كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

أخبرني عمر بن عبد الله بن شبة عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن محمد بن عمران عن عقبة بن سلم
أن أبا جعفر دعاه فسأله عن اسمه ونسبه فقال أنا عقبة بن سلم بن نافع بن الأزدهاني قال إني أرى لك هيئة وموضعا وإني لأريدك لأمر أنا به معني قال أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين قال فأخف شخصك وائتني في يوم كذا وكذا فأتيته فقال إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا بملكنا ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا وكذا يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات وألطاف فاذهب حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل تلك القرية ثم تسير ناحيتهم فإن كانوا نزعوا عن رأيهم علمت ذلك وكنت على حذر منهم حتى تلقى عبد الله بن الحسن متخشعا وإن جبهك وهو فاعل فاصبر وعاوده أبدا حتى يأنس بك فإذا ظهر لك ما في قلبه فاعجل إلي ففعل ذلك وفعل به حتى أنس عبد الله بناحيته فقال له عقبة الجواب فقال له أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد ولكن أنت كتابي إليهم فأقرئهم السلام وأخبرهم أن ابني خارج لوقت كذا وكذا فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر

بماذا أجاب أبا جعفر عندما سأله عن ابنيه
أخبرني العتكي عن عمر بن محمد بن يحيى بن الحارث بن إسحاق قال
سأل أبو جعفر عبد الله بن الحسن عن ابنيه لما حج فقال لا أعلم بهما حتى تغالظا فأمضه أبو جعفر فقال له يا أبا جعفر بأي أمهاتي

تمضني أبخديجة بنت خويلد أم بفاطمة نت رسول الله أم بفاطمة بنت الحسين عليهم السلام أم بأم إسحاق بنت طلحة قال لا ولا بواحدة منهن ولكن بالجرباء بنت قسامة فوثب المسيب بن زهير فقال يا أمير المؤمنين دعني أضرب عنق ابن الفاعلة فقام زياد بن عبيد الله فألقى عليه رداءه وقال يا أمير المؤمنين هبه لي فأنا المستخرج لك ابنيه فتخلصه منه
قال ابن شبة وحدثني بكر بن عبد الله مولى أبي بكر عن علي بن رباح أخي إبراهيم بن رباح عن صاحب المصلى قال
إني لواقف على رأس أبي جعفر وهو يتغدى بأوطاس وهو متوجه إلى مكة ومعه على مائدته عبد الله بن الحسن وأبو الكرام الجعفري وجماعة من بني العباس فأقبل على عبد الله بن الحسن فقال يا أبا محمد محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا من ناحيتي وإني لأحب أن يأنسا بي ويأتياني فأصلهما وأزوجهما وأخلطهما بنفسي قال وعبد الله يطرق طويلا ثم يرفع رأسه ويقول وحقك يا أمير المؤمنين مالي بهما ولا بموضعهما من البلاد علم ولقد خرجا عن يدي فيقول لا تفعل يا أبا محمد اكتب إليهما وإلى من يوصل كتابك إليهما قال وامتنع أبو جعفر عن عامة غدائه ذلك اليوم إقبالا على عبد الله وعبد الله يحلف أنه لا يعرف موضعهما وأبو جعفر يكرر عليه لا تفعل يا أبا محمد
قال ابن شبة فحدثني محمد بن عباد عن السندي بن شاهك
أن أبا جعفر قال لعقبة بن سلم إذا فرغنا من الطعام فلحظتك فامثل

بين يدي عبد الله فإنه سيصرف بصره عنك فدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينيه منك ثم حسبك وإياك أن يراك ما دام يأكل ففعل ذلك عقبة فلما رآه عبد الله وثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر وقال يا أمير المؤمنين أقلني أقالك الله قال لا أقالني الله إن أقلتك ثم أمر بحبسه
قال ابن شبة فحدثني أيوب بن عمر عن محمد بن خلف المخزومي قال أخبرني العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال
لما حج أبو جعفر في سنة اربعين ومائة أتاه عبد الله وحسن ابنا حسن فإنهما وإياي لعنده وهو مشغول بكتاب ينظر فيه إذ تكلم المهدي فلحن فقال عبد الله يا أمير المؤمنين ألا تأمر بهذا من يعدل لسانه فإنه يفعل فعل الأمة فلم يفهم وغمزت عبد الله فلم ينتبه وعاد لأبي جعفر فأحفظ من ذلك وقال له أين ابنك قال لا أدري قال لتأتيني به قال لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه قال يا ربيع فمر به إلى الحبس

توفي في محبسه بالهاشمية
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن قال
توفي عبد الله في محبسه بالهاشمية وهو ابن خمس وسبعين سنة في سنة خمس وأربعين ومائة وهند التي عناها عبد الله في شعره الذي فيه الغناء زوجته هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ابن عبد العزى بن قصي وأمها قرينة بنت يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة ابن الأسود بن المطلب
وكان أبو عبيدة جوادا وممدحا وكانت هند قبل عبد الله بن الحسن

تحت عبد الله بن عبد الملك بن مروان فمات عنها
فأخبرني الحرمي عن الزبير عن سليمان بن عياش السعدي قال
لما توفي أبو عبيدة وجدت ابنته هند وجدا شديدا فكلم عبد الله بن الحسن محمد بن بشير الخارجي أن يدخل على هند بنت أبي عبيدة فيعزيها ويؤسيها عن أبيها فدخل معه عليها فلما نظر إليها صاح بأبعد صوته
( قومي اضربي عينيك يا هندُ لن تَرَيْ ... أَباً مثلَه تسمُو إليه المَفاخِرُ )
( وكنت إذا أَسبَلْتِ فوقك والدا ... تَزِيني كما زان اليدين الأساورُ )
فصكت وجهها وصاحت بحربها وجهدها فقال له عبد الله بن الحسن ألهذا دخلت فقال الخارجي وكيف أعزي عن أبي عبيدة وأنا أعزى به
أخبرني العتكي عن شبة قال حدثني عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان عن علي بن صالح قال
زوج عبد الملك بن مروان ابنه عبد الله هند بنت أبي عبيدة وريطة بنت عبد الله بن عبد المدان لما كان يقال إنه كائن في أولادهما فمات عنهما عبد الله أو طلقهما فتزوج هندا عبد الله بن الحسن وتزوج ريطة محمد بن علي فجاءت بأبي العباس السفاح
أخبرني العتكي عن عمر بن شبة عن ابن داجة عن أبيه قال
لما مات عبد الله بن عبد الملك رجعت هند بميراثها منه فقال عبد الله ابن حسن لأمه فاطمة اخطبي علي هندا فقالت إذا تردك أتطمع في هند وقد ورثت ما ورثته وأنت ترب لا مال لك فتركها ومضى إلى أبي عبيدة

أبي هند فخطبها إليه فقال في الرحب والسعة أما مني فقد زوجتك مكانك لا تبرح ودخل على هند فقال يا بنية هذا عبد الله بن حسن أتاك خاطبا قالت فما قلت له قال زوجته قالت أحسنت قد أجزت ما صنعت وأرسلت إلى عبد الله لا تبرح حتى تدخل على أهلك قال فتزينت له فبات بها معرسا من ليلته ولا تشعر أمه فأقام سبعا ثم أصبح يوم سابعه غاديا على أمه وعليه ردع الطيب وفي غير ثيابه التي تعرف فقالت له يا بني من أين لك هذا قال من عند التي زعمت أنها لا تريدني
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمي عبد العزيز بن أحمد بن بكار قالا حدثنا الزبير قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة قالت
كان جدك عبد الله بن مصعب يستنشدني كثيرا أبيات عبد الله بن حسن ويعجب بها
( إنّ عيني تعوَّدت كُحْل هِنْدٍ ... جَمَعتْ كَفُّها مع الرِّفق لِينا )

صوت
( يا عِيدُ مالكَ من شوقٍ وإيراقِ ... ومرِّ طَيْفٍ على الأهوال طَرَّاقِ )
( يَسْرِي على الأَيْنِ والحيَّات مُحْتفياً ... نفسي فِداؤُك من سارٍ على ساقِ )
عروضه من البسيط العيد ما اعتاد الإنسان من هم أو شوق أو مرض أو ذكر والأين والأيم ضرب من الحيات والأين الإعياء أيضا وروى أبو عمرو
( يا عيد قلبُك من شوق وإيراق ... )
الشعر لتأبط شرا والغناء لابن محرز ثقيل أول بالوسطى من رواية يحيى المكي وحبش وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى إلى ابن محرز

أخبار تأبط شرا ونسبه
هو ثابت بن جابر بن سفيان بن عميثل بن عدي بن كعب بن حزن وقيل حرب بن تميم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان بن مضر بن نزار
وأمه امرأة يقال لها أميمة يقال إنها من بني القين بطن من فهم ولدت خمسة نفر تأبط شرا وريش بلغب وريش نسر وكعب جدر ولا بواكي له وقيل إنها ولدت سادسا اسمه عمرو
لقبه وسببه
وتأبط شرا لقب لقب به ذكر الرواة أنه كان رأى كبشا في الصحراء فاحتمله تحت إبطه فجعل يبول عليه طول طريقه فلما قرب من الحي ثقل عليه الكبش فلم يقله فرمى به فإذا هو الغول فقال له قومه ما تأبطت يا ثابت قال الغول قالوا لقد تأبطت شرا فسمي بذلك
وقيل بل قالت له أمه كل إخوتك يأتيني بشيء إذا راح غيرك فقال لها سآتيك الليلة بشيء ومضى فصاد أفاعي كثيرة من أكبر ما قدر عليه

فلما راح أتى بهن في جراب متأبطا له فألقاه بين يديها ففتحته فتساعين في بيتها فوثبت وخرجت فقال لها نساء الحي ماذا أتاك به ثابت فقالت أتاني بأفاع في جراب قلن وكيف حملها قالت تأبطها قلن لقد تأبط شرا فلزمه تأبط شرا
حدثني عمي قال حدثني علي بن الحسين بن عبد الأعلى عن أبي محلم بمثل هذه الحكاية وزاد فيها
أن أمه قالت له في زمن الكمأة ألا ترى غلمان الحي يجتنون لأهليهم الكمأة فيروحون بها فقال أعطيني جرابك حتى أجتني لك فيه فأعطته فملأه لها أفاعي وذكر باقي الخبر مثل ما تقدم
ومن ذكر أنه إنما جاءها بالغول يحتج بكثرة أشعاره في هذا المعنى فإنه يصف لقاءه إياها في شعره كثيرا فمن ذلك قوله
( فأَصبحت الغُولُ لي جارةً ... فيا جارتا لك ما أَهولا )
( فطالبتُها بُضْعَها فالتوت ... عليَّ وحاولتُ أن أَفعلا )
( فمن كان يسأل عن جارتي ... فإنّ لها باللِّوى مَنْزِلاَ )

كان أحد العدائين المعدودين
أخبرني عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال نزلت على حي من فهم إخوة بني عدوان من قيس فسألتهم عن خبر تأبط شرا فقال لي بعضهم وما سؤالك عنه أتريد أن تكون لصا قلت لا ولكن أريد أن

أعرف أخبار هؤلاء العدائين فأتحدث بها فقالوا نحدثك بخبره إن تأبط شرا كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين وكان إذا جاع لم تقم له قائمة فكان ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه ثم يشويه فيأكله وإنما سمي تأبط شرا لأنه فيما حكي لنا لقي الغول في ليلة ظلماء في موضع يقال له رحى بطان في بلاد هذيل فأخذت عليه الطريق فلم يزل بها حتى قتلها وبات عليها فلما أصبح حملها تحت إبطه وجاء بها إلى أصحابه فقالوا له لقد تأبطت شرا فقال في ذلك

شعره في غول تأبطها
( تأَبَّط شرّاً ثم راح أو اغْتَدى ... تُوائم غُنْما أو يَشِيف على ذَخْل )
يوائم يوافق ويشيف يقتدر وقال أيضا في ذلك
( ألا مَنْ مُبلغٌ فِتيانَ فَهمٍ ... بما لاقيتُ عند رَحَى بطانِ )
( وأنِّي قد لقيتُ الغولَ تهوي ... بسَهْب كالصحيفة صحصحانِ )
( فقلت لها كلانا نِضْو أَيْنٍ ... أخو سفر فخلّي لي مكاني )
( فشدَّت شدَّةً نحوي فأَهْوَى ... لها كفّي بمصقولٍ يَماني )
( فأَضربها بلا دَهَشٍ فَخَرّت ... صريعاً لليدين وللجِرانِ )
( فقالت عُد فقلت لها رُوَيداً ... مكانَك إنني ثَبْتُ الجنانِ )
( فلم أنفكَّ مُتّكِئاً عليها ... لأنظر مُصبِحاً ماذا أتاني )

( إذا عينان في رأسٍ قبيح ... كرأس الهِرِّ مَشْقوق اللِّسانِ )
( وساقا مُخدجٍ وشواةُ كلْب ... وثوب من عَباءٍ أو شِنان )
أخبرنا الحسين بن يحيى قال قرأت على حماد وحدثك أبوك عن حمزة ابن عتبة اللهبي قال
قيل لتأبط شرا هذه الرجال غلبتها فكيف لا تنهشك الحيات في سراك فقال إني لأسري البردين يعني أول الليل لأنها تمور خارجة من حجرتها وآخر الليل تمور مقبلة إليها
قال حمزة ولقي تأبط شرا ذات يوم رجلا من ثقيف يقال له أبو وهب كان جبانا أهوج وعليه حلة جيدة فقال أبو وهب لتأبط شرا بم تغلب الرجال يا ثابت وأنت كما أرى دميم ضئيل قال باسمي إنما أقول ساعة ما ألقى الرجل أنا تأبط شرا فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت فقال له الثقفي أقط قال قط قال فهل لك أن تبيعني اسمك قال نعم فبم تبتاعه قال بهذه الحلة وبكنيتك قال له أفعل ففعل وقال له تأبط شرا لك اسمي ولي كنيتك وأخذ حلته وأعطاه طمرية ثم انصرف وقال في ذلك يخاطب زوجة الثقفي
( ألا هل أتى الحسناءَ أنّ حَلِيلَها ... تأبّط شَرّاً واكتنيتُ أبَا وَهْب )
( فهبه تَسمَّى اسْمي وسُمِّيتُ باسمِه ... فأَين له صبرِي على مُعْظَمِ الخطب )
( وأين له بأْسٌ كَبَأْسي وسَوْرتي ... وأين له في كل فادحةٍ قَلْبِي )

أحب جارية وعجز عنها
قال حمزة وأحب تأبط شرا جارية من قومه فطلبها زمانا لا يقدر عليها ثم لقيته ذات ليلة فأجابته وأرادها فعجز عنها فلما رأت جزعه من ذلك تناومت عليه فآنسته وهدأ ثم جعل يقول
( مالكَ من أَيْرٍ سُلِبْتَ الخلّه ... عجَزْتَ عن جارية رِفَلّهْ )
( تمشي إليك مشيةً خوزلَّهْ ... كمشية الأَرخِ تريد العلّهْ )
الأرخ الأنثى من البقر التي لم تنتج العلة تريد أن تعل بعد النهل أي أنها قد رويت فمشيتها ثقيلة والعل الشرب الثاني
( لو أنها راعِيةٌ في ثُلَّه ... تحمل قِلْعَين لها قبَلّه )
( لصرتُ كالهراوة العُتُلّهْ ... )
خبره مع بجيلة
أخبرني الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي سعد عن أحمد بن عمر عن أبي بركة الأشجعي قال
أغار تأبط شرا وهو ثابت بن العميثل الفهمي ومعه ابن براق الفهمي على بجيلة فأطردا لهم نعما ونذرت بهما بجيلة فخرجت في آثارهما ومضيا هاربين في جبال السراة وركبا الحزن وعارضتهما بجيلة في السهل فسبقوهما إلى الوهط وهو ماء لعمرو بن العاص بالطائف فدخلوا لهما في قصبة العين وجاءا وقد بلغ العطش منهما إلى العين فلما وقفا عليها قال تأبط شرا لابن براق أقل من الشراب فإنها ليلة طرد قال وما يدريك قال

والذي أعدو بطيره إني لأسمع وجيب قلوب الرجال تحت قدمي وكان من أسمع العرب وأكيدهم فقال له ابن براق ذلك وجيب قلبك فقال له تأبط شرا والله ما وجب قط ولا كان وجابا وضرب بيده عليه وأصاخ نحو الأرض يستمع فقال والذي أعدو بطيره إني لأسمع وجيب قلوب الرجال فقال له ابن براق فأنا أنزل قبلك فنزل فبرك وشرب وكان أكل القوم عند بجيلة شوكة فتركوه وهم في الظلمة ونزل ثابت فلما توسط الماء وثبوا عليه فأخذوه وأخرجوه من العين مكتوفا وابن براق قريب منهم لا يطمعون فيه لما يعلمون من عدوه فقال لهم ثابت إنه من أصلف الناس وأشدهم عجبا بعدوه وسأقول له استأسر معي فسيدعوه عجبه بعدوه إلى أن يعدو من بين أيديكم وله ثلاثة أطلاق أولها كالريح الهابة والثاني كالفرس الجواد والثالث يكبو فيه ويعثر فإذا رأيتم منه ذلك فخذوه فإني أحب أن يصير في أيديكم كما صرت إذ خالفني ولم يقبل رأيي ونصحي له قالوا فافعل فصاح به تأبط شرا أنت أخي في الشدة والرخاء وقد وعدني القوم أن يمنوا عليك وعلي فاستأسر وواسني بنفسك في الشدة كما كنت أخي في الرخاء فضحك ابن براق وعلم أنه قد كادهم وقال مهلا يا ثابت أيستأسر من عنده هذا العدو ثم عدا فعدا أول طلق مثل الريح الهابة كما وصف لهم والثاني كالفرس الجواد والثالث جعل يكبو ويعثر ويقع على وجهه فقال ثابت خذوه فعدوا بأجمعهم فلما أن نفسهم عنه شيئا عدا تأبط شرا في كتافه وعارضه ابن براق فقطع كتافه وأفلتا جميعا فقال تأبط شرا قصيدته القافية في ذلك

( يا عِيدُ مالكَ من شَوْقٍ وإبْراقِ ... ومَرّ طيفٍ على الأهوال طرَّاقِ )
( يسري على الأَيْن والحيّات محتفِياً ... نفسي فداؤُك من سارٍ على ساقِ )
( طيْف ابنة الحُرِّ إذ كنّا نواصلُها ... ثم اجْتُنِبْتُ بها من بعد تَفْراقِ )
( لتَقرعِنَّ عليَّ السِّنَّ من نَدَمٍ ... إذا تذكَّرتِ يوماً بعضَ أخلاقِي )
( تالله آمنُ أنثى بعدما حَلَفَتْ ... أسماءُ بالله من عهدٍ وميثاقِ )
( ممزوجَةَ الودِّ بينا واصلَتْ صَرَمَتْ ... الأوَّلُ اللَّذْ مَضَى والآخِر الباقِي )
( فالأوَّلُ اللَّذْ مضى قال مودَّتَها ... واللَّذُّ منها هُذاءٌ غير إحقاقِ )
( تُعْطِيكَ وعدَ أَمانيٍّ تَغُرُّ به ... كالقَطْر مَرَّ على صَخْبَانَ بَرّاق )
( إنّي إذا حُلَّةٌ ضَنَّتَ بنائلها ... وأَمْسَكَت بضعيف الحَبْل أحْذَاقِ )
( نجوْتُ منها نجائي من بجيلةَ إذ ... ألقيْتُ للقوم يوم الرّوع أرواقي )
وذكرها ابن أبي سعيد في الخبر إلى آخرها
وأما المفضل الضبي فذكر أن تأبط شرا وعمرو بن براق والشنفرى وغيره يجعل مكان الشنفرى السليك بن السلكة غزوا بجيلة فلم يظفروا منهم بغرة وثاروا إليهم فأسروا عمرا وكتفوه وأفلتهم الآخران عدوا فلم يقدروا عليهما فلما علما أن ابن براق قد أسر قال تأبط شرا لصاحبه امض فكن قريبا من عمرو فإني سأتراءى لهم وأطمعهم في نفسي حتى يتباعدوا عنه فإذا فعلوا ذلك فحل كتافه وانجوا ففعل ما أمره به وأقبل تأبط شرا

حتى تراءى لبجيلة فلما رأوه طمعوا فيه فطلبوه وجعل يطمعهم في نفسه ويعدو عدوا خفيفا يقرب فيه ويسألهم تخفيف الفدية وإعطاءه الأمان حتى يستأسر لهم وهم يجيبونه إلى ذلك ويطلبونه وهو يحضر إحضارا خفيفا ولا يتباعد حتى علا تلعة أشرف منها على صاحبيه فإذا هما قد نجوا ففطنت لهما بجيلة فألحقتهما طلبا ففاتاهم فقال يا معشر بجيلة أأعجبكم عدو ابن براق اليوم والله لأعدون لكم عدوا أنسيكم به عدوه ثم عدا عدوا شديدا ومضى وذلك قوله
( يا عِيدُ مالكَ من شَوْقٍ وإبْراقِ ... )
وأما الأصمعي فإنه ذكر فيما أخبرني به ابن أبي الأزهر عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عمه
أن بجيلة أمهلتهم حتى وردوا الماء وشربوا وناموا ثم شدوا عليهم فأخذوا تأبط شرا فقال لهم إن ابن براق دلاني في هذا وإنه لا يقدر على العدو لعقر في رجليه فإن تبعتموه أخذتموه فكتفوا تأبط شرا ومضوا في أثر ابن براق فلما بعدوا عنه عدا في كتافه ففاتهم ورجعوا
أخبرني الحرمي بن ابي العلاء قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا ابن الأثرم عن أبيه وحدثنا محمد بن حبيب عن أبي عمرو قالا
كان تأبط شرا يعدو على رجليه وكان فاتكا شديدا فبات ليلة ذات ظلمة وبرق ورعد في قاع يقال له رحى بطان فلقيته الغول فما زال يقاتلها ليلته إلى أن أصبح وهي تطلبه قال والغول سبع من سباع الجن وجعل يراوغها وهي تطلبه وتلتمس غرة منه فلا تقدر عليه إلى أن أصبح

فقال تأبط شرا
( ألا مَنْ مُبلغٌ فِتيانَ فَهمٍ ... بما لاقيتُ عند رَحَى بطانِ )
( وبأنِّي قد لقيتُ الغولَ تَهوي ... بسَهْبٍ كالصحيفة صَحصحانِ )
( فقلت لها كلانا نِضْو أَيْنِ ... أخو سَفَر فخَلَّي لي مكاني )
( فشدَّت شدَّةً نحوي فأَهْوَى ... لها كفّي بمصقولٍ يَماني )
( فأَضربها بلا دَهَشٍ فَخَرّت ... صريعاً لليدين وللجِرانِ )
( فقالت عُد فقلت لها رُوَيداً ... مكانَك إنني ثَبْتُ الجنانِ )
( فلم أنفكَّ مُتّكِئاً عليها ... لأنظرَ مُصبِحاً ماذا أتاني )
( إذا عينان في رأسٍ قبيحٍ ... كرأْس الهرِّ مشقوق اللِّسانِ )
( وساقا مُخْدِجٍ وشواةُ كلبٍ ... وثوبٌ من عَباءٍ أو شِنان )

غزا بجيلة فقتل رجلا واستاق غنما
قالوا وكان من حديثه أنه خرج غازيا يريد بجيلة هو ورجل معه وهو يريد أن يغترهم فيصيب حاجته فأتى ناحية منهم فقتل رجلا ثم استاق غنما كثيرة فنذروا به فتبعه بعضهم على خيل وبعضهم رجالة وهم كثير فلما رآهم وكان من أبصر الناس عرف وجوههم فقال لصاحبه هؤلاء قوم قد عرفتهم ولن يفارقونا اليوم حتى يقاتلونا أو يظفروا بحاجتهم فجعل صاحبه ينظر فيقول ما أتبين أحدا حتى إذ دهموهما قال لصاحبه اشتد فإني سأمنعك ما دام في يدي سهم فاشتد الرجل ولقيهم تأبط شرا وجعل يرميهم حتى نفدت نبله ثم إنه اشتد فمر بصاحبه فلم يطق شده فقتل صاحبه وهو ابن عم لزوجته فلما رجع تأبط شرا وليس صاحبه معه عرفوا أنه قد قتل فقالت له امرأته تركت صاحبك وجئت متباطئا فقال تأبط شرا في ذلك

( ألا تِلكما عرسي منيعةُ ضُمِّنت ... من اللهِ إثماً مُستِسراًّ وعالِنا )
( تقول تركتَ صاحباً لك ضائعاً ... وجئت إلينا فارقاً مُتبَاطِنا )
( إذا ما تركتُ صاحبي لثلاثة ... أو اثْنَيْنِ مثْلَيْنا فلا أُبْتُ آمِنا )
( وما كنت أبّاء على الخِلّ إذ دعا ... ولا المرءِ يدعوني مُمِرّا مُداهِنا )
( وكَرّي إذا أُكْرِهتُ رهطاً وأَهلَه ... وأرضا يكون العَوْصُ فيها عُجاهِنَا )
( ولمّا سمعت العَوصَ تدعو تنفّرت ... عصافيرُ رأسي من غُواةٍ فَراتِنا )
( ولم أنتظر أن يَدهموني كأنهم ... ورائيَ نَحْل في الخليّة واكِنَا )
( ولا أن تُصِيب النّافذاتُ مقاتلي ... ولم أَكُ بالشدِّ الذِليق مُداينا )
( فأرسلتُ مثنيّاً عن الشدّ واهِناً ... وقلتُ تزحزحْ لا تكوننّ حَائِنا )
( وحثحثتُ مشعوفَ النَّجاء كأنه ... هِجفّ رأى قصراً سِمالاً وداجنا )

( من الحُصِّ هِزْروفٌ يطير عِفاؤه ... إذا استدرج الفَيْفا ومَدَّ المغابنا )
( أزجُّ زَلوجٌ هذرفيٌّ زفازفٌ ... هِزَفٌّ يبذُّ الناجياتِ الصوَّافِنا )
( فزحزحت عنهم أو تجِئْني مَنِيَّتي ... بغبراءَ أو عرفاءَ تَفْري الدَّفائنا )
( كأنّي أراها الموتَ لا درّ دَرُّها ... إذا أمكنَتْ أنيابَها والبراثنا )
( وقالت لأخرى خلفها وبناتها ... حتوف تُنَقِّي مخّ مَنْ كان واهنا )
( أخاليجُ ورَّادٍ على ذي محافل ... إذا نزعوا مدّوا الدِّلا والشّواطنا )
وقال غيره بل خرج تأبط شرا هو وصاحبان له حتى أغاروا على العوص من بجيلة فأخذوا نعما لهم واتبعتهم العوص فأدركوهم وقد كانوا استأجروا لهم رجالا كثيرة فلما رأى تأبط شرا ألا طاقة لهم بهم شمر وتركهما فقتل صاحباه وأخذت النعم وأفلت حتى أتى بني القين من فهم فبات عند امرأة منهم يتحدث إليها فلما أراد أن يأتي قومه دهنته ورجلته فجاء إليهم وهم يبكون فقالت له امرأته لعنك الله تركت صاحبيك

وجئت مدهنا وإنه إنما قال هذه القصيدة في هذا الشأن وقال تأبط شرا يرثيهما وكان اسم أحدهما عمرا
( أبعد قتيل العَوْص آسَى على فتىً ... وصاحِبه أو يأمُلُ الزّادَ طارقُ )
( أأطْرُد فَهماً آخر الليل أبتغِي ... عُلالة يوم أن تَعُوقَ العوائق )
( لَعَمرُ فتًى نِلتم كأنّ رداءه ... على سرحةٍ من سرح دومة سامق )
( لأطرُد نَهْباً أو نرودَ بفِتْيةٍ ... بأيمانهم سُمْر القَنا والعقائق )
( مَساعَرةٌ شُعْثٌ كأنّ عيونهم ... حريقُ الغضا تُلفَى عليها الشّقائق )
( فعُدُّوا شهورَ الحُرْمِ ثم تعرّفوا ... قتيل أناسٍ أو فتاةً تعانقُ )

محاولة قتله هو وأصحابه بالسم
قال الأثرم قال أبو عمرو في هذه الرواية وخرج تأبط شرا يريد أن يغزو هذيلا في رهط فنزل على الأحل بن قنصل - رجل من بجيلة - وكان بينهما حلف فأنزلهم ورحب بهم ثم إنه ابتغى لهم الذراريح ليسقيهم فيستريح منهم ففطن له تأبط شرا فقام إلى أصحابه فقال إني أحب ألا يعلم أنا قد فطنا له ولكن سابوه حتى نحلف ألا نأكل من طعامه ثم أغتره فأقتله لأنه إن علم حذرني - وقد كان مالأ ابن قنصل رجل منهم يقال له لكيز

قتلت فهم أخاه - فاعتل عليه وعلى أصحابه فسبوه وحلفوا ألا يذوقوا من طعامه ولا من شرابه ثم خرج في وجهه وأخذ في بطن واد فيه النمور وهي لا يكاد يسلم منها أحد والعرب تسمي النمر ذا اللونين وبعضهم يسميه السبنتي فنزل في بطنه وقال لأصحابه انطلقوا جميعا فتصيدوا فهذا الوادي كثير الأروى فخرجوا وصادوا وتركوه في بطن الوادي فجاءوا فوجدوه قد قتل نمرا وحده وغزا هديلا فغنم وأصاب فقال تأبط شرا في ذلك
( أقسمتُ لا أنسى وإن طال عيشُنا ... صنيع لُكيْزٍ والأَحلّ بن قنصل )
( نزلنا به يوماً فساء صَبَاحُنا ... فإنك عَمْرِي قد ترى أيْ منزل )
( بَكَى إذ رآنا نازلين ببابه ... وكَيف بُكاءُ ذي القليل المُعَيَّل )
( فلا وأبيك ما نَزَلنا بعامرٍ ... ولا عامر ولا الرئيس ابن قَوقل )
- عامر بن مالك هو أبو براء ملاعب الأسنة وعامر بن الطفيل وابن قوقل مالك بن ثعلبة أحد بني عوف بن الخزرج -
( ولا بالشّليل ربّ مروان قاعداً ... بأحسن عَيْش والنُّفاثيّ نوفَلِ )
- رب مروان جرير بن عبد الله البجلي ونوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر أحد بني الديل بن بكر -
( ولا ابن وَهيب كاسب الحمد والعُلاَ ... ولا ابن ضُبَيْعٍ وسط آل المُخبَّلِ )
( ولا ابنِ حُلَيْسٍ قاعداً في لِقاحِهِ ... ولا ابن جُرَيٍّ وسط آل المغفَّلِ )

( ولا ابنِ رياحٍ بالزُّليفات دارُه ... رِياح بن سعد لا رياح بن مَعْقل )
( أولَئِك أعطَى للوَلائد خِلْفَةً ... وأَدْعَى إلى شحم السَّديف المُرَعْبَلِ )

نجاته من موت محتم
وقال أيضا في هذه الرواية كان تأبط شرا يشتار عسلا في غار من بلاد هذيل يأتيه كل عام وأن هذيلا ذكرته فرصدوه لإبان ذلك حتى إذا جاء هو وأصحابه تدلى فدخل الغار وقد أغاروا عليهم فأنفروهم فسبقوهم ووقفوا على الغار فحركوا الحبل فأطلع تأبط شرا رأسه فقالوا اصعد فقال ألا أراكم قالوا بلى قد رأيتنا فقال فعلام أصعد أعلى الطلاقة أم الفداء قالوا لا شرط لك قال فأراكم قاتلي وآكلي جناي لا والله لا أفعل قال وكان قبل ذلك نقب في الغار نقبا أعده للهرب فجعل يسيل العسل من الغار ويهريقه ثم عمد إلى الزق فشده على صدره ثم لصق بالعسل فلم يبرح ينزلق عليه حتى خرج سليما وفاتهم وبين موضعه الذي وقع فيه وبين القوم مسيرة ثلاث فقال تأبط شرا في ذلك
( أقول للحيانٍ وقد صَفِرت لهم ... وِطابي ويَوْمي ضَيّق الحَجْر مُعوِرُ )
( هما خُطَّتا إما إسارٌ ومِنَّةٌ ... وإما دَمٌ والقَتْلُ بالحُرِّ أجدَرُ )
( وأُخرى أصادِي النّفسَ عنها وإنها ... لمورِدٌ حَزْم إن ظَفِرت ومَصدَرُ )
( فرْشتُ لها صدري فزَلَّ عن الصَّفا ... به جؤجؤٌ صَلْبٌ ومتنُ مُخصَّرُ )
( فخالطَ سهلَ الأرض لم يكدح الصَّفا ... به كَدْحَةً والموتُ خَزيانُ يَنْظُرُ )

( فأُبْتُ إلى فَهمٍ وما كُنتُ آئباً ... وكم مثلها فارقتُها وهي تَصْفِر )
( إذا المرء لم يَحْتلْ وقد جَدّ جِدّه ... أضاع وقاسَى أمرَه وهو مُدبِرُ )
( ولكن أَخُو الحَزْم الذي ليس نازلاً ... به الأمرُ إلا وهُو للحزم مُبْصِرُ )
( فذاك قَريعُ الدَّهر ما كان حوَّلا ... إذا سُدّ منه مَنْخِرٌ جاش مَنْخرُ )
( فإنّك لو قَايَسْت باللِّصب حِيلَتي ... بلُقْمان لم يُقصِر بي الدهر مُقْصِرُ )

قتل هو وأصحابه نفرا من العوص
وقال أيضا في حديث تأبط شرا إنه خرج في عدة من فهم فيهم عامر ابن الأخنس والشنفرى والمسيب وعمرو بن براق ومرة بن خليف حتى بيتوا العوص وهم حي من بجيلة فقتلوا منهم نفرا وأخذوا لهم إبلا فساقوها حتى كانوا من بلادهم على يوم وليلة فاعترضت لهم خثعم وفيهم ابن حاجز وهو رئيس القوم وهم يومئذ نحو من أربعين رجلا فلما نظرت إليهم صعاليك فهم قالوا لعامر بن الأخنس ماذا ترى قال لا أرى لكم إلا صدق الضراب فإن ظفرتم فذاك وإن قتلتم كنتم قد أخذتم ثأركم قال تأبط شرا بأبي أنت وأمي فنعم رئيس القوم أنت إذا جد الجد وإذا كان قد أجمع رأيكم على هذا فإني أرى لكم أن تحملوا على القوم حملة واحدة فإنكم قليل والقوم كثير ومتى افترقتم كثركم القوم فحملوا عليهم فقتلوا منهم في حملتهم فحملوا ثانية فانهزمت خثعم وتفرقت وأقبل ابن حاجز فأسند في الجبل فأعجز فقال تأبط شرا في ذلك

( جَزَى الله فِتياناً على العوْص أمطرت ... سَماؤُهُم تحت العَجاجة بالدَّم )
( وقد لاح ضَوءُ الفجر عَرْضاً كأنه ... بلَمْحته إقراب أبْلَق أدْهَم )
( فإنَّ شِفَاءَ الداء إدراك ذَحْلةٍ ... صباحاً على آثار حوم عَرَمْرَمِ )
( وضاربْتُهم بالسفحِ إذ عارَضَتْهُمُ ... قبائلُ من أبناء قسرٍ وخثعم )
( ضِراباً عَدَا منه ابنُ حاجز هارباً ... ذُرا الصَّخر في جوف الوجين المُديَّم )
وقال الشنفري في ذلك
( دَعِيني وقُولي بَعدُ ما شئتِ إنّنِي ... سَيُغدَى بنَعْشِي مرةً فأُغيَّب )
( خرجنَا فلم نعهد وقَلَّت وصاتنا ... ثمانيةٌ ما بعدها مُتعَتَّب )
( سراحينُ فتيانٍ كأن وُجوهَهم ... مصابيحُ أو لونٌ من الماء مذهبُ )
( نَمُرُّ برَهْو الماء صَفْحاً وقد طَوَتْ ... ثمائِلُنا والزّادُ ظَنٌّ مُغَيَّبُ )
( ثلاثاً على الأَقدام حتى سما بنا ... على العَوْص شَعْشَاعٌ من القوم مِحْرَبُ )
( فثاروا إلينا في السواد فَهجْهَجُوا ... وصَوَّت فينا بالصَّباح المُثوَّب )
( فشنَّ عليهم هِزَّةَ السيف ثابِتٌ ... وصَمَّم فيهم بالحُسام المُسيِّبُ )
( وظَلْتُ بفتيانٍ معي أتّقيهمُ ... بهنّ قليلا ساعة ثم جنبوا )

( وقد خَرّ منهم راجلان وفارسٌ ... كميّ صرعناه وحَوْم مسلّب )
( يَشُقُّ إليه كلّ رَبْعٍ وقَلْعَةٍ ... ثمانيةٌ والقوم رَجْلٌ ومِقْنبُ )
( فلما رآنا قومنا قيل أفلَحُوا ... فقلنا اسألوا عن قائل لا يُكَذَّبُ )
وقال تأبط شرا في ذلك
( أرى قدمَيَّ وقَعهُما خَفيفٌ ... كتحليل الظَّليم حَدَا رِئالَه )
( أرى بهما عذاباً كلّ يومٍ ... بخَثْعَم أو بَجِيلَةَ أو ثُمالَه )
ففرق تأبط شرا أصحابه ولم يزالوا يقاتلونهم حتى انهزمت خثعم وساق تأبط شرا وأصحابه الإبل حتى قدم بها عليا مكة
وقال غيره إنما سمي تأبط شرا ببيت قاله وهو
( تأبط شرًّا ثم راح أو اغتدَى ... يُوائِم غُنْماً أو يَشِيفُ على ذَحْل )

شعره عندما هرب من مراد إلى قومه
قال وخرج تأبط شرا يوما يريد الغارة فلقي سرحا لمراد فأطرده ونذرت به مراد فخرجوا في طلبه فسبقهم إلى قومه وقال في ذلك
( إذا لاقيتَ يومَ الصّدق فارْبَع ... عليه ولا يَهمّك يومُ سَوِّ )
( على أنِّي بِسَرْح بني مرادٍ ... شجوتهُم سِباقاً أيَّ شجوِ )
( وآخر مثله لا عيبَ فيه ... بَصَرتُ به ليوم غيرِ زوِّ )
( خَفَضتُ بساحةٍ تجري علينا ... أباريق الكرامة يومَ لَهْوِ )

أغار تأبط شرا وحده على خثعم فبينا هو يطوف إذ مر بغلام يتصيد الأرانب معه قوسه ونبله فلما رآه تأبط شرا أهوى ليأخذه فرماه الغلام فأصاب يده اليسرى وضربه تأبط شرا فقتله وقال في ذلك
( وكادت وبيتِ الله أطناب ثابت ... تقوّضُ عن لَيْلَى وتبكي النَّوائح )
( تمنّى فتىً منّا يلاقي ولم يَكد ... غلامٌ نَمَتهُ المُحْصنات الصَّرائِح )
( غلام نَمى فوق الخماسيِّ قدره ... ودون الذي قد تَرْتَجِيه النَّواكِحُ )
( فإن تك نالته خطاطِيف كفّه ... بأبيض قصّال نمى وهو فادح )
( فقد شد في إحدى يديه كِنانه ... يُداوَى لها في أسود القلب قادح )
- هذه الأبيات أن تكون لقوم المقتول أشبه منها بتأبط شرا -

خبره مع امرأة من هذيل
قال وخطب تأبط شرا امرأة من هذيل من بني سهم فقال لها قائل لا تنكحيه فإنه لأول نصل غدا يفقد فقال تأبط شرا
( وقالوا لها لا تَنكَحِيه فإنّه ... لأول نَصْلٍ أن يُلاقى مَجْمَعا )
( فلم تَرَ مِنْ رأيٍ فتيلاً وحاذرت ... تأَيّمها من لابس الليلِ أَرْوَعا )

