كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

( تجري الدماءُ على النّطاع كأنها ... رَاحٌ شَمُولٌ غَيْرُ ذاتِ مزاج )
( لا تطلبوا حاجاً إليه فإنه ... بِئس المؤمَّل في طِلابِ الحاج )
( يا ليت هنداً أصبحَتْ مرموسةً ... أوْلَيْتَها جلست عن الأزْوَاجِ )
قال أبو زيد فأما خبر خالد بن عتاب الرياحي فإن الحجاج كان استعمله على الري وكانت أمه أم ولد فكتب إليه الحجاج يلخن أمه ويقول يابن اللخناء أنت الذي هربت عن أبيك حتى قتل وقد كان حلف ألا يسب أحد أمه إلا أجابه كائنا من كان
فكتب إليه خالد كتبت إلي تلخنني وتزعم أني فررت عن أبي حتى قتل ولعمري لقد فررت عنه ولكن بعد أن قتل وحين لم أجد لي مقاتلا ولكن أخبرني عنك يا بن اللخناء المستفرمة بعجم زبيب الطائف حين فررت أنت وأبوك يوم الحرة على جمل ثفال أيكما كان أمام صاحبه فقرأ الحجاج الكتاب وقال صدق
( أنا الَّذي فَرَرْتُ يوم الحَرَّهْ ... ثم ثنَّيْتُ كرَّةً بفَرّه )

( والشيخُ لا يَفِرُّ إلا مَرَّه ... )
ثم طلبه وهرب إلى الشام وسلم بيت المال ولم يأخذ منه شيئا

زفر بن الحارث يجير خالد بن عتاب
وكتب الحجاج إلى عبد الملك بما كان منه وقدم خالد الشام فسأل عن خاصة عبد الملك فقيل له روح بن زنباع فأتاه حين طلعت الشمس فقال إني جئتك مستجيرا فقال إنني قد أجرتك إلا أن تكون خالدا قال فإني خالد فتغير وقال أنشدك الله إلا خرجت عني فإني لا آمن عبد الملك فقال أنظرني حتى تغرب الشمس فجعل روح يراعيها حتى خرج خالد
فأتى زفر بن الحارث الكلابي فقال إني جئتك مستجيرا قال قد أجرتك قال أنا خالد بن عتاب قال وإن كنت خالدا
فلما أصبح دعا بنين له فتهادى بينهما وقد أسن فدخل على عبد الملك وقد أذن للناس فلما رآه دعا له بكرسي فجعل عند فراشه فجلس ثم قال يا أمير المؤمنين إني قد أجرت عليك رجلا فأجره قال قد أجرته إلا أن يكون خالدا قال فهو خالد قال لا ولا كرامة فقال زفر لابنيه أنهضاني
فلما ولى قال يا عبد الملك أما والله لو كنت تعلم أن يدي تطيق حمل القناة ورأس الجواد لأجرت من أجرت فضحك وقال يا أبا الهذيل قد أجرناه فلا أرينه وأرسل إلى خالد بألفي درهم فأخذها ودفع إلى رسوله أربعة آلاف درهم

رجع الخبر إلى حديث مالك بن أسماء
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا محمد بن يزيد النحوي وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قالا
عشق مالك بن أسماء جارية لأخته هند وعشقها أخوه عيينة بن أسماء بن خارجة فاستعان بأخيها مالك وهو لا يعلم ما يجد بها يشكو إليه حبها فقال مالك
( أعُيَيْنُ هَلاَّ إذْ كَلِفْتَ بها ... كنْتَ استغثْتَ بفارغ العَقْل )
( أرسلتَ تَبْغِي الغَوْثَ مِنْ قِبَلِي ... والمستغاثُ إليه في شغْلِ )
قال ابن قتيبة خاصة وهوي مالك بن أسماء جارية من بني أسد وكانت تنزل دارا من قصب وكانت دار مالك في بني أسد دارا سرية مبنية بالجص والآجر فقال
( يا ليت لي خُصّاً يُجَاوِرُها ... بَدلاً بدَارِي في بني أسدِ )
( الخُصُّ فيه تقرّ أعينُنا ... خَيْرٌ مِنَ الآجُرّ والكَمدِ )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ويعقوب بن عيسى وأخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن الزبير
أن عمر بن أبي ربيعة رأى مالك بن أسماء قال أبو هفان في خبره وهو يطوف بالبيت وقد بهر الناس جماله وكماله فأعجب عمر ما رأى منه فسأل عنه فعرفه فعانقه وسلم عليه وقال له أنت أخي حقا فقال له مالك ومن أنا ومن أنت فقال أما أنا فستعرفني وأما أنت فالذي تقول

( إنَّ لي عند كلّ نفحةِ بستانٍ ... مِنَ الورْدِ أو مِنَ الياسمينا )
( نظراً والتفاتةً أَتَرَجَّى ... أنْ تكونِي حَلَلْتِ فيما يَلِينا )
غنت فيه علية بنت المهدي خفيف رمل بالوسطى
وقال أبو هفان في حديثه قال له عمر ما زلت أحبك منذ سمعت هذا الشعر لك فقال له مالك أنت عمر بن أبي ربيعة قال نعم قال الزبير في خبره خاصة وحدثني ابن أبي كناسة
أن عمر لما لقي مالكا استنشده فأنشده مالك شيئا من شعره فقال له عمر ما أحسن شعرك لولا أسماء القرى التي تذكرها فيه قال مثل ماذا قال مثل قولك
( إنَّ في الرفْقَةِ التي شيَّعتنا ... بجويرِ سما لزَيْنَ الرِّفَاقِ )
ومثل قولك
( أشَهِدْتنا أم كنتِ غائبةً ... عن ليلتي بحديثةِ القَسْبِ )
ومثل قولك
( حبَّذَا ليلتي بتَلِّ بَوَنَّى ... حين نُسْقَى شرابنا ونُغنَّى )
فقال له مالك هي قرى البلد الذي أنا فيه وهو مثل ما تذكره في شعرك من أرض بلادك قال مثل ماذا قال مثل قولك

( حَيِّ المنازِلَ قد دَثَرْنَ خرابا ... بين الجوين وبَيْن رُكْن كُساباً )
ومثل قولك
( ما على الرَّسْم بالبُليَّيْن لو بَيَّنَ ... رجْعَ السلام أوْ لو أجابا )
فأمسك عنه عمر بن أبي ربيعة
ومالك بن أسماء الذي يقول
( وحديثٍ ألذُّه هُوَ مِمَّا ... ينعَتُ الناعتون يُوزَنُ وَزْنَا )
( مَنْطِقٌ صائبٌ وتلحَنُ أحيانا ... ً وأحْلَى الحديثِ ما كان لحْنا )
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال
حدثني أبي قال قلت للجاحظ إني قرأت في فصل من كتابك المسمى بكتاب البيان والتبيين إنما يستحسن من النساء اللحن في الكلام واستشهدت ببيتي مالك بن أسماء - يعني هذين البيتين - قال هو كذاك فقال أما سمعت بخبر هند ابنة أسماء بن خارجة مع الحجاج حين لحنت في كلامه فعاب ذلك عليها فاحتجت ببيتي أخيها فقال لها إن أخاك أراد أن المرأة فطنة فهي تلحن بالكلام إلى غير الظاهر بالمعنى لتستر معناه وتوري عنه وتفهمه من أرادت بالتعريض كما قال الله عز و جل ( ولتعرفنهم في لحن القول ) ولم يرد الخطأ من الكلام والخطأ لا يستحسن من أحد فوجم الجاحظ ساعة ثم قال

لو سقط إلي هذا الخبر أولا لما قلت ما تقدم فقلت له فأصلحه فقال الآن وقد سار به الكتاب في الآفاق وهذا لا يصلح أو كلاما نحو ما ذكرنا فإن أبا أحمد أخبرنا به على سبيل المذاكرة فحفظته عنه

المتوكل يبتاع تل بونى
أخبرني الحسين بن يحيى وجعفر بن قدامة قالا قال حماد حدثني أحمد بن داود السدي قال
ورد علي كتاب أمير المؤمنين المتوكل وأنا على سواد الكوفة أن ابتع لي تل بونى بما بلغت فابتعتها له فإذا قرية صغيرة على تل قد خرب ما حواليها من الضياع فابتعتها له بعشرة آلاف درهم قال فظننته حركه على طلبها أنه غني
( حبَّذا ليلتي بتَلّ بَوَنَّى ... )
فسألت عن ذلك فعرفت أن جاريته مكتومة غنته هذا الصوت
قال حماد ومكتومة هذه جارية أهداها أبي إليه لما ولي الخلافة فإنه سأل عنه فعرف أنه قد كف بصره فكتب له بمائة ألف درهم وأمر بإشخاصه إليه مكرما فأشخص إليه وأهدى إليه عدة جوار هذه فيهن
وروي الهيثم بن عدي عن ابن عياش أن الحجاج دعا يوما بمالك بن أسماء فعاتبه عتابا طويلا ثم قال له أنت والله كما قال أخو بني جعدة
( إذا ما سَوْأَةٌ غرّاء ماتَتْ ... أتيتَ بسوْءةٍ أُخرى بَهِيم )

( وما تنفكُّ تُرْحَضُ كلَّ يومٍ ... مِنَ السَّوءات كالطّفْل النهيم )
( أكُلَّ الدّهر سعيُك في تبابٍ ... تناغي كلَّ مُومِسة أثيم )
فقال له لست كما قال الجعدي ولكني كما قلت
( لكل جوادٍ عَثْرَةٌ يَسْتقِيلُها ... وعثرةُ مِثْلي لا تُقَال مَدَى الدَّهْرِ )
( فَهبنيَ يا حجَّاج أخطأتُ مرَّةً ... وجُرْتُ عن المُثْلَى وغنَّيتُ بالشعر )
( فهل لي إذا ما تبتُ عندك توبةً ... تَدارك ما قد فات في سالف العمر )
فقال له الحجاج بلى والله لئن تبت لأقبلن توبتك ولأعفين على ما كان من ذنبك ومن لي بذلك يا مالك قال له لك والله به قال حسبي الله ونعم الوكيل فانظر ما تقول قال الحق أصلحك الله لا يخفى على أحد قال فترك مالك الشراب ووفى بعهده وأظهر النسك ثم طما به الشعر وطال عليه ترك اللذات والشراب فقال

مالك يشرب ولا يقبل العذل
( وَنَدَمانِ صِدْقٍ قال لي بعد هَدأةٍ ... من الليل قم نَشْرَبْ فقلتُ له مَهْلا )
( فقال أبُخْلاً يابْنَ أسماء هاكها ... كُميْتاً كريح المِسْكِ تَزْدهِف العَقْلا )
( فتابعْتُه فيما أراد ولم أكُنْ ... بَخِيلاً على النّدمان أو شَكسا وغْلاَ )
( ولكنني جَلْدُ القُوَى أبذلُ النَّدى ... وأشربُ ما أُعْطى ولا أقبلُ العَذْلا )
( ضحوكٌ إذا ما دبّت الكأسُ في الفتى ... وغيَّره سُكْرٌ وإنْ أكثرَ الجَهْلاَ )
قال فبلغ الحجاج أن مالكا قد راجع الشراب فقال لا يأتي مالك بخير

سجيس الأوجس قاتل الله أيمن بن خريم حيث يقول
( إذا المَرْءُ وفَّى الأربعين ولم يكُنْ ... له دُونَ ما يَأْتِي حِجَابٌ ولا سِتْرُ )
( فدَعْه وما يأتي ولا تعذلنّه ... وإنْ مدّ أسبابَ الحياة له العُمْرُ )
وأنشدنا علي بن سليمان الأخفش أبيات أيمن هذه الرائية وقال أخذ معناها من قول ابن عباس إذا بلغ المرء أربعين سنة ولم يتب أخذ إبليس بناصيته وقال حبذا من لا يفلح أبدا وأول الأبيات هذه
( وصَهْبَاء جُرجانيّةٍ لم يَطُف بها ... حَنِيفٌ ولم تَنْغرْ بها ساعةً قِدرُ )
( ولم يشهد القَسُّ المُهَيْنِمُ نارَها ... طَرُوقاً ولا صلَّى على طَبْخها حَبْرُ )
( أتانِي بها يَحْيى وقد نمْتُ نومةً ... وقد غابت الجَوْزاء وانحدر النَّسْر )

( فقلت اصطبحْها أو لغيري سَقَّها ... فما أنا بَعْدَ الشَّيْبِ وَيْحَكَ والخمر )
( إذا المرْءُ وفَّى الأربعين ولم يكن ... له دُونَ ما يأتي حِجابٌ ولا سَتْرُ )
( فدَعْه ولا تنفس عليه الذي أتى ... ولو مَدَّ أسبابَ الحياة له العمر )

صوت
( تلك عِرْسِي تَرُومُ هَجْري سِفاهاً ... وجَفتني فما تُوافي عِنَاقي )
( زعمتْ أنها تُواتِي مع المالِ ... وأني محالف إملاقي )
( وتناست رَزِيَّةً بدمشقٍ ... أشخصَتْ مُهْجَتي فُوَيْقَ التَّراقي )
( يوم نلقى نعشَ ابنِ عُروة محمولا ... ً بأيدي الرجال والأعناق )
( مستحثّاً به سِباقاً إلى القَبْر ... ِ وما إن لحَثِّهم من سِباق )
( ثم وَلَّيْتُ مُوجَعاً قد شَجَاني ... قربُ عَهْدٍ بهم وبعد تلاقِ )
عروضه من الخفيف الشعر لإسماعيل بن يسار النسائي يرثي محمد بن عروة بن الزبير والغناء لدحمان خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن محرز ثقيل أول بالبنصر عن حبش

من أخبار عروة بن الزبير
أخبرنا الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير قال حدثنا مصعب بن عثمان عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة قال
قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان فدخل فأجلسه معه على السرير فجاء قوم فوقعوا في عبد الله بن الزبير فخرج عروة فقال للآذن إن عبد الله بن الزبير ابن أمي وأبي فإذا أردتم أن تقعوا فيه فلا تأذنوا لي عليكم
فذكر ذلك لعبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك قد أخبرني في الآذن بما قلت وإن أخاك لم يكن قتلنا إياه لعداوة ولكنه طلب أمرا وطلبناه فقتل دونه وإن الشام قوم من أخلاقهم ألا يقتلوا أحدا إلا شتموه فإذا أذنا لأحد قبلك فقد جاء من يشتمه فلا تدخل وإذا أذنا لأحد وأنت جالس فانصرف
قدومه على الوليد بن عبد الملك
ثم قدم عروة على الوليد بن عبد الملك حين شلت رجله فقيل له

اقطعها قال إني لأكره أن أقطع مني طابقا فارتفعت إلى الركبة فقيل له إنها إن وقعت في الركبة قتلتك فقطعت ولم يقبض وجهه وقيل له قبل أن يقطعها نسقيك دواء لا تجد معه ألما فقال ما يسعني أن هذا الحائط وقاني أذاها
قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان بن عامر عن صالح عن هشام ابن عروة قال
سقط محمد بن عروة بن الزبير وأمه بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية من سطح في اصطبل دواب الوليد بن عبد الملك فضربته بقوائمها حتى قتلته فأتى عروة رجل يعزيه فقال عروة إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها فقال بل أعزيك بمحمد قال وماله فخبره بشأنه فقال
( وكنتُ إذا الأيّامُ أحدَثْنَ نكبةً ... أقول شَوًى ما لم يُصِبْن صَميمي )
اللهم أخذت عضوا وتركت أعضاء وأخذت ابنا وتركت أبناء فإنك إن كنت أخذت لقد أبقيت وإن كنت ابتليت لقد عافيت
فلما قدم المدينة نزل قصره بالعقيق فأتاه ابن المنكدر وقال كيف

كنت فقال ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا )
قال الزبير وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن ابن الماجشون أن عيسى بن طلحة جاء إلى عروة بن الزبير حين قدم من عند الوليد بن عبد الملك وقد قطعت رجله فقال عروة لبعض بنيه اكشف لعمك عن رجلي ينظر إليها ففعل فقال له عيسى إنا لله وإنا إليه راجعون يا أبا عبد الله ما أعددناك للصراع ولا للسباق ولقد أبقى الله لنا منك ما كنا نحتاج إليه منك رأيك وعلمك فقال عروة ما عزاني أحد عن رجلي مثلك
قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان عن عامر بن صالح عن هشام ابن عروة

الوليد يبعث إليه من هو أعظم بلاء منه
أنه قدم على الوليد رجل من عبس ضرير محطوم الوجه فسأله عن سبب ذلك فقال بت ليلة في بطن واد ولا أعلم في الأرض عبسيا يزيد ماله على مالي فطرقنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد إلا صبيا مولودا وبعيرا ضعيفا فند البعير والصبي معي فوضعته واتبعت البعير فما جاوزت ابني قليلا إلا ورأس الذئب في بطنه فتركته واتبعت البعير فرمحني رمحة حطم بها وجهي وأذهب عيني فأصبحت لا ذا مال ولا ذا ولد ولا ذا بصر
فقال الوليد بن عبد الملك اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاء منه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمر بن عبد العزيز بن أحمد ومحمد ابن العباس اليزيدي وجماعة أخبروني قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي عن هشام بن عروة قال

خرجت مع أبي عروة بن الزبير حاجا ومعنا أخي محمد بن عروة وكان من أحسن الناس وجها فلما كنا في بعض الطريق إذا نحن بعمر بن أبي ربيعة يكلم بعضنا فقلنا هذا أبو الخطاب لو سايرناه فرآنا عروة فقال فيم أنتم قلنا هذا عمر بن أبي ربيعة فضرب عروة إليه راحلته فلما رآها عمر عدل إليه فسلم عليه ثم قال وأين زين المواكب يعني محمد بن عروة فقال قد تقدم فعدل عن عروة واتبع محمدا فقال له عروة نحن أكفى لك وأولى أن تسايرنا فقال إني رجل موكل بالجمال أتبعه حيث كان وضرب راحلته ومضى

صوت
( يا بني الصَّيْداءِ رُدُّوا فَرَسِي ... إنَّما يُفْعَلُ هذا بالذَّلِيلْ )
( عَوّدوا مُهْرِي الذي عوَّدْتُه ... دَلَج الليلِ وإيطاء القتيلْ )
( واسْتِباء الزِّقِّ مِنْ حانَاتِه ... شائلَ الرّجلين معصوباً يَمِيلْ )
عروضه من ثاني الرمل
بنو الصيداء بطن من بني اسد والدلج السير في آخر الليل يقال دلج يدلج مخففة إذا سار من آخر الليل وادلج يدلج إذا سار الليل كله واستباء الزق أراد استباء الخمر فيه أي ابتاعها من حاناتها والحانات جمع حانة وهي الموضع الذي تباع فيه الخمر وشائل الرجلين رافعهما
وروى الأصمعي وأبو عمرو
( أحملُ الزِّقَّ على منْسِجه ... فيظلّ الضيفُ نَشْواناً يَمِيلْ )
الشعر لزيد الخيل الطائي والغناء لابن محرز خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن يحيى المكي وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد وفيه لعاذل لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس وذكر حبش أن فيه لنبيه لحنا من الثقيل الثاني بالوسطى

أخبار زيد الخيل ونسبه
هو زيد بن مهلهل بن يزيد بن منهب بن عبد رضا ورضا صنم كان لطيئ ابن محلس بن ثور بن عدي بن كنانة بن مالك بن نائل بن نبهان وهو أسود بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهو طيئ سمي بذلك لأنه كان يطوي المناهل في غزواته ابن أدد بن مذحج بن زيد بن يشجب الأصفر بن عريب بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر وهو هود النبي كذا نسبه النسابون والله أعلم
وأم طيئ مدلة بنت ذي منحسان بن عريب بن الغوث بن زهير بن وائل بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومدلة هذه هي مذحج وهو لقبها وهي أم مالك بن أدد وكانت مدلة عند أدد أيضا فولدت له الأشعر واسمه نبت ومرة ابني أدد ومن الناس من يقول مذحج ظرب صغير اجتمعوا عليه وليس بأم ولا أب والله أعلم

النبي يسميه زيد الخير
وكان زيد الخيل فارسا مغوارا مظفرا شجاعا بعيد الصيت في الجاهلية وأدرك الإسلام ووفد إلى النبي ولقيه وسر به وقرظه وسماه زيد الخير
وهو شاعر مقل مخضرم معدود في الشعراء الفرسان وإنما كان يقول الشعر في غاراته ومفاخراته ومغازيه وأياديه عند من مر عليه وأحسن في قراه إليه وإنما سمي زيد الخيل لكثرة خيله وأنه لم يكن لأحد من قومه ولا لكثير من العرب إلا الفرس والفرسان وكانت له خيل كثيرة منها المسماة المعروفة التي ذكرها في شعره وهي ستة وهي الهطال والكميت والورد وكامل ودؤول ولاحق وفي الهطال يقول
( أُقرِّبُ مَرْبِطَ الهطَّالِ إنِّي ... أرى حَرْباً ستَلْقَحُ عن حِيَالِ )
وفي الورد يقول
( أبَتْ عادةٌ للوَرْدِ أنْ يُكرِهَ القَنَا ... وحاجةُ نَفْسي في نُميْرٍ وعامِرِ )
وفي دؤول يقول
( فأقسم لا يُفَارِقني دؤول ... أجولُ به إذا كثر الضِّرَابُ )
هذا ما حضرني في تسمية خيله في شعره وقد ذكرها
وكان لزيد الخيل ثلاثة بنين كلهم يقول الشعر وهم عروة وحريث ومهلهل ومن الناس من ينكر أن يكون له من الولد إلا عروة وحريث
وهذا الشعر الذي فيه الغناء يقوله في فرس من خيله ظلع في بعض غزواته بني أسد فلم يتبع الخيل ووقف فأخذته بنو الصيداء فصلح عندهم واستقل

وقيل بل أغزى عليه بعض بني نبهان فنكس عنه وأخذ وقيل إنه خلفه في بعض أحياء العرب ظالعا ليستقل فأغارت عليهم بنو أسد فأخذوا الفرس فيما استاقوه لهم فقال في ذلك زيد الخيل
( يا بني الصَّيْداء ردُّوا فرسي ... إنما يُفْعَلُ هذا بالذَّليلْ )
( لا تُذِيلوه فإني لم أكُنْ ... يا بَنِي الصَّيْداء لمُهْرِي بالمُذِيل )
( عوّدوهُ كالذي عوَّدتْهُ ... دَلَج اللَّيْل وإيطاء القَتِيلْ )
( أحمِل الزقَّ على مِنْسَجه ... فيظلّ الضيفُ نشواناً يَميل )
قال أبو عمرو الشيباني وكان زيد الخيل ملحا على بني أسد بغاراته ثم على بني الصيداء منهم ففيهم يقول
( ضجَّتْ بَنُو الصَّيْداء من حربنا ... والحربُ من يحللْ بها يضجر )
( بتْنا نُزجِّي نحوهم ضمُرّاً ... معروفةَ الأنساب من منسر )
( حتى صبحناهم بها غُدْوَةً ... نقتلهم قَسْراً على ضُمَّر )
( يدعون بالوَيْل وقد مَسَّهم ... منا غداةَ الشّعب ذي الهَيْشر )
( ضربٌ يُزِيلُ الهامَ ذو مصْدَقٍ ... يَعْلُو على البيضة والمِغْفَر )

الهيشر شجر كثير الشوك تأكله الإبل
نسخت من كتاب لأبي المحلم قال حدثني أضبط بن الملوح قال لي أبي أنشد حبيب بن خالد بن نضلة الفقعسي قول زيد الخيل
( عَوّدُوا مُهْرِي الذي عَوَّدْتُه ... )
فضحك ثم قال قولوا له إن عودناه ما عودته دفعناه إلى أول من يلقانا وهربنا

وفوده على النبي وإسلامه
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي إجازة قال حدثني علي بن حرب قال أنبأني هشام بن الكلبي أبو المنذر قال حدثني عباد بن عبد الله النبهاني عن أبيه عن جده وأضفت إلى ذلك ما رواه أبو عمرو الشيباني قالا
وفد زيد الخيل بن مهلهل على رسول الله ومعه وزر بن سدوس النبهاني وقبيصة بن الأسود بن عامر بن جوين الجرمي ومالك بن جبير المغني وقعين بن خليل الطريفي في عدة من طيىء فأناخوا ركابهم بباب المسجد ودخلوا ورسول الله يخطب الناس فلما رآهم قال إني خير لكم من العزى ومما حازت مناع من كل ضار غير يفاع ومن الجبل الأسود الذي تعبدونه من دون الله عز و جل
قال أبو المنذر يعني بمناع جبل طيىء

فقام زيد وكان من أجمل الرجال وأتمهم وكان يركب الفرس المشرف ورجلاه تخطان الأرض كأنه على حمار فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله قال ومن أنت قال أنا زيد الخيل بن مهلهل فقال رسول الله بل أنت زيد الخير وقال الحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك ورقق قلبك على الإسلام يا زيد ما وصف لي رجل قط فرأيته إلا كان دون ما وصف به إلا أنت فإنك فوق ما قيل فيك

مات بالحمى
فلما ولى قال النبي أي رجل إن سلم من آطام المدينة فأخذته الحمى فأنشأ يقول
( أنَخْتُ بآطام المدينة أرْبَعاً ... وخمساً يغنّي فوقها الليلَ طائِرُ )
( شددتُ عليها رَحْلَها وشَليلَها ... من الدَّرْس والشَّعْراء والبَطْنُ ضامر )
فمكث سبعا ثم اشتدت الحمى به فخرج فقال لأصحابه جنبوني بلاد قيس فقد كانت بيننا حماسات في الجاهلية ولا والله لا أقاتل مسلما حتى ألقى الله فنزل بماء لحي من طيىء يقال له فردة واشتدت به الحمى فأنشأ يقول
( أمُرْتَحِلٌ صَحْبِي المشارقَ غدوةً ... وأُتركَ في بَيْتٍ بفَرْدَةَ مُنجدِ )
( سقى الله ما بين القَفيل فطابَةٍ ... فما دونَ أرمام فما فوق مُنْشِد )

( هنالك لو أني مرضتُ لعادني ... عوائدُ من لم يَشْفِ منهنّ يَجْهدِ )
( فليت اللواتي عُدْنَني لم يَعُدْنَني ... وليت اللواتي غِبْنَ عنِّيَ عُوَّدِي )
قال وكتب معه رسول الله لبني نبهان بفيدك كتابا مفردا وقال له أنت زيد الخير فمكث بالفردة سبعة أيام ثم مات فأقام عليه قبيصة بن الأسود المناحة سبعا ثم بعث راحلته ورحله وفيه كتاب رسول الله فلما نظرت امرأته وكانت على الشرك إلى الراحلة ليس عليها زيد ضربتها بالنار وقالت
( ألاَ إنما زيدٌ لكُلِّ عظيمةٍ ... إذا أقبلتْ أوْبَ الجرادِ رِعالها )
( لقَاهُمْ فما طاشَتْ يَدَاه بضربهم ... ولا طَعْنهم حتى تولّى سِجالها )
قال فبلغني أن رسول الله وآله لما بلغه ضرب امرأة زيد الراحلة بالنار واحتراق الكتاب قال بؤسا لبني نبهان
وقال أبو عمرو الشيباني
لما وفد زيد الخيل على رسول الله فدخل إليه طرح له متكأ فأعظم أن يتكئ بين يدي رسول الله وآله فرد المتكأ فأعاده عليه ثلاثا وعلمه دعوات كان يدعو بها فيعرف الإجابة ويستسقي فيسقى وقال يا رسول الله أعطني ثلاثمائة فارس أغير بهم على قصور الروم فقال له أي

رجل أنت يا زيد ولكن أم الكلبة تقتلك يعني الحمى فلم يلبث زيد بعد انصرافه إلا قليلا حتى حم ومات
قال أبو عمرو وأسلموا جميعا إلا وزر فإنه قال لما رأى النبي وآله إني لأرى رجلا ليملكن رقاب العرب ووالله لا يملك رقبتي أبدا فلحق بالشام فتنصر وحلق رأسه فمات على ذلك
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي قال
أقبل زيد الخيل الطائي حتى أتى النبي وكان زيد رجلا جسيما طويلا جميلا فقال له النبي من أنت قال أنا زيد الخيل قال بل أنت زيد الخير أما إني لم أخبر عن رجل خبرا إلا وجدته دون ما أخبرت به عنه غيرك إن فيك لخصلتين يحبهما الله عز و جل ورسوله قال وما هما يا رسول الله قال الأناة والحلم فقال زيد الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله

عمر يسأله عن ملوك طيئ وأصحاب مرابعها
قال ودخل زيد على رسول الله وعنده عمر رضي الله عنه فقال عمر لزيد أخبرنا يا ابا مكنف عن طيئ وملوكها نجدتها وأصحاب مرابعها فقال زيد في كل يا عمر نجدة وبأس وسيادة ولكل رجل من حيه مرباع أما بنو حية فملوكنا وملوك غيرنا وهم القداميس القادة والحماة الذادة والأنجاد السادة

أعظمنا خميسا وأكرمنا رئيسا وأجملنا مجالس وأنجدنا فوارس
فقال له عمر رضي الله عنه ما تركت لمن بقي من طيىء شيئا فقال بلى والله أما بنو ثعل وبنو نبهان وجرم ففوارس العدوة وطلاعو كل نجوة ولا تحل لهم حبوة ولا تراع لهم ندوة ولا تدرك لهم نبوة عمود البلاد وحية كل واد وأهل الأسل الحداد والخيل الجياد والطارف والتلاد
وأما بنو جديلة فأسهلنا قرارا وأعظمنا أخطارا وأطلبنا للأوتار وأحمانا للذمار وأطعمنا للجار
فقال له عمر سم لنا هؤلاء الملوك قال نعم منهم عفير المجير على الملوك وعمرو المفاخر ويزيد شارب الدماء والغمر ذو الجود ومجير الجراد وسراج كل ظلام ولامة وملحم بن حنظلة هؤلاء كلهم من بني حية
وأما حاتم بن عبد الله الثعلي الجواد فلا يجارى والسمح فلا يبارى والليث الضرغامة قراع كل هامة جوده في الناس علامة لا يقر على ظلامة فاعترض رجل من بني ثعل لما مدح زيد حاتما فقال ومنا زيد بن مهلهل النبهاني رئيس قومه وسيد الشيب والشبان وسم الفرسان وآفة الأقران والمهيب بكل مكان أسرع إلى الإيمان وآمن بالفرقان رئيس قومه في الجاهلية وقائدهم إلى أعدائهم على شحط المزار وطموس الآثار وفي الإسلام رائدنا إلى رسول الله ومجيبه من غير تلعثم ولا تلبث
ومنا زيد بن سدوس النبهاني عصمة الجيران والغيث بكل أوان ومضرم النيران ومطعم الندمان وفخر كل يمان

ومنا الأسد الرهيص سيد بني جديلة ومدوخ كل قبيلة قاتل عنترة فارس بني عبس ومكشف كل لبس
فقال عمر لزيد الخيل لله درك يا أبا مكنف فلو لم يكن لطيىء غيرك وغير عدي بن حاتم لقهرت بكما العرب
أخبرني ابن دريد قال أخبرني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال أخبرني شيخ من بني نبهان قال
أصابت بني شيبان سنة ذهبت بالأموال فخرج رجل منهم بعياله حتى أنزلهم الحيرة فقال لهم كونوا قريبا من الملك يصبكن من خيره حتى أرجع إليكن وآلى ألية لا يرجع حتى يكسبهن خيرا أو يموت فتزود زادا ثم مشى يوما إلى الليل فإذا هو بمهر مقيد يدور حول خباء فقال هذا أول الغنيمة فذهب يحله ويركبه فنودي خل عنه واغنم بنفسك فتركه ومضى سبعة أيام حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطفيل الشمس فإذا خباء عظيم وقبة من أدم فقال في نفسه ما لهذا الخباء بد من أهل وما لهذه القبة بد من رب وما لهذا العطن بد من إبل فنظر في الخباء فإذا شيخ كبير قد اختلفت ترقوتاه كأنه نسر

قال فجلست خلفه فلما وجبت الشمس إذا فارس قد أقبل لم أر فارسا قط أعظم منه ولا أجسم على فرس مشرف ومعه أسودان يمشيان جنبيه وإذا مائة من الإبل مع فحلها فبرك الفحل وبركت حوله ونزل الفارس فقال لأحد عبديه احلب فلانة ثم اسق الشيخ فحلب في عس حتى ملأه ووضعه بين يدي الشيخ وتنحى فكرع منه الشيخ مرة أو مرتين ثم نزع فثرت إليه فشربته فرجع إليه العبد فقال يا مولاي قد أتى على آخره ففرح بذلك وقال احلب فلانة فحلبها ثم وضع العس بين يدي الشيخ فكرع منه واحدة ثم نزع فثرت إليه فشربت نصفه وكرهت أن آتي على آخره فأتهم فجاء العبد فأخذه وقال لمولاه قد شرب وروي فقال دعه ثم أمر بشاة فذبحت وشوى للشيخ منها ثم أكل هو وعبداه فأمهلت حتى إذا ناموا وسمعت الغطيط ثرت إلى الفحل فحللت عقاله وركبته فاندفع بي وتبعته الإبل فمشيت ليلتي حتى الصباح فلما أصبحت نظرت فلم أر أحدا فشللتها إذا شلا عنيفا حتى تعالى النهار ثم التفت التفاتة فإذا أنا بشيء كأنه طائر فما زال يدنو حتى تبينته فإذا هو فارس على فرس وإذا هو صاحبي بالأمس فعقلت الفحل ونثلت كنانني ووقفت بينه وبين الإبل فقال احلل عقال الفحل فقلت كلا والله لقد خلفت نسيات بالحيرة وآليت ألية لا أرجع حتى أفيدهن خيرا أو أموت قال فإنك لميت حل عقاله لا أم لك فقلت ما هو إلا ما قلت لك فقال إنك لمغرور انصب لي خطامه واجعل فيه خمس عجر ففعلت فقال أين تريد أن أضع سهمي فقلت في هذا الموضع فكأنما وضعه بيده ثم أقبل يرمي حتى أصاب الخمسة بخمسة أسهم فرددت نبلي وحططت قوسي ووقفت مستسلما فدنا مني وأخذ السيف

والقوس ثم قال ارتدف خلفي وعرف أني الرجل الذي شربت اللبن عنده فقال كيف ظنك بي قلت أسوأ ظن قال وكيف قلت لما قليت من تعب ليلتك وقد أظفرك الله بي فقال أترانا كنا نهيجك وقد بت تنادم مهلهلا قلت أزيد الخيل أنت قال نعم أنا زيد الخيل فقلت كن خير آخذ فقال ليس عليك بأس
فمضى إلى موضعه الذي كان فيه ثم قال أما لو كانت هذه الإبل لي لسلمتها إليك ولكنها ليست مهلهل فأقم علي فإني على شرف غارة
فأقمت أياما ثم أغار على بني نمير بالملح فأصاب مائة بعير فقال هذه أحب إليك أم تلك قلت هذه قال دونكها وبعث معي خفراء من ماء إلى ماء حتى وردوا بي الحيرة فلقيني نبطي فقال لي يا أعرابي أيسرك أن لك بإبلك بستانا من هذه البساتين قلت وكيف ذاك قال هذا قرب مخرج نبي يخرج فيملك هذه الأرض ويحول بين أربابها وبينها حتى إن أحدهم ليبتاع البستان من هذه البساتين بثمن بعير
قال فاحتملت بأهلي حتى انتهيت إلى موضع الشيطين فبينما نحن في الشيطين على ماء لنا وقد كان الحوفزان بن شريك أغار على بني تميم فجاءنا رسول الله فأسلمنا وما مضت الأيام حتى شريت بثمن بعير من إبلي بستانا بالحيرة فقال في يوم الملح زيد الخيل
( ويوم الملحِ ملحِ بني نُمَيْرٍ ... أصابتكم بأظفارٍ ونابِ )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عمي عن ابن الكلبي

عن أبيه والشرقي
أن زيد الخيل قال للنبي إن في الحي رجلين لهما كلاب مضريات تصيد الوحش أفنأكل مما أمسكته ولم تدرك ذكاته فقال ( إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه وكل مما أمسك ) أو كما قال عليه السلام
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه إسحاق عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن ابن أبي ليلى قال
أنشدتني ليلى بنت عروة بن زيد الخيل الطائي شعر أبيها في يوم محجر
( بني عامرٍ هل تعرفون إذا غَدَا ... أبو مُكْنِف قد شدَّ عَقْدَ الدوابرِ )
( بجيشٍ تضلُّ البُلْقُ في حَجَراتِه ... تَرَى الأُكْمَ فيه سُجَّداً للحَوافِر )
( وجَمعٍ كمثل الليل مرتجزٍ الوَغَى ... كثيرٍ حواشيه سريعِ البوادرِ )
قالت ليلى فقلت لأبي يا أبه أشهدت ذلك اليوم مع أبيك قال إي والله يا بنية لقد شهدته قلت كم كانت خيل أبيك هذه التي وصفت قال ثلاثة أفراس

زيد الخيل يغزو بني عامر
نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني بخطه عن أبيه
أن زيد الخيل بن مهلهل جمع طيئا وأخلاطا لهم وجموعا من شذاذ العرب فغزا بهم بني عامر ومن جاورهم من قبائل العرب من قيس وسار إليهم فصبحهم من طلوع الشمس فنذروا به وفزعوا به إلى الخيل وركبوها وكان أول

من نذر بهم فلقي جمعهم غني بن أعصر وإخوتهم الحارث وهو الطفاوة واسمه مالك بن سعد بن قيس بن عيلان فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت بنو عامر فاستحر القتل بغني وفيهم يومئذ فرسان وشعراء فملأت طيىء أيديهم من غنائمهم وأسر زيد الخيل يومئذ الحطيئة الشاعر فجز ناصيته وأطلقه
ثم إن غنيا تجمعت بعد ذلك مع لف من بني عامر فغزوا طيئا في أرضهم فغنموا وقتلوا وأدركوا ثأرهم منهم
وقد كان زيد الخيل قال في وقعته لبني عامر قصيدته التي يقول فيها
( وخيبة من يخيب على غَنيٍّ ... وباهلةَ بْنِ أعًصَر والكلابِ )
فلما أدركوا ثارهم أجابه طفيل الغنوي فقال
( سَمَوْنا بالجِيادِ إلى أعادٍ ... مُغاورةً بجدٍّ واعتصابِ )
( نؤمّهم على وَعْثٍ وشحطٍ ... بقُودٍ يَطَّلِعن من النِّقاب )
وهي طويلة يقول فيها
( أخذنا بالمخَطَّم مَنْ أتاهم ... من السُّودِ المزَنَّمةِ الرِّغابِ )
( وقَتَّلْنا سَراتَهُم جِهاراً ... وجئنا بالسَّبَايا والنِّهابِ )

