حول وظنت مارية أن هندا قد أضربت عما جرى وصفت لها بيعة دومة وقال خالد بن كلثوم بيعة توما وهو الصحيح ووصفت لها من فيها من الرواهب ومن يأتيها من جواري الحيرة وحسن بنائها وسرجها وقالت لها سلي أمك الإذن لك في إتيانها فسألتها ذلك فأذنت لها وبادرت مارية إلى عدي فأخبرته الخبر فبادر فلبس يلمقا كان فرخانشاه مرد قد كساه إياه وكان مذهبا لم ير مثله حسنا

وكان عدي حسن الوجه مديد القامة حلو العينين حسن المبسم نقي الثغر
وأخذ معه جماعة من فتيان الحيرة فدخل البيعة فلما رأته مارية قالت لهند انظري إلى هذا الفتى فهو والله أحسن من كل ما ترين من السرج وغيرها قالت ومن هو قالت عدي بن زيد قالت أتخافين أن يعرفني إن دنوت منه لأراه من قريب قالت ومن أين يعرفك وما رآك قط من حيث يعرفك فدنت منه وهو يمازح الفتيان الذين معه وقد برع عليهم بجماله وحسن كلامه وفصاحته وما عليه من الثياب فذهلت لما رأته وبهتت تنظر إليه
وعرفت مارية ما بها وتبينته في وجهها فقالت لها كلميه فكلمته وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته وانصرف بمثل حالها
فلما كان الغد تعرضت له مارية فلما رآها هش لها وكان قبل ذلك لا يكلمها وقال لها ما غدا بك قالت حاجة إليك قال اذكريها فوالله لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك إياه فعرفته أنها تهواه وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند وعاهدته على ذلك فأدخلها حانوت خمار في الحيرة ووقع عليها ثم خرجت فأتت هندا فقالت أما تشتهين أن تري عديا قالت وكيف لي به قالت أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه قالت افعلي فواعدته إلى ذلك المكان فأتاه وأشرفت هند عليه فكادت تموت وقالت إن لم تدخليه إلي هلكت
فبادرت الأمة إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته وذكرت أنها قد شغفت به وأن سبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح وأنه إن لم يزوجها به افتضحت في أمره أو ماتت فقال لها ويلك وكيف أبدؤه بذلك فقالت هو أرغب في ذلك من أن تبدأه أنت وأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفت أمره
وأتت عديا فأخبرته الخبر وقالت ادعه فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه فإنه غير رادك قال أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب العداوة بيننا قالت ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه فصنع عدي طعاما واحتفل فيه ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلاثة أيام وذلك في يوم الإثنين فسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه ففعل فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان فأجابه وزوجه وضمها إليه بعد ثلاثة أيام

هند حبيسة الدير
قال خالد بن كلثوم فكانت معه حتى قتله النعمان فترهبت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة
وقال ابن الكلبي بل ترهبت بعد ثلاث سنين ومنعته نفسها واحتبست في الدير حتى ماتت وكانت وفاتها بعد الإسلام بزمان طويل في ولاية المغيرة بن شعبة الكوفة وخطبها المغيرة فردته
أخبرني عمي قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام ابن محمد بن الكلبي عن أبيه والشرفي بن القطامي قالا
مر المغيرة بن شعبة لما ولاه معاوية الكوفة بدير هند فنزله ودخل على هند بنت النعمان بعد أن استأذن عليها فأذنت له وبسطت له مسحا فجلس عليه ثم قالت له ما جاء بك قال جئتك خاطبا قالت والصليب لو علمت أن في خصلة من جمال أو شباب رغبتك في لأجبتك ولكنك أردت أن تقول في المواسم ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته فبحق معبودك أهذا أردت قال أي والله قالت فلا سبيل إليه فقام المغيرة وانصرف وقال فيها

( أدركتِ ما منَّيتُ نفسِيَ خالياً ... للهِ درُّكِ يا بنة النعمانِ )
( فلقد رَدَدْتِ على المغيرة ذِهْنَهُ ... إنّ الملوكَ نَقِيَّةُ الأَذهانِ ) وفي رواية أخرى
( إنَّ الملوكَ بَطِيَّةُ الإِذعانِ ... )
( يا هندُ حسبُكِ قد صَدَقتِ فأمسِكِي ... فالصِّدقُ خيرُ مَقَالَةِ الإِنسانِ )
وقد روى عن ابن الكلبي غير علي بن الصباح في هند أنها كانت تهوى زرقاء اليمامة وأنها أول امرأة أحبت امرأة في العرب فإن الزرقاء كانت ترى الجيش من مسيرة ثلاثين ميلا فغزا قوم من العرب اليمامة فلما قربوا من مسافة نظرها قالوا كيف لكم بالوصول مع الزرقاء فاجتمع رأيهم على أن يقتلعوا شجرا تستر كل شجرة منها الفارس إذا حملها فقطع كل واحد منهم بمقدار طاقته وساروا بها فأشرفت كما كانت تفعل فقال لها قومها ما ترين يا زرقاء وذلك في آخر النهار قالت أرى شجرا يسير فقالوا كذبت أو كذبتك عينك واستهانوا بقولها فلما أصبحوا صبحهم القوم فاكتسحوا أموالهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأخذوا الزرقاء فقلعوا عينها فوجدوا فيها عروقا سوداء فسئلت عنها فقالت إني كنت أديم الإكتحال بالإثمد فلعل هذا منه وماتت بعد ذلك بأيام وبلغ هندا خبرها فترهبت ولبست المسوح وبنت ديرا يعرف بدير هند إلى الآن فأقامت فيه حتى ماتت
وروى ابن حبيب عن ابن الأعرابي أن النعمان لما حبس عديا أكرهه في أمرها على طلاقها ولم يزل به حتى طلقها
قال ابن حبيب وذكر عدي بن زيد صهره هذا للنعمان في قصائده وكان زوج أخته هكذا العلماء من أهل الحيرة
وقالت رواة العرب إنه كان زوج ابنته هند فمن ذلك قوله في قصيدته التي أوله
( أبصَرَتْ عينِي عِشَاءً ضَوءَ نَارِ ... ) فقال فيها
( أَجْلَ نُعمَى رَبَّهَا أَولُكُمْ ... ودُنُوِّي كان منكم واصْطِهَارِي )
( نحن كنَّا قد علِمتُم قبلها ... عَمَدَ البيتِ وأوتادَ الإِصَارِ )

سبب تنصر النعمان
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا إبراهيم بن فهد قال حدثنا خليفة ابن خياط شباب العصفري قال حدثنا هشام بن محمد قال حدثني يحيى بن أيوب البجلي قال حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي قال سمعت جدي جرير بن عبد الله يقول وأخبرني به عمي قال حدثنا أحمد بن عبيد الله قال أخبرنا محمد بن يزيد بن زياد الكلبي أبو عبد الله قال حدثني معروف بن خربوذ عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو قال سمعت جدي جرير بن عبد الله ولفظ هذا الخبر لأحمد بن عبيد الله وروايته أتم قال
كان سبب تنصر النعمان وكان يعبد الأوثان قبل ذلك وقال أحمد بن عبيد الله في خبره النعمان بن المنذر الأكبر أنه كان قد خرج يتنزه بظهر الحيرة ومعه عدي بن زيد فمر على المقابر من ظهر الحيرة ونهرها فقال له عدي بن زيد أبيت اللعن أتدري ما تقول هذه المقابر قال لا وقال أحمد بن عبيد الله في خبره فقال له تقول

صهره هذا للنعمان في قصائده وكان زوج أخته هكذا العلماء من أهل الحيرة
وقالت رواة العرب إنه كان زوج ابنته هند فمن ذلك قوله في قصيدته التي أولها
( أبصَرَتْ عينِي عِشَاءً ضَوءَ نَارِ ... ) فقال فيها
( أَجْلَ نُعمَى رَبَّهَا أَولُكُمْ ... ودُنُوِّي كان منكم واصْطِهَارِي )
( نحن كنَّا قد علِمتُم قبلها ... عَمَدَ البيتِ وأوتادَ الإِصَارِ )
سبب تنصر النعمان
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا إبراهيم بن فهد قال حدثنا

( أيُّها الركبُ المخِبُّونَ ... على الأرض المجدُّونْ )
( كما أنتُمُ كُنَّا ... كما نحن تكونُونْ ) وقال الصولي في خبره فقال له تقول
( كُنَّا كما كنتُمُ حيناً فَغيَّرنَا ... دهرٌ فسوفَ كما صِرنَا تصيرونَا )
قال فانصرف وقد دخلته رقة فمكث بعد ذلك يسيرا ثم خرج خرجة أخرى فمر على تلك المقابر ومعه عدي فقال له أبيت اللعن أتدري ما تقول هذه المقابر قال لا قال فإنها تقول
( مَنْ رآنا فَلْيُحَدِّثْ نفْسَه ... أنه مُوفٍ على قَرْنِ زَوَالِ )
( وصُروفُ الدَّهرِ لا يَبقَى لها ... ولِمَا تأتِي به صُمُّ الجبالِ )
( رُبَّ ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمرَ بالماء الزُّلالِ )
( والأبارِيقُ عليها فُدُمٌ ... وجيادُ الخيلِ تَرْدِي في الحِلاَلِ )
( عَمِرُوا دهراً بِعيشٍ حَسَنٍ ... آمِنِي دَهْرِهِمُ غير عِجَالِ )
( ثم أضْحَوْا عصفَ الدَّهر بهم ... وكذاكَ الدهرُ يُودِي بالرِّجالِ )
( وكذاكَ الدهرُ يرمِي بالفتى ... في طِلاَبِ العيشِ حالاً بعدَ حال )

قال الصولي في خبره وهو الصحيح فرجع النعمان فتنصر وقال أحمد بن عبيد الله في خبره عن الزيادي الكلبي فرجع النعمان من وجهه وقال لعدي ائتني الليلة إذا هدأت الرجل لتعلم حالي فأتاه فوجده قد لبس المسوح وتنصر وترهب وخرج سائحا على وجهه فلا يدرى ما كانت حاله فتنصر ولده بعده وبنوا البيع والصوامع وبنت هند بنت النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر الدير الذي بظهر الكوفة ويقال له دير هند فلما حبس كسرى النعمان الأصغر أباها ومات في حبسه ترهبت هند ولبست المسوح وأقامت في ديرها مترهبة حتى ماتت فدفنت فيه

رأي المؤلف في تنصر النعمان
قال مؤلف هذا الكتاب إنما ذكرت الخبر الذي رواه الزيادي على ما فيه من التخليط لأني إذا أتيت بالقصة ذكرت كل ما يروى في معناها
وهو خبر مختلط لأن عدي بن زيد إنما كان صاحب النعمان بن المنذر وهو المحبوس والنعمان الأكبر لا يعرفه عدي ولا رآه ولا هو جد النعمان الذي صحبه عدي كما ذكر ابن زياد وقد ذكرت نسب النعمان آنفا ولعل هذا النعمان الذي ذكره عم النعمان بن المنذر الأصغر بن المنذر الأكبر والمتنصر السائح على وجهه ليس عدي بن زيد أدخله في النصرانية وكيف يكون هو المدخل له في النصرانية وقد ضربه مثلا للنعمان في شعره
لما حبسه مع من ضربه مثلا له من الملوك السالفة
حدثنا بخبر ذلك الملك جعفر بن محمد الفريابي وأحمد بن عبد العزيز ابن الجعد الوشاء قالا حدثنا إسحاق بن البهلول الأنباري قال حدثنا أبي البهلول

ابن حسان التنوخي قال حدثني إسحاق بن زياد من بني سامة بن لؤي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم قال
أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق قال فقدمت عليه وقد خرج بقرابته وحشمه وغاشيته وجلسائه فنزل في أرض قاع صحصح منيف أفيح في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض فيه زينتها على اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور قال وقد ضرب له سرادق من حبرة كان يوسف بن عمر صنعه له باليمن فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها وقد أخذ الناس مجالسهم قال فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي شبه المستنطق لي فقلت أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا وعاقبة ما يؤول إليه حمدا وأخلصه لك بالتقى وكثره لك بالنماء ولا كدر عليك منه ما صفا ولا خالط سروره بالردى فلقد أصبحت للمؤمنين ثقة ومستراحا إليك يقصدون في مظالمهم ويفزعون في أمورهم وما

أجد شيئا يا أمير المؤمنين هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك وما من الله جل وعز علي به من مجالستك من أن أذكرك نعم الله عليك وأنبهك لشكرها وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك فإن أذن أمير المؤمنين أخبرته به قال فاستوى جالسا وكان متكئا ثم قال هات يابن الأهتم قال قلت يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض فيه زينتها على اختلاف ألوان نبتها في ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور وقد كان أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر فنظر فأبعد النظر ثم قال لجلسائه لمن مثل هذا هل رأيتم مثل ما أنا فيه وهل أعطي أحد مثل ما أعطيت قال وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه قال ولم تخل الأرض من قائم لله بحجة في عباده فقال أيها الملك إنك سألت عن أمر أفتأذن في الجواب عنه قال نعم قال أرأيت هذا الذي أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك قال كذلك هو قال فلا أراك إلا عجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا وتكون غدا بحسابه مرتهنا قال ويحك فأين المهرب وأين المطلب قال إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة الله ربك على ما ساءك

وسرك وأومضك وأرمضك وإما أن تضع تاجك وتخلع أطمارك وتلبس أمساحك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك قال فإذا كان السحر فاقرع علي بابي فإني مختار أحد الرأيين وربما قال إحدى المنزلتين فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا يعصى و إن اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا يخالف قال فقرع عليه عند السحر بابه فإذا هو قد وضع تاجه وخلع أطماره ولبس أمساحه و تهيأ للسياحه فلزما و الله الجبل حتى أتاهما أجلهما وهو حيث يقول عدي بن زيد أخو بني تميم
( أيُّها الشَّامِتُ المَعَيِّرُ بالدَّهرِ ... أأنتَ المبرَّأُ الموفُورُ )
( أم لديكَ العهدُ الوثيقُ من الأيام ... بل أنتَ جاهلٌ مغرورُ )
( مَنْ رأيتَ المَنُونَ خَلَّدْنَ أم مَنْ ذا ... عليه مِنْ أن يُضَامَ خفيرُ )
( أين كسرى كسرى الملوك أنُو شِيرْوانُ ... أم أينَ قبله سَابورُ )
( وبنو الأَصفر الكرامُ ملوكُ الروم ... لم يبق منهمُ مَذْكورُ )
( وأخو الحَضرِ إذ بناه و إذ دْجْلَةُ ... تُجْبَى إليه والخَابُورُ )

( شَادَهُ مَرْمراً وجَلَّلَه كِلْساً فَلِلطيرِ في ذُراه وكُورُ ... )
( لم يَهَبْه رَيُب المنونِ فبادَ الْمُلكُ عنه فبابُه مَهجُورُ ... )
( وتَذَكَّرْ رَبَّ الخَوَرْنَقِ إذ ا أشْرَفَ يوماً وللهُدَى تَفكيرُ ... )
( سرَّه مالُهُ وكثرةُ ما يملِكُ والبحرُ مُعرِضاً والسديرُ ... )
( فَارعوَى قلبُه فقال و ما غِبْطَهُ حيٍّ إلى المماتِ يصيرُ ... )
( ثم بعد الفلاح و الملكِ و الإِمةِ ارَتهمُ هُناكَ القُبُورُ ... )
( ثم صاروا كأنهم ورقٌ جَفّ فألوَت به الصَّبا و الدَّبُورُ ... ) قال فبكى و الله هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته وأمر بنزع أبنيته و بنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه و لزم قصره فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا ما أردت إلى أمير المؤمنين أفسدت عليه لذته و نغصت عليه مأدبته فقال إليكم عني فإني عاهدت الله عز و جل ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز و جل

أخبار الحضر والخورنق
فأما خبر الحضر وصاحبه والخورنق وصاحبه فإني أذكر خبرهما هاهنا لأنه مما يحسن ذكره بعقب هذه الأخبار ولايستغنى عنه والشيء يتبع الشىء أخبري بخبره إبراهيم بن السري عن أبيه عن شعيب عن سيف و أخبرني به الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي و أخبرني به علي بن سليمان الأخفش في كتاب المغتالين عن السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل بن سلمه الضبي و هشام بن الكلبي عن أبيه و إسحاق بن الجصاص عن الكوفيين
أن الحضر كان قصرا بحيال تكريت بين دجله والفرات وأن أخا الحضر الذي ذكره عدي بن زيد هو الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع بن سليح من بني تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعه و أمه جبهلة امرأة من بني تزيد بن حلوان أخي سليح بن حلوان وكان لا يعرف إلا بأمه هذه وكان ملك تلك الناحية وسائر أرض الجزيرة وكان معه من بني الأجرام ثم من بني العبيد بن الأجرام وسائر قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد

بلغ الشأم
فأغار الضيزن فأصاب أختا لسابور ذي الأكتاف وفتح مدينة نهر شير و فتك فيهم فقال في ذلك عمرو بن السليح بن حدي بن الدها بن غنم بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة
( لَقِينَاهم بجَمْع من عِلاَفٍ ... وبالخيل الصَّلادِمه الذكور )
( فلاقتْ فارسٌ منّا نَكالاً ... وقَتَّلنا هَرَابِذَ شَهْرَزُورِ )
( دَلَفْنَا للاعاجم من بعيدٍ ... بجمع مِ الجزيرة كالسَّعِيرِ )
قالوا ثم إن سابور ذا الأكتاف جمع لهم وسار إليهم فأقام على الحضر أربع سنين لا يستغل منهم شيئا ثم إن النضيرة بنت الضيزن عركت أي حاضت فأخرجت إلى الربض وكانت من أجمل أهل دهرها وكذلك كانوا يفعلون

