كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

أخبار يعلى ونسبه
يعلى الأحول بن مسلم بن أبي قيس أحد بني يشكر بن عمرو بن رالان ورالان هو يشكر ويشكر لقب لقب به بن عمران بن عمرو بن عدي بن حارثة بن لوذان بن كهف الظلام هكذا وجدته بخط المبرد بن ثعلبة بن عمرو بن عامر
كان خليعا يجمع الصعاليك
شاعر إسلامي لص من شعراء الدولة الأموية وقال هذه القصيدة وهو محبوس بمكة عند نافع بن علقمة الكناني في خلافة عبد الملك بن مروان
قال أبو عمرو وكان يعلى الأحول الأزدي لصا فاتكا خاربا وكان خليعا يجمع صعاليك الأزد وخلعاءهم فيغير بهم على أحياء العرب ويقطع الطريق على السابلة فشكي إلى نافع بن علقمة بن الحارث بن محرث الكناني ثم الفقيمي وهو خال مروان بن الحكم وكان والي مكة فأخذ به عشيرته الأزديين فلم ينفعه ذلك واجتمع إليه شيوخ الحي فعرفوه

أنه خلع قد تبرؤوا منه ومن جرائره إلى العرب وأنه لو أخذ به سائر الأزد ما وضع يده في أيديهم فلم يقبل ذلك منهم وألزمهم إحضاره وضم إليهم شرطا يطلبونه إذا طرق الحي حتى يجيئوه به
فلما اشتد عليهم في أمره طلبوه حتى وجدوه فأتوا به فقيده وأودعه الحبس فقال في محبسه

شعره في سجنه
( أرِقتُ لبرقٍ دونه شَذَوانِ ... يَمانٍ وأهوى البرقَ كلَّ يمان )
( فبِتُّ لدى البيت الحرام أشِيمُهُ ... ومِطْوايَ من شوقٍ له أرِقان )
المطو الصاحب
( إذا قلتُ شِيماه يقولان والهوى ... يصادف منّا بعض ما تريان )
( جرى منه أطرافُ الشرى فمشيَّعٌ ... فأبيانُ فالحيَّان من دَمران )
( فمرّانُ فالأقْباصُ أقْباصُ أملَجٍ ... فماوانِ من واديهما شَطِنَان )
( هنالك لو طَوَّفْتما لوجدتما ... صديقاً من إخوانٍ بها وغوان )
( وعزْفُ الحمامِ الوُرْقِ في ظلِّ أيكةٍ ... وبالحي ذي الرَّوْدَين عزفُ قيان )
( ألا ليت حاجاتي اللواتي حَبَسْنَنِي ... لدى نافعٍ قُضِّينَ منذ زمان )

( وما بِيَ بُغضٌ للبلاد ولا قِلًى ... ولكنَّ شوقاً في سواه دعاني )
( فليتَ القِلاصَ الأُدم قد وخَدت بنا ... بوادٍ يمانٍ ذي رُباً ومجاني )
( بوادِ يمانٍ يُنبِت السّدرَ صدرُه ... وأسفله بالمرخ والشَّبَهان )
( يدافعنا من جانبيه كليهما ... عزيفان من طرفائه هَدِبان )
( وليت لنا بالجوز واللوز غيلة ... جناها لنا من بطن حلية جاني )
الغيلة شجر الأراك إذا كانت رطبة ويروى في موضع من بطن حلية من حب جيحة
( وليتَ لنا بالدِّيك مُكَّاءَ روضةٍ ... على فنَنٍ من بطن حليةَ داني )
( وليت لنا من ماء حزنة شربةً ... مبردةً باتت على طهمان )
ويروى من ماء حمياء

صوت
( إن السلامَ وحُسنَ كلِّ تحيّةٍ ... تغدو على ابن مجزِّزٍ وتروحُ )
( هلا فَدى ابنَ مجزِّز متفحشٌّ ... شَنِجُ اليدين على العطاء شَحِيح )

الشعر لجواس العذري والغناء لسائب بن خاثر خفيف ثقيل بالوسطى عن يحيى المكي والهشامي من رواية حماد عن أبيه في أخبار سائب خاثر وأغانيه

نسب جواس وخبره في هذا الشعر
هو جواس بن قطبة العذري أحد بني الأحب رهط بثينة وجواس وأخوه عبد الله الذي كان يهاجي جميلا ابنا عمها دنية وهما ابنا قطبة بن ثعلبة بن الهون بن عمرو بن الأحب بن حن بن ربيعة بن حرام بن عتبة بن عبيد بن كثير بن عجرة
احتكم هو وجميل إلى يهود تيماء
وكان جواس شريفا في قومه شاعرا فذكر أبو عمرو الشيباني
أن جميل بن عبد الله بن معمر لما هاجى جواسا تنافرا إلى يهود تيماء فقالوا لجميل يا جميل قل في نفسك ما شئت فأنت والله الشاعر الجميل الوجه الشريف وقل أنت يا جواس في نفسك وفي أبيك ما شئت ولا تذكرن أنت يا جميل أباك في فخر فإنه كان يسوق معنا الغنم بتيماء عليه شملة لا تواري استه ونفروا عليه جواسا قال ونشب الشر

بين جميل وجواس وكانت تحته أم الجسير أخت بثينة التي يذكرها جميل في شعره إذ يقول
( يا خَلِيلَّي إن أُمَّ جُسَيْرٍ ... حين يدنو الضَّجيع من عَلَلِهْ )
( روضةٌ ذاتُ حَنْوَةٍ وخُزَامَى ... جادَ فيها الربيعُ من سَبَلِهِ )
فغضب لجميل نفر من قومه يقال لهم بنو سفيان فجاؤوا إلى جواس ليلا وهو في بيته فضربوه وعروا امرأته أم الجسير في تلك الليلة فقال جميل
( ما عَرَّ حوَّاسَ استُها إذ يسبُّهم ... بصَقْرَيْ بني سُفيانَ قَيْسٍ وعاصمِ )
( هما جرّدا أُمَّ الجُسَيْر وأوقعا ... أمرَّ وأدهى من وَقِيعةِ سالِم )
يعني سالم بن دارة
فقال جواس
( ما ضُرِبَ الجَوَّاسُ إلا فُجَاءةً ... على غفلةٍ من عَيْنِه وهْو نائمُ )
( فإلا تُعجِّلْني المنيَّةُ يصْطبح ... بكأسك حِصْناكم حُصَيْن وعاصِمُ )
( ويُعطِي بنو سفيان ما شئتُ عَنْوةً ... كما كنت تُعطِيِنْي وأنفُك راغِمُ )

هو وجميل يحدوان ركاب مروان
وقال أبو عمرو الشيباني
حج مروان بن الحكم فسار بين يديه جميل بن عبد الله بن معمر

وجواس بن قطبة وجواس بن القعطل الكلبي فقال لجميل انزل فسق بنا فنزل جميل فقال
( يا بُثْن حَيّي وَدّعينا أو صِلي ... وهوِنّي الأمر فزُورِي واعْجَلِي )
( ثُمَّت أيَّاً ما أردتِ فافْعَلي ... إني لآتي ما أتيت مُؤْتلي )
فقال له مروان عد عن هذا فقال
( أنا جميلٌ والحِجازُ وطني ... فيه سهَوَى نَفْسِي وفيه شَجَني )
( هذا إذا كان السّياق دَدَني ... )
فقال لجواس بن قطبة انزل أنت يا جواس فسق بنا فنزل فقال وقد كان بلغه عن مروان أنه توعده إن هاجى جميلا
( لستُ بعبدٍ للمطايا أسوقها ... ولكنني أرمي بهنّ الفَيافِيا )
( أتانيَ عَن مرْوانَ بالغيب أنه ... مُبِيحٌ دمِي أو قاطِعٌ من لسانيا )
( وفي الأرض مَنجاة وفُسحَةُ مذهبٍ ... إذا نحن رققنا لهن المثانيا )
فقال له مروان أما إن ذلك لا ينفعك إذا وجب عليك حق فاركب لا ركبت

ثم قال لجواس بن القعطل ويقال بل القصة كلها مع جواس بن قطبة انزل فارجز بنا فنزل فقال هذه الأبيات
( يقول أميري هل تسوقُ ركابَنا ... فقلتُ اتّخذ حادٍ لهن سوائِيا )
( تكرمتُ عن سَوْقِ المَطيِّ ولم يكن ... سِياقُ المطايا هِمَّتي ورَجائِيا )
( جعلتَ أبي رِهْناً وعِرضِي سادراً ... إلى أهل بيتٍ لم يكونوا كِفائيا )
( إلى شرِّ بيت من قُضاعَة منصِباً ... وفي شرِّ قوم منهمُ قد بَدا ليا )
فقال له اركب لا ركبت

خبر ابن مجزز
والأبيات التي فيها الغناء يرثي بها جواس بن قطبة العذري علقمة بن مجزز قال أبو عمرو الشيباني وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث علقمة بن مجزز الكناني ثم المدلجي في جيش إلى الحبشة وكانوا لا يشربون قطرة من ماء إلا بإذن الملك وإلا قوتلوا عليه فنزل الجيش على ماء قد ألقت لهم فيه الحبشة سما فوردوه مغترين فشربوا منه فماتوا عن آخرهم وكانوا قد أكلوا هناك تمرا فنبت ذلك النوى الذي ألقوه نخلا في بلاد الحبشة وكان يقال له نخل ابن مجزز فأراد عمر أن يجهز إليهم جيشا عظيما فشهد عنده أن رسول الله قال اتركوا الحبشة ما تركوكم وقال وددت لو أن بيني وبينهم بحرا من نار فقال جواس العذري يرثي علقمة بن مجزز

( إنّ السّلامَ وحُسْنَ كلِّ تحيةٍ ... تغدو على ابن مجزِّز وتَروحُ )
( فإذا تجرّد حافِراك وأصبحت ... في الفجر نائحةٌ عليك تنوحُ )
( وتخيّروا لك من جيادِ ثيابهم ... كفناً عليك من البَياض يلوح )
( فهناك لا تُغنِي مودّةُ ناصحٍ ... حذراً عليك إذا يُسَدُّ صريحُ )
( هلا فَدى ابنَ مجزز متفحّشٌ ... شَنِجُ اليدين على العطاء شحيحُ )
( متمرِّعٌ ورِعٌ وليس بماجدٍ ... متملّح وحديثُه مقبوحُ )
وفيمن هلك مع ابن مجزز يقول جواس
( ألَهْفِي لِفتيانٍ كأنّ وجوهَهم ... دنانيرُ وافت مهْلِكَ ابنِ مُجزِّز )

صوت
( أَحَبّتَنا بأَبِي أَنْتُمُ ... وسَقْياً لكم حيثما كُنتُمُ )
( أطلتمْ عَذابي بميعادكم ... وقلتُم نزورُ فما زرتُمُ )
( فأمسك قلبِي على لوعتي ... ونَمَّتْ دموعي بما أَكتُمُ )
( ففيمَ أسأتم وأخلفتُم ... وقِدْماً وفَيْتُمْ وأحسنْتُمُ )
الشعر لإبراهيم بن المدبر والغناء لعريب خفيف ثقيل

أخبار إبراهيم بن المدبر
أبو إسحاق إبراهيم بن المدبر شاعر كاتب متقدم من وجوه كتاب أهل العراق ومتقدميهم وذوي الجاه والمتصرفين في كبار الأعمال ومذكور الولايات وكان المتوكل يقدمه ويؤثره ويفضله وكانت بينه وبين عريب حال مشهورة كان يهواها وتهواه ولهما في ذلك أخبار كثيرة قد ذكرت بعضها في أخبار عريب وأذكر باقيها ها هنا
ينشد المتوكل في مرضه
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال
مرض المتوكل مرضة خيف عليه منها ثم عوفي وأذن للناس في الوصول إليه فدخلوا على طبقاتهم كافة ودخلت معهم فلما رآني استدناني حتى قمت وراء الفتح ونظر إلي مستنطقا فأنشدته
( يومٌ أتانا بالسرورِ ... فالحمد لله الكبيرِ )
( أخلصتُ فيه شُكرَه ... وَوَفْيتُ فيه بالنُّذورِ )
( لما اعتَللتَ تَصدَّعتْ ... شُعَبُ القلوب من الصدورِ )

( من بيِن ملتهب الفؤاد ... وبين مكتئبِ الضميرِ )
( يا عُدَّتِي للدِّينِ والدُّنيا ... وللخَطْب الخطيرِ )
( كانت جُفونِي ثَرَّةَ الآماق ... بالدَّمِع الغَزيرِ )
( لو لم أمت جزعاً لعمرُك ... َ إنني عينُ الصبور )
( يومي هنالك كالسّنينَ ... وساعتي مِثلُ الشُّهورِ )
( يا جعفرُ المتوكلُ العالي ... عَلَى البدر المُنِيرِ )
( اليوم عاد الدين غَضْضَ ... العود ذا وَرَقٍ نَضِيرِ )
( واليومَ أصبحت الخِلافة ... وهي أرسى من ثَبِير )
( قد حالَفَتْكَ وعاقَدَتْك ... عَلَى مطاوَلَةِ الدُّهُورِ )
( يا رحمةً للعالمينَ ... ويا ضياء المستَنيرِ )
( يا حجةَ اللهِ الَّتي ... ظَهَرَتْ له بهُدىً ونُورِ )
( لله أنتَ فما نشَاهِد ... ُ منكَ من كَرم وخيرِ )
( حتى نقول ومَنْ بِقُربِك ... َ من ولِيٍّ أو نَصير )
( البدرُ ينطِق بيننا ... أَمْ جعفرٌ فوقَ السريرِ )
( فإِذا تواتَرتِ العَظَائم ... ُ كُنتَ منقطعَ النَّظيرَ )
( وإذا تعذَّرت العَطَايَا ... كنت فيَّاضَ البُحورِ )
( تُمضي الصوابَ بلا وزير ... ٍ أو ظهيرٍ أو مُشير )
فقال المتوكل للفتح أن إبراهيم لينطق عن نية خالصة وود

محض وما قضينا حقه فتقدم بأن يحمل إليه الساعة خمسون ألف درهم وتقدم إلى عبيد الله بن يحيى بأن يوليه عملا سرياً ينتفع به

المتوكل يودعه السجن فينشد وهو محبوس
حدثني عمي قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال
كان أحمد بن المدبر ولي لعبيد الله بن يحيى بن خاقان عملا فلم يحمد أثره فيه وعمل على أن ينكبه وبلغ أحمد ذلك فهرب وكان عبيد الله منحرفاً عن إبراهيم شديد النفاسة عليه برأي المتوكل فيه فأغراه به وعرفه خبر أخيه وادعى عليه مالا جليلا وذكر أنه عند إبراهيم أخيه وأوغر صدره عليه حتى أذن له في حبسه فقال وهو محبوس
( تسليْ ليس طولُ الحبس عاراً ... وفيه لنا من الله اختيارُ )
( فلولا الحبس ما بُلِي اصطبارٌ ... ولولا الليلُ ما عُرِفَ النهارُ )
( وما الأيام إلا معقبات ... ولا السلطان إلا مستعار )
( وعن قدرٍ حُبِسْتُ فَلاَ نَقِيضٌ ... وفيما قَدَّرَ اللهُ الخَيارُ )
( سيُفْرَجُ ما ترين إلى قليلٍ ... مقدره وإن طال الإسَارُ )
ولإبراهيم في حبسه أشعار كثيرة حسان مختارة منها قوله في قصيدة أولها
( أَدموعُها أم لؤلؤٌ متناثرُ ... يندى به وَردٌ جنِيٌّ ناضرُ )
يقول فيها

( لا تؤيسَنَّكَ من كريم نَبوةٌ ... فالسيفُ ينبو وهو عضبٌ باترُ )
( هذا الزمانُ تسومُني أيامُه ... خَسْفاً وهأنذا عليه صابرُ )
( إن طال ليلي في الإسارِ فَطالما ... أفنيتُ دهراً ليلةُ متقاصرُ )
( والحبسُ يحجبُني وفي أكنَافِه ... منِّي عَلَى الضرّاء ليثٌ خادرُ )
( عجباً له كيف التقت أبوابُه ... والجودُ فيه والغَمامُ الباكرُ )
( هلا تقطَّع أو تصدَّع أو وَهى ... فَعذَرْتُه لكنّه بي فاخرُ )
ومنها قوله في قصيدة أولها
( ألا طرقت سلمى لدى وقعة الساري ... فريدا وحيدا موثقا نازح الدار )
( هو الحبس ما فيه علي غضاضة ... وهل كان في حبس الخليفة من عار )
يقول فيها
( ألستِ ترينَ الخمر يظهرُ حسنُها ... وبهجتُها بالحبس في الطين والقارِ )
( وما أنا إلا كَالجوادِ يصُونه ... مقوِّمه للسَّبْق في طَيِّ مضمارِ )
( أو الدُّرةِ الزهراء في قعر لُجَّةٍ ... فلا تُجتَلَى إلا بهوَلٍ وأخطارِ )
( وهل هو إلا منزِلٌ مثلُ منزلي ... وبيتٌ ودارٌ مثلُ بيتيَ أو دارِي )
( فلا تنكري طولَ المدَى وأذى العِدى ... فانَّ نهاياتِ الأمورِ لإقْصارِ )

( لعلّ وراءَ الغَيبِ أمراً يسرُّنا ... يقدِّرُه في علمِه الخالِقُ الباري )
( وإني لأرجو أن أصُولَ بجعفرٍ ... فأهضمَ أعدائي وأُدْرِكَ بالثَّارِ )

مدح من خلصه من السجن
فأخبرني عمي عن محمد بن داود
أن حبسه طال فلم يكن لأحد في خلاصه منه حيلة مع عضل عبيد الله وقصده إياه حتى تخلصه محمد بن عبد الله بن طاهر وجود المسألة في أمره ولم يلتفت إلى عبيد الله وبذل أن يحتمل في ماله كل ما يطالب به فأعفاه المتوكل من ذلك ووهبه له وكان إبراهيم استغاث به ومدحه فقال
( دعوتُك من كَرْب فلبّيت دعوتي ... ولم تعترضْني إذ دعوتُ المعاذرُ )
( إليك وقد حُلّئتُ أوردْتُ هِمَّتي ... وقد أعجزتني عن همومي المَصادرُ )
( نمى بك عبدُ الله في العزِّ والعُلا ... وحاز لك المجدَ المؤثَّلَ طاهرُ )
( فأنتم بَنو الدنيا وأملاكُ جوِّها ... وساسَتُها والأعظَمون الأكابرُ )
( مآثرُ كانتْ للحُسَين ومُصعَبٍ ... وطلحةَ لا تحوي مَداها المفاخرُ )
( إذا بذلوا قيلَ الغيوثُ البواكرُ ... وإن غَضِبوا قيل الليوثُ الهواصرُ )
( تطيعكُمُ يَوْمَ اللقاء البواترُ ... وتزهو بكمْ يوم المقامِ المنابرُ )

( وما لكُمُ غيرَ الأسرَّة مجلسٌ ... ولا لكُمُ غيرَ السيوفِ مخاصرُ )
( ولي حاجة إن شئتَ أحرزتَ مجدها ... وسرَّكَ منها أولٌ ثم آخرُ )
( كلام أميرٍ المؤمنين وعطفُه ... فماليَ بعد الله غيرَكَ ناصرُ )
( وإن ساعدَ المقدورُ فالنُّجح واقع ... وإلا فإني مخلص الودِّ شَاكِرُ )
حدثني جعفر بن قدامة قال
كتبت عريب من سر من رأى إلى إبراهيم بن المدبر كتابا تتشوقه فيه وتخبره باستيحاشها له واهتمامها بأمره وأنها قد سألت الخليفة في أمره فوعدها بما تحب فأجابها عن كتابها وكتب في آخر الكتاب
( لعمرك ما صوتٌ بديعٌ لمعبَدٍ ... بأحسنَ عندي من كتاب عَريب )
( تأمّلتُ في أثنائه خَطَّ كاتبٍ ... ورقَّةَ مشتاقٍ ولفظَ خَطيب )
( وراجَعني من وصلها ما استرقَّني ... وزهَّدني في وصل كلَّ حَبيب )
( فصرتُ لها عبداً مُقرًّا بِمَلكِهَا ... ومستمسِكاً من ودها بنصيب )

أحب جارية أحبت سواه
أخبرني جعفر بن قدامة قال
كان علي بن يحيى المنجم وإبراهيم بن المدبر مجتمعين في منزل بعض الوجوه بسر من رأى على حال أنس وكانت تغنيهم جارية يقال لها نبت جارية البكرية المغنية من جواري القيان فأقبل عليها إبراهيم بن المدبر بنظره ومزحه وتجميشه وهي مقبلة على فتى كان أمرد من أولاد الموالي

يقال له مظفر كانت تهواه وكان أحسن الناس وجها ولم يزل ذلك دأبهم إلى أن افترقوا فكتب إليه علي بن يحيى يقول
( لقد فتنَتْ نبت فتى الظَّرف والنَّدى ... بمقلةِ رِيمٍ فاترِ الطَّرفِ أحورِ )
( وشدوٍ يروقُ السامعين ويملأ ال ... قلوب سروراً مُونِقٍ متخيَّرِ )
( فأصبحَ في فخِّ الهوى متقنِّصا ... عزيزٌ على إخوانه ابنُ المدبِّرِ )
( ولم تدرِ ما يَلْقَى بها ولو أنَّها ... دَرَتْ روَّحتْ من حَرِّهِ المُتَسعِّرِ )
( وذاكَ بها صبٌّ ونَبتٌ خليَّة ... ومشغولةٌ عنه بوجه مُظَفَّرِ )
( ولو أنصفتْ نبتٌ لما عدلتْ به ... سواهُ وحازت حُسْنَ مرأَى ومَخْبَرِ )
فكتب إليه إبراهيم بن المدبر
( طَربْتُ إلى قطْرَبِّلٍ وبَلَشْكرِ ... وراجعتُ غَيًّا ليس عني بمُقصِرِ )
( وذكَّرني شعرٌ أتانِيَ مونِقٌ ... حبائبَ قَلبي في أَوائلِ أعصُري )
( فنَهنَهتُ نفسي عن تذكُّرِ ما مضى ... وقلتُ أفيقي لاتَ حينَ تذكُّرِ )
( أبا حَسَنٍ ما كنتَ تعْرَفُ بالخَنَا ... ولا بِعُلوٍّ في المكانِ المؤَخَّر )
( وما زِلْتَ محمود الشمائل مرتضى الخلائقِ معروفا بعُرْفٍ ومنكَرِ )

( أترمي بنَبْتٍ من جفاها تَخَيُّراً ... وباعدها عنه برأْيٍ موقَّرِ )
( ودافعَها عن سرِّها وهي تَشْتَكي ... إليه تباريحَ الهوى المتسعِّرِ )
( ولو كان تبَّاعاً دواعيَ نفسِه ... إذاً لقضَى أوطارَه ابنُ المدبّرِ )
( على أنه لو حصحَصَ الحقُّ باعَها ... ولو كان مشغوفاً بها بمُظَفَّرِ )
( بلؤلؤةٍ زهراءَ يشرقُ ضوءُها ... وغُرَّةٍ وجهٍ كالصباج المشهَّرِ )
( إلى اللهِ أشكو أنَّ هذا وهذِه ... غزالاَ كثيبٍ ذي أَقاحٍ مُنوِّر )
( وأنتَ فقد طالبتَها فوجدتَها ... لها خُلُقٌ لا يرعَوِي ذو توعُّرِ )
( وحاولتَ منهَا سلوة عن مُظَفَّرٍ ... فما لان منها العِطْفُ عند التَّخَيُّرِ )
( نصحتُك عن وُدٍّ ولم أكُ جاهداً ... فإن شئتَ فاقبل قولَ ذي النصح أو ذَرِ )
فكتب إليه علي بن يحيى المنجم
( لعمري لقد أحسنتَ يا بنَ المدبّر ... وما زلت في الإحسان عين المشهَّر )
( ظَرُفْتَ ومن يجمعْ من العلم مثلَ ما ... جمعت أبا إسحاق يَظْرُفْ ويُشْهَرِ )
ولإبراهيم في نبت هذه أشعار كثيرة منها قوله
( نَبْتٌ إذا سكتَت كان السكوتُ لها ... زينا وإن نطقت فالدرُّ يَنْتَشِرُ )

( وإنما أقصدتْ قلبي بمُقْلتِها ... ما كان سهمٌ ولا قوسٌ ولا وَتَرُ )
وقوله
( يا نبتُ يا نبتُ قد هام الفؤادُ بكم ... وأنت واللهِ أحلى الخلقِ إنسانا )
( أَلاَ صِليني فإنِّي قد شُغِفْتُ بِكُمْ ... إن شئتِ سراًّ وإن أَحببتِ إعلانا )

خبر خاتم عريب
أخبرني جعفر بن قدامة قال
كان في إصبع إبراهيم بن المدبر خاتمان وهبتهما له عريب وكانا مشهورين لها فاجتمع مع أبي العبيس بن حمدون في اليوم التاسع والعشرين من شعبان على شرب فلما سكرا اتفقا على أن يصير إبراهيم إلى أبي العبيس ويقيم عنده من غد إن لم ير الهلال وأخذ الخاتمين منه رهنا
ورئي الهلال في تلك الليلة وأصبح الناس صياما فكتب إبراهيم إلى أبي العبيس يطالبه بالخاتمين فدافعه وعبث به فكتب إليه من غد
( كيف أصبحتَ يا جعلتُ فِدَاكا ... إنني أشتكي إليك جَفاكا )
( قد تَمادى بك الجفاءُ وما كنتَ ... حقيقا ولا حَرِيًّا بذاكا )
( كُن شبيهاً بمن مضى جعل اللهُ ... لكَ العُمرَ دَائماً وَرَعَاكا )
( إنَّ شهرَ الصيامِ شهرُ فكاكٍ ... أنتَ فيه ونحنُ نرجو الفَكاكا )
( فارددِ الخاتَمينِ ردًّا جَميِلا ... قد تنعَّمتَ فيهما ما كفاكا )
( يا أبا عبدِ اللهِ دعوةَ داعٍ ... يرتجي نُجحَ أمره إذْ دعَاكا )
يعني أبا عبدالله بن حمدون والد أبي العبيس المخاطب بهذا الشعر

( خاتمايَ اللذانِ عند أبي العبآس قد شارفَا لديه الهلاكا )
( وهو حُرٌّ وقد حكاك كما أنْنَك ... في المكرُماتِ تحكِي أباكا )
فبعث بالخاتمين إليه

أرسل يستريز أبا العبيس
وأخبرني جعفر قال
زارت عريب إبراهيم بن المدبر وهو في داره على الشاطئ في المطيرة واقترحت عليه حضور أبي العبيس فكتب إليه إبراهيم
( قل لابنِ حمدونَ ذاك الأريبِ ... وذاك الظريفِ وذاك الحسيبِ )
( كتابي إليكَ بشكوى عَريبِ ... لوجدٍ شديدٍ وشوقٍ عجيبِ )
( وَشوْقِي إليكَ كشوق الغريبِ ... إلى أرضِهِ بعد طولِ المغيبِ )
( ويوْمِيَ إن أنتَ تَمّمتَه ... بقُربكَ ذُو كُلِّ حُسْنٍ وطِيبِ )
( حَبَاني الزمانُ كما أَشتَهِي ... بقرب الحبيب وبُعْدِ الرقيبِ )
( فما زلتُ أشربُ من كفِّه ... وأسقيه سقيَ اللطيف الأديبِ )
( ويشكو إليَّ وأشكو إليه ... بقولٍ عفيفٍ وقولٍ مريبِ )
( إلى أن بداليَ وجهُ الصباح ... كوجهك ذاك العجيبِ الغريبِ )
( فلا تُخْلِنا يا نظامَ السرور ... منك فأنت شفاءُ الكَئيبِ )
( وغنَّ لنا هَزَجاً مُمْسِكاً ... تَخِفّ له حركاتُ اللبيبِ )

( فإنكَ قد حُزتَ حسنَ الغناءِ ... وقد فُزتَ منه بأوفَى نصيب )
( وكن بأبي أنتَ رَجْعَ الجوابِ ... فِداؤك أنفُسُنا من مُجِيبِ )
أخبرني جعفر قال
غنى أبو العبيس بن حمدون يوما عند إبراهيم

صوت
( إني سألتكَ بالذي ... أدنى إِليكَ من الوريدِ )
( إلاَّ وصلتَ حبالَنا ... وكَفَيْتَنَا شرَّ الوعيدِ )
فزاد فيه إبراهيم قوله
( الهجرُ لا مستحسَنٌ ... بعد المواثقِ والعهودِ )
( وأراكِ مغراةٍ به ... أَفما غرِضت من الصدودِ )
( إني أجدِّدُ لَذَّتي ... ما لاح لي يومٌ جديدُ )
( شُربي معتّقة الكُروم ... ونُزهَتي وَرْدُ الخُدُودِ )
فغنى هذه الأبيات أبو العبيس متصلة باللحن الأول في البيتين وصار الجميع صوتا واحدا إلى الآن والأبيات الأخيرة لإبراهيم بن المدبر والأولان ليسا له
نسبة هذا الصوت
الغناء في البيتين الأولين خفيف ثقيل مزموم لأبي العبيس وفيهما لحنان خفيف ثقيل آخر مطلق وفيهما لعريب ثاني ثقيل بالوسطى

قال جعفر وغنته يوما كراعة بسر من رأى ونحن حضور عنده
( يا معشَر الناسِ أما مُسلمٌ ... يشفعُ عند المذنِبِ العاتبِ )
( ذاك الذي يهرُب من وصلِنا ... تعلَّقوا بالله بالهاربِ )
فزاد فيهما قوله
( ملَّكتُه حَبْلي ولكنَّه ... ألقاهُ من زُهدٍ عَلَى غاربي )
( وقال إني في الهوى كاذبٌ ... فانتقمَ اللهُ من الكاذب )

يسترحم أبا عبد الله بن حمدون في نكبته
حدثني عمي قال حدثني محمد بن داود قال
كتب إبراهيم بن المدبر إلى أبي عبد الله بن حمدون في أيام نكبته يسأله اذكار المتوكل والفتح بأمره
( كم تُرَى يبقَى على ذَا بدني ... قد بَلِي من طول هَمٍّ وضَنِي )
( أنا في أسرِ وأسبابِ رَدًى ... وحديدٍ فادح يكْلِمُني )
( بابن حمدونَ فتى الجودِ الذي ... أنا منه في جَنى وردٍ جَنِي )
( ما الذي ترقُبُه أم ما ترى ... في أَخٍ مضطَهدٍ مرتَهَنِ )
( وأبو عمرانَ موسى حنقٌ ... حاقدٌ يطلُبني بالإحَنِ )
( وعبيدُ اللهِ أيضاً مثلُه ... ونجاحٌ بي مُجِدُّ مَا يَني )

( ليس يشفيه سوى سفكِ دمي ... أَو يراني مُدرَجاً في كَفَنيِ )
( والأميرُ الفتحُ إِن أَذكرتَه ... حُرْمَتي قام بأَمري وعُنِي )
( فألُ صدقٍ حين أدعو باسمِه ... وسرور حين يَعْرُو حَزَنيِ )
( قل له يا حُسْنَ ما أَوليتَني ... ما لِمَا أَوليتَني من ثَمنِ )
( زاد إحسانَكَ عندي عِظَماً ... أَنَّه بَادٍ لمن يعرفُنيِ )
( لستُ أدري كيفَ أجزيكَ به ... غير أني مُثقَلٌ بالمِنَن )
( ما رأى القومُ كذَنبي عندَهمْ ... عُظْمُ ذَنبي أَنَّني لم أخُنِ )
( ذاكَ فِعلي وتُراثي عن أبي ... واقتدائي بأخي في السُّنَنِ )
( سنَّةٌ صالحة معروفَة ... هي منَّا في قَديم الزمَنِ )
( ظَفِر الأعداءُ بي عن حيلةٍ ... ولعل الله أَن يُظفِرنِي )
( ليتَ أني وهُمُ في مجلسٍ ... يَظْهَرُ الحقُّ به للفطِن )
( فترى لي ولهُمْ ملحمَةً ... يَهلِكُ الخائنُ فيها والدَّنِي )
( والذي أسأَلُ أن يُنصِفَني ... حاكِمٌ يَقضي بما يلزمُنِي )
( قُل لحمدونَ خليلي وابنِه ... ولعيسى حرَّكوه يا بَنِي )
يعني يا بني الزانية فلم يزالوا في أمره حتى خلصوه
حدثني محمد بن يحيى الصولي قال
كان إبراهيم بن المدبر يحب جارية للمغنية المعروفة بالبكرية بسر من رأى فقال فيها

( غادرتِ قلبي في إسار لديْك ... فويلتا منكِ وويلي عليكِ )
( قد يعلمُ اللهُ عَلَى عرشِه ... أَني أعاني الموتَ شوقاً إليك )
( مُنِّي بفكّ الأسر أو فاقتُلي ... أيهما أحببتِ من حُسْنَييَك )
( قد كنتُ لا أُعدي على ظالم ... فصرتُ لا أُعدِي على مُقلتيك )
( الخمرُ من فيكِ لمن ذاقَهُ ... والوردُ للناظِر منْ وجنتيْك )
( يا حسرتَا إن متُّ طوعَ الهوى ... ولم أنلْ ما أَرتجيه لديك )
وأنشدها أبو عبد الله بن حمدون هذه الأبيات وغنت بها وجعل يكرر قوله
( الخمرُ من فيكِ لمن ذاقه ... )
ويقول هذا والله قول خبير مجرب فاستحيت من ذلك وسبت إبراهيم فبلغه ذلك فكتب إلى أبي عبد الله يقول
( ألم يَشُقْكَ التماعُ البرقِ في السحَرِ ... بَلى وهَيَّج من وَجْدٍ ومن ذكَرِ )
( ما زال دمعي غزيرَ القَطْر مُسجماً ... سَحّاً بأربعةٍ تَجري من الدُّررِ )
( وقلتُ للغيثِ لما جادَ وَابِلُه ... وما شجاني من الأحزان والسَّهَر )
( يا عارضا ماطراً أمطِرْ على كبدي ... فإنّها كَبِدٌ حَرَّى من الفِكَرِ )
( لشدَّ ما نالَ منِّي الدهرُ واعتلقَتْ ... يدُ الزمان وأوهتْ من قُوى مِرَري )
( يا واحدِي من عبادِ اللهِ كلِّهم ... ويا غناي ويا كَهْفي ويا وَزَرِي )

( أحينَ أنشدتَ شِعري في مُعَذِّبَتي ... أما رثَيْتَ لها من شدة الحَصَرِ )
( وما شفعتَ بها شِعري وقلت به ... في ريقها البارد السلسال ذي الْخَصَرِ )
( لبئس مستنصَحاً في مثل ذلك يا ... نفسي فِداؤكَ من مستنصح غَدِرِ )
( واليوم يومٌ كريم ليس يُكرَمُه ... الاّ كريمٌ من الفتيان ذُو خَطَرِ )
( نشدتُكَ اللهَ فاصْبَحْه بصُحبته ... مُباكراً فألذُّ الشُّرب في البُكَرِ )
( وأجمَع نداماكَ فيه واقترْح رَمَلاً ... صوتاً تغنِّيه ذاتُ الدَّل والخَفَرِ )
( يرتاح للدَّجْن قَلبي وهو مقتسَمٌ ... بين الهموم ارتياحَ الأرضِ للمطَرِ )
( يا غادراً يا أحبّ الناسِ كلّهمُ ... إليَّ واللهِ من أُنْثَى ومن ذَكَرِ )
( ويا رجائي ويا سُؤْلي ويا أملي ... ويا حياتي ويا سَمعي ويا بَصرِي )
( ويا مُنايَ ويا نوري ويا فَرَحِي ... ويا سروري ويا شَمسِي ويا قمرِي )
( لا تقبلي قولَ حسَّادي عليّ ولا ... والله ما صدقوا في القول والخَبَرِ )
( أدالني اللهُ من دهرٍ يُضَعضعُني ... فقد حُجِبتُ عن التسليم والنظَر )
( إن يحجُبُوا عنك في تقديرهم بصَري ... فكيف لم يحجُبُوا ذِكري ولا فِكَري )
( يا قوم قَلبِي ضعيفٌ من تذكُّرها ... وقلبُها فارغٌ أقسى من الحجَرِ )
( الله يعلم أنّي هائم دَنِفٌ ... بغادَةٍ ليتَها حَظِّي من البَشَرِ )
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني عبد الله بن محمد المروزي قال حدثني الفضل بن العباس بن المأمون قال

زارتني عريب يوما ومعها عدة من جواريها فوافتنا ونحن على شرابنا فتحدثت معنا ساعة وسألتها أن تقيم عندنا فأبت وقالت قد وعدت جماعة من أهل الأدب والظرف أن أصير إليهم وهم في جزيرة المربد منهم إبراهيم بن المدبر وسعيد بن حميد ويحيى بن عيسى بن منارة فحلفت عليها فأقامت ودعت بدواة وقرطاس وكتبت إليهم سطرا واحدا ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أردت ولولا ولعلي
ووجهت الرقعة إليهم فلما وصلت قرأوها وعيوا بجوابها فأخذها إبراهيم بن المدبر فكتب تحت أردت ليت وتحت لولا ماذا وتحت لعلي أرجو ووجه بالرقعة إليها فلما قرأتها طربت ونعرت وقالت أنا أترك هؤلاء وأقعد عنكم تركني الله إذا من يديه وقامت فمضت وقالت لكم فيمن أتخلفه عندكم من جواري كفاية

عريب تهيم به حبا
أخبرني محمد بن خلف قال حدثني عبد الله بن المعتز قال
قرأت في مكاتبات لعريب فصلا من جواب أجابت به إبراهيم بن المدبر مكاتبة بديعة بعيادة قد استبطأت عيادتك قدمت قبلك وعذرتك فما ذكرت عذرا ضعيفا لا ينبغي أن يفرح به فأستديم الله نعمة عندك
قال وكتبت إليه أيضا
أستوهب الله حياتك قرأت رقعتك المسكينة التي كلفتها مسألتك عن أحوالنا ونحن نرجو من الله أحسن عوائده عندنا وندعوه ببقائك ونسأله

الإجابة فلا تعود نفسك جعلني الله فداءها هذا الجفاء والثقة مني بالاحتمال وسرعة الرجوع
وكتبت إليه وقد بلغها صومه يوم عاشوراء
قبل الله صومك وتلقاه بتبليغك ما التمست كيف ترى نفسك نفسي فداؤك ولم كدرت جسمك في آب أخرجه الله عنك في عافية فإنه فظ غليظ وأنت محرور وإطعام عشرة مساكين أعظم لأجرك ولو علمت لصمت لصومك مساعدة لك وكان الثواب في حسناتك دوني لأن نيتي في الصوم كاذبة
أخبرني جعفر بن قدامة قال
اتصلت لعريب أشغال دائمة في أيام تركوا رسى وخدمتها فيما هنالك
فلم يرها إبراهيم بن المدبر مدة فكتب إليها

صوت
( إلى الله أشكو وحشتي وتفجُّعي ... وبعدَ المدىَ بيني وبينَ عَريبِ )
( مضى دونها شَهْران لم أحلَ فيهما ... بعيشٍ ولا من قُربها بنصيبِ )
( فكنت غريباً بين أهلي وجيرتي ... ولست إذا أبصرتها بغريبِ )
( وإنّ حبيباً لم يرَ النَّاسُ مثلَه ... حقيق بأن يُفدْى بكلّ حبيب )
لعريب في هذه الأبيات خفيف ثقيل من رواية ابن المعتز وهو من مشهور غنائها