( سبايا طَيِّىءٍ أُبرزن قَسْراً ... وأُبدلن القصورَ من الشِّعابِ )
( سبايا طَيِّىءٍ من كلّ حَيٍّ ... نما في الفرع منها والنِّصابِ )
( وما كانت بناتُهُم سبيّاً ... ولا رغباً يعدُّ من الرِّغاب )
( ولا كانت دماؤهُم وفاءً ... لنا فيما يُعدّ من العِقاب )
أخبرني الحسن بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان لزيد الخيل ابن يقال له عروة وكان فارسا شاعرا فشهد القادسية فحسن فيها بلاؤه وقال في ذلك يذكر حسن بلائه
( برزتُ لأهْلِ القادسيّة مُعْلِما ... وما كلّ مَنْ يَغْشَى الكريهةَ يُعلِمُ )
( ويوم بأكناف النُّخَيْلة قَبْلَها ... شهدتُ فلم أبْرَحْ أُدمِّي وأُكْلَمُ )
( وأقعصتُ منهم فارساً بَعْدَ فارسٍ ... وما كلّ مَنْ يلقى الفَوارسَ يَسْلَمُ )
( ونجَّانَي اللهُ الأجَلّ وجِيرتي ... وسيفٌ لأطراف المرازب مِخْذَمُ )
( وأيقنتُ يوم الدَّيْلَميِّين أنني ... متى ينصرف وجْهي عن القوم يُهْزَمُوا )
( فما رُمْتُ حتى مزَّقوا برماحهم ... ثيابي وحتى بلَّ أخْمصي الدّمُ )
( محافظةً إني امرء ذو حَفيظة ... إذا لمْ أجِدْ مستأخراً أتقَدَّمُ )
قال وشهد مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه صفين وعاش إلى إمارة

معاوية فأراده على البراءة من علي عليه السلام فامتنع عليه وقال
( يحاولُني معاويةُ بن حَربٍ ... وليس إلى الذي يَهوى سبيلُ )
( على جَحْدي أبا حَسنٍ عليّاً ... وحظِّي من أبي حَسنٍ جليلُ )
قال وله أشعار كثيرة
قال أبو عمرو كان لتغلب رئيس يقال له الجرار وأدرك النبي وأبى الإسلام وامتنع منه فيقال إن رسول الله بعث إليه زيد الخيل وأمره بقتاله فمضى زيد فقاتله فقتله لما أبى الإسلام وقال في ذلك
( صبّحتُ حَيّ بني الجرّار داهيةً ... ما إن لتغلبَ بعد اليوم جَرّارُ )
( نحوى النِّهابَ ونَحْوي كلَّ جاريةٍ ... كأن نُقبتها في الخدِّ دِينارُ )
قال مؤرج خرج رجل من طيىء يقال له ذؤاب بن عبد الله إلى صهر له من هوازن فأصيب الرجل - وكان شريفا ذا رياسة في حيه - فبلغ ذلك زيدا فركب في نبهان ومن تبعه من ولد الغوث وأغار على بني عامر وجعل كلما أخذ أسيرا قال له ألك علم بالطائي المقتول فإن قال نعم قتله وإن قال لا خلى سبيله ومن عليه وأصاب رجالا من بني الوحيد والضباب وبني نفيل ثم رجع زيد إلى قومه فقالوا ما صنعت فقال ما أصبت بثأر ذؤاب ولا يبوء به إلا عامر ابن مالك ملاعب الأسنة فأما ابن الطفيل فلا يبوء به وأنشأ زيد يقول
( لا أرَى أن بالقَتِيل قَتِيلاً ... عامريّاً يَفي بقَتْل ذُؤاب )
( ليس مَنْ لاعَب الأسنة في النقع ... وسُمِّي ملاعباً بأرابِ )
( عامرٌ ليس عامرَ بنَ طُفيل ... لكن العَمْرُ رأسُ حيّ كِلاب )
( ذاكَ إن ألْقَه أنالُ به الوِتْر ... َ وقَرَّتُ به عُيونُ الصِّحابِ )

( أو يَفُتْنِي فقد سُبِقْتُ بوترٍ ... مَذْحِجيٍّ وجَدُّ قوميَ كابي )
( قد تقنَّصْتُ للضَّبابِ رجالاً ... وتكرمتُ عنْ دماءِ الضَّبابِ )
( وأصبنا مِن الوَحيد رجالاً ... ونُفيلٍ فما أساغُوا شَرَابِيَ )
فبلغ عامر بن الطفيل قول زيد الخيل وشعره فأغضبه وقال مجيبا له
( قل لزيدٍ قد كنتَ تؤثرَ بالحلم ... إذا سُفِّهَتْ حلومُ الرِّجال )
( ليس هذا القتيلُ مِنْ سَلَفِ الحي ... ّ كَلاَعٍ ويَحْصُبٍ وكُلاَلِ )
( أو بني آكلِ المُرار ولا صِيد ... ِ بني جَفْنَة الملوك الطِّوالِ )
( وابن ماء السماء قد علم النّاسُ ... ولا خَيْرَ في مقالةِ غالِي )
( إنَّ في قَتْل عامِر بْنِ طُفيلٍ ... لَبَواءً لطيِّىء الأجبالِ )
( إنني والذي يحجُّ له النّاس ... قليلٌ في عامر الأمثالِ )
( يوم لا مال للمحارب في الحرْب ... ِ سِوَى نَصْلِ أسمرٍ عَسّالِ )
( ولجامٍ في رَأْس أجْرَد كالجِذْع ... ِ طُوَالٍ وأبيضٍ قَصَّالِ )

( ودِلاَصٍ كالنِّهْي ذاتِ فضولٍ ... ذاكَ في حَلْبَةِ الحوادث مالِي )
( ولِعَمِّي فضل الرياسةِ والسنّ ... ِ وَجدٌ على هوازنَ عالِي )
( غير أني أُولِي هوازنَ في الحرب ... ِ بضَرْبِ المتوَّجِ المختال )
( وبطَعْنِ الكَمِيّ في حَمَسِ النَّقْع ... ِ على مَتْن هَيْكَلٍ جَوَّالِ )

زيد الخيل يغير على بني مرة وبني فزارة
قال أبو عمرو الشيباني
لما بلغ زيد الخيل ما كان من الحارث بن ظالم وعمرو بن الإطنابة الخزرجي وهجائه إياه غضب زيد لذلك فأغار على بني مرة بن غطفان فأسر الحارث بن ظالم وامرأته في غارته ثم من عليهما وقال يذكر ذلك
( ألاَ هل أتى غَوْثاً ورُومانَ أننا ... صبحنا بني ذُبْيانَ إحدى العظائمِ )
( وسُقْنا نساءَ الحيَ مُرَّةَ بالقَنا ... وبالخيل تَرْدِي قد حوينا ابن ظالم )
( جَنِيباً لأعضاد النواجي يَقُدْنَه ... على تَعَبٍ بين النَّواجِي الرواسم )

( يقول اقبلُوا مِنّي الفداء وأنعِمُوا ... عليّ وجُزُّوني مكانَ القَوَادِمِ )
( وقد مسّ حدُّ الرمح قوَّارةَ اسْتِه ... فصارت كشِدْقِ الأعْلَمِ المُتَضاجِم )
( وسائِلْ بنا جارَ ابْنِ عَوف فقد رأى ... حليلتَه جالَتْ عليها مقاسمي )
( تُلاعب وُحْدَان العَضاريط بَعْدَمَا ... جَلاَها بسهميه لقيطُ بن حازِم )
( أغرّك أنْ قيل ابنُ عوف ولا أرى ... عَزِيمك إلاّ وَاهِياً في العزائم )
( غداة سَبَيْنَا مِنْ خَفاجة سَبْيَها ... ومرَّتْ لهم مِنّا نحوسُ الأشائم )
( فمن مُبلِغٌ عني الخزارجَ غارةً ... على حيِّ عوفٍ موجفاً غيْرَ نائم )
وقال أبو عمرو أغار زيد على بني فزارة وبني عبد الله بن غطفان ورئيسهم يومئذ أبو ضب ومع زيد الخيل من بني نبهان بطنان يقال لهما بنو نصر وبنو مالك فأصاب وغنم وساقوا الغنيمة وانتهى إلى العلم فاقتسموا النهاب فقال لهم زيد أعطوني حق الرياسة فأعطاه بنو نصر وأبى بنو مالك فغضب زيد وانحدر إلى بني نصر فبينما بنو مالك يقتسمون إذ غشيتهم فزارة وغطفان وهم حلفاء فاستنقذوا ما بأيديهم فلما رأى زيد ذلك شد على القوم فقتل رئيسهم أبا ضب وأخذ ما في أيديهم فدفعه إلى بني مالك وكانوا نادوه يومئذ يا زيداه أغثنا فكر على القوم حتى استنقذ ما في أيديهم ورده وقال يذكر ذلك
( كررْتُ على أبطالِ سعْدٍ ومالكٍ ... ومَنْ يَدَعُ الدَّاعِي إذا هو ندّدا )
( فلأياً كررتُ الوَرْدَ حتى رَأيْتُهُم ... يُكَبّون في الصحراء مَثْنَى ومَوْحَدا )
( وحتى نبذتُم بالصَّعِيد رِماحَكم ... وقد ظهرت دَعوى زُنَيْمٍ وأسْعَدَا )
( فما زلتُ أرميهم بغُرَّة وَجْهِه ... وبالسيف حتى كلَّ تَحْتي وبَلَّدا )
( إذا شكَّ أطرافُ العَوالي لَبانَهُ ... أُقدِّمه حتى يَرى المَوتَ أسودا )

( عُلالِتها بالأمس ما قد علمتمُ ... وعَلُّ الجواري بيننا أن تُسَهَّدا )
( لقد علمَتْ نَبْهَانُ أنّي حميتُها ... وأني منعتُ السَّبْيَ أنْ يتبدَّدَا )
( عشيَّةَ غادرتُ ابْنَ ضبّ كأنما ... هوى عن عُقاب من شماريخ صَنْددا )
( بِذي شُطَبٍ أُغشي الكتيبة سَلْهباً ... أقَبَّ كسِرْحان الظلام مُعَوَّدا )

زيد الخيل وعامر بن الطفيل
قال أبو عمرو وخرج زيد الخيل يطلب نعما له من بني بدر وأغار عامر بن الطفيل على بني فزارة فأخذ امرأة يقال لها هند واستاق نعما لهم فقالت بنو بدر لزيد ما كنا قط إلى نعمك أحوج منا اليوم فتبعه زيد الخيل وقد مضى وعامر يقول يا هند ما ظنك بالقوم فقالت ظني بهم أنهم سيطلبونك وليسوا نياما عنك
قال فحطأ عجزها ثم قال لا تقول استها شيئا فذهبت مثلا
فأدركه زيد الخيل فنظر إلى عامر فأنكره لعظمه وجماله وغشيه زيد فبرز له عامر فقال يا عامر خل سبيل الظعينة والنعم فقال عامر من أنت قال

فزاري أنا قال عامر والله ما أنت من القلح أفواها فقال زيد خل عنها قال لا أوتخبرني من أنت قال أسدي قال لا والله ما أنت من المتكورين على ظهور الخيل قال خل سبيلها قال لا والله أوتخبرني فأصدقني قال أنا زيد الخيل قال صدقت فما تريد من قتالي فوالله لئن قتلتني لتطلبنك بنو عامر ولتذهبن فزارة بالذكر فقال له زيد خل عنها قال تخلى عني وأدعك والظعينة والنعم قال فاستأسر قال أفعل فجز ناصيته وأخذ رمحه وأخذ هندا والنعم فردها إلى بني بدر وقال في ذلك
( إنا لنُكْثِرُ في قَيْسٍ وقائعَنا ... وفي تميمٍ وهذا الحيِّ من أسدِ )
( وعامر بن طفيل قد نحوتُ له ... صَدْرَ القناة بماضي الحدّ مطَّرد )
( لما أحسّ بأنّ الوَرْدَ مُدْرِكه ... وصارِماً ورَبِيطَ الجَأْش ذا لُبدِ )
( نادَى إليَّ بسلْمٍ بعدما أخذَتْ ... منه المنيةُ بالحَيْزُومِ واللُّغُدِ )
( ولو تصبَّر لي حتى أُخالِطَه ... أسْعرته طعنَةٌ تكْتار بالزَّبَدِ )

زيد الخيل يأسر الحطيئة وكعب بن زهير
قال فانطلق عامر إلى قومه مجزوزا وأخبرهم الخبر فغضبوا لذلك وقالوا لا ترأسنا أبدا وتجهزوا ليغيروا على طيىء ورأسوا عليهم علقمة بن علاثة فخرجوا ومعهم الحطيئة وكعب بن زهير

فبعث عامر إلى زيد الخيل دسيسا ينذره فجمع زيد قومه فلقيهم بالمضيق فقاتلهم فأسر الحطيئة وكعب بن زهير قوما منهم فحبسهم فلما طال عليهم الأسر قالوا يا زيد فادنا قال الأمر إلى عامر بن الطفيل فأبوا ذلك عليه فوهبهم لعامر إلا الحطيئة وكعبا فأعطاه كعب فرسه الكميت وشكا الحطيئة الحاجة فمن عليه فقال زيد
( أقول لعبدَيْ جَرْوَل إذ أسَرْتُهُ ... أثِبْنِي ولا يَغْرُركَ أنك شاعِرُ )
( أنا الفارِسُ الحامِي الحقيقةُ والذي ... له المَكْرمات واللُّهى والمآثِرُ )
( وقومي رؤوسُ الناسِ والرأسُ قائد ... إذا الحربُ شبَّتْها الأكُفُّ المساعِرُ )
( فلستُ إذا ما الموتُ حُوذِرَ وِرْدُهُ ... وأتْرَع حَوْضاهَ وحَمَّجَ ناظِرُ )
( بوَقَافةٍ يخشى الحُتُوف تَهَيُّباً ... يُباعِدُني عنها من القُبِّ ضامِر )
( ولكنني أغْشَى الحُتوفَ بصَعْدتي ... مجاهرةً إنّ الكريمَ يُجاهِرُ )
( وأرْوِي سِناني من دِمَاءٍ عزيزة ... على أهلها إذ لا ترجَّى الأياصِرُ )
فقال الحطيئة لزيد
( إن لم يكن مالِي بآتٍ فإنّني ... سَيأْتي ثنائي زيداً بن مُهَلْهِل )
( فأعطيتَ منا الوُدّ يوم لقيتنا ... ومن آل بَدْرٍ شدَّة لم تُهلَّلِ )
( فما نلتَنا غَدْراً ولكن صبَحْتَنا ... غداةَ التقينا في المضيق بأخْيَل )

( تَفَادَى حماةُ القومِ من وقع رمحه ... تَفَادِي ضعافِ الطَّيرِ مِن وقْع أجدل )
وقال فيه الحطيئة أيضا
( وقعْتَ بعَبْس ثم أنعمت فيهم ... ومن آل بدر قد أصبت الأخايرا )
( فإنْ يشكروا فالشكرُ أدنى إلى التُّقى ... وإن يكفروا لا ألْف يا زيدُ كافرا )
( تركتَ المِياهَ من تميمٍ بَلاقعاً ... بما قد ترى منهم حُلُولاً كراكرا )
( وحيَّ سُلَيْمٍ قد أثَرْتَ شَرِيدَهم ... وبالأمس ما قتَّلتَ يا زيد عامرا )
فرضي عنه زيد ومن عليه لما قال هذا فيه وعد ذلك ثوابا من الحطيئة وقبله

الحطيئة يمتنع عن هجاء زيد الخيل
فلما رجع الحطيئة إلى قومه قام فيهم حامدا لزيد شاكرا لنعمته حتى أسرت طيىء بني بدر فطلبت فزارة وأفناء قيس إلى شعراء العرب أن يهجوا بني لأم وزيدا فتحامتهم شعراء العرب وامتنعت عن هجائهم فصاروا إلى الحطيئة فأبى عليهم وقال اطلبوا غيري فقد حقن دمي وأطلقني بغير فداء فلست بكافر نعمته أبدا قالوا فإنا نعطيك مائة ناقة قال والله لو جعلتموها ألفا ما فعلت ذلك وقال الحطيئة
( كيف الهجاءُ وما تنفكُّ صالحةً ... من آل لأمٍ بظَهْر الغَيْب تأْتِينا )
( المنعمين أقام العِزُّ وسطَهُمُ ... بيضُ الوجُوه وفي الهيجَا مَطَاعِينا )
وقد أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال
خرج بجير بن زهير والحطيئة ورجل من فزارة يتقنصون الوحش فلقيهم زيد الخيل فافتدى بجير نفسه بفرس كان لكعب أخيه وكعب يومئذ مجاور في بني ملقط من وطيىء وشكا إليه الحطيئة الفاقة فأطلقه

وقال أبو عمرو غزت بنو نبهان فزارة وهم متساندون ومعهم زيد الخيل فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت فزارة وساقت بنو نبهان الغنائم من النساء والصبيان ثم إن فزارة حشدت واستعانت بأحياء من قيس وفيهم رجل من سليم شديد البأس سيد يقال له عباس بن أنس الرعلي كانت بنو سليم قد أرادوا عقد التاج على رأسه في الجاهلية فحسده ابن عم له فلطم عينه فخرج عباس من أعمال بني سليم في عدة من أهل بيته وقومه فنزل في بني فزارة وكان معهم يومئذ ولم يكن لزيد المرباع حينئذ وأدركت فزارة بني نبهان فاقتتلوا قتالا شديدا فلما رأى زيد ما لقيت بنو نبهان نادى يا بني نبهان أأحمل ولي المرباع قالوا نعم فشد على بني سليم فهزمهم وأخذ أم الأسود امرأة عباس بن أنس ثم شد على فزارة والأخلاط فهزمهم وقال في ذلك
( ألاَ ودَّعَتْ جيرانَها أمُّ أسْوَدَا ... وضنَّت على ذي حاجَةٍ أن يُزوّدا )
( وأبغضُ أخلاقِ النساء أشَدُّه ... إليّ فلا تُولنَّ أهلي تشددا )
( وسائلْ بني نَبْهَان عنّا وعندهم ... بلاءٌ كحدّ السيف إذْ قَطَعَ اليدا )
( دَعَوْا مالكاً ثم اتَّصلنا بمالكٍ ... فكلٌّ ذَكا مصباحَهُ فتوقّدا )
( وبشرَ بن عمرو قد تركنا مُجَنْدلاً ... ينوء بخطَّار هناك ومَعْبَدا )
( تمطّت به قَوْدَاءُ ذاتُ عُلاَلة ... إذا الصِّلْدِم الخِنْذيذ أعْيَا وبَلَّدا )
( لقيناهُمُ نستنقذُ الخيلَ كالقنا ... ويستسلبون السَّمْهَريَّ المُقَصَّدا )
( فيا رُبَّ قِدْرٍ قد كفَأنا وجَفْنَةٍ ... بذي الرَّمثِ إذ يدعون مَثْنَى ومَوْحَدا )

( على أنني أثوي سناني وصَعْدَتي ... - بِساقين - زيداً أن يبوء ومعبدا )

زيد الخيل وقيس بن عاصم
قال أبو عمرو وقعت حرب بين أخلاط طيىء فنهاهم زيد عن ذلك وكرهه فلم ينتهوا فاعتزل وجاور بني تميم ونزل على قيس بن عاصم فغزت بنو تميم بكر بن وائل وعليهم قيس وزيد معه فاقتتلوا قتالا شديدا وزيد كاف فلما رأى ما لقيت تميم ركب فرسه وحمل على القوم وجعل يدعو يا لتميم ويتكنى بكنية قيس إذا قتل رجلا أو أذراه عن فرسه أو هزم ناحية حتى هزمت بكر وظفرت تميم فصارت فخرا لهم في العرب وافتخر بها قيس
فلما قدموا قال له زيد أقسم لي يا قيس نصيبي فقال وأي نصيب فوالله ما ولي القتال غيري وغير أصحابي فقال زيد
( ألا هل أتاها والأحاديثُ جَمَّةٌ ... مُغلغَلةٌ أنباءُ جَيْشِ اللَّهازِمِ )
( فلستُ بوقّافٍ إذا الخيل أحجمت ... ولست بكذَّابٍ كقيسِ بنِ عاصمِ )
( تُخبِّر مَنْ لاقيتُ أن قد هزمتهم ... ولم تَدر ما سيماهُمُ والعمائم )
( بل الفارس الطائيُّ فَضَّ جموعَهم ... ومكَّةَ والبيتِ الذي عند هاشم )
( إذا ما دَعَوْا عِجْلاً عَجِلنا عليهمُ ... بِمَأْثُورَةٍ تَشْفي صُداعَ الجماجمِ )

فبلغ المكشر بن حنظلة العجلي أحد بني سنان قول زيد فخرج في ناس من عجل حتى أغار على بني نبهان فأخذ من نعمهم ما شاء وبلغ ذلك زيد الخيل فخرج على فرسه في فوارس من نبهان حتى اعترض القوم فقال ما لي ولك يا مكشر فقال قولك
( إذا ما دعوا عجلاً عجلْنا عليهم ... )
فقاتلهم زيد حتى استنقذ بعض ما كان في أيديهم ورجع المكشر ببقية ما أصاب فأغار زيد على بني تيم الله بن ثعلبة فغنم وسبى وقال في ذلك
( إذا عركت عِجْلٌ بنا ذَنْبَ غيْرنا ... عَرَكنا بتَيْم اللاتِ ذنْب بني عجل )
وقال أبو عمرو كان حريث بن زيد الخيل شاعرا فبعث عمر بن الخطاب رجلا من قريش يقال له أبو سفيان يستقرىء أهل البادية فمن لم يقرأ شيئا من القرآن عاقبه فأقبل حتى نزل بمحلة بني نبهان فاستقرأ ابن عم لزيد الخيل يقال له أوس بن خالد بن زيد بن منهب فلم يقرأ شيئا فضربه فمات
فأقامت بنته أم أوس تندبه وأقبل حريث بن زيد الخيل فأخبرته فأخذ الرمح فشد على أبي سفيان فطعنه فقتله وقتل ناسا من أصحابه ثم هرب إلى الشام وقال في ذلك
( ألاَ بكَّر الناعِي بأوْسِ بن خالد ... أخي الشَّتْوَة الغَبْراءَ والزَّمَنِ المَحْلِ )
( فلا تَجْزَعِي يا أمَّ أوسٍ فإنّه ... يلاقي المنايا كلُّ حافٍ وذي نَعْلِ )
( فإنْ يقتلوا أوساً عزيزاً فإنني ... تركتُ أبا سُفْيان ملتزِمَ الرَّحْلِ )

( ولولا الأُسَى ما عشْتُ في الناس بعده ... ولكنْ إذا ما شئت جاوبني مِثْلي )
( أصبْنَا به من خِيرة القوم سَبْعةً ... كِراماً ولم نأكُلُ به حَشَف النَّخْلِ )

صوت
( بَشَّرَ الظبْيُ والغرابُ بسُعْدَى ... مَرْحباً بالذي يقول الغرابُ )
( اذْهبي فاقرئي السلام عليهم ... ثم رُدِّي جوابَنا يا رَبابُ )
عروضه من الخفيف الشعر لعبيد الله بن قيس الرقيات والغناء لفند المخنث - مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص - خفيف رمل بالبنصر وذكر حبش أن هذا اللحن ليحيى المكي وليس ممن يحصل قوله

خبر لابن قيس الرقيات
أخبرني بالسبب الذي قال فيه ابن قيس هذا الشعر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحارث الكاتب مولى بني عامر بن لؤي وأبو الحارث هذا هو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة
( يا أبا الحارثِ قلبي طائرٌ ... فائتمر أمْرَ رشيد مُؤتمنْ )
قال حدثني عمرو بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل قال حدثني سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جده قال
عبد العزيز بن مروان وابن قيس الرقيات
أراد عبد الملك بن مروان البيعة لابنه الوليد بعد عبد العزيز بن مروان

وكتب إلى عبد العزيز يسأله ذلك فامتنع عليه وكتب إليه يقول له لي ابن ليس ابنك أحب إلي منه فإن استطعت ألا يفرق بيننا الموت وأنت لي قاطع فافعل فرق له عبد الملك وكف عن ذلك فقال عبيد الله بن قيس في ذلك - وكان عند عبد العزيز -
( يَخلُفكَ البيضُ منْ بنيك كما ... يُخْلَفُ عُودُ النُّضارِ في شُعَبِهْ )
( ليسوا مِنَ الخِرْوع الضِّعاف ولا ... أشباهِ عيدانه ولا غَرَبِهْ )
( نحن على بيعةِ الرسول التي ... أُعطيتْ في عُجمه وفي عَرَبِه )
( نأتي إذا ما دعوتَ في الزَّغَفِ المَسْرُود ... ِ أبدانُه وفي جُنَبِه )
( نُهدِي رَعِيلاً أمام أرْعَنَ لا ... يُعرفُ وجْهُ البلقاء في لَجَبِه )
فقال عبد الملك لقد دخل ابن قيس الرقيات مدخلا ضيقا وتهدده وشتمه وقال أليس هو القائل
( كَيْفَ نومي على الفراش ولما ... تَشْمِلِ الشأمَ غارةٌ شعواءُ )
( تُذْهِلُ الشيخَ عن بنيه وتبدي ... عن خِدَامِ العقيلةُ العَذْراءُ )
وهو القائل أيضا
( على بَيْعَةِ الإسلام بايَعْنَ مُصْعَبا ... كرادِيسَ مِنْ خيل وجمعاً مُباركا )
( تداركَ أُخرانا ويَمْضِي أمامنا ... ويتْبع ميمونَ النقيبة ناسكا )

( إذا فرغَتْ أظفارُه مِنْ كتيبةٍ ... أمال على أُخرى السيوفَ البواتكا )
قال فلما بلغ عبيد الله قول عبد الملك وشتمه إياه قال
( بَشَّرَ الظَّبْيُ والغُرَابُ بسُعْدَى ... مَرْحباً بالذي يقول الغرابُ )
( قال لي إنّ خيرَ سعدى قريب ... قد أنَى أنْ يكون عنه اقتراب )
( قلت أنَّى تكون سُعْدَى قريباً ... وعليها الحصونُ والأبواب )
( حبذا الرِّيمُ ذو الوشاحين والخَصْر ... ُ الذي لا ينالُه الأثواب )
( إنَّ في القصر لو دخلتَ غزالاً ... مُصْفَقاً موصَداً عليه الحِجابُ )
( أرسَلَتْ أن فَدتْكَ نفسي فاحذرْ ... هاهُنا شُرْطةٌ عليك غضاب )
( أقسموا إنْ رأوك لا تَطْعَم الماء ... َ وهم حين يقدُرُون ذِئابُ )
( قلت قد يَغْفل الرَّقيبُ ويُغْفِي ... شُرْطةٌ أو يحينُ منه انقلاب )
( أو عسى أنْ يُوَرِّ الله أمرا ... ً ليس في غَيْبِهِ علينا ارتِقابُ )
( اذهبي فاقرئي السلامَ عليها ... ثم رُدِّي يورى جوابَنا يا رَبابُ )
( حدِّثيها ما قد لقيتُ وقُولِي ... حَقَّ للعاشق الكريم ثوابُ )
( رجلٌ أنتِ همُّهُ حين يُمْسِي ... خَامَرَتُهُ منْ أجلكِ الأوصابُ )
( لا أشمُّ الريحانَ إلاَّ بعَيْنيّ ... كَرماً إنما يشمُّ الكلابُ )
( رُبَّ زارٍ عليَّ لم يَرَ منّي ... عثرةً وهو مُومِسٌ كذّابُ )
( خادَع اللهَ حين جلّله الشيبُ ... فأضحى قد بان منه الشَّبابُ )
( يأمُرُ الناس أن يبرّوا ويُمْسِي ... وعليهِ من عَيبه جِلْبابُ )
( لا تَعِبْني فليس عندك علم ... لا تنامَنَّ أيُّها المغتابُ )

( تخْتِلُ الناسَ بالكتاب فهلاّ ... حين تغتابني نهاكَ الكتابُ )
( لَسْتَ بالمُخْبِتِ التقيِّ ولا المُحْضِيه ... جِ من مقالتي الاحتساب )
( إنني والتي رمَتْ بك كرهاً ... ساقطاً مُلصَقاً عليك التراب )
( لتذوقنّ غِبَّ رأيك فينا ... حين تبْدُو بعرضِكِ الأنداب )
قال الزبير معنى قوله
( لا أشمّ الريحانَ إلاَّ بعينيّ ... كرَماً إنّما يشمُّ الكلاب )
يعرض بعبد الملك لأنه كان متغير الفم يؤذيه رائحته فكان في يده أبدا ريحان أو تفاحة أو طيب يشمه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه
أن ابن قيس قال في عبد العزيز بن مروان
( يلتفتُ الناسُ عند مِنْبره ... إذا عمودُ البريّةِ انهدما )
يعني إذا مات عبد الملك لأن العهد كان إليه بعده
قال الزبير فأخبرني مصعب بن عثمان قال
لما بلغ عبد الملك هذا البيت أحفظه وقال بفيه الحجر وحينئذ قال لقد دخل ابن قيس مدخلا ضيقا
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني كثير بن جعفر عن أبيه قال
قال الحجاج يوما لأهل ثقته من جلسائه ما من أحد من بني أمية أشد

نصبا لي من عبد العزيز بن مروان وليس يوم من الأيام إلا وأنا أتخوف أن تأتيني منه قارعة فهل من رجل تدلوني عليه له لسان وشعر وجلد قالوا نعم عمران بن عصام العنزي فدعاه فأخلاه ثم قال اخرج بكتابي هذا إلى أمير المؤمنين فاقدح في قلبه من ابنه شيئا من الولاية فقال له عمران دس أيها الأمير إلي دسا فقال له الحجاج إن العوان لا تعلم الخمرة
فخرج بكتاب الحجاج فلما دخل على عبد الملك دفع إليه الكتاب وسأله عن الحجاج وأمر العراق فاندفع يقول
( أميرَ المؤمنين إليك أُهدِي ... على الشَّحْط التحيّةَ والسلاما )
( أميرٌ من بَنِيك يكن جوابي ... لهم أُكرومةً ولنا نظاما )
( فلو أن الوليدَ أطاعَ فيه ... جعلتَ له الإمامةَ والذِماما )
فكتب عبد الملك إلى عبد العزيز في ذلك ثم ذكر من خبرهما في المكاتبة مثل الخبر الذي قبله وقال فيه فرق عبد الملك رقة شديدة وقال لا يكون إلى الصلة أسرع مني فكف عن ذلك وما لبث عبد العزيز إلا ستة أشهر حتى مات فلما كان زمان ابن الأشعث خرج عمران بن عصام معه على الحجاج فأتى به

حين قتل ابن الأشعث فقتله فبلغ ذلك عبد الملك فقال قطع الله يدي الحجاج أقتله وهو الذي يقول
( وبعثت من ولد الأغرِّ مُعَتّبٍ ... صَقْراً يلوذُ حمَامُه بالعَوْسَج )
( وإذا طبختَ بنارِه أنضجتَها ... وإذا طبخت بغيرها لم تُنْضِجِ )

ذكر فند وأخباره
هو فند أبو زيد مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ومنشؤه المدينة وكان خليعا متهتكا يجمع بين الرجال والنساء في منزله ولذلك يقول فيه ابن قيس الرقيات
صوت
( قل لِفنْدٍ يُشَيِّعُ الأظْعانا ... طالما سرَّ عيشَنا وكفَانَا )
( صادراتٍ عشيةً منْ قُدَيد ... وارداتٍ مع الضحى عُسْفانا )
( زوَّدَتْنا رُقَيَّةُ الأحزانا ... يوم جازت حُمولُها السَّكْرانا )

عروضه من الخفيف غناه مالك بن أبي السمح من روايتي إسحاق وعمرو بن بانة ولحنه من خفيف الثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى
وقد اختلف في اسمه فقيل قند بالقاف وفند بالفاء أصح وبه ضرب المثل في الإبطاء فيقال تعست العجلة

عائشة طلبت نارا فجاءها بها بعد سنة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
كانت عائشة بنت سعد أرسلته ليجيئها بنار فخرج لذلك فلقي عيرا خارجا إلى مصر فخرج معهم فلما كان بعد سنة رجع فأخذ نارا ودخل على عائشة وهو يعدو فسقط وقد قرب منها فقال تعست العجلة فقال بعض الشعراء في رجل ذكر بمثل هذه الحال
( ما رأينا لعُبَيْدٍ مثَلاً ... إذْ بعَثْنَاهُ يَجِي بالمَسَلَهْ )
( غير فِنْد بعثُوه قابساً ... فثوَى حَوْلاً وسبَّ العَجَلَهْ )
أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي الهيثم بن عدي قال
كان فند أبو زيد مولى لسعد بن أبي وقاص فضربه سعد بن إبراهيم ضربا مبرحا فحلفت عائشة بنت سعد أنها لا تكلمه أبدا أو يرضى عنه - وكانت خالته - فصار إليه سعد طاعة لخالته فوجده وجعا من ضربه فسلم عليه فحول وجهه عنه إلى الحائط ولم يكلمه فقال له أبا زيد إن خالتي حلفت ألا تكلمني حتى ترضى ولست ببارح حتى ترضى عني فقال أما أنا فأشهد أنك مقيت سمج مبغض وقد رضيت عنك على هذه الحال لتقوم عني وتريحني من وجهك ومن

النظر إليك
فقام من عنده فدخل على عائشة وأخبرها بما قال له فند فقالت قد صدق وأنت كذلك ورضيت عنه
قال وكان سعد مضطر الخلق سمجا

مروان بن الحكم يتهدده
أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي بكر
وذكر عوانة أن معاوية كان يستعمل مروان بن الحكم على المدينة سنة ويستعمل سعيد بن العاص سنة فكانت ولاية مروان شديدة يهرب فيها أهل الدعارة والفسوق وولاية سعيد لينة يرجعون إليها فبينا مروان يأتي المسجد وفي يده عكازة له وهو يومئذ معزول إذا هو بفند يمسي بين يديه فوكزه بالعكازة وقال له ويلك هيه
( قل لِفنْد يُشيِّع الأظْعانَا ... )
أتشيع الأظعان للفساد - لا أم لك - إلى أهل الريبة ستعلم ما يحل بك مني فالتفت إليه فند وقال أنا ذلك وسبحان الله ما أسمجك واليا ومعزولا فضحك مروان وقال له تمتع إنما هي أيام قلائل ثم تعلم ما يمر بك مني
صوت
( حَيِّ الدُّوَيْرَةَ إذ نأتْ ... منّا على عُدَوائِها )
( لا بالفراق تُنِيلنا ... شيئاً ولا بلقائها )
عروضه من الكامل الشعر لنبيه بن الحجاج السهمي والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو

أخبار نبيه ونسبه
هو نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب وأمه وأم أخيه منبه أروى بنت عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي
وكان نبيه بن الحجاج وأخوه من وجوه قريش وذوي النباهة فيهم وقتلا جميعا يوم بدر مشركين ولهما يقول أعشى بني تميم - وهو ابن النباش بن زرارة وكان أخوه أبو هالة بن النباش زوج خديجة أم المؤمنين في الجاهلية ولها منه أولاد لهم عقب إلى الآن - وكان الأعشى مداحا لهم وفيهم يقول وهي قصيدة طويلة
( لله دَرُّ بني الحجَّاج إذْ نُدِبوا ... لا يَشتكي فِعْلَهم ضيفٌ ولا جارُ )
( إن يكسبوا يُطعِموا مِنْ فَضْل كسبِهُم ... وأوفِياءُ بعَقْدِ الجارِ أحرارُ )
وفي نبيه يقول أيضا
( إنَّ نُبَيهاً أبا الرزّامِ أفضلُهم ... حِلْماً وأجوَدُهم والجودُ تَفْضِيلُ )
( ليس لفعل نُبيهٍ إنْ مَضَى خَلفٌ ... ولا لقول أبي الرزّام تَبْديِلُ )
( ثَقْفٌ كلُقْمانَ عَدْلٌ في حكومتِه ... سيْف إذا قام وَسْطَ القوم مَسْلُولُ )

( وإنَّ بيتَ نُبيهٍ مَنْهَجٌ فَلجٌ ... مُخَضَّر بالندى ما عاش مأهُولُ )
( من لا يَعُرُّ ولا يؤذِي عشيرتَه ... ولا نَدَاهُ عن المُعْتَرّ معدول )
وله أيضا فيهما مراث قالها فيهما لما قتلا ببدر لم أستجز ذكرها لأنهما قتلا مشركين محاربين لله ورسوله

نماذج من شعره
وكان نبيه من شعراء قريش وهو القائل وقد سألته زوجتاه الطلاق ذكر ذلك الزبير بن بكار
( تلك عِرْسايَ تنطقان بِهْجْرِ ... وتقولان قَوْلَ زُورٍ وهِتْرِ )
( تسألاني الطلاقَ أنْ رأتاني ... قلَّ مالِي قد جئتماني بِنُكْر )
( فلعليّ أنْ يَكْثُرَ المالُ عِنْدِي ... ويُخلَّى من المغارم ظَهْرِي )
( ويُرَى أعْبُدٌ لنا وجِيَادٌ ... ومَنَاصِيف مِنْ وَلائِدَ عَشْر )
( وَيْكَأَنْ مَنْ يكن له نَشَبٌ يُحْبَبْ ... وَمنْ يفتقر يَعِشْ عَيش ضُرِّ )
( ويُجنَّبْ يُسْرَ الأُمورِ ولكنّ ... ذَوِي المال حُضَّرٌ كلَّ يُسْر )
أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن صالح
أن عامر بن صالح أنشده لنبيه بن الحجاج

( قَصَّرَ العُدْم بي ولو كنت ذا مال ... ٍ كثيرٍ لأجلبَ الناسُ حَوْلي )
( ولقالوا أنت الكريمُ علينا ... ولحطّوا إلى هوايَ ومَيْلي )
( ولَكِلْتُ المعروفَ كَيْلاً هَنِيّاً ... يَعْجِزُ الناسُ أنْ يكيلوا ككيلي )
قال الزبير قال علي بن صالح وأنشدني عامر بن صالح لنبيه بن الحجاج أيضا
( قالت سُليمَى إذ طَرَقْتُ أزورُها ... لا أبتغي إلاّ امْرأً ذَا مَالِ )
( لا أبتغي إلاّ امْرأً ذا ثَرْوةٍ ... كيما يَسُدُّ مفَاقِري وخِلالي )
( فلأحرِصَنَّ على اكتسابِ محبَّبٍ ... ولأكْسِبَنْ في عِفّةٍ وجمال )
أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال
نزل نبيه بن الحجاج قديدا يريد الشام فغيب بعض بني بكر ناقته يريد أخذ الجعالة عليها منه فقال نبيه في ذلك
( وردتُ قُدَيْداً فالْتَوى بذراعها ... ذؤبان بكرٍ كلُّ أطلسَ أَفْحَجِ )
( رجلٌ صديقٌ ما بَدَت لك عَيْنُه ... فإذا تغيَّب فاحتفظْ مِنْ دَعْلج )
قال الزبير الدعلج الكلب والذئب وكل مختلس من السباع فهو دعلج ويقال لاختلاسه الدعلجة وأنشد