( قليلِ غِرارِ النّوم أكبرُ هَمّه ... دَمُ الثّأر أو يلقى كَمِيا مُقَنَّعا )
( قليلِ ادِّخارِ الزَّادِ إلاّ تَعِلَّة ... وقد نَشَزَ الشُّرسُوفُ والتصق المِعَى )
( تُناضِله كلٌ يشجّع نفسَه ... وما طبُّه في طرْقه أن يُشجَّعا )
( يبيت بمغنى الوحش حتى ألفْنه ... ويصبح لا يحمي لها الدهرَ مرتعا )
( رأين فتىً لا صَيْدُ وحش يَهمّه ... فَلَوْ صافحت إنْسا لصافَحْنَه معا )
( ولكنّ أربابَ المخاض يشقّهم ... إذا افتقدوه أو رأوه مُشيّعا )
( وإني - ولا عِلمٌ - لأَعلَمُ أنني ... سألقَى سِنانَ الموت يرشُق أضلعا )
( على غِرّةٍ أو جَهْرةٍ من مُكاثِرٍ ... أطال نِزالَ الموت حتى تَسَعْسَعا )
- تسعسع فني وذهب يقال قد تسعسع الشهر ومنه حديث عمر رضي الله عنه حين ذكر شهر رمضان فقال إن هذا الشهر قد تسعسع
( وكنتُ أظن الموت في الحي أو أرى ... أَلَذّ وأُكرَى أو أَمُوتَ مُقَنَّعا )
( ولست أبيتُ الدَّهر إلا على فتى ... أسلِّبه أو أُذعِرُ السِّرْبَ أجمَعَا )
( ومن يَضربُ الأبطالَ لا بدّ أنه ... سيَلْقى بهم من مَصْرع الموت مَصْرعا )
قال وخرج تأبط شرا ومعه صاحبان له عمرو بن كلاب أخو المسيب

وسعد بن الأشرس وهم يريدون الغارة على بجيلة فنذروا بهم وهم في جبل ليس لهم طريق عليهم فأحاطوا بهم وأخذوا عليهم الطريق فقاتلوهم فقتل صاحبا تأبط شرا ونجا ولم يكد حتى أتى قومه فقالت له امرأته وهي أخت عمرو بن كلاب إحدى نساء كعب بن علي بن إبراهيم بن رياح هربت عن أخي وتركته وغررته أما والله لو كنت كريما لما أسلمته فقال تأبط شرا في ذلك
( ألا تِلكما عِرْسي مَنيعة ضُمِّنَت ... من الله خِزْياً مُسْتسرّاً وعاهنا )
وذكر باقي الأبيات
وإنما دعا امرأته إلى أن عيرته أنه لما رجع بعد مقتل صاحبيه انطلق إلى امرأة كان يتحدث عندها وهي من بني القين بن فهم فبات عندها فلما أصبح غدا إلى امرأته وهو مدهن مترجل فلما رأته في تلك الحال علمت أين بات فغارت عليه فعيرته

غارته على خثعم
وذكروا أن تأبط شرا أغار على خثعم فقال كاهن لهم أروني أثره حتى آخذه لكم فلا يبرح حتى تأخذوه فكفئوا على أثره جفنة ثم أرسلوا إلى الكاهن فلما رأى أثره قال هذا ما لا يجوز في صاحبه الأخذ فقال تأبط شرا
( ألا أبلغ بني فَهْم بن عمرو ... على طولِ التَّنائي والمقَالَهْ )

( مقَال الكاهن الجامِيّ لمّا ... رأى أثري وقد أُنهِبتُ مالَهْ )
( رأى قدمَيّ وقعُهما حثيثٌ ... كتحليل الظليم دعا رئاله )
( أرى بهما عذاباً كلَّ عام ... لخثعمَ أو بجيلةَ أو ثُمالهْ )
( وشرٌّ كان صُبَّ على هذيلٍ ... إذا علقت حِبالهمُ حِبالَه )
( ويَومُ الأزد منهم شرّ يوم ... إذا بَعُدوا فقد صَدَّقتُ قاله )
فزعموا أن ناسا من الأزد ربئوا لتأبط شرا ربيئة وقالوا هذا مضيق ليس له سبيل إليكم من غيره فأقيموا فيه حتى يأتيكم فلما دنا من القوم توجس ثم انصرف ثم عاد فنهضوا في أثره حين رأوه لا يجوز ومر قريبا فطمعوا فيه وفيهم رجل يقال له حاجز ليث من ليوثهم سريع فأغروه به فلم يلحقه فقال تأبط شرا في ذلك
( تَتعتعتُ حِضْنَيْ حاجزٍ وصحابِه ... وقد نبذوا خُلقانَهم وتشنَّعوا )
( أَظن وإن صادفتُ وعثاً وأَنْ جرَى ... بِيَ السّهلُ أو متنٌ من الأرض مَهْيَعُ )
( أُجارِي ظلالَ الطير لو فات واحدٌ ... ولو صدقوا قالوا له هو أسرع )
( فلو كان من فتيان قيسٍ وخِنْدفٍ ... أَطاف به القُنَّاصُ من حيث أُفزِعوا )
( وجاب بلاداً نصفَ يومٍ وليلةٍ ... لآبَ إليهم وهو أَشوسُ أرْوَع )
( فلو كان منكم واحدٌ لكُفِيتُه ... وما ارتجعوا لو كان في القوم مطمع )
فأجابه حاجز

( فإن تك جاريْتَ الظلال فربما ... سُبِقْتَ ويومُ القِرْن عُريان أسْنَعُ )
( وخلَّيْتَ إخوان الصفاء كأنهم ... ذبائحُ عَنزٍ أو فَحِيلٌ مُصرَّع )
( تبكيِّهمُ شجوَ الحمامة بعدما ... أرحْتَ ولَم تُرْفَع لهم منك إصْبَع )
( فهذي ثلاثٌ قد حويت نجاتَها ... وإن تنجُ أخرى فهي عندك أربع )

خير أيامه
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال ذكر علي بن محمد المدائني عن ابن داب قال
سئل تأبط شرا أي يوم مر بك خير قال خرجت حتى كنت في بلاد بجيلة أضاءت لي النار رجلا جالسا إلى امرأة فعمدت إلى سيفي فدفنته قريبا ثم أقبلت حتى استأنست فنبحني الكلب فقال ما هذا فقلت بائس فقال ادنه فدنوت فإذا رجل جلحاب آدم وإذا أضوى الناس إلى جانبه فشكوت إليه الجوع والحاجة فقال اكشف تلك القصعة فأتيت قصعة إلى جنب إبله فإذا فيها تمر ولبن فأكلت منه حتى شبعت ثم خررت متناوما فوالله ما شئت أن أضطجع حتى اضطجع هو ورفع رجله على رجله ثم اندفع يغني وهو يقول
( خَيرُ اللَّيالي إن سألت بليلة ... ليل بخيْمة بين بِيشَ وعَثّرِ )

( لِضَجيعِ آنسةٍ كأَنَّ حَدِيثَها ... شَهدٌ يُشابُ بمزجةٍ من عَنْبر )
( وضجيعِ لاهيةٍ أُلاعِب مِثلَها ... بيضاءَ واضحةٍ كَظِيظ المِئْزَرِ )
( ولأَنْت مثلُهما وخَيرٌ منهما ... بعد الرُّقاد وقبل أَن لم تُسْحِري )
قال ثم انحرف فنام ومالت فنامت فقلت ما رأيت كالليلة في الغرة فإذا عشر عشراوات بين أثلاث فيها عبد واحد وأمة فوثبت فانتضيت سيفي على كبده حتى أخرجته من صلبه ثم ضربت فخذ المرأة فجلست فلما رأته مقتولا جزعت فقلت لا تخافي أنا خير لك منه قال وقمت إلى جل متاعها فرحلته على بعض الإبل أنا والأمة فما حللت عقده حتى نزلت بصعدة بني عوف بن فهر وأعرست بالمرأة هناك وحين اضجعت فتحت عقيرتي وغنيت
( بحَليلة البجليّ بِتْ من ليلِها ... بين الإِزار وكَشْحِها ثم الصَقِ )
( بأَنِيسةٍ طُويت على مَطْويّها ... طيَّ الحمالةِ أو كطيّ المِنْطَقِ )
( فإذا تقوم فصَعدةٌ في رَمْلَة ... لَبَدَت برِيّق دِيمة لم تُغدِق )

( وإذا تجيءُ تجيء شحب خلفها ... كالأَيْم أصْعَد في كَثِيبٍ يَرْتَقِي )
( كَذَب الكوَاهِنُ والسَّواحِرُ والهُنا ... أن لا وفاء لعاجِزٍ لا يَتَّقِي )
قال فهذا خير يوم لقيته
وشر يوم لقيت أني خرجت حتى إذا كنت في بلاد ثمالة أطوف حتى إذا كنت من الفقير عشيا إذا بسبع خلفات فيهن عبد فأقبلت نحوه وكأني لا أريده وحذرني فجعل يلوذ بناقة فيها حمراء فقلت في نفسي والله إنه ليثق بها فأفوق له ووضع رجله في أرجلها وجعل يدور معها فإذا هو على عجزها وأرميه حين أشرف فوضعت سهمي في قلبه فخر وندت الناقة شيئا وأتبعتها فرجعت فسقتهن شيئا ثم قلت والله لو ركبت الناقة وطردتهن وأخذت بعثنون الحمراء فوثبت فساعة استويت عليها كرت نحو الحي تريع وتبعتها الخلفات وجعلت أسكنها وذهبت فلما خشيت أن تطرحني في أيدي القوم رميت بنفسي عنها فانكسرت رجلي وانطلقت والذود معها فخرجت أعرج حتى انخنست في طرف كثيب وجازني الطلب فمكثت مكاني حتى أظلمت وشبت لي ثلاثة أنوار فإذا نار عظيمة ظننت أن لها أهلا كثيرا ونار دونها ونويرة صغيرة فهويت للصغرى وأنا أجمر فلما نبحني الكلب نادى رجل فقال من هذا فقلت بائس فقال ادنه فدنوت وجلست وجعل يسائلني إلى أن قال والله إني لأجد منك ريح دم فقلت لا والله ما بي دم فوثب إلي فنفضني ثم نظر في جعبتي فإذا

السهم فقلت رميت العشية أرنبا فقال كذبت هذا ريح دم إنسان ثم وثب إلي ولا أدفع الشر عن نفسي فأوثقني كتافا ثم علق جعبتي وقوسي وطرحني في كسر البيت ونام فلما أسحرت حركت رجلي فإذا هي صالحة وانفتل الرباط فحللته ثم وثبت إلى قوسي وجعبتي فأخذتهما ثم هممت بقتله فقلت أنا ضمن الرجل وأنا أخشى أن أطلب فأدرك ولم أقتل أحدا أحب إلي فوليت ومضيت فوالله إني لفي الصحراء أحدث نفسي إذا أنا به على ناقة يتبعني فلما رأيته قد دنا مني جلست على قوسي وجعبتي وأمنته وأقبل فأناخ راحلته ثم عقلها ثم أقبل إلي وعهده بي عهده فقلت له ويلك ما تريد مني فأقبل يشتمني حتى إذا أمكنني وثبت عليه فما ألبثته أن ضربت به الأرض وبركت عليه أربطه فجعل يصيح يا لثمالة لم أر كاليوم فجنبته إلى ناقته وركبتها فما نزعت حتى أحللته في الحي وقلت
( أغرّكَ منّي يابنَ فَعْلة عِلَّتي ... عَشِيَّةَ أَن رابت عليَّ روائِبِي )
( ومَوقد نيران ثَلاثٍ فشَرُّهَا ... وألأَمُها إذ قُدْتُها غير عازِبِ )
( سلبتَ سِلاحِي بَائِساً وشَتَمْتَنِي ... فيا خَيْر مَسْلُوبٍ ويا شَرَّ سَالِبِ )
( فإن أَكُ لم أخْضِبك فيها فإنَّها ... نُيوبُ أساوِيد وشَوْل عَقارِب )
( ويا رَكْبة الحَمْراء شَرَّة رَكْبةٍ ... وكادَتْ تكون شَرّ ركبةِ راكبِ )

غارته على الأزد
قال وخرج تأبط غازيا يريد الغارة على الأزد في بعض ما كان يغير عليهم وحده فنذرت به الأزد فأهملوا له إبلا وأمروا ثلاثة من ذوي بأسهم حاجزين أبي وسواد بن عمرو بن مالك وعوف بن عبد الله أن يتبعوه حتى ينام فيأخذوه أخذا فكمنوا له مكمنا وأقبل تأبط شرا فبصر بالإبل فطردها بعض يومه ثم تركها ونهض في شعب لينظر هل يطلبه أحد فكمن القوم حين رأوه ولم يرهم فلما لم ير أحدا في أثره عاود الإبل فشلها يومه وليلته والغد حتى أمسى ثم عقلها وصنع طعاما فأكله والقوم ينظرون إليه في ظله ثم هيأ مضطجعا على النار ثم أخمدها وزحف على بطنه ومعه قوسه حتى دخل بين الإبل وخشي أن يكون رآه أحد وهو لا يعلم ويأبى إلا الحذر والأخذ بالحزم فمكث ساعة وقد هيأ سهما على كبد قوسه فلما أحسوا نومه أقبلوا ثلاثتهم يؤمون المهاد الذي رأوه هيأه فإذا هو يرمي أحدهم فيقتله وجال الآخران ورمى آخر فقتله وأفلت حاجز هاربا وأخذ سلب الرجلين وأطلق عقل الإبل وشلها حتى جاء بها قومه وقال تأبط في ذلك
( تُرَجَّى نِساءُ الأَزْدِ طلعةَ ثابِتٍ ... أسِيراً ولم يَدْرِينَ كيف حَوِيلي )
( فإنّ الأُلي أَوْصَيْتُم بَيْن هارِبٍ ... طَرِيدٍ ومَسْفُوح الدِّماءِ قَتِيلِ )
( وخدتُ بهم حتى إذا طال وَخْدُهم ... ورابَ عليهم مَضْجَعِي وَمَقِيلِي )
( مَهدتُ لهم حتى إذا طاب رَوعُهم ... الى المَهْد خَاتلْت الضِّيا بِخَتِيل )

( فلما أحسُّوا النَّوم جاؤوا كأنَّهم ... سِباعٌ أَصابت هجمةٌ بِسَلِيلِ )
( فَقلّدتُ سَوَّارَ بنَ عَمْرو بنِ مَالِكٍ ... بأَسْمَر جَسْر القُذَّتَين طَمِيل )
( فخَرَّ كأَنَّ الفِيَل ألقى جِرانَه ... عليه بريّان القِواء أسيلِ )
( وظل رعاع المَتْن من وقع حاجِزٍ ... يخرُّ ولو نَهْنَهْتَ غَيْر قَلِيل )
( لأبتَ كما آبا ولو كُنتَ قَارِناً ... لجئتَ وما مالكتَ طول ذَمِيلِي )
( فَسرَّكَ نَدْمانَاك لمَّا تَتَابَعا ... وأنَّك لم تَرْجِع بعَوْص قَتِيلِ )
( سَتأْتِي إلى فَهْمٍ غَنِيمَةُ خلْسَة ... وفي الأزد نَوْحٌ وَيْلةٍ بِعَوِيلِ )
فقال حاجز بن أبي الأزدي يجيبه
( سألت فلم تُكلِّمني الرُّسوم ... )
وهي في أشعار الأزد
فأجابه تأبط شرا
( لقد قال الخِليُّ وقال خَلْساً ... بظهر الليل شُدَّ به العُكومُ )
( لِطَيفٍ من ُسعادَ عَناك منها ... مُراعاةُ النُّجوم ومَنْ يَهِيمُ )

( وتلك لئن عُنِيتَ بها رَداحٌ ... من النّسوان مَنْطِقُها رَخِيمُ )
( نِياقُ القُرطِ غَرَّاءُ الثَّنايَا ... ورَيْداءُ الشَّباب ونِعْم خِيم )
( ولكن فاتَ صاحبُ بَطْن رَهْوٍ ... وصاحبه فأنتَ به زَعِيمُ )
( أُؤاخِذُ خُطَّة فيها سواء ... أَبِيتُ وَلَيلُ واترها نَؤُومُ )
( ثأرتُ به وما اقْتَرفَتْ يَدَاه ... فَظلَّ لها بنا يومٌ غَشُومُ )
( نَحزُّ رِقابَهم حتى نَزَعْنا ... وأنفُ المَوْتِ مَنْخِرُه رَمِيمُ )
( وإن تقع النّسورُ عليَّ يوْماً ... فلَحْم المْنِفي لَحْم كَريمُ )
( وَذِي رَحمٍ أحالَ الدَّهْر عنه ... فلَيْس له لذي رَحِمٍ حَرِيمُ )
( أصاب الدَّهْرُ آمنَ مَرْوَتَيْه ... فألقاه المصاحِب والحَمِيمُ )
( مَددتُ له يَميناً من جَناحي ... لها وَفرٌ وكافَيةٌ رَحُومُ )
( أُواسيه على الأَيَّام إني ... إذا قَعَدت به اللُّؤما أَلومُ )

رثاؤه لأخيه عمرو
ذكروا أنه لما انصرف الناس عن المستغل وهي سوق كانت العرب

تجتمع بها قال عمرو بن جابر بن سفيان أخو تأبط شرا لمن حضر من قومه لا واللات والعزى لا أرجع حتى أغير على بني عتير من هذيل ومعه رجلان من قومه هو ثالثهما فأطردوا إبلا لبني عتير فأتبعهم أرباب الإبل فقال عمرو أنا كار على القوم ومنهنهم عنكما فامضيا بالإبل فكر عليهم فنهنهم طويلا فجرح في القوم رئيسا ورماه رجل من بني عتير بسهم فقتله فقالت بنو عتير هذا عمرو بن جابر ما تصنعون أن تلحقوا بأصحابه أبعدها الله من إبل فإنا نخشى أن نلحقهم فيقتل القوم منا فيكونوا قد أخذوا الثأر فرجعوا ولم يجاوزوه وكانوا يظنون أن معه أناسا كثيرا فقال تأبط لما بلغه قتل أخيه
( وحرّمتُ النساءَ وإن أُحِلَّت ... بشَور أو بمزج أو لِصابِ )
( حياتي أو أزور بني عُتَير ... وكاهلها بجَمْع ذي ضباب )
( إذا وَقَعت لكَعْب أو خثيمٍ ... وسيار يَسُوغ لها شَرابِي )
( أَظُنّي مَيِّتاً كَمِداً ولَمَّا ... أُطالِعْ طلعةً أهلَ الكِراب )
( ودُمْتُ مُسَيَّراً أهدِي رعيلا ... أؤم سوادَ طَوْدٍ ذِي نِقاب )
فأجابه أنس بن حذيفة الهذلي
( لعلّك أن تَجِيء بك المَنايَا ... تُساق لِفِتْية منا غضابِ )
( فتنزلَ في مَكَرِّهُم صريعاً ... وتنزلَ طُرْقةَ الضَّبعُ السّغابِ )

( تأبَّطَ سَوْأَةً وحملتَ شَرّاً ... لعلك أن تكون من المُصاب )
ثم إن السمع بن جابر أخا تأبط شرا خرج في صعاليك من قومه يريد الغارة على بني عتير ليثأر بأخيه عمرو بن جابر حتى إذا كان ببلاد هذيل لقي راعيا لهم فسأله عنهم فأخبره بأهل بيت من عتير كثير مالهم فبيتهم فلم يفلت منهم مخبر واستاقوا أموالهم فقال في ذلك السمع بن جابر
( بأعلى ذي جماجم اهلُ دارٍ ... إذا ظَعنَت عشيرتُهم أقاموا )
( طرقْتُهمُ بفتيانٍ كِرامٍ ... مَساعِيرٍ إذا حَمِي المُقامُ )
( متى ما أدعُ من فَهْم تُجِبْني ... وعدوان الحماة لهم نظامُ )

أصابته في غارته على الأزد
ذكروا أن تأبط شرا خرج ومعه مرة بن خليف يريدان الغارة على الأزد وقد جعلا الهداية بينهما فلما كانت هداية مرة نعس فجار عن الطريق ومضيا حتى وقعا بين جبال ليس فيها جبل متقارب وإذا فيها مياه يصيح الطير عليها وإذا البيض والفراخ بظهور الأكم فقال تأبط شرا هلكنا واللات يا مرة ما وطيء هذا المكان إنس قبلنا ولو وطئته إنس ما باضت الطير بالأرض فاختر أية هاتين القنتين شئت وهما أطول شيء يريان من الجبال فأصعد إحداهما وتصعد أنت الأخرى فإن رأيت الحياة فألح بالثوب وإن رأيت الموت فألح بالسيف فإني فاعل مثل ذلك فأقاما يومين ثم إن تأبط شرا ألاح بالثوب وانحدرا حتى التقيا في سفح الجبل فقال مرة ما رأيت يا ثابت قال دخانا أو جرادا قال مرة

إنك إن جزعت منه هلكنا فقال تأبط شرا أما أنا فإني سأخرم بك من حيث تهتدي الريح فمكثا بذلك يومين وليلتين ثم تبعا الصوت فقال تأبط شرا النعم والناس أما والله لئن عرفنا لنقتلن ولئن أغرنا لندركن فأت الحي من طرف وأنا من الآخر ثم كن ضيفا ثلاثا فإن لم يرجع إليك قلبك فلا رجع ثم أغر على ما قبلك إذا تدلت الشمس فكانت قدر قامة وموعدك الطريق ففعلاحتى إذا كان اليوم الثالث أغار كل واحد منهما على ما يليه فاستاقا النعم والنغم وطردا يوما وليلة طردا عنيفا حتى أمسيا الليلة الثانية دخلا شعبا فنحرا قلوصا فبينا هما يشويان إذ سمعا حسا على باب الشعب فقال تأبط الطلب يا مرة إن ثبت فلم يدخل فقال مرة هلكنا ووضع تأبط شرا يده على عضد مرة فإذا هي ترعد فهم مجيزون وإن دخل فهو الطلب فلم يلبث أن سمع الحسن يدخل فقال ما أرعدت عضدك إلا من قبل أمك الوابشية من هذيل خذ بظهري فإن نجوت نجوت وإن قتلت وقيتك فلما دنا القوم أخذ مرة بظهر تأبط وحمل تأبط فقتل رجلا ورموه بسهم فأعلقوه فيه وأفلتا جميعا بأنفسهما فلما أمنا وكان من آخر الليل قال مرة ما رأيت كاليوم غنيمة أخذت على حين أشرفنا على أهلنا وعض مرة عضده وكان الحي الذين أغاروا عليهم بجيلة وأتى تأبط امرأته فلما رأت جراحته ولولت فقال تأبط في ذلك
( وبالشِّعب إذ سدّت بجِيلةُ فَجَّةُ ... ومِن خَلفه هَضبٌ صغار وجامل )
( شدَدْتُ لنفس المرء مُرَّةَ حَزْمَه ... وقد نُصِبت دون النَّجاء الحبائل )
( وقلت له كن خلفَ ظهري فإنني ... سأفديك وأنظر بعدُ ما أنتَ فاعِل )

( فعاذَ بحدّ السيف صاحبُ أمرهم ... وَخَلَّوْا عن الشيء الذي لم يحاولوا )
( وأخطأهم قَتلِي ورفَّعتُ صاحبي ... على الليل لم تُؤخذ عليه المخاتلُ )
( وأخطأ غُنْم الحَيّ مُرَّة بعدما ... حوته إليه كفُّه والأناملُ )
( يعض على أطرافه كيف زَوْلُه ... ودون الملا سهلٌ من الأرض ماثل )
( فقلت له هذي بتلك وقد يَرَى ... لها ثَمَناً من نفسه ما يُزاول )
( تُوَلْوِل سُعدى أن أتيتُ مُجرَّحاً ... إليها وقد مَنَّت عليّ المَقاتلُ )
( وكائِنْ أتاها هارِباً قبل هذه ... ومن غَانمٍ فأين مِنْكِ الوَلاوِل )

أراد هو وأصحابه الأخذ بثأر صاحبيهم
فلما انقضت الأشهر الحرم خرج تأبط والمسيب بن كلاب في ستة نفر يريدون الغارة على بجيلة والأخذ بثأر صاحبيهم عمرو بن كلاب وسعد بن الأشرس فخرج تأبط والمسيب بن كلاب وعامر بن الأخنس وعمرو بن براق ومرة ابن خليف والشنفرى بن مالك والسمع وكعب حدار ابنا جابر أخوا تأبط فمضوا حتى أغاروا على العوص فقتلوا منهم ثلاثة نفر فارسين وراجلا وأطردوا لهم إبلا وأخذوا منهم امرأتين فمضوا بما غنموا حتى إذا كانوا على يوم وليلة من قومهم عرضت لهم خثعم في نحو من أربعين رجلا فيهم أبي بن جابر الخثعمي وهو رئيس القوم فقال تابط يا قوم لا تسلموا لهم ما في أيديكم حتى تبلوا عذرا وقال عامر بن الأخنس عليكم بصدق الضراب وقد أدركتم بثأركم وقال

المسيب اصدقوا القوم الحملة وإياكم والفشل وقال عمرو بن براق ابذلوا مهجكم ساعة فإن النصر عند الصبر وقال الشنفرى
( نحن الصَّعالِيكُ الحُماةُ البُزَّلُ ... إذا لَقِينا لا نُرَى نُهَلّلُ )
وقال مرة بن خليف
( يا ثابتَ الخَيْر ويابنَ الأخنسِ ... ويابنَ بَرّاق الكَريمِ الأشْوس )
( والشّنفَرى عند حُيودِ الأنفسِ ... أنا ابن حَامِي السِّربِ في المغمِّس )
( نحن مساعِيرُ الحُروبِ الضُّرَّس ... )
وقال كعب حدار أخو تأبط
( يا قوم أَمَّا إذا لَقِيتم فاصْبِرُوا ... ولا تَخِيمُوا جزَعاً فتُدْبِروا )
وقال السمع أخو تأبط
( يا قوم كونوا عندها أَحْرار ... لا تُسلِموا العُونَ ولا البِكارا )
( ولا القَنَاعيسَ ولا العِشَارا ... لخَثْعمٍ وقد دَعَوْا غِرَارَا )
( ساقوهُم المَوْت معاً أحرارا ... وافتخِرُوا الدَّهْر بها افْتِخارا )

فلما سمع تأبط مقالتهم قال بأبي أنتم وأمي نعم الحماة إذا جد الجد أما إذا أجمع رأيكم على قتال القوم فاحملوا ولا تتفرقوا فإن القوم أكثر منكم فحملوا عليهم فقتلوا منهم ثم كروا الثانية فقتلوا ثم كروا الثالثة فقتلوا فانهزمت خثعم وتفرقت في رؤوس الجبال ومضى تأبط وأصحابه بما غنموا وأسلاب من قتلوا فقال تأبط في ذلك
( جَزَى اللهُ فِتْياناً على العَوْصِ أشرقت ... سيوفهم تحت العَجاجَة بالدَّمِ )
الأبيات
وقال الشنفري في ذلك
( دَعِيني وقُولي بعد ما شئتِ إنني ... سيُفدى بنَفْسي مَرَّةً فأُغيَّبُ )
الأبيات
وقال الشنفرى أيضا
( ألا هل أَتَى عَنَّا سُعادَ ودُونَها ... مهامِهُ بِيدٍ تعْتَلي بالصعالِكِ )
( بأَنَّا صَبَحْنا القوم في حُرّ دارِهِم ... حِمامَ المنايا بالسُّيوف البَواتِك )
( قَتَلْنا بعمرو منهمُ خيْرَ فارس ... يزيدَ وسعدا وابنَ عوفٍ بمالك )
( ظَلَلْنا نُفَرِّي بالسّيوف رُؤُوسَهم ... ونَرشُقهم بالنَّبْل بين الدَّكَادِك )

كان ضعيفا أمام النساء
قال وخرج تأبط في سرية من قومه فيهم عمرو بن براق ومرة بن خليف والمسيب بن كلاب وعامر بن الأخنس وهو رأس القوم وكعب

حدار وريش كعب والسمع وشريس بنو جابر إخوة تأبط شرا وسعد ومالك ابنا الأقرع حتى مروا ببني نفاثة بن الديل وهم يريدون الغارة عليهم فباتوا في جبل مطل عليهم فلما كان في وجه السحر أخذ عامر بن الأخنس قوسه فوجد وترها مسترخيا فجعل يوترها ويقول له تأبط بعض حطيط وترك يا عامر وسمعه شيخ من بني نفاثة فقال لبنات له أنصتن فهذه والله غارة لبني ليث - وكان الذي بينهم يومئذ متفاقما في قتل حميصة بن قيس أخي بلعاء وكانوا أصابوه خطأ - وكان بنو نفاثة في غزوة والحي خلوف وليس عندهم غير أشياخ وغلمان لا طباخ بهم فقالت امرأة منهم اجهروا الكلام والبسوا السلاح فإن لنا عدة فواللات ما هم إلا تأبط وأصحابه فبرزن مع نوفل وأصحابه فلما بصر بهم قال انصرفوا فإن القوم قد نذروا بكم فأبوا عليه إلا الغارة فسل تأبط سيفه وقال لئن أغرتم عليهم لاتكئن على سيفي حتى أنفذه من ظهري فانصرفوا ولا يحسبون إلا أن النساء رجال حتى مروا بإبل البلعاء بن قيس بقرب المنازل فأطردوها فلحقهم غلام من بني جندع بن ليث فقال يا عامر بن الأخنس أتهاب نساء بني نفاثة وتغير على رجال بني ليث هذه والله إبل لبلعاء بن قيس فقال له عامر أو كان رجالهم خلوفا قال نعم قال أقرىء بلعاء مني السلام وأخبره بردي إبله وأعلمه أني قد حبست منها بكرا لأصحابي فإنا قد أرملنا فقال الغلام لئن حبست منها هلبة لأعلمنه ولا أطرد منها بعيرا أبدا فحمل عليه تأبط فقتله ومضوا بالإبل إلى قومهم فقال في ذلك تأبط
( ألا عَجِب الفِتْيانُ من أمّ مالك ... تقول أراك اليوم أشعَثَ أغبرا )

( تَبوعاً لآثار السَّرِيَّة بعد ما ... رأيتُك بَرَّاق المَفارق أَيْسرا )
( فقلتُ له يَوْمان يَومُ إقامة ... أهزّ به غُصْناً من البانِ أخضَرا )
( ويومٌ أهزّ السَّيفَ في جيد أغيد ... له نِسوةٌ لم تلق مثلي أنكرا )
( يخفن عليه وهو ينزِع نفسَه ... لقد كنت أبّاء الظلامة قَسْورا )
( وقد صِحْت في آثار حَوْم كأنها ... عَذارَى عُقيل أو بَكارةُ حِمْيرا )
( أبعد النّفاثيّين آمل طرقةً ... وآسَى على شيء إذا هو أَدْبَرا )
( أكفكِف عنهم صُحْبَتِي وإخالهم ... من الذلّ يَعْراً بالتّلاعة أَعْفَرا )
( فلو نالت الكَفَّان أصحابَ نوفلٍ ... بمهمهةٍ من بطن ظَرْء فعَرْعَرَا )
( ولمّا أَبَى الليثيُّ إلا تَهَكُّما ... بِعرضي وكان العِرضُ عِرضي أوفرا )
( فقلت له حقَّ الثناءُ فإنّني ... سأذهب حتى لم أجد متأخًّرَا )
( ولما رأيتُ الجَهْلَ زادَ لَجاجةً ... يقول فلا يأْلوك أَن تَتَشَوَّرَا )
( دنوت له حتى كَأنَّ قَميصَه ... تَشرَّب من نضح الأَخادِع عُصْفُرا )
( فمن مُبلغٌ ليثَ بنَ بكرٍ بأنَّنا ... تركنا أخاهم يوم قِرْنٍ مُعَفَّرا )

قال غزا تأبط بني نفاثة بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهم خلوف ليس في دارهم رجل وكان الخبر قد أتى تأبط فأشرف فوق جبل ينظر إلى الحي وهم أسفل منه فرأته امرأة فطرح نفسه فعلمت المرأة أنه تأبط وكانت عاقلة فأمرت النساء فلبسن لبسة الرجال ثم خرجن كأنهن يطلبن الضالة وكان أصحابه يتفلتون ويقولون اغز وإنما كان في سرية من بين الستة إلى السبعة فأبى أن يدعهم وخرج يريد هذيلا وانصرف عن النفاثيين فبينا هو يتردد في تلك الجبال إذ لقي حليفا له من هذيل فقال له العجب لك يا تأبط قال وما هو قال إن رجال بني نفاثة كانوا خلوفا فمكرت بك امرأة وأنهم قد رجعوا
ففي ذلك يقول
( ألا عَجِب الفِتْيانُ من أمّ مالك ... تقول لقد أصبحت أشعَثَ أغبرا )
وذكر باقي الأبيات المتقدمة
وقال غيره لا بل قال هذه القصيدة في عامر بن الأخنس الفهمي وكان من حديث عامر بن الأخنس أنه غزا في نفر بضعة وعشرين رجلا فيهم عامر بن الأخنس وكان سيدا فيهم وكان إذا خرج في غزو رأسهم وكان يقال له سيد الصعاليك فخرج بهم حتى باتوا على بني نفاثة بن عدي بن الديل ممسين ينتظرون أن ينام الحي حتى إذا كان في سواد الليل مر بهم راع من الحي قد أغدر فمعه غديرته يسوقها فبصر بهم وبمكانهم فخلى الغديرة وتبع الضراء ضراء الوادي حتى جاء الحي فأخبرهم بمكان القوم وحيث رآهم فقاموا فاختاروا فتيان الحي فسلحوهم وأقبلوا نحوهم حتى إذا دنوا منهم قال رجل من النفاثيين والله ما قوسي بموترة فقالوا فأوتر

قوسك فوضع قوسه فأوترها فقال تأبط لأصحابه
اسكتوا واستمع فقال أتيتم والله قالوا وما ذلك قال أنا والله أسمع حطيط وتر قوس قالوا والله ما نسمع شيئا قال بلى والله إني لأسمعه يا قوم النجاء قالوا لا والله ما سمعت شيئا فوثب فانطلق وتركهم ووثب معه نفر وبيتهم بنو نفاثة فلم يفلت منهم إنسان وخرج هو وأصحابه الذين انطلقوا معه وقتل تلك الليلة عامر بن الأخنس
قال ابن عمير وسألت أهل الحجاز عن عامر بن الأخنس فزعموا أنه مات على فراشه
فلما رجع تأبط قالت له امرأته تركت أصحابك فقال حينئذ
( ألا عَجِب الفِتْيانُ من أُمّ مالك ... تقول لقد أصبحْتَ أشعَثَ أغْبَرا )

مصرعه على يد غلام
فلما رجع تأبط وبلغه ما لقي أصحابه قال والله ما يمس رأسي غسل ولا دهن حتى أثأر بهم فخرج في نفر من قومه حتى عرض لهم بيت من هذيل بين صوى جبل فقال اغنموا هذا البيت أولا قالوا لا والله ما لنا فيه أرب ولئن كانت فيه غنيمة ما نستطيع أن نسوقها فقال إني أتفاءل أن أنزل ووقف وأتت به ضبع من يساره فكرهها وعاف على غير الذي رأى فقال أبشري أشبعك من القوم غدا فقال له أصحابه ويحك انطلق فوالله ما نرى أن نقيم عليها قال لا والله لا أريم حتى أصبح وأتت

به ضبع عن يساره فقال أشبعك من القوم غدا فقال أحد القوم والله إني أرى هاتين غدا بك فقال لا والله لا أريم حتى أصبح فبات حتى إذا كان في وجه الصبح وقد رأى أهل البيت وعدهم على النار وأبصر سواد غلام من القوم دون المحتلم وغدوا على القوم فقتلوا شيخا وعجوزا وحازوا جاريتين وإبلا ثم قال تأبط إني قد رأيت معهم غلاما فأين الغلام الذي كان معهم فأبصر أثره فاتبعه فقال له أصحابه ويلك دعه فإنك لا تريد منه شيئا فاتبعه واستتر الغلام بقتادة إلى جنب صخرة وأقبل تأبط يقصه وفوق الغلام سهما حين رأى أنه لا ينجيه شيء وأمهله حتى إذا دنا منه قفز قفزة فوثب على الصخرة وأرسل السهم فلم يسمع تأبط إلى الحبضة فرفع رأسه فانتظم السهم قلبه وأقبل نحوه وهو يقول لا بأس فقال الغلام لا بأس والله لقد وضعته حيث تكره وغشيه تأبط بالسيف وجعل الغلام يلوذ بالقتادة ويضربها تأبط بحشاشته فيأخذ ما أصابت الضربة منها حتى خلص إليه فقتله ثم نزل إلى أصحابه يجر رجله فلما رأوه وثبوا ولم يدروا ما أصابه فقالوا مالك فلم ينطق ومات في أيديهم فانطلقوا وتركوه فجعل لا يأكل منه سبع ولا طائر إلا مات فاحتملته هذيل فألقته في غار يقال له غار رخمان فقالت ريطة أخته وهي يومئذ متزوجة في بني الديل
( نِعْم الفَتَى غادَرْتُم برُخمانْ ... ثابتٌ بنُ جابرِ بنِ سُفْيانْ )

وقال مرة بن خليف يرثيه
( إن العَزِيمةَ والعَزَّاءَ قد ثَوَيا ... أكفانَ ميت غدا في غار رُخْمانِ )
( إلاّ يَكُن كُرسفٌ كُفِّنتَ جَيّدَه ... ولا يكن كَفَنٌ من ثَوْبِ كَتَّانِ )
( فإن حُرًّا من الأَنْسابِ ألبسه ... ريش الندى والندى من خير أَكفان )
( وليلةٍ رأسُ أفعاها إلى حجرٍ ... ويوم أورِ من الجوزاءِ رنَّانِ )
( أمضيتَ أولَ رهطٍ عند آخره ... في إثر عاديةٍ أو إثر فتيانِ )
وقالت أم تأبط ترثيه
( وابناهُ وابنَ اللَّيْل ... )
قال أبو عمرو الشيباني لا بل كان من شأن تأبط وهو ثابت بن جابر بن سفيان وكان جريئا شاعرا فاتكا أنه خرج من أهله بغارة من قومه يريدون بني صاهلة بن كاهل بن الحارث بن سعيد بن هذيل وذلك في عقب شهر حرام مما كان يحرم أهل الجاهلية حتى هبط صدر أدم وخفض عن جماعة بني صاهلة فاستقبل التلاعة فوجد بها دارا من بني نفاثة بن عدي ليس فيها إلا النساء غير رجل واحد فبصر الرجل بتأبط وخشيه وذلك في الضحى فقام الرجل إلى النساء فأمرهن فجعلن رؤوسهن جمما وجعلن دروعهن أردية وأخذن من بيوتهن عمدا كهيئة السيوف فجعلن لها حمائل ثم تأبطنها ثم نهض ونهضن معه يغريهن كما يغري القوم وأمرهن أن لا يبرزن

خدا وجعل هو يبرز للقوم ليروه وطفق يغري ويصيح على القوم حتى أفزع تأبط شرا وأصحابه وهو على ذلك يغري في بقية ليلة أو ليلتين من الشهر الحرام فنهضوا في شعب يقال له شعب وشل وتأبط ينهض في الشعب مع أصحابه ثم يقف في آخرهم ثم يقول يا قوم لكأنما يطردكم النساء فيصيح عليه أصحابه فيقولون انج أدركك القوم وتأبى نفسه فلم يزل به أصحابه حتى مضى معهم فقال تأبط في ذلك
( أبعد النّفاثيين أزجر طائرا ... وآسَى على شيء إذا هو أدبرا )
( أُنهنهِ رِجلِي عنهم وإخالهم ... من الذُّلِّ يعراً بالتَّلاعة أعفرا )
( ولو نالت الكَفَّان أصحابَ نوفل ... بمَهْمَهَة من بين ظَرْء وعرعرا )
قال ثم طلعوا الصدر حين أصبحوا فوجدوا أهل بيت شاذ من بني قريم ذنب نمار فظل يراقبهم حتى أمسوا وذلك البيت لساعدة بن سفيان أحد بني حارثة بن قريم فحصرهم تأبط وأصحابه حتى أمسوا قال وقد كانت قالت وليدة لساعدة إني قد رأيت اليوم القوم أو النفر بهذا الجبل فبات الشيخ حذرا قائما بسيفه بساحة أهله وانتظر تأبط وأصحابه أن يغفل الشيخ وذلك آخر ليلة من الشهر الحرام فلما خشوا أن يفضحهم الصبح ولم يقدروا على غرة مشوا إليه وغروه ببقية الشهر الحرام وأعطوه من مواثيقهم ما أقنعه وشكوا إليه الجوع فلما اطمأن إليهم وثبوا عليه فقتلوه وابنا له صغيرا حين مشى قال ومضى تأبط شرا إلى ابن له ذي ذؤابة كان أبوه قد أمره فارتبأ

