كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

( هل أخو كأسٍ مُحَقِّقُها ... ومُوَقٍّ صحبَه سُكُرَةْ )
( ومُحَيِّيهمْ إذا شَرِبوا ... ومُقِلٌّ فِيهمُ هَذَرَهْ )
( خُلِق البِيضُ الحِسانُ لنا ... وجِيادُ الرَّيْطِ والحِبَرَهْ )
( كَابِراً كنّا أحقَّ به ... كلُّ حَيٍّ تابعٌ أَثَرَهْ )

مسافر وهند بنت عتبة
وله شعر ليس بالكثير والأبيات التي فيها الغناء يقولها في هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان يهواها فخطبها إلى أبيها بعد فراقها الفاكه بن المغيرة فلم ترض ثروته وماله فوفد على النعمان يستعينه على أمره ثم عاد فكان أول من لقيه أبو سفيان فأعلمه بتزويجه من هند فأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني ابن أبي سلمة عن هشام قال ابن عمار وقد حدثناه ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن هشام قال ابن عمار وحدثنيه علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه دخل حديث بعضهم في بعض
أن مسافر بن أبي عمرو بن أمية كان من فتيان قريش جمالا وشعرا وسخاء قالوا فعشق هندا بنت عتبة بن ربيعة وعشقته فاتهم بها وحملت منه قال بعض الرواة فقال معروف بن خربوذ فلما بان حملها أو كاد قالت

له اخرج فخرج حتى أتى الحيرة فأتى عمرو بن هند فكان ينادمه وأقبل أبو سفيان بن حرب إلى الحيرة في بعض ما كان يأتيها فلقي مسافرا فسأله عن حال قريش والناس فأخبره وقال له فيما يقول وتزوجت هندا بنت عتبة فدخله من ذلك ما اعتل معه حتى استسقى بطنه قال ابن خربوذ فقال مسافر في ذلك
( ألاَ إنّ هنداً أصبحتْ منك مَحْرَما ... وأصبحتَ من أدنى حُمُوَّتِها حَمَا )
( وأصبحتَ كالمقمورِ جَفْنَ سلاحه ... يقلِّب بالكَفَّيْنِ قوساً وأَسْهُمَا )
فدعا له عمرو بن هند الأطباء فقالوا لا دواء له إلا الكي فقال له ما ترى قال افعل فدعا له الذي يعالجه فأحمى مكاويه فلما صارت كالنار قال ادع أقواما يمسكونه فقال لهم مسافر لست أحتاج إلى ذلك فجعل يضع المكاوي عليه فلما رأى صبره ضرط الطبيب فقال مسافر
( قد يَضْرِطُ العَيْرُ والمِكواةُ في النارِ ... )
فجرت مثلا فلم يزده إلا ثقلا فخرج يريد مكة فلما انتهى إلى موضع يقال له هبالة مات فدفن بها ونعي إلى قريش فقال أبو طالب بن عبد المطلب يرثيه
( ليتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بنَ أبي عمروٍ ... ولَيْتٌ يقولها المحزونُ )

( رجَع الركبُ سالمين جميعاً ... وخليلي في مَرْمَسٍ مدفونُ )
( بُورِكَ الميِّتُ الغريبُ كما بورك ... نَضْر الرَّيْحان والزيتونُ )
( بيتُ صدْقٍ على هُبَالةَ قد حالت ... فيافٍ من دونِه وحُزونُ )
( مِدْرَهٌ يدفع الخصومَ بأيْدٍ ... وبوجهٍ يَزِينُه العِرْنِينُ )

صوت
( كَمْ خليلٍ رُزئتُه وابنِ عَمٍّ ... وحَميمٍ قضتْ عليه المَنُونُ )
( فتعزَّيتُ بالتَّأَسِّي وبالصبرِ ... وإِنِّي بصاحبي لضنينُ )
غنى في هذين البيتين يحيى المكي ثاني ثقيل بالوسطى من رواية ابنه والهشامي
وأنشدنا الحرمي قال أنشدنا الزبير لأبي طالب بن عبد المطلب في مسافر بن أبي عمرو
( ألاَ إنّ خيرَ الناسِ غيرَ مُدَافَعٍ ... بسَرْوِ سُحيْمٍ غيَّبتْه المقابرُ )
( تُبَكِّي أباها أُمُّ وَهْبٍ وقد نأى ... وريسانُ أمسى دونه ويُحَابِرُ )

( على خير حافٍ من مَعَدٍّ وناعلٍ ... إذا الخيرُ يُرْجَى أو إذا الشرُّ حاضرُ )
( تَنادَوْا ولا أبو أُمَيّة فيهمُ ... لقد بُلِغتْ كَظَّ النفوسِ الحناجرُ )
قال وقال النوفلي إن البيتين
( ألاَ إنّ هنداً أصبحتْ منك مَحْرَما ... )
والذي بعده لهشام بن المغيرة وكانت عنده أسماء بنت مخرمة النهشلية فولدت له أبا جهل وأخاه الحارث ثم غضب عليها فجعلها مثل ظهر أمه وكان أول ظهار كان فجعلته قريش طلاقا فأرادت أسماء الانصراف إلى أهلها فقال لها هشام وأين الموعد قالت الموسم فقال لها ابناها أقيمي معنا فأقامت معهما فقال المغيرة بن عبد الله وهو أبو زوجها أما والله لأزوجنك غلاما ليس بدون هشام فزوجها أبا ربيعة ولده الآخر فولدت له عياشا وعبد الله فذلك قول هشام
( تُحَدِّثنا أسماءُ أن سوف نَلْتقِي ... أحاديث طَسْمٍ إنما أنت حالمُ )
وقوله
( ألاَ أصبحتْ أسماءُ حَجراً مُحَرَّما ... وأصبحتَ من أدنى حُمُوَّتها حَمَا )
قال النوفلي في خبره وحدثني أبي أنه إنما كان مسافر خرج إلى النعمان بن المنذر يتعرض لإصابة مال ينكح به هندا فأكرمه النعمان واستظرفه ونادمه وضرب عليه قبة من أدم حمراء وكان الملك إذا فعل ذلك

برجل عرف قدره منه ومكانه عنده وقدم أبو سفيان بن حرب في بعض تجاراته فسأله مسافر عن حال الناس بمكة فذكر له أنه تزوج هندا فاضطرب مسافر حتى مات وقال بعض الناس إنه استسقى بطنه فكوي فمات بهذا السبب قال النوفلي فهو أحد من قتله العشق

هند والفاكه بن المغيرة
فأما خبر هند وطلاق الفاكه بن المغيرة إياها فأخبرني به أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثني أبو السكين زكريا بن يحيى ابن عمرو بن حصن بن حميد بن حارثة الطائي قال حدثني عمي زحر بن حصن عن جده حميد بن حارثة قال كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة بارز من البيوت يغشاه الناس من غير إذن فخلا البيت ذات يوم فاضطجع هو وهند فيه ثم نهض لبعض حاجته وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رآها رجع هاربا وأبصره الفاكه فأقبل إليها فضربها برجله وقال من هذا الذي خرج من عندك قالت ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني فقال لها ارجعي إلى أمك وتكلم الناس فيها وقال لها أبوها يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني نبأك فإن يكن الرجل عليك صادقا دسست عليه من يقتله فتنقطع عنك المقالة وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن فقالت لا والله ما هو علي بصادق فقال له يا فاكه إنك قد رميت بنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من عبد مناف ومعهم هند ونسوة فلما شارفوا البلاد وقالوا غدا نرد على الرجل تنكرت حال هند فقال لها عتبة إني أرى ما حل بك من تنكر الحال وما ذاك إلا لمكروه عندك قالت لا والله يا أبتاه ما ذاك لمكروه ولكني أعرف أنكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون علي سبة

فقال لها إني سوف أختبره لك فصفر بفرسه حتى أدلى ثم أدخل في إحليله حبة بر وأوكأ عليها بسير فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم ونحر لهم فلما قعدوا قال له عتبة جئناك في أمر وقد خبأت لك خبئا أختبرك به فانظر ما هو قال ثمرة في كمرة قال إني أريد أبين من هذا قال حبة بر في إحليل مهر قال صدقت انظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول انهضي حتى دنا من هند فقال لها انهضي غير رسحاء ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية فنهض إلينا الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت إليك عني فوالله لأحرص أن يكون ذلك من غيرك فتزوجها أبو سفيان
وقد قيل إن بيتي مسافر بن أبي عمرو أعني
( ألاَ إنّ هنداً أصبحت منك محرما ... )
لابن عجلان
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني عبد الله بن علي بن الحسن عن أبي نصر عن الأصمعي عن عبد الله بن أبي سلمة عن أيوب عن ابن سيرين قال

خرج عبد الله بن العجلان في الجاهلية فقال
( ألا إنّ هنداً أصبحت منك مَحْرَما ... وأصبحتَ من أدنى حُمُوَّتِها حَمَا )
( فأصبحتَ كالمقمورِ جَفْنَ سلاحِه ... يُقَلِّب بالكَفَّين قوساً وأَسْهُما )
ثم مد بهما صوته فمات قال ابن سيرين فما سمعت أن أحدا مات عشقا غير هذا ومما يغنى فيه من شعر مسافر بن أبي عمرو وهو من جيد شعره قوله يفتخر

صوت
( ألم نَسقِ الحَجِيجَ ونَنْحَرِ ... المِذْلاقةَ الرُّفُدا )
( وزمزمُ من أُرومتنا ... ونفقَأ عينَ مَنْ حَسَدا )
( وإنّ مناقبَ الخيرات ... لم نُسْبَق بها عَدَدَا )
( فإنْ نَهْلِكْ فلم نملك ... وهل من خالدٍ خَلَدا )
غناه ابن سريج رملا بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لسائب خاثر لحن من خفيف الثقيل الأول بالوسطى من رواية حماد وفيه للزف ثقيل بالوسطى

فأما خبر عمارة بن الوليد والسبب الذي من أجله أمر النجاشي السواحر
فسحرته
فإن الواقدي ذكره عن عبد الله بن جعفر بن أبي عون قال
كان عمارة بن الوليد المخزومي بعد ما مشت قريش بعمارة إلى أبي طالب خرج هو وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وكانا كلاهما تاجرين إلى النجاشي وكانت أرض الحبشة لقريش متجرا ووجها وكلاهما مشرك شاعر فاتك وهما في جاهليتهما وكان عمارة معجبا بالنساء صاحب محادثة فركبا في السفينة ليالي فأصابا من خمر معهما فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص قبليني فقال لها عمرو قبلي ابن عمك فقبلته وحذر عمرو على زوجته فرصدها ورصدته فجعل إذا شرب معه أقل عمرو من الشراب وأرق لنفسه بالماء مخافة أن يسكر فيغلبه عمارة على أهله وجعل عمارة يراودها على نفسها فامتنعت منه ثم إن عمرا جلس إلى ناحية السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر فلما وقع فيه سبح حتى أخذ بالقلس فارتفع فظهر على السفينة فقال له عمارة أما والله لو علمت يا عمرو أنك تحسن السباحة ما فعلت فاضطغنها عمرو وعلم أنه أراد قتله فمضيا على وجههما

ذلك حتى قدما أرض الحبشة ونزلاها وكتب عمرو بن العاص إلى أبيه العاص أن اخلعني وتبرأ من جريرتي إلى بني المغيرة وجميع بني مخزوم وذلك أنه خشي على أبيه أن يتبع بجريرته وهو يرصد لعمارة ما يرصد فلما ورد الكتاب على العاص بن وائل مشى في رجال من قومه منهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج إلى بني المغيرة وغيرهم من بني مخزوم فقال إن هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم وكلاهما فاتك صاحب شر وهما غير مأمونين على أنفسهما ولا ندري ما يكون وإني أبرأ إليكما من عمرو ومن جريرته وقد خلعته فقالت بنو المغيرة وبنو مخزوم أنت تخاف عمرا على عمارة وقد خلعنا نحن عمارة وتبرأنا إليك من جريرته فخل بين الرجلين فقال السهميون قد قبلنا فابعثوا مناديا بمكة أنا قد خلعناهما وتبرأ كل قوم من صاحبهم ومما جر عليهم فبعثوا مناديا ينادي بمكة بذلك فقال الأسود بن المطلب بطل والله دم عمارة بن الوليد آخر الدهر فلما اطمأنا بأرض الحبشة لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي فأدخلته فاختلف إليها فجعل إذا رجع من مدخله يخبر عمرو بن العاص بما كان من أمره فجعل عمرو يقول ما أصدقك أنك قدرت على هذا الشأن إن المرأة أرفع من ذلك فلما أكثر على عمرو مما كان يخبره وقد كان صدقه ولكن أحب التثبت وكان عمارة يغيب عنه حتى يأتيه في السحر وكان في منزل واحد معه وجعل عمارة يدعوه إلى أن يشرب معه فيأبى عمرو ويقول إن هذا يشغلك عن مدخلك وكان عمرو يريد أن يأتيه بشيء لا يستطيع دفعه إن هو رفعه إلى النجاشي فال له في بعض ما يذكر له من أمرها إن كنت صادقا فقل لها

تدهنك من دهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره فإني أعرفه لو أتيتني به لصدقتك ففعل عمارة فجاء بقارورة من دهنه فلما شمه عرفه فقال له عمرو عند ذلك أنت صادق لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد مثله قط من العرب ونلت من امرأة الملك شيئا ما سمعنا بمثل هذا وكانوا أهل جاهلية ثم سكت عنه حتى إذا اطمأن دخل على النجاشي فقال أيها الملك إن ابن عمي سفيه وقد خشيت أن يعرني عندك أمره وقد أردت أن أعلمك شأنه ولم أفعل حتى استثبت أنه قد دخل على بعض نسائك فأكثر وهذا من دهنك قد أعطيه دهني منه فلما شم النجاشي الدهن قال صدقت هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي ثم دعا بعمارة ودعا بالسواحر فجردوه من ثيابه فنفخن في إحليله ثم خلى سبيله فخرج هاربا فلم يزل بأرض الحبشة حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب فخرج إليه عبد الله بن أبي ربيعة وكان اسمه قبل أن يسلم بحيرا فسماه رسول الله فرصده على ماء بأرض الحبشة وكان يرده مع الوحش فورد فلما وجد ريح الإنس هرب حتى إذا أجهده العطش ورد فشرب حتى تملأ وخرجوا في طلبه فقال عبد الله بن أبي ربيعة فسعيت إليه فالتزمته فجعل يقول لي يا بحير أرسلني يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكتموني قال عبد الله وضغطته فمات في يدي مكانه فواراه ثم انصرف وكان شعره قد غطى على كل شيء منه
قال الواقدي عن ابن أبي الزناد وقال عمرو لعمارة يا فائد إن كنت تحب أن أصدقك بهذا أو أقبله منك فأتني بثوبين أصفرين فلما رأى النجاشي الثوبين قال له عمرو أتعرف الثوبين قال نعم

وقال الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال النجاشي لعمارة إني أكره أن أقتل قرشيا ولو قتلت قرشيا لقتلتك فدعا بالسواحر

شعر عمرو بن العاص في عمارة
فقال عمرو بن العاص يذكر عمارة وما صنع به قال الواقدي أخبرني ابن أبي الزناد أنه سمع ذلك من ابن ابنه عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو يذكره لحده
( تَعَلَّمْ عُمَارُ أنّ من شرِّ شِيمة ... لمثلِك أن يُدْعَى ابنُ عَمٍّ له ابْنَمَا )
( وإنْ كنتَ ذا بُرْدَيْنِ أحْوَى مُرَجَّلاً ... فلستَ براعٍ لابن عمِّك مَحْرَمَا )
( إذا المرءُ لم يترك طعاماً يُحِبُّه ... ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيث يَمَّمَا )
( قضَى وَطَراً منه يسيراً وأصبحتْ ... إذا ذُكِرتْ أمثالُها تملأ الفما )
( فليس الفتى ولو أَتَمَّتْ عروقُه ... بذي كرمٍ إلا بأن يَتَكرَّمَا )
( صَحِبتُ من الأمر الرفيق طريقه ... وولَّيتُ غَيَّ الأمرِ مَنْ قد تَلَوّما )
( مِن الآن فانْزِعْ عن مَطاعِمَ جَمّةٍ ... وعالِجْ أمورْ المجد لا تَتَنَدَّما )
قال إسحاق وحدثني الأصمعي أن خولة بنت ثابت أخت حسان قالت في عمارة لما سحر
( يا ليلتي لم أنَمْ ولم أكَدِ ... أقطَعُها بالبكاء والسَّهَدِ )
( أبكي على فِتْيةٍ رُزِئتُهمُ ... كانوا جِبالي فأوهنوا عَضُدِي )
( كانوا جمالي ونُصْرتي وبهم ... أَمنَع ضَيْمِي وكلَّ مُضْطَهِدِ )
( فبعدَهم أرقُب النجومَ وأُذرِي ... الدمعَ والحزنُ والجٌ كَبِدي )
قال الأصمعي واجتاز ابن سريج بطويس ومعه فتية من قريش وهو

يغنيهم في هذا الصوت فوقف حتى سمعه ثم أقبل عليهم فقال هذا والله سيد من غناه
هذه الأصوات التي ذكرتها الجامعة للنغم العشر والثماني النغم منها هي المشهورة المعروفة عند الرواة وفي روايات الرواة وعند المغنين
وكان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يراسل المعتضد بالله إذا استزار جواريه على ألسنتهن ومع ذوي الانس عنده من رسله مع أحمد بن الطيب وثابت بن قرة الطائي يذكر النغم وتفصيل مجاريها ومعانيها حتى فهم ذلك فصنع لحنا فجمع النغم الشعر في قول دريد بن الصمة
( يا ليتني فيها جَذَعْ ... أَخُبُّ فيها وأَضَعْ )

المكتفي يراسله في الغناء
وصنع صنعة متقنة جيدة منها ما سمعناه من المحسنين والمحسنات ومنها ما لم نسمعه يكون مبلغها نحو خمسين صوتا وقد ذكرت من ذلك ما

صلح في أغاني الخلفاء ثم صنع مثل ذلك للمكتفي بالله لرغبته في هذه الصناعة فوجدت رقعة بخطه كتب بها إلى المكتفي نسختها قال إسحاق ابن إبراهيم حين صاغ عند أبي العباس عبد الله بن طاهر بأمره لحنه في
( يومَ تُبْدِي لنا قُتَيْلةُ عن جِيدٍ ... تَلِيعٍ تَزِينه الأطواقُ )
( وشَتِيتٍ كالأُقْحُوانِ جَلاَه الطَّلُّ ... فيه عُذوبةٌ واتِّساقُ )
إني نظرت مع إبراهيم وتصفحت غناء العرب كله فلم نجد في جميع غناء العرب صوتا أطول إيقاعا من
( عادَكَ الهمُّ ليلةَ الإِيجافِ ... من غزالٍ مُخَضَّبِ الأطرافِ )
ولحنه خفيف ثقيل لابن محرز فإن إيقاعه ستة وخمسون دورا ثم لحن معبد
( هُرَيْرَةَ وَدِّعْها وإن لامَ لائمُ ... غداةَ غدٍ أمْ أنتَ للبَيْنِ واجمُ )
وهو أحد سبعته ولحنه خفيف ثقيل ودور إيقاعه ستة وخمسون دورا إلا أن صوت ابن محرز سداسي في العروض من الخفيف وصوت معبد ثماني من الطويل فصوت ابن محرز أعجب لأنه أقصر وما زلنا حتى تهيأ لنا شعر رباعي في سيدنا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه دور إيقاعه ستة

وخمسون دورا وهو يجمع من النغم العشر ثمانيا وهذا ظريف جدا بديع لم يكن مثله وأما الصوت الذي في تهنئة النوروز فلأنفسنا عملناه إذ لم يكن لنا من يدبر مثل هذا معه غيره وقد كتبنا شعره وشعر الآخر وإيقاع كل واحد منهما خفيف ثقيل والصنعة فيهما تستظرف
( جُمِع الخلائفُ كلّهم لجميع ما ... بَلغوا وأُعْطُوا في الإِمام المكتفِي )
( وله الهدايا ألفُ نَوْرُوزٍ وهذا ... الشعرُ منها لحنُه لم يُعْرَفِ )
والآخر
( دولةُ المكتفِي الخليفةِ ... تُفْني مَدَى الدُّوَلْ )
( يومُ عِيدٍ ويومُ عُرْسٍ ... فما بعدَها أمَلْ )
الصنعة في البيت الأول خاصة تدور على ستة وخمسين إيقاعا
هكذا وجدت في الرقعة بخط عبيد الله وما سمعت أحدا يغني هذين الصوتين وقد عرضتهما على غير واحد من المتقدمين ومن مغنيات القصور فما عرفهما أحد منهن وذكرتهما في الكتاب لأن شريطته توجب ذكرهما

الأرمال الثلاثة المختارة
أخبرني يحيى بن علي ومحمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قالوا حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال أبو أحمد رحمه الله وأخبرني أبي أيضا عن إسحاق وأخبرنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عبيد الله بن خرداذبه قال قال إسحاق أجمع العلماء بالغناء أن أحسن رمل غني رمل
( فلم أرَ كالتَّجْميرِ مَنْظَرَ ناظرٍ ... )
ثم رمل
( أفاطمُ مَهْلاً بعضَ هذا التدلُّلِ ... )
ولو عاش ابن سريج حتى يسمع لحني الرمل
( لعلَّكَ إن طالت حياتُك أن تَرَى ... )
لاستحيا أن يصنع بعده شيئا وفي روايتي وكيع وعلي بن يحيى ولعلم أني نعم الشاهد له
نسبة الأصوات وأخبارها
صوت
( فلم أرَ كالتّجْمير منظرَ ناظرٍ ... ولا كليالي الحجّ أَفْلَتْنَ ذا هوَى )

( فكم من قَتيلٍ ما يُباءُ به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رهناً إذا لفَّه مِنَى )
( ومن مالئ عينيه من شَيْءِ غيرِه ... إذا راح نحوَ الجمرةِ البِيضُ كالدُّمَى )
( يُسحِّبْنَ أذيالَ المُرُوطِ باسؤقِ ... خِدَال وأعجازٍ مآكِمُها رِوَا )
عروضه من الطويل الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج رمل بالبنصر وقد كان علويه فيما بلغنا صنع فيه رملا وفي أفاطم مهلا خفيف رمل وفي لعلك إن طالت حياتك رملا آخر ولم يصنع شيئا وسقطت ألحانه فيها فما تكاد تعرف وهذه الأبيات يقولها عمر بن أبي ربيعة في بنت مروان بن الحكم

عمر بن أبي ربيعة وأم عمرو بنت مروان
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا ابن كناسة عن أبي بكر بن عياش قال حجت أم عمرو بنت مروان فلما قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها في نساء معها فحادثته ثم انصرفت وعادت إليه منصرفها

من عرفات وقد أثبتها فقالت له لا تذكرني في شعرك وبعثت إليه بألف دينار فقبلها واشترى بها ثيابا من ثياب اليمن وطيبا فأهداه إليها فردته فقال إذا والله أنهبه الناس فيكون مشهورا فقبلته وقال فيها
( أيُّها الرائحُ المُجِدُّ ابتكارَا ... قد قضَى من تهامةَ الأوطارَا )
( مَنْ يكن قلُبه الغداةَ خليًّا ... ففؤادي بالخَيْفِ أَمْسَى مُطَارَا )
( ليت ذا الدهرَ كان حتماً علينا ... كلَّ يومين حِجَّة واعتمارَا )
قال ابن كناسة قال ابن عياش فلما وجهت منصرفة قال فيها
( فكم من قَتيلٍ ما يُباء به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رهناً إذا لفَّه مِنَى )
قال ويروى ومن غلق رهن كأنه قال ومن رهن غلق لا يجعل من نعت الرهن كأنه جعل الإنسان غلقا وجعله رهنا كما يقال كم من عاشق مدنف ومن كلف صب
قال الزبير وحدثني مسلم بن عبد الله بن مسلم بن جندب عن أبيه قال أنشده ابن أبي عتيق فقال إن في نفس الجمل ما ليس في نفس الجمال
قال وقال عبد الله بن عمر وقد أنشده عمر بن أبي ربيعة شعره هذا يابن أخي أما اتقيت الله حيث يقول
( ليت ذا الدهرَ كان حتماً علينا ... كلَّ يومين حِجَّةً واعتمارَا )
فقال له عمر بن أبي ربيعة بأبي أنت وأمي إني وضعت ليتا حيث لا تغني

عمر بن أبي ربيعة يتوب عن التشبيب بالنساء
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرني علي بن عبد العزيز عن عبيد الله بن عبد الله عن إسحاق وأخبرني ببعض هذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا مصعب بن عثمان

أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة لم تكن له همة إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله على المدينة قد عرفت عمر والأحوص بالخبث والشر فإذا أتاك كتابي هذا فاشددهما واحملهما إلي فلما أتاه الكتاب حملهما إليه فأقبل على عمر فقال له هيه
( فلم أر كالتَّجْمِيرِ منظرَ ناظرٍ ... ولا كليالي الحجّ أَفْلَتْنَ ذا هوَى )
( وكم مالئٍ عينيه من شيءِ غيرِه ... إذا راح نحوَ الجمرةِ البِيضُ كالدُّمَى )
فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون أما والله لو اهتممت بأمر حجك لم تنظر إلى شيء غيرك ثم أمر بنفيه فقال يا أمير المؤمنين أو خير من ذلك قال وما هو قال أعاهد الله ألا أعود إلى مثل هذا الشعر ولا أذكر النساء في شعر أبدا وأجدد توبة على يديك قال أو تفعل قال نعم فعاهد الله على توبة وخلاه ثم دعا بالأحوص فقال هيه
( اللهُ بيني وبين قَيِّمِها ... يهرُب منِّي بها وأَتَّبِعُ )
بل الله بين قيمها وبينك ثم أمر بنفيه إلى بيش وقيل إلى دهلك وهو الصحيح فنفي إليها فم يزل بها فرحل إلى عمر عدة من الأنصار فكلموه في أمره وسألوه أن يقدمه وقالوا له قد عرفت نسبه وقدمه وموضعه وقد

أخرج إلى بلاد الشرك فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله ودار قومه فقال لهم عمر من الذي يقول
( فما هو إلا أن أَراها فُجَاءةً ... فأُبْهَتَ حتى ما أكاد أُحير )
وفي رواية الزيبر أجيب مكان أحير قالوا الأحوص قال فمن الذي يقول
( أدُورُ ولولا أَنْ أَرَى أُمَّ جَعْفَرٍ ... بأبياتكم ما دُرْتُ حيث أَدورُ )
( وما كنتُ زَوّاراً ولكنّ ذا الهوى ... إِذا لم يَزُرْ لا بدّ أن سيزور )
قالوا الأحوص قال فمن الذي يقول
( كأنّ لُبْنَى صَبِيرُ غاديةٍ ... أو دُمْيةٌ زُيَّنت بها البِيَعُ )
( اللهُ بيني وبين قَيِّمِها ... يهرُب منِّي بها وأَتَّبِعُ )
قالوا الأحوص قال إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول والله لا أرده ما كان لي سلطان فمكث هناك بعد ولاية عمر صدرا من ولاية يزيد بن عبد الملك ثم خلاه قال وكتب إلى عمر بن عبد العزيز من موضعه قال الزبير أنشدنيها عبد الملك بن عبد العزيز ابن بنت الماجشون قال أنشدنيها يوسف ابن الماجشون يعني هذه الأبيات
( أيا راكباً إمّا عَرَضتَ فبلِّغنْ ... هُدِيتَ أميرَ المؤمنين رسائلي )
( وقُلْ لأبي حفصٍ إذا ما لَقِيتَه ... لقد كنتَ نفَّاعاً قليلَ الغوائل )
( أفِي اللهِ أن تُدْنُوا ابنَ حزم وتقطَعوا ... قُوَى حُرُماتٍ بيننا ووَصَائلِ )

( فكيف ترى للعيش طِيباً وَلَذّةً ... وخالُك أمسى مُوثَقاً في الحبائلِ )
( وما طمِع الحَزْمِيُّ في الجاه قبلها ... إلى أحدٍ من آل مَرْوان عادِلِ )
( وشَى وأطاعوه بنا وأعانَه ... على أمرنا مَنْ ليس عنّا بغافلِ )
( وكنتُ أَرَى أنّ القرابة لم تَدَعْ ... ولا الحُرُماتِ في العصور الأوائلِ )
( إلى أحدٍ من آل مَرْوان ذي حِجىً ... بأمرٍ كرهناه مقالاً لقائلِ )
( يُسَرّ بما أَنْهَى العدوُّ وإنه ... كنافلةٍ لي من خِيار النوافلِ )
( فهل يَنْقُصَنّي القوم أن كنتُ مُسْلِماً ... بريئاً بلائي في ليالٍ قلائلِ )
( ألاَ ربَّ مسرورٍ بنا سيَغيظه ... لدى غِبّ أمر عضُّه بالأناملِ )
( رَجَا الصُّلحَ منِّي آلُ حَزْمِ بن فَرْتَنَى ... على دِينهم جهلاً ولستُ بفاعلِ )
( ألاَ قد يُرَجُّون الهوانَ فإنهم ... بنو حَبَقٍ ناء عن الخير فائلِ )
( على حينَ حَلّ القول بي وتنظَّرت ... عقوبتَهم منِّي رؤوس القبائلِ )
( فمَنْ يك أَمْسَى سائلاً بشماتةٍ ... بما حلَّ بي أو شامتاً غيرَ سائلِ )
( فقد عَجمتْ منِّي العواجمُ ماجداً ... صبوراً على عضَّات تلك التلاتلِ )
( إذا نال لم يَفْرَحْ وليس لنَكْبةٍ ... إذا حدثتْ بالخاضع المتضائلِ )
قال الزبير وقال الأحوص أيضا
( هَلَ انت أميرَ المؤمنين فإنّني ... بودِّك من ودِّ العباد لقانعُ )
( متمِّمُ أجرٍ قد مضَى وصنيعةٍ ... لكم عندنا أو ما تُعَدّ الصنائعُ )
( فكم من عدوٍّ سائل ذي كَشَاحَةٍ ... ومنتظرٍ بالغيب ما أنت صانعُ )
فلم يغن عنه ذلك ولم يخل سبيله عمر حتى ولي يزيد بن عبد الملك فأقدمه وقد غنته حبابة بصوت في شعره

أخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال قال هشام بن حسان كان السبب في رد يزيد بن عبد الملك الأحوص أن جميلة غنته يوما
( كريمُ قريشٍ حين يُنْسَبُ والّذي ... أقرّتْ له بالملك كَهْلاً وأمرَدا )
فطرب يزيد وقال ويحك من كريم قريش هذا قالت أنت يا أمير المؤمنين ومن عسى أن يكون ذلك غيرك قال ومن قائل هذا الشعر في قالت الأحوص وهو منفي فكتب برده وحمله إليه وأنفذ إليه صلات سنية فلما قدم إليه أدناه وقربه وأكرمه وقال له يوما في مجلس حافل والله لو لم تمت الينا بحق ولا صهر ولا رحم إلا بقولك
( وإني لأستحييكُم أن يقودَني ... إلى غيركم من سائر الناس مَطْمَعُ )
لكفاك ذلك عندنا قال ولم يزل ينادمه وينافس به حتى مات وأخبار الأحوص في هذا السبب وغيره قد مضت مشروحة في أول ما مضى من ذكره وأخباره لأن الغرض هاهنا ذكر بقية خبره مع عمر بن أبي ربيعة في الشعرين اللذين أنكرهما عليهما عمر بن عبد العزيز وأشخصا من أجلهما

سليمان بن عبد الملك ينفي عمر بن أبي ربيعة إلى الطائف
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير قال قال مصعب ابن عبد الله قال حج سليمان بن عبد الملك وهو خليفة فأرسل إلى عمر بن أبي ربيعة فقال له ألست القائل
( فكم من قتيلٍ ما يُباء به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رهناً إذا لفَّه مِنَى )
( ومن مالئٍ عينيه من شيء غيره ... إِذا راح نحوَ الجمرة البيضُ كالدُّمَى )
( يسحِّبن أذيالَ المُروُط بأَسؤقٍ ... خِدالٍ وأعجاز مآكمُها رِوَا )
( أوانسُ يسلُبن الحليم فؤادَه ... فيا طُول ما شوقٍ ويا طول مُجْتلَى )
قال نعم قال لا جرم والله لا تحضر الحج العام مع الناس فأخرجه إلى الطائف
أخبرنا الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي حدثني ابن الكلبي عن أبي مسكين وعن صالح بن حسان قال قدم ابن أبي عتيق إلى مكة فسمع غناء ابن سريج
( فلم أر كالتجمير مَنْظَرَ ناظرٍ ... ولا كليالي الحجِّ أفلتنَ ذا هوى )
فقال ما سمعت كاليوم قط وما كنت أحسب أن مثل هذا بمكة وأمر

له بمال وحدره معه إلى المدينة وقال لأصغرن إلى معبد نفسه ولأهدين إلى المدينة شيئا لم ير أهلها مثله حسنا وظرفا وطيب مجلس ودماثة خلق ورقة منظر ومقة عند كل أحد فقدم به المدينة وجمع بينه وبين معبد فقال لابن سريج ما تقول فيه قال إن عاش كان مغني بلاده
وقال إسحاق وحدثني المدائني عن جرير قال قال لي أبو السائب يوما ما معك من مرقصات ابن سريج فغنيته
( فلم أر كالتجمير منظرَ ناظر ... )
فقال كما أنت حتى أتحرم لهذا بركعتين
حدثني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج فورد الرسول إلى الوالي فمر في بعض طريقه على ابن سريج وهو جالس بين قرني بئر وهو يغني
( فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... )
فقال له الرسول تالله ما رأيت كاليوم قط ولا رأيت أحمق ممن يتركك ويبعث إلى غيرك فقال له ابن سريج أما والله ما هو بقدم ولا ساق ولكنه بقسم وأرزاق ثم مضى الرسول فأوصل الكتاب وبعث الوالي إلى ابن سريج فأحضره فلما رآه الرسول قال قد عجبت أن يكون المطلوب غيرك

اعجاب عبد الله بن الزبير بغناء ابن سريج
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني

عمي قال رقي عبد الله بن الزبير أبا قبيس ليلا فسمع غناء فنزل هو وأصحابه يتعجبون وقال لقد سمعت صوتا إن كان من الإنس إنه لعجب وإن كان من الجن لقد أعطوا شيئا كثيرا فاتبعوا الصوت فإذا ابن سريج يتغنى في شعر عمر
( فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ) ومن هذه الأرمال الثلاثة

صوت
( أفاطمُ مهلاً بعضَ هذا التدلُّل ... وإن كنتِ قد أزمعتِ صرمي فأَجملي )
( أَغرَّكِ منِّي أنّ حبَّكِ قاتلي ... وأنّك مهما تأمرِي القلبَ يفعل )
الشعر لامرئ القيس والغناء في هذين البيتين من الرمل المختار لإسحاق بالبنصر وفي هذين البيتين مع أبيات أخر من هذه القصيدة ألحان شتى لجماعة نذكرها هاهنا ومن غنى فيها ثم نتبع ما يحتاج إلى ذكره منها وقد يجمع سائر ما يغنى فيه من القصيدة معه
( قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بِسُقْطِ اللِّوَى بين الدَّخُول فَحوْمَلِ )
( فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لم يعف رسمُها ... لِما نَسَجتْها من جَنُوبٍ وَشمْأَلِ )
( أفاطمُ مَهْلاً بعضَ هذا التَّدلُّل ... وإن كنتِ قد أزمعتِ صرمِي فأجْمِلي )
( وإن كنتِ قد ساءتكِ منِّي خَليقةٌ ... فسُلِّي ثيابي من ثيابك تَنْسُلِ )
( أغَرَّكِ منِّي أنّ حُبَّك قاتلي ... وأنّكِ مهما تأمُرِي القلبَ يفعل )

( وما ذَرَفتْ عيناكِ إلاّ لتضرِبِي ... بسَهمَيْكِ في أعشار قلبٍ مُقَتَّلِ )
( تسلَّتْ عَمَاياتُ الرجالِ عن الصِّبا ... وليس فؤادي عن هواك بِمُنْسَلِ )
( ألاَ أيّها اللَّيلُ الطويل ألاَ انجلِ ... بصبح وما الإِصباحُ فيك بأمْثَل )
( وَبيْضةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤها ... تمتّعتُ من لهوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ )
( تجاوزتُ أحراساً إليها ومَعْشَرا ... عليَّ حِراصاً لو يُسِرُّون مَقْتَلي )
( ألاَ ربَّ يوم صالح لك منهما ... ولا سِيما يومٌ بدارةِ جُلْجُل )
( ويوم عقَرتُ للعَذارَى مطيَّتي ... فَواعَجبي من رَحْلِها المتحَمَّل )
( وقد أغتدي والطيرُ في وُكُناتها ... بمنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوابدِ هَيْكَلِ )
( مِكَرٍّ مِفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً ... كجُلْمود صخرٍ حطَّه السيلُ من عَلِ )
( فقلت لها سِيرِي وأرخي زِمامَه ... ولا تُبعدينا من جَناك المُعَلِّل )
عروضه من الطويل وسقط اللوى منقطعه واللوى المستدق من الرمل حيث يستدق فيخرج منه إلى اللوى والدخول وحومل وتوضح والمقراة مواضع ما بين إمرة إلى أسود العين وقال أبو عبيدة في سقط