( باتت كلابُ الحي تَسْرِي بَيْنَنا ... يَأْكُلْنَ دَعلجةً ويشبعَ مَنْ ثَوَى )
يعني بالدعلجة السرقة
قال الزبير ولا عقب للحجاج أبي نبيه ومنبه إلا من ولد نبيه فإن العقب من ولد أبي سلمة إبراهيم بن عبد الله بن عفيف بن نبيه وفي ريطة بنت منبه فإن عمرو بن العاص تزوجها فولدت له عبد الله بن عمرو
وهذا الشعر الذي فيه الغناء يقوله في امرأة كان غلب أباها عليها فاستغاث أبوها بالحلفاء من قريش والحلف المعروف بحلف الفضول فانتزعوها من نبيه وردوها على أبيها
أخبرني الطوسي قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني غير واحد من قريش منهم عبد العزيز بن عمر العنبسي عن مغن واسمه عيينة بن عبد الله بن عنبسة
أن رجلا من خثعم قدم مكة تاجرا ومعه ابنة له يقال لها القتول أوضأ نساء العالمين وجها فعلقها نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم فلم يبرح حتى نقلها إليه وغلب أباها عليها فقيل لأبيها عليك بحلف الفضول فأتاهم فشكا ذلك إليهم فأتوا نبيه بن الحجاج فقالوا أخرج ابنة هذا الرجل وهو يومئذ متبد بناحية مكة وهي معه فقال لا أفعل قالوا فإنا من قد عرفت فقال يا قوم متعوني بها الليلة فقالوا قبحك الله ما أجهلك لا والله

ولا شخب لقحة وهي أوسع أحابيك من السائل فأخرجها إليهم فأعطوها أباها وركبوا وركب معهم الخثعمي فلذلك يقول نبيه بن الحجاج
( راحَ صَحْبي ولم أُحَيّ القَتُولا ... لم أُودّعهمُ وَداعاً جميلا )
( إذْ أجدَّ الفُضولُ أنْ يمنَعُوها ... قد أراني ولا أخافُ الفُضولا )
( لا تخالِي أنِّي عشيةَ راح الرَّكْبُ هُنْتُم عليّ ألاّ أقُولاَ )
( إنني والذي تحُجّ له شُمُطُ ... إياد وهلَّلوا تهليلا )
( لا تَبَرَّأْتُ مِنْ قُتَيْلةَ بالنَّاس ... ِ وهَلْ تَبْتَغُون إلاّ القَتُولا )
( لَمْ أُخَبِّر عن الحديث ولا أبْدأ ... رَسَّ الحديث والتقبيلا )
( ومَبِيتاً بذِي المجاز ثلاثاً ... ومتى كان حجُّنا تحليلا )
( لن أُذيعَ الحديثَ عنها ولا أنقاد ... ُ لو أبيت فيها فتيلا )
( أتلوَّى بها كما تَتَلَوَّى ... حيَّةُ الماءِ بالأباء طويلا )
( ثم عدْواً عِداء نَخْلَة ما يدرك ... ُ منهمُ أدنى رَعِيل رَعِيلا )
( وبنو غالب أولئك قومي ... ومتى يفزعوا تراهم قَبيلا )
( ونَدامَى بيضُ الوجوه كهولٌ ... وشبابٌ أسهرتُ لَيْلاً طَويلا )
( غير هُجنٍ ولا لئامٍ ولا تعرف ... منهمْ إلاَّ فتىً بُهْلُولا )

وفي ذلك يقول نبيه بن الحجاج
( حيِّ الدُّوَيْرَة إذْ نأتْ ... مِنَّا على عُدوائِها )
( لا بالفراق تُنِيلُنا ... شيئاً ولا بلقائها )
( أخذَتْ حُشَاشةُ قَلْبِهِ ... ونأتْ فكيف بنائها )
( حلْت تِهامةَ خُلَّةٌ ... مِنْ بَيْتِها ووطائها )
( ولهما بمكةَ مَنْزِلٌ ... مِنْ سهلها وحِرائها )
( رفعُوا المحلّة فوقها ... واستعذبوا مِنْ مائِها )
( تَدْعو شِهاباً حوْلَها ... وتعمُّ في حُلفائها )
( لولا الفُضولُ وأنّه ... لا أمْنَ مِنْ عُدَوائها )
( لدنوتُ مِنْ أبياتِها ... ولطُفْتُ حَوْلَ خِبائها )
( ولجئتُها أمشي بِلا ... هادٍ لَدَى ظَلْمائها )
( فشربتُ فضلةَ رِيقها ... وَلَبِتُّ في أحشائها )
( فَسَلِي بمكة تُخْبَرِي ... أنّا مِن أهل وَفائِها )
( قِدْماً وأفضلُ أهلها ... مِنَّا على أكفائها )
( نمشي بألْوِيَة الوَغَى ... ونموتُ في أودائِها )

حلف الفضول
أخبرنا به الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة قال
كان سبب حلف الفضول أن رجلا من أهل اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل من بني سهم فلوى الرجل بحقه فسأله متاعه فأبى عليه فقام في الحجر فقال
( يَالَ قُصيٍّ لمظْلُومٍ بضاعتُه ... ببَطْن مكة نائي الدار والنَّفَرِ )
( وأشعثٍ مُحرمٍ لم يَقضِ حُرْمته ... بين المقام وَبَيْنَ الرُّكْنِ والحَجَر )
وروى بعض الثقات تماما لهذين البيتين وهو
( أقائمُ مِنْ بني سَهمٍ بذمّتهم ... أم ذاهبٌ في ضَلالٍ مالُ مُعْتَمَرِ )
( إنّ الحرامَ لِمَنْ تَمّتُ حرَامتُه ... ولا حرام لثَوْبِ الفاجرِ الغُدر )
قال وقال بعض العلماء إن قيس بن شيبة السلمي باع متاعا من أبي بن خلف فلواه وذهب بحقه فاستجار برجل من بني جمح فلم يقم بجواره فقال
( يالَ قُصيّ كيف هذا في الحَرَمْ ... وحرمةِ البيت وأعلاقِ الكَرَمْ )
( أُظْلَمُ لا يُمْنَعُ منّي مَنْ ظَلَمْ ... )
قال وبلغ الخبر العباس بن مرداس السلمي فقال

( إن كان جارُكَ لم تنفعكَ ذِمَّتُه ... وقد شرِبتَ بكأس الغلِّ أنفاسا )
( فائْتِ البيوتَ وكُنْ من أهلها صَدداً ... لا تُلْف ناديَهُمْ فُحْشاً ولا باسا )
( وثَمَّ كُنْ بفناء البيْتِ مُعْتَصِما ... تَلْقَ ابْنَ حَربٍ وتَلْقٌ المرء عبّاسا )
( قَرْمى قُريشٍ وحَلاًّ في ذُؤابتها ... بالمجد والحَزْمِ ما حازا وما ساسا )
( ساقِي الحجيج وهذا ياسرٌ فَلَجٌ ... والمجدُ يورثُ أخماساً وأسداسا )
فقام العباس وأبو سفيان حتى ردا عليه واجتمعت بطون قريش فتحالفوا على رد الظلم بمكة وألا يظلم رجل بمكة إلا منعوه وأخذوا له بحقه وكان حلفهم في دار ابن جدعان فكان رسول الله يقول ( لقد شهدت حلفا في دار ابن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به لأجبت )
فقال قوم من قريش هذا والله فضل من الحلف فسمي حلف الفضول
قال وقال آخرون تحالفوا على مثل حلف تحالف عليه قوم من جرهم في هذا الأمر ألا يقروا ظلما ببطن مكة إلا غيروه وأسماؤهم الفضل بن شراعة والفضل بن قضاعة والفضل بن سماعة
قال وحدثني محمد بن فضالة عن عبد الله بن سمعان عن ابن شهاب قال
كان شأن حلف الفضول أن بدء ذلك أن رجلا من بني زبيد قدم مكة معتمرا في الجاهلية ومعه تجارة له فاشتراها منه رجل من بني سهم فأواها إلى بيته ثم تغيب فابتغى متاعه الزبيدي فلم يقدر عليه فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه فأغلظوا عليه فعرف أن لا سبيل إلى ماله فطوف في قبائل قريش يستعين

بهم فتخاذلت القبائل عنه فلما رأى ذلك أشرف على أبي قبيس حتى أخذت قريش مجالسها في المسجد ثم قال
( يا آل فِهْرٍ لمظلوم بضاعَتُه ... ببَطْن مكّة نائي الدارِ والنَّفَرِ )
( ومُحْرِمٍ شَعِثٍ لم يقضِ عُمرتَهُ ... يا آل فِهرٍ وبين الحِجْرِ والحَجَرِ )
( أقائمٌ من بني سَهْم بِخُفرتهم ... فعادلٌ أم ضلالٌ مالُ معتمرِ )

الحلف ينعقد بوجود رسول الله
فلما نزل أعظمت قريش ذلك فتكلموا فيه فقال المطيبون والله لئن قمنا في هذا ليغضبن الأحلاف وقال الأحلاف والله لئن تكلمنا في هذا ليغضبن المطيبون وقال ناس من قريش تعالوا فليكن حلفا فضولا دون المطيبين ودون الأحلاف فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان وصنع لهما طعاما يومئذ كثيرا وكان رسول الله يومئذ معهم قبل أن يوحي الله إليه وهو ابن خمس وعشرين سنة فاجتمعت بنو هاشم وأسد وزهرة وتيم وكان الذي تعاقد عليه القوم تحالفوا على ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه ويؤدوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم ثم عمدوا إلى ماء من زمزم فجعلوه في جفنة ثم بعثوا به إلى البيت فغسلت به أركانه ثم أتوا به فشربوه
قال فحدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
أنها سمعت رسول الله يقول ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف الفضول أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت وما أحب أن لي به حمر النعم وأني نقضته )

مبادىء أهل الحلف
قال وحدثني عمر بن عبد العزيز العنبسي أن الذي اشترى من الزبيدي المتاع العاص بن وائل السهمي
وقال أهل حلف الفضول بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تيم تحالفوا بينهم ألا يظلم بمكة أحد إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه شريفا أو وضيعا منا أو من غيرنا
ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل ثم قالوا والله لا نفارقك حتى تؤدي إليه حقه فأعطى الرجل حقه فمكثوا كذلك لا يظلم أحد حقه بمكة إلا أخذوه له وكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول لو أن رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول وليس عبد شمس في حلف الفضول
وحدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن موسى بن عبد الله بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن فضالة عن هشام بن عروة عن أبيه وعن

إبراهيم بن محمد وعن أبي عبد الله بن الهاد
أن بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد العزى وتيم بن مرة اختلفوا على ألا يدعوا بمكة كلها ولا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا عليه مظلمته أو يبلوا في ذلك عذرا أو على ألا يتركوا لأحد عند أحد فضلا إلا أخذوه وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وبذلك سمي حلف الفضول - بالله الغالب أن اليد على الظالم حتى يأخذوا للمظلوم حقه ما بل بحر صوفه وعلى التأسي في المعاش
قال محمد بن الحسن قال محمد بن طلحة في حديثه عن موسى بن محمد عن أبيه وعن محمد بن فضالة عن أبيه قال
لم يكن بنو أسد بن عبد العزى في حلف الفضول قال وكان بعد عبد المطلب
قال وحدثني محمد بن الحسن عن عيسى بن يزيد بن دأب قال أهل حلف الفضول هاشم وزهرة وتيم قال وقيل له فهل لذلك شاهد من الشعر قال نعم قال أنشدني بعض أهل العلم قول بعض الشعراء
( تيْمُ بن مُرَّةَ إن سألت وهاشمٌ ... وزهرةُ الخير في دار ابن جُدعانِ )
( متحالفون على النَّدى ما غرَّدت ... وَرْقاءُ في فَنَنٍ من جِزْع كُتْمانِ )

فقيل له وأين كتمان فقال واد بنجران فجاء ببيتين مضطربين مختلفي النصفين
وحدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة قال
تداعى بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة بن كلاب وتيم بن مرة إلى حلف الفضول فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان فتحالفوا عنده وتعاقدوا ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها ولا من غيرهم إلا قدموا معه على من ظلمه حتى يردوا مظلمته وشهد النبي هذا الحلف قبل أن يبعث فهذا حلف الفضول
قال وحدثني إبراهيم بن حمزة عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه قال إنما سمي حلف الفضول لأنه كان في جرهم رجال يردون المظالم يقال لهم فضيل وفضال وفضل ومفضل قال فلذلك سمي حلف الفضول تعاقدوا أن يردوا المظالم
قال فتحالفوا بالله الغالب لنأخذن للمظلوم من الظالم وللمقهور من القاهر ما بل بحر صوفه
قال وقال أبي قال رسول الله
( فشهدت حلفا في دار عبد الله بن جدعان لم يزده الإسلام إلا شدة ولهو أحب إلي من حمر النعم ) قال وقال غيره ( لو دعيت إليه لأجبت )
لماذا سمي حلف الفضول
قال وحدثني محمد بن حسن عن نوفل بن عمارة عن إسحاق بن الفضل قال إنما سمت قريش في هذا الحلف حلف الفضول لأن نفرا من جرهم يقال لهم الفضل وفضال والفضيل تحالفوا على مثل ما تحالفت عليه هذه القبائل
قال وحدثني رجل عن محمد بن حسن عن محمد بن فضالة عن هشام

ابن عروة عن أبيه عن عائشة
أنها قالت سمعت رسول الله يقول ( لقد شهدت في دار ابن جدعان حلف الفضول أما لو دعيت إليه لأجبت وما أحب أني نقضته وأن لي حمر النعم )
قال الزبير وحدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه
أن رسول الله قال ( والذي نفسي بيده لقد شهدت في الجاهلية حلفا - يعني حلف الفضول - أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت لهو أحب إلي من حمر النعم لا يزيده الإسلام إلا شدة )
قال وحدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة قال حدثني رجل عن محمد بن يزيد الليثي قال سمعت طلحة بن عبد الله بن عوف الزبيري يقول
قال رسول الله
( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى إليه في الإسلام لأجبت )
قال وحدثني محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن معروف بن خربوذ قال
تداعت بنو هاشم وبنو المطلب وأسد وتيم فاحتلفوا على ألا يدعوا بمكة كلها ولا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا إليه مظلمته أو يبلوا في ذلك عذرا وكره ذلك سائر المطيبين والأحلاف من أمره وسموه حلف الفضول عيبا له وقالوا هذا من فضول القوم فسموه حلف الفضول
قال وحدثني محمد بن حسن عن إبراهيم بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم قال

كان حلف الفضول بين بني هاشم وبني أسد وبني زهرة وبني تيم
قال فحدثني أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن حبيب عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال
قال رسول الله شهدت مع عمومتي حلف المكيين فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه
قال وحدثني محمد بن الحسن عن محمد بن طلحة عن عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي
أنه بلغه أن الذي بدأ بحلف الفضول من هذه القبائل أمر الغزال الذي سرق من الكعبة
حدثني محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن طلحة عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال
قدم ابن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان وكان من حلفاء قريش فقال له عبد الملك يا أبا سعيد لم يكن بنو عبد شمس وأنتم يعني بني نوفل في حلف الفضول قال وأنتم أعلم يا أمير المؤمنين قال لتحدثني بالحق من ذلك قال لا والله يا أمير المؤمنين لقد خرجنا نحن وأنتم منه ولم تكن يدنا ويدكم إلا جميعا في الجاهلية والإسلام

أخبار الحسين بن علي
قال وحدثني محمد بن حسن عن إبراهيم بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن الهاد الليثي أن محمد بن الحارث التيمي أخبره
أنه كان بين الحسين بن علي عليهما السلام وبين الوليد بن عتبة بن أبي

سفيان كلام والوليد يومئذ أمير المدينة في زمن معاوية بن أبي سفيان في مال كان بينهما بذي المروة فقال الحسين بن علي عليهما السلام استطال علي الوليد بن عتبة في حقي بسلطانه فقلت أقسم بالله لتنصفني في حقي أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله ثم لأدعون بحلف الفضول قال فقال عبد الله بن الزبير وكان عند الوليد لما قال الحسين ما قال وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك فلما بلغ الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي
قال وحدثني أبو الحسن الأثرم علي بن المغيرة عن أبي عبيدة قال حدثني رجل عن يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي
أن محمد بن إبراهيم التيمي حدثه مثل حديث محمد بن حسن الذي قبل هذا
قال وحدثني إبراهيم بن حمزة عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه أن الحسين بن علي عليهما السلام كان بينه وبين معاوية كلام في أرض له فقال له الحسين عليه السلام اختر خصلة من ثلاث خصال إما أن تشتري مني حقي

وإما أن ترده علي أو تجعل بيني وبينك ابن الزبير وابن عمر والرابعة الصيلم قال وما الصيلم قال أن أهتف بحلف الفضول قال فلا حاجة لنا بالصيلم
قال فخرج وهو مغضب فمر بعبد الله بن الزبير فأخبره فقال والله لئن لم ينصفني لأهتفن بحلف الفضول فقال عبد الله بن الزبير والله لئن هتفت به وأنا مضطجع لأقعدن أو قاعد لأقومن ولئن هتفت به وأنا ماش لأسعين ثم لينفدن روحي مع روحك أو لينصفنك
قال فخرج عبد الله بن الزبير فدخل على معاوية فباعه منه وخرج عبد الله فجاء إلى الحسين عليه السلام فقال أرسل فانتقد مالك فقد بعته لك
قال وحدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه قال
خرج الحسين عليه السلام من عند معاوية فلقي عبد الله بن الزبير والحسين مغضب فذكر الحسين أن معاوية ظلمه في حق له فقال الحسين أخيره في ثلاث خصال والرابعة الصيلم أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه أو يقر بحقي ثم يسألني فأهبه له أو يشتريه مني فإن لم يفعل فوالذي نفسي بيده لأهتفن بحلف الفضول قال ابن الزبير والذي نفسي بيده لئن هتفت به وأنا قاعد لأقومن أو قائم لأمشين أو ماش لأشتدن حتى تفنى روحي مع روحك أو ينصفك
قال ثم ذهب ابن الزبير إلى معاوية فقال لقيني الحسين فخيرك في ثلاث خصال والرابعة الصيلم قال معاوية لا حاجة لنا بالصيلم إنك لقيته مغضبا فهات الثلاث قال تجعلني أو ابن عمر بينك وبينه قال فقد جعلتك بيني وبينه أو ابن عمر أو جعلتكما قال أو تقر له بحقه وتسأله إياه قال أنا أقر له بحقه وأسأله إياه قال أو تشتريه منه قال وأنا أشتريه منه قال فلما انتهى إلى الرابعة قال لمعاوية كما قال للحسين عليه السلام إن دعاني إلى حلف الفضول لأجبته فقال معاوية لا حاجة لنا بهذا

أهل الحلف موضع ثقة
قال وبلغني أن عبد الرحمن بن أبي بكرة والمسور بن مخرمة قالا للحسين بن علي عليهما السلام مثل ما قال ابن الزبير فبلغ ذلك معاوية وعنده جبير بن مطعم فقال له معاوية يا أبا محمد أكنا في حلف الفضول قال لا قال فكيف كان قال قدم رجل من ثمالة فباع سلعة له من أبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح فظلمه وكان يسيء المخالطة فأتى الثمالي إلى أهل حلف الفضول فأخبرهم فقالوا اذهب فأخبره أنك أتينا فإن أعطاك حقك وإلا فارجع إلينا فأتاه فأخبره بما قال له أهل حلف الفضول قال فأخرج إليه ماله وأعطاه إياه بعينه وقال
( أيأخذني في بَطْنِ مكّةَ ظالماً ... أُبَيٌّ ولا قَوْمِي لدَيَّ ولا صَحْبي )
( وناديتُ قومي صارخاً ليُجيبني ... وكم دُونَ قومي من فَيَافٍ ومن سُهْب )
( ويَأبى لكم حِلْفُ الفضول ظلامتي ... بني جُمحٍ والحقُّ يُؤْخَذُ بالغَصْبِ )
وقد روى إبراهيم بن المنذر الحزامي في أمر حلف الفضول غير ما رواه الزبير قال إبراهيم حدثني عبد العزيز بن عمران قال
قدم أبو الطمحان القيني الشاعر واسمه حنظلة بن الشرقي فاستجار عبد

الله بن جدعان التيمي ومعه مال له من الإبل فعدا عليه قوم من بني سهم فانتحروا ثلاثة من إبله وبلغه ذلك فأتاهم بمثلها فقال أنتم لها ولأكثر منها أهل فأخذوها فانتحروها ثم أمسكوا عنه زمانا ثم جلسوا على شراب لهم فلما انتشوا غدوا على إبله فاستاقوها كلها فأتى عبد الله بن جدعان يستصرخه فلم يكن فيه ولا في قومه قوة ببني سهم فأمسك عنهم ولم ينصره فقال أبو الطمحان
( ألاَ حنَّت المِرْقَال واشتاقَ رَبُّها ... تذكَّرُ أَرْمَاماً وأَذكرُ مَعْشَري )
( ولو عَلِمت صَرْفَ البيوع لسرَّها ... بمكةَ أن تبتاع حَمْضاً بإِذخر )
( أَجَدَّ بني الشَّرقيّ أنَّ أخَاهُمُ ... متى يَعتلقْ جاراً وإِنْ عزَّ يَغْدرِ )
( إذا قلتُ وافٍ أدْرَكَتْهُ دُروكه ... فيا مُوزع الجيران بالغَيّ أقْصِر )
ثم ارتحل عنهم
ووفد لميس بن سعد البارقي مكة فاشترى منه أبي بن خلف سلعة فظلمه إياها فمشى في قريش فلم يجره أحد فقال
( أيظلمني مالي أَبَيُّ سَفَاهةً ... وبَغْياً ولا قَوْمي لديَّ ولا صَحْبي )
( وناديتُ قومي بارقاً لتجِيبَني ... وكم دونَ قومي من فيافٍ ومن سَهْب )
ثم قدم رجل من بني زبيد فاشترى منه رجل من بني سهم يقال له حذيفة سلعة وظلمه حقه فصعد الزبيدي على أبي قبيس ثم نادى بأعلى صوته

( يا آل فِهْرٍ لمظلوم بضاعتُه ... ببَطْنِ مكّةَ نائي الحيْ والنَّفَر )
( يا آل فهرٍ لمظلوم ومُضْطَهَدٍ ... بين المقام وبين الركن والحجر )
( إنَّ الحرامَ لمن تمَّتْ حَرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغُدرِ )
فأعظم الزبير بن عبد المطلب ذلك وقال يا قوم إني والله لأخشى أن يصيبنا ما أصاب الأمم السالفة من ساكني مكة فمشى إلى ابن جدعان وهو يومئذ شيخ قريش فقال له في ذلك وأخبره بظلم بني سهم وبغيهم وقد كان أصاب بني سهم أمران لا يشك أنهما للبغي احتراق المقاييس منهم وهم قيس ومقيس وعبد قيس بصاعقة وأقبل منهم ركب من الشام فنزلوا بماء يقال له القطيعة فصبوا فضلة خمر لهم في إناء وشربوا ثم ناموا وقد بقيت منهم بقية فكرع منها حية أسود ثم تقيأ في الإناء فهب القوم فشربوا منه فماتوا عن آخرهم فأذكره هذا ومثله فتحالف بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وبنو تيم بالله الغالب إنا ليد واحدة على الظالم حتى يرد الحق
وخرج سائر قريش من هذا الحلف إلا أن ابن الزبير ادعاه لبني أسد في الإسلام قال فأخبرني الواقدي وغيره أن محمد بن جبير بن مطعم دخل على عبد الملك بن مروان فسأله عن حلف الفضول فقال أما أنا وأنت يا أمير المؤمنين فلسنا فيه فقال صدقت والله إني لأعرفك بالصدق قال فإن ابن الزبير يدعيه فقال ذاك هو الباطل
قال وكان عتبة بن ربيعة يقول لو أن رجلا خرج عن قومه إلى غيرهم لكرم حلف لخرجت عن قومي إلى حلف الفضول
قال الواقدي قد اختلف فيه لم سمي حلف الفضول فقيل إنه سمي بذلك لأنهم قالوا لا ندع لأحد عند أحد فضلا إلا أخذناه منه وقيل بل سمع بهذا بعض من لم يدخل فيه فقال هذا فضول من الأمر
وقال الواقدي والصحيح أن قوما من جرهم يقال لهم فضل وفضالة وفضال

ومفضل تحالفوا على مثل هذا في أيامهم فلما تحالفت قريش هذا الحلف سموا بذلك

نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( يا لَلرَّجال لمظلوم بضاعتُه ... ببَطْن مكَّة نائي الدار والنفَر )
( إنَّ الحرامَ لِمَنْ تَمَّتْ حرامته ... ولا حرامَ لِثَوْبِي لابس الغَدْرِ )
غناه ابن عائشة ثقيل أول بالبنصر عن حبش
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني عن ابن أبي سبرة عن لقيط بن نصر المحاربي قال
كان يزيد بن معاوية أول من سن الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنين وأظهر الفتك وشرب الخمر وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه والأخطل وكان يأتيه من المغنين سائب خاثر فيقيم عنده فيخلع عليه ويصله فغناه يوما
( يا للرِّجال لمظلوم بضاعته ... بِبَطْنِ مكةَ نائي الأهْلِ والنَّفَرِ )
فاعترته أريحية فرقص حتى سقط ثم قال اخلعوا عليه خلعا يغيب فيها حتى لا يرى منه شيء فطرحت عليه الثياب والجباب والمطارف والخز حتى غاب فيها
صوت
( اشربْ هنيئاً عليك التاجُ مُرْتَفِقاً ... في رَأْس غُمدانَ َداراً منك مِحْلالا )

( تلك المكارمُ لا قَعْبانِ من لَبنٍ ... شِيبَا بماءٍ فعادَا بَعْدُ أبوالا )
عروضه من البسيط
المرتفق المتكىء على مرفقه وغمدان اسم قصر كان لسيف بن ذي يزن باليمن والمحلال الدار التي يحل فيها أي يقيم فيها وشيبا معناه خلطا والشوب الخلط يقال شاب كذا بكذا إذا خلطهما
الشعر لأمية بن أبي الصلت الثقفي وقيل بل هو للنابغة الجعدي وهذا خطأ من قائله وإنما أدخل النابغة البيت الثاني من هذه الأبيات في قصيدة له على جهة التضمين والغناء لسائب خاثر خفيف رمل بالوسطى من رواية حماد عن أبيه وفيه لطويس لحن من كتاب يونس الكاتب غير مجنس

نسب أمية بن أبي الصلت
وخبره في قوله هذا الشعر
أبو الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عمرو بن عقدة بن عنزة بن عوف بن قسي وهو ثقيف شاعر من شعراء الجاهلية قديم وهذا الشعر يقوله في سيف بن ذي يزن لما ظفر بالحبشة يهنيه بذلك ويمدحه
وكان السبب في قدوم الحبشة اليمن وغلبتهم عليها وخروج سيف بن ذي يزن إلى كسرى يستنجد عليهم أن ملكا من ملوك اليمن يقال له ذو نواس غزا

أهل نجران وكانوا نصارى فحصرهم ثم إنه ظفر بهم فخدد لهم الأخاديد وعرضهم على اليهودية فامتنعوا من ذلك فحرقهم بالنار وحرق الإنجيل وهدم بيعتهم ثم انصرف إلى اليمن وأفلت منه رجل يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس فركضه حتى أعجزهم في الرمل ومضى دوس إلى قيصر ملك الروم يستغيثه ويخبره بما صنع ذو نواس بنجران ومن قتل من النصارى وأنه خرب كنائسهم وبقر النساء وهدم الكنائس فما فيها ناقوس يضرب به فقال له قيصر بعدت بلادي من بلادكم ولكن أبعث إلى قوم من أهل ديني أهل مملكته قريب منكم فينصرونكم قال دوس ذو ثعلبان فذاك إذا قال قيصر إن هذا الذي أصنعه بكم أذل للعرب أن يطأها سودان ليس ألوانهم على ألوانهم ولا ألسنتهم على ألسنتهم فقال الملك أنظر لأهل دينه إنما هم خوله
فكتب إلى ملك الحبشة أن أنصر هذا الرجل الذي جاء يستنصرني واغضب للنصرانية فأوطىء بلادهم الحبشة

خبر أرياط
فخرج دوس ذو ثعلبان بكتاب قيصر إلى ملك الحبشة فلما قرأ كتابه أمر أرياط - وكان عظيما من عظمائهم - أن يخرج معه فينصره فخرج أرياط في سبعين ألفا من الحبشة وقود على جنده قوادا من رؤسائهم وأقبل بفيله وكان معه أبرهة بن الصباح وكان في عهد ملك الحبشة إلى أرياط إذا دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها وخرب ثلث بلادها وابعث إلي بثلث نسائها
فخرج أرياط في الجنود فحملهم في السفن في البحر وعبر بهم حتى ورد اليمن وقد قدم مقدمات الحبشة فرأى أهل اليمن جندا كثيرا فلما تلاحقوا قام

أرياط في جنده خطيبا فقال يا معشر الحبشة قد علمتم أنكم لن ترجعوا إلى بلادكم أبدا هذا البحر بين أيديكم إن دخلتموه غرقتم وإن سلتكم البر هلكتم واتخذتم العرب عبيدا وليس لكم إلا الصبر حتى تموتوا أو تقتلوا عدوكم
فجمع ذو نواس جمعا كثيرا ثم سار إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا فكانت الدولة للحبشة فظفر أرياط وقتل أصحاب ذي نواس وانهزموا في كل وجه فلما تخوف ذو نواس أن سيؤسر ركض فرسه واستعرض به البحر وقال الموت بالبحر أحسن من إسار أسود ثم أقحم فرسه لجة البحر فمضى به فرسه وكان آخر العهد به
ثم خرج إليهم ذو جدن الهمداني في قومه فناوشهم وتفرقت عنه همدان فلما تخوف على نفسه قال ما الأمر إلا ما صنع ذو نواس فأقحم فرسه البحر فكان آخر العهد به
ودخل أرياط اليمن فقتل ثلثا وبعث ثلث السبي إلى ملك الحبشة وخرب ثلثا وملك اليمن وقتل أهلها وهدم حصونها وكانت تلك الحصون بنتها الشياطين في عهد سليمان لبلقيس واسمها بلقمة وكان مما خرب من حصونهم سلحون وبينون وغمدان حصونا لم ير مثلها فقال

الحميري وهو يذكر ما دخل على حمير من الذل
( هونكَ أين ترُدُّ العَيْنُ ما فاتا ... لا تهلِكَنْ أسفاً في إثر من فاتا )
( أبعدَ بَيْنونَ لا عَيْنٌ ولا أثر ... وبعد سَلْحون يَبْنِي الناسُ أبياتا )
قال فلما ظفر أرياط أخذ الأموال وأظهر العطاء في أهل الشرف فغضبت الحبشة حين أعطى أشرافهم وترك أهل الفقر منهم واستذلهم وأجاعهم وأعراهم وأتعبهم في العمل وكلفهم ما لا يطيقون فجزع من ذلك الفقراء وشكا ذلك بعضهم إلى بعض وقالوا ما نرانا إلا أذلة أشقياء أينما كنا إن كان قتال قدمنا في نحور العدو وإن كان قتل قتلنا وإن كان عمل فعلينا والبلايا علينا والعطايا لغيرنا مع ما يقصينا ويجفونا

أبرهة وأرياط
فقال لهم عند ذلك رجل من الحبشة يقال له أبرهة من قواد أرياط لو أن رجلا غضب لغضبكم إذا لأسلمتموه حتى يذبح كما تذبح الشاة قالوا لا والمسيح ما كنا نسلمه أبدا فواثقوه بالإنجيل ألا يسلموه حتى يموتوا عن آخرهم

فنادى منادي فيهم فاجتمعوا إليه فبلغ ذلك أرياط أن أبا أصحم أبرهة جمع لك الجموع ودعا الناس إلى قتالك قال أوقد فعل ذلك أبرهة وهو ممن لا بيت له في الحبشة وغضب أرياط غضبا شديدا وقال هو أدنى من ذلك نفسا وبيتا هذا باطل
قالوا فأرسل إليه فإن أتاك فهو باطل وإن لم يأتك فاعلم أنه كما يقال فأرسل إليه أجب الملك أرياط فجثا أبرهة على ركبتيه وخر لوجهه وأخذ عودا من الأرض فجعله في فيه وقال للرسول اذهب إلى الملك فأخبره بما رأيت مني أنا أخلعه أنا أشد تعظيما له من ذلك وأنا آتيه على أربع قوائم بحساب البهيمة
فرجع الرسول إلى الملك فأخبره بالخبر فقال ألم أقل لكم قالوا الملك أعقل وأعلم منا
فلما ولى الرسول من عند أبرهة وتوارى عنه صاح أبرهة في الفقراء من الحبشة فاجتمعوا إليه معهم السلاح والآلة التي كانوا يعملون بها ويهدمون بها مدن اليمن المعاول والكرازين والمساحي ثم صفوا صفا وصفوا خلفه آخر بإزائه فلما أبطأ أبرهة على الملك وهو يرى أنه يأتيه على أربع قوائم كما قال وأتى الرسول أرياط فأخبره بما صنع أبرهة ركب في الملوك ومن تبعه من أتباعهم فلبسوا السلاح وجاؤوا بالفيلة وكان معه سبعة فيلة حتى إذا دنا بعضهم من بعض برز أبرهة بين الصفين فنادى بأعلى صوته يا معشر الحبشة الله ربنا والإنجيل كتابنا وعيسى نبينا والنجاشي ملكنا علام يقتل بعضنا بعضا في مذهب النصرانية هذا رجل وأنا رجل فخلوا بيني وبينه فإن قتلني عاد الملك إلى ما كان عليه من أثرة الأغنياء وهلاك الفقراء وإن قتلته سلمتم وعملت فيكم بالإنصاف بينكم ما بقيت

فقال الملوك لأرياط قد أخبرناك أنه صنع ما قد ترى وقد أبيت إلا حسن الرأي فيه وقد أنصفك وكان أرياط قد عرف بالشجاعة والنجدة وكان جميلا وكان أبرهة قصيرا دميما قبيحا منكر الجمة فاستحيا أرياط من الملوك أن يجبن فبرز بين الصفين ومشى أحدهما إلى صاحبه وحمل عليه أرياط فضرب أبرهة ضربة وقع منها حاجباه وعامة أنفه ووقع بين رجلي أرياط فعمد أبرهة إلى عمامته فشد بها وجهه فسكن الدم والتأم الجرح وأخذ عودا وجعله في فيه وقال أيها الملك إنما أنا شاة فاصنع ما أردت فقد أبصرت أمري ففرح أرياط بما صنع وكان أبرهة قد سم خنجرا وجعله في بطن فخذه كأنه خافية نسر

أبرهة يقتل أرياط
فلما رأى أبرهة أن أرياط قد أفلت عنه وهو ينظر يمينا وشمالا لئلا تراه ملوك الحبشة استل خنجره فطعنه في فرج درعه فأثبته وخر أرياط على قفاه وقعد أبرهة على صدره فأجهز عليه فسمي أبرهة الأشرم بتلك الضربة التي شرمت وجهه وأنفه
فملك أبرهة عشرين سنة ثم ملك بعد أبرهة ابنه يكسوم ثم أخوه مسروق بن أبرهة وأمه ريحانة امرأة ذي يزن أم سيف بن يزن الحميري
تحرك سيف بن ذي يزن
فلما طال على أهل اليمن البلاء مشوا إلى سيف بن ذي يزن الحميري فكلموه في الخروج وقالوا إنا نجد فيما روت حمير عن خبر لسطيح أنه يوشك أن هذا البلاء يفرج بيد رجل من أهل بيتك ابن ذي يزن وقد رجونا أن ندرك بثأرنا فأنعم لهم فخرج إلى قيصر ملك الروم فكلمه أن ينصره على الحبشة فأبى

وقال الحبشة على ديني ودين أهل مملكتي وأنتم على دين يهود فخرج من عنده يائسا فخرج عامدا إلى كسرى فانتهى إلى النعمان بن المنذر بالحيرة فدخل عليه فأخبره بما لقي قومه من الحبشة فقال أقم فإن لي على الملك كسرى إذنا في كل سنة وقد حان ذلك
فلما خرج أخرج معه سيف بن ذي يزن فأدخله على كسرى فقال غلبنا على بلادنا وغلب الأحابيش علينا وأنا أقرب إليك منهم لأني أبيض وأنت أبيض وهم سودان فقال بلادك بلاد بعيدة ولا أبعث معك جيشا في غير منفعة ولا أمر أخافه على ملكي
فلما أيأسه من النصر أمر له بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسا
فلما خرج بها من باب كسرى نثرها بين الصبيان والعبيد فرأى ذلك أصحاب كسرى فقالوا ذلك له فأرسل إليه لم صنعت بجائزة الملك تنثرها للصبيان والناس فقال سيف وما أعطاني الملك جبال أرضي ذهب وفضة جئت إلى الملك ليمنعني من الظلم ولم آته ليعطيني الدراهم ولو أردت الدراهم كان ذلك في بلدي كثيرا
فقال كسرى أنظر في أمرك فخرج سيف على طمع وأقام عنده فجعل سيف كلما ركب كسرى عرض له فجمع له كسرى مرازبته وقال ما ترون في هذا العربي وقد رأيته رجلا جلدا فقال قائل منهم إن في السجون قوما قد سجنهم الملك في موجدة عليهم فلو بعثهم الملك معه فإن قتلوا استراح منهم وإن ظفروا بما يريد هذا العربي فهو زيادة في ملك الملك فقال كسرى هذا الرأي وأمر بهم كسرى فأحضروا فوجد ثمانمائة رجل فولى أمرهم رجلا

معهم يقال له وهرز وكان راميا شجاعا مع مكانة في الفرس وجهزهم وأعطاهم سلاحا وحملهم في البحر في ثماني سفن فغرقت سفينتان وبقي من بقي وهم ستمائة رجل فأرسوا إلى ساحل عدن فلما أرسوا قال وهرز لسيف ما عندك فقد جئنا بلادك فقال ما شئت من رجل عربي وفرس عربي ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا

وهرز يقتل مسروق بن أبرهة ويملك اليمن
قال وهرز أنصفت فاستجلب سيف من استطاع من اليمن ثم زحفوا إلى مسروق بن أبرهة وقد سمع بهم مسروق وبتعبيتهم فجمع إليه جنده من الحبشة وسار إليهم والتقى العسكران وجعلت أمداد اليمن تثوب إلى سيف وبعث وهرز ابنا له كان معه على جريدة خيل فقال ناوشوهم القتال حتى ننظر قتالهم فناوشهم ابنه وناوشوه شيئا من قتال ثم تورط ابنه في هلكة لم يستطع التخلص منها فاشتملوا عليه فقتلوه فازداد وهرز عليهم حنقا وسيء العرب وفرحت الحبشة فأظهروا الصليب فوتر وهرز قوسه وكان لا يقدر أن يوترها غيرها وقال وهرز والناس في صفوفهم انظروا أين ترون ملكهم قال سيف أرى رجلا قاعدا على فيل تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء قال ذلك ملكهم وقال وهرز اتركوه ثم وقف طويلا ثم قال انظروا هل تحول قالوا قد تحول على فرس قال هذا منه اختلاط ثم وقف طويلا وقال انظروا هل تحول قالوا قد تحول على بغلة فقال ابنة الحمار ذل الأسود وذل ملكه ثم قال لأصحابه نقتله في هذه الرمية تأملوا النشابة وأخذ النشابة وجعل فوقها في الوتر ثم نزع فيها حتى ملأها وكان أيدا ثم أرسلها فصكت الياقوتة التي بين عيني ملكهم مسروق فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه وحملت عليهم الفرس فانهزمت الحبشة في كل وجه وجعلت حمير تقتل من

أدركوا منهم وتجهز على جريحهم
وأقبل وهرز يريد أن يدخل صنعاء وكان موضعهم الذي التقوا فيه خارج صنعاء وكان اسم صنعاء أزال فلما قدمت الحبشة بنوها وأحكموها فقالت صنعة فسميت صنعاء وكانت صنعاء مدينة لها باب صغير يدخل منه فلما دنا وهرز من باب المدينة رآه صغيرا فقال لا تدخل رايتي منكسة اهدموا الباب فهدم باب صنعاء ودخل ناصبا رايته وسير بها بين يديه فقال سيف بن ذي يزن ذهب ملك حمير آخر الدهر لا يرجع إليهم أبدا
فملك وهرز اليمن وقهر الحبشة وكتب إلى كسرى يخبره إني قد ملكت للملك اليمن وهي أرض العرب القديمة التي تكون فيها ملوكهم وبعث بجوهر وعنبر ومال وعود وزباد وهو جلود لها رائحة طيبة

كسرى يملك سيفا اليمن والحبشة يغتالونه
فكتب كسرى يأمره أن يملك سيفا ويقدم وهرز إلى كسرى
فخلف على اليمن سيفا فلما خلا سيف باليمن وملكها عدا على الحبشة فجعل يقتل رجالها ويبقر نساءها عما في بطونها حتى أفناها إلا بقايا منها أهل ذلة وقلة فاتخذهم خولا واتخذ منهم جمازين بحرابهم بين يديه
فمكث كذلك غير كثير وركب يوما وتلك الحبشة معه ومعهم حرابهم يسعون بها بين يديه حتى إذا كان وسطا منهم مالوا عليه بحرابهم فطعنوه حتى قتلوه
وكان سيف قد آلى ألا يشرب الخمر ولا يمس امرأة حتى يدرك ثأره من

الحبشة فجعلت له حلتان واسعتان فأتزر بواحدة وارتدى الأخرى وجلس على رأس غمدان يشرب وبرت يمينه وخرج بعد ذلك يتصيد فقتلته الحبشة
وكان ملك أرياط عشرين سنة وملك أبرهة ثلاثا وعشرين سنة وملك يكسوم تسع عشرة سنة وملك مسروق اثنتي عشرة سنة فهذه أربع وسبعون سنة
وكان قدوم أهل فارس اليمن مع وهرز بعد الفجار بعشر سنين وقبل بنيان قريش البيت بخمس سنين ورسول الله وآله ابن ثلاثين سنة أو نحوها لأن رسول الله ولد بعد قدوم الفيل بخمس وخمسين ليلة
ونسخت خبر مديحه سيفا بهذا الشعر من كتاب عبد الأعلى بن حسان قال حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وحدثني به محمد بن عمران المؤدب بإسناد لست أحفظ الاتصال بينه وبين الكلبي فيه فاعتمدت هذه الرواية قال
لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها لتهنيه وتمدحه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه فأتته وفود العرب من قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وخويلد بن أسد في ناس من وجوه قريش فأتوه بصنعاء وهو في رأس قصر

له يقال له غمدان فأخبره الآذن بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه وهو على شرابه وعلى رأسه غلام واقف ينثر في مفرقه المسك وعن يمينه ويساره الملوك والمقاول وبين يديه أمية بن أبي الصلت الثقفي ينشده قوله في هذه الأبيات

أمية يمدح سيفا
( لا يطلُبُ الثأر إلاَّ كابْنِ ذِي يَزَن ... في البَحْر خيَّم للأعداء أحوالا )
( أتى هِرَقْلَ وقد شالَتْ نَعامَتُهُ ... فلم يَجِدْ عنده النّصر الذي سالا )
( ثم انتحى نحو كِسْرى بعد عاشرة ... من السِّنينَ يُهينُ النفسَ والمالا )
( حتى أتى بِبَنِي الأَحرار يَقْدُمُهُمْ ... تخالُهم فوقَ مَتْنِ الأَرض أَجْبَالا )
( لله دَرُّهُمُ مِنْ فِتْيَةٍ صَبَروا ... ما إن رأيت لهم في الناس أمثالا )
( بيضٌ مَرَازِبةٌ غُلْبٌ أسَاوِرَة ... أسد تُربِّتُ في الغَيْضاتِ أشبالا )
( فالْتَطْ من المسك إذ شالت نَعَامتهم ... وأسْبِلِ اليومَ في بُرْدَيْكَ إسبالا )
( واشرب هنيئاً عليك التاجُ مرتفقاً ... في رأس غُمْدَانَ داراً منك مِحْلالا )
( تلك المكارم لا قَعْبَان مِنْ لَبَنٍ ... شِيباً بماءٍ فعاَدا بعدُ أبوالا )
بنو الأحرار الذين عناهم أمية في شعره هم الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن وهم إلى الآن يسمون بني الأحرار بصنعاء ويسمون باليمن الأبناء وبالكوفة الأحامرة وبالبصرة الأساورة وبالجزيرة الخضارمة وبالشام الجراجمة
عبد المطلب يهنىء سيفا وسيف يسر إليه بأمارات ظهور النبي
فبدأ عبد المطلب فاستأذن في الكلام فقال له سيف بن ذي يزن إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك فقال عبد المطلب إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا وأنبتك منبتا طابت أرومته وعزت جرثومته في أكرم موطن وأطيب معدن فأنت - أبيت اللعن - ملك

العرب وربيعها الذي به تخصب وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي إليه يلجأ العباد فسلفك لنا خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف فلم يخمل من أنت خلفه ولن يهلك من أنت سلفه نحن أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشفك الكرب الذي فدحنا فنحن وفود التهنية لا وفود المرزية
قال وأيهم أنت المتكلم قال أنا عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا قال نعم فأدناه حتى أجلسه إلى جنبه ثم أقبل على القوم وعليه فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا ربحلا يعطي عطاء جزلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم وأنتم أهل الشرف والنباهة ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم
ثم استنهضوا إلى دار الضيافة والوفود فأقاموا فيها شهرا لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم في الانصراف وأجرى لهم الأنزال ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه وأخلى مجلسه ثم قال يا عبد المطلب إني مفوض إليك من سر علمي أمرا لو يكون غيرك لم أبح به إليه ولكني رأيتك موضعه فأطلعتك طلعه فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره
إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا واحتجناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاء للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة
قال عبد المطلب مثلك أيها الملك من سر وبر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر قال ابن ذي يزن إذا ولد غلام بتهامة بين كتفيه شامة

كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة
قال عبد المطلب أيها الملك لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد ولولا هيبة الملك وإكرامه وإعظامه لسألته أن يزيدني في البشارة ما أزداد به سرورا قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه قد ولدناه مرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه يضرب بهم الناس عن عرض ويستبيح بهم كرائم الأرض يخمد النيران ويدحر الشيطان ويكسر الأوثان ويعبد الرحمن قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله
فقال عبد المطلب أيها الملك عز جدك وعلا كعبك ودام ملكك وطال عمرك فهل الملك مخبري بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإيضاح
فقال ابن ذي يزن والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب إنك يا عبد المطلب لجده غير الكذب

سيف يطلب كتم أمر محمد والحذر من اليهود
فخر عبد المطلب ساجدا فقال له ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا أمرك فهل أحسست شيئا مما ذكرته لك فقال عبد المطلب أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجبا وعليه رفيقا زوجته كريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه قال الأمر ما قلت لك فاحتفظ بابنك واحذر عليه من اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرت لك عن هؤلاء الرهط الذين معك فإني لا آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون له الرياسة فينصبون له الحبائل ويطلبون له الغوائل وهم فاعلون وأبناؤهم وبطيء ما يجيبه قومه وسيلقى منهم عنتا والله مبلج حجته ومظهر دعوته وناصر شيعته ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير يثرب دار ملكي فإني أجد

في الكتاب المكنون أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولولا أني أتوقى عليه الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره ولكني صارف ذلك إليك من غير تقصير مني بمن معك

سيف يكرم بعثة عبد المطلب ويجزلها العطاء
قال ثم أمر لكل رجل بعشرة أعبد وعشر إماء ومائة من الإبل وحلتين برودا وخمسة أرطال ذهبا وعشرة أرطال فضة وكرش مملوءة عنبرا ثم أمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك
وقال يا عبد المطلب إذا حال الحول فائتني فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول
وكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد ولكن ليغبطني بما بقي لي شرفه وذكره إلى يوم القيامة فإذا قيل له وما ذاك قال ستعلمون نبأ ما أقول ولو بعد حين
وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس
( جلبْنَا النُّصحَ تحمله المَطايا ... الى أكوارِ أجمالٍ ونُوقِ )
( مغلغلةً مرافِقُها ثِقَالا ... الى صنعاءَ مِنْ فجٍّ عَمِيق )
( تَؤُمُّ بنا ابْنَ ذِي يَزن ونُهدي ... مَخالِيهَا إلى أمَمِ الطريق )
( فلما وافقتْ صَنْعاءَ صارَتْ ... بدارِ المُلْكِ والحَسَب العَرِيقِ )
أخبرني علي بن عبد العزيز قال حدثني عبد الله بن عبد الله بن خرداذبة قال

كان أحمد بن سعيد بن قادم المعروف بالمالكي أحد القواد مع طاهر بن الحسين بن عبد الله بن طاهر فكان معه بالري وكان مع محله من خدمة السلطان مغنيا حسن الغناء وله صنعة فحضر مجلس طاهر بن عبد الله وهو متنزه بظاهر الري بموضع يعرف بشاذمهر وقيل بل حضره بقصره بالشاذياخ فغنى هذا الصوت
( اشْرَبْ هنيئاً عليك التاجُ مُرْتَفِقاً ... في رأس غمدان . . . . . البيت )
فقال ابن عباد الرازي في وقته من الشعر مثل ذلك المعنى وصنع فيه وغنى فيه أحمد بن سعيد لحنا من خفيف الرمل وهو

صوت
( اشْرَبْ هنيئاً عليك التاجُ مُرْتَفِقاً ... بالشاذياخ ودَعْ غُمْدَان لِلَيمَنِ )
( فأنتَ أوْلَى بتاج المُلْك تَلْبَسُه ... مِنْ هَوْذَة بن علي وابن ذي يزن )
فطرب طاهر فاستعاده مرات وشرب عليه حتى سكر وأسنى لأحمد بن سعيد الجائزة

أما ذكره هوذة بن علي ولبسه التاج فإن السبب في ذلك أن كسرى توج هوذة بن علي الحنفي وضم إليه جيشا من الأساورة فأوقع ببني تميم

يوم الصفقة
يوم الصفقة
أخبرني بالسبب في ذلك علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا ابن حبيب ودماذ عن أبي عبيدة قال ابن حبيب قال أبو سعيد وأخبرنا إبراهيم بن سعدان عن أبيه عن أبي عبيدة قال ابن حبيب وأخبرني ابن الأعرابي عن المفضل قال أبو سعيد قالوا جميعا
كان من حديث يوم الصفقة أن باذام عامل كسرى باليمن بعث إلى كسرى عيرا تحمل ثيابا من ثياب اليمن ومسكا وعنبرا وخرجين فيهما مناطق محلاة وخفراء تلك العير فيما يزعم بعض الناس بنو الجعيد المراديون فساروا من اليمن لا يعرض لهم أحد حتى إذا كان بحمض من بلاد بني حنظلة بن يربوع وغيرهم أغاروا عليها فقتلوا من فيها من بني جعيد والأساورة واقتسموها وكان فيمن فعل ذلك ناجية بن عقال وعتبة بن الحارث بن شهاب وقعنب بن عتاب وجزء بن سعد وأبو مليل عبد الله بن الحارث والنطف بن جبير وأسيد بن جنادة فبلغ ذلك الأساورة الذين بهجر مع كزارجر المكعبر فساروا إلى بني حنظلة بن يربوع فصادفوهم على حوض فقاتلوهم قتالا شديدا فهزمت الأساورة وقتلوا قتلا شديدا ذريعا ويومئذ أخذ النطف الخرجين اللذين يضرب بهما المثل

فلما بلغ ذلك كسرى استشاط غضبا وأمر بالطعام فادخر بالمشقر ومدينة اليمامة وقد أصابت الناس سنة شديدة ثم قال من دخلها من العرب فأميروه ما شاء
فبلغ ذلك الناس قال وكان أعظم من أتاها بنو سعد فنادى منادي الأساورة لا يدخلها عربي بسلاح فأقيم بوابون على باب المشقر فإذا جاء الرجل ليدخل قالوا ضع سلاحك وامتر واخرج من الباب الآخر فيذهب به إلى رأس الأساورة فيقتله فيزعمون أنا خيبري بن عبادة بن النوال بن مرة بن عبيد - وهو مقاعس - قال يا بني تميم ما بعد السلب إلا القتل وأرى قوما يدخلون ولا يخرجون فانصرف منهم من انصرف من بقيتهم فقتلوا بعضهم وتركوا بعضا محتبسين عندهم هذا حديث المفضل
وأما ما وجد عن ابن الكلبي في كتاب حماد الراوية فإن كسرى بعث إلى عامله باليمن بعير وكان باذام على الجيش الذي بعثه كسرى إلى اليمن وكانت العير تحمل نبعا فكانت تبذرق من المدائن حتى تدفع إلى النعمان ويبذرقها النعمان بخفراء من بني ربيعة ومضر حتى يدفعها إلى هوذة بن علي الحنفي فيبذرقها حتى يخرجها من أرض بني حنيفة ثم تدفع إلى سعد وتجعل لهم جعالة فتسير فيها فيدفعونها إلى عمال باذام باليمن

فلما بعث كسرى بهذه العير قال هوذة للأساورة انظروا الذي تجعلونه لبني تميم فأعطونيه فأنا أكفيكم أمرهم وأسير فيها معكم حتى تبلغوا مأمنكم فخرج هوذة والأساورة والعير معهم من هجر حتى إذا كانوا بنطاع بلغ بني سعد ما صنع هوذة فساروا إليهم وأخذوا ما كان معهم واقتسموه وقتلوا عامة الأساورة وسلبوهم وأسروا هوذة بن علي فاشترى هوذة نفسه بثلاثمائة بعير فساروا معه إلى هجر فأخذوا منه فداءه ففي ذلك يقول شاعر بني سعد
( ومِنّا رئيسُ القَوْمِ ليلةَ أدلَجُوا ... بهَوْذَةَ مقرونَ اليدين إلى النَّحْرِ )
( ورَدْنا به نَخْلَ اليمامةِ عانِياً ... عليه وَثاقُ القِدّ والحَلَقِ السُّمْرِ )
فعمد هوذة عند ذلك إلى الأساورة الذين أطلقهم بنو سعد وكانوا قد سلبوا فكساهم وحملهم ثم انطلق معهم إلى كسرى وكان هوذة رجلا جميلا شجاعا لبيبا فدخل عليه فقص أمر بني تميم وما صنعوا فدعا كسرى بكأس من ذهب فسقاه فيها وأعطاه إياها وكساه قباء ديباج منسوجا بالذهب واللؤلؤ وقلنسوة قيمتها ثلاثون ألف درهم وهو قول الأعشى
( له أكاليلُ بالياقوت فصَّلها ... صَوَّاغُها لا ترى عَيْباً ولا طَبَعا )
وذكر أن كسرى سأل هوذة عن ماله ومعيشته فأخبره أنه في عيش رغد وأنه يغزو المغازي فيصيب
فقال له كسرى في ذلك كم ولدك قال عشرة قال فأيهم أحب إليك قال غائبهم حتى يقدم وصغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يبرأ قال كسرى الذي أخرج منك هذا العقل حملك على أن طلبت مني الوسيلة وقال

كسرى لهوذة رأيت هؤلاء الذين قتلوا أساورتي وأخذوا مالي أبينك وبينهم صلح
قال هوذة أيها الملك بيني وبينهم حساء الموت وهم قتلوا أبي فقال كسرى قد أدركت ثأرك فكيف لي بهم قال هوذة إن أرضهم لا تطيقها أساورتك وهم يمتنعون بها ولكن احبس عنهم الميرة فإذا فعلت ذلك بهم سنة أرسلت معي جندا من أساورتك فأقيم لهم السوق فإنهم يأتونها فتصيبهم عند ذلك خيلك
ففعل كسرى ذلك وحبس عنهم الأسواق في سنة مجدبة ثم سرح إلى هوذة فأتاه فقال ائت هؤلاء فاشفني منهم واشتف وسرح معهم جوار بودار ورجلا من أردشير خره فقال لهوذة سر مع رسولي هذا فسار في ألف أسوار حتى نزلوا المشقر من أرض البحرين وهو حصن هجر
وبعث هوذة إلى بني حنيفة فأتوه فدنوا من حيطان المشقر ثم نودي إن كسرى قد بلغه الذي أصابكم في هذه السنة وقد أمر لكم بميرة فتعالوا فامتاروا فانصب عليهم الناس وكان أعظم من أتاهم بنو سعد فجعلوا إذا جاؤوا إلى باب المشقر أدخلوا رجلا رجلا حتى يذهب به إلى المكعبر فتضرب عنقه وقد وضع سلاحه قبل أن يدخل فيقال له ادخل من هذا الباب واخرج من الباب الآخر فإذا مر رجل من بني سعد بينه وبين هوذة إخاء أو رجل يرجوه قال للمكعبر هذا من قومي فيخليه له
فنظر خيبري بن عبادة إلى قومه يدخلون ولا يخرجون وتؤخذ أسلحتهم

وجاء ليمتار فلما رأى ما رأى قال ويلكم أين عقولكم فوالله ما بعد السلب إلا القتل
وتناول سيفا من رجل من بني سعد يقال له مصاد وعلى باب المشقر سلسلة ورجل من الأساورة قابض عليها فضربها فقطعها ويد الأسوار فانفتح الباب فإذا الناس يقتلون فثارت بنو تميم
ويقال إن الذي فعل هذا رجل من بني عبس يقال له عبيد بن وهب فلما علم هوذة أن القوم قد نذروا به أمر المكعبر فأطلق منهم مائة من خيارهم وخرج هاربا من الباب الأول هو والأساورة فتبعتهم بنو سعد والرباب فقتل بعضهم وأفلت من أفلت

صوت
( إذا سلكتْ حورَانَ مِنْ رَمْل عالجٍ ... فقُولاَ لها ليس الطريقُ هنالكِ )
( دَعُوا فَلجاتِ الشامِ قد حِيل دُونَها ... بضَرْبٍ كأفواه العِشار الأوارِكِ )
عروضه من الطويل الشعر لحسان بن ثابت والغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول مطلق في مجرى البنصر
وهذا الشعر يقوله حسان بن ثابت لقريش حين تركت الطريق الذي كانت تسلكه إلى الشام بعد غزوة بدر واستأجرت فرات بن حيان العجلي دليلا فأخذ

بهم غيرها وبلغ النبي الخبر فأرسل زيد بن حارثة في سرية إلى العير فظفر بها وأعجزه القوم

ذكر الخبر في سرية زيد بن حارثة
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي قال
كان سبب هذه الغزوة أن قريشا قالت قد عور علينا محمد متجرنا وهو على طريقنا وقال أبو سفيان وصفوان بن أمية إن أقمنا بمكة أكلنا رؤوس أموالنا فقال زمعة بن الأسود وأنا أدلكم على رجل يسلك بكم النجدة ولو سلكها مغمض العين لاهتدى فقال صفوان من هو قال فرات بن حيان العجلي فاستأجراه فخرج بهم في الشتاء فسلك بهم ذات عرق ثم سلك بهم على غمرة فانتهى إلى النبي خبر العير فخرج وفيها مال كثير وآنية

من فضة حملها صفوان بن أمية
فخرج زيد بن حارثة فاعترضها فظفر بالعير وأفلت أعيان القوم وكان الخمس عشرين ألفا فأخذه رسول الله فقسم الأربعة الأخماس على السرية وأتي بفرات بن حيان العجلي أسيرا فقيل له إن أسلمت لم يقتلك رسول الله فلما دعا به رسول الله أسلم فأرسله
حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق في خبر هذه السرية بمثل رواية الواقدي وزاد فيها فيما رواه
إن قريشا لما خافت طريقها إلى الشام أخذت على طريق العراق وذكر أن الوقعة كانت على القردة ماء من مياه نجد
أخبرني حرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن محمد الزهري قال
كتب إبراهيم بن هشام إلى هشام بن عبد الملك إن رأى أمير المؤمنين إذا فرغ من دعوة أعمامه بني عبد مناف أن يبدأ بدعوة أخواله بني مخزوم فكتب إن رضي بذلك آل الزبير فافعل فلما فرغ من إعطاء بني عبد مناف نادى مناديه ببني مخزوم فناداه عثمان بن عروة وقال
( إذا هبطتْ حورانَ مِنْ أرْض عالج ... فقُولاَ لها ليسَ الطَّريقُ هنالك )
فأمر مناديه فنادى بني أسد بن عبد العزى ثم مضى على الدعوة
أخبرني محمد بن عبد الله الحضرمي إجازة قال حدثنا ضرار بن صرد

قال حدثنا علي بن هشام عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق عن عدي بن حاتم
أن النبي أتي بفرات بن حيان فقال إني مسلم فقال لعلي صلوات الله عليه إن منكم من أكله إلى إيمانه منهم فرات بن حيان وأقطعه أرضا بالبحرين تغل ألفا ومائتين
حدثني أحمد بن يوسف بن سعيد قال حدثنا محمد بن عبيد الله بن عتبة قال حدثنا موسى بن زياد الزيات قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الأشل عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن جارية بن مضرب عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه قال
أتى النبي بفرات بن حيان يوم الخندق وكان عينا للمشركين فأمر بقتله فقال إني مسلم فقال إن منكم من أتألفه على الإسلام وأكله إلى إيمانه منهم فرات بن حيان

صوت
( إذا المرء لم يطلب معاشاً لِنَفْسِهِ ... شكى الفَقْر أو لامَ الصَّديِق فأكثرا )
( وصار على الأَدْنَيْنِ كلاًّ وأوشكت ... صِلاَتُ ذَوِي القُرْبى له أن تَنَكَّرا )
( فسر في بلادِ الله والتمسِ الغِنَى ... تَعِشْ ذَا يَسارٍ أو تموتَ فتُعذرا )
( ولا تَرْضَ مِنْ عيش بدُونٍ ولا تنم ... وكيف يَنامُ الليلَ مَنْ كان مُعْسِرا )
عروضه من الطويل الشعر لأبي عطاء السندي والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى من نسخة عمرو الثانية

ذكر أبي عطاء السندي
أبو عطاء اسمه أفلح بن يسار مولى بني أسد ثم مولى عنبر بن سماك ابن حصين الأسدي منشؤه الكوفة وهو من مخضرمي الدولتين مدح بني أمية وبني هاشم وكان أبوه يسار سنديا أعجميا لا يفصح وكان في لسان أبي عطاء لكنة شديدة ولثغة فكان لا يفصح وكان له غلام فصيح سماه عطاء وتكنى به وقال قد جعلتك ابني وسميتك بكنيتي فكان يرويه شعره فإذا مدح من يجتديه أو ينتجعه أمره بإنشاده ما قاله وكان ابن كناسة يذكر أنه كاتب مواليه وأنهم لم يعتقوه
نماذج من شعره
أخبرني بذلك محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن كناسة قال
كثر مال أبي عطاء السندي بعد أن أعتق فأعنته مواليه وطمعوا فيه وادعوا رقه فشكا ذلك إلى إخوانه فقالوا له كاتبهم فكاتبوه على أربعة آلاف وسعى له أهل الأدب والشعر فيها فتركهم وأتى الحر بن عبد الله القرشي وهو حليف لقريش لا من أنفسهم فقال فيه

( أتيتُك لا مِنْ قُرْبَةٍ هي بَيْنَنا ... ولا نعمةٍ قَدَّمتُها أستَثيبُها )
( ولكن مع الرَّاجِين أن كنتَ مَوْرِداً ... إليه بُغَاةَ الدَّيْن تَهْفُو قلوبها )
( أغِثْنِي بِسَجْلٍ مِنْ نَدَاك يكفُّني ... وقاك الرَّدَى مُرْدُ الرِّجَالِ وشِيبُها )
( تسمى ابن عبدالله حرا لوصفه ... وتلك العلا يعنى بها من يصيبها )
فأعطاه أربعة آلاف درهم فأداها في مكاتبته وعتق
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان أبو عطاء السندي يجمع بين لثغة ولكنة وكان لا يكاد يفهم كلامه فأتى سليمان ابن سليم فأنشده
( أعوزَتْني الرُّواةُ يابْنَ سُلِيم ... وأبى أنْ يقيم شِعْرِي لساني )
( وغَلَى بالذي أُجَمْجِمُ صَدْرِي ... وجَفَاني بعُجْمَتي سلْطانِي )
( وازْدَرَتْني العيونُ إذ كان لَوْنِي ... حالكاً مُجْتَوىً من الألوان )
( فضربتُ الأمورَ ظَهْراً لبَطْنٍ ... كيف أحْتَالُ حِيلةً للساني )
( وتمنيتُ أنني كنت بالشِّعْر ... فَصِيحاً وبانَ بَعْضُ بَناني )
( ثم أصبحتُ قد أنخْتُ رِكابي ... عند رَحْبِ الفِنَاء والأعطان )
( فاكفِني ما يَضِيقُ عنه رُوَاتي ... بفصيح مِنْ صَالحِ الغِلمان )
( يُفْهِمُ الناسَ ما أقول من الشِّعر ... ِ فإنَّ البيانَ قَدْ أعياني )
( فاعْتَمِدْني بالشكر يابْنَ سُلَيم ... في بلادِي وسائرِ البُلدان )
( ستُوافيهُمُ قَصائدُ غُرٌّ ... فيك سَبَّاقةٌ لكل لسان )
( فقديماً جعلتُ شكري جَزَاء ... كلّ ذِي نعمةٍ بما أوْلاَني )

( لم تَزَلْ تشتري المحامِدَ قِدماً ... بالرَّبيح الغالي من الأَثمان )
فأمر له بوصيف بربري فصيح فسماه عطاء وتكنى به ورواه شعره فكان إذا أراد إنشاد مديح لمن يجتديه أو مذاكرة لشعره أنشده

أبو عطاء يهجو عنبر الأسدي
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا ثعلب عن أبي العالية الحر بن مالك الشامي قال
لما أثرى أبو عطاء أعنته مولاه عنبر بن سماك الأسدي حتى ابتاع نفسه منه فقال يهجوه
( إذا ما كنتَ متخذاً خليلاً ... فلا تَثِقَنْ بكلّ أخِي إخَاء )
( وإنْ خُيِّرْتَ بينهمُ فألْصقْ ... بأهل العقل منهم والحياءِ )
( فإنَّ العقل ليس له إذا ما ... تُذُوكِرَتِ الفَضَائِلُ مِنْ كِفاء )
( وإنَّ النَّوْكَ للأحسابِ غُولٌ ... به تأوِي إلى دَاءٍ عَيَاء )
( فلا تَثِقَنْ مِن النَّوكى بشَيْءٍ ... ولو كانوا بَنِي ماءِ السماء )
( كعَنْبَرٍ الوثيقِ بناءَ بَيْتٍ ... ولكن عقلُه مِثْلُ الهَبَاء )
( وليس بقابلٍ أدباً فَدَعْه ... وكن منه بمنقطعِ الرَّجَاء )
قال وكان أبو عطاء من شعراء بني أمية ومداحهم والمنصبي الهوى إليهم

وأدرك دولة بني العباس فلم تكن له فيها نباهة فهجاهم وفي آخر أيام المنصور مات وكان مع ذلك من أحسن الناس بديهة وأشدهم عارضة وتقدما وشهد أبو عطاء حرب بني أمية وبني العباس فأبلى وقتل غلامه عطاء مع ابن هبيرة وانهزم هو وقيل بل كان أبو عطاء المقتول معه لا غلامه
أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن الحارث عن المدائني قال
كان أبو عطاء يقاتل المسودة وقدامه رجل من بني مرة يكنى أبا يزيد وقد عقر فرسه فقال لأبي عطاء أعطني فرسك حتى أقاتل عني وعنك وقد كانا أيقنا بالهلاك فأعطاه أبو عطاء فرسه فركبه المري ثم مضى وترك أبا عطاء فقال أبو عطاء في ذلك
( لعمرك إنني وأبا يزيد ... لكالساعي إلى وَضَح السَّرَابِ )
( رأيْتُ مَخيلةً فطمعتُ فيها ... وفي الطمع المذلَّةُ للرِّقَاب )
( فما أعياك مِنْ طلبٍ ورِزقٍ ... كما يعييك في سَرَق الدَّواب )
( وأشهد أنْ مرَّة حيُّ صِدْقٍ ... ولكن لستَ منهم في النِّصاب )
أخبرني الحسن عن أحمد بن الحارث عن المدائني

أن يحيى بن زياد الحارثي وحمادا الراوية كان بينهما وبين معلى بن هبيرة ما يكون مثله بين الشعراء والرواة من النفاسة وكان معلى بن هبيرة يحب أن يطرح حمادا في لسان شاعر يهجوه

أبو عطاء وحماد الراوية
قال حماد الراوية فقال لي يوما بحضرة يحيى بن زياد أتقول لأبي عطاء السندي أن يقول في زج وجرادة ومسجد بني شيطان قال فقلت له فما تجعله لي على ذلك قال بغلتي بسرجها ولجامها قلت فعدلها على يدي يحيى ابن زياد ففعل وأخذت عليه موثقا بالوفاء
وجاء أبو عطاء السندي فجلس إلينا وقال مرهبا مرهبا هياكم الله فرحبت به وعرضت عليه العشاء فقال لا هاجة لي به فقال أعندكم نبيذ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى احمرت عيناه واسترخت علابيه ثم قلت يا أبا عطاء إن إنسانا طرح علينا أبياتا فيها لغز ولست أقدر على إجابته البتة ومنذ أمس إلى الآن ما يستوي لي منها شيء ففرج عني قال هات فقلت
( أبن لي إنْ سُئلْتَ أبا عطاء ... يقيناً كيف علمُك بالمعانِي )
فقال
( خبيرٌ عالم فاسأَل تَجِدني ... بها طَبّاً وآياتِ المَثَانِي )

فقلت
( فما اسمُ حَدِيْدَةٍ في رأس رُمحٍ ... دُوَين الكَعْبِ ليست بالسِّنان )
فقال أبو عطاء
( هو الزُّزُّ الذي إن بات ضَيْفاً ... لصَدْرك لم تَزَلْ لك عَوْلتان )
قلت فرج الله عنك تعني الزج وقلت
( فما صفراء تُدْعى أمَّ عوف ... كأن رُجَيْلَتَيْها مِنْجلانِ )
فقال
( أردتَ زَرَادةً وأَزُنُّ زَنّا ... بأنَّكَ ما أردتَ سِوَى لساني )
قلت فرج الله عنك وأطال بقاءك تريد جرادة وأظن ظنا وقلت
( أتعرِف مسجداً لبني تميم ... فُوَيْقَ المِيل دُونَ بَني أبان )
فقال
( بنو سَيْطان دُونَ بني أبان ... كقُرْب أبيك من عَبْدِ المدان )
قال حماد فرأيت عينيه قد احمرتا وعرفت الغضب في وجهه وتخوفته فقلت يا أبا عطاء هذا مقام المستجير بك ولك النصف مما أخذته قال فاصدقني قال فأخبرته فقال لي أولى لك قد سلمت وسلم لك جعلك خذه بورك لك فيه ولا حاجة لي فيه فأخذته وانقلب يهجو معلى بن هبيرة

مدح أبا جعفر فلم يثبه فهجاه
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني

أن أبا عطاء مدح أبا جعفر فلم يثبه فأظهر الانحراف عنه لعلمه بمذهبه في بني أمية فعاوده بالمدح فقال له يا ماص كذا من أمه ألست القائل في عدو الله الفاجر نصر بن سيار ترثيه
( فاضَتْ دُموعي على نَصْرٍ وما ظلمت ... عينٌ تفيضُ على نصر بن سيَّارِ )
( يا نَصْرُ مِنْ لِلِقاء الحرب إِن لَقِحَتْ ... يا نَصْرُ بعدك أو للضيف والجارِ )
( الخِنْدفيّ الذي يَحْمِي حَقيقَتَه ... في كل يَوْم مخوف الشرِّ والعارِ )
( والقائد الخَيْل قُبّاً في أعنَّتِها ... بالقوم حتى تلفَّ القار بالقار )
( منْ كُلِّ أبيض كالمصباحِ مِنْ مُضَرٍ ... يَجْلُو بسُنَّته الظلماءَ لِلسَّارِي )
( ماضٍ على الهَوْل مِقدام إذا اعترضت ... سُمْرُ الرِّماح وولّى كلُّ فَرَّارِ )
( إنْ قالَ قَوْلاً وَفى بالقول مَوْعِدُه ... إنَّ الكنانيَّ وافٍ غَيْرُ غَدَّارِ )
والله لا أعطيك بعد هذا شيئا أبدا قال فخرج من عنده وقال عدة قصائد يذمه فيها منها
( فليت جَوْرَ بني مَرْوَان عادَ لَنا ... وليتَ عَدْلَ بني العبّاس في النار )
وقال أيضا
( ألَيس اللهُ يعلمُ أنَّ قلبي ... يُحِبُّ بني أُميّة ما استطاعا )

( وما بي أنْ يكونوا أهل عَدْل ... ولكنّي رأيتُ الأَمْرَ ضاعا )
أخبرني الحسن قال حدثني الخراز عن المدائني قال
كان أبو عطاء مع ابن هبيرة وهو يبني مدينته التي على شاطىء الفرات فأعطى ناسا كثيرا صلات ولم يعطه شيئا فقال
( قصائدُ حكتُهنَّ ليَوْمِ فَخْرٍ ... رَجَعْنَ إلي صُفْراً خَالياتِ )
( رَجَعن وما أَفَأْنَ عليّ شيئاً ... سِوَى أنِّي وُعِدت التُّرَّهاتِ )
( أقام على الفرات يزيد حَوْلاً ... فقال الناس أيّهما الفراتي )
( فيا عجباً لبَحْرٍ باتَ يَسْقي ... جميعَ الخَلْقِ لم يَبْلُلْ لهَاتِي )
فقال له يزيد بن عمر بن هبيرة وكم يبل لهاتك يا أبا عطاء قال عشرة آلاف درهم فأمر ابنه بدفعها إليه فقال يمدح ابنه
( أَمَّا أبوكَ فَعَيْنُ الجودِ تعرفُه ... وأنتَ أشَبهُ خَلْقِ الله بالجودِ )
( ولولا يزيدٌ ولولا قَبْله عمرٌ ... ألقَتْ إليك معدٌّ بالمَقَاليدِ )
( ما ينبتُ العودُ إلا في أرُومته ... ولا يكون الجَنَي إلاَّ من العودِ )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال
وهب نصر بن سيار لأبي عطاء جارية فلما أصبح غدا على نصر فقال ما فعلت أنت وهي فقال قد كان شيء مني منعني من بعض حاجتي - يعني النوم - فقال وهل قلت في ذلك شعرا قال نعم وأنشد
( إنّ النكاحَ وإن هَرِمْتَ لصالحٌ ... خَلَفٌ لَعَيْنِك مِن لذيذ المَرْقَدِ )

فقال نصر
( ذاك الشقاء فلا تَظُنَّنْ غَيْرَهُ ... ليس المشاهِدُ مِثْلَ مَنْ لم يَشْهَدِ )
فقال أصلحك الله إني قد امتدحتك فائذن لي أن أنشدك قال إني لفي شغل ولكن ائت تميما فأتاه فأنشده فحمله على برذون أبلق فقال له نصر من الغد ما فعل بك تميم فقال
( لئن كان أُغْلِقَ بابُ الندى ... فقد فُتِحَ البابُ بالأبلق )
ثم أنشده قوله
( وهيكلٍ يُقال في جَلالِهِ ... تقصُر أيْدي الناسِ عَنْ قَذالِه )
( جَعَلْتُ أوصالي على أوصالِهِ ... إنّك حمّالٌ على أمثالِهِ )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال لما أمر أبو جعفر الناس بلبس السواد لبسه أبو عطاء فقال
( كُسِيتُ ولم أكفُرْ مِنَ الله نعمةً ... سواداً إلى لوني ودنّا مُلَهْوَجا )
( وبايعتُ كرهاً بيعةً بعد بَيعة ... مُبَهرجة إن كان أمرٌ مبهرجا )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال
بعث إبراهيم بن الأشتر إلى أبي عطاء ببيتين من شعر وسأله أن يضيف إليهما بيتين من رويهما وقافيتهما وهما
( وبلدةٍ يزدهي الجِنّانُ طارِقَها ... قطعتها بِكناز اللحْمِ مُعْتاطَهْ )