من وراء ماله يقال له سفيان بن ساعدة فأقبل إليه تأبط شرا مستترا بمجنة فلما خشي الغلام أن يناله تأبط بسيفه وليس مع الغلام سيف وهو مفوق سهما رمى مجن تأبط بحجر فظن تأبط أنه قد أرسل سهمه فرمى مجنة عن يده ومشى إليه فأرسل الغلام سهمه فلم يخط لبته حتى خرج منه السهم ووقع في البطحاء حذو القوم وأبوه ممسك فقال أبو الغلام حين وقع السهم أخاطئه سفيان فحرد القوم فذلك حين قتلوا الشيخ وابنه الصغير ومات تأبط

أمه ترثيه
فقالت أمه - وكانت امرأة من بني القين بن جسر بن قضاعة - ترثيه
( قتِيلٌ ما قتيلُ بني قُرَيْمٍ ... إذا ضَنّت جُمادى بالقِطارِ )
( فتى فَهْمٍ جميعاً غادَرُوه ... مقيما بالحُرَيْضَةِ من نُمارِ )
وقالت أمه ترثيه أيضا
( ويلُ امِّ طِرف غادروا برُخْمانْ ... بثابت بن جابر بن سفيان )
( يجدِّلُ القِرنَ ويُروِي النَّدمانْ ... ذو مأْقِطٍ يحمي وراء الإِخوان )
وقالت ترثيه أيضا

وابناه وابن الليل ليس بزميل شروب للقيل رقود بالليل وواد ذي هول أجزت بالليل تضرب بالذيل برجل كالثول
قال وكان تأبط شرا يقول قبل ذلك
( ولقد علمتُ لتعدُوَنَّ ... م عليّ شتْمٌ كالحساكل )
( يأكلنَ أوصالا ولحما ... كالشَّكاعِي غيرَ جاذِل )
( يا طيرُ كُلْنَ فإنني ... سُمٌّ لَكُنّ وذو دَغَاوِل )
وقال قبل موته
( لعلي ميِّتٌ كمداً ولمَّا ... أطالع أهلَ ضيم فالكرابِ )
( وإن لم آتِ جمع بني خُثيم ... وكاهلها برَجْل كالضّباب )
( إذا وقعتْ بكعب أو قُرَيْمٍ ... وسيَّارٍ فيا سَوْغَ الشّراب )
فأجابه شاعر من بني قريم
( تأبَّطَ سَوْأَةً وحملْتَ شرًّا ... لعلك أن تكون من المصاب )
( لعلك أن تجيءَ بك المنايا ... تُساقُ لفتيةٍ منا غِضاب )
( فتُصْبحَ في مَكَرِّهمُ صريعاً ... وتصبحَ طرفة الضَّبُعِ السِّغاب )

( فزلتم تهربون ولو كرهتم ... تسوقون الحَرائمَ بالنقاب )
( وزال بأرضكم منّا غلامٌ ... طليعةُ فتْيَةٍ غُلْبِ الرقاب )
ونذكر هاهنا بعد أخبار تأبط شرا أخبار صاحبيه عمرو بن براق والشنفرى ونبدأ بما يغني فيه من شعريهما ونتبعه بالأخبار
فأما عمرو بن براق فمما يغني فيه من شعره قوله

صوت
( متى تجمع القلبَ الذكيَّ وصارما ... وأنفا حَمِيَّا تجتنبْكَ المَظالِمُ )
( وكنت إذا قومٌ غَزوْني غَزَوتهم ... فهل أنا في ذا يا لَهَمدَانَ ظَالمِ )
( كذبتُم وبيتِ الله لا تأخذونها ... مراغمةً ما دام للسيف قائِم )
( ولا صُلْحَ حتى تعثُر الخَيلُ بالقَنا ... وتُضْرَبَ بالبِيضِ الرّقاقِ الجَماجِمُ )
عروضه من الطويل الشعر لابن براق وقيل ابن براقة والغناء لمحمد ابن إسحاق بن عمرو بن بزيع ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي

عمرو بن براق
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا السكري عن ابن حبيب قال وأخبرنا الهمداني ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قالا
سلب منه ماله ثم استرده
فقال في ذلك
أغار رجل من همدان يقال له حريم على إبل لعمرو بن براق وخيل فذهب بها فأتى عمرو امرأة كان يتحدث إليها ويزورها فأخبرها أن حريما أغار على إبله وخيله فذهب بها وأنه يريد الغارة عليه فقالت له المرأة ويحك لا تعرض لتلفات حريم فإني أخافه عليك قال فخالفها وأغار عليه فاستاق كل شيء كان له فأتاه حريم بعد ذلك يطلب إليه أن يرد عليه ما أخذه منه فقال لا أفعل وأبى عليه فانصرف فقال عمرو في ذلك
( تقول سُلَيمى لا تعَرَّضْ لتَلفةٍ ... وليلُك عن ليل الصعاليك نائمُ )
( وكيف ينامُ الليلَ من جُلّ مالِهِ ... حُسامٌ كلون المِلحِ أَبيضُ صارمُ )
( صَمُوتٌ إذا عضَّ الكريهةَ لم يَدَعْ ... لها طَمعاً طوعُ اليمينِ ملازمُ )
( نَقدْتُ به ألْفاً وسامحتُ دونه ... على النقدِ إذ لا تُستطاع الدراهمُ )

( ألم تَعلمي أنَّ الصعاليكَ نومُهم ... قليلٌ إذا نام الدَّثُور المُسالِمُ )
( إذا الليل أدجى واكفهرّت نجومه ... وصاح من الإِفراط هامٌ جوائم )
( ومال بأصحاب الكرى غالباتُه ... فإني على أمر الغَواية حازم )
( كذبتم وبيتِ الله لا تأخذونها ... مُراغمةً ما دام للسيف قائمُ )
( تَحالفَ أقوامٌ عليّ ليسمَنُوا ... وجروا عليَّ الحَرْبَ إذا أَنَا سَالِمُ )
( أَفَالآن أُدْعَى للهَوادة بعدما ... أُجِيل على الحيّ المَذاكِي الصَّلادُمُ )
( كأنَّ حُريماً إذ رجا أن يَضُمَّها ... ويُذْهِبَ مالي يابنَة القوم حالِمُ )
( متى تجمع القلبَ الذَّكِيَّ وصارِماً ... وأنفاً حَمِيَّاً تَجْتَنِبْكَ المظالِمُ )
( ومَن يَطلبِ المالَ المُمَنَّع بالقَنَا ... يَعِشْ ذا غِنىً أو تَخْتَرِمْه المَخارِمُ )
( وكنتُ إذا قومُ غَزونِي غزَوْتُهم ... فهل أنا في ذا يا لَهَمْدان ظالمُ )
( فلا صُلْح حتى تعثر الخيل بالقنا ... وتُضْرب بالبِيض الرِّقاقِ الجَماجِمُ )
وأما الشنفرى فإنه رجل من الأزد ثم من الأواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد ومما يغنى فيه من شعره قوله

صوت
( أَلا أُمِّ عَمْروٍ أزمعت فاستقَلَّت ... وما ودَّعت جِيرانها إذ تولَّتِ )
( فوانَدَما بانَتْ أُمامةُ بعدما ... طَمِعْتُ فهَبْها نِعْمَةً قد تولَّتِ )
( وقد أعجَبتْنِي لا سَقُوطاً خِمارُها ... إذا ما مشَت ولا بذاتِ تَلَفُّتِ )
غنى في هذه الأبيات إبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة

أخبار الشنفرى ونسبه
نشأ في غير قومه
وأخبرني بخبره الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا أبو يحيى المؤدب وأحمد ابن أبي المنهال المهلبي عن مؤرخ عن أبي هشام محمد بن هشام النميري
أن الشنفرى كان من الأواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد بن الغوث أسرته بنو شبابة بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان فلم يزل فيهم حتى أسرت بنو سلامان بن مفرج بن عوف بن ميدعان بن مالك بن الأزد رجلا من فهم أحد بني شبابة ففدته بنو شبابة بالشنفرى قال فكان الشنفرى في بني سلامان بن مفرج لا تحسبه إلا أحدهم حتى نازعته بنت الرجل الذي كان في حجره وكان السلامي اتخذه ولدا وأحسن إليه وأعطاه فقال لها الشنفرى اغسلي رأسي يا أخية وهو لا يشك في أنها أخته فأنكرت أن يكون أخاها ولطمته فذهبت مغاضبا حتى أتى الذي اشتراه من فهم فقال له الشنفرى اصدقني ممن أنا قال أنت من الأواس بن الحجر فقال أما إني لن أدعكم حتى أقتل منكم مائة بما استعبدتموني ثم إنه ما زال يقتلهم حتى قتل تسعة وتسعين رجلا وقال الشنفرى للجارية السلامية التي لطمته وقالت لست بأخي

( أَلا ليتَ شِعْري والتَّلَهُّفُ ضَلّةٌ ... بما ضَربتْ كَفُّ الفتاة هَجِينَها )
( ولو علمت قُعسوسُ أنساب والدي ... ووالدِها ظَلّت تقاصَرُ دونها )
( أنا ابن خيار الحُجْر بيتا ومَنْصِبا ... وأمي ابنةُ الأحرار لو تَعْرِفينها )
قال ثم لزم الشنفرى دار فهم فكان يغير على الأزد على رجليه فيمن تبعه من فهم وكان يغير وحده أكثر من ذلك وقال الشنفري لبني سلامان
( وإني لأهوَى أن أَلُفُّ عجَاجتي ... على ذي كساء من سَلامانَ أَو بُرد )
( وأصبحَ بالعضْدَاء أبغي سَراتَهم ... وأسلكَ خَلاًّ بين أَرباع والسّرد )
فكان يقتل بني سلامان بن مفرج حتى قعد له رهط من الغامديين من بني الرمداء فأعجزهم فأشلوا عليه كلبا لهم يقال له حبيش ولم يضعوا له شيئا ومر وهو هارب بقرية يقال لها دحيس برجلين من بني سلامان بن مفرج فأرادهما ثم خشي الطلب فقال
( قتيلَيْ فِجارٍ أنتُما إن قُتِلتُما ... بجوف دَحِيس أو تبالةَ يا اسمعا )
يريد يا هذان اسمعا وقال فيما كان يطالب به بني سلامان
( فإلا تزرني حَتْفتي أو تُلاقني ... أُمشِّ بدَهْرٍ أو عذافَ فنوَّرا )
( أمشي بأطراف الحماطِ وتارةً ... تُنفَّضُ رجلي بَسْبُطاً فعَصَنْصَرا )

( وأبغي بني صَعب بن مُرٍّ بلادَهم ... وسوف أُلاقيهم انِ اللهُ يسّرا )
( ويوما بذاتِ الرَّأس أو بطن مِنجَلٍ ... هنالك تَلْقى القاضيَ المُتِغَوِّرا )

سملوا عينه ثم قتلوه
قال ثم قعد له بعد ذلك أسيد بن جابر السلاماني وخازم الفهمي بالناصف من أبيدة ومع أسيد ابن أخيه فمر عليهم الشنفرى فأبصر السواد بالليل فرماه وكان لا يرى سوادا إلا رماه كائنا ما كان فشك ذراع ابن أخي أسيد إلى عضده فلم يتكلم فقال الشنفري إن كنت شيئا فقد أصبتك وإن لم تكن شيئا فقد أمنتك وكان خازم باطحا يعني منبطحا بالطريق يرصده فنادى أسيد يا خازم أصلت يعني اسلل سيفك فقال الشنفري لكل أصلت فأصلت الشنفري فقطع أصبعين من أصابع خازم الخنصر والبنصر وضبطه خازم حتى لحقه أسيد وابن أخيه نجدة فأخذ أسيد سلاح الشنفرى وقد صرع الشنفري خازما وابن أخي أسيد فضبطاه وهما تحته وأخذ أسيد برجل ابن أخيه فقال أسيد رجل من هذه فقال الشنفري رجلي فقال ابن أخي أسيد بل هي رجلي يا عم فأسروا الشنفرى وأدوه إلى أهلهم وقالوا له أنشدنا فقال إنما النشيد على المسرة فذهبت مثلا ثم ضربوا يده فتعرضت أي اضطربت فقال الشنفرى في ذلك
( لا تَبْعَدِي إمّا ذَهَبْتِ شامَهْ ... فرُبَّ وادٍ نَفَرَتْ حَمامَه )
( ورُبَّ قِرْنٍ فَصَلتْ عِظَامَهْ ... )

ثم قال له السلامي أأطرفك ثم رماه في عينه فقال الشنفرى له كأن كنا نفعل أي كذلك كنا نفعل وكان الشنفرى إذا رمى رجلا منهم قال له أأطرفك ثم يرمي عينه ثم قالوا له حين أرادوا قتله أين نقبرك فقال
( لا تَقبُرونِي إنّ قَبرِي مُحرَّم ... عليكم ولكن أبشِرِي أُمَّ عامر )
( إذا احْتَمَلَتْ رأسي وفي الرأس أكثَرِي ... وغُودِرَ عند المُلْتَقَى ثَمّ سائِرِي )
( هنالك لا أرجو حياةً تَسُرُّني ... سَمِيرَ الليالي مُبْسَلاً بالحَرَائرِ )

تأبط شرا يرثيه
وقال تأبط شرا يرثي الشنفري
( على الشَّنْفَرَى ساري الغمام ورائحٌ ... غزيرُ الكُلى وَصَيِّبُ الماء باكرُ )
( عليك جزاءٌ مثلُ يومِكَ بالجَبَا ... وقد أُرعِفتْ منك السُّيوفُ البواتر )
( ويومِكَ يوم العَيْكَتَيْن وعطفةٍ ... عطفتَ وقد مَسَّ القلُوبَ الحناجِرُ )

( تجول ببز الموت فيهم كأنهم ... بشوكتك الحُدّى ضَئِينٌ نوافرُ )
( فإنك لو لاقيتني بعدما ترى - ... وهل يُلقَيْن مَنْ غَيَّبته المقابر - )
( لألفيتني في غارة أنتمي بها ... إليك وإمّا راجعاً أنا ثائِرُ )
( وإن تكُ مأْسوراً وظلْت مُخَيِّماً ... وأبْليت حتى ما يكيدك واتِرُ )
( وحتى رماك الشَّيْبُ في الرأس عانسا وخيرُك مبسوطٌ وزادك حاضرُ ... )
( وأجملُ موتِ المرء إذ كان ميتا ... - ولا بد يوماً - مَوتُه وهو صابر )
( فلا يَبعَدنّ الشَّنْفَري وسِلاحُه الْحَديدُ ... وَشدَّ خَطْوُه متواتر )
( إذا راع رَوْعُ الموت راع وإن حَمَى ... حَمَى معه حُرٌّ كريم مُصابِرُ )

خبر آخر عن سبب أسره ومقتله
قال وقال غيره لا بل كان من أمر الشنفري وسبب أسره ومقتله أن الأزد قتلت الحارث بن السائب الفهمي فأبوا أن يبوءوا بقتله فباء بقتله رجل منهم يقال له حزام بن جابر قبل ذلك فمات أخو الشنفري فأنشأت أمه تبكيه فقال الشنفري وكان أول ما قاله من الشعر
( ليس لوالدة هوءُها ... ولا قولُها لابنها دَعْدَعْ )

( تُطيف وتُحدِث أحوالَه ... وغيْرُكِ أملكُ بالمَصْرَع )
قال فلما ترعرع الشنفري جعل يغير على الأزد مع فهم فيقتل من أدرك منهم ثم قدم منى وبها حزام بن جابر فقيل له هذا قاتل أبيك فشد عليه فقتله ثم سبق الناس على رجليه فقال
( قتلتُ حزاماً مُهْدِياً بمُلَبَّدٍ ... ببطن مِنىً وسْط الحجيج المُصَوّتِ )
قال ثم إن رجلا من الأزد أتى أسيد بن جابر وهو أخو حزام المقتول فقال تركت الشنفرى بسوق حباشة فقال أسيد بن جابر والله لئن كنت صادقا لا نرجع حتى نأكل من جنى أليف أبيدة فقعد له على الطريق هو وابنا حزام فأحسوه في جوف الليل وقد نزع نعلا ولبس نعلا ليخفي وطأه فلما سمع الغلامان وطأه قالا هذه الضبع فقال أسيد ليست الضبع ولكنه الشنفرى ليضع كل واحد منكما نعله على مقتله حتى إذا رأى سوادهم نكص مليا لينظر هل يتبعه أحد ثم رجع حتى دنا منهم فقال الغلامان أبصرنا فقال عمهما لا والله ما أبصركما ولكنه أطرد لكيما تتبعاه فليضع كل واحد منكما نعله على مقتله فرماهم الشنفري فخسق في النعل ولم

يتحرك المرمي ثم رمى فانتظم ساقي أسيد فلما رأى ذلك أقبل حتى كان بينهم فوثبوا عليه فأخذوه فشدوه وثاقا ثم إنهم انطلقوا به إلى قومهم فطرحوه وسطهم فتماروا بينهم في قتله فبعضهم يقول أخوكم وابنكم فلما رأى ذلك أحد بني حزام ضربه ضربة فقطع يده من الكوع وكانت بها شامة سوداء فقال الشنفرى حين قطعت يده
( لا تَبْعَدِي إمّا هَلَكْتِ شامَهْ ... فرُبَّ خَرقٍ قَطَعتْ قتَامَهْ )
( ورُبَّ قِرْنٍ فَصَلتْ عِظَامَهْ ... )
وقال تأبط شرا يرثيه
( فلا يَبعَدنّ الشَّنْفَرى وسِلاحُه الْحَديدُ ... وَشَدَّ خَطْوُه متواتر )
( إذا راع رَوْعَ الموت راع وإن حَمَى ... حَمَى معه حُرٌّ كريم مُصابِرُ )
قال وذرع خطو الشنفرى ليلة قتل فوجد أول نزوة نزاها إحدى وعشرين خطوة ثم الثانية سبع عشرة خطوة
قال وقال ظالم العامري في الشنفرى وغاراته على الأزد وعجزهم عنه ويحمد أسيد بن جابر في قتله الشنفرى
( فما لَكُمْ لم تدركوا رِجْلَ شنفرى ... وأنتم خِفاف مثلُ أجنحة الغُرْبِ )
( تعاديتُم حتى إذا ما لحقتُم ... تباطأَ عنكم طالبٌ وأبو سَقْبِ )
( لعمركَ لَلسَّاعي أُسَيدُ بن جابِرٍ ... أحقُّ بها مِنْكم بَنِي عقبِ الكلب )

قال ولما قتل الشنفرى وطرح رأسه مر به رجل منهم فضرب جمجمة الشنفرى بقدمه فعقرت قدمه فمات بها فتمت به المائة

شعره لما قتل حزاما قاتل أبيه
وكان مما قاله الشنفرى فيهم من الشعر وفي لطمه المرأة التي أنكرته الذي ذكرته واستغني عن إعادته مما تقدم ذكره من شعر الشنفرى وقال الشنفرى في قتله حزاما قاتل أبيه
( أرَى أُمَّ عمرو أجمعت فاستقلَّتِ ... وما ودَّعت جِيرانَها إذْ تولّتِ )
( فقد سبقتنا أُمُّ عمرو بأَمرها ... وقد كان أعناقُ المَطيِّ أظلَّتِ )
( فواندَما على أُميمةَ بعدما ... طمِعتُ فهَبْها نِعمةَ العيش ولَّتِ )
( أُميمةُ لا يُخزِي نَثاها حَليلها ... إذا ذُكِر النسوان عَفَّت وجَلّت )
( يَحُلّ بمنجاةٍ من اللّوم بيتُها ... إذا ما بُيوتٌ بالمَلامة حُلَّت )
( فقد أعجبتني لا سَقُوطٌ قِناعُها ... إذا ما مَشت ولا بذات تَلَفُّت )
( كأَنّ لها في الأرض نِسْياً تَقُصُّه ... إذا ما مشت وإن تُحدِّثْك تَبْلِت )
النسي الذي يسقط من الإنسان وهو لا يدري أين هو يصفها بالحياء وأنها لا تلتفت يمينا ولا شمالا ولا تبرج ويروى
( تقصه على أمها وإن تكلمك ... )
( فدقت وجلت واسبكرت وأكملت ... فلو جن إنسان من الحسن جنَّت )

( تبيتُ بُعَيْدَ النوم تُهدِي غَبُوبَها ... لجاراتِها إذا الهديّة قَلَّت )
- الغبوب ما غب عندها من الطعام أي بات ويروى غبوقها -
( فبِتنا كأنَّ البيت حُجِّر حولنا ... بريحانةٍ راحت عِشاءً وطُلَّتِ )
( بريحانة من بطن حلية أمرعت ... لها أرجٌ من حولها غير مسنت )
( غدوتُ من الوادي الذي بين مَشْعَل ... وبين الجَبَاهيهات أنْسأتُ سُربتي )
( أمشِّي على الأرض التي لن تضيرَني ... لأكسِبَ مالا أو أُلاقِيَ حُمَّتِي )
( إذا ما أتتني حَتْفتي لم أُبالها ... ولم تُذْرِ خالاتي الدموع وعَمَّتِي )
( وهَنِّيءَ بي قومٌ وما إن هنأْتُهم ... وأصبحت في قوم وليسوا بمنْبِتي )
( وأُمِّ عيالٍ قد شهدتُ تَقُوتُهم ... إذا أطْعَمَتْهم أوْ تَحَتْ وأقلَّت )
( تخاف علينا الجوعَ إن هيَ أكثرت ... ونحن جياعٌ أيَّ أَلْيٍ تأَلَّتِ )
( عُفَاهَيةٌ لا يقصرُ السّترُ دونها ... ولا تُرتَجى للبَيْت إن لم تُبَيَّت )
( لها وَفْضَةٌ فيها ثلاثون سَلْجَماً ... إذَا ما رأَت أُولى العَدِي اقْشَعَرَّتِ )

( وتأتي العَدِيَّ بارزاً نصفُ ساقِها ... كعَدْو حِمار العانةِ المتفَلِّت )
( إذا فُزِّعت طارت بأَبيضَ صارمٍ ... وراحت بما في جُفرها ثم سَلَّت )
( حُسامٍ كلون الملح صافٍ حديدُه ... جُرازٍ من اقطار الحديد المنعَّت )
( تراها كأَذناب المَطِيّ صوادراً ... وقد نهِلتْ منَ الدّماء وعلّت )
( سنجزي سَلامانَ بنَ مُفْرج قرضَهم ... بما قدَّمت أيديهمُ وأَزَلَّت )
( شفَيْنا بعبد الله بعضَ غليلِنا ... وعوفٍ لدى لمَعْدَى أوانَ استهلَّت )
( قتلنا حزاما مُهدِيا بمُلَبّدٍ ... محلّهما بين الحجيج المصوِّت )
( فإن تُقبِلوا تُقبِل بمَنْ نِيلَ منهمُ ... وإن تُدْبِروا فأُمّ مَنْ نِيلَ فُتّت )
( ألا لا تزرني إن تشكيت خُلَّتي ... كفاني بأَعلى ذي الحُمَيرةِ عُدْوَتي )
( وإني لحُلوٌ إن أُرِيدت حلاوتي ... ومُرٌّ إذا النفس الصَّدوفُ استَمرَّتِ )
( أبيّ لما آبى وشيكٌ مَفِيئَتي ... إلى كُلِّ نفس تَنْتَجِي بمودّتي )
وقال الشنفري أيضا
( ومرقبةٍ عَنْقاء يَقصُرُ دونها ... أخو الضَّرْوذ الرّجْل الخفيُّ المخَفَّف )

( نَميتُ إلى أعلى ذراها وقد دنا ... من الليل ملتَفُّ الحدِيقةِ أسدَف )
( فبِتُّ على حَدّ الذّراعين أحدباً ... كما يَتَطَوَّى الأرقَم المُتَعَطِّفُ )
( قليلٌ جَهازِي غيرُ نعلين أُسحقَت ... صَدورهما مخصورةً لا تُخصَّفُ )
( ومِلْحَفَةٍ دَرْسٍ وَجَرْدِ مُلاَءةٍ ... إذا أنهجت من جانب لا تَكفّفُ )
( وأبيضُ من ماء الحديد مهنّدٌ ... مِجذٌّ لأطراف السّواعد مِقطفُ )
( وصفراءُ من نبعٍ أبيٌّ ظَهيرةٌ ... تُرِنّ كإرنان الشّجيّ وَتَهْتِفُ )
( إذا طال فيها النزع تأتي بعَجْسها ... وترمي بذَرْوَيْها بهنّ فتَقْذِفُ )
( كأَنّ حفِيفَ النَّبل من فوق عَجْسها ... عوازبُ نحلٍ أخطأَ الغارَ مُطْنِفُ )
( نأتْ أمُّ قيسِ المرْبَعَين كليهما ... وتحذَرُ أن يَنأَى بها المتصيَّفُ )
( وإنك لو تَدرينَ أنْ رُبَّ مشربٍ ... مخوفٍ كداء البطن أو هو أخوفُ )
( وردتُ بمأثورٍ ونبلٍ وضالةٍ ... تخيَّرتها مما أَريش وأرصُفُ )
( أُركِّبها في كل أحمر عاتِرٍ ... وأقذِفُ منهن الذي هو مقرف )
( وتابعتُ فيه البَرْيَ حتى تركتُه ... يَزِفُّ إذا أنفذتُه ويزفزفُ )

( بِكفّيَ منها للبغيض عُراضَةٌ ... إذا بعتُ خِلاًّ ما له مُتَخَوَّفُ )
( ووادٍ بعيدِ العُمق ضنكٍ جِماعُه ... بواطِنهُ للجنّ والأسْدِ مأْلَفُ )
( تعسَّفتُ منه بعدما سقط الندى ... غَماليل يخشى غِيلَها المُتعسِّفُ )
( وإني إذا خَامَ الجبانُ عن الرّدى ... فلِي حيث يُخشى أن يُجاوزَ مخسَف )
( وإن امرأً أجار سعدَ بنَ مالكٍ ... عليّ وأثوابِ الأُقَيْصِرِ يَعْنُف )
وقال الشنفرى أيضا
( ومُستبسلٍ ضافي القميصِ ضَغَتُّه ... بأَزرقَ لا نِكسٍ ولا مُتَعوِّج )
( عليه نُساريٌ على خُوطِ نَبْعةٍ ... وفُوقٌ كعرقوب القطاة مُحَدْرَجُ )
( وقاربتُ من كفِّيَّ ثم فَرَجتها ... بنزع إذا ما استُكرِه النزعُ مُخْلِج )
( فصاحت بكفي صيحةً ثم رجَّعَت ... أنينَ الأمِيم ذي الجراح المُشجَّع )
وقد روي فناحت بكفي نوحة

رواية ثالثة في مقتله
وقال غيره لا بل كان من أمر الشنفرى أنه سبت بنو سلامان بن مفرج

ابن مالك بن هوازن بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد الشنفرى - وهو أحد بني ربيعة بن الحجر بن عمران بن عمرو بن حارثة بن ثعلبة بن امرىء القيس بن مازن بن الأزد - وهو غلام فجعله الذي سباه في بهمة يرعاها مع ابنة له فلما خلا بها الشنفرى أهوى ليقبلها فصكت وجهه ثم سعت إلى أبيها فأخبرته فخرج إليه ليقتله فوجده وهو يقول
( ألاَ هل أَتى فِتيانَ قومي جَماعةً ... بما لطمت كفُّ الفتاة هجينَها )
( ولو علمت تلك الفتاةُ مَناسبي ... ونِسبتُها ظلَّت تقَاصَرُ دونها )
( أليس أبي خيرَ الأَواسِ وغيرِها ... وأُمِّي ابنةُ الخَيْرِينَ لو تَعلمينها )
( إذا ما أَرُومُ الودَّ بيني وبينها ... يؤمُّ بياضُ الوجه منّي يمينَها )
قال فلما سمع قوله سأله ممن هو فقال أنا الشنفرى أخو بني الحارث بن ربيعة وكان من أقبح الناس وجها فقال له لولا أني أخاف أن يقتلني بنو سلامان لأنكحتك ابنتي فقال علي إن قتلوك أن أقتل بك مائة رجل منهم فأنكحه ابنته وخلى سبيله فسار بها إلى قومه فشدت بنو سلامان خلافه على الرجل فقتلوه فلما بلغه ذلك سكت ولم يظهر جزعا عليه وطفق يصنع النبل ويجعل أفواقها من القرون والعظام ثم إن امرأته بنت السلاماني قالت له ذات يوم لقد خست بميثاق أبي عليك فقال
( كأَن قَدْ - فلا يغْرُرْكِ مني تمَكُّثِي ... سلكتُ طريقاً بين يَرْبَغ فالسَّردِ )

( وإنِّي زعيمٌ أن تثور عَجَاجتي ... على ذي كِساءٍ من سَلامان أو بُرد )
( همُ عرفوني ناشئاً ذا مَخِيلة ... أُمشِّي خلال الدار كالفرس الوَرْدِ )
( كأَني إذا لم يُمسِ في الحي مالك ... بتيهاء لا أُهدَي السَّبِيلَ ولا أَهدِي )
قال ثم غزاهم فجعل يقتلهم ويعرفون نبله بأفواقها في قتلاهم حتى قتل منهم تسعة وتسعين رجلا ثم غزاهم غزوة فنذروا به فخرج هاربا وخرجوا في إثره فمر بامرأة منهم يلتمس الماء فعرفته فأطعمته أقطا ليزيد عطشا ثم استسقى فسقته رائبا ثم غيبت عنه الماء ثم خرج من عندها وجاءها القوم فأخبرتهم خبره ووصفت صفته وصفة نبله فعرفوه فرصدوه على ركي لهم وهو ركي ليس لهم ماء غيره فلما جن عليه الليل أقبل إلى الماء فلما دنا منه قال إني أراكم وليس يرى أحدا إنما يريد بذلك أن يخرج رصدا إن كان ثم فأصاخ القوم وسكتوا ورأى سوادا وقد كانوا أجمعوا قبل إن قتل منهم قتيل أن يمسكه الذي إلى جنبه لئلا تكون حركة قال فرمى لما أبصر السواد فأصاب رجلا فقتله فلم يتحرك أحد فلما رأى ذلك امن في نفسه وأقبل إلى الركي فوضع سلاحه ثم انحدر فيه فلم يرعه إلا بهم على رأسه قد أخذوا سلاحه فنزا ليخرج فضرب بعضهم شماله فسقطت فأخذها فرمى بها كبد الرجل فخر عنده في القليب فوطىء على رقبته فدقها وقال في قطع شماله

( لا تَبْعَدِي إمّا ذَهَبْتِ شامَهْ ... فرُبَّ وادٍ نَفَرَتْ حَمامَه )
( ورُبَّ قِرْنٍ فَصَلتْ عِظَامَهْ ... وربَّ حيٍّ حرَّقت سَوامَهْ )
قال ثم خرج إليهم فقتلوه وصلبوه فلبث عاما أو عامين مصلوبا وعليه من نذره رجل قال ف جاه رجل منهم كان غائبا فمر به وقد سقط فركض رأسه برجله فدخل فيها عظم من رأسه فعلت عليه فمات منها فكان ذلك الرجل هو تمام المائة

صوت
( ألا طرقتْ في الدّجى زينبُ ... وأحببْ بزينبَ إذ تَطْرُقُ )
( عجبتُ لزينبَ أَنَّى سَرَت ... وزينبُ من ظلّها تَفرَق )
عروضه من المتقارب الشعر لابن رهيمة والغناء لخليل المعلم رمل بالبنصر عن الهشامي وأبي أيوب المدني

أخبار الخليل ونسبه
هو الخليل بن عمرو مكي مولى بني عامر بن لؤي مقل لا تعرف له صنعة غير هذا الصوت
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني القطراني المغني عن محمد بن حسين قال
عمل في تأديب الصبيان وتعليم الجواري الغناء
كان خليل المعلم يلقب خليلان وكان يؤدب الصبيان ويلقنهم القرآن والخط ويعلم الجواري الغناء في موضع واحد فحدثني من حضره قال كنت يوما عنده وهو يردد على صبي يقرأ بين يديه ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ) ثم يلتفت إلى صبية بين يديه فيردد عليها
( اعتادَ هذا القلبَ بلبالُهُ ... أن قُرِّبتْ للبَيْنِ أَجمالُهُ )
فضحكت ضحكا مفرطا لما فعله فالتفت إلي فقال ويلك مالك فقال أتنكر ضحكي مما تفعل والله ما سبقك إلى هذا أحد ثم قلت انظر أي

شيء أخذت على الصبي من القرآن وأي شيء هو ذا تلقي على الصبية والله إني لأظنك ممن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله فقال أرجو ألا أكون كذلك إن شاء الله
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال
كان خليلان المعلم أحسن الناس غناء وأفتاهم وأفصحهم فدخل يوما على عقبة بن سلم الأزدي الهنائي فاحتبسه عنده فأكل معه ثم شرب وحانت منه التفاتة فرأى عودا معلقا فعلم أنه عرض له به فدعا به وأخذه فغناهم
( يابنةَ الأزديّ قلبي كَئِيبُ ... مُستَهامٌ عندها ما يُنِيبُ )
وحانت منه التفاتة فرأى وجه عقبة بن سلم متغيرا وقد ظن أنه عرض به ففطن لما أراد فغنى
( ألا هَزِئَت بِنا قُرَشِيَّة ... يهتزُّ موكِبُها )
فسري عن عقبة وشرب فلما فرغ وضع العود من حجره وحلف بالطلاق ثلاثا أنه لا يغني بعد يومه ذلك إلا لمن يجوز حكمه عليه

نسبة هذين الصوتين
( يابنةَ الأزديّ قلبي كَئِيبُ ... مُستَهامٌ عندها ما يُنِيبُ )
( ولقد لاموا فقلتُ دعوني ... إنّ مَنْ تَنْهوْنَ عنه حَبيبُ )
( إنما أبلَى عِظامِي وجِسْمِي ... حُبُّها والحُبُّ شيءٌ عَجِيبُ )
( أيها العائِبُ عندي هَواهَا ... أنتَ تَفدي مَن أراك تَعِيبُ )

عروضه من المديد والشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لمالك خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عنه وفيه خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى لم ينسبه إسحاق إلى أحد ووجدته في روايات لا أثق بها منسوبا إلى حنين وقد ذكر يونس أن فيه لحنين ولمالك كلاهما ولعل هذا أحدهما وذكر حبش أن خفيف الرمل لابن سريج وذكر الهشامي وعلي بن يحيى أن لحن مالك الآخر ثاني ثقيل وذكر الهشامي أن فيه لطويس هزجا مطلقا في مجرى البنصر وذكر عمرو بن بانة أن لمالك فيه ثقيلا أولا وخفيفه ولمعبد خفيف ثقيل آخر

صوت
( ألا هَزِئَت بِنا قُرَشِيَّة ... يهتزُّ موكِبُها )
( رأت بي شيْبَةً في الرأ ... سِ مِنّي ما أُغَيّبُها )
( فقالت لي ابن قَيْسٍ ذا ... وبَعضُ الشيب يُعجبها )
( لها بعلٌ خبيثُ النَّفْس ... يحصُرُها ويحْجُبُها )
( يراني هكذا أمشي ... فيوعِدُها ويَضْرِبُها )
عروضه من الوافر الشعر لابن قيس الرقيات والغناء لمعبد خفيف

بالخنصر في مجرى الوسطى وفيه ليونس ثقيل أول عن إسحاق بن إبراهيم والهشامي
صوت
( هل ما علمتَ وما استُودِعْتَ مكتومُ ... أم حَبلُها إذ نأتك اليومَ مَصرومُ )
( أم هل كئيبٌ بكى لم يقض عبرَتَهُ ... إثْرَ الأَحِبَّة يوم البين مَشْكُومُ )
( يحملن أُتْرُجّةً نَضْخُ العبير بها ... كأنَّ تَطيابَها في الأنفِ مشمومُ )
( كأنّ فَأْرَةَ مسكٍ في مفارقها ... للباسط المُتعاطي وَهْوَ مزكوم )
( كأَنَّ إبريقَهم ظبيٌ على شرف ... مُفَدَّمٌ بسَبَا الكتّان ملثُوم )
( قد أشْهدُ الشَّربَ فيهم مِزْهرٌ صَدِحٌ ... والقومُ تصرعهم صهباءُ خُرطومُ )
الشعر لعلقمة بن عبدة والغناء لابن سريج وله فيه لحنان أحدهما في الأول والثاني خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق

والآخر رمل بالخنصر في مجرى البنصر في الخامس والسادس من الأبيات وذكر عمرو بن بانة أن في الأربعة الأبيات الأول المتوالية لمالك خفيف ثقيل بالوسطى وفيها ثقيل أول نسبه الهشامي إلى الغريض وذكر حبش أن لحن الغريض ثاني ثقيل بالبنصر وذكر حبش أن في الخامس والسادس خفيف رمل بالبنصر لابن سريج

أخبار علقمة ونسبه
هو علقمة بن عبدة بن النعمان بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار
وكان زيد مناة بن تميم وفد هو وبكر بن وائل - وكانا لدة عصر واحد - على بعض الملوك وكان زيد مناة حسودا شرها طعانا وكان بكر بن وائل خبيثا منكرا داهيا فخاف زيد مناة أن يحظى من الملك بفائدة ويقل معها حظه فقال له يا بكر لا تلق الملك بثياب سفرك ولكن تأهب للقائه وادخل عليه في أحسن زينة ففعل بكر ذلك وسبقه زيد مناة إلى الملك فسأله عن بكر فقال ذلك مشغول بمغزالة النساء والتصدي لهن وقد حدث نفسه بالتعرض لبنت الملك فغاظه ذلك وأمسك عنه ونمى الخبر إلى بكر بن وائل فدخل إلى الملك فأخبره بما دار بينه وبين زيد مناة وصدقه عنه واعتذر إليه مما قاله فيه عذرا قبله فلما كان من غد اجتمعا عند الملك فقال الملك لزيد مناة ما تحب أن أفعل بك فقال لا تفعل ببكر شيئا إلا فعلت بي مثليه وكان بكر أعور العين اليمنى قد أصابها ماء فذهب بها فكان لا يعلم من رآه أنه أعور فأقبل الملك على بكر بن وائل فقال له ما تحب أن أفعل بك يا بكر قال تفقأ عيني اليمنى وتضعف لزيد مناة فأمر بعينه

ففقئت وأمر بعيني زيد مناة ففقئتا فخرج وهو أعور بحاله وخرج زيد مناة وهو أعمى

سبب تلقيبه بالفحل
وأخبرني بذلك محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة
ويقال لعلقمة بن عبدة علقمة الفحل سمي بذلك لأنه خلف على امرأة امرىء القيس لما حكمت له على امرىء القيس بأنه أشعر منه في صفة فرسه فطلقها فخالفه عليها وما زالت العرب تسميه بذلك وقال الفرزدق
( والفحلُ عَلقمةُ الذي كانت له ... حُلَلُ الملوك كلامُه يُتَنَحَّلُ )
علقمة يحكم قريشا في شعره
أخبرني عمي قال حدثني النضر بن عمرو قال حدثني أبو السوار عن أبي عبيد الله مولى إسحاق بن عيسى عن حماد الراوية قال
كانت العرب تعرض أشعارها على قريش فما قبلوه منها كان مقبولا وما ردوه منها كان مردودا فقدم عليهم علقمة بن عبدة فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها
( هل ما علمتَ وما استُودعْتَ مكتوم ... أم حَبْلُها أَنْ نأتْكَ اليومَ مصرومُ )

فقالوا هذه سمط الدهر ثم عاد إليهم العام المقبل فأنشدهم
( طحابك قلب في الحسان طروبُ ... بُعَيْد الشباب عصر حان مشيبُ )
فقالوا هاتان سمطا الدهر
أخبرني الحسن بن عليَّ قال حدثني هارون بن محمد بن عبدالملك عن حماد بن إسحاق قال سمعت أبي يقولسرق ذو الرُّمة قوله :
( يطفو إذا تلقَّته الجراثيم ... ) قول العجاج
( إذا تلقَّتْه العقاقيلُ طفا ) العجَّاج من علقمةَ بن عبَدة في قوله :
( يطفو إذا ما تلقته العقاقيل ... )

