كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

كان اليوم الثالث دفعنا إلى نسوة فمال إليهن فوجدنا الرجال خلوفا وإذا قدر لبأ وقد جهدت جوعا وعطشا فلما رأيت القدر اقتحمت عن بعيري وتركتهم جانبا ثم أدخلت رأسي في القدر ما يثنيني حرها حتى رويت فذهبت أخرج رأسي من القدر فضاقت علي وإذا هي على رأسي قلنسوة فضحكن مني وغسلن ما أصابني وأتي جميل بقرى فوالله ما التفت إليه فبينا هو يحدثهن إذا رواعي الابل وقد كان السلطان أحل لهم دمه إن وجدوه في بلادهم وجاء الناس فقلن ويحك انج وتقدم فو الله ما أكبرهم ذلك الاكبار فإذا بهم يرمونه ويطردونه فإذا غشوه قاتلهم ورمى فيهم وقام بي جملي فقال لي يسر لنفسك مركبا خلفي فأردفني خلفه لا والله ما انكسر ولا انحل عن فرصته حتى رجع إلى أهله وقد سار ست ليال وستة أيام وما التفت إلى طعام وقال في ذلك
( إنّ المنازلَ هَيجَتْ أطرابي ... واسْتَعْجمتَ آياتُها بجوابي ) وهي قصيدة طويلة
وقال أيضا
( وأحسنُ أيامي وأبهجُ عيشَتي ... إذا هِيجَ بي يَوْماً وهُنَّ قُعُودُ ) قال فقال ابن عائشة أفر أغني لكم ذلك فقلنا بلى والله فاندفع فغناه فما سمع السامعون شيئا أحسن من ذلك وبقي أصحابنا يتعجبون من الحديث وحسنه والغناء وطيبه فقال له أصحابنا يا أبا جعفر إنا مستأذنوك فإن أذنت لنا سألناك وإن كرهت تركناك فقال سلوا فقالوا نحب أن تغنينا في مجلسنا هذا ما نشطت هذا الصوت فقط فقال لهم نعم ونعمة عين وكرامة فما زلنا في غاية السرور حتى انقضى المجلس

نسبة هذا الغناء
صوت
( إنّ المنازلَ هَيجَتْ أطرابي ... واسْتَعْجمتَ آياتُها بجوابي )
( قَفْرٌ تَلُوحُ بذي اللُّجين كأنها ... أَنْضاءُ وَشْمٍ أو سُطُور كتابِ )
( لَمّا وقفتُ بها القَلُوصَ تبادرتْ ... منيّ الدموعُ لفُرقةِ الأحبابِ )
( وذكرتُ عصراً يا بُثَيْنَةُ شاقَنِي ... إذ فاتَنِي وذكرتُ شَرْخَ شبابِي )
الشعر لجميل
والغناء للهذلي ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن يحيى المكي عن أبيه حدثني عمرو بن أبي الكنات الحكمي قال حدثني يونس الكاتب قال
كنا يوما متنزهين بالعقيق أنا وجماعة من قريش فبينا نحن على حالنا إذ أقبل ابن عائشة يمشي ومعه غلام من بني ليث وهو متوكىء على يده فلما رأى

جماعتنا وسمعني أغني جاءنا فسلم وجلس إلينا وتحدث معنا وكانت الجماعة تعرف سوء خلقه وغضبه إذا سئل أن يغني فأقبل بعضهم على بعض يتحدثون بأحاديث كثير وجميل وغيرهما من الشعراء يستجرون بذلك أن يطرب فيغني فلم يجدوا عنده ما ارادوا فقلت لهم أنا لقد حدثني اليوم بعض الأعراب حديثا يأكل الأحاديث فإن شئتم حدثتكم إياه قالوا هات قلت حدثني هذا الرجل أنه مر بناحية الربذة فإذا صبيان يتغاطسون في غدير وإذا شاب جميل منهوك الجسم عليه أثر العلة والنحول في جسمه بين وهو جالس ينظر إليهم فسلمت عليه فرد علي السلام وقال من أين وضح الراكب قلت من الحمى قال ومتى عهدك به قلت رائحا قال وأين كان مبيتك قلت ببني فلان فقال أوه وألقى بنفسه على ظهره وتنفس الصعداء تنفسا قلت إنه خرق حجاب قلبه ثم أنشأ يقول
صوت
( سَقَى بلداً أمستْ سُلَيْمَى تحَلُهُّ ... ُمِنَ المُزْنِ ما يَرْوى به ويُسيِمُ )
( وإِن لم أُكن من قاطِنِيه فإِنْه ... يَحُلّ به شخصٌ عليّ كَرِيمُ )
( ألا حَبّذا مَنْ لَيْسَ يَعْدِلُ قُرْبَهُ ... لَدَيَّ وإِن شَطَّ المزارُ نَعِيمُ )
( ومَنْ لامَنِي فيهِ حَمِيمُ وصاحبٌ ... فَرُدَّ بغَيظٍ صاحِبٌ وحَمِيمُ )
ثم سكن كالمغشي عليه فصحت بالصبية فأتوا بماء فصببته على وجهه فأفاق وأنشأ يقول

( إذا الصَّبُّ الغريبُ رأى خُشُوعِي ... وأنفاسِي تَزَيَّنَ بالخُشُوعِ )
( ولي عَيْنٌ أَضَرّ بها التفاتِي ... إلى الأجزاع مُطلقةُ الدموعِ )
( إلى الخَلَوات يأنسُ فِيك قلبي ... كما أنِسَ الغريبُ إلى الجميعِ ) فقلت له ألا أنزل فأساعدك أو أكر عودي على بدئي إلى الحمى في حاجة إن كانت لك حاجة أو رسالة فقال جزيت خيرا وصحبتك السلامة امض لطيتك فلو أني علمت أنك تغني عني شيئا لكنت موضعا للرغبة وحقيقا بإسعاف المسألة ولكنك أدركتني في صبابة من حياتي يسيرة فانصرفت وأنا لا أراه يمسي ليلته إلا ميتا فقال القوم ما أعجب هذا الحديث واندفع ابن عائشة فتغنى في الشعرين جميعا وطرب وشرب بقية يومه ولم يزل يغنينا إلى أن انصرفنا
فأما نسبة هذين الصوتين فإن في الأول منهما لحنا من خفيف الرمل الثقيل المطلق في مجرى الوسطى نسبه يحيى المكي إلى معبد وذكر الهشامي أنه منحول
وفي هذا الخبر أن ابن عائشة غناه وهو يغني في البيت الأول والثاني من الأبيات وفيه للضيزني الملقب بنبيكة لحن جيد من الثقيل الأول
وكان نبيكة هذا من حذاق المغنين وكبارهم وقد خدم المعتمد ثم شخص إلى مصر فخدم خمارويه بن أحمد ثم قدم بغداد في أيام المقتدر ورأيناه وشاهدناه وكانت في يده صبابة قوية من إفضال ابن طولون واستغنى بها حتى مات وله صنعة جيدة قد ذكرت ما وقع إلي منها في المجرد
وذكرت مما وقع إلي له في هذا الكتاب لحنا

جيدا في شعر سعد ذلفاء وهو
( ولمَاَّ وَقَفْنَا دُونَ سَرْحَةِ مَالِكٍ ... ) في موضعه من أخباره
وأما الشعر الثاني الذي ذكرت في هذا الخبر الماضي أن ابن عائشة غناه فما رأيت له نسبة في كتاب ولا سمعت فيه صنعة من أحد ولعله مما انطوى عني أو لم يشتهر فسقط عن الناس

تعددت الأسباب والموت واحد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني به الحسن بن علي عن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن حماد عن أبيه عن يعقوب بن طلحة الليثي عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال
أقبل ابن عائشة من الشأم حتى نزل قصر ذي خشب ومعه مال وطيب وكسا فشرب فيه ثم تطرقوا إلى ظهر القصر فصعدوا ثم نظر فإذا بنسوة يتمشين في ناحية الوادي فقال لأصحابه هل لكم فيهن قالوا وكيف لنا بهن فنهض فلبس ملاءة مدلوكة ثم قام على شرفة من شرفات القصر فتغنى

( وقد قالتْ لأترابٍ ... لها زُهْرٍ تَلاَقَيْنَا )
( تَعَالَيْنَ فقد طَابَ ... لنا العَيْشُ تَعَالَيْنَا )
فأقبلن إليه فطرب واستدار حتى سقط من السطح وهذا الخبر يذكر على شرحه في خبر وفاته
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن محمد بن سلام عن جرير أبي الحصين قال
كان ابن عائشة إذا غنى في صوت له من شعر الحطيئة وهو
( عَفَا من سُلَيْمَى مُسْحُلاَنُ فحامِرُهْ ... ) نظر إلى أعطافه في كل رنة فسئل يوما وقد دب فيه الشراب عن ذلك فقال أنا عاشق لهذا الصوت وعاشق لحديثه وعاشق لغريبه وعاشق لقول الحطيئة إن الغناء رقية من رقى النيك ويعجبني فهم الحطيئة بالغناء وليس هو من أهله ولا بصاحب غناء وكيف لا أعجب به ومحله مني هذا المحل وكان لا يسأله أحد إياه إلا غناه فمن فطن له أكثر سؤاله إياه
وكان جرير يقول إنه أحسن صوت له وأرقه وأجوده

وفاة ابن عائشة
وتوفي ابن عائشة فيما قيل في أيام هشام بن عبد الملك وقيل في أيام الوليد
وما أظن الصحيح إلا أنه توفي في أيام الوليد لأنه أقدمه إليه
وذكر من زعم أنه توفي في خلافة هشام أنه إنما وفد على الوليد وهو ولي عهد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال

ذكر عمران بن هند أن الغمر بن يزيد خرج إلى الشأم فلما نزل قصر ذي خشب شرب على سطحه فغنى ابن عائشة صوتا طرب له الغمر فقال اردده فأبى وكان لا يرد صوتا لسوء خلقه فأمر به فطرح من أعلى السطح فمات ويقال بل قام من الليل وهو سكران ليبول فسقط من السطح فمات
قال إسحاق فحدثني المدائني قال حدثني بعض أهل المدينة قال أقبل ابن عائشة من عند الوليد بن يزيد وقد أجازه وأحسن إليه فجاء بما لم يأت به أحد من عنده فلما قرب من المدينة نزل بذي خشب على أربعة فراسخ من المدينة وكان واليها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي ولاه هشام وهو خاله وكان في قصر هناك فقيل له أصلح الله الأمير هذا ابن عائشة قد أقبل من عند الوليد بن يزيد فلو سألته أن يقيم عندنا اليوم فيطربنا وينصرف من غد فدعا به فسأله المقام عنده فأجابه إلى ذلك فلما أخذوا في شربهم أخرج المخزومي جواريه فنظر إلى ابن عائشة وهو يغمز جارية منهن فقال لخادمه إذا خرج ابن عائشة يريد حاجته فارم به وكانوا يشربون فوق سطح ليس له إفريز ولا شرفات وهو يشرف على بستان فلما قام ليبول رمى به الخادم من فوق السطح فمات فقبره معروف هناك
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرني به الحسن بن علي عن هارون بن محمد بن عبد الملك بن حماد بن إسحاق عن أبيه عن يعقوب بن طلحة الليثي عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال

أقبل ابن عائشة من الشأم حتى نزل بقصر ذي خشب ومعه مال وطيب وكسا فشرب فيه ثم تطوقوا إلى ظهر القصر فصعدوا ثم نظر فإذا بنسوة يتمشين في ناحية الوادي فقال لأصحابه هل لكم فيهن قالوا وكيف لنا بهن فنهض فلبس ملاءة مدلوكة ثم قام على شرفة من شرف القصر فتغنى في شعر ابن أذينة
( وقد قالت لأَتْرابٍ ... لها زُهْرٍ تلاقَيْنَا )
( تعاليْنَ فقد طاب ... لنا العيشُ تعالَيْنَا )
فأقبلن إليه وطرب فاستدار فسقط فمات
قال وقال قوم بل قدم المدينة فمات بها
قال ولما مات قال أشعب قد قلت لكم ولكنه لا يغني حذر من قدر زوجوا ابن عائشة ربيحة الشماسية تخرج لكم بينهما مزامير داود فلم تفعلوا وجعل يبكي والناس يضحكون منه

نسبة هذا الصوت الذي غناه ابن عائشة
صوت
( سُلَيْمَى أزْمعتْ بَيْنَا ... فأين تقولُها أَيْنَا )
( وقد قالتْ لأترابٍ ... لها زُهْرٍ تلاقيْنَا )
( تعالَيْنَ فقد طاب ... لنا العيشُ تعالَيْنَا )
( وغاب البَرَم الليلة ... والعيُن فلا عَيْنَا )
( فأقبَلْنَ إليها مسرِعاتٍ ... يَتَهادَيَنَا )
( إلى مثلِ مَهَاةِ الرملِ ... تَكْسُو المجلسَ الزَّيْنَا )
( إلى خَوْدٍ منعَّمةٍ ... حَفَفْنَ بها وفدَّينَا )
( تمنَّيْنَ مُنَاهن ... فكُنَّا ما تمنَّيْنَا )

الشعر لعروة بن اذينة والغناء لابن عائشة لحنان أحدهما رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال
سمعت إبراهيم بن سعد يحلف للرشيد وقد سأله عمن بالمدينة يكره الغناء فقال من قنعه الله بخزيه مالك بن أنس ثم حلف له إنه سمع مالكا يغني
( سُلَيمى أزمعتْ بينَا ... فأين تقولها أينا )
في عرس رجل من أهل المدينة يكنى أبا حنظلة
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن بعض أصحابه قال

مر ابن عائشة بابن أذينة فقال له قل أبياتا هزجا أعن فيها فقال له اجلس فجلس فقال
( سليمى أزمعت بيننا ... ) الأبيات
قال أبو غسان فحدثت أن ابن عائشة رواها ثم ضحك لما سمع قوله
( تمنَّيْنَ مُنَاهنّ ... فكنَّا ما تمنَّيْنا ) ثم قال له يا أبا عامر تمنينك لما أقبل بخرك وأدبر ذفرك وذبل ذكرك فجعل يشتمه
هذا لفظ إسماعيل بن يونس
أخبرني الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال فحدثني حماد الخشبي قال
ذكر ابن أذينة عند عمر بن عبد العزيز فقال نعم الرجل أبو عامر على أنه الذي يقول
( وقد قالت لتراب ... لها زُهْرٍ تلاقَيْنَا )

ولي عهد المسلمين إذ ا طرب
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد عن أبيه عن المدائني عن إسحاق بن أيوب القرشي قال
كان هشام بن عبد الملك مكرما للوليد بن يزيد وكان عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدبا للوليد وكان فيما يقال زنديقا فحمل الوليد على الشراب والاستخفاف بدينه فاتخذ ندماء وشرب وتهتك فأراد هشام قطعهم عنه فولاه

الموسم في سنة عشر ومائة فرأى الناس منه تهاونا واستخفافا بدينه وأمر مولاه عيسى فصلى بالناس وبعث إلى المغنين فغنوه وفيهم ابن عائشة فغناه
( سُلَيمى أجمعتْ بَيْنَا ... ) فنعر الوليد نعرة أذن لها أهل مكة
وأمر لابن عائشة بألف دينار وخلع عليه عدة خلع وحمله
فخرج ابن عائشة من عنده بأمر أنكره الناس وأمر للمغنين بدون ذلك فتكلم أهل الحجاز وقالوا أهذا ولي عهد المسلمين وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه وأراده على ذلك فأبى وتنكر هشام للوليد وتمادى الوليد في الشرب واللذات فأفرط وتعبث هشام بالوليد وخاصته ومواليه فنزل بالأزرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدق حتى مات هشام انقضت أخباره

ومما في المائة الصوت المختارة من أغاني ابن عائشة
صوت
من رواية علي بن يحيى
( حَنَّتْ إلى بَرْقٍ فقلتُ لها قِرِي ... بعضَ الحَنِين فإن شَجْوَكِ شائِقي )

( بأبي الوليدُ وأمِّ نفسي كلّما ... بدت النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِقِ )
( أثْوَى فأكرَمَ في الثَّوَاء وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنا من عند أَرْوعَ باسقِ )
( لا تَبْعَدنّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانت حَدِيثاً للشَّراب العاتقِ )
ويروى بالشراب العاتق
عروضه من الكامل
حنت يعني ناقته
وهذا البيت يبتع بيتا قبله وهو
( فإلى الوليد اليومَ حنّتْ ناقتي ... تَهْوِي بمُغْبرِّ المُتُون سَمَالِقِ ) وبعده حنت إلى برق وقوله قري من الوقار كأنها لما حنت أسرعت ونازعت إلى الوطن أو المقصد فقال يخاطبها قري
وذر قرن الشارق طلع قرن الشمس يريد بأبي الوليد وأمي في كل ليل ونهار أبدا
وأثوى أنزل
والثواء الإقامة قال الأعشى
( لقد كان في حول ثَوَاء ثويته ... تُقَضَّى لُباناتٌ ويَسأم سائمُ ) والباسق الطويل قال الله عز و جل ( والنخل باسقات ) أي طوالا
ويروى
( لا تَبْعَدنّ إداوةٌ مطروحةٌ ... ) الشعر لعبد الرحمن بن أرطأة المحاربي
والغناء لابن عائشة
ولحنه المختار ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيه للهذلي لحن آخر من

الثقيل الأول عن الهشامي وابن المكي
فأول لحن الهذلي استهلال في
( حنت إلى برق فقلت لها قِرِي ... ) وأول لحن ابن عائشة
( بأبي الوليدُ وأمِّ نفسي كلّما ... بدت النجومُ وذَرّ قرنُ الشارِق )

أخبار ابن أرطأة ونسبه
هو عبد الرحمن بن أرطأة وقيل عبد الرحمن بن سيحان بن أرطأة بن سيحان بن عمرو بن نجيد بن سعد بن لاحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله ابن عوف بن زيد بن بكر بن عمير بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار
وأم جسر بن محارب كأس بنت لكيز بن أفصى بن عبد القيس وأم علي بن جسر ماوية بنت علي بن بكر بن وائل هذه رواية أبي عمرو الشيباني أخبرني بها عمي والصولي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال وشكم بن عبد الله أول محاربي ساد قومه وأبذهم رأسا بنفسه وكانوا جيرانا في هوازن وآل سيحان حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وبمنزلة بعضهم عندهم خاصة وعند سائر بني أمية عامة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال
بنو سيحان من بنى جسر بن محارب وبنو عبد مناف تقوي حلفهم وهم عندي أعزاؤهم وليسوا بأحلافهم
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا

حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال
لما قتل هشام بن الوليد أبا أزيهر بعثت قريش أرطأة بن سيحان حليف حرب بن أمية إلى الشراة يحذر من بها من تجار قريش وخرج حاجز الأزدي ليخبر قومه فسبقه أرطأة وقال في ذلك وقد حذرهم فنجوا
( مثلُ الحِليف يشدُّ عُرْوتَه ... يَثْني العِنَاجَ لها مع الكَرَبِ )
( زَلَمٌ إذا يَسَرُوا به يُسُرٌ ... ومناضلٌ يَحْمِي عن الحَسَبِ )
( هل تَشْكُرَنْ فِهْرٌ وتاجِرُها ... دَأْبَ السُّرَى بالليلِ والخَبَبِ )
( حتى جَلَوْتُ لهم يَقِينَهُمُ ... ببيان لا أَلْسٍ ولا كَذِبِ )

فحل الخمرة وليس فحل الشعر
وكان عبد الرحمن شاعرا مقلا إسلاميا ليس من الفحول المشهورين ولكنه كان يقول في الشراب والغزل والفخر ومدح أحلافه من بني أمية وهو أحد المعاقرين للشراب والمحدودين فيه وكان مع بني أمية كواحد منهم إلا أن اختصاصه بآل أبي سفيان وآل عثمان خاصة كان أكثر وخصوصه بالوليد بن عثمان ومؤانسته إياه أزيد من خصوصه بسائرهم لأنهما كانا يتنادمان على الشراب
وهذه الأبيات التي فيها الغناء يقولها في الوليد بن عثمان وقيل بل في الوليد بن عتبة
وخبره في ذلك يذكر بعد هذا
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال قال عتبة بن المنهال المهلبي حدثني غير واحد من أهل الحجاز قالوا
كان ابن سيحان حليفا لقريش ينزل بالمدينة وكان نديما للوليد بن عثمان فأصابه ذات يوم خمار فذهب لسانه وسكنت أطرافه وصرخ أهله عليه فأقبل الوليد إليه فزعا فلما رآه قال أخي مخمور ورب الكعبة ثم أمر غلاما له فأتاه بشراب من منزله في إداوة فأمر به فأسخن ثم سقاه إياه وقيأه وصنع له حساء وجعل على رأسه دهنا وجعل رجليه في ماء سخن فما لبث أن انطلق وذهب ما كان به
ومات الوليد بعد ذلك
فبينا ابن سيحان يوما جالس وبعض متاعه ينقل من بيت إلى بيت إذ مرت الخادم بإداوة الوليد التي كان داواه بما فيها من الشراب وقد يبست وتقبضت فانتحب وقال
( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حديثاً للشرابِ العاتِقِ ) وذكر باقي الأبيات
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثنا عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال
كان الوليد بن عثمان بن عفان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر فأصابه من ذلك شيء شديد خيف عليه وشق النساء عليه الجيوب فدعي له ابن سيحان فلما رآه قال اخرجن عني وعن أخي فخرجن فقال له الصبوح أبا عبد الله فجلس مفيقا فذلك حيث يقول ابن سيحان
( بأبي الوليدُ وأُمِّ نفسي كلّما ... بَدَتِ النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِق )
( أَثْْْوَى فأكرَمَ في الثَّوَاء وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنا من عند أَرْوَعَ باسِقِ )
( كم عنده من نائلٍ وسماحةٍ ... وفضائلٍ معدودةٍ وخلائقِ )
( وسَمَاحةٍ للمُعْتَفِين إذا اعتَفَوْْا ... في ماله حَقَّا وقَوْلٍ صادقٍ )
( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حَديثاً للشرابِ العاتِقِ )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال
كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم وكان لابن سيحان صديقا ونديما وكان صاحب شراب فمرض فعاده الوليد وقال ما تشتهي قال شرابا فبعث فجائه بشراب في إداوة
ثم ذكر باقي الخبر نحو الذي قبله
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن

( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حديثاً للشرابِ العاتِقِ ) وذكر باقي الأبيات
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثنا عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال
كان الوليد بن عثمان بن عفان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر فأصابه من ذلك شيء شديد خيف عليه وشق النساء عليه الجيوب فدعي له ابن سيحان فلما رآه قال اخرجن عني وعن أخي فخرجن فقال له الصبوح أبا عبد الله فجلس مفيقا فذلك حيث يقول ابن سيحان
( بأبي الوليدُ وأُمِّ نفسي كلّما ... بَدَتِ النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِق )
( أَثْْْوَى فأكرَمَ في الثَّوَاء وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنا من عند أَرْوَعَ باسِقِ )
( كم عنده من نائلٍ وسماحةٍ ... وفضائلٍ معدودةٍ وخلائقِ )
( وسَمَاحةٍ للمُعْتَفِين إذا اعتَفَوْْا ... في ماله حَقَّا وقَوْلٍ صادقٍ )
( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حَديثاً للشرابِ العاتِقِ )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال
كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم وكان لابن سيحان صديقا ونديما وكان صاحب شراب فمرض فعاده الوليد وقال ما تشتهي قال شرابا فبعث فجائه بشراب في إداوة
ثم ذكر باقي الخبر نحو الذي قبله
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن

حذف 240

أيوب بن عباية قال
كان الوليد بن عثمان ذا غلة في الحجاز يخرج إليها في زمان التمر بنفر من قومه يجنون له ويعاونونه فكان إذا حضر خروجهم دفع إليهم نفقات لأهليهم إلىرجعتهم فخرج بهم مرة كما كان يخرج وفيهم ابن سيحان فأتى ابن سيحان كتاب من أهله يسألونه القدوم لحاجة لا بد منها فاستأذنه فأذن له فقال له ابن سيحان زودوني من شرابكم هذا فزودوه إداوة ملأها له من شرابهم فكان يشربها في طريقه حتى قدم على أهله فألقاها في جانب بيته فارغة فمكث زمانا لا يذكرها ثم كنسوا البيت فرآها ملقاة في الكناسة فقال
( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانت حَدِيثاً للشراب العاتِقِ )
( إن تُصْبِحي لا شيءَ فيكِ فرُبَّما ... أُتْرِعْتِ من كأسٍ تَلَذُّ لِذائِقِ )
( بأبي الوليدُ وأُمِّ نفسي كُلَّما ... بَدَتِ النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِقِ )
( كم عندَه من نائلٍ وسَمَاحةٍ ... وشمائلٍ مَيْمُونةٍ وخلائِقِ )
( وكرامةٍ للمُعْتَفِين إذا اعْتَفَوْا ... في ماله حَقَّا وقَوْلٍ صادِقِ )
( أَثْوَى فأَكرَمَ في الثَّوَاءِ وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنَا من عندِ أَرْوَعَ باسِقِ )
( لَمَّا أتيناهُ أَتَيناُ ماجد الأخلاق ... سَبَّاقاً لِقَرْمٍ سابِقِ )
( قال الوليدُ يَدِي لكم رَهْنٌ بما ... حَاوَلْتُمُ من صامتٍ أو ناطِقِ )
( فإِلى الوليدِ اليومَ حَنَّتْ ناقتي ... تَهْوِي بِمُغْبَرِّ المُتُونِ سَمَالِقِ )
( حَنَّتْ إلى بَرْقٍ فقلتُ لها قِري ... بَعْضَ الحَنِينِ فإِنَّ شَجْوَكِ شائقي )

مروان والوليد بن عثمان يضر بانه الحد
)
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي الأصبهاني المعروف بالحزنبل قال حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي قالا جميعا

كان عبد الرحمن بن سيحان قد غاظ مروان بن الحكم أيام كان معاوية يعاقب بينه وبين سعيد بن العاص في ولاية الحرمين وأنكر عليه أشياء بلغته فغاظته من مدحه سعيدا وانقطاعه إليه وسروره بولايته فرصده حتى وجده خارجا من دار الوليد بن عثمان وهو سكران فضربه الحد ثمانين سوطا
وقدم البريد من المدينة على معاوية فسأله عن أخبار الناس فجعل يخبره بها حتى انتهى به الحديث إلى ابن سيحان فأخبره أن مروان ضربه الحد ثمانين فغضب معاوية وقال والله لو كان حليف أبي العاص لما ضربه ولكنه ضربه لأنه حليف حرب أليس هو الذي يقول
( وإني امرؤٌ حِلْفٌ إلى أفضل الوَرَى ... عَدِيداً إذا ارْفَضّتْ عَصا المْتَحلّفِ )
كذب والله مروان لا يضربه في نبيذ أهل المدينة وشكهم وحمقهم ثم قال لكاتبه أكتب إلى مروان فليبطل الحد عن ابن سيحان وليخطب بذلك على المنبر وليقل إنه كان ضربه على شبهة ثم بان له أنه لم يشرب مسكرا وليعطه ألفي درهم
فلما ورد الكتاب على مروان عظم ذلك عليه ودعا بابنه عبد الملك فقرأه عليه وشاوره فيه فقال له عبد الملك راجعه ولا تكذب نفسك ولا تبطل حكمك فقال مروان أنا أعلم بمعاوية إذا عزم على شيء أو أراده لا والله لا اراجعه
فلما كان يوم الجمعة وفرغ من الخطبة قال وابن سيحان فإنا كشفنا أمره فإذا هو لم يشرب مسكر وإذا نحن قد عجلنا عليه وقد أبطلت عنه الحد
ثم نزل فأرسل إليه بألفي درهم

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال
كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعرا وكان حلو الأحاديث عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها وكان على ذلك يصيب من الشراب فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه فلما ولي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه وكان قد سبعه فحقد ذلك عليه مروان واضطغنه وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان فيشرب معه وابن سيحان لايظن أن مروان يفعل به الذي فعله وقد كان مدحه بان سيحان ووصله مروان ولكن مروان أراد فضيحة الوليد فرصده ليلة في المسجد وكان ابن سيحان يخرج في السحر من عند الوليد ثملا فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء يبيتون في المسجد يتهجدون فلما خرج ابن سيحان ثملا من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة فأشهدهما على سكره وقد سأله أن يقرأ أم القرآن فلم يقرأها فدفعه إلى صاحب شرطته فحبسه فلما أصبح الوليد بلغه الخبر وشاع في المدينة وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه وأنه لو لقي ابن سيحان ثملا خارجا من عند غيره لم يعرض له فقال الوليد لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان فأمر صاحب شرطته فضربه الحد ثم أرسله فجلس ابن سيحان في بيته

لا يخرج حياء من الناس فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده وكان له جليسا فقال له ما يجلسك في بيتك قال الإستحياء من الناس قال اخرج أيها الرجل وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة فقال له البسها ورح معنا إلى المسجد فهذا أحرى أن يكذب به مكذب ثم ترحل إلى أمير المؤمنين فتخبره بما صنع بك الوليد فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطا لهم حتى دخل المسجد فصلى ركعتين ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة فقائل يقول لم يضرب وقائل يقول أنا رأيته يضرب وقائل يقول عزر أسواطا

معاوية يبطل الحد عن ابن أرطأة
فمكث أياما ثم رحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشرب معه وكلم يزيد أباه معاوية في أمره فدعا به فأخبره بقصته وما صنعه به مروان فقال قبح الله الوليد ما أضعف عقله أما استحيا من ضربك فيما شرب وأما مروان فإني كنت لا أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي ولم يصب وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه صار شرطيا ثم قال لكاتبه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة أما بعد فالعجب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الحد عن ابن سيحان وطف به في حلق المسجد وأخبرهم أن صاحب شرطك تعدى عليه وظلمه وأن أمير المؤمنين قد أبطل ذلك عنه أليس ابن سيحان الذي يقول
( وإنِّي امرؤٌ أُنْمَى إلى أَفضل الورَى ... عديداً إِذا ارفَضّتْ عصا اُلمتحلِّفِ )

( إلى نَضَدٍ من عبد شمس كأنّهم ... هِضَابُ أجَا أركانُها لم تَقَصَّفِ )
( ميامينُ يَرْضَوْن الكِفَايَة إنْ كُفُوا ... وَيكْفُون ما وُلّوا بغير تكلّفِ )
( غَطَارِفةٌ ساسوا البلاد فأحْسَنوا ... سياستها حتّى أقرّت لمُْرِدِف )
( فمن يك منهم مُوسِراً يُفْشِ فضلَه ... ومن يكُ منهم مُعسِراً يتَعفَّف )
( وإنْ تُبْسَطِ النُّعْمَى لهم يَبْسُطوا بها ... أَكُفَّا سِبَاطاً نفعُها غيرُ مُقْرفِ )
( وإن تُزْوَ عنهم لا يَضِجُّوا وتُلْفِهِمْ ... قليلي التشكِّي عندها والتكلُّفِ )
( إذا انصرفوا للحقّ يوماً تصرَّفوا ... إذا الجاهل الحيران لم يتصرَّفِ )
( سَمَوْا فعلَوْا فوق البرية كلّها ... ببُنْيان عالٍ من مُنيفٍ ومُشْرِفِ )
قال وكتب له بأن يعطى أربعمائة شاة وثلاثين لقحة مما يوطن السيالة وأعطاه هو خمسمائة دينار وأعطاه يزيد مائتي دينار
ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد فطاف به في المسجد وأبطل ذلك الحد عنه وأعطاه ما كتب به له معاوية
وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما فعله بابن سيحان وما أراده بذلك
ودعا الوليد عبد

الرحمن بن سيحان إلى أن يعود للشرب معه فقال والله لا ذقت معك شرابا أبدا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو مسلم الغفاري قال حدثني موسى بن عبد العزيز قال
أخذ ابن سيحان الجسري هكذا قال وهو غلط في شراب في إمارة مروان وكان حليفا لأبي سفيان بن حرب فضربه مروان ثمانين سوطاعلى رؤوس الناس فكتب إلى معاوية يشكوه فكتب إ ليه معاوية أما بعد فإنك أخذت حليف حرب فضربته ثمانين علي رؤوس الناس والله لتبطلنها عنه أو لأقيدنه منك فقال مروان لابنه عبد الملك ما ترى قال أرى والله ألا تفعل قال ويحك أنا أعلم بعزمات معاوية منك فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنا كنا ضربنا ابن سيحان بشهادة رجل من الحرس ووجدناه غير عدل ولا رضا فاشهدوا أني قد أبطلت ذلك الحد عنه
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال
ضرب مروان عبد الرحمن بن سيحان في الخمر ثمانين سوطا فكتب إليه معاوية أما بعد فإنك ضربت عبد الرحمن في نبيذ أهل الشأم الذي يستعملونه وليس بحرام وإنما ضربته حيث كان حلفه إلى أبي سفيان بن حرب وايم الله لو كان حليفا للحكم ما ضربته فأبطل عنه الحد قبل أن أضرب من أخذ معه أخاك عبد الرحمن بن الحكم فأبطل مروان عنه الحد فقال ابن سيحان في ذلك يذكر حلفه

( إنّي امرؤ عَقْدي إلى أفضل الورَى ... عَديداً إذا ارفَضَّتْ عصا المُتَحلَّفِ )
وقال الطوسي كان عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان يشرب مع ابن سيحان فلما ضربه مروان الحد كتب إليه معاوية والله لتبطلنه عنه أو لأبعثن إلى أخيك من يضرب ظهره بالسوط في السوق أليس ابن سيحان الذي يقول
( سَموْتُ بِحِلْفي للطِّوال مِن الرُّبَى ... ولم تَلْقَني قِنَّاً لدَى مَبْرَك الجُرْبِ )
( إذا ما حَلِيف الذُّل أَقْمأ شخصَه ... ودبّ كما دبّ الحَسير على نَقْبِ )
( وهَصْتُ الحَصَى لا أُخْنِسُ الأَنفَ قابعاً ... إذا أنا رَاخَى لي خِنَاقِي بَنو حَرْبِ )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء وأحمد بن سليمان الطوسي قالا حدثنا الزبير ابن بكار قال حدثنا عمي مصعب وغيره قالوا

ابن أرطأة يرثي سعيد بن عثمان
قدم سعيد بن عثمان المدينة فقتله غلمان جاء بهم من الصغد وكان معه عبد الرحمن بن أرطأة بن سيحان حليف بني حرب بن أمية فهرب عنه لما

قتلوه فقال خالد بن عقبة بن أبي معيط يرثي سعيد بن عثمان وعثمان أخوه لأمه
( يا عينُ جُودِي بدمع منكِ تَهْتانَا ... وابكِي سعيدَ بنَ عثمانَ بنِ عَفَّانَا )
( إنّ ابنَ زِينَةَ لم تصدُق مودَّتهُ ... وفرّ عنه ابنُ أرطأةَ بنِ سَيْحانَا ) فقال ابن سيحان يعتذر من ذلك
( يقول رجالٌ قد دعاك فلم تُجِبْ ... وذلك من تِلْقاءِ مثلِك رائعُ )
( فإن كان نادَى دعوةً فسمعتُها ... فَشَلَّتْ يدي واستَكَّ منِّي المسامعُ )
( وإلا فكانتْ بالذي قال باطلاً ... ودارتْ عليه الدائراتُ القوارعُ )
( يلومونني أن كنتُ في الدار حاسراً ... وقد فرّ عنه خالدٌ وهو دَارعُ ) فقال بعض الشعراء يجيبه
( فإنك لم تسمَعْ ولكن رأيتَه ... بعينك إذ مَجْراك في الدار واسعُ )
( وأسلمتَه للصُّغْد تَدْمَى كُلُومُه ... وفارقتَه والصوتُ في الدار شائعُ )
( وما كان فيها خالدٌ بمعذَّرٍ ... سواء عليكم صَمّ أو هو سامعُ )
( فلا زلتُما في غُلِّ سَوْءٍ بِعِبْرةٍ ... ودارتْ عليكم بالشَّمَاتِ القَوَارعُ )
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال
لما قتل سعيد بن عثمان بن عفان قالت أمه أشتهي أن يرثيه شاعر كما في نفسي حتى أعطيه ما يحتكم فقال ابن سيحان

( إن كنتِ باكيةً فتىً ... فأبكِي هَبِلْتِ على سعيدِ )
( فارقتَ أهلَكَ بغتةً ... وجَلبتَ حَتْفَك من بعيدِ )
( أذْرِي دموعَكِ والدِّماءَ ... على الشَّهيدِ ابن الشهيدِ ) فقالت هكذا كنت أشتهي أن يقال فيه ووصلت ابن سيحان
وكانت تندبه بهذا الشعر
قال أبو عمرو في روايته التي ذكرتها عن عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال
جلس ابن سيحان وخالد بن عقبة بعد مقتل سعيد بن عثمان يتحدثان فجرى ذكره فبكيا جميعا عليه فقال ابن سيحان يرثيه
( ألاَ إنّ خيرَ الناس إن كُنت سائلاً ... سعيدُ بنُ عثمانَ القَتِيلُ بلا ذَحْلِ )
( تداعت عليه عُصْبةٌ فارسيّةٌ ... فأَضْحَى سعيدٌ لا يُمِرُّ ولا يُحْلي ) وقال خالد بن عقبة
( ألا إنّ خيرَ الناس نفساً ووالداً ... سعيدُ بن عثمانٍ قتيلُ الأعاجِمِ )
( بكتْ عينُ من لم يَبْكِه وَسْطَ يَثْرِبٍ ... مَدَى الدهرِ منه بالدموع السَّوَاجِمِ )
( فإن تكن الأيامُ أَرْدت صروفُها ... سعيداً فمَنْ هذا عليها بسالِم ) قال الحزنبل أنشدني عمرو بن أبي عمرو عن أبيه لابن سيحان قال عمي وأنشدني السكري عن ابن حبيب والطوسي له