بنسائهم إذا حضن وكان سابور من أجمل أهل زمانه فراها وراته وعشقها وعشقته فأرسلت إليه ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي قال أحكمك وأرفعك على نسائي وأخصك بنفسي دونهن قالت عليك بحمامة مطوقة ورقاء فاكتب في رجليها بحيض جارية بكر تكون زرقاء ثم أرسلها فإنها تقع على حائط المدينة فتتداعى المدينة وكان ذلك طلسمها لايهدمها إلا هو ففعل و تأهب لهم و قالت له أنا أسقي الحرس الخمر فإذا صرعوا فاقتلهم وادخل المدينة ففعل فتداعت المدينة وفتحها سابور عنوة فقتل الضيزن يومئذ وأباد بني العبيد وأفنى قضاعة الذين كانوا مع الضيزن فلم يبق منهم باق يعرف إلى اليوم وأصيب قبائل حلوان و انقرضوا و درجوا فقال في ذلك عمرو بن آلة وكان مع الضيزن
( ألَمْ يحْزُنْك و الأنباءُ تنْمِي ... بما لاقتْ سَرَاةُ بَنِي العَبيِدِ )
( ومصْرعُ ضيْزَنٍ وبنِي أبيه ... وأحْلاسِ الكتائبِ مِنْ تَزِيدِ )
( أتاهُم بالفُيُولِ مجلَّلاتٍ ... و بالأبطال سابورُ الجنود )
( فهدَّمَ من أواسِي الحضْر صخْرا ... كأنّ ثِقَالَه زُبَرُ الحديدِ )

قال فأخرب سابور المدينة واحتمل النضيرة بنت الضيزن فأعرس بها بعين التمر فلم تزل ليلتها تتضور من خشانة في فرشها وهي من حرير محشو بالقز فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هي ورقة آس ملتصقة بعكنة من عكنها قد أثرت فيها
قال وكان ينظر إلى مخها من لين بشرتها فقال لها سابور ويحك بأي شيء كان أبوك يغذيك قالت بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفوة الخمر
فقال وأبيك لأنا أحدث عهدا بمعرفتك وآثر لك من أبيك الذي غذاك بما تذكرين ثم أمر رجلا فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه ثم استركضه فقطعها قطعا فذلك قول الشاعر
( أقفرَ الحَضْرُ من نضيرةَ فالمِرْبَاعُ ... مِنهَا فجانبُ الثَّرْثَارِ )
قالوا وكان الضيزن صاحب الحضر يلقب الساطرون وقال غيرهم بل الساطرون صاحب الحضر كان رجلا من أهل باجرمى والله أعلم أي ذلك كان

هذا خبر صاحب الحضر الذي ذكره عدي
وأما صاحب الخورنق فهو النعمان بن الشقيقة وهو الذي ساح على وجهه فلم يعرف له خبر والشقيقة أمه بنت أبي ربيعة بن زهر بن شيبان
وهو النعمان ابن امرىء القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن الضخم اللخمي وهو صاحب الخورنق فذكر ابن الكلبي في خبره الذي قدمنا ذكره ورواية علي بن الصباح إياه عنه أنه كان سبب بنائه الخورنق أن يزدجرد بن سابور كان لا يبقى له ولد فسأل عن منزل مريء صحيح من الأدواء والأسقام فدل على ظهر الحيرة فدفع ابنه بهرام جور بن يزدجرد إلى النعمان بن الشقيقة وكان عامله على أرض العرب وأمره بأن يبني الخورنق مسكنا له ولابنه وينزله إياه معه وأمره بإخراجه إلى بوادي العرب وكان الذي بنى الخورنق رجلا يقال له سنمار فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان عمله فقال لو علمت أنكم توفوني أجرتي وتصنعون بي ما أستحقه لبنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت فقالوا وإنك لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه ثم أمر به فطرح من أعلى الجوسق
وقال في بعض الروايات أنه قال له إني لأعرف في هذا القصر موضع عيب إذا هدم تداعى القصر أجمع فقال له أما والله لا تدل عليه أحدا أبدا ثم رمي به من أعلى القصر فقالت الشعراء في ذلك أشعارا كثيرة منها قول أبي الطمحان القيني
( جَزَاءَ سِنِمَّارٍ جَزَوْها ورَبِّها ... وبالَّللاتِ والعُزَّى جزاءَ المكفَّرِ )

ومنها قول سليط بن سعد
( جزى بنوه أبا الغِيلان عن كِبَرٍ ... وحُسْنِ فعلٍ كما يُجَزى سِنِمَارُ )
وقال عبد العذى بن امرىء القيس الكلبي وكان أهدى إلى الحارث بن مارية الغساني أفراسا ووفد إليه فأعجب به واختصه وكان للملك ابن مسترضع في بني عبد ود من كلب فنهشته حية فظن الملك أنهم اغتالوه فقال لعبد العزى جئني بهؤلاء القوم فقال هم قوم أحرار ليس لي عليهم فضل في نسب ولا فعل فقال لتأتيني بهم أو لأفعلن وأفعلن فقال له رجونا من حبائك أمرا حال دونه عقابك ودعا ابنيه شراحيل وعبد الحارث فكتب معهما إلى قومه
( جزاني جزاه اللهُ شَرَّ جزائه ... جزاءَ سِنِمَّارٍ وما كان ذَا ذنبِ )
( سوى رَصِّه البنيانَ عِشرينَ حِجةً ... يُعَلِّي عليه بالقَرَامِيدِ والسَّكْبِ ) وهي أبيات قال فقتله النعمان وكان أمره قد عظم وحعل معه كسرى كتيبتين إحداهما يقال لها دوسر وهي لتنوخ والأخرى الشهباء وهي للفرس وكانتا أيضا تسميان القبيلتين وكان يغزو بهما بلاد الشأم وكل من لم يدن له من العرب
فجلس يوما يشرف من الخورنق فأعجبه ما رأى من ملكه ثم

ذكر باقي خبره مثل ما ذكره خالد بن صفوان لهشام من مخاطبة الواعظ وجوابه وما كان من اختياره السياحة وتركه ملكه

رثاء النابغة للنعمان
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن عمرو قال ذكر ابن حمزة عن مشايخه
أن النعمان بن المنذر لما نعي إلى النابغة الذبياني وحدث بما صنع به كسرى قال طلبه من الدهر طالب الملوك ثم تمثل
( مَنْ يَطْلُبِ الدهرُ تدكه مَخالِبُه ... والدَّهرُ بالوِتْر ناجٍ غيرُ مطلوبِ )
( ما منْ أُناسٍ ذَوِي مجدٍ ومَكرُمةٍ ... إلا يَشُدُّ عليهم شَدَّةَ الذِّيبِ )
( حتى يبُيِدَ على عَمْدٍ سَرَاتَهُمُ ... بالنافذاتِ من النَّبْل المَصَايِيبِ )
( إني وجدتُ سهَامَ الموت مُعرِضَةً ... بكلّ حَتْفٍ من الآجال مكتوبِ )
وفي سائر قصائد عدي بن زيد التي كتب بها إلى النعمان يستعطفه ويعتذر إليه أغان منها
صوت
( لم أر مثلَ الفِتيانِ في غَبَنِ الْأيام ... يَنْسَوْنَ ما عواقِبُها )
( ينسَوْنَ إخوانَهُم ومصرعَهُم ... وكيف تَعْتَاقُهُمْ مَخَالِبُها )

( ماذا تُرجِّي النفوسُ مِن طلبِ الخير ... وحبُّ الحياةِ كارِبُها )
( تظنّ أن لن يصيبها عَنَتُ الدهرِ ... ورَيبُ المنونِ صَائِبُها )
ويروى عقب الدهر يقول الأيام تغبن الناس فتخدعهم وتختلهم مثل الغبن في البيع
وتعتاقهم تحبسهم يقال اعتاقه واعتقاه
وكاربها هاهنا غامها وهو في موضع آخر القريب منها يقال كربه الأمر وكرثه وبهضه وغنظه إذا غمه الغناء في هذه الأبيات لابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة
وفيها رمل بالبنصر نسبه حبش ودنانير إلى حنين ونسبه الهشامي وابن المكي إلى الهذلي ومنها
صوت
( يا لُبينَي أوقِدِي النَّارَا ... إنّ مَنْ تَهْوَيْنَ قد حَارَا )
( رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا ... تَقْضِمُ الهِندِيَّ والغَارَا )
( عندها ظبيٌ يؤرّثها ... عاقِدٌ في الجيدِ تِقْصَارَا )
عروضه من المديد حار يحير هنا ضل وحار في موضع آخر رجع
والغار شجر طيب الريح والغار أيضا شجر السوس والغار الغيرة
ويؤرثها يوقدها ويكثر حطبها
والتقصار المخنقة الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيه خفيف رمل يقال إنه لعريب
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق وأخبرنا

به يحيى بن علي عن داود بن محمد عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن عائشة عن يونس النحوي قال
مات رجل من جند أهل الشأم عظيم القدر له فيهم عز وعدد فحضر الحجاج جنازته وصلى عليه وجلس على قبره وقال لينزل إليه بعض إخوانه فنزل نفر منهم فقال أحدهم وهو يسوي عليه رحمك الله أبا قنان إن كنت ما علمت لتجيد الغناء وتسرع رد الكأس ولقد وقعت في موضع سوء لا تخرج منه والله إلى يوم القيامة
قال فما تمالك الحجاج أن ضحك وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل
فقال له أهذا موضع هذا لا أم لك فقال أصلح الله الأمير فرسه حبيس في سبيل الله لو سمعه الأمير وهو يغني
( يا لُبَيْنَى أوقِدي النارا ... إن مَنْ تَهَوَين قد حارَا ) لانتشر الأمير على سعنة وكان الميت يلقب بسعنة فقال إنا لله أخرجوه من القبر ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشأم قال وكان سعنة هذا الميت من أوحش خلق الله كلهم صورة وأذمهم قامة فلم يبق أحد حضر القبر إلا استفرغ ضحكا
ومنها من قصيدة التي أولها
( لِمَنْ الدارُ تَعفَّتْ بِخِيَمْ ... )
صوت
( وثلاثٍ كالحماماتِ بها ... بين مجْثَاهُنَّ توشيمُ االحُممْ )
( أسأل الدارَ وقد أنكرتُها ... عن حبيبي فإِذا فيها صممْ )

ويروى توشيم العجم
والتوشيم أراد به آثار الوقود قد صار فيها كالوشم
والثلاث يعني الأثافي التي تنصب عليها القدر الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن عمرو وابن المكي
وفيه لحكم لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس
وهذه القصيدة التي أولها
( لمن الدارُ تعفَّتْ بخِيَمْ ... أصبحت غيَّرها طولُ القِدَمْ )
( ما تبِينُ العينُ من آياتها ... غيرَ نُؤْي مثل خطٍّ بالقلمْ ) وبعده
( وثلاثٍ كالحمامات بها ... بين مَجثاهنَّ توشيمُ الحُمَمْ )
وعلى هذا خفض قوله وثلاث كالحمامات
ومنها قوله
( كفى غِيَرُ الأيام للمرءِ وازعا ... )
صوت
( بناتٍ كِرَامٍ لم يُرَبْنَ بضُرَّةٍ ... دُمًى شَرِقاتٍ بالعَبِيرِ رَوادِعَا )
( يُسارِقْنَ مِ الأستارِ طَرْفاً مُفَتَّراً ... ويُبرِزْنَ من فَتْقِ الخدُورِ الأصابعَا ) بنات كرام موضعه نصب وهو يتبع ما قبله وينصب به وهو قوله
( وأُصْبِي ظِباءً في الدِّمَقْسِ خواضِعَا ... ) بنات كرام هكذا في القصيدة على تواليها وقد يجوز رفعه على الابتداء
ويروى بضرة وبضرة جمعا بالضم والفتح
والدمى الصور واحدتها دمية الغناء في

هذين البيتين لابن قندح ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وذكر الهشامي أنه لمحمد ابن إسحاق بن عمرو بن بزيع وذكر حبش أنه لإبراهيم
ومنها

صوت
( أَرِقْتُ لمكفهِرٍّ بات فيه ... بَوَارِقُ يَرتَقِينَ رُؤوس شِيبِ )
( تروحُ المشرَفِيَّةُ في ذُراهُ ... وَيَخْلُو صفحةَ الذَّيلِ القَشِيبِ ) والمكفهر والمكرهف السحاب المتوالي المتراكب والشيب السحائب التي فيها سواد وبياض شبهها بالرؤوس الشيب وقال قوم بل شيب جبل معروف
شبه البرق في السحاب بلمعان السيوف
ورواه ابن الأعرابي
( ويجلو صفحَ دَخْدَارٍ قَشِيبِ ... ) وقال الدخدار الثوب المصون وهو أعجمي معرب أصله تخت دار
والقشيب الجديد
الغناء لعريب ثقيل أول بالبنصر
ومنها من قصيدة التي أولها
( الأيا طالَ ليلِي والنِهارُ ... )
صوت
( ألا مَنْ مُبلغُ النعمانِ عنِّي ... علانيةً فقد ذهب السِّرارُ )
( بأنّ المَرءَ لم يُخلَقْ حَديداً ... ولا هَضْباً تَوَقَّاه الوِبارُ )
( ولكنْ كالشِّهاب فثمَّ يَخْبُو ... وحادِي الموتِ عنه مايحارُ )
( فهل مِن خالدٍ إما هلكنا ... وهل بالموتِ ياللنَّاسِ عارُ ) الهضب الجبل
الوبارجمع وبر
والشهاب السراج
ويخبو يطفأ
الغناء لبابويه ثقيل أول بالبنصر عن حبش والهشامي
صوت
( ألا مَن مُبلِغُ النعمانِ عنِّي ... فبينَا المرءُ أَغْرَبَ إذ أَرَاحَا )
( أَطَعْتَ بني بُقَيْلَةَ في وَثَاقي ... وكنا في حُلوقِهِمُ ذُبَاحاً )
( مَنَحتَهُم الفُرَاتَ وجانبيْه ... وتَسقِينَا الأواجِنَ والمِلاَحَا ) الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها
صوت
( مَنْ لقلبٍ دَنِفٍ أو مُعْتَمَدْ ... قَد عَصَى كلَّ نَصِيحٍ ومُفَدّْ )
( لستُ إن سَلْمَى نأتني دارُها ... سامعاً فيها إلى قول أحدْ ) المعتمد الذي عمده الوجع يعمده عمدا
غناه ابن محرز ولحنه خفيف ثقيل

الوبارجمع وبر
والشهاب السراج
ويخبو يطفأ
الغناء لبابويه ثقيل أول بالبنصر عن حبش والهشامي
ومنها

صوت
( ألا مَن مُبلِغُ النعمانِ عنِّي ... فبينَا المرءُ أَغْرَبَ إذ أَرَاحَا )
( أَطَعْتَ بني بُقَيْلَةَ في وَثَاقي ... وكنا في حُلوقِهِمُ ذُبَاحاً )
( مَنَحتَهُم الفُرَاتَ وجانبيْه ... وتَسقِينَا الأواجِنَ والمِلاَحَا ) الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها
صوت
( مَنْ لقلبٍ دَنِفٍ أو مُعْتَمَدْ ... قَد عَصَى كلَّ نَصِيحٍ ومُفَدّْ )
( لستُ إن سَلْمَى نأتني دارُها ... سامعاً فيها إلى قول أحدْ ) المعتمد الذي عمده الوجع يعمده عمدا
غناه ابن محرز ولحنه خفيف ثقيل

بالسبابة في مجرى النصر عن إسحاق
وفيه لمالك خفيف ثقيل أخر بالوسطى عن عمرو
وذكر يونس أن فيه لمالك لحنا ولسنان الكاتب لحنا وهو ثقيل أول بالوسطى عن حبش
ومنها

صوت
( أرَوَحٌ أرَوَاحٌ مُوَدَّعٌ أم بُكورُ ... لك فاعمِدْ لأيّ حالٍ تصِيرُ )
( ويقولُ العُداةَ أوْدى عديٍّ ... وعديٍّ بسُخْطِ ربٍّ أسِيرُ )
( أيّها الشامتُ المعيِّرُ بالدهر ... أأنت المبرَأُ الموفورُ )
( أم لديك العهدُ الوثيق من ألأيام ... بل أنت جاهلٌ مغرُورُ ) يريد أرواح نودعك فيه أم بكور أيهما تريد فاعمد للذي تصير إليه من أمر آخرتك
والموفور الذي لم تصبه نوائب الدهر
الغناء لحنين من كتاب يونس ولم يذكر طريقته وذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أن حنينا غناه خالدا القسري أيام حرم الغناء فرق له وقال غني ولا تعاشر سفيها ولا معربدا
والخبر في ذلك يذكر في أخبار حنين
ومما يغنى فيه أيضا من شعر عدي
صوت
( ألا يَّا ربما عزَّ خليلي فتهاونْتُ ... )

( ولو شئتُ على مَقْدرةٍ مِنِّي لعاقبتُ ... )
( ولكن سَرَّني أن يعلَمُوا ... قَدْرِي فأَقْلعتُ )
( أَلاَ لا فاسألوا الفتية ... ما قالوا وقد قمتُ )
الغناء لسياط رمل عن الهشامي
وفيه ليحيى المكي خفيف ثقيل نسبه إلى مالك وليس له
ولعريب في البيتين الأولين ثقيل أول
وبعدهما بيت ليس من الشعر وهو
( ولكنَّ حبيبى جلّ عندي فتغَافلتُ ... )
ومما يغنى فيه شعره
صوت
( تَعرِفُ أمْسِ منْ لَمِيسَ الطَّلَلْ ... مثلَ الكتاب المدارِس الأحْوَلْ ) الذي قد درس فلا يقرأ
( أنعِمْ صَباحاً عَلْقمَ بنَ عَدِيّ ... أثَوَيْتَ اليومَ أم تَرْحَلْ )
( قد رحَّلَ الفِتيانُ عِيَرهُمُ ... واللحمُ بالغِيطانِ لم يُنْشَلْ )
( إذ هي تَسْبِي الناظرِين وتجلوا ... واضحاً كالأُقْحُوانِ رَتِلْ ) الرتل المستوي البنية
( عذباً كما ذقتُ الجَنِيَّ من التفاح ... مَسْقِيًّا ببردِ الطَّلْ ) هكذا يغنى
والذي قاله عدي يسقيه برد الطل
الغناء لحنين رمل بالوسطى عن عمرو

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي أن عمرو بن امرىء القيس المكنى بأبي سريح وعلقمة بن عدي وقيل علقم بن عدي بن كعب وعمرو بن هند خرجوا إلى الصيد فأتوا قصر ابن مقاتل فمكثوا فيه يتصيدون فزعموا أن علقمة بن عدي تبع حمارا فصرعه والشمس لم تطلع ثم لحق آخر فطعنه فانقصف الرمح فيه ومر به فرسه يركض فجال به العير فضربه فأصاب صدره فقتله وقيل إن الرمح المنقصف دخل في صدره فقتله وذلك في أيام الربيع وكان عدي بن زيد معهم وإليه قصدوا وكان نازلا في قصر ابن مقاتل فقال عدي هذه القصيدة يرثيه بها