مكاتبات عريب إليه
وقال ابن المعتز في ذكره مكاتبات عريب إلى إبراهيم بن المدبر وقد كتب إليها يشكو علته
كيف أصبحت أنعم الله صباحك ومبيتك وأرجو أن يكون صالحا وإنما أردت إزعاج قلبي فقط
وكتبت إليه تدعو له في شهر رمضان
أفديك بسمعي وبصري وأهل الله هذا الشهر عليك باليمن والمغفرة وأعانك على المفترض فيه والمتنفل وبلغك مثله أعواما وفرج عنك وعني فيه
قال وكتبت إليه
فداؤك السمع والبصر والأم والأب ومن عرفني وعرفته كيف ترى نفسك وقيتها الأذى وأعمى الله شانئك ومقه الله عند هذه الدعوة وأرجو أن تكون قد أجيبت إن شاء الله وكيف ترى الصوم عرفك الله بركته وأعانك على طاعته وأرجو أن تكون سالما من كل مكروه بحول الله وقوته وواشوقي إليك وواحشتي لك ردك الله إلى أحسن ما عودك ولا أشمت بي فيك عدوا ولا حاسدا وقد وافاني كتابك لا عدمته إلا بالغنى عنه بك وذكرت حامله فوجهت رسولي إليه ليدخله فأسأله عن خبرك فوجدته منصرفا ولو رأيته لفرشت خدي له وكان لذلك أهلا

وكتبت إليه وقد عتبت عليه في شيء بلغها عنه
وهب الله لنا بقاءك ممتعا بالنعم ما زلت أمس في ذكرك فمرة بمدحك ومرة بشكرك ومرة بأكلك وذكرك بما فيك لونا لونا اجحد ذنبك الآن وهات حجج الكتاب ونفاقهم فأما خبرنا أمس فإما شربنا من فضلة نبيذك على تذكارك رطلا رطلا وقد رفعنا حسباننا إليك فأرفع حسبانك إلينا وخبرنا من زارك أمس وألهاك وأي شيء كانت القصة على جهتها ولا تخطرف فتحوجنا إلى كشفك والبحث عنك وعن حالك وقل الحق فمن صدق نجا وما أحوجك إلى تأديب فإنك لا تحسن أن تؤدبه والحق أقول إنه يعتريك كزاز شديد يجوز حد البرد
وكفاك بهذا من قولي عقوبة وإن عدت سمعت أكثر من هذا والسلام
حدثني عمي قال حدثني محمد بن داود قال
كان عيسى بن إبراهيم النصراني المكنى أبا الخير كاتب سعيد بن صالح يسعى على إبراهيم بن المدبر في أيام نكبته فلما زالت ومات سعيد نكب عيسى بن إبراهيم وحبس ونهبت داره فقال فيه إبراهيم بن المدبر
( قل لأبي الشرِّ إنْ مررتَ به ... مقالةً عُرِيِّتْ من اللَّبَس )
( ألبَسكَ اللهُ من قوارعه ... آخذةً بالخُنَاق والنَّفَس )
( لا زلتَ يا بن البظراء مرتهنَا ... في شرِّ حال وضيقِ محتَبَس )
( أقول لما رأيتُ منزله ... منتَهباً خالياً من الأنَسِ )

( يا منزلاً قد عَفَا من الطَّفس ... وساحةً أُخليتْ من الدَّنس )
( من لاقترافِ الفحشاء بعد أبي الشررْ ... ْ ومن للقبيح والنجِسِ )

ولي الثغور الجزرية بعد نكبته
أخبرني جعفر بن قدامة قال
ولي إبراهيم بن المدبر بعقب نكبته وزوالها عنه الثغور الجزرية فكان أكثر مقامه بمنبج فخرج في بعض أيام ولايته إلى نواحي دلوك ورعبان وخلف بمنبج جارية كان يتحظاها مغنية يقال لها غادر فحدثني بعض كتابه انه كان معه بدلوك وهو على جبل من جبالها فيه دير يعرف بدير سليمان من احسن بلاد الله وانزهها فنزل عليه ودعا بطعام خفيف فأكل وشرب ثم دعا بداوة وقرطاس فكتب
( أبا ساقَيينا وسْطَ دَيْر سليمانِ ... أديرا الكُؤوس فانهلاني وعُلاَّني )
( وخُصَّا بصافيها أبا جعفر أخي ... وذا ثقتي بين الأنام وخُلصاني )
( وميلاَ بها نحو ابنِ سَلاَّمٍ الذي ... أودُّ وعُودَا بعد ذاك لنعمانِ )
( وعُمَّا بها الندمان والصحبَ إنني ... تَنَكَّرْت عيشي بعد صحبي وإخواني )

( ولا تتركا نفسي تمُتْ بسقامها ... لذِكْرَى حبيب قد شجاني وعنَّاني )
( ترحّلتُ عنه عن صدود وهِجرة ... وأقبل نحوي وهو باك فأبكاني )
( وفارقته واللهُ يجمع شملَنا ... بلَوعة محزون وغُلَّة حَرَّان )
( وليلة عين المَرْج زار خيالُه ... فهيَّج لي شوقا وجدَّد أشجاني )
( فأشرفت أعلى الدَّيْر أنظر طامحاً ... بألمح آماقٍ وأنظَرِ إنسان )
( لعّلي أرى أبياتَ منَبج رؤية ... تُسَكّنُ من وجدي وتكشفُ أحزاني )
( فقصَّر طرفي واستهلَّ بعَبرة ... وفدَّيتُ من لو كان يدري لفدُّاني )
( ومثَّلَه شوقي إليه مقابلي ... وناجاهُ قلبي بالضمير وناجاني )
قرأت على ظهر دفتر فيه شعر إبراهيم بن المدبر أهداه مجموعا إلى أخيه احمد فلما وصل إليه قرأه وكتب عليه بخطه
( أبا إسحاق إن تكن الليالي ... عطفنَ عليكَ بالخطب الجسيم )
( فلم أرَ صرْف هذا الدهرِ يجري ... بمكروه على غير الكريم )
اخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني ميمون بن هارون قال
اجتمعت مع عريب في مجلس انس بسر من رأى عند أبي عيسى بن المتوكل وإبراهيم بن المدبر يومئذ ببغداد فمر لنا احسن يوم وذكرته عريب فتشوقته و أحسنت الثناء عليه والذكر له فكتبت إليه بذلك من غد وشرحته له فأجابني عن كتابي وكتب في آخره

( أتعلَمُ يا ميمونُ ماذا تُهيجُه ... بذكركُ أحبابي وحِفظهُم العَهْدا )
( ووصفِ عريِب في كريم وفائها ... وإجمالها ذكري وإخلاصِها الوُدَّا )
( عليها سلامي إن تكن دارُها نأتْ ... فقد قرَّب الله الذي بيننا جدَّا )
( سقى الله داراً بعدنَا جمعتْكُمُ ... وَ سكَّن ربُّ العرش ساكنَها الخُلدا )
( وخصَّ أبا عيسى الأميرَ بنعمة ... وأسعد فيما أرتجيه له الجَدَّا )
( فما ثَمَّ من مجدٍ وَ طَوْلٍ و سُودَد ... ورأي أصيل بصدَع الحجَرَ الصَّلْدا )

خبر صلحه مع عريب وشعره فيها
حدثني جحظة قال حدثني عبد الله بن حمدون قال
اجتمعت أنا وإبراهيم بن المدبر وابن منارة والقاسم وابن زرزور في بستان بالمطيرة وفي يوم غيم يهريق رذاذه ويقطر احسن قطر ونحن في أطيب عيش واحسن يوم فلم نشعر إلا بعريب قد أقبلت من بعيد فوثب إبراهيم بن المدبر من بيننا فخرج حافيا حتى تلقاها واخذ بركابها حتى نزلت وقبل الأرض بين يديها وكانت قد هجرته مدة لشيء أنكرته عليه فجاءت وجلست و أقبلت عليه متبسمة وقالت إنما جئت إلى من هاهنا لا إليك فاعتذر وشيعنا قوله وشفعنا له فرضيت و أقامت عندنا يومئذ وباتت واصطبحنا من غد واقامت عندنا فقال إبراهيم
صوت
( بأبي من حقَّقَ الظن به ... فأتانا زائراً مُبتدِيا )

( كان كالغيثِ تراخى مُدّةً ... وأتى بعد قُنوط مُرويا )
( طاب يومانِ لنا في قُربه ... بعد شهرين لهجرٍ مضَيا )
( فأقرّ اللهُ عَيني وشفَى ... سَقَماً كَان لجسمي مُبليا )
لعريب في هذا الشعر لحنان رمل وهزج بالوسطى
أنشدني الصولي رحمه الله لإبراهيم بن المدبر في عريب
( زعموا أني أُحبُّ عَريبا ... صدقوا واللهِ حُبَاً عجيباً )
( حلَّ من قلبي هواها مَحلاُّ ... لم تَدَعْ فيه لخَلْق نصيبا )
( ليقلْ من قَدْ رَأى الناس قدْما ... هل رأى مثلَ عَريب يا عَرِيبا )
( هي شمسُ والنساء نُجومُ ... فإذا لاحت أفلْن غُيوبا )
وأنشدني الصولي أيضا له فيها
( إلا يا عريبُ وُقيتِ الرُّدى ... وجنَّبك الله صَرْف الزمنْ )
( فإنك أصبحتِ زينَ النساء ... وواحدة الناس في كل فَنّ )
( فقرُبكِ يُدني لذيذَ الحياةِ ... وبعدُكَ ينفي لذيذَ الوَسَنْ )
( فنعم الجليسُ ونعم الأنيسُ ... ونعم السَّميرُ ونعم السَّكن )
و أنشدني أيضا له
( أن عريبا خُلقتْ وحدَها ... في كلِّ ما يحسُنُ من أمرها )
( ونعمة لِلَّهِ في خَلقِه ... يقصِّر العاَلم عن شكرها )
( أشهدُ في جاريتَيها على ... أنهما مُحْسِنَتَا دَهرِها )

( فبدعةُ تُبدعُ في شَدْوها ... وتُحْفَةُ تتحف في زمْرِها )
( يا ربَّ أمتعْها بما خوَّلَت ... وامدُد لنا يا ربَّ في عمرها )

شيعه أهل البصرة بحزن
اخبرنا أبو الفياض سوار بن أبي شراعة القيسي البصري قال
كان إبراهيم بن المدبر يتولى البصرة وكان محسنا إلى أهل البلد احسانا يعمهم ويشتمل على جماعتهم نفعه ويخصنا من ذلك بأوفر حظ واجزل نصيب فلما صرف عن البصيرة شيعة أهلها وتفجعوا لفراقه وساءهم صرفه فجعل يرد الناس من تشييعهم على قدر مراتبهم في الأنس به حتى لم يبق معه إلا أبي فقال له يا أبا شراعة أن المشيع مودع لا محالة وقد بلغت أقصى الغايات فبحقي عليك إلا انصرفت ثم قال يا غلام احمل إلى أبي شراعة ما امرتك له به فأحظر ثيابا وطيبا ومالا فودعه أبي ثم قال
( يا أبا إسحاق سرّ في دَعَة ... وامض مصحوباُ فما منك خلفْ )
( ليت شعري أيُّ ارض أجدبتْ ... فأُغيث بك من جهد العَجَف )
( نزل الرُّحْمُ من الله بِهِم ... وحُرِمَناكَ لذنب قد سلفْ )
( إنما أنت ربيعُ باكر ... حيثُمَا صرَّفه الله انصرفْ )
اخبرني علي بن العباس بن طلحة الكاتب قال
قرأت جوابا بخط إبراهيم بن المدبر في أضعاف رقعة كتبتْها إليه عريب فوجدته قد كتب تحت فصل من الكتاب تسأله فيه عن خبره

( وساءلتموه بعدكم كيف حالُه ... وذلك أمر بيّنُ ليس يُشكُل )
( فلا تسألوا عن قلبه فَهْو عندكم ... ولكن عن الجسم المخلف فاسألوا )
أخبرني علي بن العباس قال حدثني أبي قال

رسالة إلى عريب يشكو بعدها
كنت عند إبراهيم بن المدبر فزارته بدعة وتحفة وأخرجتا إليه رقعة من عريب فقرأناها فإذا فيها
بنفسي أنت وسمعي وبصري وقل ذاك لك أصبح يومنا هذا طيبا طيب الله عيشك قد احتجبت سماؤه ورق هواؤه وتكامل صفاؤه فكأنه أنت في رقة شمائلك وطيب محضرك ومخبرك لافقدت ذلك أبدا منك ولم يصادف حسنه وطيبه مني نشاطا ولا طربا لأمور صدتني عن ذلك اكره تنغيص ما أشتهيه لك من السرور بنشرها وقد بعثت إليك ببدعة وتحفة ليؤنساك وتسربهما سرك الله وسرني بك
فكتب إليها يقول
( كيف السرورُ وأنتِ نازحةُ ... عنّي وكيف يسوغُ لي الطربُ )
( أن غبتِ غاب العيشُ وانقطعتْ ... أسبابه وألحَّت الكُرَبُ )
وأنفذ الجواب إليها فلم يلبث أن جاءت فبادر إليها وتلقاها حافيا حتى جاء بها على حمار مصري كان تحتها إلى صدر مجلسه يطأ الحمار على بساطه وما عليه حتى اخذ بركابها وأنزلها في صدر مجلسه وجلس بين يديها ثم قال
( ألا رب يوم قصّر اللهُ طولَه ... بقرب عريبٍ حبّذا هو من قُربِ )
( بها تحسُن الدنيا وينعمَ عيشُها ... وتجتمع السَّراء للعين والقَلبْ )

حدثني علي بن سليمان قال أنشدني أبي قال
أنشدني إبراهيم بن المدبر وقد كتب إلى بدعة وتحفة يستدعيهما فتأخرتا فكتب إليهما
( قل يا رسول لهذه ... ولهذه بأبي هُمًَا )
( قد كان وصلكما لنَا ... حَسَناً ففيم قَطْعتُما )
( أعريب سيّدةُ النساءِ ... بهجرنا أمرتْكُمَا )
( كلاّ وبيت الله بل ... هذا جفاءُ منكما )

عريب تغني صوتا من شعره
و أنشدني علي بن العباس لإبراهيم بن المدبر وفيه لعريب هزج وقال
( إلا يا بأبي أنتمْ ... نأت دارُ بنا عنكمْ )
( فإن كنتُم تبدلتُمْ ... فما مِنْ بَدَلً منكمْ )
( وإن كنتُم عَلَى العَهِد ... فأحسنْتُهم وأجملتمْ )
( ويا ليتَ المنى حَقَّت ... فنبديها ولا تَكتُمْ )
( فكنتُم حيثما كنا ... وكنَّا حيثما كنتم )
وحدثني علي قال حدثني أبي قال
دخلت ليلة على إبراهيم بن المدبر في أيام نكبته ببغداد في ليلة غيم فلاح برق من قطب الشمال ونحن نتحدث فقطع الحديث وأمسك ساعة مفكرا ثم اقبل علي فقال

( بارقُ شرَّد الكرى ... لاح من نحوِ ما ترَى )
( هاج للقلب شجوهَ ... فاعْترَى منه ما اعترى )
( أيها الشادنُ الذي ... صاد قلبي وما درَى )
( كن عليماٍ بشِقْوتي ... فيك من بينِ ذا الوَرَى )
و حدثني عن أبيه قال
كنت عند إبراهيم بن المدبر فزارته بدعة وتحفة وأقامتا عنده فأنشدنا يومئذ
( أيها الزائران حيا كما الله ... ومن أنتما له بالسَّلامِ )
( ما رأينا في الدهر بدراً وشمساً ... طَرَقا ثم رجّعا بالكلامِ )
( كيف خلَّفتما عريباً سقاها الله ... ربُّ العبَاد صوبَ الغَمامِ )
( هي كالشمس والحسانُ نجوم ... ليس ضوءُ النهار مثلَ الظلامِ )
( جمعتْ كلّ ما تفرّق في الناس ... وصارت فريدةً في الأنامِ )
و أنشدني عن أبيه لإبراهيم بن المدبر وهو محبوس
( و أني لأستنشي الشّمال إذا جرتْ ... حنيناً إلى أُلاَّف قلبي وأحبابي )
( وأهُدي مع الريح الجنوب اليهمُ ... سلامي وَشكوَى طول حُزني وأوصابي )
( فياليت شعري هل عريب عليمةُ ... بذلك أو نام الأحبة عما بي )
حدثني عمي عن محمد بن داود قال

كان إبراهيم بن المدبر صديق أبي الصقر إسماعيل بن بلبل فلم يرض فعله لما نكب ولا نيابته عنه فقال فيه
( لا تطِل عذلي عناء ... إن في العذل بلاءَ )
( لست أبكي بطن مرِّ ... فكديَّا فكَداء )
( إنما أبكي خليلا ... خانَ في الود الصفاءَ )
( يا أبا الصقر سقاك الله ... تَهتانا رواءَ )
( و أدام الله نُعماَك ... ومَلاَّك البقاءَ )
( لِمْ تجاهَلتَ وِدادِي ... وتناسيتَ الإخاءَ )
( كنت بَرَّاً فعلى رأسي ... تعلَّمت الجفاءَ )
( لا تميلَّن مع الريح ... إذا هبَّتْ رُخاء )
( ربَّما هَبِّتْ عقيما ... تترك الدنيا هَبَاءَ )
اخبرني علي بن العباس قال حدثني أبي قال
كنت عند إبراهيم بن المدبر وزارته عريب فقال لها رأيت البارحة في النوم أبا العبيس وقد غنى في هذا الشعر وأنت تراسلينه فيه
( يا خليليِّ أرِقْنا حَزَنَا ... لسَنا بَرقٍ تبدَّى مَوْهنا )
وكأني أجزته بهذا البيت وسألتكما أن تضيفاه إلى الأول
( وجلا عن وجهِ دعدٍ مَوْهِنا ... عجباٍ منه سَناٍ أبدى سَناَ )

فقالت ما أملح والله الابتداء و الإجازة فاجعل ذلك في اليقظة واكتب إلى أبي العبيس وسله عني وعنك الحضور فكتب إليه إبراهيم
( يا أبا العباسِ يا أفتى الورى ... زارنا طيفُك في سُكْر الكرىَ )
( وتغنَّى ليَ صوتاً حسناً ... في سنَا برقٍ على الأفق سرَى )
( وعريبُ عندنا حاصلةُ ... زينُ مَنْ يمشي على وجه الثَّرى )
( نحن أضيافُكَ في منزلنَا ... نتمناكَ فكن أنت القِرَى )
قال فسار إليهما أبو العبيس وحدثه إبراهيم برؤياه فحفظا الشعر وغنيا فيه بقيمة يومهما

صوت
( ألا حيِّ قبل البين من أنت عَاشقُهْ ... ومن أنت مشتاقُ إليه وشائقُهْ )
( ومن لا تواتي داره غيرَ فَينَةٍ ... ومن أنت تبكي كلَّ يوم تُفارقُه )
الشعر لقيس بن جروة الطائي الأجئي قاله في غارة أغارها عمرو بن هند على ابل لطيئ فحرض زرارة بن عدس عمرو بن هند على طيئ وقال له انهم يتوعدونك فغزاهم واتصلت الأحوال إلى أن أوقع عمرو ببني تميم في يوم أوارة وخبر ذلك يذكر ها هنا لتعلق بعض أخباره ببعض
والغناء لإبراهيم الموصلي ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي ومن مجموع غناء إبراهيم

ذكر الخبر في هذه الغارات والحروب
يوم أوارة
نسخت ذلك من كتاب عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات بخطه وذكر أن احمد بن الهيثم بن فراس اخبره به عن العمري عن هشام بن الكلبي عن أبيه وغيره من أشياخ طيئ قال وحدثني محمد بن أبي السري عن هشام بن الكلبي قالوا
كان من حديث يوم أوارة أن عمرو بن المنذر بن ماء السماء وهو عمرو بن هند يعرف باسم أمه هند بنت الحارث الملك المنصور بن حجر آكل المرار الكندي وهو الذي يقال له مضرط الحجارة انه كان عاقد هذا الحي من طيئ على ألا ينازعوا ولا يفاخروا ولا يغزوا وان عمرو بن هند غزا اليمامة فرجع منفضا فمر بطيئ فقال له زرارة بن عدس بن زيد بن

عبد الله بن دارم الحنظلي أبيت اللعن أصب من هذا الحي شيئا قال له ويلك أن لهم عقدا قال وان كان فلم يزل به حتى أصاب نسوة وأذوادا فقال في ذلك الطائي وهو قيس بن جروة أحد الأجئيين قال
( إلا حيِّ قبل البين من أنت عاشقُهْ ... ومن أنت مشتاقُ إليه وشائقهْ )
( ومن لا تُواتي دارَه غيرَ فَينةٍ ... ومن أنت تبكي كلِّ يوم تُفارقُهْ )
( وتعدو بصحراء الثويّةِ نَاقتي ... كعدو النَّحوص قَدْ أمخَّت نواهِقُهْ )
( إلى الملك الخيْر ابن هند تزوره ... وليس من الفوْت الذي هو سابقه )
( وإنَّ نساءً هُنَّ ما قال قائل ... غنيمةُ سَوء بينهنّ مَهارقه )
( ولو نيل في عهدٍ لنا لحمُ أرنب ... رَدَدْنا وهذا العهد أنت مُعالقه )
( فهبك ابنَ هند لم تعُقك أمانةُ ... وما المرء إلا عَقدة وَمَواثِقُه )
( وكنا أناساً خافضين بنعمةٍ ... يسيل بنا تلْع المَلا و أبارقه )
( فأقسمتُ لا أحتلُّ إلاّ بصهوةٍ ... حرامُ عليَّ رَملُه وشقائِقه )

( وأقسم جهداً بالمنازِل من مِنًى ... وما خبّ في بطحائِهنّ دَرادِقُه )
( لئن لم تغَّير بعضَ ما قد فعلتُم ... لأنتحينّ العظم ذو أنا عارقهْ )
فسمي عارقا بهذا البيت فبلغ هذا الشعر عمرو بن هند فقال زرارة بن عدس ابيت اللعن انه يتوعدك فقال عمرو بن هند لترملة بن شعاث الطائي وهو ابن عم عارق أيهجوني ابن عمك ويتوعدني قال والله ما هجاك ولكنه قد قال
( والله لو كان ابنُ جفنةَ جاركمْ ... لَكَسَا الوجوه غضاضة وهوانا )
( وسلاسلاً يبرقن في أعناقكم ... واذاً لقطع تكلم الأقرانا )
( ولكان عادتُه على جيرانه ... ذهباً ورَيطاً رادِعا وجِفانا )
قالوا الرداع المصبوغ بالزعفران وانما أراد ترمله أن يذهب سخيمته فقال والله لأقتلنه فبلغ ذلك عارقا فأنشأ يقول
( من مبلغ عَمرو بنَ هندٍ رسالةً ... إذا استحقبتها العِيس تنضى على البعد )
( أيوعدُني والرمل بيني وبينه ... تبين رويداً ما أمامهُ من هند )
( ومن أجأٍ دوني رِعانُ كأنَّها ... قنابل خيل من كميت ومن وَرْدِ )

( غدرتَ بأمر أنت كنتَ اجتذبْتنا ... عليه وشُّر الشيمة الغدرُ بالعهد )
( فقد يترُك الغدرَ الفتى وطعامه ... إذا هو أمسَى حَلبةُ من دم الفصد )
فبلغ عمرو بن هند شعره هذا فغزا طيئا فأسر أسرى من طيئ من بني عدي بن اخزم وهم رهط حاتم بن عبد الله فيهم رجل من الأجئيين يقال له قيس بن جحدر وهو جد الطرماح بن حكيم وهو ابن خالة حاتم فوفد حاتم فيهم إلى عمرو بن هند وكذلك كان يصنع فسأله إياهم فوهبهم له إلا قيس بن جحدر لأنه كان من الاجئيين من رهط عارق فقال حاتم
( فككت عديَّا كلَّها من إسارها ... فأنعِمْ وشفِّعني بقيس بنِ جَحْدَر )
( أبوه أبي و الأمهاتُ امهاتنا ... فأنعم فدتْكَ اليوم نفسي ومعْشري )
فأطلقه

خبر مالك بن المنذر عند زرارة بن عدس
قال وبلغنا أن المنذر بن ماء السماء وضع ابنا له صغيرا ويقال بل كان أخا له صغيرا يقال له مالك عند زرارة وانه خرج ذات يوم يتصيد فأخفق ولم يصب شيئا فرجع فمر بإبل لرجل من بني عبد الله بن دارم يقال له سويد بن ربيعة بن زيد بن عبد الله بن دارم وكان عند سويد ابنة زرارة بن عدس فولدت له سبعة غلمة فأمر مالك بن المنذر بناقة سمينة منها فنحرها ثم اشتوى وسويد نائم فلما انتبه شد على مالك بعصا فضربه بها فأمه
ومات الغلام وخرج سويد هاربا حتى لحق بمكة وعلم انه لا يأمن

فحالف بني نوفل بن عبد مناة واختط بمكة فمن ولده أبو اهاب بن عزيز بن قيس بن سويد وكانت طيئ تطلب عثرات زرارة وبني أبيه حتى بلغهم ما صنعوا بأخي الملك فأنشأ عمرو بن ثعلبة بن ملقط الطائي يقول
( من مبلغُ عمراً بأنَّ المرء ... لم يُخلقْ صُبارهْ )
( وحوادث الأيام لا ... تبقى لها إلا الحجارةْ )
( أن ابن عِجزةِ أمه ... بالسَّفح أسفَلَ من أوارهْ )
قال هشام أول ولد المرأة يقال له زكمة والآخر عجزة
( تسِفي الرياحُ خلاله سَحْياً وقَد سَلبُوا إزاراه ... )
( فاقتل زُرارةَ لا أرى ... في القوم أفضلَ من زُراره )

هرب زرارة بعد مصرع مالك
فلما بلغ هذا الشعر عمرو بن هند بكى حتى فاضت عيناه وبلغ الخبر زرارة فهرب وركب عمرو بن هند في طلبه فلم يقدر عليه فأخذ امرأته وهي حُبلى فقال أذكر في بطنك أم أنثى قالت لا علم لي بذلك قال ما فعل زرارة الغادر الفاجر فقالت أن كان ما علمت لطيب العرق سمين المرق ويأكل ما وجد ولا يسأل عما فقد لا ينام ليلة يخاف ولا يشبع ليلة يضاف فبقر بطنها
فقال قوم زرارة لزرارة ولله ما قتلت أخاه فأت الملك فاصدقه الخبر فأتاه زرارة فأخبره الخبر فقال جئني بسويد فقال قد لحق بمكة قال فعلي ببنيه السبعة فأتي ببنيه وبأمهم بنت زرارة وهم غلمة بعضهم فوق

بعض فأمر بقتلهم فتناولوا أحدهم فضربوا عنقه وتعلق بزرارة الآخرون فتناولوهم فقال زرارة يا بعضي دع بعضا فذهبت مثلا وقتلوا
وآلى عمرو بن هند بألية ليحرقن من بني حنظلة مائة رجل فخرج يريدهم وبعث على مقدمته الطائي عمرو بن ثعلبة بن عتاب بن ملقط فوجدوا القوم قد نذروا فأخذوا منهم ثمانية وتسعين رجلا بأسفل أوارة من ناحية البحرين فحبسهم ولحقه عمرو بن هند حتى انتهى إلى أوارة فضربت فيه قبته فأمر لهم بأخدود فحفر لهم ثم اضرمه نارا فلما احتدمت وتلظت قذف بهم فيها فاحترقوا

خبر أن الشقي وافد البراجم
و أقبل راكب من البراجم وهو بطن من بني حنظلة عند المساء ولا يدري بشيء مما كان يوضع له بعيره فأناخ فقال له عمرو بن هند ما جاء بك قال حب الطعام قد اقويت ثلاثا لم اذق طعاما فلما سطع الدخان ظننته دخان طعام فقال له عمرو بن هند ممن أنت قال من البراجم قال عمرو أن الشقي واقد البراجم فذهب مثلا ورمى به في النار فهجت العرب تميما بذلك فقال ابن الصعق العامري
( ألا أبلغْ لديكَ بني تميم ... بآية ما يُحبُّون الطعاما )
و أقام عمرو بن هند لا يرى أحدا فقيل له ابيت اللعن لو تحللت

بامراة منهم فقد احرقت تسعة وتسعين رجلا فدعا بامراة من بني حنظلة فقال لها من أنت قالت أنا الحمراء بنت ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم فقال أني لأظنك اعجمية فقالت ما أنا بأعجمية ولا ولدتني العجم
( إنَّي لبنت ضَمرة بن جابر ... سادَ معداً كابراً عن كابر )
( إني لأخت ضَمرة بن ضَمره ... إذا البلاد لُفَّعَت بجمرهْ )
قال عمرو أما والله لولا مخافة أن تلدي مثلك لصرفتك عن النار قالت أما والذي أساله أن يضع وسادك ويخفض عمادك ويسلبك ملكك ما قتلت إلا نساء أعاليها ثدي وأسفلها دمي قال اقذفوها في النار فالتفتت فقالت ألا فتى يكون مكان عجوز فلما أبطؤوا عليها قالت صار الفتيان حمما فذهبت مثلا فأحرقت وكان زوجها يقال له هوذة بن جرول بن نهشل بن دارم

شعر للقيط يعير فيه بني مالك
فقال لقيط بن زرارة يعير بني مالك بن حنظلة بأخذ من أخذ منهم الملك وقتله اياهم ونزولهم معه
( لمن دمنةُ أقفرتْ بالجنابِ ... إلى السفح بين المَلاَ فالهضاب )
( بكيتَ لعرفان آياتها ... وهاج لك الشوقَ نعبُ الغرابِ )
( فأبلغ لديك بني مالك ... مغلغلةً وسراةَ الرَّباب )

( فإن امرأً أنتمُ حولَه ... تحِفُّون قَّبتَه بالقِبابِ )
( يُهينُ سراتكمُ عامداً ... ويقتلكم مثلَ قتلِ الكلابِ )
( فلو كنتمُ إبلاً أملحَت ... لقد نَزَعَتْ للمياه العذابِ )
( ولكنَّكمْ غَنمُ تُصطفَى ... ويُترك سائرُها للذئابِ )
( لعمر أبيكَ أبي لخير ما ... أردتَ بقتلهمُ من صوابِ )
( ولا نعمةً إن خيرَ الملوك ... أفضلهم نعمةً في الرقابِ )
وفيها يقول الطرماح بن حكيم ويذكر هذا
( واسأل زُرارة و المأمور ما فعلت ... قَتْلَى أُوارةَ من رعلان واللَّدد )
( ودارِماً قد قذفنا منهمُ مائة ... في جاحِم النار إذ يُلقونَ بالخُدَد )
( ينزون بالمشتوِي منها ويوقدُها ... عمرُو ولولا شحوم القوم لم تَقِدِ )
قال فحدثني الكلبي عن المفضل الضبي قال
لما حضر زرارة الموت جمع بنيه وأهل بيته ثم قال انه لم يبق لي عند أحد من العرب وتر إلا قد أدركته غير تحضيض الطائي بن ملقط الملك علينا حتى صنع ما صنع فأيكم يضمن لي طلب ذلك من طيئ قال عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد أنا لك بذلك يا عم ومات زرارة فغزا عمرو بن عمرو جديلة ففاتوهم وأصاب ناسا من بني طريف بن مالك وطريف بن عمرو بن ثمامة وقال في ذلك شعرا

لقيط بن زرارة يخطب بنت ذي الجدين
وكان زرارة بن عدس بن زيد رجلا شريفا فنظرت ذات يوم إلى ابنه لقيط ورأى منه خيلاء ونشاطا وجعل يضرب غلمانه وهو يومئذ شاب
فقال له زرارة لقد أصبحت تصنع صنيعا كأنما جئتني بمائة من هجان المنذر بن ماء السماء أو نكحت بنت ذي الجدين بن قيس بن خالد قال لقيط لله علي إلا يمس رأسي غسل ولا آكل لحما ولا اشرب خمرا حتى أجمعهما جميعا أو أموت فخرج لقيط ومعه ابن خال له يقال له القراد بن إهاب وكلاهما كان شاعرا شريفا فسارا حتى أتيا بني شيبان فسلما على ناديهم ثم قال لقيط أفيكم قيس بن خالد ذو الجدين وكان سيد ربيعة يومئذ قالوا نعم قال فأيكم هو قال قيس أنا قيس فما حاجتك قال جئتك خاطبا ابنتك وكانت على قيس يمين ألا يخطب إليه أحد ابنته علانية ألا أصابه بشر وسمع به فقال له قيس ومن أنت قال أنا لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد قال قيس عجبا منك ياذا القصة هلا كان هذا بيني وبينك قال ولم يا عم فو الله انك لرغبة وما بي من نضاة أي ما بي عار ولئن ناجيتك لا أخدعك ولئن عالنتك لا أفضحك فأعجب قيسا كلامه وقال كفء كريم إني زوجتك ومهرتك مائة ناقة ليس فيها مظائر ولا ناب ولا كزوم ولا تبيت عندنا عزبا

ولا محروما ثم أرسل إلى أم الجارية أني قد زوجت لقيط بن زرارة ابنتي القدور فاصنعيها واضربي لها ذلك البلق فإن لقيط بن زرارة لا يبيت فينا عزبا وجلس لقيط يتحدث معهم فذكروا الغزو فقال لقيط أما الغزو فأردها للقاح وأهزلها للجمال وأما المقام فأسمنها للجمال وأحبها للنساء فأعجب ذلك قيسا و أمر لقيطا فذهب إلى البلق فجلس فيه وبعثت إليه أم الجارية بمجمرة وبخور وقالت للجارية اذهبي بها إليه فو الله لئن ردها ما فيه خير ولئن وضعها تحته ما فيه خير فلما جاءته الجارية بالمجمرة بخر شعره ولحيته ثم ردها عليها فلما رجعت الجارية إليها خبرتها بما صنع فقالت انه لخليق للخير فلما امسى لقيط أهديت الجارية إليه فمازحها بكلام اشمأزت منه فنام وطرح عليه طرف خميصة وباتت إلى جنبه فلما استثقل انسلت فرجعت إلى أمها فانتبه لقيط فلم يرها فخرج حتى أتى ابن خاله قراداً وهو في اسفل الوادي فقال ارحل بعيرك واياك أن يسمع رغاؤها
فتوجها إلى المنذر بن ماء السماء واصبح قيس ففقد لقيطاً فسكت ولم يدر ما الذي ذهب به ومضى لقيط حتى أتى المنذر فاخبره ما كان من قول أبيه وقوله فأعطاه مائة من هجائنه فبعث بها مع قراد إلى أبيه زرارة ثم مضى إلى كسرى فكساه وأعطاه جواهر ثم انصرف لقيط من عند كسرى فأتى أباه فاخبرة خبرة
وأقام يسيراً ثم خرج هو وقراد حتى جاءا محلة بني شيبان فوجداهم قد انتجعوا فخرجا في طلبهم حتى وقعا في الرمل فقال لقيط

( انظر قراد وهاتا نضرة جزعا ... عرض الشقائق هل بينت أظعانا )
( فيهن اترجة نضح العبير بها ... تكسي ترائبها شذرا ومرجانا )
وصية اب لابنته وهي ترحل للزواج فخرجا حتى اتيا قيس بن خالد فجهزها ابوها فلما ارادت الرحيل قال لها يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً وليكن اكثر طيبك الماء فانك إنما يذهب بك إلى الأعداء واراك أن ولدت فستلدين لنا غيظاً طويلاً واعلمي أن زوجك فارس مضر وانه يوشك أن يقتل أو يموت فلا تخمشي عليه وجهاً ولا تحلقي شعراً قالت له أما والله لقد ربيتني صغيرة واقصيتني كبيرة وزودتني عند الفراق شر زاد وارتحل بها لقيط فجعلت لا تمر بحي من العرب إلا قالت يالقيط اهؤلاء قومك فيقول لا حتى طلعت على محلة بني عبد الله بن دارم فرأت القباب والخيل العراب قالت يالقيط أهؤلاء قومك قال نعم فأقام اياماً يطعم وينحر ثم بنى بها فأقامت عنده حتى قتل يوم جبلة فبعث إليها أبوها أخا لها فحملت فلما ركبت بعيرها أقبلت حتى وقفت على نادي بني عبد الله بن دارم فقالت يا بني دارم اوصيكم بالغرائب خيراً فوالله ما رأيت مثل لقيط لم تخمش عليه امرأة وجهاً ولم تحلق عليه شعراً فلولا أني غربية لخمشت وحلقت فحبب الله بين نساءكم وعادى بين رعائكم فاثنوا عليها خيراً

ثم مضت حتى قدمت على ابيها فزوجها من قومه فجعل زوجها يسمعها تذكر لقيطا وتحزن عليه فقال لها أي شيء رأيت من لقيط احسن في عينك قالت خرج يوم دجن وقد تطيب وشرب فطرد البقر فصرع منها ثم أتاني وبه نضح دماء فضمني ضمة وشمني شمة فليتني مت ثمة فلم أرى منظراً كان احسن من لقيط فمكث عنه حتى إذا كان يوم دجن شرب وتطيب ثم ركب فطرد البقر ثم أتاها وبه نضح دم والطيب وريح الشراب فضمها إليه وقبلها ثم قال لها كيف ترين اانا أم لقيط فقالت ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان فذهبت مثلا وصداء ركية ليس في الأرض ركية أطيب منها وقد ذكرها التميمي في شعره
( أني وتهيامي بزينب كالذي ... يخالس من احواض صداء مشربا )
( يرى دون برد الماء هولا وذادة ... إذا اشتد صاحوا قبل أن يتحببا )
يقول قبل أن يروى يقال تحببت من الشراب أي رويت وبضعت منه ايضاً أي رويت منه والتحبب الري
صوت
( وكاتبه في الخد بالمسك جعفرا ... بنفسي مخط المسك من حيث أثرا )
( لئن كتبت في الخد سطراً بكفها ... لقد أودعت قلبي من الحب اسطرا )
( فيا من لمملوك لملك يمينه ... مطيع لها فيما اسر واظهرا )

( ويا من هواها في السريرة جعفر ... سقى الله من سقيا ثناياك جعفرا ) الشعر لمحبوبة شاعرة المتوكل والغناء لعريب خفيف رمل مطلق

أخبار محبوبة
كانت محبوبة مولدة من مولدات البصرة شاعرة شريفة مطبوعة لا تكاد فضل الشاعرة اليمامية أن تتقدمها وكانت محبوبة اجمل من فضل واعف وملكها المتوكل وهي بكر اهداها له عبد الله بن طاهر وبقيت بعده فما طمع فيها أحد وكانت أيضا تغني غناء ليس بالفاخر البارع
فاقت علي بن الجهم في سرعة البديهة
أخبرني بذلك جحظة عن احمد بن حمدون واخبرني جعفر بن قدامة قال
حدثني علي بن يحيى المنجم كان علي بن الجهم يقرب من أنس المتوكل جدا ولا يكتمه شيئا من سره مع حرمه و أحاديث خلواته فقال له