( وَهْناً وقد حلّق النّسران أو كَرَباً ... وكانت الدلو بالجَوْزَاء مُنْتَاطَهْ )
فقال أبو عطاء
( فانجاب عنها قميصُ الليل فابتكَرت ... تسير كالفَحْلِ تحت الكُور لَطَّاطَهْ )
( في أينُقٍ كلما حثّ الحداةُ لها ... بَدَتْ مناسِمُها هَوْجَاءَ حَطَّاطَهْ )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال
كان سبب هجاء أبي دلامة بغلته أن أبا عطاء السندي هجاها فخاف أبو دلامة أن تشتهر بذلك وتعره فباعها وهجاها بقصيدته المشهورة قال وأبيات أبي عطاء فيها
( أبغلَ أبي دلامةَ متّ هَزْلاً ... عليه بالسخاء تُعَوِّلينا )
( دوابّ الناس تقضُم مِلْمَخَالِي ... وأنْتِ مهانَةً لا تَقْضُمينا )
( سَلِيه البيعَ واسْتَعْدي عليه ... فإنَّكِ إنْ تُباعِي تسمِنينا )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال
كان أبو عطاء منقطعا في طريق مكة وخباؤه مطروح فمر به نهيك بن معبد العطاردي فقال لمن هذا الخباء الملقى فقيل لأبي عطاء السندي فبعث غلمانا له فضربوا له خباء وبعث إليه بألطاف وكسوة فقال من صنع هذا قالوا نهيك بن معبد فنادى بأعلى صوته يقول

( إذا كنتَ مُرْتَادَ الرجال لِنَفْعِهِم ... فنادِ بصَوْت يا نَهِيكُ بنَ مَعْبد )
فبعث إليه نهيك لا زدنا يا أبا عطاء
فقال أبو عطاء
إنما أعطيناك على قدر ما أعطيتنا فإن زدتنا زدناك والله أعلم
نسخت من كتاب ابن الطحان قال الهيثم بن عدي أخبرنا حماد الراوية قال
أنشدت أبا عطاء السندي في أثناء حديث هذا البيت
( إذا كنْتَ في حاجةٍ مُرسِلاً ... فأرْسِلْ حكيماً ولا تُوصِهِ )
فقال أبو عطاء بئس ما قال فقلت كيف تقول أنت قال أقول
( إذا أرسلتَ في أمرٍ رسولا ... فأفْهِمْه وأرسِلْه أدِيبا )
( وإنْ ضيَّعْتَ ذاك فلا تَلُمْهُ ... على أن لم يكن عَلِمَ الغُيوبا )

شعره في مدح سليمان بن سليم
نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي قال الهيثم بن عدي عن حماد بن سلمة الكلبي قال
دخل أبو عطاء السندي على سليمان بن سليم بن بشار فقال له
( أعوزَتْني الرُّواةُ يابن سُليم ... وأبى أن يقيمَ شِعْرِي لساني )
( وغلا بالذي أُجَمْجِم صَدْري ... وشَكاني من عجمتي شيطاني )
( وَعدَتْنِي العيونُ أن كان لَوْني ... حالكاً مُظْلِماً مِنْ الألوان )
( وضربت الأمورَ ظَهْراً لبطن ... كيف أحتال حيلةً لِبَيَانِي )

( فتمنّيت أنني كنْتُ بالشعر ... فصيحاً وبانَ بَعْضُ بناني )
( ثم أصبحت قد أنخْتُ ركابي ... عند رحب الفِناء والأعطان )
( فإلى مَن سِوَاك يابن سليم ... أشتكي كُرْبَتي وما قد عَناني )
( فاكْفِني ما يضيق عنه ذراعي ... بفصيح مِنْ صالحي الغلمان )
( يُفهم الناسَ ما أقول من الشعر ... فإنَّ البيان قد أعياني )
( ثم خذني بالشكر يابن سُليم ... حيْثُ كانتْ دارِي من البلدان )
فأمر له بوصيف فصيح كان حسن الإنشاد فقال أبو عطاء أيضا
( فأقبلوا نحْوي معا بالقنا ... وكلّهم يسأل ما شأني )
( فقلت شأني كلّه أنني ... في تعب من لفظ جُرْداني )
( يابْنَ سليمَ أنْتَ لي عصمة ... من حدثٍ أفزع جيراني )
( فقد رماني الدَّهْرُ عن فقره ... بسهم فقر غير لَغبان )
( صادَ فُؤادي بعدما قد سلا ... فصرت كالمقتبِل العاني )
( فانعَشْ فدَتْكَ النفس مني ومَن ... أطاعَني مِنْ جلّ إخواني )
( وهبْ فدتك النفْسُ لي طَفلة ... يقمع حِرها رَأسَ شيطاني )
( فإن أيري قد عَتَا واعتدى ... وصار يبغي بغيةَ الزَّاني )
( فاللهَ ثم الله في قَمْعه ... من قبل أنْ أُمَنّى بسلطان )
( يتركني أضحوكةً بعدما ... أضرب في سِرٍّ وإعْلانِ )

فأمر له بجارية قندهارية فارهة فقال
( أحصنني اللهُ بكفَّيْ فتى ... مهذّبٍ مِنْ سرّ قَحْطَان )
( من حمير أهل السَّدى والندى ... وةعصمة الخائفِ والجانِي )
( يا خَيْرَ خَلْقِ الله أنت الذي ... أيْأَسْتَ مِنْ فسقِي شيطاني )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال
كنت جالسا مع سليمان بن مجالد وعنده أبو عطاء السندي إذ قام راوية أبي عطاء ينشد سليمان مديحا لأبي عطاء وأبو عطاء جالس لا يتكلم إذ قال الراوية في إنشاده
( فما فضلت يمينُك من يمين ... ولا فضلَتْ شمالُك عن شمال )
هكذا بالرفع فغضب أبو عطاء وقال ويلك فما مدهته إذا إنما هزوته يريد فما مدحته إنما هجوته ثم أنشده أبو عطاء
( فما فدَلت يمينَك من يمين ... ولا فدَلت شمالَك عن شمال )
فكدت أضحك ولم أجسر لأني رأيْتُ القوم جميعا بهم مثل ما بي وهم لا يضحكون خوفا منه
حدثنا وكيع قال أخبرنا أحمد بن زهير قال حدثنا سليمان بن منصور قال حدثني صالح بن سليمان قال

أبو عطاء السندي على نصر بن سيار فأنشده
( قالت تَرِيكة بَيْتِي وهي عاتِبةٌ ... إنَّ المقام على الإِفْلاسِ تعْذِيبُ )
( ما بال همِّ دخيلٍ بات محتضراً ... رأس الفؤادِ فنوم العَيْنِ توجيبُ )
( إني دعاني إليك الخَيْرُ مِنْ بلدي ... والخيرُ عنْدَ ذوي الأحساب مطلوبُ )
فأمر له بأربعين ألف درهم
أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسن بن علي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني سليمان بن أبي شيخ عن صالح بن سليمان قال دخل إلى أبي عطاء السندي ضيف فأتاه بطعام فأكل وأتاه بشراب وجلسا يشربان فنظر أبو عطاء إلى الرجل يلاحظ جاريته فأنشأ يقول
( كُلْ هنيئاً وما شربت مَرِيئاً ... ثم قُمْ صاغراً وأنْتَ ذميمُ )
( لا أحبُّ النديم يُومِض بالطَّرفِ ... إذا ما خلا لعِرْسِ النَّدِيمِ )

صوت
( تجولُ خلاخيلُ النساء ولا أرى ... لرَمْلَةَ خَلْخَالاً يَجول ُولا قُلبا )
( أُحبّ بني العوَّام طُرّاً لحبِّها ... ومِنْ أجلها أحبَبْتُ أخوالها كَلْبا )
( فإن تُسْلِمي نُسْلِم وإن تتنصَّري ... تخطّ رجالٌ بين أعينهم صُلْبا )

عروضه من الطويل الشعر لخالد بن يزيد بن معاوية يقوله في زوجته رملة بنت الزبير والغناء ليحيى المكي ثاني ثقيل أول بالوسطى من رواية ابنه وأبي العبيس وفيه لعبيد الله بن أبي غسان رمل وفيه لسعيد بن جابر خفيف رمل بالبنصر عن حبش

ذكر خالد ورملة وأحبارهما وأنسابهما
خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان من رجالات قريش سخاء وعارضة وفصاحة وكان قد شغل نفسه بطلب الكيمياء فأفنى بذلك عمره وأسقط نفسه وأم خالد بن يزيد أم هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف
أخبرني الطوسي وحرمي قالا حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال
كان خالد بن يزيد بن معاوية يوصف بالعلم ويقول الشعر وزعموا أنه هو الذي وضع خبر السفياني وكبره وأراد أن يكون للناس فيه طمع حين غلبه مروان بن الحكم على الملك وتزوج أمه أم هاشم وهذا وهم من مصعب فإن السفياني قد رواه غير واحد وتتابعت فيه رواية الخاصة والعامة وذكر خبر

أمره أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام وغيره من أهل البيت صلوات الله عليهم
حدثني أبو عبد الله الصيرفي قال حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال حدثنا الحسن بن صالح عن أبي الأسود قال حدثنا صالح بن أبي الأسود يعني أباه عن عبد الجبار بن العباس الهمداني عن عمار الدهني قال
قال أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام كم تعدون بقاء السفياني فيكم قلت حمل امرأة تسعة أشهر قال ما أعلمكم يا أهل الكوفة
حدثني أبو عبد الله قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا الحسن بن صالح قال حدثنا منصور بن الأسود قال
أتيت جابرا الجعفي أنا والأسود أخي فقلنا له إنا قوم نضرب في هذه التجارات وقد بلغنا أن الرايات قد قطع بها الفرات فماذا تشير علينا وماذا تأمرنا قال اذهبوا حيث شئتم من أرض الله تعالى حتى إذا خرج السفياني فأقبلوا عودكم على بدئكم
أخبرني الطوسي وحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال لما ولدت أم هاشم خالد بن يزيد بن معاوية تركت كنيتها واكتنت بخالد وقال فيها يزيد بن معاوية
( وما نحْنُ يومن استعبرَتْ أُمُّ خالدٍ ... بمَرضى ذوي داءٍ ولا بصِحَاحِ )
ولها يقول وقد قدم من المدينة وقد تزوج أم مسكين بنت عمر بن عاصم

ابن عمر بن الخطاب فحملت إليه بالشام فأعجب بها وجفا أم خالد ودخل عليها وهي تبكي فقال
( مالك أُمّض خالدٍ تبكينْ ... مِنْ قَدَرٍ حلَّ بِكُمْ تَضجّين )
( بَاعَتْ على بَيْعك أُمُّ مِسكينْ ... ميمونة مِنْ نِسوةٍ مَيَامينْ )
( حَلَّتْ محَلَّكِ الَّذي تَحُلِّين ... زارتك مِنْ يثرب في جوارين )
( في منزل كنت به تكونين ... )
أخبرني الطوسي وحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه أن رملة بنت الزبير كانت أخت مصعب بن الزبير لأمه كانت أمهما أم الرباب بنت أنيف بن عبيد بن مصاد بن كعب بن عليم بن عتاب بن ذهل من كلب وإنما كانت قبل خالد بن يزيد عند عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى فولدت له عبد الله بن عثمان وهو زوج سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام

معاتبة الحجاج له
قال الزبير فحدثني رجل عن عمر بن عبد العزيز وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال
لما قتل ابن الزبير حج خالد بن يزيد بن معاوية فخطب رملة بنت الزبير بن العوام فأرسل إليه الحجاج حاجبه عبيد الله بن موهب وقال له ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني وكيف خطبت إلى قوم ليسوا لك بأكفاء وكذلك قال جدك معاوية وهم الذين قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيحة وشهدوا عليه وعلى جدك بالضلالة
فنظر إليه خالد طويلا ثم قال له لولا أنك رسول والرسول لا يعاقب

لقطعتك إربا إربا ثم طرحتك على باب صاحبك قل له ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أشاورك في خطبة النساء
وأما قولك لي قارعوا أباك وشهدوا عليه بكل قببح فإنها قريش يقارع بعضها بعضا فإذا أقر الله عز و جل الحق قراره كان تقاطعهم وتراحمهم على قدر أحلامهم وفضلهم
وأما قولك إنهم ليسوا بأكفاء فقاتلك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش أيكون العوام كفؤا لعبد المطلب بن هاشم بتزوجه صفية وبتزوج رسول الله خديجة بنت خويلد ولا تراهم أهلا لأبي سفيان فرجع الحاجب إليه فأعلمه

شعره في رملة
قال وقال عمر بن شبة في خبره قال خالد بن يزيد بن معاوية فيها
( أليس يزيد السيرُ في كل ليلة ... وفي كلّ يوم من أحبّتنا قُربا )
( أحِنّ إلى بنت الزبير وقد عَلتْ ... بنا العِيسُ خَرقاً من تهامة أو نقبا )
( إذا نزلت أرضاً تحبّبَ أهلها ... إلينا وإنْ كانت منازلها خرْبا )
( وإن نزلت ماء وإن كان قَبْلَها ... مليحاً وجَدْنا ماءه بارِداً عَذْبا )

( تجولُ خلاخيلُ النساءِ ولا أرَى ... لرَمْلَة خلخالا يجُولُ ولا قُلْبَا )
( أقلّوا عليّ اللومَ فيها فإنني ... تخيَّرتُها منهم زُبيريةً قَلْبا )
( أحبُّ بني العوّام طُرّاً لحبِّها ... ومِنْ حبها أحبَبْتُ أخوالها كلبا )
قال أبو زيد وزادوا في الأبيات
( فإن تُسْلِمي نُسْلِم وإن تتنصَّري ... تخطّ رجالٌ بين أعينهم صُلْبا )
فقال له عبد الملك تنصرت يا خالد قال وما ذاك فأنشده هذا البيت فقال له خالد على من قاله ومن نحلنيه لعنة الله
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني موسى بن سعيد بن سلم قال
قدم الحجاج على عبد الملك فمر بخالد بن يزيد بن معاوية ومعه بعض أهل الشام فقال الشامي لخالد من هذا فقال خالد كالمستهزئ هذا عمرو بن العاص فعدل إليه الحجاج فقال إني والله ما أنا بعمرو بن العاصي ولا ولدت عمرا ولا ولدني ولكني ابن الغطاريف من ثقيف والعقائل من قريش ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أنك وأباك من أهل النار ثم لم أجد لذلك عندك أجرا ولا شكرا وانصرف عنه وهو يقول عمرو بن العاصي عمرو بن العاصي
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال حدثنا عبد الله بن مسلم القرشي عن مطر مولى يزيد بن عبد الملك

أن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاصي قدم الشام غازيا فأتى عمته أمية بنت سعيد وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية فدخل خالد فرآه فقال ما يقدم علينا أحد من أهل الحجاز إلا اختار المقام عندنا على المدينة فظن محمد أنه يعرض به فقال له وما يمنعهم من ذلك وقد قدم قوم من أهل المدينة على النواضح فنكحوا أمك وسلبوك ملكك وفرغوك لطلب الحديث وقراءة الكتب وعمل الكيميا الذي لا تقدر عليه انتهى

أمه تقتل زوجها مروان بن الحكم
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخراز عن المدائني عن أبي أيوب القرشي عن يزيد بن حصين بن نمير
أن مروان بن الحكم تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية فناظر خالدا يوما وأراد أن يضع منه في شيء جرى بينهما فقال له يابن الرطبة فقال له خالد إنك لأمي مختبر وأنت بهذا أعلم ثم أتى أمه فأخبرها وقال أنت صنعت بي هذا فقالت له دعه فإنه لا يقولها لك بعد اليوم
فدخل مروان عليهما فقال لها هل أخبرك خالد بشيء فقالت يا أمير المؤمنين خالد أشد تعظيما لك من أن يذكر لي خبرا جرى بينك وبينه
فلما أمسى وضعت مرفقة على وجهه وقعدت عليها وهي وجواريها حتى مات

وأراد عبد الملك قتلها وبلغها ذلك فقالت أما إنه اشد عليك أن يعلم الناس أن أباك قتلته امرأة فكف عنها
أخبرني محمد قال حدثني الخراز عن المدائني قال وأخبرني الطوسي عن الزبير عن المدائني عن جويرية قال
نشزت سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام على زوجها عبد الله ابن عثمان - وأمه رملة بنت الزبير - فدخلت رملة على عبد الملك بن مروان وهو عند خالد بن يزيد بن معاوية فقالت يا أمير المؤمنين لولا أن يبتز أمرنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا سكينة بنت الحسين عليه السلام قد نشزت على ابني قال يا رملة إنها سكينة قالت وإن كانت سكينة فوالله لقد ولدنا خيرهم ونكحنا خيرهم وأنكحنا خيرهم تعني بمن ولدوا فاطمة بنت رسول الله ومن نكحوا صفية بنت عبد المطلب ومن أنكحوا النبي
فقال يا رملة غرني منك عروة بن الزبير فقالت ما غرك ولكن نصح لك لأنك قتلت أخي مصعبا فلم يأمني عليك
أخبرني الطوسي قال حدثني عمي مصعب قال تزوج خالد بن يزيد بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فقال فيها
( جاءتْ بها دُهْمُ البغال وشهبها ... مقنّعة في جَوْفِ حِدْجٍ مُخدَّرِ )
( مقابلةً بين النبيّ محمد ... وبين عليّ والحَوَارِي وجَعْفَرِ )
( مَنافِيَّةً جادَت بخالِص وُدّها ... لعبدٍ مَنافيّ أغَرّ مُشهَّرِ )

قال مصعب ومن الناس من ينكر تزويجه إياها
ومما يثبته قول شديد بن شداد بن عامر بن لقيط بن جابر بن وهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي لعبد الملك بن مروان هذا يعيره بخالد في تزويجه بنت الزبير وبنت عبد الله بن جعفر قال
( لا يستوي الحَبْلاَن حَبْلٌ تَلَبَّست ... قُواهُ وحَبْل قد أُمِرّ شَديدُ )
( عليك أمير المؤمنين بخالدٍ ... ففي خالدٍ عما تُرِيدُ صُدُودُ )
( إذا ما نَظَرْنا في مناكح خالدٍ ... عَرَفْنا الذي يَهْوَى وحَيثُ يُريدُ )

خالد يشكو الوليد إلى أبيه عبد الملك
أخبرنا الطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثني مصعب بن عثمان قال دخل عبد الله بن بزيد بن معاوية على أخيه خالد فقال لقد هممت اليوم بقتل الوليد بن عبد الملك فقال له خالد بئس ما هممت به في ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين قال إنه لقي خيلي فنفرها وتلاعب بها فقال له خالد أنا أكفيكه إن شاء الله فدخل خالد على عبد الملك وعنده الوليد فقال له يا أمير المؤمنين إن ولي عهد المسلمين الوليد ابن أمير المؤمنين لقي خيل ابن عمه عبد الله بن يزيد فنفرها وتلعب بها فشق ذلك على عبد الله فنكس عبد الملك رأسه وقرع الأرض بقضيب في يده ثم رفع رأسه إليه فقال ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ) فقال له خالد ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) فقال له عبد الملك أتكلمني فيه وقد دخل علي لا يقيم لسانه لحنا فقال له خالد يا أمير المؤمنين أفعلى الوليد تعول في اللحن فقال

عبد الملك إن يكن الوليد لحانا فأخوه سليمان قال خالد وإن يكن عبد الله لحانا فأخوه خالد قال الوليد لخالد أتكلمني ولست في عير ولا نفير قال ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يقول هذا أنا والله ابن العير والنفير سيد العير جدي أبو سفيان وسيد النفير جدي عتبة بن ربيعة ولكن لو قلت حبيلات - يعني حبلة العنب - وغنيمات والطائف لقلنا صدقت ورحم الله عثمان
هذا آخر الحديث قال مؤلف هذا الكتاب يعيره بأم مروان وأنها من الطائف ويعيره بالحكم وأن رسول الله طرده إلى الطائف وترحم على عثمان لرده إياه

ضعف معاوية بن مروان
حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن إسحاق بن أيوب
أن معاوية بن مروان كان ضعيفا فقال له خالد بن يزيد يا أبا المغيرة ما الذي هونك على أخيك فلا يوليك ولاية قال لو أردت لفعل قال كلا قال بلى والله قال فسله أن يوليك بيت لهيا قال نعم
فغدا على عبد الملك فقال له معاوية يا أمير المؤمنين ألست أخاك قال بلى والله إنك لأخي وشقيقي قال فولني بيت لهيا قال متى عهدك

بخالد قال عشية أمس قال إياك أن تكلمه
ودخل خالد فقال له كيف أصبحت يا أبا المغيرة قال قد نهانا هذا عن كلامك فغلب على عبد الملك الضحك فقام وتفرق الناس
قال وأفلت لمعاوية هذا باز فصاح أغلقوا أبواب المدينة لا يخرج قال وقال له رجل أنت الشريف ابن أمير المؤمنين وأخو أمير المؤمنين وابن عم أمير المؤمنين عثمان وأمك عائشة بنت معاوية قال فأنا إذا مردد في بن اللخناء تردادا
أخبرني الطوسي عن الزبير عن عمه قال كان خالد بن يزيد يتعصب لكلب على قيس في الحرب التي كانت بينهم لأن كلبا أخوال أبيه يزيد وأخوال زوجته فقال شاعر قيس
( يا خالد بن أبي سفيان قد قَرِحَتْ ... منّا القلوبُ وضاقَ السَّهْلُ والجَبَلُ )
( أأنت تَأْمرُ كَلْباً أنْ تقاتِلَنا ... جَهْلاً وتمنعهم منّا إذا قَتَلُوا )
( ها إنّ ذا لا يُقِرّ الطير ساكنةً ... ولا تَبرَّك مِنْ نكرائِه الإِبلُ )

صوت
( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليَّ في لَطَفٍ ... حُور العيون نواعمٌ زُهرُ )
( فطرقتهنّ مع الجَرِيِّ وقد ... نام الرَّقِيبُ وحَلَّقَ النَّسرُ )
عروضه من الكامل الشعر للأحوص والغناء لمعبد رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق

خبر للأحوص
أخبرني حرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن قال حدثني إسماعيل بن محمد المخزومي قال
اجتمع نسوة عند امرأة من أهل المدينة فقلن أرسلي إلي الأحوص فإنا نحب أن نتحدث معه ونسمع من شعره فقالت لهن إذا لا يزيدكن على أن يخرج إذا عرفكن فيشهركن وينظم الشعر فيكن فلم يزلن بها حتى أرسلت إليه رسولا يذكر له أمرهن ولا يسميهن ويقول له أن يأتيهن مخمر الرأس ففعل وتحدث معهن وأنشدهن فلما أراد الخروج وضع يده في تور بين أيديهن في خلوق فغطى رأسه وخرج ووضع يده على الباب ثم تفقد الموضع الذي كان فيه فغدا إليه وطاف حتى وجد أثر يده في الباب فقال
( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... حورُ العيون نواعمٌ زُهْرُ )
( فطرقتهنَّ مع الجَرِيّ وقد ... نام الرقيبُ وحَلّق النسر )

( مستبطناً للحيّ إذ قرعوا ... عَضْباً يَلُوحُ بمَتْنِه أثر )
( فعكفْن ليلتهن ناعِمَة ... ثم استفَقْنَ وقد بَدَا الفَجْرُ )
( بأشَمْ معسول فكاهته ... غضّ الشبابِ رداؤه غَمْر )
( رَزْنٍ بَعِيد الصَّوْت مُشْتَهر ... جِيبت له جَوْب الرحى عَمْرو )
( قامت تخاصِرُه لكِلَّتِها ... تمشي تَأوَّدُ غادة بكرُ )
( فتنازعا مِن دُونِ نسوتها ... كَلِماً يَسُرُّ كأَنه سِحْرُ )
( كلٌّ يَرَى أّنْ الشَّبابَ له ... في كل غايةِ صَبوةٍ عُذُْ )
( سَيْفَانَةٌ أمْرُ الشباب بها ... رَقراقةٌ لم يُبْلها الدَّهرُ )
( حتى إذا أبدى هَوَاهُ لها ... وبَدَا هواها مالَهُ سِتْر )
( سَفَرَتْ وما سَفَرَتْ لمعرفة ... وجْهاً أَغرَّ كأّنَّهُ البَدْرُ )
قال إسماعيل بن محمد فخرجت وأنا شاب ومعي شباب نريد مسجد رسول الله فذكرنا حديث الأحوص وشعره وقدامنا عجوز عليها بقايا من الجمال فلما بلغنا المسجد وقفت علينا والتفتت إلينا وقالت يا فتيان أنا والله إحدى الخمس كذب ورب هذا القبر والمنبر ما خلت معه واحدة منا ولا راجعته دون نسوتها كلاما
قال الزبير وحدثني غير إبراهيم بن عبد الرحمن
أن نسوة من أهل المدينة نذرن مشيا إلى قباء وصلاة فيه فخرجن ليلا

فطال عليهن الليل فنمن فجاءهن الأحوص متكئا على عرجون ابن طاب فتحدث معهن حتى أصبح ثم انصرف وانصرفن فقال قصيدته
( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... حورُ العيون نواعمٌ زُهْرُ )
وحدثني عمي عن أبيه قال قال حبيب بن ثابت
صدرت إلى العقيق فخلا لي الطريق فأنشدت أبيات الأحوص هذه وعجوز سوداء قاعدة ناحية تسمع ما أقول ولا أشعر بها فقالت كذب والله يا سيدي إن سيفه ليلتئذ لعرجون ابن طاب يتخصر به وإني لرسولهن إليه
قال الزبير وحدثني عمي عن أبيه عن الزبير بن حبيب قال كنت أنشد قول الأحوص
( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... )
قال فإذا نسوة فيهن عجوز سوداء فأقبلن على العجوز فقلن لها لمن هذا الشعر قالت للأحوص فقلت للأحوص لعمري فقالت لهن أنا والله الجري خرج نسوة يصلين في مسجد قباء ثم تحدثن في رحبة المسجد في ليلة مقمرة فقلن لو كان عندنا الأحوص فخرجت حتى أتيتهن به وهو متخصر

بعرجون ابن طاب فتحدث معهن حتى دنا الصبح فقلن له لا تذكر خبرنا ولا تذكر إلا خيرا قال قد فعلت وأنشدهن تلك الساعة من الليلة تلك الأبيات ثم استمرت بأفواه الناس تغنى
( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... )
الأبيات كلها والله ما قامت معه امرأة ولا كان بينه وبين واحدة منهن سر

صوت
( يابْنَةَ الجُودِيّ قَلْبِي كئِيبُ ... مُسْتَهامٌ عندها ما يُنِيبُ )
( ولقد قالوا فقُلت دَعُوهَا ... إنَّ مَنْ تَنْهَوْنَ عنه حَبيب )
( إنما أبْلَى عِظَامي وجسْمِي ... حبُّها والحبُّ شيءٌ عجيبُ )
عروضه من الرمل الشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لمالك خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه رمل بالسبابة في مجرى الوسطى لم ينسبه إسحاق إلى أحد وذكر أحمد بن يحيى المكي أنه لأبيه يحيى والله أعلم

ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر وخبره وقصة بنت الجودي
عبد الرحمن بن أبي بكر واسم أبي بكر رضي الله عنه عبدالله - وكان اسمه في الجاهلية عتيقا فسماه رسول الله عبد الله - بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار
وكان اسم عبد الرحمن عبد العزى فسماه رسول الله عبد الرحمن
وأمه وأم عائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة
هذا قول الزبير وعمه
وحكى إبراهيم بن موسى أنها بنت عويمر بن عتاب بن دهمان بن الحارث ابن غنم
صحبته بالنبي
وروي عن محمد بن عبد الرحمن المرواني أنها بنت عامر بن عويمر بن أذينة بن سبيع بن الحارث بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة
ولعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه صحبة بالنبي ولم يهاجر مع

أبيه صغرا عن ذلك فبقي بمكانه ثم خرج قبل الفتح مع فتية من قريش وقيل بل كان إسلامه في يوم الفتح وإسلام معاوية بن أبي سفيان في وقت واحد غير مدفوع انتهى
أخبرني الطوسي وحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن حمزة عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان أن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش مهاجرا إلى النبي قبل الفتح قال وأحسبه قال إن معاوية كان معهم
قال الزبير وحدثني عمي مصعب قال
وقف محكم اليمامة على ثلمة فحماها فلم يجز عليه أحد فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر فقتله وكان أحد الرماة فدخل المسلمون من تلك الثلمة وهو المخاطب لمروان يوم دعا إلى بيعة يزيد والقائل إنما تريدون أن تجعلوها كسروية أو هرقلية كلما هلك كسرى أو هرقل ملك كسرى أو هرقل فقال مروان أيها الناس هذا الذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي فصاحت به عائشة ألعبد الرحمن تقول هذا كذبت والله ما هو به ولو شئت أن أسمي من أنزلت فيه لسميته ولكن أشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله
حدثنا بذلك أحمد بن الجعد قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا وهب بن جرير عن جويرية بن أسماء وفي غير رواية أن عائشة قالت له يا مروان أفينا تتأول القرآن وإلينا تسوق اللعن والله لأقومن يوم

الجمعة بك مقاما تود أني لم أقمه فأرسل إليها بعد ذلك وترضاها واستعفاها وحلف ألا يصلي بالناس أو تؤمنه ففعلت

هيامه بليلى بنت الجودي وشعره فيها
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن الضحاك عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال
استهيم عبد الرحمن بن أبي بكر بليلى بنت الجودي بن عدي بن عمرو بن أبي عمرو الغساني فقال فيها
( تذكرتُ ليلى والسماوةُ دُونَها ... وما لابنَةِ الجُودِيِّ ليلى ومَا لِيا )
( وأنِّى تُعاطِي قلبه حَارِثِيَّةً ... تحلُّ بِبُصْرَى أو تحل الجَوَابيا )
( وكيف يُلاَقيها بلَى ولعَلَّها ... إذا الناسُ حجّوا قابلاً أن تلاقيا )
قال أبو زيد وقال فيها

( يابْنَةَ الجُودِيّ قَلْبِي كَئِيبُ ... مُسْتَهامٌ عندها ما يُنِيبُ )
( جاورْتُ أخوالها حَيَّ عَكٍّ ... فلِعَكٍّ من فؤادِي نَصِيب )
وقد ذكرنا باقي الأبيات فيما تقدم
قال الزبير في خبره
وكان قدم في تجارة فرآها هناك على طنفسة حولها ولائد فأعجبته
وقال أبو زيد في خبره فقال له عمر ما لك ولها يا عبد الرحمن فقال والله ما رأيتها قط إلا ليلة في بيت المقدس في جوار ونساء يتهادين فإذا عثرت إحداهن قالت بابنة الجودي فإذا حلفت إحداهن حلفت بابنة الجودي
فكتب عمر إلى صاحب الثغر الذي هي به إذا فتح الله عليكم دمشق فقد غنمت عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي فلما فتح الله عليهم غنموه إياها
قالت عائشة فكنت أكلمه فيما يصنع بها فيقول يا أخيه دعيني فوالله لكأني أرشف من ثناياها حب الرمان ثم ملها وهانت عليه فكنت أكلمه فيما يسيء إليها كما كنت أكلمه في الإحسان إليها فكان إحسانه أن ردها إلى أهلها
قال الشيخ في خبره
فقالت له عائشة يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت وأبغضت ليلى فأفرطت فإما أن تنصفها وإما أن تجهزها إلى أهلها فجهزها إلى أهلها
قال الزبير وحدثني عبد الله بن نافع الصائغ عن هشام بن عروة عن أبيه
أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر بنت الجودي حين فتح دمشق وكانت بنت ملك دمشق
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا محمد بن شيرويه عن سليمان بن صالح قال قرأت على عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت عن عبد

الله بن الزبير عن عائشة بنت مصعب عن عروة بن الزبير قال كانت ليلى بنت الجودي بنت ملك من ملوك الشام فشبب بها عبد الرحمن بن أبي بكر وكان قد رآها فيما تقدم بالشام فلما فتح الله عز و جل على المسلمين وقتلوا أباها أصابوها فقال المسلمون لأبي بكر يا خليفة رسول الله أعط هذه الجارية عبد الرحمن فقد سلمناها له قال أبو بكر أكلكم على هذا قالوا نعم فأعطاه وكان لها بساط في بلدها لا تذهب إلى الكنيف ولا إلى الحاجة إلا بسط لها ورمي بين يديها برمانتين من ذهب تتلهى بهما في طريقها فكان عبد الرحمن إذا خرج من عندها ثم رجع إليها رأى في عينيها أثر البكاء فيقول ما يبكيك اختاري خصالا أيها شئت فعلت بك إما أن أعتقك وأنكحك فتقول لا أشتهيه وإن شئت رددتك على قومك قالت ولا أريد وإن أحببت رددتك على المسلمين قالت لا اريد قال فأخبريني ما يبكيك قالت أبكي الملك من يوم البؤس
أخبرني أحمد قال حدثني أبو زيد قال حدثني هارون بن إبراهيم بن معروف قال حدثني حمزة بن ربيعة عن العلاء بن هارون عن عبد الله بن عون عن يحيى بن يحيى الغساني
أن عبد الرحمن قدم على يعلى بن منية وهو على اليمن فوجدها في السبي فسأله أن يدفعها إليه

أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال
كتب إلي محمد بن زياد بن عبيد الله يذكر أن عبد الرحمن قال فيها
( فإمَّا تًصبِحي بعد اقترابٍ ... بسلْع أو ثنيّات الوَدَاعِ )
( فلم ألفظك مِنْ شبَعٍ ولكن ... لأقضي حاجةَ النفس الشَّعاع )
( كأنَّ جوانِحَ الأضلاعِ مِنّي ... بُعيْدَ النوم مُبْطَنَة اليَرَاعِ )

موته ورثاء عائشة له
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عبد الله بن لاحق عن أبي مليكة قال
مات عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه بالحبشي جبل من مكة على أميال فحمل فدفن بمكة فقدمت عائشة فوقفت على قبره ثم قالت
( وكُنَّا كنَدْمانيْ جذِيمةَ حِقْبَةً ... من الدَّهْرِ حتى قِيل لن يتصدَّعا )
( فلما تفرَّقْنا كأنّي ومَالِكاً ... لطُولِ اجْتِمَاعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا )

أما والله لو حضرتك لدفنتك حيث مت ولو شهدتك لزرتك

صوت
( أماوِيّ إنّ المالَ غادٍ ورَائحٌ ... ويَبْقَى مِنَ المالِ الأحاديثُ والذِّكْرُ )
( وقد عَلِمَ الأقوامُ لو أنَّ حاتماً ... أرادَ ثَرَاء المالِ أمْسَى له وَفْرُ )
( أماوِيَّ إنْ يُصْبِحْ صَدايَ بقَفْرَةٍ ... مِنَ الأرضِ لا ماءٌ لديَّ ولا خَمْرُ )
( تَرَى أنَّ ما أنفقتُ لم يكُ ضائِري ... وأنَّ يَدي مما بخِلْتُ به صِفْرُ )
عروضه من الطويل
الثراء الكثرة في المال وفي عدد القوم أيضا والوفر الغنى ووفور المال والصدى ها هنا كان أهل الجاهلية يذكرون أن طائرا يخرج من جسم الإنسان أو من رأسه فإذا قتل أقبل يصوت على قبره حتى يدرك بثأره والصفر الخالي والصدى العطش والصدى ما يجيب إذا صوت في المكان الخالي وصدأ الحديد مهموز
الشعر لحاتم الطائي والغناء لإسحاق رمل بالسبابة في مجرى البنصر وذكر الهشامي أن فيه ثقيلا أول ولمالك خفيفا وذكر حبش أن فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أن فيه لابن جامع خفيف رمل بالوسطى

أخبار حاتم ونسبه
ذكر ابن الأعرابي عن المفضل والأثرم عن أبي عمرو الشيباني وابن الكلبي عن أبيه والسكري عن يعقوب بن السكيت
أنه حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم واسمه هزومه بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء
وقال يعقوب بن السكيت إنما سمي هزومة لأنه شج أو شج وإنما سمي طيىء طيئا - واسمه جلهمة - لأنه أول من طوى المناهل وهو ابن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويكنى حاتم أبا سفانة وأبا عدي كني بذلك بابنته سفانة وهي أكبر ولده وبابنه عدي بن حاتم وقد أدركت سفانة وعدي الإسلام فأسلما وأتى بسفانة النبي في أسرى طيىء فمن عليها
أخبرني بذلك أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثني سليمان بن الربيع بن هشام الكوفي - ووجدته

في بعض نسخ الكوفيين عن سليمان بن الربيع - أتم من هذا فنسخته وجمعتهما قال حدثنا عبد الحميد بن صالح الموصلي البرجمي قال حدثنا زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني عن أبيه عن كميل بن زياد النخعي عن علي عليه السلام قال
يا سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في الخير عجبت لرجل يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا فلو كنا لا نرجو جنة ولا نخاف نارا ولا ننتظر ثوابا ولا نخشى عقابا لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبيل النجاة
فقام رجل فقال فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله قال نعم وما هو خير منه لما أتينا بسبايا طيىء كانت في النساء جارية حماء حوراء العينين لعساء لمياء عيطاء شماء الأنف معتدلة القامة درماء الكعبين خدلجة الساقين لفاء الفخذين خميصة الخصر ضامرة الكشحين مصقولة المتنين

فلما رأيتها أعجبت بها فقلت لأطلبنها إلى رسول الله ليجعلها من فيئي فلما تكلمت أنسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها فقالت
يا محمد هلك الوالد وغاب الوافد فإن رأيت أن تخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي كان أبي يفك العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم طيىء
فقال لها رسول الله يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان أبوك إسلاميا لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق
وأم حاتم عتبة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم وكانت في الجود بمنزلة حاتم لا تدخر شيئا ولا يسألها أحد شيئا فتمنعه

سخاء أم حاتم
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا الحرمازي عن العباس ابن هشام عن أبيه قال
كانت عتبة بنت عفيف وهي أم حاتم ذات يسار وكانت من أسخى الناس وأقراهم للضيف وكانت لا تليق شيئا تملكه فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها فمكثت دهرا لا يدفع إليها شيء منه حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها في كل سنة تسألها فقالت لها دونك هذه الصرمة فخذيها فوالله لقد عضني من الجوع ما لا أمنع معه سائلا أبدا ثم أنشأت تقول

( لعَمْرِي لَقِدْماً عضَّني الجوعُ عَضَّةً ... فآلَيْتُ ألاَّ أمنَع الدَّهْرَ جائعا )
( فقُولاَ لهذا اللائمي اليومَ أعفِني ... فإن أنْتَ لم تفعَلْ فعَضّ الأصابِعَا )
( فماذا عساكم أن تقُولُوا لأختكم ... سِوَى عَذْلِكم أو عَذْلِ مَنْ كان مانعا )
( وماذا ترَوْنَ اليومَ إلاّ طبيعةً ... فكيف بتَرْكي يابْنَ أُمِّ الطَّبَائعا )
قال ابن الكلبي وحدثني أبو مسكين قال
كانت سفانة بنت حاتم من أجود نساء العرب وكان أبوها يعطيها الصرمة بعد الصرمة من إبله فتنهبها وتعطيها الناس فقال لها حاتم يا بنية إن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه فإما أن أعطي وتمسكي أو أمسك وتعطي فإنه لا يبقى على هذا شيء