هو وامرؤ القيس يتحاكمان إلى زوجته
أخبرني عمِّي قال حدثنا الكرانيُّ قال حدثنا العمريّ عن لقيط وأخبرني أحمد بن عبدالعزيز قال حدثنا عُمَر بن شبَّة قال حدثني أبو عبيدة قال
كانت تحت امريء القيس امرأةٌ من طيء تزوجها حين جاور فيهم فنزل به علقمةُ الفحْل بن عبدة التَّميميّ فقال كل واحد منهما لصاحبه أنا أشعر منك فتحاكما إليها فأنشد امرؤ القيس قوله :
( خليليَّ مرََّّا بي على أمّ جُنْدُبِ ... ) مر بقوله :
( فللسَّوط الهوبٌ وللسَّاق دِرَّةٌ ... وللزَّجر منه وقعُ أخرج مهذِب )
ويروى أهوج منعب
فأنشدها علقمة قوله
( ذهبْتَ من الهِجران في غير مذْهَب ... ) انتهى إلى قوله :
( فأدركه حتى ثنى من عِنانه ... يمُرُّ كغيث رائحٍ متحلبِّ )
فقالت له علقمةُ أشعرُ منك قال وكيف قالت لأنك زجرت فرسَك وحرّكته بساقك وضربته بسوطك وأنه جاء هذا الصيد ثم أدركه ثانياً من عِنانه فغضب امرؤ القيس وقال ليس كما قلتِ ولكنك هَويِته فطلّقها فتزوجه علقمة بعد ذلك وبهذا لُقِّب علقمةَ الفحْل

ربيعة بن حذار يصنّف الشعراء
أخبرني عمي قال حدثنا الكُرانيّ قال حدثنا العُمري عن لَقِيط قال
تحاكم علقمةُ بن عبدة التميمي والزبرقانُ بن بَدْر السعدي والمخبَّل وعمرو بن الأهتم إلى ربيعة بن حذار الأسديّ فقال أما أنت يا زبرقان فإن شعرك كلحم لا أنضج فيؤكل ولا ترك نيئا فينتفع به وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبرد حبرة يتلألأ في البصر فكلما أعدّته فيه نقص وأما أنت يا مخبّل فإنك قصّرت عن الجاهلية ولم تدرك الإسلام وأما أنت يا علقمة فإن شعرك كمزادة قد أحكِم خزرُها فليس يقطر منها شيء
أخبرني محمدُ بن الحسنِ بن دُريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن ابيه قال

رجل من مزينَة على باب رجل من الأنصار وكان يُتَّهم بامرأته فلما حاذى بابَه تنفَّس ثم تمثل :
( هل ما علمتَ وما استُودِعْتَ مكتومُ ... أم حبلُها إذ نأتك اليوم مصرومُ )
قال فتعلَّق به الرجل فرفعه إلى عمر رضوان الله عليه فاستعداه عليه فقال له المتمثِّل وما عليَّ في أن أنشدتُ بيتَ شعر فقال له عمر رضي الله عنه مالك لم تُنْشِدْه قبل أن تبلغ بابه ولكنّك عرَّضت به مع ما تعلم من القالةَ فيه أمر به فضُرِب عِشْرين سَوْطاً

صوت
( فوالله لا أنسَى قتِيلاً رُزِيتُه ... بجانب قَوسَى ما حييتُ على الأرض )
( بلى إنها تعْفُو الكلُومُ وإنما ... نوكِّلُ بالأدنى وإن جَلَّ ما يَمضِي )
( ولم أدرِ مَن أَلْقَي عليه رداءه ... ولكنه قد بُزَّ عن ماجدٍ محضِ )
الشعر لأبي خراش الهذلي والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى من رواية عمرو بن بانة وذكر يحيى بن المكي أنه لابن مُسجِح وذكر الهاشمي أنه ليحيى المكي نحله ابن مسجح وفي أخبار معبد إن له فيه لحناً

ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
نسبه وموته
أبو خراش اسمه خويلد بن مرة أحد بني قرد واسم قرد عمرو بن معاوية بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار
شاعر فحل من شعراء هذيل المذكورين الفصحاء مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم وعاش بعد النبي مدة ومات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهشته أفعى فمات وكان ممن يعدو فيسبق الخيل في غارات قومه وحروبهم
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمي والحسن بن علي قالوا
حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا أحمد بن عمير بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني أبو بركة الأشجعي من أنفسهم قال
خرج أبو خراش الهذلي من أرض هذيل يريد مكة فقال لزوجته أم خراش ويحك إني أريد مكة لبعض الحاجة وإنك من أفك النساء وإن بني الديل يطلبونني بترات فإياك وأن تذكريني لأحد من أهل مكة حتى نصدر منها قالت معاذ الله أن أذكرك لأهل مكة وأنا أعرف السبب

قال فخرج بأم خراش وكمن لحاجته وخرجت إلى السوق لتشتري عطرا أو بعض ما تشتريه النساء من حوائجهن فجلست إلى عطار فمر بها فتيان من بني الديل فقال أحدهما لصاحبه أم خراش ورب الكعبة وإنها لمن أفك النساء وإن كان أبو خراش معها فستدلنا عليه قال فوقفا عليها فسلما وأحفيا المسألة والسلام فقلت من أنتما بأبي أنتما فقالا رجلان من أهلك من هذيل قالت بأبي أنتما فإن أبا خراش معي ولا تذكراه لأحد ونحن رائحون العشية فخرج الرجلان فجمعا جماعة من فتيانهم وأخذوا مولى لهم يقال له مخلد وكان من أجود الرجال عدوا فكمنوا في عقبة على طريقه فلما رآهم قد لاقوه في عين الشمس قال لها قتلتني ورب الكعبة لمن ذكرتني فقالت والله ما ذكرتك لأحد إلا لفتيين من هذيل فقال لها والله ما هما من هذيل ولكنهما من بني الديل وقد جلسا لي وجمعا علي جماعة من قومهم فاذهبي أنت فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلا أستوحش فأفوتهم فاركضي بعيرك وضعي عليه العصا والنجاء النجاء
قال فانطلقت وهي على قعود عقيلي يسابق الريح فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمرا على طريقه على كساء فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا وجازت بهم أم خراش فلم يعرضوا لها لئلا ينفر منهم ووضعت العصا على قعودها وتواثبوا إليه ووثب يعدو
قال فزاحمه على المحجة التي يسلك فيها على العقبة ظبي فسبقه أبو خراش وتصايح القوم يا مخلد أخذا أخذا
قال ففات الأخذ فقالوا ضربا ضربا فسبق الضرب فصاحوا رميا

رميا فسبق الرمي وسبقت أم خراش إلى الحي فنادت ألا إن أبا خراش قد قتل فقام أهل الحي إليها وقام أبوه وقال ويحك ما كانت قصته فقالت إن بني الديل عرضوا له الساعة في العقبة قال فما رأيت أو ما سمعت قالت سمعتهم يقولون يا مخلد أخذا أخذا قال ثم سمعت ماذا قالت ثم سمعتهم يقولون ضربا ضربا قال ثم سمعت ماذا قالت سمعتهم يقولون رميا رميا قال فإن كنت سمعت رميا رميا فقد أفلت وهو منا قريب ثم صاح يا أبا خراش فقال أبو خراش يا لبيك وإذا هو قد وافاهم على أثرها وقال أبو خراش في ذلك

شعره في نجاته من خصومه
( رَفَوْنِي وقالوا يا خُوَيْلدُ لم تُرَعْ ... فقلت وأنكرتُ الوجوهَ هُم هُم )
رفوني بالفاء سكنوني وقالوا لا بأس عليك
( فغارَرْتُ شيئَاً والدّريسُ كأنما ... يزعزعُه وعْلٌ من المُومِ مُرْدِمُ )
غاررت تلبثت والدريس الخلق من الثياب ومثله الجرد والسحق والحشيف ومردم لازم
( تذكرتُ ما أينَ المفرُّ وإنني ... بحبل الذي يُنْجِي من الموت مُعْصِم )
( فواللهِ ما ربْدَاءُ أو عِلْجُ عَانةٍ ... أقبُّ وما إنْ تَيْسُ رَمْلٍ مُصَمِّمِ )

( بأسرعَ منّي إذ عرفت عَدِيَّهُم ... كأني لأَولاهُمْ من القُرْبِ تَوْأَم )
( وأجودَ مِنِّي حينَ وافيْتُ ساعِياً ... وأخطأني خَلْف الثَّنِيَّة أسهُمُ )
( أُوَائِلُ بالشَّدِّ الذَّليقِ وحَثَّنِي ... لدى المتن مشبوحَ الذراعين خَلْجَمُ )
( تَذَكَّرَ ذَحْلاً عندنا وهو فاتكٌ ... من القوم يَعرُوه اجتراءٌ ومَأْثم )
( تقول ابنتي لما رأتني عشيَّةً ... سلمتَ وما إن كِدتَ بالأمس تَسلمُ )
( فقلتُ وقد جاوزت صَارَى عشيَّةً ... أجاوزتُ أولَى القوم أم أنا أحلُم )
( فلولا دِرَاكُ الشدّ آضتْ حليلَتي ... تخيَّر في خُطَّابِها وَهْيَ أيِّمُ )
( فتسخَطُ أو ترضَى مكانِي خليفةً ... وكادَ خِراشٌ عند ذلك يَيْتَم )

عدا بين فرسين فسبقهما
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي ومحمد بن الحسين الكندي خطيب المسجد الجامع بالقادسية قالا حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال حدثني رجل من هذيل قال
دخل أبو خراش الهذلي مكة وللوليد بن المغيرة المخزومي فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة فقال للوليد ما تجعل لي إن سبقتهما قال إن فعلت فهما لك فأرسلا وعدا بينهما فسبقهما فأخذهما

قال الأصمعي إذا فاتك الهذلي أن يكون شاعرا أو ساعيا أو راميا فلا خير فيه
وأخبرني بما أذكره من مجموع أخبار أبي خراش علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري وأخبرني بما أذكره من مجموع أشعارهم وأخبارهم فذكر أبو سعيد عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن أبي حاتم عن أبي عبيدة وعن ابن حبيب عن أبي عمرو
وأخبرني ببعضه محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي وقد ذكرت ما رواه في أشعار هذيل وأخبارها كل واحد منهم عن أصحابه في مواضعه قال السكري فيما رواه عن ابن حبيب عن أبي عمرو قال
نزل أبو خراش الهذلي دبية السلمي - وكان صاحب العزى التي في غطفان وكان يسدنها وهي التي هدمها خالد بن الوليد لما بعثه رسول الله إليها فهدمها وكسرها وقتل دبية السلمي - قال فلما نزل عليه أبو خراش أحسن ضيافته ورأى في رجله نعلين قد أخلقتا فأعطاه نعلين من حذاء السبت فقال أبو خراش يمدحه
( حذَانِيَ بعد ما خَذِمَتْ نِعالي ... دُبَيَّةُ إِنَّهُ نِعمَ الخليلُ )
( مُقابَلَتين من صلَوَيْ مُشِبٍّ ... من الثيران وصلُهما جميلُ )

( بمثلِهما يروح المرءُ لَهواً ... ويقْضِي الهمَّ ذو الأَربِ الرّجيلِ )
( فنعم مُعرَّسُ الأضيافِ تُذْحِي ... رحالَهُم شآميةٌ بَلِيلُ )
( يُقاتل جوعَهم بمكلَّلاَتٍ ... من الفُرْنيِّ يَرْعَبُها الجميل )
قال أبو عمرو الجميل الإهالة ولا يقال لها جميل حتى تذاب إهالة كانت أو شحما وقال أبو عمرو ولما بعث رسول الله خالد بن الوليد فهدم عزى غطفان وكانت ببطن نخلة نصبها ظالم بن أسعد بن عامر بن مرة وقتل دبية فقال أبو خراش الهذلي يرثيه
( مَا لِدُبَيَّةَ منذُ اليوم لم أَرَهُ ... وسْطَ الشُّرُوب ولم يُلْمِمْ ولم يطفِ )
( لو كان حيّاً لغاداهم بمُترعَةٍ ... فيها الرّواوِيق من شِيزَى بني الهَطِف )
بنو الهطف قوم من بني أسد يعملون الجفان
( كَابِي الرماد عظيمُ القِدْرِ جَفْنَتُه ... حين الشتاء كحَوْضِ المُنْهَلِ اللَّقِف )
- المنهل الذي إبله عطاش واللقف الذي يضرب الماء أسفله فيتساقط وهو ملآن -
( أمسى سَقامٌ خَلاءً لا أنيسَ به ... إلا السّباعُ ومَرُّ الريح بالغَرَفِ )

يرثي زهير بن العجوة
وقال الأصمعي وأبو عمرو في روايتهما جميعا
أخذ أصحاب رسول الله في يوم حنين أسارى وكان فيهم زهير بن العجوة أخو بني عمرو بن الحارث فمر به جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وهو مربوط في الأسرى وكانت بينهما إحنة في الجاهلية فضرب عنقه فقال أبو خراش يرثيه
( فَجَّع أصحابي جميلُ بن معْمَر ... بذي فَجَرٍ تأوِي إليه الأَراملُ )
( طويلُ نِجادِ السيف ليس بحَيْدَرٍ ... إذا قام واستنَّت عليه الحمائِلُ )
( إلى بَيْتِهِ يأوي الغريبُ إذا شتا ... ومُهتَلِكٌ بالي الدّريسَيْن عائِلُ )
( تروَّحَ مقروراً وراحت عشيّة ... لها حَدَبٌ تحتثُّه فيُوائِلُ )
( تكاد يداه تُسْلِمَان رداءَه ... من القُرِّ لمّا استقبلْته الشمائل )
( فما بالُ أهلِ الدّار لم يتصدَّعوا ... وقد خفّ منها اللّوذعيُّ الحُلاَحلُ )
( فأُقسِمُ لو لاقيتَه غيرَ موثَق ... لآبك بالجِزْع الضّباعُ النّواهلُ )
( لظلَّ جميلٌ أَسوأَ القوم تَلَّةً ... ولكنَّ ظَهْرَ القِرْنِ للمَرْء شاغلُ )
( فليس كعهدِ الدار يا أمَّ مالكٍ ... ولكنْ أحاطت بالرقاب السلاسل )

( وعاد الفتى كالكهل ليس بقائلٍ ... سوى الحقِّ شيئا فاستراح العواذلُ )
( ولم أَنْسَ أياماً لنا وليالياً ... بِحَلْيَةَ إذ نلقَى بها ما نحاول )
وقال أيضا يرثيه
( أَفِي كلِّ مَمسى ليلةٍ أنا قائل ... من الدهر لا يبعَدْ قتيلُ جميلِ )
( فما كنتُ أخشى أن تصيبَ دماءَنا ... قريشٌ ولما يُقتلوا بقتيل )
( فأبرحُ ما أُمِّرْتُمُ وعَمَرتُمُ ... مدَى الدهر حتى تُقْتَلُوا بِغَلِيلِ )

شعره في إنقاذ أسرى
وقال أبو عمرو في خبره خاصة أقبل أبو خراش وأخوه عروة وصهيب القردي في بضعة عشر رجلا من بني قرد يطلبون الصيد فبينا هم بالمجمعة من نخلة لم يرعهم إلا قوم قريب من عدتهم فظنهم القرديون قوما من بني ذؤيبة أحد بني سعد بن بكر بن هوازن أو من بني حبيب أحد بني نصر فعدا الهذليون إليهم يطلبونهم وطمعوا فيهم حتى خالطوهم وأسروهم جميعا وإذا هم قوم من بني ليث بن بكر فيهم ابنا شعوب أسرهما صهيب القردي فهم بقتلهما وعرفهم أبو خراش فاستنقذهم جميعا من أصحابه وأطلقهم فقال أبو خراش في ذلك يمن على ابني شعوب أحد بني شجع بن عامر بن ليث فعله بهما
( عدونَا عدوةً لا شكَّ فيها ... وخِلناهمْ ذُؤيبةَ أو حَبيبا )
( فنُغرِي الثائرين بهم وقلنا ... شفاءُ النفس أنْ بَعَثوا الحروبا )

( مَنَعْنا من عدِيِّ بني حُنَيفٍ ... صِحابَ مضرّسٍ وابني شَعوبا )
( فأَثْنُوا يا بني شِجْع علَيْنَا ... وحقُّ ابني شَعُوبٍ أنْ يُثِيبا )
( وسائلْ سَبرةَ الشِّجْعِيِّ عنا ... غداة نخالهم نَجْوا جَنيبا )
( بأنّ السّابق القِرْدِيَّ ألقَى ... عليه الثوبَ إذ ولَّى دبيبا )
( ولولا ذاكَ أرهقَه صُهيبٌ ... حسامَ الحَدِّ مطروراً خشيبا )

شعره في زهده
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال أقفر أبو خراش الهذلي من الزاد أياما ثم مر بامرأة من هذيل جزلة شريفة فأمرت له بشاة فذبحت وشويت فلما وجد بطنه ريح الطعام قرقر فضرب بيده على بطنه وقال إنك لتقرقر لرائحة الطعام والله لا طعمت منه شيئا ثم قال يا ربة البيت هل عندك شيء من صبر أو مر قالت تصنع به ماذا قال أريده فأتته منه بشيء فاقتمحه ثم أهوى إلى بعيره فركبه فناشدته المرأة فأبى فقالت له يا هذا هل رأيت بأسا أو أنكرت شيئا قال لا والله ثم مضى وأنشأ يقول
( وإني لأثْوي الجوعَ حتى يَملَّني ... فأحيا ولم تدنَس ثيابي ولا جِرمي )
( وأصْطَبحُ الماءَ القَراحَ فأكتفي ... إذا الزادُ أضحَى للمزلَّجِ ذَا طَعْم )
( أردُّ شجاعَ البطن قد تَعلمِينه ... وأوثر غيرِي من عِيالك بالطُّعْم )

( مخافَة أن أحيا برَغمٍ وذِلَّةٍ ... فلِلْمَوْتُ خيرٌ من حياةٍ على رُغْم )

يفتدي أخاه عروة بن مرة
وأخبرني عمي عن هارون بن محمد الزيات عن أحمد بن الحارث عن المدائني بنحو مما رواه الأصمعي وقال أبو عمرو
أسرت فهم عروة بن مرة أخا أبي خراش وقال غيره بل بنو كنانة أسرته فلما دخلت الأشهر الحرم مضى أبو خراش إليهم ومعه ابنه خراش فنزل بسيد من ساداتهم ولم يعرفه نفسه ولكنه استضافه فأنزله وأحسن قراه فلما تحرم به انتسب له وأخبره خبر أخيه وسأله معاونته حتى يشتريه منهم فوعده بذلك وغدا على القوم مع ذلك الرجل فسألهم في الأسير أن يهبوه له فما فعلوا فقال لهم فبيعونيه فقالوا أما هذا فنعم فلم يزل يساومهم حتى رضوا بما بذله لهم فدفع أبو خراش إليهم ابنه خراشا رهينة وأطلق أخاه عروة ومضيا حتى أخذ أبو خراش فكاك أخيه وعاد به إلى القوم حتى أعطاهم إياه وأخذ ابنه فبينما أبو خراش ذات يوم في بيته إذ جاءه عبد له فقال إن أخاك عروة جاءني وأخذ شاة من غنمك فذبحها ولطمني لما منعته منها فقال له دعه فلما كان بعد أيام عاد فقال له قد أخذ أخرى فذبحها فقال دعه فلما أمسى قال له إن أخاك اجتمع مع شرب من قومه فلما انتشى جاء إلينا وأخذ ناقة من إبلك لينحرها لهم فعاجله فوثب أبو خراش إليه فوجده قد أخذ الناقة لينحرها فطردها أبو خراش فوثب أخوه عروة إليه فلطم وجهه وأخذ الناقة فعقرها وانصرف أبو خراش فلما كان من غد لامه قومه وقالوا له بئست لعمر الله المكافأة كانت منك لأخيك رهن ابنه فيك وفداك بماله ففعلت به ما فعلت فجاء عروة يعتذر إليه فقال أبو خراش

( لَعَلَّكَ نافعي يا عُروَ يوماً ... إذا جاورْتُ مَنْ تحتَ القبورِ )
( أخذتَ خُفَارَتِي ولطمتَ عَيْني ... وكيف تُثِيبُ بالمنِّ الكبيرِ )
( ويوم قد صبْرتُ عليكَ نفسي ... لدى الأشْهَادِ مُرْتَدِي الحرورِ )
( إذا ما كان كَسُّ القوم رَوْقاً ... وجالت مقلتا الرجل البصير )
( بما يممتُه وتركْتُ بِكْرى ... وما أُطْعِمْتَ من لحم الجَزُور )
قال معنى قوله بكري أي بكر ولدي أي أولهم

كان بنو مرة عشرة
وقال الأصمعي وأبو عبيدة وأبو عمرو وابن الأعرابي
كان بنو مرة عشرة أبو خراش وأبو جندب وعروة والأبح والأسود وأبو الأسود وعمرو وزهير وجناد وسفيان وكانوا جميعا شعراء دهاة سراعا لا يدركون عدوا فأما الأسود بن مرة فإنه كان على ماء من داءة وهو غلام شاب فوردت عليه إبل رئاب بن ناضرة بن المؤمل من بني لحيان ورئاب شيخ كبير فرمى الأسود ضرع ناقة من الإبل فعقرها فغضب رئاب فضربه بالسيف فقتله وكان أشدهم أبو جندب فعرف خبر أخيه فغضب غضبا شديدا وأسف فاجتمعت رجال هذيل إليه يكلمونه وقالوا خذ عقل أخيك واستبق ابن عمك فلم يزالوا به حتى قال نعم اجمعوا العقل فجاؤوه به في مرة واحدة فلما أراحوه عليه صمت فطال صمته فقالوا

له أرحنا اقبضه منا فقال إني أريد أن أعتمر فاحبسوه حتى أرجع فإن هلكت فلأم ما أنتم هذه لغة هذيل يقولون أم بالكسر ولا يستعملون الضم - وإن عشت فسوف ترون أمري وولى ذاهبا نحو الحرم فدعا عليه رجال من هذيل وقالوا اللهم لا ترده فخرج فقدم مكة فواعد كل خليع وفاتك في الحرم أن يأتوه يوم كذا وكذا فيصيب بهم قومه فخرج صادرا حتى أخذته الذبحة في جانب الحرم فمات قبل أن يرجع فكان ذلك خبره

خبر أخيه زهير
قالوا وأما زهير بن مرة فخرج معتمرا قد جعل على جسده من لحاء الحرم حتى ورد ذات الأقير من نعمان فبينا هو يسقي إبلا له إذ ورد عليه قوم من ثمالة فقتلوه فله يقول أبو خراش وقد انبعث يغزو ثمالة ويغير عليهم حتى قتل منهم بأخيه أهل دارين أي حلتين من ثمالة
( خذوا ذلكم بالصُّلْحِ إني رأيتُكُم ... قتلتم زُهيرا وهو مهْدٍ ومُهْمِل )
مهد أي أهدى هديا للكعبة ومهمل قد أهمل إبله في مراعيها
( قتلتم فتى لا يفجُرُ الله عامداً ... ولا يجتويه جارُه عامَ يُمْحِلُ )
ولهم يقول أبو خراش
( إنّي امرؤٌ أَسْأَلُ كيما أَعلَما ... مَنْ شَرُّ رَهْطٍ يَشْهَدُونَ الموسِمَا )

( وجدتُهم ثُمالة بنَ أسلمَا ... )
وكان أبو خراش إذا لقيهم في حروبه أوقع بهم ويقول
( إليك أمَّ ذِبَّان ... ما ذاكِ من حلْبِ الضَّانْ )
( لكن مِصاع الفِتيانْ ... بكل لِيْنٍ حَرّان )

خبر أخيه عروة
قال وأما عروة بن مرة وخراش بن أبي خراش فأخذهما بطنان من ثمالة يقال لهما بنو رزام وبنو بلال وكانوا متجاورين فخرج عروة بن مرة وابن أبي خراش أخيه مغيرين عليهم طمعا في أن يظفروا من أموالهم بشيء فظفر بهما الثماليون فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما وأبت بنو بلال إلا قتلهما حتى كاد يكون بينهم شر فألقى رجل من القوم ثوبه على خراش حين شغل القوم بقتل عروة ثم قال له انج وانحرف القوم بعد قتلهم عروة إلى الرجل وكانوا أسلموه إليه فقالوا أين خراش فقال أفلت مني فذهب فسعى القوم في أثره فأعجزهم فقال أبو خراش في ذلك يرثي أخاه عروة ويذكر خلاص ابنه
( حمدتُ إِلَهي بعد عُروةَ إذ نجا ... خراشٌ وبعضُ الشرِّ أهونُ من بعضِ )
( فواللهِ لا أَنسَى قتيلاً رُزِيتَه ... بجانب قَوْسَى ما حييتُ على الأرضِ )
( بلى إنها تَعفو الكلومُ وإنما ... نُوكِّلُ بالأَدْنى وإن جلَّ ما يَمضِي )

( ولم أدر مَن أَلْقَى عليه رداءَهُ ... سوى أنه قد سُلَّ عن ماجِدٍ محضِ )
( ولم يك مثلوجَ الفؤاد مهبَّلاً ... أضاع الشبابَ في الرّبيلَةِ والخفض )
( ولكنهُ قد نازعته مَجَاوعٌ ... على أنه ذو مرة صادق النهض )
قال ثم إن أبا خراش وأخاه عروة استنفرا حيا من هذيل يقال لهم بنو زليفة بن صبيح ليغزوا ثمالة بهم طالبين بثأر أخيهما فلما دنوا من ثمالة أصاب عروة ورد حمى وكانت به حمى الربع فجعل عروة يقول
( أصبحتُ موروداً فقرّبُوني ... الى سواد الحيِّ يَدْفِنوني )
( إنّ زهيراً وسطَهم يَدعوني ... رَبَّ المخاض والِلِّقاحِ الجُون )
فلبثوا إلى أن سكنت الحمى ثم بيتوا ثمالة فوجدوهم خلوفا ليس فيهم رجال فقتلوا من وجدوا من الرجال وساقوا النساء والذراري والأموال وجاء الصائح إلى ثمالة عشاء فلحقوهم وانهزم أبو خراش وأصحابه وانقطعت بنو زليفة فنظر الأكنع الثمالي - وكان مقطوع الأصبع - إلى عروة فقال يا قوم ذلك والله عروة وأنا والله رام بنفسي عليه حتى يموت أحدنا وخرج يمعج نحو عروة فصلح عروة بأبي خراش أخيه أي

أبا خراش هذا والله الأكنع وهو قاتلي فقال أبو خراش أمضه وقعد له على طريقه ومر به الأكنع مصمما على عروة وهو لا يعلم بموضع أبي خراش فوثب عليه أبو خراش فضربه على حبل عاتقه حتى بلغت الضربة سحره وانهزمت ثمالة ونجا أبو خراش وعروة وقال أبو خراش يرثي أخاه ومن قتلته ثمالة وكنانة من أهله وكان الأصمعي يفضلها
( فَقَدْتُ بني لُبْنَى فلما فقدتُهم ... صبَرتُ فلم أقطعْ عليهم أَبَاجِلي )
الأبجل عرق في الرجل
( رماحٌ من الخطِّيِّ زُرْقٌ نِصالُها ... حِدادٌ أعاليها شِدادُ الأسافلِ )
( فلَهفِي على عمرِو بن مُرَّة لهفةً ... ولهْفِي على ميْتٍ بقَوسَى المعاقل )
( حِسانُ الوجوه طيِّبٌ حُجُزَاتُهُم ... كريمٌ نَثاهم غيرُ لُفٍّ مَعازلِ )
( قتلتَ قتيلاً لا يُحَالِفُ غَدْرَةً ... ولا سُبَّةً لا زِلتَ أسفلَ سافل )
( وقد أَمِنُونِي واطمأنّتْ نفوسُهم ... ولم يعلموا كلّ الذي هو داخلي )
( فمن كان يرجو الصلْحَ مِنِّي فإنه ... كأحمرِ عاد أو كُلَيْبِ بنِ وائلِ )
( أُصيبتْ هُذيلٌ بابن لُبْنَى وجُدّعت ... أُنوفُهُمُ باللَّوْذعيِّ الحُلاَحِل )

( رأيتُ بني العَلاَّتِ لما تضافروا ... يَحوزون سَهْمي دونَهمْ بالشَّمائل )

أخبار سائر إخوته
قالوا وأما أبو الأسود فقتلته فهم بياتا تحت الليل وأما الأبح فكان شاعرا فأمسى بدار بعرعر من ضيم فذكر لسارية بن زنيم العبدي أحد بني عبد بن عدي ابن الديل فخرج بقوم من عشيرته يريده ومن معه فوجدوهم قد ظعنوا وكان بين بني عبد بن عدي بن الديل وبينهم حرب فقال الأبح في ذلك
( لعمرُكَ سارِيَ بْنَ أبي زُنَيْمٍ ... لأَنْتَ بعَرْعَرَ الثأرُ المنيمُ )
( تركتَ بني معاويةَ بنِ صخرٍ ... وأنت بمربَعٍ وهُمُ بضِيمِ )
( تُساقيهمْ على رَصَفٍ وظُرٍّ ... كدابغةٍ وقد حَلِم الأَديمُ )
رصف وظر ماءان ومربع وضيم موضعان
( فلم نتركُهُم قصداً ولكنْ ... فرِقْتَ من المصالِت كالنّجوم )
( رأيتَهُم فوارسَ غيرَ عُزْلٍ ... إذا شَرِقَ المُقاتِلُ بالكُلومِ )
فأجابه سارية قال

( لعلِك يا أَبَحُّ حسِبْتَ أنّي ... قتلتُ الأسودَ الحسَن الكريمَا )
( أخذتُمْ عقِلَة وتركتُمُوه ... يسوق الظُّمْيَ وسْطَ بني تميمَا )
عيرهم بأخذ دية الأسود بن مرة أخيهم وأنهم لم يدركوا بثأره وبنو تميم من هذيل
قالوا وأما جنادة وسفيان فماتا وقتل عمرو ولم يسم قاتله قالوا وأمهم جميعا لبنى إلا سفيان بن مرة فإن أمه أم عمرو القردية وكان أيسر القوم وأكثرهم مالا
وقال أبو عمرو وغزا أبو خراش فهما فأصاب منهم عجوزا وأتى بها منزل قومه فدفعها إلى شيخ منهم وقال احتفظ بها حتى آتيك وانطلق لحاجته فأدخلته بيتا صغيرا وأغلقت عليه وانطلقت فجاء أبو خراش وقد ذهبت فقال
( سَدَّتْ عليه دَوْلَجاً ثم يَمَّمَتْ ... بنيِ فالجٍ بالليث أهلَ الخزائم )
الدولج بيت صغير يكون للبهم والليث ماء لهم والخزائم البقر واحدتها خزومة
( وقالت له دَنِّخْ مكانَكَ إنني ... سألقاك إن وافيتَ أهلَ المواسم )
يقال دنخ الرجل ودمخ إذا أكب على وجهه ويديه
وقال أبو عمرو دخلت أميمة امرأة عروة بن مرة على أبي خراش وهو يلاعب ابنه فقالت له يا أبا خراش تناسيت عروة وتركت الطلب بثأره ولهوت مع ابنك أما والله لو كنت المقتول ما غفل عنك ولطلب قاتلك حتى يقتله فبكى أبو خراش وأنشأ يقول

( لعمري لقد راعتْ أُميمةَ طلعَتِي ... وإنّ ثَوائي عندها لقليلُ )
( وقالت أُراه بعد عُرْوة لاهِياً ... وذلك رُزْءٌ لو علمْت جليلُ )
( فلا تحسبي أني تناسيْتُ فقْدَهُ ... ولكنَّ صبري يا أُمَيْمَ جميلُ )
( ألم تعلمِي أنْ قدْ تفرّق قبلَنَا ... نديما صفاءٍ مالكٌ وعَقِيلُ )
( أبى الصبرَ أنّى لا يزال يَهِيجُنِي ... مبيتٌ لنا فيما خلا ومَقيلُ )
( وأني إذا ما الصُّبحُ آنَسْتُ ضوءَه ... يعاودني قُطْعٌ عليّ ثقيلُ )
قال أبو عمرو فأما أبو جندب أخو أبي خراش فإنه كان جاور بني نفاثة ابن عدي بن الديل حينا من الدهر ثم أنهم هموا بأن يغدروا به وكانت له إبل كثيرة فيها أخوه جنادة فراح عليه أخوه جنادة ذات ليلة وإذا به كلوم فقال له أبو جندب مالك فقال ضربني رجل من جيرانك فأقبل أبو جندب حتى أتى جيرانه من بني نفاثة فقال لهم يا قوم ما هذا الجوار لقد كنت أرجو من جواركم خيرا من هذا أيتجاور أهل الأعراض بمثل هذا
فقالوا أو لم يكن بنو لحيان يقتلوننا فوالله ما قرت دماؤنا وما زالت تغلي والله إنك للثأر المنيم فقال أما إنه لم يصب أخي إلا خير ولكنما هذه معاتبة لكم وفطن للذي يريد القوم من الغدر به وكان بأسفل دفاق فأصبحوا ظاعنين وتواعدوا ماء ظر فنفذ الرجال إلى الماء وأخروا

النساء لأن يتبعنهم إذا نزلوا واتخذوا لحياض الإبل فأمر أبو جندب أخاه جنادة وقال له اسرح مع نعم القوم
نعم توقف وتأخر حتى تمر عليك النعم كلها وأنت في آخرها سارح بإبلك واتركها متفرقة في المرعى فإذا غابوا عنك فاجمع إبلك واطردها نحو أرضنا وموعدك نجد ألوذثنية في طريق بلاده وقال لامرأته أم زنباع وهي من بني كلب بن عوف اظعني وتمكثي حتى تخرج آخر ظعينة من النساء
ثم توجهي فموعدك ثنية يدعان من جانب النخلة وأخذ أبو جندب دلوه وورد مع الرجال فاتخذ لقوم الحياض واتخذ أبو جندب حوضا فملأه ماء ثم قعد عنده فمرت به إبل ثم إبل فكلما وردت إبل سأل عن إبله فيقولون قد بلغت تركناها بالضجن
ثم قدمت النساء كلما قدمت ظعينة سألها عن أهله فيقولون بلغتك تركناها تظعن حتى إذا ورد آخر النعم وآخر الظعن قال والله لقد حبس أهلي حابس أبصر يا فلان حتى أستأنس أهلي وإبلي وطرح دلوه على الحوض ثم ولى حتى أدرك القوم بحيث وعدهم فقال أبو جندب في ذلك
( أَقول لأُمِّ زِنْباعٍ أَقِيمي ... صُدورَ العِيسِ شطرَ بني تميم )
( وغَرَّبْتُ الدّعَاءَ وأَيْنَ منِّي ... أُناسٌ بين مرَّ وذي يَدومِ )
غربت الدعاء دعوت من بعيد
( وَحَيٍّ بالمناقب قد حمَوْها ... لدى قُرَّانَ حتى بطنِ ضِيمِ )

( وأحياءٍ لدى سعْدِ بن بكر ... بأَملاحٍ فظاهرةِ الأديم )
( أُولئِكَ معشري وهُمُ أرومي ... وبعض القوم ليس بذي أَرومِ )
( هنالِكَ لو دَعَوْتَ أَتَاكَ منهم ... رجالٌ مثل أَرمِيةِ الحميمِ )
الأرمية السحاب الشديد الوقع واحدها رمي والحميم مطر القيظ
( أَقلَّ الله خَيْرَهُم أَلمَّا ... يَدَعْهُم بعضُ شرّهُم القديم )
( أَلمَّا يَسلم الجيرانُ منهم ... وقد سال الفِجاج من الغميم )
( غداةَ كأَنَّ جنَّادَ بن لُبنى ... به نضخُ العبيرِ من الكُلومِ )
( دعا حَوْلي نفاثةُ ثم قالوا ... لعلك لسْتَ بالثّأْر المنيمِ )
المنيم الذي إذا أدرك استراح أهله وناموا
( نعوْا مَنْ قَتَّلَتْ لِحَيانُ منهم ... ومن يغترُّ بالْحربِ القرومِ )
قالوا جميعا وكان أبو جندب ذا شر وبأس وكان قومه يسمونه المشؤوم فاشتكى شكوى شديدة وكان له جار من خزاعة يقال له حاطم فوقعت به بنو لحيان فقتلوه قبل أن يستبل أبو جندب من مرضه واستاقوا أمواله وقتلوا امرأته وقد كان أبو جندب كلم قومه فجمعوا لجاره غنما فلما أفاق أبو جندب من مرضه خرج من أهله حتى قدم مكة ثم جاء يمشي

حتى استلم الركن وقد شق ثوبه عن استه فعرف الناس أنه يريد شرا فجعل يصيح ويقول
( إنّي امرؤ أبكي على جارَيَّهْ ... أبكي على الكعبيِّ والكعبيَّهْ )
( ولو هَلكْتُ بَكَيا عليَّهْ ... كَانا مكَان الثوب من حَقْويَّه )
فلما فرغ من طوافه وقضى حاجته من مكة خرج في الخلعاء من بكر وخزاعة فاستجاشهم على بني لحيان فقتل منهم قتلى وسبى من نسائهم وذراريهم سبايا وقال في ذلك
( لقد أمسى بنو لِحْيان منّي ... بحمد الله في خِزْيٍ مُبين )
( تركتهمُ على الرّكَباتِ صُعْراً ... يُشِيبُون الذَّوائب بالأنِين )

يشكو إلى عمر شوقه إلى ابنه
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثني عمي قال
هاجر خراش بن أبي خراش الهذلي في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغزا مع المسلمين فأوغل في أرض العدو فقدم أبو خراش المدينة فجلس بين يدي عمر وشكا إليه شوقه إلى ابنه وأنه رجل قد انقرض أهله وقتل إخوته ولم يبق له ناصر ولا معين غير ابنه خراش وقد غزا وتركه وأنشأ يقول

( ألا مَن مُبلغٌ عني خِراشاً ... وقد يأْتيك بالنّبأ البعيدُ )
( وقد يأتيكَ بالأخبار مَنْ لا ... تُجَهِّزُ بالحِذاء ولا تُزِيدُ )
- تزيد وتزود واحد من الزاد -
( يُناديه ليَغْبِقَه كَلِيبٌ ... ولا يأْتِي لقد سَفُه الوليدُ )
( فردَّ إناءَه لا شيءَ فيه ... كأنَّ دموعَ عينيه الفَريدُ )
( وأصبحَ دون عابقِه وأمسى ... جبالٌ من حِرارِ الشام سُودُ )
( ألا فاعلم خِراشُ بأنّ خيرَ المهاجر ... بعد هجرته زهيدُ )
( رأيتكَ وابتغاءَ البِرِّ دوني ... كمحصورِ اللَّبان ولا يصيدُ )
قال فكتب عمر رضي الله عنه بأن يقبل خراش إلى أبيه وألا يغزو من كان له أب شيخ إلا بعد أن يأذن له
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي وأخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ قال أبو عبيدة
وأخبرني أيضا هاشم قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي

عن عمه وذكره أبو سعيد السكري في رواية الأخفش عنه عن أصحابه قالوا جميعا
أسلم أبو خراش فحسن إسلامه ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجاجا فنزلوا بأبي خراش والماء منهم غير بعيد فقال يا بني عمي ما أمسى عندنا ماء ولكن هذه شاة وبرمة وقربة فردوا الماء وكلوا شاتكم ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء حتى نأخذها قالوا والله ما نحن بسائرين في ليلتنا هذه وما نحن ببارحين حيث أمسينا فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى ثم أقبل صادرا فنهشته حية قبل أن يصل إليهم فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء وقال اطبخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم بما أصابه فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا وأصبح أبو خراش في الموت فلم يبرحوا حتى دفنوه وقال وهو يعالج الموت
( لعمرُكَ والمنايا غالباتٌ ... على الإنسان تطلُع كلَّ نجدِ )
( لقد أهلكْتِ حيّةَ بطنِ أنفٍ ... على الأصحابِ ساقاً ذاتَ فقد )
وقال أيضا
( لقد أهلكتِ حيةَ بطن أنفٍ ... على الأصحاب ساقاً ذاتَ فضلِ )
( فما تركتْ عدوًّا بين بُصْرَى ... إلى صنعاءَ يطلبُهُ بذَحْل )

قال بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبره فغضب غضبا شديدا وقال لولا أن تكون سبة لأمرت ألا يضاف يمان أبدا ولكتبت بذلك إلى الآفاق إن الرجل ليضيف أحدهم فيبذل مجهوده فيسخطه ولا يقبله منه ويطالبه بما لا يقدر عليه كأنه يطالبه بدين أو يتعنته ليفضحه فهو يكلفه التكاليف حتى أهلك ذلك من فعلهم رجلا مسلما وقتله ثم كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش فيغرمهم ديته ويؤدبهم بعد ذلك بعقوبة تمسهم جزاء لأعمالهم

صوت
( تهيمُ بها لا الدهرُ فانٍ ولا المنى ... سواها ولا يُنسيك نَأْيٌ ولا شُغلُ )
( كبيضةِ أُدحيٍّ بِميثِ خميلةٍ ... يحفِّفها جَوْنٌ بجؤجؤه صَعْلُ )
الشعر لعبد الرحمن بن مسافع بن دارة والغناء لابن محرز ثقيل أول بالوسطى عن ابن المكي