اللوى وسقط الولد وسقط النار سقط وسقط وسقط ثلاث لغات وقال أبو زيد اللوى أرض تكون بين الحزن والرمل فصلا بينهما وقال الأصمعي قوله بين الدخول فحومل خطأ ولا يجوز إلا بواو وحومل لأنه لا يجوز أن يقال رأيت فلانا بين زيد فعمرو إنما يقال وعمرو ويقال رأيت زيدا فعمرا إذا رأى كل واحد منهما بعد صاحبه وقال غيره يجوز فحومل كما يقال مطرنا بين الكوفة فالبصرة كأنه قال من الكوفة إلى البصرة يريد أن المطر لم يتجاوز ما بين هاتين الناحيتين وليس هذا مثل بين زيد فعمرو ويعف رسمها يدرس ونسجتها ضربتها مقبلة ومدبرة فعفتها يعني أن الجنوب تعفي هذا الرسم إذا هبت وتجيء الشمأل فتكشفه وقال غير أبي عبيدة المقراة ليس اسم موضع إنما هو الحوض الذي يجمع فيه الماء والرسم الأثر الذي لا شخص له ويروى لما نسجته يعني الرسم ويقال عفا يعفو عفوا وعفاء قال الشاعر
( على آثار مَنْ ذهب العَفَاءُ ... )
يعني محو الأثر وفاطمة التي خاطبها فقال أفاطم مهلا بنت العبيد بن ثعلبة بن عامر بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة وهي التي يقول فيها
( لاَ وأبيك ابنة العامريّ ... )
وأزمعت صرمي يقال أزمعت وأجمعت وعزمت وكله سواء يقول إن كنت عزمت على الهجر فأجملي ويقول الأسير أجملوا في قتلي قتلة أحسن من هذه أي على رفق وجميل والصرم القطيعة والصرم المصدر يقال صرمته أصرمه صرما مفتوح إذا قطعته ومنه سيف صارم أي قاطع

ومنه الصرام ومنه الصرائم وهي القطع من الرمل تنقطع من معظمه وقوله سلي ثيابي من ثيابك كناية أي اقطعي أمري من أمرك وقوله تنسل تبن عنها ويقال للسن إذا بانت فسقطت والنصل إذا سقط نسل ينسل وهو النسيل والنسال وقال قوم الثياب القلب وقوله وما ذرفت عيناك أي ما بكيت إلا لتضربي بسهميك في أعشار قلب مقتل قال الأصمعي يعني أنك ما بكيت إلا لتخرقي قلبا معشرا أي مكسرا شبهه بالبرمة إذا كانت قطعا ويقال برمة أعشار قال ولم أسمع للأعشار واحدا يقول لتضربي بسهميك أي بعينيك فتجعلي قلبي مخرقا فاسدا كما يخرق الجابر أعشار البرمة فالبرمة تنجبر إذا أخرقت وأصلحت والقلب لا ينجبر قال ومثله قوله
( رمتْك ابنةُ البكريِّ عن فرع ضالةٍ ... )
أي نظرت إليك فأقرحت قلبك وقال غير الأصمعي وهو قول الكوفيين إنما هذا مثل أعشار الجزور وهي تنقسم على عشرة أنصباء فضربت فيها بسهميك المعلى وله سبعة أنصباء والرقيب وله ثلاثة أنصباء فأراد أنها ذهبت بقلبه كله مقتل أي مذلل يقال بعير مقتل أي مذلل وتسلت ذهبت يقال سلوت عنه وسليت إذا طابت نفسك بتركه قال رؤبة

( لو أشرب السُّلْوانَ ما سَلِيتُ ... )
والعمايات الجهالات عد الجهل عمى والصبا اللعب قال ابن السكيت صبا يصبو صبوا وصبوا وصباء وصبا انجل انكشف والأمر الجلي المنكشف وقوله أنا ابن جلا أي أنا ابن المكشوف الأمر المشهور غير المستور ومنه جلاء العروس وجلاء السيف وقوله فيك بأمثل يقول إذا جاءني الصباح وأنا فيك فليس ذلك بأمثل لأن الصبح قد يجيء والليل مظلم بعد يقول ليس الصبح بأمثل وهو فيك أي يريد أن يجيء منكشفا منجليا لا سواد فيه ولو أراد أن الصباح فيك أمثل من الليل لقال منك بأمثل ومثله قول حميد بن ثور في ذكر مجيء الصبح والليل باق
( فلما تجلَّى الصبح عنها وأبصرتْ ... وفي غَبش الليل الشخوصُ الأباعدُ )
غبش الليل بقيته هذا قول يعقوب بن السكيت وبيضة خدر شبه المرأة بالبيضة لصفائها ورقتها غير معجل أي لم يعجلني أحد عما أريده منها والخباء ما كان على عمودين أو ثلاثة والبيت ما كان على ستة أعمدة إلى تسعة والخيمة من الشعر وقوله يسرون مقتلي قال الأصمعي يسرونه وروي غيره يشرون بالشين المعجمة أي يظهرونه وقال الشاعر

( فما برِحوا حتى أتى اللهُ نصرَه ... وحتى أُشِرَّتْ بالأكُفِّ الأصابع )
أي أظهرت وقال غيرهما لو يسرونه من الإسرار أي لو يستطيعون قتلي لأسروه من الناس وقتلوني قال أبو عبيدة دارة جلجل في الحمى وقال ابن الكلبي هي عند عين كندة ويروى سيما مخففة وسيما مشددة ويقال رب رجل ورب رجل وربت رجل ومن القراء من يقرأ ( ربما يود الذين كفروا ) مخففة وقرأ عليه رجل ربما فقال له أظنك يعجبك الرب
ويروى
( فيا عجبا من رحلها المُتحَمَّل ... )
أي يا عجبا لسفهي وشبابي يومئذ ويروى
( وقد أغتدى والطير في وَكَرَاتها ... )
بالراء قال أبو عبيد ة والأكنات في الجبال كالتماريد في السهل والواحدة أكنة وهي الوقنات والواحدة أقنة وقد وقن يقن وقال الأصمعي إذا أوى الطير إلى وكره قيل وكر يكر ووكن يكن ويقال إنه جاءنا والطير وكن ما خرجن والمنجرد القصير الشعرة وذلك من العتق والأوابد الوحش وتأبدت توحشت وتأبد الموضع إذا توحش وقيد الأوابد يعني الفرس يقول هو قيد لها لأنها لا تفوته كأنها مقيدة والهيكل العظيم من الخيل ومن

الشجر ومنه سمي بيت النصارى الهيكل وقال أبو عبيدة يقال قيد الأوابد وقيد الرهان وهو الذي كأن طريدته في قيد له إذا طلبها وكأن مسابقه في الرهان مقيد قال أبو عبيدة وأول من قيدها امرؤ القيس والمنجرد القصير الشعرة الصافي الأديم والهيكل الذكر والأنثى هيكلة والجمع هياكل وهو العظيم العبل الكثيف اللين وقوله مكر مفر يقول إذا شئت أن أكر عليه وجدته وكذلك إذا أردت أن أفر عليه أو أقبل أو أدبر والجلمود الصخرة ووصفها بأن السيل حطها من عل لأنها إذا كانت في أعلى الجبل كان أصلب لها من عل من فوق ويقال من عل ومن عل ومن علا ومن علو ومن عال ومن علو ومن معال وقوله سيري وأرخي زمامه أي هوني عليك الأمر ولا تبالي أعقر أم سلم وجناك كل شيء اجتنيته من قبلة وما أشبه ذلك هو الجنى وهو من الإنسان مثل الجنى من الشجر أي ما اجتني من ثمره والمعلل الملهي
غنى في قفا نبك وأفاطم مهلا وأغرك وما ذرفت عيناك معبد لحنا من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى وغنى معبد أيضا في الأول والرابع من هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى وغنى سعيد بن جابر في الأربعة الأبيات رملا وغنت عريب في
( أغرَّك مني أن حبَّك قاتلي ... )
وبعده شعر ليس منه وهو
( فلا تَحْرَجِي من سفك مهجة عاشقٍ ... بَلَى فاقتلي ثم اقتلي ثم فاقتلي )
( فلا تَدَعي أن تفعلي ما أردِته ... بنا ما أراك اللهُ من ذاك فافْعَلِي )
ولحنها فيها خفيف رمل وغنى ابن محرز في تسلت عمايات الرجال وبعده ألا أيها الليل الطويل ثاني ثقيل بالوسطى وغنى فيهما عبد الله بن العباس الربيعي ثاني ثقيل آخر بالسبابة في مجرى البنصر وغنت جميلة في تسلت عمايات الرجال وبعده ألا رب يوم لك لحنا من الثقيل الأول عن

الهشامي وغنت عزة الميلاء في تسلت عمايات الرجال وبعده ويوم عقرت للعذارى مطيتي ثقيلا أول آخر عن الهشامي وغنت حميدة جارية ابن تفاحة في وبيضة خدر وتجاوزت أحراسا لحنا من الثقيل الأول بالوسطى ولطويس في قفا نبك وبعده فتوضح فالمقراة ثقيل أول آخر وفي أفاطم مهلا وأغرك مني أن حبك قاتلي ليزيد بن الرحال هزج ولأبي عيسى بن الرشيد في وقد أغتدي ومكر مفر ثقيل أول ولفليح في قفا نبك وبعده أغرك مني رمل وقيل إن لمعبد في وبيضة خدر لحنا من الثقيل الأول وقيل هو لحن حميدة ولعريب في هذين البيتين خفيف ثقيل من رواية أبي العبيس وغنى سلام بن الغسال وقيل بل عبيدة أخوه في وإن كنت قد ساءتك مني وأغرك مني رملا بالوسطى وغنى في فقلت لها سيري وأرخي زمامه سعدويه بن نصر ثاني ثقيل وغنى في قفا نبك وبعده فتوضح فالمقراة إبراهيم الموصلي ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن ابن المكي وزعم حبش أن لإسحاق فيهما ثقيلا وغنى في أغرك مني وما ذرفت ابن سريج خفيف رمل بالوسطى من رواية ابن المكي وقيل بل هو من منحوله وغنى بديح مولى ابن جعفر في وما ذرفت عيناك بيتا واحدا ثقيلا أول مطلقا في مجرى الوسطى عن ابن المكي فجميع ما جمع في هذه المواضع مما وجد في شعر قفا نبك من الأغاني صحيحها والمشكوك فيه منها اثنان وعشرون لحنا منها في الثقيل الأول تسعة أصوات وفي الثقيل الثاني ثلاثة أصوات وفي الرمل أربعة أصوات وفي خفيف الرمل صوتان وفي الهزج صوت وفي خفيف الثقيل ثلاثة أصوات

ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره
قال الأصمعي هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة وقال ابن الأعرابي هو امرؤ القيس بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن ثور وهو كندة وقال محمد بن حبيب هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك ابن عمرو ابن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة وقال بعض الرواة هو امرؤ القيس بن السمط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن ثور وهو كندة وقالوا جميعا كندة هو كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح وقال ابن الأعرابي ثور هو كندة بن مرتع ابن عفير بن الحارث بن مرة بن عدي بن أدد بن زيد بن عمرو بن مسمع بن عريب بن عمرو بن زيد بن كهلان
وأم امرئ القيس فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين وقال من زعم أنه امرؤ القيس بن السمط أمه تملك بنت عمرو بن زبيد بن مذحج رهط عمرو بن معد يكرب قال من

ذكر هذا وأن أمه تملك قد ذكر ذلك امرؤ القيس في شعره فقال
( ألاَ هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ ... بأن امرأ القيس بن تَمْلِك بَيْقَرا )
بيقر أي جاء العراق والحضر ويقال بيقر الرجل إذا هاجر وقال يعقوب بن السكيت أم حجر أبي امرئ القيس أم قطام بنت سلمة امرأة من عنزة

الملك الضليل وذو القروح
ويكنى امرؤ القيس على ما ذكره أبو عبيدة أبا الحارث وقال غيره يكنى أبا وهب وكان يقال له الملك الضليل وقيل له أيضا ذو القروح وإياه عنى الفرزدق بقوله
( وهَب القصائدَ لي النوابغُ إذ مَضَوْا ... وأبو يزيد وذو القروح وجَرْوَلُ )
يعني بأبي يزيد المخبل السعدي وجرول الحطيئة
قال وولد ببلاد بني أسد وقال ابن حبيب كان ينزل المشقر من اليمامة ويقال بل كان ينزل في حصن بالبحرين وقال جميع من ذكرنا من الرواة إنما سمي كندة لأنه كند أباه أي عقه وسمي مرتع بذلك لأنه كان يجعل لمن أتاه من قومه مرتعا له ولماشيته وسمي حجر آكل المرار بذلك لأنه لما أتاه الخبر بأن الحارث بن جبلة كان نائما في حجر امرأته هند وهي

تفليه جعل يأكل المرار وهو نبت شديد المرارة من الغيظ وهو لا يدري ويقال بل قالت هند للحارث وقد سألها ما ترين حجرا فاعلا قالت كأنك به قد أدركك في الخيل وهو كأنه بعير قد أكل المرار قال وسمي عمرو المقصور لأنه قد قصر على ملك أبيه أي أقعد فيه كرها

الحارث بن عمرو وقباذ وابنه
أخبرني بخبره على ما قد سقته ونظمته أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه وروى بعضه عن علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي قال ابن أبي سعد وأخبرني دارم بن عقال بن حبيب الغساني أحد ولد السموءل بن عادياء عن أشياخه وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي يوسف عن عمه إسماعيل وأضفت إلى ذلك رواية ابن الكلبي مما لم أسمعه من أحد ورواية الهيثم بن عدي ويعقوب بن السكيت والأثرم وغيرهم لما في ذلك من الاختلاف ونسبت رواية كل راو إذا خالف رواية غيره إليه قالوا كان عمرو بن حجر وهو المقصور ملكا بعد أبيه وكان أخوه معاوية وهو الجون على اليمامة وأمهما شعبة بنت أبي معاهر بن حسان بن عمرو بن تبع ولما مات ملك بعده ابنه الحارث وكان شديد الملك بعيد الصيت

ولما ملك قباذ بن فيروز خرج في أيام ملكه رجل يقال له مزدك فدعا الناس إلى الزندقة وإباحة الحرم وألا يمنع أحد منهم أخاه ما يريده من ذلك وكان المنذر بن ماء السماء يومئذ عاملا على الحيرة ونواحيها فدعاه قباذ إلى الدخول معه في ذلك فأبى فدعا الحارث بن عمرو فأجابه فشدد له ملكه وأطرد المنذر عن مملكته وغلب على ملكه وكانت أم أنو شروان بين يدي قباذ يوما فدخل عليه مزدك فلما رأى أم أنو شروان قال لقباذ ادفعها لي لأقضي حاجتي منها فقال دونكها فوثب إليه أنو شروان فلم يزل يسأله ويضرع إليه أن يهب له أمه حتى قبل رجله فتركها له فكانت تلك في نفسه فهلك قباذ على تلك الحال وملك أنو شروان فجلس في مجلس الملك وبلغ المنذر هلاك قباذ فأقبل إلى أنوشروان وقد علم خلافه على أبيه فيما كانوا دخلوا فيه فأذن أنوشروان للناس فدخل عليه مزدك ثم دخل عليه المنذر فقال أنوشروان إني كنت تمنيت أمنيتين أرجو أن يكون الله قد جمعهما لي فقال مزدك وما هما أيها الملك قال تمنيت أن أملك فأستعمل هذا الرجل الشريف يعني المنذر وأن أقتل هؤلاء الزنادقة فقال له مزدك أو تستطيع أن تقتل الناس كلهم قال إنك لها هنا يابن الزانية والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي منذ قبلت رجلك إلى يومي هذا وأمر به فقتل وصلب وأمر بقتل الزنادقة فقتل منهم ما بين جازر إلى النهروان إلى المدائن في ضحوة واحدة مائة ألف زنديق وصلبهم وسمي يومئذ أنوشروان وطلب أنوشروان الحارث بن عمرو فبلغه ذلك وهو بالأنبار وكان بها منزله

وإنما سميت الأنبار لأنه كان يكون بها أهراء الطعام وهي الأنابير فخرج هاربا في هجائنه وماله فمر بالثوية وتبعه المنذر بالخيل من تغلب وبهراء وإياد فلحق بأرض كلب فنجا وانتهبوا ماله وهجائنه وأخذت بنو تغلب ثمانية وأربعين نفسا من بني آكل المرار فقدم بهم على المنذر فضرب رقابهم بحفر الأملاك في ديار بني مرينا العباديين بين دير هند والكوفة فذلك قول عمرو بن كلثوم
( فآبُوا بالنِّهاب وبالسَّبَايَا ... وأُبْنَا بالملوك مُصَفَّدينا )
وفيهم يقول امرؤ القيس
( ملوكٌ من بني حُجْرِ بن عمرو ... يُساقون العَشِيّةَ يُقْتَلونا )
( فلو في يوم معركةٍ أصيبوا ... ولكن في ديار بني مَرِينَا )
( ولم تُغْسَلْ جماجمُهم بَغْسلٍ ... ولكن في الدماء مُرَمَّلينا )
( تَظَلُّ الطيرُ عاكفةً عليهم ... وتنتزع الحواجبَ والعيونا )

قالوا ومضى الحارث فأقام بأرض كلب فكلب يزعمون أنهم قتلوه وعلماء كندة تزعم أنه خرج إلى الصيد فألظ بتيس من الظباء فأعجزه فآلى ألية ألا يأكل أولا إلا من كبده فطلبته الخيل ثلاثا فأتي بعد ثالثة وقد هلك جوعا فشوي له بطنه فتناول فلذة من كبده فأكلها حارة فمات وفي ذلك يقول الوليد بن عدي الكندي في أحد بني بجيلة
( فشوَوْا فكان شِواؤهم خَبْطاً له ... إن المنيَّة لا تُجِلّ جَلِيلا )
وزعم ابن قتيبة أن أهل اليمن يزعمون أن قباذ بن فيروز لم يملك الحارث بن عمرو وأن تبعا الأخير هو الذي ملكه قال ولما أقبل المنذر إلى الحيرة هرب الحارث وتبعته خيل فقتلت ابنه عمرا وقتلوا ابنه مالكا بهيت وصار الحارث إلىمسحلان فقتلته كلب وزعم غير ابن قتيبة أنه مكث فيهم حتى مات حتف أنفه

الحارث بن عمرو وتمليكه أولاده على قبائل العرب
وقال الهيثم بن عدي حدثني حماد الراوية عن سعيد بن عمرو بن سعيد عن سعية بن عريض من يهود تيماء قال لما قتل الحارث بن أبي شمر

الغساني عمرو بن حجر ملك بعده ابنه الحارث بن عمرو وأمه بنت عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان ونزل الحيرة فلما تفاسدت القبائل من نزار أتاه اشرافهم فقالوا إنا في دينك ونحن نخاف أن نتفانى فيما يحدث بيننا فوجه معنا بنيك ينزلون فينا فيكفون بعضنا عن بعض ففرق ولده في قبائل العرب فملك ابنه حجرا على بني أسد وغطفان وملك ابنه شرحبيل قتيل يوم الكلاب على بكر بن وائل بأسرها وبني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم والرباب وملك ابنه معد يكرب وهو غلفاء سمي بذلك لأنه كان يغلف رأسه على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة وطوائف من بني دارم بن مالك بن حنظلة والصنائع وهم بنو رقية قوم كانوا يكونون مع الملوك من شذاذ العرب وملك ابنه عبد الله على عبد القيس وملك ابنه سلمة على قيس

مقتل حجر
وقال ابن الكلبي حدثني أبي أن حجرا كان في بني أسد وكانت له عليهم إتاوة في كل سنة مؤقتة فغبر ذلك دهرا ثم بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم فمنعوه ذلك وحجر يومئذ بتهامة وضربوا رسله وضرجوهم ضرجا شديدا قبيحا فبلغ ذلك حجرا فسار إليهم بجند من ربيعة وجند من جند أخيه من قيس وكنانة فأتاهم وأخذ سراتهم فجعل يقتلهم بالعصا فسموا عبيد العصا وأباح الأموال وصيرهم إلى تهامة وآلى بالله ألا يساكنوهم في بلد أبدا وحبس منهم عمرو بن مسعود بن كندة بن فزارة الأسدي وكان سيدا وعبيد بن الأبرص الشاعر فسارت بنو أسد ثلاثا ثم إن عبيد بن الأبرص قام فقال أيها الملك اسمع مقالتي
( يا عَيْنُ فابكي ما بنى ... أسدٍ فهم أهلُ النَّدَامَةْ )
( أهلَ القِبَابِ الحُمر والنَّعَمِ ... المؤبَّل والنَّدَامة )
( وذوي الجياد الجُرْدِ ... والأَسَل المُثَقَّفة المُقامه )
( حِلاًّ أبيتَ اللَّعْنَ ِحلاًّ ... إنّ فيما قلتَ آمه )
( في كلِّ وادٍ بين يَثْرِبَ ... فالقصورِ إلى اليمامة )
( تطريبُ عانٍ أو صياح ... مُحَرَّقٍ أو صوتُ هامه )

( ومنعتَهم نجداً فقد ... حَلُّوا على وَجَلٍ تِهَامه )
( بَرِمتْ بنو أسدٍ كما ... بَرِمتْ ببيضتها الحمامة )
( جعلتْ لها عُودين من ... نَشَمٍ وآخر من ثُمَامه )
( إمّا تركتَ تركتَ عَفْواً ... أو قتلتَ فلا مَلاَمهْ )
( أنت المليكُ عليهمُ ... وهمُ العبيدُ إلى القيامه )
( ذَلُّوا لسَوْطِك مثلَ ما ... ذلّ الأُشَيْقِر ذُو الخِزَامه )
قال فرق لهم حجر حين سمع قوله فبعث في أثرهم فأقبلوا حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم وهو عوف بن ربيعة بن سوادة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة فقال لبني أسد يا عبادي قالوا لبيك ربنا قال من الملك الأصهب الغلاب غير المغلب في الإبل كأنها الربرب لا يعلق رأسه الصخب هذا دمه ينثعب وهذا غدا أول من يسلب قالوا من هو يا ربنا قال لولا أن تجيش نفس جاشية لأخبرتكم أنه حجر ضاحية فركبوا كل صعب وذلول فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبته وكان حجابه من بني الحارث ابن سعد يقال لهم بنو خدان بن خنثر منهم معاوية بن الحارث وشبيب ورقية

ومالك وحبيب وكان حجر قد أعتق أباهم من القتل فلما نظروا إلى القوم يريدون قتله خيموا عليه ليمنعوه ويجيروه فأقبل عليهم علباء بن الحارث الكاهلي وكان حجر قد قتل أباه فطعنه من خللهم فأصاب نساه فقتله فلما قتلوه قالت بنو أسد يا معشر كنانة وقيس أنتم إخواننا وبنو عمنا والرجل بعيد النسب منا ومنكم وقد رأيتم ما كان يصنع بكم هو وقومه فانتهبوهم فشدوا على هجائنه فمزقوها ولفوه في ريطة بيضاء وطرحوه على ظهر الطريق فلما رأته قيس وكنانة انتهبوا أسلابه ووثب عمرو بن مسعود فضم عياله وقال أنا لهم جار
قال ابن الكلبي وعدة قبائل من بني أسد يدعون قتل حجر ويقولون إن علباء كان الساعي في قتله وصاحب المشورة ولم يقتله هو
قال ابن حبيب خدان في بني أسد وخدان في بني تميم وفي بني جديلة بالخاء مفتوحة وخدان مضمومة في الأزد وليس في العرب غير هؤلاء
قال أبو عمرو الشيباني بل كان حجر لما خاف من بني أسد استجار عوير بن شجنة أحد بني عطارد بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم لبنته هند بنت حجر وعياله وقال لبني أسد لما كثروه أما إذا كان هذا شأنكم فإني مرتحل عنكم ومخليكم وشأنكم فواعدوه على ذلك ومال على خالد بن خدان أحد بني سعد بن ثعلبة فأدركه علباء بن الحارث أحد بني كاهل فقال يا خالد اقتل صاحبك لا يفلت فيعرك وإيانا بشر فامتنع خالد ومر علباء بقصدة رمح مكسورة فيها سنانها فطعن بها في خاصرة حجر وهو غافل فقتله ففي ذلك يقول الأسدي

( وقِصْدةُ عِلْباءِ بن قَيْسِ بن كاهلٍ ... مَنِيّةُ حُجْر في جوار ابن خَدّان )
وذكر الهيثم بن عدي أن حجرا لما استجار عوير بن شجنة لبنيه وقطينه تحول عنهم فأقام في قومه مدة وجمع لبني أسد جمعا عظيما من قومه وأقبل مدلا بمن معه من الجنود فتآمرت بنو أسد بينها وقالوا والله لئن قهركم هذا ليحكمن عليكم حكم الصبي فما خير عيش يكون بعد قهر وأنتم بحمد الله أشد العرب فموتوا كراما فساروا إلى حجر وقد ارتحل نحوهم فلقوه فاقتتلوا قتالا شديدا وكان صاحب أمرهم علباء بن الحارث فحمل على حجر فطعنه فقتله وانهزمت كندة وفيهم يومئذ امرؤ القيس فهرب على فرس له شقراء وأعجزهم وأسروا من أهل بيته رجالا وقتلوا وملؤوا أيديهم من الغنائم وأخذوا جواري حجر ونساءه وما كان معه من شيء فاقتسموه بينهم
وقال يعقوب بن السكيت حدثني خالد الكلابي قال كان سبب قتل حجر أنه كان وفد إلى أبيه الحارث بن عمرو في مرضه الذي مات فيه وأقام عنده حتى هلك ثم أقبل راجعا إلى بني أسد وقد كان أغار عليهم في النساء وأساء ولايتهم وكان يقدم بعض ثقله أمامه ويهيأ نزله ثم يجيء وقد هيء له من ذلك ما يعجبه فينزل ويقدم مثل ذلك إلى ما بين يديه من المنازل فيضرب له في المنزلة الأخرى فلما دنا من بلاد بني أسد وقد بلغهم موت أبيه طمعوا فيه فلما أظلهم وضربت قبابه اجتمعت بنو أسد إلى نوفل بن ربيعة بن خدان فقال يا بني أسد من يتلقى هذا الرجل منكم فيقتطعه فإني قد أجمعت على الفتك به فقال له القوم ما لذلك أحد غيرك فخرج نوفل في خيله حتى أغار على الثقل فقتل من وجد فيه وساق الثقل وأصاب جاريتين قينتين لحجر ثم أقبل حتى أتى قومه فلما رأوا ما قد حدث وأتاهم

به عرفوا أن حجرا يقاتلهم وأنه لا بد من القتال فحشد الناس لذلك وبلغ حجرا أمرهم فأقبل نحوهم فلما غشيهم ناهضوه القتال وهم بين أبرقين من الرمل في بلادهم يدعيان اليوم أبرقي حجر فلم يلبثوا حجرا أن هزموا أصحابه وأسروه فحبسوه وتشاور القوم في قتله فقال لهم كاهن من كهنتهم بعد أن حبسوه ليروا فيه رأيهم أي قوم لا تعجلوا بقتل الرجل حتى أزجر لكم فانصرف عن القوم لينظر لهم في قتله فلما رأى ذلك علباء خشي أن يتواكلوا في قتله فدعا غلاما من بني كاهل وكان ابن أخته وكان حجر قتل أباه زوج أخت علباء فقال يا بني أعندك خير فتثأر بأبيك وتنال شرف الدهر وإن قومك لن يقتلوك فلم يزل بالغلام حتى حربه ودفع اليه حديدة وقد شحذها وقال ادخل عليه مع قومك ثم اطعنه في مقتله فعمد الغلام إلى الحديدة فخبأها ثم دخل على حجر في قبته التي حبس فيها فلما رأى الغلام غفلة وثب عليه فقتله فوثب القوم على الغلام فقالت بنو كاهل ثأرنا وفي أيدينا فقال الغلام إنما ثأرت بأبي فخلوا عنه وأقبل كاهنهم المزدجر فقال أي قوم قتلتموه ملك شهر وذل دهر أما والله لا تحظون عند الملوك بعده أبدا
قال ابن السكيت ولما طعن الأسدي حجرا ولم يجهز عليه أوصى ودفع كتابه إلى رجل وقال له انطلق إلى ابني نافع وكان أكبر ولده فإن بكى وجزع فاله عنه واستقرهم واحدا واحدا حتى تأتي امرأ القيس وكان أصغرهم فأيهم لم يجزع فادفع إليه سلاحي وخيلي وقدوري ووصيتي وقد كان بين في وصيته من قتله وكيف كان خبره فانطلق الرجل بوصيته إلى نافع

ابنه فأخذ التراب فوضعه على رأسه ثم استقراهم واحدا واحدا فكلهم فعل ذلك حتى أتى امرأ القيس فوجده مع نديم له يشرب الخمر ويلاعبه بالنرد فقال له قتل حجر فلم يلتفت إلى قوله وأمسك نديمه فقال له امرؤ القيس اضرب فضرب حتى إذا فرغ قال ما كنت لأفسد عليك دستك ثم سأل الرسول عن أمر أبيه كله فأخبره فقال الخمر علي والنساء حرام حتى أقتل من بني أسد مائة وأجز نواصي مائة وفي ذلك يقول
( أرِقتُ ولم يأرَقْ لِمَا بيَ نافعُ ... وهاج لِي الشوقَ الهمومُ الروادعُ )
وقال ابن الكلبي حدثني أبي عن ابن الكاهن الأسدي أن حجرا كان طرد امرأ القيس وآلى ألا يقيم معه أنفة من قوله الشعر وكانت الملوك تأنف من ذلك فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيئ وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديرا أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم وخرج إلى الصيد فتصيد ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنته قيانه ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير ثم ينتقل عنه إلى غيره فأتاه خبر أبيه ومقتله وهو بدمون من أرض اليمن أتاه به رجل من بني عجل يقال له عامر الأعور أخو الوصاف فلما أتاه بذلك قال

( تَطَاولَ الليلُ على دَمُّونْ ... دَمّونُ إنّا معشرٌ يمانونْ )
( وإنّنا لأهلها مُحِبُّونْ ... )
ثم قال ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا أمر فذهبت مثلا ثم قال
( خليليَّ لا في اليومِ مَصْحىً لشاربٍ ... ولا في غدٍ إذ ذاك ما كان يُشْرَبُ )
ثم شرب سبعا فلما صحا آلى ألا يأكل لحما ولا يشرب خمرا ولا يدهن بدهن ولا يصيب امرأة ولا يغسل رأسه من جنابة حتى يدرك بثأره فلما جنه الليل رأى برقا فقال
( أرِقتُ لبرقٍ بليلٍ أهَلّْ ... يُضيء سَنَاه بأعلَى الجبلْ )
( أتاني حديثٌ فكذَّبْتُه ... بأمر تَزَعْزَعُ منه القُلَلْ )
( بقتل بني أسَدٍ ربَّهم ... ألاَ كلُّ شيءٍ سواه جَلَلْ )
( فأين رَبيعةُ عن ربّها ... وأين تميمٌ وأين الخَوَل )
( ألاَ يحضُرون لدى بابه ... كما يحضُرون إذا ما أكل )
وروى الهيثم عن أصحابه أن امرأ القيس لما قتل أبوه كان غلاما قد ترعرع وكان في بني حنظلة مقيما لأن ظئره كانت امرأة منهم فلما بلغه ذلك قال
( يا لَهْفَ هندٍ إذ خَطِئن كاهلا ... القاتلين المَلِكَ الحُلاَحِلا )
( تالله لا يذهب شيخي باطلا ... ياخيرَ شيخ حَسَباً ونائلا )
( وخيرَهم قد علموا فواضلا ... يَحْمِلْننا والأَسَلَ النّواهلا )
( وحيَّ صَعْبٍ والوَشِيجَ الذّابلا ... مُسْتَثْفِراتٍ بالحصى جَوافِلاَ )

يعني صعب بن علي بن بكر بن وائل معنى قوله مستثفرات بالحصى يريد أنها أثارت الحصى بحوافرها لشدة جريها حتى ارتفع إلى أثفارها فكأنها استثفرت به

خبر هند بنت حجر مع عوير بن شجنة
وقال الهيثم بن عدي لما قتل حجر انحازت بنته وقطينه إلى عوير بن شجنة فقال له قومه كل أموالهم فإنهم مأكولون فأبى فلما كان الليل حمل هندا وقطينها وأخذ بخطام جملها وأشأم بهم في ليلة طخياء مدلهمة فلما أضاء البرق أبدى عن ساقيه وكانتا حمشتين فقالت هند ما رأيت كالليلة ساقي واف فسمعها فقال يا هند هما ساقا غادر شر فرمى بها النجاد حتى أطلعها نجران وقال لها إني لست أغني عنك شيئا وراء هذا الموضع وهؤلاء قومك وقد برئت خفارتي فمدحه امرؤ القيس بعدة قصائد منها قوله في قصيدة له
( ألاَ إنّ قوماً كنتُم أمسِ دونَهم ... هم منعوا جاراتِكم آلَ غُدْرانِ )
( عُوَيْرٌ ومَنْ مثلُ العُوَيْر ورَهْطِه ... أبرَّ بميثاقٍ وأَوْفَى بجِيران )
( هم أبلغوا الحيّ المُضَيَّع أهلَه ... وساروا بهم بين الفُرات ونَجْرانِ )
وقوله
( ألاَ قبَح اللهُ البَراجِمَ كلَّها ... وجدَّع يَرْبوعاً وعفَّر دارِما )
( فما فعلوا فعلَ العُوَيْر ورهطِه ... لدى باب حُجْرٍ إذ تجرّد قائما )

وقال ابن قتيبة في خبره إن القصة المذكورة عن عوير كانت مع أبي حنبل وجارية بن مر قال ويقال بل كانت مع عامر بن جوين الطائي وإن ابنته أشارت عليه بأخذ مال حجر وعياله فقام ودخل الوادي ثم صاح ألا إن عامر بن جوين غدر فأجابه الصدى مثل قوله فقال ما أقبح هذا من قول ثم صاح ألا إن عامر بن جوين وفى فأجابه الصدى بمثل قوله فقال ما أحسن هذا ثم دعا ابنته بجذعة من غنم فاحتلبها وشرب واستلقى على قفاه وقال والله لا أغدر ما أجزأتني جذعة ثم نهض وكانت ساقاه حمشتين فقالت ابنته والله ما رأيت كاليوم ساقي واف فقال وكيف بهما إذا كانتا ساقي غادر هما والله حينئذ أقبح

امرؤ القيس في ديار بكر وتغلب
وقال ابن الكلبي عن أبيه ويعقوب بن السكيت عن خالد الكلابي إن امرأ القيس ارتحل حتى نزل بكرا وتغلب فسألهم النصر على بني أسد فبعث العيون على بني أسد فنذروا بالعيون ولجؤوا إلى بني كنانة وكان الذي أنذرهم بهم علباء بن الحارث فلما كان الليل قال لهم علباء يا معشر بني أسد تعلمون والله إن عيون امرئ القيس قد أتتكم ورجعت إليه بخبركم فارحلوا بليل ولا تعلموا بني كنانة ففعلوا واقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب حتى انتهى إلى بني كنانة وهو يحسبهم بني أسد فوضع السلاح فيهم وقال يا لثارات الملك يا لثارات الهمام فخرجت إليه عجوز من بني كنانة فقالت أبيت اللعن لسنا لك بثأر نحن من كنانة فدونك

ثأرك فاطلبهم فإن القوم قد ساروا بالأمس فتبع بني أسد ففاتوه ليلتهم تلك فقال في ذلك
( ألا يا لَهْفَ هندٍ إثْرَ قومٍ ... همُ كانوا الشفاءَ فلم يُصابوا )
( وقاهم جَدُّهم ببني أبيهم ... وبالأَشْقَيْنَ ما كان العقابُ )
( وأَفْلتهنّ عِلْباءٌ جَريضاً ... ولو أدركْنَه صَفِرَ الوِطابُ )
يعني ببني أبيهم بني كنانة لأن أسدا وكنانة ابني خزيمة أخوان
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال سمعت رجلا سأل يونس عن قوله صفر الوطاب فقال سألنا رؤبة عنه فقال لو أدركوه قتلوه وساقوا إبله فصفرت وطابه من اللبن وقال غيره صفر الوطاب أي إنه كان يقتل فيكون جسمه صفرا من دمه كما يكون الوطاب صفرا من اللبن
وأدركهم ظهرا وقد تقطعت خيله وقطع أعناقهم العطش وبنو أسد جامون على الماء فنهد إليهم فقاتلهم حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم وحجز الليل بينهم وهربت بنو أسد فلما أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتبعوهم وقالوا له قد أصبت ثأرك قال والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحدا قالوا بلى ولكنك رجل مشؤوم وكرهوا قتالهم بني كنانة وانصرفوا عنه ومضى هاربا لوجهه حتى لحق بحمير

امرؤ القيس يستنجد بالقبائل واسيادها
وقال ابن السكيت حدثني خالد الكلابي أن امرأ القيس لما أقبل من الحرب على فرسه الشقراء لجأ إلى ابن عمته عمرو بن المنذر وأمه هند بنت عمرو بن حجر بن آكل المرار وذلك بعد قتل أبيه وأعمامه وتفرق ملك أهل بيته وكان عمرو يومئذ خليفة لأبيه المنذر ببقة وهي بين الأنبار وهيت فمدحه وذكر صهره ورحمه وأنه قد تعلق بحباله ولجأ إليه فأجاره ومكث عنده زمانا ثم بلغ المنذر مكانه عنده فطلبه وأنذره عمرو فهرب حتى أتى حمير
وقال ابن الكلبي والهيثم بن عدي وعمر بن شبة وابن قتيبة فلما امتنعت بكر بن وائل وتغلب من اتباع بني أسد خرج من فوره ذلك إلى اليمن فاستنصر أزدشنوءة فأبوا أن ينصروه وقالوا إخواننا وجيراننا فنزل بقيل يدعى مرثد الخير بن ذي جدن الحميري وكانت بينهما قرابة فاستنصره واستمده على بني أسد فأمده بخمسمائة رجل من حمير ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس بهم وقام بالمملكة بعده رجل من حمير يقال له قرمل بن الحميم وكانت أمه سوداء فردد امرأ القيس وطول عليه حتى هم بالانصراف وقال
( وإذ نحن ندعو مَرْثَد الخيرِ ربَّنا ... وإذ نحن لا نُدْعَى عَبيداً لقَرْمَلِ )
فأنفذ له ذلك الجيش وتبعه شذاذ من العرب واستأجر من قبائل

العرب رجالا فسار بهم إلى بني أسد ومر بتبالة وبها صنم للعرب تعظمه يقال له ذو الخلصة فاستقسم عنده بقداحه وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص فأجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال مصصت بظر أمك لو أبوك قتل ما عقتني ثم خرج فظفر ببني أسد ويقال إنه ما استقسم عند ذي الخلصة بعد ذلك بقدح حتى جاء أمر الله بالإسلام وهدمه جرير بن عبد الله البجلي
قالوا وألح المنذر في طلب امرئ القيس ووجه الجيوش في طلبه من إياد وبهراء وتنوخ ولم تكن لهم طاقة وأمده أنوشروان بجيش من الأساورة فسرحهم في طلبه وتفرقت حمير ومن كان معه عنه فنجا عصبة من بني آكل