يوما أني دخلت على قبيحة فوجدتها قد كتبت اسمي على خدها بغالية فلا و الله ما رأيت شيئا احسن من سواد تلك الغالية على بياض ذلك الخد فقل في هذا شيئا قال وكانت محبوبة حاضرة للكلام من وراء الستر وكان عبد الله بن طاهر أهداها في جملة أربعمائة وصيفة الى المتوكل قال فدعا علي بن الجهم بدواة فإلى أن أتوه بها وابتدأ يفكر قالت محبوبة على البديهة من غير فكر ولا روية
( وكاتبةٍ بالمسك في الخدِّ جعفَرا ... بنفسي فخطُّ المسكِ من حيث أثَّرَا )
( لئن كتبتْ في الخد سطراً بكَفِّها ... لقد أودعتْ قلبي من الحبِّ أسطرَا )
( فيا مَنْ لمملوك لِملكِ يمينه ... مطيعٍ له فيما أسرَّ وأظهرَا )
( ويا من مناها في السريرةِ جعفرُ ... سقى الله من سُقيا ثَناياك جعفرَا )
قال وبقي علي بن الجهم واجما لا ينطق بحرف وأمر المتوكل بالأبيات فبعث بها إلى عريب أمر أن تغني فيها قال علي بن يحيى قال علي بن الجهم بعد ذلك تحيرت والله وتقلبت خواطري فو الله ما قدرت على حرف واحد أقوله

شعرها في تفاحة
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني ابن خرداذبه قال حدثني علي بن الجهم قال كنت يوما عند المتوكل وهو يشرب ونحن بين يديه

فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلفة فقلبتها وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب ثم خرجت جارية لها ومعها رقعة فدفعتها إلى المتوكل فقرأها وضحك ضحكا شديدا ثم رمى بها إلينا فقرأناها وإذا فيها
( يا طيب تُفاحة خلوتُ بها ... تُشعل نارَ الهوى على كَبِدي )
( أبكي ليها وأشتكي دَنَفِي ... وما ألاقي من شدَّة الكَمَدِ )
( لو أن تفاحةً بكت لبكت ... من رحمتي هذه التي بيدي )
( أن كنتِ لا ترحمين ما لقيتْ ... نفسي من الجهد فارحمي جسدي )
قال فو الله ما بقي أحد إلا استظرفها واستملحها وأمر المتوكل فغني في هذا الشعر صوت شرب عليه بقية يومه
حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم
أن جواري المتوكل تفرقن بعد قتله فصار إلى وصيف عدة منهن وأخذ محبوبة فيمن أخذ فاصطبح يوما وأمر بإحضار جواري المتوكل فأحضرن عليهن الثياب الملونة والمذهبة والحلي وقد تزين وتعطرن إلا محبوبة فإنها جاءت مرهاء متسلبة عليها ثياب بياض غير فاخرة حزنا على المتوكل فغنى الجواري جميعا وشربن وطرب وصيف وشرب ثم قال لها يا محبوبة غني فأخذت العود وغنت وهي تبكي وتقول
( ايُّ عيش يطيبُ لي ... لا أرى فيه جعفرَا )
( ملكا قد رأَته عَيْنِي ... قتيلاً معفَّرَا )

( كلُّ من كان ذا هُيامٍ ... وحزن فقد برَا )
( غير محبوبةَ التي ... لو ترى الموتَ يُشترَى )
( لا شترته بمِلكها ... كُلُّ هذا لتُقبرَا )
( إن مَوْتَ الكئيبِ أصْلَح ... ُ من أن يعمِّرَا )
فاشتد ذلك على وصيف وهم بقتلها وكان بغا حاضرا فاستوهبها منه فوهبها له فأعتقها وأمر بإخراجها وان تكون بحيث تختار من البلاد فخرجت من سر من رأى إلى بغداد وأخملت ذكرها طول عمرها

خصام وصلح مع المتوكل
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني ملاوي الهيثمي قال قال لي علي بن الجهم
كانت محبوبة أهديت إلى المتوكل أهداها إليه عبد الله بن طاهر في جملة أربعمائة جارية وكانت بارعة الحسن والظرف والادب مغنية محسنة فحظيت عند المتوكل حتى انه كان يجلسها خلف ستارة وراء ظهره إذا جلس للشرب فيدخل رأسه إليها ويحدثها ويراها في كل ساعة
فغاضبها يوما وهجرها ومنع جواريه جميعا من كلامها ثم نازعته نفسه إليها و أراد ذلك ثم منعته العزة وامتنعت من ابتدائه إدلالا عليه بمحلها منه قال علي بن الجهم فبكرت إليه يوما فقال لي أني رأيت البارحة محبوبة في نومي كأني قد صالحتها فقلت أقر الله عينك يا أمير المؤمنين و أنامك على خير وأيقظك على سرور وأرجوا أن يكون هذا الصلح في اليقظة فبينا هو يحدثني واجيبه إذا بوصيفة قد جاءته فأسرت إليه شيئا فقال لي أتدري ما أسرت هذه إلي قلت لا قال حدثتني أنها

اجتازت بمحبوبة الساعة وهي في حجرتها تغني أفلا تعجب من هذا إني مغاضبها وهي متهاونة بذلك لا تبدؤني بصلح ثم لا ترضى حتى تغني في حجرتها قم بنا يا علي حتى نسمع ما تغني ثم قام وتبعته حتى انتهى إلى حجرتها فإذا هي تغني وتقول
( أدُور في القصر لا أرى أحداً ... اشكو إليه ولا يكلِّمُني )
( حتى كأني ركبتُ معصيةً ... ليستْ لها توبةُ تُخلِّصني )
( فهل لنا شافعُ إلى مَلِكٍ ... قد زارني في الكَرى فصالحني )
( حتى إذا ما الصباحُ لاح لنا ... عاد إلى هجره فصارمني )
فطرب المتوكل وأحست بمكانه فأمرت خدمها فخرجوا إليه وتنحينا وخرجت إليه فحدثته إنها رأته في منامها وقد صالحها فانتبهت وقالت هذه الأبيات وغنت فيها فحدثها هو أيضا برؤياه واصطلحا وبعث إلى كل واحد منا بجائزة وخلعة
ولما قتل تسلى عنه جميع جواريه غيرها فإنها لم تزل حزينة متسلبه هاجرة لكل لذة حتى ماتت ولها فيه مراث كثيرة

صوت
( يا ذا الَّذي بعذابي ظلَّ مفتخرا ... هل أنت إلا مليكُ جارَ إذ قَدَرا )
( لولا الهوى لتجازينا على قَدَرٍ ... وإن أُفِقْ منه يوما ما فسوف تَرَى )
الشعر يقال انه للواثق انه للواثق قال في خادم له غضب عليه ويقال أن أبا حفص الشطرنجي قاله له
والغناء لعبيدة الطنبورية رمل مطلق وفيه لحن للواثق آخر قد ذكر في

أخبار عبيدة الطنبورية
كانت عبيدة من المحسنات المتقدمات في الصنعة و الآداب يشهد لها بذلك إسحاق وحسبها بشهادته وكان أبو حشيشة يعظمها ويعترف لها بالرياسة والأستاذية وكانت من احسن الناس وجها وأطيبهم صوتا ذكرها جحظة في كتاب الطنبوريين والطنبوريات وقرأت عليه خبرها فيه فقال كانت من المحسنات وكانت لا تخلو من عشق ولم يعرف في الدنيا امرأة اعظم منها في الطنبور وكانت لها صنعة عجيبة فمنها في الرمل
( كن لي شفيعاً إليكا ... إن خفَّ ذاك عليكا )
( وأعفني من سؤالي ... سواك ما في يديكا )
( يا مَنْ أُعِزُّ و أهوَى ... مالي أهونُ عليكا )
غنت في حضرة إسحاق الموصلي دون أن تعرفه
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق قال قال لي علي بن الهيثم اليزيدي

كان أبو محمد يعني أبي رحمه الله إسحاق بن إبراهيم الموصلي يألفني ويدعوني ويعاشرني فجاء يوما إلى أبي الحسن إسحاق بن إبراهيم فلم يصادفه فرجع ومر بي وأنا مشرف من جناح لي فوقف وسلم علي وأخبرني بقصته وقال هل تنشط اليوم للميسر إلي فقلت له ما على الأرض شيء احب إلي من ذلك ولكني أخبرك بقصتي ولا أكتمك
فقال هاتها فقلت عندي اليوم محمد بن عمرو بن مسعدة وهارون بن احمد بن هشام وقد دعونا عبيدة الطنبورية وهي حاضرة والساعة يجيء الرجلان فامض في حفظ الله فإني أجلس معهم حتى تنتظم أمورهم و أروح إليك فقال لي فهلا عرضت علي المقام عندك فقلت له لو علمت أن ذلك مما تنشط له و الله لرغبت إليك فيه فإن تفضلت بذلك كان اعظم لمئتك فقال أفعل فإني قد كنت أشتهي أن أسمع عبيدة ولكن لي عليك شريطة قلت هاتها قال إنها أن عرفتني وسألتموني أن اغني بحضرتها لم يخف عليها أمري وانقطعت فلم تصنع شيئا فدعوها على جبلتها فقلت إفعل ما أمرت به فنزل ورد دابته وعرفت صاحبي ما جرى فكتماها آمره وأكلنا ما حضر وقدم النبيذ فغنت لحنا لها تقول
( قريبُ غيرُ مقتربِ ... ومؤتلِفُ كمجتنِبِ )
( له وُدَّي ولي منه ... داوعي الهم والكُرَب )
( أواصلُه على سَببٍ ... ويهجُرني بلا سبب )
( وَيظلمُني على ثقةٍ ... بإنّ إليهِ مُنْقَلَبي )
فطرب إسحاق وشرب نصفا ثم غنت وشرب نصفا ولم يزل

كذلك حتى والى بين عشرة أنصاف وشربناها معه وقام ليصلي فقال لها هارون بن احمد بن هشام ويحك يا عبيدة ما تبالين والله متى مت قالت ولم قال أتدرين من المستحسن غناءك والشارب عليه ما شرب قالت لا و الله قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي فلا تعرفيه انك قد عرفته فلما جاء إسحاق ابتدأت تغني فلحقتها هيبة له واختلاط فنقصت نقصانا بينا فقال لنا أعرفتموها من أنا فقلنا له نعم عرفها إياك هارون بن احمد فقال إسحاق نقوم إذا فننصرف فإنه لا خير في عشرتكم الليلة ولا فائدة لي ولا لكم فقام فانصرف
حدثني بهذا الخبر جحظة عن جماعة منهم العباس بن أبي العبيس فذكر مثله وقال فيه أن الصوت الذي غنته
( يا ذا الذي بِعذَابي ظلَّ مفتخراً ... )
قدمها مسدود على نفسه
حدثني جحظة قال حدثني محمد بن سعيد الحاجب قال حدثني ملاحظ غلام أبي العباس بن الرشيد وكان في خدمة سعيد الحاجب قال
اجتمع الطنبوريون عند أبي العباس بن الرشيد يوما وفيهم المسدود وعبيدة فقالوا للمسدود غن فقال لا و الله لا تقدمت عبيدة وهي الأستاذة فما غنى حتى غنت
و حدثني جحظة قال حدثني شرائح الخزاعي صاحب ساباط شرائح بسويقة نصر وساباط شرائح مشهور قال

كانت عبيدة تعشقني فتزوجت فمرت بي يوماً فسألتها الدخول الي فقالت يا كشخان كيف أدخل إليك وقد أقعدت في بيتك صاحب مصلحة ولم تدخل
وحدثني جحظة قال
وهب لي جعفر بن المأمون طنبورها فإذا عليه مكتوب بأبنوس
( كل شيء سوى الخيانة ... في الحُبَّ يُحْتَمَلْ )
أخبار عن فسقها وفجورها
وحدثني جحظة وجعفر بن قدامة وخبر جعفر أتم إلا أني قرأته على جحظة فعرفه وذكر لي انه سمعه قالا جميعا حدثنا احمد بن الطيب السرخسي قال
كان علي بن أحمد بن بسطام المروزي وهو ابن بنت شبيب بن واج وشبيب أحد النفر الذي سترهم المنصور خلف قبته يوم قتل أبا مسلم وقال لهم إذا صفقت فاخرجوا فاضربوه بسيوفكم ففعل وفعلوا فكان علي بن احمد هذا يتعشق عبيدة الطنبورية وهو شاب وانفق عليها مالا جليلا فكتبت إليه أسأله عن خبرها ومن هي ومن أين خرجت فكتب الي كانت عبيدة بنت رجل يقال له صباح مولى أبي السمراء الغساني نديم عبد الله بن

طاهر وأبو السمراء أحد العدة الذين وصلهم عبد الله بن طاهر في يوم واحد لكل رجل منهم مائة ألف دينار وكان الزبيدي الطنبوري أخو نظم العمياء يختلف إلى أبي السمراء وكان صباح صاحب أبي السمراء فكان الزبيدي إذا سار إلى أبي السمراء فلم يصادفه أقام عند صباح والد عبيدة وبآت وشرب وغنى و انس وكان لعبيدة صوت حسن وطبع جيد فسمعت غناء الزبيدي فوقع في قلبها واشتهته وسمع الزبيدي صوتها وعرف طبعها فعلمها وواظب عليها ومات أبوها ورقت حالها وقد حذقت الغناء على الطنبور فخرجت تغني وتقنع باليسير وكانت مليحة مقبولة خفيفة الروح فلم يزل أمرها يزيد حتى تقدمت وكبر حظها واشتهاها الناس وحلت تكتها وسمحت ورغب فيها الفتيان فكان أول من تعشقها علي بن الفرج الرخجي أخو عمر وكان حسن الوجه كثير المال فكنت أراها عنده وكنا نتعاشر على الفروسية ثم ولدت من علي بن الفرج بنتا فحجبها لأجل ذلك فكانت تحتال في الأوقات بعلة الحمام وغيره فتلم بمن كانت توده ويودها فكنت ممن تلم به وأنا حينئذ شاب ورثت عن أبي مالا عظيما وضياعا جليلة ثم ماتت بنتها من علي بن الفرج وصادف ذلك نكبتهم واختلال حال علي بن الفرج فطلقها فخرجت فكانت تخرج بدينارين للنهار ودينارين لليل واعترت بأبي السمراء ونزلت في بعض دوره
وتزوجت أمها بوكيل له فتعشقت غلاما من آل حمزة بن مالك يقال له شرائح وهو صاحب ساباط شرائح ببغداد وكان يغني بالمعزفة غناء

مليحا وكان حسن الوجه لا عيب في جماله إلا انه كان متغير النكهة وكانت شديدة الغلمة لا تحرم أحدا ولا تكرهه من حد الكهول إلى الطفل حتى تعلقت شابا يعرف بأبي كرب بن أبي الخطاب مشرط الوجه أفطس قبيحا شديد الأدمة فقيل لها أي شيْ رأيت في أبي كرب فقالت قد تمتعت بكل جنس من الرجال إلا السودان فان نفسي تبشعهم وهذا بين الأسود والابيض وبيته فارغ لما أريد وهو صفعاني إذا أردت ووكيلي إذا أردت قال وكان لها غلام يضرب عليها يقال له علي ويلقب ظئر عبيدة فكانت إذا خلت في البيت وشبقت اعتمدت عليه وقالت هو بمنزلة بغل الطحان يصلح للحمل والطحن والركوب
وكان عمروبن بانة إذا حصل عنده إخوان له يدعوها لهم تغنيهم مع جواريه وإنما عرفها من داري لانه بعث يدعوني فدخل غلامه قرآها عندي فوصفها له فكتب إلي يسألني أن أجيئه بها معي ففعلت وكان عنده محمد بن عمرو بن مسعدة والحارث بن جمعة والحسن بن سليمان البرقي وهارون بن احمد بن هشام فعدلوا كلهم إلى استماع غنائها والاقتراح له والإقبال عليه ومال إليها جواريه وما خرجت إلا وقد عقدت بين الجماعة مودة وكان جواري عمرو بن بانة يشتقن إليها فيسألنه أن يدعوها فيقول لهن ابعثن إلى علي حتى يبعث بها إليكن فإنه يميل إليها وهو

صديقي و أخشى أن يظن أني قد أفسدتها عليه ولم يكن به هذا إنما كان به الديناران اللذان يريد أن يحدرها بهما وكان عمرو من أبخل الناس وكان صوت إسحاق بن إبراهيم عليها
( يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ... )
وكان صوت علويه ومخارق عليها
( قريب غير مقترب ... )
وهذان الصوتان جميعا من صنعتها

إسحاق يرثيها
وكان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يشتهي أن يسمعها ويمنع نفسه ذلك لتيهه ولبدمكته وتوقيه أن يبلغ المعتصم عنه شيء يعيبه وماتت عبيدة من نزف أصابها فأفرط حتى أتلفها
وفي عبيدة يقول بعض الشعراء ومن الناس من ينسبه إلى إسحاق
( أمست عُبيدةُ في الاحسان واحدةً ... فاللهُ جارُ لها من كلَّ محذور )
( من احسَنِ الناس وجها حين تُبصرُها ... وأحذقِ الناس أن غنّت بطنبور )
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال سمعت إسحاق يقول الطنبور إذا تجاوز عبيدة هذيان

صوت
( سَقِمتُ حتى ملَّني العائُد ... وذبتُ حتى شَمِتَ الحاسدُ )
( وكنتُ خِلواً من رسيسِ الهوى ... حتى رماني طرفُك الصائدُ )
الشعر فيما أخبرني به جحظة لخالد الكاتب ووجدته في شعر محمد بن أمية له والغناء لأحمد بن صدقة الطنبوري رمل مطلق
وقد مضت أخبار خالد الكاتب و محمد بن أمية ونذكر ها هنا أخبار احمد بن صدقة

أخبار أحمد بن صدقة
هو احمد بن صدقة بن أبي صدقة وكان أبوه حجازيا مغنيا قدم على الرشيد وغنى له وقد ذكرت أخباره في صدر هذا الكتاب
وكان احمد بن صدقة طنبوريا محسنا مقدما حاذقا حسن الغناء محكم الصنعة وله غناء كثير من الأرمال و الأهزاج وما جرى مجراها من غناء الطنبوريين وكان ينزل الشام فوصف للمتوكل فأمر بإحضاره فقدم عليه وغناه فاستحسن غناءه وأجزل صلته واشتهاه الناس وكثر من يدعوه فكسب بذلك اكثر مما كسبه مع المتوكل أضعافا
أخبرني بذلك جحظة و قال
كانت له صنعة ظريفة كثيرة ذكر منها الصوت المتقدم ذكره ووصفه وقرظه وذكر بعده هذا الصوت
( وشادنٍ ينطِق بالظَّرفِ ... حُسنُ حبيبي منتهى الوصفِ )
( هام فؤادي وجرت عَبْرتي ... لا بَعُدَ الإلْفُ من الإلفِ )
قال وهو رمل مطلق ولو حلفت أنهما ليسا عند أحد من مغني زماننا إلا عند واحد ما حنثت يعني نفسه

خبره مع خالد بن يزيد
حدثني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني احمد بن صدقة قال
اجتزت بخالد بن يزيد الكاتب فقلت له أنشدني بيتين من شعرك حتى اغني فيهما قال و أي حظ لي في ذلك تأخذ أنت الجائزة و أحصل أنا الإثم فحلفت له أني أن أفدت بشعرك فائدة جعلت لك فيها حظا أو أذكرت به الخليفة وسألته فيك أما الحظ من جهتك فأنت أنزل من ذلك ولكن عسى أن تفلح في مسألة الخليفة ثم أنشدني
( تقولُ سلا فمن المدْنَفُ ... ومَنْ عينُه أبداً تَذْرِفُ )
( ومَنْ قلبُه قَلِق خافقُ ... عليك وأحشاؤُه ترجُف )
فلما جلس المأمون للشرب دعاني وقد كان غضب على حظية له فحضرت مع المغنين فلما طابت نفسه وجهت إليه بتفاحة من عنبر عليها مكتوب بالذهب يا سيدي سلوت وعلم الله أني ما عرفت شيئا من الخبر
و انتهى الدور الي فغنيت البيتين فاحمر وجه المأمون وانقلبت عيناه وقال لي يا بن الفاعلة ألك علي وعلى حرمي صاحب خبر فوثبت و قلت يا سيدي ما السبب فقال لي من أين عرفت قصتي مع جاريتي فغنيت في معنى ما بيننا فحلفت له أني لا أعرف شيئا من ذلك و حدثته حديثي مع خالد فلما انتهيت إلى قوله أنت انزل من ذلك ضحك وقال صدق وإن هذا الاتفاق ظريف ثم أمر لي بخمسة آلاف درهم ولخالد بمثلها

دخل على المأمون يوم السعانين
أخبرني محمد قال حدثنا حماد قال حدثني أحمد بن صدقة قال
دخلت على المأمون في يوم السعانين وبين يديه عشرون وصيفة جلبا روميات مزنرات قد تزين بالديباج الرومي وعلقن في أعناقهن صلبان الذهب وفي أيديهن الخوص و الزيتون فقال لي المأمون ويلك يا أحمد قد قلت في هؤلاء أبياتا فغنني فيها
ثم أنشدني قوله
( ظباءُ كالدنانير ... مِلاحُ في المقاصيرِ )
( جَلاهُنَّ السعانينُ ... علينا في الزنانيرِ )
( و قد زَرَّفن أصدَاغاً ... كأذنابِ الزرازيرِ )
( وأقبلنَ بأوساطٍ ... كَأوساط الزنابير )
فحفظتها وغنيته فيها فلم يزل يشرب و ترقص الوصائف بين يديه أنواع الرقص من الدستبند إلى الإيلا حتى سكر فأمر لي بألفِ

دينار و أمر بأن ينثر على الجواري ثلاثة آلاف دينار فقبضت الألف ونثرت الثلاثة الألاف عليهن فانتهبتها معهن
حدثني جحظة قال حدثني جعفر بن المأمون قال
اجتمعنا عند الفضل بن العباس بن المأمون ومعنا المسدود بن صدقة وكان أحمد قد حلق في ذلك اليوم رأسه فاستعجلوا بسلافة كانت لهم فأخذ المسدود سكرجة خردل فصبها على راس أحمد بن صدقة و قال كلوا هذه حتى تجيء تلك فحلف أحمد بالطلاق إلا يقيم فانصرف ولما كان من غد جمعهما الفضل بن العباس فتقدم المسدود ودخل أحمد وطنبور المسدود موضوع فجسه ثم قال من كان يسبح في هذا الماء فلما انتفعنا بالمسدود سائر يومه على أن الفضل قد خلع عليهما وحملهما
ولم يزل أحمد مقيما حتى بلغه موت بنية له بالشأم فشخص نحو منزله وخرج عليه الأعراب فأخذوا ما معه وقتلوه
قال جحظة
وقال بعض الشعراء يهجو احمد بن صدقة وكانت له صديقة فقطعته فعيره بذلك و نسبها إلى إنها هربت منه لانه أبخر
( هربتْ صديقة أحمدٍ ... هربتْ من الرِّيقِ الرّدِي )
( هربت فإن عادت إلى ... طُنبورِه فاقطعْ يدي )

صوت
( ألم تعلَموا أني تُخاف عَرامتي ... و أن قَناتي لا تلينُ على القَسْر )
( و إني و إياكم كمن نبَّه القَطا ... ولو لم تُنبَّه باتت الطيرُ لا تسْري )
( أناةً و حلماً و انتظاراً بكم غداً ... فما أنا بالواني ولا الضَّرَع الغُمر )
( أظُنُّ صروفَ الدهر والجهل منكمُ ... ستحملكم منِّي على مَركَب وَعْر )
الشعر للحارث بن وعلة الجرمي و الغناء لابن جامع ثقيل بالبنصر عن عمرو وفيه لسياط لحن ذكره إبراهيم ولم يجنسه و قيل أن الشعر لوعلة نفسه

أخبار الحارث بن وعلة
اسمه و نسبه
الحارث بن وعلة بن عبد الله بن الحارث بن بلع بن سبيلة بن الهون بن أعجب بن قدامة بن حرم بن زبان وهو علاف و إليه تنسب الرحال العلافية وهو أول من اتخذها بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وقد ذكرت متقدما الاختلاف في قضاعة ومن نسبه معديا ومن نسبه حميريا
و الرحال العلافية مشهورة عند الناس قد ذكرتها الشعراء في أشعارها قال ذو الرمة
( وليلٍ كجلباب العَروس ادرعتُه ... بأربعة و الشَّخصُ في العين واحدُ )
( أحَمُّ عِلافيِّ وأبيضُ صارمُ ... وأعيسُ مَهْريُّ وأروعُ ماجدُ )

وكان وَعلة الجرمي وابنه الحارث من فرسان قضاعة و أنجادها و أعلامها وشعرائها وشهد وعلة الكلاب الثاني فأفلت بعد أن أدركه قيس بن عاصم المنقري و طلبه فقاته ركضا و عدوا و خبره يذكر بعد هذا في موضعه أن شاء الله تعالى
فأخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال
كتب عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث إلى الحجاج متبدئا أما بعد فإن مثلي و مثلك كما قال القائل
( سائلْ مُجاورَ جَرمْ هل جنيتُ لها ... حَرْبا تفرقّ بين الجِيرة الخُلُطِ )
( أم هل دلفتُ بجرُّار له لَجبُ ... يَغشَى الأماعيزَ بين السَّهل و الفُرُط )
والشعر لوعلة الجرمي هذا مثلي و مثلك فسأحملك على أصبعه وأريحك من مركبه
فكتب الحجاج بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه جوابه أما بعد فإني قد أجبت عدو الرحمن بلا حول ولا قوة إلا بالله و لعمر الله لقد صدق و خلع سلطان الله بيمينه و طاعته بشماله و خرج من الدين عريانا كما ولدته أمه
ثم لم يصبر عبد الملك على أن يدع جوابه بشعر فقال وعلى أن مثلي و مثله ما قال الآخر

( أناة وحِملاً وانتظاراً بكُم غدا ... فما أنا بالوانِي ولا الضرَعِ الغَمْر )
( أظُنّ صروفَ الدهر و الجهلَ منهمُ ... ستحمِلُهم منّي على مَركَب وعْرِ )
فليت شعري أسما عدو الرحمن لدعائم دين الله يهدمها أم رام الخلافة أن ينالها وأوشك أن يوهن الله شوكته فاستعن بالله واعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
قال مؤلف هذا الكتاب الشعر الذي تمثل به عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لوعلة الجرمي والشعر الذي تمثل به عبد الملك لابنه الحارث بن وعلة
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثني طلحة بن عبد الله الطلحي عن احمد بن إبراهيم عن أبي عبيدة قال
قتلت نهد أخا وعلة الجرمي فاستعان بقومه فلم يعينوه فاستعان بحلفاء من بني نمير و كانوا له حلفاء و إخوانا فأعوناه حتى أدرك بثأره فقال في ذلك
( سائل مُجاورَ جَرم هل جنيتُ لها ... حربا تُزيِّل بين الجيرة الْخُلطُ )
( أم هل علوتُ بجرَّار له لُجبُ ... يغشى المخارمَ بين السهل والفُرُط )
( حتى تركتُ نساءَ الحي ضاحيةً ... في ساحة الدار يستوقدْن بالغُبُط )

فراره من قيس بن عاصم
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال

خرج رجل من بني تميم انه قيس بن عاصم قال الرياشي و حقق أبو عبيدة انه قيس يوم الكلاب يلتمس أن يصيب رجلا من ملوك اليمن له فداء فبينا هو في ذلك إذ أدرك وعلة الجرمي وعليه مقطعات له فقال له على يمينك قال على يساري أقصد لي قال هيهات منك اليمن قال العراق مني أبعد قال انك لن ترى أهلك العام قال ولا أهلك تراهم و جعل وعلة يركض فرسه فإذا ظن إنها قد أعيت وثب عنها فعدا معها وصاح بها فتجري وهو يجاريها فإذا أعيا وثب فركبها حتى نجا فسأل عنه قيس فعرف انه وعلة الجرمي فانصرف و تركه فقال وعلة في ذلك
( فِدىً لكما رحْليَّ أمّي و خالتي ... غداة الكُلاب إذ تُحَزُّ الدَّوابرُ )
( نجوتُ نجاء لم ير الناسُ مثلَه ... كأنّي عقابُ عند تَيْمن كاسِرُ )
( ولما رأيت الخيلَ تدعو مُقاعِساُ ... تنازعني من ثغرةِ النحر جائِز )
( فإن استطع لا تلتبسْ بي مُقاعِسُ ... ولا يرني ميدنهم و المحاضر )
( ولا تك لي جرَّارة مضريِّةُ ... إذا ما غدت قوت العيال تُبادر )
أما قوله تحز الداوبر فان أهل اليمن لما انهزموا قال قيس بن عاصم لقومه لا تشتغلوا بأسرهم فيفوتكم أكثرهم ولكن اتبعوا المنهزمين فجزوا أعصابهم من أعقابهم ودعوهم في مواضعهم فإذا لم يبق أحد رجعتم إليهم فأخذتموهم ففعلوا ذلك أهل اليمن يومئذ ثمانية آلاف عليهم

أربعة املاك يقال لهم اليزيدون وهم يزيد بن عبد المدان ويزيد بن هوبر و يزيد بن المأمور و يزيد بن مخزم هؤلاء الأربعة اليزيدون و الخامس عبد يغوث بن وقاص فقتل اليزيدون أربعتهم في الوقعة و أسر عبد يغوث بن وقاص فقتلته الرباب برجل منها وقد ذكر خبر مقتله متقدما في

صوت
يغني فيه وهو
( إلا لا تلوماني كفى اللومَ مَابيا ... )
وأما قوله
( ولما رأيتُ الخيلَ تدعو مُقاعِساً ... )
فإن بني تميم لما التقت مع بني الحارث بن كعب في هذا اليوم تداعت تميم في المعمعة يا آل كعب فتنادى أهل اليمن يا آل كعب فتنادوا يا آل الحارث فتنادى أهل اليمن يا آل الحارث فتنادوا يا آل مقاعس وتميزوا بها من أهل اليمن
صوت
( و الله لا نظرتْ عيني إليكَ ولو ... سالتَ مَساربها شوقاً إليكَ دَمَا )
( أن كنت خنتُ ولم أضمر خيانتكمْ ... فالله يأخذ ممن خانَ أو ظَلمَا )
( سماجة لمُحبِّ خان صاحَبه ... ما خان قطُّ محبُّ يعرف الكرَمَا )
الشعر لعلي بن عبد الله الجعفري و الغناء للقاسم بن زرزور و لحنه ثقيل أول مطلق ابتداؤه نشيد و كان إبراهيم بن أبي العبيس يذكر انه لأبيه

أخبار علي بن عبد الله بن جعفر و نسبه
هو علي بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليهم السلام و أمه ولادة بنت الحجل بن عنبسة بن سعيد بن العاصي بن أمية
شاعر ظريف حجازي كان عمر بن الفرج الرخجي حمله من الحجاز إلى سر من رأى مع من حمل من الطالبيين فحبسه المتوكل معهم
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود الزرقي قال حدثنا عمر بن عثمان الزهري المعروف بابن أبي قباحة قال
رفع عمر بن الفرج علي بن عبد الله بن جعفر الجعفري إلى المتوكل أيام حج المنتصر فحبسه المتوكل لأنه كان شيخ القوم وكبيرهم وكان أغلظ لعمر بن الفرج
كان متديثا في شعره
قال علي بن عبد الله مكثت في الحبس مدة فدخل علي رجل من الكتاب يوما فقال أريد هذا الجعفري الذي تديث في شعره فقلت له إلي فأنا هو فعدل إلي وقال جعلت فذاك أحب أن تنشدني بيتيك اللذين

تديثت فيهما فأنشدته
( ولما بدَا لي أنهما لا تودني ... و أن هواها ليس عني بمُنجَلِ )
( تمنيّتُ أن تهوى سواي لعلَّها ... تذوقُ حراراتِ الهوى فترقَّ لي )
قال فكتبهما ثم قال لي اسمع جعلت فداك بيتين قلتهما في الغيرة فقلت هاتهما فأنشدني
( ربما سرُّني صدودُك عنيِّ ... في طلابيكِ وامتناعكِ منِّي )
( حذراً أن أكونَ مِفتاح غيري ... فإذا ما خلوت كنت التَّمَنِّي )

انفته و كبرياؤه
حدثني اليزيدي قال حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود قال أخبرني العباس بن عيسى العقيلي أن علي بن عبد الله الجعفري أنشده
( والله والله ربِّي ... وتلكَ أقصى يَميني )
( لو شئتُ إلا أصلِّي ... لما وضعت جَبيني )
حدثنا اليزيدي قال حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود قال أخبرني العباس بن عيسى قال حدثني علي بن عبد الله الجعفري قال
مرت بي امرأة في الطواف و أنا جالس أنشد صديقا لي هذا البيت
( أهوىَ هَوى الدين واللذاتُ تُعجبني ... فكيفَ لي بهوى اللذات والدين )
فالتفتت المرأة إلي و قالت دع أيهما شئت وخذ الآخر
حدثنا اليزيدي قال حدثنا محمد بن الحسن الزرقي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال أنشدني علي بن عبد الله بن جعفر الجعفري لنفسه
( و الله لا نظرتْ عيني إليكَ ولو ... سالت مساربُها شوقا إليكَ دما )

( إلا مفاجأة عند اللقاء ولا ... نازعتكِ الدهرَِ إلا ناسياً كَلما )
( أن كنت خُنت ولم أضمرْ خيانتكمْ ... فا لله يأخذ ممن خان أو ظلما )
( سماجَةُ لمحبِّ خان صاحبَه ... ما خان قطُّ محبُّ يَعرف الكَرَما )
قال عبد الله بن شبيب علي بن عبد الله لنفسه

صوت
( وقف الهوى بي حيثُ أنت فليس لي ... متأخَّر عنه ولا مُتقدَّمُ )
( أجد الملامةَ في هواكِ لذيذةً ... حُبّاُ لذكركِ فلْيلٌمني اللُّوَّمُ )
( وَ أهَنِتِني فأهنت نفِسيَ جاهداً ... ما من يهون عليك ممن يُكرمُ )
( أشبهتِ أعدائي فَصِرتُ أحِبُّهم ... إذ صار حظي منكِ حظيَ منهمُ )
صوت
( أتعرفُ رسمَ الدار من أمِّ معبدِ ... نعم فرماكَ الشوقُ قبل التجلُّد )
( فيالكَ مِنْ شوقٍ ويا لكَ عبَرة ... سوابقُها مِثل الجُمانِ المبدَّد )
الشعر لعتيبة بن مرداس المعروف بابن فسوة والغناء لجميلة خفيف ثقيل بالبنصر عن ابن المكي
وذكر الهشامي أن فيه لمعبد لحنا من الثقيل الأول وانه يظنه مكن منحول يحيى إليه

أخبار عتيبة ونسبه
عتيبة بن مرداس أحد بني كعب بن عمرو بن تميم لم يقع إلي من نسبه غير هذا وهو شاعر مقل غير معدود في الفحول مخضرم ممن أدرك الجاهلية والإسلام هجاء خبيث اللسان بذي
سبب تلقيبه بابن فسوة
وابن فسوة لقب لزمه في نفسه و لم يكن أبوه يلقب بفسوة إنما لقب هو بهذا وقد اختلف في سبب تلقيبه بذلك فذكر إسحاق الموصلي عن أبي عمرو الشيباني نسخت ذلك من كتاب إسحاق بخطه
أن عتيبة بن مرداس كان فاحشا كثير الشر قد أدرك الجاهلية فأقبل ابن عم له من الحج وكان من أهل بيت منهم يقال لهم بنو فسوة فقال لهم عتيبة كيف كنت يا بن فسوة فوثب مغضبا فركب راحلته و قال بئس لعمر الله ما حييت به ابن عمك قدم عليك من سفر و نزل دارك فقام إليه عتيبة مستحييا وقال له لا تغضب يا بن عم فإنما مازحتك فأبى أن ينزل فقال له انزل و أنا اشتري منك هذا الاسم فاتسمى به وظن أن ذلك لا يضره قال لا أفعل أو تشتريه مني بمحضر من العشيرة قال نعم فجمعهم وأعطاه بردا وجملا وكبشين وقال لهم عتيبة اشهدوا أني قد قبلت هذا النبز و أخذت الثمن و أني ابن فسوة فزالت عن ابن عمه يومئذ

وغلبت عليه وهجي بذلك فقال فيه بعض الشعراء
( أوَدى ابنُ فسوة إلا نَعْتَه الإِبلا ... )
و عمر عمرا طويلا و إنما قال
( أودى ابنُ فسوة إلا نَعْتَه الأبلا ... )
لأنه كان أوصف الناس لها وأغراهم بوصفها ليس له كبير شعر إلا وهو مضمن وصفها

سبب آخر للقبة
و أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال
إنما سمي عتيبة بن مرداس ابن فسوة لأنه كان له جار من عبد القيس فكان يتحدث إلى ابنته وكان لها حظ من جمال و كانت تعجبه ويهيم بها فكان أحداث بني تميم إذا ذكروا العبدي قالوا قال ابن فسوة و فعل ابن فسوة فأكثروا عليه من ذلك حتى مل فعمل على التحول عنهم و بلغ ذلك عتيبة فأتاه فطلب إليه أن يقيم و أن يحتمل اسمه و يشتريه منه ببعير فلم يفعل قال العبدي فتحولت عنهم وشاع في الناس انه قد ابتاع مني و غلب عليه فأنشأ عتيبة يقول من كلمة له
( وَحوَّلَ مولانا علينا اسمَ أُمه ... إلا رُبَّ مولىَّ ناقص غير زُائدِ )
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي وابن دأب وابن حعدبة قالوا
أتى عتيبة بن مرداس وهو ابن فسوة عبد الله بن العباس عليهما السلام وهو عامل لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه على البصرة

و تحته يومئذ شميلة بنت جنادة ابن بنت أبي أزهر الزهرانية وكانت قبله تحت مجاشع بن مسعود السلمي فأستأذن عليه فأذن له وكان لا يزال يأتي أمراء البصرة فيمدحهم فيعطونه و يخافون لسانه فلما دخل على ابن عباس قال له ما جاء بك إلي يا بن فسوة فقال له وهل عنك مقصر أو وراءك معدى جئتك لتعينني على مروءتي وتصل قرابتي فقال له ابن عباس وما مروءة من يعصي الرحمن ويقول البهتان و يقطع ما أمر الله به أن يوصل و الله لئن أعطيتك لاعيننك على الكفر و العصيان انطلق فأنا أقسم بالله لئن بلغني انك هجوت أحدا من العرب لأقطعن لسانك فأراد الكلام فمنعه من حضر وحبسه يومه ذلك ثم أخرجه عن البصرة

مدح الحسن و ابن جعفر
فوفد إلى المدينة بعد مقتل علي عليه السلام فلقي الحسن بن علي عليهما السلام وعبد الله بن جعفر عليهما السلام فسألاه عن خبره مع ابن عباس عليه السلام فأخبرهما فاشتريا عرضه بما أرضاه فقال عتيبة يمدح الحسن جعفر عليهما السلام و يلوم ابن عباس رضي الله عنهما
( أتيتُ ابنَ عباس فلم يقضِ حاجتي ... و لم يَرْجُ معروفي و لم يُخشَ منكَري )
( حُبستُ فلم أَنطق بعذر لحاجةٍ ... وسَدّ خَصاص البيت من كل منظرِ )
( وجئت و أصوات الخصوم وراءه ... كصوت الحمام في القَليب المغوَّرِ )
( ومَا أنا إذ زاحمتُ مصراعَ بابه ... بذي صَوَلة ضارٍ ولا بحزَوَّرِ )