صوت
( رحِم اللهُ صاحِبَيَّ ابنَيِ الحارِث ... إذ يَنْهَيَانِنِي أن أَبُوحَا )
( بالتي تيَّمتْ فؤادي وأن أُذْرِي ... دموعي على ردائي سُفُوحَا )
( في مَغَانِي منازلٍ من حبيبٍ ... باشرتْ بعدَه قِطَاراً ورِيحَا )
( ولقد قلتُ للفؤاد ولكنْ ... كان قِدْماً إلى هواه جَمُوحَا )
( قلتُ أقْصِرْ عن بعضِ حُبِّك أرْوَى ... إن بعض الحِبَابِ كان فُضُوحَا )
( فعصاني فليس يسمَعُ قولاً ... من حَمامٍ على الأراكِ جُنُوحَا )
( أُمَّ يحيَى تقبَّل اللهُ يحيى ... بقَبُول كما تَقَبَّلَ نُوحَا )
( أُمَّ يحيَى لولا طِلاَبُكِ قد سِحْتُ ... مع الوحشِ أو لَبِسْتُ المُسُوحَا )
( ولقد قلت لا أُحدِّثَ سِرّاً ... سرَّ أخرَى ما دمتُ أمشِي صحيحَا )
والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس
وفيه للغريض ثقيل أول عن الهشامي
وفيه لزريق رمل
قال أبو عمرو وابن سيحان الذي يقول
( ألا هل هاجَك الأظعانُ ... إذ جاوزْنَ مُطَّلحَا )
هجاء ابن أرطأة لبني مطيع
والناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا
وقال أبو عمرو في خبره كان ابن سيحان يحدث قال كنت آلف من قريش أهل بيتين سوى من كنت منقطعا إليه من بني أمية بني عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وبني

مطيع فلما ضربني مروان الحد جئت فجلست إلى بني مطيع كما كنت أجلس فلما رأوني عرفت الكراهة في وجوههم والله ما أقبلوا علي بحديثهم ولا وسعوا لي فانصرفت ورحت إلى بني عبد الرحمن فلما رأوني أقبلوا بوجوههم علي وحيوا ورحبوا وسهلوا ووسعوا ورفعوني إلى حيث لم أكن أجلس وأقبلوا علي بوجوههم يحدثونني وقالوا لعلك خشعت للذي لحقك أما والله لقد علم الناس أنك مظلوم وظلموا مروان في فعله ورأوا أنه قد أساء وأخطأ في شأنك وقالوا ما ضرك ذلك ولا نقصك ولا زادك إلا خيرا ولم يزالوا حتى بسطوني فقلت أمدحهم وأذم بني مطيع
( لقد حرَّمتُ وُدَّ بني مُطِيع ... حَرَامَ الدُّهْنِ للرجل الحَرَامِ )
( وإن جنَف الزمانُ مددتُ حبلاً ... مَتِيناً من حبال بني هِشَامِ )
( رَطيبٌ عودُهم أبداً وَرِيقٌ ... إذا ما اغبرَّ عِيدانُ اللئامِ )
وقال أبو عمرو في خبره كان عبد الرحمن بن سيحان ينادم الوليد بن عثمان على الشراب فيبيت عنده خوفا من أن يظهر وهو سكران فيحد فقالت له امرأته قد صرت لا تبيت في منزلك وأظنك قد تزوجت وإلا فما مبيتك عن أهلك فقال لها
( لا تَعْدَمِيني نَديماً ماجِداً أَنِفاً ... لا قائلاً قاذِفاً خَلْقَاً ببُهْتَانِ )
( أغرَّ روَواقُه مَلآنُ صافيةً ... تَنْفِي القَذَى عن جَبِينٍ غيرِ خَزْيانِ )

( سَبيئة من قُرَى بَيْروتَ صافية ... عَذْراء أو سُبِئتْ من أرض بَيْسَان )
( إنَّا لنَشربهُا حتى تميلَ بنا ... كما تَمَايلَ وَسْنانٌ بوَسْنانِ )

يشرب الخمرة ويحث على شربها
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال
كان بن سيحان صاحب شراب فدخل على ابن عم له يقال له الحارث بن سريع فوجده يشرب نبيذ زبيب فجعل يعظه ويأمره بشرب الخمر وقال له يابن سريع إن كنت تشربه على أن نبيذ الزبيب حلال فإنك أحمق وإن كنت تشربه على أنه حرام تستغفر الله منه وتنوي التوبة فاشرب أجوده فإن الوزر واحد ثم قال
( دَعِ ابنَ سَرِيع شُرْبَ ما مات مرةً ... وخُذْها سُلاَفاً حيةً مُزّةَ الطَّعْمِ )
( تَدَعْك على مُلْكِ ابن ساسَان قادراً ... إذا حرّمت قُرَّاؤنا حَلَبَ الكَرْمِ )
( فَشتَّان بين الحيّ والمَيْتِ فاعتزْم ... على مُزَّةٍ صَفْراء راووقُها يَهْمِي )
( فإِنْ سَرِيعاً كان أوصَى بحبّها ... بَنِيه وعمِّي جاوز الله عن عَمِّي )
( ويا رُبَّ يومٍ قد شهدتُ بني أبي ... عليها إلى أن غاب تاليةُ النَّجْمِ )
( حَسَوْها صلاةَ العصرِ والشمسُ حيّةٌ ... تُدَار عليهم بالصغير وبالضَّخْم )
( فماتوا وعاشوا والمُدَامَة بينهم ... مُشَعْشَعة كالنجم تُوصَف بالوَهْمِ )

أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال
كان ابن سيحان حليف حرب بن أمية ينادم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ويشرب معه الخمر وهو القائل
( إصبَحْ ندِيمَكَ من صَهْباء صافيةٍٍ ... حتىّ يروح كريماً ناعمَ البالِ )
( واشربْ هُدِيتَ أبا وَهْبٍ مُجَاهَرةً ... واخْتَلْ فإنك من قوم أُولي خالِ )
( أنت الجوادُ أبا وَهْبٍ إذا جَمَدتْ ... أيدي الرجال بما تَحْويه من مالِ )
( لولا رجاؤك قد شمَّرْتُ مُرتجِلاً ... عَنْساً تُعَاقِبُ تَخْويداً بإِرْقَالِ )
( لما تَوَاصَوْا بقتلي قمتُ معتزماً ... حتى حَميْتُ من الأعداء أوْصالي )
( عمّ الوليدُ بمعروفٍ عشيرتَه ... والأبعدون حَظُوا منه بإِفضالِ )
قال وكان ابن سيحان قد ضرب رجلا من أخواله بالسيف فقطع يده ولم تقم عليه بينة فتآمر به القوم ومنع منه ابن خال له منهم وخاف الوليد بن عقبة أن يرجع إلى المدينة هاربا منهم وخوفا من جنايته عليهم فيفارقه وينقطع عنه فدعاهم وأرضاهم وأعطاهم دية صاحبهم فلم يزل عند الوليد حتى عزل وهو نديمه

وصفيه
وهو القائل في الوليد وفيه غناء

صوت
( بات الوَليدُ يُعاطِينى مُشَعشَعةً ... حتى هَوَيْتُ صَرِيعاً بين أصحابِي ) في الغناء بات الكريم يعاطيني
( لا أستطيع نهوضاً إن همَمْتُ به ... وما أُنَهْنَهُ من حَسْوٍ وتَشْرابِ )
( حتى إذا الصبحُ لاحتْ لي جوانبُه ... وليَّتْ أسحَبُ نحوَ القومِ أثوابِي )
( كأنّني من حُمَيَّا كأسِه جَمَلٌ ... صَحَّتْ قوائمُهُ من بعد أَوْصاب ) ويروى
( كأنني من حُمَيَّا كأسِه ظَلِعٌ ... )
الغناء ليحيى المكي وروي ضلع خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي وبذل
قالت بذل وفيه لحن آخر ليحيى ولم تذكر طريقته
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو فهيرة قال
دخل عبد الرحمن بن أرطأة على سعيد بن العاص وهو أمير المدينة فقال له ألست القائل
( إنّا لنشربُها حتى تميل بنا ... كما تَمايل وَسْنانٌ بوَسْنانِ ) فقال له عبد الرحمن معاذ الله أن أشربها وأنعتها ولكني الذي أقول
( سَموْتُ بحِلْفي للطِّوالِ من الذُّرَى ... ولم تَلْقَنِي كالنَّسْرِ في ملتقىً جَدْبِ )

( إذا ما حَلِيفُ القوم أَقْعَى مكانَه ... ودَبَّ كما يمشي الحَسِير من النَّقْبِ )
( وهَصْتُ الحَصى لا أرهبُ الضيمَ قائماً ... إذا أنا راخى لي خِنَاقي بنو حَرْبِ )
وقام يجر مطرفه بين الصفين حتى خرج
فأقبل عمرو بن سعيد على أبيه فقال لو أمرت بهذا الكلب فضرب مائتي سوط كان خيرا له فقال يا بني أضربه وهو حليف حرب بن أمية ومعاوية خليفة بالشام إذا لا يرضى فلما حج معاوية لقيه بمنى فقال إيه يا سعيد أمرك أحمقك بأن تضرب حليفي مائتي سوط أما والله لو جلدته سوطا لجلدتك سوطين فقال له سعيد ولم ذاك أولم تجلد أنت حليفك عمر بن جبلة فقال له معاوية هو لحمي آكله ولا أوكله
قال وكان ابن سيحان قد قال
( لا يَعْدَمنِّي نديمي ماجِداً أنِفاً ... لا قائلاً خالطاً زوراً ببُهْتانِ )
( أُمْسِي أُعاطيهِ كأساً لذَّ مَشْرَبُها ... كالمسكِ خُفَّتْ بِنِسْرينٍ وريْحَانِ )
( سبيئةً من قُرَى بَيْرُوت صافيةً ... أو التي سُبِئَتْ من أرض بَيْسانِ )
( إنّا لنشربُها حتى تميل بنا ... كما تَمايل وَسْنانٌ بوَسْنانِ ) انقضت أخباره
صوت

من المائةالمختارة من رواية علي بن يحيى
( يا خليليّ هَجِّرَا كيْ تَرُوحا ... هِجْتما للرَّواح قَلْبا قريحا )
( إنْ تُرِيغا لِتَعْلَما سِرَّ سُعْدى ... تَجِداني بِسرّ سُعْدى شَحِيحا )
( إنّ سُعْدى لمُنْيَةُ المُتَمنِّي ... جَمَعتْ عِفّة ووَجْها صَبيحاً )

( كلّمتني وذاك ما نِلْتُ منها ... إنّ سُعْدى ترى الكلامَ ربيحا )
الشعر لابن ميادة والغناء لحنين ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه لدحمان لحنا من الثقيل الأول بالبنصر وأظنه هذا وأن عمرا غلط في نسبته إلى دحمان

أخبار ابن ميادة ونسبه
اسمه الرماح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة هكذا قال الزبير بن بكار في نسبه وقال ابن الكلبي ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم ويقال سراقة بن قيس بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف ابن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن زيد بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر
وأمه ميادة أم ولد بربرية وروي أنها كانت صقلبية
ويكنى أبا شرحبيل وقيل بل يكنى أبا شراحيل
( وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية وذكر ذلك في شعره فقال
( أنا ابْنُ سَلْمى وَجَدِّي ظالمُ ... وأُمِّي حَصَانٌ أخلصتْها الأعاجمُ )
( أليس غلامٌ بين كسرى وظالمٍ ... بأكرمِ مَن نِيطتْ عليه التمائمُ )
أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة مرهوب بن سيد وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير الفزاري قال أخبرني موسى بن سيار بن نجيح المزني قال أنشدني ابن ميادة أبياته التي يقول فيها
( أليس غلامٌ بين كِسرى وظالم ... بأكرم من نِيطَتْ عليه التمائمُ )
فقلت له لقد أشحطت بدا العجوز وأبعدت بها النجعة فهلا غربت يريد

أنها صقلبية ومحلها بناحية المغرب فقال إي بأبي أنت إنه من جاع انتجع فدعها تسر في الناس فإنه من يسمع يخل قال الزبير قال ابن مسلمة ولما قال ابن ميادة هذه الأبيات قال الحكم الخضري يرد عليه
( وما لكَ فيهم من أبٍ ذي دسِيعةٍ ... ولا وَلَدَتْكَ المُحْصَنَاتُ الكرائم )
( وما أنتَ إلاّ عبدُهم إن تُرِبْهُمُ ... مِنَ الدهر يوماً تَسْتَرِبْكَ المقاسِمُ )
( رَمَى نَهْبَلٌ في فَرْجِ أُمِّك رَمْيَةً ... بِحَوْقَاءَ تَسْقِيهَا العُرُوق الثَّواجمُ )
قال أبو مسلمة ونهبل عبد لبني مرة كانت ميادة تزوجته بعد سيدها وكانت صقلبية
وابن ميادة شاعر فصيح مقدم مخضرم من شعراء الدولتين وجعله ابن سلام في الطبقة السابعة وقرن به عمر بن لجأ والعجيف العقيلي والعجير السلولي

ابن ميادة يتعرض للمهاجاة
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا الحسن بن الحسين السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعربي قال كان ابن ميادة عريضا للشر طالبا مهاجاة الشعراء ومسابة الناس
وكان يضرب بيده على جنب أمه ويقول
( اعْرَنْزِمِي مَيّاد للقوافي ... ) أي إني سأهجو الناس فيهجونك
وأخبرنا يحيى بن علي عن أبي هفان بهذه الحكاية مثله وزاد فيها
( لإعْرَنْزِمِيّ ميَّادَ للقوافي ... واسْتَسْمِعيهنّ ولا تَخَافِي )
( سَتجدِينَ ابنَكِ ذا قِذَافِ ... )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا داود بن علفة الأسدي قال جاورت امرأة من الخضر رهط الحكم الخضري أبيات ابن ميادة فجاءت ذات يوم تطلب رحى وثفالا لتطحن فأعاروها إياهما فقال لها ابن ميادة يا أخت الخضر أتروين شيئا مما قاله الحكم الخضري لنا يريد بذلك أن تسمع أمه فجعلت تأبى فلم يزل حتى أنشدته
( أمَيَّادَ قد أفسدتِ سيفَ ابن ظالم ... بِبَظْرِك حتى عاد أثْلَمَ باليَا )

قال وميادة جالسة تسمع
فضحك الرماح وثارت ميادة إليها بالعمود تضربها به وتقول أي زانية هيا زانية أإياي تعنين وقام ابن ميادة يخلصها فبعد لأي ما أنقذها وقد انتزعت منها الرحى والثفال
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري قال حدثني شماطيط وهو الذي يقول
( أنا شَماطيطُ الذي حُدِّثتَ به ... متى أُنبَّهْ للغداء أَنْتَبِهْ )
( حتى يُقالُ شَرِهٌ ولستُ بِه ... )
قال كنت جالسا مع ابن ميادة فوردت عليه أبيات للحكم الخضري يقول فيها
( أأنت ابن أشبانِيّةٍ أَدْلجَتْ به ... إلى اللؤم مِقْلاتٍ لئيمٍ جَنينُها )
أشبانية صقلبية قال وأمه ميادة تسمع فضرب جنبها وقال
( إعْرَنْزِمي مَيَّادَ للقوافِي )
فقالت هذه جنايتك يابن من خبت وشر وأهوت إلى عصا تريد ضربه بها ففر منها وهو يقول
( يا صِدْقَها ولم تكن صَدُوقَا ... )

فصحت به أيهما المعني فقال أضرعهما خدين وألأمهما جدين فضربت جنبها الآخر وقلت فهي إذا ميادة وخرجت أعدو في أثر الرماح وتبعتنا ترمينا بالحجارة وتفتري علينا حتى فتناها
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو داود الفزاري أن ميادة كانت أمة لرجل من كلب زوجة لعبد له يقال له نهبل فاشتراها بنو ثوبان بن سراقة فأقبلوا بها من الشام فلما قدموا وصبحوا بها المليحة وهي ماءة لبني سلمى ورحل بن ظالم بن جذيمة نظر رجل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها فقال ما هذه قالوا اشتراها بنو ثوبان فقال وأبيكم إنها لميادة تميد وتميل على بعيرها فغلب عليها ميادة وكان أبرد ضلة من الضلل ورثة من الرثث جلفا لا تخلص إحدى يديه من الاخرى يرعى على إخوته وأهله وكانت إخوته كلهم ظرفاء غيره فأرسلوا ميادة ترعى الأبل معه فوقع عليها فلم يشعروا بها إلا حبلى قد أقعسها بطنها فقالوا لها لمن ما في بطنك قالت لأبرد وسألوه فجعل يسكت ولا يجيبهم حتى رمت بالرماح فرأوا غلاما فدغما نجيبا فأقر به أبرد
وقالت بنو سلمى ويلكم يابني ثوبان ابتطنوه فلعله ينجب فقالوا والله ما له غير ميادة فبنوا لها

بيتا وأقعدوها فيه فجاءت بعد الرماح بثوبان وخليل وبشير بني أبرد وكانت أول نسائه و آخرهن و كانت امرأة صدق ما رميت بشيء ولا سبت إلا بنهبل قال عبد الرحمن بن جهيم الأسدي في هجائه ابن مياده
( لَعمْري لئن شابتْ حَليلةُ نَهْبلٍ ... لبئس شبابُ المرءِ كان شبابُها )
( و لم تدرِ حمراءُ العِجان انْهَبلٌ ... أبوه أمِ المُرِّيّ تَبّ تَبابُها )
قال أبو داود وكان ابن ميادة هجا بني مازن وفزارة بن ذبيان وذلك أنهم ظلموا بني الصارد والصارد من مرة فأخذوا مالهم و غلبوهم عليه حتى الساعة فقال ابن ميادة
( فلأُوردنّ على جماعة مازِنٍ ... خَيْلا مُقلِّصةَ الخُصَى ورجالا )
( ظلّوا بذي أُرُكٍ كأنّ رؤسهم ... شجَرٌ تخطّاه الربيع فحالا ) فقال رجل من بني مازن يرد عليه
( يا بن الخبيثه يا بن طَلّة نَهْبَلٍ ... هلاّ جَمعت كما زَعمت رجالا )
( أببَظْرِ مَيْدَة أم بخُصيَيْ نَهْبلٍ ... أم بالفُساةُ تُنازل الأبطالا )
( و لئن وردتَ على جماعة مازنٍ ... تبغي القتال لَتَلْقَينّ قِتالا ) قال وبنو مرة يسمون الفساه لكثرة امتيارهم التمر وكانت منازلهم بين

فدك وخيبر فلقبوا بذلك لأكلهم التمر وقال يحيى بن علي في خبره ولم يذكره عن أحد وقال ابن ميادة يفتخر بأمه
( أَنا ابن مَيَّادَة تَهْوِي نُجُبِي ... سَلْطُ الجبينِ حَسَنٌ مُرَكَّبي )
( تَرفعني أمي و ينميني أبي ... فوق السحاب ودُوَيْنَ الكوكبِ ) قال يحيى بن علي في خبره عن حماد أبيه عن أبي داود الفزاري إن ابن ميادة قال يفخر بنسب أبيه في العرب ونسب أمه في العجم
( أليس غلامٌ بين كِسرَى وظالم ... بأكرمِ مَن نِيطت عليه التَّمائمُ )
( لَوَ انَّ جميع الناس كانوا بتَلْعةٍ ... وجئتُ بجَدِّي ظالمٍ وابنِ ظالِم )
( لظلّت رقابُ الناس خاضِعةً لنا ... سُجوداً على أقدامنا بالجماجِم ) فأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أ بي عبيدة قال كان ابن ميادة واقفا في الموسم ينشد
( لو انّ جميع الناس كانوا بتَلْعةٍ ... )
وذكر تمام البيت والذي بعده
قال والفرزدق واقف عليه في جماعة وهو متلثم فلما سمع هذين البيتين أقبل عليه ثم قال أنت يابن أبرد صاحب هذه الصفة كذبت والله وكذب من سمع ذلك منك فلم يكذبك فأقبل عليه فقال فمه يا أبا فراس فقال أنا والله أولى بهما منك ثم أقبل على راويته فقال اضممهما إليك

( لَوَ انَّ جميع الناس كانوا بتَلْعةٍ ... وجئتُ بجَدِّي دارِمٍ وابنِ دارِمِ )
( لظلّت رقابُ الناس خاضِعةً لنا ... سُجوداً على أقدامنا بالجماجِم )
قال فأطرق ابن ميادة فما أجابه بحرف ومضى الفرزدق فانتحلهما
أخبرنا يحيى قال حدثنا حماد عن أبيه عن أبي داود قال
أم بني ثوبان وهم أبرد أبو ابن ميادة والعوثبان وقريض وناعضة وكان العوثبان وقريض شاعرين أمهم جميعا سلمى بنت كعب بن زهير بن أبي سلمى
ويقال إن الشعر أتى ابن ميادة عن أعمامه من قبل جدهم زهير
قال اسحاق في خبره هذا وحدثني حميد بن الحارث أن عقبة بن كعب بن زهير نزل المليحة على بني سلمى بن ظالم فأكلوا له بعيرا وبلغ ابن ميادة أن عقبة قال في ذلك شعرا فقال ابن ميادة يرد عليه
( ولقد حلفتُ بربِّ مكةَ صادقاً ... لولا قرابةُ نِسْوةٍ بالحاجرِ )
( لكسوتُ عُقْبَةَ كُسْوةً مشهورةً ... تُرِدُ المَنَاهلَ من كلامٍ عائرِ )
وهي قصيدة فقال له عقبة
( ألَوْما أنني أصبحتُ خالاً ... وذكرُ الخال ينقُص أو يزيد )
( لقد قلَّدتُ من سَلْمَى رجالا ... عليهم مَسْحَةٌ وهُمُ العبِيدُ )
فقال ابن ميادة
( إن تَكُ خالنا فقُبِحْتَ خالاً ... فأنت الخال تنقُص لاتزيدُ )
( فيوماً في مُزَينة أنت حُرٌّ ... ويوماً أنت مَحْتِدُك العبيدُ )

( أحقُّ الناسِ أن يَلْقَى هَواَناً ... ويؤكلَ مالُه العبدُ الطَّرِيدُ )
قال إسحاق فحدثني عجرمة قال كان ابن ميادة أحمر سبطا عظيم الخلق طويل اللحية وكان لباسا عطرا ما دنوت من رجل كان أطيب عرفا منه
قال إسحاق وحدثني أبو داود قال سمعت شيخا عالما من غطفان يقول كان الرماح أشعر غطفان في الجاهلية والاسلام وكان خيرا لقومه من النابغة لم يمدح غير قريش وقيس وكان النابغة إنما يهذي باليمن مضللا حتى مات
قال إسحاق وحدثني أبو داود أن بني ذبيان تزعم أن الرماح بن ميادة كان آخر الشعراء
قال إسحاق وحدثني أبو صالح الفزاري أن القاسم بن جندب الفزاري وكان عالما قال لابن ميادة والله لو أصلحت شعرك لذكرت به فإني لأراه كثير السقط فقال له ابن ميادة يابن جندب إنما الشعر كنبل في جفيرك ترمي به الغرض فطالع وواقع وعاصد وقاصد
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال كان ابن ميادة حديث العهد لم يدرك زمان قتيبة بن مسلم ولا دخل فيمن عناه حين قال
أشعر قيس الملقبون من بني عامر والمنسوبون إلى أمهاتهم من غطفان

ولكنه شاعر مجيد كان في أيام هشام بن عبد الملك وبقي إلى زمن المنصور
أخبرنا يحيى بن علي قال كان ابن ميادة فصيحا يحتج بشعره وقد مدح بني أميه وبني هاشم مدح من بني أمية الوليد بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان ومدح من بني هاشم المنصور وجعفر بن سليمان
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال أخبرني طماح ابن أخي الرماح بن ميادة قال
قال لي عمي الرماح ما علمت أني شاعر حتى وأطأت الحطيئة فإنه قال
( عفا مُسْحُلاَنُ من سُلَيْمى فَحامِرُهْ ... تَمَشَّي به ظِلْمَانُه وجآذِرُهْ )
فو الله ما سمعته ولا رويته فواطآته بطبعي فقلت
( فذو العُشّ والممدورُ أصبح قاوياً ... تَمَشَّي به ظِلْمَانُهُ وجآذِرُهْ )

فلما أنشدتها قيل لي قد قال الحطيئة
( تَمَشَّى به ظلمانه وجآذرهْ ... )
فعلمت أني شاعر حينئذ

ابن ميادة وأم جحدر
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى ابن زهير بن مضرس قال كان الرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة ينسب بأم جحدر بنت حسان المرية إحدى نساء بني جذيمة فحلف أبوها ليخرجنها إلى رجل من غير عشيرته ولا يزوجها بنجد فقدم عليه رجل من الشأم فزوجه إياها فلقي عليها ابن ميادة شدة فرأيته وما لقي عليها فأتاها نساؤها ينظرن إليها عند خروج الشامي بها قال فوالله ماذكرن منها جمالا بارعا ولا حسنا مشهورا ولكنها كانت أكسب الناس لعجب فلما خرج بها زوجها إلى بلاده اندفع ابن ميادة يقول
( ألاَ ليتَ شِعْرِي هل إلى أمّ جَحْدَرٍ ... سبيلٌ فأما الصبرُ عنها فلا صَبْرَا )
( إذا نزلتْ بُصْرَى تراخَىمَزارُها ... وأغلقَ بَوَّابَانِ مِن دُونها قَصْرَا )
( فهل تأتينِّي الريحُ تَدْرُجُ مَوْهِناً ... بريّاكِ تَعْرَوْرِي بها جَرَعاً عُفْرَا ) قال الزبير وزادني عمي مصعب فيها

( فلو كان نَذْرٌ مُدْيِناً أمَّ جَحْدَرٍ ... إليّ لقد أَوْجَبتُ في عُنُقِي نَذْرَا )
( ألا لا تَلُطِّي السِّتْرَ يا أمّ جَحْدَرٍ ... كَفَى بذُرَا الأعلام مِنْ دُوننا سِتْرا )
( لَعمرِي لئن أَمْسَيتِ يا أمّ جَحْدَرٍ ... نأيتِ لقد أبليتُ في طلبٍ عُذرا )
( فَبَهْراً لقومي إذ يبيعون مُهْجتي ... بغانيةٍ بَهْراً لهم بعدَها بَهْرَا )
قال الزبير بهرا هاهنا يدعو عليهم أن ينزل بهم من الأمور ما يبهرهم كما تقول جدعا وعقرا
وفي أول هذه القصيدة على ما رواه يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن حميد بن الحارث يقول
( ألا لا تَعُدْ لِي لَوْعَةٌ مثلُ لَوْعَتِي ... عليكِ بأَدْمَى والهوى يَرْجِعُ الذِّكْرَا )
( عَشِيَّةَ أَلْوِي بالرِّدَاء على الحَشَا ... كأنّ رِدَائي مُشْعَلٌ دونَه جَمْرَا )
قال حميد بن الحارث وأم جحدر امراة من بني رحل بن ظالم بن جذيمة ابن يربوع بن غيظ بن مرة
أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني الحرمي ابن أبي العلاء عن الزبير عن موهوب بن رشيد عن جبر بن رباط النعامي أن أم جحدر كانت امرأة من بني مرة ثم من بني رحل وأن أباها بلغه مصير ابن ميادة إليها فحلف ليزوجنها رجلا من غير ذلك البلد فزوجها رجلا من أهل الشأم فاهتداها وخرج بها إلى الشأم فتبعها ابن ميادة حتى أدركه أهل بيته فردوه مصمتا لا يتكلم من الوجد بها فقال قصيدة أولها
( خَلِيليّ من أَبْناء عُذْرَة بَلِّغَا ... رسائلَ منّا لا تَزِيدكما وِقْرَا )
( أَلِمّا على تَيْماءَ نَسْأَلْ يَهُودَها ... فإنّ لدى تيماءَ من رَكْبها خُبْرَا )
( وبالغَمْر قد جازتْ وجازَ مطِيُّها ... عليه فسَلْ عن ذاك نَيَّانَ فالغَمْرَا )
( ويا ليتَ شِعْرِي هل يَحُلّنّ أَهلُها ... وأهلُكَ رَوْضاتٍ ببَطن اللِّوَى خُضْرَا )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني أبو سعيد يعني عبد الله بن شبيب قال حدثني أبو العالية الحسن بن مالك وأخبرني به الأخفش عن ثعلب عن عبد الله بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرياحي العذري قال حدثني عمر ابن وهب العبسي قال حدثني زياد بن عثمان الغطفاني من بني عبد الله بن غطفان قال كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء فإذا أعرابي يقول يا معشر العرب أما منكم رجل يأتيني أعلله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعني فجئت إليه فقلت من أنت فقال أنا الرماح بن أبرد قلت فأخبرني ببدء أمركما قال كانت أم جحدر من عشيرتبي فأعجبتني وكانت بيني وبينها خلة هم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها فأتيتها فقلت يا أم جحدر إن الوصل عليك مردود فقالت ما قضى الله فهو خير
فلبثت على تلك

( خَلِيليّ من أَبْناء عُذْرَة بَلِّغَا ... رسائلَ منّا لا تَزِيدكما وِقْرَا )
( أَلِمّا على تَيْماءَ نَسْأَلْ يَهُودَها ... فإنّ لدى تيماءَ من رَكْبها خُبْرَا )
( وبالغَمْر قد جازتْ وجازَ مطِيُّها ... عليه فسَلْ عن ذاك نَيَّانَ فالغَمْرَا )
( ويا ليتَ شِعْرِي هل يَحُلّنّ أَهلُها ... وأهلُكَ رَوْضاتٍ ببَطن اللِّوَى خُضْرَا )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني أبو سعيد يعني عبد الله بن شبيب قال حدثني أبو العالية الحسن بن مالك وأخبرني به الأخفش عن ثعلب عن عبد الله بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرياحي العذري قال حدثني عمر ابن وهب العبسي قال حدثني زياد بن عثمان الغطفاني من بني عبد الله بن غطفان قال كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء فإذا أعرابي يقول يا معشر العرب أما منكم رجل يأتيني أعلله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعني فجئت إليه فقلت من أنت فقال أنا الرماح بن أبرد قلت فأخبرني ببدء أمركما قال كانت أم جحدر من عشيرتي فأعجبتني وكانت بيني وبينها خلة ثم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها فأتيتها فقلت يا أم جحدر إن الوصل عليك مردود فقالت ما قضى الله فهو خير
فلبثت على تلك

الحال سنة وذهبت بهم نجعة فتباعدوا واشتقت إليها شوقا شديدا فقلت لامرأة أخ لي والله لئن دنت دارنا من أم جحدر لآتينها ولأطلبن إليها أن ترد الوصل بيني وبينها ولئن ردته لا نقضته أبدا ولم يكن يومان حتى رجعوا فلما أصبحت غدوت عليهم فإذا أنا ببيتين نازلين إلى سند أبرق طويل وإذا امرأتان جالستان في كساء واحد بين البيتين فجئت فسلمت فردت إحداهما ولم ترد الأخرى فقالت ما جاء بك يا رماح إلينا ما كنا حسبنا إلا أنه قد انقطع ما بيننا وبينك فقلت إني جعلت علي نذرا لئن دنت بأم جحدر دار لآتينها ولأطلبن منها أن ترد الوصل بيني وبينها ولئن هي فعلت لا نقضته أبدا وإذا التي تكلمني امرأة أخيها وإذا الساكتة أم جحدر فقالت امرأة أخيها فادخل مقدم البيت فدخلت وجاءت فدخلت من مؤخره فدنت قليلا ثم إذا هي قد برزت فساعة برزت جاء غراب فنعب على رأس الأبرق فنظرت إليه وشهقت وتغير وجهها فقلت ما شأنك قالت لا شيء قلت بالله إلا أخبرتني قالت أرى هذا الغراب يخبرني أنا لا نجتمع بعد هذا اليوم إلا ببلد غير هذا البلد فتقبضت نفسي ثم قلت جارية والله ما هي في بيت عيافة ولا قيافة فأقمت عندها

ثم تروحت إلى أهلي فمكثت عندهم يومين ثم أصبحت غاديا إليها فقالت لي امرأة أخيها ويحك يا رماح أين تذهب فقلت إليكم فقالت وما تريد قد والله زوجت أم جحدر البارحة فقلت بمن ويحك قالت برجل من أهل الشأم من أهل بيتها جاءهم من الشأم فخطبها فزوجها وقد حملت إليه فمضيت إليهم فإذا هو قد ضرب سرادقات فجلست إليه فأنشدته وحدثته وعدت إليه أياما ثم إنه احتملها فذهب بها فقلت
( أجارتَنَا إنَّ الخطوبَ تَنُوبُ ... علينا وبعضَ الآمنين تُصِيبُ )
( أجارَتَنا لَسْتُ الغَدَاةَ ببارحٍ ... ولكنْ مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ )
( فإن تسألِينِي هل صَبَرْتَ فإنني ... صَبُورٌ على رَيْب الزمانِ صَلِيبُ )
قال علي بن الحسين هذه الأبيات الثلاثة أغار عليها ابن ميادة فأخذها بأعيانها أما البيتان الأولان فهما لامرىء القيس قالهما لما احتضر بأنقرة في بيت واحد هو
( أجارتَنَا إنَّ الخطوبَ تَنُوبُ ... وإنّي مُقِيمٌ ما أقام عَسِيبُ ) والبيت الثالث لشاعر من شعراء الجاهلية وتمثل به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في رسالة كتب بها إلى أخيه عقيل بن أبي طالب فنقله ابن ميادة نقلا
ونرجع إلى باقي شعر ابن ميادة
( جَرَى بانْبِتَاتِ الحَبْلِ من أمّ جَحْدَرٍ ... ظباءٌ وطيٌر بالفِرَاق نَعُوبُ )

( نظرتُ فلم أَعْتَفْ وعافتْ فبيَّنَتْ ... لها الطيرُ قبلي واللبيبُ لبيبُ )
( فقالت حرامٌ أن نُرَى بعد هذه ... جميعَيْنِ إلا أن يُلِمَّ غريبُ )
( أجارتَنا صبراً فيا رُبَّ هالكٍ ... تَقَطَّعُ من وَجْدٍ عليه قلوبُ )
قال ثم انحدرت في طلبها وطمعتَ في كلمتها إلا أن نجتمع في بلد غير هذا البلد قال فجئت فدرت الشأم زمانا فتلقاني زوجها فقال م لك لا تغسل ثيابك هذه أرسل بها إلى الدار تغسل فأرسلت بها ثم إني وقفت أنتظر خروج الجارية بالثياب فقالت أم جحدر لجاريتها إذا جاء فأعلميني فلما جئت إذا أم جحدر وراء الباب فقالت ويحك يا رماح قد كنت أحسب أن لك عقلا أما ترى أمرا قد حيل دونه وطابت أنفسنا عنه انصرف إلى عشيرتك فإني أستحيي لك من هذا المقام فانصرفت وأنا أقول

صوت
( عسى إن حَجَجْنا أن نرى أمَّ جَحْدَرٍ ... ويجمَعَنا من نَخْلَتيْن طَرِيقُ )
( وتَصْطَكَّ أعضادُ المَطِيِّ وبينَنا ... حديثٌ مُسَرٌّ دونَ كلّ رَفِيقِ )
شعر ابن ميادة في أم جحدر
في هذين البيتين لحن من الثقيل الثاني ذكر الهشامي أنه للحجبي
وقال حين خرج إلى الشأم هذه رواية ابن شبيب

( ألا حيِّيا رَسْمَاً بذي العُشِّ مُقْفِرا ... وربعاً بذي المَمْدورِ مستعجِماً قَفْرَاً )
( فأعجبُ دارٍ دارُها غيرَ أنني ... إذا مما ما أتيتُ الدار تَرْجِعُني صِفْرا )
( عشيةَ أَثْنِي بالرِّداء على الحَشَى ... كأنّ الحَشَى من دُونِه أُسْعِرَتْ جَمْرَا )
( يَمِيلُ بنا شَحْطُ النَّوَى ثم نلتقِي ... عِدَادَ الثُّرَيَّا صادفتْ ليلَةً بَدْرَا )
( وبالغَمْرِ قد جازتْ وجاز مطيُّها ... فأسْقَى الغَوَادِي بَطْنَ نَيَّانَ فالغَمْرَا )
( خَلِيليّ من غَيْظِ بن مُرَّةَ بلِّغا ... رسائلَ منِّي لا تَزِيدكُما وِقْرَا )
( ألا ليت شعري هل إلى أمِّ جَحْدَرٍ ... سَبِيلٌ فأما الصبُر عنها فلا صَبْرَا )
( فإن يَكُ نَذْرٌ راجعاً أمَّ جَحْدَرٍ ... علي لقد أَوْذَمتُ في عُنُقي نَذْرَا )
( وإني لاستنشي الحديثَ من اجْلِها ... لأسمعَ منها وهي نازِحةٌ ذِكْرَا )
( وأني لأستحيي من الله أن أُرَى ... إذا غدَر الخُلاَّنُ أنوِي لها غَدْرَا )
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه قال أنشدني أبو داود لابن ميادة وهو يضحك منذ أنشدني إلى أن سكت
( ألم تَرَ أنْ الصارِدِيَّةَ جاورتْ ... لياليَ بالمَمْدور غيرَ كَثِيرِ )

( ثلاثاً فلمّا أن أصابتْ فؤادَه ... بسَهْمَيْن من كَحْلٍ دعتْ بهَجِيرِ )
( بأَصهَبَ يَرْمِي للزِّمام برأسِه ... كأنّ على ذِفْراه نَضْخَ عَبِيرِ )
( جلتْ إذ جلت عن أهل نجدٍ حَميدةً ... جَلاَء غنيٍّ لا جلاءَ فقيرِ )
( وقالت وما زادتْ على أن تبسّمتْ ... عَذِيرَكَ من ذي شَيْبةٍ وعَذِيري )
( عَدِمتُ الهوى ما يَبْرَح الدهرَ مُقْصِداً ... لقلبي بسَهْمٍ في اليدين طَرِيرِ )
( وقد كان قلبي مات للوَجْد مَوْتةً ... فقد هَمَّ قلبي بعدَها بِنَشَورِ ) قال فقلت ما أضحكك فقال كذب ابن ميادة والله ما جلت إلا على حمار وهو يذكر بعيرا ويصفه وأنها جلت جلاء غني لا جلاء فقير فأنطقه الشيطان بهذا كله كما سمعت
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى بن زهير قال مكثت أم جحدر عند زوجها زمانا ثم مات زوجها عنها ومات ولدها منه فقدمت نجدا على إخوتها وقد مات أبوها