صوت
من المائة المختارة
( عَفَا مِنْ سُلَيمَى مُسحُلاَنُ فحامِرُهْ ... تَمَشَّى به ظُلْمَانُه وجاذِرُهْ )
( بمستأسِدِ القُرْيَانِ عاف نَبَاتُه ... فَنُوَّارُه مِيلٌ إلى الشمس زاهِرُهْ )
( رأتْ عارضاً جَوْناً فقامَتْ غرِيرةً ... بمِسْحَاتها قبل الظلامِ تبادِرهُْ )
( فما بَرِحَتْ حتى أتى الماءُ دونها ... وسُدّت نواحِيه ورُفِّعَ دابِرُهْ )

عروضه من الطويل
عفا درس
مسحلان موضع
وحامره موضع أضافه إلى مسحلان
والظلمان ذكور النعام واحدها ظليم
والجآذر أولاد البقر وأحدها جؤذر وجؤذر بضم الذال وفتحها
وتمشى تكثر المشي
والقريان مجاري الماء إلى الرياض واحدها قري
والمستأسد ما ألتف منها وطال
والنوار يقال إنه يكون أبدا حيال الشمس يستقبلها بوجهه فيقول إن نوار هذه الروضة يميل زاهره حيال الشمس
والعارض السحاب
والجون الأسود
والغريرة الناعمة التي لم تجرب الأمور يقول لما رأت هذه المرأة السحابة السوداء قامت بمسحاتها تصلح النؤي حوالي بيتها وهو الحاجز بينه وبين الأرض المستوية
وقوله رفع دابره أي مؤخره الذي يلي الماء من النؤي
الشعر للحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر
والغناء لابن عائشة ولحنه المختار خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر حبش أن له فيه لحنا آخر من الثقيل الثاني

خبر الحطيئة ونسبه
والسبب الذي من أجله هجا الزبرقان بن بدر
الحطيئة لقب لقب به وامه جرول بن أوسمه بن مالك بن جؤية بن مخزوم ابن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار
وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم متصرف في جميع فنون الشعر من المديح والهجاء والفخر والنسيب مجيد في ذلك أجمع وكان ذا شر وسفه ونسبه متدافع بين قبائل العرب وكان ينتمي إلى كل واحدة منها إذا غضب على الآخرين
وهو مخضرم أدرك الجاهلية والأسلام فأسلم ثم ارتد وقال في ذلك
( أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لَعِبادِ الله ما لأبي بكْرِ )
( أيُورِثُها بكراً إذا مات بعده ... وتلك لعمرُ الله قاصِمةُ الظهرِ )
ويكنى الحطيئة أبا مليكة وقيل إن الحطيئة غلب عليه ولقب به لقصره وقربه من الأرض
وقال حماد الراوية قال أبو نصر الأعرابي سمي الحطيئة لأنه ضرط ضرطة بين قوم فقيل له ما هذا فقال إنما هي حطيئة فسمي الحطيئة
وقال المدائني قال أبو اليقظان كان الحطيئة يدعي أنه ابن عمرو بن

علقمة أحد بني الحارث بن سدوس قال وسمي الحطيئة لقربه من الأرض
أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي بإجازته لي يذكر عن محمد بن سلام أن الحطيئة كان ينتمي إلى بني ذهل بن ثعلبة فقال
( إنّ اليمامةَ خيرُ ساكنِها ... أهلُ القُرَيَّةِ من بني ذُهْل )
قال والقرية منازلهم ولم ينبت الحطيئة في هؤلاء
وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي قال سمعت خراش بن إسماعيل وخالد بن سعيد يقولان كان الحطيئة إذا غضب على بني عبس يقول أنا من بني ذهل وإذا غضب على بني ذهل قال أنا من بني عبس
أخبرني الحسين بن يحيى الرداسي قال قال حماد بن إسحاق قال أبي قال ابن الكلبي كان الحطيئة مغموز النسب وكان من أولاد الزنا الذين شرفوا
قال إسحاق وقال الأصمعي كان الحطيئة يضرب بنسبه إلى بكر بن وائل فقال في ذلك
( قومي بنُو عَوْفِ بن عمرٍو إِن أراد العلمَ عالِمْ ... )
( قومٌ إذاذَهَبَتْ خَضَرِمُ ... منهمُ خَلَفَتْ خَضَارِمْ ... )
( لا يفشَلُون ولا تَبيتُ على أُنوفِهِمُ المَخَاطِمْ ... )
قال الأصمعي وقدم الحطيئة الكوفة فنزل في بني عوف بن عامر بن ذهل يسألهم وكان يزعم أنه منهم وقال في ذلك

( سِيرِي أُمامَ فإنَّ المالَ يجمعُه ... سَيْبُ الإِله وإِقْبَالي وإدبَارِي )
( إلى معاشرَ منهم يا أُمَامَ أبي ... من آ ' ل عَوْف بُدُوءٍ غيرِ أَشْرارِ )
( نمشي على ضوء أحسابٍ أضَأْنَ لنا ... ما ضَوّأْتْ ليلةُ القَمْرَاءِ لِلسَّارِي )

الحطيئة وقصته مع اخوته وأمه
وقال ابن دريد في خبره عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه وحماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال كان أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس تزوج بنت رياح بن عمرو بن عوف ابن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة وكان له أمة يقال لها الضراء فأعلقها بالحطيئة ورحل عنها
وكان لبنت رياح أخ يقال له الأفقم وكان طويلا أفقم صغير العينين مضغوط اللحيين فولدت الضراء الحطيئة فجاءت به شبيها بالأفقم فقالت لها مولاتها من أين هذا الصبي فقالت لها من أخيك وهوابت أن تقول لها من زوجك فشبهته بأخيها فقالت لها صدقت
ثم مات أوس وترك ابنين من الحرة وتزوج الضراء رجل من بني عبس فولدت له رجلين فكانا أخوي الحطيئة من أمه
فأعتقت بنت رياح الحطيئة وربته فكان كأنه أحدهما
وترك الأفقم نخلا باليمامة
فأتى الحطيئة أخويه من أوس بن مالك وقد كانت أمه لما أعتقتها بنت رياح اعترفت أنها اعتلقت من أوس بن مالك فقال لهم

أفردوا إلي من مالكم قطعة فقالا لا ولكن أقم معنا فنحن نواسيك فقال
( أأمَرْتُماني أن أُقِيمَ عليكما ... كلاَّ لَعَمْرُ أبيكما الحَبَّاقِ )
( عبدَانِ خيرُهما يُشَلُّ بضَبْعِه ... شَلَّ الأجير قلائصَ الوَرَّاقِ ) قال وسأل الحطيئة أمه من أبوه فخلطت عليه فقال
( تقول ليَ الضَّرَّاءُ لستَ لواحِدٍ ... ولا اثنين فانظر كيفَ شِرْكُ أُولئكَا )
( وأنتَ امرؤ تَبغِي أباً قد ضَلَلْتَه ... هَبِلْتَ ألمَّا تَستَفِقْ مِن ضَلاَلِكَا )
قال وغضب عليها فلحق بإخوته بني الأفقم فقال
( سِيري أُمَامَ فإن المال يجمعُه ... سَيبُ الإِله وإقبالي وإدباري )
قال فلم يدفعوه ولم يقبلوه فقال
( إنّ اليمامةَ خيرُ ساكِنها ... أهلُ القُرَيَّةِ من بني ذُهلِ ) وسألهم ميراثه من الأفقم فأعطوه نخلات من نخل أبيهم تدعى نخلات أم مليكة وأم مليكة امرأة الحطيئة فقال
( لِيَهْنِى تُراثِي لامرىءٍ غيرَ ذِلَّةٍ ... صَنَابيرُ أُحْدَانٌ لهنّ حَفيفُ )
قال ثم لم تقنعه النخيلات وقد أقام فيهم زمانا فسألهم ميراثه كاملا من الأفقم فلم يعطوه شيئا وضربوه فغضب عليهم وقال

( تمنَّيتُ بكراً أن يكونوا عِمارتي ... وقومِي وبكرٌ شرُّ تلك القبائلِ )
( إذا قلتُ بَكْرِيُّ نَبوْتُمْ بحاجتي ... فياليتني مِن غيِر بكرِ بنِ وائِل ) فعاد إلى بني عبس وانتسب إلى أوس بن مالك
وقال الأصمعي في خبره لما أتى أهل القرية وهم بنو ذهل يطلب ميراثه من الأفقم مدحهم فقال
( إنّ اليمامة خيرُ ساكنِها ... أهلُ القُرَيَّة من بني ذُهْلِ )
( الضامنون لمالِ جارهِمُ ... حتى يتمّ نواهضُ البقلِ )
( قوم إذا انتسبوا ففرعُهُم ... فَرعِي وأثبتُ أصْلِهم أَصْلِي ) قال فلم يعطوه شيئا فقال يهجوهم
( إنّ اليمامة شَرُّ ساكنها ... أهلُ القُريَّة من بني ذُهْلِ )
وقال أبو اليقظان في خبره كان الرجل الذي تزوج أم الحطيئة أيضا ولد زنا اسمه الكلب بن كنيس بن جابر بن قطن بن نهشل وكان كنيس زنى بأمة لزرارة يقال لها رشية فولدت له الكلب ويربوعا فطلبهم من زرارة فمنعه منهم فلما مات طلبهم من أبيه لقيط فمنعه وقال لقيط في ذلك
( أفي نصفْ شهر ما صَبَرتم لحقِّنا ... ونحن صبرنا قبل ذاك سِنِينَا ) وهي ابيات
فتزوج الكلب الضراء أم الحطيئة فهجاه الحطيئة وهجا أمه فقال

( ولقد رأيتُكِ في النساء فسُؤتِني ... وأَبا بنيكِ فساءني في المجلِس )
( أنّ الذليل لمن تَزُور ركابُه ... رهطَ ابن جَحْشٍ في الخطوب الحُوّس )
( قَبح الإِلهُ قبيلةً لم يمنَعُوا ... يومَ المُجَيْمِر جارَهم مِن فَقْعَسِ )
( أبلغ بني جَحْش بأنّ نِجَارَهُم ... لؤم وأنّ أباهمُ كالهِجْرِسِ ) وقال الحطيئة يهجو أمه
( جزاكِ اللهُ شرًّا من عجوزٍ ... ولقَّاكِ العُقُوقَ من البنينِ )
( فقد مُلِّكتِ أمرَ بنيك حتى ... تركتِهِمُ أدقَّ من الطَّحينِ )
( فإن تُخْلَيْ وأمرَك لا تَصُولي ... بمشْتدٍّ قُواهُ ولا مَتينِ )
( لسانُكِ مبْردٌ لا خيرَ فيه ... ودَرُّكِ دَرُّ جاذبةٍ دَهِينِ ) وقال يهجو أمه أيضا
( تَنَحَّيْ فاجلِسي مِنّي بعيداً ... أراحَ اللهُ منك العالَمينا )

( أغِرْبالاً إذا استُودِعْتِ سِرًّا ... وكانوناً على المتحدّثينا )
( حياتُكِ ما علمتُ حياةُ سُوءٍ ... وموتُكِ قد يسرُّ الصالحِينا )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال
كان الحطيئة جشعا سؤولا ملحفا دنيء النفس كثير الشر قليل الخير بخيلا قبيح المنظر رث الهيئة مغموز النسب فاسد الدين وما تشاء أن تقول في شعر شاعر من عيب إلا وجدته وقلما تجد ذلك في شعره
أخبرني ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال بخلاء العرب أربعة الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان
أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال قال أبوعبيدة كان الحطيئة بذيا هجاء فالتمس ذات يوم إنسانا يهجوه فلم يجده وضاق عليه ذلك فأنشأ يقول
( أبَتْ شَفَتَايَ اليومَ إلا تكلُّماً ... بشرٍّ فما أَدْرِي لِمن أنا قَائِلُهْ ) وجعل يدهور هذا البيت في أشداقه ولا يرى إنسانا إذ اطلع في ركي أو

حوض فرأى وجهه فقال
( أَرَى لِيَ وجهاً شَوّهَ اللهُ خَلْقَه ... فقُبِّحَ من وجهٍ وقُبِّحَ حَامِلُهْ )

هجاء الحطيئة يخيف قريش وسادات العرب
نسخت من كتاب الحرمي بن أبي العلاء حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال
قدم الحطيئة المدينة فأرصدت قريش له العطايا خوفا من شره فقام في المسجد فصاح من يحملني على بغلين
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال أبو عبيدة والمدائني ومصعب
كان الحطيئة سؤولا جشعا فقدم المدينة وقد أرصدت له قريش العطايا والناس في سنة مجدبة وسخطة من خليفة فمشى أشراف أهل المدينة بعضهم إلى بعض فقالوا قد قدم علينا هذا الرجل وهو شاعر والشاعر يظن فيحقق وهو يأتي الرجل من أشرافكم يسأله فإن أعطاه جهد نفسه بهرها وإن حرمه هجاه فأجمع رأيهم على أن يجعلوا له شيئا معدا يجمعونه بينهم له فكان أهل البيت من قريش والأنصار يجمعون له العشرة والعشرين والثلاثين دينارا حتى جمعوا له اربعمائة دينار وظنوا أنهم قد أغنوه فأتوه فقالوا له هذه صلة آل فلان

وهذه صلة آل فلان وهذه صلة فلان فأخذها فظنوا أنهم قد كفوه عن المسألة فإذا هو يوم الجمعة وقد استقبل الإمام مائلا ينادي من يحملني على بغلين وقاه الله كبة جهنم
ووصف أبو عبيدة ومحمد بن سلام شعر الحطيئة فجمعت متفرق ما وصفاه به في هذا الخبر أخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلام وابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قالا
كان الحطيئة متين الشعر شرود القافية وكان دنيء النفس وما تشاء أن تطعن في شعر شاعر إلا وجدت فيه مطعنا وما أقل ما تجد ذلك في شعره
قالا فبلغ من دناءة نفسه أنه أتى كعب بن زهير وكان الحطيئة راوية زهير وآل زهير فقال له قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم وقد ذهب الفحول غيري وغيرك فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك وقال أبو عبيدة تبدأ بنفسك فيه ثم تثني بي فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع فقال كعب
( فمن للقوافي شَانَها مَنْ يَحوكُها ... إذا ما ثَوَى كعبٌ وفَوّزَ جَرْوَلُ )
( كَفَيتُكَ لا تلقَى من الناس واحداً ... تَنَخَّلَ منها مثل ما نَتَنخَّلُ )
( نقولُ فلا نعيا بشيْءٍ نقولُه ... ومِن قائليها مَنْ يُسيء ويُجْمِلُ )

( نُثَقِّفها حتى تَلِينَ مُتُونُها ... فيقصُرُ عنها كلّ ما يُتمثَّلُ )
قال فاعترضه مزرد بن ضرار واسمه يزيد وهو أخو الشماخ وكان عريضا أي شديد العارضة كثيرها فقال
( باستك إذ خلّفتَني خلفَ شاعرٍ ... من الناس لم أُكْفِىء ولم أتنحّلِ )
( فإن تَخْشِبا أَخْشِب وإن تتنخَّلا ... وإن كنتُ أَفْتَى منكما أتنخَّلِ )
( فلستَ كحَسّانَ الحُسَامِ ابنِ ثابتٍ ... ولست كَشمّاخٍ ولا كالمُخَبَّلِ )
نسخت من كتاب الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك قال
أنشد الحطيئة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصيدة نال فيها من قومه ومدح إبله فقال
( مَهارِيُس يُرْوِي رِسْلُها ضيفَ أهلها ... إذا الريحُ أبدتْ أوجُهَ الخَفِرَات )
( يُزِيلُ القَتادَ جذبُها بأصوله ... إذا أصبحتْ مُقْوَرَّةً خَرِصَاتِ )

الحطيئة مكرم أينما حل
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن التوزي عن أبي عبيدة قال بينا سعيد ابن العاص يعشي الناس بالمدينة والناس يخرجون أولا أولا إذ نظر على بساطه إلى رجل قبيح المنظر رث الهيئة جالس مع أصحاب سمره فذهب الشرط يقيمونه فأبى أن يقوم وحانت من سعيد التفاتة فقال دعوا الرجل فتركوه وخاضوا في أحاديث العرب وأشعارها مليا فقال لهم الحطيئة والله ما أصبتم جيد الشعر ولا شاعر العرب فقال له سعيد أتعرف من ذلك شيئا قال نعم قال فمن أشعر العرب قال الذي يقول
( لا أَعُدُّ الإِقتارَ عُدماً ولكن ... فَقْدُ مَنْ قد رُزِئتُه الإِعدَامُ ) وأنشدها حتى أتى عليها فقال له من يقولها قال أبو داود الإيادي قال ثم من قال الذي يقول
( أَفْلِحْ بما شئتَ فقد يُدرَكُ بالجهل ... وقد يُخدَّعُ الأريبُ ) ثم أنشدها حتى فرغ منها قال ومن يقولها قال عبيد بن الأبرص قال ثم من قال والله لحسبك بي عند رغبة أو رهبة إذا رفعت إحدى رجلي علي

الأخرى
ثم عويت في أثر القوافي عواء الفصيل الصادي قال ومن أنت قال الحطيئة قال فرحب به سعيد ثم قال أسأت بكتماننا نفسك منذ الليلة ووصله وكساه
ومضى لوجهه إلى عتيبة بن النهاس العجلي فسأله فقال له ما أنا على عمل فأعطيك من عدده ولا في مالي فضل عن قومي قال له فلا عليك وانصرف فقال له بعض قومه لقد عرضتنا ونفسك للشر قال وكيف قالوا هذا الحطيئة وهو هاجينا أخبث هجاء فقال ردوه فردوه إليه فقال له لم كتمتنا نفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا اجلس فلك عندنا ما يسرك فجلس فقال له من أشعر الناس قال الذي يقول
( ومَنْ يَجعَلِ المعروفَ من دون عِرْضِه ... يَفِرْهُ ومَنْ لا يَتَّقِ الشَّتمَ يُشتَمِ ) فقال له عتيبة إن هذا من مقدمات أفاعيك ثم قال لوكيله اذهب معه إلى السوق فلا يطلب شيئا إلا اشتريته له فجعل يعرض عليه الخز ورقيق الثياب فلا يريدها ويومىء إلى الكرابيس والأكسية الغلاظ فيشتريها له حتى قضى أربه ثم مضى فلما جلس عتيبة في نادي قومه أقبل الحطيئة فلما رآه عتيبة قال هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك قال قد كنت قلت بيتين فاستمعهما ثم أنشأ يقول
( سُئِلتَ فلم تبخَل ولم تُعْطِ طائلاً ... فَسِيّانِ لا ذمٌّ عليكَ ولا حمدُ )
( وأنتَ امرؤ لا الجودُ منكَ سَجيّةٌ ... فتُعطِي ولا يُعدِي على النائل الوُجْدُ )

