كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

ألفا قال فهي لك علي ما دمت حيا وفي أول هذه القصيدة غناء نسبته

صوت
( أمسى بأسماءَ هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عِيدا )
( كأنَّ أحورَ من غِزلان ذي بَقَرٍ ... أَهدَى لها شَبَهَ العينين والجِيدا )
( أَجري على مَوعدٍ منها فتُخْلِفُني ... فلا أمَلُّ ولا تُوفِي المواعيدا )
( كأنني يوم أُمْسِي لا تُكَلِّمُني ... ذُو بُغْية يبتغي ما ليس موجودا )
ومن الناس من ينسب هذه الأبيات إلى عمر بن أبي ربيعة وذلك خطأ
- عروضه من البسيط - والغناء للغريض ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد ثقيل أول بالوسطى
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال أخبرنا ابن عياش عن أبيه قال سمعت الحجاج واستوى جالسا ثم قال صدق والله زهير بن أبي سلمى حيث يقول
( ومَا العفوُ إلا لامرىءٍ ذي حفيظة ... متى يَعْفُ عن ذنب امرىء السَّوءِ يَلْجِج )
فقال له يزيد بن الحكم أصلح الله الأمير إني قد رثيت ابني عنبسا ببيت إنه لشبيه بهذا قال وما هو قال قلت
( ويأمنُ ذو حِلْمِ العشيرة جهلَه ... عليه ويخشَى جهلَه جُهَلاؤها )

قال فما منعك أن تقول مثل هذا لمحمد ابني ترثيه به فقال إن ابني والله كان أحب إلي من ابنك
وهذه الأبيات من قصيدة أخبرني بها عمي عن الكراني عن الهيثم بن عدي قال كان ليزيد بن الحكم ابن يقال له عنبس فمات فجزع عليه جزعا شديدا وقال يرثيه
( جزَى الله عني عَنْبَساً كلَّ صالحٍ ... إذا كانت الأولادُ سَيْئاً جزاؤها )
( هو ابني وأمسىَ أجرُه لي وعزَّني ... على نفسه ربٌّ إليه وَلاؤها )
( جهولٌ إذا جَهْلُ العشيرة يُبتَغى ... حليمٌ ويَرْضَى حلمَه حُلَماؤها )
وبعد هذا البيت المذكور في الخبر الأول

عبد الملك يفضله على شاعر ثقيف
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال قال عبد الملك بن مروان كان شاعر ثقيف في الجاهلية خيرا من شاعرهم في الإسلام فقيل له من يعني أمير المؤمنين فقال لهم أما شاعرهم في الإسلام فيزيد بن الحكم حيث يقول
( فما منك الشبابُ ولستَ منه ... إذا سألَتْك لحيتُك الخِضَابا )
( عقائلُ من عقائل أهل نَجد ... ومكّة لم يُعَقِّلْنَ الركابا )
( ولم يَطرُدن أبقعَ يوم ظعنٍ ... ولا كلباً طردن ولا غرابا )
وقال شاعرهم في الجاهلية

( والشيب إن يظهرْ فإنّ وراءه ... عُمُراً يكون خلالَه مُتَنَفَّسُ )
( لم يَنتقِص منّي المشيبُ قُلاَمةً ... ولَمَا بَقِي مِنِّي ألَبُّ وأكيَسُ )
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال قال يزيد بن الحكم الثقفي ليزيد بن المهلب حين خلع يزيد بن عبد الملك
( أبا خالد قد هِجْتَ حرباً مريرةً ... وقد شمرتْ حربٌ عوانٌ فشمِّرِ )
فقال يزيد بن المهلب بالله أستعين ثم أنشده فلما بلغ قوله
( فإنّ بني مروان قد زال مُلكُهُمْ ... فإن كنتَ لم تَشْعُر بذلك فاشعُرِ )
فقال يزيد بن المهلب ما شعرت بذلك ثم أنشده فلما بلغ قوله
( فمت ماجداً أو عش كريماً فإن تَمُتْ ... وسيفك مشهور بكفك تُعذر )
فقال هذا ما لا بد منه
قال العمري وحدثني الهيثم بن عدي عن ابن عياش أن يزيد بن المهلب إنما كتب إليه يزيد بن الحكم بهذه الأبيات فوقع إليه تحت البيت الأول أستعين بالله وتحت البيت الثاني ما شعرت وتحت الثالث أما هذه فنعم
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني الغلابي قال حدثني ابن عائشة قال دخل يزيد بن الحكم على يزيد بن المهلب في سجن الحجاج وهو