أخبار في كرم حاتم
قال ابن الأعرابي
كان حاتم من شعراء العرب وكان جوادا يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله وكان مظفرا إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا ضرب بالقداح فاز وإذا سابق سبق وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله ألا يقتل واحد أمه
وكان إذا أهل الشهر الأصم الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية ينحر في كل يوم عشرا من الإبل فأطعم الناس واجتمعوا إليه فكان ممن يأتيه من الشعراء الحطيئة وبشر بن أبي خازم

فذكروا أن أم حاتم أوتيت وهي حبلى في المنام فقيل لها أغلام سمح يقال له حاتم أحب إليك أم عشرة غلمة كالناس ليوث ساعة البأس ليسوا بأوغال ولا أنكاس فقالت بل حاتم فولدت حاتما
فلما ترعرع جعل يخرج طعامه فإن وجد من يأكله معه أكل وإن لم يجد طرحه فلما رأى أبوه أنه يهلك طعامه قال له الحق بالإبل فخرج إليها ووهب له جارية وفرسا وفلوها فلما أتى الإبل طفق يبغي الناس فلا يجدهم ويأتي الطريق فلا يجد عليه أحدا فبينا هو كذلك إذ بصر بركب على الطريق فأتاهم فقالوا يا فتى هل من قرى فقال تسألوني عن القرى وقد ترون الإبل وكان الذين بصر بهم عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني وكانوا يريدون النعمان فنحر لهم ثلاثة من الإبل فقال عبيد إنما أردنا بالقرى اللبن وكانت تكفينا ببكرة إذا كنت لا بد متكلفا لنا شيئا فقال حاتم قد عرفت ولكني رأيت وجوها مختلفة وألوانا متفرقة فظننت أن البلدان غير واحدة فأردت أن يذكر كل واحد منكم ما رأى إذا أتى قومه فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها وذكروا فضله فقال حاتم أردت أن أحسن إليكم فكان لكم الفضل علي وأنا أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها أو تقدموا إليها فتقتسموها ففعلوا فأصاب الرجل تسعة وتسعين بعيرا ومضوا على سفرهم إلى النعمان

وإن أبا حاتم سمع بما فعل فأتاه فقال له أين الإبل فقال يا أبت طوقتك بها طوق الحمامة مجد الدهر وكرما لا يزال الرجل يحمل بيت شعر أثني به علينا عوضا من إبلك
فلما سمع أبوه ذلك قال أبإبلي فعلت ذلك قال نعم قال والله لا أساكنك أبدا فخرج أبوه بأهله وترك حاتما ومعه جاريته وفرسه وفلوها فقال يذكر تحول أبيه عنه
( وإني لعَفُّ الفَقْرِ مُشْتَرَك الغِنَى ... وتَارك شكْلٍ لا يوافقُه شكْلي )
( وشَكْلِيَ شكلٌ لا يقومُ لمثله ... منَ الناسِ إلاّ كلُّ ذي نيقة مِثْلي )
( وأجْعَلُ مالي دُونَ عِرْضِي جُنَّةً ... لنفسي وأستغني بما كان مِنْ فضلي )
( وما ضَرَّني أن سَارَ سعْدٌ بأهلِه ... وأفْرَدَني في الدارِ لَيْسَ معي أهلي )
( سيَكفي ابتنائي المجد سَعْدَ بن حَشرج ... وأحمِل عنكم كلَّ ما ضاع من ثِقْلِ )
( ولي مَع بَذْلِ المال في المجد صَوْلَةٌ ... إذا الحربُ أبْدَتْ عن نَوَاجذها العُصْل )
وهذا شعر يدل على أن جده صاحب هذه القصة معه لا أنها قصة أبيه وهكذا ذكر يعقوب بن السكيت ووصف أن أبا حاتم هلك وحاتم صغير فكان في حجر جده سعد بن الحشرج فلما فتح يده بالعطاء وأنهب ماله ضيق عليه جده ورحل عنه بأهله وخلفه في دار فقال يعقوب خاصة
فبينا حاتم يوما بعد أن أنهب ماله وهو نائم إذ انتبه وإذا حوله مائتا بعير أو نحوها تجول ويحطم بعضها بعضا فساقها إلى قومه فقالوا يا حاتم أبق على نفسك فقد رزقت مالا ولا تعودن إلى ما كنت عليه من الإسراف قال فإنها نهبى بينكم فانتهبت فأنشأ حاتم يقول

( تَدَارَكَني مَجْدِي بسَفْحِ مُتَالعٍ ... فلا يَيْأَسَنْ ذو نَوْمَةٍ أَنْ يغنَّما )
قال ولم يزل حاتم على حاله في إطعام الطعام وإنهاب ماله حتى مضى لسبيله

حاتم وبنو لأم
قال ابن الأعرابي ويعقوب بن السكيت وسائر من ذكرنا من الرواة
خرج الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس ومعه عطر يريد الحيرة وكان بالحيرة سوق يجتمع إليه الناس كل سنة وكان النعمان بن المنذر قد جعل لبني لأم بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن حبيب بن خارجة بن سعد بن قطنة بن طيىء ربع الطريق طعمة لهم وذلك لأن بنت سعد بن حارثة بن لأم كانت عند النعمان وكانوا أصهاره فمر الحكم بن أبي العاصي بحاتم بن عبد الله فسأله الجوار في أرض طيىء حتى يصير إلى الحيرة فأجاره ثم أمر حاتم بجزور فنحرت وطبخت أعضاء فأكلوا ومع حاتم ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج وهو ابن عمه فلما فرغوا من الطعام طيبهم الحكم من طيبة ذلك فمر حاتم بسعد بن حارثة بن لأم وليس مع حاتم من بني أبيه غير ملحان وحاتم على راحلته وفرسه تقاد فأتاه بنو لأم فوضع حاتم سفرته وقال أطعموا حياكم الله فقالوا من هؤلاء معك يا حاتم قال هؤلاء جيراني قال له سعد فأنت تجير علينا في بلادنا قال له أنا ابن عمكم وأحق من

لم تخفروا ذمته فقالوا لست هناك وأرادوا أن يفضحوه كما فضح عامر بن جوين قبله فوثبوا إليه فتناول سعد بن حارثة بن لأم حاتما فأهوى له حاتم بالسيف فأطار أرنبة أنفه ووقع الشر حتى تحاجزوا فقال حاتم في ذلك
( وَدِدْتُ وبَيْتِ اللَّهِ لو أنَّ أنْفَه ... هواٌء فما مَتَّ المُخَاطُ عن العَظْمِ )
( ولكنَّما لاقاهُ سَيْفُ ابنِ عَمِّهِ ... فآبَ ومرَّ السَّيْفُ منه على الخَطْمِ )
فقالوا لحاتم بيننا وبينك سوق الحيرة فنماجدك ونضع الرهن ففعلوا ووضعوا تسعة أفراس هنا على يدي رجل من كلب يقال له امرؤ القيس بن عدي ابن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب وهو جد سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ووضع حاتم فرسه ثم خرجوا حتى انتهوا إلى الحيرة وسمع بذلك إياس بن قبيصة الطائي فخاف أن يعينهم النعمان بن المنذر يقويهم بماله وسلطانه للصهر الذي بينهم وبينه فجمع إياس رهطه من بني حية وقال يا بني حية إن هؤلاء القوم قد أرادوا أن يفضحوا ابن عمكم في مجاده أي مماجدته فقال رجل من بني حية عندي مائة ناقة سوداء ومائة ناقة حمراء أدماء وقام آخر فقال عندي عشرة حصن على كل حصان منها فارس

مدجج لا يرى منه إلا عيناه وقال حسان بن جبلة الخير قد علمتم أن أبي قد مات وترك كلأ كثيرا فعلي كل خمر أو لحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة ثم قام إياس فقال علي مثل جميع ما أعطيتم كلكم
قال وحاتم لا يعلم بشيء مما فعلوا وذهب حاتم إلى مالك بن جبار ابن عم له بالحيرة كان كثير المال فقال يابن عم أعني على مخايلتي قال والمخايلة المفاخرة ثم أنشد
( يا مالُِ إِحْدَى خطوب الدَّهْر قد طَرَقَتْ ... يا مالُِ ما أنْتُمُ عنها بزَحْزاحِ )
( يا مالُِ جاءَتْ حِيَاضُ الموتِ وارِدَةً ... من بَيْنِ غَمْر فخُضْنَاه وضَحْضاحِ )
فقال له مالك ما كنت لأحرب نفسي ولا عيالي وأعطيك مالي
فانصرف عنه وقال مالك في ذلك قوله
( إنّا بَنُو عمِّكم لا أنْ نُبَاعِلكم ... ولا نجاوِركم إَلاَّ على نَاحِ )
( وقد بلَوتُك إذ نلْتَ الثراءَ فلم ... ألقك بالمالِ إَلاَّ غير مرتاح )
قال أبو عمرو الشيباني في خبره ثم أتى حاتم ابن عم له يقال له وهم بن عمرو وكان حاتم يومئذ مصارما له لا يكلمه فقالت له امرأته أي وهم هذا والله أبو سفانة حاتم قد طلع فقال ما لنا ولحاتم أثبتي النظر فقالت ها هو قال ويحك هو لا يكلمني فما جاء به إلي فنزل حتى سلم عليه ورد سلامه وحياه ثم قال له ما جاء بك يا حاتم قال خاطرت على حسبك وحسبي قال في الرحب والسعة هذا مالي - قال وعدته يومئذ تسعمائة بعير - فخذها مائة مائة حتى تذهب الإبل أو تصيب ما تريد فقالت امرأته يا حاتم أنت تخرجنا من

مالنا وتفضح صاحبنا - تعني زوجها - فقال اذهبي عنك فوالله ما كان الذي غمك ليردني عما قبلي وقال حاتم
( ألاَ أبلِغَا وَهْمَ بن عَمرو رسالةً ... فإِنكَ أنْتَ المرءُ بالخير أجْدَرُ )
( رأيتُكَ أدْنَى الناسِ منّا قرابةً ... وغَيْركَ منهم كنتُ أحْبُو وأنصُرُ )
( إذا ما أتَى يومٌ يُفَرِّقُ بيننا ... بمَوْتٍ فكُنْ يا وَهْمُ ذُو يتأَخَّرُ )
ذو في لغة طيىء الذي
قالوا ثم قال إياس بن قبيصة احملوني إلى الملك وكان به نقرس فحمل حتى أدخل عليه فقال أنعم صباحا أبيت اللعن فقال النعمان وحياك إلهك فقال إياس أتمد أختانك بالمال والخيل وجعلت بني ثعل في قعر الكنانة أظن أختانك أن يصنعوا بحاتم كما صنعوا بعامر بن جوين ولم يشعروا أن بني حية بالبلد فإن شئت والله ناجزناك حتى يسفح الوادي دما فليحضروا مجادهم غدا بمجمع العرب
فعرف النعمان الغضب في وجهه وكلامه فقال له النعمان يا أحلمنا لا تغضب فإني سأكفيك
وأرسل النعمان إلى سعد بن حارثة وإلى أصحابه انظروا ابن عمكم حاتما فأرضوه فوالله ما أنا بالذي أعطيكم مالي تبذرونه وما أطيق بني حية
فخرج بنو لأم إلى حاتم فقالوا له أعرض عن هذا المجاد ندع أرش أنف ابن عمنا قال لا والله لا أفعل حتى تتركوا أفراسكم ويغلب مجادكم فتركوا

أرش أنف صاحبهم وأفراسهم وقالوا قبحها الله وأبعدها فإنما هي مقارف فعمد إليها حاتم وأطعمها الناس وسقاهم الخمر وقال حاتم في ذلك
( أبْلِغْ بني لأَمٍ فإِنَّ خيولَهُم ... عَقْرَى وإنَّ مجاَدهم لم يَمْجُدِ )
( ها إِنَّما مَطرَتْ سمَاؤكمُ دَماً ... ورفعْتَ رأسَك مِثل رأْسِ الأَصْيَدِ )
( ليكونَ جيراني أُكَالاً بينَكم ... نُحْلاً لِكنْديّ وسَبْيٍ مزبد )
( وابن النُّجُودِ إذا غَدَا مُتلاطماً ... وابن الغدَوَّرِ ذي العِجان الأبرد )
( ولثابِتٍ عَيْني جذ متماوت ... وللعمظ أوْس قد عَوَى لمقلد )
( أَبْلِغْ بني ثُعَلٍ بأنيَ لم أكُنْ ... أبداً لأَفعلَها طوالَ المُسْنَدِ )
( لا جئتُهم فَلاًَ وأتركَ صُحْبَتِي ... نَهْباً ولم تَغْدرْ بقائمه يَدِي )
وخرج حاتم في نفر من أصحابه في حاجة لهم فسقطوا على عمرو بن أوس بن طريف بن المثنى بن عبد الله بن يشجب بن عبد ود في فضاء من الأرض فقال لهم أوس بن حارثة بن لأم لا تعجلوا بقتله فإن أصبحتم وقد أحدق الناس بكم استجرتموه وإن لم تروا أحدا قتلتموه فأصبحوا وقد أحدق الناس بهم فاستجاروه فأجارهم فقال حاتم
( عَمرو بن أوس إذا أشياعه غَضِبوا ... فأحرزوه بلا غُرْمٍ ولا عارِ )
( إنَّ بني عَبْد وُدٍّ كلَّما وقعت ... إحدى الهنات أتَوْهَا غير أغْمَارِ )

أبو الخيبري وقبر حاتم
أخبرني أحمد بن محمد البزار الأطروش عن علي بن حرب عن هشام

ابن محمد عن أبي مسكين جعفر بن المحرز بن الوليد عن أبيه قال قال الوليد جده وهو مولى لأبي هريرة سمعت محرز بن أبي هريرة يتحدث قال
كان رجل يقال له أبو الخيبري مر في نفر من قومه بقبر حاتم وحوله أنصاب متقابلات من حجارة كأنهن نساء نوائح قال فنزلوا به فبات أبو الخيبري ليلته كلها ينادي أبا جعفر اقر أضيافك قال فيقال له مهلا ما تكلم من رمة بالية فقال إن طيئا يزعمون أنه لم ينزل به أحد إلا قراه
قال فلما كان من آخر الليل نام أبو الخيبري حتى إذا كان في السحر وثب فجعل يصيح واراحلتاه فقال له أصحابه ويلك مالك قال خرج والله حاتم بالسيف وأنا أنظر إليه حتى عقر ناقتي قالوا كذبت قال بلى فنظروا إلى راحلته فإذا هي منخزلة لا تنبعث فقالوا قد والله قراك فظلوا يأكلون من لحمها ثم أردفوه فانطلقوا فساروا ما شاء الله ثم نظروا إلى راكب فإذا هو عدي بن حاتم راكبا قارنا جملا أسود فلحقهم فقال أيكم أبو الخيبري فقالوا هو هذا فقال جاءني أبي في النوم فذكر لي شتمك إياه وأنه قرى راحلتك لأصحابك وقد قال في ذلك أبياتا ورددها حتى حفظتها وهي
( أبَا خيبريٍّ وأنْتَ امرؤٌ ... ظلُومُ العشيرةِ شَتَّامُها )
( فماذا أردْتَ إلى رَمَّة ... ببادِية صَخب هَامُها )

( تُبَغِّي أذاها وإعسارها ... وحولَك غَوْث وأنعامها )
( وإِنَّا لنُطعم أضْيَافَنَا ... مِنَ الكُومِ بالسَّيْف نَعْتَامُها )
وقد أمرني أن أحملك على جمل فدونكه فأخذه وركبه وذهبوا

الحارث بن عمر يأسر قوم حاتم وحاتم يطلقهم
أغارت طيىء على إبل للنعمان بن الحارث بن أبي شمر الجفني ويقال هو الحارث بن عمرو رجل من بني جفنة وقتلوا ابنا له وكان الحارث إذا غضب حلف ليقتلن وليسبين الذراري فحلف ليقتلن من بني الغوث أهل بيت على دم واحد فخرج يريد طيئا فأصاب من بني عدي بن أخزم سبعين رجلا وهم ابن عمرو من رهط حاتم - وحاتم يومئذ بالحيرة عند النعمان - فأصابتهم مقدمات خيله فلما قدم حاتم الجبلين جعلت المرأة تأتيه بالصبي من ولدها فتقول يا حاتم أسر أبو هذا فلم يلبث إلا ليلة حتى سار إلى النعمان ومعه ملحان بن حارثة وكان لا يسافر إلا وهو معه فقال حاتم
( ألاَ إنني قَدْ هَاجَنِي الليلَةَ الذِّكْر ... وما ذاكَ من حبّ النساء ولا الأَشَرْ )
( ولكنه مما أصاب عَشِيرتي ... وقومي بأقْرَانٍ حَوَالَيْهم الصِّيَرْ )
الأقران الحبال والصير الحظائر واحدها صيرة
( ليالي نَمشي بين جَوٍّ ومِسْطَحٍ ... نَشَاوَى لنا من كُلِّ سائمةٍ جُزُرْ )
( فيا ليتَ خَبر الناس حيّاً وميِّتاً ... يقول لنا خيراً ويُمْضي الذي ائتمرْ )

( فإنْ كان شرّاً فالعزاء فإننا ... على وقعات الدَّهرِ مِنْ قَبْلِها صُبُرْ )
( سَقى اللهُ ربُّ الناس سَحّاً وديمةً ... جنوبَ السَّرَاة من مَآبٍ إلى زُغَرْ )
( بلادَ امرىءٍ لا يعرفُ الذَّمُّ بيته ... له المشربُ الصَّافِي ولا يَطْعَم الكدرْ )
( تذكرتُ مِنْ وَهْم بن عَمْروٍ جَلادَةً ... وجُرْأَة مَغْزاهُ إذا صارِخٌ بَكَرْ )
( فأبْشِرْ وقَرَّ العينَ منك فإنَّني ... أحيِّي كرِيماً لا ضعيفاً ولا حَصِرْ )
فدخل حاتم على النعمان فأنشده فأعجب به واستوهبهم منه فوهب له بني امرىء القيس بن عدي ثم أنزله فأتي بالطعام والخمر فقال له ملحان أتشرب الخمر وقومك في الأغلال قم إليه فسله إياهم فدخل عليه فأنشده
( إنَّ امرأ القيس أضحَت من صَنيعتكم ... وعبدَ شمس - أبيتَ اللَّعْن - فاصطنعوا )

( إنَّ عَدِيّاً إذا مَلَكْتَ جانبها ... من أمْرِ غَوْثٍ على مرأى ومُسْتَمَعِ )
( أتبِعْ بني عبد شمسٍ أمْرَ صاحبهم ... أهْلِي فِدَاؤُك إنْ ضَرُّوا وإنْ نَفَعُوا )
( لا تَجْعَلنَّا - أبيتَ الَّلعْنَ - ضاحيَةً ... كمعشرٍ صُلِمُوا الآذانَ أو جُدِعُوا )
( أو كَالجَنَاحِ إذا سُلّت قَوَادِمُه ... صارَ الجَنَاحُ لفَضْلِ الرِّيْشِ يَتَّبِعُ )
فأطلق له بني عبد شمس بن عدي بن أخزم وبقي قيس بن جحدر بن ثعلبة ابن عبد رضي بن مالك بن ذبيان بن عمرو بن ربيعة بن جرول الأجئي وهو من لخم وأمه من بني عدي وهو جد الطرماح بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر فقال له النعمان أفبقي أحد من أصحابك فقال حاتم
( فككتَ عَديّاً كلَّها من إسارِها ... فافْضلْ وشفِّعْنِي بقَيْس بن جَحْدَرِ )
( أبُوهُ أبِي والأمهاتُ أمهّاتنا ... فأنْعِمْ فَدَتْكَ اليومَ نَفْسِي ومَعْشَرِي )
فقال هو لك يا حاتم فقال حاتم
( أبْلِغْ الحارثَ بن عَمْرو بأنّي ... حافِظُ الوُدِّ مُرْصِدٌ للثَّوَابِ )
( ومُجِيبٌ دُعاءه إنْ دَعَاني ... عَجِلاً واحداً وذا أصحابِ )
( إنما بَيْنَنَا وبينك فاعْلَمْ ... سَيْرُ تِسْعٍ للعاجلِ المُنْتَابِ )
( فثلاثٌ مِنَ السَّراة إلى الحَلَّةِ ... للخَيْلِ جاهداً والرِّكَابِ )

( وثلاثٌ يُورَدْن تَيْماءَ رَهْواً ... وثلاثٌ يُقْرَبْنَ بالأَعْجَابِ )
( فإذا ما مَرَرْنَ في مُسْبَطرٍّ ... فاجْمَحِ الخَيْلَ مثل جَمْحِ الكِعَابِ )
اجمح ارم بهم كما يرمى بالكعاب ويقال إذا انتصب لك أمر فقد جمح
( بينما ذاك أصبحَتْ وهي عَضْدى ... مِنْ سبيٍّ مجموعةٍ ونهاب )
عضدى مكسورة الأعضاد
( ليْتَ شعري متى أرَى قُبةً ذات ... َ قِلاَعٍ للحارث الحَرَّابِ )
( بِيَفاعٍ وذاك منها تَحلٌّ ... فَوْقَ مَلْكٍ يدين بالأحساب )
( أيها المُوعدي فإنَّ لُبوني ... بين حَقلٍ وبين هَضْبِ دَبابِ )
( حيث لا أرهبُ الجُرأةَ وحَوْلي ... ثُعَلِيُّون كاللُّيوثِ الغِضابِ )
وقال حاتم أيضا
( لم تُنسِني أطلال ماويّةٍ يأسِي ... ولا الزمن الماضي الذي مِثْلُه يُنْسِي )
( إذا غَرَبَتْ شَمْسُ النهارِ وردْتُها ... كما يرد الظمآن آتيةَ الخِمْسِ )

حاتم وماوية بنت عفزر
قال وكنا عند معاوية فتذاكرنا ملوك العرب حتى ذكرنا الزباء وابنة عفزر فقال معاوية إني لأحب أن أسمع حديث ماوية وحاتم وماوية بنت عفزر فقال رجل من القوم أفلا أحدثك يا أمير المؤمنين فقال بلى فقال إن ماوية بنت عفزر كانت ملكة وكانت تتزوج من أرادت وإنها بعثت غلمانا لها وأمرتهم أن يأتوها بأوسم من يجدونه بالحيرة فجاؤوها بحاتم فقالت له استقدم إلى الفراش فقال حتى أخبرك وقعد على الباب وقال إني أنتظر صاحبين لي فقالت دونك أستدخل المجمر فقال استي لم تعود المجمر فأرسلها مثلا فارتابت منه وسقته خمرا ليسكر فجعل يهريقه بالباب فلا تراه تحت الليل ثم قال ما أنا بذائق قرى ولا قار حتى أنظر ما فعل صاحباي فقالت إنا سنرسل إليهما بقرى فقال حاتم ليس بنافعي شيئا أو آتيهما قال فأتاهما فقال أفتكونان عبدين لابنة غفزر ترعيان غنمها أحب إليكما أم تقتلكما فقالا كل شيء يشبه بعضه بعضا وبعض الشر أهون من بعض فقال حاتم الرحيل والنجاة وقال يذكر ابنة عفزر وأنه ليس بصاحب ريبة
( حننتُ إلى الأجبال أجبالِ طيىء ... وحنَّت قَلوُصي أن رأت سوط أحمرا )
( فقلتُ لها إنّ الطريقَ أمامنا ... وإنا ملحْيُو رَبْعِنا إن تَيَسَّرا )
( فيا راكبيْ عَلْيَا جَدِيلَةَ إنما ... تُسامان ضَيْماً مستبيناً فتُنْظَرَا )
( فما نَكِراهُ غيرَ أنَّ ابنَ مِلْقَط ... أراهُ وقد أعطى الظُّلامة أوْجَرَا )

( وإني لمُزْجٍ للْمطيِّ على الوجَا ... وما أنا من خِلاَّنِكَ ابنةَ عَفْزرا )
( وما زِلْت أسعى بين نَابٍ ودَارَةٍ ... بلَحْيانَ حتى خِفْتُ أن أَتَنَضَّرا )
( وحتى حسِبْتُ الليلَ والصبحَ إذْ بدا ... حِصَانَيْنِ سيَّالَيْن جَوْناً وأشْقَرا )
( لشَعْبٌ من الرَّيَّان أملِكُ بابَه ... أُنادِي به آل الكبير وجَعْفَرا )
( أحَبُّ إليَّ مِنْ خطيب رأيْتُه ... إذا قلتُ معروفاً تبدل مُنْكَرَا )
( تنادي إلى جاراتها إنَّ حاتماً ... أراهُ لعَمْرِي بَعْدَنا قد تَغَيَّرا )
( تغيَّرْتُ إني غَيرُ آتٍ لرِيبةٍ ... ولا قائلٍ يوماً لذِي العُرْفِ مُنْكَرا )
( فلا تَسأليني واسْألي أيّ فارس ... إذا بادَرَ القومُ الكنيف المُسَتَّرا )
( ولا تَسأليني واسألِي أيّ فارس ... إذا الخيلُ جالَت في قَناً قد تكسَّرا )
( فلا هي ما تَرْعَى جَمِيعاً عِشارُها ... ويُصْبح ضيفي ساهِمَ الوجهِ أغبَرا )
( متى تَرَنِي أمشي بسيفيَ وَسْطَهَا ... تَخَفْني وتُضْمِرْ بينها أن تُجَزَّرَا )
( وإني ليغشى أبعدُ الحيِّ جَفْتَنِي ... إذا ورقُ الطَّلْحِ الطوالِ تَحَسَّرا )
( فلا تسأليني واسألي بي صُحْبَتِي ... إذا ما المَطِيّ بالْفَلاةِ تضوَّرا )
( وإني لَوَهَّابٌ قُطُوعِي ونَاقتي ... إذا ما انتشيْتُ والكميتَ المصَدَّرا )

( وإني كأشْلاَء اللِّجَامِ ولَنْ تَرَي ... أخَا الحَرْبِ إلاَّ ساهِمَ الوَجْهِ أغبَرَا )
( أخُو الحَرْبِ إن عضَّتْ به الحَرْبُ عضْها ... وإنْ شمّرت عن ساقها الحَرْبُ شَمَّرا )
( وإني إذا ما الموْتُ لم يَكُ دونَه ... قِدَى الشِّبرِ أحمى الأنْف أن أتأخرا )
( متى تبْغ وُدّاً مِنْ جَدِيلةَ تَلْقَهُ ... مع الشَّنْء مِنْهُ باقياً متأثِّرا )
( فإلاّ يُفادونا جِهَاراً نُلاقِهم ... لأعدائنا رِدْءاً دليلاً ومُنْذِرا )
( إذا حال دُوني منْ سَلامان رَمْلةٌ ... وَجَدْتُ توالي الوَصْلِ عِنْدِي ابْتَرا )
وذكروا أن حاتما دعته نفسه إليها بعد انصرافه من عندها فأتاها يخطبها فوجد عندها النابغة ورجلا من الأنصار من النبيت فقالت لهم انقلبوا إلى رحالكم وليقل كل واحد منكم شعرا يذكر فيه فعاله ومنصبه فإني أتزوج أكرمكم وأشعركم
فانصرفوا ونحر كل واحد منهم جزورا ولبس ماوية ثيابا لأمة لها وبتعتهم فأتت النبيتي فاستطعمته من جزوره فأطعمها ثيل جمله فأخذته ثم أتت نابغة بني ذبيان فاستطعمته فأطعمها ذنب جزوره فأخذته ثم أتت حاتما وقد نصب قدره فاستطعمته فقال لها قفي حتى أعطيك ما تنتفعين به إذا صار إليك فانتظرت فأطعمها قطعا من العجز والسنام ومثلها من المخدش وهو عند

الحارك ثم انصرفت وأرسل كل واحد منهم إليها ظهر جمله وأهدى حاتم إلى جاراتها مثل ما أسل إليها ولم يكن يترك جاراته إلا بهدية وصبحوها فاستنشدتهم فأنشدها النبيتي
( هلاَّ سألْتِ النَّبيتِيِّين ما حَسبي ... عند الشتاء إذا ما هبَّتِ الرِّيحُ )
( ورَدَّ جازِرُهم حرفاً مُصَرَّمة ... في الرَّأس منها وفي الأصلاء تمليح )
( وقال رائِدُهم سِيّان مالهُم ... مِثْلاَنِ مِثْلٌ لمن يرعى وتَسْريحُ )
( إذا الِّلقَاحُ غدت مُلْقًى أصرَّتها ... ولا كريمَ مِنَ الولدان مَصْبُوحُ )
فقالت له لقد ذكرت مجهدة
ثم استنشدت النابغة فأنشدها يقول
( هَلا سألتِ بني ذبيانَ ما حَسبي ... إذا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشمطَ البَرَما )
( وهَبَّتْ الريحُ مِنْ تلقاء ذي أُرُلٍ ... تُزْجِي مع الليل مِنْ صرَّادِها الصِّرما )
( إنِّي أتمم أيْساري وأمْنحُهم ... مَثْنَى الأيادي وأكْسُو الجَفْنةَ الأُدُما )
فلما أنشدها قالت ما ينفك الناس بخير ما ائتدموا

ثم قالت يا أخا طيئ أنشدني فأنشدها
( أمَاوِيَّ قد طال التَّجنُّبُ والهَجْرُ ... وقد عذَرَتْنِي في طِلابكم العُذْرُ )
( أمَاوِيَّ إنَّ المالَ غادٍ ورَائِح ... ويَبْقى مِنَ المال الأحاديثُ والذِّكرُ )
( أمَاويَّ إني لا أقولُ لسائلٍ ... إذا جاء يَوْماً حلَّ في مالنا النَّذْرُ )
( أمَاوِيَّ إمَّا مَانِعٌ فمبيِّن ... وإما عطاءٌ لا يُنهْنِهُهُ الزَّجْرُ )
( أمَاوِيَّ ما يُغْنِي الثَّرَاءَ عَن الفَتَى ... إذا حشرجَتْ يَوْماً وضاقَ بِهَا الصَّدْرُ )
( إذا أنا دَلاّني الذين أُحبّهم ... بملحودةْ زَلْجٍ جوانِبُها غُبر )
( ورَاحُوا سِراعاً ينفضُونَ أكفَّهم ... يقولون قد دَمَّى أناملَنا الحَفْرُ )
( أمَاوِيَّ إنْ يُصبحْ صَدايَ بقَفْزَةٍ ... من الأرضِ لا ماء لديّ ولا خَمْر )
( تَرَى أنَّ ما أنفقت لم يَكُ ضَرَّني ... وأنَّ يَدِي مما بخلْتُ به صِفْرُ )
( أمَاوِيَّ إنِّي رُبَّ واحِد أُمِّهِ ... أخذْتُ فلا قَتْلٌ عليه ولا أسْرُ )
( وقد عَلِم الأقوامُ لو أنَّ حاتماً ... أرادَ ثراءَ المالِ كان لَهُ وَفْرُ )
( فإنيَ لا آلُو بمالِي صنِيعةً ... فأوَّلُه زادٌ وآخِرُهُ ذُخْرُ )
( يُفَكّ به الْعاني ويُؤكَلُ طيِّباً ... وما إنْ تعرَّتْه القِدَاحُ ولا الخَمْرُ ... )
( ولا أظلِم ابنَ العمّ إن كان إخوتي ... شُهوداً وقد أوْدَى بإخوته الدَّهْر )
( غنينا زماناً بالتَّصَعْلُكِ والغِنَى ... وكلاًّ سقاناه بِكَأْسهما العَصْرُ )

( فما زادنا بَغْياً على ذِي قَرَابةٍ ... غِنَانا ولا أزرَى بأحْسابِنَا الفَقْرُ )
( وما ضَرّ جاراً يابْنَةَ القومِ فاعْلمِي ... يجاورني ألاَّ يكون له ستْر )
( بعينيَ عن جاراتِ قَوْمي غَفْلةٌ ... وفي السَّمْعِ منّي عن حديثهم وَقْرُ )
فلما فرغ حاتم من إنشاده دعت بالغداء وكانت قد أمرت إماءها أن يقدمن إلى كل رجل منهم ما كان أطعمها فقدمن إليهم ما كانت أمرتهن أن يقدمنه إليهم فنكس النبيتي رأسه والنابغة فلما نظر حاتم إلى ذلك رمى بالذي قدم إليهما وأطعمهما مما قدم إليه فتسللا لواذا وقالت إن حاتما أكرمكم وأشعركم
فلما خرج النبيتي والنابغة قالت لحاتم خل سبيل امرأتك فأبى فزودته وردته فلما انصرف دعته نفسه إليها وماتت امرأته فخطبها فتزوجنه فولدت عديا

إسلام عدي بن حاتم
وقد كان عدي أسلم وحسن إسلامه فبلغنا أن النبي قال له وقد سأله عدي يا رسول الله أن أبي كان يعطي ويحمل ويوفي بالذمة ويأمر بمكارم الأخلاق فقال له رسول الله إن أباك خشبة من خشبات جهنم
فكأن النبي رأى الكآبة في وجهه فقال له يا عدي إن أباك وأبي وأبا إبراهيم في النار
وكانت ماوية عنده زمانا وإن ابن عم لحاتم كان يقال له مالك قال لها ما تصنعين بحاتم فوالله لئن وجد شيئا ليتلفنه وإن لمن يجد ليتكلفن وإن مات ليتركن ولده عيالا على قومك فقالت ماوية صدقت إنه كذلك

وكان النساء - أو بعضهن - يطلقن الرجال في الجاهلية وكان طلاقهن أنهن إن كن في بيت من شعر حولن الخباء فإن كان بابه قبل المشرق حولنه قبل المغرب وإن كان بابه قبل اليمن حولنه قبل الشام فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته فلم يأتها وإن ابن عم حاتم قال لماوية - وكانت أحسن نساء الناس - طلقي حاتما وأنا أنكحك وأنا خير لك منه وأكثر مالا وأنا أمسك عليك وعلى ولدك فلم يزل بها حتى طلقت حاتما فأتاها حاتم وقد حولت باب الخباء فقال يا عدي ما ترى أمك عدي عليها قال لا أدري غير أنها قد غيرت باب الخباء وكأنه لم يلحن لما قال فدعاه فهبط به بطن واد وجاء قوم فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون فتوافوا خمسين رجلا فضاقت بهم ماوية ذرعا وقالت لجاريتها اذهبي إلى مالك فقولي له إن أضيافا لحاتم قد نزلوا بنا خمسين رجلا فأرسل بناب نقرهم ولبن نغبقهم وقالت لجاريتها انظري إلى جبينه وفمه فإن شافهك بالمعروف فاقبلي منه وإن ضرب بلحيته على زوره وأدخل يده في رأسه فاقفلي ودعيه وإنها لما أتت مالكا وجدته متوسدا وطبا من لبن وتحت بطنه آخر فأيقظته فأدخل يده في رأسه وضرب بلحيته على زوره فأبلغته ما أرسلتها به ماوية وقالت إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكانه
فقال لها اقرئي عليها السلام وقولي لها هذا الذي أمرتك أن تطلقي حاتما فيه فما عندي من كبيرة قد تركت العمل وما كنت لأنحر صفية غزيرة بشحم كلاها وما عندي لبن يكفي أضياف حاتم

فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت منه وما قال فقالت ائت حاتما فقولي إن أضيافك قد نزلوا الليلة بنا ولم يعلموا بمكانك فأرسل إلينا بناب ننحرها ونقرهم وبلبن نسقهم فإنما هي الليلة حتى يعرفوا مكانك
فأتت الجارية حاتما فصرخت به
فقال حاتم لبيك قريبا دعوت فقالت إن ماوية تقرأ عليك السلام وتقول لك إن أضيافك قد نزلوا بنا الليلة فأرسل إليهم بناب ننحرها ولبن نسقهم فقال نعم وأبي ثم قام إلى الإبل فأطلق ثنيتين من عقالهما ثم صاح بهما حتى أتى الخباء فضرب عراقيبهما فطفقت ماوية تصبح وتقول هذا الذي طلقتك فيه تترك ولدك وليس لهم شيء فقال حاتم
( هل الدَّهرُ إلاَّ اليومُ أو أمسِ أو غَدُ ... كذاكِ الزمانُ بيننا يَتَرَدَّدُ )
( يَرُدُّ علينا ليلةً بعد يَوْمِها ... فلا نَحْنُ ما نَبْقَى ولا الدهْرُ يَنْفَدُ )
( لنا أجَلٌ إمَّا تَنَاهَى أمامه ... فنحن على آثارِه نتورَّدُ )
( بنو ثُعَلٍ قومِي فما أنا مُدَّعٍ ... سِوَاهُمْ إلى قوم وما أنا مُسْنِدُ )
( بِدَرْئهمُ أغْشَى دُرُوءَ مَعَاشِرٍ ... ويحنف عَنّي الأَبْلَخُ المُتَعَمِّدُ )
( فمهلاً فِدَاكِ اليومَ أُمِّي وخالتي ... فلا يأمُرَنِّي بالدَّنية أسْوَدُ )
( على حين أن ذَكيت واشتدَّ جانبي ... أُسامُ التي أعْيَيْتُ إذْ أنَا أمْرَدُ )
( فهل تركَتْ قَبْلِي حضُورَ مكانِها ... وهل مَنْ أَتَى ضَيْماً وخَسْفاً مخلَّد )
( ومُعتَسَفٍ بالرُّمْحِ دونَ صِحَابه ... تعسَّفْتُهُ بالسَّيْفِ والقومُ شُهَّدُ )
( فخَرَّ على حُرِّ الجَبِين وذَادَه ... الى الموت مَطرورُ الوَقِيعة مِذْودُ )