ثم ركض فرسه فذهب
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد البوشنجي قالا حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني محمد بن عمرو الجرجرائي عن أبي صفوان الأحوزي قال
ما من أحد إلا لو أشاء أن أجد في شعره مطعنا لوجدته إلا الحطيئة
قال حماد وسمعت أبي يقول وقد أنشد قول الحطيئة
( وفتيانِ صدقٍ من عَدِيٍّ عليهمُ ... صفائحُ بُصْرَى عُلِّقتْ بالعَواتِقِ )
( إذا ما دُعُوا لم يَسأَلوا مَنْ دعاهمُ ... ولم يُمْسِكوا فَوقَ القلوبِ الخَوافِق )
( وطارُوا إلى الجُرْدِ العِتَاقِ فأَلْجموا ... وشَدُّوا على أوساطهم بالمَنَاطق )
( أولئك آباءُ الغَريب وغَاثَةُ الصَّرِيخِ ... ومأوَى المُرْمِلين الدَّرَادِق )
( أَحَلُّوا حِياضَ الموت فوق جِباههم ... مكانَ النَّواصي من وجوه السَّوابِق )
ويروى
( إذا استلحموا . . . . ... . وإذا ركبوا لم ينظروا عن شِمالهم )
ويروى أولئك أبناء العزيف ثم قال أما إني ما أزعم أن أحدا بعد زهير أشعر من الحطيئة

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال بلغني أنه لما قال ابن ميادة
( تَمشَّى به ظُلْمَانه وجآذِرُهْ ... ) قيل له لقد سبقك الحطيئة إلى هذا فقال والله ما علمت أن الحطيئة قال هذا قط والآن علمت والله أني شاعر حين واطأت الحطيئة
قال حماد قال أبي وقال لي الأصمعي وقد أنشدني شيئا من شعر الحطيئة أفسد مثل هذا الشعر الحسن بهجاء الناس وكثرة الطمع
قال حماد قال أبي وبلغني عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لقيت الحطيئة بذات عرق فقلت له يا أبا مليكة من أشعر الناس فأخرج لسانه كأنه لسان الحية ثم قال هذا إذا طمع
ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد بن طلحة وكان قد قارب ثمانين سنة قال
أخبرني بعض أشياخنا أن أعرابيا وقف على حسان بن ثابت وهو ينشد فقال

له حسان كيف تسمع يا أعرابي قال ما أسمع بأسا قال حسان أما تسمعون إلى الأعرابي ما كنيتك أيها الرجل قال أبو مليكة قال ما كنت قط أهون علي منك حين اكتنيت بامرأة فما اسمك قال الحطيئة فأطرق حسان ثم قال له أمض بسلام

بعض صفات الحطيئة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني قال
مر ابن الحمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيته فقال السلام عليكم فقال قلت ما لا ينكر قال إني خرجت من عند أهلي بغير زاد فقال ما ضمنت لأهلك قراك قال أفتأذن لي أن آتي ظل بيتك فأتفيأ به قال دونك الجبل يفيء عليك قال أنا ابن الحمامة قال انصرف وكن ابن أي طائر شئت
وأخبرنا بهذا الخبر اليزيدي عن الخزاز عن المدائني فحكى ما ذكرناه من قول الحطيئة عن أبي الأسود الدؤلي
وأخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة والمدائني قالا

أتى رجل الحطيئة وهو في غنم له فقال له يا صاحب الغنم فرفع الحطيئة العصا وقال إنها عجراء من سلم فقال الرجل إني ضيف فقال للضيفان أعددتها فانصرف عنه قال إسحاق وقال غيرهما إن الرجل قال له السلام عليكم فقال له عجراء من سلم فقال السلام عليكم فقال أعددتها للطراق فأعاد السلام فقال له إن شئت قمت بها إليك فانصرف الرجل عنه
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال زعم الجاحظ أن الحطيئة كان يقول إنما أنا حسب موضوع فسمع عمرو بن عبيد رجلا يحكي ذلك عنه يقال له عبد الرحمن بن صديقة فقال عمرو كذب ترحه الله إنما ذلك التقوى
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال الأصمعي لم ينزل ضيف قط بالحطيئة إلا هجاه فنزل به رجل من بني أسد لم يسمه الأصمعي وذكر أبو عبيدة أنه صخر بن أعيى ألأسدي أحد بني أعيى بن طريف بن عمرو بن قعين فسقاه شربة من لبن فلما شربها قال
( لما رأيتُ أنّ مَنْ يبتغِي القِرَى ... وأنَ ابن أعْيَى لا محالةَ فاضِحِي )
( شَدَدْتُ حَيَازِيمَ ابنِ أعيى بشربةٍ ... على ظَمَإ سَدَّتْ أصولَ الجوانحِ )

وروى الأصمعي شدت بالشين المعجمة
( ولم أَكُ مثلَ الكاهِليِّ وعِرْسِه ... بَغَى الوُدَّ من مطْروفَةِ العينِ طَامِحِ )
( غدا باغيا يَبْغِي رضاهاوودَّها ... وغابت له غيبَ امرىء غيِر ناصِحِ )
( دعَتْ ربَّها ألاّ يزالَ بفاقةٍ ... ولا يغتدِي إلا على حدِّ بارِحِ ) قال فأجابه صخر بن أعيى فقال
( ألا قَبّحَ اللهُ الحطيئةَ إنه ... على كلّ ضيف ضافه هو سَالحُ )
( دُفِعْتُ إليه وهو يخنُقُ كلبَه ... ألا كلّ كلبٍ لا أبَا لَكَ نابحُ )
( بَكَيتَ على مَذْقٍ خبيثٍ قَرَيْتَه ... ألا كلُّ عَبْسِيٍّ على الزاد شَائِحُ ) قال أبو عبيدة وهجا الحطيئه أيضا رجلا من أضيافه فقال
( وسَلَّمَ مرّتيِن فقلتُ مهلاً ... كفتكَ المرّةُ الأولى السَّلامَا )
( ونقْنَقَ بطنُه ودعا رُؤَاساً ... لِمَا قد نالَ من شِبَع ونامَا )
وأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن يونس أن الحظيئة خرج في سفر له ومعه امراته أمامة وابنته مليكة فنزل منزلا وسرح ذودا له ثلاثا فلما قام للرواح فقد إحداها فقال

( أذئبُ القفرِ أم ذئبٌ أَنيسٌ ... أصاب البَكْرَ أم حَدَثُ الليالي )
( ونحن ثلاثةٌ وثَلاثُ ذَوْدٍ ... لقد جارَ الزمانُ على عِيالِي )

لا يذهب العرف بين الله والناس
أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد عن أبيه قال قال أبو عمرو بن العلاء لم تقل العرب بيتا قط أصدق من بيت الحطيئة
( مَنْ يَفعِل الخيرَ لاَ يعدَمْ جَوَازِيَه ... لا يَذْهَبُ العُرفُ بينَ اللهِ والنّاسِ ) فقيل له فقول طرفة
( سَتُبدي لَك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيكَ بالأخبار مَنْ لم تُزوِّدِ ) فقال من يأتيك بها ممن زودت أكثر وليس بيت مما قالته الشعراء إلا وفيه مطعن إلا قول الحطيئة
( لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ ... ) قال إسحاق قال المدائني قال سلم بن قتيبة ما أعلم قافية تستغني عن صدرها وتدل عليه وإن لم ينشد مثل قول الحطيئة
( لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا الرياشي قال سمعت

الأصمعي يقول كتبت للحطيئة في ليلة أربعين قصيدة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة قال
بلغني أن هذا البيت في التوراة ذكره غير واحد عن أبي بن كعب يعني قول الحطيئة
( لا يذهب العرف بين الله والناسِ ... )
قال إسحاق وذكر عبد الله بن مروان عن أيوب بن عثمان الدمشقي عن عثمان ابن أبي عائشة قال سمع كعب الحبر رجلا ينشد بيت الحطيئة
( من يفعلِ الخيرَ لا يَعدَمْ جوازيَه ... لا يذهبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ ... ) فقال والذي نفسي بيده إن هذا البيت لمكتوب في التوراة
قال إسحاق قال العمري والذي صح عندنا في التوراة لا يذهب العرف بين الله والعباد
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال قال أبو عدنان لما حضرت عبيد الله ابن شداد الوفاة دعا ابنه محمد فأوصاه وقال له يا بني أرى داعِي الموت لا يقلع وبحق أن من مضى لا يرجع ومن بقي فإليه ينزع
يا بني ليكن أولى الأمور بك تقوى الله في السر والعلانية والشكر لله وصدق الحديث والنية فإن للشكر مزيدا والتقوى خير زاد كما قال الحطيئة

( ولست أرى السعادة َجمعَ مال ... ولكنّ التقيّ هو السعيدُ )
( وتقوَى الله خيرُ الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقَى مَزِيدُ )
( وما لا بدّ أن يأتي قريبٌ ... ولكنّ الذي يمضي بعيدُ )
أخبرني ابو خليفة عن محمد بن سلام قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال
قدم حماد الراوية البصرة على بلال بن أبي بردة وهو عليها فقال له ما أطرفتني شيئا يا حماد قال بلى ثم عاد إليه فأنشده للحطيئة في أبي موسى الأشعري يمدحه
( جمعتَ من عامرٍ فيه ومن جُشَمٍ ... ومن تَميم ومن حاءٍ ومن حَامِ )
( مُسْتَحقباتٍ رَوَاياها جَحافِلَها ... يَسْمُو بها أَشْعَريٌّ طَرْفُه سَامِي ) فقال له بلال ويحك أيمدح الحطيئة أبا موسى الأشعري وأنا أروي شعر

الحطيئة كله فلا أعرفها ولكن أشعها تذهب في الناس
وذكر المدائني أن الحطيئة قال هذه القصيدة في أبي موسى وأنها صحيحة
قالها فيه وقد جمع جيشا للغزو فأنشده
( جمعتَ من عامرٍ فيه ومن أَسَدٍ ... )
وذكر البيتين وبينهما هذا البيت وهو
( فما رضيتَهمُ حتى رَفدْتَهُم ... بوائلٍ رهطِ ذي الجَدَّين بِسْطامِ ) فوصله أبو موسى فكتب إليه عمر رضي الله عنه يلومه على ذلك فكتب إليه إني اشتريت عرضي منه بها فكتب إليه عمر إن كان هذا هكذا وإنما فديت عرضك من لسانه ولم تعطه للمدح والفخر فقد أحسنت
ولما ولى بلال بن أبي بردة أنشده إياها حماد الراوية فوصله أيضا
ونسخت من كتاب لحماد بن إسحاق حدثني به أبي وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرياشي قال حدثني محمد بن الطفيل عن أبي بكر بن عياش عن الحارث بن عبد الرحمن عن مكحول قال
سبق رسول اللهعلى فرس له فجثا على ركبتيه وقال إنه لبحر قال عمر كذب الحطيئة حيث يقول
( وإنّ جيادَ الخيل لا تستفِزُّنا ... ولا جاعلاتُ الرَّيْطِ فوقَ المَعَاصمِ ) لو ترك هذا أحد لتركه الرسول
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة أن الحطيئة أراد سفرا فأتته امرأته وقد قدمت راحلته ليركب فقالت

( أذكرْ تحنُّنَنَا إليك وشوقَنا ... واذكرْ بناتِك إنهنّ صِغَارُ ) فقال حطوا لا رحلتُ لسفر ابدا
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي ومحمد بن الحسن بن دريد قالا حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن أبيه قال
قال رجل ضفت قوما في سفر وقد ضللت الطريق فجاؤوني بطعام أجد طعمه في فمي وثقله في بطني ثم قال شيخ منهم لشاب أنشد عمك فأنشدني
( عفا من سُلَيمى مُسْحُلاَنُ فَحامِرُهْ ... تَمَشَّى به ظُلْمانُه وجَآذِرُهْ ) فقلت له أليس هذا للحطيئة فقال بلى وأنا صاحبه من الجن
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
قال ابن عيينة سمعت ابن شبرمة يقول أنا والله أعلم بجيذ الشعر لقد أحسن الحطيئة حيث يقول
( أولئك قوم إن بَنَوْا أحسنوا البُنَى ... وإن عاهدوا أوفَوْا وإن عقَدوا وشَدُّوا )
( وإن كانتِ النَّعْماءُ فيهم جَزَوْا بها ... وإن أَنْعموا لا كدَّرُوها ولا كَدُّوا )
( وإن قال مَوْلاهم على جُلٍّ حادثٍ ... من الدهر رُدُّوا فضلَ أحلامكم رَدُّوا )
قال وقال الأصمعي وقد سأله أبو عدنان عن هذا البيت ما واحد البنى قال بنية فقال له أتجمع فعلة على فعل قال نعم مثل رشوة ورشى وحبوة وحبى
حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن أحمد بن صدقة الأنباري قال حدثنا ابن الأعرابي عن المفضل

إن الحطيئة أقحمته السنة فنزل ببني مقلد بن يربوع فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا إنِ هذا الرجل لا يسلم أحد من لسانه فتعالوا حتى نسأله عما يحب فنفعله وعما يكره فنجتنبه فأتوه فقالوا له يا أبا مليكة إنك اخترتنا على سائر العرب ووجب حقك علينا فمرنا بما تحب أن نفعله وبما تحب أن ننتهي عنه فقال لا تكثروا زيارتي فتملوني ولا تقطعوها فتوحشوني ولا تجعلوا فناء بيتي مجلسا لكم ولا تسمعوا بناتي غناء شبانكم فإن الغناء رقية الزنا
قال فأقام عندهم وجمع كل رجل منهم ولده وقال أمكم الطلاق لئن تغنى أحد منكم والحطيئة مقيم بين أظهرنا لأضربنه ضربة بسيفي أخذت منه ما أخذت
فلم يزل مقيما فيما يرضى حتى انجلت عنه السنة فارتحل وهو يقول
( جاورتُ آلَ مُقَلِّدٍ فَحمِدتُهم ... إذ ليس كلُّ أخي جِوارٍ يُحْمَدُ )
( أيامَ مَنْ يُرِدِ الصنيعةَ يَصْطنعْ ... فينا ومن يُرِدِ الزَّهادةَ يَزْهَدُ )

الحطيئة والزبرقان
فأما خبره مع الزبرقان بن بدر والسبب في هجائه إياه فأخبرني به أبو خليفة عن محمد بن سلام ولم يتجاوزه به وأخبرني الحسين ين يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة وأخبرني اليزيدي عن عمه عبيد الله عن أبي حبيب عن ابن

الأعرابي وقد جمعت رواياتهم وضممت بعضها إلى بعض أن النبيكان ولى الزبرقان بن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف ببن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عملا وذكر مثل ذلك الأصمعي وقال الزبرقان القمر والزبرقان الرجل الخفيف اللحية
قال وأقره أبو بكر رضي الله عنه بعد النبيعلى عمله ثم قدم على عمر في سنة مجدبة ليؤدي صدقات قومه فلقيه الحطيئة بقرقرى ومعه ابناه أوس وسوادة وبناته وامرأته فقال له الزبرقان وقد عرفه ولم يعرفه الحطيئة أين تريد قال العراق فقد حطمتنا هذه السنة قال وتصنع ماذا قال وددت أن أصادف بها رجلا يكفيني مؤونة عيالي وأصفيه مدحي أبدا فقال له الزبرقان قد أصبته فهل لك فيه يوسعك لبنا وتمرا ويجاورك أحسن جوار وأكرمه فقال له الحطيئة هذا وأبيك العيش وما كنت أرجو هذا كله قال فقد أصبته قال عند من قال عندي قال ومن أنت قال الزبرقان بن بدر قال وأين محلك قال اركب هذا الإبل واستقبل مطلع الشمس وسل عن القمر حتى تأتي منزلي
قال يونس وكان اسم الزبرقان الحصين بن بدر وإنما سمي الزبرقان لحسنه شبه بالقمر
وقيل بل لبس عمامة مزبرقة بالزعفران فسمي الزبرقان لذلك
وقال أبو عبيدة في خبره فقال له سر إلى أم شذرة وهي أم الزبرقان وهي أيضا عمة الفرزدق وكتب إليها أن أحسني إليه وأكثري له من التمر واللبن
وقال آخرون بل وكله إلى زوجته
فلحق الحطيئة بزوجته على رواية ابن سلام وهي بنت صعصعة بن ناجية المجاشعية واسمها هنيدة وعلى رواية أبي عبيدة أنها

أمه وذلك في عام صعب مجدب فأكرمته المرأة وأحسنت إليه فبلغ ذلك بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن جعفر وهو أنف الناقه بن قريع بن عوف ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم وبلغ إخوته وبني عمه فاغتنموها
وفي خبر اليزيدي عن عمه قال ابن حبيب عن ابن الأعرابي وكانوا يغضبون من أنف الناقة وإنما سمي جعفر أنف الناقة لأن أباه قريعا نحر ناقة فقسمها بين نسائه فبعثت جعفرا هذا أمه وهي الشموس من وائل ثم من سعد هذيم فأتى أباه ولم يبق من الناقة إلا رأسها وعنقها فقال شأنك بهذا فأدخل يده في أنفها وجر ما أعطاه فسمي أنف الناقة
وكان ذلك كاللقب لهم حتى مدحهم الحطيئة فقال
( قوم هم الأنفُ والأذنابُ غيرُهُمُ ... ومن يسوِّي بأنفِ الناقة الذنَبا )
فصار بعد ذلك فخرا لهم ومدحا وكانوا ينازعون الزبرقان الشرف يعني بغيضا وإخوته وأهله وكانوا أشرف من الزبرقان إلا أنه قد كان استعلاهم بنفسه
وقال أبو عبيدة في خبره كان الحطيئة دميما سيء الخلق لا تأخذه العين ومعه عيال كذلك فلما رأت أم شذرة حاله هان عليها وقصرت به ونظر بغيض وبنو أنف الناقة إلى ما تصنع به أم شذرة فأرسلوا إليه إن ائتنا فأبى عليهم وقال إن من شأن النساء التقصير والغفلة ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها
فلما ألح عليه بنو أنف الناقة وكان رسولهم إليه شماس بن لأي وعلقمة بن هوذة وبغيض ابن شماس والمخبل الشاعر قال لهم لست بحامل على الرجل ذنب غيره فإن