فلو كنتُ مِن زهرانَ لم ينس حاجتي ... و لكنني مولَى جميل بنِ مَعْمَرِ )
وكان حليفا لجميل بن معمر القرشي
( وباتَتْ لعبد الله مِن دونِ حاجتي ... شُمَيلةُ تلهو بالحديث المفتَّر )
( ولم يَقتربْ من ضوء نارٍ تحثُّها ... شُميلة إلا أن تَصلَّى بمِجْمرِ )
( تُطالع أهلَ السوق و البابُ دونَهَا ... بمستفلِكِ الذِّفرى أسيل المدثَّرِ )
( إذا هي هَمّتْ بالخروج يردُّها ... عن الباب مصراعا مُنيف مجَيَّر )
وجدت بخط إسحاق الموصلي مجير محير و المحير المصهرج و الحيار الصهروج
( فليت قَلوصي عُرِّبَتْ أو رحلتُها ... إلى حَسن في داره و ابنِ جعفرِ )
( إلى ابنِ رسول الله يأمرُ بالتقى ... وللدين يدعو و الكتابِ المطهَّرِ )
( إلى معشَر لا يخصِفون نعالهم ... ولا يلبسون السَّبتَ ما لم يُحَضَّر )
( فلما عرفتُ البأسَ منه وقد بدتْ ... أيادي سَبا الحاجاتِ للمتذكِّرِ )
( تَسنِّمتُ حرجوجاً كان بُغامَها ... أحيح ابن ماء في يراعٍ مُفَجَّرِ )
( فما زلتُ في التَّسيار حتى أنختُها ... إلى ابنِ رسول الأمَّةِ المتخَّيرِ )
( فلا تَدَعُنِّي إذْ رحلتُ إليكمُ ... بني هاشم أن تُصْدروني بِمَصدرِ )

وهي قصيدة طويلة هذا ذكر في الخبر منها
وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري و احمد بن عبيد الله بن عمار عن عمر بن شبة عن المدائني مثل ما مضى أو قريبا منه ولم يتجاوز عمر بن شبة المدائني في إسناده

كان خبيث اللسان مخوف المعرة
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال قال ابن الأعرابي
كان عتيبة بن مرداس السلمي شاعرا خبيث اللسان مخوف المعرة في جاهليته وإسلامه و كان يقدم على أمراء العراق وأشراف الناس فيصيب منهم بشعره فقدم على ابن عامر بن كريز و كان جوادا فلما استؤذن له عليه أرسل إليه انك و الله ما تسأل بحسب ولا دين ولا منزلة وما أرى لرجل من قريش أن يعطيك شيئا و أمر به فلكز و أهين فقال ابن فسوة
( و كائن تخطَّتْ ناقتي وزَميلُها ... إلى ابن كُريز مِنْ نُحوسٍ وأسْعُد )
( وأغبرَ مَسْحولِ الترابِ تَرى له ... حيا طردَتْه الريحُ من كل مَطْرَدِ )
( لعمرك إني عند باب ابنِ عامر ... لكالظَّبي عند الرَّمْيَةِ المتَردِّدِ )
( فلم أر يوماّ مثله إذ تكشفت ... ضبابتُه عنِّي ولمَّا أقَيِّدِ )
فبلغ قوله ابن عامر فخاف لسانه وما يأتي به بعد هذا ورجع له وأحسن القوم رفدة و قالوا هذا شاعر فارس و شيخ من شيوخ قومه واليسير

يرضيه فقال ردوه فرد فقال له ايه يا عتيبة اردد علي ما قلت فقال ما قلت إلا خيرا قال هاته فقال قلت
( أتعرفُ رسم الدار من أم معبَدِ ... نعم فرماك الشوقُ قبلَ التجلُّدِ )
( فيا لكَ من شوقٍ ويا لك عَبرةً ... سوابقُها مِثل الجُمان المبدِّدِ )
( وكائنْ تخطتْ ناقتي وزميلُها ... إلى ابن كُريز من نحوس وأسعُدِ )
( فتى يشتري حُسنَ الثَّناء بماله ... ويعلم أنَّ المرء غيرُ مخلَّدِ )
( إذا ما ملمّاتُ الأمور اعتريْنَه ... تجلَّى الدُّجَى عن كوكب مُتوقِّد )
فتبسم ابن عامر و قال لعمري ما هكذا قلت و لكنه قول مستأنف وأعطاه حتى رضي وانصرف

ابن الأعرابي يستجيد أبياتا له فينشدها
قال وأنشدنا ابن الأعرابي له بعقب هذا الخبر و كان يستحسن هذه الأبيات و يستجيدها
( منعّمةُ لم يُغذها أهلُ بلدةٍ ... ولا أهلُ مصرٍ فْهَي هيفاءُ ناهِدُ )
( فرِيعتْ فلم تخبا و لكن تأوْدتْ ... كما انتصِّ مكحولُ المدامع فارِدُ )
( وأهوت لتنتاشَ الِّرواق فلم تَقُم ... إليه ولكن طأطأتْه الولائدُ )
( قليلة لحم الناظرَينِ يَزينها ... شبابُ ومحفوضُ من العيش بَارِدُ )
( تناهى إلى لهو الحديثِ كأنها ... أخو سَقَمٍ قد أسلمته العوائدُ )
( ترى القُرطَ منْها في قناة كأنها ... بمهلكة لولا البُرا والمَعاقِدُ )

وقال أبو عمرو الشيباني
أغار رجل من بني تغلب يقال له الهذيل بعقب مقتل عثمان على بني تميم فأصاب نعما كثيرا فورد بها ماء لبني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم يقال له سفار فإذا عليه الأسود و خالد ابنا نعيم بن قعنب بن الحارث بن عمرو بن همام بن رباح في إبل لهما قد أورداها فأراد الهذيل أخذها فتفرقت فتفرق اصحابه في طلبها وهو قائم على راس ركية من سفار فرماه أحدهما فقتله فوقع في الركية فكانت قبره ويقال بل رماه عبد اسود لمالك بن عروة المازني فقال عتيبة بن مرداس الذي يقال له ابن فسوة في ذلك
( مًنْ مبلغُ فتيان تغلبَ أنه ... خلا للهذيل من سفارِ قلِيبُ )
( إذا صوَّت الأصداء صوَّت وسطَها ... فتى تغلبيُّ في القلِيب غريبُ )
( فأعددتُ يربوعاً لِتَغلب إنهم ... أناس غذتهم فتنةُ وحروب )
( حويتَ لقاحَ ابني نُعيم بن قَعنب ... وإنك إن أحرزتها لكسوبُ )
وقال أبو عمرو أيضا
كان عبد الله بن عامر بن كريز قد تزوج أخت بشر بن كهف أحد بني خزاعة بن مازن فكان أثيراً عنده واستعمله على الحمى فسأله ابن فسوة أن يرعيه فأبى ومنعه وطرد ابله فقال في ذلك
( مَنْ يكُ أرعاه الحمى أخواتُه ... فما ليَ من أُختٍ عَوانٍ ولا بِكرِ )

( وماضرَّها أن لم تكن رعت الحمى ... ولم تطلب الخير الممنع من بشر )
( متى يجيء يوما إلى المال وارثي ... يجد قبض كف غير ملأى ولا صفر )
( يجد مهرة مثل القناة طمرة ... وغضب إذا ماهز لم يرض بالهبر )
( فإن تمنعوا منها حماكم فإنه ... مباح لها ما بين إنبط فالكدر )
( إذا ما امرؤ أثنى بفضل ابن عمه ... فلعنه رب العالمين على بشر )

مدح قومه وهجا بني سعد
وقال أبو عمرو الشيباني ونسخته أيضاَ من خط إسحاق الموصلي وجمعت الروايتين
أن ابن فسوة نزل ببني سعد بن مالك من بني قيس بن ثعلبة وبات بهم ومعه جارية له يقال لها جوزاء فسرقوا عيبة له فيها ثيابه و ثياب جاريته فرحل عنهم فلما عاد إلى قومه أعلمهم ما فعله به بنو سعد بن مالك فركب معه فرسان منهم حتى اغاروا على إبل لبني سعد فأخذوا منها صرمة واستاقوها فدفعوها إليه فقال يمدح قومه ويهجو بني سعد بقوله
( جزى اللهُ قومي من شفيعٍ وشَاهدٍ ... جزاء سليمانَ النِّبيِّ المكرَّم )
( همُ القومُ لا قومُ ابنِ دارةً سالم ... ولا ضابئُ إذ أُسْلِمَا شَرَّ مُسلم )
( وما عيبة الجوزاء إذ غدرتْ بها ... سَراةُ بني قيس بسرِّ مكتَّمِ )

( إذا ما لَقِيت الحيِّ سعدَ بنَ مالك ... على زّمٍّ فانزل خائفاً أو تقدّم )
( أناسُ أجارونا فكان جِوارُهمْ ... شَعاعاً كلحم الجازر المتقسَّمِ )
( لقد دنِستْ أعراض سعدِ بن مالك ... كما دَنِستْ رجلُ البغيِّ من الدَّم )
( لهم نِسوة طُلْس الثياب مَواجِنُ ... ينادين من يبتاعُ عوداً بدِرهمْ )
( إذا أيِّمُ قيسيّةُ مات بعلُها ... و كان لها جارُ فليستْ بأيِّم )
( يُمشِّي ابنُ بشر بينهنّ مقابلاً ... بأير كإير الارجحّي المخرَّمِ )
( إذا رَاح من أبياتِهنَّ كأَنَّما ... طليْتَ بتنَّوُّم قَفاه وخمخِم )
وفيه رواية إسحاق
( تسوق الجواري مَنْخَراه كأنّما ... دَلكنَ بتنٌّوم قفاه و خمخم )

صوت
( قد طال شوقي وعادني طربي ... من ذكر خَوْدٍ كريمةِ النسب )
( غراء مثل الهلال صورتها ... أو مثل تمثال صورة الذهب )
و يروي بيعة الرهب الشعر لعبد الله بن العجلان النهدي و الغناء لمالك ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى

عن إسحاق وله فيه أيضا خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وذكر الهشامي انه لابن مسجح

أخبار عبد الله بن العجلان
هو عبد الله بن العجلان بن عبد الاحب بن عامر بن كعب بن صباح بن نهد بن زيد بن ليث بن اسود بن اسلم بن الحاف بن قضاعة شاعر جاهلي أحد المتيمين من الشعراء ومن قتله الحب منهم
و كانت له زوجة يقال لها هند فطلقها ثم ندم على ذلك فتزوجت زوجا غيره فمات أسفا عليها
قصته مع امرأته هند
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال
كان عبد الله بن العجلان النهدي سيدا في قومه و ابن سيد من ساداتهم و كان أبوه أكثر بني نهد مالا و كانت هند امرأة عبد الله بن العجلان التي يذكرها في شعره امرأة من قومه من بني نهد و كانت احب الناس إليه وأحظاهم عنده فمكثت معه سنين سبعا أو ثمانيا لم تلد فقال له أبوه انه لا ولد لي غيرك ولا ولد لك وهذه المرأة عاقر فطلقها و تزوج غيرها فأبى ذلك عليه فآلى إلا يكلمه أبدا حتى يطلقها فأقام على أمره ثم عمد إليه يوما وقد شرب الخمر حتى سكر وهو جالس مع هند فأرسل إليه أن صر إلي فقالت له هند لا تمض إليه فو الله ما

يريدك لخير و إنما يريدك لأنه بلغه انك سكران فطمع فيك أن يقسم عليك فتطلقني فنم مكانك ولا تمض إليه فأبى وعصاها فتعلقت بثوبه فضربها بمسواك فأرسلته و كان في يدها زعفران فأثر في ثوبه مكان يدها و مضى إلى أبيه فعادوه في أمرها وأنبه و ضعفه و جمع عليه مشيخة الحي وفتيانهم فتناولوه بألسنتهم و عيروه بشغفه بها و ضعف حزمه و لم يزالوا به حتى طلقها فلما اصبح خبر بذلك و قد علمت به هند فاحتجبت عنه و عادت إلى أبيها فأسف عليها أسفا شديدا فلما رجعت إلى أبيها خطبها رجل من بني نمير فزوجها أبوها منه فبنى بها عندهم و أخرجها إلى بلده فلم يزل عبد الله بن العجلان دنفا سقيما يقول فيها الشعر ويبكيها حتى مات أسفا عليها و عرضوا عليه فتيات الحي جميعا فلم يقبل واحدة منهن و قال في طلاقه إياها
( فارقتُ هنداً طائعاً ... فندمت عندَ فراقِها )
( فالعينُ تذْرِي دمعةً ... كالدُّر من آماقها )
( متحلَّياً فوق الرداء ... يجول من رَقْرَاقها )
( خَوْدُ رَداحُ طَفْلَةٌ ... ما الفحش من أخلاقها )
و لقد ألَذٌّ حديثَها ... و أُسَرُّ عند عناقها )

وفي هذه القصيدة يقول
( إن كنتِ ساقيةً ببُزْل ... الادْمِ أو بحِقاقها )
( فاسقِي بني نهدٍ إذا ... شربوا خيار زِقاقها )
( فالخيل تعلم كيف نُلْحِقها ... غداة لحاقها )
( بأسنِّةٍ زُرْق صبَحْنا ... القَوْمَ حدِّ رقاقها )
( حتى ترى قصد القنا ... والبِيضَ في أعناقها )
قال أبو عمرو الشيباني
لما طلق عبد الله بن العجلان هندا أنكحت في بني عامر و كانت بينهم وبين نهد مغاورات فجمعت نهد لبني عامر جميعا فأغاروا على طوائف منهم فيهم بنو العجلان وبنو الوحيد و بنو الحريش و بنو قشير و نذروا بهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت بنو عامر و غنمت نهد أموالهم و قتل في المعركة ابن لمعاوية بن قشير بن كعب وسبعة بنين له و قرط وجدعان ابنا سلمة بن قشير و مرداس بن جزعة بن كعب و حسين بن عمرو بن معاوية ومسحقة بن المجمع الجعفي فقال عبد الله بن العجلان في ذلك
( ألا أبلغ بني العجلان عني ... فلا يُنْبيك بالَحدثان غيري )
( بأنا قد قتلنا الخير قُرْطاً ... وَ جُرنا في سَرَاةِ بني قشير )
( وأفلتَنا بنو شَكَلٍ رجالاً ... حُفاةً يربئون على سُمَيْر )

امرأة قيسية ترثي قتلى قيس
وقالت امرأة من بني قيس ترثي قتلاهم
( أصبتمْ يا بني نهدِ بن زيد ... قُروماً عند قعقعة السلاح )
( إذا اشتد الزمان و كان محلاْ ... وَ حاذر فيه إخْوانُ السماح )
( أهانوا المال في اللَّزبات صبراً ... وَ جادوا بالمتالي و اللقاح )
( فبكِّي مالكاً وَابْكي بجيراً ... وَ شدّاداً لمشتجِر الرماح )
( وَ كعباً فاندبيه معاً وَ قُرطا ... أولئك معشري هدُّوا جناحي )
( و بكِّي إن بكَيْتِ على حُسُيْلٍ ... وَ مرداس قتيلْ بني صباح )
قال و أسر عبد الله بن العجلان رجلا من بني الوحيد فمن عليه وأطلقه ووعده الوحيدي الثواب فلم يف فقال عبد الله
( وَ قالوا لن تنال الدهر فقراً ... إذا شكرتْك نعمتَك الوحيدُ )
( فيا ندما ندمت على رِزَام ... وَ مُخْلِفِه كما خُلِع العَتُودُ )
قال أبو عمرو ثم أن بني عامر جمعوا لبني نهد فقالت هند امرأة عبد الله بن العجلان التي كانت ناكحا فيهم لغلام منهم يتيم فقير من بني عامر لك خمس عشرة ناقة على أن تأتي قومي فتنذرهم قبل أن يأتيهم بنو عامر فقال أفعل فحملته على ناقة لزوجها ناجية وزودته تمرا ووطبا من لبن فركب فجد في السير و فني اللبن فأتاهم و الحي

خلوف في غزو و ميرة فنزل بهم و قد يبس لسانه فلما كلموه لم يقدر على أن يجيبهم وأومأ لهم إلى لسانه فأمر خراش بن عبد الله بلبن وسمن فأسخن و سقاه إياه فابتل لسانه و تكلم و قال لهم أتيتم أنا رسول هند إليكم تنذركم فاجتمعت بنو نهد و استعدت ووافتهم بنو عامر فلحقوهم على الخيل فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت بنو عامر فقال عبد الله بن العجلان في ذلك
( عَاودَ عيني نصبُها وَ غرورها ... أهَمُّ عَنَاها أم قَذَاها يعورُها )
( أم الدار أمستْ قد تعفَّت كأنها ... زبورُ يمانٍ رقشته سطورها )
( ذكرت بها هنداً وأترابَها الألَى ... بها يكذب الواشي وُيْعصى أميرُها )
( فما مَعْوِلٌ تبكي لفقد أليفها ... إذا ذكرته لا يكفُّ زفيرُها )
( بأغزر مني عبرة إذ رأيتها ... بحث بها قبل الصباح بَعيرها )
( ألم يأت هنداً كيفما صُنْعُ قومِها ... بني عامر إذ جاء يسعى نَذِيرُها )
( فقالوا لنا إنَّا نحبّ لقاءكم ... و إنا نحيِّي أرضكم و نزُورها )
( فقلنا إذا لا تَنْكُل الدهرِ عنكمُ ... بصُمِّ القنا اللائي الدماءَ تُميرها )
( فلا غرو أنَّ الخيل تَنْحِط في القنا ... تمطَّرُ من تحت العوالي ذكُورها )
( تأوَّهُ مما مَسَّها من كريهةٍ ... و تُصفي الخدود و الرماحُ تَصورها )
( وأربابها صرعى بِبُرْقَةِ أخربٍ ... تُجَرِّرُهُمْ ضُبعانها ونُسورها )

( فأبلغ أبا الحجاج عني رسالةً ... مغلغلة لا يَغْلَبِنْك بُسُورُها )
( فأَنت منعت السلم يومَ لقيتنا ... بكفَّيك تُسْدِي غيَّةً و تنيرَها )
( فذوقوا على ما كان من فرط إحْنَة ... حلائبنا إذْ غابَ عنا نصيرها )

كيف انتهى حبه لهند
قال أبو عمرو فلما اشتد ما بعبد الله بن العجلان من السقم خرج سرا من أبيه مخاطرا بنفسه حتى أتى أرض بني عامر لا يرهب ما بينهم من الشر و الترات حتى نزل ببني نمير و قصد خباء هند فلما قارب دارها رآها وهي جالسة على الحوض وزوجها يسقي و يذود الإبل عن مائة فلما نظر إليها و نظرت إليه رمى بنفسه عن بعيره و أقبل يشتد إليها وأقبلت تشتد إليه فاعتنق كل واحد منهما صاحبه و جعلا يبكيان و ينشجان و يشهقان حتى سقطا على وجوههما و أقبل زوج هند ينظر ما حالهما فوجدهما ميتين
قال أبو عمرو و أخبرني بعض بني نهد أن عبد الله بن العجلان أراد المضي إلى بلادهم فمنعه أبوه و خوفه الثارات و قال نجتمع معهم في الشهر الحرام بعكاظ أو بمكة و لم يزل يدافعه بذلك حتى جاء الوقت فحج و حج أبوه معه فنظر إلى زوج هند وهو يطوف بالبيت وأثر كفها في ثوبه بخلوق فرجع إلى أبيه في منزله و أخبره بما رأى ثم سقط على وجهه فمات هذه رواية أبي عمرو
وقد أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني عبد الله بن علي بن

الحسن قال حدثنا نصر بن علي عن الاصمعي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن أيوب عن ابن سيرين قال
خرج عبد الله بن العجلان في الجاهلية فقال
( ألا إنَّ هنداً أصبحت منك محرماً ... و أصبحت من أدنى حُمُوَّتها حَمَا )
( وأصبحتُ كالمقمور جفْن سلاحه ... يقلّب بالكفين قوساً وأسهمَا )
ثم مد بها صوته فمات
قال ابن سيرين فما سمعت أحدا مات عشقا غير هذا وهذا الخبر عندي خطأ لأن أكثر الرواة يروي هذين البيتين لمسافر بن أبي عمرو بن أمية قالهما لما خرج إلى النعمان بن المنذر يستعينه في مهر هند بنت عتبة بن ربيعة فقدم أبو سفيان بن حرب فسأله عن أخبار مكة و هل حدث بعده شيء فقال لا إلا أني تزوجت هندا بنت عتبة فمات مسافرا أسفا عليها و يدل على صحة ذلك قوله
( وأصبحت من أدنى حموَّتها حما ... )
لأنه ابن عم أبي سفيان بن حرب لحا و ليس النميري المتزوج هندا النهدية ابن عم عبد الله بن العجلان فيكون من أحمائها و القول الأول على هذا أصح

مختارات من شعره في هند
ومن مختار ما قاله ابن العجلان في هند
( ألا أبلغا هنداً سلامي فإن نأتْ ... فقلبيَ مذ شطَّتْ بها الدارُ مدنَفْ )
( ولم أر هنداً بعد موقف ساعة ... بأنْعَمَ في أهل الديار تطوَّف )
( أتَتْ بين أتراب تَمَايَسُ إذ مشتْ ... دبيب القطا أوهنَّ منهنّ أقطَفُ )
( بباكرْنَ مِرْآةً جليّاً و تارةً ... ذكيّاً وبالأيْدي مَدَاكُ ومِسْوَفُ )
( أشارت إلينا في خَفَاةٍ وراعَها ... سراةُ الضُّحى مني على الحيِّ موقفُ )
( وقالت تباعد يا بن عمي فإنني ... منيت بذي صول يغار ويعنف )
أخبرني الحسن بن علي قال أنشدنا فضل اليزيدي عن إسحاق لعبد الله بن العجلان النهدي قال إسحاق وفيه غناء
( خليليَّ زورا قبل شحْط النوى هندا ... ولا تأمنا مِنْ دَارِ ذِي لَطَفٍ بُعْدا )
( ولا تعجلا لم يَدْر صاحبُ حاجةٍ ... أغيّاُ يلاقي في التعجُّلِ أم رُشْدا )
( ومّرا عليها بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هندٌ لوجهيكما قَصْدَا )
( و قولا لها ليس الضلال أجازَنا ... و لكنَّنا جزْنا لنلقاكُمُ عَمْدِا )
صوت
( ألا يا ظبيةَ البلَدِ ... براني طولُ ذا الكمدِ )

( فرِّدي يا معذِّبتي ... فؤادي أو خُذي جسدِي )
( بُليتُ لِشقوتي بكُمُ ... غلاماً ظاهِرَ الْجلَدْ )
( فشَيَّبَ حَبُّكم رأْسي ... و بيَّض هَجرُكم كبِدي )
الشعر للمؤمل بن أميل و الغناء لإبراهيم ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق

أخبار المؤمل و نسبه
المؤمل بن أميل بن أسيد المحاربي من محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر شاعر كوفي من مخضرمي شعراء الدولتين الأموية و العباسية و كانت شهرته في العباسبة أكثر لأنه كان من الجند المرتزقة معهم ومن يخصهم و يخدمهم من أوليائهم وانقطع إلى المهدي في حياة أبيه و بعده وهو صالح المذهب في شعره ليس من المبرزين الفحول ولا المرذولين وفي شعره لين وله طبع صالح
و كان يهوى امرأة من أهل الحيرة يقال لها هند و فيها يقول قصيدته المشهورة
( شف المؤمِّل يوم الحيرة النظرُ ... ليت المؤملَ لم يُخلق له بَصَرُ )
يقال إنه رأى في منامه رجلا أدخل أصبعيه في عينيه وقال هذا ما تمنيت فأصبح أعمى
المنصور يسترد ما اغدقه عليه المهدي
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا عبد الله بن الحسن الحراني قال حدثني أبو قدامة قال حدثني المؤمل قال

قدمت على المهدي وهو بالري وهو إذ ذاك ولي عهد فامتدحته بأبيات فأمر لي بعشرين ألف درهم فكتب بذلك صاحب البريد إلى أبي جعفر المنصور وهو بمدينة السلام يخبره أن الأمير المهدي أمر لشاعر بعشرين ألف درهم فكتب إليه يعذله و يلومه و يقول له إنما ينبغي أن تعطي لشاعر بعد أن يقيم ببابك سنة أربعة آلاف درهم و كتب إلى كاتب المهدي أن يوجه إليه بالشاعر فطلب ولم يقدر عليه وكتب إلى أبي جعفر انه قد يوجه إلى مدينة السلام فأجلس قائدا من قوداه على جسر النهروان وأمره أن يتصفح الناس رجلا رجلا فجعل لا يمر به قافلة إلا تصفح من فيها حتى مرت به القافلة التي فيها المؤمل فتصفحهم فلما سأله من أنت قال أنا المؤمل بن أميل المحاربي الشاعر أحد زوار الأمير المهدي فقال إياك طلبت قال المؤمل فكاد قلبي ينصدع خوفا من أبي جعفر
فقبض علي وأسلمني إلى الربيع فأدخلني إلى أبي جعفر و قال له هذا الشاعر الذي أخذ من المهدي عشرين آلفا قد ظفرنا به فقال أدخلوه الي فأدخلت إليه فسلمت تسليم فزع مروع فرد السلام و قال ليس لك ها هنا إلا خير أنت المؤمل بن أميل قلت

نعم اصلح الله أمير المؤمنين أنا المؤمل بن أميل قال أتيت غلاما غرا كريما فخدعته فانخدع قلت نعم أصلح الله الأمير أتيت غلاما غرا كريما فخدعته فانخدع قال فكأن ذلك أعجبه فقال أنشدني ما قلت فيه فأنشدته

قصيدته في المهدي
هو المهديُّ إلا أن فيه ... مشابهةً من القمر المنيرِ )
( تشابه ذا و ذا فهما إذا ما ... أنارا مُشكلانِ على البصيرِ )
( فهذا في الظلام سراجُ ليلٍ ... و هذا في النهار ضياءُ نُورٍ )
( و لكن فضَّل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابرِ و السَّريرِ )
( وَبالمُلْك العزيزِ فذا أميرُ ... و ماذا بالأمِير ولا الوزيرِ )
( و بعضَ الشهر ينقصُ ذا وهذا ... مُنير عند نقصانِ الشهور )
( فيا بن خليفة الله المصفَّى ... به تعلو مفاَخرةُ الفَخورِ )
( لئن فُتَّ الملوكَ و قد توافَوْا ... إليكَ مِن السهولة والوعور )
( لقد سبق الملوك أبوك حتى ... بقوا من بين كابِ أو حَسيرِ )
( و جئتَ مصلياً تجري حثِيثاً ... و ما بك حين تجري من فُتورِ )
( فقال الناس ما هذان إلا ... كما بينَ الخليق إلى الجديرِ )
( لئن سبق الكبيرُ لأهلُ سَبْقٍ ... له فضلُ الكبير على الصَّغيرِ )
( وَ إن بلغ الصغيرُ مَدَى كبيرٍ ... فقد خُلِق الصغيرُ من الكَبيرِ )

فقال و الله لقد أحسنت و لكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم فأين المال قلت هو هذا قال يا ربيع امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم وخذ الباقي قال المؤمل فخرج معي الربيع وحط ثقلي ووزن لي من المال أربعة آلاف درهم و أخذ الباقي
فلما ولي المهدي الخلافة ولي ابن ثوبان المظالم فكان يجلس للناس بالرصافة فأذا ملأ كساءه رقاعا رفعها إلى المهدي فرفعت إليه رقعة فلما دخل بها ابن ثوبان جعل المهدي ينظر في الرقاع حتى إذا وصل إلى رقعتي ضحك فقال له ابن ثوبان أصلح الله أمير المؤمنين ما رأيتك ضحكت من شيء من هذه الرقاع إلا الرقعة فقال هذه رقعة أعرف سببها ردوا إليه عشرين ألف درهم فردوها إلي و انصرفت

مبايعته لموسى و هارون
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن سعد بن أبي سعد قال حدثني الحكم بن موسى السلولي قال حدثني سعد بن أخي العوفي قال
قدم على المهدي في بيعة ابن ابنيه موسى وهارون المؤمل بن أميل المحاربي و الحسين بن يزيد بن أبي الحكم السلولي و قد أوفدهما هاشم بن سعد الحميري من الكوفة فقدما على المهدي في عسكره فأنشده المؤمل
( هاَك بِياعَنا يا خير و الٍ ... فقد جُدْنا به لكَ طائعينا )
( فإن تفعلْ فأنت لذاك أهلٌ ... ففضلك يا بنَ خير الناس فينا )
( وعَدلك يا بن وارث خَيرِ خَلْق ... نبيَّ الله خَيْر المرسلينا )

( فإن أبا أبيكَ وأنتَ منه ... هو العبَّاسُ وارثُه يقينا )
( أبان به الكتابُ وذاك حقٌ ... ولسنا للكتابِ مُكذِّبينا )
( بكم فُتِحتْ وأنتم غير شك ... لها بالعَدل أكرمُ خاتمينا )
( فدونَكَها فأنتَ لها محلٌ ... حَبَاك بها إلهُ العالمينا )
( ولو قِيدَتْ لغَيرِكُم اشمأَزَّت ... وأَعْيَتْ أن تُطيعَ القائدينا )
فأمر لهما بثلاثين ألف درهم فجيء بالمال فألقي بينهما فأخذ كل واحد منهما بدرة وصدع الأخرى بينهما فأخذ هذا نصفا وهذا نصفا
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عبد الله بن أمين عن أبي محمد اليزيدي عن المؤمل بن أميل قال
صرت إلى المهدي بجرجان فمدحته بقولي
( تعزَّ ودعْ عنك سَلمَى وسِرْ ... حثيثاً على سائراتِ البِغالِ )
( وكل جوادٍ له مَيْعَةٌ ... يَخُبُّ بسرحِكَ بعدَ الكلاَلِ )
( إلى الشمسِ شمس بني هاشمٍ ... وما الشمسُ كالبَدْر أو كالهلالِ )
( و يُضحكه أن يدومَ السؤالُ ... و يُتلف في ضحكه كلَّ مالِ )
فاستحسنها المهدي وأمر لي بعشرة آلاف ردهم و شاع الشعر و كان في عسكره رجل يعرف بأبي الهوسات يغني فغنى في الشعر لرفقائه و بلغ ذلك المهدي فبعث إليه سرا فدخل عليه فغناه فأمر له بخمسة

آلاف درهم و أمر لي بعشرة آلاف درهم أخرى و كتب بذلك صاحب البريد إلى المنصور
ثم ذكر باقي الخبر على ما تقدم قبله و زاد فيه
أن المنصور قال له جئت إلى غلام حدث فخدعته حتى أعطاك من مال الله عشرين ألف درهم لشعر قلته فيه غير جيد و أعطاك من رقيق المسلمين ما لا يملكه و أعطاك من الكراع و الأثاث ما أسرف فيه يا ربيع خذ منه ثمانية عشر ألف درهم و أعطه ألفين و لاتعرض لشيء من الأثاث و الدواب و الرقيق ففي ذلك غناؤه فأخذت مني بخواتهما ووضعت في الخزائن فلما ولي المهدي دخلت إليه في المتظلمين فلما رآني ضحك و قال مظلمة أعرفها ولا احتاج إلى بينة عليها و جعل يضحك و أمر بالمال فرد إلي بعينه وزاد فيه عشرة آلاف

كان شيخا مصفرا أعمى
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني حذيفة بن محمد الطائي قال حدثني أبي قال
رأيت المؤمِّل شيخاً مُصفَرّاً نحيفاً أعمى فقلت له لقد صدقت في قولك
( وقد زعموا لي أنها نذرت دَمي ... و مالي بحَمدِ الله لحمُ وَ لا دمُ )
فقال نعم فديتك و ما كنت أقول إلا حقا
قال محمد بن القاسم و حدثني عبد الله بن طاهر أن أول هذا الشعر
( حلمتُ بكم في نَوْمتي فغضبتُمُ ... ولا ذنب لي أن كنتُ في النوم أحلُمُ )

( سأطردُ عني النومَ كيلا أراكمُ ... إذا ما أتاني النَّومُ و الناس نُوَّم )
( تُصَارِمُنِي و الله يعلم أنَّني ... أبرُّبها من والديْهَا وأرحَمُ )

صوت
( و قد زعموا لي إنها نذرت دمي ... وما لي بحمدِ الله لحمٌ ولا دمُ )
( برى حبُّها لحمي ولم يُبق لي دَما ... وإن زعموا أني صحيح مسلَّم )
( فلم أر مثلَ الحُب صحَّ سَقيمهُ ... ولا مثل من لا يعرف الحبَّ يسقُمُ )
( ستقتُلُ جِلداً بالياً فوقَ أعظُمٍ ... وليس يُبالي القتلَ جلدٌ وأعظُمُ )
في هذه الأبيات التي أولها
( وقَد زعموا لي إنها نذرت دمي ... )
لنبيه لحم من خفيف الثقيل المطلق في مجرى الوسطى عن ابن المكي
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن احمد بن علي قال لما قال المؤمل
( شفَّ المؤمّل يوم الحيرة النظرُ ... ليت المؤمَل لم يخلقْ له بَصَرُ )
عمي وأري في منامه هذا ما تمنيت
أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن الشيباني قال
را ى المؤمل في منامه قائلا يقول أنت المتألي على الله إلا يعذب المحبين حيث تقول

( يَكفي المحبِّينَ في الدنيا عذابُهمُ ... وَ الله لا عذَّبَتْهم بعدها سَقَرُ )
فقال له نعم فقال كذبت يا عدو الله ثم ادخل إصبعيه في عينيه و قال له أنت القائل
( شف المؤمِّل يوم الحيرة النظرُ ... ليت المؤمّل لم يُخلق له بصرُ )
هذا ما تمنيت فانتبه فزعا فإذا هو قد عمي
اخبرني الحسن بن علي قال حدثنا احمد بن زهير قال حدثنا مصعب الزبيري قال
انشد المهدي قول المؤمل
( قتلتِ شاعرَ هذا الحيِّ من مضرٍ ... وَ اللهُ يعلم ما ترضى بذا مُضَرُ )
فضحك و قال لو علمنا إنها فعلت ما رضينا ولغضبنا له وأنكرنا
صوت
( بكيتُ حذارَ البين علماً بما الذي ... إليه فؤادي عند ذلك صائرُ )
( وَ قال أُناس لو صبرتَ وإنني ... على كل مكروه سوى البين صابرُ )
الشعر لأبي مالك الأعرج و الغناء لإبراهيم الموصلي خفيف ثقيل بالوسطى من جامع صنعته ورواية الهشامي
قال الهشامي وفيه ليزيد حوراء ثاني ثقيل ولسليم ثقيل أول

أخبار أبي مالك ونسبه
أبو مالك النضر بن أبي النضر التميمي هذا اكثر ما وجدته من نسبه وكان مولده ومنشؤه بالبادية
ثم وفد إلى الرشيد و مدحه وخدمه فأحمد مذهبه ولحظته عناية من الفضل بن يحيى فبلغ ما أحب وهو صالح الشعر متوسط المذهب ليس من طبقة شعراء عصره المجيدين ولا من المرذولين
رثاؤه لأبيه
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا احمد بن الهيثم بن فراس قال
كان أبو مالك النضر بن أبي النضر التميمي مع الرشيد وكان أبوه مقيما بالبادية فأصاب قوم من عشيرته الطريق وقطعوه عن بعض القوافل فخرج عامل ديار مضر و كان يقال له جيال إلى ناحية كانت فيها طوائف من بني تميم فقصدهم وهم غارون فأخذ منهم

جماعة فيهم أبو النضر أبو أبي مالك الأعرج و كان ذا مال فطلبه فيمن طلب من الجناة وطمع في ماله فضربه ضربا أتى فيه على نفسه و بلغ ذلك أبا مالك فقال يرثيه
( فيمَ يُلحَى على بكائي العذولَّ ... والذي نابني فَظيعٌ جليلُ )
( عدّ هذا الملام عني إلى غيري ... فقلبي بَبثِّه مشغولُ )
( راعني والدِي جَنتْ كَفُّ جيّالٍ ... عليه فراح وهو قتيلُ )
( أيها الفاجِعي برُكني وعزِّي ... هبلتني إن أرعُك الهُبولُ )
( سُمْتَنِي خُطَّةَ الصَّغار وأَظلمْتَ ... نَهاري عليَّ غالتْك غولْ )
( ما عداني الجفاءُ عنكَ ولكنْ ... لم يُدلني من الزمان مُديلُ )
( زال عنا السرورُ إذ زُلتَ عنا ... وازدهانا بكاؤنا والعويلُ )
( ورأينا القريبَ منا بعيداً ... وجفانا صديقُنا والخليلُ )
( ورمانا العدوُّ من كلِّ وجه ... وتجنَّى على العزيز الذليلُ )
( يا أبا النضر سوفَ أبكيك ما عشتُ ... سويّاً وذاك مني قليلُ )
( حملت نعشَك الملائكةُ الأبرار ... ُ إذ مالَنا إليك سبيلُ )
( غير أني كذبتُك الودَّ لم تقْطُر ... جفوني دما وأنت قَتيلُ )
( رضِيتْ مقلتي بإرسال دَمعي ... وعلى مثلك النفوسُ تَسِيلُ )
( أسِواكَ الذي أجودُ عليه ... بدمي إنني إذاً لبخيلُ )
( عثر الدهرُ فيك عثرةَ سَوْءِ ... لم يُقِل مثلَها المعينُ المقيلُ )

( قل إن ضنَّ بالحياة فإني ... بعده للحياة قَالِ مَلولُ )
( إنّ بالسفح من ضباعةَ قومي ... ليسَ منهم وهم أَدانِ وَصولُ )
( لا يزورون جارَهم من قريبِ ... وهمُ في التراب صَرعى حلولُ )
( حفرة حَشْوُها وفاءٌ وحِلمٌ ... وندى فاضل ولب أصيل )
( وعفاف عما يشين وحلم ... راجحُ الوزن بالرواسي يَميلُ )
( ويمين بنانُها غيرُ جَعد ... وجبينٌ صَلت وخدٌّ أَسيلُ )
( وامرؤ أِشرقتْ صُفَيحةُ خدَّيهِ ... عليه بشاشةٌ وقَبولُ )

صوت
( لئن مصرُ فاتتْني بما كنتُ أَرتجي ... وأَخلفني فيها الذي كنتُ آملُ )
( فما كل ما يخشى الفتى بمُصيبِه ... ولا كلُّ ما يرجو الفَتَى هو نائلُ )
الشعر لأبي دهمان والغناء لابن جامع ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي
انتهت أخبار مالك ونسبه

أخبار أبي دهمان
أبو دهمان الغلابي شاعر من شعراء البصرة ممن أدرك دولتي بني أمية وبني العباس ومدح المهدي وكان طيباً ظريفاً مليح النادرة
وهو القائل لما ضرب المهدي أبا العتاهية بسبب عشقه عتبة
( لولا الذي أحدثَ الخليفةُ في العُشاق ... من ضربهم إذا عَشِقُوا )
( لبُحْتُ باسم الذي أُحِبُّ ولكنِّي ... امرؤ قد ثَنانيَ الفَرَقُ )
حدثني بذلك الصولي عن محمد بن موسى عن محمد بن أبي العتاهية وأخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال
قال رجل لأبي دهمان ألا أحدثك بظريفة قال بلى قال كنا عند فلان فمد رجله هكذا فضرط ومد المحدث رجله يحكيه فضرط فقال له أبو دهمان
يا هذا أنت أحذق خلق الله بحكاية
كان أميراً على نيسابور
نسختُ من كتاب بخط ميمون بن هارون
بلغني أن أبا دهمان مر وهو أمير بنيسابور على رجل جالس ومعه صديق له يسايره فقام الناس إليه ودعوا له إلا ذلك الرجل فقال أبو دهمان لصديقه