المرار حتى نزل بالحارث بن شهاب من بني يربوع بن حنظلة ومع امرئ القيس أدراع خمسة الفضفاضة والضافية والمحصنة والخربق وأم الذيول كن لبني آكل المرار يتوارثونها ملكا عن ملك فقلما لبثوا عند الحارث بن شهاب حتى بعث إليه المنذر مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلم إليه بني آكل المرار فأسلمهم ونجا امرؤ القيس ومعه يزيد بن معاوية بن الحارث وبنته هند بنت امرئ القيس والأدرع والسلاح ومال كان بقي معه فخرج على وجهه حتى وقع في أرض طيئ وقيل بل نزل قبلهم على سعد بن الضباب الإيادي سيد قومه فأجاره
قال ابن الكلبي وكانت أم سعد بن الضباب تحت حجر أبي امرئ القيس فطلقها وكانت حاملا وهو لا يعرف فتزوجها الضباب فولدت سعدا على فراشه فلحق نسبه به فقال امرؤ القيس يذكر ذلك
( يُفاكهنا سعدٌ ويُنْعِمُ بالَنا ... ويغدو علينا بالجِفَانِ وبالجُزُرْ )
( ونعرف فيه من أبيه شمائلاً ... ومن خاله ومن يزيدَ ومن حُجُرْ )
( سماحةَ ذا وبِرَّ ذا ووفاء ذا ... ونائلَ ذا إذا صحا وإذا سَكِرْ )
ثم تحول عنه فوقع في أرض طيئ فنزل برجل من بني جديلة يقال له المعلى بن تيم ففي ذلك يقول
( كأنِّي إذ نزلتُ على المُعَلَّى ... نزلتُ على البواذخ من شَمَامِ )

( فما مَلِكُ العراقِ على المُعَلَّى ... بمقتدرٍ ولا مَلِكُ الشآم )
( اقرَّ حَشَى امرىء القيس بن حُجْرٍ ... بنو تَيْمٍ مصابيحُ الظلامِ )
قالوا فلبث عنده واتخذ إبلا هناك فغدا قوم من بني جديلة يقال لهم بنو زيد فطردوا الإبل وكانت لامرئ القيس رواحل مقيدة عند البيوت خوفا من أن يدهمه أمر ليسبق عليهن فخرج حينئذ فنزل ببني نبهان من طيئ فخرج نفر منهم فركبوا الرواحل ليطلبوا له الإبل فأخذتهن جديلة فرجعوا إليه بلا شيء فقال في ذلك
( وأعجبني مَشْيُ الحُزُقَّة خالدٍ ... كمشي أتانٍ حُلِّئتْ بالمناهل )
( فدع عنك نَهْباً صِيحَ في حَجَراتهِ ... ولكن حديثاً ما حديثُ الرَّواحل )
ففرقت عليه بنو نبهان فرقا من معزى يحلبها فأنشأ يقول
( إذا ما لم تَجِدْ إبلاً فمِعْزىً ... كأن قرُون جِلَّتها العِصِيُّ )
( إذا ما قام حالبُها أَرَنَّتْ ... كأن القوم صبَّحهم نَعِيُّ )

( فتملأُ بيتَنا أقِطاً وسَمْناً ... وحَسْبُك من غِنىً شِبَعٌ ورِيُّ )
فكان عندهم ما شاء الله ثم خرج فنزل بعامر بن جوين واتخذ عنده إبلا وعامر يومئذ أحد الخلعاء الفتاك قد تبرأ قومه من جرائره فكان عنده ما شاء الله ثم هم أن يغلبه على أهله وماله ففطن امرؤ القيس بشعر كان عامر ينطق به وهو قوله
( فكم بالصعيد من هِجَان مؤبَّلَهْ ... تَسير صحاحاً ذاتَ قيد ومُرْسَلَهْ )
( أردتُ بها فَتْكاً فلم أَرْتَمِضْ له ... ونَهْنهتُ نفسي بعدما كدتُ أفعلَه )
وكان عامر أيضا يقول يعرض بهند بنت امرئ القيس
( ألاَ حَيِّ هنداً وأطلالَها ... وتَظْعانَ هندٍ وَتَحْلالَها )
( هَممتُ بنفسيَ كلَّ الهُموم ... فأَوْلَى لنفسيَ أَوْلَى لها )
( سأحمِل نفسي على آلة ... فإمّا عليها وإمّا لها )
هكذا روى ابن أبي سعد عن دارم بن عقال ومن الناس من يروي هذه الأبيات للخنساء في قصيدتها
( ألاَ ما لِعَيْنِي ألاَ ما لَها ... لقد أَخْضَلَ الدمعُ سِرْبالَها )
قالوا فلما عرف امرؤ القيس ذلك منه وخافه على أهله وماله تغفله وانتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثة بن مر فاستجار به فوقعت

الحرب بين عامر وبين الثعلي فكانت في ذلك أمور كثيرة

عمرو بن جابر يدل امرأ القيس على السموءل
قال دارم بن عقال في خبره فلما وقعت الحرب بين طيئ من أجله خرج من عندهم فنزل برجل من بني فزارة يقال له عمرو بن جابر بن مازن فطلب منه الجوار حتى يرى ذات عيبه فقال له الفزاري يابن حجر إني أراك في خلل من قومك وأنا أنفس بمثلك من أهل الشرف وقد كدت بالأمس تؤكل في دار طيئ وأهل البادية أهل بر لا أهل حصون تمنعهم وبينك وبين أهل اليمن ذؤبان من قيس أفلا أدلك على بلد فقد جئت قيصر وجئت النعمان فلم أر لضيف نازل ولا لمجتد مثله ولا مثل صاحبه قال من هو وأين منزله قال السموءل بتيماء وسوف أضرب لك مثله هو يمنع ضعفك حتى ترى ذات عيبك وهو في حصن حصين وحسب كبير فقال له امرؤ القيس وكيف لي به قال أوصلك إلى من يوصلك إليه فصحبه إلى رجل من بني فزارة يقال له الربيع بن ضبع الفزاري ممن يأتي السموءل فيحمله ويعطيه فلما صار إليه قال له الفزاري إن السموءل يعجبه الشعر فتعال نتناشد له أشعارا فقال امرؤ القيس قل حتى أقول فقال الربيع
( قُلْ للمنيَّة أيَّ حِينِ نلتقي ... بِفناء بيتِك في الحَضِيض المَزْلَقِ )

وهي طويلة يقول فيها
( ولقد أتيتُ بَني المُصاصِ مُفَاخِراً ... وإلى السموءل زُرْتُه بالأَبْلَقِ )
( فأتيتُ أفضلَ مَنْ تحمَّل حاجةً ... إن جئته في غارِمٍ أو مُرْهَقِ )
( عرفتْ له الأقوامُ كلَّ فضيلةٍ ... وحَوَى المكارمَ سابقاً لم يُسْبَقِ )
قال فقال امرؤ القيس
( طرَقتْك هندٌ بعد طول تجنُّبٍ ... وَهْناً ولم تَكُ قبل ذلك تَطْرُقُ )
وهي قصيدة طويلة وأظنها منحولة لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس والتوليد فيها بين وما دونها في ديوانه أحد من الثقات وأحسبها مما صنعه دارم لأنه من ولد السموءل ومما صنعه من روى عنه من ذلك فلم تكتب هنا قال فوفد الفزاري بامرئ القيس إليه فلما كانوا ببعض الطريق إذا هم ببقرة وحشية مرمية فلما نظر إليها أصحابه قاموا فذكوها فبينما هم كذلك إذا هم بقوم قناصين من بني ثعل فقالوا لهم من أنتم فانتسبوا لهم وإذا هم من جيران السموءل فانصرفوا جميعا وقال امرؤ القيس
( رُبَّ رامٍ من بني ثُعَلٍ ... مُخْرِج كَفَّيْهِ من قُتَرِهْ )
( عارضٍ زَوْراءَ من نَشَمٍ ... مع باناةٍ على وَتَرِهْ )
هكذا في رواية ابن دارم ويروى غير باناة وتحت باناة

( إذ أتتْه الوحشُ واردةً ... فتثنَّى النزعَ في يَسَرِهْ )
( فرماها في فرائِصها ... بإزاء الحوضِ أو عُقُرِه )
( برهِيشٍ من كِنانتِه ... كتلظِّي الجمر في شَرَرِهْ )
( راشَه من رِيِش ناهضةٍ ... ثم أَمْهاه على حَجَرهْ )
( فهو لا تَنْمِي رَمِيَّتُه ... ما لَهُ لا عُدَّ من نَفَرِه )
قال ثم مضى القوم حتى قدموا على السموءل فأنشده الشعر وعرف لهم حقهم فأنزل المرأة في قبة أدم وأنزل القوم في مجلس له براح فكان عنده ما شاء الله ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغساني بالشأم ليوصله إلى قيصر فاستنجد له رجلا واستودع عنده المرأة والأدراع والمال وأقام معها يزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمه فمضى حتى انتهى إلى قيصر فقبله وأكرمه وكانت له عنده منزلة فاندس رجل من

بني أسد يقال له الطماح وكان امرؤ القيس قد قتل أخا له من بني أسد حتى أتى إلى بلاد الروم فأقام مستخفيا ثم إن قيصر ضم إليه جيشا كثيفا وفيهم جماعة من أبناء الملوك فلما فصل قال لقيصر قوم من أصحابه إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه

قصة الحلة المسمومة وموت امرئ القيس
وقال ابن الكلبي بل قال له الطماح إن امرأ القيس غوي عاهر وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها وهو قائل في ذلك أشعارا يشهرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك فبعث إليه حينئذ بحلة وشي مسمومة منسوجة بالذهب وقال له إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة واكتب إلي بخبرك من منزل منزل فلما وصلت إليه لبسها واشتد سروره بها فأسرع فيه السم وسقط جلده فلذلك سمي ذا القروح وقال في ذلك
( لقد طمَح الطمَّاح من بُعد أرضه ... ليُلْبِسَني ممّا يلبِّس أبؤسا )
( فلو أنها نفسٌ تموت سَوِيَّةً ... ولكنّها نفسٌ تَساقَطُ أنفُسا )
قال فلما صار إلى بلدة من بلاد الروم تدعى أنقرة احتضر بها فقال
( رُب خُطْبةٍ مُسْحَنْفِرَهْ ... وطَعْنةٍ مُثْعَنْجِرَهْ )
( وجَفْنةٍ متحيِّرة ... حَلِّت بأرض أَنقِره )
ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك فدفنت في سفح جبل يقال له عسيب فسأل عنها فأخبر بقصتها فقال

( أجارتَنا إنّ المَزارَ قريبُ ... وإنِّي مقيمٌ ما أقام عَسِيبٌ )
( أجارتَنا إنّا غريبانِ هاهنا ... وكلُّ غريبٍ للغريب نسيبُ )
ثم مات فدفن إلى جنب المرأة فقبره هناك
أخبرني محمد بن القاسم عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة فأرسل إلى عشرة أنا أحدهم من وجوه الكوفة فسمروا عنده ثم قال ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمر فقلت أصلح الله الأمير أحديث الحق أم حديث الباطل قال بل حديث الحق قلت إن امرأ القيس آلى بألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة وثنتين فجعل يخطب النساء فإذا سألهن

عن هذا قلن أربعة عشر فبينما هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة كأنها البدر ليلة تمامه فأعجبته فقال لها يا جارية ما ثمانية وأربعة واثنتان فقالت أما ثمانية فأطباء الكلبة وأما أربعة فأخلاف الناقة وأما اثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك وأن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاثة أفراس ففعل ذلك ثم إنه بعث عبدا له إلى المرأة وأهدى إليها نحيا من سمن ونحيا من عسل وحلة من عصب فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على حي المرأة وهم خلوف فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها فقالت له أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين وأن أخي يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت وأن وعاءيكم نضبا فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال أما قولها إن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء وأما قولها إن أخي يراعي الشمس فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به وأما قولها إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق وأما قولها إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا

فاصدقني فقال يا مولاي إني نزلت بماء من مياه العرب فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك ونشرت الحلة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء فقال أولى لك ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام فنزلا منزلا فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر وخرج حتى أتى المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها فقيل لها قد جاء زوجك فقالت والله ما أدري أزوجي هو أم لا ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا فقالت اسقوه لبنا حازرا وهو الحامض فسقوه فشرب فقالت افرشوا له عند الفرث والدم ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه إني أريد أن أسألك فقال سلي عما شئت فقالت مم تختلج شفتاك قال لتقبيلي إياك قالت فمم يختلج كشحاك قال لالتزامي إياك قالت فمم يختلج فخذاك قال لتوركي إياك قالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا قال ومر قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر فرجع إلى حيه فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته فقيل لها قد جاء زوجك فقالت والله ما أدري أهو زوجي أم لا ولكن انحروا له جزورا فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا فلما أتوه بذلك قال وأين الكبد والسنام والملحاء فأبى أن يأكل فقالت اسقوه لبنا حازرا فأبى أن يشربه وقال فأين الصريف والرثيئة

فقالت أفرشوا له عند الفرث والدم فأبى أن ينام وقال افرشوا لي فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث فأرسل إليها أن سلي عما شئت فقالت مم تختلج شفتاك قال لشربي المشعشعات قالت فمم يختلج كشحاك قال للبسي الحبرات قالت فمم تختلج فخذاك قال لركضي المطهمات فقالت هذا زوجي لعمري فعليكم به واقتلوا العبد فقتلوه ودخل امرؤ القيس بالجارية فقال ابن هبيرة حسبكم فلا خير في الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو ولن تأتينا بأعجب منه فقمنا وانصرفنا وأمر لي بجائزة

مفاوضات امرئ القيس وقبائل أسد
نسخت من كتاب جدي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه رحمه الله حدثني الحسن بن سعيد عن أبي عبيدة قال أخبرني سيبويه النحوي أن الخليل بن أحمد أخبره قال
قدم على امرئ القيس بن حجر بعد مقتل أبيه رجال من قبائل بني أسد كهول وشبان فيهم المهاجر بن خداش ابن عم عبيد بن الأبرص وقبيصة بن نعيم وكان في بني أسد مقيما وكان ذا بصيرة بمواقع الأمور وردا وإصدارا يعرف ذلك له من كان محيطا بأكناف بلده من العرب فلما علم بمكانهم أمر بإنزالهم وتقدم بإكرامهم والإفضال عليهم واحتجب عنهم ثلاثا فسألوا من حضرهم من رجال كندة فقال هو في شغل بإخراج ما في خزائن حجر من السلاح والعدة فقالوا اللهم غفرا إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف ونستدرك به ما فرط فليبلغ ذلك عنا فخرج عليهم في قباء وخف وعمامة سوداء وكانت العرب لا تعتم بالسواد إلا في الترات فلما نظروا إليه قاموا

له وبدر إليه قبيصة إنك في المحل والقدر والمعرفة بتصرف الدهر وما تحدثه أيامه وتتنقل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ ولا تذكرة مجرب ولك من سؤدد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن هفوة ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح في الذي كان من الخطب الجليل الذي عمت رزيته نزارا واليمن ولم تخصص كندة بذلك دوننا للشرف البارع كان لحجر التاج والعمة فوق الجبين الكريم وإخاء الحمد وطيب الشيم ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كراعنا على مثله ببذل ذلك ولفديناه منه ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال إما أن اخترت من بني أسد أشرافها بيتا وأعلاها في بناء المكرمات صوتا فقدناه إليك بنسعه تذهب مع شفرات حسامك قصدته فيقول رجل امتحن بهلك عزيز فلم تستل سخيمته إلا بتمكينه من الانتقام أو فداء بما يروح من بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها لم يردده تسليط الإحن على البرءاء وإما أن توادعنا حتى تضع الحوامل فنسدل الأزر ونعقد الخمر فوق الرايات قال فبكى ساعة ثم رفع رأسه فقال لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم وإني لن أعتاض به

جملا أو ناقة فأكتسب بذلك سبة الأبد وفت العضد وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها ولن أكون لعطبها سببا وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل القلوب حنقا وفوق الأسنة علقا
( إذا جالت الخيل في مأزِقٍ ... تُصافِح فيه المنايا النفوسا )
أتقيمون أم تنصرفون قالوا بل ننصرف بأسوأ الاختيار وأبلى الاجترار لمكروه وأذية وحرب وبلية ثم نهضوا عنه وقبيصة يقول متمثلا
( لعلك أن تستوخم الموتَ إن غدتْ ... كتائبُنا في مأزِق الموت تَمْطُرُ )
فقال امرؤ القيس لا والله لا أستوخمه فرويدا ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي إذ كنت نازلا بربعي ولكنك قلت فأجبت فقال قبيصة ما نتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب قال امرؤ القيس فهو ذاك

أصوات معبد المعروفة بألقابها وهي خمسة
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبة عن إسحاق أن معبدا كان يسمى صوته
( هُرَيْرةَ ودِّعها وإن لام لائم ... )

الدوامة لكثرة ما فيه من الترجيع ويسمي صوته
( عاود القلبَ من تذكُّرِ جُمْلٍ ... )
المنمنم ويسمي صوته
( أمِنْ آل ليلى بالمَلاَ مُتَرَبَّعُ ... )
معقصات القرون أي يحرك خصل الشعر ويسمي صوته
( جعل الله جعفرا لكِ بَعْلاً ... )
المتبختر ويسمي صوته
( ضوءُ بَرْقٍ بدا لعينيك أم شَبَّتْ ... بذي الأَثْلِ من سَلاَمةَ نارُ )
مقطع الأثفار

نسبة هذه الأصوات وأخبارها
( هُرَيْرةَ وَدِّعْها وإن لام لائمُ ... غداة غدٍ أم أنت للبَيْن واجمُ )
( لقد كان في حولٍ ثَوَاءٍ ثَوَيتُه ... تقضّى لُبانات ويسأم سائمُ )
( مُبَتَّلةٌ هَيْفاءُ رُودٌ شبابُها ... لها مقلتا رِيمٍ وأسودُ فاحمُ )
( ووجهٌ نقيُّ اللَّون صافٍ يَزينه ... مع الحَلْي لَبَّاتٌ لها وَمَعاصِمُ )
الواجم الساكت المطرق من الحزن يقال وجم يجم وجوما وقوله لقد كان في حول ثواء ثويته قال الكوفيون أراد لقد كان في ثواء حول

ثويته فجعل ثواء بدلا من حول وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام عن يونس قال كان أبو عمرو بن العلاء يعيب قول الأعشى
( لقد كان في حول ثواء ثويته ... )
جدا ويقول ما أعرف له معنى ولا وجها يصح قال أبو خليفة وأما أبو عبيدة فإنه قال معناه لقد كان في ثواء حول ثويته واللبانات والمآرب والحوائج والأوطار واحد والمبتلة الحسنة الخلق والهيفاء اللطيفة الخصر والرئم الظبي والفاحم الشديد السواد وقال لبات لها وإنما لها لبة واحدة ولكن العرب تقول ذلك كثيرا يقال لها لبات حسان يراد اللبة وما حولها والمعاصم موضع الأسورة وواحدها معصم
الشعر للأعشى والغناء لمعبد وله فيه لحنان أحدهما وهو الملقب بالدوامة خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر ثقيل عن الهشامي وابن خرداذبة

أخبار الأعشى ونسبه
الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويكنى أبا بصير وكان يقال لأبيه قيس بن جندل قتيل الجوع سمي بذلك لأنه دخل غارا يستظل فيه من الحر فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدت فم الغار فمات فيه جوعا فقال فيه جهنام واسمه عمرو وهو من قومه من بني قيس بن ثعلبة يهجوه وكانا يتهاجيان
( أبوك قَتيلُ الجوعِ قَيْسُ بن جَنْدلٍ ... وخالُك عبدٌ من خُمَاعةَ راضعُ )
وهو أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم وتقدم على سائرهم وليس ذلك بمجمع عليه لا فيه ولا في غيره
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال سألت يونس النحوي من أشعر الناس قال لا أومىء إلى رجل بعينه ولكني أقول امرؤ القيس إذا غضب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب
أخبرني ابن عمار عن ابن مهرويه عن حذيفة بن محمد عن ابن سلام بمثله

أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه وأبي مسكين
أن حسانا سئل من أشعر الناس فقال أشاعر بعينه أم قبيلة قالوا بل قبيلة قال الزرق من بني قيس بن ثعلبة وهذا حديث يروى أيضا عن غير حسان
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن ابن مهرويه قال حدثنا عبدة بن عصمة عن فراس بن خندف عن علي بن شفيع قال إني لواقف بسوق حجر إذ أنا برجل من هيئته وحاله عليه مقطعات خز وهو على نجيب مهري عليه رحل لم أر قط أحسن منه وهو يقول من يفاخرني من ينافرني ببني عامر بن صعصعة فرسانا وشعراء وعددا وفعالا قلت أنا قال بمن قلت ببني ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل فقال أما بلغك أن رسول الله نهى عن المنافرة ثم ولى هاربا قلت من هذا قيل عبد العزيز بن زرارة بن جزء بن سفيان الكلابي

صناجة العرب
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال

قال أبو عبيدة من قدم الأعشى يحتج بكثرة طواله الجياد وتصرفه في المديح والهجاء وسائر فنون الشعر وليس ذلك لغيره ويقال هو أول من سأل بشعره وانتجع به أقاصي البلاد وكان يغنى في شعره فكانت العرب تسميه صناجة العرب
أخبرني المهلبي والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال سمعت خلادا الأرقط يقول سمعت خلفا الأحمر يقول لا يعرف من أشعر الناس كما لا يعرف من أشجع الناس ولا من كذا ولا من كذا لأشياء ذكرها خلف ونسيتها أنا أبو زيد عمر بن شبة يقول هذا
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي يوسف قال حدثني عمي إسماعيل بن أبي محمد قال أخبرني أبي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقدم الأعشى
وقال هشام بن الكلبي أخبرني أبو قبيصة المجاشعي أن مروان بن أبي حفصة سئل من أشعر الناس قال الذي يقول
( كِلاَ أبَويْكم كان فرعَ دِعَامةٍ ... ولكنّهم زادوا وأصبحتَ ناقصا )
يعني الأعشى
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي قال قال سلمة بن نجاح أخبرني يحيى بن سليم الكاتب قال بعثني أبو جعفر أمير المؤمنين بالكوفة إلى حماد الراوية أسأله عن أشعر

الشعراء قال فأتيت باب حماد فاستأذنت وقلت يا غلام فأجابني إنسان من أقصى بيت في الدار فقال من أنت فقلت يحيى بن سليم رسول أمير المؤمنين قال ادخل رحمك الله فدخلت أتسمت الصوت حتى وقفت على باب البيت فإذا حماد عريان على فرجه دستجة شاهسفرم فقلت إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس فقال نعم ذلك الأعشى صناجها
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال سمعت أبا عبيدة يقول سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول عليكم بشعر الأعشى فإني شبهته بالبازي يصيد ما بين العندليب إلى الكركي

مرتبته بين الشعراء
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال سمعت أبا عبيدة يقول
بلغني أن رجلا من أهل البصرة حج وروى هذا الحديث ابن الكلبي عن شعيب بن عبد الرحمن أبي معاوية النحوي عن رجل من أهل البصرة أنه حج قال فإني لأسير في ليلة إضحيانة إذ نظرت إلى رجل شاب راكب على ظليم قد زمه بخطامه وهو يذهب عليه ويجيء وهو يرتجز ويقول
( هل يُبْلِغَنِّيهم إلى الصَّبَاحْ ... هِقْلٌ كأن رأسه جُمَّاحْ )

الجماح أطراف النبت الذي يسمى الحلي وهو سنبله إلا أنه ليس بخشن يشبه أذناب الثعالب قال والجماح أيضا سهيم يلعب به الصبيان يجعلون مكان زجه طينا قال فعلمت أنه ليس بإنسي فاستوحشت منه فتردد علي ذاهبا وراجعا حتى أنست به فقلت من أشعر الناس يا هذا قال الذي يقول
( وما ذَرَفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي ... بسَهْمَيْكِ في أعشار قلبٍ مُقَتَّلِ )
قلت ومن هو قال امرؤ القيس قلت فمن الثاني قال الذي يقول
( تَطْرُدُ القُرَّ بِحَرٍّ ساخنٍ ... وعَكيكَ القَيْظِ إن جاء بِقُرّ )
قلت ومن يقوله قال طرفة قلت ومن الثالث قال الذي يقول
( وتبرُد بردَ رِداء العَرُوسِ ... بالصَّيْف رَقْرقْتَ فيه العَبِيرَا )
قلت ومن يقوله قال الأعشى ثم ذهب به
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبو عدنان قال وقال لي يحيى بن الجون العبدي راوية بشار نحن حاكة الشعر في الجاهلية والإسلام ونحن أعلم الناس به أعشى بني قيس بن ثعلبة أستاذ الشعراء في الجاهلية وجرير بن الخطفي أستاذهم في الإسلام

حديث الشعبي عنه
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال قال الشعبي الأعشى أغزل الناس في بيت وأخنث الناس في بيت

وأشجع الناس في بيت فأما أغزل بيت فقوله
( غَرَّاءُ فَرْعاءُ مصقولٌ عوارضُها ... تَمْشِي الهُوَيْنَى كما يمشي الوَجِي الوَحِل )
وأما أخنث بيت فقوله
( قالت هُرَيْرةُ لمّا جئتُ زائرَها ... وَيْلي عليك ووَيْلي منك يا رجل )
وأما أشجع بيت فقوله
( قالوا الطِّرادَ فقلنا تلك عادتنا ... أوْ تنزلون فإنا مَعْشَرٌ نُزُلُ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد قال ذكر الهيثم بن عدي أن حمادا الراوية سئل عن أشعر العرب قال الذي يقول
( نازعتُهم قُضُبَ الرَّيْحانِ مُتَّكئاً ... وقَهْوةً مُزَّةً راوُوقُها خَضِل )
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أبو علي العنزي قال حدثني محمد بن معاوية الأسدي قال حدثني رجل من أبان بن تغلب عن سماك بن حرب قال قال لي يحيى بن متى راوية الأعشى وكان نصرانيا عباديا وكان معمرا قال كان الأعشى قدريا وكان لبيد مثبتا قال لبيد
( مَنْ هَدَاه سُبُلَ الخير اهتدَى ... ناعمَ البالِ ومَنْ شاء أضَلّْ )

وقال الأعشى
( إِستأثر اللهُ بالوفاء وبالعَدْل ... ووَلَّى المَلامةَ الرَّجُلاَ )
قلت فمن أين أخذ الأعشى مذهبه قال من قبل العباديين نصارى الحيرة كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقنوه ذلك
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أبو شراعة في مجلس الرياشي قال حدثنا مشايخ بني قيس بن ثعلبة قالوا كانت هريرة التي يشبب بها الأعشى أمة سوداء لحسان بن عمرو بن مرثد
وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن فراس بن الخندف قال كانت هريرة وخليدة أختين قينتين كانتا لبشر بن عمرو بن مرثد وكانتا تغنيانه النصب وقدم بهما اليمامة لما هرب من النعمان قال ابن دريد فأخبرني عمي عن ابن الكلبي بمثل ذلك

الشعر واسطة للزواج
وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن الرياشي مما أجازه له عن العتبي عن رجل من قيس عيلان قال كان الأعشى يوافي سوق عكاظ في كل سنة وكان المحلق الكلابي

مئناثا مملقا فقالت له امرأته يا أبا كلاب ما يمنعك من التعرض لهذا الشاعر فما رأيت أحدا اقتطعه إلى نفسه إلا وأكسبه خيرا قال ويحك ما عندي إلا ناقتي وعليها الحمل قالت الله يخلفها عليك قال فهل له بد من الشراب والمسوح قالت إن عندي ذخيرة لي ولعلي أن أجمعها قال فتلقاه قبل أن يسبق إليه أحد وابنه يقوده فأخذ الخطام فقال الأعشى من هذا الذي غلبنا على خطامنا قال المحلق قال شريف كريم ثم سلمه إليه فأناخه فنحر له ناقته وكشط له عن سنامها وكبدها ثم سقاه وأحاطت بناته به يغمزنه ويمسحنه فقال ما هذه الجواري حولي قال بنات أخيك وهن ثمان شريدتهن قليلة قال وخرج من عنده ولم يقل فيه شيئا فلما وافى سوق عكاظ إذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها وإذا الأعشى ينشدهم
( لعمري لقد لاحتْ عيونٌ كثيرةٌ ... إلى ضوء نار باليَفَاع تَحَرَّقُ )
( تُشَبُّ لمقرورَيْن يصطليانها ... وبات على النار النَّدَى والمُحَلَّقُ )
( رَضِيعَيْ لِبانِ ثَدْيِ أمٍّ تحالفا ... بأسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ )
فسلم عليه المحلق فقال له مرحبا يا سيدي بسيد قومه ونادى يا معاشر العرب هل فيكم مذكار يزوج ابنه إلى الشريف الكريم قال

فما قام من مقعده وفيهن مخطوبة إلا وقد زوجها وفي أول القصيدة غناء وهو

صوت
( أَرِقْتُ وما هذا السُّهادُ المؤرِّقُ ... وما بيَ من سُقْمٍ وما بِيَ مَعْشَقُ )
( ولكن أُراني لا أزال بحادثٍ ... أُغادَى بما لم يُمسِ عندي وأُطْرَقُ )
غناه ابن محرز خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لحن ليونس من كتابه غير مجنس وفيه لابن سريج ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو
أخبرني أبو العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال اسم المحلق عبد العزى بن حنتم بن شداد بن ربيعة بن عبد الله بن عبيد وهو أبو بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وإنما سمي محلقا لأن حصانا له عضه في وجنته فحلق فيه حلقة
قال وأنشد الأعشى قصيدته هذه كسرى ففسرت له فلما سمعها قال إن كان هذا سهر لغير سقم ولا عشق فما هو إلا لص
المحلق الكلابي وسبب اتصاله بالأعشى
وذكر علي بن محمد النوفلي في خبر المحلق مع الأعشى غير هذه الحكايات وزعم أن أباه حدثه عن بعض الكلابيين من أهل البادية قال كان لأبي المحلق شرف فمات وقد أتلف ماله وبقي المحلق وثلاث أخوات له ولم يترك لهم إلا ناقة واحدة وحلتي برود حبرة كان يشهد فيهما

الحقوق فأقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة فنزل الماء الذي به المحلق فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه فأقبلت عمة المحلق فقالت يابن أخي هذا الأعشى قد نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلا رفعهم ولم يهج قوما إلا وضعهم فانظر ما أقول لك واحتل في زق من خمر من عند بعض التجار فأرسل إليه بهذه الناقة والزق وبردي أبيك فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البردين ليقولن فيك شعرا يرفعك به قال ما أملك غير هذه الناقة وأنا أتوقع رسلها فأقبل يدخل ويخرج ويهم ولا يفعل فكلما دخل على عمته حضته حتى دخل عليها فقال فقد ارتحل الرجل ومضى قالت الآن والله أحسن ما كان القرى تتبعه ذلك مع غلام أبيك مولى له أسود شيخ فحيثما لحقه أخبره عنك أنك كنت غائبا عن الماء عند نزوله إياه وأنك لما وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه فإن هذا أحسن لموقعه عنده فلم تزل تحضه حتى أتى بعض التجار فكلمه أن يقرضه ثمن زق خمر وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه فوجه بالناقة والخمر والبردين مع مولى أبيه فخرج يتبعه فكلما مر بماء قيل ارتحل أمس عنه حتى صار إلى منزل الأعشى بمنفوحة اليمامة فوجد عنده عدة من الفتيان قد غداهم بغير لحم وصب لهم فضيخا فهم يشربون منه إذ قرع الباب فقال انظروا

من هذا فخرجوا فإذا رسول المحلق يقول كذا وكذا فدخلوا عليه وقالوا هذا رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت فقال ويحكم أعرابي والذي أرسل إلي لا قدر له والله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفي لأقولن فيه شعرا لم أقل قط مثله فواثبه الفتيان وقالوا غبت عنا فأطلت الغيبة ثم أتيناك فلم تطعمنا لحما وسقيتنا الفضيخ واللحم والخمر ببابك لا نرضى بدا منك فقال ائذنوا له فدخل فأدى الرسالة وقد أناخ الجزور بالباب ووضع الزق والبردين بين يديه قال أقره السلام وقل له وصلتك رحم سيأتيك ثناؤنا وقام الفتيان إلى الجزور فنحروها وشقوا خاصرتها عن كبدها وجلدها عن سنامها ثم جاؤوا بهما فأقبلوا يشوون وصبوا الخمر فشربوا وأكل معهم وشرب ولبس البردين ونظر إلى عطفيه فيهما فأنشأ يقول
( أرِقتُ وما هذا السهادُ المؤرِّق ... )
حتى انتهى إلى قوله
( أبَا مِسْمَعٍ سار الذي قد فعلتُم ... فأنجد أقوامٌ به ثم أَعْرَقوا )
( به تُعْقَد الأحمالُ في كلِّ منزلٍ ... وتُعْقَد أطرافُ الحبالِ وتُطْلَق )
قال فسار الشعر وشاع في العرب فما أتت على المحلق سنة حتى زوج أخواته الثلاث كل واحدة على مائة ناقة فأيسر وشرف
وذكر الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن معقل عن أبي بكر الهلالي قال خرج الأعشى إلى اليمن يريد قيس بن معد يكرب فمر ببني

كلاب فأصابه مطر في ليلة ظلماء فأوى إلى فتى من بني بكر بن كلاب فبصر به المحلق وهو عبد العزى بن حنتم بن شداد بن ربيعة بن عبد الله بن عبيد بن كلاب وهو يومئذ غلام له ذؤابة فأتى أمه فقال يا أمه رأيت رجلا أخلق به أن يكسبنا مجدا قالت وما تريد يا بني قال نضيفه الليلة فأعطته جلبابها فاشترى به عشيرا من جزور وخمرا فأتى الأعشى فأخذه إليه فطعم وشرب واصطلى ثم اصطبح فقال فيه
( أرِقتُ وما هذا السُّهَادُ المؤرِّق ... )
والرواية الأولى أصح
أخبرني أحمد بن عمار قال حدثنا يعقوب بن نعيم قال حدثنا قعنب بن المحرز عن الأصمعي قال حدثني رجل قال جاءت امرأة إلى الأعشى فقالت إن لي بنات قد كسدن علي فشبب بواحدة منهن لعلها أن تنفق فشبب بواحد منهن فما شعر الأعشى إلا بجزور قد بعث به إليه فقال ما هذا فقالوا زوجت فلانة فشبب بالأخرى فأتاه مثل ذلك فسأل عنها فقيل زوجت فما زال يشبب بواحدة فواحدة منهن حتى زوجن جميعا
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن أبي سعيد الأموي عن محمد بن السائب الكلبي قال

هجا الأعشى رجلا من كلب فقال
( بنو الشهرِ الحرامِ فلستَ منهم ... ولستَ من الكِرام بني عُبَيْد )
( ولا من رَهْط جبَّارِ بن قُرْطٍ ... ولا من رَهْط حارثةَ بن زيد )
قال وهؤلاء كلهم من كلب فقال الكلبي لا أبا لك أنا أشرف من هؤلاء قال فسبه الناس بعد بهجاء الأعشى إياه وكان متغيظا عليه فأغار على قوم قد بات فيهم الأعشى فأسر منهم نفرا وأسر الأعشى وهو لا يعرفه ثم جاء حتى نزل بشريح بن السموءل بن عادياء الغساني صاحب تيماء بحصنه الذي يقال له الأبلق فمر شريح بالأعشى فناداه الأعشى
( شُرَيْحُ لا تَتْرُكَنِّي بعد ما عَلِقَتْ ... حبالَك اليومَ بعد القِدّ أظفاري )
( قد جُلْتُ ما بين بانِقْيا إلى عَدَنٍ ... وطال في العُجْم تَردادي وتَسْيارِي )
( فكان أكرَمهم عهداً وأوثقَهم ... مجداً أبوك بعُرْفٍ غيرِ إنكار )
( كالغيث ما استمطروه جاد وابلُه ... وفي الشدائد كالمُستَأسِد الضاري )
( كُنْ كالسموءل إذ طاف الهُمَامُ به ... في جَحْفَلٍ كهَزِيع اللَّيل جَرَّار )
( إذ سامه خُطَّتَيْ خَسْفٍ فقال له ... قل ما تشاء فإني سامعٌ حارِ )
( فقال غَدْرٌ وثُكْلٌ أنتَ بينهما ... فاخْتَرْ وما فيهما حَظٌّ لمختار )
( فشَكَّ غيرَ طويلٍ ثم قال له ... أُقْتُلْ أسيرَك إنّي مانعٌ جاري )
( وسوف يُعْقِبُنيه إن ظَفِرتَ به ... ربٌّ كريمٌ وبِيضٌ ذاتُ أطهار )
( لا سِرُّهنَّ لدينا ذاهبٌ هَدَراً ... وحافظاتٌ إذا استُودِعنَ أسراري )
( فاختار أدراعَه كي لا يُسَبَّ بها ... ولم يكن وعدُه فيها بخَتَّار )

قال وكان امرؤ القيس بن حجر أودع السموءل بن عادياء أدراعا مائة فأتاه الحارث بن ظالم ويقال الحارث بن أبي شمر الغساني ليأخذها منه فتحصن منه السموءل فأخذ الحارث ابنا له غلاما وكان في الصيد فقال إما أن سلمت الأدراع إلي وإما أن قتلت ابنك فأبى السموءل أن يسلم إليه الأدراع فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه قطعتين فيقال إن جريرا حين قال للفرزدق
( بسيفِ أبي رَغْوانَ سيفٍ مُجَاشِعٍ ... ضربتَ ولم تَضْرِب بسيف ابن ظالم )
إنما غنى هذه الضربة فقال السموءل في ذلك
( وَفَيْتُ بذمّة الكِنْديّ إنِّي ... إذا ما ذُمّ أقوامٌ وَفَيْتُ )
( وأوصى عَادِيَا يوماً بأن لا ... تهُدِّم يا سموءلُ ما بَنَيْتُ )
( بَنَي لي عَادِيَا حِصْناً حَصيناً ... وماءً كلَّما شئتُ استقيتُ )
قال فجاء شريح إلى الكلبي فقال له هب لي هذا الأسير المضرور فقال هو لك فأطلقه وقال أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك فقال له الأعشى إن من تمام صنيعتك أن تعطيني ناقة نجيبة وتخليني الساعة قال