تركت وجفيت تحولت إليكم فأطمعوه ووعدوه وعد عظيما
وقال ابن سلام في خبره فلما لم يجبهم دسوا إلى هنيدة زوجة الزبرقان إنما يريد أن يتزوج ابنته مليكة وكانت جميلة كاملة فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة وهي في ذاك تداريه
ثم أرادوا النجعة قال أبو عبيدة فقالت له أم شذرة وقال ابن سلام فقالت له هنيدة قد حضرت النجعة فاركب أنت وأهلك هذا الظهر إلى مكان كذا وكذا ثم اردده إلينا حتى نلحقك فإنه لا يسعنا جميعا فأرسل إليها بل تقدمي أنت فأنت أحق بذلك ففعلت وتثاقلت عن ردها إليه وتركته يومين أو ثلاثة وألح بنو أنف الناقة عليه وقالوا له قد تركت بمضيعة
وكان أشدهم في ذلك قولا بغيض بن شماس وعلقمة بن هوذة وكان الزبرقان قد قال في علقمة
( لي ابنُ عمِّ لا يزال ... يَعِيبُني ويُعينُ عائبْ )
( وأعينُه في النائبات ... ولا يُعين على النوائبْ )
( تَسْري عَقَاربُه إليَّ ... ولا تَدِبُّ له عقاربُ )
( لاَهِ ابنُ عَمِّكَ لا يَخَاف ... المُحْزناتِ من العواقبْ )
قال فكان علقمة ممتلئا غيظا عليه
فلما ألحوا على الحطيئة أجابهم وقال أما الآن فنعم أنا صائر معكم
فتحمل معهم فضربوا له قبة وربطوا بكل طنب من أطنابها جلة هجرية وأراحوا عليه إبلهم وأكثروا له من التمر

واللبن وأعطوه لقاحا وكسوة
قال فلما قدم الزبرقان سأل عنه فأخبر بقصته فنادى في بني بهدلة بن عوف وهم لأم دون قريع أمهم السفعاء بنت غنم بن قتيبة من باهلة فركب الزبرقان فرسه وأخذ رمحه وسار حتى وقف على نادي بني شماس القريعيين فقال ردوا علي جاري فقالوا ما هو لك بجار وقد اطرحته وضيعته فألم أن يكون بين الحيين حرب فحضرهم أهل الحجا من قومهم فلاموا بغيضا وقالوا اردد على الرجل جاره فقال لست مخرجه وقد آويته وهو رجل حر مالك لأمره فخيروه فإن اختارني لم أخرجه وإن اختاره لم أكرهه فخيروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه فجاء الزبرقان ووقف عليه وقال له أبا مليكة أفارقت جواري عن سخط وذم قال لا فانصرف وتركه
هذه رواية ابن سلام وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أنه كان بين الزبرقان ومن معه من القريعيين تلاح وتشاح
وزعم غيرهما أن الزبرقان استعدى عمر بن الخطاب على بغيض فحكم عمر بأن يخرج الحطيئة حتى يقام في موضع خال بين الحيين وحده ويخلى سبيله ويكون جار أيهما اختار ففعل ذلك به فاختار القريعيين قال وجعل الحطيئة يمدحهم من غير أن يهجو الزبرقان وهم يحضونه على ذلك ويحرضونه فيأبى ويقول لا ذنب للرجل عندي حتى أرسل الزبرقان إلى رجل من النمر بن قاسط يقال له دثار بن شيبان فهجا بغيضا فقال
( أرَى إبِلي بجَوْف الماء حَلَّتْ ... وأَعْوزها به الماءُ الرَّواءُ )

( وقد وَرَدَتْ مِيَاهَ بني قُرَيع ... فما وصلُوا القرابةَ مذ أساؤوا )
( تُحَلأّ يومَ وِرْد الناس إبْلِي ... وتَصْدُرُ وهي مُحْنِقةُ ظِمَاءُ )
( ألم أكُ جارَ شمّاس بن لأْي ... فأسلمني وقد نزل البَلاءُ )
( فقلتُ تحوَّّلي يا أمّ بَكْرٍ ... إلى حيثُ المكارمُ والعَلاَءُ )
( وجدنا بيتَ بَهْدَلةَ بنِِ عَوْفٍ ... تعالى سَمْكُه ودَحَا الفَنَاءُ )
( وما أَضْحى لشَمَّاسِ بن لأْي ... قَدِيمٌ في الفَعال ولا رَبَاءُ )
( سِوَى أن الحطيئَة قال قولاً ... فهذا من مقالتِه جزاءُ )
فحينئذ قال الحطيئة يهجو الزبرقان ويناضل عن بغيض قصيدته التي يقول فيها
( والله ما مَعْشرٌ لامُوا امْرأَ جُنُباً ... في آل لأْي بن شَمَّاس بأَكْياسِ )
( ما كان ذنبُ بَغِيضٍ لا أبالكُم ... في بائسٍ جاء يَحْدُو آخرَ الناسِ )
( لقد مَرَيْتُكُم لو أن دِرَّتَكم ... يوماً يَجيء بها مَسْحِي وإِبْسَاسِي )
( وقد مدحتُكُم عمداً لأُرْشِدكم ... كيما يكون لكم مَتْحِي وإِمراسي )
( لما بدا لي منكم غيبُ أنفِسكم ... ولم يكن لجِراحي فيكمُ آسي )
( أزمعتُ يأساً مُبِيناً من نَوَالِكُمُ ... ولن يُرَى طارداً للحُرِّ كالياسِ )

( جارٌ لقومٍ أَطَالُوا هُونَ منزِلِه ... وغادرُوه مقيماً بينَ أَرْماسِ )
( مَلُّوا قِرَاه وهَرَّتْه كلابُهُم ... وجَرَّحُوه بأنيابٍ وأَضْراسِ )
( دَعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغْيتها ... واقعُدْ فإِنكَ أنت الطاعمُ الكاسِي )
( مَن يَفْعَلِ الخَيرَ لا يَعْدَمْ جَوَازِيَه ... لا يذهبُ العُرْف بين الله والناسِ )
( ما كان ذنبي أن فَلَّتْ مَعَاوِلَكم ... من آلِ لأْي صَفَاةٌ أصلُها رَاسِي )
( قد ناضَلُوكَ فسَلُّوا من كنَائِنهم ... مجداً تَلِيداً ونَبْلاً غير أَنْكاسِ )
الجنب الغريب
الإبساس أن يسكنها عند الحلب
والماتح المستقي الذي يجذب الدلو من فوق والإمراس أن يقع الحبل في جانب البكرة فيخرجه فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب فرفعه عمر إليه واستنشده فأنشده فقال عمر لحسان أتراه هجاه قال نعم وسلح عليه فحبسه عمر

الحطيئة وعمر
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن أبي عبد الرحمن الطائي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال
شهدت زيادا وأتاه عامر بن مسعود بأبي علاثة التيمي فقال إنه هجاني قال وما قال لك قال قال
( وكيف أرجِّي ثَرْوها ونماءها ... وقد سار فيها خُصْيةُ الكلبِ عامرُ )

فقال أبو علاثة ليس هكذا قلت قال فكيف قلت قال قلت
( وإِِني لأرجو ثَرْوها ونماءها ... وقد سار فيها ناجذ الحقِّ عامرُ )
قال زياد قاتل الله الشاعر ينقل لسانه كيف شاء والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك فقام قيس بن فهد الأنصاري فقال أصلح الله الأمير ما أدري من الرجل فإن شئت حدثتك عن عمر بما سمعت منه قال وكان زياد يعجبه الحديث عن عمر رضي الله عنه قال هاته قال شهدته وأتاه الزبرقان بن بدر بالحطيئة فقال إنه هجاني قال وما قال لك قال قال لي
( دَعِ المكارمَ لا ترحلْْ لبُغيتها ... واقعدْْ فإِنك أنت الطاعم الكاسِي )
فقال عمر ما أسمع هجاء ولكنهامعاتبة فقال الزبرقان أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس فقال عمر علي بحسان فجيء به فسأله فقال لم يهجه ولكن سلح عليه قال ويقال إنه سأل لبيدا عن ذلك فقال ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم فأمر به عمر فجعل في نقير في بئر ثم ألقي عليه شيء فقال
( ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مَرَخٍ ... زُغْبِ الحَواصِل لا ماءٌ ولا شَجَرُ )
( ألقيتَ كاسِبَهم في قعرِ مُظْلِمَةٍ ... فاغفرْ عليكَ سلامُ الله يا عمرُ )
( أنت الإِمامِ الذي من بعدِ صاحبهِ ... ألقَى إليك مقاليدَ النُّهَى البَشَرُ )
( لم يُؤْثِروكَ بها إذ قدَّموك لها ... لكن لأنفسِهم كانتْ بكَ الأُثَرُ )

فأخرجه وقال له إياك وهجاء الناس قال إذا يموت عيالي جوعا هذا مكسبي ومنه معاشي قال فإياك والمقذع من القول قال وما المقذع قال أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان قال فأنت والله أهجى مني ثم قال والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك ولكن اذهب فأنت له خذه يا زبرقان فألقى الزبرقان في عنقه عمامة فاقتاده بها وعارضته غطفان فقالوا له يا أبا شذرة إخوتك وبنو عمك هبه لنا فوهبه لهم
فقال زياد لعامر بن مسعود قد سمعت ما روي عن عمر وإنما هي السنن فاذهب به فهو لك فألقى في عنقه حبلا أو عمامة وعارضته بكر بن وائل فقالوا له أخوالك وجيرانك فوهبه لهم
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة أن الحطيئة لما حبسه عمر قال وهو أول ما قاله
( أَعُوُذ بجَدّك إنّي امرؤٌ ... سَقتْني الأعادي إليكَ السِّجَالاَ )
( فإِنك خيرٌ من الزبرقان ... أشدُّ نَكَالاً وأَرْجَى نَوَالاَ )
( تحنَّنْ عليَّ هَدَاك المليكُ ... فإِنّ لكلِّ مقامٍ مَقَالاَ )
( ولا تأخُذَنِّي بقول الوُشَاةِ ... فإِنّ لكلِّ زمانٍ رِجَالاَ )
( فإِن كان ما زَعَمُوا صادقاً ... فسِيقَتْ إليكَ نسائي رِجَالاَ )
( حَوَاسِرَ لا يشتكينَ الوَجَا ... يُخفِّضْنَ ألاّ ويرفَعْنَ آلاَ ) فلم يلتفت عمر إليه حتى قال أبياته التي أولها
( ماذا تقول لأفراخ بذي مَرَخٍ ... )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء ومحمد بن العباس اليزيدي وعمر بن عبد

العزيز بن أحمد وطاهر بن عبد الله الهشامي قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي قال حدثني عبد الله بن مصعب عن ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أبيه قال
أرسل عمر إلى الحطيئة وأنا جالس عنده وقد كلمه فيه عمرو بن العاص وغيره فأخرجه من السجن فانشده قوله
( ماذا تقول لأفراخ بذي مَرَخٍ ... زغبِ الحواصِل لا ماء ولا شجرُ )
( ألقيت كاسبَهم في قعر مظلمةٍ ... فاغفرْ عليك سلامُ الله يا عمرُ )
( أنت الإِمامُ الذي من بعد صاحبِهِ ... ألقى إليك مقاليدَ النُّهَى البشرُ )
( لم يؤثروك بها إذ قدَّموك لها ... لكن لأنفسِهم كانت بك الأُثَرُ )
( فامنُنْ على صِبيةٍ بارزمل مسكنُهم ... بين الأباطح تَغْشاهم بها القِرَرُ )
( أهلي فدَاؤُكَ كم بيني وبينهُم ... من عَرْض داوِيةً تَعْمَى بها الخُبُرُ )
قال فبكى حين قال
( ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... )
فقال عمرو بن العاص ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطئية فقال عمر علي بالكرسي فأتي به فجلس عليه ثم قال أشيروا علي في الشاعر فإنه يقول الهجر وينسب الحرم ويمدح الناس ويذمهم بغير ما فيهم ما أراني إلا قاطعا لسانه ثم قال علي بالطست فأتي بها

ثم قال علي بالمخصف علي بالسكين لا بل علي بالموسى فهو أوجى فقالوا لا يعود يا أمير المؤمنين فأشاروا إليه أن قل لا أعود فقال لا أعود يا أمير المؤمنين فقال له النجاء
قال فلما ولى قال له عمر يا حطيئة كأني بك عند فتى من قريش قد بسط لك نمرقة وكسر لك أخرى وقال غننا يا حطيئة فطفقت تغنيه بأعراض الناس قال ابن أسلم فما انقضت الدنيا حتى رأيت الحطيئة عند عبيد الله بن عمر قد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وقال غننا يا حطيئة فجعل يغنيه فقلت له يا حطيئة أتذكر قول عمر ففزع وقال يرحم الله ذلك المرء أما إنه لو كان حيا ما فعلت قال وقلت لعبيد الله سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل
وروي عن عبد الله بن المبارك أن عمر رضي الله عنه لما أطلق الحطيئة أراد أن يؤكد عليه الحجة فاشترى منه أعراض المسلمين جميعا بثلاثة آلاف درهم فقال الحطيئة في ذلك
( وأخذتَ أطرافَ الكلام فلم تَدَعْ ... شَتْما يضُرّ ولا مَدِيحاً ينفعُ )
( وحَميْتِني عِرْضَ اللئيم فلم يخَفْ ... دَمِّي وأصبح آمناً لا يَفْزَعُ )

خبر الحطيئة مع ابن عوف وبني قريع
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه عن نافع بن أبي نعيم
أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي استرضى عمر بن الخطاب وكلمه في أمر الحطيئة حتى أخرجه من السجن قال حماد وأخبرني أبي عن أبي عبيدة أن عمر رضي الله عنه لما أطلقه قال الشاعر النمري الذي كان الزبرقان حمله على هجاء بغيض
( دَعَانِي الأثْبَجانِ ابنا بَغِيضٍ ... وأَهْلي بالعَلاَةِ فَمنَّيانِي )
( وقالوا سِرْ بأهلك فأْتِيَنَّا ... ألى حَبٍّ وأنَعْامٍ سِمَانِ )
( فسرتُ إليهمُ عشرين شهراً ... وأربعةً فذلك حِجَّتَانِ )
( فلما أن أتيتُ ابنَيْ بغيضٍ ... وأسلمني بدائي الداعيانِ )
( يبِيتُ الذئبُ والعَثْواءُ ضيفاً ... لنا بالليل بئس الضائفانِ )
( أُمارِسُ منهما ليلاً طويلاً ... أُهَجْهِجُ عن بنيّ ويَعْرُوانِ )
( تقولُ حليلتي لما اشتكينا ... سيدرِكُنا بنو القَرِمْ الهِجَانِ )

( سيُدْرِكُنا بنو القمر بن بَدْرٍ ... سراج الليلِ للشمس الحَصَانِ )
( فقلتُ ادْعي وأَدْعُو إن أَندى ... لصوتٍ أن ينادِيَ داعيانِ )
( فمن يَكُ سائلاً عنِّي فإِنِّي ... أنا النَّمرِيُّ جارُ الزِّبْرِقانِ )
( طَريدُ عَشِيرةُ وطريدُ حربٍ ... بما اجترمتْ يدي وجنَى لساني )
( كأَنِّي إذ نزلتُ به طرِيداً ... نزلتُ على الممنَّع من أَبَانِ )
( أتيتُ الزِّبْرِقانَ فلم يُضِعْني ... وضيَّعَني بِتريم مَنْ دَعَانِي )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال
لم يزل الحطيئة في بني قريع يمدحهم حتى إذا أحيوا قالوا لبغيض ف لي بما كنت تضمنت فأتى بغيض علقمة بن هوذة فقال له قد جاء الله بالحيا فف لي بما قلت وكان قد ضمن له مائة بعير وأبرئني مما تضمنته عهدتي فقال نعم سل في بني قريع فمهما فضل بعد عطائهم أن يتم مائة أتممته ففعل فجمعوا له أربعين أو خمسين بعيرا كان الرجل يعطيه على قدر ماله البعير والبعيرين قال فأتمها علقمة له مائة وراعيين فدفعت إليه فلم يزل يمدحهم وهو مقيم بينهم حتى قال كلمته السينية واستعدى الزبرقان عليه عمر رضي الله عنه فلما رحل عنهم قال
( لا يُبْعِدِ اللهُ إذ ودّعتُ أرضَهُم ... أخي بَغِيضاً ولكن غيرُه بعدا )
( لا يُبْعِدِ الله من يُعْطي الجزيلَ ومن ... يَحْبو الجليلَ وما أَكْدى ولا نَكِدَا )

( ومن تُلاَقِيه بالمعروف مبتهِجاً ... إذا اجْرَهَّد صَفَا المذمومِ أو صلَدا )
( لاقيتُه ثَلِجاً تَنْدَى أناملُه ... إن يُعْطِك اليومَ لا يمنعَك ذاك غَدا )
( إنّي لرافدُه وُدّي ومَنْصَرَتي ... وحافظٌ غيبَه إن غاب أو شهِدا )

الحطيئة لابن عباس أعلي جناح في هجاء الناس
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن دأب عن عبد الله بن عياش المنتوف قال
بينا ابن عباس جالس في مجلس رسول الله كف بصره وحوله ناس من قريش إذ أقبل أعرابي يخطر وعليه مطرف وجبة وعمامة خز حتى سلم على القوم فردوا عليه السلام فقال يا بن عم رسول الله أفتني قال فيماذا قال أتخاف علي جناحا إن ظلمني رجل فظلمته وشتمني فشتمته وقصر بي فقصرت به فقال العفو خير ومن انتصر فلا جناح عليه فقال يا بن عم رسول الله أرأيت امرأ أتاني فوعدني وغرني ومناني ثم أخلفني و استخف بحرمتي أيسعني أن أهجوه قال لا يصلح الهجاء لأنه لا بد لك من أن تهجو غيره من عشيرته فتظلم من لم يظلمك وتشتم من لم يشتمك وتبغي على من لم يبغ عليك والبغي مرتع وخيم وفي العفو ما قد علمت من الفضل قال صدقت وبررت فلم ينشب أن أقبل عبد الرحمن بن سيحان المحاربي حليف قريش فلما رأى الأعرابي أجله وأعظمه وألطف في مسألته وقال قرب الله دارك يا أبا مليكة فقال ابن عباس أجرول قال جرول فإذا هو الحطيئة فقال ابن