وهو يسايره أما ترى ذلك الرجل في النظارة وترى تيهه علي فقال له وكيف يتيه عليك وأنت الأمير قال لأنه قد ناكني وأنا غلام
وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال
مرض أبو دهمان مرضا أشفى منه على الموت فأوصى وأملى وصيته على كاتبه وأوصى فيها بعتق غلام كان له واقفاً فلما فرغ غدا الغلام بالرقعة فأتربها ونظر إليه أبو دهمان فقال له نعم أتربها يا بن الزانية عسى أن يكون أنجح للحاجة لا شفاني الله إن أنجحت وأمر به فأخرج لوقته فبيع

صوت
( يكُرُّكما كرّ الكُليبيّ مُهرَه ... وما كرَّ إلا خيفةً أن يُعيَّرا )
( فلا صُلح حتى تزحفَ الخيلُ والقنا ... بنا وبكم اوْ يَصْدُرَ الأمر مَصْدَرا )
الشعر لأبي حزابة التميمي والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر
وهذا الشعر يرثي به أبو حزابة رجلاً من بني كليب بن يربوع يقال له ناشرة اليربوعي قتل بسجستان في فتنة ابن الزبير وكان سيداً شجاعاً
رثاؤه لناشرة اليربوعي
أنشدنيه جعفر بن قدامة قال أنشدني أبو هفان وأحمد بن أبي طاهر قالا أنشدنا عبد الله بن احمد العدوي لأبي حزابة يرثي ناشرة اليربوعي وقتل بسجستان في فتنة ابن الزبير قال

( لعَمري لقد هدَّتْ قريش عروشَنا ... بأبيضَ نفَّاح العَشِيَّات أزهرا )
( وكان حَصاداً للمنايا زَرعْنَهُ ... فهلاَّ تركنَ النَّبتَ ما كان أَخضرا )
( لحا اللُّه قوماً أسلموكَ وجرّدوا ... عناجِيج أعطتْها يمينُك ضُمَّرا )
( أما كان فيهمْ ماجدٌ ذو حفيظةٍ ... يرى الموت في بعض المواطنِ أَفخرا )
( يكرّ كما كَرَّ الكُليبيّ مُهره ... وما كرَّ إلا خشية أن يُعَيَّرا )
يريد ما كان في هؤلاء القوم من يكر كما كر ناشرة الكليبي مهره

أخبار أبي حزابة ونسبه
أبو حزابة اسمه الوليد بن حنيفة أحد بني ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ين تميم شاعر من شعراء الدولة الأموية بدوي حضر وسكن البصرة ثم اكتتب في الديوان و ضرب عليه البعث إلى سجستان فكان بها مدة وعاد إلى البصرة وخرج مع ابن الأشعث لما خرج على عبد الملك و أظنه قتل معه وكان شاعرا راجزا فصيحا خبيث اللسان هجاء
أبطىء عليه بالجائزة فأنشد
فأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا محمد الهيثم الشامي قال حدثني عمي أبو فراس عن العذري قال
دخل أبو حزابة على طلحة الطلحات الخزاعي وقد استعمله يزيد بن معاوية على سجستان و كان أبو حزابة قد مدحه فأبطأت عليه الجائزة من جهته ورأى ما يعطى غيره من الجوائز فأنشده

( وأدليتُ دَلوِي في دِلاء كثيرةٍ ... فجئن مِلاءً غير دَلوي كما هِيا )
( وأهلكني ألا تزالَ رَغيبةٌ ... تُقصَّر دوني أو تحُلُّ وَرائيا )
( أرَاني إذا استمطرتُ منكَ سحابةً ... لِتمُطِرني عادتْ عَجاجاً وسافيا )
قال فرماه طلحة بحق فيه درة فأصاب صدره ووقعت في حجره و يقال بل أعطاه أربعة أحجار و قال له لا تخدع عنها فباعها بأربعين آلفا ومات طلحة بسجستان
ثم ولي من بعده رجل من بني عبد شمس يقال له عبد الله بن علي بن عدي و كان شحيحا فقال له أبو حزابة
( يا بنَ عليٍّ بَرَحَ الخفاءُ ... قد علِم الجيرانُ والاكفاءُ )
( انك أنت النزلُ واللّفاء ... أنت لِعَيْنِ طَلْحَةَ الفِداءُ )
( بنو عَديٍ كلهم سواءُ ... كأنهم زينيّةٌ جِراء )

قصيدة يرثي فيها طلحة ويذم عبد الله بن علي
قال ثم وليها بعد عبد الله بن علي عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن كريز أيام الفتنة فاستأذنه أبو حزابة أن يأتي البصرة فأذن له فقدمها وكان الناس يحضرون المربد ويتناشدون الاشعار ويتحادثون ساعة من

النهار فشهدهم أبو حزابة وأنشدهم مرثية له في طلحة الطلحات يضمنها ذما لعبد الله بن علي وهي قوله
( هيهاتَ هيهاتَ الجنابُ الأخضر ... والنائلُ الغمرُ الذي لا يُنْزَرْ )
( وَارَاهُ عنا الجَدثُ المغوَّرُ ... قد علم غداة استعبَرُوا )
( والقَبْرُ بين الطلحاتِ يُحّفر ... أنْ لَنْ يروا مثلكَ حتى يُنشروا )
( أنا أتانا جرزٌ محمّرُ ... أنَكَرة سَرِيرُنا و المِنْبَرُ )
( و المسْجد المُحْتَضر المُطَهَّر ... وخلفٌ يا طلح منك أعوَرْ )
( بليَّة يا ربَّنا لا نَسخَر ... أقلُّ من شبرين حِينَ يُشبَر )
( مثل أبي القعواء لا بل أقْصر ... )
يهجو عون بن سلامة
قال وأبو القعواء حاجب لطلحة كان قصيرا
فقال عون بن عبد الرحمن بن سلامة وسلامة أمه وهو رجل من بني تميم بن مرة قيس بئسما قلت أتشاهر الناس بشتم قريش فقال له إني لم اعم إنما سميت رجلا واحدا فأغلظ له عون حتى انصرف عن ذلك الموضع ثم أمر عون ابن أخ له فدعا أبا حزابة فأطعمه وسقاه و خلط في شرابه شبرما فسلحه فخرج أبو حزابة وقد أخذه بطنه فسلح

على بابهم وفي طريقه حتى بلغ أهله ومرض أشهرا ثم عوفي فركب فرسا له ثم أتى المربد فإذا عون بن سلامة واقف فصاح به فوقف ولو لم يقف كان أخف لهجائه فقال له أبو حزابة
( يا عون قفْ واستمع الملامَهْ ... لا سلَّم اللهُ على سلامهْ )
( زنجية تحسبُها نَعامهْ ... شكّاء شان جسمَها دَمامه )
( ذاتِ حِرٍ كريشتَي حمامهْ ... بينهما بَظْرٌ كرأس الهامهْ )
( أعلمتُها وعالِمِ العَلاَمهْ ... لو أن تحت بَظرها صِمامهْ )
( لدفعتْ قُدُماً بها أمامه ... )
فكان الناس يصيحون به
( أعلمتها وعالم العلامة ... )
أخبرني عمي قال حدثنا احمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني عمي أبو فراس عن الهيثم بن عدي قال
كان عبد الله بن خلف أبو طلحة الطلحات مع عائشة يوم الجمل و قتل معها يومئذ وعلى بني خلف نزلت عائشة بالبصرة في القصر المعروف بقصر بني خلف وكان هوى طلحة الطلحات أمويا وكانت بنو أمية مكرمين له
فأنشد أبو حزابة يوما طلحة
( يا طلحَ بأبي مجدُك الأخلافا ... والبخلَ لا يُعترفُ اعترافا )

( إن لنا أحمرةُ عِجَافا ... يأكُلْن كلَّ ليلة إكافا )

رفض الوقوف بباب يزيد بن معاوية
فأمر له طلحة بإبل ودراهم و قال له هذه مكان أحمرتك
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني العمري عن لقيط قال قيل لأبي حزابة لو أتيت يزيد بن معاوية لفرض لك وشرفك وألحقك بعلية أصحابه فلست دونهم وكان أبو حزابة يومئذ غلاما حدثا وكان معاوية حيا ويزيد أميرا يومئذ فلما أكثر قومه عليه في ذلك وفي قولهم إنك ستشرف بمصيرك إليه قال
( يُشرّفني سيفي وقلبٌ مُجانبٌ ... لكل لئيم باخلٍ ومعلهَج )
( وَكرَي على الأبطال طِرءفاً كأنه ... ظليمٌ وضربي فوق رأسِ المدَجَّج )
( وقَولِي إذا ما النفسُ جاشتْ وأجهشت ... مخافة يومٍ شَرُّه متأجِّجِ )
( عليكِ غمارَ الموت يا نفسُ إنني ... جريء على درء الشجاع المُهَجْهَج )
فلما أكثر عليه قومه وعنفوه في تأخره أتى يزيد بن معاوية فأقام ببابه شهرا لا يصل إليه فرجع و قال والله لا يراني ما حملت عيناي الماء إلا أسيرا أو قتيلا وأنشأ يقول
( فو الله لا آتي يزيدَ ولو حوتْ ... أناملُه ما بين شرقٍ إلى غربِ )
( لأنَّ يزيداً غيَّر الله ما بِه ... جَنوحٌ إلى السُّوءى مصر على الذنب )
( فقل لبني حرب تقوا الله وحده ... ولا تسعدوه في البطالة واللعبِ )

( ولا تأمنوا التغييرَ أن دام فعلُه ... ولم ينهَه عن ذاك شيخُ بَني حربِ )
( أيشربُها صِرفاً إذا الليل جنَّه ... معّتقةً كالمسكِ تختالُ في العُلبِ )
( و يَلْحَى عليها شاربيها وقلبُه ... يهيمُ بها أن غاب يوماً عن الشِّربِ )

خبر رهن سرجه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة عن المدائني قال
لما خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الحجاج وكان معه أبو حزابة فمروا بدستبى وبها مستراد الصناجة وكانت لا يبيت بها أحد إلا بمائة درهم فبات بها أبو حزابة ورهن عندها سرجه فلما أصبح وقف لعبد الرحمن فلما أقبل صاح به وقال
( أمرُ عضال نابني في العَجِّ ... كأنني مطالَبٌ بخَرجِ )
( ومسترادٌ ذهبتْ بالسَّرْج ... في فتنة الناسِ وهذا الهرْجِ )
فعرف ابن الأشعث القصة وضحك وأمر بان يفتك له سرجه ويعطى معه ألف درهم وبلغت القصة الحجاج فقال أيجاهر في عسكره بالفجور فيضحك ولا ينكر ظفرت به أن شاء الله

هجوه عبد الله بن علي
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال
مدح أبو حزابة عبد الله بن علي العبشمي وهو على سجستان فلم يثبه فقال يهجوه
( هَبَّتْ تُعاتبني أُما ... مةٌ في السماحة والفِضَال )
( وأبيتُ عند عِتابها ... إلا خلائقَ ذي النَّوال )
( أُعطِي أخي وأَحُوطُه ... جُهدي وأبذُل جُلَّ مالي )
( وأَقِيه عند تشاجر الأبطال ... بالأسَلِ النِّهال )
( حِفْظاً له ورعايةً ... للخالياتِ من الليالي )
( إذ نحنُ نشربُ قَهوة ... دِرياقة كدِم الغَزالِ )
( حمراءَ يُذهِبُ رِيحُها ... ما في الرؤوس من الخَبال )
( وإذا تشعشع في الإناءِ ... رمتْ أخاها باغتيالِ )
( وعلا الحَبابُ فخلته ... عَقْداً يُنظَّم من لآلي )
( تشفِي السقيمَ بريحها ... وَ تُميتُه قبل الإجال )
( تلك التي تركتْ فؤاد ... أبي حُزابةَ في ضَلالِ )
( لا يستفيق ولا يُفيق ... نزِيفها في كَلّ حال )
( وإذا الكماةُ تنازلوا ... ومشى الرجالُ إلى الرجالِ )

( وبدت كتائبُ تمَترِي ... مُهجَ الكَتائبِ بالعوالي )
( فأبو حُزابةَ عند ذاك ... أخو الكريهة والنِّزالِ )
( يمشي الهوينى مُعلِماً ... بالسيف مشياً غير آلِ )
( كالليث يترك قِرنَه ... مُتجدِّلاً بين الرِّمالِ )
( إني نذيرُ بني تميم ... من أخي قيلِ وقال )
( من لا يجود ولا يسود ... ولا يُجير من الهُزال )
( وتراه حين يجيئُه السؤَّال ... يُولَع بالسُّعالِ )
( متشاغلاً متنحنِحاً ... كالكلب جَمجم للعِظال )
( فارفضْ قريشاً كُلَّها ... من أجل ذي الداء العُضَال )
يعني عبد الله بن علي العبشمي
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني محمد بن الهيثم الشامي قال حدثني عمي أبو فراس عن العذري قال
دخل أبو حزابة على عمارة بن تميم و محمد بن الحجاج وقد قدما سجستان لحرب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وكان عبد الرحمن لما قدماها هرب ولم يبق بسجستان من أصحابه إلا سبعمائة رجل من بني تميم كانوا مقيمين بها فقال لهما أبو حزابة إن الرجل قد هرب منكما ولم يبق من أصحابه أحد وإنما بسجستان من كان بها من بني تميم قبل قدومه فقالا

له ما لهم عندنا أمان لأنهم قد كانوا مع ابن الأشعث وخلعوا الطاعة فقال ما خلعوها ولكنه ورد عليهم في جمع عظيم لم يكن لهم بدفعه طاقة فلم يجيباه إلى ما أراد وعاد إلى قومه وحاصرهم أهل الشام فاستقتلت بنو تميم فكانوا يخرجون في كل يوم إليهم فيواقعونهم ويكسبونهم بالليل وينهبون أطرافهم حتى ضجروا بذلك فلما رأى عمارة فعلهم صالحهم وخرجوا إليه فلما رأى قلتهم قال أما كنتم إلا ما أرى قالوا نعم فان شئت أن نقيلك الصلح أقلناك وعدنا للحرب فقال أنا غني عن ذلك وآمنهم فقال أبو حزابة في ذلك

مدحه لبني تميم
( لله عينَا من رأى من فوارس ... أكرَّ على المكروه منهم وأصبرا )
( وَأكرمَ لو لاقَوْا سواداً مُقاربا ... ولكن لقُوا طَمّاً من البحر أخضرا )
( فما برحوا حتى أعضُّوا سيوفَهم ... ذُرَى الهام منهم والحديدَ المُسمَّرا )
( وحتى حسبناهم فوارسَ كهْمَسٍ ... حيوا بعد ما ماتوا من الدّهر أعصرا )
صوت
( إذا اللهُ لم يسق إلا الكرامَ ... فَسقَّى وُجوه بَني حَنبل )
( وسقَّى ديارَهُم باكراً ... من الغيث في الزمن المُمْحِل )
( تُكفكفه بالعَشِيّ الجنوبُ ... وتُفْرِغُهُ هزة الشَّمألِ )

كأن الرَّبابَ دويْنَ السحابِ ... نَعامٌ تعلَّقُ بالأرجل )
الشعر لزهير السكب التميمي المازني والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش

نسب زهير السكب وأخباره
هو زهير بن عروة بن جلهمة بن حجر بن خزاعي شاعر جاهلي وإنما لقب السكب ببيت قاله وقال فيه
( بَرقٌ يُضيء خلالَ البيتِ أُسْكوب ... )
شعره في الرغبة بالعودة إلى عشيرته
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثنا أبو هفان عن سعيد بن هريم عن أبيه قال
كان زهير بن عروة المازني الملقب بالسكب جاهليا وكان من أشراف بني مازن وأشدائهم وفرسانهم وشعرائهم فغاضب قومه في شيء ذمه منهم وفارقهم إلى غيرهم من بني تميم فلحقه فيهم ضيم و أراد الرجوع إلى عشيرته فأبت نفسه ذلك عليه فقال يتشوق ناسا منهم كانوا بني عمه دينه يقال لهم بنو حنبل
( إذا لله لم يَسْقِ إلا الكرامَ ... فسقَّى وجوهَ بني حَنْبلِ )
( مُلِثّاً أحمَّ دواني السّحاب ... هَزيم الصلاصل والأزملِ )

( تكركره خضخضاتُ الجنوب ... وتفرغه هِزة الشَّمأل )
( كأن الربابَ دُوينَ السحابِ ... نَعام تعلَّق بالأرجُلِ )
( فنعم بَنو العم والأقربون ... لدى حُطمَةِ الزمن المُمْحلِ )
( ونعم المواسونَ في النائبات ... للجار والمعتفي المُرْمِلِ )
( ونعم الحماةُ الكفاةُ العظيمَ ... إذا غائِظُ الأمر لم يُحلَلِ )
( ميامينُ صُبْرٌ لدىَ المعضلاتِ ... على مُوجع الحدّثِ المعضِلِ )
( مباذيلُ عفواً جزيلَ العطاء ... إذا فَضلةُ الزاد لم تُبذَل )
( هم سبقوا يوم جَرْي الكرامِ ... ذَوي السبق في الزمن الاوّل )
( وسامَوْا إلى المجد أهلَ الفَعال ... فطالوا بفعلهم الأطوَل )
أخبرنا هاشم بنُ محمد الخزاعي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال
سأل رجل أبا عمرو بن العلاء عن الرباب فقال أما تراه معلقاً بالسحاب كالذيل له أما سمعت قول صاحبنا السكب
( كأن الرَّبابَ دُوَيْنَ السحاب ... نَعامٌ تعلَّق بالأرجل )

صوت
( سلا عن تذكُّره تُكِتَما ... وكان رَهِينا بها مُغرَما )
( وأقصرَ عنها وآثارُها ... تُذكِّره داءها الأقدما )
الشعر للنمر بن تولب والغناء لخزرج خفيف ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي

أخبار النمر بن تولب ونسبه
هو النمر بن تولب بن أقيش بن عبد كعب بن عوف بن الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عكل واسم عكل عوف بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار
شاعر مقل مخضرم أدرك الجاهلية وأسلم فحسن إسلامه ووفد إلى النبي وكتب له كتاباً فكان في أيدي أهله وروى عنه حديثاً سأذكره في موضعه وكان النمرُ أحد أجواد العرب المذكورين وفرسانهم
سمي بالكيس لجودة شعره
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال أخبرنا محمد بن حبيب قال قال الأصمعي
كان أبو عمرو بن العلاء يسمي النمر بن تولب الكيس لجودة شعره وحسنه
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن سلام الجمحي وأخبرنا به أبو خليفة في كتابه إلي عن محمد بن سلام قال

كان النمر بن تولب جواداً لا يليق شيئاً وكان شاعرا فصيحا جريئاً على المنطق وكان أبو عمرو بن العلاء يسميه الكيس لحسن شعره
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال أخبرنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا قرة بن خالد عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أخي مطرف وأخبرني أبو خليفة في كتابه إلي قال حدثنا محمد بن سلام قال
وفد النمر بن تولب على النبي وكتب له كتاباً أخبرناه قرة بن خالد السدوسي وسعيد بن إياس الجريري عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير أخي مطرف

حظي بكتاب من رسول الله
)
وأخبرني عمي عن القاسم عن محمد الأنباري عن أحمد بن عبيد عن الأصمعي عن قرة بن خالد عن يزيد بن عبد الله أخي مطرف واللفظ قريب بعضه من بعض قال
بينما نحن بهذا المربد جلوس يعني مربد البصرة إذ أتى علينا أعرابي أشعث الرأس فوقف علينا فقلنا والله لكأن هذا الرجل ليس من أهل هذا البلد قال أجل وإذا معه قطعة من جراب أو أديم فقال هذا كتاب كتبه لي رسول الله فقرأناه فإذا فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني زهير هكذا قال أحمد بن عبيد وقال الباقون لبني زهير بن أقيش حي من عكل إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين

وأعطيتم الخمس من الغنائم وسهم النبي والصفي فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله
وقال أحمد بن عبيد الله في خبرة خاصه لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم وقالوا جميعاً في الخبر فقال له القوم حدثنا رحمك الله ما سمعت من رسول الله فقال سمعت رسول الله يقول ( صوم شهر الصبر وصوم ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن كثيراً من وحر الصدر )
فقال له القوم أأنت سمعت هذا من رسول الله فقال أراكم تخافون أن أكذب على رسول الله لا حدثتكم حديثاً ثم أهوى إلى الصحيفة وانصاع مدبرا
قال يزيد بن عبد الله فقيل لي بعد ما مضى هذا النمر بن تولب العكلي الشاعر
كان مثالاً للكرم
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن خلف قال اخبرنا محمد بن سلام قال
خرج النمر بن تولب بعدما كبر في إبله فسأله سائل فأعطاه فحل إبله فلما رجعت الإبل إذا فحلها ليس فيها فهتفت به امرأته وعذلته وقالت فهلا غير فحل إبلك فقال له
( دَعِيني وأمري سأكفيِكهِ ... وكُوني قعيدةَ بيت ضُباعا )
( فإنك لن تَرْشُدي غاويا ... ولن تدركي لك حظَّاً مُضاعا )

وقال أيضا في عذلها إياه
( بَكَرتْ باللّوم تَلحانَا ... في بعير ضلَّ أو حَانَا )
( عَلِقَتْ لوّاً تُكرّرها ... إنّ لوا ذاكَ أعيانَا )
قال وأدرك الإسلام فأسلم

شعره بعد أن خدعته زوجه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سلام قال كان للنمر بن تولب أخ يقال له الحارث بن تولب وكان سيدا معظما فأغار الحارث على بني أسد فسبى امرأة منهم يقال لها جمرة بنت نوفل فوهبها لأخيه النمر بن تولب ففركته فحبسها حتى استقرت وولدت له أولادا ثم قالت له في بعض أيامها أزرني أهلي فإني قد اشتقت إليهم فقال لها أني أخاف أن صرت إلى اهلك أن تغلبيني على نفسك فواثقته لترجعن إليه فخرج بها في الشهر الحرام حتى أقدمها بلاد بني أسد فلما أطل على الحي تركته واقفا وانصرفت إلى منزل بعلها الأول فمكثت طويلا فلم ترجع إليه فعرف ما صنعت وأنها اختدعته فانصرف و قال
( جزى الله عنا جَمرةَ ابنة نوفَلٍ ... جزاء مُغِلٍّ بالأمانة كاذبِ )
( لهان عليها أمسِ موقف راكب ... إلى جانب السَّرْحات أخيبِ خَائبِ )

( وقد سألتْ عني الوشاة ليَكذبوا ... عليَّ وقد أبليتها في النوائب )
( وصدَّت كأنَّ الشمسَ تحتَ قِناعها ... بدا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجب )
و قال فيها أيضا
( كل خليل عليه الرعاث ... ُ والحُبَلاتُ كَذوب مَلِقْ )
الحبلات واحداتها حبلة وهي جنس من الحلي قدر ثمر الطلح
( وقامتْ إليَّ فأحلفتُها ... بهدَيٍ قلائده تختفق )
( بأَن لا أخونَكَ فيما علمت ... فإن الخيانَةَ شرُّ الخُلقْ )
و قال فيها أشعارا كثيرة يطول ذكرها
أخبرني اليزيدي عن محمد بن حبيب قال
كان أبو عمرو يشبه شعر النمر بشعر حاتم الطائي

صالح بن حسان يعتبره أفتى الشعراء
أخبرني الحسين بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال
بلغني أن صالح بن حسان قال يوما لجلسائه أي الشعراء أفتى قالوا عمر بن أبي ربيعة وقالوا جميل وأكثروا القول فقال أفتاهم النمر بن تولب حين يقول

( أهيمُ بدَعد ما حييتُ وإن أمُتْ ... فواحزنَا مَنْ ذا يَهيمُ بها بَعدي )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن زهير عن محمد بن سلام قال
حج النمر بن تولب بعد هرب جمرة منه فنزل بمنى ونزلت جمرة مع زوجها قريبا منه فعرفته فبعثت إليه بالسلام وسألته عن خبره ووصته خيرا بولده منها فقال
( فحُيِّيتِ عن شَحطٍ بخيرِ حَديثنا ... ولا يأمنُ الأيامَ إلا المُضَلَّلُ )
( يودُّ الفتى طولَ السلامة والغنِى ... فكيف يرى طولَ السَّلامة يفعلُ )
أخبرني ابن المرزبان قال حدثنا أبو محمد اليزيدي عن الأصمعي
وأخبرنا اليزيدي عن ابن حبيب عن الأصمعي قال
لما وفد النمر بن تولب على النبي أنشده
( يا قوم إني رجل عندي خَبرْ ... لله من آياته هذا القَمَرْ )
( والشمسُ والشعرى آياتٌ أُخَرْ ... من يتسامَ بالهدى فالخبثُ شَرّ )
( إنا أتيناك وقد طال السفَرْ ... نَقودُ خَيلا رُجُعا فيها ضَرَرْ )
( نُطعْمُها اللحمَ إذا عزَّ الشَّجَر ... )
قال اليزيدي عن ابن حبيب خاصة قال الأصمعي أطعمها اللحم أسقيها اللبن والعرب تقول اللبن أحد اللحمين و قال ابن

حبيب قال ابن الأعرابي كانت العرب إذا لم تجد العلف دقت اللحم اليابس فأطعمته الخيل

نسي امرأته بحب جديد
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش وأخبرنا ابن المرزبان قال أخبرني عيسى بن يونس قال حدثني محمد بن الفضل قال حدثنا الهيثم بن عدي عن ابن عباس قال
لما فارق النمر بن تولب امرأته الأسدية جزع عليها حتى خيف على عقله ومكث أياما لا يطعم ولا ينام فلما رأت عشيرته منه ذلك أقبلوا عليه يلومونه ويعيرونه و قالوا أن في نساء العرب مندوحة و متسعا وذكروا له امرأة من فخذه الأدنين يقال لها دعد ووصفوها له بالجمال و الصلاح فتزوجها ووقعت من قلبه وشغلته عن ذكر جمرة وفيها يقول
( أهيمُ بدعد ما حيِيتُ فإِن أمُتْ ... أُوَكِّلْ بدَعْدٍ من يَهيمُ بها بَعدِي )
والناس يروون هذا البيت لنصيب وهو خطأ
أخبرني اليزيدي عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه
وأخبرني إبراهيم بن محمد الصائغ عن ابن قتيبة عن عبد الرحمن عن عمه عن حماد بن ربيعة انه قال
أظرف الناس النمر بن تولب حيث يقول

( أهيمُ بدعد ما حييتُ فإِن أمت ... أوكِّلْ بدعد مَنْ يهيم بها بعدي )

رثاؤه لزوجه جمرة
أخبرني ابن المرزبان قال أخبرني عبد الله بن محمد قال أخبرني محمد بن سلام قال
لما بلغ النمر بن تولب أن امرأته جمرة توفيت نعاها له رجل من قومه يقال له حزام أو حرام فقال
( ألم تر أنَّ جمرةَ جاء مِنها ... بيانُ الحقِّ إنْ صدقَ الكلامُ )
( نعاها بالنديِّ لنا حزامٌ ... حَديث ما تحدثُ يا حَرامُ )
( فلا تبعَد وقد بعِدَتْ وأجرى ... على جَدثٍ تضمَّنَها الغَمامُ )
قال الأصمعي يقال بعد وأبعد
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي عن أبي عمرو وأخبرني به هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة عن أبي عمرو و قال
أدرك النمر بن تولب النبي فأسلم وحسن إسلامه وعمر فطال عمره وكان جوادا واسع القرى كثير الأضياف وهابا لماله فلما كبر خرف وأهتر فكان هجيراه اصبحوا الراكب اغبقوا الراكب اقروا انحروا للضيف أعطوا السائل تحملوا لهذا في حمالته كذا و كذا

لعادته بذلك فلم يزل يهذي بهذا وشبهه مدة خرفه حتى مات
قال وخرفت امرأة من حي كرام عظيم خطرهم وخطرها فيهم فكان هجيراها زوجوني قولوا لزوجي يدخل مهدوا لي إلى جانب زوجي فقال عمر بن الخطاب وقد بلغه خبرها ما لهج به أخو عكل النمر بن تولب في خرفه أفخر وأسرى وأجمل مما لهجت به صاحبتكم ثم ترحم عليه

رثى اخاه الحارث
أخبرني ابن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري قال حدثني علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة قال
مات الحارث بن تولب فرثاه النمر فقال
( لا زال صوبٌ مِنْ ربيع وصيِّف ... يجودُ على حسن الغميم فيثرِب )
( فو الله ما أسقي البلادَ لحبِّها ... و لكنما أسقيكَ حار بن تولَب )
( تضمنْتَ أدوّاء العشيرة بينَها ... و أنت على أعواد نَعش مقُلَّب )
( كأن امرأً في الناس كنتَ ابنَ أُمه ... على فَلَج من بطن دجلة مطنب )
قال حماد الراوية كان النمر بن تولب كثير البيت السائر و البيت المتمثل به فمن ذلك قوله
( لا تغضبنَّ على امرئ في ماله ... و على كرائم صُلب مالكَ فاغضَبِ )
( و إذا تصبك خصاصة فارجُ الغِنَى ... و إلى الذي يعطي الرغائبَ فارغبِ )

وقوله
( تلبَّسْ لدهركَ أثوابَه ... فلن يبتني النّاسُ ما هُدِّما )
( وأحبب حبيبك حبّاً رويدا ... فليس يعولُك أن تصْرِما )
( وَ أبِغض بغيضَك بُغضاً روَيداً ... إذا أنت حاولتَ أَن تحكما )
وقوله
( أعَاذلُ إن يصبحْ صداي بقَفَرةِ ... بعيدٍ فأنَّى ناصري وقريبي )
( تَرَىْ أن ما أبقيتُ لم أكُ ربَّه ... وأن الذي أفنيت كان نَصيبي )

يتحمل دية عن صديقه
نسخت من كتاب بخط السكري أبي سعيد قال محمد بن حبيب
كان للنمر بن تولب صديق فأتاه النمر في ناس من قومه يسألونه في دية احتملوها فلما رآهم وسألوه تبسم فقال النمر
( تبسم ضاحكاً لما رآني ... وأصحابي لديَّ عن التمام )
فقال له الرجل إن لي نفسا تأمرني أن أعطيكم ونفسا تأمرني ألا أفعل فقال النمر
( أما خليلي فإني غيرٌ معجِلهِ ... حتى يؤامرَ نفسيْه كما زَعما )
( نفسٌ له من نفوسِ الناس صالحةٌ ... تعطي الجزيلَ و نفس ترضع الغَنَما )
ثم قال النمر لأصحابه لا تسألوا أحدا فالدية كلها علي
خبر السيف الذي علاه الصدأ
أخبرني احمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا علي بن محمد

النوفلي قال حدثنا أبي قال حدثنا الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن بن علي قال
جاء أعرابي إلى أبي وهو مستتر بسويقة قبل مخرجه ومعه سيف قد علاه الصدأ فقال يا بن رسول الله إني كنت ببطن قديد أرعى إبلي و فيها فحل قطم قد كنت ضربته فحقد علي و أنا لا ادري فخلا بي فشد علي يريدني و أنا أحضر و دنا مني حتى أن لعابه ليسقط على رأسي لقربه مني فأنا اشتد وأنا أنظر إلى الأرض لعلي أرى شيئا أذبه عني به إذ وقعت عيني على هذا السيف قد فحص عنه السيل فظننته عودا باليا فضربت بيدي إليه فأخذته فإذا سيف فذببت به البعير عني ذبا و الله ما أردت به الذي بلغت منه فأصبت خيشومه فرميت بفقمه فعلمت انه سيف جيد وظننته من سيوف القوم الذين كانوا قتلوا في وقعة قديد و ها هوذا قد أهديته لك يا بن رسول الله قال فأخذه مني أبي وسر به و جلس الأعرابي يحادثه فبينا هو كذلك إذا أقبلت غنم لأبي ثلاثمائة شاة فيها رعاؤها فقال له أبي يا أعرابي هذه الغنم و الرعاة لك مكافأة لك عن هذا السيف قال ثم أرسل به إلى المدينة أو أرسل إلى قين فأتي به من المدينة فأمر به فحلي فخرج أكرم سيوف الناس فأمر ما تخذ له جفن ودفعه إلى أختي فاطمة بنت محمد فلما كان اليوم الذي قتل

فيه قاتل بغير ذلك السيف قال وبقي ذلك السيف عند أختي فاطمة بنت محمد فزرتها يوما وهي بينبع في جماعة من أهل بيتي و كانت عند ابن عمها الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليهم أجمعين السلام فخرجت إلينا وكانت برزة تجلس لاهلها كما يجلس الرجال و تحدثهم فجلست تحدثنا و أمرت مولى لها فنحر لنا جزورا ليهيئ لنا طعاما
فنظرت إليها و الجزور في النخل باركة و قد بردت وهي تسلخ فقالت أني لا أرى في هذه الجزور مضربا حسنا ثم دعت بالسيف و قالت يا حسن فدتك أختك هذا سيف أبيك فخذه واجمع يديك في قائمة ثم اضرب به أثناءها من خلفها تريد عراقيبها وقد أثبتها للبروك وهي أربعة أعظم قال فأخذت السيف ثم مضيت نحوها فضربت عراقيبها فقطعتها و الله أربعتها و سبقني السيف فدخل في الأرض فأشفقت عليه أن ينكسر أن اجتذبته فحفرت عنه حتى استخرجته قال فذكرت حينئذ قول النمر بن تولب
( أبقى الحوادثُ و الأيامُ من نَمِرٍ ... أسبَاد سيفٍ كريم أثره بادي )
( تظلّ تحفر عنه الأرضَ مُندفعاً ... بعد الذراعين و القَيدين و الهادِي )
و يروى
( تظلُّ تحفر عنه إن ظفرتَ به ... )

مختارات من شعره
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرني أحمد بن معاوية الباهلي عن أبي عبيدة قال
قيل للنمر بن تولب كيف أصبحت يا أبا ربيعة فأنشأ يقول
( أصبحت لا يَحملُ بعضي بعضا ... أشكو العروقً الآبضات أبضا )
( كما تَشكّى الأرحَبيُّ الغَرْضا ... كأنما كان شبابي قرضا )
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال أنشدني حماد بن الأخطل بن النمر بن تولب لجده
( أعِذْني ربّ من حَصَرٍ وعِيٍّ ... ومن نفَسٍ أعالجها علاجا )
( ومن حاجات نفسٍ فاعصِمني ... فإن لمضْمرات النفسِ حَاجَا )
( فأنت ولُّيها وبرئتُ مِنها ... إليك فما قضيتُ فلا خِلاجَا )
ثم قال كان النمر أفتى خلق الله فقلت وما كانت فتوته قال أو ليس فتى من يقول
( أهيمُ بدعد ما حييتُ فإن أمتْ ... فواحَزنا من ذَا يهيم بها بَعْدي )
صوت
( أيا صاحبيْ رحلي دنا الموتُ فانزٍلا ... برابيةٍ إني مقيمٌ لياليا )

( وخُطّا بأطراف الأسنَّةِ مضجَعي ... ورُدّا عَلَى عَيْنَّي فضلَ رِدائيا )
( ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكما ... من الأرض ذات العَرض أن توسعا ليا )
( لعمري لئن غالتْ خراسانَ هامتي ... لقد كنتُ عن بابيْ خُراسانَ نائيا )
( فياليتَ شِعري هل أبيتَنَّ ليلةً ... بجنبِ الغضا أُزجي القِلاصَ النواجيا )
الشعر لمالك بن الريب و الغناء لمعبد مما لا يشك فيه من غنائه خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق و يونس و عمرو و دنانير وفيه خفيف ثقيل آخر لابن عائشة من رواية علي بن يحيى وفيه لابن سريج هزج بالخصر في مجرى البنصر عن ابن المكي وفيه لإبراهيم رمل بالوسطى عن عبد الله بن موسى في الأول و الثالث من الأبيات ولإبراهيم ثقيل أول في الخامس ثم الرابع عن الهشامي و قيل أن الرمل المنسوب إليه لنبيه

أخبار مالك بن الريب و نسبه
هو مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم
كان من الشعراء اللصوص
)
وكان شاعرا فاتكا لصا و منشؤه في بادية بني تميم بالبصرة من شعراء الإسلام في أول أيام بني أمية
أخبرني بخبره علي بن سليمان الاخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وعن هشام بن الكلبي وعن الفضل بن محمد وإسحاق بن الجصاص و حماد الرواية و كلهم قد حكى من خبره نحوا مما حكاه الآخرون قالوا
استعمل معاوية بن أبي سفيان سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان فمضى سعيد بجنده في طريق فارس فلقيه بها مالك بن الريب المازني و كان من أجمل الناس وجها و أحسنهم ثيابا فلما رآه سعيد أعجبه و قال له مالك و يحك تفسد نفسك بقطع الطريق وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث و الفساد وفيك هذا الفضل قال يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات و مكافأة الإخوان قال فإن أنا أغنيتك

واستصحبتك أتكف عما كنت تفعل قال أي و الله أيها الأمير أكف كفا لم يكف أحد أحسن منه قال فاستصحبه وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر
قالوا
وكان السبب الذي من أجله وقع مالك بن الريب إلى ناحية فارس أنه كان يقطع الطريق هو وأصحاب له منهم شظاظ وهو مولى لبني تميم و كان أخبثهم وأبو حردبة أحد بني أثالة بن مازن و غويث أحد بني كعب بن مالك بن حنظلة و فيهم يقول الراجز
( اللّهُ نجاكَ من القصيم ... وَبطنِ فَلْج وبني تميم )
( ومن بني حردبة الأثيم ... ومالكٍ وسيفه المسمومِ )
( وَمن شِظاظ الأحمرٍ الزَّنيم ... وَمن غويث فاتح العُكوم )
فساموا الناس شرا و طلبهم مروان بن الحكم وهو عامل على المدينة فهربوا فكتب إلى الحارث بن حاطب الجمحي وهو عامله على بني عمرو بن حنظلة يطلبهم فهربوا منه

توعد الحارث بن حاطب
وبلغ مالك بن الريب أن الحارث بن حاطب يتوعده فقال
( تألّى حِلفةً في غير جُرْمٍ ... أميري حارث شِبهُ الصّرار )

عليّ لأجْلِدَنْ في غير جُرم ... ولا أُدنى فينفعني اعتذاري )
( وقلتُ وقد ضممتُ إليَّ جأشِي ... تحلَّلْ لا تألَّ عليَّ حارِ )
( فإني سوف يكفينيكَ عَزمي ... ونصُّ العيسَ بالبلد القفارِ )
( وعنسٌ ذات معجمة أمونٌ ... علنداة موثَّقَة الفَقارِ )
( تَزيف إذا تواهقتِ المطايا ... كما زاف المشرِّف للخِطار )
( وإن ضربتْ بلَحييها و عامت ... تفصَّم عنهما حلقُ السِّفارِ )
( مِراحاً غير ما ضغْنٍ ولكنْ ... لَجاجاً حين تشتُبه الصحاري )
( إذا ما استقبلتْ جَوْناً بَهيما ... تفرَّج عن مخيَّسة حِضَار )
( إذا ما حال روض رُباب دوني ... وَتَثَليثٍ فشأنُك بالبكارِي )
( وأنيابٌ سيُخلفُهنّ سَيفي ... وشدَّاتُ الكميِّ عَلَى التِّجار )
( فإن أسطَعْ أرٍحْ منه أُناسي ... بضربة فاتك غيرِ اعتذارِ )
( وإن يُفلتْ فإِني سوفَ أبغي ... بنيهِ بالمدينة أو صِرارِ )