فأعطاه ناقة فركبها ومضى من ساعته وبلغ الكلبي أن الذي وهب لشريح هو الأعشى فأرسل إلى شريح ابعث إلي الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه فقال قد مضى فأرسل الكلبي في أثره فلم يلحقه

الأعشى يمدح عامر بن الطفيل ويهجو علقمة بن علاثة
حدثنا ابن علاثة عن محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن سعيد بن يحيى الأموي عن محمد بن السائب قال أتى الأعشى الأسود العنسي وقد امتدحه فاستبطأ جائزته فقال الأسود ليس عندنا عين ولكن نعطيك عرضا فأعطاه خمسمائة مثقال دهنا وبخمسمائة حللا وعنبرا فلما مر ببلاد بني عامر خافهم على ما معه فأتى علقمة بن علاثة فقال له أجرني فقال قد أجرتك قال من الجن والإنس قال نعم قال ومن الموت قال لا فأتى عامر بن الطفيل

فقال أجرني قال قد أجرتك قال من الجن والإنس قال نعم قال ومن الموت قال نعم قال وكيف تجيرني من الموت قال إن مت وأنت في جواري بعثت إلى أهلك الدية فقال الآن علمت أنك قد أجرتني من الموت فمدح عامرا وهجا علقمة فقال علقمة لو علمت الذي أراد كنت أعطيته إياه
قال الكلبي ولم يهج علقمة بشي أشد عليه من قوله
( تَبِيتُون في المَشْتَى مِلاَءً بطونُكم ... وجاراتُكم غَرْثَى يَبِتْنَ خَمائصَا )
فرفع علقمة يديه وقال لعنه الله إن كان كاذبا أنحن نفعل هذا بجاراتنا وأخبار الأعشى وعلقمة وعامر تأتي مشروحة في خبر منافرتهما إن شاء الله تعالى
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله قال حدثني محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل وغيره من أصحابه أن الأعشى تزوج امرأة من عنزة ثم من هزان قال وعنزة هو ابن أسد بن ربيعة بن نزار فلم يرضها ولم يستحسن خلقها فطلقها وقال فيها

( بِينِي حَصَانَ الفَرْجِ غيرَ ذَميمةٍ ... وموموقةً فينا كذاك ووامقَهْ )
( وذُوقِي فَتى قومٍ فإنِّي ذائقٌ ... فتاةَ أُناسٍ مثلَ ما أنتِ ذائقَه )
( لقد كان في فِتْيانِ قومِكِ مَنْكَحٌ ... وشُبّانِ هِزَّانَ الطِّوالِ الغَرَانِقَه )
( فبِينِي فإنّ البَيْن خيرٌ من العصا ... وإلاّ تَرَيْ لي فوق رأسك بارقه )
( وما ذاك عندي أن تكوني دنيئةً ... ولا أن تكوني جئتِ عندي ببائقه )
( ويا جارتا بِيني فإنّك طالقه ... كذاك أمورُ الناس غادٍ وطارقه )
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الحسين بن إبراهيم بن الحر قال حدثنا المبارك بن سعيد عن سفيان الثوري قال طلاق الجاهلية طلاق كانت عند الأعشى امرأة فأتاها قومها فضربوه وقالوا طلقها فقال
( أيا جارتَا بِينِي فإنّك طالقَهْ ... كذاك أمورُ النّاس غادٍ وطارقهْ )
وذكر باقي الأبيات مثل ما تقدم
أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا عثمان البرقي في إسناد له قال أخذ قوم الأعشى فقالوا له طلق امرأتك فقال
( أيا جارتا بِيني فإنّك طالقهْ ... كذاك أمور الناس غادٍ وطارقهْ )
ثم ذكر نحو الخبر الذي قبله على ما قدمناه
في هذه الأبيات غناء نسبته

صوت
( فبِينِي فإنّ البينَ خيرٌ من العصا ... وإلاّ تَرَيْ لي فوق رأسكِ بارقهْ )
( وما ذاك عندي أن تكوني دنيئةً ... ولا أن تكوني جئتِ عندي ببائقه )
( ويا جارتا بيني فإنّكِ طالقه ... كذاك أمورُ الناس غادٍ وطارقه )
الشعر للأعشى والغناء للهذلي خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي قال الهشامي وفيه لفليح خفيف ثقيل بالوسطى لا يشك فيه من غنائه وذكر حبش أن الثقيل الثاني لابن سريج وذكر عبيد الله بن عبد الله بن طاهر أن الخفيف الثاني المنسوب إلى فليح لأبيه عبد الله بن طاهر وهذا الصوت يغنى في هذا الزمان على ما سمعناه
( أيا جارتا دُومِي فإنك صادقَهْ ... وموموقةٌ فينا كذاك ووامِقهْ )
( ولم نفترق أنْ كنتِ فينا دنيئةً ... ولا أن تكوني جئتِ عندي ببائقه )
وأحسبه غير في دور الطاهرية على هذا
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني سوار بن أبي شراعة قال حدثني أبي عن مسعود بن بشر عن أبي عبيدة قال دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان وقد شرب خمرا وتضمخ بلخالخ وخلوق وعنده الشعبي فلما رآه قال يا شعبي ناك الأخطل أمهات الشعراء جميعا فقال له الشعبي بأي شيء قال حين يقول

( وتظلُّ تَنْصُفُنا بها قَرَوِيّةٌ ... إبريقُها برقاعِه ملثومُ )
( فإذا تعاورتِ الأكُفُّ زُجَاجَها ... نَفَحتْ فشَمَّ رياحَها المزكومُ )
فقال الأخطل سمعت بمثل هذا يا شعبي قال إن أمنتك قلت لك قال أنت آمن فقلت له أشعر والله منك الذي يقول
( وأدْكنَ عاتِقٍ جَحْل رِبَحْلٍ ... صبَحتُ براحِه شَرْباً كِرَاما )
( من اللائي حُمِلن على المَطَايا ... كريح المسك تستلّ الزُّكاما )
فقال الأخطل ويحك ومن يقول هذا قلت الأعشى أعشى بني قيس ابن ثعلبة فقال قدوس قدوس ناك الأعشى أمهات الشعراء جميعا وحق الصليب
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة والهيثم بن عدي وحدثني الصولي قال حدثني الغلابي عن العتبي عن أبيه وذكر هارون بن الزيات عن حماد عن أبيه عن عبد الله بن الوليد عن جعفر بن سعيد الضبي قالوا جميعا قدم الأخطل الكوفة فأتاه الشعبي يسمع من شعره قال فوجدته يتغدى فدعاني أتغدى فأتيته فوضع الشراب فدعاني إليه فأتيته فقال ما حاجتك قلت أحب أن أسمع من شعرك فأنشدني قوله
( صَرَمتْ أُمَامةُ حبلَنا ورَعُومُ ... )
حتى انتهى إلى قوله
( فإذا تعاورت الأكُفُّ خِتامَها ... نَفَحَتْ فشَمَّ رياحَها المزكومُ )

فقال يا شعبي ناك الأخطل أمهات الشعراء بهذا البيت قلت الأعشى أشعر منك يا أبا مالك قال وكيف قلت لأنه قال
( منْ خمر عانةَ قد أتى لِختامها ... حَوْلٌ تَسُلّ غُمَامةَ المزكومِ )
فضرب بالكأس الأرض وقال هو والمسيح أشعر مني ناك والله الأعشى أمهات الشعراء إلا أنا
حدثني وكيع قال حدثني محمد بن إسحاق المعولي عن إسحاق الموصلي عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن سماك بن حرب قال قال الأعشى أتيت سلامة ذا فائش فأطلت المقام ببابه حتى وصلت إليه فأنشدته
( إنّ مَحَلاًّ وإن مُرْتَحَلا ... وإنّ في السَّفْرِ من مَضَى مَهَلا )
( اِستأثر اللهُ بالوفاء وبالعَدْل ... وولَّى المَلاَمةَ الرجلا )
( الشعرُ قَلَّدتُه سَلاَمةَ ذا ... فائشَ والشيءُ حيث ما جُعلا )
فقال صدقت الشيء حيث ما جعل وأمر لي بمائة من الإبل وكساني حللا وأعطاني كرشا مدبوغة مملوءة عنبرا وقال إياك أن تخدع عما فيها فأتيت الحيرة فبعتها بثلاثمائة ناقة حمراء

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال قال هشام بن القاسم الغنوي وكان علامة بأمر الأعشى إنه وفد إلى النبي وقد مدحه بقصيدته التي أولها
( ألم تَغْتَمِضْ عيناكَ ليلةَ أَرْمَدَا ... وعادك ما عاد السَّليمَ المُسَهَّدَا )
( وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيتَ قبل اليوم خُلَّةَ مَهْدَدَا )
وفيها يقول لناقته
( فآليتُ لا أَرْثِي لها من كَلاَلَةٍ ... ولا من حَفاً حتى تَزُورَ محمدا )
( نبيٌّ يَرى ما لا تَرَوْن وذكرُه ... أغارَ لعَمْرِي في البلاد وأَنْجدا )
( متى ما تُناخِي عند باب ابن هاشمٍ ... تُراحِي وتَلْقَيْ من فَوَاضِله يدا )
فبلغ خبره قريشا فرصدوه على طريقه وقالوا هذا صناجة العرب ما مدح أحدا قط إلا رفع في قدره فلما ورد عليهم قالوا له أين أردت يا أبا بصير قال أردت صاحبكم هذا لأسلم قالوا إنه ينهاك عن خلال ويحرمها عليك وكلها بك رافق ولك موافق قال وما هن فقال أبو سفيان بن حرب الزنا قال لقد تركني الزنا وما تركته ثم ماذا قال القمار قال لعلي إن لقيته أن أصيب منه عوضا من القمار ثم ماذا قالوا الربا قال ما دنت ولا ادنت ثم ماذا قالوا الخمر قال أوه أرجع إلى صبابة قد بقيت لي في المهراس فأشربها فقال له أبو سفيان هل لك في خير مما هممت به قال وما هو قال نحن وهو الآن في هدنة فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه وتنظر ما يصير إليه أمرنا فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت

خلفا وإن ظهر علينا أتيته فقال ما أكره ذلك فقال أبو سفيان يا معشر قريش هذا الأعشى والله لئن أتى محمدا واتبعه ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره فاجمعوا له مائة من الإبل ففعلوا فأخذها وانطلق إلى بلده فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله

الفتيان يتنادمون على قبره بمنفوحة
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا محمد بن إدريس بن سليمان بن أبي حفصة قال قبر الأعشى بمنفوحة وأنا رأيته فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره فشربوا عنده وصبوا عنده فضلات الأقداح
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا علي بن سليمان النوفلي قال حدثنا أبي قال أتيت اليمامة واليا عليها فمررت بمنفوحة وهي منزل الأعشى التي يقول فيها
( بشَطِّ منفوحةَ فالحاجرِ ... )
فقلت أهذه قرية الأعشى قالوا نعم فقلت أين منزله قالوا ذاك وأشاروا إليه قلت فأين قبره قالوا بفناء بيته فعدلت إليه بالجيش فانتهيت إلى قبره فإذا هو رطب فقلت ما لي أراه رطبا فقالوا إن الفتيان ينادمونه فيجعلون قبره مجلس رجل منهم فإذا صار إليه القدح صبوه عليه لقوله أرجع إلى اليمامة فأشبع من الأطيبين الزنا والخمر
وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا الأطروش بن إسحاق بن إبراهيم عن أبيه أن ابن عائشة غنى يوما
( هُرَيْرَةَ ودّعها وإن لام لائمُ ... )

فأعجبته نفسه ورآه ينظر في أعطافه فقيل له لقد أصبحت اليوم تائها فقال وما يمنعني من ذلك وقد أخذت عن أبي عباد معبد أحد عشر صوتا منها
( هريرةَ ودِّعها وإن لام لائم ... )
وأبو عباد مغني أهل المدينة وإمامهم
قال وكان معبد يقول والله لقد صنعت صوتا لا يقدر أن يغنيه شبعان ممتلئ ولا يقدر متكئ على أن يغنيه حتى يجثو ولا قائم حتى يقعد قيل وما هو يا أبا عباد قال إسحاق فأخبرني بذاك محمد بن سلام الجمحي أنه بلغه أن معبدا قاله وأخبرني بهذا الخبر اسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى قال قال معبد والله لأغنين صوتا لا يغنيه مهموم ولا شبعان ولا حامل حمل ثم غنى
( ولقد قلتُ والضميرُ ... كثيرُ البلابِلِ )
( ليت شعري تَمَنّياً ... والمُنَى غيرُ طائل )
( هل رسولٌ مبلِّغ ... فيُؤَدِّي رسائلي )
لحن معبد هذا خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس وفيه ثقيل أول ينسب إليه أيضا ويقال إنه لأهل مكة
ومنها الصوت المسمى بالمنمنم

صوت
( هَاجَ ذا القلبَ من تَذَكُّر جُمْلٍ ... ما يَهيج المتيَّمَ المحزونا )
( إذ تراءتْ على البَلاَطِ فلمّا ... واجهتْنا كالشمس تُعْشِي العيونا )
( ليلةَ السبت إذ نظرتُ إليها ... نظرةً زادت الفؤادَ جنونا )

الشعر لإسماعيل بن يسار والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى وفيه لدحمان ثاني ثقيل بالبنصر ذكر الهشامي أنه لا يشك فيه من غنائه وقد مضت أخبار إسماعيل بن يسار في المائة المختارة فاستغني عن إعادتها ها هنا
صوت
( آمن آل لَيْلَى بالمَلاَ مُتَربَّعُ ... كما لاح وَشْمٌ في الذراع مُرَجَّعُ )
( سأَتْبَع لَيْلَى حيث سارت وخيَّمتْ ... وما الناسُ إلا آلِفٌ ومُوَدِّعُ )
الشعر لعمرو بن سعيد بن زيد وقيل إنه للمجنون وإن مع هذين البيتين أخر وهي
( وقفتُ لليلَى بعد عشرين حِجَّةً ... بمنزلةٍ فانهلَّتِ العينُ تَدْمَعُ )
( فأمرضَ قلبي حبُّها وطِلاَبُها ... فيا آلَ ليلَى دعوةً كيف أصْنَعُ )
( سأتَبع ليلى حيث حلَّت وخيّمتْ ... وما الناسُ إلا آلِفٌ ومودِّع )
( كأنّ زِماماً في الفؤاد معلَّقاً ... تَقُود به حيث استمرّتْ وأَتْبَع )
والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى وقد ذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أن هذا الصوت منحول إلى معبد وأنه مما يشبه

غناءه وذكر ابن الكلبي عن محمد بن يزيد أن معبدا أخذ لحن سائب خاثر في
( أفاطمُ مهلاً بعضَ هذا التدلُّل ... )
فغنى فيه
( أمن آلِ ليلَى بالمَلاَ متربَّعُ ... )

نسب عمرو بن سعيد بن زيد وأخباره
هو عمرو بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وسعيد بن زيد يكنى أبا الأعور وهو أحد العشرة الذين كانوا مع رسول الله على حراء فرجف بهم فقال اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد
أخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال حدثني الهيثم بن سفيان عن أبي مسكين قال جلس الوليد بن يزيد يوما للمغنين وكانوا متوافرين عنده وفيهم معبد وابن عائشة فقال لابن عائشة يا محمد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال إني قد قلت شعرا فغن فيه قال وما هو فأنشده إياه وترنم به محمد ثم غناه فأحسن وهو

صوت
( عَلِّلاني واسقِيانِي ... من شرابٍ أصْبَهانِي )
( من شرابِ الشيخ كِسْرَى ... أو شراب القَيْرَوانِ )
( إنّ في الكاس لَمِسْكاً ... أو بكفَّيْ مَنْ سَقانِي )
( أوْ لقد غُودِرَ فيها ... حين صُبَّت في الدِّنانِ )
( كَلِّلانِي تَوِّجانِي ... وبشعري غَنِّياني )
( أطْلِقاني بوَثاقِي ... واشْدُدَاني بعِناني )
( إنّما الكأسُ ربيعٌ ... يُتَعاطَى بالبَنَانِ )
( وحُمَيَّا الكأسِ دَبَّتْ ... بين رِجْلِي ولِساني )
الغناء لابن عائشة هزج بالبنصر من رواية حبش قال فأجاد ابن عائشة واستحسن غناءه من حضر فالتفت إلى معبد فقال كيف ترى يا أبا عباد فقال له معبد شنت غناءك بصلفك قال ابن عائشة يا أحول والله لولا أنك شيخنا وأنك في مجلس أمير المؤمنين لأعلمتك من الشائن لغنائه أنا بصلفي أم أنت بقبح وجهك وفطن الوليد بحركتهما فقال ما هذا فقال خير يا أمير المؤمنين لحن كان معبد طارحنيه فأنسيته فسألته عنه لأغني فيه أمير المؤمنين فقال وما هو قال
( أمِنْ آلِ ليلى بالمَلاَ مُتَربَّعُ ... كما لاح وشمٌ في الذِّراع مُرَجَّعُ )
فقال هات يا معبد فغناه إياه فاستحسنه الوليد وقال أنت والله سيد من غنى وهذا الخبر أيضا مما يدل على أن ما ذكره حماد من أن هذا الصوت منحول لمعبد لا حقيقة له
أخبرني محمد بن إبراهيم قريض قال حدثني أحمد بن أبي العلاء المغني قال غنيت المعتضد صوتا في شعر له ثم أتبعته بشعر الوليد بن يزيد
( كلِّلانِي توِّجانِي ... وبِشِعْرِي غنِّياني )

فقال أحسن والله هكذا تقول الملوك المترفون وهكذا يطربون وبمثل هذا يشيرون وإليه يرتاحون أحسنت يا أحمد الاختيار لما شاكل الحال وأحسنت الغناء أعد فأعدته فأمر لي بعشرة آلاف درهم وشرب رطلا ثم استعاده فأعدته وفعل مثل ذلك حتى استعاده ست مرات وشرب ستة أرطال وأمر لي بعشرة آلاف درهم وقال مرة أخرى بستمائة دينار ثم سكر وما رئي قبل ذلك ولا بعده أعطى مغنيا هذه العطية وفي الخبر زيادة وقد ذكرته في موضع آخر يصلح له
وقد ذكر محمد بن الحسن الكاتب عن أحمد بن سهل النوشجاني أنه حضر أحمد بن أبي العلاء وقد غنى المعتضد هذا الصوت في هذا المجلس وأمر له بهذا المال بعينه ولم يشرح القصة كما شرحها أحمد

ومنها
صوت
وهو المتبختر ( جَعل الله جعفراً لكِ بَعْلاً ... وشِفاءً من حادث الأَوْصابِ )
( إذ تقولين للوَليدة قُومِي ... فانظُري مَنْ تَرَيْنَ بالأبواب )
الشعر للأحوص والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - أول بالبنصر وذكر حماد عن أبيه في كتاب معبد أنه منحول إلى معبد وأنه لكردم
صوت
وهو المسمى مقطع الأثفار
( ضوءُ نارٍ بدا لعينك أم شَبَّتْ ... بذي الأَثْلِ من سَلامةَ نارُ )
( تلك بين الرِّيَاضِ والأَثْلِ والباناتِ ... منَّا ومن سَلامةَ دارُ )
( وكذاكَ الزمانُ يذهبُ بالناسِ ... وتَبْقى الرُّسومُ والآثارُ )

الشعر للأحوص والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر يونس أن فيه صوتين لمعبد وعمر الوادي رمل عن الهشامي وفيه لعبد الله بن العباس خفيف رمل بالوسطى

الأحوص وموسى شهوات
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمي قال مدح موسى شهوات أبا بكر بن عبد العزيز بن مروان بقصيدة أحسن فيها وأجاد وقال فيها
( وكذاك الزمانُ يذهب بالناس ... وتَبْقى الديارُ والآثارُ )
فقام الأحوص ودخل منزله وقال قصيدة مدح فيها أبا بكر بن عبد العزيز أيضا وأتى فيها بهذا البيت بعينه وخرج فأنشدها فقال له موسى شهوات ما رأيت يا أحوص مثلك قلت قصيدة مدحت فيها الأمير فسرقت أجود بيت فيها وجعلته في قصيدتك فقال له الأحوص ليس الأمر كما ذكرت ولا البيت لي ولا لك هو للبيد سرقناه جميعا منه إنما ذكر لبيد قومه فقال

( فعفا آخرُ الزمانِ عليهم ... فَعلى آخرِ الزمان الدَّبَارُ )
( وكذاك الزمانُ يذهب بالناسِ ... وتبقى الرُّسُوم والآثارُ )
قال فسكت موسى شهوات فلم يحر جوابا كأنما ألقمه حجرا
ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي خبر الأحوص مع سلامة التي ذكرها في هذا الشعر وهو موضوع لا أشك فيه لأن شعره المنسوب إلى الأحوص شعر ساقط سخيف لا يشبه نمط الأحوص والتوليد بين فيه يشهد على أنه محدث والقصة أيضا باطلة لا أصل لها ولكني ذكرته في موضعه على ما فيه من سوء العهدة قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو محمد الجزري قال كانت بالمدينة سلامة من أحسن الناس وجها وأتمهن عقلا وأحسنهن حديثا قد قرأت القرآن وروت الأشعار وقالت الشعر وكان عبد الرحمن بن حسان والأحوص بن محمد يختلفان إليها فيرويانها الشعر ويناشدانها إياه فعلقت الأحوص وصدت عن عبد الرحمن فقال لها عبد الرحمن يعرض لها بما ظنه من ذلك
( أَرَى الإِقبالَ منكِ على خليلي ... وما لي في حديثكُم نَصيبُ )
فأجابته
( لأن الله علَّقه فؤادي ... فحاز الحبَّ دونَكم الحبيبُ )

فقال الأحوص
( خليلي لا تَلُمْها في هواها ... ألذُّ العيشِ ما تَهْوى القلوبُ )
قال فأضرب عنها ابن حسان وخرج ممتدحا ليزيد بن معاوية فأكرمه وأعطاه فلما أراد الانصراف قال له يا أمير المؤمنين عندي نصيحة قال وما هي قال جارية خلفتها بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم وأعقلهم ولا تصلح أن تكون إلا لأمير المؤمنين وفي سماره فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه فوقعت منه موقعا عظيما وفضلها على جميع من عنده وقدم عبد الرحمن المدينة فمر بالأحوص وهو قاعد على باب داره وهو مهموم فأراد أن يزيده إلى ما به فقال
( يا مُبْتَلىً بالحب مفدوحَا ... لاقَى من الحبِّ تَبَارِيحَا )
( أَلْجمه الحبُّ فما يَنْثَنِي ... إلا بكأس الشوق مَصْبوحَا )
( وصار ما يُعْجبه مُغْلَقاً ... عنه وما يكره مفتوحَا )
( قد حازها من أصبحتْ عنده ... ينال منها الشَّمَّ والرِّيحَا )
( خليفةُ الله فسَلِّ الهَوَى ... وعَزِّ قلباً منك مجروحا )
فأمسك الأحوص عن جوابه ثم إن شابين من بني أمية أرادا الوفادة إلى يزيد فأتاهما الأحوص فسألهما أن يحملا له كتابا ففعلا فكتب إليها معهما
( سَلاّمُ ذكرُكِ مُلْصَقٌ بلسانيٍ ... وعلى هواكِ تَعُودُني أَحْزانِي )
( ما لي رأيتُكِ في المنام مطيعةً ... وإذا انتبهتُ لَجَجْتِ في العصيان )
( أبداً محبُّك مُمْسِكٌ بفؤاده ... يخشى اللَّجَاجةَ منكِ في الهِجْرانِ )
( إن كنتِ عاتبةً فإنّي مُعْتِبٌ ... بعد الإِساءة فاقبلي إحساني )

( لا تقتُلي رجلاً يَراكِ لما به ... مثلَ الشراب لغُلّة الظمآن )
( ولقد أقول لقاطَنْين مِنَ آهلنا ... كانا على خُلُقي من الإِخوان )
( يا صاحبيَّ على فؤادي جمرةٌ ... وبَرَى الهوى جسمي كما تَرَيان )
( أَمُرَقِّيانِ إلى سلامة أنتما ... ما قد لقيتُ بها وتَحْتَسِبان )
( لا أستطيع الصبر عنها إنها ... من مهجتي نزلتْ بكلِّ مكان )
قال ثم غلبه جزعه فخرج إلى يزيد ممتدحا له فلما قدم عليه قربه وأكرمه وبلغ لديه كل مبلغ فدست إليه سلامة خداما وأعطته مالا على أن يدخله إليها فأخبر الخادم يزيد بذلك فقال امض برسالتها ففعل ما أمره به وأدخل الأحوص وجلس يزيد بحيث يراهما فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها وأمرت فألقي له كرسي فقعد عليه وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة الشوق فلم يزالا يتحدثان إلى السحر ويزيد يسمع كلامهما من غير أن تكون بينهما ريبة حتى إذا هم بالخروج قال
( أَمْسَى فؤاديَ في همٍّ وبِلْبال ... من حبِّ مَنْ لم أَزَلْ منه على بال )
فقالت
( صحا المحبُّون بعد النأيِ إذ يئسوا ... وقد يئستُ وما أصحوا على حال )
فقال
( مَنْ كان يسلو بيأسٍ عن أخي ثِقَةٍ ... فعن سَلاَمَة ما أمسيتُ بالسَّالِي )
فقالت
( واللهِ واللهِ لا أنساكَ يا سَكَنِي ... حتى يُفارِقَ منِّي الرُّوحُ أَوْصَالِي )
فقال
( واللهِ ما خاب مَنْ أمسَى وأنتِ له ... يا قُرَّة العين في أهل وفي مال )

ثم ودعها وخرج فأخذه يزيد ودعا بها فقال أخبراني عما كان جرى بينكما في ليلتكما واصدقاني فأخبراه وأنشداه ما قالاه فلم يخرما حرفا ولا غيرا شيئا مما سمعه فقال له يزيد أتحبها يا أحوص قال إي والله يا أمير المؤمنين
( حُبًّا شديداً تليداً غيرَ مُطَّرِفٍ ... بين الجوانح مثلَ النار يَضْطَرِمُ )
فقال لها أتحبينه قالت نعم يا أمير المؤمنين
( حبًّا شديداً جرى كالرُّوح في جسدي ... فهل يُفَرَّق بين الرُّوح والجسد )
فقال يزيد إنكما لتصفان حبا شديدا خذها يا أحوص فهي لك ووصله بصلة سنية وانصرف بها وبالجارية إلى الحجاز وهو من أقر الناس عينا مضى الحديث

مدن معبد
أصوات معبد المسماة مدن معبد وتسمى أيضا حصون معبد
أخبرني ابن أبي الأزهر والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حسين في خبره واللفظ له عن إسماعيل بن جامع عن يونس الكاتب قال قال معبد وقد سمع رجلا يقول إن قتيبة بن مسلم فتح سبعة حصون

أو سبع مدن بخراسان فيها سبعة حصون صعبة المرتقى والمسالك لم يوصل إليها قط فقال والله لقد صنعت سبعة ألحان كل لحن منها أشد من فتح تلك الحصون فسئل عنها فقال
( لعَمْرِي لئن شَطَّتْ بعَثْمةَ دارُها ... )
( و : هُرَيْرةَ ودِّعها وإن لام لائمُ ... )
( و : رأيتُ عَرابةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو ... )
( و : كم بذاك الحَجُونِ من حَيِّ صِدْقٍ ... )
( و : لو تعلمين الغَيْبَ أيقنت أنني ... )
( و : يا دار عَبْلةَ بالجِوَاء تكلَّمِي ... )
( و : ودِّع هريرةَ إنّ الركبَ مُرْتِحلُ ... )
ومن الناس من يروي مدن معبد
( تقطَّع من ظَلاَّمةَ الوصلُ أجمعُ ... )
( و : خَمْصانةٌ قَلِقٌ مُوشَّحُها ... )
( و : يومَ تُبدِي لنا قُتَيْلةُ ... )
مكان
( كم بذاك الحَجُونِ من حي صدق ... )

( و : لو تعلمين الغيب أيقنتِ أنني ... )
( و : يا دارَ عَبْلة بالجِواء تكلَّمِي ... )
نسبة هذه الأصوات وأخبارها

صوت
( لعَمْرِي لئن شَطَّتْ بعَثْمةَ دارُها ... لقد كدتُ من وَشْك الفِراق أُلِيحُ )
( أَرُوح بهَمٍّ ثم أَغْدُو بمثله ... ويُحسَب أنّي في الثياب صحيح )
عروضه من الطويل شطت بعدت ووشك الفراق دنوه وسرعته وأليح أشفق وأجزع الشعر لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - أول بالخنصر في مجرى البنصر من رواية يونس وإسحاق وعمرو وغيرهم وفيه رمل يقال إنه لابن سريج

ذكر عبيد الله بن عبد الله ونسبه
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأر بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار وهو في حلفاء بني زهرة من قريش وعداده فيهم وعتبة بن مسعود وعبد الله بن مسعود البدري صاحب رسول الله أخوان ولعتبة صحبة بالنبي وليس من البدريين وكان ابنه عبد الله أبو عبيد الله بن عبد الله رجلا صالحا واستعمله عمر بن الخطاب فأحمده
ولعبيد الله بن عبد الله أخوان عون وعبد الرحمن
وكان عون من أهل الفقه والأدب وكان يقول بالإرجاء ثم رجع عنه وقال وكان شاعرا
( فأوّلُ ما أُفارِقُ غيرَ شَكٍّ ... أُفَارِقُ ما يقول المُرْجِئونا )
( وقالوا مؤمنٌ من آل جَوْرٍ ... وليس المؤمنون بجائرينا )
( وقالوا مؤمنٌ دَمُه حلالٌ ... وقد حَرُمتْ دِماءُ المؤمنينا )

وخرج مع ابن الأشعث فلما هزم هرب وطلبه الحجاج فأتى محمد بن مروان بن الحكم بنصيبين فأمنه وألزمه ابنيه مروان بن محمد وعبد الرحمن بن محمد فقال له كيف رأيت ابني أخيك قال أما عبد الرحمن فطفل وأما مروان فإني إن أتيته حجب وإن قعدت عنه عتب وإن عاتبته صخب وإن صاحبته غضب ثم تركه ولزم عمر بن عبد العزيز فلم يزل معه ذكر ذلك كله ومعانيه الأصمعي عن أبي نوفل الهذلي عن أبيه ولعون يقول جرير
( يا أيُّها القارئُ الْمُرخِي عِمَامتَه ... هذا زمانُك إنّي قد مضى زمني )
( أَبْلغْ خليفتَنا إن كنتَ لاقِيَه ... أنّي لدى الباب كالمصفود في قَرَنِ )
وخبره يأتي في أخبار جرير
وأما عبد الرحمن فلم تكن له نباهة أخويه وفضلهما فسقط ذكره

بعض من صفاته
وأما عبيد الله فإنه أحد وجوه الفقهاء الذين روي عنهم الفقه والحديث

وهو أحد السبعة من أهل المدينة وهم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وخارجة ابن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار وكان عبيد الله ضريرا وقد روى عن جماعة من وجوه الصحابة مثل ابن عباس وعبد الله ابن مسعود عمه وأبي هريرة وروى عنه الزهري وابن أبي الزناد وغيرهما من نظرائهما
وكان عبد الله بن عباس يقدمه ويؤثره

أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا حماد بن زيد عن معمر عن الزهري قال كان عبيد الله بن عبد الله يلطف لابن عباس فكان يعزه عزا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن عن مالك بن أنس عن ابن شهاب الزهري قال كنت أخدم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حتى إن كنت لأستقي الماء الملح وإن كان ليسأل جاريته فتقول غلامك الأعمش
أخبرني وكيع قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أدركت اربعة بحور عبيد الله بن عبد الله أحدهم
أخبرني وكيع قال حدثنا محمد قال حدثنا حامد بن يحيى عن ابن عيينة عن الزهري قال سمعت من العلم شيئا كثيرا فلما لقيت عبيد الله بن عبد الله كأني كنت في شعب من الشعاب فوقعت في الوادي وقال مرة صرت كأني لم أسمع من العلم شيئا
أخبرني وكيع قال حدثني بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي عن ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال كان عمر بن عبد العزيز يقول ليت لي مجلسا من عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بدية
أخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمي عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن حمزة بن عبد الله قال

قال عمر بن عبد العزيز لو كان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حيا ما صدرت إلا عن رأيه ولوددت أن لي بيوم من عبيد الله غرما قال ذلك في خلافته
أخبرنا محمد بن جرير الطبري وعم أبي عبد العزيز بن أحمد ومحمد ابن العباس اليزيدي والطوسي ووكيع والحرمي بن أبي العلاء وطاهر بن عبد الله الهاشمي قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وابن أخيه يحيى بن محمد بن طلحة جميعا عن عثمان بن عمر بن موسى عن الزهري قال دخل عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة على عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة فقال عروة لشيء حدث به من ذكر عائشة وعبد الله بن الزبير سمعت عائشة تقول ما أحببت أحدا حبي عبد الله بن الزبير لا أعني رسول الله ولا أبوي فقال عمر إنكم لتنتحلون عائشة لابن الزبير انتحال من لا يرى لكل مسلم معه فيها نصيبا فقال عروة بركة عائشة كانت أوسع من ألا يرى لكل مسلم فيها حق ولقد كان عبد الله منها بحيث وضعته الرحم والمودة التي لا يشرك كل واحد منهما فيه عند صاحبه أحد فقال عمر كذبت فقال عروة هذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يعلم أني غير كاذب وإن من أكذب الكاذبين من كذب الصادقين فسكت عبيد الله ولم يدخل بينهما في شيء فأفف بهما عمر وقال اخرجا عني ثم لم يلبث أن بعث إلى عبيد الله بن عبد الله رسولا يدعوه لبعض ما كان يدعوه إليه فكتب إليه عبيد الله
( لَعمْرُ ابنِ لَيْلَى ابنِ عائشةَ التي ... لمَرْوانَ أَدّتْهُ أبٌ غير زُمَّلِ )

( لَوَ أنهمُ عمًّا وجَدًّا ووالداً ... تأسَّوْا فسَنُّوا سُنَّة المُتَعَطِّل )
( عذرتُ أبا حَفْص وإن كان واحداً ... من القوم يَهدي هديَهم ليس يأتلي )
( ولكنهم فاتُوا وجئتَ مُصَلِّياً ... تقرِّب إثْرَ السابق المتمهل )
( وعُمْتَ فإن تَسْبِق فضِنْءُ مبَرِّزٍ ... جوادٍ وإن تُسْبَق فنفسَك فاعذُل )
( فمالك بالسلطان أن تَحْمِل القَذَى ... جفون عيونٍ بالقَذَى لم تُكَحَّل )
( وما الحقُّ أن تَهْوَى فتُسْعَفَ بالذي ... هَوِيتَ إذا ما كان ليس بأعدل )
( أبَى اللهُ والأحسابُ أن تَرْأم الخَنَا ... نفوسٌ كرامٌ بالخَنا لم تُوكَّلِ )
قال الزبير في خبره وحده الضنء والضنء الولد قال وأنشد الخليل بن أسد قال أنشدني دهثم
( ابنُ عَجُوزٍ ضَنْؤُها غيرُ أَمِرْ ... لو نحرتْ في بيتها عشرَ جُزُرْ )
( لأصبحتْ من لحمهنّ تعتذر ... تغدو على الحيّ بعود من سَمُرْ )
( حتى يَفِرَّ أهلُها كلَّ مَفَرّْ ... )
أخبرني الحسن بن علي ووكيع قالا حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير وأخبرناه الحرمي بن أبي العلاء إجازة قال حدثنا الزبير عن ابن أبي أويس عن بكار بن حارثة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة إن عبيد الله بن عبد الله جاء إلى عمر بن عبد العزيز فاستأذن عليه فرده الحاجب وقال له عنده عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو مختل

به فانصرف غضبان وكان في صلاحه ربما صنع الأبيات فقال لعمر
( أَبِنْ لي فكُنْ مِثْلي أو ابتغِ صاحباً ... كمثلكَ إنَّي تابع صاحباً مثلي )
( عزيزٌ إخائي لا يَنال مودّتي ... من الناس إلا مسلمٌ كامل العقل )
( وما يَلْبَثُ الفِتْيانُ أن يتفرّقوا ... إذا لم يُؤلَّفْ روحُ شكل إلى شكل )
قال فأخبر عمر بأبياته فبعث إليه أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وعراك بن مالك يعذرانه عنده ويقولان إن عمر يقسم بالله ما علم بأبياتك ولا برد الحاجب إياك فعذره قال الزبير وقد أنشدني محمد بن الحسن قال أنشدني محرز بن جعفر لعبيد الله بن عبد الله هذه الأبيات وزاد فيها وهو أولها
( وإنِّي امرؤ من يُصْفِني الودَّ يُلْفِني ... وإن نَزحتْ دارٌ به دائمَ الوصل )
( عزيزٌ إخائي لا ينال مودّتي ... من الناس إلا مسلمٌ كاملُ العقل )
( ولولا اتَّقائي اللهَ قلتُ قصيدةً ... تسير بها الرُّكْبانُ أًبْرَدُها يَغْلِي )
( بها تُنْقَض الأحلاسُ في كلَّ منزل ... ويَنْفِي الكَرَى عنه بها صاحبُ الرَّحْل )
( كفاني يسيرٌ إذ أراكَ بحاجتي ... كَلِيلَ اللسانِ ما تُمِرُّ وما تُحْلِي )
( تُلاوِذُ بالأبواب منَّي مخافةَ المَلامة ... والإِخلافُ شر من البخل )
وذكر الأبيات الأول بعد هذه