عباس لله أنت أي مردي قذاف وذائد عن عشيرة ومثن بعارفه تؤتاها أنت يا أبا مليكة والله لو كنت عركت بجنبك بعض ما كرهت من أمر الزبرقان كان خيرا لك ولقد ظلمت من قومه من لم يظلمك وشتمت من لم يشتمك قال إني والله بهم يا أبا العباس لعالم قال ما أنت بأعلم بهم من غيرك قال بلى والله يرحمك الله ثم أنشأ يقول
( أنا ابنُ بَجْدتِهم علماً وتجربةً ... فسَلْ بسعدٍ تَجدْنِي أعلمَ الناسِ )
( سعدُ بن زيد كثيرٌ إن عددْتَهُم ... ورأسُ سعدِ بن زيد آلُ شَمَّاسِ )
( والزبرقان ذُنَاباهم وشرّهُم ... ليس الذُّنابَى أبا العباس كالراسِ )
فقال ابن عباس أقسمت عليك ألا تقول إلا خيرا قال أفعل ثم قال ابن عباس يا أبا مليكة من أشعر الناس قال أمن الماضين أم من الباقين قال من الماضين قال الذي يقول
( ومن يجعل المعروفَ من دون عرضه ... يَفِرْهُ ومن لا يَتَّقِ الشتم يُشْتَمِ ) وما بدونه الذي يقول
( ولستَ بمستبقٍ أخّا لا تَلُمُّه ... على شَعَثٍ أيُّ الرجال المهذَّبُ )

ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا يعنى نفسه والله يا بن عم رسول الله لولا الطمع والجشع لكنت أشعر الماضين فأما الباقون فلا تشك أني أشعرهم وأصردهم سهما إذا رميت
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال روي لنا عن أبي عبيدة والهيثم بن عدي وغيرهما
أن عبد الله بن أبي ربيعة لما قدم من البحرين نزل على الزبرقان بن بدر بمائه فحلأه وهو الماء الذي يقال له بنيان فنزل على بني أنف الناقة بمائهم وهو الذي يقال له وشيع فأكرموه وذبحوا له شاة وقالوا لو كانت إبلنا منا قريبة لنحرنا لك فراح من عندهم يتغنى فيهم بقوله
( وما الزّبرقانُ يومَ يمنَع ماءه ... بمُحْتَسِبِ التَّقْوى ولا متوكِّلِ )
( مقيمٌ على بُنْيانَ يمنع ماءه ... وماءُ وَشِيعٍ ماءُ ظمآنَ مُرْمِلِ )

قال فركب الزبرقان إلى عمر رضي الله عنه فاستعداه على عبد الله وقال إنه هجاني يا أمير المؤمنين فسأل عمر عن ذلك عبد الله فقال له ياأمير المؤمنين إني نزلت على مائه فحلأني عنه فقال عمر رضوان الله عليه يا زبرقان أتمنع ماءك من ابن السبيل قال يا أمير المؤمنين ألا أمنع ماء حفر آبائي مجاريه ومستقره وحفرته أنا بيدي فقال عمر والذي نفسي بيده لئن بلغني أنك منعت ماءك من أبناء السبيل لا ساكنتني بنجد أبدا فقال بعض بني أنف الناقة يعير الزبرقان ما فعله
( أتدري مِنْ منعت ورودَ حوضٍ ... سَليل خَضارمٍ مَنعوا البِطَاحَا )
( أَزادَ الركبِ تمنَع أم هِشَاماً ... وذا الرُّمْحين أمنعَهم سلاحَا )
( هُم مَنعوا الأباطحَ دون فِهْرٍ ... ومَنْ بالخَيْف والبُدْنَ اللِّقَاحَا )
( بضربٍ دونَ بَيْضَتِهم طِلَخْفٍ ... إذ الملهوفُ لاذ بهم وَصَاحَا )
( وما تَدْرِي بأيِّهِمُ تُلاَقي ... صدورَ المَشْرَفِيّة والرِّمَاحَا )

وصية الحطيئة الظريفة
وللحطيئة وصية ظريفة يأتي كل فريق من الرواة ببعضها وقد جمعت ما وقع إلي منها في موضع واحد وصدرت بأسانيدها
أخبرني بها محمد بن العباس اليزدي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال

حدثنا عيينة بن المنهال عن الأصمعي وأخبرني بها أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة ونسختها من كتاب محمد بن الليث عن محمد بن عبد الله العبدي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قالوا
لما حضرت الحطيئة الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا يا أبا مليكة أوص فقال ويل للشعر من راوية السوء قالوا أوص رحمك الله يا حطيء قال من الذي يقول
( إذا أَنْبَض الرامون عنها تَرَنَّمَتْ ... ترنُّمَ ثَكْلَى أَوجعتَها الجنائزُ ) قالوا الشماخ قال أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب قالوا ويحك أهذه وصية أوص بما ينفعك قال أبلغوا أهل ضابىء أنه شاعر حيث يقول
( لِكلِّ جَديدٍ لذَّةٌ غيرَ أنّني ... رأيتُ جديدَ الموتِ غيرَ لذيذ ) قالوا أوص ويحك بما ينفعك قال أبلغوا أهل امرىء القيس أنه أشعر العرب

حيث يقول
( فَيَا لَكَ من لَيْلٍ كأنَّ نجومَهُ ... بكلِّ مُغَارِ الفَتْل شُدَّتْ بِيَذْبُلِ ) قالوا اتق الله ودع عنك هذا فقال أبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب حيث يقول
( يُغْشَوْنَ حتىّ ما تَهِرُّ كلابُهم ... لا يَسْْألون عن السَّوَاد المُقْبِل ) قالوا هذا لا يغني عنك شيئا فقل غير ما أنت فيه فقال
( الشِّعْرُ صَعْبٌ وطويلٌ سُلَّمُهْْ ... إذا ارتقَى فيه الذي لا يَعْلَمُهْ )
( زَلَّت به إلى الحَضِيض قَدَمُه ... يريدُ أن يعربه فَيُعْجِمُهْ ) قالوا هذا مثل الذي كنت فيه قال
( قد كنتُ أحياناً شديدَ المعتَمَدْ ... وكنتُ ذا غربٍ على الخَصْمِ أَلَدّ )
( فَوَرَدَتْ نفسي وما كادتْ تَرِدِْ ... ) قالوا يا أبا مليكة ألك حاجة قال لا والله و لكن أجزع على المديح الجيد يمدح به من ليس له أهلا
قالوا فمن أشعر الناس فأومأ بيده إلى فيه وقال هذا الحجير إذا طمع في خير يعني فمه واستعبر باكيا فقالوا له قل لا إله إلا الله فقال

( قالتْ وفيها حَيْدَةٌ وذُعْرُ ... عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وحُجْرُ ) فقالوا له ما تقول في عبيدك وإمائك فقال هم عبيد قن ما عاقب الليل النهار قالوا فأوص للفقراء بشيء قال أوصيهم بالإلحاح في المسألة فإنها تجارة لا تبور وآست المسؤول أضيق
قالوا فما تقول في مالك قال للأنثى من ولدي مثل حظ الذكر قالوا ليس هكذا قضى الله جل وعز لهن قال لكني هكذا قضيت
قالوا فما توصي لليتامى قال كلوا أموالهم ونيكوا أمهاتهم قالوا فهل شيء تعهد فيه غير هذا قال نعم تحملونني على أتان وتتركونني راكبها حتى أموت فإن الكريم لا يموت على فراشه والأتان مركب لم يمت عليه كريم قط فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات وهو يقول
( لا أحدٌ ألأمُ من حُطَيَّهْْ ... هجا بَنِيهِ وهجا المُرَيَّهْْ )
( من لُؤمِه ماتَ على فُرَيَّهْْ ... ) والفرية الأتان

شعر الحطيئة المغنى
ذكر ما غني فيه من القصائد التي مدح بها الحطيئة بغيضا وقومه وهجا
الزبرقان وقومه
منها
صوت
( أَلاَ طَرَقَتْنَا بعدَ ما هَجَعُوا هِنْدُ ... وقد جُزْنَ غَوْراً واستَبانَ لنا نَجْدُ )

( وإِنّ التي نَكَّبْتُها عن مَعَاشِرٍ ... عَلَيَّ غِضَابٍ أَنْ صَدَدْتُ كما صَدُّوا ) الغناء لعلويه ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وهذه القصيدة التي يقول فيها
( أتتْ آلَ شَمَّاس بنِ لأْيَ وإِنما ... أتاهم بها الأحلامُ والحَسَبُ العِدُّ )
( فإِنّ الشقيَّ من تُعادِي صدورُهم ... وذو الجَدِّ مَن لاَنُوا إليه ومَن وَدُّوا )
( يُسوسون أحلاماً بعيداً أناتُها ... فإِن غَضِبُوا جاءَ الحَفِيظَةُ والجِدُّ )
( أَقِلُّوا عليهم لا أبا لأبِيكُمُ ... مِن اللوم أو سُدُّوا المكانَ الذي سَدُّوا )
( أولئك قومٌ إن بَنْوا أحسنوا البُنَي ... وإِن عاهدُوا أَوْفَوْا وإِن عَقَدُوا شَدُّوا )
( وإِن كانت النُّعْمى عليهم جَزَوْا بها ... وإِن أنعمُوا لا كدَّروها ولا كَدُّوا )
( وإِن قال مَوْلاَهُمْ على جُلِّ حادثٍ ... من الدهر رُدُّوا فَضْلَ أحلاِمُكم ردُّوا )
( مَطَاعيِنُ في الهَيْجا مَكَاشِيفُ للدُّجَى ... بَنىَ لهُم آباؤْهم وبَنَى الجَدُّ )
ومنها
صوت
( وأدَماءَ حَرْجُوجٍ تَعَالَلْتُ مَوْهِناً ... بسَوْطِيَ فارمَدَّتْ نَجَاءَ الخَفيْدَدِ )

( إذا آنَسَتْ وقْعاً من السَّوْط عارضَتْ ... به الجَوْرَ حتى يستقيم ضُحَى الغَدِ )
( وتشربُ بالقَعْب الصغير وإِن تُقَدْ ... بمِشْفَرِها يوماً إلى الحَوْض تَنْقَدِ )
الموهن وقت من الليل بعد مضى صدر منه
وارمدت نجت والارمداد النجاء والخفيدد الظليم
الغناء لابن محرزخفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
وذكر الهشامي أن فيه لإبراهيم خفيف رمل آخر وهو في جامع إبراهيم غير مجنس
وفيه خفيف ثقيل مجهول وذكر حبش أنه لمعبد ويشبه أن يكون ليحيى المكي
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن ابن عباية عن محمد بن مسلم الجوسق عن رجل من كعب قال
جئت سوق الظهر فإذا بكثير وإذا الناس متقصفون عليه فتخلصت حتى دنوت منه فقلت أبا صخر قال ما تشاء قلت من أشعر الناس قال الذي يقول

( وآثرتُ إِدلاَجِي على لَيْلِ حُرَّة ... هَضِيم الحشا حُسَّانَة المتَجَرَّدِ )
( تُفَرِّق بالمِدْرَى أثِيثاً نباتُه ... على واضح الذِّفْرَى أسيل المُقَلَّدِ ) قال قلت هذا الحطيئة قال هو ذاك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني عن علي بن مجاهد عن هشام بن عروة
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشد قول الحطيئة
( مَتَى تأتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْء نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عندها خَيْرُ مُوقِدِ ) فقال عمر كذب بل تلك نار موسى نبي الله
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية
أن رجلا دخل على الحطيئة وهو مضطجع على فراشه وإلى جانبه سوداء قد أخرجت رجلها من تحت الكساء فقال له ويحك أفي رجلك خف قال لا والله ولكنها رجل سوداء أتدري من هي قال لا قال وهي والله التي أقول فيها
( وآثرتُ إدلاجِي علي ليلِ حُرَّةٍ ... )
وذكر البيتين والله لو رأيتها يابن أخي لما شربت الماء من يدها قال

فجعلت تسبه أقبح سب وهو يضحك
ومنها

صوت
( ما كان ذنبُ بغيضٍ لا أبَا لَكُمُ ... في بائسٍ جاء يحدو أَيْنُقاً شُزُبَا )
( طافتْ أُمامةُ بالرُّكبان آونةً ... يا حُسْنها من خَيَالٍ زارَ مُنْتَقِبَا )
( إذ تَسْتَبِيكَ بمصقولٍ عَوَارِضُهُ ... حَمْشِ اللَّتات تَرَى في مائِهِ شَنَبَا )
( قد أخلقتْ عهدَها من بعد جِدّته ... وكذَّبَتْ حُبَّ مَلْهوفٍ وما كَذَبَا ) الغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة
ومنها
صوت
( جَزَى اللهُ خيرا والجزاءُ بكفّه ... بأحسنِ ما يَجْزِي الرجالَ بغيضا )
( فلو شاءَ إذ جئناه صَدَّ فلم يُلَمْ ... وصَادف مَنْأَى في البلاد عريضا )
الغناء للهذلي ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي

أخبار ابن عائشة ونسبه
محمد بن عائشة ويكنى أبا جعفر ولم يكن يعرف له أب فكان ينسب إلى أمه ويلقبه من عاداه أو أراد سبه ابن عاهة الدار
وكان هو يزعم أن اسم أبيه جعفر وليس يعرف ذلك
وعائشة أمه مولاة لكثير بن الصلت الكندي حليف قريش
وقيل إنها مولاة لآل المطلب بن أبي وداعة السهمي ذكر ذلك إسحاق عن محمد بن سلام
وحكى ابن الكلبي القول الأول وقال إسحاق هو الصحيح يعني قول ابن الكلبي
وقال إسحاق فيما رواه لنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه إن محمد بن معن الغفاري ذكر له عن أبي السائب المخزومي أن ابن عائشة مولى المطلب بن أبي وداعة السهمي وإنه كان لغير رشدة فأدركت المشيخة وهم إذا سمعوا له صوتا حسنا قالوا أحسن ابن المرأة
قال إسحاق وقال عمران بن هند الأرقمي بل كان مولى لكثير بن الصلت
قال إسحاق قال عبيد الله بن محمد بن عائشة قال الوليد بن يزيد لابن عائشة يا محمد ألغية أنت قال كانت أمي يا أمير المؤمنين ماشطة وكنت

غلاما فكانت إذا دخلت إلى موضع قالوا ارفعوا هذا لابن عائشة فغلبت على نسبي

المغني الذي يصلح لمنادمة الخلفاء والملوك
قال إسحاق وكان ابن عائشة يفتن كل من سمعه وكان فتيان من المدينة قد فسدوا في زمانه بمحادثته ومجالسته
وقد أخذ عن معبد ومالك ولم يموتا حتى ساواهما على تقديمه لهما واعترافه بفضلهما
وقد قيل إنه كان ضاربا ولم يكن بالجيد الضرب وقيل بل كان مرتجلا لم يضرب قط
و ابتداؤه بالغناء كان يضرب به المثل فيقال للإبتداء الحسن كائنا ما كان من قراءة قرآن أو إنشاد شعر أو غناء يبدأ به فيستحسن كأنه ابتداء ابن عائشة
قال إسحاق وسمعت علماءنا قديما وحديثا يقولون ابن عائشة أحسن الناس ابتداء وأنا أقول إنه أحسن الناس ابتداء وتوسطا وقطعا بعد أبي عباد معبد وقد سمعت من يقول إن ابن عائشة مثله وأما أنا فلا أجسر على أن أقول ذلك
وكان ابن عائشة غير جيد اليدين فكان أكثر ما يغني مرتجلا
وكان أطيب الناس صوتا
قال إسحاق وحدثني محمد بن سلام قال قال لي جرير لا تخدعن عن أبي جعفر محمد بن عائشة فلولا صلف كان فيه لما كان بعد أبي عباد مثله
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي عن أبيه عن جده قال ثلاثة من المغنين كانوا أحسن الناس حلوقا ابن عائشة وابن تيزن وابن أبي الكنات
حدثني عمي قال حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال حدثنا أحمد بن زهير

قال حدثني مصعب الزبيري عن أبيه قال
رأى ابن أبي عتيق حلق ابن عائشة مخدشا فقال من فعل هذا بك قال فلان فمضى فنزع ثيابه وجلس للرجل على بابه فلما خرج أخذ بتلبيبه وجعل يضربه ضربا شديدا والرجل يقول له مالك تضربني أي شيء صنعت وهو لا يجيبه حتى بلغ منه ثم خلاه وأقبل على من حضر فقال هذا أراد أن يكسر مزامير داود شد على ابن عائشة فخنقه وخدش حلقه
قال إسحاق في خبره وحدثني أبي عن سياط عن يونس الكاتب قال ما عرفنا بالمدينة أحسن ابتداء من ابن عائشة إذا غنى ولو كان آخر غنائه مثل أوله لقدمته على ابن سريج
قال إبراهيم هو كذاك عندي وقال إسحاق مثل قولهما
قال وقال يونس كان ابن عائشة يضرب بالعود ولم يكن مجيدا وكان غناؤه أحسن من ضربه فكان لا يكاد يمس العود إلا أن تجتمع جماعة من الضراب فيضربون عليه ويضرب هو ويغني فناهيك به حسنا
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان أنه ذكر يوما المغنين بالمدينة فقال لم يكن بها أحد بعد طويس أعلم من ابن

عائشة ولا أظرف مجلسا ولا أكثر طيبا وكان يصلح أن يكون نديم خليفة أو سمير ملك
قال إسحاق فأذكرني هذا القول قول جميلة له وأنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح أن تكون
قال إسحاق وحدثني المدائني قال حدثني جرير قال كان ابن عائشة تائها سيىء الخلق فإن قال له إنسان تغن قال ألمثلي يقال هذا وإن قال له إنسان وقد ابتدأ هو بغناء احسنت قال ألمثلي يقال أحسنت ثم يسكت فكان قليلا ما ينتفع به فسال العقيق مرة فدخل عرصة سعيد بن العاصي الماء حتى ملأها فخرج الناس إليها وخرج ابن عائشة فيمن خرج فجلس على قرن البئر فبينا هم كذلك إذ طلع الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام على بغلة و خلفه غلامان أسودان كأنهما من الشياطين فقال لهما امضيا رويدا حتى تقفا بأصل القرن الذي عليه ابن عائشة فخرجا حتى فعلا ذلك ثم ناداه الحسن كيف أصبحت يا بن عائشة قال بخير فداك أبي وأمي قال انظر من إلى جنبك فنظر فإذا العبدان فقال له أتعرفهما قال نعم قال فهما حران لئن لم تغنني مائة صوت لآمرنهما بطرحك في البئر وهما حران لئن لم يفعلا لأقطعن أيديهما فاندفع ابن عائشة فكان أول ما ابتدأ به صوتا له وهو