( ألا من مبلغٌ مروانَ عني ... فإني ليسَ دهري بالفِرارِ )
( ولا جزِع من الحدَثانِ يوماً ... ولكني أرود لكم و بارِ )
و بار أرض لم يطأ أحد ثراها
( بهزمار ترادُ العِيس فيهَا ... إذا أشفقنَ من قَلق الصِّفارِ )
( وهنَّ يحشْن بالأعناق حوْشا ... كأن عظامهنَِّ قِداحُ بارِ )
( كأنّ الرحْل أَسأَرَ من قَراها ... هلالَ عشية بعد السِّرار )
( رأيتُ وقد أَتى بُحْرانُ دُوني ... لليلى بالغُميِّم ضوء نارِ )
( إذا ما قلتُ قد خمدَتْ زَهاها ... عُصيُّ الرند والعصْف السواري )
( يُشَبُّ وقودها ويلوحُ وَهْناً ... كما لاح الشَّبوب من الصَّوار )
( كأَن النَّار اذْ شُبتْ لليلى ... أَضاءَتْ جيدَ مُغزلة نَوارِ )
( و تصطادُ القلوبَ على مطاها ... بلا جَعْد القرون ولا قِصارِ )
( وتبسم عن نقيّ اللون عَذْبٍ ... كما شِيفَ الأقاحي بالقطارِ )
( أتجزعُ أَن عرفتَ ببطن قَوٍّ ... و صحراء الأدَيهم رسمَ دارِ )

( وإن حلَّ الخليطُ و لستُ فيهم ... مرابع بين دحْلَ إلى سَرارِ )
( إذا حلُّوا بعائجةٍ خلاء ... يُقطِّفُ نوْرَ حَنْوِتها العذارِي )
فبعث إليه الحارث رجلا من الأنصار فأخذه وأخذ أبا جردبة فبعث بأبي حردبة وتخلف الأنصاري مع القوم الذين كان مالك فيهم وأمر غلاما له فجعل يسوق مالكا فتغفل مالك غلام الأنصاري وعليه السيف فانتزعه منه وقتله به وشد على الأنصاري فضربه بالسيف حتى قتله وجعل يقتل من كان معه يمينا وشمالا
ثم لحق بأبي حردبة فتخلصه وركبا إبل الأنصاري و خرجا فرارا من ذلك هاربين حتى أتيا البحرين واجتمع إليهما أصحابهما ثم قطعوا إلى فارس فرارا من ذلك الحدث الذي أحدثه مالك فلم يزل بفارس حتى قدم عليه سعيد بن عثمان فاستصحبه

شعره في مهربه
فقال مالك في مهربه ذلك
( أحقّاً على السلطان أمّا الذي لَهُ ... فيُعطِي وأما ما يرادُ فيمنعُ )
( إذا ما جعلتُ الرملَ بيني وبينَه ... وأعرضَ سهبٌ بين يبرين بلقَعُ )

( من الأُدَمى لا يستجمُّ بها القَطَا ... تكلُّ الرياحُ دونَه فتقطَّعُ )
( فشأنكم يا آل مَروانَ فاطلبُوا ... سِقاطي فما فيه لباغيه مَطمعُ )
( وَما أنا كالغَير المقيم لأَهلِه ... على القَيْد في بُحبوحة الضَّيم يَرتعُ )
( ولولا رسولُ اللهِ أن كان منكمُ ... تبيَّن من بالنَّصف يَرضى ويقنعُ )
وقال أيضا
( لو كنتمُ تُنكرونَ العُذر قلت لكم ... يا آل مروانَ جاري منكم الحكمُ )
( وَأتَّقكم يمينُ الله ضاحيةً ... عند الشهود وَقد توفي به الذممُ )
( لا كنتُ أحدث سوْءاً في إمارتكم ... وَلا الذي فات مني قبل ينتقمُ )
( نحنُ الذين إذا خفتُم مجلِّلةً ... قلتم لنا إنّنا منكم لتَعتصِمُوا )
( حتى إذا انفرجَتْ عنكم دجُنَّتُها ... صرتم كجَرمٍ فلا إلٌّ وَلا رَحِم )

قوله في محاولة إغتياله
وقال مالك حين قتل غلام الأنصاري الذي كان يقوده
( غلامٌ يقول السيف يُثقل عاتِقي ... إذا قادني وَسْطَ الرجال المُجَحْدِل )
( فلولا ذُبابُ السيفِ ظلَّ يقودُني ... بِنسعته شَثْنُ البنان حزنْبل )
قالوا وبينما مالك بن الريب ذات ليلة في بعض هناته وهو نائم وكان

لا ينام إلا متوشحاً بالسيف إذ هو بشيء قد جثم عليه لا يدري ما هو فانتفض به مالك فسقط عنه ثم انتحى له بالسيف فقده نصفين ثم نظر إليه فإذا هو رجل أسود كان يقطع الطريق في تلك الناحية فقال مالك في ذلك
( أدلجتُ في مهمهٍ ما إن أرّى أحداُ ... حتى إذا حان تعريسٌ لمن نَزلا )
( وضعتُ جنبي وقلتُ الله يكلؤني ... مهما تنم عنكَ من عينٍ فما غفَلا )
( والسيفُ بيني وبين الثوب مُشعرَه ... أخشى الحوادث إني لم أكن وَكِلا )
( ما نمتُ إلا قليلاً نمتُه شئِزاً ... حتى وجدتُ على جُثمانيَ الثِّقلا )
( داهية من دواهي الليلِ بيّتني ... مُجاهداً يبتغي نفسي وما ختَلا )
( أهويتُ نفحاً له والليل ساترُه ... إلا توخيتُه والجرس فانخزَلا )
( لما ثنى اللهُ عني شرَّ عَدْوته ... رقدت لا مُثبَتاً ذُعراً ولا بَعِلا )
( أما ترى الدار قَفراً لا أَنيسَ بها ... إلا الوحوشَ وأَمسى أهلُها احتمَلا )
( بين المُنيفةِ حيث استنَّ مَدفعُها ... وبين فردةَ من وحشيِّها قَبلا )
( وقد تقولُ وما تخفي لجارتها ... إني أرى مالكَ بنَ الريب قد نَحَلا )

( من يشهد الحربَ يصلاها ويسعِرُها ... تراه مما كسته شاحباً وجِلاَ )
( خذها فإني لضرَّاب إذا اختلفت ... أيدي الرجال بضرب يختِلُ البطَلا )
وقال مالك في ذلك أيضا
( يا عاملاً تحتَ الظلام مطيّةً ... متخايلا لا بلْ وغير مخاتلِ )
( أنَّي أُنِخْتُ لشابكٍ أنيابَه ... مستأنس بدُجى الظلام مُنازلِ )
( لا يستريع عظيمةً يُرَمى بهاِ ... حصباً يحفز عن عظام الكاهلِ )
( حرِباً تنصّبه بنبت هواجر ... عاري الأشاجع كالحسام الناصِل )
( لم يدر ما غرفُ القُصور وفيؤها ... طاوٍ بنخل سوادها المتمايل )
( يقظ الفؤادِ إذا القلوب تآنست ... جزعاً ونُبِّهَ كلُّ أروع باسلِ )
( حيث الدُّجى متطلِّعاً لغفوله ... كالذئب في غلَس الظلام الخاتِلِ )
( فوجدته ثَبْتَ الجنان مُشيَّعاً ... ركَّابَ مَنسج كلِّ أمر هائلِ )
( فقراك أبيض كالعقيقة صارماً ... ذا رَونق يعني الضريبة فاصلِ )
( فركبتَ ردعك بين ثَنْي فائزٍ ... يعلو به أثر الدماء وشائلِ )

عرض عليه أن يكون سائس إبل فرفض
قال وانطلق مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان إلى خراسان حتى

إذا كانوا في بعض مسيرهم احتاجوا إلى لبن فطلبوا صاحب إبلهم فلم يجدوه فقال مالكُ لغلام من غلمان سعيد أدن مني فلانة لناقة كانت لسعيد عزيزة فأدناها منه فمسحها وأبس بها حتى درت ثم حلبها فإذا أحسن حلب حلبه الناس وأغزره درة فانطلق الغلام إلى سعيد فأخبره فقال سعيد لمالك هل لك أن تقوم بأمر إبلي فتكون فيها وأجزل لك الرزق إلى ما أرزقك وأضع عنك الغزو فقال مالك في ذلك
( أني لأستحيي الفوارسَ أن أُرى ... بأرض العدا بوَّ المخاضِ الروائم )
( وإني لأستحيي إذّا الحربُ شمَّرَتْ ... أن ارْخِيَ دون الحرب ثوبَ المُسالم )
( وما أنا بالنائي الحفيظة في الوغى ... ولا المتقي في السلم جَرّ الجرائمِ )
( ولا المتأبي في العواقب للذي ... أهمُّ به من فاتكاتِ العزائمِ )
( ولكنني مستوحدُ العزم مِقدَمٌ ... على غمرات الحادث المتفاقم )
( قليلُ اختلاف الرأْي في الحر باسلٌ ... جميعُ الفؤاد عند حلِّ العظائمِ )
فلما سمع ذلك منه سعيد بن عثمان علم أنه ليس بصاحب إبل وأنه صاحب حرب فانطلق به معه
قالوا وبينما مالك بن الريب ليلة نائم في بعض مفازاته إذ بيته ذئب فزجره فلم يزدجر فأعاد فلم يبرح فوثب إليه بالسيف فضربه فقتله وقال مالك في ذلك
( أذئبَ الغضا قد صرتَ للناس ضُحكة ... تُغادي بك الركبانُ شرقا إلى غرب )
( فأنت وإن كنتَ الجريءَ جنانُه ... مُنيتَ بَضرغام من الأُسُد الغُلْبِ )

( بمن لا ينامُ الليلَ إلا وسيفُه ... رهينةُ أقوام سِراعٍ إلى الشَّغْب )
( ألم ترني يا ذئبُ إذ جئتَ طارقاً ... تخاتِلُني أني أمرؤ وافرُ اللُّبِّ )
( زجرتكَ مراتٍ فلما غلبتَنِي ... ولم تنزجر نهنهتُ غربَك بالضربِ )
( فصرت لقىً لمّا علاكَ ابنُ حرَّة ... بأبيض قطَّاع يُنَجّي من الكَرْبِ )
( ألا ربَّ يومٍ ريبَ لو كنت شاهداً ... لهالك ذِكْرِي عند مَعمعمة الحربِ )
( ولستَ تَرى إلا كَمِيّاً مجدَّلاً ... يداه جميعاً تثبتانِ من التُّربِ )
( وآخر يهوِي طائرَ القلبِ هارباً ... وكنتُ أمرأً في الهيْج مجتمعَ القلبِ )
( أصولُ بذي الزرِّين أمشي عَرضْنةً ... إلى الموت والأقرانُ كالإبلِ الجُرب )
( أرى الموت لا أنحاشُ عنه تكرّما ... ولو شئتُ لم أركَب على المركَب الصعب )
( ولكن أبتْ نفسي وكانت أبيَّةً ... تَقاعَسُ أو ينصاعَ قومُ من الرعبِ )

شعره حين فارق ابنته
قال أبو عبيدة لما خرج مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان تعلقت ابنته بثوبه وبكت وقالت له أخشى أن يطول سفرك أو يحول الموت بيننا فلا نلتقي فبكى وأنشأ يقول
( ولقد قلتُ لابنتي وهي تبكي ... بدخيلِ الهُموم قلباً كئيبا )

وهي تُذري من الدموع على الخدّين ... من لوعة الفراقِ غُرُوبا )
( عَبَرات يكدن يجرحْن ما جُزْن ... به أو يدعْنَ فيه نُدوبا )
( حذرَ الحتفِ أن يصيب أباها ... ويلاقي في غير أهلٍ شَعوبا )
( اسكُتي قد حززتِ بالدمع قلبي ... طالما حزَّ دمعكُنَّ القلوباَ )
( فعسى اللهُ أن يدْفعَ عنِّي ... ريبَ ما تحذرين حتى أؤوبا )
( ليس شيءٌ يشاؤه ذُو المعالي ... بعزيزٍ عليه فادْعِي المُجيبا )
( ودَعي أَن تُقَطِّعي الأن قَلبي ... أَو تُريني في رحلتي تَعذيبا )
( أنا في قبضةِ الإِله إذا كُنْ ... تُ بعيداً أو كنتُ منكِ قريباً )
( كم رأينا امرأً أتى من بعيدٍ ... ومقيماً على الفراشِ أُصيبا )
( فدعيني من انتحابِكِ إني ... لا أبالي إذا اعتزمتُ النَّحيبا )
( حسبيَ الله ثم قرّبتُ لِلسَّيْر ... ِ علاةً أنَجِبْ بها مَركُوباً )
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال
كان سبب خروج مالك بن الريب إلى خراسان واكتتابه مع سعيد بن عثمان هرباً من ضرطة فسألته كيف كان ذلك قال مر مالك بليلى الاخيلية فجلس إليها يحادثها طويلاً وأنشدها فأقبلت عليه وأعجبت به حتى طمع في وصلها ثم إذا هو بفتىً قد جاء إليها كأنه نصل

سيف فجلس إليها فأعرضت عن مالك وتهاونت به حتى كأنه عندها عصفور وأقبلت على صاحبها ملياً من نهارها فغاظه ذلك من فعلها وأقبل على الرجل فقال من أنت فقال توبة بن الحمير فقال هل لك في المصارعة قال وما دعاك إلى ذلك وأنت ضيفنا وجارنا قال لا بد منه فظن أن ذلك لخوفه منه فازداد لجاجاً فقام توبة فصارعه فلما سقط مالك إلى الأرض ضرط ضرطة هائلة فضحكت ليلى منه
واستحيا مالك فاكتتب بخراسان وقال لا أقيم في بلد العرب أبداً وقد تحدثت عني بهذا الحديث فلم يزل بخراسان حتى مات فقبره هناك معروف

يتذاكر واصحابه ماضيهم في السرقة
وقال المدائني وحدثني أبو الهيثم قال
اجتمع مالك بن الريب وأبو حردبة وشظاظ يوماً فقالوا تعالوا نتحدث بأعجب ما عملناه في سرقتنا فقال أبو حردبة أعجب ما صنعت وأعجب ما سرقت أني صحبت رفقة فيها رجل على رحل فأعجبني فقلت لصاحبي والله لأسرقن رحله ثم لا رضيت أو آخذ عليه جعالة فرمقته حتى رأيته قد خفق برأسه فأخذت بخطام جمله فقدته وعدلت به عن الطريق حتى إذا صيرته في مكان لا يغاث فيه إن استغاث أنخت البعير وصرعته فأوثقت يده ورجله وقدت الجمل فغيبته ثم رجعت إلى الرفقة وقد فقدوا صاحبهم فهم يسترجعون فقلت ما

لكم فقالوا صاحب لنا فقدناه فقلت أنا أعلم الناس بأثره فجعلوا لي جعالة فخرجت بهم أتبع الأثر حتى وقفوا عليه فقالوا مالك قال لا أدري نعست فانتبهت لخمسين فارسا قد أخذوني فقاتلتهم فغلبوني
قال أبو حردبة فجعلت أضحك من كذبه وأعطوني جعالتي وذهبوا بصاحبهم
وأعجب ما سرقت انه مر بي رجل معه ناقة و جمل وهو على الناقة فقلت لأخذنهما جميعا فجعلت أعارضه وقد رأيته قد خفق برأسه فدرت فأخذت الجمل فحللته وسقته فغيبته في القصيم وهو الموضع الذي كانوا يسرقون فيه ثم انتبه فالتفت فلم ير جمله فنزل وعقل راحلته ومضى في طلب الجمل ودرت فحللت عقال ناقته و سقتها
فقالوا لأبي حردبة و يحك فحتام تكون هكذا قال اسكتوا فكأنكم بي وقد تبت واشتريت فرسا وخرجت مجاهدا فبينا أنا واقف إذ جاءني سهم كأنه قطعة رشاء فوقع في نحري فمت شهيدا قال فكان كذلك تاب وقدم البصرة فاشترى فرسا وغزا الروم فأصابه سهم في نحره فاستشهد
ثم قالوا لشظاظ أخبرنا أنت أعجب ما أخذت في لصوصيتك ورأيت فيها فقال نعم كان فلان رجل من أهل البصرة له بنت عم ذات مال كثير وهو وليها و كانت له نسوة فأبت أن تتزوجه فحلف ألا يزوجها من أحد ضرارا لها و كان يخطبها رجل غني من أهل البصرة فحرصت عليه وأبى الآخر أن يزوجها منه ثم إن ولي الأمر حج حتى إذا كان

بالدو على مرحلة من البصرة حذاءها قريب منه جبل يقال له سنام وهو منزل الرفاق إذا صدرت أو وردت مات الولي فدفن برابية وشيد على قبره فتزوجت الرجل الذي كان يخطبها قال شظاظ
و خرجت رفقة من البصرة معهم بز و متاع فتبصرتهم وما معهم وأتبعتهم حتى نزلوا فلما ناموا بيتهم وأخذت من متاعهم ثم إن القوم أخذوني وضربوني ضربا شديدا وجردوني قال وذلك في ليلة قرة و سلبوني كل قليل وكثير فتركوني عريانا وتماوت لهم وارتحل القوم فقلت كيف أصنع ثم ذكرت قبر الرجل فأتيته فنزعت لوحه ثم احتفرت فيه سربا فدخلت فيه ثم سددت علي باللوح و قلت لعلي الآن أدفأ فأتبعهم قال ومر الرجل الذي تزوج بالمرأة في الرفقة فمر بالقبر الذي أنا فيه فوقف عليه و قال لرفيقه و الله لأنزلن إلى قبر فلان حتى أنظر هل يحمي الآن بضع فلانة قال شظاظ فعرفت صوته فقلعت اللوح ثم خرجت عليه بالسيف من القبر بلى ورب الكعبة لأحمينها فوقع والله على وجهه مغشيا عليه لا يتحرك و لا يعقل فسقط من يده خطام الراحلة فأخذت وعهد الله بخطامها فجلست عليها و عليها كل أداة وثياب ونقد كان معه ثم وجهتها قصد مطلع الشمس هاربا من الناس فنجوت بها فكنت بعد ذلك أسمعه يحدث الناس بالبصرة ويحلف لهم أن الميت الذي كان منعه من تزويج المرأة خرج عليه من قبره بسلبه و كفنه
فبقي يومه ثم هرب منه والناس يعجبون منه فعاقلهم يكذبه و الأحمق

منهم يصدقه وأنا اعرف القصة فأضحك منهم كالمتعجب
قالوا فزدنا قال فأنا أزيدكم أعجب من هذا وأحمق من هذا إني لأمشي في الطريق أبتغي شيئا أسرقه قال فلا و الله ما وجدت شيئا قال و كان هناك شجرة ينام من تحتها الركبان بمكان ليس فيه ظل غيرها وإذا أنا برجل يسير على حمار له فقلت أتسمع قال نعم قلت أن المقيل الذي تريد أن تقيله يخسف بالدواب فيه فاحذره فلم يلتفت إلى قولي قال ورمقته حتى إذا نام أقبلت على حماره فاستقته حتى إذا برزت به قطعت طرف ذنبه وأذنيه وأخذت الحمار فخبأته وأبصرته حين استيقظ من نومه فقام يطلب الحمار ويقفو أثره فبينا هو كذلك إذ نظر إلى طرف ذنبه و أذنيه فقال لعمري لقد حذرت لو نفعني الحذر واستمر هاربا خوف أن يخسف به فأخذت جميع ما بقي من رحله فحملته على الحمار واستمر فألحق بأهلي
قال أبو الهيثم ثم صلب الحجاج رجلا من الشراة بالبصرة وراح عشيا لينظر إليه فإذا برجل بإزائه مقبل بوجهه عليه فدنا منه فسمعه يقول للمصلوب طال ما ركبت فأعقب فقال الحجاج من هذا قالوا هذا شظاظ اللص قال لا جرم والله ليعقبنك ثم وقف أمر بالمصلوب فأنزل وصلب شظاظ مكانه

موته
قال ابن الأعرابي
مرض مالك بن الريب عند قفول سعيد بن عثمان من خراسان في

طريقه فلما أشرف على الموت تخلف معه مرة الكاتب و رجل آخر من قومه من بني تميم وهما اللذان يقول فيهما
( أيا صاحبيْ رَحْلي دنا الموتُ فانزلا ... برابية إني مقيمٌ لياليا )
ومات في منزله ذلك فدفناه وقبره هناك معروف إلى الآن و قال قبل موته قصيدته هذه يرثي بها نفسه
قال أبو عبيدة الذي قاله ثلاثة عشر بيتا و الباقي منحول ولده الناس عليه

صوت
( فما بيضةٌ بات الظليمٌ يَحفُّها ... ويرفعُ عنها حُؤجُؤاً مُتجافيا )
( بأحسنَ منها يوم قالتْ أظاعنٌ ... مع الرَّكل أم ثاو ولدينا لياليا )
( وهبَّتْ شمالٌ آخر الليل قَرّةٌ ... ولا ثوب إلاَّ بُرْدُها وردائيا )
( وما زال بُردى طيِّباً من ثيابِهَا ... إلى الحولِ حتى أنهَجَ الثوبُ باليا )
الشعر لعبد بني الحسحاس و الغناء لابن سريج في الأول و الثاني من الأبيات ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفي الثالث و الرابع لمخارق خفيف ثقيل عمله على صنعة إسحاق في
( أماويَّ إن المال غادٍ ورائحُ ... )
وكاده بذلك ليقال أن لحنه أخذه منه وألقاه على عجوز عمير فألقته

على الناس حتى بلغ الرشيد خبره ثم كشفه فعلم حقيقته ومن لا يعلم ينسبه إلى غيره وقد ذكر حبش انه لإبراهيم وذكر غيره أنه لابن المكي
وقد شرحت هذا الخبر في أخبار إسحاق

أخبار عبد بني الحسحاس
اسمه سحيم وكان عبدا أسود نوبيا أعجيما مطبوعا في الشعر فاشتراه بنو الحسحاس وهم بطن من بني أسد قال أبو عبيدة الحسحاس بن نفاثة بن سعيد بن عمرو بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة
قال أبو عبيدة فيما أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعي عن أبي حاتم عنه كان عبد بني الحسحاس عبدا أسود أعجميا فكان إذا أنشد الشعر استحسنه أم استحسنه غيره منه يقول أهشنت والله يريد أحسنت والله وأدرك النبي ويقال إنه تمثل بكلمات من شعره غير موزونة
تمثل الرسول ببيت له
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا الحسن بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي تمثل
( كفى بالإسلام والشيبِ ناهيا ... )
فقال أبو بكر يا رسول الله
( كفى الشيبُ و الإسلام للمرء ناهيا ... )

فجعل لا يطيقه فقال أبو بكر أشهد انك رسول الله ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له )
قال محمد بن خلف وحدثني احمد بن شداد عن أبي سلمة التبوذكي عن حماد بن سلمة عن رجل عن الحسن مثله وروى عن أبي بكر الهذلي أن اسم عبد بني الحسحاس حية
وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال كان عبد بني الحسحاس حلو الشعر رقيق الحواشي وفي سواده يقول
( وما ضرَّ أثوابي سوادِي وإنَّني ... لكالمسك لا يسلو عن المسكِ ذائقهُ )
( كُسيتُ قَميصاً ذا سواد وتحتَه ... قميصٌ من القُوهيّ بيض بنائقهُ )
ويروى وتحته قميص من الإحسان
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال أنشدني مصعب بن عبد الله الزبيري لعبد بني الحسحاس و كان يستحسن هذا الشعر ويعجب به قال
( أشعارُ عبد بني الحسحاس قُمْنَ له ... عند الفخارِ مَقام الأصلِ والوَرِق )
( إن كنتُ عبداً فنفسِي حرّةٌ كَرَماً ... أو أسودَ اللونِ إني أبيضُ الخُلُقِ )
وقال الأثرم حدثني السري بن صالح بن أبي مسهر قال أخبرني بعض الأعراب أن أول ما تكلم به عبد بني الحسحاس من الشعر أنهم أرسلوه رائدا فجاء وهو يقول

( أنعتُ غيثاً حسناً نباتُه ... كالحبَشيِّ حولَه بناتُه )
فقالوا شاعر و الله ثم انطلق بالشعر بعد ذلك

عمر بن الخطاب يستجيد بيتا له
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال أنشد سحيم عمر بن الخطاب قوله
( عُميرة ودّع إن تجهَّزتَ غاديا ... كفى الشيبُ والإسلامُ للمرء ناهيا )
فقال عمر لو قلت شعرك كله مثل هذا لأعطيتك عليه
عثمان بن عفان يقول لا حاجة لي إليه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال حدثني خالي يوسف بن الماجشون قال
كان عبد الله بن أبي ربيعة عاملا لعثمان بن عفان على الجند فكتب إلى عثمان إني قد اشريت غلاما حبشيا يقول الشعر فكتب إليه عثمان لا حاجة لي إليه فاردده فإنما حظ أهل العبد الشاعر منه إن شبع أن يتشبب بنسائهم وإن جاع أن يهجوهم فرده فاشتراه أحد بني الحسحاس
وروى إبراهيم بن المنذر الحزامي هذا الخبر عن ابن الماجشون قال
كان عبد الله بن أبي ربيعة مثل ما رواه الزبير إلا أنه قال فيه إن جاع هر و إن شبع فر
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان حدثني أبو بكر العامري عن الأثرم عن أبي عبيدة وأخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلام قال أنشد عبد بني الحسحاس عمر قوله

( تُوسِّدُني كفّاً وتَثني بمِعْصَمٍ ... عليَّ وتحوِي رِجلهَا من ورائيا )
فقال عمر ويلك إنك مقتول
أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني قال حدثني أحمد بن القاسم قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن أبي عائشة قال
أنشد عبد بني الحسحاس عمر قوله ( كفى الشيبُ و الإسلامُ للمرء ناهياً ... )
فقال له عمر لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا معاذ بن معاذ وأبو عاصم عن ابن عون عن محمد بن سيف أن عبد بني الحسحاس أنشد عمر هذا وذكر الحديث مثل الذي قبله
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا إسحاق بن محمد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال
كان عبد بني الحسحاس قبيح الوجه وفي قبحه يقول
( أتيتُ نساء الحارثيِّين غُدوةً ... بوجهٍ يَرَاه اللهُ غيرَ جَميلِ )
( فشبَّهْنَني كلباً ولستُ بِفوقِه ... ولا دونه إن كان غيرَ قليلِ )

شبب بنساء مواليه
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال
أتي عثمان بن عفان بعبد بني الحسحاس ليشتريه فأعجب به فقالوا انه شاعر وأرادوا أن يرغبوه فيه فقال لا حاجة لي به إذ الشاعر لا

حريم له إن شبع تشبب بنساء أهله وان جاع هجاهم فاشتراه غيره فلما رحل قال في طريقه
( اشوقاً ولَمّا تمضِ لي غيرُ ليلة ... فكيف إذا سار المطيُّ بنا شَهْرا )
( وما كنت أخشى مالكاً أن يبيعَني ... بشيء ولو أحستْ أنامله صِفرا )
( أخوكم و مولىَ مالِكم وحليفُكم ... ومن قد ثَوى فيكم وعاشركُم دَهْرا )
فلما بلغهم شعره هذا رثوا له فاستردوه
فكان يشبب بنسائهم حتى قال
( ولقد تحدَّرَِ من كريمةِ بعضِكم ... عرَقٌ على متن الفِراش و طيبُ )
قال فقتلوه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن خاله يوسف بن الماجشون بمثل هذه الرواية وزاد فيها
فلما استردوه نشب يقول الشعر في نسائهم فأخبرني من رآه واضعا إحدى رجليه على الأخرى يقرض الشعر ويشبب بأخت مولاه وكانت عليلة يقول
( ماذا يريدُ السقامُ من قمرٍ ... كلُّ جَمال لوجهه تَبَعُ )
( ما يَرْتجي خاب من محاسِنها ... آما لَهُ في القِباح مُتّسَعُ )
( غيرَّ من لونها و صفرها ... فزيدَ فيه الجمال والبِدَعُ )

( لو كان يبغي الفداءِ قلتُ له ... ها أنا دونَ الحبيبِ يا وجعُ )

مجلس له مع نسوة من بني صبير بن يربوع
أ خبرني محمد بن خلف قال حدثنا أبو بكر العامري عن علي بن المغيرة الأثرم قال قال أبو عبيدة
الذي تناهى إلينا من حديث سحيم عبد بني الحسحاس انه جالس نسوة من بني صبير بن يربوع و كان من شأنهم إذا جلسوا للتغزل أن يتعابثوا بشق الثياب وشدة المغالبة على ابداء المحاسن فقال سحيم
( كأن الصُّبيريِّات يوم لقينَنا ... ظباءٌ حنَتْ أعناقَها في المكانِس )
( فكم قد شقَقنا من رداء منَيَّر ... ومن برقع عن طَفلة غيرِ ناعسِ )
( إذا شُقَّ بردٌ شُقَّ بالبرد بُرقُعٌ ... على ذاك حتى كلُّنا غيرُ لابسِ )
فيقال إنه لما قال هذا الشعر اتهمه مولاه فجلس له في مكان كان إذا رعى نام فيه فلما اضطجع تنفس الصعداء ثم قال
( يا ذِكرةً مالكَ في الحاضرِ ... تذكُرُها وأنتَ في الصادر )
( من كل بيضاءَ لها كَفَل ... مثلُ سنامٍ البكرة المائِر )
قال فظهر سيده من الموضع الذي كان فيه كامنا و قال له مالك فلجلج في منطقه فاستراب به فأجمع على قتله فلما ورد الماء خرجت إليه صاحبته فحادثته وأخبرته بما يراد به فقام ينفض ثوبه

ويعفي أثره و يلقط رضا من مسكها كان كسرها في لعبه معها وأنشأ يقول

صوت
( أتُكتَم حييتُم على النأي تُكْتَما ... تحيةَ من أمسى بحبِّكِ مُغرَما )
( وما تُكتَمين إن أتيتِ دَنِيَّةَ ... ولا إن ركبنا يا بنةَ القوم مَحْرما )
( ومثلِكِ قد أبرزتُ من خِدرِ أمها ... إلى مجلسٍ تجرُّ برداً مسهَّما )
الغناء للغريض ثقيل أول بالوسطى وفيه ليحيى المكي ثاني ثقيل قال
( وماشيةٍ مَشْيَ القطاة أتَّبعتُها ... من السترِ تخشى أهلَها أن تَكلَّما )
( فقالت صه يا ويحَ غيرك إنني ... سمعت حديثاَ بينهم يَقطُر الدَّما )
( فنفضتُ ثوبيها ونَظّرت حولها ... ولم أخش هذا الليلَ أن يتصرَّما )
( أعفَّي بآثار الثيابِ مبيتَها ... وألقط رضّاً من وقوف تحطَّما )

أحرق في أخدود
قال وغدوا به ليقتلوه فلما رأته امرأة كانت بينها وبينه مودة ثم فسدت ضحكت به شماتة فنظر إليها و قال
( فإن تضحكي مني فيا رُبَّ ليلةٍ ... تركتُك فيها كالبقاء المفرَّج )
فلما قدم ليقتل قال
( شُدُّوا وثاق العبد لا يُفْلتكُم ... إن الحياة من الممات قريبُ )
( فلقد تحَّدر من جبين فتاتكم ... عرقٌ على متْن الفراش وَ طِيبُ )
قال وقدم فقتل و ذكر ابن دأب أنه حفر له أخدود وألقي فيه وألقي عليه الحطب فأحرق
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال كان عبد بني الحسحاس يسمى حية وكان لسيده بنت بكر فأعجبها فأمرته أن يتمارض ففعل وعصب رأسه فقالت للشيخ أسرح أيها الرجل إبلك ولا تكلها إلى العبد فكان فيها أياما ثم قال له كيف تجدك قال صالحا قال فرح في إبلك العشية فراح فيها فقالت الجارية لأبيها ما أحسبك إلا قد ضيعت إبلك العشية أن وكلتها إلى حية فخرج في آثار إبله فوجده مستلقيا في ظل شجرة وهو يقول
( يارُبَّ شجوٍ لك في الحاضر ... تذْكُرها وأنتَ في الصادر )
( من كل حمراءَ جُمَاليَّةٍ ... طَيّبةِ القادم و الآخر )

فقال الشيخ أن لهذا لشأنا وانصرف ولم يره وجهه وأتى أهل الماء و قال لهم تعلموا و الله أن هذا العبد قد فضحنا وأخبرهم الخبر وأنشدهم ما قال فقالوا اقتله فنحن طوعك فلما جاءهم وثبوا عليه فقالوا له قلت و فعلت فقال دعوني إلى غد حتى أعذرها عند أهل الماء فقالوا إن هذا صواب فتركوه فلما كان الغد اجتمعوا فنادى يا أهل الماء ما فيكم امرأة إلا قد أصبتها إلا فلانة فإني على موعد منها فأخذوه فقتلوه
ومما يغنى فيه من قصيدة سحيم عبد بني الحسحاس و قال أن من الناس من يرويها لغيره
( تجمَّعْنَ من شتَّى ثلاثاً وأربعاً ... وواحدةً حتى كَمَلْنَ ثَمانيا )
( وأقبلن من أقصى الخيام يَعلْنَنيِ ... بقبَّة ما أبقينَ نَصلاً يمانيا )
( يُعْدن مريضاً هنَّ قد هِجن داءهُ ... ألا إنما بعضُ العوائدِ دائيا )
فيه لحنان كلاهما من الثقيل الأول و الذي ابتداؤه تجمعن من شتى ثلاث لبنان
و الذي أوله وأقبلن من أقصى الخيام ذكر الهشامي أنه لإسحاق وليس يشبه صنعته ولا أدري لمن هو

مخارق يكيد لإسحاق
أخبرني جحظة عن ابن حمدون أن مخارقا عمل لحنا في هذا الشعر
( وَهَبَّتْ شمالاً آخرَ الليل قَرَّةً ... ولا ثوبَ إلا بردُها ورِدائيا )

على عمل صنعة إسحاق في ( أماويَّ أن المال غاد ورائح ... )
ليكيد به إسحاق وألقاه على عجوز عمير الباذ عيسى و قال لها إذا سئلت عنه فقولي أخذته من عجوز مدنية ودار الصوت حتى غني به الخليفة فقال لإسحاق ويلك أخذت لحن هذا الصوت تغنيه كله فحلف له بكل يمين يرضاه أنه لم يفعل وتضمن له كشف القصة ثم أقبل على من غناهم الصوت فقال عمن أخذته فقال عن فلان فلقيه فسأله عمن أخذه فعرفه ولم يزل يكشف عن القصة حتى انتهت من كل وجه إلى عجوز عمير فسئلت عن ذلك فقالت أخذته عن عجوز مدنيه فدخل إسحاق على عمير فحلف له بالطلاق و العتاق وكل محرج من الأيمان ألا يكلمه أبدا و لا يدخل داره ولا يترك كيده وعداوته أو يصدقه عن حال هذا الصوت وقصته فصدقه عمير عن القصة فحدث بها الواثق بحضرة عمير ومخارق فلم يمكن مخارقا دفع ذلك و خجل خجلا بان فيه وبطل ما أراده بإسحاق

صوت
( ثلاثةُ أبيات فبيتٌ أحبُّه ... وبيتان ليسا من هوايَ ولا شَكلي )
( ألا أيها البيتُ الذي حيلَ دونَه ... بنا أنتَ من بيتٍ وأهلُكَ من أهلِ )
الشعر لجميل و الغناء لإسحاق ماخوري بالبنصر من جامع أغانيه وفيه رمل مجهول ذكره حبش لعلويه ولم أجد طريقته

متمم العبدي و الجويرية
اعجب بفصاحة لسان الجويرية ورقة ألفاظها
أخبرني الحسين بن يحيى المرادي عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني متمم العبدي قال
خرجت من مكة زائرا لقبر النبي فإني لبسوق الجحفة إذا جويرية تسوق بعيرا وتترنم بصوت مليح طيب حلو في هذا الشعر
( ألا أيها البيتُ الذي حِيل دونه ... بنا أنت من بيتٍ وأهلُك من أهل )
( بنا أنت من بيت وحولك لَذةٌ ... وظِلُّكَ لو يُسْطاع بالبارد السهل )
( ثلاثة أبيات فبيتٌ أحِبُّه ... وبيتان ليسَا من هواي ولا شكلي )
فقلت لمن هذا الشعر يا جويرية قالت أما ترى تلك الكوة الموقاة بالكلة الحمراء قلت أراها قالت من هناك نهض هذا الشعر قلت أو قائله في الأحياء قالت هيهات لو أن لميت أن يرجع لطول غيبته لكان ذلك فأعجبني فصاحة لسانها ورقة ألفاظها فقلت لها ألك أبوان فقالت فقدت خيرهما وأجلهما ولي أم قلت وأين أمك قالت منك بمرأى ومسمع قال فإذا امرأة تبيع الخرز على ظهر الطريق

بالجحفة فأتيتها فقلت يا أمتاه استمعي مني فقالت لها يا أمه فاستمعي من عمي ما يلقيه إليك فقالت حياك الله هيه هل من جائية خبر قلت أهذه ابنتك قالت كذا كان يقول أبوها قلت أفتزوجينها قالت ألعلة رغبت فيها فما هي و الله من عندها جمال ولا لها مال قلت لحلاوة لسانها و حسن عقلها فقالت أينا أملك بها أنا أم هي بنفسها قلت بل هي بنفسها قالت فإياها فخاطب فقلت لعلها أن تستحي من الجواب في مثل هذا فقالت ما ذاك عندها أنا أخبر بها فقلت يا جارية أما تستمعين ما تقول أمك قال قد سمعت قلت فما عندك قالت أو ليس حسبك أن قلت إني أستحي من الجواب في مثل هذا فإن كنت أستحي في شيء فلم أفعله أتريد أن تكون الأعلى وأكون بساطك لا والله لا يشد علي رجل حواءه وأنا أجد مذقة لبن أو بقلة ألين بها معاي قال فورد والله علي أعجب كلام على وجه الأرض فقلت أو أتزوجك و الإذن فيه إليك وأعطي الله عهدا أني لا أقربك أبدا إلا عن إرادتك قالت إذا و الله لا تكون لي في هذا إرادة أبدا ولا بعد الأبد إن كان بعده بعد فقلت فقد رضيت بذلك فتزوجتها وحملتها وأمها معي إلى العراق وأقامت معي نحوا من ثلاثين سنة ما ضممت عليها حواي قط و كانت قد علقت من أغاني المدينة أصواتا كثيرة فكانت ربما ترنمت بها فأشتهيها فقلت دعيني من أغانيك هذه فإنها تبعثني على الدنو منك قال فما سمعتها رافعة صوتها بغناء بعد ذلك حتى فارقت الدنيا وإن أمها عندي حتى الساعة فقلت ما ادري متى دار في سمعي حديث امرأة أعجب من حديث هذه

صوت
( أيها الناسُ إن رأيي يُريني ... وهو الرأيُ طوفَةً في البلاد )
( بالعوالي وبالقنابل تَرْدي ... بالبطاريق مِشيةَ العُوَّاد )
( وبجيش عرمرَمٍ عربيِّ ... جَحْفل يستجيبُ صوتَ المنادي )
( من تميم وخندِفٍ وإياد ... و البهالِيلِ حِمْيرٍ ومراد )
( فإذا سرتُ سارت الناسُ خَلفي ... ومَعي كالجبالِ في كلِّ واد )
( سَقِّني ثم سقِّ حميرَ قومي ... كأسَ خمرٍ أُولي النّهى و العِماد )
الشعر لحسان بن تبع و الغناء لأحمد النصيبي خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه ليونس لحن من كتابه