أخبرني سيار بن نجيح المزني قال لقيت ابن ميادة وهو يبكي فقلت له ويحك مالك قال أخرجتني أم جحدر وآلت يمينا ألا تكلمني فانطلق فاشفع لي عندها فخرجت حتى غشيت رواق بيتها فوجدتها وهي تدمك جريرا لها بين الصلاية والمدق تريد أن تخطم به بعيرا تحج عليه فقالت إن كنت جئت شفيعا لابن ميادة فبيتي حرام عليك أن تلقي فيه قدمك قال فحجت ولا والله ما كلمته ولا رآها ولا رأته
قال موسى قال سيار فقلت له اذكر لي يوما رأيته منها فقال لي أما والله لأخبرنك يا سيار بذلك بعثت إليها عجوزا منهم فقلت هل ترين من رجال فقالت لا والله ما رأيت من رجل فألقيت رحلي على ناقتي ثم أرسلتها حتى أنختها بين أطناب بيتهم ثم جعلت أقيد الناقة فما كان إلا ذاك حتى دخلت وقد ألقت لي فراشا مرقوما مطموما وطرحت لي وسادتين على عجز الفراش وأخريين على مقدمه قال ثم تحدثنا ساعة وكأنما تلعقني بحديثها الرب من حلاوته ثم إذا هي تصب في عس مخضوب بالحناء والزعفران من ألبان اللقاح فأخذت منها ذلك العس وكأنه قناة فراوحته بين يدي ما ألقمته فمي ولا دريت أنه معي حتى قالت لي عجوز ألا تصلي يابن مياد لا صلى الله عليك فقد أظلك صدر النهار ولا أحسب إلا أنني في أول البكرة قال فكان ذلك اليوم آخر يوم كلمتها فيه حتى زوجها أبوها وهو أظرف ما كان بيني وبينها
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني حكم بن

طلحة الفزاري ثم المنظوري قال
قال ابن ميادة أني لأعلم أقصر يوم مر بي من الدهر قيل له وأي يوم هو يا أبا الشرحبيل قال يوم جئت فيه أم جحدر باكرا فجلست بفناء بيتها فدعت لي بعس من لبن فأتيت به وهي تحدثني فوضعته علي يدي وكرهت أن أقطع حديثها أن شربت فما زال القدح على راحتي وأنا أنظر إليها حتى فاتتني صلاة الظهر وما شربت
قال الزبير وحدثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد بمثل هذا وزاد في خبره وقال ابن ميادة فيها أيضا
( ألم تَرَ أنْ الصارِدِيَّةَ جاورتْ ... لياليَ بالمَمْدور غيرَ كَثِيرِ )
( ثلاثاً فلمّا أن أصابتْ فؤادَه ... بسَهْمَيْن من كَحْلٍ دعتْ بهَجِيرِ )
( بأَحْمرَ ذَيَّالِ العَسِيبِ مُفَرَّجٍ ... كأنّ على ذِفْراه نَضْخَ عَبِيرِ )
( حلفْتُ بِربِّ الراقصاتِ إلى مِنىً ... زَفِيفَ القَطَا يقطعْن بَطْنَ هَبِيرِ )
( لقد كاد حبُّ الصارِدِيَّةِ بعدما ... علا في سَوَاد الرأسِ نَبْذُ قَتِير )
( يكون سَفَاهاً أو يكونُ ضمانة ... على ما مضى من نعمةٍ وعَصَورِ )

( عدِمتُ الهوى لا يَبْرَحُ الدهرَ مُقْصِداً ... لقلبي بسهمٍ في الفؤاد طَرِيرِ )
( وقد كان قلبي مات للحبِّ موتةً ... فقد هَمَّ قلبي بعدها بنُشَورِ )
( جَلَتْ إذ جلت عن أهلِ َنْجد حميدةً ... جلاءَ غنيِّ لا جلاء فقيرِ ) ومما يغنى فيه من أشعار ابن ميادة في النسيب بأم جحدر قوله

صوت
( ألاَ يا لَقَوْمِي للهوى والتذكُّرِ ... وعينٍ قَذَى أنسانِها أمُّ َجْحَدِر )
( فلم تَرَ عينِي مثلَ قلبيَ لم يَطِرْ ... ولا كضلوعٍ فَوقَه لم تُكَسَرِ ) الغناء لإسحاق ثقيل أول بالوسطى
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا حكيم ابن طلحة الفزاري عن رجل من كلب قال
جنيت جناية فغرمت فيها فنهضت إلى أخوالي بني مرة فاستعنتهم فأعانوني فأتيت سيار بن نجيح أحد بني سلمى بن ظالم فأعانني ثم قال انهض بنا إلى الرماح بن أبرد يعني ابن ميادة حتى يعينك فدفعنا إلى بيتين له فسألنا عنه فقيل ذهب أمس فقال سيار ذهب إلى أمة لبني سهيل فخرجنا في طلبه فوقعنا عليه في قرارة بيضاء بين حرتين وفي القرارة غنم من الضأن سود وبيض وإذا حمار مقيد مع الغنم وإذا به معها فجلسنا فإذا شابة حلوة صفراء في دراعة مورسة فسلمنا وجلسنا فقال أنشديهم مما قلت فيك شيئا فأنشدتنا

( يُمَنُّونَنِي منكِ اللقاءَ وإنني ... لأَعلمَ لا ألقاكِ من دونِ قَابِل ) ِ
( إلى ذاك ما حارتْ أمورُك وانجلتْ ... غَيَايةُ حُبِّيكِ انجلاء المَخَايل )
( إذا حَلَّ أهلِي بالجِنابِ وأهلُها ... بحيثُ التقَى الغُلاَّنِ من ذي أرائلِ )
( أقلْ خُلَّهٌ بانَتْ وأَدْبَر وصلُها ... تقطَّع منها باقياتُ الحَبَائِل )
( وحالتْ شهورُ الصيفِ بيني وبينها ... ورفعُ الأعادِي كلَّ حقٍّ وباطلِ )
( أقول لعَذَّالَيَّ لما تَقَابَلا ... عليّ بلَوْمٍ مثلِ طعنِ المَعَابِلِ )
( لا تُكْثِرا عنها السؤالَ فإنها ... مُصَلْصَلَةٍ من بعض تلك الصَّلاَصلِ )
( من الصُّفْرِ لا وَرْهاءُ سَمْجٌ دَلاَلُها ... وليستْ من الشُّودِ القِصَارِ الحَوائِلِ )
( ولكنها ريحانةٌ طال نَشْرُها ... وردتُ عليها بالضُّحَى والأَصَائِلِ ) ثم قال لها قومي فاطرحي عنك دراعتك فقالت لا حتى يقول لي سيار بن نجيح ذلك فأبى سيار فقال له ابن ميادة لئن لم تفعل لا قضيت حاجتكما فقال لها فقامت فطرحتها فما رأيت أحلى منها فقال له سيار فمالك يا أبا

الشرحبيل لا تشتريها فقال إذا يفسد حبها

ابن ميادة و ابن الجعد الخضري
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثتني مغيرة بنت أبي عدي بن عبد الجبار بن منظور بن زبان بن سيار الفزارية قالت أخبرني أبي قال
جمعني وابن ميادة و صخر بن الجعد الخضري مجلس فأنشدنا ابن ميادة قوله
( يُمَنُّونَنِي منكِ اللقاءَ وإنني ... لأَعلمَ لا ألقاكِ من دونِ قَابِل ) ِ فأقبل عليه صخر فقال له المحب المكب يرجو الفائت و يغم الطير و أراك حسن العزاء يا أبا الشرحبيل فأعرض عنه ابن ميادة قال أبو عدي فقلت
( صادَف دَرْءُ السَّيْلِ سيلاً يَرْدَعُهْ ... بهَضْبةٍ ترُدُّه و تَدْفَعُهْ ) و يروي درء السيل سيل فقال لي يا أبا عدي والله لا أتلطخ بالخضر مرتين و قد قال أخو عذرة
( هو العبدُ أَقصَى همِّه أن تسُبَّه ... وكان سِبَابُ الحرِّ أقصَى مدى العَبْدِ ) قال الزبير قوله يغم الطير يقول إذا رأى طيرا لم يزجرها مخافة أن يقع ما يكره
قال فلم يحر إليه صخر بن الجعد جوابا
يعني بقوله لا أتلطخ بالخضر مرتين مهاجاته الحكم الخضري وكانا تهاجيا زمانا ثم كف ابن ميادة وسأله الصلح فصالحه الحكم

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد عن عبد الرحمن بن الأحول التغلبي ثم الخولاني قال كان أول ما بدأ الهجاء بين ابن ميادة وحكم بن معمر الخضري أن ابن ميادة مر بالحكم بن معمر وهو ينشد في مصلى النبي في جماعة من الناس قوله
( لمن الديارُ كأنهّا لم تُعْمَرِ ... بين الكِنَاسِ وبين بُرْقِ مُحَجِّرِ ) حتى انتهى إلى قوله
( يا صاحبَيَّ ألم تَشِيمَا بارِقاً ... نُضِحَ الصُّرَادُ به فهَضْبُ المَنْحَرِ )
( قد بتُّ أَرْقُبُه وبات مصعِّداً ... نَهْضَ المقيَّد في الدَّهَاسِ المُوقَرِ ) فقال له ابن ميادة ارفع إلي رأسك أيها المنشد فرفع حكم إليه رأسه فقال له من أنت قال أنا حكم بن معمر الخضري قال فوالله ما أنت في بيت حسب ولا في أرومة شعر فقال له حكم و ماذا عبت من شعري عبت أنك أدهست وأوقرت قال له حكم ومن أنت أنا ابن ميادة قال ويحك ! فلم رغبت عن أبيك و انتسبت إلى أمك قبح الله والدين خيرهما ميادة أما و الله

لو وجدت في أبيك خيرا ما انتسبت إلى أمك راعية الضأن
وأما إدهاسي وإيقاري فإني لم آت خيبر إلا ممتارا لا متحاملا وما عدوت أن حكيت حالك وحال قومك فلو كنت سكت عن هذا لكان خيرا لك وأبقى عليك
فلم يفترقا إلا عن هجاء
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثني عمر بن ضمرة الخضري قال
أول ما هاج الهجاء بين ابن ميادة وبين حكم بن معمر بن قنبر بن جحاش بن سلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف بن محارب قال والخضر ولد مالك بن طريف سموا بذلك لأن مالكا كان شديد الأدمة وكذلك خرج ولده فسموا والخضر أن حكما نزل بسمير بن سلمة بن عوسجة بن أنس بن يزيد بن معاوية بن ساعدة بن عمرو وهو خصيلة بن مرة
فأقبل ابن ميادة إلى حكم ليعرض عليه شعره وليسمع من شعره وكان حكم أسنهما فأنشدا جميعا جماعة القوم ثم قال ابن ميادة والله لقد أعجبني بيتان قلتهما يا حكم قال أو ما أعجبك من شعري إلا بيتان فقال والله لقد أعجباني يردد ذلك مرارا لا يزيده عليه فقال له حكم فأي بيتين هما قال حين تساهم بين ثوبيها وتقول
( فوالله ما أدرِي أَزِيدتْ مَلاحَةَ ... وحُسناً على النِّسوَان أم ليس لي عقْلُ )
( تساهَم ثوباها ففي الدِّرعِ غادَةٌ ... وفي المِرْط لفَّاوانِ رِدْفهُما عَبْلُ )

فقال له حكم أو ما أعجبك غير هذين البيتين فقال له ابن ميادة قد أعجباني فقال أو ما في شعري ما أعجبك غيرهما فقال لقد أعجباني فقال له حكم فإني سوف أعيب عليك قولك
( ولا برِح المَمْدور رَيّان مُخْصِباً ... وجِيدَ أَعالي شِعْبه وأسافلُهْ )
فاستسقيت لأعلاه وأسفله وتركت وسطه وهو خير موضع فيه فقال وأي شئ تريد تركته لا يزال ريان مخصبا
وتهاترا فغضب حكم فارتحل ناقته وهدر ثم قال
( فإِنّه يومُ قَرِيضٍ ورَجَزْ ... )
فقال رجل من بني مرة لابن ميادة اهدركما هدر يا رماح فقال إنما يغط البكر ثم قال الرماح
( فإِنّه يومُ قَرِيضٍ ورَجَزْ ... مَن كان منكم ناكِزاً فقد نَكْز )
( وبيَّن الطِّرْفُ النَّجِيب فَبَرَزْ ... )
قال يريد بقوله ناكزا غائضا قد نزف
ل الزبير وسمعت رجلا من أهل البادية ينزع على إبل له كثيرة من قليب ويرتجز
( قد نَكَزَتْ أنْ لم تكنْ خَسِيفَا ... أو يكنِ البحرُ لها حَلِيفَا )

أم جحدر تفضل ابن ميادة على الحكم وعملس
قال الزبير قال الجمحي قال عمير بن ضمرة فهذه أول ما هاج التهاجي

بينهما
قال الزبير قال الجمحي وحدثني عبد الرحمن بن ضبعان المحاربي قال كان ابن ميادة وحكم الخضري وعملس بن عقيل بن علفة متجاورين متحالين وكانوا جميعا يتحدثون إلى أم جحدر بنت حسان المرية وكانت أمها مولاة ففضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا
وكان ابن ميادة قال في أم جحدر
( ألاَ ليت شِعْرِي هل إلى أمّ جَحْدَر ... سَّبيلٌ فإمّا الصَّبْرُ عنها فلا صَبرا )
( وياليت شِعْري هل يَحُلَّنّ أهلُها ... وأهلُكَ رَوْضاتٍ ببطن اللِّوَى خُضْرا ) وقال فيها أيضا
( إذا ركَدتْ شمسُ النهار ووضَّعَتْ ... طَنافِسَها ولَّينها الأعْيُنَ الخُزْرَا ) الأبيات فقال عملس بن عقيل وحكم الخضري يهجوانها وهي تنسب إلى حكم
( لاَ عُوفِيتْ في قبرها أمّ جَحْدَرٍ ... ولا لَقِيَتْ إلاّ الكَلالِيب والجَمْرَا )
( كما حادثتْ عبداً لئيماً وخِلْتُه ... مِن الزاد إلاّ حَشْوَ رَيْطاتهُ صِفْرا )
( فياليتَ شِعرِي هل رأت أمٌّ جَحْدَرٍ ... أكُشَّكَ أو ذاقت مَغابِنَك القُشْرَا )
( وهل أبصرتْ أَرْساغَ أَبْرَدَ أورأت ... قفا أمّ رَمَّاح إذا ما استقت دَفْرا )

( وبالغَمْر قد صَرّت لِقاحاً وحادثتْ ... عبيداً فَسلْ عن ذاك نَيّان بالغَمْرا ) وقال عملس بن عقيل بن علفة ويقال بل قالها علفة بن عقيل
( فلا تَضعا عنها الطنافَس إنّما ... يُقَصِّر بالمِرْماة مَن لم يكن صَقْرَا )
وزاد يحيى بن علي مع هذا البيت عن حماد عن أبيه عن جرير بن رباط وأبي داود قال يعرض بقوله من لم يكن صقرا بابن ميادة أي إنه هجين ليس من أبوين متشابهين كما الصقر
وبعده بيت آخر من رواية يحيى ولم يروه الزبير معه
( مُنَعَّمةُ لم تَلَقَ بؤساً وشِقْوةً ... بنجدٍ ولم يَكْشِف هجَينٌ لها سِتْرَا ) قالوا جميعا فقال ابن ميادة يهجو علفة
( أعُلَّفَ إنّ الصقر ليس بمُدْلِجٍ ... ولكنّه بالليل مُتَّخِذٌ وَكْرَا )
( ومُفْتَرِشٌ بين الجَنَاحين سَلْحَهْ ... إذا الليل ألقَى فوق خُرطومهِ كسْرَا )
( فإِنْ يكُ صقراً بعد ليلة أمّه ... وليلة جَحّافٍ فأُفٍّ له صقرا )
( تَشُدّ بكفَّيْها على جِذْل أَيْرِه ... إذا هي خافت من مَطيِتَّها نَفْرا ) يريد أن أم علفة من بني أنمار وكان أبوه عقيل بن علفة ضربها فأرسلت إلى رجل من بني أنمار يقال له جحاف فأتاها ليلا فاحتملها على جمل فذهب بها
وقال يحيى بن علي خاصة في خبره عن حماد عن أبيه عن أبي داود إن جحاف بن إياد كان رجلا من بني قتال بن يربوع بن غيظ بن مرة وكان يتحدث إلى امرأة عقيل ابن علفة وهي أم ابنه علفة بن عقيل ويتهم بها وهي امرأة من بني أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان يقال لها سلافة وكانت أحسن الناس وجها وكان

عقيل من أغير الناس فربطها بين أربعة أوتاد ودهنها بإهالة وجعلها في قرية نمل فمر بها جحاف بن إياد ليلا فسمع أنينها فأتاها فاحتملها حتى طرحها بفدك فاستعدت واليها على عقيل وقام عقيل من جوف الليل فأوقد عشوة ونظرها فلم يجدها ووجد أثرجحاف فعرفه وتبعه حتى صبح القرية وخنس جحاف عنها فأتى الوالي فقال إن هذه رأتني قد كبرت سني وذهب بصري فاجترأت علي وكان عقيل رجلا مهيبا فلم يعاقبه الوالي بما صنعه لموضعه من صهر بني مروان قال فعير ابن ميادة علفة بن عقيل بأمر جحاف هذا في قوله
( فإِنْ يكُ صقراً بعد ليلة أمّه ... وليلة جَحّافٍ فأُفٍّ له صقرا ) قال ولج الهجاء بينهما وقال فيه ابن ميادة وفي حكم الخضري وقد عاون علفة
( لقد رِكب الخُضْرِيُّ مِنّي وترْبُه ... على مَرْكَب من نابِيات المَراكِبِ ) وقال لعلفة
( يابنَ عَقِيل لا تكن كَذُوبَا ... أأن شَرِبتَ الحَزْرَ والحَلِيبا )
( من شَوْل زيد وشَمَمْتَ الطِّيبَا ... جَهْلاً تَجنّيتَ لِيَ الذنوبا ) قال ثم لم يلبثه ابن ميادة أن غلبه وهاج التهاجي بينه وبين حكم الخضري وانقطع عنه علفة مفضوحا قال وماتت أم جحدر التي كان ينسب بها ابن ميادة

على تفيئة ما كان بينه وبين علفة من المهاجاة ونعيت له فلم يصدق حتى أتاه رجل من بني رحل يقال له عمار فنعاها له فقال
( ما كنتُ أحسَب أن القوم قد صدقوا ... حتّى نعاها لِيّ الرَّحْليُّ عَمّارُ ) وقال يرثيها
( خَلتْ شُعَبُ المَمْدُور لستَ بواجدٍ ... به غيرَ بالٍ من عِضاهٍ وحَرْمَلِ )
( تمنّيتَ أنْ تَلْقَى به أمَّ جَحْدَرٍ ... وماذا تَمَنَّى من صَدىً تحتَ جَنْدَلِ )
( فَللْموتُ خيٌر من حياةٍ ذَميمةٍ ... ولَلْبُخلُ خيرٌ من عَناء مُطوّل )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم عن ساعدة ابن مرمىء وذكره إسحاق أيضا عن أصحابه
أن ابن ميادة وحكما الخضري تواعدا المدينة ليتواقفا بها فتواقفا بها وجاء نفر من قريش أمهاتهم من مرة إلى ابن ميادة فمنعوه من مواقفة حكم وقالوا أتتعرض له ولست بكفئه فيشتم أمهاتنا وأخوالنا وخالاتنا وهو رجل خبيث اللسان قال وكان حكم يسجع سجعا كثيرا فقال والله لئن واقفته لأسجعن به قبل المقارضة سجعا أفضحه به فلم يلقه
وذكر الزبير له سجعا طويلا غثا لا فائدة فيه لأنه ليس برجز منظوم ولا كلام فصيح ولا مسجع سجعا مؤتلفا كائتلاف القوافي إلا أن من أسلمه قوله والله لئن ساجعتني سجاعا لتجدني شجاعا للجار مناعا ولأجدنك هياعا للحسب مضياعا ولئن باطشتك بطاشا لأدهشنك إدهاشا ولأذقن منك مشاشا حتى يجيء بولك رشاشا وهذا من غث السجع ورذله وإنما ذكرته ليستدل به على ما هو دونه مما ألغيت ذكره قال

ورجز به فقال
( يا معدِنَ اللؤم وأنت جَبَلُه ... وآخرَ اللؤم وأنت أوّلُهْ )
( جاريتَ سَبَّاقاً بعيداً مَهَلُه ... كان إذا جارَى أباك يُفْشِلُهْ )
( فكيف ترجوه وكيف تأمُلُهْ ... وأنت شرُّ رجلٍ وأَنْذَلُهْ )
( ألأ مُه في مأزِقٍ وأجهلُهْ ... أدخله بيتَ المخازي مُدْخِلُهْ )
( فاللؤم سِرْبالٌ له يُسَرْبَلُهْ ... ثوباً إذا أَنْهَجه يُبَدَّلُهْ ) فأجابه حكم
( يا بنَ التي جيرانَها كانت تَضُرّ ... وتَتْبَعُ الشَّوْلَ وكانت تَمْتَصِرْ )
( كيف إذا مارسْتَ حُرّاً تنتصِرْ ... ) ولهما أراجيز كثيرة طويلة جدا أسقطتها لكثرتها وقلة فائدتها
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عبد الله بن إبراهيم قال
أخبرني بعض من لقيت من الخضر أن حكما الخضري خرج يريد لقاء ابن ميادة بالرقم من غير موعد فلم يلقه إما لأنه تغيب عنه وإما لأنه لم يصادفه فقال حكم
( فَرّ ابنُ مَيَّادةَ الرَّقْطاءِ من حَكَم ... بالصُّغْرِ مثلَ فِرار الأَعْقد الدَّهِم )

( أصبحتَ في أْقُرٍ تَعْلُو أطاوِلَه ... تَفِرُّ منيّ وقد أصبحتُ بالرَّقَمِ )
وقال إسحاق في روايته عن أصحابه قال ابن ميادة يهجو حكما وينسب بأم جحدر
( يُمَنُّونَنِي منكِ اللقاءَ وإنني ... لأعلمُ لا ألقاكِ من دون قابِل )
وقد مضى أكثر هذه الأبيات متقدما فذكرت هاهنا منها ما لم يمض وهو قوله
( فياليتَ رَثَّ الوصلِ من أمّ جَحْدَرِ ... لنا بجديدٍ من أُولاكَ البَدَائلِ )
( ولم يَبْقَ مما كان بيني وبينها ... من الوُدِّ إلا مخْفَيَات الرسائلِ )
( وإني إذا استَنْبهتُ من حُلْوِ رَقْدةٍ ... رُمِيتُ بُحِّبيها كَرْميِ المُنَاضِلِ )

صوت
فما انْسَ مِ الأشياءِ لا أنسَ قولَها ... وأدمُعها يُذْرِينَ حَشْوَ المَكَاحِل )
( تمتّعْ بذا اليوم القصيرِ فإِنه ... رَهينٌ بأيام الدهور الأطاوِلِ ) الغناء في هذين البيتين لعلي بن يحيى المنجم ولحنه من الثقيل الثاني
( وكنتُ امرَأَ أَرْمِي الزوائلَ مرّةً ... فأصبحتُ قد ودّعتُ رميَ الزوائِل )

( وعطَّلتُ قوسَ اللهو من سَرَعانها ... وعْادتْ سِهَامِي بين رَثِّ وناصِلِ ) السرعان وتر يعمل من عقب المتن وهو أطول العقب
( إذا حَلَّ بَيْتِي بينْ بَدْرٍ ومازِنٍ ... ومُرَّة نِلْتُ الشمسَ واشتدّ كاهِلِي )
( يعني بدر بن عمرو بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان ومرة ابن عوف بن سعد بن ذبيان ومرة بن فزارة ومازن بن فزارة
وهي طويلة
قال أبو الفرج الأصبهاني أخذ إسحاق الموصلي معنى بيت ابن ميادة في قوله
( نلتُ الشمسَ واشتدّ كاهلي ... ) فقال
( عطَسْتُ بأنفٍ شامخ وتناولتْ ... يَدَايَ الثريّا قاعداً غيرَ قائمِ )
ولعمري لئن كان استعار معناه لقد اضطلع به وزاد فاحسن وأجاد
وفي هذه القصيدة يقول
( فَضَلْنا قريشاً غيرَ رَهْطِ محمدٍ ... وغيرَ بني مروان أهلِ الفضائلِ )
قال يحيى بن علي وأخبرني علي بن سليمان بن أيوب عن مصعب وأخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب قال
قال إبراهيم بن هشام بن إسماعيل لابن ميادة أنت فضلت قريشا وجرده فضربه أسواطا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال
لما قال ابن ميادة
( فَضَلْنا قريشاً غيرَ رَهْطِ محمدٍ ... وغيرَ بني مروان أهلِ الفضائلِ )

قال له الوليد بن يزيد قدمت آل محمد قبلنا فقال ما كنت يا أمير المؤمنين أظنه يمكن غير ذلك قال فلما أفضت الخلافة إلى بني هاشم وفد ابن ميادة إلى المنصور ومدحه فقال له أبو جعفر لما دخل إليه كيف قال لك الوليد فأخبره بما قال فجعل المنصور يتعجب

ابن ميادة والحكم الخضري بعريجاء
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثني العباس بن سمرة بن عباد بن شماخ بن سمرة عن ريحان بن سويد الخضري وكان راوية حكم بن معمر الخضري قال
تواعد حكم وابن ميادة عريجاء وهي ماءة يتواقفان عليها فخرج كل واحد منهما في نفر من قومه وأقبل صخر بن الجعد الخضري يؤم حكما وهو يومئذ عدو لحكم لما كان فرط بينهما من الهجاء في أركوب من بني مازن بن مالك بن طريف بن خلف بن محارب فلما لقيه قال له يا حكم أهؤلاء الذين عرضت للموت وهم وجوه قومك فوالله ما دماؤهم على بني مرة إلا كدماء جدايه فعرف حكم أن قول صخر هو الحق فرد قومه وقال لصخر قد وعدني ابن ميادة أن يواقفني غدا بعريجاء لأن أناشده فقال له صخر أنا كثير الإبل وكان حكم مقلا فإذا وردت إبلي فارتجز فإن القوم لا يشجعون عليك وأنت وحدك فإن لقيت الرجل نحر وأطعم فانحر وأطعم وإن أتيت على مالي كله
قال ريحان راويته فورد يومئذ عريجاء وأنا معه فظل على عريجاء ولم يلق رماحا ولم

يواف لموعده وظل ينشد يومئذ حتى أمسى ثم صرف وجوه إبل صخر وردها
وبلغ الخبر ابن ميادة وموافاة حكم لموعده فأصبح على الماء وهو يرتجز يقول
( أنا ابنُ مَيَّادة عَقّارُ الجُرُزْ ... كلِّ صَفِيَ ذاتِ نابٍ مُنْفَطِرْ ) وظل على الماء فنحر وأطعم
فلما بلغ حكا ما صنع ابن ميادة من نحره وإطعامه شق عليه مشقة شديدة
ثم إنهما بعد توافيا بحمى ضرية قال ريحان بن سويد وكان ذلك العام عام جدب وسنة إلا بقية كلأ بضرية
قال فسبقنا ابن ميادة يومئذ فنزلنا عى مولاة لعكاشة بن مصعب بن الزبير ذات مال ومنزلة من السلطان
قال وكان حكم كريما على الولاة هناك يتقى لسانه
قال ريحان فبينا نحن عند المولاة وقد حططنا براذع دوابنا إذا ركبان قد أقبلا وإذا نحن برماح وأخيه ثوبان ولم يكن لثوبان ضريب في الشجاعة والجمال فأقبلا يتسايران فلما رآهما حكم عرفهما فقال يا ريحان هذان ابنا أبرد فما رأيك أتكفيني ثوبان أم لا قال فأقبلا نحونا ورماح يتضاحك حتى قبض على يد حكم وقال مرحبا برجل سكت عنه ولم يسكت عني وأصبحت الغداة أطلب سلمه يسوقني الذئب والسنة وأرجو أن أرعى الحمى بجاهه وبركته ثم جلس إلى جنب حكم وجاء ثوبان فقعد إلى جنبي فقال له حكم أما ورب المرسلين يا رماح لولا أبيات جعلت

تعتصم بهن وترجع إليهن يعني أبيات ابن ظالم لاستوسقت كما استوسق من كان قبلك
قال ريحان وأخذا في حديث أسمع بعضه ويخفى علي بعضه فظللنا عند المرأة وذبح لنا وهما في ذلك يتحادثان مقبل كل واحد منهما على صاحبه لا ينظران شدنا حتى كان العشاء فشددنا للرواح نؤم أهلنا فقال رماح لحكم يا أبا منيع وكانت كنية حكم قد قضيت حاجتك وحاجة من طلبت له من هذا العامل وإن لنا إليه حاجة في أن يرعينا فقال له حكم قد والله قضيت حاجتي منه وإني لأكره الرجوع إليه وما من حاجتك بد ثم رجع معه إلى العامل فقال له بعد الحديث معه إن هذا الرجل من قد عرفت ما بيني وبينه وقد سأل الصلح وأناب إليه فأحببت أن يكون ذلك على يدك وبمحضرك
قال فدعا به عامل ضرية ول هل لك حاجة غير ذلك قال لا والله ونسي حاجة رماح فأذكرته إياها فرجع فطلبها واعتذر بالنسيان
ف العامل لابن ميادة ما حاجتك فقال ترعيني عريجاء لا يعرض لي فيها أحد فأرعاه إياها
فأقبل رماح على حكم فقال جزاك الله خيرا يا أبا منيع فوالله لقد كان ورائي من قومي من يتمنى أن يرعى عريجاء بنصف ماله
قال فلما عزما على الانصراف ودع كل واحد منهما صاحبه وانصرفا راضيين
وانصرف ابن ميادة إلى قومه فوجد بعضهم قد ركب إلى ابن هشام فاستغضبه على حكم في قوله
( وما ولدتْ مُرِّيَّةٌ ذاتَ ليلةٍ ... من الدهرِ إلا زاد لؤماً جَنِينهُا ) فأطرده وأقسم لئن ظفر به ليسرجنه وليحملن عليه أحدهم
فقال رماح وساءه ما صنعوا عمدتم إلى رجل قد صلح ما بيني وبينه وأرعيت بوجهه فاستعديتم عليه وجئتم بإطراده وبلغ الحكم الخبر فطار إلى الشأم فلم يبرحها حتى مات

قال العباس بن سمرة مات بالشأم غرقا وكان لا يحسن العوم فمات في بعض أنهارها
قال وهو وجهه الذي مدح فيه أسود بن بلال المحاربي ثم السوائي في قصيدته التي يقول فيها
( واستيقنتْ أن لا بَرَاحَ من السُّرَى ... حتى تُنَاخَ بأَسْوَدَ بنِ بِلاَلِ )
( قَرْمٌ إذا نَزل الوُفودُ ببابه ... سَمَتْ العيونُ إلى أَشَمَّ طُوَالِ )

مناقضات حكم وابن ميادة
ولحكم الخضري وابن ميادة مناقضات كثيرة وأراجيز طوال طويت ذكر أكثرها وألغيته وذكرت منها لمعا من جيد ما قالاه لئلا يخلو هذا الكتاب من ذكر بعض ما دار بينهما ولا يستوعب سائره فيطول
فمما قاله حكم في ابن ميادة قوله
( خَلِيليّ عُوَجَا حَيِّيَا الدارَ بالجَفْرِ ... وقُولاَ لها سَقْياً لعَصْرِكِ من عَصْرِ )
( وماذا تُحَيِّي من رُسُومٍ تلاعبتْ ... بها حَرْجَفٌ تَذْرِي بأذيالِها الكُدْرِ ) ومن جيد قوله فيها يفتخر
( إذا يِبِسَت عِيْدانُ قومٍ وجدتَنا ... وعِيدَانُنَا تُغْشَى على الوَرَق الخُضْرِ )
( إذا الناسُ جاؤوا بالقُرُوم أتيتُهم ... بَقْرم يُساوي رأسُه غُرَّةَ البدرِ )
( لنا الغَوْرُ والأَنْجاد والخَيْلُ والقَنَا ... عليكم وأيامُ المَكَارِمِ والفخرِ ) ومن جيد هجائه قوله
( فيا مُرّ قد أخزاكِ في كلِّ موطنٍ ... من اللؤم خَلاَّتٌ يزِدْنَ على العَشْر )

( فمنهنّ أنّ العبدَ حامي ذِمَارِكم ... وبئس المحامي العبدُُ عن حَوْزة الثَّغْرِ )
( ومنهنّ أن لم تمسَحُوا وجهَ سابقٍ ... جَوَادٍ ولم تأتوا حَصَاناً على طُهْرِ )
( ومنهنَّ أن الميْتَ يُدْفَن منكمُ ... فَيَفْسُو على دُفَّانه وهو في القبرِ )
( ومنهنّ أن الجارَ يسكُن وَسْطَكم ... بريئاً فيُلْقَى بالخيانةِ والغَدْر )
( ومنهنّ أن عُذْتُم بأَرْقَطَ كَوْدَنٍ ... وبئس المحامي أنت يا ضَرْطةَ الجَفْرَ )
( ومنهنّ أن الشيخ يوجَدُ منكُم ... يَدِبُّ إلى الحاراتِ مُحْدَوْدِب الظهرِ )
( تَبيت ضِبَابُ الضِّغْنِ تَخْشَى احتراشَها ... وإن هي أمستْ دونها ساحلُ البحرِ )
فأجابه ابن ميادة بقصيدة طويلة منها قوله مجيبا له عن هذه الخصال التي سبهم بها
( لقد سَبقتْ بالمُخْزِيات مُحَارِبٌ ... وفازَت بَخلاَّتٍ على قومِها عَشْرِ )
( فمنهنّّ أن لم تَعْقِروا ذاتَ ذِرْوةٍ ... لحقٍّ إذا ما احْتِيج يوماً إلى العَقْرِ )
( ومنهنّ أن لم تمسَحُوا عربيّةً ... من الخَيْل يوماً تحت جُلَّ على مُهْرِ )

( ومنهنّ أن لم تضرِبوا بسيوفكم ... جَمَاجِمَ إلا فَيْشَلَ القُرّحِ الحُمْر )
( ومنهنّ أن كانت شيوخُ محارِب ... كما قد علمتم لا تِريشُ ولا تَبْرِي )
( ومنهنّ أخزى سَوءةٍ لو ذكرتُها ... لكنتم عبيداً تخدُمون بني وَبْرِ )
( ومنهنّ أن الضأن كانت نساءَكم ... إذا اخضرَّ أطرافُ الثْمَام من القَطْرِ )
( ومنهنّ أن كانت عجوزُ مُحَارِبٍ ... تُرِيغ الصِّبَا تحت الصَّفِيح من القَبْرِ )
( ومنهنّ أَنْ لو كان في البحر بعضُكُمْ ... لخبَّثَ ضَاحِي جِلْدِهِ حَوْمةَ البحرِ ) ومما قاله ابن ميادة في حكم قوله من قصيدة أولها
( ألا حَيِّيَا الأطلالَ طالتْ سِنِينُها ... بحيثُ التقتْ رُبْدُ الجِنَاب وعِينُها ) ويقول فيها
( فلمّا أتاني ما تقولُ مُحارِبٌ ... تغنَّتْ شياطيني وجُنَّ جُنُونُها )
( ألم تَرَ أنَّ اللهَ غَشَّى مُحارِباً ... إذا اجتمعَ الأقوامُ لوناً يَشِينُها )
( ترى بوجوه الخُضْر خُضْرِ مُحارِبٍ ... طوابعَ لؤم ليسَ يْنَفَتُّ طِينُها )
( لقد سَاهَمَتْناكُمْ سُليمٌ وعامرٌ ... فَضمِنْاهُمُ إنّا كذاك نَدِينُها )
( فصارتْ لنا أهلُ الضَّئين مُحَارِبٌ ... وصارتْ لهم جَسْرٌ وذاكَ ثَمينُها )

( إذا أخذتْ خُضْريَّةٌ قائمَ الرحَى ... تَحَرَّكُ قُنباها فطارَ طَحِينُها )
( وما حَمَلْت خُضْريَّةٌ ذاتِ ليلةٍ ... من الدهر إلاّ ازدادَ لؤما جَنِينُها )
فقال حكم يجيبه عن هذه بقصيدته
( لأنتَ ابنُ أَشبانيّةٍ أدلجتْ به ... إلى اللّؤمِ مِقْلاتٍ لئيمٍ جَنِينُها )
( فجاءتْ بَروَّاثٍ كأنّ جَبِينَه ... إذا ما صَغَا في خِرْقَتَيها جَبِينُها )
( فما حَمَلتْ مُرِّيّة قطُّ ليلةً ... من الدهر إلاّ ازداد لؤماً جَنِينُها )
( وما حَمَلتْ إلا لألأمِ مَنْ مَشَى ... ولا ذُكرتْ إلاّ بأمرٍ يَشِينها )
( تزوّجُ عثوانُ الضَّئينَ وتَبْتَغِي ... بها الدَّرَّ لا دَرَّتْ بخيرٍ لبَوُنها )
( أظنَّتْ بنو عثوان أن لستُ شاتماً ... بشَتْمِي وبعضُ القوم حَمْقَى ظُنُونُها )
( مَدَانِيسُ أبرامٌ كأنّ لِحَاهُمُ ... لِحَى مُسْتَهِباتٍ طِوَالٍ قُرُونُها )
قال الزبير فحدثني موهوب بن رشيد قال فسمع هذه القصيدة أحد بني قتال بن مرة فقال ماله أخزاه الله يهجو صبيتنا قال وهم أجفى قوم غضبا لصبيتهم وقد هجاهم بما هجاهم به
قال وبلغ إبراهيم بن هشام قوله في نساء بني مرة إذ يقول
( وما حَمَلتْ إلا لألأم مَنْ مَشَى ... )
فغضب ثم نذر دمه فهرب من الحجاز إلى الشأم فمات بها

أخبرني الحرمي بن ابي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن ضبعان الخضري قال
لقي ابن ميادة صخر بن الجعد الخضري فقال له يا صخر أعنت علي ابن عمك الحكم بن معمر فقال له صخر لا والله يا أبا الشرحبيل ما أعنته عليك ولكن خيل إليك ما كان يخيل إلي ولقد هاجيته فكنت أظن أن شجر الوادي يعينه علي
ومن جيد قول ابن ميادة في حكم قصيدته التي أولها

صوت
( لقد سبَقَتْك اليومَ عَيْناك سَبْقَةً ... وأبكاكَ من عهد الشباب ملاعُبْه )
( فوالله ما أَدرِي أيَغلِبُني الهَوَى ... إذا جَدَّ جِدُّ البَيْن أم أنا غالبُهْ )
( فإن أستطِعْ أغلِبْ وإن يَغلِب الهَوَى ... فمثلُ الذي لاقيتُ يُغْلَبُ صاحبُهْ )
في هذه الأبيات غناء ينسب يقول فيها في هجاء حكم
( لقد طالَ حَبْسُ الوَفْدِ وَفْدِ مُحَارِبٍ ... عن المجدلم يَأْذَنْ لهم بَعْدُ حاجِبُهْ )
( وقال لهم كُرُّوا فلستُ بآذنٍ ... لكم أبداً أو يُحْصِيَ التُّرْبَ حاسِبُهْ )
وهي قصيدة طويلة
منزلة ابن ميادة عند الوليد
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز المري ثم الصاردي عن أبيه
قال جلال وقد رأيت ابن ميادة في بيت أبي قال قال لي ابن ميادة وصلت أنا والشعراء إلى الوليد بن يزيد وهو خليفة
وكان مولى من موالي خرشة