أخبار ابن دارة ونسبه
هو عبد الرحمن بن مسافع بن دارة وقيل بل هو عبد الرحمن بن ربعي بن مسافع بن دارة وأخوه مسافع بن دارة وكلاهما شاعر وفي شعريهما جميعا غناء يذكر هاهنا وأخوهما سالم بن مسافع بن دارة شاعر أيضا وفي بعض شعره غناء يذكر بعد أخبار هذين فأما سالم فمخضرم قد أدرك الجاهلية والإسلام وأما هذان فمن شعراء الإسلام ودارة لقب غلب على جدهم ومسافع أبوهم وهو ابن شريح بن يربوع الملقب بدارة بن كعب بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر وهذا الشعر يقوله عبد الرحمن في حبس السمهري العكلي اللص وقتله وكان نديما له وأخا
هجا بني أسد وحرض عكلا عليهم
أخبرني بخبره هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال
لما أخذ السمهري العكلي وحبس وقتل - وكانت بنو أسد أخذته وبعثت به إلى السلطان وكان نديما لعبد الرحمن بن مسافع بن دارة فقتل بعد طول حبس - فقال عبد الرحمن بن مسافع يهجو بني أسد ويحرض عليهم عكلا

صوت
( إن يُمْسِ بالعينين سُقْمٌ فقد أتى ... لعينيكَ من طول البكاء على جُمْلِ )
( تهيمُ بها لا الدهرُ فانٍ ولا المنى ... سواها ولا تُسلى بنَأْيٌ ولا شُغلِ )
( كبيضةِ أُدحيٍّ بِمْيثِ خميلةٍ ... يُحَفِّفها جَوْنٌ بجؤجؤه الصَّعْلِ )
( وما الشمسُ تبدو يومَ غيم فأَشرقَتْ ... على الشّامة العنقاء فالنَّير فالذبل )
( بدا حَاجبٌ منهَا وضنَّتْ بحَاجبٍ ... بأَحسن منها يوم زالت على الحمْلِ )
( يقولون إزْلٌ حُبُّ جُمْلٍ وقُرْبُها ... وقد كذبوا ما في المودة من إزلِ )
( إذا شحَطتْ عنّي وجدتُ حرارةٍ ... على كبِدي كادت بها كَمداً تغلي )
( ولم أَرَ محزونَين أجملَ لوعةً ... على نائباتِ الدهرِ مِنِّي ومن جُمل )
( كلانا يذود النفسَ وهْي حزينةٌ ... ويُضمِرُ وجداً كَالنوافذ بالنبل )
( وإنِّي لمُبلِي اليأْسِ من حُبّ غيرها ... فأَمَّا على جُمْلٍ فإِنِّي لا أُبلي )
( وإنَّ شفاء النفس لو تُسْعِفُ المنى ... ذواتُ الثنايا الغُرّ والحدَقِ النُّجلِ )
( أُولئِك إن يَمْنَعْنَ فالمنعُ شِيمةٌ ... لهنَّ وإنْ يُعْطِينَ يُحْمَدْن بالبذلِ )
( سأُمْسِك بالوصل الذي كان بيننا ... وهل تركَ الواشون والنأْيُ من وصل )

( أَلا سَقِّيَانِي قهوةً فارسيّةً ... من الأوَّل المختوم ليست من الفضل )
( تُنسّي ذوي الأحلامِ واللبِّ حلمَهم ... إذا أَزبدت في دَنِّهَا زَبدَ الفحل )
( ويا راكباً إمَّا عرضت فبلِّغَنْ ... عَلَى نأْيهم مني القبائلَ من عُكل )
( بأنَّ الذي أمست تجمجم فقعَسٌ ... إسارٌ بلا أَسْرٍ وقتلٌ بلا قتلِ )
( وكيف تنام الليلَ عُكلٌ ولم تنَل ... رِضَى قَوَدٍ بالسمْهريّ ولا عقل )
( فلا صلحَ حتى تَنْحِط الخيلُ في القنا ... وتوقدَ نارُ الحرب بالحطب الجزل )
( وَجُرْدٍ تَعادَى بالكماة كأنها ... تُلاحِظ من غيظٍ بأَعينها القُبْل )
( عليها رجال جالدوا يوم مَنْعِجٍ ... ذوي التاج ضرَّابو الملوكِ على الوَهل )
( بضربٍ يُزيل الهامَ عن مستقرِّه ... وطعنٍ كأَفواه المفرَّجة الهُدْل )
( علامَ تُمشّي فقعسٌ بدمائكم ... وما هي بالفَرع المُنيفِ ولا الأصل )
( وكنّا حسِبنا فقعساً قبل هذه ... أذلَّ على وقع الهوان من النَّعْل )
( فقد نظرتْ نحو السماءِ وسلّمَت ... على الناس واعتاضت بخِصْبٍ من المحل )
( رمى الله في أكبادكم أن نجت بها ... شِعابُ القِنان من ضعيفٍ ومن وَغْل )

( وإن أنتُم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا نِساءً للخَلوق وللكُحْلِ )
( وبيعوا الرّدينياتِ بالحَلْي واقْعُدوا ... على الذلّ وابتاعوا المغازل بالنّبل )
( ألا حبّذا من عندَهُ القلبُ في كَبْلٍ ... ومَنْ حُبّه داءٌ وخبْلٌ من الخبل )
( ومَن هو لا يُنسَى ومَنْ كلُّ قَولِه ... لدينا كطعم الراح أو كجَنَى النّحل )
( ومن إن نأَى لم يحدث النأْيُ بُغضَه ... ومن إن دنا في الدار أُرْصِدَ بالبَذْلِ )
وأما خبر السمهري ومقتله فإن علي بن سليمان الأخفش أخبرني به قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن أبي عمرو الشيباني قال

خبر مصرع السمهري
لقي السمهري بن بشر بن أقيش بن مالك بن الحارث بن أقيش العكلي ويكنى أبا الديل هو وبهدل ومروان بن قرفة الطائيان عون بن جعدة بن هبيرة ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ومعه خاله أحد بني حارثة بن لأم من طي بالثعلبية وهو يريد الحج من الكوفة أو يريد المدينة وزعم آخرون أنهم لقوه بين نخل والمدينة فقالوا له العراضة أي مر لنا بشيء فقال يا غلام جفن لهم فقالوا لا والله ما الطعام نريد فقال عرضهم فقالوا ولا ذلك نريد فارتاب بهم فأخذ السيف فشد عليهم وهو صائم وكان بهدل لا

يسقط له سهم فرمى عونا فأقصده فلما قتلوه ندموا فهربوا ولم يأخذوا إبله فتفرقت إبله ونجا خاله الطائي إما عرفوه فكفوا عن قتله وإما هرب ولم يعرف القتلة فوجد بعض إبله في يدي شافع بن واتر الأسدي
وبلغ عبد الملك بن مروان الخبر فكتب إلى الحجاج بن يوسف وهو عامله على العراق وإلى هشام بن إسماعيل وهو عامله على المدينة وإلى عامل اليمامة أن يطلبوا قتلة عون ويبالغوا في ذلك وأن يأخذوا السعاة به أشد أخذ ويجعلوا لمن دل عليهم جعله وانشام السمهري في بلاد غطفان ما شاء الله
ثم مر بنخل فقالت عجوز من بني فزارة أظن والله هذا العكلي الذي قتل عونا فوثبوا عليه فأخذوه ومر أيوب بن سلمة المخزومي بهم فقالت له بنو فزارة هذا العكلي قاتل عون ابن عمك فأخذه منهم فأتى به هشام ابن إسماعيل المخزومي عامل عبد الملك على المدينة فجحد وأبى أن يقر فرفعه إلى السجن فحبسه
وزعم آخرون أن بني عذرة أخذوه فلما عرفت إبل عون في يدي شافع ابن واتر اتهموه بقتله فأخذوه وقالوا أنت قرفتنا قتلت عونا وحبسوه بصل ماء لبني أسد وجحد وقد كان عرف من قتله إما أن يكون كان معهم فورى عنهم وبرأ نفسه وإما أن يكون أودعوها إياه أو باعوها منه فقال شافع
( فإن سرَّكم أن تعلموا أين ثأْرُكُم ... فسلمَى معانٌ وابن قرفة ظالمُ )

( وفي السجن عُكْلِيٌّ شَريك لبهدل ... فولّوا ذُبابَ السّيف من هْو حازم )
( فوالله ما كنا جُناةً ولا بنا ... تأوّب عونا حتفُه وهو صائم )
فعرفوا من قتله فألحوا على بهدل في الطلب وضيقوا على السمهري في القيود والسجن وجحد فلما كان ذلك من إلحاحهم على السمهري أيقنت نفسه أنه غير ناج فجعل يلتمس الخروج من السجن فلما كان يوم الجمعة والإمام يخطب وقد شغل الناس بالصلاة فك إحدى حلقتي قيده ورمى بنفسه من فوق السجن والناس في صلاتهم فقصد نحو الحرة فولج غارا من الحرة وانصرف الإمام من الصلاة فخاف أهل المدينة عامتهم أتباعه وغلقوا أبوابهم وقال لهم الأمير اتبعوه فقالوا وكيف نتبعه وحدنا فقال لهم أنتم ألفا رجل فكيف تكونون وحدكم فقالوا أرسل معنا الأبليين وهم حرس وأعوان من أهل الأبلة فأعجزهم الطلب فلما أمسى كسر الحلقة الأخرى ثم همس ليلته طلقا فأصبح وقد قطع أرضا بعيدة فبينا هو يمضي إذ نعب غراب عن شماله فتطير فإذا الغراب على شجرة بان ينشنش ريشه ويلقيه فاعتاف شيئا في نفسه فمضى وفيها ما فيها فإذا هو قد لقي راعيا في وجهه ذلك فسأله من أنت قال رجل من لهب من أزد شنوءة أنتجع أهلي فقال له هل عندك شيء من زجر قومك فقال إني لآنس من ذلك شيئا أي لأبصر فقص عليه حاله غير أنه ورى

الذنب على غيره والعيافة وخبره عن الغراب والشجرة فقال اللهبي هذا الذي فعل ما فعل ورأى الغراب على البانة يطرح ريشه سيصلب فقال السمهري بفيك الحجر فقال اللهبي بل بفيك الحجر استخبرتني فأخبرتك ثم تغضب ثم مضى حتى اغترز في بلاد قضاعة وترك بلاد غطفان وذكر بعض الرواة أنه توقف يومه وليلته فيما يعمله وهل يعود من حيث جاء ثم سار حتى أتى أرض عذرة بن سعد يستجير القوم فجاء إلى القوم متنكرا ويستحلب الرعيان اللبن فيحلبون له ولقيه عبد الله الأحدب السعدي أحد بني مخزوم من بني عبد شمس وكان أشد منه وألص فجنى جناية فطلب فترك بلاد تميم ولحق ببلاد قضاعة وهو على نجيبة لا تساير فبينا السمهري يماشي راعيا لبني عذرة ويحدثهم عن خيار إبلهم ويسأله السمهري عن ذلك - وإنما يسأله عن أنجاهن ليركبها فيهرب بها لئلا يفارق الأحدب - أشار له إلى ناقة فقال السمهري هذه خير من التي تفضلها هذه لا تجارى فتحين الغفلة فلما غفل وثب عليها ثم صاح بها فخرجت تطير به وذلك في آخر الليل فلما أصبحوا فقدوها وفقدوه فطلبوه في الأثر وخرجا حتى إذا كان حجر عن يسارهما وهو واد في جبل أو شبه الثقب في استقبلتهما سعة هي أوسع من الطريق فظنا أن الطريق فيها فسارا مليا فيها ولا نجم يأتمان به فلما عرفا أنهما حائدان والتفت عليهما الجبال أمامهما وجد الطلب إثر بعيريهما ورأوه وقد سلك الثقب في غير طريق عرفوا أنه سيرجع فقعدوا له بفم الثقب ثم كرا راجعين وجاءت الناقة وعلى رأسها مثل الكوكب من لغامها فلما أبصر القوم هم أن يعقر ناقتهم فقال له الأحدب ما هذا جزاؤها فنزل ونزل الأحدب فقاتلهما القوم حتى كادوا

يغشون السمهري فهتف بالأحدب فطرد عنه القوم حتى توقلا في الجبل وفي ذلك يقول السمهري يعتذر من ضلاله

متفرقات من شعر السمهري
( وما كنتُ - مِحْيَاراً ولا فزِعَ السُّرَى ... ولكن حِذَا حجْرٍ بغيرِ دليل )
وقال الأحدب في ذلك
( لمّا دعاني السمهريُّ أجبتُه ... بأبيضَ من ماء الحديد صقيلِ )
( وما كنتُ ما اشتدّتْ على السيفِ قبضتي ... لأُسْلِمَ من حُبِّ الحياة زميلي )
وقال السمهري أيضا
( نجوتُ ونفسي عند ليلى رهينة ... وقد غَمّني داجٍ من الليل دامسُ )
( وغامسْتُ عن نفسي بأخْلَقَ مِقصلٍ ... ولا خيرَ في نفس امرىءٍ لا تُغَامِس )
( ولو أَنّ لَيلَى أَبصرتنِيَ غدوةً ... ومَطْوَايَ والصفَّ الذين أُمارِس )
( إذاً لبكت ليلَى عليّ وأَعولت ... وما نالت الثوبَ الذي أَنا لابسُ )
فرجع إلى صحراء منعج وهي إلى جنب أضاخ والحلة قريب منها وفيها منازل عكل فكان يتردد ولا يقرب الحلة وقد كان أكثر الجعل فيه فمر بابني فائد بن حبيب من بني أسد ثم من بني فقعس فقال أجيرا متنكرا فحلبا له فشرب ومضى لا يعرفانه وذهبا ثم لبث السمهري ساعة وكر راجعا فتحدث إلى أخت ابني فائد فوجداه منبطحا على بطنه يحدثها

فنظر أحدهما إلى ساقه مكدحة وإذا كدوح طرية فأخبر أخاه بذلك فنظر فرأى ما أخبره أخوه فارتابا به فقال أحدهما هذا والله السمهري الذي جعل فيه ما جعل فاتفقا على مضابرته فوثبا عليه فقعد أحدهما على ظهره وأخذ الآخر برجليه فوثب السمهري فألقى الذي على ظهره وقال أتلعبان وقد ضبط رأس الذي كان على ظهره تحت إبطه وعالجه الآخر فجعل رأسه تحت إبطه أيضا وجعلا يعالجانه فناديا أختهما أن تعينهما فقالت ألي الشرك في جعلكما قالا نعم فجاءت بجرير فجعلته في عنقه بأنشوطة ثم جذبته وهو مشغول بالرجلين يمنعهما فلما استحكمت العقدة وراحت من علابيه خلى عنهما وشد أحدهما فجاء بصرار فألقاه في رجله وهو يداور الآخر والأخرى تخنقه فخر لوجهه فربطاه ثم انطلقا به إلى عثمان بن حيان المري وهو في إمارته على المدينة فأخذا ما جعل لأخذه فكتب فيه إلى الخليفة فكتب أن ادفعه إلى ابن أخي عون عدي فدفع إليه فقال السمهري أتقتلني وأنت لا تدري أقاتل عمك أنا أم لا ادن أخبرك فأراد الدنو منه فنودي إياك والكلب وإنما أراد أن يقطع أنفه فقتله بعمه ولما حبسه ابن حيان في السجن تذكر زجر اللهبي وصدقه فقال
( ألا أيّها البيتُ الذي أنا هاجِرُه ... فلا البيتُ منسيٌّ ولا أنا زائِرُهْ )
( ألا طرقت ليلَى وساقي رهينةٌ ... بأشهبَ مشدودٍ عليّ مَسامرُه )
( فإن أنجُ يا ليلى فربّ فتىً نجا ... وإن تَكُنِ الأخرى فشيءٌ أحاذره )

( وما أصْدَق الطيْر التي بَرِحت لنا ... وما أعيفَ اللَّهْبِيَّ لا عزَّ ناصرُه )
( رأيتُ غُراباً ساقطاً فوق بانة ... ينشنشُ أعلى ريشه ويُطايِره )
( فقال غرابٌ باغترابٍ من النوى ... وبانٌ بِبَيْنٍ من حبيبٍ تُحاذره )
( فكان اغترابٌ بالغُراب ونِيةٌ ... وبالبان بَيْنٌ بَيِّنٌ لك طائِرُه )
وقال السمهري في الحبس يحرض أخاه مالكا على ابني فائد
( فمن مُبلغٌ عنّي خلِيلَي مالكاً ... رسالة مشدود الوَثَاقِ غريبِ )
( ومن مبلغٌ حَزْماً وتَيْماً ومالكاً ... وأربابَ حامِي الحفر رهطِ شبيبِ )
( ليُبْكوا التي قالت بصحراء مَنْعِج ... لِيَ الشِّركُ يا بني فائدِ بن حبيب )
( أَتضرب في لحمي بسهم ولم يكن ... لها في سهام المسلمين نَصِيبُ )
وقال السمهري يرقق بني أسد
( تمنّتْ سُليمَى أن أَقِيلَ بأرضها ... وأَنّى لسَلْمَى ويْبَهَا ما تَمَنَّتِ )
( ألا ليتَ شعري هل أزورَنَّ ساجِراً ... وقد رَوِيَتْ ماءَ الغوادي وعلّت )
( بني أسد هل فيكمُ من هَوادةٍ ... فَتَغْفرَ إن كانتْ بي النعل زَلَّتِ )
وبنو تميم تزعم أن البيت لمرة بن محكان السعدي

وقال السمهري في الحبس يذم قومه
( لقد جمع الحدّادُ بين عِصابة ... تسائل في الأقياد ماذا ذُنوبُها )
( بمنزلة أمّا اللئيمُ فشَامِتٌ ... بها وكِرامُ القوم بادٍ شحوبُها )
( إذا حَرَسِيٌّ قَعقعَ البابَ أُرْعِدَتْ ... فرائصُ أقوامٍ وطارت قلوبُها )
( ألا ليتني من غير عُكْلٍ قبيلتي ... ولم أدرِ ما شُبَّانُ عُكلٍ وشِيبُها )
( قبيلة مَنْ لا يقرع البابَ وفدُها ... لخير ولا يَهْدي الصوابَ خطيبُها )
( نرى الباب لا نَسطيع شيئا وراءه ... كأَنّا قُنِيٌّ أسلَمْتها كُعوبُها )
( وإن تكُ عُكلٌ سرَّها ما أصابني ... فقد كنتُ مصبوباً على ما يَرِيبها )
وقال السمهري أيضا في الحبس
( ألا حيِّ ليلَى إذ ألَمَّ لِمامُها ... وكان مع القوم الأعادِي كلامُها )
( تعلَّلْ بليلَى إنما أنتَ هامَةٌ ... من الغد يدنو كلَّ يوم حِمامُها )
( وبادِرْ بليلَى أوجهَ الركب إنهم ... متى يرجعوا يَحْرُمْ عليك كلامها )
( وكيف ترجِّيها وقد حِيلَ دونها ... وأَقسم أَقوامٌ مَخوفٌ قِسَامُها )
( لأَجْتَنِبْنهَا أو لَيَبْتَدِرُنَّنِي ... ببيضٍ عليها الأَثْرُ فَعْمٌ كِلامُها )
( لقد طرقتْ ليلَى ورِجْلِي رهينةٌ ... فما راعني في السجن إلا لِمامها )
( فلمّا انتهبتُ للخيال الذي سرى ... إذا الأرضُ قَفْرٌ قد علاها قَتامُها )

( فإلاَّ تكن ليلَى طَوتْك فإَنه ... شبيهٌ بليلى حُسنُها وقوامُها )
( ألا ليتنَا نَحْيا جميعاً بغِبْطَةٍ ... وتَبلى عظامِي حين تبلى عِظامُها )
وقال أيضا
( ألا طرقتْ ليلَى وساقِي رَهينةٌ ... بأسمَر مشدودٍ عليّ ثقيلُ )
( فما البينُ يا سلْمى بأن تَشْحَطَ النّوى ... ولكنّ بيناً ما يُريد عقيلُ )
( فإن أنجُ منها أَنْجُ من ذي عظيمةٍ ... وإن تكن الأخرى فتلك سبيلُ )
وقال أيضا وهو طريد
( فلا تيأسَا من رحمةِ الله وانظُرا ... بوادي جَبُونَا أن تَهُبَّ شَمال )
( ولا تيأسا أن تُرْزَقا أريحِيّةً ... كعِينِ المها أعناقُهنّ طِوال )
( من الحارثِيِّينَ الذين دِماؤهم ... حَرامٌ وأما مالُهُم فحلال )
وقال أيضا
( ألم ترَ أنِّي وابنَ أبيضَ قد جفت ... بنا الأرضُ إلا أَنْ نَؤمَّ الفَيافيا )
( طَريديْن من حيَّيْنِ شتى أَشَدَّنا ... مخافَتُنا حتى نخلْنا التّصافيا )
( وما لُمْتُه في أمرِ حَزمٍ ونجدةٍ ... ولا لامني في مِرَّتِي واحتياليا )

( وقلتُ له إذْ حلّ يسقي ويَسْتَقي ... وقد كَان ضوءُ الصبح لِلَّيْلِ حاديا )
( لعمري لقد لاقت ركابُك مشْرَباً ... لئنْ هِيَ لم تَضْبَحْ عليهنَّ عاليا )
وأخذت طيء ببهدل ومروان أخيه أشد الأخذ وحبسوا فقالوا إن حبسنا لم نقدر عليهما ونحن محبوسون ولكن خلوا عنا حتى نتجسس عنهما فنأتيكم بهما وكانا تأبدا مع الوحش يرميان الصيد فهو رزقهما ولما طال ذلك على مروان هبط إلى راع فتحدث إليه فسقاه وبسطه حتى اطمأن إليه ولم يشعره أنه يعرفه فجعل يأتيه بين الأيام فلا ينكره فانطلق الراعي فأخبره باختلافه إليه فجاء معه الطلب وأكمنهم حتى إذا جاء مروان إلى الراعي كما كان يفعل سقاه وحدثه فلم يشعر حتى أطافوا به فأخذوه وأتوا به عثمان بن حيان أيضا عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة فأعطى الذي دل عليه جعله وقتله

نهاية بهدل
وأما بهدل فكان يأوي إلى هضبة سلمى فبلغ ذلك سيدا من سلمى من طيء فقال قد أخيفت طيء وشردت من السهل من أجل هذا الفاسق الهارب فجاء حتى حل بأهله أسفل تلك الهضبة ومعه أهلات من قومه فقال لهم إنكم بعيني الخبيث فإذا كان النهار فليخرج الرجال من البيوت وليخلوا النساء فإنه إذا رأى ذلك انحدر إلى القباب وطلب الحاجة والعل فكانوا يخلون الرجال نهارا فإذا أظلموا ثابوا إلى رحالهم أياما فظن بهدل أنهم يفعلون ذلك لشغل يأتيهم فانحدر إلى قبة السيد وقد أمر النساء إن

انحدر إليكن رجل فإنه ابن عمكن فأطعمنه وادهن رأسه
وفي قبة السيد ابنتان له فسألهما من أنتما فأخبرتاه وأطعمتاه ثم انصرف فلما راح أبوهما أخبرتاه فقال أحسنتما إلى ابن عمكما فجعل ينحدر إليهما حتى اطمأن وغسلتا رأسه وفلتاه ودهنتاه فقال الشيخ لابنتيه أفلياه ولا تدهناه إذا أتاكما هذه المرة واعقدا خصل لمته إذا نعس رويدا بخمل القطيفة
ثم إذا شددنا عليه فاقلبا القطيفة على وجهه وخذا أنتما بشعره من ورائه فمدا به إليكما ففعلتا واجتمع له أصحابه فكروا إلى رحالهم قبل الوقت الذي كانوا يأتونها وشدوا عليه فربطوه فدفعوه إلى عثمان بن حيان فقتله فقالت بنت بهدل ترثيه
( فيَا ضَيْعةَ الفِتيانِ إذ يَعتِلونه ... ببطن الشّرى مثل الفنيق المسدّم )
( دعَا دعوة لما أَتى أرضَ مالك ... ومن لا يُجَبْ عند الحفيظة يُسلِم )
( أما كان في قيسٍ من ابن حفيظة ... من القوم طَلاَّبِ التِّرَات غَشمْشم )
( فيقتُل جَبراً بامرىءٍ لم يكن به ... بواءً ولكِنْ لا تكَايُلَ بالدم )
وكان دعا يا لمالك لينتزعوه فلم يجبه أحد

تساجل هو والكميت بن معروف
قال ولما قال عبد الرحمن بن دارة ابن عم سالم بن دارة هذه القصيدة

يحض عكلا على بني فقعس اعترض الكميت بن معروف الفقعسي فعيره بقتل سالم حين قتله زميل الفزاري فقال قوله
( فلا تُكثِروا فيه الضَّجاج فإَنه ... محا السيفُ ما قال ابنُ دارة أجمعا )
فقال عبد الرحمن بن دارة
( فيا راكباً إمّا عرضْتَ فبلّغَنْ ... مُغَلْغَلَةً عنّي القَبائلَ من عُكلِ )
( جلت حمماً عنها القِصَافُ وما جلتْ ... قُشَيْرٌ وفي الشّدَّاتِ والحرب ما يُجلي )
( فإِن يك باع الفَقعسِيُّ دِماءهَم ... بوَكسٍ فقد كانت دماؤكم تَغلِي )
( وكيف تنام الليلَ عُكلٌ ولم يكن ... لها قَوَدٌ بالسّمْهريّ ولا عَقْلُ )
( رمى اللهُ في أَكبَادِهم إِن نجتْ بها ... حروفُ القِنَانِ من ذليلٍ ومن وغلِ )
( وكنا حسِبْنَا فَقْعساً قبل هذه ... أذلّ على طول الهوان من النَّعل )
( فإن أنتمُ لم تثأَروا بأَخيكمُ ... فكونوا بَغايا للخَلُوق وللكُحل )
( وبيعوا الردينيّاتِ بالحلْيِ واقعدوا ... على الوِتْر وابتاعوا المغازلَ بالنَّبل )
( فإنّ الذي كانت تُجمجمُ فقْعَسٌ ... قتيلٌ بلا قَتْلَى وَتَبْلٌ بلا تَبْلِ )
( فلا سِلْمَ حتى تنحَطَ الخيلُ بالقنا ... وتُوقَدَ نارُ الحَرْب بالحَطَب الجَزْلِ )
فلما بلغ قوله مالكا أخا السمهري بخراسان انحط من خراسان حتى قدم بلاد عكل فاستجاش نفرا من قومه فعلقوا في أرض بني أسد يطلبون الغرة فوجدوا بثادق رجلا معه امرأة من فقعس فقتلوه وحزوا رأسه

وذهبوا بالرأس وتركوا جسده كما قتلوها أيضا وذكر لي أن الرجل ابن سعدة والمرأة التي كانت معه هي سعدة أمه فقال عبد الرحمن في ذلك
( مَا لقتيلِ فَقْعَسٍ لا رَأْسَ له ... هلاَّ سأَلْتَ فقْعساً من جَدّلَهْ )
( لا يتْبعنَّ فَقْعَسِيٌّ جملَهْ ... فرداً إذا ما الفقعسِيُّ أعملَه )
( لا يلقَيَنَّ قاتلاً فيقتلَه ... بسيفه قد سَمَّهُ وصقَلَهْ )
وقال عبد الرحمن أيضا
( لمَّا تمَالَى القومُ في رَأْدِ الضُّحَى ... نَظراً وقد لَمَعَ السّرابُ فجالا )
( نظر ابنُ سعْدةَ نظرةً ويَلاً لها ... كانت لصحبك والمطيِّ خَبالا )
( لَمْحاً رَأَى من فوقِ طودٍ يافعٍ ... بعضَ العُداة وجُنّة وظِلالا )
( عيَّرتَنِي طَلبَ الحُمُول وقد أَرَى ... لم آتهنَّ مكفِّفا بطَّالا )
( فانظر لنفسِكَ يابن سَعْدَةَ هل ترى ... ضبُعاً تجرُّ بثادِقٍ أَوْصالا )
( أوصالَ سَعْدَةَ والكميتِ وإنما ... كان الكُميتُ على الكُميت عِيالا )
وقال عبد الرحمن في ذلك

( أصبحتُمُ ثَكْلَى لِئاماً وأصبحتْ ... شياطينُ عُكْلٍ قد عَراهُنَّ فقْعَسُ )
( قَضَى مالكٌ ما قد قَضَى ثم قلّصت ... به في سواد الليل وجناءُ عِرْمُس )
( فأضحتْ بأَعلى ثادقٍ وكأنها ... مَحَالَةُ غَرْبٍ تستَمِرُّ وتمْرُس )

مقتله
وحدثني علي بن سليمان الأخفش أن بني أسد ظفرت بعبد الرحمن بن دارة بالجزيرة بعدما أكثر من سبهم وهجائهم وتآمروا في قتله فقال بعضهم لا تقتلوه ولتأخذوا عليه أن يمدحنا ونحسن إليه فيمحو بمدحه ما سلف من هجائه فعزموا على ذلك ثم إن رجلا منهم كان قد عضه بهجائه اغتفله فضربه بسيفه فقتله وقال في ذلك
( قُتِلَ ابنُ دارةَ بالجزيرةِ سَبَّنَا ... وزعمتَ أن سِبَابَنَا لا يَقْتُلُ )
قال علي بن سليمان وقد روي أنا البيت المتقدم
( فلا تُكثِروا فيه الضَّجاجُ فإَنه ... محا السيفُ ما قال ابنُ دارة أجمعا )
لهذا الشاعر الذي قتل ابن دارة وهو من بني أسد وهكذا ذكر السكري
صوت
( كِلانا يرى الجوزاءَ يا جُملُ إذ بدت ... ونَجْمَ الثريا والمزارُ بعيدُ )

( فكيف بكم يا جملُ أهلاً ودونكم ... بحورٌ يُقمِّصْن السّفينَ وبيدُ )
( إذا قلتُ قد حان القفول يَصُدُّنا ... سليمانُ عن أهوائنا وسعيد )
الشعر لمسعود بن خرشة المازني والغناء لبحر خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي

أخبار مسعود بن خرشة
حنينه إلى جارية عشقها
مسعود بن خرشة أحد بني حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم شاعر إسلامي بدوي من لصوص بني تميم قال أبو عمرو وكان مسعود بن خرشة يهوى امرأة من قومه من بني مازن يقال لها جمل بنت شراحيل أخت تمام بن شراحيل المازني الشاعر فانتجع قومها ونأوا عن بلادهم فقال مسعود
( كِلانا يرى الجوزاءَ يا جُملُ إذ بدت ... ونَجْمَ الثريا والمزارُ بعيدُ )
( فكيف بكم يا جملُ أهلاً ودونكم ... بحورٌ يُقمِّصْن السّفينَ وبيدُ )
( إذا قلتُ قد حان القفول يَصُدُّنا ... سليمانُ عن أهوائنا وسعيد )
قال أبو عمرو ثم خطبها رجل من قومها وبلغ ذلك مسعودا فقال
( أيا جملُ لا تشقَيْ بأَقْعَسَ حَنْكلٍ ... قليلِ النَّدى يسعى بكِير ومِحْلَب )
( له أعنزٌ حُوٌّ ثمانٍ كأَنما ... يراهنّ غُرّ الخيل أَو هُنّ أنجب )

أخبار مسعود بن خرشة
حنينه إلى جارية عشقها
مسعود بن خرشة أحد بني حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم شاعر إسلامي بدوي من لصوص بني تميم قال أبو عمرو وكان مسعود بن خرشة يهوى امرأة من قومه من بني مازن يقال لها جمل بنت شراحيل أخت تمام بن شراحيل المازني الشاعر فانتجع قومها ونأوا عن بلادهم فقال مسعود
( كِلانا يرى الجوزاءَ يا جُملُ إذ بدت ... ونَجْمَ الثّريَّا والمزارُ بعيدُ )
( فكيف بكم يا جُمْلُ أهلاً ودونَكم ... بُحورٌ يُقَمِّصْن السّفينَ وبيدُ )
( إذا قلتُ قد حان القفول يَصُدُّنا ... سليمانُ عن أهوائنا وسعيد )
قال أبو عمرو ثم خطبها رجل من قومها وبلغ ذلك مسعودا فقال
( أيا جملُ لا تشقَيْ بأَقْعَسَ حَنْكلٍ ... قليلِ النَّدى يسعى بكِير ومِحْلَب )
( له أعنزٌ حُوٌّ ثمانٍ كأَنما ... يراهنّ غُرّ الخيل أَو هُنّ أنجب )

وقال أبو عمرو وسرق مسعود بن خرشة إبلا من مالك بن سفيان بن عمرو الفقعسي هو ورفقاء له وكان معه رجلان من قومه فأتوا بها اليمامة ليبيعوها فاعترض عليهم أمير كان بها من بني أسد ثم عزل وولي مكانه رجل من بني عقيل فقال مسعود في ذلك
( يقول المرجفون أجاءَ عهدٌ ... كفى عهداً بتنفيذ القِلاصِ )
( أتى عهدُ الإمارة من عُقيلٍ ... أغرَّ الوجه رُكّب في النواصي )
( حُصونُ بني عُقيلٍ كلُّ عَضْبٍ ... إذا فَزِعوا وسابغةٍ دِلاصِ )
( وما الجارات عند المَحْل فيهم ... ولو كثر الروازحُ بالخِماصِ )
قال وقال مسعود وقد طلبه وإلي اليمامة فلجأ إلى موضع فيه ماء وقصب
( ألا ليت شِعري هل أبيتنَّ ليلةً ... بوعثاءَ فيها للظباءِ مكانسُ )
( وهل أنجُوَنْ من ذي لَبِيدِ بن جابرٍ ... كأنَّ بناتِ الماء فيه المُجالس )
( وهل أسمعَنْ صوتَ القَطَا تندب القطا ... إلى الماء منه رابع وخوامس )

أخبار بحر ونسبه
هو بحر بن العلاء مولى بني أمية حجازي أدرك دولة بني هاشم وعمر إلى أيام الرشيد وقد هرم وكان له أخ يقال له عباس وأخوه بحر أصغر منه مات في أيام المعتصم وكان يلقب حامض الرأس وله صنعة وأقدمه الرشيد عليه ثم كرهه فصرفه
الرشيد يشرب على أصواته
حدثني جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني أحمد بن أبي خالد الأحول عن علي بن صالح صاحب المصلى
أن الرشيد سمع من علويه ومخارق وهما يومئذ من صغار المغنين في الطبقة الثالثة أصواتا استحسنها ولم يكن سمعها فقال لهما ممن أخذتما هذه الأصوات فقالا من بحر فاستعادها وشرب عليها ثم غناه مخارق بعد أيام صوتا لبحر فأمر بإحضاره وأمره أن يغني ذلك الصوت فغناه

فسمع الرشيد صوتا حائلا مرتعشا فلم يعجبه واستثقله لولائه لبني أمية فوصله وصرفه ولم يصل إليه بعد ذلك

صوت
( ألا يا لَقومي لِلنوائب والدّهر ... وللمرء يُردِي نفسه وَهْو لا يَدري )
( وللأرض كم من صالح قد تودّات ... عليه فوارتْهُ بلمّاعةٍ قَفرِ )
عروضه من الطويل قال الأصمعني يقال للرجل أو للقوم إذا دعوتهم يال كذا بفتح اللام وإذا دعوت للشيء قلت بالكسرة تقول يا للرجال ويا للقوم وتقول يا للغنيمة ويا للحادثة أي اعجلوا للغنيمة وللحادثة فكأنه قال يا قوم اعجلوا للغنيمة وروى الأصمعي وغيره مكان قد تودأت قد تلمأت عليه وتلاءمت أي وارته ويروى تأكمت أي صارت أكمة
الشعر لهدبة بن خشرم والغناء لمعبد ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
أخبار هدبة بن خشرم ونسبه
وقصته في قوله هذا الشعر وخبر مقتله
هو هدبة بن خشرم بن كرز بن أبي حية بن الكاهن وهو سلمة بن أسحم بن عامر بن ثعلبة بن عبد الله بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم وسعد بن هذيم شاعر من أسلم بن الحاف بن قضاعة ويقال بل هو سعد بن أسلم وهذيم عبد لأبيه رباه فقيل سعد بن هذيم يعني سعدا هذا
طبقته في الشعر
وهدبة شاعر فصيح متقدم من بادية الحجاز وكان شاعرا راوية كان يروي للحطيئة والحطيئة يروي لكعب بن زهير وكعب بن زهير يروي لأبيه زهير وكان جميل راوية هدبة وكثير راوية جميل فلذلك قيل إن آخر فحل اجتمعت له الرواية إلى الشعر كثير
وكان لهدبة ثلاثة إخوة كلهم شاعر حوط وسيحان والواسع أمهم حية بنت أبي بكر بن أبي حية من رهطهم الأدنين وكان شاعره أيضا

أخبار هدبة بن خشرم ونسبه
وقصته في قوله هذا الشعر وخبر مقتله
هو هدبة بن خشرم بن كرز بن أبي حية بن الكاهن وهو سلمة بن أسحم بن عامر بن ثعلبة بن عبد الله بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم وسعد بن هذيم شاعر من أسلم بن الحاف بن قضاعة ويقال بل هو سعد بن أسلم وهذيم عبد لأبيه رباه فقيل سعد بن هذيم يعني سعدا هذا
طبقته في الشعر
وهدبة شاعر فصيح متقدم من بادية الحجاز وكان شاعرا راوية كان يروي للحطيئة والحطيئة يروي لكعب بن زهير وكعب بن زهير يروي لأبيه زهير وكان جميل راوية هدبة وكثير راوية جميل فلذلك قيل إن آخر فحل اجتمعت له الرواية إلى الشعر كثير
وكان لهدبة ثلاثة إخوة كلهم شاعر حوط وسيحان والواسع أمهم حية بنت أبي بكر بن أبي حية من رهطهم الأدنين وكانت شاعرة أيضا

وهذا الشعر يقوله هدبة في قتله زيادة بن زيد بن مالك بن عامر بن قرة ابن حنش بن عمرو بن عبد الله بن ثعلبة بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم
أخبرني بالخبر في ذلك جماعة من شيوخنا فجمعت بعض روايتهم إلى بعض واقتصرت على ما لا بد منه من الأشعار وأتيت بخبرهما على شرح وألحقت ما نقص من رواية بعضهم عن رواية صاحبه في موضع النقصان
فممن حدثني به محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي تينة قال حدثنا خلف بن المثنى الحداني عن أبي عمرو المديني
وأخبرني الحسن بن يحيى ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجي عن حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه

الحرب بين قومه بني عامر وقوم زيادة بن زياد
وأخبرني إبراهيم بن أيوب الصائغ عن ابن قتيبة
وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه عن عمه وقد نسبت إلى كل واحد منهم ما انفرد به من الرواية وجمعت ما اتفقوا عليه قال عيسى بن إسماعيل في خبره خاصة
كان أول ما هاج الحرب بين بني عامر بن عبد الله بن ذبيان وبين بني رقاش وهم بنو قرة بن حفش بن عمرو بن عبد الله بن ثعلبة بن ذبيان وهم

رهط زيادة بن زيد وبنو عامر رهط هدبة أن حوط بن خشرم أخا هدبة راهن زيادة بن زيد على جملين من إبلهما وكان مطلقهما من الغاية على يوم وليلة وذلك في القيظ فتزودوا الماء في الروايا والقرب وكانت أخت حوط سلمى بنت خشرم تحت زيادة بن زيد فمالت مع أخيها على زوجها فوهنت أوعية زيادة ففني ماؤه قبل ماء صاحبه فقال زيادة
( قد جعلت نَفْسِيَ في أَدِيم ... مُحَرّمِ الدّباغ ذِي هُزُومِ )
( ثمّ رَمَت بِي عُرُضَ الدّيْمومِ ... في بارحٍ من وَهَج السَّموم )
( عند اطّلاع وعرة النجوم ... )
قال اليزيدي في خبره المحرم الذي لم يدبغ والهزوم الشقوق
قال
وقال زيادة أيضا
( قد علِمَتْ سلمةُ بالعَميسِ ... ليلةَ مَرْمَارٍ وَمَرْمَرِيس )
( أَنَّ أَبَا المِسْور ذو شَرِيس ... يَشفي صُداع الأبلَج الدِّلْعِيس )
العميس موضع والمرمار والمرمريس الشدة والاختلاط وأبا المسور يعني زيادة نفسه وكانت كنيته أبا المسور