شعره في عراك بن مالك وابن حزم
أخبرني وكيع قال حدثني علي بن حرب الموصلي قال حدثنا إسماعيل ابن ريان الطائي قال سمعت ابن إدريس يقول

كان عراك بن مالك وأبو بكر بن حزم وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة يتجالسون بالمدينة زمانا ثم إن ابن حزم ولي إمرتها وولي عراك القضاء وكانا يمران بعبيد الله فلا يسلمان عليه ولا يقفان وكان ضريرا فأخبر بذلك فأنشأ يقول
( ألا أبلغا عنِّي عِراكَ بنَ مالك ... ولا تَدَعا أن تَثْنيا بأبي بكر )
( فقد جعلتْ تَبْدو شَوَاكِلُ منكما ... كأنّكما بي مُوقَرَان من الصَّخْر )
( وطاوعتُما بي داعِكاً ذا مَعَاكةٍ ... لعَمْرِي لقد أَزْرَى وما مثله يُزْرِي )
( ولولا اتِّقائي ثم بقُيْايَ فيكما ... للمُتكُما لوماً أحرَّ من الجمر )

صوت
( فَمَسَّا تُرابَ الأرض منها خُلِقتُما ... ومنها المَعَادُ والمَصِيرُ إلى الحَشْرِ )
( ولا تأنَفا أن تسألا وتسلِّما ... فما خشي الإنسانُ شرًّا من الكِبْر )
( فلو شئتُ أن ألفِي عدوًّا وطاعنا ... لأَلْفَيْتُه أو قال عنديَ في السرِّ )
( فإن أنا لم آمُرْ ولم أَنْهَ عنكما ... ضحكتُ له حتى يَلِجَّ ويَسْتَشْرِي )
عروضه من الطويل غني في
( فمَسّا ترابَ الأرض منها خُلِقتُما ... )
والذي بعده لحن من الثقيل الأول بالبنصر من رواية عمرو بن بانة

وابن المكي ويونس وغيرهم وزعم ابن شهاب الزهري أن عبيد الله قال هذه الأبيات في عمر بن عبد العزيز وعمرو بن عثمان يعني أن الأبيات الأول ليست منها في شيء وإنما أدخلت فيها لاتفاق الروي والقافية
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم ابن المنذر الحزامي قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن ابن شهاب قال جئت عبيد الله بن عبد الله يوما في منزله فوجدته ينفخ وهو مغتاظ فقلت له مالك قال جئت أميركم آنفا يعني عمر بن عبد العزيز فسلمت عليه وعلى عبد الله بن عمرو بن عثمان فلم يردا علي فقلت
( فَمسَّا ترابَ الأرض منها خُلقتما ... )
وذكر الأبيات الأربعة قال فقلت له رحمك الله أتقول الشعر في فضلك ونسكك قال إن المصدور إذا نفث برأ
قال أبو زيد حدثنا إبراهيم بن المنذر وأنشدني هذه الأبيات عبد العزيز ابن أبي ثابت عن ابن أبي الزناد له وذكر مثل ذلك وأنها في عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عمرو وزاد فيها
( وكيف يُريدانِ ابنَ تسعين حِجَّةً ... على ما أتَى وهو ابن عشرين أو عشرِ )

بعض من شعره الجيد
ولعبيد الله بن عبد الله شعر فحل جيد ليس بالكثير منه قوله
( إذا كان لي سِرٌّ فَحدّثْتُه العِدَا ... وضاق به صدري فلَلنَّاسُ أعْذَرُ )
( وسرُّك ما استُودعتَه وكتمتَه ... وليس بسرٍّ حين يفشو ويظهر )
وقوله لابن شهاب الزهري
( إذا قلتُ أمَّا بعدُ لم يُثْنَ مَنْطِقِي ... فحاذِرْ إذا ما قلتُ كيف أقولُ )
( إذا شئتَ أن تَلْقَى خليلاً مصافِياً ... لقيتَ وإخوانُ الثِّقاتِ قليل )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الجبار ابن سعيد المساحقي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال أنشد عبيد الله بن عبد الله جامع بن مرخية الكلابي لنفسه
( لعَمْرُ أبي المُحْصِينَ أيامَ نلتقي ... لمَاَ لا نُلاقِيها من الدهر أكثرُ )
( يَعُدُّون يوماً واحداً إن أتيتُها ... ويَنْسَوْن ما كانت على الدهر تهجُر )
( وإن أولعَ الواشون عَمْداً بوصلنا ... فنحن بتجديد المودة أبصر )
قال فأعجبت أبياته هذه جامعا فسر ذلك عبيد الله فكساه وحمله
جامع بن مرخية هذا من شعراء الحجاز وهو الذي يقول
( سألتُ سعيدَ بن المسيَّب مفتيَ المدينة ... هل في حبِّ ظَمْياءَ من وِزْرِ )
( فقال سعيد بن المسيَّب إنما ... تُلام على ما تستطيع من الأمر )
فبلغ قوله سعيدا فقال كذب والله ما سألني ولا أفتيته بما قال أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير
ومن جيد شعر عبيد الله وسهله

( أعاذلَ عاجلُ ما أشتهي ... أحبُّ من الآجل الرائثِ )
( سأُنفق مالي على لذّتي ... وأوثِر نفسي على الوارث )
( أُبادِر إهلاكَ مستهلِك ... لماليَ أو عبثَ العابث )
وقوله يفتخر في أبيات
( إذا هي حَلَّت وَسْط عُوذِ ابن غالبٍ ... فذلك ودٌّ نازحٌ لا أُطالعُه )
( شددتُ حَيَازِيمي على قلب حازِمٍ ... كَتومٍ لما ضُمَّتْ عليه أضالعه )
( أُدَاجي رجالاً لستُ مُطْلِعَ بعضِهم ... على سرِّ بعضٍ إنّ صدريَ واسعه )
( بنِي ليَ عبدُ الله في ذِرْوة العلا ... وعُتْبةُ مجداً لا تُنال مصانعه )
وقوله فيه غناء

صوت
( إن يَكُ الدهرُ قد أضرَّ بنا ... من غير ذَحْلٍ فربَّما نفعا )
( أبكي على ذلك الزمانِ ولا ... أحسَب شيئاً قد فات مُرْتَجَعَا )
( إذ نحن في ظلّ نعمةٍ سلَفتْ ... كانت لها كلُّ نعمةٍ تَبَعا )
عروضه من المنسرح غنت فيها عريب خفيف رمل عن الهشامي
حدثنا محمد بن جرير الطبري والحرمي بن أبي العلاء ووكيع قالوا

حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إسماعيل بن يعقوب عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال قدمت المدينة امرأة من ناحية مكة من هذيل وكانت جميلة فخطبها الناس وكادت تذهب بعقول أكثرهم فقال فيها عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة
( أحِبُّك حبًّا لو علمتِ ببعضه ... لَجُدْتِ ولم يَصعُبْ عليكِ شَديدُ )
( وحُبُّكِ يا أُمَّ الصبيِّ مُدَلِّهي ... شَهيدي أبو بكر وأيُّ شهيدِ )
( ويعلم وَجْدِي القاسمُ بن محمد ... وعُرْوَةُ ما ألقَى بكم وسَعيدُ )
( ويعلم ما أُخْفِي سليمانُ علمَه ... وخارجةٌ يُبْدِي لنا ويُعيدُ )
( متى تَسألي عمَّا أقول فَتُخْبَري ... فللحبِّ عندي طارفٌ وتَلِيدُ )
فبلغت أبياته سعيد بن المسيب فقال والله لقد أمن أن تسألنا وعلم أنها لو استشهدت بنا لم نشهد له بالباطل عندها
وقال الزبير أبو بكر الذي ذكر والنفر المسمون معه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت وهم الفقهاء الذين أخذ عنهم أهل المدينة

شعره في عثمة
أخبرني وكيع قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات عن أحمد بن سعيد الفهري عن إبراهيم بن المنذر بن عبد الملك بن الماجشون
أن أبيات عبيد الله بن عبد الله بن عتبة التي أولها
( لَعَمْرِي لئن شَطَّت بعَثْمَةَ دارُها ... لقد كدتُ من وَشْك الفراق أُلِيحُ )

قالها في زوجة له كانت تسمى عثمة فعتب عليها في بعض الأمر فطلقها وله فيها أشعار كثيرة منها هذه الأبيات ومنها قوله يذكر ندمه على طلاقها
( كتمتَ الهوى حتى أضرَّ بك الكَتْمُ ... ولامك أقوامٌ ولومُهُم ظلمُ )
وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال قال لي عمي لقيني علي بن صالح فأنشدني بيتا وسألني من قائله وهل فيه زيادة فقلت لا أدري وقد قدم ابن أخي أعنيك وقلما فاتني شيء إلا وجدته عنده قال الزبير فأنشدني عمي البيت وهو
( غُرَابٌ وظبيٌ أعضبُ القَرْنِ نَادَيَا ... بصُرْمٍ وصِرْدَانُ العَشِيّ تَصِيحُ )
فقلت له قائله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وتمامها
( لعَمْرِي لئن شَطَّت بعَثْمةَ دارُها ... لقد كدتُ من وَشْك الفِراق أُلِيحُ )
( أَرُوحُ بهَمٍّ ثم أغدو بمثله ... ويُحْسَبُ أنِّي في الثياب صحيحُ )
فكتبهما عمي عني وانصرف بهما إليه

صوت
( ألاَ مَنْ لنفسٍ لا تموت فيَنقضي ... عَناها ولا تحيا حياةً لها طعم )
( أأترُك إتيانَ الحبيب تأثُّماً ... ألاَ إنّ هِجْرانَ الحبيب هو الإِثم )
( فذُقْ هجرَها قد كنتَ تزعُم أنه ... رشادٌ ألاَ يا ربّما كذَب الزَّعْم )
عروضه من الطويل غنى يونس في هذه الأبيات الثلاثة لحنا ماخوريا

وهو خفيف الثقيل الثاني من رواية إسحاق ويونس وابن المكي وغيرهم وغنت عريب في
( أأترك إتيانَ الحبيب تأثُّما ... )
لحنا من الثقيل الأول وأضافت إليه بعده على الولاء بيتين ليسا من هذا الشعر وهما
( وأقبل أقوالَ الوُشاة تَجَرُّماً ... ألاَ إن أقوال الوُشاة هي الجُرْمُ )
( وأشتاقُ لي إلْفاً على قُرب دارِه ... لأنّ مُلاقاةَ الحَبيب هي الغُنْم )
ومما قاله عبيد الله أيضا في زوجته هذه وغني فيه
صوت
( عَفَتْ أطلالُ عَثْمةَ بالغَمِيم ... فأضحتْ وهي مُوحِشةُ الرُّسومِ )
( وقد كُنَّا نَحُلُّ بها وفيها ... هَضِيمُ الكَشْحِ جائلةُ البَرِيم )
عروضه من الوافر عفت درست والأطلال ما شخص من آثار الديار والرسوم ما لم يكن له شخص منها ولا ارتفاع وإنما هو أثر والهضيم الكشح الخميص الحشى والبطن والبريم الخلخال وقيل بل هو اسم لكل ما يلبس من الحلي في اليدين والرجلين والجائل ما يجول في موضعه لا يستقر غنى في هذين البيتين قفا النجار ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر
ومما قاله في زوجته عثمة وفيها غناء

صوت
( تغلغلَ حُبُّ عَثْمةَ في فؤادي ... فباديه مع الخافِي يسيرُ )
( تغلغل حيث لم يَبْلُغْ شرابٌ ... ولا حُزْنٌ ولم يبلُغ سرورُ )
( صدَعْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيه ... هواكِ فَلِيمَ والتأمَ الفُطُورُ )
( أكاد إذا ذَكرتُ العهد منها ... أطير لَوَ أنّ إنساناً يَطير )
( غَنِيُّ النفسِ أنْ أزدادَ حبًّا ... ولكنّي إلى صِلَةٍ فَقير )
( وأَنْفَذ جارِحاكِ سوادَ قلبي ... فأنتِ عليَّ ما عِشنا أميرُ )
لمعبد في الأول والثاني من الأبيات هزج بالبنصر عن حبش وذكر أحمد بن عبيد الله أنه منحول من المكي وفي الثالث ثم الثاني لأبي عيسى ابن الرشيد رمل
قال ابن أبي الزناد في الخبر الذي تقدم ذكره عن عبيد الله وما قاله من الشعر في عثمة وغيرها فقيل له أتقول في مثل هذا قال في اللدود راحة المفؤود
أخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال حدثنا ابن وهب عن يعقوب يعني ابن عبد الرحمن عن أبيه قال كان رجل يأتي عبيد الله بن عبد الله ويجلس إليه فبلغ عبيد الله أنه يقع ببعض أصحاب رسول الله فجاءه الرجل فلم يلتفت إليه عبيد الله وكان الرجل شديد العقل فقال له يا أبا محمد إن لك لشأنا فإن رأيت لي عذرا فأقبل عذري فقال له أتتهم الله في علمه قال أعوذ بالله قال أتتهم رسول الله في حديثه قال أعوذ بالله قال يقول الله عز و جل

( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) وأنت تقع في فلان وهو ممن بايع فهل بلغك أن الله سخط عليه بعد أن رضي عنه قال والله لا أعود أبدا قال والرجل عمر بن عبد العزيز
أخبرني وكيع عن أحمد بن زهير عن يحيى بن معين قال مات عبيد الله بن عبد الله بن عتبة سنة اثنتين ومائة ويقال سنة تسع وتسعين
أخبرني محمد بن جرير الطبري والحسن بن علي عن الحارث عن ابن سعد عن معن عن محمد بن هلال أن عبيد الله توفي بالمدينة سنة ثمان وتسعين
ومنها
صوت
( ودِّع هُرَيْرةَ إن الرَّكْب مُرْتَحِلُ ... وهل تُطيق وَداعاً أيُّها الرجلُ )
( غَرَّاءُ فَرْعاءُ مصقولٌ عوارضُها ... تمشي الهُوَيْنَى كما يمشي الوَجِي الوَحِلُ )
( تسمع للحَلْيِ وَسْوَاساً إذا انصرفتْ ... كما استعان بريح عِشْرِقٌ زَجِلُ )
( عُلِّقْتُها عَرَضاً وعُلِّقتْ رجُلاً ... غيري وعُلِّق أخرى غيرَها الرَّجلُ )
( قالت هريرةُ لمّا جئتُ زائرَها ... وَيْلِي عليك وويلي منك يا رجلُ )

( لم تمشِ مِيلاً ولم تركب على جملٍ ... ولم تَر الشمس إلا دونها الكِلَلُ )
( أقول للركب في دُرْنَى وقد ثَمِلوا ... شِيمُوا وكيف يَشِيم الشاربُ الثَّمِلُ )
( كناطحٍ صخرةً يوماً ليَفْلِقَها ... فلم يَضِرْها وأَوْهَى قَرْنَه الوَعِلُ )
( أبلغ يزيدَ بني شَيْبانَ مَأْلُكَةً ... أبا ثُبَيتٍ أمَا تَنْفَكُّ تأتَكِلُ )
( إن تركبوا فركوبُ الخيل عادتُنا ... أو تنزلون فإنّا معشرٌ نُزُلُ )
( وقد غدوتُ إلى الحانوت يَتْبَعُني ... شاوٍ نَشُولٌ مِشَلٌّ شُلْشُلٌ شَوِلُ )
( في فِتُيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أن ليس يدفَع عن ذي الحيلة الحِيَلُ )
( نازعتُهم قُضُبَ الرَّيْحان مُتَّكِئاً ... وقهوةً مُزَّةً راووقُها خَضِلُ )
غنى معبد في الأول والثاني في لحنه المذكور من مدن معبد لحنا من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكرت دنانير أن فيهما لابن سريج أيضا صنعة ولمعبد أيضا في الرابع والخامس والثالث ثقيل أول ذكره حبش وقيل بل هو لحن ابن سريج وذلك الصحيح ولابن محرز في الثقيل في إن تركبوا وفي كناطح صخرة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق ولحنين الحيري في أبلغ يزيد بني شيبان وإن تركبوا ثاني ثقيل آخر وذكر أحمد بن

المكي أن لابن محرز في ودع هريرة وتسمع للحلي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر وفي وقد غدوت وما بعده رمل لابن سريج ومخارق عن الهشامي ولابن سريج في تسمع للحلي وقبله ودع هريرة رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وللغريض في قالت هريرة وعلقتها عرضا رمل وفي هذه الأبيات بعينها هزج ينسب إليه أيضا وإلى غيره وفي تسمع للحلي وقالت هريرة هزج لمحمد بن حسن بن مصعب وفي لم تمش ميلا وأقول للركب لابن سريج خفيف الثقيل الأول بالبنصر عن حبش وفي قالت هريرة وتسمع للحلي لحن لابن سريج وإن لحنين في البيتين الآخرين لحنا آخر وقد مضت أخبار هريرة مع الأعشى في
( هُرَيرةَ ودِّعها وإن لام لائمُ ... )
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعي قال قلت لأعرابية ما الغراء قالت التي بين حاجبيها بلج وفي جبهتها اتساع تتباعد قصتها معه عن حاجبيها فيكون بينهما نفنف وقال أبو عبيدة الفرعاء الكثيرة الشعر والعوارض الأسنان والهويني تصغير الهونى والهونى مؤنث الأهون والوجي الظالع وهو الذي قد حفي فليس يكاد يستقل على رجله والوحل الذي قد وقع في الوحل والعشرق نبت يبس فتحركه الريح شبه صوت حليها بصوته الزجل المصوت من العشرق وعلقتها أجببتها وعرضا على غير موعد الوعل التيس الجبلي والجمع أوعال مألكة رسالة والجمع مآلك ما تنفك ما تزال وتأتكل تتحرق وقال أبو عبيدة الشاوي الذي يشوي اللحم والنشول الذي ينشل اللحم من

القدر ومشل سواق سريع يسوق به وشلشل خفيف وشول طيب الريح

خلاف بني كعب وبني همام
الشعر للأعشى وقد تقدم نسبه وأخباره يقول هذه القصيدة ليزيد بن مسهر أبي ثابت الشيباني قال أبو عبيدة وكان من حديث هذه القصيدة أن رجلا من بني كعب بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة يقال له ضبيع قتل رجلا من بني همام يقال له زاهر بن سيار بن أسعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان ضبيع مطروقا ضعيف العقل فنهاهم يزيد بن مسهر أن يقتلوا ضبيعا بزاهر وقال اقتلوا به سيدا من بني سعد بن مالك بن ضبيعة فحض بني سيار بن أسعد على ذلك وأمرهم به وبلغ بني قيس ما قاله فقال الأعشى هذه الكلمة يأمره أن يدع بني سيار وبني كعب ولا يعين بني سيار فإنه إن أعانهم أعانت قبائل بني قيس بن كعب وحذرهم أن تلقى شيبان منهم مثل ما لقوا يوم العين عين محلم بهجر
يوم عين محلم
قال أبو عبيدة وكان من حديث ذلك اليوم كما زعم عمر بن هلال أحد بني سعد بن قيس بن ثعلبة أن يزيد بن مسهر كان خالع أصرم بن عوف ابن ثعلبة بن سعد بن قيس بن ثعلبة وكان عوف أبو بني الأصرم يقال له

الأعجف والضيعة له وهي قرية باليمامة فلما خلع يزيد أصرم من ماله خالعه على أن يرهنه ابنيه أفلت وشهابا ابني أصرم وأمهما فطيمة بنت شرحبيل بن عوسجة بن ثعلبة بن سعد بن قيس وأن يزيد قمر أصرم فطلب أن يدفع إليه ابنيه رهينة فأبت أمهما وأبى يزيد إلا أخذهما فنادت قومها فحضر الناس للحرب فاشتملت فطيمة على ابنيها بثوبها وفك قومها عنها وعنهما فذلك قول الأعشى
( نحن الفوارس يوم العَيْن ضاحيةً ... جَنْبَيْ فُطَيُمةَ لا مِيلٌ ولا عُزُلُ )
قال فانهزمت بنو شيبان فحذر الأعشى أن يلقى مسهر مثل تلك الحال
قال أبو عبيدة وذكر عامر ومسمع عن قتادة الفقيه أن رجلين من بني مروان تنازعا في هذا الحديث فجردا رسولا في ذلك إلى العراق حتى قدم إلى الكوفة فسأل فأخبر أن فطيمة من بني سعد بن قيس كانت عند رجل من بني شيبان وكانت له زوجة أخرى من بني شيبان فتعايرتا فعمدت الشيبانية فحلت ذوائب فطيمة فاهتاج الحيان فاقتتلوا فهزمت بنو شيبان يومئذ
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن محمد القصير قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثني أبو اليقظان قال حدثني جويرية عن يشكر ابن وائل اليشكري وكان من علماء بكر بن وائل وولد أيام مسيلمة فجيء

به إليه فمسح على رأسه فعمي قال جويرية فحدثني يشكر هذا قال حدثني جرير بن عبد الله البجلي قال سافرت في الجاهلية فأقبلت على بعيري ليلة أريد أن أسقيه فجعلت أريده على أن يتقدم فوالله ما يتقدم فتقدمت فدنوت من الماء وعقلته ثم أتيت الماء فإذا قوم مشوهون عند الماء فقعدت فبينا أنا عندهم إذ أتاهم رجل أشد تشويها منهم فقالوا هذا شاعرهم فقالوا له يا فلان أنشد هذا فإنه ضيف فأنشد
( ودَّع هريرةَ إن الركب مرتحلُ ... )
فلا والله ما خرم منها بيتا واحدا حتى انتهى إلى هذا البيت
( تسمع للحَلْي وَسْوَاساً إذا انصرفتْ ... كما استعان بريحٍ عِشْرقِ زَجِلُ )
فأعجب به فقلت من يقول هذا القصيدة قال أنا قلت لولا ما تقول لأخبرتك أن أعشى بني ثعلبة أنشدنيها عام أول بنجران قال فإنك صادق أنا الذي ألقيتها على لسانه وأنا مسحل صاحبه ما ضاع شعر شاعر وضعه عند ميمون بن قيس

صوت
( رأيتُ عَرابةَ الأَوُسِيَّ يسمو ... إلى الخيرات مُنْقَطِعَ القَرينِ )
( إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد ... تلقَّاها عَرابةُ باليمين )
عروضه من الوافر الشعر للشماخ والغناء لمعبد خفيف الثقيل

الأول بالوسطى وذكر إسحاق أنه من الأصوات القليلة الأشباه وذكر ابن المكي أن له فيه لحنا آخر من خفيف الثقيل وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة عن محمد بن يحيى أبي غسان قال غنى أبو نؤى
( رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين )
فنسبه الناس إلى معبد ولعله يعني اللحن الآخر الذي ذكره ابن المكي وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات أخبرني حماد عن ابن أبي جناح قال الناس ينسبون هذا الصوت إلى معبد

ذكر الشماخ ونسبه وخبره
هو فيما ذكر لنا أبو خليفة عن محمد بن سلام الشماخ بن ضرار ابن سنان بن أمية بن عمرو بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد ابن ذبيان وذكر الكوفيون أنه الشماخ بن ضرار بن حرملة بن صيفي بن إياس ابن عبد بن عثمان بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان ابن بغيض بن ريث بن غطفان وأم الشماخ أنمارية من بنات الخرشب ويقال أنهن أنجب نساء العرب واسمها معاذة بنت بجير بن خالد بن إياس والشماخ مخضرم ممن أدرك الجاهلية والإسلام وقد قال للنبي
( تَعَلَّمْ رسولَ الله أنا كأننا ... أَفَأْنا بأَنْمارٍ ثعالبَ ذي غِسْلِ )
يعني أنمار بن بغيض وهم قومه وهو أحد من هجا عشيرته وهجا أضيافه ومن عليهم بالقرى والشماخ لقب واسمه معقل وقيل الهيثم والصحيح معقل قال جبل بن جوال له في قصة كانت بينهما

( لعَمْري لعل الخيرَ لو تعلمانِه ... يَمُنّ علينا مَعْقِلٌ ويزيد )
( منِيحةَ عنزٍ أو عطاءَ فَطِيمةٍ ... ألاَ إنّ نيل الثَّعْبليّ زهيد )
وللشماخ أخوان من أمه وأبيه شاعران أحدهما مزرد وهو مشهور واسمه يزيد وإنما سمي مزردا لقوله
( فقلتُ تَزَرَّدْها عُبَيْدُ فإنني ... لدُرْدِ الشيوخِ في السنينَ مُزَرِّدُ )
والآخر جزء بن ضرار وهو الذي يقول يرثي عمر بن الخطاب رضي الله عنه
( عليك سلامٌ من أميرٍ وباركتْ ... يدُ الله في ذاك الأدِيم الممزَّقِ )
( فمن يَسْعَ أو يركبْ جَناحَيْ نَعامةٍ ... لُيدرك ما حاولتَ بالأمس يُسْبَقِ )
وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا شهاب بن عباد قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا مسعر عن عبد الملك بن عمير عن الصقر بن عبد الله عن عروة عن عائشة قالت ناحت الجن على عمر قبل أن يقتل بثلاث فقالت

( أبعد قَتيلٍ بالمدينة أَظْلمتْ ... له الأرضُ تهتزُّ العِضَاهُ بأسْؤُقِ )
( جَزى اللهُ خيراً من إمامٍ وباركتْ ... يدُ الله في ذاك الأديم الممزَّق )
( فمن يَسْعَ أو يركب جَناحيْ نعامةٍ ... ليُدرك ما حاولتَ بالأمس يُسبَق )
( قضيتَ أموراً ثم غادرتَ بعدها ... بوائقَ في أكمامها لم تُفَتَّقِ )
( وما كنتُ أخشى أن تكون وفاته ... بكَفَّيْ سَبَنَتى أزرقِ العين مُطْرِق )
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق أن عائشة حدثتها أن عمر أذن لأزواج النبي أن يحججن في آخر حجة حجها عمر قال فلما ارتحل عمر من المحصب أقبل رجل متلثم فقال وأنا أسمع هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر ثم رفع عقيرته يتغنى
( عليك سلامٌ من أميرٍ وباركتْ ... يدُ الله في ذاك الأَديم الممزَّقِ )
( فمن يَجْرِ أو يركبْ جناحَيْ نَعامة ... ليدرك ما قدَّمتَ بالأمس يُسْبَقِ )
( قضيتَ أموراً ثم غادرتَ بعدها ... بوائقَ في أكمامها لم تفتَّقِ )
قالت عائشة فقلت لبعض أهلي اعلموا لي علم هذا الرجل فذهبوا

فلم يجدوا في مناخه أحدا قالت عائشة فوالله إني لأحسبه من الجن فلما قتل عمر نحل الناس هذه الأبيات للشماخ بن ضرار أو جماع بن ضرار هكذا في الخبر وهو جزء بن ضرار

طبقته بين الشعراء
وجعل محمد بن سلام في الطبقة الثالثة الشماخ وقرنه بالنابغة ولبيد وأبي ذؤيب الهذلي ووصفه فقال كان شديد متون الشعر أشد كلاما من لبيد وفيه كزازة ولبيد أسهل منه منطقا أخبرنا بذلك أبو خليفة عنه
وقد قال الحطيئة في وصيته أبلغوا الشماخ أنه أشعر غطفان قد كتب ذلك في شعر الحطيئة
وهو أوصف الناس للحمير أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي قال أنشد الوليد بن عبد الملك شيئا من شعر الشماخ في صفة الحمير فقال ما أوصفه لها إني لأحسب أن أحد أبويه كان حمارا
أخبرني إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال كان الشماخ يهجو قومه ويهجو ضيفه ويمن عليه بقراه وهو أوصف الناس للقوس والحمار وأرجز الناس على البديهة

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال قال مزرد لأمه كان كعب بن زهير لا يهابني وهو اليوم يهابني فقالت يا بني نعم إنه يرى جرو الهراش موثقا ببابك تعني أخاه الشماخ وقد ذكر محمد ابن الحسن الأحول هذا الخبر عن ابن الأعرابي عن المفضل قال قالت معاذة بنت بجير بن خلف للشماخ ومزرد عرضتماني لشعراء العرب الحطيئة وكعب ابن زهير فقالا كلا لا تخافي قالت فما يؤمنني قالا إنك ربطت بباب بيتك جروي هراش لا يجترئ أحد عليهما يعنيان أنفسهما
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني شعيب بن صخر قال كانت عند الشماخ امرأة من بني سليم أحد بني حرام بن سماك فنازعته وادعته طلاقا وحضر معها قومها فاختصموا إلى كثير بن الصلت وكان عثمان بن عفان أقعده للنظر بين الناس وهو رجل من كندة وعداده في بني جمح وقد ولدتهم بنو جمح ثم تحولوا إلى بني العباس فهم فيهم اليوم

فرأى كثير عليهم يمينا فالتوى الشماخ باليمين يحرضهم عليها ثم حلف وقال
( أتَتْنِي سُلَيمٌ قَضُّها وقَضِيضُها ... تمسِّح حولي بالبَقيع سِبالَها )
( يقولون لي يا احلِفْ ولستُ بحالفٍ ... أُخاتِلهم عنها لكيما أنالَها )
( ففرّجتُ همَّ النفس عنِّي بحَلْفةٍ ... كما شَقَّتِ الشَّقْراءُ عنها جِلالَها )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال قدم ناس من بهز المدينة يستعدون على الشماخ وزعموا أنه هجاهم ونفاهم فجحد ذلك الشماخ فأمر عثمان كثير بن الصلت أن يستحلفه على منبر النبي ما هجاهم فانطلق به كثير إلى المسجد ثم انتحاه دون بني بهز وبهز اسمه تيم بن سليم بن منصور فقال له ويلك يا شماخ إنك لتحلف على منبر رسول الله ومن حلف به آثما يتبوأ مقعده من النار قال فكيف أفعل فداؤك أبي وأمي قال إني سوف أحلفك ما هجوتهم فاقلب الكلام علي وعلى ناحيتي فقل والله ما هجوتكم فأردني وناحيتي بذلك وإني سأدفع عنك فلما وقف حلف كما قال له وأقبل على كثير فقال ما هجوتكم فقالت بهز ما عنى غيركم فأعد اليمين عليه فقال مالي أتأوله هل استحلفته إلا لكم وما اليمين إلا مرة واحدة انصرف يا شماخ فانصرف وهو يقول
( أتتني سُلَيم قَضُّها وقَضيضُها ... تمسِّح حولي بالبَقيع سِبالَها )
( يقولون لي يا احلِتذفْ ولستُ بحالفٍ ... أُخادعهم عنها لكيما أنالَها )
( فلو لا كَثِيرٌ نعَّم اللهُ بالَه ... أزلَّتْ بأعلى حُجَّتَيْك نعالَها )

( ففرّجتُ همَّ الموت عنِّي بحَلْفةٍ ... كما شَقَّتِ الشَّقْراءُ عنها جلالَها )
ونسخت هذا الخبر على التمام من كتاب يحيى بن حازم قال حدثني علي بن صالح صاحب المصلى قال قال القاسم بن معن كان الشماخ تزوج امرأة من بني سليم فأساء إليها وضربها وكسر يدها فعرضت امرأة من قومها يقال لها أسماء ذات يوم للطريق تسأل عن صاحبتها فاجتاز الشماخ وهي لا تعرفه فقالت له مافعل الخبيث شماخ فقال لها وما تريدين منه قالت إنه فعل بصاحبة لنا كيت وكيت فتجاهل عليها وقال لا أعلم له خبرا ومضى وتركها وهو يقول
( تُعارِضُ أسماءُ الرِّفاقَ عشَّيةً ... تسائل عن ضِعْنِ النساءِ النَّواكح )
( وماذا عليها إنْ قَلُوصٌ تمرَّغتْ ... بِعدْلين أو ألقتْهما بالصَّحَاصِحِ )
( فإنكِ لو أُنكِحتِ دارتْ بكِ الرَّحَا ... وأَلْقيتِ رَحْلِي سَمْحةً غيرَ طامح )
( أأسماءُ إنِّي قد أتاني مخبِّرٌ ... بِفيقةَ يُنْبِي منطقاً غيرَ صالح )
( بَعَجتُ إليه البطنَ ثم انتصحتُه ... وما كلُّ من يُفشَى إليه بناصح )
( وإنّيَ من قومٍ على أن ذمَمْتِهم ... إذا أَوْلَمُوا لم يُولِموا بالأَنَافِح )
( وإنكِ من قوم تحِنّ نساُؤهم ... إلى الجانب الأَقْصَى حنينَ المَنَائح )
ثم دخل المدينة في بعض حوائجه فتعلقت به بنو سليم يطلبونه بظلامة صاحبتهم فأنكر فقالوا احلف فجعل يطلب إليهم ويغلظ عليهم أمر

اليمين وشدتها عليه ليرضوا بها منه حتى رضوا فحلف لهم وقال
( ألا أصبحتْ عِرْسِي من البيت جامحاً ... بغير بلاءٍ أيُّ أمرٍ بَدا لَها )
( على خَيْرةٍ كانتْ أم العِرْسُ جامحٌ ... فكيف وقد سُقْنا إلى الحَيِّ ما لَها )
( سترجِع غَضْبَى رَثَّةَ الحال عندنا ... كما قطعتْ منَّا بلَيْلٍ وصالَها )
فذكر بعد هذه الأبيات قوله
( أتتني سُلَيْم قَضُّها وقَضِيضُها ... )
إلى آخر الأبيات
وقال ابن الكلبي كان الشماخ يهوى امرأة من قومه يقال لهاكلبة بنت جوال أخت جبل ابن جوال الشاعر ابن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد تميم بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة وكان يتحدث إليها ويقول فيها الشعر فخطبها فأجابته وهمت أن تتزوجه ثم خرج إلى سفر له فتزوجها أخوه جزء بن ضرار فآلى الشماخ ألا يكلمه أبدا وهجاه بقصيدته التي يقول فيها
( لنا صاحبٌ قد خان من أجل نَظْرةٍ ... سقيمُ الفؤاد حبُّ كَلْبةَ شاغلُهْ )
فماتا متهاجرين

أشعر ما قالت العرب
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني أحمد بن محمد بن بكر الزبيري قال حدثنا الحسن بن موسى بن رباح مولى الأنصار عن أبي غزية الأنصاري قال

كنت على باب المهدي يوما فخرج حاجبه فقال أين ابن دأب فقال هأنذا فقال ادخل فدخل ثم خرج فجلس فقلت يابن دأب ما جرى بينك وبين أمير المؤمنين قال قال لي أنشدني أبياتا من أشعر ما قالت العرب فأردت أن أنشده قول صاحبك أبي صرمة الأنصاري التي يقول فيها
( لنا صُوَرٌ يؤول الحقُّ فيها ... وأخلاقٌ يَسُود بها الفقيرُ )
( ونصحٌ للعَشيرة حيث كانت ... إذا مُلئت من الغشِّ الصدور )
( وحِلْمٌ لا يَصُوب الجهلُ فيه ... وإطعامٌ إذا قَحِطَ الصَّبِير )
( بذات يدٍ على ما كان فيها ... نجود به قليلٌ أو كثير )
فتركتها وقلت إن من أشعر ما قالت العرب قول الشماخ
( وأشعثَ قد قَدّ السِّفارُ قميصَه ... يجرّ شِواءً بالعصا غيرَ مُنْضَجِ )
( دعوتُ إلى ما نابني فأجابني ... كريمٍ من الفتيان غيرِ مُزَلَّج )
( فتىً يملأ الشِّيزَى ويُرْوِي سِنانَه ... ويضرب في رأس الكَمِيِّ المُدَجَّج )

( فتىً ليس بالراضي بأدنى معيشةٍ ... ولا في بيوت الحيّ بالمتولِّج )
فقال أحسنت ثم رفع رأسه إلى عبد الله بن مالك فقال هذه صفتك يا أبا العباس فأكب عليه عبد الله فقبل رأسه وقال ذكرك الله بخير الذكر يا أمير المؤمنين قال أبو غزية فقلت له الأبيات التي تركت والله أشعر من التي ذكرت
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال عرابة الذي عناه الشماخ بمدحه هو أحد أصحاب النبي وهو عرابة ابن أوس بن قيظي بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج وإنما قال له الشماخ عرابة الأوسي وهو من الخزرج نسبة إلى أبيه أوس بن قيظي ولم يصنع إسحاق في هذا القول شيئا عرابة من الأوس لا من الخزرج وفي الأوس رجل يقال له الخزرج ليس هذا هو الجد الذي ينتهي إليه الخزرجيون الذي هو أخو الأوس هذا الخزرج بن النبيت بن مالك ابن الأوس وهكذا نسبه النسابون
وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء عن عبد الله بن جعفر بن مصعب عن جده مصعب الزبيري عن ابن القداح وأتى النبي في غزاة أحد ليغزو معه فرده في غلمة استصغرهم منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب

وزيد بن ثابت وأسيد بن حضير والبراء بن عازب وعرابة بن أوس وأبو سعيد الخدري

قصة أبي عرابة وعمه مع النبي
أخبرني بذلك محمد بن جرير الطبري عن الحارث بن سعد عن الواقدي عن محمد بن حميد عن سلمة عن ابن إسحاق
وأوس بن قيظي أبو عرابة من المنافقين الذين شهدوا أحدا مع النبي وهو الذي قال له إن بيوتنا عورة وأخوه مربع بن قيظي الأعمى الذي حثا في

وجه رسول الله التراب لما خرج إلى أحد وقد مر في حائطه وقال له إن كنت نبيا فما أحل لك أن تدخل في حائطي فضربه سعد بن زيد الأشهلي بقوسه فشجه وقال دعني يا رسول الله أقتله فإنه منافق فقال دعوه فإنه أعمى القلب أعمى البصر فقال أخوه أوس بن قيظي أبو عرابة لا والله ولكنها عداوتكم يا بني عبد الأشهل فقال رسول الله لا والله ولكنه نفاقكم يا بني قيظي
أخبرنا بذلك الحرمي عن عبد الله بن جعفر الزبيري عن جده مصعب عن ابن القداح أن عرابة كان سيدا من سادات قومه وجوادا من أجوادهم وكان أبوه أوس بن قيظي من وجوه المنافقين
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن جعدبة وأخبرني علي بن سليمان عن محمد بن يزيد وأخبرني إبراهيم ابن أيوب عن عبد الله بن مسلم أن الشماخ خرج يريد المدينة فلقيه عرابة بن أوس فسأله عما أقدمه المدينة فقال أردت أن أمتار لأهلي وكان معه بعيران فأوقرهما له برا وتمرا وكساه وبره وأكرمه فخرج عن المدينة وامتدحه بهذه القصيدة التي يقول فيها