يقال له شقران يعيب ابن ميادة ويحسده على مكانه من الوليد فلما اجتمعت الشعراء قال الوليد بن يزيد لشقران يا شقران ما علمك في ابن ميادة قال علمي فيه يا أمير المؤمنين أنه
( لئيمٌ يُبَارِي فيه أَبْردُ نَهْبلا ... لئيمٌ أتاه اللؤمُ من كلّ جانبِ )
فقال الوليد يا ابن ميادة ما علمك في شقران قال علمي يا أمير المؤمنين أنه عبد لعجوز من خرشة كاتبته على أربعين درهما ووعدها أو قال وعدته أن تجيزه بعشرين درهما فقبضته إياها فأغنه عني يا أمير المؤمنين فليس له أصل فأحتفره ولا فرع فاهتصره فقال له الوليد اجتنبه يا شقران فقد أبلغ إليك في الشتيمة فقصر صقران صاغرا ثم أنشدته فأقيمت الشعراء جميعا غيري وأمر لي بمائة لقحة وفحلها وراعيها وجارية بكر وفرس عتيق فاختلت ذلك اليوم وقلت
( أعطيْتَنِي مائةً صُفْرا مَدَامِعُها ... كالنخل زَيَّنَ أعلَى نَبْتِهِ الشَّرَبُ )
ويروى
( كأنها النخلُ رَوَّى نَبْتَها الشَّرَبُ ... )
( يَسُوقُها يافع جَعْدٌ مفارقُهُ ... مثْلُ الغُرَاب غَذَاه الصَّرُّ والحَلَبُ )

( وذا سَبِيبٍ صُهَيْبِيّاً له عُرُفٌ ... وهَامَةٌ ذاتُ فَرْقٍ نَابُها صَخِبُ )
لم يذكر الزبير في خبره غير هذه الأبيات الثلاثة وهي من قصيدة للرماح طويلة يمدح فيها الوليد بن يزيد وقد أجاد فيها وأحسن وذكرت من مختارها هاهنا طرفا وأولها
( هل تَعرفُ الدارَ بالعَلْياء غَيَّرَها ... سَافِي الرِّياحِ ومُسْتَنٌّ له طُنُبُ )
( دارٌ لبيضاءَ مُسْوَدٌّ مسائحُها ... كأنّها ظَبْيَةٌ تَرْعَى وتَنْتَصبُ )
المسائح ما بين الأذن إلى الحاجب من الشعر وتنتصب تقف إذا ارتاعت منتصبة تتوجس
( تحنُو لأكْحَلَ ألْقَتْهُ بمَضيْعَةٍ ... فقَلْبُها شَفَقاً من حَوْلِه يَجِبُ ) يقول فيها
( يا أطيبَ الناسِ ريقاً بعدَ هَجْعَتها ... وأملحَ الناسِ عَيْنَاً حينَ تَنْتَقِبُ )
( ليستْ تجودُ بنَيْلٍ حينَ أسألها ... ولستُ عندَ خَلاء اللَّهو أَغتصبُ )
( في مرْفَقَيْها إذا ما عُونِقَتْ جَمَم ... على الضَّجِيعِ وفي أنيابها شَنَبُ )
( وليلةٍ ذاتِ أهوالٍ كواكِبُها ... مثلُ القناديلِ فيها الزَّيتُ والعُطُبُ )

( قد جُبْتُها جَوْبَ ذي المِقْراضِ مْمَطَرًة ... إذا استوى مُغْفَلاتُ البِيدِ والَحَدب )
( بِعَنْتَرِيس كأن الدَّبْرَ يَلْسَعُها ... إذا تَرَنَّمَ حادٍ خَلْفَها طَرِبُ )
( إلى الوليد أبي العبّاس ما عجِلتْ ... ودونَه المُعْطُ من لُبْنانَ والكُثُبُ ) وبعد هذا البيت قوله
( أعطيتَني مائةً صُفْراً مَدامِعُها ... ) الخ
( لمّا أتيتُك مِن نَجْدٍ وساكنِه ... نَفحتَ لي نَفْحَةً طارتْ بها العَرَبُ )
( إنّي امرُؤٌ أعتفِي الحاجاتِ أطلُبُها ... كما اعتَفى سَنِقٌ يُلْقَى له العُشُبُ ) السنق الذي قد شبع حتى بشم يقول أطلب الحاجة بغير حرص ولا كلب كما يعتفي هذا البعير البشم من غير شره ولا شدة طلب
( ولا أُلِحَ على الخُلاّن أَسألُهم ... كما يُلِحّ بعظْم الغارب القَتَبُ )

( ولا أُخادع نَدْمانِي لأخدَعَه ... عن ماله حين يََسْتَرْخِي به اللَّبَبُ )
( وأنت وابناك لم يوجد لك مَثَلٌٌ ... ثلاثة كلّهم بالتاج مُعْتَصِبُ )
( الطيّبون إذا طابتْ نفوسُهُم ... شُوسُ الحواجب والأبصار إنْ غَضِبُوا )
( قِسنِي إلى شُعراء الناسِِ كلِّهِم ... وادعُ الرُّواة إذا ما غَبّ ما اجتَلَبُوا )
( إنّي وإن قال أقوام مَديحُهُم ... فأَحسنوه وما حابوا وما كَذَبوا )
( أَجرِي أمامَهُم جَرْيَ امرء فَلَج ... عِنانُه حين يَجْري ليس يَضْطرِبُ )

اشتداد الهجاء بين ابن ميادة وشقران
أخبرني يحيى بن علي قال أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال أخبرني أبو الحسن أظنه المدائني قال أخبرني أبو صالح الفزاري قال
أقبل شقران مولى بني سلامان بن سعد هذيم أخي عذرة بن سعدا بن هذيم قال وهذيم عبد حبشي كان حضن سعدا فغلب عليه وهو ابن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من اليمامة ومعه تمر قد امتاره فلقيه ابن ميادة فقال له ما هذا معك قال تمر امترته لأهلي يقال له زب رباح فقال له ابن ميادة يمازحه
( كأنّك لم تَقْفُلُ لأهلك تَمْرةً ... إذا أنت لم تَقْفُل بزُبِّ رُبَاحِ )

فقال له شقران
( فإِنْْ كان هذا زُبَّه فانطلق به ... إلى نِسْوةِ سُودِ الوُجوه قِباحِ ) فغضب ابن ميادة وأمضه وأنحى عليه بالسوط فضربه ضربات وانصرف مغضبا فكان ذلك سبب الهجاء بينهما
قال حماد عن أبيه وحدثني أبو علي الكلبي قال
اجتمع ابن ميادة وشقران مولى بني سلامان عند الوليد بن يزيد فقال ابن ميادة يا أمير المؤمنين أتجمع بيني وبين هذا العبد وليس بمثلي في حسبي ولا نسبي ولا لساني ولا منصبي فقال شقران
( لَعَمْرِي لئن كنت ابن شَيْخي عشيرتي ... هِرَقْلٍ وكِسْرى ما أُرانِي مُقَصِّرا )
( وما أَتمنَّى أنْ أكون ابن نزوةٍ ... نَزَاها ابن أرْضٍ لم تجِدْ مُتَمهرّا )
( على حائلٍ تَلْوِي الصِّرار بكَفِّها ... فجاءتْ بخَوَّارٍ إذا عُضّ جَرْجرا )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار وأخبرنا يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني عن زبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز وقال يحيى بن خلاد عن أبي أيوب بن عبد العزيز قال
استأذن ابن ميادة على الوليد بن يزيد وعنده شقران مولى قضاعة فأدخله في صندوق وأذن لابن ميادة فلما دخل أجلسه على الصندوق واستنشده هجاء شقران

فجعل ينشده ثم أمر بفتح الصندوق فخرج عليه شقران وجعل يهدر كما يهدر الفحل ويقول
( سأَكْعَمُ عن قُضاعةَ كَلْبَ قيسٍ ... عَلى حَجَرٍ فيُنْصِتُ للكَعامُ )
( أسيرُ أمامَ قَيْسٍ كلَّ يومٍ ... وما قيسٌ بسائرةٍ أمامي ) وقال أيضا وهو يسمع
( إنّي إذا الشُعراءُ لاقَى بعضُهُمْ ... بعضاً ببَلْقَعةٍ يريد نِضالهَا )
( وقَفوا لمُرْتَجِزِ الهدير إذا دنتْ ... منه البِكارة قطَّعَتْ أبوالَها )
( فتركتهُمْ زُمَراً تَرَمَّزُ باللِّحى ... منها عَنَافِقُ قد حَلقتُ سِبالهَا ) فقال له ابن ميادة يا أمير المؤمنين اكفف عني هذا الذي ليس له أصل فأحفره ولا فرع فأهصره فقال الوليد أشهد أنك قد جرجرت كما قال شقران
( فجاءتْ بخوّار إذا عُضّ جرجرا ... )
قال يحيى في خبره واجتمع ابن ميادة وعقال بن هاشم بباب الوليد بن

يزيد و كان عقال شديد الرأي في اليمين فغمز عقال ابن ميادة واعتلاه فقال ابن ميادة
( فَجرْنا ينابيع الكلام و بَحْرَهُ ... فأصبحَ فيه ذو الرِّوايه يَسْبَحُ )
( وما الشِّعرُ إلاّ شعرُ قيس وخِنْدِفٍ ... وقوْل سِواهم كُلْفَةٌ و تملُّحُ ) فقال عقال يجيبه
( ألاَ أبْلِغ الرَّمَّاح نقْضَ مَقالةٍ ... بها خَطِلَ الرَّمَّاحُ أو كان يَمْزَحُ )
( لئن كان في قيسٍ وخِنْدَفَ أَلْسُنٌ ... طِوالٌ وشِعْرٌ سائرُ ليس يُقْدَحُ )
( لقد خَرق الحيُّ اليمانون قبلَهمْ ... بحورَ الكلام تُسْتَقي وهي تَطْفَحُ )
( وهُمْ عَلَّموا مَنْ بعدَهم فتعلّموا ... وهُمْ اعربوا هذا الكلامَ وأوضحوا )
( فللسابقين الفضلُ لا يُجْحَدُونه ... و ليس لمَخْلوقٍ عليهم تبجُّحُ )

الحنين إلى الوطن
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جلال بن عبد العزيز عن أبيه قال حدثني ابن ميادة قال قلت وأنا عند الوليد بن يزيد بأباين وهو موضوع كان الوليد ينزله في الربيع

( لَعمْرُك إني نازلٌ بأَبايِنٍ ... لصَوْءَرَ مشتاقٌ وإِن كُنْتُ مُكْرَما )
( أبِيتُ كأنّي أرمَدُ العين ساهرٌ ... إذا بات أصحابي من الليل نُوَّما ) قال فقال لي الوليد يا بن ميادة كأنك غرضت من قربنا فقلت ما مثلك يا أمير المؤمنين يغرض من قربه ولكن
( ألا لَيتَ شِعرِي هل أبيتنّ ليلةً ... بحرّةِ ليلَى حيث رَبَّتني أهلي )
( وهل أَسمعَنّ الدهرَ أصواتَ هَجْمَةٍ ... تَطَالعُ من هَجْلٍ خَصيبٍ إلى هَجْلِ )
( بلادٌ بها نِيطَتْ عليّ تَمائِمي ... وقُطِّعَن عنيِّ حينَ أدركنِي عَقْلِي )
( فإِنْ كُنتَ عن تلك المواطنِ حابِسِي ... فأَيْسِرْ عليَّ الرزق واجمَع إذاً شَمْلي ) فقال كم الهجمة مائة ناقة فقال قد صدرت بها كلها عشراء
قال ابن ميادة فذكرت ولدانا لي بنجد إذا استطعموا الله عز و جل أطعمهم و أنا و إذا استسقوه سقاهم الله وأنا وإذا استكسوه كساهم الله وأنا فقال يا بن ميادة وكم ولدانك فقلت سبعة عشر منهم عشرة نفر وسبع نسوة فذكرت ذلك منهم فأخذ بقلبي فقال يا بن ميادة قد أطعمهم الله وأمير المؤمنين وسقاهم الله وأمير المؤمنين وكساهم الله وأمير المؤمنين أما النساء فأربع حلل مختلفات الألوان

وأما الرجال فثلاث حلل مختلفات الألوان و أما السقي فلا أرى مائة لقحة إلا سترويهم فإن لم تروهم زدتهم عينين من الحجاز قلت يا أمير المؤمنين لسنا بأصحاب عيون يأكلنا بها البعوض و تأخذنا بها الحميات قال فقد أخلفها الله عليك كل عام لك فيه مثل ما أعطيتك العام مائة لقحة و فحلها وجارية بكر وفرس عتيق
وأخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني شداد بن عقبة عن عبد السلام بن القتال قال
عارضني ابن ميادة فقال أنشدني يابن القتال فأنشدته
( ألاَ ليت شعري هل أبيتَنّ ليلةً ... بصحراءَ مَا بين التَّنُوفة والرّمْلِ )
( وهل أزجُرنّ العيسَ شاكيَة الوَجى ... كما عَسَلَ السِّرحانُ بالبلد المَحْلِ )
( وهل أسْمَعَنَّ الدهرَ صوتَ حمامةٍ ... تُغَنّي حمَاماتٍ على فَنَنٍ جَثْلِ )
( وهل أشرَبنّ الدهر مُزْنَ سحابةٍ ... على ثَمِد الأفعاة حاضرُه أهلي )
( بلادٌ بها نيطتْ عليّ تمائِمي ... وقُطِّعَن عنِّي حين أدركني عقْلي )

قال فأتاني الرواة بهذا البيت وقد اصطرفه ابن ميادة وحده
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني رجل من كلب وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي علي الكلبي قال
أمر الوليد بن يزيد لابن ميادة بمائة من الإبل من صدقات بني كلب فلما أتى الحول أرادوا أن يبتاعوها له من الطرائد وهي الغرائب وأن يمسكوا التلاد فقال ابن ميادة
( ألم يَبْلُغْكَ أنّ الحيّ كلباً ... أرادوا في عطيّتكَ ارتدادا )
( وقالوا إنّها صُهْب ووُرْقٌ ... وقد أَعطيتَها دُهْماً جِعادا ) فعلموا أن الشعر سيبلغ الوليد فيغضبه فقالوا له انطلق فخذها صفرا جعادا

رثاء الوليد
وقال يحيى بن على في روايته لما قتل الوليد بن يزيد قال ابن ميادة يرثيه
( ألاَ يا لهْفَتَيّ على وليدٍ ... غداةٌ أصابه القَدَرُ المُتاحُ )

( ألاَ أبكي الوليد فتى قُرَيْشٍ ... وأسمَحها إذا عُدّ السِّماحُ )
( وأجبَرها لذي عَظْمٍ مَهِيضٍ ... إذا ضنّت بِدرتها اللِّقَاحِ )
( لقد فعلَتْ بنو مَرْوانَ فِعْلاً ... وأمراً ما يسوغ به القَرَاحُ ) قال يحيى وغنى فيه عمر الوادي ولم يذكر طريقة غنائه
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن زهير بن مضرس الفزاري عن أبيه قال
أخصب جناب الحجاز الشامي فمالت لذلك الخصب بنو فزارة وبنو مرة فتحالوا جميعا به
فبينا ذات يوم أنا وابن ميادة جالسان على قارعة الطريق عشاء إذا راكبان يوجفان راحلتين حتى وقفا علينا فإذا أحدهما بحر الريح وهو عثمان بن عمرو بن عثمان بن عفان معه مولى له فنسبنا وانتسب لنا وقد كان ابن ميادة يعللني بشعره فلما انقضى كلامنا مع القرشي ومولاه استعدت ابن ميادة ما كنا فيه فأنشدني فخرا له يقول فيه
( وعلى المُلَيْحَة من جَذِيمةَ فِتْيةٌ ... يتمارضُون تمارضَ الأُسْدِ )
( وتَرى الملوكَ الغُرّ تحت قِبابهم ... يمشُون في الحَلْقَات والقِدِّ )

قال فقال له القرشي كذبت قال ابن ميادة أفي هذا وحده أنا والله في غيره أكذب فقال له القرشي إن كنت تريد في مديحك قريشا فقد كفرت بربك ودفعت قوله ثم قرأ عليه ( لإ يلا ف قريش ) حتى أتى على آخرها ونهض هو ومولاه وركبا راحلتيهما فلما فاتا أبصارنا قال ابن ميادة
( سمِينُ قريشٍ مانعٌ منكَ نفسَهُ ... وغَثُّ قريشٍ حيث كان سمينُ )

هجاء بني حميس
( أخبرنا يحيى بن علي عن حماد عن أبيه عن أبي الحارث المري قال
كان ابن ميادة قد هاجى سنان بن جابر أحد بنى حميس بن عامر بن جهينة ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم فقال ابن ميادة له فيما قال من هجائه
( لقد طالما عَلّلتَ حُجْراً وأهلَه ... بأعراض قيسٍ يا سنانُ بن جابِر )
( أأهجُو قُرَيْشاً ثم تكرهَ رِيبتي ... ويَسرِقُنِي عِرْضِي حُمَيْسُ بَنُ عامِر ) قال وقال فيهم أيضا
( قِصار الخُطَى فُرْق الخُصَى زُمَرُ اللِّحَى ... كأنّهُم ظِرْبَى اهْتَرشْنَ على لَحمْ )
( ذكرتُ حَمَام القَيْظ لما رأيتُهم ... يُمَشُّون حَوْلي في ثيابهم الدُّسمِ )
( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار الصِّغار من البَهْمِ )

قال ثم إن ابن ميادة خرج يبغي إبلا له حتى ورد جبارا وهو ماء لحميس بن عامر فأتى بيتا فوجد فيه عجوزا قد أسنت فنشدها إبله فذكرتها له وقالت ممن أنت قال رجل من سليم بن منصور فأذنت له وقالت ادخل حتى نقريك وقد عرفته وهو لا يدري فلما قرته قال ابن ميادة وجدت ريح الطيب قد نفح علي من البيت فإذا بنت لها قد هتكت الستر ثم استقبلتني وعليها إزار أحمر وهي مؤتزرة به فأطلقته وقالت انظر يا بن ميادة الزانية أهذا كما نعت فلم أر امرأة أضخم قبلا منها فقالت أهذه كما قلت
( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار الصِّغار من البَهْمِ ) قال قلت لا والله يا سيدتي ما هكذا قلت ولكن قلت
( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار المُقَيْسرَةِ الدُّهْمِ ) وانصرف يتشبب بها فذلك حين يقول
( نَظَرْنا فهاجَتْنا على الشّوْق والهَوَى ... لزينبَ نارٌ أُوقِدَتْ بجُبَارِ )
( كأنّ سنَاها لاحَ لي من خَصَاصةٍ ... على غير قَصْدٍ والمَطِيُّ سَوَارِي )
( حُمَيسيّةٌ بالرملتين مَحلُّها ... تَمُدّ بحِلْفٍ بيننا وجِوَارِ )
قال أبو داود وكانت بنو حميس حلفاء لبنى سهم بن مرة ثم للحصين بن

الحمام وتمد وتمت واحد

رجع إلى الشعر
( تُجاوِر من سهْمِ بن مُرّة نِسوةٍ ... بمُجْتَمَع النقبين غير عَوِاري )
( نواعمَ أبكَاراً كأنّ عيونَها ... عيونُ ظِباءٌ أو عيونُ صُوارِ )
( كأنّا نراها وهي منّا قريبةٌ ... على متْن عصْماءِ اليَدَيْنِ نَوارِ )
( تَتَبّعُ من حِجْر ذُرا مُتَمَنِّع ... لها مَعْقِلٌ في رأس كلّ طَمار )
( يَدُور بها ذو أسهُم لا ينالها ... وذو كَلَبات كالقِسيّ ضوَارِي )
( كأنّ على المَتْنَيْن منها وَدِيّةً ... سَقَتْها السواقي من وَدِيّ دَوارِ )
( يَظَلّ سحيقُ المِسْك يقطرُ حَوْلَها ... إذا الماشِطاتُ احتفنه بمَدارِي )
( وما رَوْضَةٌ خضْراءُ يضرِبها النّدى ... بها قُنَّةٌ من حَنْوَةٍ وعَرارِ )

( بأطيبَ من ريح القَرَنْفُل ساطعاً ... بما التفّ من دِرْع لها وخمَارِ )
( وما ظبيةٌ ساقتْ لها الريحُ نَغْمَةً ... على غفلَةٍ فاستسمعت لخُوارِ )
( بأحسنَ منها يومَ قامتْ فأَتْلعتْ ... على شَرَكٍ من رَوْعةٍ ونفارِ )
( فليتَكِ يا حسناءُ يابنةَ مالكٍ ... يَبيع لنا منكِ المَودّة شَارِي )

ابن ميادة وزينب بنت مالك
)
وأخبرني بهذا الخبر الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري ثم المنظوري عن أبيه قال حدثني رماح بن أبرد قال
خرجت قافلا من السلع إلى نجد حتى إذا كنت ببعض أهضام الحرة هكذا في نسختى وأظنه هضاب الحرة رفع لي بيت كالطراف العظيم وإذ

بفنائه غنم لم تسرح فقلت بيت من بيوت بني مرة وبي من العيمة إلى اللبن ما ليس بأحد فقلت آتيهم فأسلم عليهم وأشرب من لبنهم فلما كنت غير بعيد سلمت فردت علي امرأة برزة بفناء البيت وحيت ورحبت واسنزلتني فنزلت فدعت بلبن ولبأ ورسل من رسل تلك الغنم ثم قالت هيا فلانة البسي شفا واخرجي فخرجت علي جارية كأنها شمعة ما رأيت في الخلق لها نظيرا قبل ولا بعد فإذا شفها ذاك ليس يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها ما وقع عليه من الثوب فكأنه قعب مكفأ ثم قالت يا بن ميادة الخبيثة أأنت القائل
( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار الصِّغار من البَهْمِ ) فقلت لا والله جعلني الله فداك يا سيدتي ما قلت هذا قط وإنما قلت
( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار المُقَيْسرَةِ الدُّهْمِ )

قال وكان يقال للجارية الحميسية زينب بنت مالك وفيها قال ابن ميادة قصيدته
( ألِمّا فَزُورَا اليومَ خيْرَ مَزارِ ... )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب ابن رشيد الكلابي قال
أعطى الوليد بن زيد ابن ميادة جارية طبرية أعجمية لا تفصح حسناء جميلة كاملة لولا العجمة فعشقها وقال فيها
( جزاكَ الله خيرًا من أمير ... فقد أَعطيتَ مِبْراداً سَخُونَا )
( بأهلي ما أَلذَّكَ عند نفسي ... لَوَ أنَّك بالكلام تُعَرِّيينا )
( كأنّكِ ظبيةٌ مَضغَتْ أراكاً ... بوادِي الِجْزع حين تُبَغِّمِينَا )

بعض أوصاف ابن ميادة
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إسحاق بن شعيب بن إبراهيم ابن محمد بن طلحة قال
وردت على بني فزارة ساعيا فأتاني ابن ميادة مسلما على وجائتني بنو

فزارة ومعها رجل من بني جعفر بن كلاب كان لهم جارا وكان مخططا موسوما بجمال فلما رأيته أعجبني فأقبلت على بني فزارة وقلت لهم أي أخوالي هذا فو الله إنه ليسرني أن أرى فيكم مثله فقالوا هذا أمتع الله بك رجل من بني جعفر بن كلاب وهو لنا جار
قال فأصغى إلي ابن ميادة وكان قريبا مني وقال لا يغرنك بأبي أنت ما ترى من جسمه فإنه أجوف لا عقل له فسمعه الجعفري فقال أفي تقع يا بن ميادة وأنت لا تقري ضيفك فقال له بان ميادة إن لم أقره قراه ابن عمي وأنت لا تقري ولا ابن عمك
قال ابن عمران فضحكت مما شهد به ابن ميادة على نفسه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن المعلى بن نوح الفزاري قال حدثني خال لي كان شريفا من سادات بني فزارة قال
ضفت ابن ميادة فأكرمني وتحفى بي وفرغ لي بيتا فكنت فيه ليس معي أحد ثم جاءني بقدح ضخم من لين إبله فشربته ثم ولى فلم ينشب أن جاءني بآخر فتناولت منه شيئا يسيرا فما لبثت حتى عاد بآخر فقلت حسبك يا رماح فلا حاجة لي بشيء فقال اشرب بأبي أنت فوالله لربما بات الضيف عندنا مدحورا
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب قال

أتينا ابن ميادة نتلقى منه الشعر فقال لنا هل لكم في فضل شنة فظنناها تمرا فقلنا له هات لنبسطه بذلك فإذا شنة فيها فضلة من خمر قد شرب بعضها وبقي بعض فلما رأيناها قمنا وتركناه
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن الكثيري قال حدثني نعمة الغفاري قال
قدم ابن ميادة المدينة فدعي في وليمة فجاء فوجد على باب الدار التي فيها الوليمة حرسا يضربون الزلالين بالسياط يمنعونهم من الدخول فرجع و هو يقول
( ولمّا رأيتُ الأَصْبَحِيّة قنّعتْ ... مفارِقَ شُمْطٍ حيث تُلْوَى العمائمُ )
( تركتُ دِفَاع الباب عمّا وراءَه ... وقلتُ صحيحٌ من نجا وهو سالُم )
أخبرني يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق قال
قال الوليد بن يزيد لابن ميادة في بعض وفاداته عليه من تركت عند نسائك قال رقيبين لا يخالفاني طرفة عين الجوع والعري
وهذا القول والجواب يروى أن عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة تراجعاهما وقد ذكر في

أخبار عقيل

مدح أبي جعفر المنصور
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبير و أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب
أن ابن ميادة مدح أبا جعفر المنصور بقصيدته التي يقول فيها
( طلعتْ علينا العِيسُ بالرَّمَّاحِ ... )
ثم خرج من عند أهله يريده فمر على إبله فحلبت له ناقة من إبله وراح عليه راعيه بلبنها فشربه ثم مسح على بطنه ثم قال سبحان الله إن هذا لهو الشره يكفيني لبن بكرة وأنا شيخ كبير ثم أخرج واغترب في طلب المال ثم رجع فلم يخرج
وهذه القصيدة من جيد شعر ابن ميادة أولها
( وكواعبٍ قد قلن يومَ تَوَاعُدٍ ... قَوْلَ المُجِدّ وهُنّ كالمُزَّاحِ )
( يا ليتَنا في غير أمرٍ فَادِح ... طَلَعَتْ عَلَيْنا العِيسُ بالرَّمّاحِ )
( بَيْنا كذاكَ رأينَني مُتَعَصِّباً ... بالخَزِّ فوق جُلالةٍ سِرْداحِ )

( فيهنّ صفراءُ المَعاصِمِ طَفْلَةٌ ... بيْضاءُ مثلُ غَرِيضةِ التُّفّاحِ )
( فَنظَرنَ من خَلَلِ الحِجَال بأعينٍ ... مَرْضَى مُخالِطُها السَّقَامُ صِحاحِ )
( وارتشنَ حين اردن أنْ يرمِينَني ... نَبْلاً بلا رِيشٍ ولا بِقدَاحٍ ) يقول فيها في مدح المنصور وبني هاشم
( فلئِنْ بقِيتُ لأَلحقَنّ بأَبْحُرٍ ... يَنْمينَ لا قُطْعٍ ولا أنْزاحِ )
( ولآتينّ بَني عليّ إنّهُمْ ... مَن يأتهم يُتَلقّ بالإِفلاحِ )
( قومٌ إذا جُلِب الثناء إليهِمُ ... بِيعَ الثناء هناك بالأرباحِ )
( ولأجْلِسَنّ إلى الخليفة إنّه ... رَحْبُ الفِناء بواسع بحباحِ ) وهي قصيدة طويلة
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسحاق بن أيوب بن سلمة قال اعتمرت في رجب سنة خمس ومائة فصادفني ابن ميادة بمكة وقدمها معتمرا فأصابنا مطر شديد تهدمت منه البيوت وتوالت فيه الصواعق فجلس إلي ابن ميادة الغد من ذلك اليوم فجعل يأتيني قوم من قومي وغيرهم فأستخبرهم عن ذلك الغيث فيقولون صعق فلان وانهدم منزل فلان فقال ابن ميادة هذا العيث لا الغيث فقلت فما الغيث عندك فقال

( سحائبُ لا مِن صَيِّبٍ ذي صَوَاعِقٍ ... ولا مُحْرِقات ماؤُهنّ حَمِيمُ )
( إذا ما هبطْنَ الأرضَ قد مات عُودُها ... بكَيْنَ بها حتّى يَعيش هَشِيمُ )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير عن أبيه قال
جلست أنا وعيسى بن عميلة وابن ميادة ذات يوم فأنشدنا ابن ميادة شعره مليا ثم أنشدنا قوله
( ألا لَيتَ شِعرِي هل أبيتنّ ليلةً ... بحرّةِ ليلَى حيث رَبَّتني أهلي )
( بلادٌ بها نِيطَتْ عليّ تَمائِمي ... وقُطِّعَن عنيِّ حينَ أدركنِي عَقْلِي )
( وهل أَسمعَنّ الدهرَ أصواتَ هَجْمَةٍ ... تَطَالعُ من هَجْلٍ خَصيبٍ إلى هَجْلِ )
( صُهَيْبَيّةٍ صفراء تُلْقي رِباعها ... بمُنْعَرجِ الصَمَان والجَرَع السهل ) تلقى راعها تطرح أولادها
وواحد الرباع ربع
( وهل أجمعنّ الدهرَ كفَّيَّ جَمْعةً ... بمَهْضومةِ الكَشْحَيْن ذاتِ شَوىً عَبْلِ )
( مُحلَّلةٍ لي لا حَراما أتيتُها ... من الطيبَات حين تَرْكُض في الحِجل )
( تميلُ إذا مالَ الضجيع بعطفِها ... كما مالَ دِعْص من ذُرَاً عَقْد الرملِ ) فقال له عيسى بن عميلة فأين قولك يا أبا الشرحبيل

( لقد حَرَّمت أُميِّ عليّ عَدِمْتُها ... كَرائمَ قومي ثّم قِلَّةُ ماليا ) فقلت له فاعطف إذا إلى أمة بني سهيل فهي أعند وأنكد وقد كنت أظن أنِ ميادة قد ضربت جأشك على اليأس من الحرائر وأنا أداعبه وأضاحكه فضحك وقال
( ألم تَر قوماً يَنْكِحون بمالِهِمْ ... ولو خَطَبتْ أنسابُهم لم تُزَوْجِ )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب وغيره
أن حسينة اليسارية كانت جميلة وآل يسار من موالي عثمان رضوان الله عليه يسكنون تيماء ولهم هناك عدد وجلد وقد انتسبوا في كلب إلى يسار بن أبي هند فقبلهم بنو كلب قال وكانت عند رجل من قومها يقال له عيسى بن إبراهيم ابن يسار وكان ابن ميادة يزورها وفيها
( ستأتينا حُسينَةُ حيث شِئْنا ... وإِنْ رَغِمَتْ أُنوفُ بني يَسارِ ) قال فدخل عليها زوجها يوما فوجد ابن ميادة عندها فهم به هو وأهلها فقاتلهم وعاونته عليهم حسينة حتى أفلت ابن ميادة فقال في ذلك
( لقد ظلّتْ تُعاونني عليهمْ ... صَمُوتُ الحِجْل كاظمةُ السِّوارِ )
( وقد غادرتُ عيسى وهو كَلْبٌ ... يُقطِّع سَلْحَه خَلْف الجِدارِ )

ابن ميادة يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني إبراهيم بن سعد بن شاهين قال حدثني عبد الله بن خالد بن دفيف التغلبي عن عثمان بن عبد الرحمن بن نميرة العدوي عن أبي العلاء بن وثاب قال

قدم ابن ميادة المدينة زائرا لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو أميرها وكان يسمر عنده في الليل فقال عبد الواحد لأصحابه إني أهم أن أتزوج فابغوني أيما فقال له ابن ميادة أنا أدلك أصلحك الله أيها الأمير قال على من يا أبا الشرحبيل قال قدمت عليك أيها الأمير فدخلت مسجدكم فإذا أشبه شيء به وبمن فيه الجنة وأهلها فوالله لبينا أنا أمشي فيه إذ قادتني رائحة عطر رجل حتى وقفت بي عليه فلما وقع بصري عليه استلهاني حسنه فما أقلعت عنه حتى تكلم فخلته لما تكلم يتلو زبورا أو يدرس إنجيلا أو يقرأ قرآنا حتى سكت فلولا معرفتي بالأمير لشككت أنه هو ثم خرج من مصلاه إلى داره فسألت من هو فأخبرت أنه للحيين وبين الخليفتين وأن قد نالته ولادة من رسول الله لها نور ساطع من غرته وذؤابته فنعم المنكح ونعم حشو الرحل وابن العشيرة فإن اجتمعت أنت وهو على ولد ساد العباد وجاب ذكره البلاد
فلما قضى ابن ميادة كلامه قال عبد الواحد ومن حضره ذاك محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وأمه فاطمة بنت الحسين فقال ابن ميادة
( لهم نَبْوَةٌ لم يُعْطِها اللهُ غيرَهم ... وكلُّ قضاء الله فهو مُقَسَّم ) قال يحيى بن علي ومما مدح به عبد الواحد لما قدم عليه قوله
( مَن كان أخطأه الربيعُ فإِنما ... نُصِرَ الحجازُ بغَيْثِ عبدِ الواحِد )
( إنّ المدينةَ أصبحتْ معمورةً ... بمُتَوَّجٍ حُلْوِ الشمائلِ ماجِد )
( ولقد بَلغتَ بغير أَمرِ تَكَلُّفٍ ... أعلَى الحظوظِ برغْم أَنْفِ الحاسدِ )
( وملكتَ ما بين العراق ويَثْرِبٍ ... مُلْكاً أجارَ لمسلم ومُعاهِدِ )
( مَالَيْهِما ودَميْهِما مِن بعد ما ... غَشَّى الضعيفَ شُعَاعُ سيفِ المارِدِ )

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني سعيد بن زيد السلمي
إنا لنزول أنا وأصحاب لي قبل الفطر بثلاث ليال على ماء لنا فإذا راكب يسير على جمل ملتف بثوب والسماء تغسله حتى أناخ إلى أجم عرفته فلما رأيناه لثقا قمنا إليه فوضعنا رحله وقيدنا جمله فلما أقلعت السماء عنا وهو معنا قاعد قام غلمة منا يرتجزون والرجل لم ينتسب لناولا عرفناه فارتجز أحدهم فقال
( أنا ابنُ مَيَّادةَ لَبّاسُ الحُلَلْ ... أَمَرُّ من مُرٍّ وأَحْلَى من عَسَلْ ) حتى قال له الرجل يابن أخي أتدري من قال هذا الشعر قال نعم ابن ميادة قال فأنا هو ابن ميادة الرماح بن أبرد وبات يعللنا من شعره ويقطع عنا الليل بنشيده وسرينا راحلين فصبحنا مكة فقضينا نسكنا ولقيه رجلان من قومه من بني مرة فعرفهما وعرفاه وأفطرنا بمكة فلما انصرفنا من المسجد يوم الفطر إذا نحن بفارسين مسودين وراجلين مع المريين يقولون أين ابن ميادة فقلنا هاهو وقد برزنا من خيمة كنا فيها فقلنا لابن ميادة ابرز فلما نظر إلى المريين قال
( إحدَى عَشِيّاتِك يا شميرجْ ... )
قال وهذا رجز لبعض بني سليم يقوله لفرسه
( أقولُ والرّكبة فوقَ المِنْسَجْ ... إحدَى عَشِيَّاتِك يا شميرجْ )

ويروى مشمرج فقالوا لابن ميادة أجب الأمير عبد الصمد بن علي وخذ معك من أصحابك من أحببت فخرج وخرج معه منا أربعة نفر أنا أحدهم حتى وقفنا على باب دار الندوة فدخل أحد المسودين ثم خرج فقال ادخل يا أبا شجرة فدخلت على عبد الصمد بن علي فوجدته جالسا متوشحا بملحفة موردة فقال لي من أنت قلت رجل من بني سليم فقال مالك تصاحب المري وقد قتلوا معاوية بن عمرو وقالت الخنساء
( أَلاَ ما لِعيني أَلاَ ما لَها ... لقد أَخْضَلَ الدمعُ سِرْبالَها )
( فآلَيْتُ آسَى على هالكٍ ... وأسألُ نائحةً مالَها )
( أبعدَ ابنِ عمرو مِنَ آلِ الشَّرِيد ... حَلّتْ به الأرضُ أثقالَها )
( فإن تَكُ مُرّةُ أوْدَتْ به ... فقد كان يُكثِر تَقْتَالَها ) أترويها قلت نعم أصلح الله الأمير وما زال من المعركة حتى قتل به خفاف ابن عمرو المعروف بابن ندبة كبش القوم مالك بن حمار الفزاري ثم

الشمخي أما سمع الأمير قول خفاف بن ندبة في ذلك
( فإن تَكُ خَيْلي قد أُصِيب صَمِيمُها ... فَعَمْداً على عينٍ تَيمّمْتُ مالِكَا )
( تيمّمت كَبْشَ القوم حين رأيتُه ... وجانَبْتُ شُبّانَ الرِّجال الصَّعَالكَا )
( أقولُ له والرمحُ يأْطِرُ مَتْنَه ... تَأمّل خُفَافاً إنّني أنا ذَلِكَا )
وقد توسط معاوية بن عمرو خيلهم فأكثر فيهم القتل وقتل كبش القوم الذي أصيب بأيديهم فقال لله درك إذا ولدت النساء فليلدن مثلك وأمر لي بألف درهم فدفعت إلي وخلع علي
وأدخل ابن ميادة فسلم عليه بالإمرة فقال له لا سلم الله عليك يا ماص كذا من أمه فقال ابن ميادة ما أكثر الماصين فضحك عبد الصمد ودعا بدفتر فيه قصيدة ابن ميادة التي يقول فيها
( لنا المُلكُ إلاّ أنّ شيئاً تَعُدُّه ... قريشٌ ولو شئنا لداخَتْ رِقابُها ) ثم قال لابن ميادة أعتق ما أملك إن غادرت منها شيئا إن لم أبلغ غيظك فقال ابن ميادة أعتق ما أملك إن أنكرت منها بيتا قلته أو أقرررت ببيت لم أقله فقرأها عبد الصمد ثم قال له أأنت قلت هذا قال نعم قال أفكنت أمنت يابن ميادة أن ينقض عليك باز من قريش فيضرب رأسك فقال ما أكثر البازين أفكان ذلك البازي آمنا أن يلقاه باز من قيس وهو يسير فيرميه فتشول رجلاه فضحك عبد الصمد ثم دعا بكسوة فكساهم