تبادل التشبيب بأختيهما
قال فكان ذلك أول ما أثبت الضغائن بينهما ثم إن هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد اصطحبا وهما مقبلان من الشام في ركب من قومهما فكانا يتعاقبان السوق بالإبل وكان مع هدبة أخته فاطمة فنزل زيادة فارتجز فقال
( عُوجي علينا واربَعِي يا فاطمَا ... ما دون أَن يُرَى البَعيرُ قائمَا )
أي ما بين مناخ البعير إلى قيامه
( أَلاّ تَرين الدمع منّي ساجمَا ... حِذارَ دارٍ منك لن تُلائمَا )
( فَعرَّجَتْ مطَّرداً عُراهِمَا ... فَعْماً يبذّ القُطُف الرَّوَاسما )
مطرد متتابع السير وعراهم شديد وفعم ضخم والرسيم سير فوق العنق والرواسم الإبل التي تسير هذا السير الذي ذكرناه
( كأنَّ في المثْناة منه عائمَا ... إنّكَ والله لأَنْ تُبَاغِمَا )
المثناة الزمام وعائم سائح تباغم تكلم
( خَوْذاً كأّنّ البُوصَ والمآكما ... منا نقاً مُخالطٌ صَرائما )
البوص العجز والمأكمتان ما عن يمين العجز وشماله والنقا ما عظم من الرمل والصرائم دونه
( خيرٌ من استقبالك السَّمائمَا ... ومن مُنادٍ يبتغي مُعَاكِما )

ويروى ومن نداء أي رجل تناديه تبتغي أن يعينك على عكمك حتى تشده
فغضب هدبة حين سمع زيادة يرتجز بأخته فنزل فرجز بأخت زيادة وكانت تدعى فيما روى اليزيدي أم حازم وقال الآخرون أم القاسم فقال هدبة
( لقد أراني والغُلامَ الحازمَا ... نُزجِي المَطيَّ ضُمَّراً سَواهِما )
( متى تَظُنّ القُلُصَ الرّوَاسما ... والجِلّةَ النّاجيةَ العَيَاهِما )
العياهم الشداد
( يُبلِغْن أمَّ حازم وحازماً ... إذا هَبَطن مُسْتَحيراً قاتِمَا )
( ورجَّع الحادي لها الهَمَاهِمَا ... ألا تَريْنَ الحُزنَ مني دائمَا )
( حِذارَ دارٍ منك لن تُلائما ... والله لا يَشفي الفؤادَ الهائمَا )
( تَمساحُكَ اللَّبّاتِ والمآكمَا ... ولا الِلّمامُ دون أن تلازِمَا )
( ولا اللِثام دون أن تُفاقما ... ولا الفِقامُ دون أن تفاغمَا )

( وتعلو القوائم القوائما ... )
قال فشتمه زيادة وشتمه هدبة وتسابا طويلا فصاح بهما القوم اركبا لا حملكما الله فإنا قوم حجاج وخشوا أن يقع بينهما شر فوعظهما حتى أمسك كل واحد منهما على ما في نفسه وهدبة أشدهما حنقا لأنه رأي أن زيادة قد ضامه إذا زجر بأخته وهي تسمع قوله ورجز هو بأخته وهي غائبة لا تسمع قوله فمضيا ولم يتحاورا بكلمة حتى قضيا حجهما ورجعا إلى عشيرتهما

خبر عمه زفر وسبب غضب قومه
قال اليزيدي خاصة في خبره
ثم التقى نفر من بني عامر من رهط هدبة فيهم أبو جبر وهو رئيسهم الذي لا يعصونه وخشرم أبو هدبة وزفر عم هدبة وهو الذي بعث الشر وحجاج بن سلامة وهو أبو ناشب ونفر من بني رقاش رهط زيادة وفيهم زيادة بن زيد وإخوته عبدالرحمن ونفاع وأدرع بواد من أودية حرتهم فكان بينهم كلام فغضب ابن الغسانية وهو أدرع وكان زفر هدبة يعزى رجل من بني رقاش فقام له أدرع فزجر فقال
( أدُّوا إلينا زفرا ... نعرف منه النظرا )
( وعينه والأثر ... )
قال فغضب رهط هدبة وادعوا حدا على بني رقاش فتداعوا إلى السلطان ثم اصطلحوا على أن يدفع إليهم أدرعُ فيخلوا به نفر منهم فما رأوه عليه أمضوه فلما خلوا به ضربوه الحد ضربا مبرحا فراح بنو رقاش وقد

أضمروا الحرب وغضبوا فقال عبد الرحمن بن زيد
( ألا أَبلغ أبا جَبْرٍ رسولاً ... فما بيني وبينكُم عِتابُ )
( ألم تعلم بأنَّ القوم راحوا ... عشيةَ فارقوك وهم غِضابُ )
فأجابه الحجاج بن سلامة فقال
( إن كان ما لاقى ابنُ كنعاء مُرغِماً ... رقاشَ فزاد اللهُ رَغْما سِبالَهما )
( منعنا أخانا إذ ضربنا أخاكُم ... وتلك من الأعداء لا مِثْلَ مالها )

هدبة وزيادة يتهاديان الأشعار
قال اليزيدي في خبره وجعل هدبة وزيادة يتهاديان الأشعار ويتفاخران ويطلب كل واحد منهما العلو على صاحبه في شعره وذكر أشعارا كثيرة فذكرت بعضها وأتيت بمختار ما فيه فمن ذلك قول زيادة في قصيدة أولها
( أراك خليلاً قد عزمت التّجنبا ... وقطَّعتَ حاجاتِ الفؤاد فأصحبا )
اخترت منها قوله
( وأنك للناس الخليلُ إذا دنتْ ... به الدارُ والباكي إذا ما تغيَّبا )
( وقد أعذَرَتْ صرفُ الليالي بأهلها ... وشَحْطُ النَّوَى بيني وبينك مَطلبا )
( فلا هي تأْلو ما نأَتْ وتباعَدَتْ ... ولا هو يأْلُو ما دنا وتقرَّبا )
( أطعتُ بها قول الوشاة فلا أرى الوشاةَ ... انتهوا عنه ولا الدهرَ أُعتبا )

( فهلاّ صَرمْتِ والحبالُ متينةٌ ... أُميمةُ إن واشٍ وشى وتكذَّبا )
( إذا خفتَ شكَّ الأمرِ فارمِ بعزمة ... غَيَابَتَه يركب بك الدهرُ مركبا )
( وإن وِجهةٌ سُدَّتْ عليك فُرُوجُها ... فأنّك لاقٍ لا محالة مذهبا )
( يُلامُ رجالٌ قبل تجريبِ غَيْبِهم ... وكيف يُلام المرءُ حتى يُجرَّبا )
( وإنّي لمِعراضٌ قليلٌ تعرُّضي ... لوجه امرىء يوماً إذا ما تجنَّبا )
( قليلٌ عِثَاري حين أُذعَرُ ساكنٌ ... جَناني إذا ما الحرب هرَّت لتكْلَبا )
( بحسبك ما يأتيك فاجمع لنازل ... قِراهُ ونَوِّبْه إذا ما تنوّبا )
( ولا تَنتجِع شَرًّا إذا حيل دونه ... بِسِتْرٍ وهَبْ أسبابَه ما تهيّبا )
( أنا ابن رَقاشٍ وابنُ ثعلبةَ الذي ... بنى هادياً يعلو الهواديَ أغلبا )
( بنَى العِزُّ بنياناً لقومي فما صَعُوا ... بأَسيافهم عنه فأَصبح مُصعَبا )
( فما إنْ ترى في الناس أُماً كأُمِّنا ... ولا كأبينا حين ننسبُهُ أَبا )
( أَتمَّ وأَنمى بالبنين إلى العلا ... وأَكرمَ منا في المناصب مَنصَبا )
( مَلَكنا ولم نُملَكْ وقُدْنا ولم نُقَدْ ... كأَنَّ لنا حقاً على الناس تُرتَبا )
قال اليزيدي ترتب ثابت لازم
( بآيةِ أنّا لا نرى مُتَتَوِّجاً ... من الناسِ يعلونا إذا ما تعصّبا )
( ولا مِلكاً إلا اتّقانا بمُلكه ... ولا سُوقةً إلا على الخَرْج أُتعِبا )
( ملكنا ملوكاً واستبحْنا حِماهُم ... وكنّا لهم في الجاهلية موكِبا )

( ندامى وأردافاً فلم تَرَ سُوقةً ... توازننا فاسأَل إياداً وتَغلِبا )
فأجابه هدبة وهذا مختار ما فيها فقال
( تَذَكَّرَ شَجواً من أُميمةَ مُنصِبا ... تليداً ومُنتاباً من الشوق مُجْلِبا )
( تَذَكّرَ حبًّا كان في مَيْعة الصِّبا ... ووجداً بها بعد المشيب مُعتِّبا )
( إذا كادَ ينساها الفؤادُ ذكرتُها ... فيا لكِ ما عَنّى الفؤادَ وعذَّبا )
( غَدَا في هواها مستكيناً كأَنه ... خليعُ قِداحٍ لم يجد مُتنشَّبا )
( وقد طال ما عُلِّقْتَ ليلى مُغَمّرا ... وليدا إلى أن صار رأْسُكَ أشْيَبا )
- المغمر الغمر أي غير حدث -
( رأيتك في لَيلَى كذي الدَّاءِ لم يجد ... طبيباً يداوِي ما به فَتَطَبَّبا )
( فلما اشتفى مما به كرَّ طِبُّه ... على نفسه من طول ما كان جرَّبا )

قتل زيادة وتنحى ثم استسلم
فلم يزل هدبة يطلب غرة زيادة حتى أصابها فبيته فقتله وتنحى مخافة السلطان وعلى المدينة يومئذ سعيد بن العاص فأرسل إلى عم هدبة وأهله فحبسهم بالمدينة فلما بلغ هدبة ذلك أقبل حتى أمكن من نفسه وتخلص عمه وأهله فلم يزل محبوسا حتى شخص عبد الرحمن بن زيد أخو زيادة إلى معاوية فأورد كتابه إلى سعيد بأن يقيد منه إذا قامت البينة

فأقامها فمشت عذرة إلى عبد الرحمن فسألوه قبول الدية فامتنع وقال

صوت
( أَنختُم علينا كَلْكَلَ الحرب مُرَّة ... فنحن مُنيخُوها عليكم بكلكَلِ )
( فلا يدْعُني قومي لزيدِ بن مالك ... لئن لم أُعجِّل ضربةً أو أعجَّل )
( أبعد الذي بالنَّعْف نعفِ كُوَيْكِبٍ ... رهينةِ رمسٍ ذي تراب وجندلِ )
( كريمٌ أصابته دياتٌ كثيرة ... فلم يدر حتى حين من كل مدخل )
( أُذكَّر بالبُقْيا على من أَصابني ... وبُقيايَ أّني جاهدٌ غيرُ مؤتلِي ... )
غناه ابن سريج رملا بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وقيل إنه لمالك بن أبي السمح وله فيه لحن آخر
رجع الخبر إلى سياقته
سعيد بن العاص يحكم معاوية في أمر هدبة
وأما علي بن محمد النوفلي فذكر عن أبيه أن سعيد بن العاص كره الحكم بينهما فحملهما إلى معاوية فنظر في القصة ثم ردها إلى سعيد وأما غيره فذكر أن سعيدا هو الذي حكم بينهما من غير أن يحملهما إلى معاوية
قال علي بن محمد عن أبيه
فلما صاروا بين يدي معاوية قال عبد الرحمن أخو زيادة له يا أمير المؤمنين أشكو إليك مظلمتي وما دفعت إليه وجرى علي وعلى أهلي وقرباي

وقتل أخي زيادة وترويع نسوتي فقال له معاوية يا هدبة قل فقال إن هذا رجل سجاعة فإن شئت أن أقص عليك قصتنا كلاما أو شعرا فعلت قال لا بل شعرا فقال هدبة هذه القصيدة ارتجالا
( أَلا يا لقَومي لِلنّوائب والدّهر ... ولِلمرء يُردِي نفسه وهُو لا يدرِي )
( ولِلأرض كم من صالحٍ قد تأَكَّمَت ... عليه فوارتْهُ بلمّاعةٍ قَفْر )
( فلا تتّقي ذا هَيْبة لجلاِله ... ولا ذا ضياعٍ هنّ يُتْركْن للفقرِ )
حتى قال
( رُمِينا فَرامَينا فصادف رَمْيُنا ... مَنايا رجالٍ في كتابٍ وفي قَدْر )
( وأنت أميرُ المؤمنين فما لنا ... وراءك من مَعدىً ولا عنك من قَصْر )
( فإن تك في أموالنا لم نَضِق بها ... ذِراعاً وإن صبرٌ فنصبِرُ للصّبر )
فقال له معاوية أراك قد أقررت بقتل صاحبهم ثم قال لعبد الرحمن هل لزيادة ولد قال نعم المسور وهو غلام صغير لم يبلغ وأنا عمه وولي دم أبيه فقال إنك لا تؤمن على أخذ الدية أو قتل الرجل بغير حق والمسور أحق بدم أبيه فرده إلى المدينة فحبس ثلاث سنين حتى بلغ المسور

جميل بن معمر يزوره في السجن ويهديه
أخبرني الحرمي بن العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال نسخت من كتاب عامر بن صالح قال

دخل جميل بن معمر العذري على هدبة بن خشرم السجن وهو محبوس بدم زيادة بن زيد وأهدى له بردين من ثياب كساه إياها سعيد بن العاص وجاءه بنفقة فلما دخل إليه عرض ذلك عليه وسأله أن يقبله منه فقال له هدبة أأنت يا بن معمر الذي تقول
( بني عامرٍ أنَّى انتجعْتُم وكنتُم ... إذا عُدِّد الأقوامُ كالخُصْية الفرد )
أما والله لئن خلص الله لي ساقي لأمدن لك مضمارك خذ برديك ونفقتك فخرج جميل فلما بلغ باب السجن خارجا قال اللهم أغن عني أجدع بني عامر قال وكانت بنو عامر قد قلت فحالفت لإياد
قال أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني
فقالت أم هدبة فيه لما شخص إلى المدينة فحبس بها
( أَيا إخوتي أهلَ المدينة أكرموا ... أسيركُمُ إن الأسيرَ كريمُ )
( فَرُبَّ كريمٍ قد قَرَاه وضافَه ... ورُبَّ أمورٍ كلُّهن عظيمُ )
( عَصَى جلُّهَا يوماً عليه فراضَه ... من القوم عَيّافٌ أشمُّ حليمُ )
فأرسل هدبة العشيرة إلى عبد الرحمن في أول سنة فكلموه فاستمع منهم ثم قال
( أَبعْدَ الذي بالنَّعف نعفِ كُويْكِبِ ... رهينةِ رمسٍ ذي تُراب وجندَلِ )
( أُذكِّر بالبُقْيا على مَنْ أصابني ... وبُقْيَايَ أني جاهدٌ غيرُ مُؤْتلي )
فرجعوا إلى هدبة بالأبيات فقال لم يوئسني بعد فلما كانت السنة

الثالثة بلغ المسور فأرسل هدبة إلى عبد الرحمن من كلمه فأنصت حتى فرغوا ثم قام عنه مغضبا وأنشأ يقول
( سأَكْذِب أَقواماً يقولون إنَّني ... سآخذُ مالاً من دم أنا ثائرُهْ )
( فبِاسْت امرىءٍ واسْتِ التي زَحَرت به ... يسوق سَواماً من أخٍ هو واترُهْ )
ونهض فرجعوا إلى هدبة فأخبروه الخبر فقال الآن أيست منه وذهب عبد الرحمن بالمسور وقد بلغ إلى والي المدينة وهو سعيد بن العاص وقيل مروان بن الحكم فأخرج هدبة

لقاؤه الأخير بزوجته
قالوا فلما كان في الليلة التي قتل في صباحها أرسل إلى امرأته وكان يحبها إيتيني الليلة أستمتع بك وأعودك فأتته في اللباس والطيب فصارت إلى رجل قد طال حبسه وأنتنت في الحديد رائحته فحادثها وبكى وبكت ثم راودها عن نفسها وطاوعته فلما علاها سمعت قعقعة الحديد فاضربت تحته فتنحى عنه وأنشأ يقول
( وأدْنَيْتِني حتى إذا ما جعلتِني ... لَدَى الخصْر أو أدنَى استقَلَّك راجفُ )
( فإِن شئتُ والله انتهيتُ وإنّني ... لئلا ترَيْني آخرَ الدهر خائفُ )
( رأت ساعدَيْ غُولٍ وتحت ثيابه ... جآجىء يدْمَى حدُّها وَالحراقفُ )
ثم قال الشعر حتى أتى عليه وهو طويل جدا وفيه يقول

صوت
( فلم تَرَ عيني مثلَ سربٍ رأيتُهُ ... خرجْنَ علينا من زقاق ابنِ وَاقفِ )
( تضمَّخْن في الجاديِّ حتى كأنَّما الأنوفُ ... إذا استَعْرَضْتَهُنّ رَوَاعِف )
( خرجن بأَعناق الظباء وأعينُ الجآذِر ... وَارتجَّت لهن السَّوالف )
( فلو أنّ شيْئاً صاد شيئاً بطَرفه ... لصِدْن ظباء فوقهنَّ المطارفُ )
غنى فيه الغريض رملا بالبنصر من رواية حبش وفيه لحن خفيف ثقيل وذكر إسحاق أن فيه لحنا ليونس ولم يذكر طريقته في مجرده
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال
مر أبو الحارث جمين يوما بسوق المدينة فخرج عليه رجل من زقاق ابن واقف بيده ثلاث سمكات قد شق أجوافها وقد خرج شحمها فبكى أبو الحارث ثم قال تعس الذي يقول
( فلم تَرَ عيني مثلَ سربٍ رأيتُهُ ... خرجْنَ علينا من زقاق ابنِ وَاقفِ )
وانتكس ولا انجبر والله لهذه السمكات الثلاث أحسن من السرب الذي وصف
وأحسب أن هذا الخبر مصنوع لأنه ليس بالمدينة زقاق يعرف بزقاق ابن واقف ولا بها سمك ولكن رويت ما روي

حذف 271

شعره في حبّى امرأة مالك
وقال حماد بن إسحاق عن أبيه أن ابن كناسة قال
مر بهدبة على حبى فقالت في سبيل الله شبابك وجلدك وشعرك وكرمك فقال هدبة
( تَعَجَّبُ حُبَّى من أَسيرٍ مُكبّلٍ ... صَلِيبِ العَصَا باقٍ على الرّسَفَانِ )
( فلا تَعْجَبي مِنِّي حَليلَة مالكٍ ... كذلك يأْتي الدهرُ بالحدَثانِ )
وقال النوفلي عن أبيه
فلما مضي به من السجن للقتل التفت فرأى امرأته وكانت من أجمل النساء فقال
( أَقِلِّي عليّ اللَّومَ يا أُمَّ بَوزَعا ... ولا تَجْزَعي ممّا أصَابَ فأَوجعا )
( ولا تنْكَحي إن فرّق الدهرُ بيننا ... أغَمّ القفا والوجه ليس بأنْزَعا )
( كَليلاً سوى ما كان من حَدّ ضِرْسه ... أُكَيْبِدَ مِبْطانَ العَشِيّاتِ أرْوَعا )
( ضَروباً بلَحْييه على عَظم زَوره ... إذا الناس هَشُّوا للفَعال تَقنَّعا )
( وحُلِّي بذي أُكرومة وحَمِيّةٍ ... وَصبْرٍ إذا ما الدهر عَضَّ فأَسرعا )

يذكر شرط زوجته في الزواج بعد موته
وقال حماد عن أبيه عن مصعب بن عبد الله قال
لما أخرج هدبة من السجن ليقتل جعل الناس يتعرضون له ويخبرون صبره ويستنشدونه فأدركه عبد الرحمن بن حسان فقال له يا هدبة

أتأمرني أن أتزوج هذه بعدك يعني زوجته وهي تمشي خلفه فقال نعم إن كنت من شرطها قال وما شرطها قال قد قلت في ذلك
( فلاَ تنْكَحِي إن فرَّق الدهرُ بيننا ... أغَمّ القفا والوجهِ ليس بأنْزَعا )
( وكُوني حَبيساً أو لأروعَ ماجدٍ ... إذا ضَنَّ أعشاشُ الرِّجالِ تَبرَّعا )
فمالت زوجته إلى جزار وأخذت شفرته فجدعت بها أنفها وجاءته تدمى مجدوعة فقالت أتخاف أن يكون بعد هذا نكاح قال فرسف في قيوده وقال الآن طاب الموت
وقال النوفلي عن أبيه
إنها فعلت ذلك بحضرة مروان وقالت له إن لهدبة عندي وديعة فأمهله حتى آتيه بها قال أسرعي فإن الناس قد كثروا وكان جلس لهم بارزا عن داره فمضت إلى السوق فانتهت إلى قصاب وقالت أعطني شفرتك وخذ هذين الدرهمين وأنا أردها عليك ففعل فقربت من حائط وأرسلت ملحفتها على وجهها ثم جدعت أنفها من أصله وقطعت شفتيها ثم ردت الشفرة وأقبلت حتى دخلت بين الناس وقالت يا هدبة أتراني متزوجة بعد ما ترى قال لا الآن طابت نفسي بعد بالموت ثم خرج يرسف في قيوده فإذا هو بأبويه يتوقعان الثكل فهما بسوء حال فأقبل عليهما وقال
( أَبلِياني اليومَ صبرًا منكما ... إنّ حُزْناً إن بدا بادىءُ شرْ )
( لا أُراني اليومَ إلا ميِّتاً ... إنّ بعدَ الموت دارَ المستَقَرْ )
( اصبِرَا اليوم فإني صابرٌ ... كلُّ حَيٍّ لقَضاء وقَدرْ )

زوجته تنكثت بعهدها
قال النوفلي فحدثني أبي قال
حدثني رجل من عذرة عن أبيه قال إني لببلادنا يوما في بعض المياه فإذا أنا بامرأة تمشي أمامي وهي مدبرة ولها خلق عجيب من عجز وهيئة وتمام جسم وكمال قامة فإذا صبيان قد اكتنفاها يمشيان قد ترعرعا فتقدمتها والتفت إليها فإذا هي أقبح منظر وإذا هي مجدوعة الأنف مقطوعة الشفتين فسألت عنها قيل لي هذه امرأة هدبة تزوجت بعده رجلا فأولدها هذين الصبيين
قال ابن قتيبة في حديثه
فسأل سعيد بن العاص أخا زيادة أن يقبل الدية عنه قال أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب أعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جداء ولا ذات داء فقال له والله لو نقبت لي قبتك هذه ثم ملأتها لي ذهبا ما رضيت بها من دم هذا الأجدع فلم يزل سعيد يسأله ويعرض عليه فيأبى ثم قال له والله لو أردت قبول الدية لمنعني قوله
( لنَجدَعَنّ بأَيدينا أُنوفَكم ... ويذهبُ القتلُ فيما بيننا هَدَرا )
فدفعه حينئذ لقتله بأخيه
تعريضه بحبي في طريقه إلى الموت
قال حماد وقرأت على أبي عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال
ومر هدبة بحبى فقالت له كنت أعدك في الفتيان وقد زهدت فيك اليوم لأني لا أنكر أن يصبر الرجال على الموت لكن كيف تصبر عن

هذه فقال أما والله إن حبي لها لشديد وإن شئت لأصفن لك ذلك ووقف الناس معه فقال
( َوجِدت بها ما لم تَجِد أُمّ واحدٍ ... ولا وجدُ حُبّى بابن أُمّ كِلابِ )
( رأَته طويل السّاعدين شمَرْدَلاً ... كما تَشْتَهي من قوة وشباب )
فانقمعت داخلة إلى بيتها فأغلقت الباب دونه قالوا فدفع إلى أخي زيادة ليقتله قال فاستأذن في أن يصلي ركعتين فأذن له فصلاهما وخفف ثم التفت إلى من حضر فقال لولا أن يظن بي الجزع لأطلتهما فقد كنت محتاجا إلى إطالتهما ثم قال لأهله إنه بلغني أن القتيل يعقل ساعة بعد سقوط راسه فإن عقلت فإني قابض رجلي وباسطها ثلاثا ففعل ذلك حين قتل وقال قبل أن يقتل
( إنْ تقتُلوني في الحديد فإنني ... قتلتُ أخاكم مُطْلقاً لم يُقَيّد )
فقال عبد الرحمن أخو زيادة والله لا قتلته إلا مطلقا من وثاقه فأطلق له فقام إليه وهز السيف ثم قال
( قد علِمْتُ نفسي وأنت تعلمُهْ ... لأقتلَنَّ اليومَ من لا أَرحمُهْ )
ثم قتله
فقال حماد في روايته
ويقال إن الذي تولى قتله ابنه المسور دفع إليه عمه السيف وقال له قم فاقتل قاتل أبيك فقام فضربه ضربتين قتله فيهما

هو أول من أقيد منه في الإسلام
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي قال
بلغني أن هدبة أول من أقيد منه في الإسلام
قال أحمد بن الحارث الخراز قال المدائني
مرت كاهنة بأم هدبة وهو وأخوته نيام بين يديها فقالت يا هذه إن الذي معي يخبرني عن بنيك هؤلاء بأمر قالت وما هو قالت أما هدبة وحوط فيقتلان صبرا وأما الواسع وسيحان فيموتان كمدا فكان كذلك
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي أخبرك مروان بن أبي حفصة قال
كان هدبة أشعر الناس منذ يوم دخل السجن إلى أن أقيد منه قال الخراز عن المدائني قال واسع بن خشرم يرثي هدبة لما قتل
( يا هُدْبَ يا خيْرَ فتيان العشيرةِ مَنْ ... يُفْجَعْ بمثلك في الدّنيا فقد فُجِعَا )
( الله يعلم أنّي لو خشيتهمُ ... أو أَوجسَ القلبُ من خوفٍ لهم فزعا )
( لم يقتلوه ولم أُسلِم أخي لهمُ ... حتى نَعيش جَمِيعاً أو نَمُوت معا )
وهذه الأبيات تمثل بها إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم لما بلغه قتل أخيه محمد

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال
حدثني مصعب الزبيري قال
كنا بالمدينة أهل البيوتات إذا لم يكن عند أحدنا خبر هدبة وزيادة وأشعارهما ازدريناه وكنا نرفع من قدر أخبارهما وأشعارهما ونعجب بها

كان جميل بن معمر راوية هدبة
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال أخبرني محمد بن الحسن الأحول عن رواية من الكوفيين قالوا
كان جميل بن معمر العذري راوية هدبة وكان هدبة راوية الحطيئة وكان الحطيئة راوية كعب بن زهير وأبيه
حدثني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال
حدثني أبو المغيرة محمد بن إسحاق قال حدثني أبو مصعب الزبيري قال حدثني المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه قال
بعث هدبة بن خشرم إلى عائشة زوج النبي يقول لها استغفري لي فقالت إن قتلت استغفرت لك
صوت
( أَلم تَرَ أنّي يومَ جوِّ سُوَيْقَةٍ ... بكيتُ فنادتني هُنيدةُ ماليَا )
( فقلتُ لها إنّ البكاء لراحةٌ ... به يشتفي مَنْ ظَنّ أن لا تلاقيا )
( قِفي ودّعينا يا هُنَيْدَ فإنّني ... أرى القوم قد شاموا العَقِيقَ اليمانيا )

ويروى أرى الركب قد شاموا -
( إذا اغرورقت عَيناي أسبَلَ نهما ... الى أن تغيب الشِّعْريان بكائيا )
الشعر للفرزدق من قصيدة يهجو بها جريرا وهي فيما قيل أول قصيدة هجاه بها والغناء لابن سريج خفيف ثقيل عن الهشامي قال الهشامي وفيه لمالك ثقيل أول وابتداء اللحنين جميعا
( ألم تر أني يوم جوّ سُوَيْقَة ... )
ولعلوية فيه لحن من الرمل المطلق ابتداؤه
( قِفي ودّعينا يا هُنَيْدَ فإنّني ... )

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
الفرزدق لقب غلب عليه وتفسيره الرغيف الضخم الذي يجففه النساء للفتوت وقيل بل هو القطعة من العجين التي تبسط فيخبز منها الرغيف شبه وجهه بذلك لأنه كان غليظا جهما واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك ابن حنظلة بن زيد مناة بن تميم
قال أبو عبيدة اسم دارم بحر واسم أبيه مالك عوف ويقال عرف وسمي دارم دارما لأن قوما أتوا أباه مالكا في حمالة فقال له قم يا بحر فأتني بالخريطة - يعني خريطة كان له فيها مال - فحملها يدرم عنها ثقلا والدرمان تقارب الخطو فقال لهم جاءكم يدرم بها فسمي دارما وسمي أبوه مالك عرفا لجوده
وأم غالب ليلى بنت حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع
وكان للفرزدق أخ يقال له هميم ويلقب الأخطل ليست له نباهة فأعقب ابنا يقال له محمد فمات والفرزدق حي فرثاه وخبره يأتي بعد وكان للفرزدق من الولد خبطة ولبطة وسبطة هؤلاء المعروفون وكان له غيرهم فماتوا ولم يعرفوا وكان له بنات خمس أو ست

وأم الفرزدق - فيما ذكر أبو عبيدة - لينة بنت قرظة الضبية

كان يقال لجده صعصعة محيي الموءودات
وكان يقال لصعصعة محيي الموؤودات وذلك أنه كان مر برجل من قومه وهو يحفر بئرا وامرأته تبكي فقال لها صعصعة ما يبكيك قالت يريد أن يئد ابنتي هذه فقال له ما حملك على هذا قال الفقر قال فإني أشتريها منك بناقتين يتبعهما أولادهما تعيشون بألبانهما ولا تئد الصبية قال قد فعلت فأعطاه الناقتين وجملا كان تحته فحلا وقال في نفسه إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب فجعل على نفسه ألا يسمع بموءودة إلا فداها فجاء الإسلام وقد فدى ثلثمائة موءودة وقيل أربعمائة
أخبرني بذلك هاشم بن محمد الخزاعي عن دماذ عن أبي عبيدة
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة عن عقال بن شبة قال قال صعصعة
خرجت باغيا ناقتين لي فارقتين - والفارق التي تفرق إذا ضربها المخاض فتند على وجهها حتى تنتج - فرفعت لي نار فسرت نحوها وهممت بالنزول فجعلت النار تضيء مرة وتخبو أخرى فلم تزل تفعل ذلك حتى قلت اللهم لك علي إن بلغتني هذه النار ألا أجد أهلها يوقدون لكربة يقدر أحد من الناس أن يفرجها إلا فرجتها عنهم قال فلم أسر إلا قليلا حتى أتيتها فإذا حي من بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم وإذا

أنا بشيخ حادر أشعر يوقدها في مقدم بيته والنساء قد اجتمعن إلى امرأة ماخض قد حبستهن ثلاث ليال فسلمت فقال الشيخ من أنت فقلت أنا صعصعة بن ناجية بن عقال قال مرحبا بسيدنا ففيم أنت يابن أخي فقلت في بغاء ناقتين لي فارقتين عمي على أثرهما فقال قد وجدتهما بعد أن أحيا الله بهما أهل بيت من قومك وقد نتجناهما وعطفت إحداهما على الأخرى وهما تانك في أدنى الإبل قال قلت ففيم توقد نارك منذ الليلة قال أوقدها لامرأة ماخض قد حبستنا منذ ثلاث ليال وتكلمت النساء فقلن قد جاء الولد فقال الشيخ إن كان غلاما فوالله ما أدري ما أصنع به وإن كانت جارية فلا أسمعن صوتها - أي اقتلنها - فقلت يا هذا ذرها فإنها ابنتك ورزقها على الله فقال اقتلنها فقلت أنشدك الله فقال إني أراك بها حفيا فاشترها مني فقلت إني أشتريها منك فقال ما تعطيني قلت أعطيك إحدى ناقتي قال لا قلت فأزيدك الأخرى فنظر إلى جملي الذي تحتي فقال لا إلا أن تزيدني جملك هذا فإني أراه حسن اللون شاب السن فقلت هو لك والناقتان على أن تبلغني أهلي عليه قال قد فعلت فابتعتها منه بلقوحين وجمل وأخذت عليه عهد الله وميثاقه ليحسنن برها وصلتها ما عاشت حتى تبين منه أو يدركها الموت فلما برزت من عنده حدثتني نفسي وقلت إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب فآليت ألا يئد أحد بنتا له إلا اشتريتها منه بلقوحين وجمل فبعث الله عز و جل محمدا وقد أحييت مائة موءودة إلا أربعا ولم يشاركني في ذلك أحد حتى أنزل الله تحريمه في القرآن وقد فخر بذلك الفرزدق في عدة قصائد من شعره ومنها قصيدته التي أولها

( أبِي أحدُ الغَيْثيْن صعصعةُ الذي ... متى تُخْلفِ الجوزاءُ والدّلْوُ يُمْطِرِ )
( أَجارَ بناتِ الوائدِينَ ومن يُجِرْ ... على الفقر يُعْلمْ أنه غيرُ مُخْفِر )
( على حينَ لا تحيا البناتُ وإذ هُمُ ... عكوف على الأصنام حول المدَوَّرِ )
- المدور يعني الدوار الذي حول الصنم وهو طوافهم -
( أنا ابن الذي ردّ المنيةَ فضلُهُ ... فما حسبٌ دافعتُ عنه بمُعْوِرِ )
( وفارقِ ليلٍ من نساء أتت أبي ... تُمارس ريحاً ليلُها غير مُقْمِر )
( فقالت أَجِرْ لي ما ولدتُ فإنني ... أتيتك من هزلَى الحَمولةِ مُقْتِر )
( هِجفٌّ من العُثْو الرؤوس إذا بدت ... له ابنةُ عامٍ يحطم العظم منكر )
( رأى الأرضَ منها راحةً فرمى بها ... إلى خُدَدٍ منها إلى شرّ مخفر )
( فقال لها فِيئي فإني بذمتي ... لبنتك جارٌ من أبيها القَنَوَّر )

إسلام أبيه على يد الرسول
ووفد غالب بن صعصعة إلى النبي فأسلم وقد كان وفده أبوه صعصعة إلى النبي فأخبره بفعله في الموءودات فاستحسنه وسأله هل له في ذلك من أجر قال نعم فأسلم وعمر غالب حتى لحق أمير المؤمنين

عليا صلوات الله عليه بالبصرة وأدخل إليه الفرزدق وأظنه مات في إمارة زياد وملك معاوية
أخبرني محمد بن الحسين الكندي وهاشم بن محمد الخزاعي وعبد العزيز بن أحمد عم أبي قالوا حدثنا الرياشي قال حدثنا العلاء بن الفضل ابن عبد الملك بن أبي سوية قال حدثني عقال بن كسيب أبو الخنساء العنبري قال حدثني الطفيف بن عمرو الربعي عن ربيعة بن مالك بن حنظلة عن صعصعة بن ناجية المجاشعي جد الفرزدق قال
قدمت على النبي فعرض علي الإسلام فأسلمت وعلمني آيات من القرآن فقلت يا رسول الله إني عملت أعمالا في الجاهلية هل لي فيها من أجر فقال وما عملت فقلت إني أضللت ناقتين لي عشراوين فخرجت أبغيهما على جمل فرفع لي بيتان في فضاء من الأرض فقصدت قصدهما فوجدت في أحدهما شيخا كبيرا فقلت له هل أحسست من ناقتين عشراوين قال وما نارهما - يعني السمة - فقلت ميسم بني دارم فقال قد أصبت ناقتيك ونتجناهما وظأرتا على أولادهما ونعش الله بهما أهل بيت من قومك من العرب من مضر فبينا هو يخاطبني إذ نادته امرأة من البيت الآخر قد ولدت فقال وما ولدت إن كان غلاما فقد شركنا في قوتنا وإن كانت جارية فادفنوها فقالت هي جارية أفأئدها فقلت وما هذا المولود قالت بنت لي فقلت إني أشتريها منك فقال يا أخا بني تميم أتقول لي أتبيعني ابنتك وقد أخبرتك أني من العرب من مضر فقلت إني لا أشتري منك رقبتها إنما أشتري دمها لئلا تقتلها فقال وبم تشتريها فقلت بناقتي هاتين وولديهما قال لا حتى تزيدني هذا البعير

الذي تركبه قلت نعم على أن ترسل معي رسولا فإذا بلغت أهلي رددت إليك البعير ففعل فلما بلغت أهلي رددت إليه البعير فلما كان في بعض الليل فكرت في نفسي فقلت إن هذه مكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب فظهر الإسلام وقد أحييت ثلثمائة وستين موؤودة أشتري كل واحدة منهن بناقتين عشراوين وجمل فهل لي في ذلك من أجر يا رسول الله فقال عليه السلام هذا باب من البر ولك أجره إذ من الله عليك بالإسلام قال عباد ومصداق ذلك قول الفرزدق
( وجدِّي الذي منع الوائداتِ ... وأحيا الوئيد فلم يُؤأَدِ )
أخبرني محمد بن يحيى عن الغلابي عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي قال
وفد صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على رسول الله في وفد من تميم وكان صعصعة قد منع الوئيد في الجاهلية فلم يدع تميما تئد وهو يقدر على ذلك فجاء الإسلام وقد فدى أربعمائة جارية فقال للنبي أوصني فقال أوصيك بأمك وأبيك وأخيك وأختك وإمائك قال زدني قال احفظ ما بين لحييك وما بين رجليك
ثم قال له عليه السلام ما شيء بلغني عنك فعلته قال يا رسول الله رأيت الناس يموجون على غير وجه ولم أدر أين الوجه غير أني علمت أنهم ليسوا عليه ورأيتهم يئدون بناتهم فعلمت أن ربهم لم يأمرهم بذلك فلم أتركهم يئدون وفديت من قدرت عليه
وروى أبو عبيدة أنه قال للنبي إني حملت حمالات في الجاهلية

والإسلام وعلي منها ألف بعير فأديت من ذلك سبعمائة فقال له إن الإسلام أمر بالوفاء ونهى عن الغدر فقال حسبي حسبي ووفى بها
وروي أنه إنما قال هذا القول لعمر بن الخطاب وقد وفد إليه في خلافته
وكان صعصعة شاعرا وهو الذي يقول أنشدنيه محمد بن يحيى له
( إذا المرءُ عادى من يودُّك صدرُه ... وكان لمن عاداك خِدْناً مُصَافيَا )
( فلا تسأَلنْ عما لديه فإنّه ... هو الداءُ لا يخفى بذلك خافيا )

أبوه هو اعطى تميم وبكر
أخبرني محمد بن يحيى عن محمد بن زكريا عن عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي عن عوانة قال
تراهن نفر من كلب ثلاثة على أن يختاروا من تميم وبكر نفرا ليسائلوهم فأيهم أعطى ولم يسألهم عن نسبهم من هم فهو أفضلهم فاختار كل رجل منهم رجلا والذين اختيروا عمير بن السليك بن قيس بن مسعود الشيباني وطلبة بن قيس بن عاصم المنقري وغالب بن صعصعة المجاشعي أبو الفرزدق فأتوا ابن السليك فسألوه مائة ناقة فقال من أنتم فانصرفوا عنه
ثم أتوا طلبة بن قيس فقال لهم مثل قول الشيباني فأتوا غالبا فسألوه فأعطاهم مائة ناقة وراعيها ولم يسألهم من هم فساروا بها ليلة ثم ردوها وأخذ صاحب غالب الرهن وفي ذلك يقول الفرزدق

( وإذا ناحبْت كلَبٌ على الناس أيُّهم ... أحقُّ بتاج الماجد المتكرِّم )
( على نفرٍ هُم من نزار ذوي العلا ... وأهل الجراثيم التي لم تهدَّم )
( فلم يُجْزِ عن أَحسابهم غيرُ غالبٍ ... جرَى بعنان كلِّ أبيضَ خِضرم )