أخبار حسان بن تبع
كان ينشد وجوه قومه
( أخبرني بخبر حسان الذي من أجله قال هذا الشعر علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي وعن أبي عبيدة و أبي عمرو وابن الكلبي وغيرهم قال
كان حسان بن تبع أحول أعسر بعيد الهمة شديد البطش فدخل إليه يوما وجوه قومه وهم الأقيال من حمير فلما أخذوا مواضعهم ابتدأهم فأنشدهم
( أيها الناسُ إن رأيي يُريني ... وهوَ الرأي طوفةً في البلاد )
( بالعوالي وبالقنابل تَرْدي ... بالبطاريقِ مِشيةَ العُوّاد )
وذكر الأبيات التي مضت آنفا ثم قال لهم استعدوا لذلك فلم يراجعه أحد لهيبته فلما كان بعد ثلاثة خرج وتبعه وطئ أرض العجم و قال لأبلغن من البلاد حيث لم يبلغ أحد من التبابعة فجال بهم في ارض خراسان ثم مضى إلى المغرب حتى بلغ رومية وخلف عليها

ابن عم له وأقبل إلى أرض العراق حتى إذا صار على شاطئ الفرات قالت وجوه حمير ما لنا نفني أعمارنا مع هذا نطوف في الأرض كلها ونفرق بيننا وبين بلدنا وأولادنا و عيالنا وأموالنا فلا ندري من نخلف عليهم بعدنا
فكلموا أخاه عمرا و قالوا له كلم أخاك في الرجوع إلى بلده وملكه قال هو أعسر من ذلك وأنكر فقالوا فاقتله ونملكك علينا فأنت أحق بالملك من أخيك وأنت أعقل وأحسن نظرا لقومك فقال أخاف ألا تفعلوا وأكون قد قتلت أخي وخرج الملك عن يدي فواثقوه حتى ثلج إلى قولهم وأجمع الرؤساء على قتل أخيه كلهم إلا ذا رعين فإنه خالفهم وقال ليس هذا برأي يذهب الملك من حمير فشجعه الباقون على قتل أخيه فقال ذو رعين أن قتلته باد ملكك
فلما رأى ذو رعين ما أجمع عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة فقال يا عمرو إني مستودعك هذا الكتاب فضعه عندك في مكان حريز وكتب فيه
( ألا مَنْ يشتري سهراً بنومٍ ... سعيد مَنْ يبيت قريرَ عَينِ )
( فإن تكُ حَميرٌ غَدَرتْ وخانتْ ... فمعذرةُ الإله لذي رُعيْن )

قتله أخوه وهو نائم فامتنع منه النوم
ثم إن عمرا أتى حسان أخاه وهو نائم على فراشه فقتله واستولى على ملكه فلم يبارك فيه وسلط الله عليه السهر وامتنع منه النوم فسأل الأطباء و الكهان و العياف فقال له كاهن منهم إنه ما قتل أخاه رجل قط إلا منع

نومه فقال عمرو هؤلاء رؤساء حمير حملوني على قتله ليرجعوا إلى بلادهم ولم ينظروا إلي ولا لأخي
فجعل يقتل من أشار عليه منهم بقتله فقتلهم رجلا رجلا حتى خلص إلي ذي رعين وأيقن بالشر فقال له ذو رعين ألم تعلم أني أعلمتك ما في قتله ونهيتك وبينت هذا قال وفيم هو قال في الكتاب الذي استودعتك
فدعا بالكتاب فلم يجده فقال ذو رعين ذهب دمي على أخذي بالحزم فصرت كمن أشار بالخطأ ثم سأل الملك أن ينعم في طلبه ففعل فأتى به فقرأه فإذا فيه البيتان فلما قرأهما قال لقد أخذت بالحزم قال إني خشيت ما رأيتك صنعت بأصحابي
قال وتشتت أمر حمير حين قتل أشرافها واختلفت عليه حتى وثب على عمرو لخيعة ينوف ولم يكن من أهل بيت المملكة فقتله واستولى على ملكه وكان يقال له ذو شناتر الحميري وكان فاسقا يعمل عمل قوم لوط وكان يبعث إلى أولاد الملوك فيلوط بهم و كانت حمير إذا ليط بالغلام لم تملكه ولم ترتفع به و كانت له مشربة يكون فيها يشرف على حرسه فإذا أتي بالغلام أخرج رأسه إليهم وفي فيه السواك فيقطعون مشافر ناقة المنكوح وذنبها فإذا خرج صيح به أرطب أم يباس فمكث بذلك زمانا
حتى نشأ زرعة ذو نواس و كانت له ذؤابة وبها سمي ذا نواس وهو الذي تهود وتسمى يوسف وهو صاحب الأخدود بنجران و كانوا نصارى فخوفهم وحرق الإنجيل وهدم الكنائس ومن أجله غزت الحبشة

اليمن لانهم نصارى فلما غلبوا على اليمن اعترض البحر واقتحمه على فرس فغرق
فلما نشأ ذو نواس قيل له كأنك وقد فعل بك كذا وكذا فأخذ سكينا لطيفا خفيفا وسمه وجعل له غلافا فلما دعا به لخيعة جعله بين أخمصه ونعله وأتاه على ناقة له يقال لها سراب فأناخها وصعد إليه فلما قام يجامعه كما كان يفعل انحنى زرعة فأخذ السكين فوجأ بها بطنه فقتله واحتز رأسه فجعل السواك في فيه وأطلعه من الكوة فرفع الحرس رؤوسهم فرأوه ونزل زرعة فصاحوا زرعة يا ذا نواس أرطب أم يباس فقال ستعلم الأحراس است ذي نواس رطب أم يباس وجاء إلى ناقته فركبها فلما رأى الحرس اطلاع الرأس صعدوا إليه فإذا هو قد قتل فأتوا زرعة فقالوا ما ينبغي أن يملكنا غيرك بعد أن أرحتنا من هذا الفاسق واجتمعت حمير إليه ثم كان من قصته ما ذكرناه آنفا

صوت
( يا ربةَ البيتِ قومي غيرَ صاغرةٍ ... ضُمِّي إليكِ رحالَ القوم و القُرُبا )
( في ليلة مِنْ جُمادى ذاتِ أنديةٍ ... لا يُبصر الكلبُ من ظلمائهَا الطُّنُبا )
( لا ينبحُ الكلبُ فيها غَير واحدةٍ ... حتى يَلُفَّ على خيشومه الذَّنبا )
الشعر لمرة بن محكان السعدي والغناء لابن سريج رمل بالوسطى وله فيه أيضا خفيف ثقيل بالوسطى كلاهما عن عمرو وذكر حبش أن فيه لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى و الله أعلم

أخبار مرة بن محكان
هو مرة بن محكان ولم يقع إلينا باقي نسبه أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم شاعر مقل إسلامي من شعراء الدولة الأموية وكان في عصر جرير والفرزدق فأحملا ذكره لنباهتهما في الشعر
كان شريفا جوادا شديد السخاء
وكان مرة شريفا جوادا وهو أحد من حبس في المناحرة والإطعام
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال
كان مرة بن محكان سخيا وكان أبو البكراء يوائمه في الشرف وهما جميعا من بني الربيع فأنهب مرة بن محكان ماله الناس فحبسه عبيد الله بن زياد فقال في ذلك الأبيرد الرياحي

( حبستَ كريماً أن يجودَ بماله ... سعى في ثأى من قومه متفاقِم )
( كأنّ دماءَ القوم إذ عَلقوا به ... على مكفَهِرٍّ من ثنَايا المخارم )
( فإن أنتَ عاقبت ابن مَحكان في الندى ... فعاقب هداك اللُه أعظُمَ حَاتِم )
قال فأطلقه عبيد الله بن زياد فذبح أبو البكراء مائة شاة فنحر مرة بن محكان مائة بعير فقال بعض شعراء بني تميم يمدح مرة
( شرى مائةً فأنهبها جواداً ... وأنت تناهب الحدَف القِهادَا )
الحدف صغار الغنم والقهاد البيض
أخبرني أحمد بن محمد الأسدي أبو الحسن قال حدثنا الرياشي قال سئل أبو عبيدة عن معنى قول مرة بن محكان
( ضمِّني إليك رحالَ القوم والقُرُبا ... )
ما الفائدة في هذا فقال كان الضيف إذا نزل بالعرب في الجاهلية ضموا إليهم رحله وبقي سلاحه معه لا يؤخذ خوفا من البيات فقال مرة بن محكان يخاطب امرأته ضمي إليك رحال هؤلاء الضيفان و سلاحهم فإنهم عندي في عز وأمن من الغارات و البيات فليسوا ممن يحتاج أن يبيت لا بسا سلاحه

قتله مصعب بن الزبير
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس قال كان الحارث بن أبي ربيعة على البصرة أيام

ابن الزبير فخاصم إليه رجل من بني تميم يقال له مرة بن محكان رجلا فلما أراد إمضاء الحكم عليه نشأ مرة بن محكان يقول
( أحارِ تثّبتْ في القَضاء فإنه ... إذا ما إمامٌ جار في الحكم أقصَدا )
( وإنكَ موقوف على الحكم فاحتفظْ ... ومهما تصبْه اليومَ تُدرِكْ به غداً )
( فإنيَ مِمَّا أدرِكُ الأمرَ بالأنى ... وأقطع في رأس الأمير المُهَّندا )
فلما ولي مصعب بن الزبير دعاه فأنشده الأبيات فقال أما و الله لأقطعن السيف في رأسك قبل أن تقطعه في رأسي و أمر به فحبس ثم دس إليه من قتله
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن جامع عن يونس قال
جاء رجل من قريش إلى الغريض فقال له بأبي أنت و أمي إني جئتك قاصدا من الطائف أسألك عن صوت تغنيني إياه قال وما هو قال لحنك في هذا الشعر
( نشرَّبَ لونَ الرازقيّ بيَاضه ... أو الزعفرانَ خالط المسكَ رادعُه )

فقال لا سبيل إلى ذلك هذا الصوت قد نهتني الجن عنه ولكني أغنيك في شعر لمرة بن محكان وقد طرقه ضيف في ليلة شاتية فأنزلهم ونحر لهم ناقته ثم غناه قوله
( يا ربة البيت قومي غيرَ صاغرةٍ ... ضُمِّي إليك رحالَ القَوْمِ والقُرُبا )
فأطربه ثم قال له الغريض هذا لعن أخذته من عبيد بن سريج وسأغنيك لحنا عملته في شعر على وزن هذا الشعر ورويه للحطيئة ثم غناه
( ما نَقَموا من بغيضٍ لا أبالهُم ... في بائس جاء يحدو أينُقاً شُزُبَا )
( جاءت به من بلاد الطُّور تحملهُ ... حصَّاء لم تتركْ دون العصَا شَذبا )
فقام القرشي فقبل رأسه فقال له فدتك نفسي وأهلي لو لم أقدم مكة لعمرة ولا لبر وتقوى ثم قدمت إليها لأراك وأسمع منك لكان ذلك قليلا
ثم انصرف
وحدثني بعض مشايخ الكتاب أنه دخل على أبي العبيس بن حمدون يوما فسأله أن يقيم عند فأقام وأتاهم أبو العبيس بالطعام فأكلوا ثم قدم الشراب فشربوا وغناهم أبو العبيس يومئذ هذا الصوت
( ألا مُتَّ أعطيتَ صبراً وعزمةً ... غداة رأيتَ الحيَّ للبين غاديا )

( ولم تعتصرْ عينيك فَكهةُ مازحٍ ... كأنك قد أبدعتَ إذ ظلْت باكيا )
فأحسن ما شاء ثم ضرب ستارته و قال
( يا ربةَ البيتِ غَني غير صاغرة ... )
فاندفعت عرفان فغنت
( يا ربةَ البيت قومي غيرَ صاغرة ... ضُمَّي إليك رِحال القوم والقُرُبا )
قال فما سمعت غناء قط أحسن مما سمعته من غنائهما يومئذ

نسبة هذا الصوت
صوت
( ألا متَّ لا أعطِيتَ صبراً وعزمة ... غداة رأيتَ الحيّ للبين غاديا )
( ولم تعتصر عينيك فَكهةُ مازح ... كأنك قد أبدعت إذ ظلتَ باكيا )
( فصيّرت دمعاً أن بكيتَ تَلَدُّداً ... به لفراقِ الإلف كفؤاً مُوازيا )
( لقد جلَّ قدر الدمع عندكَ أنْ ترى ... بكاءك للبين المُشِتِّ مُساويا )
الشعر لأعرابي أنشدناه الحرمي بن أبي العلاء عن الحسين بن محمد بن أبي طالب الديناري عن إسحاق الموصلي لأعرابي
قال الديناري وكان إسحاق كثيرا ما ينشد الشعر للأعراب وهو قائله وأظن هذا الشعر له و الغناء لعمرو بن بانة ثقيل أول بالبنصر من كتابه

صوت
فإن تكُ من شيبانَ أميّ فإنني ... لأبيضُ من عجل عريض المَفارقِ )
( وكيف بذكري أمَّ هارون بعد ما ... خبطنَ بأيديهنّ رملَ الشقائقِ )
( كأنّ نَقاً من عالج أُزرَتْ به ... إذا الزّل ألهاهنّ شَدُّ المناطقِِ )
( وإنا لتَغلِي في الشَّتاءُ قدورُنا ... ونصبر تحت اللاَّمعات الخوافِقِ )
عروضه من الطويل الشعر للعديل بن الفرخ العجلي و الغناء لمعبد خفيف ثقيل من أصوات قليلة الأشباه عن يونس وإسحاق وفيه لهشام بن المرية لحن من كتاب إبراهيم وفيه لسنان الكاتب ثقيل أول عن الهشامي وحبش و قال حبش خاصة فيه للهذلي أيضا ثاني ثقيل بالوسطى

أخبار العديل ونسبه
العديل بن الفرخ بن معن بن الأسود بن عمرو بن عوف بن ربيعة بن جابر بن ثعلبة بن سمي بن الحارث وهو العكابة بن ربيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار
و قال أبو عبيدة كان العكابة اسم كلب للحارث بن ربيعة بن عجل فلقب باسم كلبه وغلب عليه قال وكان عجل من محمقي العرب قيل له أن لكل فرس جواد اسما وان فرسك هذا سابق جواد فسمه ففقأ إحدى عينيه وقال قد سميته الأعور وفيه يقول الشاعر
( رمتْني بَنو عجل بداء أبيهمُ ... وهل أحدٌ في الناس أحمق من عجل )
( ألَيس أبوهمْ عارَ عينَ جواده ... فصارتْ بن الأمثالُ تضرب بالجهل )
عرفت أسرته بالشعر و الفروسية
والعديل شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية وكان له ثمانية إخوة وأمهم جميعا امرأة من بني شيبان ومنهم من كان شاعرا فارسا أسود وسوادة وشملة وقيل سلمة والحارث وكان يقال لأمهم درماء
وكان للعديل وإخوته ابن عم يسمى عمرا فتزوج بنت عم لهم بغير

أمرهم فغضبوا ورصدوه ليضربوه وخرج عمرو ومعه عبد له يسمى دابغا فوثب العديل وإخوته فأخذوا سيوفهم فقالت أمهم إني أعوذ بالله من شركم فقال لها ابنها الأسود وأي شيء تخافين علينا فو الله لو حملنا بأسيافنا على هذا الحنو حنو قراقر لما قاموا لنا فانطلقوا حتى لقوا عمرا فلما رآهم ذعر منهم وناشدهم فأبوا فحمل عليه سوادة فضرب عمرا ضربة بالسيف وضربه عمرو فقطع رجله فقال سوادة
( ألا من يشترِي رِجلاً برجْل ... تأبَّى للقيام فلا تقوم )
وقال عمرو ولدابغ اضرب وأنت حر فحمل دابغ فقتل منهم رجلا وحمل عمرو فقتل آخر وتداولاهم فقتلا منهم أربعة وضرب العديل على رأسه ثم تفرقوا وهرب دابغ حتى أتى الشأم فداوى ربضة بن النعمان الشيباني للعديل ضربته ومكث مدة
ثم خرج العديل بعد ذلك حاجا فقيل له إن دابغا قد جاء حاجا وهو يرتحل فيأخذ طريق الشأم وقد اكترى فجعل العديل عليه الرصد حتى إذا خرج دابغ ركب العديل راحلته وهو متلثم وانطلق يتبعه حتى لقيه خلف الركاب يحدو بشعر العديل ويقول
( يا دارَ سلمى أقفرتْ من ذي قارْ ... وهل بإقفارِ الديارِ من عارْ )
( وقد كسينَ عرَقاً مثل القارْ ... يخرجْن من تحتِ خلالِ الأوبار )
فلحقه العديل فحبس عليه بعيره وهو لا يعرفه ويسير رويدا ودابغ

يمشي رويداً وتقدمت إبله فذهبت وإنما يريد أن يباعده عنها بوادي حنين ثم قال له العديل والله لقد استرخى حقب رحلي أنزل فأغير الرحل وتعينني فنزل فغير الرحل وجعل دابغ يعينه حتى إذا شد الرحل أخرج العديل السيف فضربه حتى برد ثم ركب راحلته فنجا وأنشأ يقول
( ألم ترني جلّلتُ بالسيف دَابغاً ... وإن كان ثأراً لم يُصبه غليلي )
( بوادي حنينٍ ليلةَ البدر رعتُه ... بأبيض من ماء الحَديد صَقِيلِ )
( وقلت لهم هذا الطريقُ أمامكم ... وَلم أك إذ صاروا لَهم بدّليل )
وقال أبو اليقطان كان العديل هجا جرثومة العنزي الجلاني فقال فيه
( أُهاجي بني جِلاَّن إذ لم يكنْ لها ... حديثٌ ولا في الأولين قديم )
فأجابه جرثومة فقال
( وإنّ امرأ يهجو الكرام ولم ينَل ... من الثأر إلا دابغاً للئيمُ )
( أتطلُب في جِلاّن وتراً ترومُه ... وفاتك بالأوتار شَرُّ غريمِ )
قالوا واستعدى مولى دابغ على العديل الحجاج بن يوسف وطالبه بالقود فيه فهرب العديل من الحجاج إلى بلد الروم فلما صار إلى بلد الروم لجأ إلى قيصر فأمنه فقال في الحجاج
( أُخَوَّفُ بالحجاج حتّى كأنما ... يُحرَّك عظم في الفؤاد مَهيضُ )

( ودون يد الحجاج من أن تنالَني ... بِساط لأيدي الناعجات عَريض )
( مهامه أشباه كأن سَرابَها ... مُلاَءٌ بأَيدي الراحضات رَحيض )
فبلغ شعره الحجاج فكتب إلى قيصر لتبعثن به أو لأغزينك جيشاً يكون أوله عندك وآخره عندي فبعث به قيصر إلى الحجاج فقال له الحجاج لما أدخل عليه أأنت القائل
ودون يد الحجاج من أن تنالني فكيف رأيت الله أمكن منك قال بل أنا القائل أيها الأمير
( فلو كنتُ في سلمى أجاً وشعابِها ... لكان لحجَّاجٍ عليّ سبيلُ )
( خليلُ أميرِ المؤمنين وسيفُه ... لكلِّ إمام مُصطَفى وخليلُ )
( بَنَى قُبَّةَ الإِسلام حتى كأنَّما ... هَدَى الناسَ من بعد الضلالِ رسولُ )
فخلى سبيله وتحمل دية دابغ في ماله

الحجاج يعفو عن العديل بعد ان هجاه ثم عاد فمدحه
أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن منصور بن عطية الغنوي قال أخبرني جعفر بن عبيد الله بن جعفر عن أبي عثمان البقطري قال
خرج العديل بن الفرخ يريد الحجاج فلما صار ببابه حجبه الحاجب فوثب عليه العديل وقال إنه لن يدخل على الأمير بعد رجالات قريش أكبر مني ولا أولى بهذا الباب فنازعه الحاجب الكلام فأحفظه وانصرف العديل

عن باب الحجاج إلى يزيد بن المهلب فلما دخل إليه أنشأ يقول
( لئن أرتج الحجاجُ بالبخل بابَه ... فباب الفتى الأزديّ بالعُرف يُفتحُ )
( فتىً لا يبالي الدهرَ ما قلَّ مالُه ... إذا جعلتْ أيدي المكارم تسنَح )
( يداه يدٌ بالعرف تُنهبُ ما حوتْ ... وأخرى على الأعداء تَسطو وتجرحُ )
( إذا ما أتاه المرمِلون تيقَّنوا ... بأّن الغِنَى فيهم وَشيكاً سَيسرَحُ )
( أقام على العافين حُرَّاسَ بابِه ... يُنادونهم وَالحُرُّ بالحرّ يَفرحُ )
( هلموا إلى سَيْبِ الأمير وَعُرفِه ... فإنّ عطاياه على الناس تَنْفَحُ )
( وليس كعِلجٍ من ثمودّ بكَفِّه ... من الجودِ وَالمعروف حَزم مطوَّح )
فقال له يزيد عرضت بنا وخاطرت بدمك وبالله لا يصل إليك وأنت في حيزي فأمر له بخمسين ألف درهم وحمله على أفراس وقال له الحق بعلياء نجد واحذر أن تعلقك حبائل الحجاج أو تحتجنك محاجنه وابعث إلي في كل عام ذلك علي مثل هذا فارتحل وبلغ الحجاج خبره فأحفظه ذلك على يزيد وطلب العديل ففاته وقال لما نجا

( ودونَ يد الحجاج من أن تنالَني ... بساطٌ لأيدي الناعجاتِ عريضُ )
قال ثم ظفر به الحجاج بعد ذلك فقال إيه أنشدني قولك
( ودون يد الحجاج من أن تنالني ... )
فقال لم أقل هذا أيها الأمير ولكني قلت
( إذا ذُكر الحجاجُ أضمرتُ خِيفة ... لها بين أَحناء الضلوع نَقيضُ )
فتبسم الحجاج وقال أولى لك وعفا عنه وفرض له

شفع له سادات بكر عند الحجاج
وقال أبو عمرو الشيباني لما لجَّ الحجاج في طلب العديل لفظته الأرض ونبا به كل مكان هرب إليه فأتى بكر بن وائل وهم يومئذ بادون جميع منهم بنو شيبان وبنو عجل وبنو يشكر فشكا إليهم أمره وقال لهم أنا مقتول أفتسلمونني هكذا وأنتم أعز العرب قالوا لا والله ولكن الحجاج لا يراغم ونحن نستوهبك منه فإن أجابنا فقد كفيت وأن حادنا في أمرك منعناك وسألنا أمير المؤمنين أن يهبك لنا فأقام فيهم واجتمعت وجوه بكر بن وائل إلى الحجاج فقالوا له أيها الأمير إنا قد جنينا جميعاً عليك جناية لا يغفر مثلها وها نحن قد استسلمنا وألقيتنا بأيدينا إليك فإما وهبت فأهل ذلك أنت وإما عاقبت فكنت المسلط الملك العادل فتبسم وقال قد عفوت عن كل جرم إلا جرم الفاسق العديل فقاموا على أرجلهم فقالوا مثلك أيها الأمير لا يستثني على أهل طاعته وأوليائه في شيء فإن رأيت ألا

تكدر مننك باستثناء وأن تهب لنا العديل في أول من تهب قال قد فعلت فهاتوه قبحه الله فأتوه به فلما مثل بين يديه أنشأ يقول

ماذا قال في حضرة الحجاج
( فلو كنتُ في سلمى أجاً وشعابِها ... لكان لحجَّاجٍ عليَّ دليلُ )
( بنى قُبة الإِسلامِ حتى كأَنَّما ... هَدى الناسَ من بعد الضلال رسولُ )
( إذا جار حُكْم النَّاس ألجأ حكمَه ... إلى الله قاض بالكتاب عقولُ )
( خليلُ أمير المؤمنين وسيفُه ... لكل إمام صاحبٌ وخليل )
( به نصرَ اللهُ الخليفةَ منهمُ ... وثبَّتَ مُلكاً كادَ عنه يَزولُ )
ويروى به نصر الله الإمام عليهم
( فأَنت كسيفِ اللهِ في الأرضِ خالدٍ ... تصولُ بعونِ الله حين تصولُ )
( وجازيْتَ أصحابَ البلاء بلاءهم ... فَما منهمُ عمَّا تُحِبُّ نُكولُ )
( وصُلتَ بمرَّان العراقِ فأصبحتْ ... منَاكِبُها للوطء وهي ذَلولُ )
أقام الواحد مقام الجمع في قوله ذلول
( أذقت الحِمَامَ ابني عُبَادٍ فأصبحوا ... بمنزل موهونِ الجَناح ثكولِ )
( ومن قَطريٍّ نلتَ ذاك وحوله ... كتائبُ من رجَّالة وخُيولُ )

( إذا ما أتت بابَ ابنِ يوسُف ناقتي ... أتتْ خيرَ منزول به ونَزيلِ )
( وما خفتُ شيئاً غيرَ ربِّيَ وحدَه ... إذا ما انتحيتُ النفسَ كيفَ أقولُ )
( ترى الثقلينِ الجنّ والإنسَ أصبحا ... على طاعة الحجَّاج حينَ يقولُ )
فقال له الحجاج أولى لك فقد نجوت وفرض له وأعطاه عطاءه فقال يمدح سائر قبائل وائل ويذكر دفعها عنه ويفتخر بها
( صَرمَ الغواني واستراح عواذِلي ... وصحوتُ بعد صَبابة وتمايُلِ )
( وذكرت يوم لوى عتيقٍ نسوةً ... يخْطِرْن بين أكِلَّةً ومراحلِ )
( لعب النعيمُ بهنّ في أظلاله ... حتى لبِسنَ زمانَ عيش غافلٍ )

صوت
( يأخذنْ زينتهُنّ أحسنَ ما ترى ... وإذا عَطِلن فهنَّ غيرُ عواطِل )
( وإذا خبأن خدودَهن أريْننَا ... حدَقَ المها وأجَدْنَ سهم القاتلِ )
( ورمينَني لاّ يستترن بجُنّة ... إلا الصِّبا وعَلمْن أين مَقاتلي )
( يلبسَن أرديةَ الشباب لأهلِهَا ... ويجرُّ باطلُهنَّ حبلَ الباطلِ )
الغناء في هذه الأبيات الأربعة لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى من رواية يحيى المكي وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي إلى ابن سريج

( بيضُ الأُنوق كأنّهنّ ومن يُرِدْ ... بَيْضَ الأنوق فوكرُها بمعاقلِ )
( زعم الغواني أن جهلك قد صحَا ... وسوادَ رأسك فضلُ شَيْب شاملِ )
( ورآك أهلُكَ منهمُ ورأيتَهم ... ولقد تكونُ مع الشباب الخاذل )
( وإذا تطاولتِ الجبالُ رأَيتَنا ... ولقد تكونُ مع الشباب الخاذل )
( وإذا سألت ابنَيْ نزارٍ بيَّنا ... مَجْدي ومنزلتي من ابنَيْ وائلِ )
( حدِبَتْ بنو بكر عليَّ وفيهمُ ... كلُّ المكارِم والعديدِ الكَاملِ )
( خطَروا ورائي بالقنا وتجمَّعتْ ... منهم قبائلُ أُردِفوا بقبائلِ )
( إن الفوارسَ من لُجَيمٍ لم تزَل ... فيهم مهابةُ كلِّ أبيضَ ناعلِ )
( متعمَّمٍ بالتاج يسجدُ حولَه ... مِنَ آل هَوذة للمكارم حاملِ )
( أو رهط حنظلة الذين رماحُهمْ ... سُمُّ الفوارس حتْف موتٍ عاجلِ )
( قوم إذا شَهَرُوا السيوف رأَوْا لها ... حقاًّ وَلم يك سَلُّها للباطلِ )
( ولئن فخرْتُ بهم لمثلِ قَديمهم ... بسَطَ المُفاخر للَّسان القائلِ )
( أولاد ثعلبة الذين لِمثلِهم ... حِلْم الحليم وردُّ جهلِ الجاهلِ )
( ولَمَجْدُ يشكرَ سَوْرةٌ عاديَّةٌ ... وأَب إذا ذكروه ليس بخاملِ )

( وَبنو القدارِ إذا عددْتَ صنيعَهم ... وضَح القديمُ لهم بكل مَحافلِ )
( وإذا فخرْتَ بتغلبَ ابنةِ وائل ... فاذكر مكارمَ من ندىً وشمائل )
( ولتغلبَ الغلباء عزٌّ بيِّنٌ ... عاديَّة ويزيد فوقَ الكَاهلِ )
( تسطو على النُّعمان وابنِ محرِّق ... وابني قَطامِ بعِزَّة وتناوُلِ )
( بالمقربات يبِتْنَ حول رحالِهم ... كالقِدِّ بعد أَجلّة وصواهل )
( أولاد أعوجَ والصريح كأنَّها ... عِقبانُ يوم دُجُنَّةٍ ومخَايل )
( يلقِطنَ بعد أزومِهنَّ على الشَّبا ... عَلَق الشيكمُ بألسُن وجحافل )
( قوم هم قتلوا ابن هندٍ عَنْوة ... وقنا الرماح تذودُ وِرْدَ الناهلِ )
( منهم أَبو حَنَشٍ وكان بكفِّه ... رِيُّ السِّنان وريُّ صدرِ العاملِ )
( ومُهلهِل الشعراء إن فخَروا به ... ونَدى كُلَيْبٍ عند فضلِ النائلُ )
( حَجَب المنيَّةَ دون واحد أمِّه ... من أن تبيتَ وصدرُها ببلابلِ )
( كفى مجالسة السِّبابِ فلم يكنْ ... يُستبُّ مجلُسُه وحقِّ النازلِ )
( حتى أجارَ على الملوك فلم يدعْ ... حَرِباً ولا صَعِراً لرأس مائلِ )

( في كل حيّ للهذيل ورهطِه ... نَعَم وأخذُ كريمةٍ بتناولِ )
( بيضٌ كرائمُ ردَّهن لَعنوة ... أسلُ القَنا وأُخذنَ غيرَ أراملِ )
( أبناؤهنَّ من الهُذيل ورهطه ... مثلُ الملوك وعشنَ غيرَ عواملِ )
وقال أبو عمرو أيضاً قال العديل لرجل من موالي الحجاج كان وجهه في جيش إلى بني عجل يطلب العديل حين هرب منه فلم يقدر عليه فاستاق إبله وأحرق بيته وسلب امرأته وبناته وأخذ حليهن فدخل العديل يوماً على الحجاج ومولاه هذا بين يديه واقف فتعلق بثوبه وأقبل عليه وأنشأ يقول
صوت
( سلبتَ بناتي حَلْيَهنّ فلم تدعْ ... سِواراً ولاَ طوْقاً على النَّحر مُذهبا )
هكذا في الشعر سلبت بناتي والغناء فيه سلبت الجواري حليهن
( وما عزَّ في الآذان حتى كأنما ... تُعطِّل بالبيض الأوَانسَ رَبربا )
( عواطلُ إلا أن ترى بخدودها ... قسامةَ عِتق أوَ بناناً مُخضَّبا )
( فككتَ البُرينَ عن خِدال ... كأَنها بَراديُّ غِيلٍ ماؤه قد تنضّبا )
( من الدُّر والياقوتِ عن كل حُرَّةٍ ... ترى سِمطَهَا بين الجُمانِ مُثقَّبا )
( دَعَوْن أَميرَ المؤمنين فلم يُجب ... دعاءً ولم يُسمعنَ أُماًّ وَلا أباَ )
غنى في الأول والرابع من هذه الأبيات أحمد النصيبي الهمذاني ثان

ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيهما ثقيل أول بالسبابة والوسطى نسبه ابن المكي إلى عبد الرحيم الدفاف ونسبه الهشامي إلى عبد الله بن العباس

شماتته بعدو له أصيب في أنفه
وقال أبو عمرو الشيباني أصاب رجل من رهط العُديل من بني العكابة أنف رجل من بني عجل يقال له جبار فقال العديل في ذلك وكان عدواً له
( ألم تر جبَّاراً ومارِنَ أنفه ... له ثُلَمٌ يهويْن أن يتنخَّعا )
( ونحنُ جَدَعْنا أنفَه فكأنما ... يَرَى الناسَ أعداء إذا هو أَطلَعا )
( كُلُوا أنفَ جَبّار بِكاراً فإنما ... تركناه عن فَرطٍ من الشّرِّ أجدعا )
( معاقد من أيديهمُ وأنوفهمْ ... بكاراً ونيباً تركبُ الحَزْن ظُلَّعا )
قال وكان رجل من رهط العديل أيضا ضرب يد وكيع أحد بني الطاغية وهما يشربان فقطعها وافترقا ثم هرب العديل وأبوه إلى بني قيس بن سعد لما قال الشعر الأول يفخر بقطع أنف جبار ويد وكيع لأنهم حلفوا أن يقطعوا أنفه ويده دون من فعل ذلك بهم فلجأ إلى عفير بن جبير بن هلال بن مرة بن عبد الله بن معاوية بن عبد بن سعد بن جشم بن قيس بن عجل فقال العديل في ذلك
( تركتُ وكيعاً بعد ما شاب رأسُه ... أشلَّ اليمين مستقيمَ الأخادِع )

( فَشَرِّب بها وُرْقَ الإِفال وكُل بها ... طعامَ الذليل وانجَحِر في المخَادِع )
فقالت بنو قيس بن سعد للفرخ أبي العديل يا فرخ أنصف قومك وأعطهم حقهم فركب إليهم الفرخ ومعه حسان بن وقاف ودينار رجلان من بني الحارث فأسرته بنو الطاغية وانتزعوه من الرجلين وتوجهوا به نحو البصرة فرجع حسان ودينار إلى قومهما مستنفرين لهم فركب النفير في طلب بني الطاغية فأدركوا منهم رجلاً فأسروه بدل الفرخ ثم إن عفيراً لحق بهم فاشترى منهم الجراحة بسبعين بعيراً وأخذ الفرخ منهم فأطلقه فقال العديل في ذلك
( ما زال في قيسِ بن سعد لجارهمْ ... على عهدِ ذي القرنين مُعْطٍ ومانعُ )
( هم استنقذوا حسَّانَ قسراً وأنتُمُ ... لِئام المقام والرماحُ شوارعُ )
( غدرتم بدينارِ وحسَّان غَدرةً ... وبالفَرخ لما جاءكم وهو طائعُ )
( فلولا بنو قيسِ بن سعد لأصبحَتْ ... عليَّ شداداً قَبضُهنَّ الأصابعُ )
( ألا تسأَلون ابن المشَتَّم عنهُم ... جُعامةَ والجيرانُ وافٍ وظالع )
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثنا الريّاشي عن الأصمعيّ قال قال أبو النجم للعديل بن الفرخ أرأيت قولك
( فإن تك من شيبانَ أُمِّي فإنّني ... لأَبيضُ عجليٌّ عريضُ المَفارقِ )
أكنت شاكا في نسبك حين قلت هذا فقال له العديل أفشككت في نفسك أو شعرك حين قلت

( أنا أبو النجم وشعري شعري ... لِلَّهِ دَرِّي ما يُجِنُّ صدري )
فأمسك أبو النجم واستحيا

العديل ومالك بن مسمع
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن العتبي قال
حمل زياد إلى معاوية مالاً من البصرة ففزعت تميم والأزد وربيعة إلى مالك بن مسمع وكانت ربيعة مجتمعة عليه كاجتماعها على كليب في حياته واستغاثوا به وقالوا يحمل المال ونبقى بلا عطاء فركب مالك في ربيعة واجتمع الناس إليه فلحق بالمال فرده وضرب فسطاطاً بالمربد وأنفق المال في الناس حتى وفاهم عطاءهم ثم قال إن شتم الآن أن تحملوا فاحملوا فما راجعه زياد في ذلك بحرف لما ولي حمزة بن عبد الله بن الزبير البصرة جمع مالاً ليحمله إلى أبيه فاجتمع الناس إلى مالك واستغاثوا به ففعل مثل فعله بزياد فقال العديل بن الفرخ في ذلك
( إذا ما خَشينا من أميرٍ ظُلامة ... دعونا أبا غسَّانَ يوماً فعسكرا )
( ترى الناسَ أَفواجاً إلى باب دارِه ... إذا شاء جاؤوا دَارِعِينَ وحُسَّرَا )
وأول هذه القصيدة
( أمن منزلٍ من أم سَكْن عشيَّةً ... ظلِلْتُ به أبكي حزيناً مُفكِّرا )

معي كلّ مُسترخي الإِزار كأّنه ... إذا ما مشى من جنِّ غِيل وعَبقَرا )
( يُزجِّي المَطَايا لا يبالي كليُهما ... مُقلصًّة خُوصاً من الأيْن ضُمَّرا )

الفرزدق يقول العديل شاعر بكر بن وائل
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن الشيباني قال حدثني عبدة بن عصمة بن معبد القيسي قال حدثني جدي أبو أمي فراس بن خندف عن أبيه عن جده علي بن شفيع قال
لقيت الفرزدق منصرفه عن بكر بن وائل فقلت له يا أبا فراس من شاعر بكر بن وائل ممن خلفته خلفك قال أميم بني عجل يعني العديل بن الفرخ على أنه ضائع الشعر سروق للبيوت
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي عن إسحاق عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال
لما قدم الحجاج العراق قال العديل بن الفرخ
( دعوا الجُبنَ يا أهل العراق فإنَّما ... يُهان ويُسبَى كلُّ من لا يقاتلُ )
( لقد جرَّد الحجاجُ لِلحقَّ سيفَه ... ألا فاستقيموا لا يميلنَّ مائلُ )

( وخافوه حتى القومُ بينَ ضُلوعهم ... كَنَزْوِ القطا ضُمَّتْ عليه الحبائلُ )
( وأصبح كالبازي يقلِّبُ طرفَه ... على مرقب والطيرُ منه دواحلُ )
قال فقال الحجاج وقد بلغته لأصحابه ما تقولون قالوا نقول إنه مدحك فقال كلا ولكنه حرض علي أهل العراق وأمر بطلبه فهرب وقال
( أُخوَّفُ بالحجاج حتى كأنما ... يُحرَّكُ عَظْم في الفؤاد مَهيضُ )
( ودون يَدِ الحَجَّاج من أن تنالَني ... بِساطٌ لأيدي الناعجات عَرِيضُ )
( مهامه أشباه كأنَّ سَرابَها ... مُلاّءٌ بأّيدي الغاسلات رَحيضُ )
فجد الحجاج في طلبه حتى ضاقت عليه الأرض فأتى واسطاً وتنكر وأخذ رقعة بيده ودخل إلى الحجاج في أصحاب المظالم فلما وقف بين يديه أنشأ يقول
( هأَنذا ضاقتْ بيَ الأرض كلُّها ... إِليكَ وقد جوَّلْتُ كلَّ مكان )
( فلو كنتُ في ثَهلان أو شُعبتَيْ أجاً ... لخلتُكَ إلا أن تُصَدَّ تَراني )
فقال له الحجاج العديل أنت قال نعم أيها الأمير فلوى قضيب خيزران كان في يده في عنقه وجعل يقوله إيه
( بساط لأيدي الناعجات عريض ... )