( رأيت عَرابةَ الأَوْسِيَّ يسمو ... إلى الخيرات منقطعَ القرين )
وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال قال معاوية لعرابة بن أوس بأي شيء سدت قومك فقال أعفو عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حاجاتهم فمن فعل كما أفعل فهو مثلي ومن قصر عنه فأنا خير منه ومن زاد فهو خير مني قال الأصمعي وقد انقرض عقب عرابة فلم يبق منهم أحد
أخبرني أحمد بن يحيى بن محد بن سعيد الهمداني قال قال يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ابن دأب وسمع قول الشماخ بن ضرار في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه
( إنك يآبنَ جعفرٍ نِعم الفتى ... ونعم مأوى طارقٍ إذا أتَى )
( وجارُ ضيفٍ طرَق الحيَّ سُرَى ... صادف زاداً وحديثاً ما اشتهى )
( إن الحديثَ طَرَفٌ من القِرَى ... )
فقال ابن دأب العجب للشماخ يقول مثل هذا لابن جعفر ويقول لعرابة
( إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد ... تلقَّاها عَرابةُ باليمين )
ابن جعفر كان أحق بهذا من عرابة
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني الكراني محمد بن سعد قال حدثني طائع قال أخبرني أبو عمرو الكيس قال قال لي أبو نواس ما أحسن الشماخ في قوله

( إذا بلغْتِني وحملتِ رحلي ... عَرابةَ فأشرَقي بدم الوتِينِ )
لا كما قال الفرزدق
( علامَ تَلَفَّتِين وأنتِ تحتي ... وخيرُ النّاس كلِّهم أَمامي )
( متى ترِدِي الرُّصافةَ تستريحي ... من التَّهْجير والدَّبَر الدَّوَامي )
قلت أنا وقد أخذ معنى قول الفرزدق هذا داود بن سلم في مدحه قثم بن العباس فأحسن فقال
( نجوتِ من حِلَّي ومن رِحْلتي ... يا ناقُ إن أدنيتِني من قُثَمْ )
( إنكِ إن أدنيتِ منه غداً ... حالفنا اليُسْرُ ومات العَدَمْ )
( في كفِّه بحرٌ وفي وجهه ... بدرٌ وفي العِرْنين منه شَمَمْ )
( أصمُّ عن قِيل الخَنَا سمعُه ... وما عن الخير به من صَمَم )
( لم يَدْرِ ما لاَ وبَلَى قد درَى ... فعافها واعتاض منها نعم )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن المدائني قال أنشد عبد الملك قول الشماخ في عرابة بن أوس
( إذا بلَّغْتِني وحملتِ رحلي ... عرابةَ فاشرَقي بدم الوَتين )
فقال بئست المكافأة كافأها حملت رحله وبلغته فجعل مكافأتها نحرها

المهلب والشعراء
قال الخراز ومثل هذا ماحدثناه المدائني عن ابن دأب أن رجلا لقي المهلب فنحر ناقته في وجهه فتطير من ذلك وقال له ما قصتك فقال
( إني نذرتُ لئن لَقِيتُكَ سالماً ... أن تستمرّ بها شِفارُ الجازر )
فقال المهلب فأطعمونا من كبد هذه المظلومة ووصله
قال المدائني ولقيته امرأة من الأزد وقد قدم من حرب كان نهض إليها فقالت أيها الأمير إني نذرت إن وافيتك سالما أن أقبل يدك وأصوم يوما وتهب لي جارية صغدية وثلثمائة درهم فضحك المهلب وقال قد وفينا لك بنذرك فلا تعاودي مثله فليس كل أحد يفي لك به
وأخبرني الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني بعض أصحابنا عن القحذمي أن أبادلامة لقي المهدي لما قدم بغداد فقال له
( إني نذرتُ لئن رأيتكَ وارداً ... أرضَ العراق وأنت ذو وَفْرِ )
( لَتُصَلِّينّ على النبيّ محمدٍ ... ولتملأنّ دراهماً حِجْري )

فقال له أما النبي فصلى الله على النبي محمد وآله وسلم وأما الدراهم فلا سبيل إليها فقال له أنت أكرم من أن تعطيني أسهلهما عليك وتمنعني الأخرى فضحك وأمر له بما سأل وهذا مما ليس يجري في هذا الباب ولكن يذكر الشيء بمثله
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا مسعود بن عيسى العبدي قال حدثني أحمد بن طالب الكناني كنانة تغلب وأخبرني به محمد بن أحمد بن الطلاس عن الخراز عن المدائني لم يتجاوزه به قال نصب عبد الملك بن مروان الموائد يطعم الناس فجلس رجل من أهل العراق على بعض تلك الموائد فنظر إليه خادم لعبد الملك فأنكره فقال له أعراقي أنت قال نعم قال أنت جاسوس قال لا قال بلى قال ويحك دعني أتهنأ بزاد أمير المؤمنين ولا تنغصني به ثم إن عبد الملك وقف على تلك المائدة فقال من القائل
( إذا الأَرْطَى توسَّد أبْرَدَيْهِ ... خدودُ جوازئٍ بالرَّمْل عِينِ )
وما معناه ومن أجاب فيه أجزناه والخادم يسمع فقال العراقي

للخادم أتحب أن أشرح لك قائله وفيم قاله قال نعم قال يقوله عدي ابن زيد في صفة البطيخ الرمسي فقال ذلك الخادم فضحك عبد الملك حتى سقط فقال له الخادم أخطأت أم أصبت فقال بل أخطأت فقال يا أمير المؤمنين هذا العراقي فعل الله به وفعل لقننيه فقال أي الرجال هو فأراه إياه فعاد إليه عبد الملك وقال أنت لقنته هذا قال نعم قال أفخطأ لقنته أم صوابا قال بل خطأ قال ولم قال لأني كنت متحرما بمائدتك فقال لي كيت وكيت فأردت أن أكفه عني وأضحكك قال فكيف الصواب قال يقوله الشماخ بن ضرار الغطفاني في صفة البقر الوحشية قد جزأت بالرطب عن الماء قال صدقت وأجازه ثم قال له حاجتك قال تنحي هذا عن بابك فإنه يشينه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال كتب إلي إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن أبا عبيدة حدثه عن غير واحد من أهل المدينة أن يزيد بن عبد الملك لما قدم عليه الأحوص وصله بمائة ألف درهم فأقبل إليه كثير يرجو أكثر من ذلك وكان قد عوده من كان قبل يزيد من الخلفاء أن يلقى عليهم بيوت الشعر ويسألهم عن المعاني فألقى على يزيد بيتا وقال يا أمير المؤمنين ما يعني الشماخ بقوله
( فما أَرْوَى وإن كَرُمتْ علينا ... بأدَنى من موقَّفَةٍ حَرُونِ )

( تُطِيف على الرُّماة فتتّقِيهم ... بأوعالٍ مُعَطَّفةِ القُرون )
فقال يزيد وما يضر يا ماص بظر أمه ألا يعلم أمير المؤمنين هذا وإن احتاج إلى علمه سأل عبدا مثلك عنه فندم كثير وسكته من حضر من أهل بيته وقالوا له إنه قد عوده من كان قبلك من الخلفاء أن يلقي عليه أشباه هذا وكانوا يشتهونه منه ويسألونه إياه فطفئ عنه غضبه وكانت جائزته ثلاثين ألفا وكان يطمع في أكثر من جائزة الأحوص
وأخبرنا أبو خليفة بهذا الخبر عن محمد بن سلام فذكر أنه سأل يزيد عن قول الشماخ
( وقد عَرِقتْ مَغَابِنُها وجادتْ ... بِدرَّتِها قِرَى حَجِنٍ قَتِينِ )
فسكت عنه يزيد فقال يزيد وما على أمير المؤمنين لا أم لك ألا يعرف هذا هو القراد أشبه الدواب بك
نسخت من كتاب يحيى بن حازم حدثنا علي بن صالح صاحب المصلى قال حدثنا ابن داب قال قال معاوية لعبد الله بن الزبير وهو عنده بالمدينة في أناس يابن الزبير ألا تعذرني في حسن بن علي ما رأيته مذ قدمت المدينة إلا مرة قال دع عنك حسنا فأنت والله وهو كما قال الشماخ
( أجامِلُ أقواماً حياءً وقد أَرَى ... صدورَهمُ تَغْلِي عليّ مِراضُها )

والله لو يشاء حسن أن يضربك بمائة ألف سيف ضربك والله لأهل العراق أرأم له من أم الحوار لحوارها فقال معاوية رحمه الله أردت أن تغريني به والله لأصلن رحمه ولأقبلن عليه وقال
( ألاَ أيُّها المرءُ المُحَرِّشُ بيننا ... أَلاَ اقتُلْ أخاك لستُ قاتلَ أرْبَدِ )
( أبَى قُرْبُه منّي وحسنُ بلائه ... وعلمي بما يأتي به الدهرُ في غد )
والشعر لعروة بن قيس فقال ابن الزبير أما والله إني وإياه ليد عليك بحلف الفضول فقال معاوية من أنت لا أعرض لك وحلف الفضول والله ما كنت فيها إلا كالرهينة تثخن معنا وتردى هزيلا كما قال أخو همدان
( إذا ما بعيرٌ قام علّق رحله ... وإن هو أبقى بالحياة مُقَطّعا )

صوت من مدن معبد
وهو الذي أوله
( كم بذاك الحَجُون من حيِّ صدقٍ ... )
( أَسْعدانِي بعَبْرةٍ أَسْرابِ ... من شؤون كثيرةِ التَّسْكاب )

( إن أهلَ الحِصاب قد تركوني ... مُوَزَعاً مُولَعاً بأهل الحِصاب )
( كم بذاك الحَجُونِ من حَيِّ صِدْقٍ ... وكهول أَعِفَّةٍ وشَباب )
( سكَنوا الجِزْعَ جِزْعَ بيت أبي موسى ... إلى النخل من صُفِيِّ السِّباب )
( فارَقوني وقد علمتُ يقيناً ... ما لمن ذاق مِيتةً من إياب )
( فَلِيَ الويلُ بعدَهم وعليهم ... صرتُ فرداً وملَّني أصحابي )
عروضه من الخفيف الشؤون الشعب التي يتداخل بعضها في بعض من عظام الرأس واحدها شأن مهموزا والجزع منعطف الوادي وصفي السباب جمع صفاة وهي الحجارة ولقبت صفي السباب لأن قوما من قريش ومواليهم كانوا يخرجون إليها بالعشيات يتشاتمون ويذكرون المعايب والمثالب التي يرمون بهافسميت تلك الحجارة صفي السباب
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال يقال صفا السباب وصفي السباب بفتح الفاء وكسرها جميعا وهو شعب من شعاب مكة فيها صفا أي صخر مطروح وكانت قريش تخرج فتقف على ذلك الموضع فيفتخرون ثم يتشاتمون وذلك في الجاهلية فلا يفترقون إلا عن قتال ثم صار ذلك في صدر من الإسلام أيضا حتى نشأ سديف مولى عتبة بن أبي سديف وشبيب مولى بني أمية فكان هذا يخرج في موالي بني هاشم وهذا في موالي بني أمية فيفتخرون ثم يتشاتمون ثم يتجالدون بالسيوف وكان يقال لهم السديفية والشبيبية وكان أهل مكة مقتسمين بينهما في العصبية ثم درس ذلك فصارت العصبية بمكة بين الجزارين والحناطين فهي بينهم إلى اليوم وكذلك بالمدينة في القمار وغيره
الشعر لكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي وقيل بل هو

لكثير عزة وقد روي في ذلك خبر نذكره والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه ثقيلا أول بالخنصر للغريض ولحنا آخر لابن عباد ولم يجنسه ولابن جامع في الخامس والسادس رمل بالوسطى ولابن سريج في الأربعة الأول ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ولابن أبي دباكل الخزاعي فيها ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وأبي أيوب المدني وحبش فمن روى هذا الشعر لكثير عزة يرويه
( إن أهل الخضاب قد تركوني ... )
ويزعم أن كثيرا قاله في خضاب خضبته عزة به

ابن عائشة يذكر بحادثة لكثير وعزة فيغني بشعره
أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني الزبيري قال حدثني بهذا الخبر أيضا وفيه زيادة وخبره أحسن وأكثر تلخيصا وأدحل في معنى الكتاب قال الزبيري حدثني أبي قال خرجت إلى ناحية فيد متنزها فرأيت ابن عائشة يمشي بين رجلين من آل الزبير وإحدى يديه على يد هذا والأخرى على يد هذا وهو يمشي بينهما كأنه امرأة تجلى على زوجها فلما رأيتهم دنوت فسلمت وكنت أحدث القوم سنا فاشتهيت غناء ابن عائشة فلم أدر كيف أصنع وكان ابن عائشة إذا هيجته تحرك فقلت رحم الله كثيرا وعزة ما كان أوفاهما وأكرمهما

وأصونهما لأنفسهما لقد ذكرت بهذه الأودية التي نحن فيها خبر عزة حين خضبت كثيرا فقال ابن عائشة وكيف كان حديث ذلك قلت حدثني من حضره بذلك ومن هاهنا تتفق رواية عمر بن شبة والزبيري قال خرج كثير يريد عزة وهي منتجعة بالصواري وهي الأودية بناحية فدك فلما كان منها قريبا وعلم أن القوم جلسوا عند أنديتهم للحديث بعث أعرابيا فقال له اذهب إلى ذلك الماء فإنك ترى امرأة جسيمة لحيمة تبالط الرجال الشعر قال إسحاق المبالطة أن تنشد أول الشعر وآخره فإذا رأيتها فناد من رأى الجمل الأحمر مرارا ففعل فقالت له ويحك قد أسمعت فانصرف فانصرف إليه فأخبره فلم يلبث أن أقلبت جارية معها طست وتور وقربة ماء حتى انتهت إليه ثم جاءت بعد ذلك عزة فرأته جالسا محتبيا قريبا من ذراع راحلته فقالت له ما على هذا فارقتك فركب راحلته وهي باركة وقامت إلى لحيته فأخذت التور فخضبته وهو على ظهر جمله حتى فرغت من خضابه ثم نزل فجعلا يتحدثان حتى علق الخضاب ثم قامت إليه فغسلت لحيته ودهنته ثم قام فركب وقال
( إنّ أهل الخِضاب قد تركوني ... مُوزَعاً مُولَعاً بأهل الخضاب )
وذكر باقي الأبيات كلها وإلى هاهنا رواية عمر بن شبة فقال ابن عائشة فأنا والله أغنيه وأجيده فهل لكم في ذلك فقلنا وهل لنا عنه

مدفع فاندفع يغني بالأبيات فخيل إلي أن الأودية تنطق معه حسنا فلما رجعنا إلى المدينة قصصت القصة فقيل لي إن ذلك أحسن

صوت
يغنيه ابن عائشة فقلت لا أدري إلا أني سمعت شيئا وافق محبتي
معبد وابن سريج يبكيان أهل مكة بغنائهما
وقال عبد الله بن أبي سعد حدثني عبد الله بن الصباح عن هشام بن محمد عن أبيه قال زار معبد ابن سريج والغريض بمكة فخرجا به إلى التنعيم ثم صاروا إلى الثنية العليا ثم قالوا تعالوا حتى نبكي أهل مكة فاندفع ابن سريج فغنى صوته في شعر كثير بن كثير السهمي
( أَسْعديني بعَبْرةٍ أَسْرابِ ... من دموعٍ كثيرةِ التَّسْكاب )
فأخذ أهل مكة في البكاء وأنوا حتى سمع أنينهم ثم غنى معبد
صوت
( يا راكباً نحوَ المدينة جَسْرةً ... أجُداً تلاعِب حَلْقةً وزِماما )
( اِقرأ على أهل البَقيع من امرئ ... كَمِدٍ على أهل البقيع سلاما )
( كم غيَّبوا فيه كريماً ماجداً ... شَهْماً ومُقْتَبِلَ الشبابِ غلاما )

( ونَفيسةً في أهلها مرجوّةً ... جمعتْ صَباحةَ صورةٍ وتَماما )
فنادوا من الدروب بالويل والحرب والسلب وبقي الغريض لا يقدر من البكاء والصراخ أن يغني
الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أنه ليحيى المكي وقد غلط وذكر حبش أن لعلويه فيه ثقيلا أول آخر
ومن مدن معبد
صوت
وقد أضيف إليه غيره من القصيدة
( سَلِي هل قَلاَني من عَشيرٍ صَحِبتُه ... وهل ذَمَّ رحلي في الرِّفاق رفيقُ )
( وهل يَجْتَوِي القومُ الكِرامُ صَحَابتي ... إذا اغبرَّ مَخْشِيُّ الفِجَاج عَميق )
( ولو تعلمين الغيبَ أيقنتِ أنّني ... لكم والهَدَايا المُشْعَراتِ صديق )
( تكاد بلادُ الله يا أمَّ مَعْمَرٍ ... بما رَحُبتْ يوماً عليّ تَضيق )
( أَذُود سَوَامَ الطَّرْف عنكِ وهل لها ... إلى أحدٍ إلا إليكِ طريق )
( وحدّثْتَنِي يا قلبُ أنك صابرٌ ... على البَيْن من لُبْنَى فسوف تذوق )
( فَمُتْ كَمَداً أو عِشْ سَقيماً فإنما ... تكلِّفني ما لا أراك تُطيق )
( بلُبْنَى أُنادَى عند أوّل غَشْية ... ولو كنتُ بين العائدات أُفيق )

( إذا ذُكرت لبنى تَجلَّتْكَ زَفْرةٌ ... ويَثْنِي لك الدَّاعي بها فُتفيق )
عروضه من الطويل الشعر لقيس بن ذريح والغناء لمعبد في اللحن المذكور ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق في الأول والثاني والثالث وذكر في موضع آخر وافقته دنانير أن لمعبد ثقيلا أول بالبنصر في مجرى الوسطى أوله

صوت
( أتجمع قلباً بالعراق فَرِيقُه ... ومنه بأطلال الأَرَاكِ فريقُ )
( فكيف بها لا الدارُ جامعةُ النَّوَى ... ولا أنت يوماً عن هواكَ تُفِيقُ )
( ولو تعلمين الغيب أيقنتِ أنّني ... لكم والهدايا المُشْعَراتِ صديقُ )
البيتان الأولان يرويان لجرير وغيره والثالث لقيس بن ذريح أضافه إليهما معبد وذكر عمرو ويونس أن لحن معبد الأول في خمسة أبيات أولى من الشعر وذكر عمرو بن بانة أن لبذل الكبيرة خفيف رمل بالوسطى في الرابع من الأبيات وبعده
( دَعَوْنَ الهوى ثم ارتَمَيْنَ قلوبَنا ... بأعيُن أعداءٍ وهنّ صديقُ )
وبعده الخامس من الأبيات وهو أذود سوام الطرف وزعم حبش أن في لحن معبد الثاني الذي أوله أتجمع قلبا لابن سريج خفيف رمل بالبنصر وذكر أيضا أن للغريض في الأول والثاني والسابع ثاني ثقيل بالبنصر ولابن مسجح خفيف رمل بالبنصر وفي السادس وما بعده لحكم

الوادي ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن للغريض فيها ثقيلا أول بالوسطى

ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
هو فيما ذكر الكلبي والقحذمي وغيرهما قيس بن ذريح بن سنة ابن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار وذكر أبو شراعة القيسي أنه قيس بن ذريح بن الحباب بن سنة وسائر النسب متفق واحتج بقول قيس
( فإنْ يك تَهْيامِي بلُبْنَى غَوايةً ... فقد يا ذَرِيحُ بنَ الحُبَابِ غَوَيْتُ )
وذكر القحذمي أن أمه بنت سنة بن الذاهل بن عامر الخزاعي وهذا هو الصحيح وأنه كان له خال يقال له عمرو بن سنة شاعر وهو الذي يقول
( ضربوا الفِيلَ بالمغمَّس حتى ... ظَلَّ يحبو كأنه محمومُ )
وفيه يقول قيس
( أُنبئتُ أن لخالي هَجْمةً حُبُساً ... كأنّهن بجَنْبِ المَشْعَرِ النُّصُلُ )

( قد كنتَ فيما مضى قِدْماً تجاورُنا ... لا ناقةُ لك ترعاها ولا جملُ )
( ما ضَرَّ خاليَ عمراً لو تقَسَّمها ... بعضُ الحياض وجَمُّ البئر مُحْتفِل )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن موسى بن حماد قال حدثني أحمد بن القاسم بن يوسف قال حدثني جزء بن قطن قال حدثنا جساس بن محمد بن عمرو أحد بني الحارث بن كعب عن محمد بن أبي السري عن هشام بن الكلبي قال حدثني عدد من الكنانيين أن قيس بن ذريح كان رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أرضعته أم قيس

قصته مع لبنى
أخبرني بخبر قيس ولبنى امرأته جماعة من مشايخنا في قصص متصلة ومنقطعة وأخبار منثورة ومنظومة فألفت ذلك أجمع ليتسق حديثه إلا ما جاء مفردا وعسر إخراجه عن جملة النظم فذكرته على حدة فممن أخبرنا بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه إلى غيره وإبراهيم بن محمد بن أيوب عن ابن قتيبة والحسن بن علي عن محمد بن موسى بن حماد البربري عن أحمد بن القاسم بن يوسف عن جزء بن قطن عن جساس بن محمد عن محمد بن أبي السري عن هشام بن الكلبي وعلى روايته أكثر المعول ونسخت أيضا من أخباره المنظومة أشياء ذكرها القحذمي عن رجاله وخالد بن كلثوم عن نفسه ومن روى عنه وخالد بن جمل ونتفا حكاها اليوسفي صاحب الرسائل عن أبيه عن أحمد بن حماد عن جميل عن ابن أبي جناح الكعبي وحكيت كل متفق فيه متصلا وكل مختلف في معانيه منسوبا إلى راوية قالوا جميعا

كان منزل قومه في ظاهر المدينة وكان هو وأبوه من حاضرة المدينة وذكر خالد بن كلثوم أن منزله كان بسرف واحتج بقوله
( الحمد لله قد أمستْ مُجَاوِرةً ... أهلَ العَقيق وأمسَيْنا على سَرِفِ )
قالوا فمر قيس لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة فوقف على خيمة منها والحي خلوف والخيمة خيمة لبنى بنت الحباب الكعبية فاستسقى ماء فسقته وخرجت إليه به وكانت امرأة مديدة القامة شهلاء حلوة المنظر والكلام فلما رآها وقعت في نفسه وشرب الماء فقالت له أتنزل فتتبرد عندنا قال نعم فنزل بهم وجاء أبوها فنحر له وأكرمه فانصرف قيس وفي قلبه من لبنى حر لا يطفأ فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي ثم أتاها يوما آخر وقد اشتد وجده بها فسلم فظهرت له وردت سلامه وتحفت به فشكا إليها ما يجد بها وما يلقى من حبها وشكت إليه مثل ذلك فأطالت وعرف كل واحد منهما ما له عند صاحبه فانصرف إلى أبيه وأعلمه حاله وسأله أن يزوجه إياها فأبى عليه وقال يا بني عليك بإحدى بنات

عمك فهن أحق بك وكان ذريح كثير المال موسرا فأحب ألا يخرج ابنه إلى غريبة فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه أبوه به فأتى أمه فشكا ذلك إليها واستعان بها على أبيه فلم يجد عندها ما يحب فأتى الحسين بن علي بن أبي طالب وابن أبي عتيق فشكا إليهما ما به وما رد عليه أبوه فقال له الحسين أنا أكفيك فمشى معه إلى أبي لبنى فلما بصر به أعظمه ووثب إليه وقال له يابن رسول الله ما جاء بك ألا بعثت إلي فأتيتك قال إن الذي جئت فيه يوجب قصدك وقد جئتك خاطبا ابنتك لبنى لقيس بن ذريح فقال يابن رسول الله ما كنا لنعصي لك أمرا وما بنا على الفتى رغبة ولكن أحب الأمر إلينا أن يخطبها ذريح أبوه علينا وأن يكون ذلك عن أمره فإنا نخاف إن لم يسع أبوه في هذا أن يكون عارا وسبة علينا فأتى الحسين رضي الله عنه ذريحا وقومه وهم مجتمعون فقاموا إليه إعظاما له وقالوا له مثل قول الخزاعيين فقال لذريح أقسمت عليك إلا خطبت لبنى لابنك قيس قال السمع والطاعة لأمرك فخرج معه في وجوه من قومه حتى أتوا لبنى فخطبها ذريح على ابنه إلى أبيها فزوجه إياها وزفت إليه بعد ذلك فأقامت معه مدة لا ينكر أحد من صاحبه شيئا وكان أبر الناس بأمه فألهته لبنى وعكوفه عليها عن بعض ذلك فوجدت أمه في نفسها وقالت لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري ولم تر للكلام في ذلك موضعا حتى مرض مرضا شديدا فلما برأ من علته قالت أمه لأبيه لقد خشيت أن يموت قيس وما يترك خلفا وقد حرم الولد من هذه المرأة وأنت ذو مال فيصير مالك إلى الكلالة فزوجه بغيرها لعل الله أن يرزقه ولدا وألحت عليه في ذلك

فأمهل قيسا حتى إذا اجتمع قومه دعاه فقال يا قيس إنك اعتللت هذه العلة فخفت عليك ولا ولد لك ولا لي سواك وهذه المرأة ليست بولود فتزوج إحدى بنات عمك لعل الله أن يهب لك ولدا تقر به عينك وأعيننا فقال قيس لست متزوجا غيرها أبدا فقال له أبوه فإن في مالي سعة فتسر بالإماء قال ولا أسوءها بشيء أبدا والله قال أبوه فإني أقسم عليك إلا طلقتها فأبى وقال الموت والله علي أسهل من ذلك ولكني أخيرك خصلة من ثلاث خصال قال وما هي قال تتزوج أنت فلعل الله أن يرزقك ولدا غيري قال فما في فضلة لذلك قال فدعني أرتحل عنك بأهلي واصنع ما كنت صانعا لو مت في علتي هذه قال ولا هذه قال فأدع لبنى عندك وأرتحل عنك فلعلي أسلوها فإني ما أحب بعد أن تكون نفسي طيبة أنها في خيالي قال لا أرض أو تطلقها وحلف لا يكنه سقف بيت أبدا حتى يطلق لبنى فكان يخرج فيقف في حر الشمس ويجيء قيس فيقف إلى جانبه فيظله بردائه ويصلى هو بحر الشمس حتى يفيء الفيء فينصرف عنه ويدخل إلى لبنى فيعانقها وتعانقه ويبكي وتبكي معه وتقول له يا قيس لا تطع أباك فتهلك وتهلكني فيقول ما كنت لأطيع أحدا فيك أبدا فيقال إنه مكث كذلك سنة وقال خالد بن كلثوم ذكر ابن عائشة أنه أقام على ذلك أربعين يوما ثم طلقها وهذا ليس بصحيح

طلاقه لبنى ثم ندمه
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني

يحيى بن معين قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمر بن أبي سفيان عن ليث بن عمرو أنه سمع قيس بن ذريح يقول لزيد بن سليمان هجرني أبواي في لبنى عشر سنين أستأذن عليهما فيرداني حتى طلقتها قال ابن جريج وأخبرت أن عبد الله بن صفوان الطويل لقي ذريحا أبا قيس فقال له ما حملك على أن فرقت بينهما أما علمت أن عمر بن الخطاب قال ما أبالي أفرقت بينهما أو مشيت إليهما بالسيف وروى هذا الحديث إبراهيم بن يسار الرمادي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قال الحسين بن علي رضي الله عنهما لذريح بن سنة أبي قيس أحل لك أن فرقت بين قيس ولبنى أما إني سمعت عمر بن الخطاب يقول ما أبالي أفرقت بين الرجل وامرأته أو مشيت إليهما بالسيف قالوا فلما بانت لبنى بطلاقه إياها وفرغ من الكلام لم يلبث حتى استطير عقله وذهب به ولحقه مثل الجنون وتذكر لبنى وحالها معه فأسف وجعل يبكي وينشج أحر نشيج وبلغها الخبر فأرسلت إلى أبيها ليحتملها وقيل بل أقامت حتى انقضت عدتها وقيس يدخل عليها فأقبل أبوها بهودج على ناقة وبإبل تحمل أثاثها فلما رأى ذلك قيس أقبل على جاريتها فقال ويحك ما دهاني فيكم فقال لا تسألني وسل لبنى فذهب ليلم بخبائها فيسألها فمنعه قومها فأقبلت عليه امرأة من قومه فقالت له ما

لك ويحك تسأل كأنك جاهل أو تتجاهل هذه لبنى ترتحل الليلة أو غدا فسقط مغشيا عليه لا يعقل ثم أفاق وهو يقول
( وإنّي لمُفْنٍ دمعَ عيْنيَ بالبكا ... حِذَارَ الذي قد كان أو هو كائنُ )
( وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلةٍ ... فراقُ حبيبٍ لم يَبِنْ وهو بائن )
( وما كنتُ أخشى أن تكون منيّتي ... بكفَّيْكِ إلاّ أنّ ما حان حائن )
في هذه الأبيات غناء ولها أخبار قد ذكرت في أخبار المجنون قال وقال قيس
( يقولون لُبْنَى فتنةٌ كنتَ قبلها ... بخير فلا تَنْدَمْ عليها وطلِّقِ )
( فطاوعتُ أعدائي وعاصيتُ ناصحي ... وأقررْتُ عين الشامت المُتخلِّق )
( وَدِدْتُ وبيتِ الله أنّي عَصَيْتُهم ... وحُمِّلت في رِضوانِها كلَّ مُوبِق )
( وكُلِّفتُ خوضَ البحر والبحر زاخرٌ ... أَبِيتُ على أثْبَاج موج مُغَرِّق )
( كأنّي أرى الناسَ المحبّين بعدها ... عُصارةَ ماء الحنظل المُتَفَلِّق )
( فتُنكر عيني بعدها كلَّ منظَرٍ ... ويكره سمعي بعدَها كلَّ منطق )
قال وسقط غراب قريبا منه فجعل ينعق مرارا فتطير منه وقال
( لقد نادى الغرابُ ببَيْن لُبْنَى ... فطار القلب من حَذَرِ الغرابِ )
( وقال غداً تَبَاعَدُ دارُ لُبْنَى ... وتَنْأى بعد ودٍّ واقتراب )
( فقلتُ تَعِستَ وَيْحَك من غراب ... وكان الدهرَ سعيُك في تَباب )
وقال أيضا وقد منعه قومه من الإلمام بها

صوت
( ألاَ يا غرابَ البَيْنِ وَيْحَكَ نَبِنِّي ... بعلمك في لُبْنَى وأنتَ خبيرُ )

( فإن أنتَ لم تُخْبِرْ بما قد علمتَه ... فلا طِرْتَ إلاّ والجنَاح كَسِيرُ )
( ودُرْتَ بأعداءٍ حبيبُك فيهمُ ... كما قد تَراني بالحبيب أدورُ )
غنى سليمان أخو حجبة رملا بالوسطى
قالوا وقال أيضا وقد أدخلت هودجها ورحلت وهي تبكي ويتبعها

صوت
( ألاَ يا غرابَ البَيْنِ هل أنتَ مُخبِري ... بخيرٍ كما خَبَّرتَ بالنأي والشرِّ )
( وقلتَ كذاك الدهرُ ما زال فاجعاً ... صدقتَ وهل شيءٌ بباق على الدهرِ )
غنى فيهما ابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وذكر حبش أن لقفا النجار فيهما ثقيلا أول بالوسطى قالوا فلما ارتحل قومها مليا ثم علم أن أباها سيمنعه من المسير معها فوقف ينظر إليهم ويبكي حتى غابوا عن عينه فكر راجعا ونظر إلى أثر خف بعيرها فأكب عليه يقبله ورجع يقبل موضع مجلسها وأثر قدمها فليم على ذلك وعنفه قومه على تقبيل التراب فقال
( وما أحببتُ أرضَكُم ولكن ... أُقَبِّل إثْر من وَطِئ التُّرابا )
( لقد لاقيتُ من كَلَفِي بلُبْنَى ... بَلاءً ما أُسِيغ به الشَّرابا )
( إذا نادى المنادي باسمِ لُبْنَى ... عَيِيتُ فما أُطيقُ له جوابا )
وقال وقد نظر إلى آثارها
صوت
( ألاَ يا رَبْعَ لُبْنَى ما تقولُ ... ابِنْ لي اليومَ ما فعل الحُلولُ )
( فلو أن الديارَ تُجيب صَبًّا ... لردّ جوابيَ الرّبعُ المُحِيلُ )
( ولو أنّي قدَرْتُ غداةَ قالتْ ... غدَرتَ وماءُ مُقْلِتها يَسيلُ )
( نحرتُ النفسَ حين سمعتُ منها ... مقالتَها وذاك لها قليلُ )
( شَفَيْتُ غليلَ نفسي من فِعالي ... ولم أَغبُرْ بلا عقلٍ أجُول )

غنى فيه حسين بن محرز خفيف ثقيل من روايتي بذل وقريض وتمام هذه الأبيات
( كأنِّي والِهٌ بفراق لُبْنَى ... تَهِيمُ بفقد واحدِها ثَكُولُ )
( ألاَ يا قلبُ وَيْحَكَ كن جَليداً ... فقد رحَلتْ وفات بها الذَّمِيل )
( فإنك لا تُطيق رجوعَ لُبنى ... إذا رحَلتْ وإن كثُر العَوِيلُ )
( وكَمْ قد عِشْتَ كَمْ بالقرب منها ... ولكنّ الفِراقَ هو السبيل )
( فصبراً كلُّ مؤتَلِفَيْنِ يوماً ... من الأيام عيشُهما يزول )
قال فلما جن عليه الليل وانفرد وأوى إلى مضجعه لم يأخذه القرار وجعل يتململ فيه تململ السليم ثم وثب حتى أتى موضع خبائها فجعل يتمرغ فيه ويبكي ويقول
صوت
( بِتُّ والهمُّ يا لُبيني ضَجيعي ... وجرتْ مُذْ نأيتِ عنِّي دموعي )
( وتنفّستُ إذ ذكرتُك حتى ... زالت اليومَ عن فؤادي ضلوعي )
( أتناسَاكِ كي يُرِيغَ فؤادي ... ثم يشتدُّ عند ذاك وَلُوعي )
( يا لُبَيْنى فَدَتْكِ نفسي وأهلي ... هل لدهرٍ مضى لنا من رجوعِ )
غنت في البيتين الأولين شارية خفيف رمل بالوسطى وغنى فيهما

حسين بن محرز ثاني ثقيل هكذا ذكر الهشامي وقد قيل إنه لهاشم بن سليمان
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال الزبير بن بكار حدثني عبد الجبار ابن سعيد المساحقي عن محمد بن معن الغفاري عن أبيه عن عجوز لهم يقال لهما حمادة بنت أبي مسافر قالت جاورت آل ذريح بقطيع لي فيه الرائمة وذات البر والحائل والمتبع قالت فكان قيس بن ذريح إلى شرف في ذلك القطيع ينظر إلى ما يلقين فيتعجب فقلما لبث حتى عزم عليه أبوه بطلاق لبنى فكاد يموت ثم آلى أبوه لئن أقامت لا يساكن قيسا فظعنت فقال
( أيا كبداً طارتْ صُدوعاً نوافذاً ... ويا حَسْرتَا ماذا تَغَلْغَلَ في القلب )
( فأقْسِمُ ما عُمْشُ العيون شوارفٌ ... روائمُ بَوٍّ حائماتٌ على سَقْب )
( تشمَّمْنَه لو يَسْتطِعن ارتشفْنَه ... إذا سُفْنَه يَزْددنَ نَكْباً على نَكْب )
( رَئِمْنَ فما تَنْحاش منهنّ شارفٌ ... وحالَفْنَ حبساً في المُحول وفي الجَدْب )
( بأَوْجَدَ منِّي يومَ وَلَّتْ حُمُولُها ... وقد طلعتْ أولَى الرِّكاب من النَّقْبِ )

( وكلُّ مُلِمّات الزمان وجدتُها ... سوى فُرْقةِ الأحباب هيِّنَةَ الخَطْب )
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال سمعت ابن عائشة يقول قال إسحاق بن الفضل الهاشمي لم يقل الناس في هذا المعنى مثل قول قيس ابن ذريح
( وكلُّ مُصِيبات الزمان وجدتُها ... سوى فُرْقَة الأحباب هيّنةَ الخَطْبِ )
قال وقال ابن النطاح قال أبو دعامة

اشتاقها فقصدها وقال شعرا
خرج قيس في فتية من قومه واعتل على أبيه بالصيد فأتى بلاد لبنى فجعل يتوقع أن يراها أو يرى من يرسل إليها فاشتغل الفتيان بالصيد فلما قضوا وطرهم منه رجعوا إليه وهو واقف فقالوا له قد عرفنا ما أردت بإخراجنا معك وأنك لم ترد الصيد وإنما أردت لقاء لبنى وقد تعذر عليك فانصرف الآن فقال
( وما حائماتٌ حُمْنَ يوماً وليلةً ... على الماء يَغْشَيْن العَصِيَّ حَوَانِ )
( عَوَافِيَ لا يَصْدُرْن عنه لِوجهةٍ ... ولا هنّ من بَرْدِ الحِياض دَوَانِ )
( يَرَيْنَ حَبَاب الماء والموتُ دونه ... فهنّ لأصوات السُّقّاةِ رَوَانِ )
( بأجهدَ منِّي حَرَّ شوقٍ ولَوْعةٍ ... عليكِ ولكِنّ العدوَّ عَدَاني )
( خليليَّ إني ميّتٌ أو مُكَلِّمٌ ... لُبَيْنى بسرِّي فامضِيا وذَرَاني )
( أنَلْ حاجتي وَحْدِي ويا رُبَّ حاجةٍ ... قضيتُ على هَوْلٍ وخوفِ جَنَانِ )
( فإنّ أحقَّ الناسِ ألا تُجَاوِزَا ... وتَطَّرِحا من لو يشاء شفاني )
( ومن قادني للموت حتى إذا صفَتْ ... مشاربُه السمَّ الذُّعَافَ سقانِي )