مباراة في الكرم بين أبيه وسحيم بن وثيل
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن جهم السليطي عن إياس بن شبة عن عقال بن صعصعة قال
أجدبت بلاد تميم وأصابت بني حنظلة سنة في خلافة عثمان فبلغهم خصب عن بلاد كلب بن وبرة فانتجعتها بنو حنظلة فنزلوا أقصى الوادي وتسرع غالب بن صعصعة فيهم وحده دون بني مالك بن حنظلة ولم يكن مع بني يربوع من بني مالك غير غالب فنحر ناقته فأطعمهم إياها فلما وردت إبل سحيم بن وثيل الرياحي حبس منها ناقة فنحرها من غد فقيل لغالب إنما نحر سحيم مواءمة لك أي مساواة لك فضحك غالب وقال كلا ولكنه امرؤ كريم وسوف أنظر في ذلك فلما وردت إبل غالب حبس منها ناقتين فنحرهما فأطعمهما بني يربوع فعقر سحيم ناقتين فقال غالب الآن علمت أنه يوائمني فعقر غالب عشرا فأطعمها بني يربوع فعقر سحيم عشرا فلما بلغ غالبا فعله ضحك وكانت إبله ترد لخمس فلما وردت عقرها كلها عن آخرها فالمكثر يقول كانت أربعمائة والمقل يقول كانت مائة فأمسك سحيم حينئذ ثم إنه عقر في خلافة علي بن أبي

طالب صلوات الله عليه بكناسة الكوفة مائتي ناقة وبعير فخرج الناس بالزنابيل والأطباق والحبال لأخذ اللحم ورآهم علي عليه السلام فقال أيها الناس لا يحل لكم إنما اهل بها لغير الله عز و جل قال فحدثني من حضر ذلك قال كان الفرزدق يومئذ مع أبيه وهو غلام فجعل غالب يقول يا بني اردد علي والفرزدق يردها عليه ويقول له يا أبت اعقر قال جهم فلم يغن عن سحيم فعله ولم يجعل كغالب إذ لم يطق فعله

قيد نفسه حتى حفظ القرآن
حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن القاسم يعني أبا العيناء عن أبي زيد النحوي عن أبي عمرو قال
جاء غالب أبو الفرزدق إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالفرزدق بعد الجمل بالبصرة فقال إن ابني هذا من شعراء مضر فأسمع منه قال علمه القرآن فكان ذلك في نفس الفرزدق فقيد نفسه في وقت وآلى لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن
قال محمد بن يحيى فقد صح لنا أن الفرزدق كان شاعرا موصوفا أربعا وسبعين سنة وندع ما قبل ذلك لأن مجيئه به بعد الجمل على الاستظهار كان في سنة ست وثلاثين وتوفي الفرزدق في سنة عشر ومائة في أول خلافة هشام هو وجرير والحسن البصري وابن سيرين في ستة أشهر وحكي ذلك

عن جماعة منهم الغلابي عن ابن عائشة عن أبيه
أخبرني محمد بن يحيى الصولي عن الغلابي عن ابن عائشة أيضا عن أبيه قال قال الفرزدق أيضا
كنت أجيد الهجاء في ايام عثمان قال ومات غالب أبو الفرزدق في أول أيام معاوية ودفن بكاظمة فقال الفرزدق يرثيه
( لقد ضمّت الأكفانُ من آل دارمٍ ... فتىً فائِضَ الكفّين محضَ الضَّرائب )

المفضل الضبي يفاضل بينه وبين جرير
أخبرني حبيب المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال حدثني جعفر بن محمد العنبري عن خالد ابن أم كلثوم قال
قيل للمفضل الضبي الفرزدق أشعر أم جرير قال الفرزدق قال قلت ولم قال لأنه قال بيتا هجا فيه قبيلتين ومدح فيه قبيلتين وأحسن في ذلك فقال
( عجبتُ لِعجلٍ إذ تُهاجِي عَبِيدَها ... كما آلُ يربوع هَجَوْا آلَ دَارِمِ )
فقيل له قد قال جرير
( إنّ الفرزدقَ والبَعِيثَ وأمّه ... وأَبَا البَعِيث لشرّ ما إِستارِ )

فقال وأي شيء أهون من أن يقول إنسان فلان وفلان وفلان والناس كلهم بنو الفاعلة
أخبرني عبد الله بن مالك قال حدثنا محمد بن حبيب قال حدثني موسى بن طلحة قال قال أبو عبيدة معمر بن المثنى
كان الشعراء في الجاهلية من قيس وليس في الإسلام مثل حظ تميم في الشعر وأشعر تميم جرير والفرزدق ومن بني تغلب الأخطل
قال يونس بن حبيب ما ذكر جرير والفرزدق في مجلس شهدته قط فاتفق المجلس على أحدهما قال وكان يونس فرزدقيا
أخبرني عمي عن محمد بن رستم الطبري عن أبي عثمان المازني قال
مر الفرزدق بابن ميادة الرماح والناس حوله وهو ينشد
( لو أنّ جميعَ الناس كانوا بربوة ... وجئتُ بجَدّي ظالِمٍ وابنِ ظَالِم )
( لظلَّت رقاب الناس خاضعةً لنا ... سُجوداً على أقدامنا بالجماجم )
فسمعه الفرزدق فقال أما والله يا بن الفارسية لتدعنه لي أو لأنبشن أمك من قبرها فقال له ابن ميادة خذه لا بارك الله لك فيه فقال الفرزدق
( لو أنّ جميعَ الناس كانوا بربوة ... وجئتُ بجَدّي دارِمٍ وابنِ دارِمِ )
( لظلَّت رقاب الناس خاضعةً لنا ... سُجوداً على أقدامنا بالجماجم )

هو وجرير يتشاكيان عند يزيد بن عبد الملك
أخبرني عمي عن الكراني عن أبي فراس الهيثم بن فراس قال

حدثني ورقة بن معروف عن حماد الراوية قال
دخل جرير والفرزدق على يزيد بن عبد الملك وعنده بنية له يشمها فقال جرير ما هذه يا أمير المؤمنين عندك قال بنية لي قال بارك الله لأمير المؤمنين فيها فقال الفرزدق إن يكن دارم يضرب فيها فهي أكرم العرب ثم أقبل يزيد على جرير فقال مالك والفرزدق قال إنه يظلمني ويبغي علي فقال الفرزدق وجدت آبائي يظلمون آباءه فسرت فيه بسيرتهم قال جرير وأما والله لتردن الكبائر على أسافلها سائر اليوم فقال الفرزدق أما بك يا حمار بني كليب فلا ولكن إن شاء صاحب السرير فلا والله ما لي كفء غيره فجعل يزيد يضحك
أخبرنا عبد الله بن مالك عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن حماد الراوية قال
أنشدني الفرزدق يوما شعرا له ثم قال لي أتيت الكلب يعني جريرا قلت نعم قال أفأنا أشعر أم هو قلت أنت في بعض وهو في بعض قال لم تناصحني قال قلت هو أشعر منك إذا أرخي من خناقه وأنت أشعر منه إذا خفت أو رجوت قال قضيت لي والله عليه وهل الشعر إلا في الخير والشر
قال وروي عن أبي الزناد عن أبيه قال
قال لي جرير يا أبا عبد الرحمن أنا أشعر أم هذا الخبيث يعني الفرزدق وناشدني لأخبرنه فقلت لا والله ما يشاركك ولا يتعلق بك في النسيب قال أوه قضيت والله له علي أنا والله أخبرك ما دهاني إلا أني

كذا وكذا شاعرا فسمى عددا كثيرا وأنه تفرد لي وحدي

خبره مع النوار ابنة عمه
أخبرني عبد الله قال قال المازني قال أبو علي الحرمازي
كان من خبر الفرزدق والنوار ابنة أعين بن صعصعة بن ناجية بن عقال المجاشعي وكانت ابنة عمه أنه خطبها رجل من بني عبد الله بن دارم فرضيته وكان الفرزدق وليها فأرسلت إليه أن زوجني من هذا الرجل فقال لا أفعل أو تشهديني أنك قد رضيت بمن زوجتك ففعلت فلما توثق منها قال أرسلي إلى القوم فليأتوا فجاءت بنو عبد الله بن دارم فشحنوا مسجد بني مجاشع وجاء الفرزدق فحمد الله وأثنى عليه ثم قال قد علمتم أن النوار قد ولتني أمرها وأشهدكم أني قد زوجتها نفسي على مائة ناقة حمراء سوداء الحدقة فنفرت من ذلك وأرادت الشخوص إلى ابن الزبير حين أعياها أهل البصرة ألا يطلقوها من الفرزدق حتى يشهد لها الشهود وأعياها الشهود أن يشهدوا لها اتقاء الفرزدق وابن الزبير يومئذ أمير الحجاز والعراق يدعى له بالخلافة فلم تجد من يحملها وأتت فتية من بني عدي بن عبد مناة بن أد يقال لهم بنو أم النسير فسألتهم برحم تجمعهم وإياها وكانت بينها وبينهم قرابة فأقسمت عليهم أمها ليحملنها فحملوها فبلغ ذلك الفرزدق فاستنهض عدة من أهل البصرة فأنهضوه واوقروا له عدة من الإبل وأعين بنفقة فتبع النوار وقال

( أطاعت بني أم النُّسَيْر فأصبحت ... على شارفٍ ورقاءَ صعبٍ ذلولُها )
( وإنّ الذي أمسى يخبِّب زوجتي ... كماشٍ إلى أُسْد الشّرى يَستبِيلها )
فأدركها وقد قدمت مكة فاستجارت بخولة بنت منظور بن زيان بن سيار الفزاري وكانت عند عبد الله بن الزبير فلما قدم الفرزدق مكة اشرأب الناس إليه ونزل على بني عبد الله بن الزبير فاستنشدوه واستحدثوه ثم شفعوا له إلى أبيهم فجعل يشفعهم في الظاهر حتى إذا صار إلى خولة قلبته عن رأيه فمال إلى النوار فقال الفرزدق في ذلك

صوت
( أمّا بنوه فلم تُقْبل شفاعتُهم ... وشُفّعت بنتُ منظورِ بن زِبّانَا )
( ليس الشّفيع الذي يأتيك مُؤْتَزِراً ... مثلَ الشفيع الذي يأتيكَ عُرْيانَا )
لعريب في هذا البيت خفيف رمل
قال وسفر بينهما رجال من بني تميم كانوا بمكة فاصطلحا على أن يرجعا إلى البصرة ولا يجمعهما ظل ولا كن حتى يجمعا في أمرهما ذلك بني تميم ويصيرا على حكمهم ففعلا فلما صارا إلى البصرة رجعت إليه النوار بحكم عشيرتها
قال وقال غير الحرمازي إن ابن الزبير قال للفرزدق جئني بصداقها

فرقت بينكما فقال الفرزدق أنا في بلاد عربة فكيف أصنع قالوا له عليك بسلم بن زياد فإنه محبوس في السجن يطالبه ابن الزبير بمال فأتاه فقص عليه قصته قال كم صداقها قال أربعة آلاف درهم فأمر له بها وبألفين للنفقة فقال للفرزدق
( دعِي مُغلِقي الأبواب دون فَعالهم ... ولكن تمشَّى بي - هُبِلْت - إلى سَلمِ )
( إلى مَن يرى المعروفَ سهلاً سَبِيلُه ... ويفعلُ أفعال الرجال التي تَنمِي )
قال فدفعها إليه الزبير فقال الفرزدق
( هلمّي لابن عمك لا تكوني ... كمختارٍ على الفرس الحمارا )
قال فجاء بها إلى البصرة - وقد أحبلها - فقال جرير في ذلك
( ألا تِلكمُ عِرسُ الفرزدق جامحاً ... ولو رضِيَتْ رُمح استِهِ لاستقرَّت )
فأجابه الفرزدق وقال
( وأمُّك لو لاقيتُها بِطِمرَّةٍ ... وجاءت بها جوف استِها لاستقرّت )
وقال الفرزدق وهو يخاصم النوار
( تُخاصمني وقد أولجتُ فيها ... كرأس الضَّبّ يلتمس الجرادا )
قال الحرمازي ومكثت النوار عنده زمانا ترضى عنه أحيانا وتخاصمه أحيانا وكانت النوار امرأة صالحة فلم تزل تشمئز منه وتقول له ويحك

تعلم أنك إنما تزوجت بي ضغطة وعلى خدعة ثم لا تزال في كل ذلك حتى حلفت بيمين موثقة ثم حنثت وتجنبت فراشه فتزوج عليها امرأة يقال لها جهيمة من بني النمر بن قاسط حلفاء لبني الحارث بن عباد بن ضبيعة وأمها الخميصة من بني الحارث بن عباد فنافرته الخميصة واستعدت عليه فأنكرها الفرزدق وقال إنها مني بريء طالق وطلق ابنتها وقال
( إن الخميصةَ كانت لي ولاب نتها ... مثل الهَراسةِ بين النّعل والقَدَم )
( إذا أتت أهلَها مني مُطَلَّقة ... فلن أردَّ عليها زَفرَة النَّدم )
جعل يأتي النوار وبه ردع الخلوق وعليه الأثر فقالت له النوار هل تزوجتها إلا هدادية - تعني حيا من أزد عمان - فقال الفرزدق في ذلك
( تُريكَ نجومَ الليل والشَّمسُ حَيَّةٌ ... كرامُ بنات الحارث بن عُبادِ )
( أبوها الذي قاد النّعامة بعد ما ... أبت وائلٌ في الحرب غير تمادِ )
( نساءٌ أبوهنّ الأعزُّ ولم تكن ... من الأزد في جاراتها وهَدادِ )
( ولم يكُ في الحيّ الغموضِ محلُّها ... ولا في العُمانيّيين رهطِ زيادِ )
( عَدلتُ بها مَيلَ النّوار فأَصبحتْ ... وقد رَضيت بالنّصف بعد بعادِ )

قال فلم تزل النوار ترققه وتستعطفه حتى أجابها إلى طلاقها وأخذ عليها ألا تفارقه ولا تبرح من منزله ولا تتزوج رجلا بعده ولا تمنعه من مالها ما كانت تبذله له وأخذت عليه أن يشهد الحسن البصري على طلاقها ففعل ذلك
قال المازني وحدثني محمد بن روح العدوي عن أبي شفقل راوية الفرزدق قال
ما استصحب الفرزدق أحدا غيري وغير راوية آخر وقد صحب النوار رجال كثيرة إلا أنهم كانوا يلوذون بالسواري خوفا من أن يراهم الفرزدق فأتيا الحسن فقال له الفرزدق يا أبا سعيد قال له الحسن ما تشاء قال أشهد أن النوار طالق ثلاثا فقال الحسن قد شهدنا فلما انصرفنا قال يا أبا شفقل قد ندمت فقلت له والله إني لأظن أن دمك يترقرق أتدري من أشهدت والله لئن رجعت لترجمن بأحجارك فمضى وهو يقول
( ندمتُ ندامةَ الكُسَعِيّ لمّا ... غدت منّي مُطلَّقةً نوارُ )
( ولو أنّي ملكتُ يدي وقلبي ... لكان عليّ للقدَر الخيارُ )
( وكانت جَنّتي فخرجتُ منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار )
( وكنتُ كفاقىءٍ عينيه عمداً ... فأصبح ما يضيء له النهارُ )

يهجو بني قيس لأنهم ألجأوا النوار
وأخبرني بخبره مع النوار أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن

شبة قال حدثني محمد بن يحيى عن أبيه يحيى بن علي بن حميد
أن النوار لما كرهت الفرزدق حين زوجها نفسه لجأت إلى بني قيس بن عاصم المنقري ليمنعوها فقال الفرزدق فيهم
( بني عاصم لا تجنبوها فإنكم ... ملاجِىءُ للسوءات دُسْم العَمائِم )
( بَنِي عاصمٍ لو كان حَيّاً أبوكم ... للام بنيه اليومَ قيسُ بن عاصمِ )
فبلغهم ذلك الشعر فقالوا له والله لئن زدت على هذين البيتين لنقتلنك غيلة وخلوه والنوار وأرادت منافرته إلى ابن الزبير فلم يقدر أحد على أن يكريها خوفا منه ثم إن قوما من بني عدي يقال لهم بنو أم النسير أكروها فقال الفرزدق
( ولولا أن يقول بنو عدِيٍّ ... ألم تَك أمَّ حَنظلة النَّوارُ )
( أَتتكم يا بني مِلْكان عنّي ... قوافٍ لا تُقسّمها التِّجارُ )
وقال فيهم أيضا
( لعمري لقد أردى النّوارَ وساقها ... إلى البور أحلامٌ خِفافٌ عقولُها )
( أطاعت بني أمّ النسير فأصبحت ... على قَتب يعلو الفلاة دليلها )
( وقد سَخِطَت مِنّي النّوارُ الذي ارتضَى ... به قبلَها الأزواجُ خاب رحيلُها )

( وإن امرأ أمسى يُخَبّب زوجتي ... كساعٍ إلى أُسْدِ الشرى يستبيلها )
( ومن دون أَبواب الأسود بَسالةً ... وبَسْطَة أَيدٍ يمنع الضّيْمَ طُولُها )
( وإنّ أميرَ المؤرمنين لعالِمٌ ... بتأويل ما وَصَّى العِبَادَ رَسُولُها )
( فَدُونَكَها يابنَ الزبير فإنها ... مُوَلَّعَة يُوهِي الحجارةَ قِيلُها )
( وما جادل الأقوامَ من ذي خصومة ... كورهاء مَشْنوءٍ إليها حليلُها )
فلما قدمت مكة نزلت على تماضر بنت منظور بن زبان زوجة عبد الله بن الزبير ونزل الفرزدق بحمزة بن عبد الله بن الزبير ومدحه بقوله
( أَمسيتُ قد نزلتْ بحمزة حاجَتِي ... إن المنوَّه باسمِه الموثوقُ )
( بأبي عمارةَ خيرِ من وَطِىء الحصا ... وجرت له في الصالحين عُروقُ )
( بين الحواريِّ الأعزّ وهاشمٍ ... ثم الخليفةُ بعدُ والصِّدِّيق )
غنى في هذه الأبيات ابن سريج رملا بالبنصر
قال فجعل أمر النوار يقوى وأمر الفرزدق يضعف فقال
( أَمَّا بنوه فلم تُقْبل شفَاعتُهم ... وَشُفِّعَتْ بنتُ منظورِ بنِ زِبَّانَا )

ملاحاة بينه وبين ابن الزبير
وقال ابن الزبير للنوار إن شئت فرقت بينكما وقتلته فلا يهجونا أبدا وإن شئت سيرته إلى بلاد العدو فقالت ما أريد واحدة منهما فقال

لها فإنه ابن عمك وهو فيك راغب فأزوجك إياه قالت نعم فزوجها منه فكان الفرزدق يقول خرجنا ونحن متباغضان فعدنا متحابين
قال وكان الفرزدق قال لعبد الله بن الزبير - وقد توجه الحكم عليه - إنما تريد أن أفارقها فتثب عليها وكان ابن الزبير حديدا فقال له هل أنت قومك إلا جالية العرب
ثم أمر به فأقيم وأقبل على من حضر فقال إن بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة فاستلبوه فاجتمعت العرب عليها لما انتهكت منه ما لم ينتهكه أحد قط فأجلتها من أرض تهامة قال فلقي الفرزدق بعض الناس فقال إيه يعيرنا ابن الزبير بالجلاء اسمع ثم قال
( فإن تغْضَبْ قريشٌ أو تَغَضَّب ... فإنَّ الأرضَ تُوعِبُها تميم )
( هُم عَددُ النجوم وكلُّ حيٍّ ... سواهمْ لا تُعدُّ له نجوم )
( ولولا بيت مكةَ ما ثويتم ... بها صحَّ المنابتُ والأروم )
( بها كثُر العديدُ وطاب منكم ... وغيرُكم أخِيذُ الريش هِيم )
( فمهلاً عن تعلّل مَن غَدَرْتم ... بخونته وعذَّبه الحَميم )
( أعبدَ اللهِ مهلاً عن أداتي ... فإني لا الضعيفُ ولا السؤوم )
( ولكنِّي صفاةٌ لم تُدَنَّس ... تزِلُّ الطيرُ عنها والعُصومُ )

( أنا ابن العاقِر الخُورَ الصّفايا ... بضوّى حين فُتِّحت العُكوم )
قال فبلغ هذا الشعر ابن الزبير وخرج للصلاة فرأى الفرزدق في طريقه فغمز عنقه فكاد يدقها ثم قال
( لقد أصبحت عِرسُ الفرزدق ناشزاً ... ولو رَضِيت رُمحَ استه لاستقرّت )
وقال هذا الشعر لجعفر بن الزبير
وقيل إن الذي كان تقرر عليه عشرة آلاف درهم وإن سلم بن زياد أمر له بعشرين ألف درهم مهرا ونفقة فقبضها فقالت له زوجته أم عثمان بنت عبد الله بن عمرو بن أبي العاص الثقفية أتعطي عشرين ألف درهم وأنت محبوس فقال
( ألا بَكَرَتْ عِرسِي تلومُ سفاهةً ... على ما مضى مني وتأمرُ بالبُخْلِ )
( فقلتُ لها - والجودُ مِنِّي سجيّةٌ - ... وهل يمنع المعروفَ سُوَّالَه مِثلي )
( ذَرِيني فإنّي غيرُ تارك شِيمتي ... ولا مُقصرٍ طول الحياة عن البذْلِ )
( ولا طاردٍ ضيفي إذا جاء طارقا ... وقد طرق الأضيافُ شيخيَ من قبلي )
( أَأَبخَلُ إن البُخْل ليس بمُخْلِدي ... ولا الجودُ يدنيني إلى الموت والقتل )
( أَبيعُ بني حرب بآلِ خويلدٍ ... وما ذاك عند الله في البيع بالعدل )
( وليس ابنُ مروان الخليفةُ مشبهاً ... لفحل بَني العوَّام قُبِّح من فحل )
( فإن تُظهرُوا ليَ البخلَ آلَ خُوَيْلد ... فما دأْبكم دأْبِي ولا شكلُكم شكلِي )
( وإن تَقهروني حين غابت عشيرتي ... فمن عجبِ الأيام أن تقهروا مِثلي )

فلما اصطلحا ورضيت به ساق إليها مهرها ودخل بها وأحبلها قبل أن يخرج من مكة
ثم خرجا وهما عديلان في محمل
وأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد بنحو من هذه القصة
قال عمر بن شبة قال الفرزدق في خبره
( يا حمزَ هل لك في ذي حاجة عَرضت ... أنضاؤه بمكان غيرِ ممطور )
( فأنت أحرى قريش أن تكون لها ... وأنت بين أبي بكر ومنظور ) ( بين الحواري والصدّيق في شُعَبٍ ... ثَبَتْنَ في طُنُب الإِسلام والخير )

كانت القبائل تتقي هجاءه
أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي قال
كان فتى من بني حرام شويعر هجا الفرزدق قال فأخذناه فأتينا به الفرزدق وقلنا هذا بين يديك فإن شئت فاضرب وإن شئت فاحلق فلا عدوى عليك ولا قصاص قد برئنا إليك منه قال فخلى سبيله وقال
( فمن يك خائفاً لأذاة شعري ... فقد أمِنَ الهجاء بَنُو حرامِ )
( هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائدَ مثل أَطواق الحمامِ )

قال ابن سلام وحدثني عبد القاهر قال
مر الفرزدق بمجلسنا مجلس بني حرام ومعنا عنبسة مولى عثمان بن عفان فقال يا أبا فراس متى تذهب إلى الآخرة قال وما حاجتك إلى ذاك يا أخي قال أكتب معك إلى أبي قال أنا لا أذهب إلى حيث أبوك أبوك في النار اكتب إليه مع ريالويه واصطقانوس
أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد عن أبيه قال أخبرني مخبر عن خالد بن كلثوم الكلبي قال
مررت بالفرزدق وقد كنت دونت شيئا من شعره وشعر جرير وبلغه ذلك فاستجلسني فجلست إليه وعذت بالله من شره وجعلت أحدثه حديث أبيه وأذكر له ما يعجبه ثم قلت له إني لأذكر يوم لقبك بالفرزدق قال وأي يوم قال مررت به وأنت صبي فقال له بعض من كان يجالسه كأن ابنك هذا الفرزدق دهقان الحيرة في تيهه وأبهته فسماك بذاك فأعجبه هذا القول وجعل يستعيد ثم قال أنشدني بعض أشعار ابن المراغة فيّ فجعلت أنشده حتى انتهيت ثم قال فأنشد نقائضها التي أجبته بها فقلت ما أحفظها فقال يا خالد أتحفظ ما قاله في ولا تحفظ نقائضه والله لأهجون كلبا هجاء يتصل عاره بأعقابها إلى يوم القيامة إن لم تقم حتى تكتب نقائضها أو تحفظها وتنشدنيها فقلت أفعل فلزمته شهرا حتى حفظت نقائضها وأنشدته إياها خوفا من شره

زواجه من حدراء بنت زيق
أخبرني عبد الله بن مالك قال حدثنا محمد بن حبيب قال حدثني الأصمعي قال
تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس الشيباني وخاصمته النوار وأخذت بلحيته فجاذبها وخرج عنها مغضبا وهو يقول
( قامَتْ نوارُ إليَّ تَنتِف لِحيتي ... تَنْتافَ جعدةَ لحيةَ الخشخاشِ )
( كلتاهما أسدٌ إذا ما أُغْضِبت ... وإذا رَضينَ فهنْ خير معاشِ )
قال والخشخاش رجل من عنزة وجعد امرأته فجاءت جعدة إلى النوار فقالت ما يريد مني الفرزدق أما وجد لامرأته أسوة غيري
وقال الفرزدق يفضل عليها حدراء
( لعمرِي لأَعرابيَّةٌ في مَظلّةٍ ... تظلُّ برَوقي بيتها الريحُ تخْفُق )
( أحبُّ إلينا من ضِنَاك ضِفَنَّة ... إذا وُضعت عنها المراويحُ تَغرَقُ )
( كرِيمِ غزالٍ أو كُدرَّةِ غائصٍ ... يكاد - إذا مرت - لها الأرض تُشرقُ )
فلما سمعت النوار ذلك أرسلت إلى جرير وقالت للفرزدق والله لأخزينك يا فاسق فجاء جرير فقالت له أما ترى ما قال الفاسق وشكته إليه وأنشدته شعره فقال جرير أنا أكفيك وأنشأ يقول
( ولَسْت بمعطي الحكم عن شَفِّ منصبٍ ... ولا عن بنات الحنظليّين راغبُ )
( وهنّ كماء المزنِ يُشْفَى به الصَّدى ... وكانت مِلاحاً غيرَهُنَّ المشارِبُ )

( لقد كنتَ أهلا أن يسوق دياتكم ... إلى آل زِيق أن يعيبَك عائب )
( وما عدلتْ ذاتُ الصليبِ ظعينةً ... عُتَيْبةُ والرّدفان منها وحاجبُ )
( أأهْديتَ يا زيقُ بن بَسطامَ ظَبيةً ... إلى شرِّ من تُهْدَى إليه القرائبُ )
( ألا رُبَّما لم نُعْطِ زِيقاً بحُكمِه ... وأَدّى إلينا الحكمَ والغُلُّ لازبُ )
( حَوينَا أبا زِيقٍ وزيقاً وعمَّه ... وجَدّةُ زِيق قد حَوتْها المقانِبُ )
فأجابه الفرزدق فقال
( تقول كليبٌ حين مثَّت سِبالها ... وأعشَبَ من مرُوتِها كلُّ جانب )
( لسوّاقِ أغنام رعتهنّ أمّه ... إلى أن علاها الشيبُ فوق الذوائب )
( ألستَ إذا القعساءُ مرت براكب ... إلى آل بِسطام بن قيس بخاطب )
( وقالوا سمعنا أنّ حدراءَ زُوِّجَتْ ... على مائَةٍ شُمِّ الذُرى والغوارب )
( فلو كنتَ من أكفاء حدْراء لم تلُمْ ... على دَارِميٍّ بين ليلى وغالبِ )
( فنل مثلَها من مثلهم ثُم أُمَّهم ... بمِلكك من مال مُراح وعازب )
( وإني لأخشى إن خطبتَ إليهمُ ... عليك الذي لاقَى يسارُ الكَراعبِ )

( ولو تنكِحُ الشّمسُ النجومَ بناتِها ... نكحنا بناتِ الشمسِ قبل الكواكبِ )
وفي المناقضات التي دارت بين الفرزدق وجرير حول زواج بنت زيق قال جرير أبياته التي أولها
( يا زيقُ أنكحتَ قَيناً في استه حَمَمٌ ... يا زيقُ ويْحَك من أنكحتَ يا زيق )
( أين الأُلى أنزلوا النعمان ضاحيةً ... أم أين أبناءُ شيبانَ الغرانيق )
( يا رُبّ قائلةٍ بعد البناء بها ... لا الصهرُ راضٍ ولا ابنُ القينِ معشوقُ )
( غاب المثنَّى فلم يشهد نَجِيَّكُما ... والحوفزَانُ ولم يشهدْك مفروق )
والفرزدق يقول لجرير
( إن كان أنفُك قد أعياك تحمِلُه ... فاركب أتانك ثم اخطُب إلى زِيق )
أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن زكريا بن ثباة الثقفي قال
أنشدني الفرزدق قصيدته التي رثى فيها ابنه فلما انتهى إلى قوله
( بِفي الشَّامِتِين الصَّخْر إن كان مسَّني ... زريّةُ شِبْل مُخْدِرٍ في الضَّراغم )

قال يا أبا يحيى أرأيت ابني قلت لا قال والله ما كان يساوي عباءته

لبطة بن الفرزدق ينشد لأبيه
قال إسحاق حدثني أبو محمد العبدي عن اليربوعي عن أبي نصر قال قدم لبطة بن الفرزدق الحيرة فمر بقوم من بني تغلب فاستقراهم فقروه ثم قالوا له من أنت قال ابن شاعركم ومادحكم وأنا والله ابن الذي يقول فيكم
( أضحى لتغلبَ من تميمٍ شاعِرٌ ... يرمي الأعاديَ بالقريض الأثقل )
( إن غاب كعبُ بني جُعَيلٍ عنهم ... وتنَمَّر الشعراء بعد الأخطل )
( يتباشرون بموتِه ووراءهم ... مِنّي لهم قِطعُ العذاب المُرْسلِ )
فقالوا له فأنت ابن الفرزدق إذا قال أنا هو فتنادوا يا آل تغلب اقضوا حق شاعركم والذائد عنكم في ابنه فجعلوا له مائة ناقة وساقوها إليه فانصرف بها
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال أتى الفرزدق عبد الله بن مسلم الباهلي فسأله فثقل عليه الكثير وخشيه في القليل وعنده عمرو بن عفراء الضبي راوية الفرزدق وقد كان هجاه جرير لروايته للفرزدق في قوله
( ونُبِّئْتُ جوَّاباً وسَلْماً يسبّني ... وعمرو بن عِفْري لا سلامٌ على عمرو )
فقال ابن عفراء للباهلي لا يهولنك أمره أنا أرضيه عنك فأرضاه بدون

ما كان هم له به فأعطاه ثلثمائة درهم فقبلها الفرزدق ورضي عنه فبلغه بعد ذلك صنيع عمرو فقال
( ستعلم يا عمرو بن عفْرى مَن الذي ... يُلام إذا ما الأمر غَبَّتْ عواقبُه )
( نهيتُ ابنَ عِفرى أن يعفّر أُمّه ... كعفْر السّلا إذا جرَّرَتْه ثعالبُه )
( فلو كنت ضَ3بِّياً صفحتُ ولو سَرتْ ... على قَدَمِي حيَّاتُه وعقاربه )
( ولكنْ دِيافِيٌّ أبوه وأُمّه ... بحوْران يعصِرْن السليط أقاربه )
( ولما رأى الدّهنا رمته جبالُها ... وقالت دِيافيٌّ مع الشام جانبه )
( فإن تغضب الدهنا عليك فما بها ... طريقٌ لمرتاد تُقاد رَكائِبُه )
( تضِنُّ بمال الباهليِّ كأنما ... تضِنُّ على المال الذي أنت كاسِبُه )
( وإنّ امرأ يَغْتَابُني لم أطأْ لَه ... حَرِيماً ولا يَنْهاهُ عنِّي أقارِبُه )
( كمحتَطبٍ يوماً أساودَ هَضْبةٍ ... أتاه بها في ظلمة الليل حاطبُه )
( أحينَ التقى ناباي وابيضّ مِسْحَلي ... وأطرق إطراق الكرى من يُجانِبه )
فقال ابن عفراء وأتاه في نادي قومه أجهد جهدك هل هو إلا أن تسبني والله لا أدع لك مساءة إلا أتيتها ولا تأمرني بشيء إلا اجتنبته ولا

تنهاني عن شيء إلا ركبته قال فاشهدوا أني أنهاه أن ينيك أمه فضحك القوم وخجل ابن عفرى
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثنا شعيب بن صخر قال
تزوج ذبيان بن أبي ذبيان العدوي من بلعدوية فدعا الناس في وليمته فدعا ابن أبي شيخ الفقيمي فألقى الفرزدق عنده فقال له يا أبا فراس انهض قال إنه لم يدعني قال إن ابن ذبيان يؤتى وإن لم يدع ثم لا تخرج من عنده إلا بجائزة فأتياه فقال الفرزدق حين دخل
( كم قال لي ابنُ أبي شيخ وقلت له ... كيف السَّبيلُ إلى معروف ذُبيان )
( إنّ القلوصَ إذا أَلقت جآجئها ... قُدَّام بابك لم نرحل بحِرمان )
قال أجل يا أبا فراس فدخل فتغدى عنده وأعطاه ثلثمائة درهم
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبو بكر المدني قال
دخل الفرزدق المدينة فوافق فيها موت طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري - وكان سيدا سخيا شريفا - فقال يا أهل المدينة أنتم أذل قوم لله قالوا وما ذاك يا أبا فراس قال غلبكم الموت على طلحة حتى أخذه منكم

يعطى عروضا بدل النقد
وأتى مكة فأتى عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي - وهو سيد أهل مكة يومئذ - وليس عنده نقد حاضر وهو يتوقع

أعطيته وأعطية ولده وأهله فقال والله يا أبا فراس ما وافقت عندنا نقدا ولكن عروضا إن شئت فعندنا رقيق فرهة فإن شئت أخذتهم قال نعم فأرسل له بوصفاء من بنيه وبني أخيه فقال هم لك عندنا حتى تشخص وجاءه العطاء فأخبره الخبر وفداهم فقال الفرزدق ونظر إلى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وكان يطوف بالبيت الحرام يتبختر
( تمْشي تَبَخْتُر حولَ البيتِ منتخَباً ... لو كنتَ عمرَو بنَ عبد الله لم تزدِ )
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثنا عامر بن أبي عامر - وهو صالح بن رستم الخراز - قال أخبرني أبو بكر الهذلي قال
إنا لجلوس عند الحسن إذ جاء الفرزدق يتخطى حتى جلس إلى جنبه فجاء رجل فقال يا أبا سعيد الرجل يقول لا والله وبلى والله في كلامه قال لا يريد اليمين فقال الفرزدق أو ما سمعت ما قلت في ذلك قال الحسن ما كل ما قلت سمعوا فما قلت قال قلت
( ولستَ بمأخوذٍ بلغوٍ تقوله ... إذا لم تعمَّدْ عاقداتِ العزائم )
قال فلم ينشب أن جاء رجل آخر فقال يا أبا سعيد نكون في هذه المغازي فنصيب المرأة لها زوج أفيحل غشيانها وإن لم يطلقها زوجها فقال الفرزدق أو ما سمعت ما قلت في ذلك قال الحسن ما كل ما قلت سمعوا فما قلت قال قلت
( وذات حَليلٍ أنكحتْنا رِماحُنا ... حلالاً لمن يَبْني بها لم تُطَلَّق )

يهجو في شعره إبليس
قال أبو خليفة أخبرني محمد بن سلام وأخبرني محمد بن جعفر قالا أتى الفرزدق الحسن فقال إني هجوت إبليس فاسمع قال لا حاجة لنا بما تقول قال لتسمعن أو لأخرجن فأقول للناس إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس قال اسكت فإنك بلسانه تنطق
قال محمد بن سلام أخبرني سلام أبو المنذر عن علي بن زيد قال ما سمعت الحسن متمثلا شعرا قط إلا بيتا واحدا وهو قوله
( الموتُ بابٌ وكُلُّ الناسِ داخلُه ... فليتَ شعريَ بعد الباب ما الدَّار )
قال وقال لي يوما ما تقول في قول الشاعر
( لولا جريرٌ هلكتْ بَجِيلهْ ... نِعْمَ الفتى وبِئسَتِ القبيلهْ )
أهجاه أم مدحه قلت مدحه وهجا قومه قال ما مدح من هجي قومه
وقال جرير بن حازم ولم أسمعه ذكر شعرا قط إلا
( ليس مَنْ مات فاستراح بمَيْتٍ ... إنما الميْتُ ميّتُ الأحياء )
وقال رجل لابن سيرين وهو قائم يستقبل القبلة يريد أن يكبر أيتوضأ من الشعر فانصرف بوجهه إليه فقال
( ألا أَصبحتْ عرسُ الفرزدق ناشِزاً ... ولو رضِيتْ رُمحَ استه لاستَقَرَّت )
ثم كبر

متفرقات من أبياته الشائعة
قال ابن سلام وكان الفرزدق أكثرهم بيتا مقلدا - والمقلد المغني المشهور الذي يضرب به المثل - من ذلك قوله
( فيا عجباً حتى كليبٌ تسبني ... كأنّ أباها نَهْشَلٌ أو مُجاشِعُ )
وقوله
( ليس الكرام بناحِليك أباهمُ ... حتى يُردَّ إلى عطية نَهْشَلِ )
وقوله
( وكنّا إذا الجبّار صَعَّر خَدّه ... ضربناه حتى تستقيم الأَخادع )
وقوله
( وكنتَ كذئب السوء لما رأى دَمَاً ... بصاحبه يوماً أحال على الدَّم )
وقوله
( تُرجِّي رُبيعٌ أن تجيء صغارُها ... بخير وقد أعيا رُبيعاً كبارُها )
وقوله
( أكلتْ دوابرها الإِكَامُ فمشيها ... مما وَجِئْن كمشية الإِعياء )
وقوله
( قوارص تأتيني وتحتقرونها ... وقد يملأ القطرُ الإِناءَ فَيَفعُمِ )
وقوله
( أحلاَمُنا تزن الجبالَ رَزانةً ... وتخالنا جِناً إذا ما نجهل )
وقوله
( وإنك إذ تسعى لتدرك دارماً ... لأنت المُعَنَّى يا جرير المُكَلف )
وقوله
( فإن تنجُ مني تنج من ذي عَظيمةٍ ... وإلا فإِنّي لا إِخالك ناجيا )
وقوله
( ترى كل مظلوم إلينا فِرارُه ... ويهربُ منا جهدَه كُلُّ ظالمِ )
وقوله
( ترى الناس ما سِرْنا يسيرون حولَنا ... وإن نحن أومأنا إلى النّاس وقَّفوا )
وقوله
( فسَيف بني عبسٍ وقد ضربوا به ... نَبا بيَدَيْ وَرْقاءَ عن رأسِ خالد )

( كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... ويَقطعن أَحياناً مَنَاط القَلائِد )
وكان يداخل الكلام وكان ذلك يعجب أصحاب النحو من ذلك قوله يمدح هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك
( وأصبح ما في الناس إلا مُمَلَّكاً ... أبو أمه حَيٌّ أَبوه يُقاربه )
وقوله
( تالله قد سَفِهَتْ أميّةُ رأيَها ... فاستجهلت سُفهاؤها حلماءَها )
وقوله
( ألستم عائجين بنا لعنَّا ... نرى العَرصاتِ أو أَثَر الخيام )
فقالوا
( إن فعلتَ فأغنِ عنا ... دُموعاً غيرَ راقِئة السّجام )
وقوله
( فهل أنتَ إن ماتت أتانُكَ راحِلٌ ... إلى آل بِسطام بن قيس فخاطب )
وقوله
( فَنَلْ مثلَها من مثلِهم ثم دُلَّهم ... على دارميّ بين ليلى وغالب )
وقوله
( تعالَ فإن عاهدتني لا تخونُني ... نكنْ مثلَ مَنْ - يا ذئبُ - يَصْطحبان )
وقوله
( إنا وإياك إن بلّغْنَ أرحُلَنا ... كمَنْ بِواديه بعد المَحْل مَمْطورُ )
وقوله
( بنى الفاروق أمّك وابن أروى ... به عثمان مروان المصابا )
وقوله
( إلى مَلِك ما أمُّه من مُحاربٌ ... أبوه ولا كانت كليب تصاهِرُه )