( فما رمْتُه حتى أزحْتُ عَوِيصَهُ ... وحتى عَلاَه حَالِكُ اللَّوْنِ أسودُ )
( فأقسمتُ لا أمشي على سرِّجارتي ... يَدَ الدَّهْرِ ما دام الحَمامُ يغرِّدُ )
( ولا أشْتَرِي مالاً بِغَدْرٍ علِمْتُهُ ... ألاَ كُلُّ مَالٍ خالطَ الغَدْرَ أنْكَدُ )
( إذا كان بعضُ المالِ ربّاً لأهْلِهِ ... فإنِّي بحمد الله مَالِي مُعَبَّدُ )
( يُفَكَّ به العانِي ويُؤكل طيِّباً ... ويُعطَى إذا ضَنَّ البخيل المُصَرَّد )
( إذا ما البخيلُ الخِبُّ أخْمَد نارَه ... أقولُ لِمَنْ يصْلَى بنارِيَ أوْقِدُوا )
( توسَّعْ قليلاً أو يكن ثَمَّ حَسْبُنَا ... ومُوقدها البادِي أعَفُّ وأحمدُ )
( كذاك أمُورُ الناسِ رَاضٍ دَنِيَّةً ... وسامٍ إلى فَرْع العُلا مُتَوَرِّد )
( فمنهم جوادٌ قد تلفَّت حَوْلَه ... ومنهم لئيم دائم الطرف أقْوَدُ )
( وَدَاعٍ دَعاني دَعْوةً فأجَبْتُه ... وهل يَدَعُ الدّاعِين إلا اليَلَنْددُ )
أسرت عنزة حاتما فجعل نساء عنزة يدارئن بعيرا ليفصدنه فضعفن عنه فقلن يا حاتم أفاصده أنت إن أطلقنا يديك قال نعم فأطلقن إحدى يديه فوجأ لبته فاستدمينه ثم إن البعير عضد أي لوى عنقه أي خر فقلن ما صنعت قال هكذا فصادتي فجرت مثلا قال فلطمته إحداهن فقال ما أنتن نساء عنزة بكرام ولا ذوات أحلام وإن امرأة منهن يقال لها عاجزة أعجبت به فأطلقته ولم ينقموا عليه ما فعل فقال حاتم يذكر البعير الذي فصده

( كذَلِكَ فَصْدِي إنْ سألتِ مَطِيَّتي ... دَمُ الجَوْفِ إذْ كلُّ الفِصَادِ وَخِيمُ )
أقبل ركب من بني أسد من قيس يريدون النعمان فلقوا حاتما فقالوا له إنا تركنا قومنا يثنون عليك خيرا وقد أرسلوا إليك رسولا برسالة قال وما هي فأنشده الأسديون شعرا لعبيد ولبشر يمدحانه وأنشد القيسيون شعرا للنابغة فلما أنشدوه قالوا إنا نستحي أن نسألك شيئا وإن لنا لحاجة قال وما هي قالوا صاحب لنا قد أرجل فقال حاتم خذوا فرسي هذه فاحملوا عليها صاحبكم فأخذوها وربطت الجارية فلوها بثوبها فأفلت فاتبعته الجارية فقال حاتم ما تبعكم من شيء فهو لكم فذهبوا بالفرس والفلو والجارية
وإنهم وردوا على أبي حاتم فعرف الفرس والفلو فقال ما هذا معكم فقالوا مررنا بغلام كريم فسألناه فأعطى الجسيم
قال وكنا عند معاوية فتذاكرنا الجود فقال رجل من القوم أجود الناس حيا وميتا حاتم فقال معاوية وكيف ذلك فإن الرجل من قريش ليعطي في المجلس ما لم يملكه حاتم قط ولا قومه فقال أخبرك يا أمير المؤمنين أن نفرا من بني أسد مروا بقبر حاتم فقالوا لنبخلنه ولنخبرن العرب أنا نزلنا بحاتم فلم يقرنا فجعلوا ينادون يا حاتم ألا تقري أضيافك وكان رئيس القوم رجل يقال له أبا الخيبري فإذا هو بصوت ينادي في جوف الليل
( أبَا خَيْبريٍّ وأنت امرؤٌ ... ظلوم العشيرة شَتَّامُها )
إلى آخرها فذهبوا ينظرون فإذا ناقة أحدهم تكوس على ثلاثة أرجل عقيرا قال فعجب القوم من ذلك جميعا

حاتم وأوس بن سعد
وكان أوس بن سعد قال للنعمان بن المنذر أنا أدخلك بين جبلي طيئ حتى يدين لك أهلهما فبلغ ذلك حاتما فقال
( ولقد بَغَى بِخًلاد أوسٌ قومَه ... ذُلاًّ وقد علمَتْ بذلكَ سِنْبِسُ )
( حَاشَا بَنِي عَمْرِو بْنِ سِنْبِسَ إنهم ... مَنَعُوا ذِمَارَ أبيهم أنْ يدنَسوا )
( وتواعَدُوا وِرْدَ القُرَيَّة غُدوَةً ... وحلفْتُ باللهِ العزيز لنَحبِسُ )
( واللهُ يعلَمُ لو أتَى بِسُلافِهم ... طَرَفُ الجَرِيض لَظَلَّ يَوْمٌ مِشْكَسُ )
( كالنار والشّمسِ التي قالَتْ لها ... بيد اللُّوَيمِس عالماً ما يَلْمَسُ )
( لا تطعمنَّ الماء إنْ أوْرَدْتَهُم ... لِتَمامِ ظِمْئِكُم ففُوزُوا واحْلِسُوا )
( أو ذو الحصين وفارِسٌ ذُو مِرَّة ... بكَتِيبةٍ مَنْ يُدْرِكُوه يُفْرَسُ )
( ومُوَطَّأ الأكنافِ غير ملعَّن ... في الحيِّ مَشَّاء إليه المَجْلِسُ )
قال وجاور في بني بدر زمن احتربت جديلة وثعل وكان ذلك زمن الفساد فقال يمدح بني بدر

( إن كنْتِ كارِهةً مَعِيشتنا ... هاتِي فَحُلِّي في بَنِي بدْرِ )
( جاوَرتُهم زَمَنَ الفسادِ فَنِعْم ... َ الحيُّ في العَوْصَاء واليُسر )
( فسُقيتُ بالماء النَّمير ولم ... يُنْظَرْ إليَّ بأعيُنٍ خُزْرِ )
( الضارِبين لدَى أعنَّتِهم ... والطاعنين وخَيْلُهم تَجْرِي )
( الخالطين نَحيِتُهم بنُضَارِهْم ... وَذَوِي الغِنَى منهم بِذِي الفَقْر )
وزعموا أن حاتما خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة فلما كان بأرض عنزة ناداه أسير لهم يا أبا سفانة أكلني الإسار والقمل قال ويلك والله ما أنا في بلاد قومي وما معي شيء وقد أسأت بي إذ نوهت باسمي ومالك مترك فساوم به العنزيين فاشتراه منهم فقال خلوا عنه وأنا أقيم مكانه في قيده حتى أؤدي فداءه ففعلوا فأتي بفدائه

حديث ماوية عن كرم حاتم
وحدث الهيثم بن عدي عمن حدثه عن ملحان ابن أخي ماوية امرأة حاتم قال قلت لماوية ياعمة حدثيني بعض عجائب حاتم فقالت كل أمره عجب فعن أيه تسأل قال قلت حدثينى ما شئت قالت أصابت الناس سنة فأذهبت الخف والظلف فإني وإياه ليلة قد أسهرنا الجوع قالت فأخذ عديا وأخذت سفانة وجعلنا نعللهما حتى ناما حتى أقبل علي يحدثني ويعللني بالحديث كي أنام فرققت له لما به من الجهد فأمسكت عن كلامه لينام فقال لي أنمت مرارا فلم أجب فسكت فنظر في فتق الخباء فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه فإذا امرأة فقال ما هذا قالت يا أبا سفانة أتيتك من عند صبية

يتعاوون كالذئاب جوعا فقال أحضريني صبيانك فوالله لأشبعنهم قالت فقمت سريعا فقلت بماذا يا حاتم فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل فقال والله لأشبعن صبيانك مع صبيانها
فلما جاءت قام إلى فرسه فذبحها ثم قدح نارا ثم أججها ثم دفع إليها شفرة فقال اشتوي وكلي ثم قال أيقظي صبيانك قالت فأيقظتهم ثم قال والله إن هذا للؤم تأكلون وأهل الصوم حالهم مثل حالكم فجعل يأتي الصرم بيتا بيتا فيقول انهضوا عليكم بالنار قال فاجتمعوا حول تلك الفرس وتقنع بكسائه فجلس ناحية فما أصبحوا ومن الفرس على الأرض قليل ولا كثير إلا عظم وحافر وإنه لأشد جوعا منهم وما ذاقه

حاتم والمحرق عمرو بن هند
أتى حاتم محرقا فقال له محرق بايعني فقال له إن لي أخوين ورائي فإن يأذنا لي أبايعك وإلا فلا قال فاذهب إليهما فإن أطاعاك فأتني بهما وإن أبيا فأذن بحرب فلما خرج حاتم قال
( أتاني مِن الريَّان أمْسِ رسالةٌ ... وعُدْوَى وَغيٌّ ما يقول مُواسِلُ )
( هُما سألاني ما فعلتَ وإنني ... كذلك عما أحْدثا أنا سائل )
( فَقْلْتُ ألا كيف الزمانُ عليكما ... فقالا بِخَيْر كلُّ أرضِك سائلُ )
فقال محرق ما أخواه قال طرفا الجبل فقال ومحلوفه لأجللن مواسلا

الريط مصبوغات بالزيت ثم لأشعلنه بالنار فقال رجل من الناس جهل مرتقى بين مداخل سبلات فلما بلغ ذلك محرقا قال لأقدمن عليك قريتك ثم إنه أتاه رجل فقال له إنك إن تقدم القرية تهلك فانصرف ولم يقدم
غزت فزارة طيئا وعليهم حصين بن حذيفة وخرجت طيىء في طلب القوم فلحق حاتم رجلا من بدر فطعنه ثم مضى فقال إن مر بك أحد فقل له أنا أسير حاتم فمر به أبو حنبل فقال من أنت قال أنا أسير حاتم فقال له إنه يقتلك فإن زعمت لحاتم أو لمن سألك أني أسرتك ثم صرت في يدي خليت سبيلك فلما رجعوا قال حاتم يا أبا حنبل خل سبيل أسيري فقال أبو حنبل أنا أسرته فقال حاتم قد رضيت بقوله فقال أسرني أبو حنبل فقال حاتم
( إنَّ أباكَ الجَوْنَ لم يَكُ غادراً ... ألاَ مِنْ بَنِي بدر أتتْكَ الغَوائلُ )

صوت
( وهاجرةٍ مِنْ دُونِ مَيَّةَ لم تَقِلْ ... قَلُوصي بها والجُندبُ الجَوْنُ يَرْمَحُ )
( بِتَيْهاءِ مِقْفَارٍ يَكادُ ارْتكاضُها ... بآل الضُّحَى والهَجْرُ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ )
الهجر ها هنا مرفوع بفعله كأنه قال يكاد ارتكاضها بالآل يمصح بالطرف هو والهجر ويمصح يذهب بالطرف
( كأنَّ الفِرِنْدَ المَحْضَ معصوبةٌ بهِ ... ذُرَا قُورِها يَنْقَدُّ عنها ويُنْصَحُ )
( إذا ارفضَّ أطرافُ السِّيَاطِ وهَلَّلتْ ... جُرومُ المَهَارِي عُدَّ مِنهنَّ صَيْدَحُ )

عروضه من الطويل
الهاجرة تكون وقت الزوال والجندب الجرادة والجون الأسود والجون الأبيض أيضا وهو من الأضداد وقوله يرمح أي ينزو من شدة الحر لا يكاد يستقر على الأرض والتيهاء من الأرض التي يتاه فيها والمقفار التي لا أحد فيها ولا ساكن بها ذكر ذلك أبو نصر عن الأصمعي وارتكاضها يعني ارتكاض هذه التيهاء وهو نزولها بالآل والآل السراب والهجر والهاجرة واحد وقوله الهجر بالطرف يمصح رفع الهجر بفعله كأنه قال يكاد ارتكاضها بالآل يمصح بالطرف هو والهجر يمصح يذهب بالطرف والفرند الحرير الأبيض والمحض الخالص يقول كأن هذا السراب حرير أبيض وقد عصبت به ذرى قورها وهي الجبال الصغار والواحدة قارة فتارة يغطيها وتارة ينجاب عنها وينكشف فكأنه إذا انكشف عنها ينقد عنها وكأنه إذا غطاها ينصح عنها أي يخاط ويقال نصحت الثوب إذا خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط وقوله ارفض أطراف السياط يعني أنها انفتحت أطرافها من طول السفر وأصل الأرفضاض التفرق والجروم الأبدان واحدها جرم بالكسر وقوله هللت جروم المطايا يعني أنها صارت كالأهلة في الدقة وصيدح اسم ناقته
الشعر لذي الرمة والغناء لإبراهيم الموصلي ماخوري بالوسطى
تم الجزء السابع عشر من كتاب الأغاني
ويليه الجزء الثامن عشر وأوله ذكر ذي الرمة وخبره

ذكر ذي الرمة وخبره
اسمه غيلان بن عقبة بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر
وقال ابن سلام هو غيلان بن عقبة بن بهيش بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ملكان ويكنى أبا الحارث وذو الرمة لقب يقال لقبته به مية وكان اجتاز بخبائها وهي جالسة إلى جنب أمها فاستسقاها ماء فقالت لها أمها قومي فاسقيه وقيل بل خرق إداوته لما رآها وقال لها اخرزي لي هذه فقالت والله ما أحسن ذلك فإني لخرقاء قال والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئا لكرامتها على قومها فقال لأمها مريها أن تسقيني ماء فقالت لها قومي يا خرقاء فاسقيه ماء فقامت فأتته بماء وكانت على كتفه رمة وهي قطعة من حبل فقالت اشرب يا ذا الرمة فلقب بذلك
وحكى ابن قتيبة أن هذه القصة جرت بينه وبين خرقاء العامرية
وقال ابن حبيب لقب ذا الرمة لقوله
( أشعَث باقي رُمَّةِ التّقليدِ ... )

وقيل بل كان يصيبه في صغره فزع فكتبت له تميمة فعلقها بحبل فلقب بذلك ذا الرمة
ونسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن محمد بن صالح العدوي عن أبيه وعن أشياخه وعدة من أهل البادية من بني عدي منهم زرعة بن أذبول وابنه سليمان وأبو قيس وتميم وغيرهم من علمائهم
أن أم ذي الرمة جاءت إلى الحصين بن عبدة بن نعيم العدوي وهو يقرىء الأعراب بالبادية احتسابا بما يقيم لهم صلاتهم فقالت له يا أبا الخليل إن ابني هذا يروع بالليل فاكتب لي معاذة أعلقها على عنقه فقال لها ائتيني برق أكتب فيه قالت فإن لم يكن فهل يستقيم في غير رق أن يكتب له قال فجيئيني بجلد فأتته بقطعة جلد غليظ فكتب له معاذة فيه فعلقته في عنقه فمكث دهرا ثم إنها مرت مع ابنها لبعض حوائجها بالحصين وهو جالس في ملأٍ من أصحابه ومواليه فدنت منه فسلمت عليه وقالت يا أبا الخليل ألا تسمع قول غيلان وشعره قال بلى فتقدم فأنشده وكانت المعاذة مشدودة على يساره في حبل أسود فقال الحصين أحسن ذو الرمة فغلبت عليه
وقال الأصمعي أم ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية وكان له إخوة لأبيه وأمه شعراء منهم مسعود وهو الذي يقول يرثي أخاه ذا الرمة ويذكر ليلى بنته

( إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... وليلَى كِلانا مُوجعٌ مات وافِدُهْ )
ولمسعود يقول ذو الرمة

صوت
( أقولُ لمسعود بِجَرْعاءِ مالكٍ ... وقد همَّ دَمْعِي أن تَسِحَّ أوائِلُهْ )
( ألا هل تَرى الأظعان جاوَزْنَ مُشرِفاً ... من الرمل أو سالت بهنَّ سلاسلُهْ )
غنى فيه يحيى بن المكي ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو
ومسعود الذي يقول يرثي أخاه أيضا ذا الرمة ويرثي أوفى بن دلهم ابن عمه وأوفى هذا أحد من يروى عنه الحديث

وقال هارون بن الزيات أخبرني ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال كان لذي الرمة إخوة ثلاثة مسعود وجرفاس وهشام كلهم شعراء وكان الواحد منهم يقول الأبيات فيبني عليها ذو الرمة أبياتا أخر فينشدها الناس فيغلب عليها لشهرته وتنسب إليه
( نعى الركبُ أوفَى حين آبتْ رِكابُهم ... لعَمْرِي لقد جاؤوا بشَرٍّ فأوجعوا )
( نَعَوْا باسِقَ الأَخلاقِ لا يُخلَفونَه ... تكادُ الجبالُ الصُّمُّ مِنه تَصدَّعُ )
( خوى المسجدُ المعمورُ بَعْدَد ابْنِ دَلْهمٍ ... فأضحى بأوْفَى قومهُ قد تضعضعوا )
( تعزَّيتُ عن أوفَى بغَيْلانَ بَعْدَ ... عَزاءً وجَفنُ العين ملآنُ مُتْرَعُ )
( ولم تُنْسِني أوفَى المصيبات بعده ... ولكنْ نِكاءُ القَرْح بالقَرْحِ أوْجَعُ )
وأخوه الآخر هشام وهو رباه وكان شاعرا ولذي الرمة يقول
( أغَيلانُ إن ترجع قُوى الوُدّ بيننا ... فكلُّ الذي ولّى من العيش راجع )
( فكنْ مثل أقصَى الناسِ عندِي فإنني ... بطول التَّنَائي مِنْ أخِي السوء قانِعُ )
وقال ذو الرمة لهشام أخيه
( أغرَّ هشاماً من أخيه ابنِ أُمه ... قوادِمُ ضَأنٍ أقبلَتْ ورَبِيعُ )
( وهل تُخلِفُ الضأنُ الغزَارُ أخَا النَّدى ... إذا حَلَّ أمرٌ في الصُّدُورِ فَظِيعُ )
فأجابه هشام فقال
( إذا بانَ مالِي مِنْ سَوامِك لم يكُنْ ... إليك ورَبِّ العالمين رُجوعُ )
( فأنْتَ الفتى ما اهتزّ في الزّهَرِ النَّدي ... وأنتَ إذا اشتدّ الزمانُ مَنُوعُ )
وذكر المهلبي عن أبي كريمة النحوي قال

خرج ذو الرمة يسير مع أخيه مسعود بأرض الدهناء فسنحت لهما ظبية فقال ذو الرمة
( أقُولُ لدَهناويةٍ عَوْهَجٍ جرَتْ ... لنا بين أعلى بُرْقةٍ بالصّرائمٍ )
( أيا ظَبْيةَ الوَعْساءِ بين جُلاجِلٍ ... وبين النَّقا آأنتِ أمْ أمُّ سالمِ )
وقال مسعود
( فلو تُحْسِنُ التشبيهَ والنعْتَ لم تقُلْ ... لِشاةِ النَّقا آأنْتِ أمْ أمِّ سالمِ )
( جعلت لها قَرْنَيْن فوق قُصاصِها ... وظِلْفَين مُسوَدَّين تحت القوائِم )
وقال ذو الرمة
( هِيَ الشِّبْهُ لولا مِذْرواها وأُذْنُها ... سواء ولولا مَشْقَةٌ في القَوَائِم )
وكان ذو الرمّة كثيراً ما يأتي الحضر فيقيم بالكوفة والبصرة وكان طفيليا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني ابن سعيد الكندي قال سمعت ابن عياش يقول
حدثني من رأى ذا الرمة طفيليا يأتي العرسات

بعض صفاته
نسخت من كتاب محمد بن داود الجراح حدثني هارون بن الزيات قال أخبرني محمد بن صالح العدوي قال قال زرعة بن أذبول
كان ذو الرمة مدور الوجه حسن الشعرة جعدها أقنى أنزع خفيف العارضين أكحل حسن الضحك مفوها إذا كلمك كلمك أبلغ الناس يضع لسانه حيث يشاء
وقال حماد بن إسحاق حدثني إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة عن عمته عافية وغيرها من أهله
أنهم رأوا ذا الرمة باليمامة عند المهاجر بن عبد الله شيخا أجنأ سناطا متساقطا
وقال هارون بن الزيات حدثني علي بن أحمد الباهلي قال حدثني ربيح النميري قال
اجتمع الناس مرة وتحلقوا عن ذي الرمة وهو ينشدهم فجاءت أمه فاطلعت من بينهم فإذا رجل قاعد وهو ذو الرمة وكان دميما شختا أجنأ

فقالت أمه استمعوا إلى شعره ولا تنظروا إلى وجهه
قال هارون وأخبرني يعقوب بن السكيت عن أبي عدنان قال أخبرني أسيد الغنوي قال
سمعت بباديتنا من قوم هضبوا في الحديث أن ذا الرمة كان ترعية وكان كناز اللحم مربوعا قصيرا وكان أنفه ليس بالحسن
أخبرني ابن عمار عن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن صالح بن سليمان قال
كان الفرزدق وجرير يحسدان ذا الرمة وأهل البادية يعجبهم شعره
قالو كان صالح بن سليمان راوية لشعر ذي الرمة فأنشد يوما قصيدة له وأعرابي من بني عدي يسمع فقال أشهد عنك - أي أنك - لفقيه تحسن ما تتلوه وكان يحسبه قرآنا
نسخت من كتاب محمد بن داود وحدثني هارون بن الزيات عن محمد بن صالح العدوي قال قال حماد الراوية
قال الكميت حين سمع قول ذي الرمة

( أعاذِلُ قد أكثرتِ مِنْ قول قائلٍ ... وعَيْبٌ على ذي الوُدّ لَوْمُ العواذلِ )
هذا والله ملهم وما علم بدوي بدقائق الفطنة وذخائر كنز العقل المعد لذوي الألباب أحسن ثم أحسن
قال محمد بن صالح وحدثني محمد بن كناسة بذلك عن الكميت وقال
لما أنشد قوله في هذه القصيدة
( دعاني وما دَاعِيَ الهوى مِنْ بلادِها ... إذا ما نأتْ خَرْقَاءُ عنِّي بِغافِلِ )
فقال الكميت لله بلاد هذا الغلام ما أحسن قوله وما أجود وصفه ولقد شفع البيت الأول بمثله في جودة الفهم والفطنة وقال قول مستسلم
قال ابن كناسة وقال لي حماد الراوية ما أخر القوم ذكره إلا لحداثة سنه وأنهم حسدوه

آراء في شعره
قال محمد بن صالح وقال لي خالد بن كلثوم وأبو عمرو قال أبو حزام وأبو المطرف
لم يكن أحد من القوم في زمانه أبلغ من ذي الرمة ولا أحسن جوابا كان كلامه أكثر من شعره
وقال الأصمعي ما أعلم أحدا من العشاق الحضريين وغيرهم شكا حبا أحسن من شكوى ذي الرمة مع عفة وعقل رصين
قال وقال أبو عبيدة
ذو الرمة يخبر فيحسن الخبر ثم يرد على نفسه الحجة من صاحبه فيحسن الرد ثم يعتذر فيحسن التخلص مع حسن إنصاف وعفاف في الحكم

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثنا الفضل بن إسحاق الهاشمي عن مولى لجده قال
رأيت ذو الرمة بسوق المربد وقد عارضه رجل يهزأ به فقال له يا أعرابي أتشهد بما لم تر قال نعم قال بماذا قال أشهد أن أباك ناك أمك
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل قال
كان جرير عند بعض الخلفاء فسأله عن ذي الرمة فقال أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه أحد غيره
أخبرني وكيع عن حماد بن إسحاق قال قال حماد الراوية
قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم أر أفصح ولا أعلم بغريب منه
نسخت من كتاب ابن النطاح حدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو

قال ختم الشعر بذي الرمة وختم الرجز برؤبة
قال فما تقول في هؤلاء الذين يقولون قال كل على غيرهم إن قالوا حسنا فقد سبقوا إليه وإن قالوا قبيحا فمن عندهم
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن بعض أصحابه عن حماد الراوية قال
أحسن الجاهلية تشبيها امرؤ القيس وذو الرمة أحسن أهل الإسلام تشبيها
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل
أن جريرا والفرزدق اتفقا عند خليفة من خلفاء بني أمية فسأل كل واحد منهما على انفراد عن ذي الرمة فكلاهما قال أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه غيره فقال الخليفة أشهد لاتفاقكما فيه أنه أشعر منكما جميعا أخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال
أنشد الصيقل شعر ذي الرمة فاستحسنه وقال ماله قاتله الله ما كان إلا ربيقة هلا عاش قليلا
وقال هارون بن محمد أخبرني علي بن أحمد الباهلي قال حدثني محمد بن إسحاق البلخي عن سفيان بن عيينة عن ابن شبرمة قال سمعت ذا الرمة يقول إذا قلت كأنه ثم لم أجد مخرجا فقطع الله لساني

قال هارون وحدثني العباس بن ميمون طائع قال قال الأصمعي كان ذو الرمة أشعر الناس إذا شبه ولم يكن بالمفلق
وحدثني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال
كان لذي الرمة حظ في حسن التشبيه لم يكن لأحد من الإسلاميين كان علماؤنا يقولون أحسن الجاهلية تشبيها امرؤ القيس وأحسن أهل الإسلام تشبيها ذو الرمة

ذو الرمة ومية المنقرية
أخبرني محمد بن يزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن أبي عقيل عمارة بن عقيل عن عمته أم القاسم ابنة بلال بن جرير عن جارية كانت لأم مي قالت
كنا نازلين بأسفل الدهناء وكان رهط ذي الرمة مجاورين لنا فجلست مية - وهي حينئذ فتاة حين نهد ثدياها أحسن من رأيته - تغسل ثيابا لها ولأمها في بيت منفرد وكان بيتا رثا قد أخلق ففيه خروق فلما فرغت ولبست ثيابها جاءت فجلست عند أمها فأقبل ذو الرمة حتى دخل إلينا ثم سلم ونشد ضالة وجلس ساعة ثم خرج فقالت مية إني لأرى هذا العدوي قد رآني منكشفة واطلع علي من حيث لا أدري فإن بني عدي أخبث قوم في الأرض فاذهبي فقصي أثره فخرجت فوجدته ما يثبت مقامه فقصصت أثره ثانية حتى رأيته وقد تردد أكثر من ثلاثين طرقة كل ذلك يدنو فيطلع إليها ثم يرجع على عقبيه ثم يعود فيطلع إليها فأخبرتها بذلك ثم لم ننشب أن جاءنا شعره فيها من كل وجه ومكان

وذكر علي بن سعيد بن بشر الرازي أن هارون بن مسلم بن سعد حدثه عن حسين بن براق الأسدي عن عمارة بن ثقيف قال
حدثني ذو الرمة أن أول ما قاد المودة بينه وبين مية أنه خرج هو وأخوه وابن عمه في بغاء إبل لهم قال بينا نحن نسير إذ وردنا على ماء وقد أجهدنا العطش فعدلنا إلى حواء عظيم فقال لي أخي وابن عمي ائت الحواء فاستسق لنا فأتيته وبين يديه في رواقه عجوز جالسة قال فاستسقيت فالتفتت وراءها فقالت يا مي اسقي هذا الغلام فدخلت عليها فإذا هي تنسج علقة لها وهي تقول
( يا مَنْ يرى بَرْقاً يَمُرُّ حينا ... زَمْزَمَ رَعْداً وانتحى يمينا )
( كأنَّ في حافاتهِ حنينا ... أو صوتَ خيل ضُمَّرٍ يَرْدِينَا )
قال ثم قامت تصب في شكوتي ماء وعليها شوذب لها فلما انحطت على القربة رأيت مولى لم أر أحسن منه قال فلهوت بالنظر إليها وأقبلت تصب الماء في شكوتي والماء يذهب يمينا وشمالا قال فأقبلت علي العجوز وقالت يا بني ألهتك مي عما بعثك أهلك له أما ترى الماء يذهب يمينا وشمالا فقلت أما والله ليطولن هيامي بها
قال وملأت شكوتي وأتيت أخي وابن عمي ولففت رأسي فانتبذت

ناحية وقد كانت مي قالت لقد كلفك أهلك السفر على ما أرى من صغرك وحداثة سنك فأنشأت أقول
( قد سَخْرَتْ أُختُ بني لَبِيدِ ... منّي ومِنْ سَلْمٍ ومِنْ وَليدِ )
( رأتْ غُلامَيْ سَفَرٍ بعيدِ ... يَدَّرِعانِ اللَّيلَ ذا السُّدودِ )
( مثل ادِّرَاعِ اليَمْلَقِ الجديد ... )
قال وهي أول قصيدة قلتها ثم أتممتها
( هل تعرف المنزل بالوَحِيدِ ... )
ثم مكثت أهيم بها في ديارها عشرين سنة

ذو الرمة وزوج مي
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن النوفلي قال سمعت أبي يقول
ضاف ذو الرمة زوج مي في ليلة ظلماء وهو طامع في ألا يعرفه زوجها فيدخله بيته فيراها ويكلمها ففطن له الزوج وعرفه فلم يدخله وأخرج إليه قراه وتركه بالعراء وقد عرفته مية فلما كان في جوف الليل تغني غناء الركبان قال
( أراجعةٌ يا ميُّ أيامُنا الأُلَى ... بذِي الأثْل أم لاَ ما لهنّ رجوعُ )

فغضب زوجها وقال قومي فصيحي به يابن الزانية وأي أيام كانت لي معك بذي الأثل فقالت يا سبحان الله ضيف والشاعر يقول فانتضى السيف وقال والله لأضربنك به حتى آتي عليك أو تقولي فصاحت به كما أمرها زوجها فنهض على راحلته فركبها وانصرف عنها مغضبا يريد أن يصرف مودته عنها إلى غيرها فمر بفلج في ركب وبعض أصحابه يريد أن يرقع خفه فإذا هو بجوار خارجات من بيت يردن آخر وإذا خرقاء فيهن - وهي امرأة من بني عامر - فإذا جارية حلوة شهلاء فوقعت عين ذي الرمة عليها فقال لها يا جارية أترقعين لهذا الرجل خفه فقالت تهزأ به أنا خرقاء لا أحسن أن أعمل فسماها خرقاء وترك ذكر مي يريد أن يغيظ بذلك ميا فقال فيها قصيدتين أو ثلاثا ثم لم يلبث أن مات
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن الأصمعي عن عمارة بن عقيل قال
قال جرير خرجت مع المهاجر بن عبد الله إلى حجة فلقينا ذا الرمة فاستنشده المهاجر فأنشده
( ومِنْ حاجتي لَوْلاَ التَّنَائي ورُبّما ... منحتُ الهَوَى مَنْ ليس بالمُتَقَارب )

( عطابيلُ بيضٌ مِنْ ربيعة عامرٍ ... عِذابُ الثنايا مُثقَلاتُ الحقائب )
( يَقِظْنَ الحِمَى والرّمْلُ منهنّ مَحْضَرٌ ... ويَشْرَبْنَ ألبانَ الهِجان النجائب )
فالتفت إلي المهاجر وقال أتراه مجنونا
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال أخبرنا أبو البيداء الرياحي قال
قال جرير قاتل الله ذا الرمة حيث يقول
( ومُنْتَزِعٍ مِنْ بين نِسْعَيْهِ جِرَّةً ... نشيجَ الشَّجَا جاءَت إلى ضِرْسِه نَزْرَا )
أما والله لو قال ما بين جنبيه لما كان عليه من سبيل
أخبرني الطوسي وحبيب المهلبي عن ابن شبة عن أبي غزالة عن هشام بن محمد الكلبي عن رجل من كندة قال
سئل جرير عن شعر ذي الرمة فقال بعر ظباء ونقط عروس يضمحل عن قليل
أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال كان أبو عمرو بن العلاء يقول إنما شعر ذي الرمة نقط عروس يضمحل عن قليل وأبعار لها مشم في أول شمة ثم تعود إلى أرواح البعر

الفرزدق لا يعده من الفحول
قال أبو زيد بن شبة قال أبو عبيدة
وقف الفرزدق على ذي الرمة وهو ينشد قصيدته الحائية التي يقول فيها
( إذا ارْفَضّ أطرافُ السِّياط وهُلِّلَتْ ... جُرومُ المطايا عدّبتهنّ صَيْدَحُ )
فقال ذو الرمة كيف تسمع يا أبا فراس قال أسمع حسنا قال فمالي لا أعد في الفحول من الشعراء قال يمنعك من ذلك ويباعدك ذكرك الأبعار وبكاؤك الديار ثم قال
( ودَوِّيَّةٍ لو ذُو الرُّمَيْمةِ رَامَها ... لقصَّر عنها ذو الرُّمَيْم وصَيْدَحُ )
( قطعتُ إلى معروفها منكراتِها ... إذا اشتدّ آلُ الأَمْعَزِ المتوضِّحُ )
وقال عمر بن شبة في هذا الخبر فقام إليه ذو الرمة فقال أنشدك الله أبا فراس أن تزيد عليهما شيئا فقال إنهما بيتان ولن أزيد عليهما شيئا
قال وكان عمر بن شبة يقول عمن أخبره عن أبي عمرو إنما شعره نقط عروس تضمحل عما قليل وأبعار ظباء لها مشم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح الأبعار
وكان هوى ذي الرمة مع الفرزدق على جرير وذلك لما كان بين جرير وابن لجأ التيمي وتيم وعدي اخوان من الرباب وعكل أخوهم ولذلك يقول جرير لعكل

( فلا يضغَمنَّ الليثُ عُكْلاً بغرَّةٍ ... وعُكلٌ يَشمُّونَ الفَرِيسَ المنيَّبا )
الفريس ها هنا ابن لجأ وكذلك يفعل السبع إذا ضغم شاة ثم طرد عنها أو سبقته أقبلت الغنم تشم موضع الضغم فيفترسها السبع وهي تشم ولذلك قال جرير لبني عدي
( وقُلْتُ نضاحةً لبَني عَدِيٍّ ... ثيابَكُم ونَضْحَ دَمِ القَتِيلِ )
يحذر عديا ما لقي ابن لجأ
أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام أن أبا يحيى الضبي قال قال ذو الرمة يوما لقد قلت أبياتا إن لها لعروضا وإن لها لمرادا ومعنى بعيدا قال له الفرزدق ما هي قال قلت
( أحين أعاذَتْ بي تميمٌ نساءَها ... وجُرِّدْتُ تجرِيدَ اليَمانِي من الغِمْدِ )
( ومَدَّت بضَبْعَيَّ الرِّبابُ ومالِكٌ ... وعَمْرُو وشالتْ مِنْ ورائي بنو سَعْدِ )
( ومن آلِ يَرْبُوعٍ زُهَاءٌ كأّنّه ... زُهَا اللَّيْلِ محمودُ النِّكايَةِ والرِّفْدِ )
فقال له الفرزدق لا تعودن فيها فأنا أحق بها منك قال والله لا أعود ولا أنشدها أبدا إلا لك فهي قصيدة الفرزدق التي يقول فيها
( وكُنَّا إذا القَيْسِيُّ نَبّ عَتُوده ... ضَرَبْنَاه فوْق الأُنثيين على الكَرْدِ )

- الأنثيان الأذنان والكرد العنق -
وروى هذا الخبر حماد عن أبيه عن أبي عبيدة عن الضحاك الفقيمي قال
بينا أنا بكاظمة وذو الرمة ينشد قصيدته التي يقول فيها
( أحينَ أعاذَتْ بي تَميمٌ نساءَها ... )
إذا راكبان قد تدليا من نقب كاظمة مقنعان فوقفا فلما فرغ ذو الرمة حسر الفرزدق عن وجهه وقال لراويته يا عبيد اضمم إليك هذه الأبيات قال له ذو الرمة نشدتك الله يا أبا فراس فقال له أنا أحق بها منك وانتحل منها هذه الأربعة الأبيات

ذو الرمة وهشام المرئي
حدثنا محمد قال حدثنا أبو الغراف قال
مر ذو الرمة بمنزل لامرىء القيس بن زيد مناة يقال له مرأة به نخل فلم ينزلوه ولم يقروه فقال
( نَزلْنَا وقد طال النهارُ وأوْقَدَتْ ... علينا حصى المَعزاءِ شَمْسٌ تنالُها )
( أَنَخْنا نظُلِّلنا بأَبْرَادِ يُمْنَةٍ ... عِتاقٍ وأسيافٍ قديمٍ صِقالُها )
( فلما رآنَا أهْلُ مَرْأَةَ أغلقوا ... مخادِعَ لم ترفَعْ لخيرٍ ظِلالُها )
( وقد سُمِّيَتْ باسْمِ امرىء القيس قَريةٌ ... كِرامٌ صَوَادِيها لِئامٌ رِجالُها )

فلج الهجاء بين ذي الرمة وبين هشام المرئي فمر الفرزدق بذي الرمة وهو ينشد

صوت
( وقَفْتُ على رَبْعٍ لِمَيَّة ناقتي ... فما زِلْتُ أبْكِي عنده وأُخَاطِبُه )
( وأسقِيهِ حتى كاد مما أَبُثُّه ... تُكلِّمني أحجارُه وَمَلاعِبُه )
غنى فيه إبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر وسيأتي خبره بعد لئلا ينقطع هذا الخبر
فقال له الفرزدق ألهاك البكاء في الديار والعبد يرتجز بك في المقابر يعني هشاما
وكان ذو الرمة مستعليا هشاما حتى لقي جرير هشاما فقال غلبك العبد يعني ذا الرمة قال فما أصنع يا أبا حزرة وأنا راجز وهو يقصد والرجز لا يقوم للقصيد في الهجاء ولو رفدتني فقال جرير - لتهمته ذا الرمة بالميل إلى الفرزدق - قل له
( غَضِبْتُ لرَجْلٍ مِنْ عَدِيّ تشمَّسوا ... وفي أيِّ يَوْمٍ لم تَشَمَّسْ رجالُها )
( وفيم عَديٌّ عند تَيْمٍ من العُلاَ ... وأيامنا اللاتي تُعَدُّ فَعَالُها )
( وضَبَّةُ عَمي يابْنَ جُلٍّ فلا تَرُمْ ... مَساعِي قومٍ ليس منكَ سِجالُهَا )
( يُمَاشي عَدِيّاً لؤمُها لا تُجِنُّه ... من الناس ما مسَّت عَدِيّاً ظِلالُها )
( فقل لعديٍّ تَستعنْ بنسائِها ... عليّ فقد أعيا عَدِيّاً رِجالُها )
( إذَا الرُّمَّ قد قَلَّدْتَ قومَك رُمَّةً ... بطيئاً بأمر المُطْلقين انحلالُها )

قال أبو عبد الله فحدثني أبو الغراف قال
لما بلغت الأبيات ذا الرمة قال والله ما هذا بكلام هشام ولكنه كلام ابن الأتان
أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال وحدثني أبو البيداء قال
لما سمعها قال هو والله ينتمي شعر حنظلي عذري وغلب هشام على ذي الرمة بها
نسخت من كتاب ابن النطاح حدثني أبو عبيدة قال حدثني فلان المرئي قال
أتانا جرير على حمار وأنا لا أعرفه فأتي بنبيذ فشرب فلما أخذ فيه قال أين هشام فدعي فقال له أنشدني ما قلت في ذي الرمة فأنشده فجعل كلما أنشده قصيدة قال لم تصنع شيئا ثم قال له قد دنا رواحي فاردد هذه الأبيات ومر شبانكم بروايتها وذكر الأبيات التي اولها قوله
( غَضِبْتَ لرَجْلٍ من تميم تَشَمَّسُوا ... )
ذو الرمة يعاتب جريرا
قال فغلبه هشام بها فلما كان بعد ذلك لقي ذو الرمة جريرا فقال تعصبت على خالك للمرئي فقال جرير حيث فعلت ماذا قال حين تقول للمرئي كذا وكذا فقال جرير لأنك ألهاك البكاء في دار مية حتى استقبحته محارمك
قال وقول ذي الرمة تعصبت على خالك أن النوار بنت جل أم حنظلة بن مالك وهي من رهط ذي الرمة وكذلك عنى جرير بقوله