( ألا لله درُّكَ من ... فَتى قومٍ إذا رَهِبُوا ) ثم لم يسكت حتى غنى مائة

صوت
فيقال إن الناس لم يسمعوا من ابن عائشة أكثر مما سمعوا في ذلك اليوم وكان آخر ما غنى
صوت
( قل للمنازل بالظَّهْرَانِ قد حانا ... أن تنطقي فتُبِينِي القول تِبْيَانَا ) قال جرير فما رئي يوم أحسن منه ولقد سمع الناس شيئا لم يسمعوا مثله وما بلغني أن أحدا تشاغل عن استماع غنائه بشيء ولا انصرف أحد لقضاء حاجة ولا لغير ذلك حتى فرغ ولقد تبادر الناس من المدينة وما حولها حيث بلغهم الخبر لاستماع غنائه فيقال إنه ما رئي جمع في ذلك الموضع مثل ذلك الجمع ولقد رفع الناس أصواتهم يقولون له أحسنت والله أحسنت والله ثم انصرفوا حوله يزفونه إلى المدينة زفا
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
منها
صوت
( ألا لله درُّكَ مِنْ ... فتى قومٍ إذا رَهِبُوا )
( وقالوا مَنْ فتىً للحرب ... يَرْقُبُنا ويَرْتَقبُ )
( فكنتَ فتاهمُ فيها ... إذا تُدْعَى لها تَثِبُ )
( ذكرتُ أخي فعاوَدَنِي ... رُدَاعُ السُّقْمِ والوَصَبُ )

( كما يعتاد ذات البَوّه ... ِبعد سُلُوّها الطَّربُ )
( على عَبْد بن زُهْرةَ بتّ ... طولَ الليل أنتتحبُ ) الشعر لأبي العيال الهذلي
والغناء لمعبد وله فيه لحنان أحدهما ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق يبدأ فيه بقوله
( ذكرتُ أخي فعاودَني ... رداعُ السقم والوصبُ ) والآخر خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وفيه لابن عائشة خفيف رمل آخر وقيل بل هو لحن معبد
وذكر حماد بن إسحاق أن خفيف الرمل لمالك
البو جلد يحشى تبنا ويجفف ليكلا تخبث رائحته ويدنى إلى الناقة التي قد نحر فصيلها أو مات لتشمه فتدر عليه
ومنها
صوت
( قل للمنازل بالظَّهْرانِ قد حانا ... أن تنطقي فتُبِيني القول تِبْيانَا )
( قالت ومن أنت قل لي قلتُ ذو شَغفٍ ... هِجْتِ له من دَوَاعِي الحبِّ أحْزانَا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء لابن عائشة خفيف ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحبش
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني عبد الرحمن بن

سليمان عن علي بن الجهم الشاعر قال حدثني رجل
أن ابن عائشة كان واقفا بالموسم متحيرا فمر به بعض أصحابه فقال له ما يقيمك هاهنا فقال إني أعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس هاهنا فلم يذهب أحد ولم يجىء فقال له الرجل ومن ذاك قال أنا ثم اندفع يغني
( جرتْ سُنُحاً فقلتُ لها أَجِيزِي ... نَوىً مشمولةً فمتى اللقاءُ ) قال فحبس الناس واضطربت المحامل ومدت الإبل أعناقها وكادت الفتنة أن تقع
فأتي به هشام بن عبد الملك فقال له يا عدو الله أردت أن تفتن الناس قال فأمسك عنه وكان تياها فقال له هشام ارفق بتيهك فقال حق لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تياها فضحك منه وخلى سبيله

نسبة هذا الصوت الذي غناه ابن عائشة
صوت
( جرتْ سُنُحاً فقلتُ لها أَجِيزِي ... نَوىً مشمولةً فمتى اللقاءُ )
( بنَفْسِي مَنْ تذكُّره سَقَامٌ ... أُعانيه ومَطْلَبُه عَنَاءُ ) السانح ما أقبل من شمالك يريد يمينك والبارح ضده
وقال أبو عبيدة سمعت

يونس بن حبيب يسأل رؤبة عن السانح والبارح فقال السانح ما ولاك ميامنه والبارح ما ولاك مشائمه
وقوله أجيزي أي انفدي
قال الأصمعي يقال أجزت الوادي إذا قطعته وخلفته وجزته أي سرت فيه فتجاوزته وجاوزته مثله
قال أوس بن مغراء
( ولا يَرِيمُون في التعريف موقفهم ... حتى يقالَ أَجِيزُوا آلَ صوفانا ) ومشمولة سريعة الانكشاف
أخذه من السحابة المشمولة وهي التي تصيبها الشمال فتكشفها ومن شأن الشمال أن تقطع السحاب واستعارها هاهنا في النوى لسرعة انكشافهم فيها عن بلدهم وأجرى ذلك مجرى الذم للسانح لأنه يتشاءم به
البيت الأول من الشعر لزهير بن أبي سلمى والثاني محدث ألحقه المغنون به لا أعرف قائله
والغناء لابن عائشة ولحنه خفيف ثقيل أول بالبنصر

الوليد يشرب وابن عائشة يغني ومعبد بمزجر الكلب
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق

وأخبرني به محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال
كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر أما بعد فإذا قرأت كتابي هذا فسرح إلي حمادا الراوية على ما أحب من دواب البريد وأعطه عشرة آلاف درهم يتهيأ بها
قال فأتاه الكتاب وأنا عنده فنبذه إلى فقلت السمع والطاعة فقال يادكين مر شجرة يعطيه عشرة آلاف درهم فأخذتها
فلما كان اليوم الذي أردت الخروج فيه أتيت يوسف بن عمر فقال يا حماد أنا بالموضع الذي قد عرفته من أمير المؤمنين ولست مستغنيا عن ثنائك فقلت أصلح الله الأمير إن العوان لا تعلم الخمرة وسيبلغك قولي وثنائي
فخرجت حتى انتهيت إلى الوليد وهو بالبخراء فاستأذنت عليه فأذن لي فإذا هو على سرير ممهد وعليه ثوبان أصفران إزار ورداء يقيئان الزعفران قيئا وإذا عنده معبد ومالك بن أبي السمح وأبو كامل مولاه فتركني حتى سكن جأشي ثم قال أنشدني
( أمِنَ المنونَ ورَيْبِها تتوجّع ... )

فأنشدته حتى أتيت على آخرها فقال لساقيه يا سبرة اسقه فسقاني ثلاثة أكؤس خثرن ما بين الذؤابة والنعل
ثم قال يا مالك غنني
( أَلاَ هل هاجَكَ الأظعانُ ... إذ جاوزْنَ مُطَّلَحا ) ففعل
ثم قال له غنني
( جَلاَ أُمَيَّةُ عنِّي كلَّ مظْلَمَةٍ ... سَهْل الحجابِ وأوفى بالذي وَعَدا )
ففعل
ثم قال له غنني
( أتَنسى إذ تُوِّدعنا سُلَيْمَى ... بفَرْعِ بَشَامةٍ سُقِيَ البَشَامُ ) ففعل ثم قال ياسبرة أو يا أبا سبرة اسقني بزب فرعون فأتاه بقدح معوج فسقاه به عشرين ثم أتاه الحاجب فقال أصلح الله أمير المؤمنين الرجل الذي طلبت بالباب قال ادخله فدخل شاب لم أر شابا أحسن وجها منه في رجله بعض الفدع فقال يا سبرة اسقه فسقاه كأسا ثم قال له غنني
( وهْي إذ ذاكَ عليها مِئْزَرٌ ... ولها بيتٌ جَوَارٍ من لُعَبْ ) فغناه فنبذ إليه الثوبين
ثم قال له غنني
( طاف الخيالُ فَمرْحَبا ... ألفاً برؤية زينَبا )

فغضب معبد وقال يا أمير المومنين إنا مقبلون عليك بأقدارنا وأسناننا وإنك تركتنا بمزجر الكلب وأقبلت على هذا الصبي فقال والله يا أبا عباد ما جهلت قدرك ولا سنك ولكن هذا الغلام طرحني في مثل الطناجير من حرارة غنائه
قال حماد الراوية فسألت عن الغلام فقيل لي هو ابن عائشة

نسبه ما في هذا الخبر من الأغاني
صوت
( جَلاَ أميَّةُ عنِّي كل مظْلِمَةٍ ... سَهْلُ الحجابِ وأَوْفَى بالذي وَعَدَا )
( إِذا حَلَلْتُ بأرضٍ لا أراكَ بها ... ضاقتْ عليّ ولم أعرفْ بها أحدا )
الغناء لابن عباد الكاتب خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وذكر عمرو بن بانة أنه لعمر الوادي
وذكر حبش أن فيه لمالك لحنا من خفيف الثقيل الأول بالوسطى
ومنها
صوت
( أتَنْسَى إذ تودِّعُنا سُلَيْمَى ... بفَرْعِ بَشامةٍ سُقيَ البَشَامُ )
( متى كان الخِيَامُ بذي طُلُوحٍ ... سُقِيتِ الغيثَ أيتُها الخِيَامُ )

( أتَمْضُون الخيامَ ولم نُسلِّم ... كلامُكُم عليّ إِذاً حرامُ )
( بنفسي مَنْ تجنُّبُه عزيزٌ ... عليّ ومَنْ زيارتُه لِمَامُ )
( ومن أُمسِي وأُصبِح لا أَراه ... ويَطْرُقُني إذا رَقَدَ النِّيَامُ )
الشعر لجرير
والغناء لابن سريج وله في هذه الأبيات ثلاثة الحان أحدهما في الأول والرابع ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق والآخر في الثاني ثم الأول ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو والآخر في الثالث وما بعده رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش وللدلال في الثاني والثالث ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والمكي
وللغريض في الأول والثاني والثالث خفيف رمل بالبنصر عن عمرو
وفيها لمالك ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي
ولابن جامع في الأول والثاني والرابع والخامس هزج عن الهشامي
وفيها لابن جندب خفيف ثقيل بالبنصر
ومنها الصوت الذي أوله في الخبر
( وهي إذ ذاك عليها مِئْزَرٌ ... ) وأوله

صوت
( عَهِدَتْنِي ناشئاً ذا غِرَّة ... رَجِلَ الجُمَّةِ ذا بَطْنٍ أقبّ )
( أتَبعُ الوِلدانَ أُرخِي مِئزَرِي ... ابنَ عَشْرذَا قُرَيْطٍ من ذهبْ )
( وهي إذ ذاك عليها مئزرٌ ... ولها بيتُ جَوَارٍ من لُعَبْ )
الشعر لامرىء القيس ويقال إنه أول شعر شبب فيه بالنساء
والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي ودنانير وحماد بن إسحاق
وفيه خفيف ثقيل بالبنصر ذكر حماد في أخبار جميلة أنه لها وذكر حبش والهشامي أنه لابن سريج وقيل إنه لغيرهما
ومنها
صوت
( أَلاَ هل هاجكَ الأظعا ... نُ إذ جاوزْن مُطَّلَحَا )
( نعمْ ولِوَشك بَيْنِهمُ ... جَرى لكَ طائرٌ سُنُحَا )
( أَخَذْن الماءَ من رَكَك ... وضوءُ الفجر قد وضَحا )
( يَقُلْنَ مَقِيلُنا قَرْنٌ ... نُباكِرُ ماءَه صُبُحَا )
( تبعتُهمُ بِطَرْف العي ... ن حتى قيل لي افتضَحا )

( وهي إذ ذاك عليها مئزرٌ ... ولها بيتُ جَوَارٍ من لُعَبْ )
الشعر لامرىء القيس ويقال إنه أول شعر شبب فيه بالنساء
والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي ودنانير وحماد بن إسحاق
وفيه خفيف ثقيل بالبنصر ذكر حماد في أخبار جميلة أنه لها وذكر حبش والهشامي أنه لابن سريج وقيل إنه لغيرهما
ومنها

صوت
( أَلاَ هل هاجكَ الأظعانُ ... إذ جاوزْن مُطَّلَحَا )
( نعمْ ولِوَشك بَيْنِهمُ ... جَرى لكَ طائرٌ سُنُحَا )
( أَخَذْن الماءَ من رَكَك ... وضوءُ الفجر قد وضَحا )
( يَقُلْنَ مَقِيلُنا قَرْنٌ ... نُباكِرُ ماءه صُبُحَا )
( تبعتُهمُ بِطَرْف العين ... حتى قيل لي افتضَحا )

( يودِّع بعضُنا بعضاً ... وكلٌّ بالهوى جُرِحا )
( فمن يفرَحْ ببينِهمُ ... فغيري إذ غَدَوْا فَرِحَا )
الشعر ترويه الرواة جميعا لعمر بن أبي ربيعة سوى الزبير بن بكار فإنه رواه عن عمه وأهله لجعفر بن الزبير بن العوام وقد ذكر خبره في هذا مع أخباره المذكورة في آخر الكتاب
ورواه الزبير إذ جاوزن من طلحا وقال ليس على وجه الأرض موضع يقال له مطلح
والغناء لمالك وله فيه لحنان ثقيل أول بالبنصر عن إسحاق وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو
وفيه لمعبد ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيه لابن سريج في الخامس وهو تبعتهم بطرف العين إلى آخر الأبيات ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيها للغريض ثان ثقيل بالوسطى عن الهشامي قال وهو الذي فيه استهلال
وذكر ابن المكي أن الثقيل الثاني لمالك وخفيف الثقيل للغريض
ومنها
صوت
( طرَق الخيالُ فَمرْحبَا ... ألفاً برؤية زينبَا )
( أَنَّي اهتديتَ لِفتْيةٍ ... سَلَكُوا السَّلِيل فعلْيَبَا )

عندما يغني ابن عائشة ينسى الناسك زهده
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن سلام قال حدثني جرير قال

أخذ بعض ولاة المدينة المغنين والمخنثين والسفهاء بلزوم مسجد رسول اللهوكان في المسجد رجل ناسك يكنى أبا جعفر مولى لابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي يقرىء الناس القرآن وكان ابن عائشة يلازمه فخلا لابن عائشة يوما الموضع مع أبي جعفر فقرأ له فطرب ورجع فسمع الشيخ صوتا لم يسمع مثله قط فقال له يابن أخي أفسدت نفسك وضيعتها فلو أنك لزمت المسجد وتعلمت القرآن لأقمت للناس في مسجد رسول اللهفي شهر رمضان ولأصبت بذلك من الولاة خير فوالله ما دخل أذني قط صوت أحسن من صوتك فقال ابن عائشة فكيف لو سمعت يا أبا جعفر صوتي في الأمر الذي صنع له قال وما هو قال انطلق معي حتى أسمعكه فخرج معه إلى ميضأة ببقيع الغرقد عند دار المغيرة بن شعبة وكان أبو جعفر يتوضأ عندها كل يوم فاندفع ابن عائشة يغني
( ألآنَ أبصرت الهدى ... وعلا المَشِيبُ مَفَارِقِي ) فبلغ ذلك من الشيخ كل مبلغ وقال يابن أخي هذا حسن وأنا أشتهي أن أسمعه ولكن لا أطلبه ولا أمشي إليه قال ابن عائشة فعلي أن أسمعكه فكان يرصده فإذا خرج أبو جعفر يتوضأ خرج ابن عائشة في أثره حتى يقف خلف جدار الميضأة بحيث يسمع غناءه فيغنيه أصواتا حتى يفرغ أبو جعفر من وضوئه
فلم يزل يفعل ذلك حتى أطلقوا من لزوم المسجد

نسبه هذا الصوت
صوت
( طَرق الخيالُ المُعْترِي ... وَهْنَاً فؤادَ العاشقِ )
( طَيْفٌ ألمّ فهاجَنِي ... للبَيْنِ أُمَّ مُسَاحِقِ )
( ألآنَ أبصرتُ الهدى ... وعلا المَشِيبُ مفارقِي )
( وتركتُ أمر غَوَايتي ... وسلكتُ قصدَ طرائقي )
( ولقد رضيتُ بعيشنا ... إذ نحن بين حدائِق )
( وركائبٌ تَهْوِي بنا ... بين الدُّروبِ فدَابقِ )
الشعر للوليد بن يزيد ويقال إنه لابن رهيمة
والغناء لابن عائشة رمل بالبنصر عن عمرو وذكره يونس أيضا له في كتابه
وفيه لأبي زكار الأعمى خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي
وذكر ابن خرداذبه أنه لأبي زكار الأعمى وهو قديم وأنه وجد ذلك في كتاب يونس
وفيه لحكم الوادي في كتاب يونس غير مجنس ولا أدري أيها هو
وفي هذه الأبيات خفيف ثقيل متنازع فيه نسب إلى معبد وإلى مالك ولم أجده لهما عن ثقة وأظنه لحن حكم
الحسن بن الحسن مع ابن عائشة في البغيبغة
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجي والحسين بن يحيى الأعور المرداسي قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام عن أبيه قال
كان الحسن بن الحسن مكرما لابن عائشة محبا له وكان ابن عائشة منقطعا

إليه وكان من أتيه خلق الله وأشده ذهابا بنفسه فسأله الحسن أن يخرج معه إلى البغيبغة فامتنع ابن عائشة من ذلك فأقسم عليه فأبى فدعا بغلمان له حبشان وقال نفيت من أبي لئن لم تسر معي طائعا لتسيرن كارها ونفيت من أبي لئن لم ينفذوا أمري فيك لأقطعن أيديهم
فلما رأى ابن عائشة ما ظهر من الحسن علم أنه لابد من الذهاب فقال له بأبي أنت وأمي أنا أمضي معك طائعا لا كارها
فأمر الحسن بإصلاح ما يحتاج إليه وركب وأمر لابن عائشة ببغلة فركبها ومضيا حتى صارا إلى البغيبغة فنزلا الشعب وجاءهم ما أعدوا فأكلوا ثم أمر الحسن بأمره وقال يا محمد فقال له لبيك يا سيدي قال غنني فاندفع فغناه

صوت
( يدعو النبَّي بعمِّه فيُجِيبُه ... يا خيرَ من يدعو النبيَّ جَلاَلاَ )
( ذهب الرجالُ فلا أُحِسّ رجالا ... وأرى الإِقامةَ بالعراق ضلالاَ )
( وأرى المرجِّيَ للعراق وأهله ... ظَمْآنَ هاجِرةٍ يؤمِّل آلاَ )
( وطَرِبتُ إذ ذكر المدينةَ ذاكرٌ ... يوم الخميس فهاج لي بَلبْالاَ )
( فَظَلِلْتُ أنظر في السماء كأنني ... أبغي بناحية السماء هلالاَ )
الشعر لابن المولى من قصيدة طويلة قالها وقد قدم إلى العراق