فقال لا بساط إلا عفوك قال اذهب حيث شئت
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال
كان حوشب بن يزيد بن الحويرث بن رويم الشيباني وعكرمة بن ربعي البكري يتنازعان الشرف ويتباريان في إطعام الطعام ونحر الجزر في عسكر مصعب وكاد حوشب يغلب عكرمة لسعة يده قال وقدم عبد العزيز بن يسار مولى بجير قال وهو زوج أم شعبة الفقيه بسفائن دقيق فأتاه عكرمة فقال له الله الله في قد كاد حوشب أن يستعليني ويغلبني بماله فبعني هذا الدقيق بتأخير ولك فيه مثل ثمنه ربحاً فقال خذه وأعطاه إياه فدفعه إلى قومه وفرقه بينهم وأمرهم بعجنه كله فعجنوه كله ثم جاء بالعجين كله فجمعه في هوة عظيمة وأمر به فغطي بالحشيش وجاء برمكة فقربوها إلى فرس حوشب حتى طلبها وأفلت ثم ركضوها بين يديه وهو يتبعها حتى ألقوها في ذلك العجين وتبعها الفرس حتى تورطا في العجين وبقيا فيه جميعاً وخرج قوم عكرمة يصيحون في العسكر يا معشر المسلمين أدركوا فرس حوشب فقد غرق في خميرة عكرمة فخرج الناس تعجباً من ذلك أن تكون خميرة يغرق فيها فرس فلم يبق في العسكر أحد إلا ركب ينظر وجاؤوا إلى الفرس وهو غريق في العجين ما يبين منه إلا رأسه وعنقه فما أخرج إلا بالعمد والحبال وغلب عليه عكرمة وافتضح حوشب فقال العديل بن الفرخ يمدحهما ويفخر بهما
( وعكرِمةُ الفيّاض فينا وَحوشَبٌ ... هما فتيا الناسِ اللَّذا لم يغمَّرا )

( هما فتيا الناسِ اللذا لم ينَلْهما ... رئيسٌ ولا الأقيالُ من آل حِمْيَرا )
قال وفي حوشب يقول الشاعر
( وأجوَدُ بالمال من حاتم ... وأنحرُ للجزْر من حَوشَبِ )

غزله بين السهل والفحل
أخبرني محمد بن يونس الكاتب قال حدثنا أحمد بن عبيد عن الأصمعي قال
دخلت على الرشيد يوماً وهو محموم فقال أنشدني يا أصمعي شعراً مليحاً فقلت أرصينا فحلاً تريده يا أمير المؤمنين أم شجياً سهلاً فقال بل غزلاً بين الفحل والسهل فأنشدته للعديل بن الفرخ العجلي
( صحا عن طِلاب البِيض قبل مَشيبه ... وراجع غَضَّ الطرف فهو خَفيضُ )
( كأنِّي لم أرعَ الصَّبا ويروقُني ... من الحيّ أحْوى المقلتين غَضيضُ )
( دَعاني له يوماً هوًى فأجابَه ... فُؤادٌ إذا يلقى المِراضَ مريضُ )
( لمُستأنساتِ بالحديثِ كأنَّه ... تهلُّلُ غُرٍّ بَرْقُهنَّ وَميضُ )
فقال لي أعدها فما زلت أكررها عليه حتى حفظها
مات فرثاه الفرزدق
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثني الرياشي عن محمد بن سلام قال
قدم العديل بن الفرخ البصرة ومدح مالك بن مسمع الجحدري

فوصله فأقام بالبصرة واستطابها وكان مقيماً عند مالك فلم يزل بها إلى أن مات وكان ينادم الفرزدق ويصطحبان فقال الفرزدق يرثيه
( وما ولَدَتْ مثلَ العُدَيلِ حليلةٌ ... قديماً ولا مستحدثَاتُ الحلائل )
( وما زال مذ شَدَّتْ يداه إزاره ... به تَفتَح الأبوابَ بكرُ بن وائلِ )

صوت
( إني بدَهماء عزَّ ما أجدُ ... عاودني من حِبابها زُؤدُ )
( عاودني حبُّها وقد شَحَطَتْ ... صرفُ نواها فإنني كَمِدُ )
قوله عز ما أجد أي شد ما أجد وحبابها حبها وهو واحد ليس بجمع والزؤد الفزع والذعر وصرف نواها الوجه الذي تصرف إليه قصدها إذا نأت والكمد شدة الحزن
الشعر لصخر الغي الهذلي هكذا ذكر الأصمعي وأبو عمرو الشيباني وذكر إسحاق عن أبي عبيدة أنه رأى جماعة من شعراء هذيل يختلفون في هذه القصيدة فيرويها بعضهم لصخر الغي ويرويها بعضهم لعمرو ذي الكلب وأن الهيثم بن عدي حدثه عن حماد الراوية أنها لعمرو ذي الكلب

أخبار صخر الغي ونسبه
هو صخر بن عبد الله الخيثمي أحد بني خيثم بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل هذا أكثر ما وجدته من نسبه ولقب بصخر الغي لخلاعته وشدة بأسه وكثرة شره
مناسبة قصيدة له
فمن روى هذه القصيدة له ذكر أن السبب فيها أن جاراً لبني خناعة بن سعد بن هذيل من بني الرمداء كان جاورهم رجل من بني مزينة وقيل إنه كان جاراً لأبي المثلم الشاعر وهو أخوهم فقتله صخر الغي فمشى أبو المثلم إلى قومه وبعثهم على مطالبته بدم جارهم المزني والإدراك بثأره فبلغ ذلك صخراً فقال هذه القصيدة يذكر أبا المثلم وما فعله فأولها البيتان اللذان فيهما الغناء وفيها يقول
( وَلستُ عبداً للموعِدينَ ولا ... أَقبلُ ضَيماً أتىَ به أحدُ )
( جاءت كبيرٌ كيما أخفِّرَها ... والقوم صِيدٌ كأَنهم رَمِدوا )
( في المزنيّ الذي حششتُ به ... مالَ ضَريك تِلادُه نَكِدُ )
( إن أمتسِكْه فبالفِداء وإن ... أُقتل بسيفي فإنه قَوَدُ )

ولصخر وأبي المثلم في هذا مناقضات وقصائد قالاها وأجاب كل واحد منهما صاحبه يطول ذكرها وليس من جنس هذا الكتاب

كان أخوه الاعلم أحد صعاليك هذيل
وحكى الاثرم عن أبي عبيدة أنه حدث عن عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال
كان الأعلم أخو صخر الغي أحد صعاليك هذيل وكان يعدو على رجليه عدواً لا يلحق واسمه حبيب بن عبد الله فخرج هو وأخواه صخر وصخير حتى أصبحوا تحت جبل يقال له السطاع في يوم من أيام الصيف شديد الحر وهو متأبط قربة لهم فيها ماء فأيبستها السموم وعطشوا حتى لم يكادوا أن يبصروا من العطش فقال الأعلم لصاحبيه أشرب من القربة لعلي أن أرد الماء فأروى منه وانتظراني مكانكما وكانت بنو عدي بن الديل على ذلك الماء وهو ماء الأطواء يتفيؤون بنخل متأخر عن الماء قدر رمية سهم فأقبل يمشي متلثماً وقد وضع سيفه وقوسه ونبله فيما بينه وبين صاحبه فلما برز للقوم مشى رويداً مشتملاً فقال بعض القوم من ترون الرجل فقالوا نراه بعض بني مدلج بن مرة
ثم قالوا لبعضهم الق الفتى فاعرفه فقال لهم ما تريدون بذلك الرجل هو آتيكم إذا شرب فدعوه فليس بمفيتنا فأقبل يمشي حتى رمى بأرسه في الحوض مدبراً عنهم بوجهه فلما روي أفرغ على رأٍسه من الماء

ثم أعاد نقابه ورجع في طريقه رويداً فصاح القوم بعبد لهم كان على الماء هل عرفت الرجل الذي صدر قال لا فقالوا فهل رأيت وجهه قال نعم هو مشقوق الشفة فقالوا هذا الأعلم وقد صار بينه وبين الماء مقدار رمية سهم آخر فعدوا في أثره وفيهم رجل يقال له جذيمة ليس في القوم مثله عدواً فأغروه به وطردوه فأعجزهم ومر على سيفه وقوسه ونبله فأخذه ثم مر بصاحبيه فصاح بهما فضبرا معه فأعجزوهم فقال الأعلم في ذلك
( لما رأيت القومَ بالعَلْياء ... دون قِدى المناصبْ )
( وفَرِيتُ من فزعٍ فلا ... أَرْمى ولا ودَّعتُ صاحبْ )
( يُغرون صاحبهم بِنا ... جَهداً وأُغري غيرَ كاذبْ )
( أُغري أخي صخرا ليُعْجِزهم ... ومَدُّوا بالحلائبْ )
( وخشيتُ وقعَ ضريبةٍ ... قد جُرِّبتْ كلَّ التجاربْ )
( فأَكونُ صيدَهُم بها ... وأَصير للضُّبع السَّواغبْ )
( جَزَراً وللطير المُربَّة ... والذئابِ وللثَّعالبْ )
وهي قصيدة طويلة

صوت
صخر يرثي أخاه
وقالوا جميعاً خرج صخر الغي وأخوه أبو عمرو في غزاة لهما فباتا في أرض رملة فنهشت أخاه أبا عمرو حية فمات فقال يرثيه
( لعمرُ أبي عمرو لقد ساقه المنَا ... إلى جَدَثٍ يُوزَى لهُ بالأهاضِبِ )
( لحيّةِ جُحرٍ في وجار مقيمةٍ ... تنمَّى بها سوقُ المنَا والجوالبِ )
( أخي لا أخَا لي بعْده سبقتْ به ... منيَّتُه جمعَ الرُّقى والطبائبِ )
( وذلك مما يُحدث الدهرُ إنه ... له كل مطلوبٍ حثيثٍ وطالبِ )
يوزى له يمنى له والإزاء مهراق الدلو والأهاضب الجبال
وقال الأثرم عن أبي عبيدة خرج صخر الغي في طائفة من قومه يقدمها خوفاً من أبي المثلم فأغار على بني المصطلق من خزاعة فانتظر بقية أصحابه ونذرت به بنو المصطلق فأحاطوا به فقال
( لو أن أصحابي بَنُو معاويه ... أهلُ جُنوب النخلة الشَّاميه )
( ورهطُ دُهمانٍ ورَهطُ عاديه ... ما تركوني للذئاب العاويهْ )
وجعل يرميهم ويرتجز ويقول
( لو أن أصحابي بنُو خُناعَهْ ... أهلُ النَّدى والمجدِ والبرَاعهْ )

( تحتَ جلود البَقر القرَّاعه ... لمنعوا من هذه اليراعه )

شعره وهو يقاتل حتى قتل
وقال أيضا وهو يقاتلهم
( لو أني حولي من قُريمٍ رَجْلاً ... بيضَ الوجوه يحمِلونَ النَّبلا )
( لمنعوني نَجدة وَرِسْلا ... سفع الوجوه لم يكونوا عُزْلا )
يقول منعوني بنجدة وشدة وعلى رسلهم بأهون سعي قال فلم يزل يقاتلهم حتى قتلوه
وبلغ ذلك أبا المثلم فقال يرثيه
( لو كان للدهر مالٌ عند مُتلده ... لكَان للدَّهر صخرٌ مالَ قُنْيَانِ )
( آبي الهضيمة آت بالعظيمة مِتْلاف ... الكريمة لا سقط ولا واني )
( حامي الحقيقة نسّالُ الوديقة مِعتاقُ ... الوسيقة جَلْدٌ غير ثِنْيانِ )
( رَقّاء مرقَبة منَّاعُ مَغلبةٍ ... ركَّابُ سُلهبة قطاعُ أقَرانِ )
( هباطُ أوديةٍ شهَّادُ أنديةٍ ... حمَّالُ ألوية سِرحانُ فِتيانِ )
السرحان الأسد في لغة هذيل وفي كلام غيرهم الذئب

( يحمي الصحابَ إذا جدَّ الضِّرابُ ويكْفي ... القائلينَ إذا ما كُبِّلَ العَاني )
( فيترك القِرنَ مصفَرًّا أناملُه ... كأنَّ في رَيْطتَيه نضخَ إرقانِ )
الإرقان اليرقان يعني صفرته
( يعطيكَ ما لا تكاد النفسُ تسلِمُه ... من التلادِ وهوبٌ غيرُ مَنَّانِ )

نسب عمرو ذي الكلب وأخباره
هو عمرو بن العجلان بن عامر بن برد بن منبه أحد بني كاهل بن لحيان بن هذيل
قال السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي إنما سمي ذا الكلب لأنه كان له كلب لا يفارقه
وعن الأثرم عن أبي عبيدة أنه قال لم يكن له كلب لا يفارقه إنما خرج غازياً ومعه كلب يصطاد به فقال له أصحابه يا ذا الكلب فثبتت عليه
قال ومن الناس من يقول له عمرو الكلب ولا يقول فيه ذو
قال وكان يغزو بني فهم غزواً متصلاً فنام ليلة في بعض غزواته فوثب عليه نمران فأكلاه فادعت فهم قتله هكذا في هذه الرواية
خبره مع أم جليحة
وقد أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة عن ابن الأعرابي عن المفضل وغيرهم من الرواة قالوا

كان من حديث عمرو ذي الكلب الهذلي وكان من رجالهم أنه كان قد علق امرأة من فهم يقال لها أم جليحة فأحبها وأحبته وكان أهلها قد وجدوا عليها وعليه وطلبوا دمه إلى أن جاءها عاماً من ذلك فنذروا به فخرجوا في أثره وخرج هارباً منهم فتبعوه يومهم ذلك وهم على أثره حتى أمسى وهاجت عليه ريح شديدة في ليلة ظلماء فبينا هو يسير على ظهر الطريق إذ رأى ناراً عن يمينه فقال أخطأت والله الطريق وإن النار لعلى الطريق فحار وشك وقصد للنار حتى أتاها وقد كان يصيح فإذا رجل قد أوقد ناراً ليس معه أحد فقال له عمرو ذو الكلب من أنت قال أنا رجل من عدوان قال فما اسم هذا المكان قال السد فعلم أنه قد هلك وأخطأ والسد شيء لا يجاوز قال ويلك فلم أوقدت فوالله ما تشتوي ولا تصطلي وما أوقدت إلا لمنية عمرو الشقي هل عندك شيء تطعمني قال نعم فأخرج له ثمرات قد نقاها في يده فلما رآها قال ثمرات تتبعها عبرات من نساء خفرات ثم قال اسقني قال ماذا ألبناً قال لا ولكن اسقني ماء قراحاً فإني مقتول صباحاً ثم انطلق فأسند في السد ورأى القوم الذين جاؤوا في طلبه أثره حيث أخطأ فاتبعوه حتى وجدوه فدخل غاراً في السد فلما ظهروا للسد علموا أنه في الغار فنادوه فقالوا يا عمرو قال ما تشاؤون قالوا اخرج قال فلم دخلت إذن قالوا بلى فاخرج قال لا أخرج قالوا فأنشدنا قولك
( وَمقعدِ كُربةٍ قد كنتُ مِنها ... مكان الإِصبعين من القِبال )

قال ها هي ذه أنا فيها قال وعن له رجل من القوم فرماه عمرو فقتله فقالوا أقتلته يا عدو الله فقال أجل ولقد بقيت معي أربعة أسهم كأنها أنياب أم جليحة لا تصلون إلي أو أقتل بكل سهم منها رجلاً منكم فقالوا لعبدهم يا أبا نجاد ادخل عليه وأنت حر فتهيأ للدخول أبو نجاد عليه فقال له عمرو ويلك يا أبا نجاد ما ينفعك أن تكون حراً إذا قتلتك فنكص عنه فلما رأوا ذلك صعدوا فنقبوا عليه ثم رموه حتى قتلوه وأخذوا سلبه فرجعوا به إلى أم جليحة وهي تتشوف فلما رأوها قالوا لها يا أم جليحة ما رأيك في عمرو قالت رأيي والله أنكم طلبتموه سريعاً ووجدتموه منيعاً ووضعتموه صريعاً فقالوا والله لقد قتلناه فقالت والله ما أراكم فعلتم ولئن كنتم فعلتم لرب ثدي منكم قد افترشه وضب قد احترشه فطرحوا إليها ثيابه فأخذتها فشمتها فقالت ريح عطر وثوب عمرو أما والله ما وجدتموه ذا حجزة جافية ولا عانة وافية ولا ضالة كافية

اخته ريطة ترثيه
وقالت ريطة أخت عمرو ذي الكلب ترثيه
( كل امرئٍ لمحال الدهر مكروبُ ... وكلّ من غالبَ الايامَ مغلوبُ )

( وكلُّ حيٍّ وإن غزوا وإن سِلِموا ... يومَا طريقُهمُ في الشَّرِّ دعبوبُ )
( أبلغْ هذيلاً وأبلغ مَنْ يُبلِّغُها ... عنّي رِسولاً وبعضُ القول تكذيبُ )
( بأنّ ذا الكلبِ عَمْراً خيرهم نسباً ... ببطن شِريان يعوي حولَه الذيبُ )
( الطاعنُ الطعنةّ النجلاءَ يتبَعُها ... مُثْعنجِرٌ من نَجيع الجوفِ أُسكوبُ )
( والتاركُ القِرنَ مصفرّاً أناملُه ... كأنة من نقيع الْوَرْس مخضوبُ )
( تَمشي النسورُ إليه وهي لاهيةٌ ... مَشْيَ العذارى عليهِنَّ اَلجلابيبُ )
( والمخرجُ العاتقَ العذْراء مُذعنةً ... في السَّبي ينفحُ من أرْدانها الطيبُ )

صوت
( يا دارَ عمرةَ مِن مُحْتلِّها الجَرَعا ... هاجتْ لِي الهمَّ والأحزانَ والوجَعا )
( أرى بعيني إذا مالت حَمولِتُهمْ ... بطن السلَوْطِح لا ينظُرون من تبعا )
( طوراً أراهم وطوراً لا أبِينُهُمُ ... إذا تَرَفّع حِدْجٌ ساعة لمعا )
الشعر للقيط الأياديّ ينذر قومه قصد كسرى لهم والغناء لكردم بن معبد هزج بالبنصر من روايتي حبش والهشامي

خبر لقيط ونسبه والسبب في قوله الشعر
هو لقيط بن يعمر شاعر جاهلي قديم مقل ليس يعرف له شعر غير هذه القصيدة وقطع من الشعر لطاف متفرقة
سبب غزو كسرى لإياد
أخبرني بخبر هذا الشعر عمي قال حدثني القاسم بن محمد الأنباري قال حدثني أحمد بن عبيد قال حدثني الكلبي عن الشرقي بن القطامي قال
كان سبب غزو كسرى إياداً أن بلادهم أجدبت فارتحلوا حتى نزلوا بسنداد ونواحيها فأقاموا بها دهراً حتى أخصبوا وكثروا وكانوا يعبدون صنماً يقال له ذو الكعبين وعبدته بكر بن وائل من بعدهم فانتشروا ما بين سنداد إلى كاظمة والى بارق والخورنق واستطالوا على الفرات حتى خالطوا أرض الجزيرة ولم يزالوا يغيرون على ما يليهم من أرض السواد ويغزون ملوك آل نصر حتى أصابوا امرأة من أشراف العجم كانت

عروساً قد هديت إلى زوجها فولي ذلك منها سفهاؤهم وأحداثهم فسار إليهم من كان يليهم من الأعاجم فانحازت إياد إلى العراق وجعلوا يعبرون إبلهم في القراقير ويقطعون بها الفرات وجعل راجزهم يقول
( بئس مناخُ الحلَقات الدُّهْم ... في ساحة القُرقور وسط اليَمِّ )
وعبروا الفرات وتبعهم الأعاجم فقالت كاهنة من إياد تسجع لهم
( إن يقتلوا منكم غلاماً سِلْما ... أو يأخذوا ذاك شَيخاً هِمَّا )
( تُخضِّبوا نحورَهم دَمَّا ... وتُرووا منهم سُيوفاً ظُمّا )
فخرج غلام منهم يقال له ثواب بن محجن بإبل لأبيه فلقيته الأعاجم فقتلوه وأخذوا الإبل ولقيتهم إياد في آخر النهار فهزمت الأعاجم
قال وحدثني بعض أهل العلم أن إيادا بيتت ذلك الجمع حين عبروا شط الفرات الغربي فلم يفلت منهم إلا القليل وجمعوا به جماجمهم وأجسادهم فكانت كالتل العظيم و كان إلى جانبهم دير فسمي دير الجماجم و بلغ كسرى الخبر فبعث مالك بن حارثة أحد بني كعب بن زهير بن جشم في آثارهم ووجه معه أربعة آلاف من الأساورة فكتب إليهم لقيط
( يا دارَ عمرةَ من مُحتلّها الجَزَعا ... هاجتْ لي الهَّم والأحزانَ والوجعا )

وفيها يقول قال الشرقي بن القطامي أنشدنيها أبو حمزة الثمالي
( يا قام لا تأمنوا أن كنتُم غُيُراً ... على نسائكم كِسرى وما جَمَعا )
( هو الجلاءُ الذي تبقى مذلَّتُه ... إن طار طائركم يوماً وإن وقَعا )
( هو الفَناء الذي يجتثُّ أَصلكُم ... فمن رأَى ذا رأياً ومَنْ سَمِعا )
( فقلِّدوا أمركم لله دّرُّكُم ... رَحْبَ الذراع بأمر الحَرْب مُضْطَلِعا )
( لا مترَفاً إن رخاءُ العيش ساعده ... ولا إذا حلَّ مكروه به خَشَعا )
( لا يَطعَم النومَ إلا ريثَ يبعثُه ... همٌّ يكادُ حَشاه يقطَع الضَّلَعا )
( مسهَّدُ النوم تَعنِيه ثُغوركُمُ ... يرومُ منها إلى الأعداء مُطَّلَعا )
( ما انفكَّ يحلُبُ هذا الدهرَ أشطرَه ... يكون متَّبِعاً طوراً ومتَّبعا )
( فليس يشغله مالٌ يُثَمِّره ... عنكمْ ولا ولد يَبغي له الرَّفعَا )
( حتى استمرَّتْ على شزْرٍ مريرتُه ... مستحكِمَ السنّ لا قحْماً ولا ضَرَعا )
( كمالِكِ بن قِنان أو كصاحبه ... زيدِ القنا حين لاقى الحارِثيْنِ مَعَا )
( إذ عابه عائبٌ يوماً فقال له ... دمِّث لجنبكَ قبلَ الليل مُضطَجَعا )
( فساوَرُوه فأَلفَوْْه أخا عَلَلٍ ... في الحرب يَخْتتِلُ الرئبال وَالسَّبُعا )
( عبلَ الذراع أبِياًّ ذَا مُزابَنةٍ ... في الحرب لا عاجزاً نكْساً ولا وَرَعا )
( مستنجداً يتحدّى الناسَ كلَّهمُ ... لو صارعوه جميعاً في الوَرى صَرَعا )

( هذا كتابي إليكُمْ و النذير لكمْ ... لمن رأى الرأي بالإِبرام قد نَصَعا )
( وقد بذلت لكم نُصْحي بلا دَخَلِ ... فاسيقظوا إنّ خيرَ العلم ما نَفَعا )
وجعل عنوان الكتاب
( سلام في الصَّحِيفة من لَقيطِ ... إلى مَن بالجزيرة من إيادِ )
( بأن الليثَ كسرى قد أتَاكمْ ... فلا يحبسكُمُ سوقُ النِّقادِ )

وقعة مرج الاكم
قال وسار مالك بن حارثة التغلبي بالأعاجم حتى لقي إيادا وهم غارون لم يتلفتوا إلى قول لقيط وتحذيره إياهم ثقة بإن كسرى لا يقدم عليهم فلقيهم بالجزيرة في موضع يقال له مرج الأكم فاقتتلوا قتالا شديدا فظفر بهم وهزمهم وأنفذ ما كانوا أصابوا من الأعاجم يوم الفرات ولحقت إياد بأطراف الشأم ولم تتوسطها خوفا من غسان يوم الحارثين ولاجتماع قضاعة وغسان في بلد خوفا من أن يصيروا يدا واحدة عليهم فأقاموا حتى أمنوا ثم إنهم تطرفوهم إلى أن لحقوا بقومهم ببلد الروم بناحية أنقرة ففي ذلك يقول الشاعر
( حلُّوا بأنقرةٍ يسيل عليهمُ ... ماءُ الفُرات يجيءُ من أطواد )
صوت
( اللبينِ يا ليلى جِمالُكِ تُرحَلُ ... ليقْطَعَ منا البينُ ما كان يوصَلُ )
( تُعلّلُنا بالوعد ثُمَّت تلتوي ... بموعودها حتى يموتَ المعلَّلُ )

( ألم ترَ أنَّ الحّبْلَ أصبحَ واهناً ... وأخلف من ليلّى الذي كنت آمُلُ )
( فلا الحبلُ من ليلى يؤُاتيك وصلهُ ... ولا أنت تنْهَى القلب عناه فيَذهلُ )
عروضه من الطويل الشعر لنصيب الأصغر مولى المهدي و الغناء ليحيى المكي خفيف رمل بالبنصر وكذا نسبته تدل عليه
وذكر عمرو بن بانة في نسخته أن خفيف الرمل لمالك وأنه بالوسطى والصحيح أنه لابن المكي

بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار نصيب الأصغر
نصيب مولى المهدي عبد نشأ باليمامة واشتُري للمهدي في حياة المنصور فلما سمع شعره قال والله ما هو بدون نصيب مولى بني مروان فأعتقه وزوجة أمة له يقال لها جعفرة
وكناه أبا الحجناء وأقطعه ضيعة بالسواد وعُمِّر بعده
مدحه هارون الرشيد
وهذه القصيدة يمدح بها هارون الرشيد وهي من جيد شعره وفيها يقول
( خليليَّ إني ما يزالُ يشوقُني ... قَطينُ الحِمىَ والظاعنُ المتحمِّلُ )
( فأقسمت لا أنسى لياليَ مَنعِجٍ ... ولا مأسَلٍ إِذ منزلُ الحي مأسَلُ )
( أمن أجل آياتٍ ورسم كأنه ... بَقيةَ وحْيٍ أو رداءٌ مُسَلسَلُ )

( جرى الدمعُ من عينيكَ حتى كأَنه ... تحدُّر دُرٍّ أو جُمانٌ مُفصَّلُ )
( فيا أيها الزنجيُّ مالكَ والصِّبا ... أَفق عن طِلابِ البِيض إِن كنت تعقِلُ )
( فمثلك من أُحبوشة الزَّنج قُطِّعت ... وسائلُ أَسبابٍ بها يُتوسَّلُ )
( قصدنا أميرَ المؤمنين ودونَه ... مهامِهُ مَوماةٍ من الأرض مَجْهَلُ )
( على أرحبيَّاتٍ طوى السيرُ فانطوتْ ... شمائلُها مما تُحَلُّ وتُرحَلُ )
( إلى ملكٍ صَلْت الجَبين كأَّنه ... صَفيحَةُ مَسنون جلا عنه صَيْقَلُ )
( إِذا أنبلَج البَابانِ والسترُ دونَه ... بَداَ مثل ما يبدو الأََغرُّ المحجَّلُ )
( شريكانِ فينا منهُ عينٌ بَصيرة ... كَلوءٌ وقلبٌ حافظ ليسَ يغفُلُ )
( فما فاتَ عينْيه وعاهُ بقلبه ... فآخِرُ ما يرعى سواءٌ وأوَّلُ )
( وما نازعت فينا أمورَك هفوةٌ ... ولا خَطلة في الرأي والرأْي يَخطَلُ )
( إذا اشتبهتْ أَعناقُه بيَّنت له ... معارفُ في أَعجازه وهْو مُقبلُ )
( لئن نالَ عبدُ الله قبلُ خِلافةً ... لأنتَ من العهد الذي نِلتَ أَفضلُ )
( وما زادكَ العهدُ الذي نلتَ بسطةً ... ولكن بتقوى الله أَنتَ مُسربَلُ )
( ورثتَ رسولَ الله عُضْواً ومَفصِلاً ... وذا من رسول اللهِ عُضٌو ومَفصِلُ )
( إِذا ما دهتْنا من زمانٍ مُلمَّةٌ ... فليس لنا إلا عليكَ المعوَّلُ )

( على ثقةٍ منا تَحِنُّ قلوبُنا ... إِليكَ كما كُنَّا أَباكََ نُؤمِّلُ )
وهي قصيدة طويلة هذا مختار من جميعها

انفق مال المهدي فأوثقه بالحديد
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال حدثني أبي قال وجه المهدي نصيبا الشاعر مولاه إلى اليمين في شراء إبل مهرية ووجه معه رجلا من الشيعة وكتب معه إلى عامله على اليمن بعشرين ألف دينار قال فمد أبو الحجناء يده في الدنانير ينفقها في الأكل والشرب وشراء الجواري والتزويج فكتب الشيعي بخبره إلى المهدي فكتب المهدي في حمله موثقا في الحديد
فلما دخل على المهدي أنشده شعره وقال
( تأوَّبني ثِقلٌ من الهم مُوجٍعُ ... فأرَّق عَيْني والخَلِيُّون هُجَّعُ )
( هُموم تَوالتْ لو أطافَ يَسيرُها ... بِسَلْمَى لظلَّتْ شُمُّها تتصدَّعُ )
( ولكنَّها نيطتْ فَناءَ بحملها ... جَهيرُ المنايا حائنُ النفس مجزعُ )
( وعادتْ بلادُ الله ظلماءَ حِندِساً ... فخِلتُ دُجى ظلمائها لا تقَشَّعُ )

وهي قصيدة طويلة يقول فيها
( إليكَ أميرَ المؤمين ولم أجدْ ... سواك مُجيراً منكَ يُدني ويَمنعُ )
( تلمّستُ هل من شافع لي فلم أجدْ ... سوى رحمةٍ أعطاكها اللهُ تَشفعُ )
( لئن جلّت الأجرامُ مني وأفظعتْ ... لَعفوُكَ عن جُرمي أجلُّ وأوسعُ )
( لئن لم تسعْني يابنَ عمِّ محمد ... لما عجزْت عني وسائلُ أربعُ )
( طُبِعت عليها صبغةً ثم لم تَزَلْ ... على صالح الأخلاق والدين تُطبَعُ )
( تغابيك عن ذي الذنبِ ترجو صلاحه ... وأنت ترى ما كان يأتي ويصْنَعُ )
( وعفوكَ عمَّن لو تكونُ جريمةٌ ... لطارتْ به في الجوّ نكباءُ زَعزَعُ )
( وأنّك لا تنفكُّ تُنعِش عاثراً ... ولم تعترضْه حين يكبوا ويخْمَعُ )
( وحلمكَ عن ذي الجهل من بعدما جرى ... به عَنَقٌ من طائش الجهلِ أشنع )
( ففيهنَّ لي إمّا شَفَعْن منافعٌ ... وفي الأربع الأولى إليهنَّ أَفزَعُ )
( مناصحتي بالفعل إن كنت نائياً ... إذا كان دانٍ منك بالقولِِ يَخدَعُ )
( وثانيةٌ ظنِّي بك الخيرَ غائباً ... وإن قلتَ عبدٌ ظاهر الغَشِّ مُسبَعُ )
( وثالثةٌ أني على ما هَوِيتَه ... وإن كثَّر الأعداءُ فيَّ وشنَّعوا )
( ورابعةٌ إليكَ يسوقُني ... ولائي فمولاكَ الذي لا يُضيَّعُ )
( وإني لمولاكَ الذي إن جفوتَه ... أتى مستكيناً راهباً يَتَضرَّعُ )
( وإني لمولاكَ الضعِيفُ فأَعفِني ... فإني لعفوٍ منكَ أهلٌ وموضعُ )

المهدي يقبل شفاعته ويزوجه
فقطع المهدي عليه الإنشاد ثم قال له ومن أعتقك يابن السوداء فأومأ بيده إلى الهادي وقال ألأمير موسى يا أمير المؤمنين فقال المهدي لموسى أعتقته يا بني قال نعم يا أمير المؤمنين فأمضى المهدي ذلك وأمر بحديده ففك عنه وخلع عليه عدة من الخلع الوشي والخز والسواد والبياض ووصله بألفي دينار وأمر له بجارية يقال لها جعفرة جميلة فائقة من روقة الرقيق
فقال له سالم قيم الرقيق لا أدفعها إليك أو تعطيني ألف درهم فقال قصيدته
( أَاذنَ الحيُّ فانصاعوا بترحالِ ... فهاج بينهمُ شوقي وبلبالي )
وقام بها بين يدي المهدي فلما قال
( ما زلتَ تبذل لي الأموالَ مجتهداً ... حتى لأصبحتُ ذا أهلٍ وذَا مالِ )
( زَوَّجْتَنِي يابنَ خير الناس جاريةً ... ما كان أمثالُها يُهدَى لأمثالِي )
( زوَّجتَني بضَّةً بيضاءَ ناعمةً ... كأنَّها درَّة في كفِّ لآلِ )
( حتى توهَّمتُ أن اللهَ عجَّلَها ... يابنَ الخلائفِ لي من خيرِ أعمالِي )
( فسَالَنِي سالِمٌ ألفاً فقلتُ له ... أني ليَ الألفُ يا قُبِّحتَ مِن سالِ )
أراد من سائل كما قالوا شاكي السلاح وشائك

( هيهات أَلفُك إلاّ أن أجيء بها ... من فضل مولًى لطيفِ المَنِّ مِفْضالِ )
فأمر له المهدي بألف دينار ولسالم بألف درهم

رأته ابنته مقيدا فبكت فأنشد
قال ابن أبي سعد وحدثني غير محمد بن عبد الله أنه حبس باليمن مدة طويلة ثم أشخص إلى المهدي فقال وهو في الحبس ودخلت إليه ابنته حجناء فلما رأت قيوده بكت فقال
( لقد أصبحتْ حَجناءُ تبكي لوالدٍ ... بِدَرَّة عَين قلَّ عنه غناؤها )
( أحجناءُ صبراً كلُّ نفس رهينةٌ ... بموتٍ ومكتوبٌ عليها بَلاؤها )
( أحجناءُ أسبابُ المنايا بمرصدٍ ... فإلاَّ يعاجلْ غَدْوُها فمسَاؤها )
( أحجناءُ إن أُفلتْ من السجن تَلْقَنِي ... حُتوفُ منايا لا يُرَدُّ قَضاؤها )
( أحجناءُ إن أضحى أبوكِ ودلوه ... تعرّت عُراً منها ورثُّ رِشاؤها )
( لقد كان يُدْلي في رجالٍ كثيرة ... فيمتَح مَلأى وهي صفرٌ دِلاؤها )
( أحجناء إن يصبحْ أبوكِ ونفسُه ... قليلٌ تَمنِّيها قصيرٌ عَزاؤها )
( لقد كان في دنيا تفيَّأَ ظِلُّها ... عليه ومجلوبٌ إليه بَهاؤها )
قال ابن أبي سعد ولما دخل نصيب على المهدي مقيدا رفده ثمامة بن الوليد العبسي عنده واستعطفه له وسوغ عذره عنده ولم يزل يرفق به حتى أمر بإطلاقه وكان نصيب في متقدم الأيام منقطعا إلى أخيه شيبة فقال فيه

شعره في مدح ثمامة العبسي
( أُثمامُ إنك قد فككت ثُماما ... حَلَقا بريْن من النُّصيب عظاما )
( حَلَقا توسَّطها العمودُ فلزَّها ... لولا ثمامةُ والإلهُ لداما )
( اللهُ أنقذني به من هُوَّةٍ ... تيهاءَ مُهلكةٍ تكونُ رِجاما )
( فلأشكرنَّك يا ثمامةُ ما جرتْ ... فِرقُ السحاب كَنَهْوراً ورُكاما )
( ولاشكرنَّك يا ثمامةُ ما دعتْ ... وُرقُ الحمام على الغُصون حَماما )
( وخلفْتَ شيبةَ في المقام ولا أرى ... كمقام شيبةَ في الرجال مَقاما )
( أغنَى إذا التمس الرجالُ غنَاءه ... في كلِّ نازلةٍ تكون غَراما )
( وأعمُّ منفعةً وأكرمُ حائطا ... تهدِي إليه تحيَّة وسلاما )
( لا يبعدَنَّ ابنُ الوليد فإِنه ... قد نال من كل الأمورِ جِساما )
( لو مِن سوى رَهط النبيِّ خليفةٌ ... يُدعَى لكان خليفةً وإِماما )
قال ابن أبي سعد ودخل نصيب على ثمامة بعد وفاة أخيه شيبة وهو يفرق خيله على الناس فأمر له بفرس منها فأبى أن يقبله وبكى ثم قال
( يا شيبَة الخيرِ إِما كنتَ لي شَجَناً ... آليتُ بعدك لا أبكي على شَجنِ )
( أضحتْ جيادُ أبي القعقاع مُقْسَمةً ... في الأقربين بلا مَنٍّ ولا ثَمنِ )
( ورَّثْتهم فتعزَّوا عنك إذ وَرِثوا ... وما ورِثْتُك غَيْرَ الهم والحَزَن )
فجعل ثمامة ومن عنده حاضر من أهله وإخوانه يبكون
وشيبة بن الوليد هذا وأخوه من وجوه قواد المهدي

وفي شيبة يقول أبو محمد اليزيدي يهجوه وكان عارضه في شيء من النحو بحضرة المهدي
( عِشْ بِجَدَّ فلن يضرَّك نَوْكٌ ... إِنما عيشَ من ترى بالجُدودِ )
( عِشْ بجَدَّ وكن هبنَّقَةَ القيسيَّ ... جهلاً أو شَيبةَ بنَ الوليد )
أخبرنا بذلك محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عن أبيه
أخبرني عمي قال حدثنا القاسم بن محمد الأنباري قال حدثنا عبد الله بن بشر البجلي عن النضر بن طاهر قال أتى نصيب مولى المهدي عبد الله بن محمد بن الأشعث وهو يتقلد صنعاء للمهدي فمدحه فلم يثبه واستكساه بردا فلم يكسه فقال يهجوه
( سأكسوكَ من صنعاءَ ما قد كسوتَنِي ... مقطَعةً تَبقى على قِدم الدهرِ )
( إذا طُويْت كانتْ فُضوحُك طَيَّها ... وإن نُشرتْ زادتْك خِزياً على النَّشرِ )
( أغرّك أن بيَّضتَ بيتَ حمامةٍ ... وقلت أنا شبعانُ منتفجُ الخَصْر )
( لقد كنتَ في سَلْحٍ سَلَحْتَ مخافة ... الحرُورِيّة الشَّارين داعٍ إلى الضرِّ )

( ولكنهُ يأبى بك البُهر كُلَّمَا ... جريتَ مع الجاري وضيقٌ من الصدرِ )

تساجل هو والربيع بن عبد الله حول فرس
قال النضر وكان النصيب ملعونا هجاء فأهدى للربيع بن عبد الله بن الربيع الحارثي فرسا فقبله ثم ندم خوفا من ثقل الثواب فجعل يعيب الفرس ويذكر بطأه وعجزه فبلع ذلك النصيب فقال
( عبتَ جوادنا ورغبتَ عنه ... وما فيه لعمرُكَ من مَعابِ )
( وما بجوادنا عجزٌ ولكن ... أظنُّك قد عجزتَ عن الثوابِ )
فأجابه الربيع فقال
( رُوَيدك لا تكن عَجِلاً إلينا ... أتاك بما يسوءك من جوابِ )
( وجدتُ جوادَكم فَدْماً بَطيئاً ... فمالَكُمُ لَدينا من ثَوابِ )
فلما كان بعد أيام رأى النصيب الفرس تحت الربيع فقال له
( أخذتَ مُشَهَّراً في كل أرض ... فعجِّل يا ربيعُ مشهَّراتي )
( يمانيَةً تخيَّرها يَمانٍ ... منمنَمةَ البيوت مُقطعاتِ )
( وجارِيَةً أضلَّت والدَيْهَا ... مولْدةً وبِيضاً وافياتِ )
( فعجِّلْها وأَنفِذْها إِلينا ... ودعْنا من بَنَاتِ التُّرَّهات )
فأجابه الربيع فقال
( بعثْتَ بمقرِفٍ حَطِم إلينا ... بطيء الحُضْر ثم تقولُ هاتِ )
فقال النصيب

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45