قال فأقاموا معه حتى لقيها فقالت له يا هذا إنك متعرض لنفسك وفاضحي فقال لها
( صدَعْتِ القلبَ ثم ذرَرْتِ فيه ... هواكِ فلِيمَ فالتأم الفُطورُ )
( تَغَلْغَلَ حيثُ لم يبلُغ شَرابٌ ... ولا حزنٌ ولم يبلغ سرور )
وقال القحذمي حدثني أبو الوردان قال حدثني أبي قال أنشدت أبا السائب المخزومي قول قيس
( صدعتِ القلبَ ثم ذررتِ فيه ... هواكِ فليم فالتأم الفطور )
فصاح بجارية له سندية تسمى زبدة فقال أي زبدة عجلي فقالت أنا أعجن فقال ويحك تعالي ودعي العجين فجاءت فقال لي أنشد بيتي قيس فأعدتهما فقال لها يا زبدة أحسن قيس وإلا فأنت حرة ارجعي الآن إلى عجينك أدركيه لا يبرد
قالوا وجعل قيس يعاتب نفسه في طاعته أباه في طلاقه لبنى ويقول فألا رحلت بها عن بلده فلم أر ما يفعل ولم يرني فكان إذا فقدني أقلع عما يفعله وإذا فقدته لم أتحرج من فعله وما كان علي لو اعتزلته وأقمت في حيها أو في بعض بوادي العرب أو عصيته فلم أطعه هذه جنايتي على نفسي فلا لوم على أحد وهأنذا ميت مما فعلته فمن يرد روحي إلي وهل لي سبيل إلى لبنى بعد الطلاق وكلما قرع نفسه وأنبها بلون من التقريع والتأنيب بكى أحر بكاء وألصق خده بالأرض ووضعه على آثارها ثم قال

صوت
( وَيْلِي وعَوْلِي ومالي حين تُفلِتُني ... من بعد ما أحرزتْ كفّي بها الظَّفَرا )
( قد قال قلبي لطَرْفي وهو يعذُله ... هذا جزاؤك منّي فاكدِمُ الحجرا )

( قد كنتُ أنهاك عنها لو تُطاوِعُني ... فاصبِرْ فما لك فيها أجرُ من صبرا )
غناه الغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيه لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن حبش وفي الثالث والأول خفيف رمل يقال إنه لابن الهربذ
قالوا وقال أيضا
( بانت لُبَيْنَى فأنت اليوم متبول ... والرأي عندك بعد الحزم مخبول )
( أستودِع اللهَ لُبْنَى إذ تفارقني ... بالرغم منّي وقولُ الشيخ مفعول )
( وقد أَرَاني بلبنى حقَّ مُقتنِعٍ ... والشملُ مجتمعٌ والحبل موصول )
قال خالد بن كلثوم وقال
( ألاَ ليت لُبْنَى في خلاءٍ تزورني ... فأشكو إليها لَوْعتي ثم ترجِعُ )
( صحا كلُّ ذي لبٍّ وكلُّ متيَّم ... وقلبي بُلبْنَى ما حَيِيتُ مروَّع )
( فيا مَنْ لِقلبٍ ما يُفِيق من الهوى ... ويا مَنْ لعينٍ بالصَّبابة تَدْمَع )
قالوا وقال في ليلته تلك
( قد قلتُ للقلب لا لُبْناك فاعتِرف ... واقضِ اللُّبَانةَ ما قضَّيْتَ وانصرِف )
( قد كنت أحلف جَهْداً لا أُفارقها ... أُفٍّ لكثرة ذاك القِيل والحَلِفِ )

( حتى تكنَّفني الواشون فافتُلِتتْ ... لا تأمَنَنْ أبداً من غشّ مُكتنِف )
( هيهات هيهات قد أمستْ مُجاوِرةً ... أهلَ العَقيق وأَمسيْنا على سَرِف )
قال وسرف على ستة أميال من مكة والعقيق واد باليمامة
( حي يَمَانُونَ والبَطْحاء منزلَنا ... هذا لَعْمرُك شملٌ غيرُ مؤتِلِف )
قالوا فلما أصبح خرج متوجها نحو الطريق الذي سلكته يتنسم روائحها فسنحت له ظبية فقصدها فهربت منه فقال

من شعره في لبنى
( ألاَ يا شِبْهَ لُبْنَى لا تُرَاعِي ... ولا تتيمَّمِي قُلَلَ القِلاع )
وهي قصيدة طويلة يقول فيها
( فوا كبِدي وعاودني رُدَاعِي ... وكان فراقُ لُبْنَى كالخداع )
( تكنَّفني الوُشاةُ فأزعجوني ... فيا للهِ لِلْواشِي المُطاع )
( فأصبحتُ الغَداةَ ألوم نفسي ... على شيءٍ وليس بمستطاع )
( كمغبونٍ يَعَضُّ على يديه ... تَبيَّنَ غَبْنَه بعد البِياع )
( بدار مَضِيعةٍ تركتْك لُبْنَى ... كذاك الحَيْنُ يُهْدَى للمُضاع )
( وقد عِشْنا نَلَذُّ العيشَ حِيناً ... لَوَ ان الدهرَ للإِنسان داع )
( ولكنّ الجميعَ إلى افتراق ... وأسبابُ الحُتوفِ لها دواع )

غناه الغريض من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو والهشامي ولشارية في البيتين الأولين ثقيل أول آخر بالوسطى ولابن سريج رمل بالوسطى عن الهشامي في
( بدارِ مَضِيعةٍ تركْتك لُبْنَى ... )
وقبله
( فواكبدِي وعاودنِي رُدَاعِي ... )
ولسياط في البيتين الأولين خفيف رمل بالبنصر عن حبش
حدثني عمي عن الكراني عن العتبي عن أبيه قال بعثت أم قيس بن ذريح بفتيات من قومه إليه يعبن إليه لبنى ويعبنه بجزعه وبكائه ويتعرضن لوصاله فأتينه فاجتمعن حواليه وجعلن يمازحنه ويعبن لبنى عنده ويعيرنه ما يفعله فلما أطلن أقبل عليهن وقال

صوت
( يَقَرُّ بعيني قربُها ويَزِيدُني ... بها كَلَفاً مَنْ كان عندي يَعِيبُها )
( وكم قائلٍ قد قال تُبْ فعصَيْتُه ... وتلك لعَمْرِي توبةٌ لا أتوبها )
( فيا نفسُ صبراً لستِ والله فاعلمي ... بأوَّلِ نفسٍ غاب عنها حبيبُها )
غناه دحمان ثقيلا أول بالوسطى وفيه هزج بالبنصر لسليم وذكر حبش أنه لإسحاق قال فانصرفن عنه إلى أمه فأيأسنها من سلوته وقال سائر الرواة الذي ذكرتهم اجتمع إليه النسوة فأطلن الجلوس عنده وحادثنة وهو ساه

عنهن ثم نادى يا لبنى فقلن له ما لك ويحك فقال خدرت رجلي ويقال إن دعاء الإنسان باسم أحب الناس إليه يذهب عنه خدر الرجل فناديتها لذلك فقمن عنه وقال
( إذا خدِرتْ رجلي تذكرتُ مَنْ لها ... فناديتُ لُبْنَى باسمِها ودعوتُ )
( دعوتُ التي لو أنّ نفسي تُطِيعني ... لفارقتُها من حبِّها وقَضيتُ )
( بَرَتْ نبلَها للصيد لبنى ورَيَّشَتْ ... ورَيَّشْتُ أُخرى مثلَها وبَرَيْتُ )
( فلمّا رمتني أَقْصدتْني بسهمها ... وأخطأتُها بالسَّهم حين رميتُ )
( وفارقتُ لبنى ضَلَّةً فكأنني ... قُرِنت إلى العَيُّوق ثم هَوَيْتُ )
( فيا ليتَ أنِّي مُتُّ قبل فراقها ... وهل تَرْجِعَنْ فوتَ القضيّة لَيْتُ )
( فصرتُ وشيخي كالذي عثَرتْ به ... غَداةَ الوَغَى بين العُدَاة كُمَيْتُ )
( فقامت ولم تُضْرَرْ هناك سَوِيّةً ... وفارسُها تحت السَّنابِك مَيْتُ )
( فإن يك تَهْيامي بلُبْنى غَوايَةً ... فقد يا ذَرِيحُ بن الحُبَاب غَوَيْتُ )
( فلا أنت ما أمَّلتَ فيّ رأيتَه ... ولا أنا لبنى والحياةَ حَوَيْتُ )
( فوَطِّنْ لهُلْكِي منك نفساً فإنّني ... كأنك بي قد يا ذَريحُ قَضَيْتُ )
وقال خالد بن كلثوم مرض قيس فسأل أبوه فتيات الحي أن يعدنه ويحدثنه لعله أن يتسلى أو يعلق بعضهن ففعلن ذلك ودخل إليه طبيب

ليداويه والفتيات معه فلما اجتمعن عنده جعلن يحادثنه وأطلن السؤال عن سبب علته فقال

صوت
( عِيدَ قيسٌ من حبِّ لُبنى ولُبنى ... داءُ قيسٍ والحبُّ داءٌ شديدُ )
( وإذا عادني العوائدُ يوماً ... قالت العين لا أَرَى من أُريد )
( ليت لُبْنَى تَعُودني ثم أَقْضِي ... إنها لا تعود فيمن يعود )
( وَيْحَ قيسٍ لقد تضمَّن منها ... داءَ خَبْلٍ فالقلبُ منه عَميد )
غناه ابن سريج خفيف رمل عن الهشامي وفيه للحجبي ثقيل أول بالوسطى وفيه ليحيى المكي رمل قالوا فقال له الطبيب منذ كم هذه العلة ومنذ كم وجدت بهذه المرأة ما وجدت فقال
صوت
( تعلَّق رُوحِي روحَها قبل خَلْقِنا ... ومن بعدِ ما كنَّا نِطافاً وفي المهدِ )
( فزاد كما زِدنا فأصبح نامياً ... وليس إذا مُتْنا بمُنْصَرِم العهد )
( ولكنَّه باقٍ على كلِّ حادثٍ ... وزائرُنا في ظُلْمة القبر واللَّحْدِ )
غناه الغريض ثقيلا أول بالوسطى من رواية حبش قالوا فقال له الطبيب إن مما يسليك عنها أن تتذكر ما فيها من المساوئ والمعيب وما تعافه النفس من أقذار بني آدم فإن النفس تنبو حينئذ وتسلو ويخف ما بها فقال

( إذا عِبتُها شبَّهتُها البدرَ طالعاً ... وحَسْبُكَ من عيب لها شَبَهُ البدرِ )
( لقد فُضِّلتْ لبنى على الناس مثلَ ما ... على ألف شهر فُضِّلتْ ليلةُ القدر )
صوت
( إذا ما مشتْ شبراً من الأرض أَرْجَفتْ ... من البُهْر حتى ما تَزيدُ على شبرِ )
( لها كَفَلٌ يَرْتَجُّ منها إذا مشتْ ... ومتنٌ كغصن البان مُضْطَمِرُ الخَصْر )
غنى في هذين البيتين ابن المكي خفيف رمل بالوسطى وفيهما رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى ابن طنبورة عن الهشامي قالوا ودخل أبوه وهو يخاطب الطبيب بهذه المخاطبة فأنبه ولامه وقال له يا بني الله الله في نفسك فإنك ميت إن دمت على هذا فقال
( وفِي عُرْوةَ العُذْرِيّ إن متُّ أُسوةٌ ... وعمروِ بن عَجْلانَ الذي قتلتْ هندُ )
( وبي مثلُ ما ماتا به غيرَ أنني ... إلى أجلٍ لم يأتِني وقتُه بعدُ )

صوت
( هل الحبُّ إلاّ عَبْرةٌ بعد زَفْرةٍ ... وحَرٌّ على الأحشاء ليس له بَرْدُ )
( وفَيْضُ دموعٍ تَستهل إذا بدا ... لنا علمٌ من أرضكم لم يكن يبدو )
غنى في هذين البيتين زيد بن الخطاب مولى سليمان بن أبي جعفر وقيل إنه مولى سليمان بن علي ثقيلا أول بالوسطى عن الهشامي
وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير وأخبرنا اليزيدي عن ثعلب عن الزبير قال حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال جلست أنا وأبو السائب في النبالين فأنشدني قول قيس بن ذريح
( عِيدَ قيسٌ من حبِّ لُبْنَى ولُبنى ... داءُ قيسٍ والحبّ داءٌ شديدُ )
( لَيت لُبْنَى تعودني ثم أَقْضِي ... إنها لا تعود فيمن يعود )
قال فأنشدته أنا لقيس
( تعلَّق رُوحِي رُوحَها قبل خَلْقِنا ... ومن بعد ما كنّا نِطافاً وفي المهد )
( فزاد كما زِدنا وأصبح نامياً ... وليس إذا متْنا بمنتَقِضِ العهد )
( ولكنَّه باقٍ على كل حادثٍ ... وزائرُنا في ظلمة القبر واللَّحْد )
فحلف لا يزال يقوم ويقعد حتى يرويها فدخل زقاق النبالين وجعلت أرددها عليه ويقوم ويقعد حتى رواها
رجع الخبر إلى سياقته
زوجوه لينسى لبنى
وقال خالد بن جمل فلما طال على قيس ما به أشار قومه على أبيه بأن يزوجه امرأة جميلة فلعله أن يسلو بها عن لبنى فدعاه إلى ذلك فأباه وقال
( لقد خِفتُ ألاّ تَقْنَع النفسُ بعدها ... بشيءٍ من الدنيا وإن كان مَقْنَعا )

( وأزجُر عنها النفس إذ حيل دونها ... وتأبَى إليها النفسُ إلاّ تَطلُّعا )
فأعلمهم أبوه بما رد عليه قالوا فمره بالمسير في أحياء العرب والنزول عليهم فلعل عينه أن تقع على امرأة تعجبه فأقسم عليه أبوه أن يفعل فسار حتى نزل بحي من فزارة فرأى جارية حسناء قد حسرت برقع خز عن وجهها وهي كالبدر ليلة تمه فقال لها ما اسمك يا جارية قالت لبنى فسقط على وجهه مغشيا عليه فنضحت على وجهه ماء وارتاعت لما عراه ثم قالت إن لم يكن هذا قيس بن ذريح إنه لمجنون فأفاق فنسبته فانتسب فقالت قد علمت أنك قيس ولكن نشدتك بالله وبحق لبنى إلا أصبت من طعامنا وقدمت إليه طعاما فأصاب منه بإصبعه وركب فأتى على أثره أخ لها كان غائبا فرأى مناخ ناقته فسألهم عنه فأخبروه فركب حتى رده إلى منزله وحلف عليه ليقيمن عنده شهرا فقال له لقد شققت علي ولكني سأتبع هواك والفزاري يزداد إعجابا بحديثه وعقله وروايته فعرض عليه الصهر فقال له يا هذا إن فيك لرغبة ولكني في شغل لا ينتفع بي معه فلم يزل يعاوده والحي يلومونه ويقولون له قد خشينا أن يصير علينا فعلك سبة فقال دعوني ففي مثل هذا الفتى يرغب الكرام فلم يزل به حتى أجابه وعقد الصهر بينه وبينه على أخته المسماة لبنى وقال له أنا أسوق عنك صداقها فقال أنا والله يا أخي أكثر قومي مالا فما حاجتك إلى تكلف هذا أنا سائر إلى قومي وسائق إليها المهر ففعل وأعلم أباه الذي كان منه فسره وساق المهر عنه ورجع إلى الفزاريين حتى أدخلت عليه زوجته فلم يروه هش إليها ولا دنا منها ولا خاطبها بحرف ولا نظر إليها وأقام على ذلك أياما كثيرة ثم أعلمهم أنه يريد الخروج إلى قومه أياما فأذنوا له في ذلك فمضى لوجهه إلى المدينة وكان له صديق من الأنصار بها فأتاه فأعلمه الأنصاري أن خبر تزويجه بلغ لبنى فغمها وقالت إنه لغدار ولقد كنت أمتنع من إجابة قومي إلى التزويج فأنا الآن أجيبهم وقد كان أبوها شكا قيسا إلى معاوية وأعلمه

تعرضه لها بعد الطلاق فكتب إلى مروان بن الحكم يهدر دمه إن تعرض لها وأمر أباها أن يزوجها رجلا يعرف بخالد بن حلزة من بني عبد الله بن غطفان ويقال بل أمره بتزويجها رجلا من آل كثير بن الصلت الكندي حليف قريش فزوجها أبوها منه قال فجعل نساء الحي يقلن ليلة زفافها
( لُبَيْنَى زوجُها أصبح ... لا حرَّ بِواديه )
( له فضلٌ على الناس ... بما باتت تُناجيه )
( وقيسٌ ميّتٌ حيٌّ ... صريعٌ في بَواكيه )
( فلا يُبعِدُه الله ... وبُعْداً لنَواعيه )
قال فجزع قيس جزعا شديدا وجعل ينشج أحر نشيج ويبكي أحر بكاء ثم ركب من فوره حتى أتى محلة قومها فناداه النساء ما تصنع الآن ها هنا قد نقلت لبنى إلى زوجها وجعل الفتيان يعارضونه بهذه المقالة وما أشبهها وهو لا يجيبهم حتى أتى موضع خبائها فنزل عن راحلته وجعل يتمعك في موضعها ويمرغ خده على ترابها ويبكي أحر بكاء ثم قال

صوت
( إلى الله أشكو فَقْدَ لُبنى كما شكا ... إلى الله فقدَ الوالدَيْنِ يتيمُ )
( يتيمٌ جفاه الأقربون فجسمُه ... نَحيلٌ وعهدُ الوالدَيْن قديمُ )

( بكت دارُهم من نأيهم فتهلّلتْ ... دموعي فأيَّ الجازِعَيْنِ ألوم )
( أمُستعبِراً يبكي من الشوق والهوى ... أَمَ آخَر يبكي شَجْوَه ويَهِيم )
لابن جامع في البيتين الأولين ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي ولعريب فيهما ثاني ثقيل وفي الثالث والرابع لمياسة خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وحبش والهشامي وتمام هذه الأبيات وليست فيها صنعة قوله
( تهيَّضَنِي من حبّ لُبْنَى علائقٌ ... وأصنافُ حبٍّ هَوْلُهن عظيمُ )
( ومن يتعلَّق حبَّ لبنى فؤادُه ... يَمُتْ أو يَعِشْ ما عاش وهو كَليم )
( فإنّي وإن أجمعتُ عنكِ تَجلُّداً ... على العهد فيما بيننا لمُقِيم )
( وإنّ زماناً شتَّت الشملَ بيننا ... وبينكُم فيه العِدَا لمَشُوم )
( أفي الحقِّ هذا أنّ قلبكِ فارغٌ ... صحيح وقلبي في هواكِ سَقيم )
وقد قيل إن هذه الأبيات ليست لقيس وإنما خلطت بشعره ولكنها في هذه الرواية منسوبة إليه
قال وقال أيضا في رحيل لبنى عن وطنها وانتقالها إلى زوجها بالمدينة وهو مقيم في حيها
صوت
( بانت لُبَيْنَى فهاج القلبَ مَنْ بانا ... وكان ما وعدتْ مَطْلاً وَلَيّانَا )
( وأَخْلفتْك مُنًى قد كنتَ تأمُلها ... فأصبح القلبُ بعد البين حيرانا )
( الله يدري وما يدري به أحدٌ ... ماذا أُجَمْجِم من ذكراكِ أحيانا )
( يا أكملَ الناسِ من قَرْنٍ إلى قدمٍ ... وأحسنَ الناس ذا ثوبٍ وعُرْيانا )

( نعم الضَّجيعُ بُعَيْد النوم تَجْلُبه ... إليكَ ممتلئاً نوما ويَقْظانا )
للغريض في هذه الأبيات ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو وذكر الهشامي أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل آخر وقال أحمد ابن عبيد فيه لحنان ليحيى المكي وعلويه وتمام هذه القصيدة
( لا بارك اللهُ فيمن كان يحسَبُكم ... إلاّ على العهد حتى كان ما كانا )
( حتى استفقتُ أخيراً بعد ما نُكحت ... كأنما كان ذاك القلب حيرانا )
( قد زارني طَيْفُكم ليلاً فأرَّقني ... فبِتُّ للشوق أُذْرِي الدمع تَهْتانا )
( إن تَصْرِمي الحبَل أو تُمْسِي مُفارِقةً ... فالدهر يُحدث للإِنسان ألوانا )
( وما أرى مثلَكم في الناس من بَشَرٍ ... فقد رأيتُ به حَيًّا ونِسْوانا )

أبو لبنى يشكوه إلى معاوية
وقال ابن قتيبة في خبره عن الهيثم بن عدي ورواه عمر بن شبة أيضا أن أبا لبنى شخص إلى معاوية فشكا إليه قيسا وتعرضه لابنته بعد طلاقه إياها فكتب معاوية إلى مروان أو سعيد بن العاص يهدر دمه إن ألم بها وأن يشتد في لك فكتب مروان أو سعيد في ذلك إلى صاحب الماء الذي ينزله أبو لبنى كتابا وكيدا ووجهت لبنى رسولا قاصدا إلى قيس تعلمه ما جرى

وتحذره وبلغ أباه الخبر فعاتبه وتجهمه وقال له انتهى بك الأمر إلى أن يهدر السلطان دمك فقال

صوت
( فإن يَحْجُبوها أو يَحُلْ دون وصلها ... مقالةُ واشٍ أو وَعيدُ أمير )
( فلن يمنعوا عينيَّ من دائم البُكا ... ولن يُذهبوا ما قد أَجَنَّ ضميري )
( إلى الله أشكو ما أُلاَقِي من الهوى ... ومن حُرَقٍ تعتادني وزَفير )
( ومن حَرَقٍ للحبّ في باطن الحشى ... وليلٍ طويلِ الحزن غيرِ قصير )
( سأبكي على نفسي بعينٍ غزيرةٍ ... بكاءَ حَزينٍ في الوَثاق أسير )
( وكنَّا جميعاً قبل أن يظهر الهوى ... بأَنْعَمِ حالَيْ غِبْطَةٍ وسرور )
( فما برِح الواشون حتى بَدَتْ لهم ... بطونُ الهوى مقلوبةً لظهور )
( لقد كنتِ حَسْبَ النفس لو دام وصلُنا ... ولكنَّما الدنيا متاعُ غرور )
هكذا في هذا الخبر أن الشعر لقيس بن ذريح وذكر الزبير بن بكار أنه لجده عبد الله بن مصعب غنى يزيد حوراء في الأول والثاني والسادس والثالث من هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى وغنى إبراهيم في

الأول والثاني لحنا من كتابه غير مجنس وذكر حبش أن فيهما لإسحاق خفيف ثقيل بالوسطى وفي الخامس وما بعده لعريب ثقيل أول ابتداؤه نشيد وقال ابن الكلبي في خبره قال قيس في إهدار معاوية دمه إن زارها
( إن تك لُبْنَى قد أتى دون قربها ... حجابٌ منيعٌ ما إليه سبيل )
( فإنّ نسيم الجوّ يجمع بيننا ... ونُبصر قَرْنَ الشمس حين تزول )
( وأرواحنا باللَّيل في الحيّ تلتقي ... ونعلم أنّا بالنهار نَقيل )
( وتجمعنا الأرضُ القَرارُ وفوقنا ... سماء نرى فيها النجومَ تجول )
( إلى أن يعود الدهر سَلْماً وتنقضي ... تراتٌ بغاها عندنا وذُحول )
ومما وجد في كتاب لابن النطاح قال العتبي حدثنا أبي قال حج قيس ابن ذريج واتفق أن حجت لبنى في تلك السنة فرآها ومعها امرأة من قومها فدهش وبقي واقفا مكانه ومضت لسبيلها ثم أرسلت إليه بالمرأة تبلغه السلام وتسأله عن خبره فألفته جالسا وحده ينشد ويبكي
( ويومَ مِنًى أعرضتِ عنِّي فلم أقل ... بحاجة نفس عند لُبْنَى مقالُها )
( وفي اليأس للنفس المريضة راحةٌ ... إذا النفسُ رامت خُطَّةً لا تَنالُها )
فدخلت خباءه وجعلت تحدثه عن لبنى ويحدثها عن نفسه مليا ولم تعلمه أن لبنى أرسلتها إليه فسألها أن تبلغها عنه السلام فامتنعت عليه فأنشأ يقول
( إذا طلعتْ شمسُ النهار فسلِّمي ... فآيةُ تسليمي عليكِ طلوعُها )

( بعشر تحيَّاتٍ إذا الشمسُ أَشْرقتْ ... وعشرٍ إذا اصفرَّتْ وحان رجوعُها )
( ولو أبلغتْها جارةٌ قوليَ اسلَمِي ... بكتْ جَزَعاً ارفَضَّ منها دموعُها )
( وبانَ الذي تُخْفِي من الوجد في الحَشَى ... إذا جاءها عنِّي حديث يَرُوعُها )
غنى في البيتين الأولين علويه خفيف رمل بالوسطى قال وقضى الناس حجهم وانصرفوا فمرض قيس في طريقه مرضا شديدا أشفى منه على الموت فلم يأته رسولها عائدا لأن قومها رأوه وعلموا به فقال
( ألُبْنَى لقد جَلَّتْ عليكِ مصيبتي ... غَدَاةَ غدٍ إذ حلَّ ما أتوقَّعُ )
( تُمنِّينَنِي نَيْلاً وتَلْوِبنَني به ... فنفسي شوقاً كلَّ يوم تَقَطَّع )
( وقلبكِ قَطُّ ما يَليِن لما يَرى ... فواكبدي قد طال هذا التضرُّع )
( ألومُكِ في شأني وأنتِ مُلِيمةٌ ... لعَمْرِي وأَجْفَى للمحبِّ وأقطع )
( أخُبّرتِ أنّي فيكِ مَيّتُ حَسْرتي ... فما فاض من عينيكِ للوَجْد مَدْمَع )
( ولكن لعَمْرِي قد بكيتُكِ جاهداً ... وإن كان دائي كلُّه منك أجمع )
( صَبِيحةَ جاء العائداتُ يَعُدْنَنِي ... فظَلَّتْ عليَّ العائداتُ تَفَجَّع )
( فقائلةٌ جئنا إليه وقد قضَى ... وقائلةٌ لا بل تركْناه يَنْزِع )
وروى القحذمي هاهنا
( فما غَشِيتْ عينيكِ من ذاك عَبْرةٌ ... وعيني على ما بي بِذكْراكِ تدمَع )
( إذا أنتِ لم تَبْكِي عليّ جِنازةً ... لديكِ فلا تبكي غداً حين أُرفَع )
قال فبلغتها الأبيات فجزعت جزعا شديدا وبكت بكاء كثيرا ثم خرجت إليه ليلا على موعد فاعتذرت وقالت إنما أبقي عليك وأخشى أن تقتل فأنا أتحاماك لذلك ولولا هذا لما افترقنا وودعته وانصرفت
وقال خالد بن كلثوم فبلغه أن أهلها قالوا لها إنه عليل لما به وإنه سيموت في سفره هذا فقالت لهم لتدفعهم عن نفسها ما أراه إلا كاذبا فيما يدعي ومتعللا لا عليلا فبلغه ذلك فقال

( تكاد بلادُ الله يا أُمَّ مَعْمَرٍ ... بما رحُبتْ يوماً عليّ تَضِيقُ )
( تكذِّبني بالودّ لُبْنَى وليتَها ... تُكَلَّف منِّي مثلَه فتذوق )
( ولو تعلمين الغَيْبَ أيقنتِ أنني ... لكم والهدايا المُشْعَراتِ صديق )
( تتوق إليكِ النفس ثم أَرُدُّها ... حياءً ومثلي بالحياء حَقيق )
( أَذُود سَوَامَ النفس عنكِ وما له ... على أحدٍ إلا عليك طريق )
( فإنِّي وإن حاولتِ صُرْمي وهِجْرتي ... عليك مِنَ احداثِ الرَّدَى لشَفيق )
( ولم أرَ أيّاماً كأيّامنا التي ... مَرَرْنَ علينا والزمان أَنِيق )
( ووعدُكِ إيّانا ولو قلتِ عاجلٌ ... بعيدٌ كما قد تعلمين سَحِيق )
( وحدّثتني يا قلبُ أنك صابرٌ ... على البين من لُبْنَى فسوف تذوق )
( فمُتْ كَمَداً أو عِشْ سَقيماً فإنمَّا ... تكلِّفني ما لاَ أَرَاكَ تُطِيق )
( أطعتَ وُشَاةً لم يكن لك فيهمُ ... خليلٌ ولا جارٌ عليك شَفيق )
( فإن تك لمّا تَسْلُ عنها فإنّني ... بها مُغْرَمٌ صَبُّ الفؤاد مَشُوق )
( بلُبْنَى أُنادَى عند أوُل غَشْيَةٍ ... ويَثْنِي بها الدَّاعِي لها فأفِيق )
( شهِدتُ على نفسي بأنك غادةٌ ... رَدَاحٌ وأنّ الوجه منكِ عتيق )
( وأنكِ لا تَجزينَنِي بصَحابةٍ ... ولا أنا للهِجران منكِ مُطِيق )
( وأنكِ قسَّمتِ الفؤادَ فنصفُه ... رَهينٌ ونصفٌ في الحبال وَثيق )
( صَبُوحِي إذا ماذَرَّتِ الشمسُ ذكركُم ... ولي ذكرُكم عند المَساء غَبُوق )
( إذا أنا عَزَّيتُ الهوى أو تركتُه ... أتتْ عَبَراتٌ بالدموع تَسُوق )
( كأنّ الهوى بين الحَيَازِيم والحَشَى ... وبين التَّرَاقِي واللَّهَاة حَرِيق )

( فإن كنتِ لمَّا تَعْلمِي العلم فاسألي ... فبعضٌ لبعضٍ في الفَعال فَؤوق )
( سَلِي هل قَلاَنِي من عَشيرٍ صحبتُه ... وهل مَلَّ رَحْلي في الرِّفاق رفيق )
( وهل يَجْتَوي القومُ الكِرامُ صِحَابتي ... إذا اغْبَرَّ مَخْشِيّ الفِجاج عَميق )
( وأكتُم أسرارَ الهوى فأميتها ... إذا باح مَزَّاحٌ بهنّ بَرُوق )
( سعَى الدهرُ والواشون بيني وبينها ... فقُطّع حبلُ الوصل وهو وَثيق )
( هل الصبر إلا أن أَصُدَّ فلا أرَى ... بأرضِك إلاّ أن يكون طريق )

قصته مع لبنى وزوجها
قال ثم أتى قومه فاقتطع قطعة من إبله وأعلم أباه أنه يريد المدينة ليبيعها ويمتار لأهله بثمنها فعرف أبوه أنه إنما يريد لبنى فعاتبه وزجره عن ذلك فلم يقبل منه وأخذ إبله وقدم بها المدينة فبينا هو يعرضها إذ ساومه زوج لبنى بناقة منها وهما لا يتعارفان فباعه إياها فقال له إذا كان غد فأتني في دار كثير بن الصلت فاقبض الثمن قال نعم ومضى زوج لبنى إليها فقال لها إني ابتعت ناقة من رجل من أهل البادية وهو يأتينا غدا لقبض ثمنها فأعدي له طعاما ففعلت فلما كان من الغد جاء قيس فصوت بالخادم قولي لسيدك صاحب الناقة بالباب فعرفت لبنى نغمته فلم تقل شيئا فقال زوجها للخادم قولي له ادخل فدخل فجلس فقالت لبنى للخادم قولي له يا فتى مالي أراك أشعث أغبر فقالت له ذلك فتنفس ثم قال لها هكذا تكون حال من فارق الأحبة واختار الموت على الحياة وبكى فقالت لها لبنى قولي له حدثنا حديثك فلما ابتدأ يحدث به كشفت الحجاب وقالت حسبك قد عرفنا حديثك وأسبلت الحجاب فبهت ساعة لا يتكلم ثم انفجر باكيا ونهض فخرج فناداه زوجها ويحك ما قصتك ارجع اقبض ثمن ناقتك وإن شئت زدناك فلم يكلمه وخرج

فاغترز في رحله ومضى وقالت لبنى لزوجها ويحك هذا قيس بن ذريح فما حملك على ما فعلت به قال ما عرفته وجعل قيس يبكي في طريقه ويندب نفسه ويوبخها علىفعله ثم قال

صوت
( أبتكي على لُبْنَى وأنت تركتَها ... وأنت عليها بالمَلاَ أنت أقدَرُ )
( فإن تكن الدنيا بلُبْنَى تقلَّبتْ ... عليَّ فلِلدنيا بطونٌ وأَظْهُر )
( لقد كان فيها للأمانة موضعٌ ... وللكَفِّ مُرتَادٌ وللعين مَنْظَر )
( وللحائم العطشانِ رِيٌّ بريقِها ... وللمَرِح المختالِ خمرٌ ومُسْكِرُ )
( كأنّي لها أُرْجوحةٌ بين أَحْبُلٍ ... إذا ذُكْرةٌ منها على القلب تَخْطُر )
للغريض في البيتين الأولين ثقيل أول بالوسطى عن عمرو والهشامي وفيهما لعريب رمل ولشارية خفيف رمل من رواية أبي العبيس
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال تزوج رجل من أهل المدينة يقال له أبو درة امرأة كانت قبله عند رجل آخر من أهل المدينة يقال له أبو بطينة فلقيه زوجها الأول فضربه ضربة شلت يده منها فلقيه أبو السائب المخزومي فقال له يا ابا درة أضربك أبو بطينة في زوجته قال نعم قال أما إني أشهد أنها ليست كما قال قيس بن ذريح في زوجته لبنى
( لقد كان فيها للأمانة موضعٌ ... وللكَفِّ مُرْتَادٌ وللعين مَنْظَرُ )

( وللحائم العطشان رِيٌّ بريقها ... وللمَرِح المختال خمر ومُسْكِر )
قال وكانت زوجة أبي درة هذه سوداء كأنها خنفساء

مرض قيس
قال وعاد إلى قومه بعد رؤيته إياها وقد أنكر نفسه وأسف ولحقه أمر عظيم فأنكروه وسألوه عن حاله فلم يخبرهم ومرض مرضا شديدا أشرف منه على الموت فدخل إليه أبوه ورجال قومه فكلموه وعاتبوه وناشدوه الله فقال ويحكم أتروني أمرضت نفسي أو وجدت لها سلوة بعد اليأس فاخترت الهم والبلاء أو لي في ذلك صنع هذا ما اختاره لي أبواي وقتلاني به فجعل أبوه يبكي ويدعو له بالفرج والسلوة فقال قيس
( لقد عذَّبتَني يا حبَّ لُبْنَى ... فقَعْ إمّا بموتٍ أو حياةِ )
( فإنّ الموت أَرْوحُ من حياةٍ ... تدوم على التباعد والشَّتات )
( وقال الأقربون تَعَزَّ عنها ... فقلت لهم إذاً حانت وفاتي )
قال ودست إليه لبنى بعد خروجه رسولا وقالت له استنشده فإن سألك عن نسبتك فانتسب له خزاعيا فإذا أنشدك فقل له لم تزوجت بعدها حتى أجابت إلى أن تتزوج بعدك واحفظ ما يقول لك حتى ترده علي فأتاه الرسول فسلم وانتسب خزاعيا وذكر أنه من أهل الشَام واستنشده فأنشده قوله
( فأقْسِم ما عُمْشُ العيونِ شوارِفٌ ... روائمُ بَوٍّ حانياتٌ على شَقْبِ )
وقد مضت هذه الأبيات فقال له الرجل فلم تزوجت بعدها فأخبره الخبر وحلف له أن عينه ما اكتحلت بالمرأة التي تزوجها وأنه لو رآها في نسوة ما عرفها وأنه ما مد يده إليها ولا كلمها ولا كشف لها عن ثوب فقال له الرجل فإني جار لها وإنها من الوجد بك على حال قد تمنى زوجها معها أن تكون بقربها لتصلح حالها بك فحملني إليها ماشئت أؤده إليها قال

تعود إلي إذا أردت الرحيل فعاد إليه لما أراد الرحيل فقال تقول لها
( أَلاَ حيِّ لُبْنَى اليومَ إن كنتَ غاديَا ... وأَلمِمْ بها من قبلِ أنْ لا تَلاَقِيَا )
( وأَهْدِ لها منك النصيحةَ إنها ... قليلٌ ولا تَخْشَ الوُشاةَ الأدانيا )
( وقل إنّني والراقصاتِ إلى مِنىً ... بأَجْبُل جَمْعٍ ينتظرنَ المناديا )
( أصونُكِ عن بعض الأمور مَضَنَّةً ... وأخشَى عليكِ الكاشحين الأعاديا )
( تَسَاقطُ نفسي حين ألقاكِ أنفُساً ... يَرِدْنَ فما يَصْدُرْنَ إلا صَوَادِيا )
( فإنْ أَحْيَ أو أهلِكْ فلستُ بزائلٍ ... لكم حافظاً ما بَلَّ ريقٌ لسانيا )
( أقول إذا نفسي من الوَجْد أَصْعدتْ ... بها زَفْرةٌ تعتادني هي ما هيا )
( وبين الحَشَى والنحرِ منِّي حرارةٌ ... ولوعةُ وجدٍ تترك القلب ساهيا )
( ألاَ ليت لُبْنَى لم تكن ليَ خُلَّةً ... ولم تَرَنِي لُبْنى ولم أدرِ ما هيا )
( سَلِي الناسَ هل خبَّرتُ سرَّكِ منهمُ ... أخا ثقةٍ أو ظاهرَ الغِشِّ باديا )
( يقول ليَ الواشون لمّا تَظاهروا ... عليكِ وأَضْحَى الحبلُ للبين واهيا )
( لعَمْري لقبلَ اليوم حُمِّلتَ ما تَرى ... وأُنْذِرتَ من لُبْنَى الذي كنتَ لاقيا )
( خليليَّ مالي قد بَلِيتُ ولا أَرَى ... لُبَيْنَي على الهِجْران إلاّ كما هيا )
( ألاَ يا غرابَ البَيْن مالكَ كلَّما ... ذكرتُ لُبَيْنَى طِرْتَ لي عن شِماليا )
( أعندكَ علمُ الغيبِ أم لستَ مُخْبِرِي ... عن الحيِّ إلا بالذي قد بدا ليا )
( جَزِعتُ عليها لو أَرى ليَ مَجْزَعاً ... وأفنيتُ دمعَ العين لو كان فانيا )
( حياتَك لا تُغْلَبْ عليها فإنه ... كفَى بالذي تَلْقَى لنفسِك ناهيا )
( تَمرّ الليالي والشهور ولا أَرَى ... وَلُوعِي بها يزداد إلاّ تماديا )
( فما عن نَوالٍ من لُبَيْنَى زيارتي ... ولا قِلّةُ الإِلمام أَن كنتُ قاليا )
( ولكنّها صَدَّتْ وحُمِّلتُ من هوىً ... لها ما يَؤود الشامخاتِ الرواسيا )