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الصمد بن شبيب قال قال أبو حذافة السهمي
سب رجل من قريش في أيام بني أمية بعض ولد الحسن بن علي عليهما السلام فأغلظ له وهو ساكت والناس يعجبون من صبره عليه فلما أطال أقبل الحسني عليه متمثلا بقول ابن ميادة
( أظنَّتْ سَفَاهاً من سَفَاهة رأيِها ... أَنَ اهْجُوهَا لمّا هَجَتْني مُحَارِبُ )
( فلا وأبِيها إنّني بعَشِيرَتِي ... ونَفْسِيَ عن ذاك المَقَامِ لراغِبُ ) فقام القرشي خجلا وما رد عليه جوابا

مدح جعفر بن سليمان
أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال
مدح ابن ميادة جعفر بن سليمان وهو على المدينة فأخبرني مسمع بن عبد الملك أنه قام له بحاجته عند جعفر وأوصلها إليه
قال فقال له جزاك الله خيرا ممن أنت رحمك الله قلت أحد بني مسمع قال ممن قلت من قيس بن ثعلبة قال ممن عافاك الله قلت من بكر بن وائل قال والله لو كنت سمعت ببكر بن وائل قط أو عرفتهم لمدحتك ولكني ما سمعت ببكر قط ولا عرفتهم ثم مدح جعفرا فقال
( لَعَمْرُكَ ما سيوفُ بني عليٍّ ... بنابِيَةِ الظُّبَاةِ ولا كِلاَلِ )
( هُمُ القومُ الأُلَى وَرِثُوا أباهُمْ ... تُرَاثَ محمَدٍ غَيرَ انتحالِ )
( وهم تَرَكوا المقالَ لهم رفيعاً ... وما تَرَكوا عليهم من مَقَالِ )
( حَذَوتُمْ قومَكم ما قد حَذَوْتُمْ ... كما يُحْذَى المثالُ على الِمَثالِ )

( فَرُدُّوا في جِراحكُمُ أسكم ... فقد أبْلَغتمُ مُرَّ النَّكالِ ) يشير عليه بالعفو عن بني أمية ويذكره بأرحامهم
أخبرنا بهذا الخبر يحيى بن علي عن سليمان المديني عن محمد بن سلام قال يحيى قال أبو الحارث المري فيما ذكره إسحاق من أخباره
قال جعفر بن سليمان لابن ميادة أتحب أن أعطيك مثل ما أعطاك ابن عمك رياح بن عثمان فقال لا أيها الأمير ولكن أعطني كما أعطاني ابن عمك الوليد بن يزيد

ابن ميادة يهجو بني أسد وبني تميم
قال يحيى وأخبرنا حماد عن أبيه عن أبي الحارث قال قال جعفر بن سليمان لابن ميادة أأنت الذي تقول
( بَني أَسَدٍ إن تَغْضَبوا ثّم تَغْضَبُوا ... وتَغْضَبْ قُرَيشٌ تَحْمِ قَيْساً غِضَابُها ) قال لا والله ما هكذا قلت قال فكيف قلت قال قلت
( بَني أَسَدٍ إن تَغْضَبُوا ثّم تَغْضَبُوا ... وتَعْدل قُرَيشٌ تَحْمِ قَيْساً غِضَابُها )
قال صدقت هكذا قلت
وهذه القصيدة يهجو بها ابن ميادة بني أسد وبني تميم وفيها يقول بعد هذا البيت الذي ذكره له جعفر بن سليمان
( وأحقرُ محقورٍ تَمِيمٌ أخوكُمُ ... وإن غَضِبَتْ يَرْبُوعُها ورِبَابُها )

( أَلاَ ما أباِلي أن تُنَخْدِفَ خِنْدِفٌ ... ولستُ أُباِلي أن يَطْنَّ ذُبابُها )
( ولو أنّ قَيساً قَيسَ عَيْلاَنَ أقسمِتْ ... على الشمس لم يَطْلُعْ عليكم حِجَابُها )
( ولو حاربتْنا الجنُّ لم نَرفع القَنَا ... عن الجنّ حتى لا تَهِرّ كِلاَبُها )
( لنا الُمْلُك إلاّ أنّ شيئاً تَعُدُّه ... قُرَيشٌ ولو شِئنا لَذَلَّتْ رِقابُها )
( وإن غَضِبتْ من ذا قُرَيشٌ فقُلْ لها ... مَعَاذَ الإِلهِ أن أكونَ أَهَابُها )
( وإني لقوّالُ الجوابِ وإنني لَمفَتجرٌ أشياءَ يُعيِي جوابُها )
( إذا غَضِبتْ قيسٌ عليك تقاصرتْ ... يداكَ وفات الرِّجلَ منك ركابُها ) قال إسحاق في خبره فحدثني جبر بن رباط بن عامر بن نصر قال فقال سماعة بن أشول النعامي يعارض ابن ميادة
( لعلّ ابنَ أشبانيّةٍ عارضتْ به ... رِعاءَ الشَّوِيّ من مُرِيح وعازِبِ )
( يُسَامِي فروعاً من خُزَيمة أحرزتْ ... عليه ثنايا المجد من كل جانبِ ) فقال ابن ميادة من هذا لقد أغلق على أغلق الله عليه قالوا سماعة بن أشول فقال سماعة يسمع بي وأشول يشول بي والله لا أهاجيه أبدا وسكت عنه
وقال عبد الرحمن بن جهيم الأسدي أحد بني الحارث بن سعد بن ثعلبة بن

دودان بن أسد يرد على ابن ميادة وهي قصيدة طويلة ذكرت منها أبياتا
( لقد كَذَبَ العبدُ ابنُ مّيادة الذي ... رَبَا وهي وَسْطَ الشَّوْلِ تَدْمَى كِعابُها )
( شَرَنْبَثة الأطرافِ لم يَقْنَ كَفَّها ... خِضَابٌ ولم تَشْرَقْ بعطرٍ ثيابُها )
( أرامّاحُ إن تَغْضَبْ صناديدُ خِندِفٍ ... يَهِجْ لك حَرْباً قَصْبُها واعتيابُها ) ويروى اغتيابها من الغيبة
واعتيابها من العيب
( ولو أَغْضَبَتْ قَيْسٌ قُرَيشاً لَجَدَّعَتْ ... مَسَامعَ قَيسٍ وهي خُضْعٌ رِقابُها )
( لقد جَرَّ رمّاحُ ابن واهصةِ الُخّصى ... على قومه حَرْباً عظيماً عَذَابُها )
( وقد عَلِمَ المملوحُ بالشؤم رأسُهُ ... قُتَيبةُ أن لم تَحْمِ قَيْساً غِضابُها )
( ولم تَحْمِها أيامَ قَتْلِ ابنِ حازمٍ ... وأيامَ قَتْلَى كانَ خِزْياً مُصابُها )
( ولا يَوْمَ لاقينا نُميرًا فَقُتِّلَتْ ... نُمَيرٌ وفَرَّتْ كَعْبُها وكِلاَبُها )
( وإن تَدْعُ قَيْساً لا تُجِبْكَ وَحَوْلَها ... خُيُولُ تميم سَعْدُها ورِبَابُها )
( ولو أنّ قيساً قيسَ عَيْلان أَصْحرت ... لأنواء غَنْمٍ غَرَّقتها شِعابها )
( ولو أنْ قَرْنَ الشمسِ كان لمعشرٍ ... لكان لنا إشراقُها واحتجابُها )
( ولكنّها لله يَمْلك أمرَها ... بقُدْرته إصعادها وانصبابُها )
( لَعَمْري لئن شابتْ حَلِيلةُ نَهْبَلٍ ... لبَئْسَ شبابُ المرءِ كان شبابُها )
( ولم تدرِ حَمْراءُ العِجَانِ أَنَهْبَلٌ ... أبوهُ أم المُرِّيّ تَبَّ تَبَابُها )

فإن يك رَمَّاحُ بنُ ميَّادةَ التي ... يُصِنّ إذا باتتْ بأرضٍ ترابُها )
( جَرَى جَرْيَ موهونِ القُوَى قَصَّرتْ به ... لئيمةُ أعراقٍ إليه انتسابُها )
( فلن تَسْبق المضمارَ في كلّ مَوْطِنٍ ... من الخيل عندَ الِجِّد إلاّ عِرابُها )
( وواللهِ لولا أنّ قَيْساً أذِلّةٌ ... لئامٌ فِلا يُرْضَى لًحٍّر سِبابُها )
( لأَْلْحقتُها بالزَّنْج ثم رَمَيْتُها ... بشنعاءَ يُعْيي القائلين جَوَابُها )

ابن ميادة وابان بن سعيد
أخبرني يحيى بن علي عن حماد عن أبيه قال
وجدت في كتاب أبي عمرو الشيباني فعرضته على أبي داود فعرفه أو عامته قال
أنا لجلوس على الهجم في ظل القصر عشية إذا أقبل إلينا ثلاثة نفر يقودون ناقة حتى جلسوا إلى أبان بن سعيد بن عيينة بن حصن وهو في جماعة من بني عيينة قال فرأيت أجلة ثلاثة ما رأيتهم قط فقلنا من القوم فقال أحدهم أنا ابن ميادة وهذان من عشيرتي فقال أبان لأحد بنيه اذهب بهذه الناقة فأطلق عنها عند بيت أمك فقال له ابن ميادة هذا يا أبا جعفر السعلاة أفلا أنشدك ما قلت فيها قال بلى فهات فقال
( قَعَدْتُ على السِّعلاة تَنقِضُ مِسْحَها ... وتُجْذَبُ مِثلَ الأَيْم في بُرة الصُّفْرِ )

( تُيَمِّم خيَر الناس ماءً وحاضراً ... وتَحْمِلُ حاجاتٍ تضمنَّها صدري )
( فإني على رَغْمِ الأعادي لقائلٌ ... وجَدْتُ خِيَارَ الناسِ حَيَّ بني بدرِ )
( لهم حاضرٌ بالَهْجم لم أرَ مثلها ... من الناس حيًّا أهل بَدْوٍ ولا حَضْرِ )
( وخيرُ مَعَدٍّ مجلساً مجلسٌ لهم ... يَفِيءُ عليه الظلُّ من جانب القَصْرِ )
( أخُصُّ بها رَوْقَيْ عُيَينة إنه ... كذاك ضحاحُ الماء يأوِي إلى الغَمْرِ )
( فأنتم أحقُّ الناس أن تتخيَّروا المياه ... وأن تَرْعَوْا ذُرَى البلد القَفْرِ )
قال فكان أول قائم من القوم ركضة بن علي بن عيينة وهو ابن عم أبان وعبدة بنت أبان وكانت إبله في العطن وهي أكرم نعم بني عيينة وأكثره قال ما سمعت كاليوم مديح قوم قط حكمك ماض في هذه الإبل ثم قام آخر فقال مثل ذلك وقام آخر وآخر فقال ابن ميادة يا بني عيينة إني لم آتكم لتتبارى لي شياطينكم في أموالكم إنما كان علي دين فأردت أن تعطوني أبكرا أبيعها في ديني
فأقام عند أبان بن سعيد خمسة عشر يوما ثم راح بتسع عشرة ناقة فيها ناقة لابن أبان عشراء أو رباعية
قال يحيى في خبره وقال يعقوب بن

جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة
إني على الهجم يوما إذ أقبل رجل فجعل يصرف راحلته في الحياض فيرده الرجل بعد الرجل فدعوته فقلت اشرع في هذا الحوض فلما شرع فسقى قال من هذا الفتى فقيل هذا جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة فقال
( بَنُو الصالحين الصالحون ومَن يكن ... لآباء سَوْءٍ يَلْقَهم حيثُ سَيَّرا )
( فما العود إلا نابِتٌ في أَرُومه ... أبى شَجَرُ العِيدان أن يتغيّرا ) قال إسحاق سألت أبا داود عن قوله
( كذاك ضحاحُ الماءِ يَجْرِي إلى الغَمْرِ ... ) فقال أراد أن الأمر كله والسؤدد يصير إليه كما يصير الماء إلى الغمرة حين كانت

ابن ميادة وأيوب بن سلمة
أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال أخبرني مصعب بن الزبير قال
ضاف ابن ميادة أيوب بن سلمة فلم يقره وابن ميادة من أخوال أيوب بن سلمة فقال فيه
( ظَلِلْنا وُقُوفاً عند باب ابن أختنا ... وظَلّ عن المعروف والمجدِ في شُغْلِ )
( صَفاً صَلَدٌ عند الندَى ونَعَامَةٌ ... إذا الحربُ أبدتْ عن نواجذها العُصْلِ )

قال أبو أيوب وأخبرني مصعب قال
قدم ابن ميادة على رياح بن عثمان وقد ولى المدينة وهو جاد في طلب محمد بن عبد الله بن حسن وإبراهيم أخيه فقال له اتخذ حرسا وجندا من غطفان واترك هؤلاء العبيد الذين تعطيهم دراهمك وحذار من قريش فاستخف بقوله ولم يقبل رأيه فلما قتل رياح قال ابن ميادة
( أمرتكَ يا رِيَاحُ بأمر حَزْمٍ ... فقلتَ هَشِيمةٌ من أهل نجد )
( وقلتُ له تحفَّظ من قُريشٍ ... ورَقِّع كل حاشيةٍ وبُردِ )
( فوجداً ما وَجَدْتُ على رِيَاحٍ ... وما أغنيتُ شيئاً غَيرَ وَجْدِي )

النساء في شعره
أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن إبراهيم ابن إسماعيل قال حدثني أكثم بن صيفي المري ثم الصاردي عن أبيه قال
كان ابن ميادة رأى امرأة من بني جشم بن معاوية ثم من بني حرام يقال لها أم الوليد وكانوا ساروا عليه فأعجب بها وقال فيها
( ألاَ حَبَّذا أمُّ الوليدِ ومَرْبَعٌ ... لنا ولها نُشْتُو به ونَصِيفُ ) ويروى
( . . . . . . . . . . . . . . . . ومَرْبع ... لنا ولها بالمشتوى ومصيفُ )
( حَرَامِيَّةٌ أمّا مَلاَثٌ إزارِها ... فَوَعْثٌ وأمّا خَصْرُها فلطيفُ )

( كأنّ القُرُونَ السُّودَ فوقَ مَقَذِّها ... إذا زَالَ عنها بُرْقُعٌ ونَصِيفُ )
( بها زَرَجُوناتٌ بقَفْرٍ تَنَسَّمت ... لها الريحُ حتى بينهنّ رَفِيفُ )
قال فلما سمع زوجها هذه الأبيات أتاها فحلف بطلاقها لئن وجد ابن ميادة عندها ليدقن فخذها ثم أعرض عنها واغترها حتى وجده يوما عند بيتها فدق فخذها واحتمل فرحل ورحل بها معه فقال ابن ميادة
( أتانا عامَ سار بنو كلابٍ ... حَرَاميّون ليسَ لهم حَرَامُ )
( كأنّ بيوتهم شجرٌ صِغارٌ ... بِقِيعانٍ تَقِيلُ بها النَّعامُ )
( حَرَاميّون لا يَقْرُون ضَيْفاً ... ولا يَدْرون ما خُلُقُ الكرامِ ) قال ثم سارت عليهم بعد ذلك بنو جعفر بن كلاب
فأعجب بامرأة منهم يقال لها أم البختري وكان يتحدث إليها مدة مقامهم ثم ارتحلوا فقال فيها
( أرِقتُ لِبَرْقٍ لا يُفَتِّر لامعُهُ ... بشُهْب الرُّبَى والليلُ قد نام هاجعُهُ )
( أرِقتُ له من بعد ما نام صُحْبَتي ... وأعجبني إيماضُه وتتابعُه )
( يُضيءُ صبَيِراً من سَحابٍ كأَنّه ... هَجانٌ أرنَّتْ للحنين نوازعُهْ )
( هَنِيئًا لأمّ البَخْتَرِيّ الرِّوَى به ... وإن أَنْهَجَ الحبلُ الذي النأْيُ قاطعُهْ )
( لقد جَعَل المُسْتَبضِعُ الغشّ بيننا ... ليَصْرِمَ حَبْلينا تَجُوز بضائعُهْ )

( فما سَرْحةٌ تَجْرِي الجداولُ تحتها ... بمطَّرد القِيعَانِ عَذْبٍ ينابِعُهْ )
( بأحسنَ منها يومَ قالتْ بذي الغَضَا ... أَتَرْعَى جديدَ الحبلِ أمْ أنتَ قاطعُهْ )
أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن إبراهيم قال
وذكر أبو الأشعث أن ابن ميادة خطب امرأة بني سلمى بن مالك بن جعفر ثم من بني البهثة وهم بطن يقال لهم البهثاء فأبوا أن يزوجوه وقالوا أنت هجين ونحن أشرف منك فقال
( فلو طاوعَتْني آلُ سَلْمَى بن مالكٍ ... لأعطيتُ مَهْراً من مَسَرَّةَ غاليَا )
( وسِرْبٍ كسِرْبِ العِين من آل جَعْفرٍ ... يُغَادِينَ بالكُحْل العُيُونَ السواجيَا )
( إذا ما هَبَطْنَ النِّيلَ أو كُنّ دونه ... بسَرْوِ الحِمَى ألْقَيْنَ ثَمّ المَرَاسِيَا )

مات في صدر خلافة المنصور
قال أحمد بن إبراهيم مات ابن ميادة في صدر من خلافة المنصور وقد كان مدحه ثم لم يفد إليه ولا مدحه لما بلغه من قلة رغبته في مدائح الشعراء وقلة ثوابه لهم

أخبار حنين الحيري ونسبه
حنين بن بلوع الحيري مختلف في نسبه فقيل إنه من العباديين من تميم وقيل إنه من بني الحارث بن كعب وقيل إنه من قوم بقوا من جديس وطسم فنزلوا في بني الحارث بن كعب فعدوا فيهم ويكنى أبا كعب وكان شاعرا مغنيا فحلا من فحول المغنين وله صنعة فاضلة متقدم وكان يسكن الحيرة ويكري الجمال إلى الشأم وغيرها وكان نصرانيا وهو القائل يصف الحيرة ومنزله بها
صوت
( أنا حُنَينٌ ومَنْزلي النَّجَفُ ... وما نَدِيمي إلاّ الفَتَى القَصِفُ )
( أَقْرَعُ بالكأس ثَغْرَ باطيةِ ... مُتْرَعَةٍ تارةً وأَغترفُ )
( من قهوة باكَرَ التِّجَارُ بها ... بيتَ يَهُوٍد قرارُها الخَزَفُ )
( والعيشُ غَضٌّ ومنزلي خَصِبٌ ... لم تَغْذُني شِقْوَةٌ ولا عُنُفُ )

الغناء والشعر لحنين ولحنه خفيف رمل بالبنصر
وفيه لابن المكي خفيف ثقيل قديم
ولعريب فيه خفيف ثقيل آخر عن الهشامي

غناء حنين وبعض من أوصافه
أخبرنا وكيع قال قال حماد حدثني أبي عن أبي الخطاب قال وحدثني ابن كناسة عن سليمان بن داود مولى ليحيى وأخبرني بهذا الخبر الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن قعنب بن المحرز الباهلي عن المدائني قالوا جميعا
حج هشام بن عبد الملك وعديله الأبرش الكلبي فوقف له حنين بظهر الكوفة ومعه عوده وزامر له وعليه قلنسية طويلة فلما مر به هشام عرض له فقال من هذا فقيل حنين فأمر به فحمل في محمل على جمل وعديله زامره وسير به أمامه وهو يتغنى
صوت
( أَمِنْ سَلْمَى بِظَهْر الكوفَةِ ... الآياتُ والطَّلَلُ )
( يلوحُ كما تلوحُ على ... جفون الصَّيقلِ الخِلَلُ )
الصنعة في هذا الصوت لحنين ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو
وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى حنين أيضا وإلى غيره قال فأمر له هشام بمائتي دينار وللزامر بمائة
وذكر إسحاق في خبره عن أبيه الخطاب أنه غنى هشاما

صوت
( صاحِ هل أبصرتَ بالخَبْتيْن ... من أسماءَ نَارَا )
( مَوهِناً شَبَّت لعينيكَ ... ولم تُوقَدْ نهارَا )
( كَتَلاَلي البَرْقِ في المُزْن ... ِ إذا البَرْقُ اسْتَطَارَا )
( أذكَرْتني الوصلَ من سُعْدَى ... وأيّاماً قِصَارَا )
الشعر للأحوص والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق
ونسبه ابن المكي إلى الغريض
وقال يونس فيه لحنان لمالك ولم يجنسهما
وقال الهشامي فيه لمالك خفيف رمل قال فلم يزل هشام يستفيده حتى نزل من النجف فأمر له بمائتي دينار
وقال إسحاق قيل لحنين أنت تغني منذخمسين سنة ما تركت لكريم مالا ولا دارا ولا عقاراإلا أتيت عليه فقال بأبي أنتم إنما هي أنفاسي أقسمها بين الناس أفتلومونني أن أغلي بها الثمن
وأخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه ومصعب بن الزبير عن بعض المكيين وأخرني به الحرمي بن أبي العلاء وحبيب بن نصر قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال حدثني شيخ من المكيين يقال له شريس قال
إنا لبالأبطح أيام الموسم نشتري ونبيع إذ أقبل شيخ أبيض الرأس واللحية على بغلة شهباء ما ندري أهو أشد بياضا أم بغلته أم ثيابه فقال أين بيت

أبي موسى فأشرنا له إلى الحائط فمضى حتى انتهى إلى الظل من بيت أبي موسى ثم استقبلنا ببغلته ووجهه ثم اندفع يغني

صوت
( أَسْعِدِيني بدمعةٍ أَسْرابِ ... من دموعٍ كثيرة التَّسْكابِ )
( إنّ أهل الِحَصاب قد تركوني ... مُغْرَماً مُولَعاً بأهل الحِصابِ )
( فارقوني وقد علمتُ يقيناً ... ما لِمَنْ ذاق مِيتةً من إيابِ )
( سكنوا الجِزْعَ جزعَ بيْت أبي موسى ... إلى النخل من صُفِيّ السِّبابِ )
( كم بذاكَ الحَجُون من حَيّ صِدْق ... وكهولٍ أعفَّةٍ وشبابِ )
( أهلُ بيتٍ تتايعُوا للمنايا ... ما عَلَى الموت بعدَهُم من عِتابِ )

( فليَ الوَيلُ بعدَهم وعليهم ... صِرتُ فردًا ومَلّني أصحابِي )
الشعر لكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي
والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى
وفيه لابن أبي دباكل الخزاعي ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن خرداذبه قال ثم صرف الرجل بغلته وذهب فتبعناه حتى أدركناه فسألناه من هو فقال أنا حنين بن بلوع وأنا رجل جمال أكري الإبل ثم مضى أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن المدائني قال
كان حنين غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة وكان لطيفا في عمل التحيات فكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت الفتيان ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطربين إلى الحيرة ورأوا رشاقته وحسن قده وحلاوته وخفة روحه استحلوه وأقام عندهم وخف لهم فكان يسمع الغناء ويشتهيه ويصغي إليه ويستمعه ويطيل الإصغاء إليه فلا يكاد ينتفع به في شيء إذا سمعه حتى شدا منه أصواتا فأسمعها الناس وكان مطبوعا حسن الصوت واشتهوا غناءه والاستماع منه وعشرته وشهر بالغناء ومهر فيه وبلغ منه مبلغا كبيرا ثم رحل إلى عمر بن داود الوادي وإلى حكم الوادي وأخذ منهما وغنى لنفسه في أشعار الناس فأجاد الصنعة وأحكمها ولم يكن بالعراق غيره فاستولى عليه في عصره وقدم ابن محرز حينئذ إلى الكوفة فبلغ خبره حنينا وقد كان يعرفه فخشي أن يعرفه الناس فيستحلوه ويستولي على البلد فيسقط هو فقال له كم منتك نفسك من العراق قال ألف دينار قال فهذه خمسمائة دينار عاجلة فخذها وانصرف واحلف لي أنك لا تعود

إلى العراق فأخذها وانصرف
أخبرني عمي وعيسى بن الحسين قالا حدثنا أبو أيوب المدائني عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال
كان ابن محرز قدم الكوفة وبها بشر بن مروان وقد بلغه أنه يشرب الشراب ويسمع الغناء فصادفه وقد خرج إلى البصرة بلغ خبره حنين بن بلوع فتلطف له حتى دعاه فغناه ابن محرز لحنه قال أحمد بن إبراهيم وهو من الثقيل الثاني من جيد الأغاني
صوت
( وَحُرُّ الزَّبَرْجَدِ في نَظْمِهِ ... على وَاضِح اللِّيتِ زَانَ العُقُودَا )
( يُفَصِّلُ ياقوتُهُ دُرَّهُ ... وكالجَمْرِ أَبْصَرْتَ فيهِ الفَرِيدَا ) قال فسمع شيئا هاله وحيره فقال له حنين كم منتك نفسك من العراق قال ألف دينار فقال هذه خمسمائة دينار حاصلة عاجلة ونفقتك في عودتك وبدأتك ودع العراق لي وامض مصاحبا حيث شئت قال وكان ابن محرز صغير الهمة لا يحب عشرة الملوك ولا يؤثر على الخلوة شيئا فأخذها وانصرف

حنين يغني في حمص متكسبا
وقال حماد في خبره قال أبي حدثني بعض أهل العلم بالغناء عن حنين قال
خرجت إلى حمص ألتمس الكسب بها وأرتاد من أستفيد منه شيئا فسألت

عن الفتيان بها وأين يجتمعون فقيل لي عليك بالحمامات فإنهم يجتمعون بها إذا أصبحوا فجئت إلى أحدها فدخلته فإذا فيه جماعة منهم فأنست وانبسطت وأخبرتهم أني غريب ثم خرجوا وخرجت معهم فذهبوا بي إلى منزل أحدهم فلما قعدنا أتينا بالطعام فأكلنا وأتينا بالشراب فشربنا فقلت لهم هل لكم في مغن يغنيكم قالوا ومن لنا بذلك قلت أنا لكم به هاتوا عودا فأتيت به فابتدأت في هنيات أبي عباد معبد فكأنما غنيت للحيطان لا فكهوا لغنائي ولا سوا به فقلت ثقل عليهم غناء معبد بكثرة عمله وشدته وصعوبة مذهبه فأخذت في غناء الغريض فإذا هو عندهم كلا شيء وغنيت خفائف ابن سريج وأهزاج حكم والأغاني التي لي واجتهدت في أن يفهموا فلم يتحرك من القوم أحد وجعلوا يقولون ليت أبا منبه قد جاءنا فقلت في نفسي أرى أني سأفتضح اليوم بأبي منبه فضيحة لم يفتضح أحد قط مثلها
فبينا نحن كذلك إذ جاء أبو منبه وإذا هو شيخ عليه خفان أحمران كأنه جمال فوثبوا جميعا إليه وسلموا عليه وقالوا يا أبا منبه أبطأت علينا وقدموا له الطعام وسقوه أقداحا وخنست أنا حتى صرت كلا شيء خوفا منه فأخذ العود ثم اندفع يغني

( طَرِبَ البحر فاعبُرِي يا سفينهْ ... لا تَشُقِّي على رجالِ المدينهْ ) فأقبل القوم يصفقون ويطربون ثم أخذ في نحو هذا من الغناء فقلت في نفسي أنتم هاهنا لئن أصبحت سالما لا أمسيت في هذه البلدة
فلما أصبحت شددت رحلي على ناقتي واحتقبت ركوة من شراب ورحلت متوجها إلى الحيرة وقلت
( ليت شعري متى تَخُبّ بَي الناقةُ ... بين السَّدِير والصِّنَّيْنِ )
( مُحْقِباً رَكُوَةً وخُبْزَ رُقَاقٍ ... وبُقُولا وقطعةً من نُونِ )
( لستُ أبغِي زاداً سواها من الشام ... وحسبي عُلالةٌ تَكْفيني )
( فإذا أُبْتُ سالماً قلت سُحْقاً ... وبِعَاداً لمعشرٍ فارقوني )
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرنا به وكيع في عقب أخبار رواها عن حماد بن إسحاق عن أبيه فقال وقال لي إسحاق فلا أدري أأدرج الإسناد وهو سماعه أم ذكره مرسلا قال إسحاق وذكر ابن كناسة
أن خالد بن عبد الله القسري حرم الغناء بالعراق في أيامه ثم أذن للناس يوما في الدخول عليه عامة فدخل أليه حنين ومعه عود تحت ثيابه فقال أصلح الله الأمير كانت لي صناعة أعود بها على عيالي فحرمها الأمير فأضر ذلك بي وبهم فقال وما صناعتك فكشف عن عوده وقال هذا فقال له خالد عن فحرك أوتاره وغنى

صوت
( أيها الشامتُ المُعَيِّر بالدهرِ ... أأنت المُبَرَّأُ الموفورُ )
( أم لديك العهدُ الوثيقُ من الأيَّامِ ... بل أنت جاهلٌ مغرورُ )
( مَنْ رأيتَ المنونَ خَلَّدن أم مَنْ ... ذا عليه من أن يُضَامَ خَفيِرُ ) قال فبكى خالد وقال قد أذنت لك وحدك خاصة فلا تجالسن سفيها ولا معربدا فكان إذا دعي قال أفيكم سفيه أو معربد فإذا قيل له لا دخل
شعر هذا الصوت المذكور لعدي بن زيد والغناء لحنين رمل بالوسطى عن عمرو
وقوله المبرأ يعني المبرأ من المصائب
الموفور الذي لم يذهب من ماله ولا من حاله شيء يقال وفر الرجل يوفر
ولديك بمعنى عندك هاهنا
حنين يغني بشر بن مروان
أخبرني أبو صالح محمد بن عبد الواحد الصحاف الكوفي قال حدثنا قعنب ابن المحرز الباهلي قال أخبرنا الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش وعن مجالد عن الشعبي جميعا وأخبرني محمد بن مزيد وحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال
لما ولي بشر بن مروان الكوفة كنت على مظالمه فأتيته عشية وحاجبه أعين صاحب حمام أعين جالس فقلت له استأذن لي على الأمير فقال لي يا أبا عمرو هو على حال ما أظنك تصل إليه معها فقلت أعلمه وخلاك ذم فقد حدث أمر لا بد لي من إنهائه إليه وكان لا يجلس بالعشي فقال لا ولكن اكتب حاجتك في رقعة حتى أوصلها إليه فكتبت رقعة فما لبث أن خرج التوقيع على ظهرها ليس الشعبي ممن يحتشم منه فأذن له فأذن لي فقال ادخل فدخلت فإذا بشر بن مروان عليه غلالة رقيقة صفراء وملاءة تقوم قياما من شدة

الصقال وعلى رأسه إكليل من ريحان وعلى يمينه عكرمة بن ربعي وعلى يساره خالد بن عتاب بن ورقاء وإذا بين يديه حنين بن بلوع معه عوده فسلمت فرد علي السلام ورحب وقرب ثم قال يا أبا عمرو لو كان غيرك لم آذن له على هذه الحال فقلت أصلح الله الأمير عندي لك الستر لكل ما أرى منك والدخول معك فيما لا يجمل والشكر على ما توليني فقال كذاك الظن بك ثم التفت إلى حنين وعوده في حجره وعليه قباء خشك شوي وقال إسحاق خشكون ومستقة حمراء وخفان مكعبان فسلم علي فقلت له كيف أنت أبا كعب فقال بخير أبا عمرو فقلت احزق الزير وارخ البم ففعل وضرب فأجاد فقال بشر لأصحابه تلومونني على أن آذن له في كل حال ثم أقبل علي فقال أبا عمرو من أين وقع لك حزق الزير فقلت ظننت أن الأمر هناك فقال فإن الأمر كما ظننت هناك كله
ثم قال فمن أين تعرف حنينا فقلت هذا بطة أعراسنا فكيف لا أعرفه فضحك وغنى حنين فأجاد فطرب وأمر له بجائزة ثم ودعته وقمت بعد أن ذكرت له ما جئت فيه فأمر لي بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب فقمت مع الخادم حتى قبضت ذلك منه وانصرفت
وقد

وجدت هذا الخبر بخط أبي سعيد السكري يأثره عن محمد بن عثمان المخزومي عن أبيه عن جده أنه كان عند بشر بن مروان يوم دخل عليه الشعبي هذا المدخل وأن حنين بن بلوع غناه
( هُمُ كتموني سَيْرَهمْ حين أزمَعُوا ... وقالوا اتّعدنا للرَّوَاح وبَكَّرُوا ) وهذا القول خطأ قبيح لأن هذا الشعر للعباس بن الأحنف والغناء لعلويه رمل بالوسطى وغني للمأمون فيه فقال سخروا من أبي الفضل أعزه الله

بعض من اوصاف الحيرة
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي وقال أبو عبيد الله الكاتب حدثني سليمان بن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان قال
وكان بعض ولاة الكوفة يذم الحيرة في أيام بني أمية فقال له رجل من أهلها وكان عاقلا ظريفا أتعيب بلدة بها يضرب المثل في الجاهلية والإسلام قال وبماذا تمدح قال بصحة هوائها وطيب مائها ونزهة ظاهرها تصلح للخف والظلف سهل وجبل وبادية وبستان وبر وبحر محل الملوك ومزارهم ومسكنهم ومثواهم وقد قدمتها أصلحك الله مخفا فرجعت مثقلا ووردتها مقلا فأصارتك مكثرا قال فكيف نعرف ما وصفتها به من الفضل قال بأن تصير إلي ثم ادع ما شئت من لذات العيش فوالله لا أجوز

بك الحيرة فيه قال فاصنع لنا صنيعا واخرج من قولك قال أفعل فصنع لهم طعاما وأطعمهم من خبزها وسمكها وما صيد من وحشها من ظباء ونعام وأرانب وحبارى وسقاهم ماؤها في قلالها وخمرها في آنيتها وأجلسهم على رقمها وكان يتخذ بها من الفرش أشياء ظريفة ولم يستخدم لهم حرا ولا عبدا إلا من مولديها ومولداتها من خدم ووصائف ووصفاء كأنهم اللؤلؤ لغتهم لغة أهلها ثم غناهم حنين وأصحابه في شعر عدي بن زيد شاعرهم وأعشى همدان لم يتجاوزهما وحياهم برياحينها ونقلهم على خمرها وقد شربوا بفواكهها ثم قال له هل رأيتني استعنت على شيء مما رأيت وأكلت وشربت وافترشت وشممت وسمعت بغير ما في الحيرة قال لا والله ولقد أحسنت صفة بلدك ونصرته فأحسنت نصرته والخروج مما تضمنته فبارك الله لكم في بلدكم
قال إسحاق ولم يكن بالحيرة مذكور في الغناء سوى حنين إلا نفرا من السدريين يقال لهم عباديس وزيد بن الطليس وزيد بن كعب ومالك بن حممة وكانوا يغنون غناء الحيرة بين الهزج والنصب وهو إلى النصب أقرب

ولم يدون منه شيء لسقوطه وأنه ليس من أغاني الفحول
وما سمعنا نحن لأحد من هؤلاء خبرا إلا لمالك بن حممة أخبرني به عمي عن عبد الله بن أبي سعد
وقال وكيع في خبره عن إسحاق حدثني أبو بشر الفزاري قال حدثني بشر بن الحسين بن سليمان بن سمرة بن جندب قال
عاش حنين بن بلوع مائة سنة وسبع سنين وكان يقال إنه من جديس قال وقيل أيضا إنه من لخم وكان هو يزعم أنه عبادي وأخواله من بني الحارث بن كعب
أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قلا حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال
كنت مع الرشيد في السنة التي نزل فيها على عون العبادي فأتاني عون بابن ابن حنين بن بلوع وهو شيخ فغناني عدة أصوات لجده فما استحسنتها لأن الشيخ كان مشوه الخلق طن الغناء قليل الحلاوة إلا أنه كان لا يفارق عمود الصوت أبدا حتى يفرغ منه فغناني صوت ابن سريج
( فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَهُ ... ما بينَ قُلّةِ رأسِه والمِعْصَمِ ) فما أذكر أني سمعته من أحد قط أحسن مما سمعته منه فقلت له لقد أحسنت في

هذا الصوت وما هو من أغاني جدك ولا من أغاني بلدك وإني لأعجب من ذلك فقال لي الشيخ والصليب والقربان ما صنع هذا الصوت إلا في منزلنا وفي سرداب لجدي ولقد كاد أن يأتي على نفس عمتي فسألته عن الخبر في ذلك فقال

حنين في ضيافة ابن سريج
حدثني أبي أن عبيد بن سريج قدم الحيرة ومعه ثلثمائة دينار
فأتى بها منزلنا في ولاية بشر بن مروان الكوفة وقال أنا رجل من أهل الحجاز من أهل مكة بلغني طيب الحيرة وجودة خمرها وحسن غنائك في هذا الشعر
( حَنَتْني حانياتُ الدهر حتّى ... كأنِّي خاتلٌ يَدْنُو لصَيْدِ )
( قريبُ الخَطْو يَحْسَبُ مَنْ رآني ... ولستُ مُقَيَّداً أَنِّي بِقَيْدِ ) فخرجت بهده الدنانير لأنفقها معك وعندك ونتعاشر حتى تنفد وأنصرف إلى منزلي
فسأله جدي عن اسمه ونسبه فغيرهما وانتمى إلى بني مخزوم فأخذ جدي المال منه وقال موفر مالك عليك ولك عندنا كل ما يحتاج إليه مثلك ما نشطت للمقام عندنا فإذا دعتك نفسك إلى بلدك جهزناك إليه ورددنا عليك مالك وأخلفنا ما أنفقته عليك إلى أن جئتنا وأسكنه دارا كان ينفرد فيها فمكث عندنا شهرين لا يعلم جدي ولا أحد من أهلنا أنه يغني حتى انصرف جدي من دار بشر ابن مروان في يوم صائف مع قيام الظهيرة فصار إلى باب الدار التي كان أنزل ابن سريج فيها فوجده مغلقا فارتاب بذلك ودق الباب فلم يفتح له ولم يجبه أحد فصار إلى منازل الحرم فلم يجد فيها ابنته ولا جواريه ورأى ما بين الدار التي فيها الحرم ودار ابن سريج مفتوحا فانتضى سيفه ودخل الدار ليقتل ابنته فلما دخلها رأى ابنته وجواريه وقوفا على باب السرداب وهن يومئن إليه بالسكوت وتخفيف