لبعض أمره فطال مقامه بها واشتاق إلى بلده
وقد ذكر خبره في موضعه من هذا الكتاب
والغناء لابن عائشة ثقيل أول بالبنصر عن حماد والهشامي وحبش
وقال الهشامي خاصة فيه لحن لقراريط فقال له الحسن أحسنت والله يابن عائشة فقال ابن عائشة والله لا غنيتك في يومي هذا شيئا فقال الحسن فوالله لا برحت البغيبغة ثلاثة أيام فاغتم ابن عائشة ليمينه وندم وعلم أنه لا حيلة له إلا المقام فأقاموا فلما كان اليوم الثاني قال له الحسن هات ما عندك فقد برت يمينك وكانوا جلوسا على شيء مرتفع فنظروا إلى ناقة تقدم جماعة إبل فاندفع ابن عائشة فغنى
( تَمُرّ كجَنْدلة المَنْجنيقِ ... يُرْمى بها السورُ يوم القتالِ )
( فماذا تُخَطرِف من قَلّة ... ومن حَدَبٍ وإكامٍ توالي )
( ومن سيرها العَنَقُ المُسْبِطرُّ ... والعَجْرِفيّة بعد الكَلاَلِ )
فقال له الحسن ويلك يا محمد لقد أحسنت الصنعة فسكت ابن عائشة ثم قال له غنني فغناه
( إذا ما انتشيتُ طَرَحْتُ اللِّجامَ ... في شَدْقِ مُنْجَرِدٍ سَلْهَبِ )
( يبُذّ الجِياد بتَقْريبِهِ ... ويَأْوِي إلى حُضُرٍ مُلْهِبِ )

( كُمَيْتٌ كَأَنّ على مَتْنِهِ ... سبائكَ من قِطَع المُذْهَبِ )
( كأنّ القَرَنْفُل والزنجبيل ... يُعَلَّ على رِيقها الأَطيبِ ) فقال له الحسن أحسنت يا محمد فقال له ابن عائشة لكنك بأبي أنت وأمي قد ألجمتني بحجر فما أطيق الكلام
فأقاموا باقي يومهم يتحدثون فلما كان اليوم الثالث قال الحسن هذا آخر أيامك يا محمد فقال ابن عائشة عليه وعليه إن غناك إلا صوتا واحدا حتى تنصرف وعليه عليه إن حلفت ألا أبر قسمك ولو في ذهاب روحه فقال له الحسن فلك الأمان على محبتك فاندفع فغناه

صوت
( أنعم الله لي بذا الوجهِ عيناً ... وبه مرحباً وأهلاً وسهلاً )
( حين قالت لا تذكرنّ حديثي ... يابن عمّي أقسمتُ قلتُ أجلْ لا )
( لا أخون الصديقَ في السرّ حتّى ... يُنقلَ البحرُ بالغرابيل نقلا ) قال ثم انصرف القوم فما رأى الحسن بن الحسن ابن عائشة بعدها
نسبة ما لم تمض نسبته في الخبر من هذه الأصوات
منها
صوت
( تَمُرّ كجَنْدلة المَنْجنيقِ ... يُرْمى بها السورُ يوم القتالِ )
( فماذا تُخَطرِف من قَلّة ... ومن حَدَبٍ وإكامٍ توالي )
( ومن سيرها العَنَقُ المُسْبِطرُّ ... والعَجْرِفيّة بعد الكَلاَلِ )
( ألا يا لَقومِ لِطَيْف الخيالِ ... أرَّق من نازح ذي دَلالِ )

( يُثَنِّي التحيّة بعد السلا ... م ثمَّ يُفَدِّي بعمَّ وخالِ )
( خيالٌ لسَلْمَى فقد عاد لِي ... بنُكْسٍ من الحبّ بعد اندمال )
أما الذي قاله الشاعر في هذا الشعر فإنه قال يمر بالياء لأنه وصف به حمارا وحشيا ولكن المغنين جميعا يغنونه بالتاء على لفظ المؤنث وقد وصف في هذه القصيدة الناقة ولم يذكر من صفتها إلا قوله
( ومن سيرها العَنَقُ المُسْبطرّ ... ) ولكن المغنين أخذوا من صفة العير شيئا ومن صفة الناقة شيئا فخلطوهما وغنوا فيهما
وقوله
( فماذا تَخَطْرَف من قُلّة ... ) يعني أنه يمر بالموضع المرتفع فيطفره
وروي الأصمعي
( فماذا تَخَطْرَف من حالقٍ ... ومن قُلّة وحجابٍ وجال ) فالحالق ما أشرف
والحجاب ما حجب عنك ما بين يديك من ألارض
والجال حرف الشيء يقال له جال وجول
والعنق المسبطر المسترسل السهل
والعجرفية التعسف والإسراع
يقول إذا كلت وتعبت تعجرفت في السير من بقية نفسها وشدتها
وروى الأصمعي فيها
( خَيالٌ لجَعْدةَ قد هاج لِي ... نُكاساً من الحبّ بعد اندمالِ ) يقال نكس ونكاس بمعنى واحد وهو عود المرض بعد الصحة
والأندمال الإفاقة من العلة واندمال الجرح برؤه
فأما الأبيات التي يصف فيها الناقة فقوله
( فسَلّ الهمومَ بعَيْرانةٍ ... مُواشِكةِ الرَّجْع بعد انتقالِ )

( ذَمُولٍ تَزِفّ زفيفَ الظَّليم ... شمرّ بالنَّعْفِ وَسْط الرِّئالِ )
( وتَرْمَدّ هَمْلَجةً زَعْزعاً ... كما انخرط الحبلُ فوق المَحالِ )
( ومن سيرها العَنَق المُسْبَطِرّ ... والعَجْرفيّةُ بعد الكَلالِ )
( كأني ورحلي إذا رعتها ... على جمزى جازىٍء بالرمال ) وأما صفة الحمار في هذه القصيدة فقوله فيه وفي الأتن
( فظَلّ يُسوّف أبوالَها ... ويُوفي زيازِيَ حُدْبَ التِّلالِ )
( فطاف بتعشيره وانتحى ... جَوائَلها وهو كالمُسْتَجالِ )

( تَهَادى حوافرُها جَنْدَلاً ... زواهقَ ضربَ قُلاتٍ بِقالِ )
( رمَى بالجَرَامِيزِ عُرْضَ الوَجِينِ ... وارمدّ في الجري بعد انفتال )
( بشأوٍ له كضَريم الحريقِ ... أو شِقّة البرق في عُرْض خالِ )
( يمُر كجَنْدلة المَنْجَنيقِ ... يُرْمَى بها السورُ يوم القتالِ )
( فماذا تَخَطْرف من حالقٍ ... ومن حَدَبٍ وحجابٍ وَجالِ )
الشعر لأمية بن أبي عائذ الهذلي
والغناء لابن عائشة
ولحن ابن عائشة مشكوك فيه أي الألحان المصنوعة في هذا الشعر هو فيقال إنه خفيف الرمل ويقال إنه هو الثقيل الأول ويقال إنه الرمل
فأما خفيف الرمل فهو بالخنصر في مجرى الوسطى وذكره إسحاق في موضع فتوقف عنه ولم ينسبه ونسبه في موضع آخر إلى ابن أبي يزن المكي
ونسبه عمرو بن بانة إلى معبد وقال فيه خفيف رمل آخر لمالك
وذكره يونس في أغاني ابن أبي يزن المكي ونسبه ولم يجنسه
وذكر ابن خرداذبه والهشامي أن فيه لهشام بن المرية لحنا من الثقيل الأول ورأيت ذلك أيضا في بعض الكتب بخط علي بن يحيى المنجم كما ذكرا
وذكر إسحاق أن الرمل مطلق في مجرى الوسطى وأنه لابن عائشة
وذكر أحمد بن المكي أنه لأبيه وذكر غيره أنه غلط وأن لحن أبيه هو الثقيل الأول والرمل لابن عائشة
وقال حبش فيه لابن سريج هزج خفيف بالوسطى
ومنها وقد مضى تفسيره في الخبر واقتصر على البيت الأول منه

صوت
( إذا ما انتشيتُ طَرحتُ اللِّجامَ ... في شَدْق مُنْجَرِدٍ سَلْهَبِ ) الشعر للنابغة الجعدي والغناء لابن عائشة خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وحماد
ومنها الصوت الذي أوله
( أنعَم الله بذا الوجهِ عيناً ... )
وقد جمع مع سائر ما يغنى فيه من القصيدة وهو
( أثْلَ جُودِي على المتيَّم أثْلالا ... تَزِيدي فؤادَه أثْلَ خَبْلاَ )
( أثْلَ إنّي والراقصات بجَمْع ... يتبارَيْن في الأزِمّة فُتْلا )
( سابحاتٍ يَقْطعْن من عرفاتٍ ... بين أيدي المَطِيّ حَزْنا وسهلا )
( والأكفَّ المُطهّراتِ على الرُّكنِ ... لِشُعْثٍ سعَوْا إلى البيت رَجْلا )
( لا أخون الصديق في السرّ حتّى ... يُنْقلَ البحر بالغرابيل نَقْلا )
( أو تمورَ الجبالُ مَوْرَ سَحابٍ ... مُرْتَقٍ قد وَعَى من الماء ثِقْلا )
( أنعم الله لي بذا الوجهَ عيناً ... وبه مرحباً وأهلاً وسهلاً )
( حين قالت لا تُفْشِيَنّ حديثي ... يابن عمّي أقسمتُ قلتُ أجَلْ لا )

( فاتقي الله واقبلي العذر منيّ ... وتجافيَ عن بعض ما كان زَلاّ )
( إن أكن سؤتُكم به فلكِ العُتْبَى ... لَدَنيا وحَقَّ ذاك وقلاّ )
( لم أُرحِّب بأن سَخِطتِ ولكنْ ... مرحباً أن رضيتِ عنّا وأهلا )
( إنّ شخصاً رأيتُه ليلة البدر ... عليه ابتنَى الجمالُ وَحَلاّ )
( جعل الله كلّ أنثى فِداءً ... لكِ بل خدَّها لرجليْكِ نعلا )
( وجهُكِ الوجهُ لو سألتِ به المزنَ ... من الحسن والجمال استهلاّ )
الشعر للحارث بن خالد املخزومي والغناء لمعبد في الأربعة الأبيات الأول خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة
لابن هوبر في الأول والثاني ثقيل أول عن إسحاق
ولاابن سريج في الأول والثاني والخامس ثقيل أول وآخر بالبنصر أوله استهلال وللغريض في الخامس وما بعده إلى التاسع خفيف ثقيل بالوسطى
ولدحمان في التاسع والثالث عشر والرابع عشر خفيف ثقيل أول بالبنصر
ولمالك في التاسع إلى آخر الثاني عشر لحن من كتاب يونس ولم يقع إلي من يجنسه
ولابن سريج فيها بعينها رمل بالوسطى عن الهشامي وفيها أيضا للغريض خفيف رمل بالبنصر
ولابن عائشة في السابع والثامن لحن ذكره حماد عن أبيه ولم يجنسه

الوليد بن يزيد يطرب لغنائه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس الشيعي وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن سلام وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام عن أبيه عن شيخ من تنوخ ولم يقل عمر بن شبة في خبره محمد بن سلام عن أبيه ورواه عن محمد عن شيخ من تنوخ قال
كنت صاحب ستر الوليد بن يزيد فرأيت ابن عائشة عنده وقد غناه

صوت
( إِنِّي رأيتُ صَبِيحةَ النَّفْرِ ... حُوراً نَفَيْنَ عزيمةَ الصبرِ )
( مثلَ الكواكب في مطالعها ... بعد العشاء أطفْنَ بالبدرِ )
( وخرجتُ أبغِي الأجْرَ مُحتسباً ... فرجَعتُ مَوْفوراً من الوِزْرِ )
قال إسحاق في خبره والشعر لرجل من قريش والغناء لمالك
هكذا في خبر إسحاق
وما وجدته ذكره لمالك في جامع أغانيه
ووجدته في غناء ابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي قال فطرب الوليد حتى كفر وألحد وقال يا غلام اسقنا بالسماء الرابعة وكان الغناء يعمل فيه عملا ضل عنه من بعده ثم قال أحسنت والله يا أميري أعد بحق عبد شمس فأعاد ثم قال أحسنت والله يا أميري أعد بحق أمية فأعاد ثم قال أعد بحق فلان أعد بحق فلان حتى بلغ من الملوك نفسه فقال أعد بحياتي فأعاده قال فقام إليه فأكب عليه فلم يبق عضو من أعضائه إلا قبله وأهوى إلى هنه فجعل ابن عائشة يضم فخذية عليه فقال والله العظيم لا تريم حتى أقبله فأبداه له فقبل رأسه ثم نزع ثيابه فألقاها عليه وبقي مجردا إلى أن أتوه بمثلها ووهب له ألف دينار وحمله على بغلة وقال اركبها بأبي أنت وانصرف فقد تركتني على مثل المقلى من حرارة غنائك فركبها على بساطه وانصرف
الوليد يكرم المحتاجين من متذوقي الغناء
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الحسن النخعي قال حدثني محمد بن الحارث بن كليب بن زيد الربعي قال
خرج ابن عائشة المدني من عند الوليد بن يزيد وقد غناه
( أبعَدَك مَعْقِلاً أرجو وحِصْناً ... قَد اعْيتِني المَعاقلُ والحُصونُ )

وهي أربعة أبيات هكذا في الخبر ولم يذكر غير هذا البيت منها قال فأطربه فأمر له بثلاثين ألف درهم وبمثل كارة القصار كسوة فبينا ابن عائشة يسير إذ نظر إليه رجل من أهل وادي القرى كان يشتهي الغناء ويشرب النبيذ فدنا من غلامه وقال من هذا الراكب قال ابن عائشة المغني فدنا منه وقال جعلت فداءك أنت ابن عائشة أم المؤمنين قال لا أنا مولى لقريش وعائشة أمي وحسبك هذا فلا عليك أن تكثر قال وما هذا الذي أراه بين يديك من المال والكسوة قال غنيت أمير المؤمنين صوتا فأطربته فكفر وترك الصلاة وأمر لي بهذا المال وهذه الكسوة قال جعلت فداءك فهل تمن علي بأن تسمعني ما أسمعته إياه فقال له ويلك أمثلي يكلم بمثل هذا في الطريق قال فما أصنع قال الحقني بالباب ُ
وحرك ابن عائشة بغلة شقراء كانت تحته لينقطع عنه فعدا معه حتى وافيا الباب كفرسي رهان ودخل ابن عائشة فمكث طويلا طمعا في أن يضجر فينصرف فلم يفعل فلما أعياه قال لغلامه أدخله فلما دخل قال له هل ويلك من أين صبك الله علي قال أنا رجل من أهل وادي وادي القرى أشتهي هذا الغناء فقال له هل لك فيما هو أنفع لك منه قال وما ذاك قال مائتا دينار وعشرة أثواب تنصرف بها إلى أهلك فقال له جعلت فداءك والله إن لي لبنية ما في أذنها علم الله حلقة من الورق فضلا عن الذهب وإن لي لزوجة ما عليها يشهد الله قميص ولو أعطيتني جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على هذه الخلة والفقر اللذين عرفتكهما وأضعفت لي ذلك لكان الصوت أعجب إلي

وكان ابن عائشة تائها لا يغني إلا لخليفة أو لذي قدر جليل من إخوانه فتعجب ابن عائشة منه ورحمه ودعا بالدواة وكان يغني مرتجلا فغناه الصوت فطرب له طربا شديدا وجعل يحرك رأسه حتى ظن أن عنقه سينقصف ثم خرج من عنده ولم يرزأه شيئا وبلغ الخبر الوليد بن يزيد فسأل ابن عائشة عنه فجعل يغيب عن الحديث
ثم جد الوليد به فصدقه عنه وأمر بطلب الرجل فطلب حتى أحضر ووصله صلة سنية وجعله في ندمائه ووكله بالسقي فلم يزل معه حتى مات
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني عمر بن أبي خليفة قال
كان الشعبي مع أبي في أعلى الدار فسمعنا تحتنا غناء حسنا فقال له أبي هل ترى شيئا قال لا فنظرنا فإذا غلام حسن الوجه حديث السن يتغنى
( قالتْ عُبَيْد تَجَرُّماً ... في القول فعلَ المازِح )
فما سمعت غناء كان أحسن منه فإذا هو ابن عائشة فجعل الشعبي يتعجب من غنائه ويقول يؤتي الحكمة من يشاء

نسبة هذا الصوت
صوت
( قالتْ عُبَيْد تَجَرُّماً ... في القول فعلَ المازِح )
( أنجِزْ بعَمْرك وعدَنا ... فأظنّ حبَّك فاضحِي )
( فأجبتُها لو تعلمينَ ... بما تُجِنّ جوانحي )

( فما أرى لَرَحْمتِنِي ... من حَمْل حُبٍّ فادحِ )
( ما في البرية لي هوىً ... فاسمعْ مقالة ناصحِ )
( أشكو إليه جَفاءكم ... إلاّ سلام مُصافِحي ) زعم حبش أن الغناء لابن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر

ابن عائشة يتصدر المجلس ويغني
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني بعض أهل المدينة قال حدثني من رأى ابن عائشة حاجا وقد دعاه فتية من بني هاشم فأجابهم قال وكنت فيهم فلما دخلنا جعلوا صدر المجلس لابن عائشة فجلس فتحدثوا حتى حضر الطعام فلما طعموا دعا بشراب فشربوا وكان ابن عائشة إذا سئل أن يغني أبى ذلك وغضب فإذا تحدث القوم بحديث ومضى فيه شعر قد غني فيه ابتدأ هو فغناه فكان من فطن له يفعل ذلك به فقال رجل منهم حدثني اليوم رجل من الأعراب ممن كان يصاحب جميلا بحديث عجيب فقال القوم و ما هو فقال حدثني أن جميلا بينما هو يحدثه كما كان يحدثه إذ أنكره ورأى منه غير ما كان يرى فثار نافرا مقشعر الشعر متغير اللون الى ناقلة له مجتمعة قريبة من الارض موثقة الخلق فشد عليها رحله ثم أتاها بمحلب فيه لبن فشربته ثم ثنى فشربت حتى رويت ثم قال اشدد أداة رحلك واشرب واسق جملك فإني ذاهب بك إلى بعض مذاهبي ففعلت فجال في ظهر ناقته وركبت ناقتي فسرنا بياض يومنا وسواد ليلتنا ثم أصبحنا فسرنا يومنا لا والله ما نزلنا إلا للصلاة فلما

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45