وهذه القصيدة تخلط بقصيدة المجنون التي في وزنها وعلى قافيتها لتشابههما فقلما يتميزان
غنى الحسين بن محرز في البيت الأول والبيت الخامس من هذه القصيدة ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى من روايتي بذل والهشامي
حدثني المدائني عن عوانة عن يحيى بن علي الكناني قال شهر أمر قيس بالمدينة وغنى في شعره الغريض ومعبد ومالك وذووهم فلم يبق شريف ولا وضيع إلا سمع بذلك فأطربه وحزن لقيس مما به وجاءها زوجها فأنبها على ذلك وعاتبها وقال قد فضحتني بذكرك فغضبت وقالت يا هذا إني والله ما تزوجتك رغبة فيك ولا فيما عندك ولا دلس أمري عليك ولقد علمت أني كنت زوجته قبلك وأنه أكره على طلاقي ووالله ما قبلت التزويج حتى أهدر دمه إن ألم بحينا فخشيت أن يحمله ما يجد على المخاطرة فيقتل فتزوجتك وأمرك الآن إليك ففارقني فلا حاجة بي إليك فأمسك عن جوابها وجعل يأتيها بجواري المدينة يغنينها بشعر قيس كيما يستصلحها بذلك فلا تزداد إلا تماديا وبعدا ولا تزال تبكي كلما سمعت شيئا من ذلك أحر بكاء وأشجاه
رجع الحديث إلى سياقته

بريكة تجمعهما سرا
وقال الحرمازي وخالد بن جمل كانت امرأة من موالي بني زهرة يقال لها بريكة من أظرف النساء وأكرمهن وكان لها زوج من قريش له دار ضيافة فلما طالت علة قيس قال له أبوه إني لأعلم أن شفاءك في القرب من لبنى فارحل إلى المدينة فرحل إليها حتى أتى دار الضيافة التي لزوج بريكة

فوثب غلمانه إلى رحل قيس ليحطوه فقال لا تفعلوا فلست نازلا أو ألقى بريكة فإني قصدتها في حاجة فإن وجدت لها عندها موضعا نزلت بكم وإلا رحلت فأتوها فأخبروها فخرجت إليه فسلمت عليه ورحبت به وقالت حاجتك مقضية كائنة ما كانت فانزل ودنا منها فقال أذكر حاجتي قالت إن شئت قال أنا قيس بن ذريح قالت حياك الله وقربك إن ذكرك لجديد عندنا في كل وقت قال وحاجتي أن أرى لبنى نظرة واحدة كيف شئت قالت ذلك لك علي فنزل بهم وأقام عندها وأخفت أمره ثم أهدى لها هدايا كثيرة وقال لاطفيها وزوجها بهذا حتى يأنس بك ففعلت وزارتها مرارا ثم قالت لزوجها أخبرني عنك أنت خير من زوجي قال لا قالت فلبنى خير مني قال لا قالت فما بالي أزورها ولا تزورني قال ذلك إليها فأتتها وسألتها الزيارة وأعلمتها أن قيسا عندها فتسارعت إلى ذلك وأتتها فلما رآها ورأته بكيا حتى كادا يتلفان ثم جعلت تسأله عن خبره وعلته فيخبرها ويسألها فتخبره ثم قالت أنشدني ما قلت في علتك فأنشدها قوله
( أعالج من نفسي بَقايا حُشاشةٍ ... على رَمَقٍ والعائداتُ تعود )
( فإنْ ذُكرتْ لُبْنَى هَشِشْتُ لذكرها ... كما هَشَّ للثدي الدَّرُورِ وَليدُ )
( أجيب بلُبنى مَنْ دعاني تَجَلُّداً ... وبي زَفَراتٌ تنجلي وتعود )
( تُعيد إلى روحي الحياةَ وإنني ... بنفسيَ لو عاينتني لأجود )
قال وفي هذه القصيدة يقول

صوت
( ألاَ ليتَ أيّاماً مَضَيْن تعود ... فإن عُدْنَ يوماً إنني لسعيدُ )
( سَقَى دارَ لُبنى حيث حَلَّتْ وخَيَّمتْ ... من الأرض مُنْهَلُّ الغَمامِ رَعود )

في هذين البيتين لعريب خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى وقيل إنه لغيرها وتمام هذه القصيدة
( على كلِّ حالٍ إن دَنَتْ أو تباعدتْ ... فإن تَدْنُ منّا فالدنوُّ مزيد )
( فلا اليأسُ يُسْلِيني ولا القربُ نافعي ... ولُبْنَى مَنُوعٌ ما تكاد تجود )
( كأنِّيَ من لُبنى سليمٌ مُسَهَّدٌ ... يَظَلُّ على أيدي الرجال يَميد )
( رمتْنِي لُبَيْنَى في الفؤاد بسهمها ... وسهمُ لبينى للفؤاد صَيُود )
( سلاَ كُلُّ ذي شَجْوٍ علمتُ مكانَه ... وقلبي للبنى ما حَيِيتُ ودود )
( وقائلةٍ قد مات أو هو مَيِّتٌ ... ولِلنفس منِّي أن تَفيض رَصيد )
( أُعالِج من نفسي بقايا حُشاشةٍ ... على رَمَقٍ والعائداتُ تعود )
وقال الحرمازي في خبره خاصة وعاتبته على تزوجه فحلف أنه لم ينظر إليها ملء عينيه ولا دنا منها فصدقته وقال
صوت
( ولقد أردتُ الصبر عنكِ فعاقَني ... عَلَقٌ بقلبي من هواكِ قديمُ )
( يبقَى على حَدَثِ الزمانِ ورَيْبِه ... وعلى جَفائِك إنه لكريمُ )
( فصَرَمتِه وصَحَحْت وهو بدائه ... شَتَّانَ بين مُصَحَّح وسَقِيم )
( وَارَبْتِه زمناً فعاد بحلمه ... إنّ المحبّ عن الحبيب حليمُ )
لعريب في هذه الأبيات خفيف ثقيل وللدارمي خفيف رمل من رواية الهشامي ومن الناس من ينسب خفيف الثقيل إليه وخفيف الرمل إليها قالوا فلم يزل يومه معها يحدثها ويشكو إليها أعف شكوى وأكرم حديث حتى

أمسى فانصرفت ووعدته الرجوع إليه من غد فلم ترجع وشاع خبره فلم ترسل إليه رسولا فكتب هذه الأبيات في رقعة ودفعها إلى بريكة وسألها أن توصلها إليها ورحل متوجها إلى معاوية والأبيات

صوت
( بنفسيَ مَنْ قلبي له الدَّهرَ ذاكرُ ... ومَنْ هو عنِّي مُعرِضُ القلبِ صابرُ )
( ومَنْ حُبُّه يزداد عنديَ جِدَّةً ... وحبِّي لديه مُخْلَقُ العهدِ داثرُ )
غنت في هذين البيتين ضنين جارية خاقان بن حامد خفيف رمل قالوا
يزيد يرق لحاله
ثم ارتحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشكا ما به إليه وامتدحه فرق له وقال سل ما شئت إن شئت أن أكتب إلى زوجها فأحتم عليه أن يطلقها فعلت قال لا أريد ذلك ولكن أحب أن أقيم بحيث تقيم من البلاد أتعرف أخبارها وأقنع بذلك من غير أن يهدر دمي قال لو سألت هذا من غير أن ترحل إلينا فيه لما وجب أن تمنعه فأقم حيث شئت وأخذ كتاب أبيه له بأن يقيم حيث شاء وأحب ولا يعترض عليه أحد وأزال ما كان كتب به في إهدار دمه فقدم إلى بلده وبلغ الفزاريين خبره وإلمامه بلبنى فكاتبوه في ذلك وعاتبوه فقال للرسول قل للفتى يعني أخا الجارية التي تزوجها يا أخي ما غررتك من نفسي ولقد أعلمتك أني مشغول عن كل أحد وقد جعلت أمر أختك إليك فأمض فيه من حكمك ما رأيت فتكرم الفتى عن أن يفرق بينهما فمكثت في حباله مدة ثم ماتت
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي عن أبيه قال

أقبلت ذات يوم من الغابة فلما كنت بالمذاذ إذا ربع حديث العهد بالساكن وإذا رجل مجتمع في جانب ذلك الربع يبكي ويحدث نفسه فسلمت فلم يرد علي سلاما فقلت في نفسي رجل ملتبس به فوليت عنه فصاح بي بعد ساعة وعليك السلام هلم هلم إلي يا صاحب السلام فأتيته فقال أما والله لقد فهمت سلامك ولكني رجل مشترك اللب يضل عني أحيانا ثم يعود إلي فقلت ومن أنت قال قيس بن ذريح الليثي قلت صاحب لبنى قال صاحب لبنى لعمري وقتيلها ثم أرسل عينيه كأنهما مزادتان فما أنسى حسن قوله
( أبائنةٌ لُبْنَى ولم تَقطعِ المَدَى ... بوصلٍ ولا صُرْمٍ فييأسَ طامعُ )
( نهارِي نهارُ الوالهِين صَبابةً ... وليلِىَ تنبو فيه عنِّي المضاجع )
( وقد كنتُ قبل اليوم خِلْواً وإنّما ... تُقَسَّم بين الهالِكين المَصَارِع )
( فلولا رجاءُ القلب أن تُسْعِف النَّوَى ... لَمَا حبستْه بينهنّ الأضالع )
( له وَجَبَاتٌ إثْر لُبْنَى كأنها ... شَقائق برقٍ في السماء لَوَامِعِ )
( أبَى اللهُ أن يَلْقَى الرشادَ مُتَيَّم ... ألاَ كلُّ أمر حُمَّ لا بُدّ واقعُ )
( هما بَرَّحَابي مُعْوِلَيْنِ كِلاهما ... فؤادٌ وعينٌ جفنُها الدَّهرَ دامع )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا الزبير قال وأخبرنا به وكيع عن أبي أيوب المديني قال الزبير قال حدثتني ظبية قالت

سمعت عبد الله بن مسلم بن جندب ينشد زوجي قول قيس بن ذريح
( إذا ذُكِرتْ لُبْنَى تأوَّه واشتكى ... تأوُّهَ محموم عليه البَلابلُ )
( يَبيت ويُضْحى تحت ظِلّ منيَّةٍ ... به رَمَقٌ تَبْكي عليه القبائل )
( قتيلٌ للُبْنَى صدَّع الحبُّ قلبَه ... وفي الحب شغلٌ للمحبِّين شاغل )
فصاح زوجي أوه واحرباه واسلباه ثم أقبل على ابن جندب فقال ويلك أتنشد هذا كذا قال فكيف أنشده قال لم لا تتأوه كما يتأوه وتشتكي كما يشتكي
وقال القحذمي قال ابن أبي عتيق لقيس يوما أنشدني أحر ما قلت في لبنى فأنشده قوله
( وإني لأهوَى النَّومَ في غير حِينه ... لعلَّ لقاءً في المنام يكون )
( تُحَدِّثني الأحلامُ أنِّي أَرَاكُم ... فيا ليتَ أحلامَ المنام يقين )
( شهدتُ بأني لم أحُلْ عن مَوُدّةٍ ... وأنِّي بكم لو تَعْلمين ضَنين )
( وأن فؤادي لا يَلِين إلى هوَى ... سواكِ وإن قالوا بَلَى سيَلِين )
فقال له ابن أبي عتيق لقل ما رضيت به منها يا قيس قال ذلك جهد المقل
غنى في البيتين الأولين قفا النجار ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب

لقيس بن ذريح وكان يستحسن هذه الأبيات من شعره
( سقَى طَلَلَ الدّارِ التي أنتُم بها ... حَياً ثم وَبْلٌ صَيِّفٌ ورَبيعُ )
( مضى زمنٌ والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى لُبْنَى الغَداةَ شَفيع )
( سأصرِم لُبْنَى حبلَكِ اليومَ مُجْمِلاً ... وإن كان صَرْمُ الحبل منكِ يَرُوع )
( وسوف أُسَلِّي النفسَ عنكِ كما سَلاَ ... عن البلد النائي البعيدِ نَزِيع )
( وإنْ مَسَّني للضُّرِّ منكِ كآبةٌ ... وإن نال جسمي للفِراق خُشوع )
( يقولون صَب بالنساء موكَّلٌ ... وما ذاك من فعلِ الرجال بَديع )
( نَدِمتُ على ما كان منّي ندامةً ... كما ندِم المغبونُ حين يَبيع )
( فقَدتُكِ من نفسٍ شَعاعٍ ألم أكن ... نهيتُكِ عن هذا وأنتِ جَميع )
( فقرّبت لي غير القريبِ وأَشْرفتْ ... هناكَ ثَنايا ما لهنَّ طلوع )
( إلى الله أشكو نِيَّةً شَقّت العصا ... هي اليوم شَتَّى وهي أمسِ جميعُ )
( فيا حَجَراتِ الدارِ حيث تحمَّلوا ... بذي سَلَمٍ لا جادكنَّ ربيع )

صوت
( فلو لم يَهِجْني الظاعنون لهاجَنِي ... حمائمُ وُرْقٌ في الدِّيار وُقوع )
( تَدَاعيْنَ فاستبكَيْنَ مَنْ كان ذا هوىً ... نوائحَ لم تَقْطُر لهنّ دُموع )
غنى في هذين البيتين ابن سريج خفيف ثقيل أول عن الهشامي
صوت
( إذا أمرتْني العاذلاتُ بهجرها ... أبتْ كَبِدٌ عمّا يَقُلْنَ صَديع )
( وكيف أُطِيع العاذلاتِ وذكرُها ... يؤرِّقني والعاذلاتُ هُجوع )
غنى في هذين البيتين إبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو
فكاهات لأبي السائب المخزومي في شعره وفي سيرته
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال أنشدت أبا السائب المخزومي قول قيس بن ذريح
صوت
( أُحبُّك أصنافاً من الحبِّ لم أجِدْ ... لها مَثَلاً في سائر الناس يُوصَفُ )
( فمنهنَّ حبٌّ للحبيب ورحمةٌ ... بمعرفتي منه بما يتكلَّف )
( ومنهن ألاّ يَعْرِضَ الدَّهرَ ذكرُها ... على القلب إلاّ كادتِ النفس تَتْلَفُ )
( وحبٌّ بدا بالجسم واللونِ ظاهرٌ ... وحبٌّ لدى نفسي من الرُّوحِ ألطف )
قال أبو السائب لا جرم والله لأخلصن له الصفاء ولأغضبن لغضبه

ولأرضين لرضاه غنى في البيتين الأولين الحسين بن محرز خفيف ثقيل عن الهشامي وبذل
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن أبي السائب المخزومي أنه أخبره أنه كان مع عبد الرحمن بن عبد الله بن كثير في سقيفة دار كثير إذ مر بجنازة فقال لي يا أبا السائب جارك ابن كلدة ألا تقوم بنا فنصلي عليه قال قلت بلى والله فديتك فقمنا حتى إذا كنا عند دار أويس إذ ذكرت أن جده كان تزوج لبنى ونزل بها المدينة فرجعت فطرحت نفسي في السقيفة وقلت لا يراني الله أصلي عليه فرجع الكثيري فقال أكنت جنبا قلت لا والله قال فعلى غير وضوء قلت لا والله قال فما لك قلت ذكرت أن جده كان تزوج لبنى وفرق بينها وبين قيس بن ذريح لما ظعن بها من بلادها فما كنت لأصلي عليه
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني هارون بن موسى الفروي قال أخبرنا الخليل ابن سعيد قال مررت بسوق الطير فإذا الناس قد اجتمعوا يركب بعضهم بعضا فاطلعت فإذا أبو السائب المخزومي قائم على غراب يباع وقد أخذ بطرف ردائه وهو يقول للغراب يقول لك قيس بن ذريح
( ألاَ يا غرابَ البين قد طِرْتَ بالذي ... أُحاذِر من لُبْنَى فهل أنت واقعُ )
لم لا تقع ويضربه بردائه والغراب يصيح قال فقال قائل له أصلحك الله يا أبا السائب ليس هذا ذاك الغراب فقال قد علمت ولكن آخذ البريء حتى يقع الجريء

وقال الحرمازي في خبره لما بلغ لبنى قول قيس
( ألاَ يا غرابَ البين قد طِرْتَ بالذي ... أُحاذِر من لبنى فهل أنت واقع )
آلت ألا ترى غرابا إلا قتلته فكانت كلما رأته أو رأته خادم لها أو جارة ابتيع ممن هو معه وذبحته
وهذه القصيدة العينية أيضا من جيد شعر قيس والمختار منها قوله
( أتبكي على لُبنى وأنت تركتَها ... وكنتَ كآتٍ حَتْفَه وهو طائعُ )
( فيا قلبُ صبراً واعترافاً لما ترَى ... ويا حبَّها قَعْ بالذي أنت واقع )
( ويا قلبُ خبِّرني إذا شَطَّتِ النَّوَى ... بلُبْنَى وبانت عنك ما أنت صانع )
( أتصبِر للبَيْن المُشِتِّ مع الجَوَى ... أم انت امرؤ ناسي الحياء فجازع )
( كأنَّك بِدْعٌ لم تَرَ الناسَ قبلَها ... ولم يَطَّلِعْك الدهرُ فيمن يُطالع )
( ألاَ يا غرابَ البَيْن قد طِرْتَ بالذي ... أُحاذِر من لُبنى فهل أنت واقع )
( فليس محبٌّ دائماً لحبيبِه ... ولا ثقةٌ إلا له الدهرَ فاجع )
( كأنَّ بلادَ الله ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الناسُ قَفْرٌ بَلاَقِع )
( فما أنت إذ بانت لُبَيْنَى بهاجعٍ ... إذا ما اطمأنّتْ بالنِّيَام المَضاجع )
صوت
( أُقَضِّي نهاري بالحديث وبالمُنَى ... ويَجْمعني والهمَّ بالليل جامعُ )
( نهارِي نهارُ الناس حتى إذا دَجَا ... لِيَ الليلُ هَزَّتْني إليكِ المضاجع )
( لقد رسَختْ في القلب منكِ مَودّةٌ ... كما رسَختْ في الراحتين الأصابع )
( أحالَ عليَّ الهمُّ من كلِّ جانب ... ودامتْ فلم تبرح عليَّ الفواجع )
( ألاَ إنّما أبكي لِما هو واقعٌ ... فهل جَزَعِي من وَشْكِ ذلك نافع )
( وقد كُنت أبكي والنَّوَى مطمئنّةٌ ... بنا وبكم من عِلْمِ ما البينُ صانع )

( وأَهجُركم هجرَ البَغيِض وحبُّكم ... على كبدي منه كُلومٌ صوادع )
( وأَعمِد للأرض التي لا أريدها ... لِتَرْجِعَني يوماً إليكِ الرواجع )
( وأشْفِق من هِجرانكم وتَرُوعني ... مَخافةُ وَشْكِ البين والشَّملُ جامع )
( فما كلُّ ما منَّتْكَ نفسُك خالياً ... تُلاَقِي ولا كلُّ الهوى أنت تابع )
( لَعَمْرِي لمَنْ أَمْسَى ولُبْنَى ضَجيعُه ... من الناس ما اختيرتْ عليه المضاجع )
( فتلك لُبَيْنَى قد تراخَى مَزارُها ... وتلك نَواها غُرْبةٌ ما تُطاوع )
( وليس لأمرٍ حاول اللهُ جمَعه ... مُشِتٌّ ولا ما فرَّق اللهُ جامع )
( فلا تَبْكِيَنْ في إثر لُبْنَى نَدَامةً ... وقد نَزَعتْها من يديك النوازع )
غنى الغريض في الثالث والرابع والأول والعشرين وهو لعمري لمن أمسى ولبنى ضجيعه ثقيلا أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وغنى إبراهيم الموصلي في العاشر وهو أقضي نهاري بالحديث وبالمنى والحادي عشر والثاني عشر رملا بالوسطى عن عمرو وقد قيل إن ثلاثة أبيات من هذه وهي أقضي نهاري بالحديث وبالمنى والبيتان اللذان بعده لابن الدمينة الخثعمي وهو الصحيح وإنما أدخلها الناس في هذه الأبيات لتشابهها

نهاية قيس ولبنى
وقد اختلف في آخر أمر قيس ولبنى فذكر أكثر الرواة أنهما ماتا على افتراقهما فمنهم من قال إنه مات قبلها وبلغها ذلك فماتت أسفا عليه ومنهم من قال بل ماتت قبله ومات بعدها أسفا عليها وممن ذكر ذلك

اليوسفي عن علي بن صالح صاحب المصلى قال قال لي أبو عمرو المدني
ماتت لبنى فخرج قيس ومعه جماعة من أهله فوقف على قبرها فقال
( ماتت لُبَيْنَى فموتُها مَوْتِي ... هل تنفعَنْ حَسْرتي على الفَوْتِ )
( وسوف أبكي بكاءَ مكتئبٍ ... قضى حياةً وَجْداً على مَيْت )
ثم أكب على القبر يبكي حتى أغمي عليه فرفعه أهله إلى منزله وهو لا يعقل فلم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب مكلما ثلاثا حتى مات فدفن إلى جنبها
وذكر القحذمي وابن عائشة وخالد بن جمل أن ابن أبي عتيق صار إلى الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم وجماعة من قريش فقال لهم إن لي حاجة إلى رجل أخشى أن يردني فيها وإني أستعين بجاهكم وأموالكم فيها عليه قالوا ذلك لك مبتذل منا فاجتمعوا ليوم وعدهم فيه فمضى بهم إلى زوج لبنى فلما رآهم أعظم مصيرهم إليه وأكبره فقالوا لقد جئناك بأجمعنا في حاجة لابن أبي عتيق قال هي مقضية كائنة ما كانت قال ابن أبي عتيق قد قضيتها كائنة ما كانت من ملك أو مال أو أهل قال نعم قال تهب لهم ولي لبنى زوجتك

وتطلقها قال فإني أشهدكم أنها طالق ثلاثا فآستحيا القوم واعتذروا وقالوا والله ما عرفنا حاجته ولو علمنا أنها هذه ما سألناك إياها وقال ابن عائشة فعوضه الحسن من ذلك مائة ألف درهم وحملها ابن أبي عتيق إليه فلم تزل عنده حتى انقضت عدتها فسأل القوم أباها فزوجها قيسا فلم تزل معه حتى ماتا قالوا فقال قيس يمدح ابن أبي عتيق
( جزى الرحمنُ أفضلَ ما يَجُازِي ... على الإِحسان خيراً من صديق )
( فقد جَرَّبتُ إخواني جميعاً ... فما ألْفَيْتُ كابنِ أبي عتيق )
( سعى في جمع شَمْلِي بعد صَدْعٍ ... ورَأيٍ حِدْتُ فيه عن الطريق )
( وأطفأ لوعةً كانت بقلبي ... أغصَّتْني حرارتُها بريقي )
قال فقال له ابن أبي عتيق يا حبيبي أمسك عن هذا المديح فما يسمعه أحد إلا ظنني قوادا مضى الحديث
ومن مدن معبد وهو الذي أوله
( يا دارَ عَبْلة بالجِواء تكلَّمي ... )
وقد جمع معه سائر ما يغنى فيه من القصيدة
منها

صوت
( هل غادر الشعراءُ من مُتَردَّمِ ... أم هل عَرَفتَ الدارَ بعد تَوَهمِ )
( يا دارَ عَبْلة بالجِوَاء تَكَلَّمِي ... وعِمِي صَباحاً دارَ عبلةَ واسْلَمي )

( وتَحُلّ عبلةُ بالجِوَاء وأهلُنا ... بالحَزْن فالصَّمَّان فالمُتَثلِّمِ )
( كيف القَرَارُ وقد تربَّع أهلُها ... بعُنَيْزَتَيْن وأَهلُنا بالغَيْلَمِ )
( حُيِّيتَ من طَلَلٍ تَقَادمَ عهدُه ... أَقْوَى وأَقْفرَ بعد أُمّ الهَيْثَم )
( ولقد نزلتِ فلا تَظُنِّي غيرَه ... منِّي بمنزلة المُحَبِّ المُكْرَمِ )
( ولقد خَشِيتُ بأن أموتَ ولم تَدُرْ ... للحرب دائرةٌ على ابنَيْ ضَمْضَم )
( الشَّاتِمَيْ عِرْضِي ولم أشتُمْهما ... والنَّاذِرَيْنِ إذا لَمَ القهما دمي )
( ولقد شَفَى نفسي وأبرأ سُقْمَها ... قِيل الفوارسِ وَيْكَ عنترُ فاقدُم )
( ما زِلتُ أرميهم بثُغْرة نَحْرِه ... ولَبَانِه حتى تَسَرْبلَ بالدَّم )
( هَلاَّ سألتِ الخيلَ يابنةَ مالكٍ ... إن كنتِ جاهلةً بما لم تَعْلَمي )
( يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِد الوَقِيعةَ أَنّني ... أَعْشَى الوَغَى وأعفُّ عند المَغْنَم )
( يَدْعُون عَنْتَرَ والرِّماحُ كأنّها ... أشْطانُ بئرٍ في لَبَان الأدهمِ )
( فشكَكْتُ بالرُّمْح الطويلِ ثيابَه ... ليس الكريمُ على القَنَا بمحرَّمِ )
( فإذا شَرِبتُ فإنني مستهلِكٌ ... مالي وعِرْضِي وافرٌ لم يُكْلَم )
( وإذا صحوتُ فما أُقَصِّر عن نَدًى ... وكما علمتِ شمائلي وتكرّمي )
الشعر لعنترة بن شداد العبسي وقد تقدمت أخباره ونسبه وغنى في البيت الأول على ما ذكره ابن المكي إسحاق خفيف ثقيل أول بالوسطى وما وجدت هذا في رواية غيره وغنى معبد في البيت الثاني والثالث خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وهو الصوت المعدود

في مدن معبد وغنى سلام الغسال في السابع والثامن والثالث والعاشر رملا بالسبابة في مجرى البنصر ووجدت في بعض الكتب أن له أيضا في السابع وحده ثاني ثقيل أيضا وذكر عمرو بن بانة أن هذا الثقيل الثاني بالوسطى لمعبد ووافقه يونس وذكر ابن المكي أن هذا الثقيل الثاني للهذلي وذكر غيره أنه لابن محرز وذكر أحمد بن عبيد أن في السابع ثقيلا أول للهذلي ووافقه حبش وذكر حبش أن في الثاني لمعبد ثقيلا أول وأن لابن سريج فيه رملا آخر غير رمل ابن الغسال وأن لابن مسجح أيضا فيه خفيف ثقيل بالوسطى وفي كتاب أبي العبيس له في الثالث لحن وفي كتاب أبي أيوب المديني لابن جامع في هذه الأبيات لحن ولمعبد في الحادي عشر والثاني عشر والخامس عشر والسادس عشر خفيف ثقيلا أول مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق أيضا ولعلويه في السادس والرابع ثاني ثقيل وله أيضا في الرابع عشر والثالث عشر رمل وفي كتاب هارون بن الزيات لعبد آل في الخامس ثقيل أول وقد نسب الثقيل الثاني المختلف فيه لابن محرز وفي كتاب هارون لأحمد النصبي في الرابع والخامس لحن
هل غادر الشعراء البيت يدفع اكثر الرواة أن يكون لعنترة وممن يدفعه الأصمعي وابن الأعرابي وأول القصيدة عندهما يا دار عبلة فذكر أبو عمرو الشيباني أنه لم يكن يرويه حتى سمع ابا حزام العكلي يرويه له
قوله هل غادر الشعراء من متردم يقول هل تركوا شيئا ينظر فيه لم ينظروا فيه والمتردم المتعطف وهو مصدر يقول هل تركوا شيئا يتردم عليه أي يتعطف ويقال تردمت الناقة على ولدها إذا تعطفت عليه وثوب مردم وملدم إذا سدت خروقه بالرقاع والربع المنزل سمي ربعا لارتباعهم فيه والربيعة الصخرة حكى أبو نصر أنه يقول هل ترك الشعراء من خرق لم يرقعوه وفتق لم يرتقوه وهو أشبه بقوله من متردم وقال غيره يعني بقوله

من متردم البناء وهو الردم أي لم يتركوا بناء إلا بنوه قال الله عز و جل ( أجعل بينكم وبينهم ردما ) يعني بناء وردم فلان حائطه أي بناه والجواء بلد بعينه والجواء أيضا جمع جو وهو البطن الواسع من الأرض عمي صباحا وانعمي صباحا تحية تربع أهلها نزلوا في الربيع وعنيزتين أكمة سوداء بين البصرة ومكة والغيلم موضع والطلل ما كان له شخص من الدار مثل أثفية أو وتد أو نؤي وتقول العرب حيا الله طللك أي شخصك وابنا ضمضم حصين وهرم المريان وثغرة نحره موضع لبته واللبان مجرى لببه من صدره وهو الصدر نفسه ويروى بغرة وجهه وتسربل أي صار له سربال من الدم وقوله هلا سألت الخيل يريد فرسان الخيل كما قال الله تعالى ( واسأل القرية ) والوقيعة الوقعة والوغى والوحى أصوات الناس وجلبتهم في الحرب وقال الشاعر
( وليلٍ كَسَاجِ الحِمْيَرِيِّ ادَّرعتُه ... كأنَّ وَغَى حافاتِه لَغَطُ العُجْمِ )
والأشطان الحبال واحدها شطن شبه اختلاف الرماح في صدر فرسه بالأشطان وشككت بالرمح نظمت وقال أبو عمرو يعني بثيابه قلبه والعرض موضع المدح والذم من الرجل يقال طيب العرض أي طيب ريح الجسم والكلوم الجراح والوافر التام وشمائلي أخلاقي واحدها شمال يقال فلان حلو الشمائل والنحائت والضرائب والغرائز

سبب قول عنترة معلقته
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال قال أبو عمرو الشيباني قال عنترة هذه القصيدة لأن رجلا من بني عبس سابه فذكر سواده وسواد

أمه وإخوته وعيره ذلك فقال عنترة والله إن الناس ليترافدون بالطعمة فوالله ما حضرت مرفد الناس أنت ولا أبوك ولا جدك قط وإن الناس ليدعون في الفزع فما رأيتك في خيل قط ولا كنت في أول النساء وإن اللبس يعني الاختلاط ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أحد من أهل بيتك لخطة فيصل قط وكنت فقعا بقرقرة ولو كنت في مرتبتك ومغرسك الذي أنت فيه ثم ما جدتك لمجدتك أو طاولتك لطلتك ولو سألت أمك وأباك عن هذا لأخبراك بصحته وإني لأحتضر الوغى وأوفى المغنم وأعف عن المسألة وأجود بما ملكت وأفصل الخطة الصمعاء فقال له الآخر أنا أشعر منك فقال ستعلم وكان عنترة لا يقول من الشعر إلا البيت أو البيتين في الحرب فقال هذه القصيدة ويزعمون أنها أول قصيدة قالها وكانت العرب تسميها المذهبة
نسبة الأصوات التي جعلت مكان بعض هذه الأصوات في مدن معبد وهن

صوت
( تَقطَّع من ظَلاَّمةَ الوصلُ أَجْمَعُ ... أخيراً على أنْ لم يكن يَتَقَطَّعُ )
( وأصبحتُ قد وَدّعت ظَلاَّمةَ التي ... تَضُرُّ وما كانت مع الضُّرّ تنفع )
الشعر لكثير والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو ويونس

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال قال السائب راوية كثير وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال زعم ابن الكلبي عن أبي المقوم قال حدثني سائب راوية كثير قال كنت مع كثير عند ظلامة فأقمنا أياما فلما أردنا الانصراف عقدت له في علاقة سوطه عقدا وقالت احفظها ثم انصرفنا فمررنا على ماء لبني ضمرة فقال إن في هذه الأخبية جارية ظريفة ذات جمال فهل لك أن تستبرزها فقلت ذاك إليك قال فملنا إليهم فخرجت إلينا جاريتها فأخرجتها إلينا فإذا هي عزة فجلس معها يحادثها وطرح سوطه بينه وبينها إلى أن غلبته عيناه وأقبلت عزة على تلك العقد تحلها واحدة واحدة فلما استيقظ انصرفنا فنظر إلى علاقة سوطه فقال أحلتها قلت نعم فلا وصلها الله والله إنك لمجنون قال فسكت عني طويلا ثم رفع السوط فضرب به واسطة رحله وأنشأ يقول
( تقطَّع من ظَلاَّمة الوصلُ أجمعُ ... أخيراً على أن لم يكن يتقطَّعُ )
( وأصبحتُ قد ودّعت ظَلاّمةَ التي ... تَضُرُّ وما كانت مع الضُّرِّ تنفَع )
( وقد سُدَّ من أبواب ظَلاَّمة التي ... لنا خَلَفٌ للنَّفْس منها ومَقْنَع )
ثم وصل عزة بعد ذلك وقطع ظلامة
ومنها
وهو الذي أوله خمصانة قلق موشحها

صوت
( أَقْوَى مِنَ الِ ظُلَيمةَ الحَزْمُ ... فالغَمْرتانِ فأَوْحَش الخَطْمُ )
( فجنوبُ أَثْبِرةٍ فَمُلْحَدُها ... فالسِّدْرتانِ فما حَوَى دَسْمُ )
( وبما أرَى شخصاً به حسناً ... في القوم إذ حَيَّتْكُمُ نُعْمُ )
( إذ وُدُّها صافٍ ورؤيتُها ... أمنيَّةٌ وكلامُها غُنْمُ )
( لَفّاءُ مملوءٌ مُخَلْخَلُها ... عَجْزاءُ ليس لعَظْمها حَجْمُ )
( خَمْصانةٌ قَلِقٌ موشَّحُها ... رُؤْدُ الشبابِ عَلا بها عَظْم )
( وكأنَّ غاليَةً تُباشرها ... تحت الثيابِ إذا صَغا النَّجمُ )

( أظُلَيمُ إنّ مُصَابَكم رجلاً ... أَهْدَى السلامَ تحيةً ظُلْمُ )
( أَقْصيتِه وأراد سَلْمَكمُ ... فَلْيَهْنِهِ إذْ جاءكِ السَّلْمُ )
عروضه من الكامل الشعر للحارث بن خالد المخزومي والغناء لمعبد ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر قال ولحن معبد
( خمصانةٌ قَلِقٌ مُوَشَّحُها ... )
وأول لحن مالك
( أقوى مِنَ الِ ظُلْيمةَ الحزمُ ... )

ذكر الحارث بن خالد ونسبه وخبره في هذا الشعر
الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وقد تقدم ذكره وأخباره في كتاب المائة المختارة في بعض الأغاني المختارة التي شعرها له وهو
( إنّ امرأً تَعْتادُه ذِكَرُ ... )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال بلغني أن الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة ويقال بل خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة كان تزوج حميدة بنت النعمان بن بشير بدمشق لما قدم على عبد الملك بن مروان فقالت فيه
( نكَحتُ المدينيَّ إذ جاءني ... فيا لَكِ من نَكْحَةٍ غاوية )
( كهولُ دِمَشْقَ وشُبَّانُها ... أحبُّ إلينا من الجالِية )
( صُنَانٌ لهم كصُنَان التُّيُوس ... أعيا على المسك والغالية )

فقال الحارث يجيبها

صوت
( أَسَنَا ضوءِ نار ضَمْرة بالقَفْرة ... أبصرْتَ أم سَنَا ضوءِ بَرْقِ )
( قاطناتُ الحَجُونِ أَشْهَى إلى قلبيَ ... من ساكنات دُورِ دِمَشْقِ )
( يَتَضوَّعْنَ لو تضمَّخْنَ بالمسكِ ... صُنَاناً كأنّه رِيحُ مَرْقِ )
غناه مالك بن أبي السمح خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر من رواية إسحاق وفيه لابن محرز لحن من رواية عمرو بن بانة ثقيل أول بالوسطى
رجعت الرواية إلى خبر الحارث
قال وطلقها الحارث فخلف عليها روح بن زنباع قال وكان الحارث خطب أمة لمالك بن عبد الله بن خالد بن أسيد وخطبها عبد الله بن مطيع

فتزوجها عبد الله ثم طلقها أو مات عنها فتزوجها الحارث بن خالد بعد ذلك وقال فيها قبل أن يتزوج
( أَقْوَى مِنَ آلِ ظُليمةَ الحَزْمُ ... فالغَمْرتانِ فأَوْحَش الخَطْمُ )
الأبيات التي فيها الغناء
قال وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن عوانة بهذا الخبر فذكر مثله ولم يذكر أن الحارث هو المتزوجها وفسر قولها
( أحبُّ إلينا من الجالِيةْ ... )
وقال الجالية أهل الحجاز كان أهل الشام يسمونهم بذلك لأنهم كانوا يجلون عن بلادهم إلى الشام وقال في الحديث فبلغ عبد الملك قولها فقال لولا أنها قدمت الكهول على الشبان لعاقبتها
قال عوانة وكانت لحميدة أخت يقال لها عمرة وكانت تحت المختار ابن أبي عبيد الثقفي فأخذها مصعب بعد قتله المختار وأخذ امرأته الأخرى وهي بنت سمرة بن جندب فأمرهما بالبراءة من المختار أما بنت سمرة فبرئت منه وأبت ذلك عمرة فكتب به مصعب إلى أخيه عبد الله فكتب

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45