الوطء فلم يلتفت إلى إشارتهن لما تداخله إلى أن سمع ترنم ابن سريج بهذا الصوت فألقى السيف من يده وصاح به وقد عرفه من غير أن يكون رآه ولكن بالنعت والحذق أبا يحيى جعلت فداءك أتيتنا بثلثمائة دينار لتنفقها عندنا في حيرتنا فوحق المسيح لا خرجت منها إلا ومعك ثلثمائة دينار وثلثمائة دينار وثلثمائة دينار سوى ما جئت به معك ثم دخل إليه فعانقه ورحب به ولقيه بخلاف ما كان يلقاه به وسأله عن هذا الصوت فأخبره أنه صاغه في ذلك الوقت
فصار معه إلى بشر بن مروان فوصله بعشرة آلاف درهم أول مرة ثم وصله بعد ذلك بمثلها فلما أراد الخروج رد عليه جدي ماله وجهزه ووصله بمقدار نفقته التي أنفقها من مكة إلى الحيرة ورجع ابن سريج إلى أهله وقد أخذ جميع من كان في دارنا منه هذا الصوت

غنى للناس فمات بسبب الازدحام
أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني حسان بن محمد الحارثي قال حدثنا عبد الله قال حدثنا عبيد بن حنين الحيري قال
كان المغنون في عصر جدي أربعة نفر ثلاثة بالحجاز وهو وحده بالعراق والذين بالحجاز ابن سريج والغريض ومعبد فكان يبلغهم أن جدي حنينا قد غنى في هذا الشعر
( هَلاَّ بكَيْت على الشباب الذاهبِ ... وكَفَفْتَ عن ذَمِّ المَشِيبِ الآئبِ )
( هذا ورُبَّ مُسَوِّفِينَ سَقَيْتُهُمْ ... من خمر بابلَ لذّةً للشارِبِ )
( بَكَرُوا عَلَيَّ بسُحْرَةٍ فَصَبَحْتُهم ... من ذات كُوبٍ مثل قَعْبِ الحالِبِ )

( بزجاجةٍ ملْءِ اليَدَيْن كأنّها ... قِنْديلُ فِصْح في كَنِيسة راهِبِ ) قال فاجتمعوا فتذاكروا أمر جدي وقالوا ما في الدنيا أهل صناعة شر منا لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز لا نزوره ولا نستزيره
فكتبوا إليه ووجهوا إليه نفقة وكتبوا يقولون نحن ثلاثة وأنت وحدك فأنت أولى بزيارتنا فشخص إليهم فلما كان على مرحلة من المدينة بلغهم خبره فخرجوا يتلقونه فلم ير يوم كان أكثر حشرا ولا جمعا من يومئذ ودخلوا فلما صاروا في بعض الطريق قال له معبد صيروا إلي فقال له ابن سريج إن كان لك من الشرف والمروءة مثل ما لمولاتي سكينة بنت الحسين عطفنا إليك فقال مالي من ذلك شيء وعدلوا إلى منزل سكينة
فلما دخلوا إليها أذنت للناس إذنا عاما فغصت الدار بهم وصعدوا فوق السطح وأمرت لهم بالأطعمة فأكلوا منها ثم إنهم سألوا جدي حنينا أن يغنيهم صوته الذي أوله
( هَلاَّ بكيتَ على الشباب الذاهبِ ... ) فغناهم إياه بعد أن قال لهم ابدأوا أنتم فقالوا ما كنا لنتقدمك ولا نغني قبلك حتى نسمع هذا الصوت فغناهم إياه وكان من أحسن الناس صوتا فازدحم الناس على السطح وكثروا ليسمعوه فسقط الرواق على من تحته فسلموا جميعا وأخرجوا أصحاء ومات حنين تحت الهدم فقالت سكينة عليها السلام لقد كدر علينا حنين سرورنا انتظرناه مدة طويلة كأنا والله كنا نسوقه إلى منيته

نسبة ما في الخبر الأول من الغناء
صوت
( فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَهُ ... ما بينَ قُلّةِ رأسِه والمِعْصَمِ )
( إن تُغْدِفي دُونِي القِنَاعَ فإنّني ... طَبٌّ بأخذ الفارِس المُسْتَلْئِم )

الشعر لعنترة بن شداد العبسي والعناء فيه لحنين ثاني ثقيل
ومنها

صوت
( حَنَتْني حانياتُ الدهر حتّى ... كأنِّي خاتلٌ يَدْنُو لصَيْدِ )
( قريبُ الخَطْو يَحْسَبُ مَنْ رآني ... ولستُ مُقَيَّداً أَنِّي بِقَيْدِ )
الغناء لحنين الحيري ثقيل أول
وفيه لإبراهيم الموصلي ماخوري جميعا عن ابن المكي ووافقه عمرو بن بانة في لحن إبراهيم الموصلي ونسبة الشعر الذي غناه حنين في منزل سكينة عليها السلام يقال إنه لعدي بن زيد وقيل إن بعضه له وقد أضافه المغنون إليه
ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق
صوت
من المائة المختارة
( رَاعَ الفؤادَ تَفَرُّقُ الأحبابِ ... يَومَ الرحيل فهاجَ لي أَطْرابي )
( فَظَلِلتُ مكتئباً أَكَفْكِفُ عَبْرةً ... سَحَاً تَفِيضُ كواشلِ الأسراب )
( لمّا تَنَادَوْا للرحيل وقَرَّبوا ... بُزْلَ الجِمَال لِطِيَّةٍ وذَهَابِ )

كاد الأَسى يَقْضي عليك صبابةً ... والوجهُ منك لِبَيْنِ إِلفك كَابِي )
عروضه من الكامل
والشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء للغريض ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وقال حبش وفيه لأبي كامل ثاني ثقيل بالوسطى وذكر حبش أنّ للغريض أيضاً فيه خفيفَ ثقيل بالوُسْطى ولمالك ثقيلٌ أوّل بالوسطى
وهذه الأبيات قالها عمر ابن أبي ربيعة في بنت لعبد الملك بن مروان كانت حجت في خلافته

عمر بن أبي ربيعة وقصته مع بنت عبد الملك
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال أخبرني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبيري والمدائني ومحمد بن سلام والمسّيبيّ
أن بنتا لعبد الملك بن مروان حجت فكتب الحجاج إلى عمر بن أبي ربيعة يتوعده إن ذكرها في شعره بكل مكروه وكانت تحب أن يقول فيها شيئا وتتعرض لذلك فلم يفعل خوفا من الحجاج
فلما قضت حجها خرجت فمر بها رجل فقالت له من أين أنت قال من أهل مكة قالت عليك وعلى أهل بلدك لعنة الله قال ولم ذاك قالت حججت فدخلت مكة ومعي من الجواري ما لم تر الأعين مثلهن فلم يستطع ابن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتا نلهو بها في الطريق في سفرنا قال فإني لا أراه إلا قد فعل قالت فأتنا بشيء إن كان قاله ولك بكل بيت عشرة دنانير فمضى إليه فأخبره فقال لقد فعلت ولكن أحب أن تكتم علي قال أفعل فأنشده
( رَاعَ الفؤادَ تَفَرُّقُ الأحبابِ ... يَومَ الرحيل فهاجَ لي أَطْرابي )
وهي طويلة
وأنشده
( هَاجَ قلبي تَذَكُّرُ الأحبابِ ... واعترتْني نوائبُ الأطرابِ )

وهي طويلة أيضاً يقول فيها
( أُقْتُلِينِي قَتْلاً سريعاً مُريحاً ... لا تكوني عليّ سَوْطَ عَذَابِ )
( شَفَّ عنها مُحَقَّق جَنَدِيٌّ ... فهي كالشمس من خلال سَحَابِ )
ذكر حبش أن في هذه الثلاثة الأبيات للهذلي ثاني ثقيل بالبنصر قال فعاد إليها الرجل فأنشدها هاتين القصيدتين فدفعت إليه ما وعدته به

ذكر الغريض وأخباره
الغريض لقب لقب به لأنه كان طري الوجه نضرا غض الشباب حَسنَ المنظر فلقب بذلك
والفريض الطري من كل شيء
وقال ابن الكلبي شبه بالإغريض وهو الجمار فسمي به وثقل ذلك على الألسنة فحذفت الألف منه فقيل له الغريض
واسمه عبد الملك وكنيته أبو يزيد
وأخبرنا إسماعيل بن يونس الشيعى عن عمر بن شبة عن أبي غسان عن جماعة من المكيين
أنه كان يكنى أبا مروان
وهو مولى العبلات وكان مولدا من مولدي البربر
وولاؤه وولاء يحيى قيل وسمية للثريا صاحبة عمر بن أبي ربيعة وأخواتها الرضيا وقريبة وأم عثمان بنات علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر وقد مضت أخبارهن في صدر الكتاب
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني محمد بن نصر الضبعي قال حدثني عبد الكريم بن أبي معاوية العلابي عن هشام بن الكلبي عن أبيه وعن أبي مسكين وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى وأخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن أبي

الأزهر حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري والمدائني ومحمد بن سلام وقد جمعت رواياتهم في قصة الغريض قالوا

الغريض يتعلم النوح وينوح في المآتم
كان الغريض يضرب بالعود وينقر بالدف ويوقع بالقضيب وكان جميلا وضيئا وكان يصنع نفسه ويبرقها وكان قبل أن يغني خياطا
وأخذ الغناء في أول أمره عن ابن سريج لأنه كان يخدمه
فلما رأى ابن سريج طبعه وظرفه وحلاوة منطقه خشي أن يأخذ غناءه فيغلبه عليه عند الناس ويفوقه بحسن وجهه وجسده فاعتل عليه وشكاه إلى مولياته وهن كن دفعنه إليه ليعلمه الغناء وجعل يتجنى عليه ثم طرده فشكا ذلك إلى مولياته وعرفهن غرض ابن سريج في تنحيته إياه عن نفسه وأنه حسده على تقدمه فقلن له هل لك في أن تسمع نوحنا في قبلانا فتأخذه وتغني عليه قال نعم فافعلن فأسمعنه المراثي فاحتذاها وخرج غناء عليها كالمراثي وكان ينوح مع ذلك فيدخل المآتم وتُضْرَب دونَه الحُجُب ثم يَنُوح فيفتن كل من سمعه
ولما كثر غناؤه اشتهاه الناس وعدلوا إليه لما كان فيه من الشجا فكان ابن سريج لا يغني صوتا إلا عارضه الغريض فيه لحنا آخر
فلما رأى ابن سريج موقع الغريض اشتد عليه وحسده فغنى الأرمال والأهزاج فاشتهاها الناس فقال له الغريض يا أبا يحيى قصرت الغناء وحذفته قال نعم يا مخنث حين جعلت تنوح على أمك وأبيك
قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة قال لما غضب ابن سريج على الغريض فأقصاه وهجره لحق بحوراء وبغوم جاريتين نائحتين كانتا في شعب ابن

عامر بمكة ولم يكن قبلهما ولا بعدهما مثلهما فرأتاه يوما يعصر عينيه ويبكي فقالتا له مالك تبكي فذكر لهما ما صنع به ابن سريج فقالتا له لا أرقأ الله دمعك ألزز رأسك بين ما أخذته عنه وبين ما تأخذه منا فإن ضعت بعدها فأبعدك الله

الغريض من الأربعة المشهورين في الفناء
قال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال رأيت جريرا في مجلس من مجالس قريش فسمعته يقول كان المغنون بمكة أربعة فسيد مبرز وتابع مسدد فسألناه عن ذاك فقال كان السيد أبو يحيى بن سريج والتابع أبو يزيد الغريض
وكان هناك رجل عالم بالصناعة فقال كان الغريض أحذق أهل زمانه بمكة بالغناء بعد ابن سريج وما زال أصحابنا لا يفرقون بينهما لمقاربتهما في الغناء
قال الزبيري وقال بعض أهلي لو حكمت بين أبي يحيى وأبي يزيد لما فرقت بينهما وإنما تفضيلي أبا يحيى بالسبق فأما غير ذلك فلا لأن أبا يزيد عنه أخذ ومن بحره اغترف وفي ميدانه جرى فكان كأنه هو ولذلك قالت سكينة لما غنى الغريض وابن سريج
( عُوجِي علينا رَبّة الهودَج ... ) والله ما أفرق بينكما وما مثلكما عندي إلا كمثل اللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان لا يدري أي ذلك أحسن
قال إسحاق وسمعت جماعة من البصراء عند أبي يتذاكرونهما فأجمعوا على أن الغريض أشجى غناء وأن ابن سريج أحكم صنعة

قال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال حدثني بعض أهلي قال حججنا فلما كنا بجمع سمعنا صوتا لم نسمع أحسن منه ولا أشجى فأصغى الناس كلهم إليه تعجبا من حسنه فسألت من هذا الرجل فقيل لي الغريض فتتابع جماعة من أهل مكة فقالوا ما نعرف اليوم أحدا أحسن غناء من الغريض ويدلك على ذلك أنه يعترض بصوته الحاج وهم في حجهم فيصغون إليه
فسألوا الغريض عن ذلك فقال نعم فسألوه أن يغنيهم فأجابهم وخرج فوقف حيث لا يرى ويسمع صوته فترنم ورجع صوته وغنى في شعر عمر بن أبي ربيعة
( أيُّها الرائحُ المُجِدّ ابتِكَارَا ... قد قَضَى مِن تِهَامَةَ الأَوْطَارَ ) فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك الصوت وتكلم الناس فقالوا طائفة من الجن حجاج

نسبة هذا الصوت
صوت
( أيُّها الرائحُ المُجِدّ ابتِكَارَا ... قد قَضَى مِن تِهَامَةَ الأَوْطَارَ )
( مَنْ يكنْ قلبُه الغَدَاة خَلِيًّا ... ففؤادي بالخَيْفِ أَمْسَى مُعَارَا )
( ليت ذا الحجّ كان حَتْماً علينا ... كلَّ شهريْن حِجَّةً واعتِمارَا )
عروضه من الخفيف
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الثاني بالخنصر في مجرى الوسطى
وفيه لحن للغريض من رواية حماد عن أبيه

أمير مكة ينفي الغريض
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمد ابن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال
بلغني أن معبدا وابن سريج والغريض اجتمعوا بمكة ذات ليلة فقالوا هلم نبك أهل مكة ووجدت هذا الخبر بغير إسناد مرويا عن يونس الكاتب أن أميرا من أمراء مكة أمر بإخراج المغنين من الحرم فلما كان في الليلة التي عزم بهم على النفي في غدها اجتمعوا على أبي قبيس وكان معبد قد زارهم فبدأ معبد فغنى كذا روي عن يونس ولم يذكره الباقون
صوت
( أَتِرْبَيَّ مِن أَعْلَى مَعَدّ هُدِيتُمَا ... أجِدّا البُكَا إنّ التفرُّقَ باكِرُ )
( فما مكُثْناُ دام الجَمِيلُ عليكما ... بِثَهْلان إلاّ أنْ تُزَمّ الأباعِرُ )
عروضه من الطويل
هكذا ذكره ولم ينسبه ولا جنسه قال فتأوه أهل مكة وأنوا وتمخطوا
واندفع الغريض يغني
( أيُّها الرائحُ المُجِدّ ابتِكَارَا ... قد قَضَى مِن تِهَامَةَ الأَوْطَارَ ) فارتفع البكاء والنحيب
واندفع ابن سريج يغني

( جَدّدِي الَوصل يا قُريبُ وجُودِي ... لمُحبٍّ فِراقُهَ قد ألَمَّا )
( ليس بين الحياة والموت إلاّ ... أن يَرُدُّوا جِمَالَهُمْ فتُزَمَّا ) فارتفع الصراخ من الدور بالويل والحرب
قال يونس في خبره واجتمع الناس إلى الأمير فاستعفوه من نفيهم فأعفاهم
وذكر الباقون أن الغريض ابتدأ بلحنه
( أيُّها الراكب المُجِدّ ابتِكارَا ... ) وتلاه ابن سريج في جددي الوصل
قال وارتفع الصراخ فلم يسمع من معبد شيء ولم يقدر على أن يغني
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الرحمن بن محمد السعدي قال
حضرت شطباء المغنية جارية علي بن جعفر ذات يوم تغني
( ليس بين الرَّحِيل والبيْنِ إلاّ ... أنْ يَرُدُّوا جِمالَهم فتُزَمَّا ) فطرب علي بن جعفر وصاح سبحان الله العظيم ألا يوكون قربة ألا يشدون محملا ألا يعلقون سفرة ألا يسلمون على جار هذه والله العجلة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى قال زعم عبيد بن يعلى قال
قال لي كثير بن كثير السهمي لما ماتت الثريا أتاني الغريض فقال لي قل لي شعرا أبك به عليها فقلت

صوت
( أَلاَ يا عينُ مَالَكِ تَدْمَعِينَا ... أَمِنْ رَمَدٍ بكيتِ فتُكْحلِينَا )
( أَمَ انتِ مريضة تَبْكِينَ شَجْواً ... فَشَجْوُكِ مثلُهُ أبكَى العيونا ) فناح به عليها
قال وأخبرني من رآه بين عمودي سريرها ينوح به
الغناء للغريض في هذين البيتين خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكي وفيه ثقيل أول مجهول

سكينة بنت الحسين تساوي بين الغريض وابن سريج
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن سلام وأخبرنا وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن محمد بن سلام بن جرير ورواه حماد عن أبيه عن ابن سلام عن جرير أيضا
أن سكينة بنت الحسين عليه السلام حجت فدخل إليها ابن سريج والغريض وقد استعار ابن سريج حلة لامرأة من قريش فلبسها فقال لها ابن سريج يا سيدتي إني كنت صنعت صوتا وحسنته وتنوقت فيه وخبأته لك في حريرة في درج مملوء مسكا فنازعنيه هذا الفاسق يعني الغريض فأردنا أن نتحاكم إليك فيه فأينا قدمته فيه تقدم قالت هاته فغناها
( عُوجِي علينا رَبَّةَ الهَوْدَجِ ... إنّكِ إلاّ تَفْعَلِي تَحْرَجِي ) فقالت هاته أنت يا غريض فغناها إياه فقالت لابن سريج أعده فأعاده وقالت يا غريض أعده فأعاده فقالت ما أشبهكما إلا بالجديين الحار

والبارد لا يدري أيهما أطيب
وقال إسحاق في خبره ما أشبهكما إلا باللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان لا يدري أيهما أحسن

نسبة هذا الصوت
صوت
( عُوجِي علينا رَبَّةَ الهَوْدَجِ ... إنّكِ إلاّ تَفْعَلِي تَحْرَجِي )
( إنِّي أُتِيحتْ لي يَمَانِيَّةٌ ... إحدى بني الحارثِ من مَذْحِج )
( نَلْبَثُ حَوْلاً كاملاً كُلَّه ... لا نلتقي إلا على مَنْهَج )
( في الحجِّ إن حَجَّت وماذا مِنًى ... وأهلُه إن هي لم تَحْجُجِ )
( أيسرُ ما نالَ مُحِبٌّ لدى ... بَيْنِ حبيبٍ قولُهُ عَرِّج )
عروضه من السريع
والشعر للعرجي
والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو
وفيه للغريض ثقيل أول بالوسطى عن حبش
ولإسحاق في الأول والثالث ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وللأبجر فيه ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى بالبنصر عن ابن المكي
ولعلويه خفيف ثقيل عن الهشامي
ولحكم خفيف رمل عنه أيضا
أخبرني محمد بن خلف قال وكيع قال حدثنا عبد الله بن عمر عمرو بن بشر قال حدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثني حمزة بن عتبة اللهبي عن عبد الوهاب بن مجاهد أو غيره قال
كنت مع عطاء بن أبي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجى
( إنّي أُتِيحَتْ لي يمانِيّةٌ ... ) وذكر الأبيات وختمها بقوله
( في الحجِّ إن حَجَّت وماذا مِنًى ... وأهلُه إن هي لم تَحْجُجِ )

قال فقال عطاء بمنى والله وأهله خير كثير إذ غيبها الله وإياه عن مشاعره
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال
ولي قضاء مكة الأوقص المخزومي فما رأى الناس مثله في عفافه ونبله فإنه لنائم ليلة في جناح له إذ مر به سكران يتغنى
( عُوجِي علينا رَبّة الهَوْدَج ... ) فأشرف عليه فقال يا هذا شربت حراما وأيقظت نياما وغنيت خطأ خذه غني فأصلحه له وانصرف
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق عن حمزة بن عتبة اللهبي قال
مر الأبجر بعطاء وهو سكران فعذله وقال شهرت نفسك بالغناء واطرحتها وأنت ذو مروءة فقال امرأته طالق ثلاثا إن برحت أو أغنيك صوتا فإن قلت لي هو قبيح تركته فقال له عطاء هات ويحك فقد أضررت بي فغناه
( في الحجِّ إن حَجَّت وماذا مِنًى ... وأهلُه إن هي لم تَحْجُجِ ) فقال له عطاء الخير والله كله هناك حجت أولم تحج فاذهب الآن راشدا فقد برت يمينك

الغريض وابن أبي عتيق
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني المغيرة بن محمد قال حدثني هارون بن موسى الفروي قال حدثني بعض المدنيين قال
خرج ابن أبي عتيق على نجيب له من المدينة قد أوقره من طرف المدينة

الصخرة ففعل ذلك مرارا فقالوا له ما هذا يا غريض قال كأني بها قد جاءت يوم القيامة رافعة ذيلها تشهد علينا بما كان منا إلى جانبها فأردت أن أجرح شهادتها على ذلك اليوم

نسبة هذا الصوت
صوت
( جَرَى ناصِحٌ بالوُدِّ بَيْني وبينها ... فقرَّبني يومَ الحِصَاب إلى قَتْلي )
( فقالتْ وأَرْخَتْ جانبَ السِّتر إنما ... معي فتحدَّثْ غَيْرَ ذي رِقْبَةٍ أهلي )
( فقلتُ لها ما بِي لهم من تَرَقُّبٍ ... ولكِنَّ سِرِّي ليس يَحْمِلُهُ مِثْلي )
عروضه من الطويل
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء لابن سريج رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق في الثلاثة الأبيات
وذكر يونس أن فيه لحنا لمالك وفيه للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن حبش والهشامي وعلي ابن يحيى وحماد بن إسحاق
ولمعبد فيه ثقيل أول بالبنصر عن حبش
ولابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عنه
عمر وجميل يتعارضان الشعر
حدثني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن المسيّبيّ والمدائني وابن سلام
أن عمر بن أبي ربيعة كان يعارض جميلا إذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها فيقال إن عمر في الرائية والعينية أشعر من جميل وإن جميلا أشعر منه في اللامية
وقال الزبير فيما أخبرني به الحرمي بن أبي العلاء عنه من الناس من

يفضل قصيدة جميل اللامية على قصيدة عمر وأنا لا أقول هذا لأن قصيدة جميل مختلفة غير مؤتلفة فيها طوالع النجد وخوالد المهد وقصيدة عمر بن أبي ربيعة ملساء المتون مستوية الأبيات آخذ بعضها بأذناب بعض ولو أن جميلا خاطب في قصيدته مخاطبة عمر لأرتج عليه وعثر كلامه به
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثني شيخ من أهلي عن أبي الحارث بن نابتة مولى هشام بن الوليد المخزومي وهو الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة
( يا أبا الحارِث قَلْبي طائرٌ ... فاستمِعْ قَوْلَ رشيدٍ مُؤْتَمَنْ )
قال شهدت عمر بن أبي ربيعة وجميلا بالأبطح فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها
( لقد فَرِحَ الواشُونَ أَنْ صَرَمَتْ حَبْلي ... بُثَيْنَةُ أو أَبْدَتْ لنا جانبَ البُخْلِ ) ثم قال يا أبا الخطاب هل قلت في هذا الوزن شيئا قال نعم فأنشده قوله
( جَرَى ناصحٌ بالوُدِّ بَيْني وبَيْنَها ... ) فقال جميل هيهات يا أبا الخطاب والله لا أقول مثل هذا سجيس الليالي والله ما خاطب النساء مخاطتبك أحد وقام مشمرا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال

رأيت علماءنا جميعا لا يشكون في أن أحسن ما يروى في تعظيم السر قول عمر
( ولكنَّ سِرِّي ليس يَحْمِله مِثْلي ... )
قال الزبير وحدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني ابن أبي الزناد قال إنما اجتمع عمر بن أبي ربيعة وجميل بالجناب
أخبرني محمد بن أحمد الطلاس قال أخبرنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني
أن الفرزدق سمع عمر بن أبي ربيعة ينشد هذه القصيدة فلما بلغ إلى قوله
( فقُمْنَ وقد أَفْهَمْنَ ذا اللبِّ أنما ... فَعَلْنَ الذي يَفْعَلْنَ مِن ذاك مِن أَجْلي ) صاح الفرزدق وقال هذا والله الشعر الذي أرادته الشعراء فأخطأته وبكت الديار

نسبة ما في قصيدة عمر وسائر هذه الأخبار من الأغاني
سوى قصيدة جميل فإن لها أخبارا تذكر مع أخباره
فمن ذلك قصيدة عمر التي أولها
( جَرَى ناصحٌ بالوُدِّ بَيْني وبينها ... )
صوت
( قِفِي البغلةَ الشهباءَ باللهِ سَلِّمِي ... عُزَيزة ذاتَ الدَّلِّ والخُلُق الجَزْلِ )
( فَلَمَّا تَوَاقَفْنَا عَرَفْتُ الذي بها ... كمِثْل الذي بي حَذْوَكَ النَّعْلَ بالنَّعْل )
( فقُلْنَ لها هذا عِشَاءٌ وأهلُنا ... قريبٌ أَلَمَّا تَسْأَمِي مَرْكَبَ البَغْلِ )

عروضه من الطويل
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
و الغناء لمعبد في الأول و الثاني ثقيل أول و بالوسطى عن عمرو بن بانة و علي بن يحيى و قيل إنه لمالك ولابن محرز في الثاني و الثالث خفيف ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي
ولإبن سريج في الأول ثقيل و الثاني خفيف اخر بالوسطى وهو الذي فيه استهلال
ولمالك في الثاني و الثالث ثاني ثقيل بالبنصر
و لابراهيم فيهما خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكي
ومنها

صوت
( يا أبا الحارِث قَلْبي طائرٌ ... فاستمِعْ قولَ رشيدٍ مؤتَمَنْ )
( ليس حبٌّ فوق ما أحببتُكم ... غيرَ أن أقتُلَ نفسي أو أُجَنّ )
( حَسَنُ الوجهِ نقيٌّ لونُهُ ... طيبُ النَّشْرِ لذيذُ المحتضَنْ )
عروضه من الرمل
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وقيل إنه لابن عائشة وذكر ابن المكي أنه للغريض في الثاني والثالث وفيهما رمل يقال إنه لأهل مكة ويقال إنه لعبد الله بن يونس صاحب أيلة
وفيه ثقيل أول ذكر حبش أنه لابن سريج وذكر غيره أنه لمحمد ابن السندي المكي وأنه غناه بحضرة إسحاق فأخذه عنه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيىقال

كان ابن عائشة يغني الهزج والخفيف فقيل له إنك لا تستطيع أن تغني غناء شجيّاً ثقيلا فغنى
( يا أبا الحارث قلْبي طائِرٌ ... )
رجع الحديث إلى أخبار الغريض
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية عن مولى لآل الغريض قال
حدثني بعض مولياتي وقد ذكرن الغريض فترحمن عليه وقلن جاءنا يوما يحدثنا بحديث أنكرناه عليه ثم عرفنا بعد ذلك حقيقته وكان من أحسن الناس وجها صغيرا وكبيرا وكنا نلقى من الناس عنتا بسببه هو كان ابن سريج في جوارنا فدفعناه إليه فلقن الغناء وكان من أحسن الناس صوتا ففتن أهل مكة بحسن وجهه مع حسن صوته فلما رأى ذلك ابن سريج نحاه عنه وكانت بعض مولياته تعلمه النياحة فبرز فيها فجاءني يوما فقال نهتني الجن أن أنوح وأسمعتني صوتا عجيبا فقد ابتنيت عليه لحنا فاسمعيه مني واندفع فغنى بصوت عجيب في شعر المرار الأسدي
( حَلَفْتُ لها يالله ما بَيْنَ ذي الغَضَا ... وهضْبِ القَنَانِ من عَوانٍ ولا بِكْرِ )
( أحَبُّ إلينا منكِ دَلاّ وما نَرَى ... به عند لَيْلَى من ثوابٍ ولا أجرِ )

فكذبناه وقلنا شيء فكر فيه وأخرجه على هذا اللحن فكان في كل يوم يأتينا فيقول سمعت البارحة صوتا من الجن بترجيع وتقطيع قد بنيت عليه

صوت
كذا وكذا بشعر فلان فلم يزل على ذلك ونحن ننكر عليه فإنا لكذلك ليلة وقد اجتمع جماعة من نساء أهل مكة في جمع لنا سهرنا فيه ليلتنا والغريض يغنينا بشعر عمر بن أبي ربيعة
( أمِنْ آلِ زينبَ جدٍّ البُكُورُ ... نَعَمْ فلأيّ هواها تَصِيرُ ) إذ سمعنا في بعض الليل عزيفا عجيبا وأصواتا مختلفة ذعرتنا وأفزعتنا فقال لنا الغريض إن في هذه الأصوات صوتا إذا نمت سمعته وأصبح فأبني عليه غنائي فأصغينا إليه فإذا نغمتة نغمة الغريض بعينها فصدقناه تلك الليلة
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( حلفت لها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ) البيتان
عروضه من الطويل
غناه الغريض ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى عن حبش
قال ولعلويه فيه ثقيل أول آخر بالبنصر
ومنها
صوت
( أمِنْ آلِ زينبَ جدٍّ البُكُورُ ... نَعَمْ فلأيّ هواها تَصِيرُ )
( أبا الغَوْر أم أَنْجَدتْ دارُها ... وكانتْ حديثاً بعهدي تغُورُ )
( نَظَرتُ بخَيْفِ مِنىً نظرةً ... إليها فكاد فؤادي يَطِيرُ )

( هي الشمسُ تَسْرِي بها بَغْلَةٌ ... وما خِلْتُ شمساً بليلٍ تسيرُ )
( ألم تَرَ أنك مستشرفٌ ... وأنّ عدوّك حَوْلي حضورُ )
عروضه من المتقارب
الشعر للنميري وقيل أنه ليزيد بن معاوية
والغناء لسياط خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو
ولابن سريج فيه خفيف ثقيل بالوسطى أوله
( هي الشمسُ تَسْري بها بَغْلَةٌ ... )
وفيه للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وحماد ذكر غيرهما أنه لابن جامع
وذكر حبش أن فيها لابن محرز ثقيلا أول بالبنصر

الغريض وسكينة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال أبو عبد الله مصعب الزبيري
اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه وتشوقن إليه وتمنينه فقالت سكينة أنا لكن به فبعثت إليه رسولا ووعدته الصورين

لليلة سمتها فوافاها على رواحله ومعه الغريض فحدثهن حتى وافى الفجر وحان انصرافهن فقال لهن إني والله لمشتاق إلى زيارة قبر النبيوالصلاة في مسجده ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئا ثم انصرف إلى مكة وقال
( ألْمِمْ بزينَبَ إنّ البَيْنَ قد أَفدا ... قلَّ الثَّواءُ لَئِنْ كان الرحيلُ غَدَا ) قال وانصرف عمر بالغريض معه فلما كان بمكة قال عمر يا غريض إني أريد أن أخبرك بشيء يتعجل لك نفعه ويبقى لك ذكره فهل لك فيه قال افعل من ذلك ما شئت وما أنت أهله قال إني قد قلت في هذه الليلة التي كنا فيها شعرا فامض به إلى النسوة فأنشدهن ذلك وأخبرهن أني وجهت بك فيه قاصدا قال نعم
فحمل الغريض الشعر ورجع إلى المدينة فقصد سكينة وقال لها جعلت فداك إن يا سيدتي ومولاتي إن أبا الخطاب أبقاه الله وجهني إليك قاصدا قالت أوليس في خير وسرور تركته قال نعم قالت وفيم وجهك أبو الخطاب حفظه الله قال جعلت فداك إن ابن أبي ربيعة حملني شعرا وأمرني أن أنشدك إياه قالت فهاته قال فأنشدها
( ألْمِمْ بزينَبَ إنّ البَيْنَ قد أَفدا ... قلَّ الثَّواءُ لَئِنْ كان الرحيلُ غَدَا ) الشعر كله قالت فيا ويحه فما كان عليه ألا يرحل في غده فوجهت إلى النسوة فجمعتهن وأنشدتهن الشعر وقالت للغريض هل عملت فيه شيئا قال قد غنيته ابن أبي ربيعة قالت فهاته فغناه الغريض فقالت سكينه أحسنت والله وأحسن ابن أبي ربيعه لولا أنك سبقت فغنيته عمر قبلنا لأحسنا جائزتك يا بنانة أعطيه بكل بيت ألف درهم فأخرجت اليه بنانة أربعة الاف درهم فدفعتها إليه وقالت سكينة لو زادنا عمر لزدناك

نسبة هذا الغناء
صوت
( ألْمِمْ بزينَبَ إنّ البَيْنَ قد أَفدا ... قلَّ الثَّواءُ لَئِنْ كان الرحيلُ غَدَا )
( قد حَلَفَتْ ليلةَ الصَّوْرَيْن جاهِدةً ... وما على الحُرِّ إلا الصَّبْرُ مُجتَهِدا )
( لأختها ولأخرى من مَنَاصِفِها ... لقد وَجَدتُ به فوقَ الذي وَجَدَا )
( لَعَمْرُها ما أراني إن نَوىً نَزَحتْ ... وهكذا الحبُّ إلا مَيِّتّاً كَمَدَا )
عروضه - من البسيط -
الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج وله فيه لحنان أحدهما رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق والآخر خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لحن للغريض خفيف ثقيل بالنصر عن الهشامي وحماد وذكر عمرو إنه لمالك أوله الرابع ثم الأول ومن الناس من ينسب هذا إلى معبد وأوله
( يا أمّ طَلْحَة إن البَيْنَ قد أفِدا ... )
وذلك خطأ اللحن الذي عمله معبد غير هذا وهو
صوت
( يا أمَّ طلحةَ إنّ البَيْنَ قد أفِدَا ... قَلَّ الثَوَاءُ لئن كان الرحيلُ غَدَا )
( أَ مْسَى العِرَاقِيّ لا يدري إذا بَرَزَتْ ... مَنْ ذا تَطوَّف َ بالأركان أو سَجَدا )
عروضه - من البسيط -
الشعر للأحوص ويقال إنه لعمر أيضا والغناء لمعبد ولحنه من الثقيل الأول بالبنصر عن عمرو والهشامي

الغريض وعائشة بنت طلحة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام قال
حجت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله فجاءتها الثريا وأخواتها ونساء أهل مكة القرشيات وغيرهن وكان الغريض فيمن جاء فدخل النسوة عليها فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيئها فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتهاومعها ما أمرت لها به عائشة والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف فقال الغريض فأين نصيبي من عائشة فقلن له أغفلناك وذهبت عن قلوبنا فقال ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها فإنها كريمة بنت كرام واندفع يغني بشعر جميل
( تذكّرتُ ليلى فالفؤاد عَمِيد ... وشَطّتْ نواها فالمَزارُ بعيد ) فقالت ويلكم هذا مولى العبلات بالباب يذكر بنفسه هاتوه فدخل فلما رأته ضحكت وقالت لم أعلم بمكانك ثم دعت له بأشياء أمرت له بها ثم قالت له إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا شيء سمته له ذهب عن ابن سلام قال فغناها في شعر كثير
( ومازِلتُ من ليلى لَدُن طَرّ شاربي ... إلى اليوم أُخْفِي حبَّها وأُداجِنُ )
( وأَحمِل في ليلى لقومٍ ضَغِينةً ... وتُحمَل في ليلَى عليّ الضغائنُ ) فقالت له ما عدوت ما في نفسي ووصلته فأجزلت قال إسحاق فقلت لأبي عبد الله وهل علمت حديث هذين البيتين ولم سألت الغريض ذلك قال نعم

الشعبي عند مصعب وزوجته عائشة
حدثني أبي قال قال الشعبي دخلت المسجد فإذا أنا بمصعب ابن الزبير على سرير جالس والناس عنده فسلمت ثم ذهبت لأنصرف فقال لي ادن فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه ثم قال إذا قمت فاتبعني فجلس قليلا ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة فتبعته فلما طعن في الدار التفت إلي فقال ادخل فدخلت معه ومضى نحو حجرته وتبعته فالتفت لي فقال ادخل فدخلت معه فإذا حجلة وإنها لأول حجلة رأيتها لأمير فقمت ودخل الحجلة فسمعت حركة فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف فإذا جارية قد خرجت فقالت يا شعبي إن الأمير يأمرك أن تجلس فجلست على وسادة ورفع سجف الحجلة فإذا أنا بمصعب بن الزبير ورفع السجف الآخر فإذا أنا بعائشة بنت طلحة قال فلم أر زوجا قط كان أجمل منهما مصعب وعائشة فقال مصعب يا شعبي هل تعرف هذه فقلت نعم أصلح الله الأمير قال ومن هي قلت سيدة نُساء

المسلمين عائشة بنت طلحة قال لا ولكن هذه ليلى التي يقول فيها الشاعر
( ومازِلتُ من ليلى لَدُنْ طَرّ شاربي ... )
وذكر البيتين ثم قال إذا شئت فقم فقمت
فلما كان العشي رحت واذا هو جالس على سريره في المسجد فسلمت فلما رآني قال لي ادن فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلي فقال هل رأيت مثل ذلك لإنسان قط قلت لا والله قال أفتدري لم أدخلناك قلت لا قال لتحدث بما رأيت ثم التفت إلى عبد الله بن أبي فروة فقال أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا فما انصرف يومئذ أحد بمثل ما انصرفت به بعشرة آلاف درهم وبمثل كارة القصار ثيابا وبنظرة من عائشة بنت طلحة

عائشة بنت طلحة وأزواجها
قال وكانت عائشة عند عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها ثم هلك فتزوجها مصعب فقتل عنها ثم تزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر فبنى بها بالحيرة ومهدت له يوم عرسه فرش لم ير مثلها سبع أذرع في عرض أربع فانصرف تلك الليلة عن سبع مرات فلقيته مولاة لها حين أصبح فقالت يا أبا حفص كملت في كل شيء حتى في هذا
فلما مات ناحت عليه وهي قائمة ولم تنح على أحد منهم قائمة وكانت العرب إذا ناحت المرأة قائمة على زوجها علم أنها لا تريد أن تتزوج بعده فقيل لها يا عائشة ما صنعت هذا بأحد من أزواجك قالت إنه كان فيه خلال ثلاث لم تكن في أحد منهم كان سيد بنى تيم وكان أقرب القوم بي قرابة وأردت ألا أتزوج بعده
وأخبرني بخبر مصعب والشعبي وعائشة أحمد بن عبيد الله بن عمار قال

حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال أخبرنا محمد بن الحكم عن عوانة قال خرج مصعب بن الزبير من دار الإمارة يريد دار موسى بن طلحة فمر بالمسجد فأخذ بيد الشعبي ثم ذكر باقي الحديث مثلَه ولم يذكر شيئاً من حديث المغنين
قال ابن عمار وأخبرني به داود بن جميل بن محمد بن جميل الكاتب عن ابن الأعرابي قال ابن عمار وأخبرني به أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني أن الشعبي قال
دخلت المسجد وفيه مصعب بن الزبير فاستدناني فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلي وقال إذا قمت فاتبعني
ثم ذكر باقي الحديث أيضا مثل الذي تقدمه

نسبة هذا الصوت
صوت
( ومازِلتُ من ليلى لَدُن طَرّ شاربي ... إلى اليوم أُخْفِي حبَّها وأُداجِنُ )
( وأَحمِل في ليلى ضفائنَ معشرٍ ... وتُحمَل في ليلَى عليّ الضغائنُ )
عروضه - من الطويل -
الشعر لكثير بن عبد الرحمن
والغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر عن حبش
وفيه لحن للغريض
الغريض يغني عبد الملك في مكة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
كان الغريض إذا غنى بيتين لكثير قال أنا السريجي حقا ولم يكن يقول

حذف

ذلك في شيء من غنائه وكان من جيد غنائه
و قدم يزيد بن عبد الملك مكة فبعث إلى الغريض سرا فأتاه فغناه بهذا اللحن وهو فيهما
( و إِنّي لأَرعَى قومَها من جَلالها ... وإِن أَظهروا غِشاً نَصحت لهم جَهْدي )
( ولو حاربوا قومي لكنتُ لقومها ... صديقاً ولم أحِمْل على قومها حِقْدي )
فأشير إلى الغريض أن اسكت وفطن يزيد فقال دعوا أبا يزيد حتى يغنيني بما يريد فأعاد عليه الصوت مرارا ثم قال زدني مما عندك
فغناه بشعر عمرو بن شأس الأسدي
( فَوَانَدمي على الشباب ووانَدَمْ ... ندِمتُ وبان اليومَ منّي بغير ذمّ )
( أرادتْ عراراً بالهَوان ومن يُرِدْ ... عراراً لعَمْري بالهوان فقد ظَلَمْ )
قال فطرب يزيد وأمر له بجائزة سنية
قال إسحاق فحدثت أبا عبد الله هذا الحديث وقد أخذنا في أحاديث الخلفاء ومن كان منهم يسمع الغناء أيضاً فقال أبو عبد الله
كان قدوم يزيد مكة وبعثته إلى الغريض سراً قبل أن يستخلف فقلت له فلم أشير إلى الغريض أن يسكت حين غناه بشعر كثير
( وإِني لأَرْعَى قومَها من جَلالها ... )
وما السبب في ذلك فقال أبو عبد الله أنا أحدثكه

قصة اختلاف عبد الملك مع زوجته عاتكلة
حدثني أبي قال كان عبد الملك بن مروان من أشد الناس حبا لعاتكه امرأته وهي ابنة يزيد بن معاوية وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز وهي أم يزيد بن عبد الملك فغضبت مرة على عبد الملك وكان بينهما باب

فحجبته واغلقت ذلك الباب فشق غضبها على عبد الملك وشكا إلى رجل من خاصته يقال له عمر بن بلال الأسدي فقال له مالي عندك إن رضيت قال حكمك
فأتى عمر بابها وجعل يتباكى وأرسل إليها بالسلام فخرجت إليه حاضنتها ومواليها وجواريها فقلن مالك قال فزعت إلى عاتكه ورجوتها فقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن أبيها بعده قلن ومالك قال ابناي لم يكن لي غيرهما فقتل أحدهما صاحبه فقال أمير المؤمنين أنا قاتل الآخر به فقلت أنا الولي وقد عفوت قال لا أعود الناس هذه العادة فرجوت أن ينجي الله ابني هذا على يدها فدخلن عليها فذكرن ذلك لها فقالت وكيف أصنع مع غضبي عليه وما أظهرت له قلن إذا والله يقتل فلم يزلن حتى دعت بثيابها فأجمرتها ثم خرجت نحو الباب فأقبل حديج الخصي قال يا أمير المؤمنين هذه عاتكة قد أقبلت قال ويلك ما تقول قال قد والله طلعت فأقبلت وسلمت فلم يرد عليها فقالت أما والله لولا عمر ما جئت إن أحد أبنية تعدى على الآخر فقتله فأردت قتل الأخر وهو الولي وقد عفا قال إني أكره أن أعود الناس هذه العادة قالت أنشدك الله يا أمير المؤمنين فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين معاوية ومن أمير المؤمنين يزيد وهو ببابي فلم تزل به حتى أخذت برجله فقبلتها فقال هو لك ولم يبرحا حتى اصطلحا ثم راح عمر بن بلال إلى عبد الملك فقال يا لأمير المؤمنين كيف رأيت قال رأينا أثرك فهات حاجتك قال مزرعة بعدتها وما فيها وألف دينار وفرائض لولدي وأهل بيتي وعيالي قال ذلك لك ثم اندفع عبد الملك يتمثل بشعر كثير
( وإِني لأرعى قومها من جَلالها ... )
البيتين فعلمت عاتكة ما أراد فلما غني يزيد بهذا الشعر كرهته مواليه إذ كان عبد الملك تمثل به في أمه ولم يكرهه يزيد وقال لو قيل هذا الشعر فيها ثم

غني به لما كان عيبا فكيف وإنما هو مثل تمثل به أمير المؤمنين في اجمل العالمين
قال أبو عبد الله وأما خبره لما غنى بشعر عمرو بن شأس فإن ابن الأشعث لما قتل بعث الحجاج إلى عبد الملك برأسه مع عرار بن عمرو بن شأس فلما ورد به وأوصل كتاب الحجاج جعل عبد الملك يقرأه فكلما شك في شيء سأل عراراً عنه فأخبره فعجب عبد الملك من بيانه وفصاحته مع سواده فقال متمثلا
( وإن عراراً إن يكن غيرَ واضِح ... فإِنّي أحِبّ الجَوْنَ ذا المَنْكِب العَمَمْ )
فضحك عرار من قوله ضحكاً غاظ عبد الملك فقال له مم ضحكت ويلك قال أتعرف عراراً يا أمير المؤمنين الذي قيل فيه هذا الشعر قال لا قال فأنا والله هو فضحك عبد الملك وقال حظ وافق كلمة ثم أحسن جائزته وسرحه
قال أبو عبد الله وإنما أراد الغريض أن يغني يزيد بمتمثلات عبد الملك في الأمور العظام فلما تبين كراهة مواليه غناءه فيما تمثل به في عاتكة أراد أن يعقبه ما تمثل به في فتح عظيم كان لعبد الملك فغناه بشعر عمرو بن شأس في عرار

نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( و إِنّي لأَرعَى قومَها من جَلالها ... وإِن أَظهروا غِشاً نَصحت لهم جَهْدي )
( ولو حاربوا قومي لكنتُ لِقومها
صديقاً ولم أحمِل على قومها حِقدي )
عروضه - من الطويل - الشعر لكثير والغناء للغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن فيه لقفا النجار ثاني ثقيل بالوسطى وفيه لعلويه ثقيل أول

الغريض ومعبد
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني إبراهيم عن يونس الكاتب قال حدثني معبد قال خرجت إلى مكة في طلب لقاء الغريض وقد بلغني حسن غنائه في لحنه
( وما أَنْسَ مِ الأشياءِ لا أَنْسَ شادِناً ... بمكّة مَكْحولا أسِيلاً مَدامعُهْ )
وقد كان بلغني أنه أول لحن صنعه وان الجن نهته أن يغنيه لأنه فتن طائفة منهم فانتقلوا عن مكة من اجل حسنه فلما قدمت مكة سألت عنه فدللت على منزله فأتيته فقرعت الباب فما كلمني أحد فسألت بعض الجيران فقلت هل في الدار أحد قالوا لي نعم فيها الغريض فقلت إني قد أكثرت دق الباب فما أجابني أحد قالوا إن الغريض هناك فرجعت فدققت الباب فلم يجبنى أحد فقلت إن نفعني غنائى يوما نفعنى اليوم فاندفعت فغنيت لحني في شعر جميل
( عَلِقتُ الهَوى منها وَلِيداً فلم يزل ... إلى اليومِ يَنْمي حبُّها ويزيدُ )
فو الله ما سمعت حركة الباب فقلت بطل سحري وضاع سفري وجئت أطلب ما هو عسير علي واحتقرت نفسي وقلت لم يتوهمني لضعف غنائي عنده فما شعرت إلابصائح يصيح يا معبد المغني افهم وتلق عني شعر جميل الذي تغني فيه يا شقي البخت وغنّى
صوت
للغريض ولم تذكر طريقته
( وما أَنْس مِ الأشياءِ لا أَنْس قولَها ... وقد قرّبتْ نِضْوي أَمِصْرَ تريد )

( ولا قولَها لولا العيونُ التي تَرى ... أتيتُك فاعذِرني فدَتْك جُدودُ )
( خَليليّ ما أُخفي من الوجد باطن ... ودمعي بما قلتُ الغداةَ شَهيدُ )
( يقولون جَاهِد يا جميلُ بغزوة ... وأيّ جِهادً غيرهن أُرِيدُ )
( لكلّ حديثٍ عندهنّ بشاشةٌ ... وكلّ قتيلٍ بينهنّ شَهيدُ )
عروضه - من الطويل - قال فلقد سمعت شيئاً لم أسمع أحس منه وقصر إلي نفسي وعلمت فضيلته علي بما أحسن من نفسه وقلت إنه لحري بالاستتار من الناس تنزيها لنفسه وتعظيماً لقدره وإن مثله لا يستحق الابتذال ولا أن تتداوله الرجال فأردت الانصراف إلى المدينة راجعا فلما كنت غير بعيد إذا بصائح يصيح بي يا معبد انتظر أكلمك فرجعت فقال لي إن الغريض يدعوك فأسرعت فرحا فدنوت من الباب فقال لي أتحب الدخول فقلت وهل إلى ذلك من سبيل فقرع الباب ففتح فقال لي ادخل ولا تطل الجلوس فدخلت فإذا شمس طالعة في بيت فسلمت فرد السلام ثم قال اجلس فجلست فإذا أنبل الناس وأحسنهم وجهاً وخلقاً وخلقا فقال يا معبد كيف طرأت إلى مكة فقلت جعلت فداءك وكيف عرفتني فقال بصوتك فقلت وكيف وأنت لم تسمعه قط قال لما غنيت عرفتك به وقلت إن كان معبد في الدنيا فهذا فقلت جعلت فداءك فكيف أجبتني بقولك
( وما أَنْس مِ الأشياءِ لا أَنْس قولَها ... وقد قرّبتْ نِضْوي أَمِصْرَ تريدُ )
فقال قد علمت أنك تريد أن أسمعك صوتي
( وما أَنْسَ مِ الأشياءِ لا أَنْسَ شادِناً ... بمكّة مَكْحولا أسِيلاً مَدامعُهْ )
ولم يكن إلى ذلك سبيل لأنه صوت قد نهيت أن أغنيه فغنيتك هذا الصوت

جوابا لما سألت وغنيت فقلت والله ما عدوت ما أردت فهل لك حاجة فقال لي يا أبا عباد لولا ملالة الحديث وثقل إطالة الجلوس لاستكثرت منك فاعذر فخرجت من عنده وإنه لأجل الناس عندي ورجعت إلى المدينة فتحدثت بحديثه وعجبت من فطنته وقيافته فما رأيت إنسانا إلا وهو أجل منه في عيني وذكرت جميلا وبثينة فقلت ليتني عرفت إنسانا يحدثني بقصة جميل وخبر الشعر فأكون قد أخذت بفضيلة الأمر كله في الغناء والشعر

خبر لقاء جميل وبثينة
فسألت عن ذلك فإذا الحديث مشهور وقيل لي إن أردت أن تخبر بمشاهدته فأت بني حنظلة فإن فيهم شيخا منهم يقال له فلان يخبرك الخبر فأتيت الشيخ فسألته فقال نعم بينا أنا في الربيع إذا أنا برجل منطو على رحله كأنه جان فسلم علي ثم قال ممن أنت يا عبد الله فقلت أحد بني حنظلة قال فانتسب فانتسبت حتى بلغت إلى فخذي الذي أنا منه ثم سألني عن بني عذرة أين نزلوا فقلت له هل ترى ذلك السفح فإنهم نزلوا من ورائه قال يا أخا بني حنظلة هل لك في خير تصطنعه إلي فو الله لو أعطيتني ما أصبحت تسوق من هذه الإبل ما كنت بأشكر مني لك عليه فقلت نعم ومن أنت أولا قال لا تسألني من أنا ولا أخبرك غير أني رجل بيني وبين هؤلاء القوم مايكون بين بني العم فإن رأيت أن تأتيهم فإنك تجد القوم في مجلسهم فتنشدهم بكرة أدماء تجر خفيها غفلا من السمعة فإن ذكروا لك شيئاً فذاك وإلا استأذنتهم في

البيوت وقلت إن المرأة والصبي قد يريان ما لايرى الرجال فتنشدهم ولا تدع أحد تصيبه عينك ولا بيتا من بيوتهم إلا نشدتها فيه فأتيت القوم فإذا هم على جزور يقتسمونها فسلمت وانتسبت لهم ونشدتهم ضالتي فلم يذكروا لي شيئاً فاسستأذنتهم في البيوت وقلت إن الصبي والمرأة يريان ما لاترى الرجال فأذنوا فأتيت أقصاها بيتا ثم استقريتها بيتا بيتا أنشدهم فلا يذكرون شيئاً حتى إذا انتصف النهار وآذاني حر الشمس وعطشت وفرغت من البيوت وذهبت لأنصرف حانت مني التفاته فإذا بثلاثة أبيات فقلت ما عند هؤلاء إلا ما عند غيرهم ثم قلت لنفسي سوءة وثق بي رجل وزعم أن حاجته تعدل مالي ثم آتيه فأقول عجزت عن ثلاثة أبيات فأنصرفت عامدا إلى أعظمها بيتا فإذا هو قد أرخي مؤخره ومقدمه فسلمت فرد علي السلام وذكرت ضالتي فقالت جارية مهنم يا عبد الله قد أصبت ضالتك وما أظنك إلا قد اشتد عليك الحر واشتهيت الشراب قلت أجل قالت ادخل فدخلت فأتتني بصحفه فيها تمر من تمر هجر وقدح فيه لبن والصحفه مصرية مفضضة والقدح مفضض لم أر إناء قط أحسن منه فقالت دونك فتجمعت وشربت من اللبن حتى رويت ثم قلت يا أمة الله والله ما أتيت اليوم أكرم منك ولا أحق بالفضل فهل ذكرت من ضالتي شيئاً فقالت هل ترى هذه الشجرة فوق الشرف قلت نعم قالت فإن الشمس غربت أمس وهي تطيف حولها ثم حال الليل بيني وبينها فقمت وجزيتها الخير وقلت والله لقد تغذيت ورويت فخرجت حتى أتيت الشجرة فأطفت بها فو الله ما رأيت من أثر فأتيت صاحبي فإذا هو متشح في الإبل بكسائه ورافع عقيرته يغني قلت

السلام عليك قال وعليك السلام ما وراءك قلت ما ورائي من شيء قال لا عليك فأخبرني بما فعلت فاقتصصت عليه القصة حتى انتهيت إلى ذكر المرأة وأخبرته بالذي صنعت فقال قد أصبت طلبتك فعجبت من قوله وأنا لم أجد شيئاً ثم سألني عن صفة الإناءين الصحفة والقدح فوصفتهما له فتنفس الصعداء وقال قد أصبت طلبتك ويحك ثم ذكرت له الشجرة وأنها رأتها تطيف بها فقال حسبك فمكثت حتى إذا أوت إبلى إلى مباركها دعوته إلى العشاء فلم يدن منه وجلس مني بمزجر الكلب فلما ظن أني قد نمت رمقته فقام إلى عيبة له فاستخرج منها بردين فأتزر بأحدهما وتردى بالآخر ثم انطلق عامدا نحو الشجرة واستبطنت الوادي فجعلت أخفي نفسي حتى إذا خفت أن يراني انبطحت فلم أزل كذلك حتى سبقته إلى شجرات قريب من تلك الشجرة بحيث أسمع كلامهما فاستترت بهن وإذا صاحبته عند الشجرة فأقبل حتى كان منها غير بعيد فقالت اجلس فو الله لكأنه لصق بالأرض فسلم عليها وسألها عن حالها أكرم سؤال سمعت به قط وأبعده من كل ربية وسألته مثل مسالته ثم أمرت جارية معها فقربت إليه طعاما فلما أكل وفرغ قالت أنشدني ما قلت فأنشدها
( عَلِقتُ الهَوى منها وَلِيداً فلم يزل ... إلى اليومِ يَنْمي حبُّها ويزيدُ )
فلم يزالا يتحدثان ما يقولان فحشا ولا هجرا حتى التفتت التفاتة فنظرت إلى الصبح فودع كل واحد منهما صاحبه أحسن وداع ما سمعت به قط ثم انصرفا فقمت فمضيت إلى إبلي فاضطجعت وكل واحد منهما يمشي خطوة ثم يلتفت إلى صاحبه فجاء بعدما أصبحنا فرفع برديه ثم قال يا أخا بني تميم حتى متى تنام فقمت وتوضأت وصليت وحلبت إبلي وأعانني عليها وهو أظهر الناس سرورا ثم

دعوته إلى الغداء فتغدى ثم قام إلى عيبته فافتتحها فإذا فيها سلاح وبردان مما كسته الملوك فأعطاني أحدهما وقال أما والله لو كان معي شيء ما ذخرته عنك وحدثني حديثه وانتسب لي فإذا هو جميل بن معمر والمرأة بثينة وقال لي إني قد قلت أبياتا في منصرفي من عندها فهل لك إن رأيتها أن تنشدها قلت نعم فأنشدني
( وما أَنْس مِ الأشياءِ لا أَنْس قولَها ... وقد قرّبتْ نِضْوي أَمِصْرَ تُريدُ )
الأبيات ثم ودعني وأنصرف فمكث حتى أخذت الإبل مراتعها ثم عمدت إلى دهن كان معي فدهنت به رأسي ثم ارتديت بالبرد وأتيت المرأة فقلت السلام عليكم إني جئت أمس طالبا واليوم زائرا أفتأذنون قالت نعم فسمعت جويزيه تقول لها يا بثينة عليه والله برد جميل فجعلت اثني على ضيفي وأذكر فضله وقلت إنه ذكرك فاحسن الذكر فهل أنت بارزة لي حتى أنظر إليك قالت نعم فلبست ثيابها ثم برزت ودعت لي بطرف ثم قالت يا أخا بني تميم والله ما ثوباك هذان بمشتبهين ودعت بعيبتها فأخرجت لي ملحفة مروية مشبعة من العصفر ثم قالت أقسمت عليك لتقومن إلى كسر البيت ولتخلعن مدرعتك ثم لتأتزرن بهذه الملحفة فهي أشبه ببردك ففعلت ذلك وأخذت مدرعتي بيدي فجعلتها إلى جانبي وأنشدتها الأبيات فدمعت عيناها وتحدثنا طويلا من النهار ثم انصرفت إلى إبلي بملحفة بثينة وبرد جميل ونظرة من بثينة

قال معبد فجزيت الشيخ خيرا وانصرفت من عنده وأنا والله أحسن الناس حالا بنظرة من الغريض واستماع لغنائه وعلم بحديث جميل وبثينة فيما غنيت أنا به وفيما غنى به الغريض على حق ذلك وصدقه فما رأيت ولا سمعت بزوجين قط احسن من جميل وبثينة ومن الغريض ومني

نسبة هذه الأصوات التي ذكرت في هذا الخير
وهي كلها من قصيدة واحدة
منها
صوت
( عَلِقتُ الهوى منها وليداً فلم يزلْ ... إلى اليومِ يَنْمِي حبُّها ويَزِيدُ )
( وأفنيتُ عُمْرِي في انتظاري نوالَهَا ... وأفنتْ بذاكَ الدهْرَ وهو جَديدُ )
( فلا أنا مردودٌ بما جِئتُ طالباً ... ولا حُبُّها فيما يَبِيدُ يَبِيدُ )
( وما أَنسَ مَ الأشياءِ لا أنسَ قولَها ... وقد قَرّبت نِضْوي أمِصرَ ترِيدُ )
( ولا قولها لولا العيونُ التي ترى ... لَزُرتُك فاعذِرْني فدتْك جُدُودُ )
( إذا قلتُ ما بي يا بُثَيْنَةُ قاتلِي ... من الحبّ قالتْ ثابتٌ ويَزيدُ )
( وإن قلتُ رُدِّي بعضَ عقلي اعِشْ به ... تَوَلَّتْ وقالتْ ذاك منكَ بَعِيدُ )
عروضه - من الطويل -
الشعر لجميل بن معمر
والغناء لمعبد في الأول والثاني والثالث والسادس والسابع
ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو بن بانه
وذكر عمرو والهشامي أن فيه ثقيلا أول آخر للهذلي وأن فيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى الغريض وإلى إبراهيم أوله وما أنس م الأشياء
وفي الأربعة الابيات الأول ثاني ثقيل بالبنصر لابن أبي قباحة
ولإسحاق في الثالث والسادس ثاني ثقيل آخر بالوسطى عن الهشامي
وأول هذه القصيدة فيه غناء أيضا وهو موصول بأبيات أخر

صوت
( ألا لَيتَ رَيْعانَ الشبابِ جديدُ ... ودهراً تَوَلّى يا بُثَيْنُ يعودُ )
( فنَغْنَى كما كنّا نكون وأنتُم ... قريبٌ وما قد تَبْذُلِينَ زَهِيدُ )
( ألاَ ليتَ شِعْرِي هل أَبيتَنّ ليلةً ... بوادي القُرَى إِني إذاً لسعيدُ )
( وهل أَلْقَيْن سُعْدَى من الدهر ليلةً ... ومارثَّ من حبل الصفاء جديدُ )
( فقد تَلْتَقِي الأهواءُ بعد تَفاوُتٍ ... وقد تُطْلَبُ الحاجاتُ وهي بَعِيدُ )
في البيتين الأولين خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر ذكر حبش أنه لإسحاق وليس يشبه أن يكون له
وفي الثالث وما بعده لابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش أيضا
أخبرني إسماعيل بن يونس إجازة قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال حدثني الوليد بن هشام عن محمد بن معن عن خالد بن سلمة المخزومي قال
خرجت مع أعمامي وأنا على نجيب ومعنا شيخ فلما أسحرنا قال لي أعمامي انزل عن نجيبك واحمل عليه هذا الشيخ واركب جملة ففعلت فإذا الشيخ قد أخرج عودا له من غلاف ثم ضرب به وغنى
( هاجَ الغَرِيضَ الذِّكَرُ ... لمّا غَدَوْا فانْشَمَرُوا )
فقلت لبعض أصحابنا من هذا قال الغريض

نسبة هذا الصوت
صوت
( هاجَ الغَرِيضَ الذِّكَرُ ... لمّا غَدَوْا فانْشَمَرُوا )
( عَلىبِغالٍ شُحَّجٍ ... قد ضَمَّهُنّ السفَرُ )
( فيهنّ هِنْدٌ ليتَنِي ... ما عُمِّرتْ أُعَمَّرُ )
( حتىإذاماجاءها ... حَتْفٌ أتانِي القَدَرُ )
عروضه من الرجز
الذي قال عمر
( هاجَ القَريضَ الذِّكَرُ ... )
بالقاف فجعله الغريض لما غني فيه الغريض يعني نفسه
الشعر لعمربن أبي ربيعة
والغناء لابن سريج
ذكر يونس أن له فيه لحنين
وذكر إسحاق أن أحدهما رمل مطلق في مجرى البنصر ولم يذكر الآخر وذكر الهشامي أن الآخر خفيف رمل
وفيه للغريض ثقيل أول بالبنصر وقيل إنه لحن ابن سريج وإن خفيف الرمل للغريض
وأول هذا الصوت في كتاب يونس
( هاج فؤادي مَحْضَرُ ... بذي عُكاظٍ مُقْفِرُ )
( حتّى إذا ما وازنوا المَرْوَةَ ... حين ائْتَمَرُوا )

( قيل انزلُوا فَعَرِّسُوا ... من ليلكم وانشَمِرُوا )
( وقولُها لأختها ... أمُطْمَئِنٌّ عُمَرُ )

الغريض يغني الوليد في مكة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال وذكر السعدي
أن الوليد بن عبد الملك قدم مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال هل من رجل عالم يخبرني عنها فقالوا عمر بن أبي ربيعة قال لا حاجة لي به ثم عاد فسأل فذكروه ثم عاد فذكروه فقال هاتوه وركب معه فجعل يحدثه ثم حول عمر رداءه ليصلحه على نفسه فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال ما هذا الأثر قال كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية أخرى وجعلت تسارني بها فغارت التي كنت عندها فعضت منكبي فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في أذني حتى بلغت ماترى والوليد يضحك
فلما رجع عمر قيل له ما الذي كنت تضحك به أمير المؤمنين قال ما زلنا في حديث الزنا حتى رجع
وكان قد حمل الغريض معه فقال له يا أمير المؤمنين إن عندي أجمل الناس وجها وأحسنهم حديثا فهل لك أن تسمعه قال هاته فدعا به فقال أسمع أمير المؤمنين أحسن شيء قلته فاندفع يغني بشعر عمر ومن الناس من يرويه لجميل
صوت
( إني لأحفَظُ سِرَّكم ويَسُرُّني ... لو تعلمين بصالح أن تُذْكَرِي )
( ويكون يومٌ لا أرَى لك مُرْسَلاً ... أو نَلتقِي فيه عليّ كأشهُرِ )
( يا ليتني ألقَى المنيّةَ بغْتةً ... إنْ كان يومُ لقائكم لم يُقْدَرِ )
( ما كنتِ والوعدَ الذي تَعِدينَنِي ... إلاّ كَبرْقِ سَحَابةٍ لم تَمْطُرِ )
( تُقْضَي الدّيونُ وليس يُنْجِزُ عاجلاً ... هذا الغريمُ لنا وليس بِمُعْسِرِ )
عروضه من الكامل وذكر حَبَش أن الغِنَاء للغَرِيض ولحنه ثقيل أوّل

بالبنصرقال فاشتد سرور الوليد بذلك وقال له ياعمر هذه رقيتك ووصله وكساه وقضى حوائجه

رأي نصيب في عمر وجميل وكثير
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا الحارث بن محمد عن المدائني عن عوانة قال حدثني رجل من أهل الكوفة قال
قدم نصيب الكوفة فأرسلني أبي إليه وكان له صديقا فقال أقرئه مني السلام وقال له إن رأيت أن تهدي لنا شيئا مما قلت فأتيته في يوم جمعة وهو يصلي فلما فرغ أقرأته السلام وقلت له فقال قد علم أبوك أني لا أنشد في يوم الجمعة ولكن تلقاني في غيره فأبلغ ما تحب فلما خرجت وانتهيت إلى الباب رددت إليه فقال أتروي شيئا من الشعر قلت نعم قال فأنشدني فأنشدته قول جميل
( إني لأحفظُ غَيْبَكم ويَسُرُّني ... لو تعلمين بصالٍح أن تُذْكَرِي )
الأبيات المتقدمة فقال نصيب أمسك أمسك لله دره ما قال أحد إلادون ما قال ولقد نحت للناس مثالا يحتدون عليه ثم قال أما أصدقنا في شعره فجميل وأما أوصفنا لربات الحجال فكثير وأما أكذبنا فعمر بن أبي ربيعة وأما أنا فأقول ما أعرف
وقال هارون بن محمد الزيات حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه
أن الغريض سمع أصوات رهبان بالليل في دير لهم فاستحسنها فقال له بعض من معه يا أبا يزيد صغ على مثل هذا الصوت لحنا فصاغ مثله في لحنه

( يا أمّ بكرٍ حُبِّك البادِي ... لا تَصْرِميني إنّني غادي ) فما سمع بأحسن منه

نسبة هذا الصوت
صوت
( يا أمّ بكرٍ حُبِّك البادِي ... لا تَصْرِميني إنّني غادي )
( جَدّ الرحيلُ وحثَني صحْبي ... وأُريد إمتاعاً من الزَّادِ )
عروضه من مزاحف - الكامل -
الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري
والغناء للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى
وفيه لابن المكي ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش
وفيه لإبراهيم بن أبي الهيثم خرج
وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن أيوب بن عباية عن عمرو بن عقبة وكان يعرف بابن الماشطة قال
خرجت أنا وأصحاب لي فيهم إبراهيم بن أبي الهيثم إلى العقيق ومعنا رجل ناسك كنا نحتشم منه وكان محموما نائما وأحببنا أن نسمع من معنا من المغنين ونحن نهابه ونحتشمه فقلت له إن فينا رجلا ينشد الشعر فيحسن ونحن نحب أن نسمعه ولكنا نهابك قال فما علي منكم أنا محموم نائم فاصنعوا ما بدا لكم فاندفع إبراهيم بن أبي الهيثم فغنى
( يا أمّ بكرٍ حُبِّك البادِي ... لا تَصْرِميني إنّني غادي )
( جَدّ الرحيلُ وحثَني صحْبي ... وأُريد إمتاعاً من الزَّادِ )

فأجاده وأحسنه
قال فوثب الناسك فجعل يرقص ويصيح أريد إمتاعا من الزاد والله أريد إمتاعا من الزاد ثم كشف عن أيره وقال أنا أنيك أم الحمى قال يقول لي ابن الماشطة اعتقت ما أملك إن كان ناك أم الحمى أحد قبله
أخبرني به الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب فذكر الخبر ولم يذكر فيه كشف الناسك عن سوءته وما قاله بعد ذلك

وفاة الغريض
وكانت وفاة الغريض في أيام سليمان بن عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز لم يتجاوزها والأشبة أنه مات في خلافة سليمان لأن الوليد كان ولي نافع بن علقمة مكة فهرب منه الغريض وأقام باليمن واستوطنها مدة ثم مات بها
وأخبرني بخبره الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسيبى قال أخبرني بعض المخزوميين ايضا بخبره
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان
أن نافع بن علقمة لما ولي مكة خافه الغريض وكان كثيرا ما يطلبه فلم يجئه فهرب منه واستخفى في بعض منازل اخوانه
قال فحدثني رجل من أهل مكة كان يخدمه أنه دفع إليه يوما ربعة له وقال له صر بها إلى فلان العطار يملؤها لي طيبا قال فصرت بها إليه فلقيني نافع بن علقمة فقال هذه ربعة

الغريض والله فلم أقدر أن أكتمه فقلت نعم قال ما قصته فأخبرته الخبر فضحك وقال سر معي إلى المنزل ففعلت فملأها طيبا وأعطاني دنانير وقال أعطه وقل له يظهر فلا بأس عليه فسرت إليه مسرورا فأخبرته بذلك فجزع وقال الآن ينبغي أن أهرب إنما هذه حيلة احتالها علي لأقع في يده ثم خرج من وقته إلى اليمن فكان آخر العهد به
قال إسحاق فحدثني هذا المخزومي أن الغريض لما صار إلى اليمن وأقام به اجتزنا به في بعض أسفارنا قال فلما رآني بكى فقلت له ما يبكيك قال بأبي أنت وأمي وكيف يطيب لي أن أعيش بين قوم يرونني أحمل عودي فيقولون لي يا هناه أتبيع آخرة الرحل فقلت له فارجع إلى مكة ففيها أهلك فقال يابن أخي إنما كنت أستلذ مكة وأعيش بها مع أبيك ونحوه وقد أوطنت هذا المكان ولست تاركه ما عشت قلنا له فغننا بشيء من غنائك فتأبى ثم أقسمنا عليه فأجاب وعمدنا إلى شاة فذبحناها وخرطنا من مصرانها أوتارا فشدها على عوده واندفع فغنى في شعر زهير
( جَرَى دَمْعي فهيَّج لي شُجُونا ... فقلبي يُسْتَجنُّ به جُنونا ) فما سمعنا شيئا أحسن منه فقلنا له ارجع إلى مكة فكل من بها يشتاقك
ولم نزل نرغبه في ذلك حتى أجاب إليه ومضينا لحاجتنا ثم عدنا فوجدناه عليلا فقلنا ما قصتك قال جاءني منذ ليال قوم وقد كنت أغني في الليل فقالوا غننا فأنكرتهم وخفتهم فجعلت أغنيهم فقال لي بعضهم غنني
( لقد حَثُّوا الجمالَ لَيهْربُوا ... منّا فلم يَئِلُوا )

ففعلت فقام إلي هن منهم أزب فقال لي أحسنت والله ودق رأسي حتى سقطت لا أدري أين أنا فأقمتُ بعد ثالثة وأنا عليل كما ترى ولا أراني إلا سأموت قال فأقمنا عنده بقية يومنا ومات من غد فدفناه وانصرفنا
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن أبي غسان قال
زعم المكيون أن الغريض خرج إلى بلاد عك فغنى ليلا
( هُمُ ركْبٌ لقُوا ركباً ... كما قد تجمعُ السُّبُلُ ) فصاح به صائح اكفف يا أبا مروان فقد سفهت حلماءنا وأصبيت سفهاءنا قال فأصبح ميتا أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الخطاب قال حدثنا رجل من آل أبي قبيل يقال له محرز عن أبي قبيل قال رأيت الغريض وقال إسحاق في خبره المذكور حدثني محمد بن سلام عن أبي قبيل وهو مولى لآل الغريض قال
شهدت مجمعا لآل الغريض إما عروسا أو ختانا فقيل له تغن فقال هو ابن زانية إن فعل فقال له بعض مواليه فأنت والله كذلك قال أو كذلك أناقال نعم قال أنت أعلم بي والله ثم أخذ الدف فرمى به وتمشى مشية لم أر أحسن منها ثم تغنى
( تَشَرَّبَ لونَ الرَّازِقيِّ بياضُه ... أو الزعفرانِ خالط المِسكَ رادعُهْ )

فجعل يغنيه مقبلا ومدبرا حتى التوت عنقه وخر صريعا وما رفعناه إلا ميتا وظننا أن فالجاً عاجله
قال إسحاق وحدثني ابن الكلبي عن أبي مسكين قال إنما نهته الجن أن يتغنى بهذا الصوت فلما أغضبه مواليه تغناه فقتلته الجن في ذلك

نسبة هذه الأصوات
صوت
منها
( جَرَى دَمْعي فهيَّج لي شُجُونَا ... فقلبي يُسْتَجَنُّ به جُنونا )
( أأبكي للفِرَاق وكلُّ حيٍّ ... سيبكي حين يَفْتَقِد القَرِينا )
( فإن تُصْبِح طُلَيْحَةُ فارقتني ... بَبيْنٍ فالرزيَّةُ أن تَبينا )
( فقد بانتْ بكُرْهِي يوم بانتْ ... مُفَارقةً وكنتُ بها ضَنِينا )
الشعر لزهير والغناء للغريض عن حبش
وقيل إنه لدحمان وفيه لأبي الورد خفيف رمل بالوسطى عن حبش والهشامي
انقضت أخبار الغريض
ومنها
صوت
من المائة المختارة في رواية جحظة
( لقد حَثُّوا الجِمالَ ليهرُبُوا ... منّا فلم يَئِلُوا )
( على آثارهنّ مُقَلّص ... السِّرْبال مُعْتَمِلُ )
( وفيهم قلبُك المَتبولُ ... بالحسناء مُخْتَبَلُ )
( مُخَفّفة بحَمْل حمائل ... الدِّيباج والحُلَلِ )
( أُسائل عاصما في السِّر ... أيْنَ تُراهُمُ نَزَلُوا )
( فقال هُمُ قَرِيبٌ منكَ ... لو نفعوك إذ رَحَلُوا )
الشعر للحكم بن عبدل الأسدي والغناء في اللحن المختار للغريض ولحنه خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى في الأول والثاني من الأبيات
وذكر الهشامي أن فيهما لحنا لمعبد من الثقيل الأول
وفي الثالث وما بعده من الأبيات لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيها لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن حبش
وذكر أحمد بن عبيد أن الذي صح فيه أربعة ألحان منها لحنان في خفيف الثقيل للغريض ومالك ولحنان في الرمل لابن سريج ومخارق
وذكر ابن الكلبي أن فيها لعريب رملا ثالثا وذكر حبش أن فيها لابن سريج خفيف رمل بالبنصر ولابن مسجح رملا بالبنصر ولابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر
هذه الألحان كلها في لقد حثوا والذي بعده

أخبار الحكم بن عبدل ونسبه
هو الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال بن بلال بن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة شاعر مجيد مقدم في طبقته هجاء خبيث اللسان من شعراء الدولة الأموية وكان أعرج أحدب
ومنزله ومنشؤه الكوفة
الأعمى الذي لا يرد طلبه
أخبرني محمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثنا محمد بن إدريس القيسي بواسط قال حدثنا العتبي قال
كان الحكم بن عبدل الأسدي أعرج لا تفارقه العصا فترك الوقوف بأبواب الملوك وكان يكتب على عصاه حاجته ويبعث بها مع رسله فلا يحبس له رسول ولا تؤخر له حاجة فقال في ذلك يحيى بن نوفل
( عَصَا حَكَمٍ في الدار أوّلُ داخلٍ ... ونحنُ على الأبواب نُقْصى ونُحْجَبُ )
( وكانتْ عَصَا موسى لِفِرْعَوْنَ آيةً ... وهذي لعمرُ الله أدهَي وأعجبُ )
( تُطاعُ فلا تُعْصى ويُحْذَرُ سُخْطُها ... ويُرْغَبُ في المَرْضاة منها وتُرْهَبُ ) قال فشاعت هذه الأبيات بالكوفة وضحك الناس منها فكان ابن عبدل بعد ذلك يقول ليحيى يابن الزانية ما أردت من عصاي حتى صيرتها ضحكة واجتنب أن يكتب عليها كما كان يفعل وكاتب الناس بحوائجه في الرقاع
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني وأخبرني ابن عمار قال حدثني يعقوب بن