وقوله
( إليك أميرَ المؤمنين رمَتْ بنا ... هموم المنا والهَوْجَل المتعسّف )
( وعضّ زمانٌ يا بن مروان لم يدعْ ... من المال إلا مُسحتاً أو مُجلَّف )
وقوله
( ولقد دنت لك بالتخلّف إذْ دنَت ... منها بلا بَخَلٍ ولا مبذولِ )
( وكأنّ لونَ رُضابِ فيها إذ بدا ... بَرَدٌ برفع بَشامةٍ مصْقولُ )
وقوله فيها لمالك بن المنذر
( إنّ ابن ضيّاري ربيعةَ مالِكاً ... لله سيف صنيعةٍ مَسْلولُ )
( ما نال من آل المُعلّى قبلَه ... سيفٌ لكل خليفة ورسُولُ )
( ما من يَديْ رَجُل أحقُّ بما أتى ... من مكرمات عطاية الأخطارِ )
( من راحتين يزيدُ يقدح زندَه ... كفّاهما ويشد عقد جوار )
( وقوله ... )
( إذا جئتَه أعطاك عفواً ولم يكن ... على ماله حال الندى منك سائله )
( لدى ملك لا تنصف النعلُ ساقَه ... أجل لا وإن كانت طُوالاً حمائله )
وقوله
( والشيب يَنْهَضُ في الشباب كأنه ... ليل يسير بجانبيه نهار )

كان صادقا في مدحه
قال أبو خليفة أخبرنا محمد بن سلام قال حدثني شعيب بن صخر

عن محمد بن زياد وأخبرني به الجوهري وجحظة عن ابن شبة عن محمد ابن سلام وكان محمد في زمام الحجاج زمانا قال
انتهيت إلى الفرزدق بعد موت الحجاج بالردم وهو قائم والناس حوله ينشد مديح سليمان بن عبد الملك
( وكم أطلقتْ كفاك من غلّ بائس ... ومن عُقدةٍ ما كان يُرجَى انحلالُها )
( كثيراً من الأيدي التي قد تُكتَّفَتْ ... فَكَكْتَ وأعناقاً عليها غِلالها )
قال قلت أنا والله أحدهم فأخذ بيدي وقال أيها الناس سلوه عما أقول والله ما كذبت قط
أخبرني جحظة قال حدثني ابن شبة عن محمد بن سلام فذكر مثله وقال فيه والله ما كذبت قط ولا أكذب أبدا

يأبى الحضور إلى يزيد بن المهلب قبل أن يدفع له
قال أبو خليفة قال ابن سلام وسمعت الحارث بن محمد بن زياد يقول
كتب يزيد بن المهلب لما فتح جرجان إلى أخيه مدركة أو مروان احمل إلي الفرزدق فإذا شخص فأعط أهله كذا وكذا ذكر عشرة آلاف درهم فقال له الفرزدق ادفعها إلي قال اشخص وادفعها إلى أهلك فأبى وخرج وهو يقول
( دعاني إلى جُرجانَ والرّيُّ دونه ... لآتِيَهُ إنّي إذاً لزءورُ )

( لآتِيَ من آل المهلَّب ثائراً ... بأعراضِهم والدَّائرات تدُورُ )
( سَآبَى وتَأْبى لي تميمٌ وربما ... أبَيْتُ فلم يقدر عليّ أمير )
قال أبو خليفة قال ابن سلام
وسمعت سلمة بن عياش قال حبست في السجن فإذا فيه الفرزدق قد حبسه مالك بن المنذر بن الجارود فكان يريد أن يقول البيت فيقول صدره وأسبقه إلى القافية ويجيء إلى القافية فأسبقه إلى الصدر فقال لي ممن أنت قلت من قريش قال كل أير حمار من قريش من أيهم أنت قلت من بني عامر بن لؤي قال لئام والله أذلة جاورتهم فكانوا شر جيران قلت ألا أخبرك بأذل منهم وألأم قال من قلت بنو مجاشع قال ولم ويلك قلت أنت سيدهم وشاعرهم وابن سيدهم جاءك شرطي مالك حتى أدخلك السجن لم يمنعوك قال قاتلك الله
قال أبو خليفة قال ابن سلام
وكان مسلمة بن عبد الملك على العراق بعد قتل يزيد بن المهلب فلبث بها غير كثير ثم عزله يزيد بن عبد الملك واستعمل عمر بن هبيرة على العراق فأساء عزل مسلمة فقال الفرزدق وأنشدنيه يونس
( ولت بمسلمةَ الركابُ مُودَّعاً ... فارعَيْ فزارةُ لا هَناكِ المَرْتَعُ )
( فسد الزمانُ وبُدِّلت أعلامُه ... حتى أميّةُ عن فزارةَ تنْزِع )
( ولقد علمتُ إذا فزارةُ أُمِّرت ... أن سوف تطمع في الإِمارة أشجعُ )

( وبحقّ ربك ما لهم ولمثلهم ... في مثل ما نالت فَزارةُ مطمع )
( عُزِل ابنُ بشر وابنُ عَمْرو قبلَه ... وأَخو هَراةَ لمثلها يتوقَّع )
ابن بشر عبد الملك بن بشر بن مروان كان على البصرة أمره عليها مسلمة وابن عمرو سعيد بن حذيفة بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط وأخو هراة عبد العزيز بن الحكم بن أبي العاصي
ويروى للفرزدق في ابن هبيرة
( أمير المؤمنين وأنت عَفٌّ ... كريمٌ لستَ بالطَّبعِ الحريصِ )
( أَولَّيتَ العِراقَ ورافِدَيْه ... فزاريًّا أحذَّ يدِ القَميص )
( ولم يكُ قبلها راعي مخاضٍ ... لتأمنَه على وَرِكَيْ قَلُوصِ )
( تفنَّن بالعراق أبو المُثَنَّى ... وعَلّم أهلَه أكْلَ الخَبِيص )
وأنشدني له يونس
( جَهّز فإنك ممتارٌ ومُبتعثٌ ... إلى فزارة عِيراً تحمِل الكَمَرَا )
( إنَّ الفزاريَّ لو يعمى فأطعَمَه ... أيرَ الحِمارِ طبيبٌ أبرأَ البَصَرَا )
( إن الفزاريّ لا يشفيه من قَرَمٍ ... أطايبُ العَيْر حتى ينهش الذّكرا )
( يقول لمّا رأى ما في إنائهم ... لله ضيف الفزاريين ما انْتَظَرَا )
فلما قدم خالد بن عبد الله القسري واليا على ابن هبيرة حبسه في

السجن فنقب له سرب فخرج منه فهرب إلى الشام فقال فيه الفرزدق يذكر خروجه
( ولما رأيتَ الأرض قد سُدَّ ظهرُها ... ولم تر إلا بطنَها لك مخرجا )
( دعوت الذي ناداه يونُسُ بعد ما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرّجا )
( فأصبحت تحت الأرض قد سِرْت ليلةً ... وما سار سَارٍ مثلها حين أدلجا )
( خرجتَ ولم تمنُنْ عليك شفاعةٌ ... سوى رَبذِ التقريب من آل أعوجا )
( أغرّ من الحُوِّ اللهاميم إذ جرى ... جرى بكَ محبوكُ القِرى غير أفحجا )
( جرى به عُريان الحماتين ليلَهُ ... بك عنك أرخى الله ما كان أشرجا )
( وما احتال مُحتالٌ كحيلته التي ... بها نفسه تحت الصّريمة أولجا )
( وظَلماء تحت الأرض قد خُضت هولَها ... وليلٍ كلون الطيلَسانيّ أدْعجا )
( هما ظُلْمتا ليل وأرض تلاقتا ... على جامع من هَمّه ما تعوَّجا )

هجوه لخالد القسري
فحدثني جابر بن جندل قال فقيل لابن هبيرة من سيد العراق قال

الفرزدق هجاني أميرا ومدحني سوقة وقال الفرزدق لخالد القسري حين قدم العراق أميرا لهشام
( ألا قطع الرحمن ظهرَ مطيَّةٍ ... أتتنا تمَطَّى من دمشقٍ بخالد )
( وكيف يؤمّ المسلمين وأمُّه ... تدين بأنّ الله ليس بواحد )
( بَنَى بَيْعَةً فيها الصَّليبُ لأمّه ... وهَدّم من كُفرٍ مَنارَ المساجدِ )
وقال أيضا
( نزلت بجيلَةُ واسطاً فتمكنَّت ... ونفتْ فزارةَ عن قرار المنزل )
وقال أيضا
( لعمري لئن كانت بجيلةُ زانها ... جَريرٌ لقد أخزى بجيلة خالدُ )
فلما قدم العراق خالد أميرا أمر على شرطة البصرة مالك بن المنذر بن الجارود وكان عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر يدعي على مالك قرية فأبطلها خالد وحفر النهر الذي سماه المبارك فاعترض عليه الفرزدق فقال
( أهلكتَ مالَ الله في غير حقّه ... على النَّهَر المشؤوم غيرِ المباركِ )
( وتَضربُ أقواماً صِحاحاً ظهورهم ... وتتركُ حقَّ الله في ظَهْرِ مالك )
( أإنفاقَ مالِ الله في غير كُنهه ... ومَنْعاً لحقِّ المرمِلات الضرائك )

دخل على الحجاج يستميحه مهر حدراء زوجته
أخبرني عبد الله بن مالك قال حدثنا محمد بن حبيب عن الأصمعي قال قال أعين بن لبطة
دخل الفرزدق على الحجاج لما تزوج حدراء يستميحه مهرها فقال له تزوجت أعرابية على مائة بعير فقال له عنبسة بن سعيد إنما هي فرائض قيمتها ألفا درهم - الفريضة عشرون درهما - فقال له الحجاج ليس غيرها يا كعب أعط الفرزدق ألفي درهم
قال وقدم الفضيل العنزي بصدقات بكر بن وائل فاشترى الفرزدق مائة بعير بألفين وخمسمائة درهم على أن يثبتها له في الديوان قال الفرزدق فصليت مع الحجاج الظهر حتى إذا سلم خرجت فوقفت في الدار فرآني فقال مهيم فقلت إن الفضيل العنزي قدم بصدقات بكر بن وائل وقد اشتريت منه مائة بعير بألفين وخمسمائة درهم على أن تحتسب له في الديوان فإن رأى الأمير أن يأمر لي بإثباتها له فعل فأمر أبا كعب أن يثبت للفضيل ألفين وخمسمائة درهم ونسي ما كان أمر له به قال فلما جاء الفرزدق بالإبل قالت له النوار خسرت صفقتك أتتزوج أعرابية نصرانية سوداء مهزولة خمشاء الساقين على مائة من الإبل فقال يعرض بالنوار وكانت أمها وليدة
( لجَاريةٌ بين السّليل عروقُها ... وبين أبي الصّهباء من آل خالدِ )
( أحقُّ بإغلاء المهور من التي ... رَبَتْ تتردّى في حجور الولائدِ )

فأبت النوار عليه أن يسوقها كلها فحبس بعضها وامتار عليه ما يحتاج إليه أهل البادية ومضى ومعه دليل يقال له أوفى بن خنزير قال أعين فلما كان في أدنى الحي رأوا كبشا مذبوحا فقال الفرزدق يا أوفى هلكت والله حدراء قال وما علمك بذلك قال ويقال إن أوفى قال للفرزدق يا أبا فراس لن ترى حدراء فمضوا حتى وقفوا على نادي زيق وهو جالس فرحب به وقال له انزل فإن حدراء قد ماتت وكان زيق نصرانيا فقال قد عرفنا أن نصيبك من ميراثها في دينكم النصف وهو لك عندنا فقال له الفرزدق والله لا أرزؤك منه قطميرا فقال زيق يا بني دارم ما صاهرنا أكرم منكم في الحياة ولا أكرم منكم شركة في الممات فقال الفرزدق
( عَجِبت لحادينا المقَحِّم سيره ... بنا مُوجعاتٍ من كَلالٍ وظُلَّعَا )
( ليُدنِينَا ممن إلينَا لقاؤه ... حبيبٌ ومن دارٍ أردنا لتجمعا )
( ولو نعلمُ الغيبَ الذي من أمامنا ... لكرّبنا الحادي المطِيّ فأَسرعا )
( يقولون زُرْ حدراءَ والتُّربُ دونها ... وكيف بشيء وصلُه قد تقطَّعا )
( يقول ابن خِنزير بكيت ولم تكن ... على امرأة عيني إخال لتدمعا )
( وأهونُ رزء لامرىء غير جازعٍ ... رزيئةُ مرتج الروادف أفرعا )
( ولست - وإن عزّت - عليّ بزائرٍ ... تُرابا على مرموسةٍ قد تضعضعا )
وقيل إن النوار كانت استعانت بأم هاشم لا بتُماضر وأم هاشم أخت تماضر لأن تماضر ماتت عند عبد الله بعد أن ولدت له خبيبا وثابتا ابني

عبد الله بن الزبير وتزوج بعدها أختها أم هاشم فولدت له هاشما وحمزة وعبادا وفي أم هاشم يقول الفرزدق
( تروّحتِ الرّكبانُ يا أُمَّ هاشمٍ ... وهنَّ مُنَاخاتٌ لهن حنين )
( وحُبِّسْن حتّى ليس فيهن نافقٌ ... لبيعٍ ولا مركوبُهن سمين )

طلق رهيمة زوجته لأنها نشزت به
أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد بن حبيب قال حدثني الأصمعي قال
نشزت رهيمة بنت غني بن درهم النمرية بالفرزدق فطلقها وقال يهجوها بقوله
( لا ينكحنْ بعدي فتىً نَمريّةً ... مُرَمَّلةً من بعلها لبعادِ )
( وبيضاء زَعراء المفارق شَخْتَةً ... مولّعةً في خُضرة وسوادِ )
( لها بَشَرٌ شَثْنٌ كأن مَضَمَّه ... إذا عانقت بَعوْلاً مَضَمُّ قتادِ )
( قرنتُ بنفسي الشؤمَ في وِرد حوضها ... فَجُرِّعتُه مِلحاً بماء رمادِ )
( وما زلتُ - حتى فرَّق الله بيننا ... له الحمدُ - منها في أذىً وجهاد )
( تُجدِّد لي ذكرى عذَاب جهنَّمٍ ... ثلاثاً تُمسِّيني بها وتغادي )
يحظى بجارية بنسيئة فتحمل منه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني الحسين بن موسى قال قال

المدائني لقي الفرزدق جارية لبني نهشل فجعل ينظر إليها نظرا شديدا فقالت له مالك تنظر فوالله لو كان لي ألف حر ما طمعت في واحد منها قال ولم يا لخناء قالت لأنك قبيح المنظر سيء المخبر فيما أرى قال أما والله لو جربتني لعفى خبري على منظري قال ثم كشف لها عن مثل ذراع البكر فتضبعت له عن مثل سنام البكر فعالجها فقالت أنكاح بنسيئة هذا شر القضية قال ويحك ما معي إلا جبتي أفتسلبينني إياها ثم تسنمها فقال
( أولجتُ فيها كذِراع البَكرِ ... مُدملَكَ الرأس شديدَ الأسْرِ )
( زاد على شِبْرٍ ونصفِ شِبْرِ ... كأنني أوجتُه في جَمْرِ )
( يُطير عنه نَفَيانَ الشَّعْرِ ... نفي شُعور الناس يَوْمَ النَّحرِ )
قال فحملت منه ثم ماتت فبكاها وبكى ولده منها
( وغمدِ سلاحٍ قد رزئتُ فلم أنُح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا )
( وفي جَوفه من دارمٍ ذو حفيظةٍ ... لو أنّ المنايا أنسأته لياليا )
( ولكنَّ ريب الدهر يعْثُر بالفتى ... فلم يستطع رَدًّا لما كان جائيَا )
( وكم مثلِه في مثلِها قد وضعته ... وما زلت وثَّاباً أجرُّ المخازيا )
فقال جرير يعيره
( وكم لكَ يا بنَ القيْن إنْ جاء سائلٌ ... من ابنٍ قصير الباع مثلُك حاملُه )

( وآخر لم تشعُر به قد أضعتَه ... وأوردته رِحماً كثيراً غوائِلُه )

زواجه من ظبية ابنة حالم وعجزه عنها
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثني محمد بن سليمان الكوفي عن أبيه قال
تزوج الفرزدق ظبية ابنة حالم من بني مجاشع بعد أن أسن فضعف وتركها عند أمها بالبادية سنة ولم يكن صداقها عنده فكتب إلى أبان بن الوليد البجلي - وهو على فارس عامل لخالد بن عبد الله القسري - فأعطاه ما سأل وأرضاه فقال يمدحه
( فلو جمعوا من الخِلاّنِ ألفا ... فقالوا أعطِنا بهمُ أبانا )
( لقلتُ لهم إذاً لغبنتموني ... وكيف أبيع من شرَط الزمانا )
( خليلٌ لا يرى المائةَ الصّفايا ... ولا الخيلَ الجيادَ ولا القيانَا )
( عَطاءً دون أضعاف عليها ... ويُطعمُ ضَيفَه العُبُطَ السِّمانا )
العبط الإبل التي لا وجع بها
( فما أرجو لظبيةَ غيرَ ربِّي ... وغيرَ أبي الوليد بما أعانا )
( أعان بهجمة أرضَتْ أباها ... وكانت عنده غَلَقاً رِهانا )
وقال أيضا في ذلك
( لقد طال ما استودعتُ ظبيةَ أمَّها ... وهذا زمان رُدّ فيه الودائعُ )

وقال حين أراد أن يبني بها
( أبادر سُؤَّالا بظبية أنني ... أتتني بها الأهوالُ من كل جانب )
( بمالِئةِ الحِجْليْن لو أَنَّ مَيِّتاً ... ولو كان في الأموات تحت النصائب )
( دعته لألقى الرُّبَ عند انتفاضِه ... - ولو كان تحت الراسيات الرواسب - )
فلما ابتنى منها عجز عنها فقال
( يا لهفَ نفسي على نَعْظٍ فُجِعْتُ به ... حين التقى الرَّكَبُ المحلوقُ والرَّكَبُ )
وقال جرير
( وتقول ظبيةُ إذ رأتك محوقِلاً ... - حَوْقَ الحمار - من الخبال الخابلِ )
( إنَّ البليَّة وهْي كلُّ بليةٍ ... شيخٌ يُعَلِّل عِرْسَه بالباطل )
( لو قد عَلقتِ من المهاجر سُلَّما ... لنجوتِ منه بالقضاء الفاصِلِ )
قال فنشزت منه ونافرته إلى المهاجر وبلغه قول جرير فقال المهاجر لو أتتني بالملائكة معها لقضيت للفرزدق عليها

شعره في ابنته مكية وأمها الزنجية
قال وكان للفرزدق ابنة يقال لها مكية وكانت زنجية وكان إذا حمي الوطيس وبلغ منه الهجاء يكتني بها ويقال

( ذا كمْ إذاً ما كنتُ ذا محميَّهْ ... بدارِميٍّ أمُّه ضَبِّيهْ )
( صمحمح يُكنَى أبا مكيَّه ... )
وقال في أمها
( يا ربَّ خوْدٍ من بنات الزّنجِ ... تحمل تنُّوراً شديدَ الوهْجِ )
( أقعبَ مثْلَ القَدْحِ الخَلَنجِ ... يزداد طيباً عند طول الهرجِ )
( مَخَجْتُها بالأَيْر أيَّ مخجِ ... )
فقالت له النوار ريحها مثل ريحك
وقال في أم مكية يخاطب النوار
( فإن يكُ خالها من آل كسرى ... فكِسرى كان خيراً من عِقال )
( وأكثرَ جزيةً تُهدَى إليه ... وأصبرَ عند مختلِف العوالي )
قال وكانت أم النوار خراسانية فقال لها في أم مكية
( أغرك منها أُدْمَةٌ عربيّةٌ ... علت لونَها إن البِجَادِيَّ أحمرُ )

يمدح سعيد بن العاص فيحقد عليه مروان
حدثني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي قال
دخل الفرزدق على سعيد بن العاص وهو والي المدينة لمعاوية فأنشده
( ترى الغرّ الجحاجِحَ من قريش ... إذا ما الخطب في الحدثان غالا )
( وقُوفاً ينظرون إلى سعيدٍ ... كأنهمُ يرون به هلالا )
وعنده كعب بن جعيل فلما فرغ من إنشاده قال كعب هذه والله رؤياي البارحة رأيت كأن ابن مرة في نواحي المدينة وأنا أضم ذلاذلي

منه فلما خرج الفرزدق خرج مروان في أثره فقال لم ترض أن نكون قعودا حتى جعلتنا قياما في قولك
( قِياماً ينظرون إلى سعيد ... كأنهمُ يرون به هلالا )
فقال له يا أبا عبد الملك إنك من بينهم صافن فحقد عليه مروان ذلك ولم تطل الأيام حتى عزل سعيد وولي مروان فلم يجد على الفرزدق متقدما حتى قال قصيدته التي قال فيها
( هما دَلّتاني من ثمانين قامةً ... كما انقضَّ باز أقتمُ الريش كاسرُهْ )
( فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أخيٌّ يُرجَّى أم قتيلٌ نُحاذره )
( فقلت ارفعا الأمراسَ لا يشعروا بنا ... وأقبلتُ في أعقاب ليل أبادره )
( أبادر بوَّابين لم يشعروا بنا ... وأحمرَ من ساجٍ تلُوح مسامره )
فقال له مروان أتقول هذا بين أزواج رسول الله اخرج عن المدينة فذلك قول جرير
( تدلَّيت تزني من ثمانينَ قامةً ... وقَصَّرت عن باع الندى والمكارم )
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا الرياشي عن محمد بن سلام قال

خبر آخر في مدحه سعيدا
دخل الفرزدق المدينة هاربا من زياد وعليها سعيد بن العاص بن أمية

ابن عبد شمس أميرا من قبل معاوية فدخل على سعيد ومثل بين يديه وهو معتم وفي مجلس سعيد الحطيئة وكعب بن جعيل التغلبي وصاح الفرزدق أصلح الله الأمير أنا عائذ بالله وبك أنا رجل من تميم ثم أحد بني دارم أنا الفرزدق بن غالب قال فأطرق سعيد مليا فلم يجبه فقال الفرزدق رجل لم يصب دما حراما ولا مالا حراما فقال سعيد إن كنت كذلك فقد أمنت فأنشده
( إليك فررتُ مِنك ومن زيادٍ ... ولم أحسب دمي لكما حَلاَلا )
( ولكنِّي هجوتُ وقد هجاني ... معاشرُ قد رضخْتُ لهم سِجالا )
( فإن يكن الهجاء أحلَّ قتلي ... فقد قلنا لشاعرهم وقالا )
( أرِقتُ فلم أنم ليلاً طويلا ... أراقب هل أرى النَّسرينِ زالا )
( عليك بني أمية فاستجرهم ... وخذ منهم لما تخشى حِبالا )
( فإنّ بني أمية في قريش ... بَنَوْا لبيوتهم عَمَداً طوالا )
( ترى الغرَّ الجحاجح من قريشٍ ... إذا ما الأمر في الحدثان غالا )
( قياماً ينظرون إلى سعيدٍ ... كأنّهمُ يرون به هلالا )
قال فلما قال هذا البيت قال الحطيئة لسعيد هذا والله الشعر لا ما كنت تعلل به منذ اليوم فقال كعب بن جعيل فضلته على نفسك فلا تفضله على غيرك قال بلى والله إنه ليفضلني وغيري يا غلام أدركت من قبلك وسبقت من بعدك ولئن طال عمرك لتبرزن

ثم عبث الحطيئة بالفرزدق فقال يا غلام أنجدت أمك قال لا بل أبي أراد الحطيئة إن كانت أمك أنجدت فقد أصبتها فولدتك إذ شابهتني في الشعر فقال الفرزدق لا بل أبي فوجده لقنا
أخبرني ابن دريد قال قال لنا أبو حاتم قال الأصمعي
ومن عبثات الفرزدق أنه لقي مخنثا فقال له من أين راحت عمتنا فقال له المخنث نفاها الأغر بن عبد العزيز يريد قول جرير
( نفاك الأغرّ بن عبد العزيز ... وحقُّك تُنْفَى من المسجدِ )

جرير يقر له بالغلبة ويلقبه بالعزيز
أخبرنا ابن دريد عن الرياشي عن النضر بن شميل قال قال جرير
ما قال لي ابن القين بيتا إلا وقد اكتفأته أي قلبته إلا قوله
( ليس الكِرامُ بناحليك أباهم ... حتى يرد إلى عطية تعتل )
فإني لا أدري كيف أقول فيها
وأخبرني ابن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن عوانة بن الحكم قال
بينما جرير واقف في المربد وقد ركبه الناس وعمر بن لجأ مواقفه فأنشده عمر جواب قوله

( يا تَيْمُ تَيْمَ عديٍّ لا أبا لكم ... لا يقذفنَّكُم في سَوأَةٍ عمرُ )
( أحين صرْتُ سِماماً يا بني لجأٍ ... وخاطَرتْ بيَ عن أحسابها مُضرُ )
فقال عمر جواب هذا
( لقد كذبتَ وشرُّ القولِ أكذبُهُ ... ما خاطرَتْ بك عن أحسابها مُضَرُ )
( ألَسْتَ نَزوَة خوّارٍ على أمة ... لا يسبق الحلباتِ اللؤمُ والخورُ )
وقد كان الفرزدق رفده بهذين البيتين في هذه القصيدة فقال جرير لما سمعها قبحا لك يا بن لجأ أهذا شعرك كذبت والله ولو مت هذا شعر حنظلي هذا شعر العزيز يعني الفرزدق فأبلس عمر فما رد جوابا
وخرج غنيم بن أبي الرقراق حتى أتى الفرزدق فضحك وقال إيه يابن أبي الرقراق وإن عندك لخبرا قلت خزي أخوك ابن قتب فحدثته فضحك حتى فحص برجليه ثم قال في ساعته
( وما أنت إن قَرْمَا تَمِيم تساميا ... أخا التّيم إلا كالوشِيظة في العَظم )
( فلو كنت مولى الظلم أو في ثِيابِه ... ظلمتَ ولكن لا يَدَيْ لك بالظُّلْم )
فما بلغ هذان البيتان جريرا قال ما أنصفني في شعر قط قبل هذا يعني قوله
( إنْ قرْمَا تميم تساميا ... )

يغتصب جيد الشعراء
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا الرياشي قال
كان الفرزدق مهيبا تخافه الشعراء فمر يوما بالشمردل وهو ينشد قصيدته حتى بلغ إلى قوله
( وما بين مَنْ لم يُعطِ سمعاً وطاعةً ... وبين تميمٍ غيرُ حزّ الغَلاصم )
قال والله لتتركن هذا البيت أو لتتركن عرضك قال خذه على كره مني فهو في قصيدة الفرزدق التي أولها قوله
( تحنّ بزورَاءِ المدينة ناقَتِي ... )
قال وكان الفرزدق يقول خير السرقة ما لا يجب فيه القطع يعني سرقة الشعر
أخبرنا ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة عن الضحاك بن بهلول الفقيمي قال بينما أنا بكاظمة وذو الرمة ينشد قصيدته التي يقول فيها
( أحينَ أعاذت بي تميمٌ نساءَها ... وجُرّدْت تجريدَ اليَمانِي من الغِمد )
إذا راكبان قد تدليا من نعف كاظمة متقنعان فوقفا فلما فرغ ذو الرمة حسر الفرزدق عن وجهه وقال يا عبيد اضممها إليك - يعني راويته - وهو عبيد أخو بني ربيعة بن حنظلة فقال ذو الرمة نشدتك الله يا أبا فراس إن

فعلت قال دع ذا عنك فانتحلها في قصيدته وهي أربعة أبيات
( أحينَ أعاذت بي تميمٌ نساءهَا ... وجُرّدت تجريدَ اليَمانِي من الغِمدِ )
( ومدت بضَبْعيَّ الرّبابُ ومالكٌ ... وعمروٌ وشالت من ورائي بنو سعد )
( ومن آل يربوعٍ زُهَاءٌ كأنه ... دُجَى الليل محمود النِّكاية والوِرد )
( وكنّا إذا الجبّارُ صَعَّرَ خدَّه ... ضربناه فوق الأُنْثَيَيْن على الكَرْد )
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال
اجتمع الفرزدق وجرير وكثير وابن الرقاع عند سليمان بن عبد الملك فقال أنشدونا من فخركم شيئا حسنا فبدرهم الفرزدق فقال
( وما قوم إذا العلماء عَدّت ... عروقَ الأكرمين إلى الترابِ )
( بمختلفين إن فضَّلتمونا ... عليهم في القَديم ولا غِضاب )
( ولو رَفع السحابُ إليه قوماً ... عَلَوْنا في السماء إلى السحاب )
فقال سليمان لا تنطقوا فوالله ما ترك لكم مقالا
أخبرنا عبد الله بن مالك قال حدثنا محمد بن عمران الضبي عن سليمان بن أبي سليمان الجوزجاني قال
غاب الفرزدق فكتبت النوار تشكو إليه مكية وكتب إليه أهله يشكون سوء خلقها وتبذيها عليهم فكتب إليهم

( كتبتم عليها أنها ظلمتكم ... كذبتم وبيتِ الله بل تظلمونها )
( فإلاّ تعدُّوا أنها من نسائكم ... فإنّ ابنَ ليلى والدٌ لا يشينها )
( وإنّ لها أعمامَ صدق وإخوة ... وشيخاً إذا شاءت تَنَمّر دونها )

كان ابنه لبطة عاقا به
قال وكان للفرزدق ثلاثة أولاد يقال لواحد منهم لبطة والآخر حبطة والثالث سبطة وكان لبطة من العققة فقال له الفرزدق
( أإنْ أُرعِشتْ كفَّا أبيك وأصبَحتْ ... يداك يَدَيْ ليثٍ فإنك جادِبُه )
( إذا غالَبَ ابنٌ بالشباب أباً له ... كبيراً فإِن الله لا بدّ غالبُه )
( رأيتُ تباشيرَ العقوق هي التي ... من ابن امرىء ما إن يزال يُعاتبُه )
( ولما رآني قد كبِرتُ وأنني ... أخو الحي واستغنى عن المسح شاربُه )
( أصاخ لغربان النّجيِّ وإنه ... لأَزورُ عن بعض المقالة جانبه )
قال أبو عبيدة في كتاب النقائض قال رؤبة بن العجاج حج سليمان بن عبد الملك وحجت معه الشعراء فمر بالمدينة منصرفا فأتي بأسرى من الروم نحو أربعمائة فقعد سليمان وعنده عبد الله بن حسن بن حسن - عليهم السلام - وعليه ثوبان ممصران وهو أقربهم منه مجلسا فأدنوا إليه بطريقهم وهو في جامعة فقال لعبد الله بن حسن قم فاضرب عنقه

فقام فما أعطاه أحد سيفا حتى دفع إليه حرسي سيفا كليلا فضربه فأبان عنقه وذراعه وأطن ساعده وبعض الغل فقال له سليمان والله ما ضربته بسيفك ولكن بحسبك وجعل يدفع الأسرى إلى الوجوه فيقتلونهم حتى دفع إلى جرير رجلا منهم فدست إليه بنو عبس سيفا قاطعا في قراب أبيض فضربه فأبان رأسه ودفع إلى الفرزدق أسيرا فدست إليه القيسية سيفا كليلا فضرب به الأسير ضربات فلم يصنع شيئا فضحك سليمان وضحك الناس معه وقيل إن سليمان لما دفع إليه الأسير دفع إليه سيفا وقال اقتله به فقال لا بل أقتله بسيف مجاشع واخترط سيفه فضربه فلم يغن شيئا فقال سليمان أما والله لقد بقي عليك عارها وشنارها فقال جرير قصيدته التي يهجوه فيها وأولها

جرير يهجوه وهو يجيب
( ألا حيِّ ربعَ المنزل المُتقادِمِ ... وما حُلَّ مُذ حَلَّت به أمُّ سالمِ )
منها
( ألم تشهد الجَوْنَيْن والشِّعب ذا الغَضَى ... وكَرَّاتِ قيسٍ يومَ دَيْر الجماجم )
( تُحرِّضُ يابنَ القَيْن قيساً ليجعلوا ... لقومك يوماً مثل يومِ الأراقم )

( بسيفِ أبي رَغْوَانَ سيفِ مُجاشِعٍ ... ضربتَ ولم تضربْ بسيف ابن ظالمِ )
( ضربتَ به عند الإِمام فأُرْعِشتْ ... يداك وقالوا مُحْدَثٌ غيرُ صارمِ )
فقال الفرزدق يجيب جريرا عن قوله
( وهل ضربةُ الرُّوميِّ جاعلةٌ لكم ... أباً عن كُلَيْب أو أباً مثلَ دارمِ )
( كذاك سيوفُ الهندِ تنبو ظُباتُها ... وتقطعُ أحياناً مَناطَ التمائمِ )
( ولا نقتلُ الأسرَى ولكن نفكُّهُم ... إذا أثقل الأعناقَ حملُ المغارم )
وقال يعرض بسليمان ويعيره نبو سيف ورقاء بن زهير العبسي عن خالد بن جعفر وبنو عبس هم أخوال سليمان
( فإِن يكُ سيفٌ خان أو قَدَرٌ أبَى ... بتعجيلِ نفسٍ حتفُها غير شاهد )
( فسيفُ بني عبسٍ وقد ضربوا به ... نبا بيدَيْ وَرَقاءَ عن رأسِ خالد )
( كذاك سيوفُ الهندِ تنبو ظُباتُها ... وتقطعُ أحيانا مَناط القلائدِ )
وأولها
( تباشَرُ يربوعٌ بنبوةِ ضربةٍ ... ضربتُ بها بين الطُّلا والمحارِد )
( ولو شئتُ قدَّ السيفُ ما بين عُنقه ... الى عَلَق بين الحِجَابَيْن جامدِ )
وقيل إن الفرزدق قال لسليمان يا أمير المؤمنين هب لي هذا الأسير فوهبه له فأعتقه وقال الأبيات التي منها

( ولا نقتُل الأسرى ولكن نفكُّهم ... إذا أثقلَ الأعناقَ حملُ المغارمِ )
ثم أقبل على راويته فقال كأني بابن المراغة وقد بلغه خبري فقال
( بسيفِ أبي رَغْوَانَ سيفِ مُجاشِعٍ ... ضربتَ ولم تضربْ بسيف ابن ظالمِ )
( ضربتَ به عند الإِمام فأُرْعِشتْ ... يداك وقالوا مُحْدَثٌ غيرُ صارمِ )
فما لبثنا إلا أياما يسيرة حتى جاءتنا القصيدة وفيها البيتان فعجبنا من فطنة الفرزدق
وقال أيضا في ذلك
( أَيعجبُ النَّاسُ أن أضحكتُ خيرَهُم ... خليفةَ الله يُستسقَى به المطرُ )
( فما نبا السيفُ عن جُبْنٍ وعن دَهَشٍ ... عند الإِمامِ ولكن أُخِّر القدرُ )
( ولو ضربتُ به عمداً مُقلَّدَهُ ... لخرَّ جثمانُه ما فوقه شَعَرُ )
( وما يُقدِّم نفساً قبل مِيتَتِها ... جمعُ اليدين ولا الصَّمْصَامة الذكر )

متفرقات من شعره
وأخبرني عبد الله بن مالك قال حدثنا محمد بن حبيب عن أبي عبيدة قال
هجا الفرزدق خالدا القسري وذكر المبارك النهر الذي حفره بواسط فبلغه ذلك وكتب خالد إلى مالك بن المنذر أن احبس الفرزدق فإنه هجا نهر أمير المؤمنين بقوله
( وأهلكتَ مالَ اللهِ في غير حقِّه ... على نهرك المشؤوم غير المُبَارك )

الأبيات فأرسل مالك إلى أيوب بن عيسى الضبي فقال ائتني بالفرزدق فلم يزل يعمل فيه حتى أخذه فطلب إليهم أن يمروا به على بني حنيفة فقال الفرزدق ما زلت أرجو أن أنجو حتى جاوزت بني حنيفة فلما قيل لمالك هذا الفرزدق انتفخ وريد مالك غضبا فلما أدخل عليه قال
( أقول لنفسي حين غصَّت بريقها ... ألا ليتَ شعري ما لها عند مالكِ )
( لها عنده أن يَرجِعَ اللهُ رُوحَها ... إليها وتنجو من جميع المهالك )
( وأنت ابنُ حَبَّارَيْ ربيعةَ أدركت ... بك الشمس والخضراءَ ذاتَ الحبائك )
فسكن مالك وأمر به إلى السجن فقال يهجو أيوب بن عيسى الضبي
( فلو كنتَ قَيْسيًّا إذاً ما حبستِني ... ولكنَّ زنجيًّا غليظاً مشافِرُه )
( مَتَتُّ له بالرِّحْم بَيْني وبينه ... فألفيتُه مني بَعيداً أواصِرُه )
( وقلت امرؤ من آل ضبةَ فاعتزى ... لغيرهم لونُ استِه ومَحاجِرُه )
( فسوف يرى النوبيّ ما اجترحَت له ... يَدَاه إذا ما الشِّعر عَيَّتْ نَوَافره )
( ستُلقِي عليك الخنفساء إذا فست ... عليك من الشعر الذي أنت حاذِرُه )
( وتأتي ابن زُبِّ الخنفساء قصيدةٌ ... تكون له مني عَذاباً يُباشِره )
( تعذرت يابن الخنفساء ولم تكن ... لتُقْبَلَ لابْنِ الخنفساء معاذرُه )
( فإنكما يا بني يسار نزوْتما ... على ثفرها ما حنّ للزيت عاصره )
( لزِنجيَّة بظراءَ شقق بظرَها ... زحيرٌ بأيوبٍ شديدٌ زوافره )

ثم مدح خالد بن عبد الله ومالك بن المنذر وهو محبوس مديحا كثيرا فأنشدني يونس في كلمة له طويلة
( يا مالِ هل هو مُهلكي ما لم أقل ... وليُعلَمَنَّ من القصائد قيلي )
( يا مالِ هل لك في كبير قد أتَتْ ... تسعون فوق يديه غير قليل )
( فتجيرَ ناصِيَتي وتُفْرجَ كُربتِي ... عني وتطلقَ لي يداك كُبُولِي )
( ولقد بنى لكم المُعَلَّى ذِروةً ... رَفعتْ بناءك في أشَمَّ طويلِ )
( والخيلُ تعلم في جَذِيمة أنها ... تَرْدَى بكل سَميدَعٍ بهلُول )
( فاسقُوا فقد ملأَ المعلّى حوضَكم ... بذَنوبِ مُلتَهِم الرَّباب سجيل )
وقال يمدح مالكا وكانت أم مالك هذا بنت مالك بن مسمع
( وقِرْمٍ بين أولاد المُعلّى ... وأولاد المَسامَعةِ الكرامِ )
( تخمَّط في ربيعة بين بكر ... وعبد القيس في الحسب اللُّهام )
فلما لم تنفعه مديحة مالك قال يمدح هشام بن عبد الملك ويعتذر إليه
( أِلكْني إلى رَاعِي البريَّةِ والذي ... له العَدلُ في الأرض العريضة نوّرا )
( فإِن تُنكروا شعرِي إذاً خرجت له ... بوادرُ لو يُرمَى بها لتَفَقَّرا )

( ثبير ولو مست حِرَاء لحرّكت ... به الراسيات الصُّمَّ حتى تكوّرا )
( إذا قال غاوٍ من مَعَدٍّ قصيدةً ... بها حَرَبٌ كانت وبالاً مُدمرّا )
( أينطِقُها غيري وأُرمَى بجُرمها ... فكيف أَلوم الدّهرَ أن يتغيّرا )
( لئن صَبَرتْ نفسِي لقد أُمِرت به ... وخيرُ عباد الله من كان أصبرا )
( وكنت ابنَ أحْذارٍ ولو كنتُ خائفاً ... لكنت من العصماء في الطود أحذرا )
( ولكنْ أتوْني آمناً لا أخافهم ... نهاراً وكان اللهُ ما شاء قدَّرا )
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبو يحيى قال
قال الفرزدق لابنه لبطة وهو محبوس أشخص إلى هشام وامدحه بقصيدة وقال استعن بالقيسية ولا يمنعك قولي فيهم فإنهم سيغضبون لك وقال
( بكت عينُ محزونٍ ففاض سجامُها ... وطالت ليالي ساهر لا ينامُها )
( فإن تبك لا تبك المصيبات إِذ أَتَى ... بها الدهر والأيام جَمٌّ خِصامُها )
( ولكنما تبكي تَهتّكَ خالد ... محارمَ مِنّا لا يحل حَرامُها )
( فقُل لبني مروان ما بال ذمَّة ... وحرمَةِ حَقٍّ ليس يُرْعى ذمامُها )
( أنُقْتَل فيكم أن قَتَلْنا عدوَّكُم ... على دينكم والحرب باقٍ قتامُها )
( أتاك بقتل ابن المُهَلَّب خالدٌ ... وفينا بَقيّاتُ الهدى وإمامها )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45