( ولولا أن تقولَ بنو عديٍّ ... ألم تك أُمَّ حنظلة النَّوارُ )
( أتتْكم يا بني مِلْكانَ منّي ... قصائدُ لا تعاوَرُها البِحارُ )
فقال ذو الرمة لا ولكن اتهمتني بالميل مع الفرزدق عليك قال كذلك هو قال فوالله ما فعلت وحلف له بما يرضيه قال فأنشدني ما هجوت به المرئي فأنشده قوله
( نَبَتْ عَيْنَاك عن طَللٍ بِحُزْوَى ... عَفَتْه الريح وامتضح القِطَارا )
فأطال جدا فقال له جرير ما صنعت شيئا أفأرفدك قال نعم قال قل
( يَعدُّ الناسِبُون إلى تميم ... بُيوتَ المجْدِ أربعةً كبارا )
( يَعُدُّونَ الرِّبابَ وآلَ سَعْدٍ ... وعَمْراً ثم حنظلةَ الخيارا )
( ويَهْلك بينها المَرئيُّ لَغْواً ... كما ألفيْتَ في الدِّيَةِ الحُوَارا )
ويروى ويذهب بينها
فغلبه ذو الرمة بها
قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال حدثني جماعة من أهل العلم أن ذا الرمة مر بالفرزدق فقال له أنشدني أحدث ما قلت في المرئي فأنشده هذه الأبيات فأطرق الفرزدق ساعة ثم قال أعد فأعاد فقال كذبت وايم الله ما هذا لك ولقد قاله أشد لحيين منك وما هذا إلا شعر ابن الأتان

فلما سمعها المرئي جعل يلطم رأسه ويصرخ ويدعو بويله ويقول قتلني جرير قتله الله هذا والله شعره الذي لو نقطت منه نقطة في البحر لكدرته قتلني وفضحني
فلما استعلى ذو الرمة على هشام أتى هشام وقومه جريرا فقالوا يا أبا حزرة عادتك الحسنى فقال هيهات ظلمت أخوالي قد أتاني ذو الرمة فاعتذر إلي وحلف فلست أعين عليهم
فلما يئسوا من عنده أتوا لهذا المكاتب وقد طلع بمكاتبته فأعطوه عشرة أعنز وأعانوه على مكاتبته فقال أبياتا عينية يفضل فيها بني امرئ القيس على بني عدي وهشاما على ذي الرمة ومات ذو الرمة في تلك الأيام فقال الناس غلبه هشام
قال ابن النطاح إنما مات ذو الرمة بعقب إرفاد جرير إياه على المرئي فقال الناس غلبه ولم يغلبه إنما مات قبل الجواب
أخبرني اليزيدي عن محمد بن الحسن الأحول عن بعض أصحابه عن الشبو بن قسيم العذري قال
سمعت ذا الرمة يقول من شهري ما طاوعني فيه القول وساعدني ومنه ما أجهدت نفسي فيه ومنه ما جننت به جنونا فأما ما طاوعني القول فيه فقولي
( خليليّ عُوَجا مِنْ صُدورِ الرَّواحِلِ ... )
وأما ما أجهدت نفسي فيه فقولي
( أأنْ تَوسّمت من خَرْقاء منزلة ... )
أما ما جننت به جنونا فقولي
( ما بالُ عينك منها الدَّمْعُ ينسكِبُ ... )

أخبرني علي بن سليمان عن محمد بن يزيد عن عمارة بن عقيل قال كان جرير يقول ما أحببت أن ينسب إلي من شعر ذي الرمة إلا قوله
( ما بَالُ عَيْنِكَ منها الماءُ يَنْسَكِبُ ... )
فإن شيطانه كان له فيها ناصحا
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
قال حماد الراوية ما تمم ذو الرمة قصيدته التي يقول فيها
( ما بالُ عَيْنِك منها الماء ينسكب ... )
حتى مات كان يزيد فيها منذ قالها حتى توفي

ذو الرمة في سوق المربد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبي عدنان قال أخبرنا جابر بن عبد الله بن جامع بن جرموز الباهلي عن كثير بن ناجية قال
بينا ذو الرمة ينشد بالمربد والناس مجتمعون إليه إذا هو بخياط يطالعه ويقول يا غيلان
( أأنتَ الذي تستنطق الدارَ واقفاً ... مِنَ الجهل هل كانت بكنّ حلولُ )

فقال ذو الرمة وفكر زمانا ثم عاد فقعد في المربد ينشد فإذا الخياط قد وقف عليه ثم قال
( أأنت الذي شبَّهت عَنْزاً بقفرةٍ ... لها ذَنَبٌ فوق اسْتِها أُمّ سالم )
( وَقَرْنانِ إمَّا يَلزقا بِكَ يَتْركا ... بجَنْبَيْك يَا غيلاَنُ مِثلَ المواسمِ )
( جعلت لها قرنين فوق شواتها ... وَرَابَك منها مَشْقَةٌ في القَوَائِمِ )
فقام ذو الرمة فذهب ولم ينشد بعدها في المربد حتى مات الخياط قال وأراد الخياط بقوله هذا قول ذي الرمة
( أقول لدَهْنَاوِيّةٍ عَوْهَجٍ جَرَتْ ... لنا بين أعْلَى بُرقةٍ في الصَّرائم )
( أيا ظبية الوَعْسَاء بين جُلاَجلٍ ... وبين النَّقَا آأنْتِ أم أُمُّ سالمِ )
( هي الشِّبْهُ لولا مِدْرياها وأذْنها ... سواء وإلا مَشْقَةٌ في القَوَائم )
فانتبه ذو الرمة لذلك فقال
( أقولُ بذِي الأَرْطَى عشِيَّةَ أَرشَقَتْ ... الى الرَّكْبِ أعناقُ الظِّباءِ الخَواذلِ )
( لأدماءَ مِنْ آرام بين سُوَيْقةٍ ... وبين الجبال العُفْر ذاتِ السَّلاَسِلِ )
( أرى فيكِ من خرقاءَ يا ظبيةَ اللِّوَى ... مشابهَ جُنِّبْتِ اعتلاقَ الحبائِل )

( فعيناكِ عيناها وجِيدُك جِيدُها ... ولونك لولا أنها غيرُ عاطل )
في البيتين الأخيرين من هذه الأبيات رمل بالوسطى لإبراهيم
أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب ابن السكيت عن محمد بن سلام عن أبي الغراف قال
قال ذو الرمة لرؤبة ما عنى الراعي بقوله
( أنَاخَا بأَسْوَا الظَّنّ ثمّتَ عرَّسَا ... قَلِيلاً وقد أبقى سُهَيْلٌ فعَرّدا )
فجعل رؤبة يقول هي كذا هي كذا لأشياء لا يقبلها ذو الرمة فقال له رؤبة فمه ويحك قال هي الأرض بين المكلئة وبين المجدبة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبي عدنان عن إبراهيم بن نافع
أن الفرزدق دخل على الوليد بن عبد الملك أو غيره فقال له من أشعر الناس قال أنا قال أفتعلم أحدا أشعر منك قال لا إلا أن غلاما من بني عدي بن كعب يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات ثم أتاه جرير

فسأله فقال له مثل ذلك ثم أتاه ذو الرمة فقال له ويحك أنت أشعر الناس قال لا ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم يسكن الروضات يقول وحشيا من الشعر لا نقدر على أن نقول مثله
وقال وكان ذو الرمة يتشبب بمي بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري وكانت كثيرة أمة مولدة لآل قيس بن عاصم وهي أم سهم بن بردة اللص الذي قتله سنان بن مخيس القشيري أيام محمد بن سليمان فقالت كثيرة
( على وَجْه مَيٍّ مَسْحَةٌ مِنْ مَلاَحةٍ ... وتحت الثيابِ الخَزِيُ لو كان بَادِيا )
( ألم تر أنّ الماءَ يخبثُ طعْمهُ ... ولو كان لَوْنُ الماء في العين صَافيا )
ونحلتها ذا الرمة فامتعض من ذلك وحلف بجهد إيمانه ما قالها
قال وكيف أقول هذا وقد قطعت دهري وأفنيت شبابي أشبب بها وأمدحها ثم أقول هذا ثم اطلع على أن كثيرة قالتهما ونحلتهما إياه

أخباره مع مية
وقال هارون بن محمد حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال حدثني هارون بن سعيد قال حدثني أبو المسافر الفقعسي عن أبي بكر بن جبلة الفقعسي قال
وقف ذو الرمة في ركب معه على مية فسلموا عليها فقالت وعليكم

إلا ذا الرمة فأحفظه ذلك وغمه ما سمع منها بحضرة القوم فغضب وانصرف وهو يقول
( أيا ميّ قد أشمتِّ بي ويحك العِدَا ... وقطَّعتِ حَبْلاً كان يا ميّ باقيا )
( فيا ميّ لا مرجوعَ للْوَصْلِ بيننا ... ولكنّ هَجْراً بيننا وتَقَاليا )
( ألم تر أنّ الماءَ يخْبثُ طعْمُه ... وإنْ كان لون الماء في العين صافيا )
أخبرني الحسن بن علي الأدمي عن ابن مهرويه عن ابن النطاح عن محمد بن الحجاج الأسيدي من بني أسيد بن عمرو بن تميم قال
مررت على مية وقد أسنت فوقفت عليها وأنا يومئذ شاب فقلت يا مية ما أرى ذا الرمة إلا قد ضيع فيك قوله حيث يقول

صوت
( أَما أَنْتَ عن ذِكراك مَيَّة مُقْصِرُ ... ولا أنتَ ناسي العَهْدِ منها فتذكُرُ )
( تَهيمُ بها ما تستفيقُ ودُونها ... حِجابٌ وأَبوابٌ وسِتْرٌ مُسَتَّر )
قال فضحكت وقالت رأيتني يا بن أخي وقد وليت وذهبت محاسني ويرحم الله غيلان فلقد قال هذا في وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة في عين المقرور ولن تبرح حتى أقيم عندك عذره ثم صاحت يا أسماء اخرجي فخرجت جارية كالمهاة ما رأيت مثلها فقالت أما لمن شبب بهذه وهويها عذر فقلت بلى فقالت والله لقد كنت أزمان كنت مثلها أحسن منها ولو رأيتني يومئذ لا زدريت هذه ازدراءك إياي اليوم انصرف راشدا
في هذين البيتين لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى

أخبرني أبو خليفة قال قال محمد بن سلام قال أبو سوار الغنوي
رأيت مية وإذا معها بنون لها صغار فقلت صفها لي فقال مسنونة الوجه طويلة الخد شماء الأنف عليها وسم جمال فقالت ما تلقيت بأحد من بني هؤلاء إلا في الإبل قلت أفكانت تنشدك شيئا مما قاله ذو الرمة فيها قال نعم كانت تسح سحا ما رأى أبوك مثله
فأما ابن قتيبة فقال في خبره
مكثت مية زمانا لا ترى ذا الرمة وهي تسمع مع ذلك شعره فجعلت لله عليها أن تنحر بدنة يوم تراه فلما رأته رجلا دميما أسود وكانت من أجمل الناس قالت واسوأتاه وابؤساه واضيعة بدنتاه فقال ذو الرمة
( على وَجْه مَيٍّ مَسحةٌ من مَلاحةٍ ... وتحت الثيابِ الشَّيْنُ لو كانَ بادِيا )
قال فكشفت ثوبها عن جسدها ثم قالت أشينا ترى لا أم لك فقال
( ألم تَر أنَّ الماء يخبُثُ طَعْمُهُ ... وإنْ كان لونُ الماء أبيضَ صافيا )
فقالت أما ما تحت الثياب فقد رأيته وعلمت أن لا شين فيه ولم يبق إلا أن أقول لك هلم حتى تذوق ما وراءه ووالله لا ذقت ذاك أبدا فقال
( فيا ضيعةَ الشِّعرِ الذي لجّ فانقضَى ... بِميَّ ولم أملك ضلالَ فؤادِيا )
قال ثم صلح الأمر بينهما بعد ذلك فعاد لما كان عليه من حبها
وذكر محمد بن علي بن حفص الجبيري الحنفي - من ولد أبي جبيرة - أن النوار بنت عاصم المنقرية - وأمها مية صاحبة ذي الرمة - أخبرته وقد ذكر عندها ذا الرمة وأنشدها قوله في أمها

( هي البُرْء والأسقام والهمُّ والمُنَى ... ومَوتُ الهوى في القَلْب مني المبرِّحُ )
( وكان الهوى بالنأي يُمْحَى فيمَّحي ... وحُبُّكِ عندي يَستَجِدُّ ويربح )
يربح أي يزيد الربح هكذا ذكره الأصمعي
( إذا غَيَّر النأيُ المحِبِّين لم أجد ... رَسِيسَ الهوى مِنْ حُبِّ ميَّةَ يَبرح )
فلما سمعت قوله
( إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المحبَّين . . ... . )
قالت قبحه الله هو الذي يقول أيضا
( على وَجْه مَيٍّ مَسحةٌ مِنْ مَلاَحةٍ ... وتحت الثياب الشَّين لو كان بادِيا )
فقلت لها أكانت مية جدتك قالت لا بل أمي فقلت لها كم تعدين قالت ستين سنة
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن محمد بن سلام قال
كانت مي صاحبة ذي الرمة من ولد طلبة بن قيس بن عاصم المنقري وكانت لها بنت عم من ولد قيس يقال لها كثيرة أم سلهمة فقالت على لسان ذي الرمة
( على وَجْه ميٍّ سَسْحَةٌ من مَلاَحة ... )
الأبيات فكان ذو الرمة إذا ذكر له ذلك يمتعض منه ويحلف أنه ما قالها قط

أخبرني بهذا الخبر أبو خليفة عن محمد بن سلام عن أبي الغراف الضبي بمثله وقال فيه
إن كثيرة مولاة لهم وهي أم سلهمة اللص الذي قتله خيل محمد بن سليمان والله أعلم
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب المهلبي عن ابن شبة عن المدائني عن سلمة عن محارب قال
كان ذو الرمة يقرأ ويكتب ويكتم ذلك فقيل له كيف تقول عزير ابن الله أو عزير بن الله فقال أكثرهما حروفا
أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال
قال عيسى بن عمر قال لي ذو الرمة ارفع هذا الحرف فقلت له أتكتب فقال بيده على فيه اكتم علي فإنه عندنا عيب
أخبرني ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي عن محمد بن أبي بكر المخزومي قال
قال رؤبة كلما قلت شعرا سرقه ذو الرمة فقيل له وما ذاك قال قلت
( حَيُّ الشهيقِ ميّتُ الأنفاسِ ... )

فقال هو
( يَطْرحنَ بالمهارق الأَغفال ... كلَّ جَهِيضٍ لَثِقِ السِّرْبالِ )
( حيِّ الشهيق مَيّتِ الأوصالِ ... )
فقلت له فقوله والله أجود من قولك وإن كان سرقة منك فقال ذلك أغم لي
أخبرني ابن عبد العزيز عن ابن شبة قال
قيل لذي الرمة إنما أنت راوية الراعي فقال أما والله لئن قيل ذاك ما مثلي ومثله إلا شاب صحب شيخا فسلك به طرقا ثم فارقه فسلك الشاب بعده شعابا وأودية لم يسلكها الشيخ قط
أخبرني محمد بن أحمد بن الطلاس عن الخراز عن المدائني وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم عن ابن أخي الأصمعي عن عمه دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال
إنما وضع من ذي الرمة أنه كان لا يحسن أن يهجو ولا يمدح وقد مدح بلال بن أبي بردة فقال
( رأيتُ الناس ينتجعون غَيثاً ... فقلتُ لِصَيْدحَ انتَجِعِي بِلاَلاَ )
فلما أنشده قال له أو لم ينتجعني غير صيدح يا غلام أعطه حبل

( قلت ) لصيدح فأخجله
أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال حدثني أبو الغراف قال
عاب الحكم بن عوانة الكلبي ذا الرمة في بعض قوله فقال فيه
( فلو كنت من كَلْبٍ صميماً هجوتكُم ... جميعاً ولكن لا إخالُكَ من كَلْبِ )
( ولكنما أُخبِرتُ أنك مُلْصَقٌ ... كما أُلصِقَتْ من غيرها ثُلْمَةُ القعْبِ )
( تدَهْدَى فخرَّتْ ثُلْمَةٌ من صميمه ... فَكِيفَ بأخرى بالغِراء وبالشَّعْبِ )

اخباره مع بلال بن أبي بردة
أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال وحدثني أبو الغراف قال
دخل ذو الرمة على بلال بن أبي بردة وكان بلال راوية فصيحا أديبا فأنشده بلال أبيات حاتم طيىء قال
( لحا اللهُ صُعْلُوكاً مُناهُ وهمُّه ... مِنَ العَيْشِ أن يلقى لَبُوساً ومَطْعَما )
( يَرَى الخِمْسَ تعذيباً وإنْ نال شَبْعَةً ... يَبِتْ قلْبُه مِنْ شِدَّة الهَمِّ مُبْهَما )
هكذا أنشد بلال فقال ذو الرمة يرى الخمص تعذيبا وإنما الخمس للإبل وإنما هو خمص البطن فمحك بلال - وكان محكا - وقال هكذا أنشدنيه رواة طيىء فرد عليه ذو الرمة فضحك ودخل أبو عمرو بن العلاء فقال له بلال كيف تنشدهما وعرف أبو عمرو الذي به

فقال كلا الوجهين جائز فقال أتأخذون عن ذي الرمة فقال إنه لفصيح وإنا لنأخذ عنه بتمريض وخرجا من عنده فقال ذو الرمة لأبي عمرو والله لولا أني أعلم أنك حطبت في حبله وملت مع هواه لهجوتك هجاء لا يقعد إليك اثنان بعده
نسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح حدثني هارون بن محمد الزيات قال حدثني حماد بن إسحاق عن عمارة بن عقيل قال قيل لبلال بن جرير أي شعر ذي الرمة أجود فقال
( هل حبل خَرْقاء بَعْدَ اليَوْمِ مَرْمُوم ... )
إنها مدينة الشعر
حدثنا أبو خليفة عن ابن سلام قال
كان ذو الرمة من جرير والفرزدق بمنزلة قتادة من الحسن وابن

سيرين كان يروي عنهما ويروي عن الصحابة وكذلك ذو الرمة هو دونهما ويساويهما في بعض شعره
أخبرني الجوهري قال حدثنا ابن شبة عن ابن معاوية قال قال حماد الراوية
قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم نر أحسن ولا أفصح ولا أعلم بغريب منه فغم ذلك كثيرا من أهل المدينة فصنعوا له أبياتا وهي قوله
( رأى جملاً يوماً ولم يكُ قبلها ... من الدَّهر يدري كيف خَلْقُ الأباعرِ )
( فقال شظايا مَعْ ظبايا ألا لنا ... وأجفل إجفال الظَّلِم المبادرِ )
( فقلت له لا ذَهْلَ مِلْكَيْل بعد ما ... مَلا نَيفَق التُّبَّان منه بعاذر )
قال فاستعادها مرتين وثلاثا ثم قال ما أحسب هذا من كلام العرب
أخبرني أبو الحسن الأسدي عن العباس بن ميمون طائع قال حدثنا أبو عثمان المازني عن الأصمعي عن عنبسة النحوي قال
قلت لذي الرمة وسمعته ينشد ويقول
( وعَيْنَان قال الله كُونا فكانَتا ... فَعُولَيْنِ بالألْبَابِ ما تَفْعَل الخَمْرُ )

قال فقلت له فهلا قلت فعولان فقال لو قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر كان خيرا لك أي أنك أردت القدر وأراد ذو الرمة كونا فعولين بالألباب وأراد عنبسة وعينان فعولان
وروى هذا الخبر ابن الزيات عن محمد بن عبادة عن الأصمعي عن العلاء بن أسلم فذكر مثله
وحكي أن إسحاق بن سويد المعارض له قال وأخبرني الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد النحوي قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال حدثني أبي عن أبيه قال
قدم ذو الرمة الكوفة فوقف ينشد الناس بالكناسة قصيدته الحائية حتى أتى على قوله
( إذا غَيَّر النَّأْيُ المُحِبِّين لم يَكدْ ... رَسيسُ الهَوَى مِنْ حُبّ مَيَّةَ يَبْرَحُ )
فناداه ابن شبرمة يا غيلان أراه قد برح فشنق ناقته وجعل يتأخر بها ويفكر ثم عاد فأنشد قوله
( إذا غَيَّر النَّأْيُ المحبين لم أجِدُ ... )
قال فلما انصرفت حدثت أبي فقال أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرمة ما أنشد وأخطأ ذو الرمة حين غير شعره لقول ابن شبرمة إنما هذا مثل قول الله عز و جل ( ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ) وإنما معناه لم يرها ولم يكد

أخبرني الجوهري عن ابن شبرمة عن يحيى بن نجيم قال
قال رؤبة لبلال بن أبي بردة علام تعطي ذا الرمة فوالله إنه ليعمد إلى مقطعاتنا فيصلها فيمدحك بها فقال والله لو لم أعطه إلا على تأليفه لأعطيته وأمر له بعشرة آلاف درهم
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة حدثنا إسحاق الموصلي عن الأصمعي قال
قال رجل رأيت ذا الرمة بمربد البصرة وعليه جماعة مجتمعة وهو قائم وعليه برد قيمته مائتا دينار وهو ينشد ودموعه تجري على لحيته
( ما بالُ عَيْنِك منها الماءُ يَنْسَكِبُ ... )
فلما انتهى إلى قوله
( تُصْغِي إذَا شَدَّها بالكُورِ جانحةً ... حتى إذا ما اسْتَوى في غرْزِها تَثِبُ )
قلت يا أخا بني تميم ما هكذا قال عمك قال وأي أعمامي يرحمك الله قلت الراعي قال وما قال قال قلت قوله
( ولا تُعْجل المرء قبل الوُروك ... وَهْيَ بركبته أبْصَرُ )

( وهِيَّ إذَا قَام في غَرْزِها ... كمثل السفينةِ إذ تُوقَر )
( ومُصْغية خَدَّها بالزّمامِ ... فالرأس منها لَهُ أصعَر )
( حتى إذا ما اسْتَوَى طبَّقَتْ ... كما طبَّقَ المِسحَلُ الأَغْبَرُ )
قال فأرتج عليه ساعة ثم قال إنه نعت ناقة ملك ونعت ناقة سوقة فخرج منها على رؤوس الناس

أخباره مع خرقاء
فأما السبب بين ذي الرمة وخرقاء فقد اختلف فيه الرواة فقيل إنه كان يهواها وقيل بل كاد بها مية وقيل بل كانت كحالة فداوت عينه فشبب بها
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن النوفلي عن أبيه
أن زوج مية أمرها أن تسب ذا الرمة غيرة عليها فامتنعت فتوعدها بالقتل فسبته فغضب وشبب بخرقاء العامرية يكيد مية بذلك فما قال فيها إلا قصيدتين أو ثلاثا حتى مات
أخبرني حبيب بن نصر عن ابن شبة عن العتبي عن هارون بن عتبة قال
شبب ذو الرمة بخرقاء العامرية بغير هوى وإنما كانت كحالة فداوت عينه من رمد كان بها فزال فقال لها ما تحبين حتى أعطيك فقالت عشرة أبيات تشبب بي ليرغب الناس في إذا سمعوا أن في بقية للتشبيب ففعل
أخبرنا أبو خليفة عن ابن سلام قال
كان ذو الرمة شبب بخرقاء إحدى نساء بني عامر بن ربيعة وكانت تحل

فلجا ويمر بها الحاج فتقعد لهم وتحادثهم وتهاديهم وكانت تجلس معها فاطمة بنتها فحدثني من رآهما فلم تكن فاطمة مثلها وكانت تقول
أنا منسك من مناسك الحج لقول ذي الرمة فيها
( تمامُ الحجِّ أنْ تقِفَ المطايَا ... على خَرْقَاءَ واضِعَةَ اللِّثَامِ )
قال ابن سلام في خبره وأرسلت خرقاء إلى القحيف العقيلي تسأله أن يشبب بها فقال

صوت
( لقد أرسلتْ خرقاءُ نَحوِي جَرِيّها ... لتجعلَني خَرْقَاءُ فِيمن أضلَّتِ )
( وخَرْقاءُ لا تزدادُ إلاّ مَلاحةً ... ولو عُمِّرَتْ تعميرَ نُوحٍ وجَلّتِ )
حدثني حبيب بن نصر عن الزبير عن موهوب بن رشيد عمن حدثه قال
نزل ركب بأبي خرقاء العامرية فأمر لهم بلبن فسقوه وقصر عن شاب منهم فأعطته خرقاء صبوحها وهي لا تعرفه فشربه ومضوا فركبوا فقال لها أبوها أتعرفين الرجل الذي سقيته صبوحك قالت لا والله قال هو ذو

الرمة القائل فيك الأقاويل فوضعت يدها على رأسها وقالت واسوأتاه وابؤساه ودخلت بيتها فما رآها أبوها ثلاثا
حدثني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال قال الضبي
كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حججت فقال لي يوما هل لك إلى أن أريك خرقاء صاحبة ذي الرمة فقلت إن فعلت بررت فتوجهنا جميعا نريدها فعدل بي عن الطريق قدر ميل ثم أتينا أبيات شعر فاستفتح بيتا ففتح له وخرجت امرأة طويلة حسنة بها قوة فسلمت وجلست فتحدثنا ساعة ثم قالت لي هل حججت قط قلت غير مرة قالت فما منعك من زيارتي أما علمت أني منسك من مناسك الحج قلت وكيف ذاك قلت أما سمعت قول ذي الرمة
( تمام الحجِّ أن تقِفَ المطايا ... على خَرْقَاءَ واضعةَ اللّثَامِ )
أخبرني وكيع عن أبي أيوب المدائني عن مصعب الزبيري قال شبب ذو الرمة بخرقاء ولها ثمانون سنة
قال هارون بن الزيات حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم عن محمد بن يعقوب عن أبيه قال
رأيت خرقاء بالبصرة وقد ذهبت أسنانها وإن في ديباجة وجهها لبقية فقلت أخبريني عن السبب بينك وبين ذي الرمة فقالت اجتاز بنا في ركب ونحن عدة جوار على بعض المياه فقال أسفرن فسفرن غيري فقال لئن لم تسفري لأفضحنك فسفرت فلم يزل يقول حتى أزبد ثم لم أره بعد ذلك

أخبرني الحرمي ابن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب بن رشيد قال حدثني جدي قال
كنت مع خرقاء ذي الرمة إذ نزل بابها ركب من بني تميم فأمر لهم بلبن فسقوه وقصر اللبن عن شاب منهم فأمرت له خرقاء بغبوقها فلما أن رحل عنهم الركب قال لها أبوها يا خرقاء أتعرفين من سقيت غبوقك اليوم قالت لا والله ما أعرفه قال ذاك ذو الرمة فوضعت يدها على رأسها وقالت واسوأتاه ودخلت خدرها
قال الزبير وحدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثنا أبو الشبل المعدي قال
كانت خرقاء البكائية أصبح من القبس وبقيت بقاء طويلا حتى شبب بها القحيف العقيلي
أخبرنا أبو الحسن الأسدي عن أحمد بن سليمان عن أبي شيخ عن أبيه عن علي بن صالح بن سليمان عن صباح بن الهذيل أخي زفر بن الهذيل قال
خرجت أريد الحج فمررت بالمنزل الذي تنزله خرقاء فأتيتها فإذا امرأة جزلة عندها سماطان من الأعراب تحدثهم وتناشدهم فسلمت فردت ونسبتني فانتسبت لها وهي تنزلني حتى انتسبت إلى أبي فقالت حسبك أكرمت ما شئت ما اسمك قلت صباح قالت وأبو من قلت أبو

المغلس قالت أخذت أول الليل وآخره قال فما كان لي همة إلا الذهاب عنها
نسخت من كتاب محمد بن صالح بن النطاح حدثني محمد بن الحجاج الأسدي التميمي - وما رأيت تميميا أعلم منه - قال
حججت فلما صرت بمران منصرفا فإذا أنا بغلام أشعث الذؤابة قد أورد غنيمات له فجئته فاستنشدته فقال لي إليك عني فإني مشغول عنك وألححت عليه فقال أرشدك إلى بعض ما تحب انظر إلى ذلك البيت الذي يلقاك فإن فيه حاجتك هذا بيت خرقاء ذي الرمة فمضيت نحوه فطوحت بالسلام من بعيد فقالت ادنه فدنوت فقالت إنك لحضري فمن أنت قلت من بني تميم - وأنا أحسب أنها لا معرفة لها بالناس - قالت من أي تميم فأعلمتها فلم تزل تنزلني حتى انتسبت إلى أبي فقالت الحجاج بن عمير بن يزيد قلت نعم قالت رحم الله أبا المثنى قد كنا نرجو أن يكون خلفا من عمير بن يزيد قلت نعم فعاجلته المنية شابا قالت حياك الله يا بني وقربك من أين أقبلت قلت من الحج قالت فما لك لم تمر بي وأنا أحد مناسك الحج إن حجك ناقص فأقم حتى تحج أو تكفر بعتق قلت وكيف ذلك قالت أما سمعت قول غيلان عمك
( تمامُ الحجِّ أنْ تَقِفَ المطايَا ... على خَرْقَاءَ واضعة اللِّثَامِ )
قال وكانت هي قاعدة بفناء البيت كأنها قائمة من طولها بيضاء شهلاء فخمة الوجه قال فسألتها عن سنها فقالت لا أدري إلا أني كنت

أذكر شمر بن ذي الجوشن حين قتل الحسين عليه السلام مر بنا وأنا جارية ومعه كسوة فقسمها في قومه قالت وكان أبي قد أدرك الجاهلية وحمل فيها حمالات قال ولما أنشدتني خرقاء بيت ذي الرمة فيها قلت هيهات يا عمة قد ذهب ذلك منك قالت لا تقل يا بني أما سمعت قول قحيف في
( وخَرْقاء لا تزدادُ إلاَّ ملاحةً ... ولو عُمِّرت تعميرَ نُوح وجلَّتِ )
ثم قالت رحم الله ذا الرمة فقد كان رقيق البشرة عذب المنطق حسن الوصف مقارب الرصف عفيف الطرف فقلت لها لقد أحسنت الوصف فقالت هيهات أن يدركه وصف رحمه الله ورحم من سماه اسمه فقلت ومن سماه قالت سيد بني عدي الحصين بن عبدة بن نعيم ثم أنشدتني لنفسها في ذي الرمة
( لقد أصبحتُ في فَرْعيْ مَعَدٍّ ... مكان النّجم في فَلَك السماء )
( إذا ذُكرت محاسنُه تدرَّت ... بِحارُ الجود من نحو السماء )
( حُصَيْنٌ شادَ باسمِك غيرَ شَكٍّ ... فَأنْتَ غِياثُ مَحْلٍ بالفِناء )
( إذا ضنَّتْ سحابةُ ماءِ مُزْنٍ ... تَثُجُّ بحارُ جُودك بارتواء )
( لقد نُصِرت باسمِك أرضُ قَحطٍ ... كما نُثِرت عديٌّ بالثَّراءِ )

فقلت أحسنت يا خرقاء فهل سمع ذلك منك ذو الرمة قالت إي وربي قلت فماذا قال قالت قال شكر الله لك يا خرقاء نعمة ربيت شكرها من ذكرها فقالت أثقلنا حقها ثم قالت اللهم غفرا هذا في اللفظ ونحتاج إلى العمل
أخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن كناسة عن خيثم بن حجية العجلي قال حدثني رجل من بني النجار قال
خرجت أمشي في ناحية البادية فمررت على فتاة قائمة على باب بيت فقمت أكلمها فنادتني عجوز من ناحية الخباء ما يقيمك على هذا الغزال النجدي فوالله ما تنال خيرا منه ولا ينفعك قال وتقول هي دعيه يا أماه يكن كما قال ذو الرمة
( وإن لم يكن إلاّ مُعَرَّسُ ساعةٍ ... قليلاً فإني نافعٌ لِي قليلُها )
فسألت عنهما فقيل لي العجوز خرقاء ذي الرمة والفتاة بنتها

روايات في وفاته
وتوفي ذو الرمة في خلافة هشام بن عبد الملك وله أربعون سنة

وقد اختلفت الرواة في سبب وفاته
أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب بن السكيت أنه بلغ أربعين سنة وفيها توفي وهو خارج إلى هشام بن عبد الملك ودفن بحزوى وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني ابن أبي عدي قال
قال ذو الرمة بلغت نصف الهرم وأنا ابن أربعين سنة
قال ابن سلام وحدثني أبو الغراف أنه مات وهو يريد هشاما وقال في طريقه في ذلك
( بلادٌ بها أهلُون لستُ ابن أهلها ... وأُخْرَى بها أهلون ليس بها أهلُ )
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثني القاسم بن محمد الأسدي قال حدثني جبر بن رياط قال
أنشد ذو الرمة الناس شعرا له وصف فيه الفلاة بالثعلبية فقال له حلبس الأسدي إنك لتنعت الفلاة نعتا لا تكون منيتك إلا بها
قال وصدر ذو الرمة على أحد جفري بني تميم وهما على طريق الحاج من البصرة فلما أشرف على البصرة قال

( وإنِّي لعاليها وإني لخائفٌ ... لِما قال يَومَ الثَّعْلَبِيَّة حَلْبَسُ )
قال ويقال إن هذا آخر شعر قاله فلما توسط الفلاة نزل عن راحلته فنفرت منه ولم تكن تنفر منه وعليها شرابه وطعامه فلما دنا منها نفرت حتى مات فيقال إنه قال عند ذلك
( ألاَ أبلغِ الفِتيان عنِّي رِسالةً ... أهِينوا المَطايا هُنَّ أهْلُ هَوَانِ )
( فقد تركَتْنِي صَيْدَحٌ بمَضلَّةٍ ... لِسانِيَ مُلْتَاثٌ مِنَ الطلَّوَانِ )
قال هارون وأخبرني أحمد بن محمد الكلابي بهذه القصة وذكر أن ناقته وردت على أهله في مياههم فركبها أخوه وقص أثره حتى وجده ميتا وعليه خلع الخليفة ووجد هذين البيتين مكتوبين على قوسه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن الرياشي عن الأصمعي عن أبي الوجيه قال
دخلت على ذي الرمة وهو يجود بنفسه فقلت له كيف تجدك قال أجدني والله أجد ما لا أجد أيام أزعم أني أجد ما لم أجد حيث أقول
( كأنّي غداة الزُّرْق يا مَيُّ مُدْنَفٌ ... يَجودُ بنَفْسٍ قد أحَمَّ حِمَامُها )
( حِذارَ اجْتذامِ البَيْن أقرانَ نيّة ... مُصَابٌ ولوعاتُ الفؤاد انجذامُها )
قال وكان آخره ما قاله
( يا ربّ قد أشرفَتْ نَفْسِي وقد عَلِمَتْ ... عِلْماً يقيناً لقد أحصَيْتَ آثاري )
( يا مُخرجَ الرّوح من جسمي إذا احْتُضِرَت ... وفارِجَ الكَرْبِ زَحْزحني عن النَّارِ )
قال أبو الوجيه وكانت منيته هذه في الجدري وفي ذلك يقول

( ألَمْ يَأْتِها أنِّي تلبّستُ بعدها ... مُفَوَّقَةً صَوَّاغُها غيرُ أخرقِ )
نسخت من كتاب هارون بن الزيات حدثني عبد الوهاب بن إبراهيم الأزدي قال حدثني جهم بن مسعدة قال حدثني محمد بن الحجاج الأسدي عن أبيه قال
وردت حجرا وذو الرمة به فاشتكى شكايته التي كانت منها منيته وكرهت أن أخرج حتى أعلم بما يكون في شكاته وكنت أتعهده وأعوده في اليوم واليومين فأتيته يوما وقد ثقل فقلت يا غيلان كيف تجدك فقال أجدني والله يا أبا المثنى اليوم في الموت لا غداة أقول
( كأني غداة الزُّرق يا ميّ مدنَفٌ ... يكيد بنَفْسٍ قد أحمّ حِمامُها )
فأنا والله الغداة في ذلك لا تلك الغداة
قال هارون بن الزيات حدثني موسى بن عيسى الجعفري قال أخبرني أبي قال أخبرني رجل من بني تميم قال
كانت ميتة ذي الرمة أنه اشتكى النوطة فوجعها دهرا فقال في ذلك
( ألِفتُ كلاب الحيِّ حتى عَرَفْنَنِي ... ومُدَّتْ نِساجُ العنكبوت على رَحْلِي )
قال ثم قال لمسعود أخيه يا مسعود قد أجدني تماثلت وخفت الأشياء عندنا واحتجنا إلى زيارة بني مروان فهل لك بنا فيهم فقال نعم فأرسله إلى إبله يأتيه منها بلبن يتزوده وواعده مكانا وركب ذو الرمة ناقته فقمصت به وكانت قد أعفيت من الركوب وانفجرت النوطة التي كانت

به قال وبلغ موعد صاحبه وجهد وقال أردنا شيئا وأراد الله شيئا وإن العلة التي كانت بي انفجرت فأرسل إلى أهله فصلوا عليه ودفن برأس حزوى وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره

قبره بالدهناء
نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي قال أبو عبيدة وذكر هارون بن الزيات عن محمد بن علي بن المغيرة عن أبيه وعن أبي عبيدة عن المنتجع بن نبهان قال
لما احتضر ذو الرمة قال إني لست ممن يدفن في الغموض والوهاد قالوا فكيف نصنع بك ونحن في رمال الدهناء قال فأين أنتم من كثبان حزوى - قال وهما رملتان مشرفتان على ما حولهما من الرمال - قالوا فكيف نحفر لك في الرمل وهو هائل قال فأين الشجر والمدر والأعواد قال فصلينا عليه في بطن الماء ثم حملنا له الشجر والمدر على الكباش وهي أقوى على الصعود في الرمل من الإبل فجعلوا قبره هناك وزبروه بذلك الشجر والمدر ودلوه في قبره فأنت إذا عرفت موضع قبره رأيته قبل أن تدخل الدهناء وأنت بالدو على مسيرة ثلاث
قال هارون وحدثني محمد بن صالح العدوي قال ذكر أبو عمرو المرادي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45