نعيم قال حدثنا أبو جعفر القرشي قال
كان للحكم بن عبدل صديق أعمى يقال له أبو علية وكان ابن عبدل قد أقعد فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما والحكم يحمل وأبو علية يقاد فلقيهما صاحب العسس بالكوفة فأخذهما فحبسهما فلما استقرا في الحبس نظر الحكم إلى عصا أبي علية موضوعة إلى جانب عصاه فضحك وأنشأ يقول
( حَبْسِي وحَبْسُ أبي عُلَيّة ... َ من أعاجيب الزمان )
( أَعْمى يُقَادُ ومُقْعَدٌلا ... الرِّجْلُ منه ولا اليَدَانِ )
( هذا بلا بَصَرٍ هناكَ ... وبي يَخُبُّ الحاملانِ )
( يا مَنْ رأى ضبَّ الفَلاَةِ ... قَرِينَ حُوتٍ في مكانِ )
( طِرْفي وطِرْفُ أبي عُلَيَّةَ ... دَهْرَنا مُتَوَافقان )
( مَنْ يَفْتَخِرْ بجوادِهِ ... فَجِيَادُنَا عُكَّازتانِ )
( طرْفانِ لا عَلَفَاهُمَا ... يُشْرَى ولا يَتَصَاوَلاَنِ )
( هَبْنِي وإِيّاه الحريقَ ... أكان يَسْطَع بالدُّخانِ )
قال وكان اسم أبي علية يحيى فقال فيه الحكم أيضا
( أقول ليحيى ليلةَ الحبِس سَادِراً ... ونَوْمِي به نَوْمُ الأَسِيرِ المُقَيَّدِ )
( أَعِنِّي علي رَعْي النجومْ ولحْظِها ... أُعِنْكَ على تحبير شِعْرٍ مُقٌصَّدِ )

( ففي حالتَيْنا عِبرةٌ وتَفَكُّرٌ ... وأَعجبُ شيءٍ حَبْسُ أعمَى ومُقْعَدِ )
( كِلاَنا إذا العُكَّازُ فارقَ كَفَّهُ ... يُنِيخ صَرِيعاً أو على الوجه يَسْجُدُ )
( فعُكَّازة تَهْدي إلى السُّبْل أَكْمَهاً ... وأُخْرى مَقَامَ الرِّجل قامت مع اليَدِ )

اجتماع العرجان
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني أحمد بن بكير الأسدي قال حدثني محمد بن أنس السلامي الأسدي عن محمد بن سهل راوية الكميت قال
ولي الشرطة بالكوفة رجل أعرج ثم ولي الإمارة آخر أعرج وخرج ابن عبدل وكان أعرج فلقي سائلاً اعرج وقد تعرض للأمير يسأله فقال ابن عبدل للسائل
( أَلْقِ العصا ودَعِ التخامُعَ والتَمِسْ ... عَمَلاً فهَذِي دَوْلَةُ العُرْجَانِ )
( لأَميرِنا وأميِر شُرْطَتِنَا مَعاً ... يا قَوْمَنا لِكلَيْهِمَا رِجْلاَنِ )
( فإذا يكونُ أميرُنا ووزيرُنا ... وأنَا فإنّ الرابعَ الشيطانُ ) فبلغت أبياته ذلك الأمير فبعث إليه بمائتي درهم وسأله أن يكف عنه
وحدثنيه الأخفش عن عبيد الله اليزيدي عن سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة عن عمر بن عبد العزيز قال
ولي عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الكوفة وضم إليه رجل

من الأشعريين يقال له سهل وكانا جميعا ين ثم ذكر باقي الحديث مثل حديث يعقوب بن نعيم

الحكم وعبد الملك بن بشر بن مروان
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن بشر بن مروان فجعل قعنب بن المحرز الباهلي عن الهيثم الأحمري قال
كانت لابن عبدل الأسدي حاجة إلى عبد الملك بن إسرائيل عن يدخل عليه ولا يتهيأ له الكلام حتى جاءه رجل فقال إني رأيت لك رؤيا فقال هاتها فقصها عليه فقال ابن عبد وأنا قد رأيت أيضا قال هات ما رأيت فقال
( أَغْفيتُ قبلَ الصبح نومَ مُسَهَّدٍ ... في ساعةٍ ما كنتُ قبلُ أنامُها )
( فَحَبوتَني فيما أرى بوليدةٍ ... مَغْنوجةٍ حَسَنٍ عليّ قِيامُها )
( وبِبَدْرةٍ حُمِلتْ إليّ وبغلةٍ ... شَهْباء ناجيةٍ يصِلٌ لِجامُها )
( ليتَ المنابرَ يابنَ بشْر أصبحتْ ... تُرقَى وأنتَ خطيبُها وإمامُها ) فقال له ابن بشر إذا رأيت هذا في اليقظة أتعرفه قال نعم وإنما رأيته قبيل الصبح قال يا غلام ادع فلانا فجاء بوكيله فقال هات فلانة فجاءت فقال أين هذه مما رأيت قال هي هي وإلا فعليه وعليه ثم دعا له ببدرة فقال مثل ذلك وببغلة فركبها وخرج فلقيه قهرمان عبد الملك قال أتبيعها قال نعم قال بكم قال بستمائة قال هي لك فأعطاه ستمائة فقال له أما والله لو أبيت إلا ألفا لأعطيتك قال إياي تندم لو أبيت إلا ستة لبعتك

الحكم يهجو محمد بن حسان
أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم عن ابن عياش عن لقيط قال
تزوج محمد بن حسان بن سعد التميمي امرأة من ولد قيس بن عاصم وهي ابنة مقاتل بن طلبة بن قيس زوجها إياه رجل منهم يقال له زياد فقال ابن عبدل
( أباعَ زيادٌ سوَّد الله وجهَهُ ... عَقِيلَةَ قومٍ سادةٍ بالدراهم ) ( وما كان حسّانُ بن سعدٍ ولا ابُنه ... أبو المسك من أكفاء قَيْس بن عاصم )
( ولكنّه رد الزمانَ على استِهِ ... وضَيَّع أمرَ المُحصَنات الكرائم )
( خُذِي دَيةً منه تكُنْ لكِ عُدّةً ... وجيئي إلى باب الأمير فخاصمي )
( فلو كنت في رَوْحٍ لما قَلتُ خاصمِي ... ولكنَّما ألُقيت في سجن عارِمِ )
قال فلما بلغ أهلها شعره أنفوا من ذلك فاجتمعوا على محمد بن حسان حتى فارقها
قال وكان محمد بن حسان عاملا على بعض كور السواد فسأله ابن عبدل حاجة فرده عنها فقال فيه هذا الشعر وغيره وهجاه هجاءً كثيرا
أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن بكير الأسدي عن محمد بن بشر السلامي عن محمد بن سهل راوية الكميت فذكر نحوا مما ذكره عمي وزاد فيه قال
وكانت المرأة التي تزوجها معاذة بنت مقاتل بن طلبة فلما سمعت ما قال

حذف

ابن عبدل فيها نشزت على زوجها وهربت إلى أهلها فتوسطوا مابينهما وافتُديَتْ منه بمال وفارقها
أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن العمري عن عطاء عن يحيى بن نصر أبي زكريا قال
سمع ابن عبدل الأسدي امرأة وهي تتمشى بالبلاط تتمثل بقوله
( أُعسِرُ أحياناً فتشتدّ عُسْرَتي ... وأُدْرِكُ ميسورً الغِنَى ومَعي عرْضي )
فقال لها ابن عبدل وكان قريبا منها يا أخيا أتعرفين قائل هذا الشعر قالت نعم ابن عبدل الأسدي قال أفتثبيتنه معرفة قالت لا قال فأنا هو وأنا الذي أقول
( وأُنْعِظُ أحياناً فينقدُّ جلدُهُ ... وأَعذِلُهُ جُهْدِي فلا ينفعُ العَذْلُ )
( وأَزدادُ نَعْظاً حين أُبصِرُ جارتي ... فأُوثِقُة كيما يَثُوبَ له عَقْلُ )
( وَرُبَّتَما لم أَدْرِ ما حِيلَتي له ... إذا هو أذاني وغَرَّ بِه الجهلُ )
( فآويتُهُ في بطن جَارِي وجارتي ... مكابرةً قُدْما وإِنْ رَغِم البَعْلُ )
فقالت له المرأة بئس والله الجار للمغيبة أنت فقال إي والله وللتي معها زوجها وأبوها وابنها وأخوها

ابن هبيرة لايخيب أمل الحكم
أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثنا الهيثم بن عدي وأخبرني به حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن قال حدثني أبو خالد الخزاعي الأسلمي عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال : قدم الحكم بن عبدل الشاعر الكوفي واسطا على ابن هبيره وكان بخيلا فأقبل حتى وقف بين يديه ثم قال
( أتيتك في أمرٍ مِنَ أمر عشيرتي ... وأَعْيَا الأمورِ المُفْظِعَاتِ جَسِيمُها )
( فإِن قلتَ لي في حاجتي أنا فاعلٌ ... فقد ثَلِجَتْ نفسي وولَّتْ همومُها ) قال أنا فاعل إن اقتصدت فما حاجتك قال غرم لزمني في حمالة قال وكم هي قال أربعة الاف قال نحن مناصفوكها قال أصلح الله الأمير أتخاف علي التخمة إن أتممتها قال أكره أن أعود الناس هذه العادة قال فأعطني جميعها سرا وامنعني جميعها ظاهرا حتى تعود الناس المنع وإلا فالضرر عليك واقع إن عودتهم نصف ما يطلبون فضحك ابن هبيرة قال ما عندنا غير ما بذلناه لك فجثا بين يديه وقال امرأته طالق لاأخذت أقل من أربعة آلاف أو أنصرف وأنا غضبان قال أعطوه إياها قبحه الله فإنه ما علمت حلاف مهين فأخذها وانصرف
أخبرني حبيب بن نصرالمهلبي قال حدثنا العنزي قال حدثني محمد بن

معاوية الأسدي قال حدثني مشايخنا من بني أسد محمد بن أنس وغيره قالوا

طاعون الكوفة ورثاء ابن عبدل
لما وقع الطاعون بالكوفة أفنى بني غاضرة ومات فيه بنو زر بن حبيش الغاضري صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام وكانوا ظرفاء وبنو عم لهم فقال الحكم بن عبدل الغاضري يرثيهم
( أبعدَ بني زِرٍّ وبعدَ ابن جَنْدَلٍ ... وعمرو أُرَجِّي لذَّة العيش في خَفْضِ )
( مَضَوْا وبَقِينا نأمُلُ العيشَ بعدَهم ... ألاَ إن مَنْ يَبْقَى على إثْر مَنْ يَمْضي )
( فقد كان حَوْلي من جِيَادٍ وسالٍم ... كُهُولٌ مَسَاعِيرٌ وكلُّ فتىً بَضِّ )
( يَرَى الشُّحَّ عاراً والسماحةَ رِفْعَةً ... أغرُّ كعودِ البانةِ الناعمِ الغَضِّ )
هجاء محمد بن حسان
قال أبو الفرج ونسخت من كتاب أبي محلم قال سأل الحكم بن عبدل أخو بني نصر بن قعين محمد بن حسان بن سعد حاجة لرجل سأله مسألته إياها فرده ولم يقضها فقال فيه ابن عبدل
( رأيتُ محمداً شَرِهاً ظلوماً ... وكنتُ أراهُ ذا وَرَعٍ وقَصْدِ )
( يقول أماتني ربِّي خدَاعاً ... أماتَ اللهُ حسّانَ بن سَعْدِ )
( فلولا كَسْبُه لَوُجِدْتَ فَسْلاً ... لَئِيم الكَسْب شأنُك شأنُ عَبْدِ )
( ركِبتُ اليه في رَجُلٍ أتاني ... كريمٍ يَبْتغي المعروفَ عندي )
( فقلتُ له وبعضُ القول نُصْحٌ ... ومنه ما أُسِرُّ له وأُبْدِي )

( تَوَقَّ دراهمَ البَكْرِيِّ إني ... أخافُ عليك عاقبَةَ التعدِّي )
( أَقَرِّبُ كلَّ اصرةٍ ليدنو ... فما يزدادُ مِنِّي غيَر بُعْدِ )
( فأُقسمُ غيرَ مُسْتثنٍ يميناً ... أبا بَخرٍ لتتّخمَنَّ رَدِّي )
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني احمد بن بكير الأسدي قال حدثني محمد بن أنس السلامي قال حدثني محمد بن سهل الأسدي راوية الكميت
أن الحكم بن عبدل الأسدي أتى محمد بن حسان بن سعد التميمي وكان على خراج الكوفة فكلمه في رجل من العرب أن يضع عنه ثلاثين درهما من خراجه فقال أماتني الله إن كنت أقدر أن أضع من خراج أمير المؤمنين شيئا فانصرف ابن عبدل وهو يقول
( دَعِ الثلاثين لا تَعْرِض لصاحبها ... لا باركَ اللهُ في تلك الثلاثينا )
( لَمّا علا صوتُه في الدار مُبْتَكرا ... كأشتفان يرى قوماً يَدُوسُونا )
( أحسِنْ فإِنّك قد أُعطيتَ مملكةً ... إمارةً صرتَ فيها اليومَ مَفْتونا )
( لايُعطِك اللهُ خيراً مثلَها أبداً ... أقسمتُ بالله إلاّ قلتَ آمينا )
قال فلم يضع له شيئا مما على الرجل فقال فيه
( رأيتُ محمداً شَرِهاً ظَلُوماً ... وكنتُ أراهُ ذا وَرَعٍ وقَصْدِ )
( يقولُ أماتني ربِّي خداعاً ... أماتَ اللهُ حَسّانَ بنَ سَعْدِ )
( فما صادفتَ في قَحْطان مِثْلي ... ولا صادفتُ مِثْلَكَ في مَعَدِّ )
( أقلَّ براعةً وأشدّ بُخْلاً ... وألأمَ عندَ مسألة وحَمْدِ )
( نحَوْتُ محمداً ودُخَانُ فيه ... كَرِيح الجَعْرِ فوقَ عَطِين جِلْدِ )
( فَأُقسمُ غيرَ مُسْتَثْنٍ يَمينا ... أبا بخرٍلَتَتَّخِمَنَّ ردِّي )

( فلو كنتَ المهذَّبَ من تميمٍ ... لَخِفْتَ ملامَتِي ورَجَوْتَ حَمْدِي )
( نكهْتَ عليّ نَكْهَةَ أخْدَرِيّ ... شَتيمٍ أعْصَلِ الأنياب وَرْدِ )
( فما يدنو إلى فَمِهِ ذُبابٌ ... ولو طُلِيَتْ مَشَافِرُهُ بقَنْدِ )
( فإن أهديتَ لي من فِيك حَتْفا ... فإِنِّي كالذي أهديتَ مُهْدِي )
قال محمد بن سهل وما زال ابن عبدل يزيد في قصيدته هذه الدالية حتى مات وهي طويلة جدا قال واشتهرت حتى إن كان المكاري ليسوق بغله أو حماره فيقول عد أمات الله حسان بن سعد فإذا سمع ذلك أبوه قال
بل أمات الله ابني محمدا فهو عرضني لهذا البلاء في ثلاثين درهما

ابن عبدل وأبو المهاجر وعمر الأسدي
أخبرني أحمد بن محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن محرز قال أخبرنا الهيثم بن عدي قال
دعا أبو المهاجر الحكم بن عبدل ليشرب عنده وله جارية تغني فغنت فقال ابن عبدل
( يا أبا المُهَاجر قد أردتَ كرامتي ... فأهنتَني وضررتَني لو تَعْلَمُ )
( عند التي لو مَسَّ جِلْدي جلدها ... يوماً بَقِيْتُ مخلَّداً لا أهْرَمُ )
( أو كنتُ في أَحْمَى جهنَّمَ بقعةً ... فرأيتُها بَرَدَتْ عليَّ جهنَّمُ )

قال فجعل أبو المهاجر يضحك ويقول له ويحك والله لو كان إليها سبيل لوهبتها لك ولكن لها مني ولد
أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني قال
كان عمر بن يزيد الأسدي مبخلا ووجده أبوه مع أمة له فكان يعير بذلك وجاءه الحكم بن عبدل الأسدي ومعه جماعة من قومه يسألونه حاجة فدخلوا إليه وهو يأكل تمرا فلم يدعهم إليه وذكروا له حاجتهم فلم يقضها فقال فيه ابن عبدل
( جِئْنا وبين يديه التمر في طَبَقٍ ... فما دعانا أبو حَفْص ولا كادا )
( علا على جسمه ثوبان من دَنَسٍ ... لؤمٌ وجُبْنٌ ولولا أَيْرُه سادا )
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا محمد بن الحسن الأحول عن أبي نصر عن الأصمعي قال
كانت امرأة موسرة بالكوفة وكانت لها على الناس ديون بالسواد فاستعانت بابن عبدل في دينها وقالت إني امرأة ليس لي زوج وجعلت تعرض بأنها تزوجه نفسها
فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه
( سَيُخئطك الذي حاولتَ منّي ... فقطِّعْ حبلَ وصلك من حبالي )
( كما أخطاك معروفُ ابن بِشْر ... وكنتَ تَعُدّ ذلك رأسَ مالِ )
قال وكان ابن عبدل أتى ابن بشر بالكوفة فسأله فقال له أخمسمائة أحب إليك الآن عاجلة أم ألف في قابل قال ألف في قابل
فلما أتاه قال له ألف أحب إليك أم ألفان في قابل قال ألفان فلم يزل ذلك دأبة حتى مات ابن بشر وما أعطاه شيئا

أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال
دخل ابن عبدل على عبد الملك بن بشر فقال له ما أحدثت بعدي قال خطبت امرأة من قومي فردت علي جواب رسالتي ببيتي شعر قال وما هما قال قالت
( سخطئك الذي حاولتَ مني ... فقطّع حبلَ وصلك من حبالي )
( كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنتَ تعدّ ذلك رأسَ مالِ ) فضحك عبد الملك ثم قال لجاد ما أذكرت بنفسك وأمر له بألفي درهم

ابن عبدل وبشر بن مروان
أخبرني أبو الحسن الأسدي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا محمد بن معاوية الأسدي قال حدثني منجاب بن الحارث قال حدثني عبد الملك بن عفان قال
كان الحكم بن عبدل الأسدي ثم الغاضري صديقا لبشر بن مروان فرأى منه جفاء لشغل عرض له فغبر عنه شهرا ثم التقيا فقال يابن عبدل مالك تركتنا وقد كنت لنا زوارا فقال ابن عبدل
( كنتُ أُثْني عليك خيراً فلمّا ... أضْمَر القلبُ من نَوالك ياسا )
( كنت ذا مَنْصِب قَنِيتُ حيائي ... لم أقُل غير أن هجرتُك باسا )
( لم أُطِق ما أردتَ بي يابن مروان ... سَتلقَى إذا أردتَ أناسا )
( يَقْبلون الخَسيس منك ويُثْنون ... ثناءً مُدَخْمَسا دِخْمَاسا )

فقال له لا نسومك الخسيس ولا نريد منك ثناء مدخمسا ووصله وحمله وكساه
أخبرني الأسدي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال وحدثني محمد بن معاوية قال حدثني منجاب بن الحارث عن عبد الملك بن عفان قال
أراد عمر بن هبيرة أن يغزي الحكم بن عبدل الغاضري فاعتل بالزمانة فحمل وألقي بين يديه فجرده فإذا هو أعرج مفلوج فوضع عنه الغزو وضمه إليه وشخص به معه إلى واسط فقال الحكم بن عبدل
( لعَمْري لقد جرّدتني فوجدتني ... كثير العيوب سَيِّءَ المُتَجرِّد )
( فأعفيْتَنِي لمّا رأيتَ زَمانتي ... وَوُفِّقت منِّي للقضاء المُسَدَّدِ )
فلما وصل عمر إلى واسط شكا إليه الحكم بن عبدل الضبعة فوهب له جارية من جواريه فواثبها ليلة صارت إليه فنكحها تسعا أو عشرا طلقا فلما أصبحت قالت له جعلت فداك من أي الناس أنت قال امرؤ من أهل الشام قالت بهذا العمل نصرتم
أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل

قال حدثنا أحمد بن بكير الأسدي عن محمد بن أنس السلامي عن محمد بن سهل راوية الكميت فقال فيه
ضرب الحجاج البعث على المحتلمين ومن أنبت من الصبيان فكانت المرأة تجيء إلى ابنها وقد جرد فتضمه إليها وتقول له بأبي جزعا عليه فسمي ذلك الجيش جيش بأبي وأحضر ابن عبدل فجرد فوجد أعرج فأعفي فقال في ذلك
( لعمري لقد جَرّدتني فوجدتني ... ) البيتين وزاد معهما ثالثا وهو
( ولستُ بذي شَيْخَيْن يلْتَزِمانه ... ولكن يَتِيمٌ ساقطُ الرِّجل واليدِ )

كره زوجته وقال فيها شعرا
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية عن منجاب عن عبد الملك بن عفان قال
تزوج ابن عبدل امرأة من همدان فقالوا له على كم تزوجت فقال
( تَزوّجْتُ همْدانيّةً ذات بهجةٍ ... على نَمَط عادية ووسائدِ )
( لعمري لقد غاليتُ بالمَهْر إنه ... كذاك يُغَالَى بالنساء المَواجِدِ )

قال فلما دخل بها كرهها فقال
( أَعاذِلتيّ من لومٍ دعاني ... أقِلاّ اللومَ إن لم تَعْذِراني )
( فإني قد دُلِلْتُ على عجوز ... مُبَرقَعة مخَضّبة البَنانِ )
( تَغَضّن جلدُها واخضرّ إلا ... إذا ما ضُرِّجَتْ بالزعفرانِ )
( فلما أن دخلتُ وحادثَتْنِي ... أَظَلَّتْني بِيومٍ أَرْوَنانِ )
( تُحدّثني عن الأزمان حتى ... سمعتُ نداءَ حُرِّ بالأذان )
( فقالت قد نَكَحْتُ اثنين شَتّى ... فلما صاحَباني طَلّقاني )
( وأربعةٌ نكحتُهم فماتوا ... فليتَ عَرِيف حَيِّ قد نعناي )
( وقالت ما تِلادُك قلتُ مالي ... حمار ظالع ومَزَادتانِ )
( وبُورِيُّ وأربعةٌ زُيُوف ... وثَوْبا مُفْلسٍ مُتَخَرِّقان )
( وقِطعةُ جُلّة لا تَمْرَ فيها ... ودَنّا عومةٍ مُتَقَابِلانِ )
( فقالت قد رَضِيتُ فسمِّ ألفا ... ليسمع ما تقولُ الشَّاهدانِ )
( وما لكِ عندنا ألفٌ عَتِيد ... ولا تِسْعٌ تُعَدّ ولا ثَمَانِ )
( ولا سَبْعٌ ولا سِتٌّ ولكن ... لكم عندي الطويلُ من الهَوانِ )

رثاء بشر بن مروان
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي قال

كان الحكم بن عبدل الأسدي منقطعا إلي بشر بن مروان وكان يأنس به ويحبه ويستطيبه وأخرجه معه إلي البصرة لما وليها فلما مات بشر جزع عليه الحكم وقال يرثيه
( أصبحتُ جَمَّ بَلابِل الصَّدْرِ ... مُتَعجِّباً لتصرُّفِ الدّهرِ )
( مازلتُ أطلبُ في البلاد فتىً ... ليكون لي ذُخْراً من الذُّخْرِ )
( ويكون يسعدني وأُسعِده ... في كلّ نائبةٍ من الأمرِ )
( حتى إذا ظَفِرتْ يدايَ به ... جاء القَضاءُ بحَيْنِه يَجْري )
( إنّي لفي هَم يباكرني ... منه وهمٍّ طارقٍ يَسْري )
( فلأَصْبِرَنَّ وما رأيتُ دوىً ... للهمّ غيرَ عزيمةِ الصبرِ )
( واللهِ ما استعظمتُ فُرْقَتَه ... حتى أحاط بفضله خُبْرِي )
أخبرني ابن دريد قال حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي قال
لما ظفر ابن الزبير بالعراق وأخرج عنها عمال بني أمية خرج ابن عبدل معهم إلى الشأم وكان ممن يدخل لى عبد الملك ويسمر عنده فقال لعبد الملك ليلة
( يا ليتَ شِعْرِي وليتٌ رُبَّمَا نفعتْ ... هل أبصِرنَّ بني العَوَّام قد شُمِلُوا )
( بالذلّ والأَسْرِ والتشريد إنهمُ ... على البَريّة حَتْف حيثما نزَلُوا )
( أم هل أراكَ بأكنافِ العراق وقد ... ذلّت لِعزِّك أقوامٌ وقد نَكَلُوا ) فقال عبد الملك ويروى أنه قائل هذا الشعر
( إن يُمكِن اللهُ من قَيْس ومن جَدَسٍ ... ومن جُذَام ويُقْتلْ صاحبُ الحَرَمِ )

( نَضْرِب جَماجِمَ أقوامٍ على حَنَقٍ ... ضَرْباً يُنَكِّلُ عنّا سائر الأممِ )

ابن هبيرة وبنت ابن عبدل
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني هارون بن علي بن يحيى المنجم عن أبيه قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني عن رجل من بني أسد قال
خرج يزيد بن عمر بن هبيرة يسير بالكوفة فانتهى إلى مسجد بنى غاضرة وأقيمت الصلاة فنزل يصلي واجتمع الناس لمكانه في الطريق وأشرف النساء من السطوح فلما قضى صلاته قال لمن هذا المسجد قالوا لبني غاضرة فتمثل قول الشاعر
( ما إن تَرَكْنَ من الغواضر مُعْصِراً ... إلا فَصَمْنَ بساقها خَلْخَالا ) فقالت له امرأة من المشرفات
( ولقد عَطَفْنَ على فَزَارة عَطْفةً ... كَرَّ المَنِيحِ وجُلْنَ ثَمّ مَجَالا ) فقال يزيد من هذه فقالوا بنت الحكم بن عبدل فقال هل تلد الحية إلا حية وقام خجلا
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال
كان ابن عبدل الأسدي أعرج أحدب وكان من أطيب الناس وأملحهم فلقيه صاحب العسس ليلة وهو سكران محمول في محفة فقال له من أنت فقال

له يا بغيض أنت أعرف بي من أن تسألني من أنا فاذهب إلى شغلك فإنك تعلم أن اللصوص لا يخرجون بالليل للسرقة محمولين في محفة فضحك الرجل وانصرف عنه
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا العباس بن ميمون طائع قال حدثني أبو عدنان عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال
رأيت ابن عبدل الأسدي وقد دخل على ابن هبيرة فقال له أنشدني شيئا فقال أنشدك مقولة أيها الأمير قال هات فأنشده هذه الأبيات وهي قديمة وقد تمثل بها ابن الأشعث حين خرج ويروى أنها لأعشى همدان
( نجمّ ولا نُعطَى وتُعْطَى جُيُوشُهم ... وقد ملأوا من مالنا ذا الأكارعِ )
( وقد كلّفُونا عُدّةً وروائعاً ... فَقَدْ وأبي رُعْنَاكُمُ بالرَّوائِعِ )
( ونحنُ جَلَبْنَا الخيلَ من ألْفِ فَرْسخ ... إليكم بمُحمَرٍّ من الموت ناقِعِ ) قال فغضب ابن هبيرة من تعريضه به وقال له والله لولا أني قد أمنتك واستنشدتك لضربت عنقك
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان أبو عبد الله قال حدثنا القاسم بن عبد الرحمن قال
كانت للحكم بن عبدل جارية سوداء وقد كان يميل إليها فولدت له ابنا أسود فكان من أعرم الصبيان فقال فيه

( يَا رُبّ خالٍ لكَ مُسْودّ القَفَا ... لا يَشْتَكي من رِجْله مَسّ الحَفَا )
( كأنّ عَيْنَيْه إذا تشوَّفا ... عَيْنا غُرابٍ فوقَ نِيقٍ أشْرَفا )
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان أبو عبد الله قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا المدائني قال
كان عمر بن يزيد الأسدي بخيلا على الطعام فدخل عليه الحكم بن عبدل الشاعر وهو يأكل بطيخا فسلم فلم يرد عليه السلام ولم يدعه إلى الطعام فقال ابن عبدل يهجوه
( في عمر بن يزيد خلَّتَا دَنَسٍ ... بُخلٌ وجُبْنٌ ولولا أَيْرُه سادا )
( جئْنَاه يأكل بطّيخاً على طَبَقٍ ... فما دعانا أبو حفصٍ ولا كادا ) قال وكان عمر على شرطة الحجاج وكان بخيلا جدا فأصابه قولنج فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل ما في بطنه في الطست فقال الغلام ما تصنع به قال أصبه قال لا ولكن ميز منه الدهن واستصبح به

ابن عبدل وكاتب عبد الملك بن بشر
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا أبو هفان قال
كان لعبد المك بن بشر بن مروان كاتب يقال له محمد بن عمير وكان كلما مدحه ابن عبدل بشيْ وأمر له بجائزة دافعه بها وعارضه فيها فدخل يوما إلى عبد الملك وكاتبه هذا يساره فوقف وأنشأ يقول

( ألقيتَ نفسكَ في عَرُوض مَشَقَّةٍ ... وحَصَادُ أنفك بالمَناجِل أَهْونُ )
( فبحقِّ أُمِّك وهي غيُرحقيقة ... باللِّين واللَّطف الذي لا يُخْزَن )
( لا تُدْنِ فاكَ إلى الأمير ونَحِّه ... حتى يُداوِي نَتْنَه لك أهونُ )
( إن كان للظَّرِبَان حُجْرٌ مُنْتِنٌ ... فلحُجْر أنفِكَ يا محمدُ أنتنُ )
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني أحمد بن بكير الأسدي عن محمد بن أنس السلامي عن محمد بن سهل راوية الكميت قال خطب ابن عبدل امرأة من همدان يقال لها أم رياح فلم تتزوجه فقال أما والله لأفضحنك ولأعيرنك فقال
( فلا خيرَ في الفِتْيان بعد ابنِ عَبْدلٍ ... ولا في الزواني بعد أُمِّ رِياح )
( يُرى بحمدِ الله ماضٍ مُجَرَّبٌ ... وأمّ رِيَاحٍ عُرْضَةٌ لنِكَاحِي )
قال فتحاماها الناس فما تزوجت حتى أسنت وبهذا الإسناد عن محمد بن سهل قال ولد للحكم بن عبدل ابن فسماه بشرا ودخل على بشر بن مروان فأنشده
( سَمّيْتُ بِشْراً ببشر النَّدَى ... فلا تَفْضَحنِّي بتَصْداقِهَا )
( إذا ما قُريشٌ قُريشُ البَطاحِ ... عند تجمُّعِ آفاقِها )
( تسامَتْ قُرُومُهم للنَّدى ... تُباري الرِّياحَ بأَوْراقِها )
( فما لَك أنفعُ أموالِها ... وَخُلْقُكَ أكرمُ أخلاقِها )

فأمر له بألفي درهم وقال استعن بهذه على أمرك وبإسناده عن محمد بن سهل قال اقترض ابن عبدل مالا من التجار وحلف لهم بالطلاق ثلاثا أن يقضيهم المال عند طلوع الهلال فلما بقي من الشهر يومان قال
( قد بات هَمِّي قِرْناً أُكابِدُهُ ... كأنّما مَضْجَعِي على حَجَرِ )
( من رَهْبَةٍ أنْ يُرَى هلالُ غدٍ ... فإِنْ رأوه فحقّ لي حَذَرِي )
( من فقدِ بيضاء غادةٍ كَمُلتْ ... كأنها صورةٌ من الصُّورِ )
( أصبحتُ من أهلي الغداةَ ومِن ... مالي على مثل ليلةِ الصَّدرِ ) فبلغ خبره عبد الملك بن بشر فأعطاهم ما لهم عليه وأضعفه له فقال فيه
( لمّا أتاه الذي أُصِبْتُ بِهِ ... وأَنْشَدُوه إيّاه في شِعْرِي )
( جاد بضِعْفَيْ ما حلَّ من غُرمِي ... عفواً فزالت حرارةُ الصَّدْرِ )
( لأشكرنَّ الذي مَنَنْتَ بِهِ ... ما دُمْتُ حياً وطال لي عُمْري )
وقال محمد بن سهل بهذا الإسناد اجتمع الشعراء إلى الحجاج وفيهم ابن عبدل
فقالوا للحجاج إنما شعر ابن عبدل كله هجاء وشعر سخيف فقال له قد سمعت قولهم فاستمع مني قال هات فأنشده قوله
( وإِنّي لأَسْتَغْني فما أبْطَرُ الغِنَى ... وأَعْرِضُ مَيْسُوري لمَنْ يبْتَغِي قَرْضي )
( وأُعْسرُ أحياناً فتَشْتَدُّ عُسْرَتي ... فأُدْرِكُ مَيسُورَ الغِنى ومعي عرْضي ) حتى انتهى إلى قوله

( ولستُ بذِي وَجْهيْن فيمن عَرَفْتَهُ ... ولا البُخْلُ فاعلَمْ من سَمائي ولا أَرْضي ) فقال له الحجاج أحسنت وفضله في الجائزة عليهم بألفي درهم

صوت
من المائة المختارة
( أَجَدّ بعَمْرةَ غُنْيَانُها ... فتهجُرَ أم شأننا شانها )
( فإِنْ تُمس شطّت بها دارُها ... وباحَ لك اليومَ هِجْرانُها )
( فما رَوْضةٌ من رِياض القطا ... كأنّ المَصابيحَ حَوْذَانُها )
( بأحسنَ منها ولا مُزْنَةٌ ... دَلُوحٌ تَكَشَّفَ إدْجَانُها )
( وعَمْرَةُ من سَرَوات النّساء ... تَنْفَحُ بالمسك أردانُها )
أجد استمر وغنيانها استغناؤها أم شأننا شانها يقول أم هي على ما تحب وشطت بعدت قال ابن الأعرابي يقال شطت وشطنت وشسعت وتشسعت وبعدت ونأت وتزحزحت وشطرت قال الشاعر
( لا تَتْرُكني فيهمُ شَطيرا ... ) ومنه سمي الشاطر وباح ظهر ومنه باحة الدار وأنشد
( أتكْتُمُ حُبّ سَلْمَى أم تَبُوحُ ... )

والروضة موضع فيه نبت وماء مستدير وكذلك الحديقة و قوله
( كأنّ المصابيحَ حَوْذَانُها ... ) أراد كأن حوذانها المصابيح فقلب و العرب تفعل ذلك قال الأعشى
( . . . كأنّ الجَمْرَ مثلُ تُرابِها ... ) أراد كأن ترابها مثل الجمر
والمزنة السحابة والدلوح النقيلة يقال مر يدلح بحمله إذا مر مثقلا
والدجن إلباس الغيم السحاب برش و ندى يقال أدجنت السماء وقوله تكشف إدجانها إذا انكشف السواد عنها وذلك أحسن لها وأراد مزنة بيضاء
والأردان ما يلي الذراعين جميعا والإبطين من الكمين
الشعر لقيس بن الخطيم والغناء لطويس خفيف ثقيل أول باطلاق الوتر في مجرى الوسطى الى هنا انتهى الجزء الثاني من كتاب الأغاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث منه وأوله ذكر قيس بن الخطيم واخباره ونسبه

ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه
هو قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سود بن ظفر ويكنى قيس أبا يزيد
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال
أنشد ابن أبي عتيق قول قيس بن الخطيم
( بينَ شُكُولِ النّساء خِلْقتُها ... حَذْواً فلا جَبْلَةٌ ولا قَضفُ )
فقال لولا أن أبا يزيد قال حذوا ما درى الناس كيف يحشون هذا الموضع
وكان أبوه الخطيم قتل وهو صغير قتله رجل من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج فلما بلغ قتل قاتل أبيه ونشبت لذلك حروب بين قومه وبين الخزرج وكان سببها
خداش بن زهير يساعد قيس بن الخطيم على الأخذ بالثأر
فأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرني أحمد بن يحيى

ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال
كان سبب قتل الخطيم أن رجلا من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج يقال له مالك اغتاله فقتله وقيس يومئذ صغير وكان عدي أبو الخطيم أيضا قتل قبله قتله رجل من عبد القيس فلما بلغ قيس بن الخطيم وعرف أخبار قومه وموضع ثأره ولم يزل يلتمس غرة من قاتل أبيه وجده في المواسم حتى ظفر بقاتل أبيه بيثرب فقتله وظفر بقاتل جده بذي المجاز فلما أصابه وجده في ركب عظيم من قومه ولم يكن معه إلا رهط من الأوس فخرج حتى أتى حذيفة بن بدر الفزاري فاستنجده فلم ينجده فأتى خداش بن زهير فنهض معه ببني عامر حتى أتوا قاتل عدي فإذا هو واقف على راحلته في السوق فطعنه قيس بحربة فقتله ثم استمر فأراده رهط الرجل فحالت بنو عامر دونه فقال في ذلك قيس بن الخطيم
( ثأرتُ عَدِيّاً والخَطيمَ فلم أُضِعْ ... وِلايةَ أشباخٍ جُعلتُ إزاءَها )
( ضربتُ بذي الزَّجَّيْنِ رِبْقةَ مالكٍ ... فأُبتُ بنفسٍ قد أصبتُ شفاءَها )
( وسامَحَنِي فيها ابنُ عمرو بنِ عامرٍ ... خِدَاشٌ فأدَّى نعمةً وأفاءها )

( طعنتُ ابنَ عبد القَيْس طعنةَ ثائرٍ ... لها نَفَذٌ لولا الشُّعاعُ أضاءها )
( ملكت بها كفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَها ... يَرى قائمٌ من دونِها ما وراءَها )
هذه رواية ابن الأعرابي عن المفضل
وأما ابن الكلبي فإنه ذكر أن رجلا من قريش أخبره عن أبي عبيدة أن محمد بن عمار بن ياسر وكان عالما بحديث الأنصار قال
كان من حديث قيس بن الخطيم أن جده عدي بن عمرو قتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة يقال له مالك وقتل أباه الخطيم بن عدي رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر وكان قيس يوم قتل أبوه صبيا صغيرا وقتل الخطيم قبل أن يثأر بأبيه عدي فخشيت أم قيس على ابنها أن يخرج فيطلب بثأر أبيه وجده فيهلك فعمدت إلى كومة من تراب عند باب دارهم فوضعت عليها أحجارا وجعلت تقول لقيس هذا قبر أبيك وجدك فكان قيس لا يشك أن ذلك على ذلك ونشأ أيدا شديد الساعدين فنازع يوما فتى من فتيان بني ظفر فقال له ذلك الفتى والله لو جعلت شدة ساعديك على قاتل أبيك وجدك لكان خيرا لك من أن تخرجها علي فقال ومن قاتل أبي وجدي قال سل أمك تخبرك فأخذ السيف ووضع قائمه على الأرض وذبابه بين ثدييه وقال لأمه أخبريني من قتل أبي وجدي قالت ماتا كما يموت الناس وهذان قبراهما بالفناء فقال والله لتخبرينني من قتلهما أو لأتحاملن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري فقالت أما جدك فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة يقال له مالك وأما أبوك فقتله رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر فقال والله لا أنتهي حتى أقتل

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45