يعذب وقد حل عليه نجم كان قد نجم عليه وكانت نجومه في كل أسبوع ستة عشر ألف درهم فقال له
( أصْبح في قَيْدِك السماحةُ والجودُ ... وفضل الصَّلاح والحَسَبُ )
( لا بَطِرٌ إن تتابعتْ نَعَمٌ ... وصابرٌ في البلاء محتَسِبُ )
( بزَزْتَ سَبْق الجيادِ في مَهَلٍ ... وقَصَّرَتْ دون سَعْيك العرَبُ )
قال فالتفت يزيد بن المهلب إلى مولى له وقال أعطه نجم هذا الأسبوع ونصبر على العذاب إلى السبت الآخر
وقد رويت هذه الأبيات والقصة لحمزة بن بيض مع يزيد
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني هارون بن مسلم قال حدثني عثمان بن حفص قال حدثني عبد الواحد عريف ثقيف بالبصرة أن العباس بن يزيد بن الحكم الثقفي هرب من يوسف بن عمر إلى اليمامة قال فجلست في مسجدها وغشيني قوم من أهلها قال فوالله إني لكذلك إذا أنا بشيخ قد دخل يترجح في مشيته فلما رآني أقبل إلي فقال

القوم هذا جرير فأتاني حتى جلس إلى جنبي ثم قال لي السلام عليك ممن أنت قلت رجل من ثقيف قال أعرضت الأديم ثم ممن قلت رجل من بني مالك فقال لا إله إلا الله أمثلك يعرف بأهل بيته فقلت أنا رجل من ولد أبي العاص قال ابن بشر قلت نعم قال أيهم أبوك قلت يزيد بن الحكم قال فمن الذي يقول
( فَنِيَ الشّبابُ وكلُّ شيء فانِ ... وعلا لِداتي شيبهمُ وعلاني )
قلت أبي قال فمن الذي يقول
( ألا لا مرحباً بفراق ليلى ... ولا بالشيب إذ طَرَدَ الشبابا )
( شبابٌ بان محموداً وشَيبٌ ... ذميمٌ لم نجِد لهما اصطحابا )
( فما منك الشبابُ ولستَ منه ... إذا سألتك لِحيتُك الخضابا )
قلت أبي قال فمن الذي يقول
( تعالَوْا فعُدّوا يعلم الناسُ أينا ... لصاحبه في أوّل الدهر تابعُ )
( تزيدُ يربوعٌ بكم في عِدادها ... كما زِيد في عَرْض الأديم الأكارعُ )
قال قلت غفر الله لك كان أبي أصون لنفسه وعرضه من أن يدخل بينك وبين ابن عمك فقال رحم الله أباك فقد مضى لسبيله ثم انصرف فنزلني بكبشين فقال لي أهل اليمامة ما نزل أحدا قبلك قط
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن إبراهيم الموصلي عن يزيد حوراء المغني قال

شعره في جارية غير مطاوعة له
كان يزيد بن الحكم الثقفي يهوى جارية مغنية وكانت غير مطاوعة له فكان يهيم بها ثم قدم رجل من أهل الكوفة فاشتراها فمرت بيزيد بن الحكم مع غلمة لمولاها وهي راحلة فلما علم بذلك رفع صوته فقال
( يا أيّها النازحُ الشَّسُوع ... ودائعُ القلب لا تَضيعُ )
( أَستودِعُ الله مَنْ إليه ... قلبي على نأيه نَزُوعُ )
( إذا تذكرتُه استهلت ... شوقاً إلى وجهه الدموعُ )
ومضت الجارية وغاب عنه خبرها مدة فبينا هو جالس ذات يوم إذ وقف عليه كهل فقال له أأنت يزيد بن الحكم قال نعم فدفع إليه كتابا مختوما ففضه فإذا كتابها إليه وفيه
( لئن كوى قلبَكَ الشُّسوعُ ... فالقلبُ مني به صُدوعُ )
( وبي وربِّ السماءِ فاعلم ... إليك يا سيدي نُزُوعُ )
( أعِززْ علينا بما تلاقي ... فينا وإن شَفَّنا الوَلوعُ )
( فالنفس حَرَّى عليك وَلْهَى ... والعين عَبْرَى لها دموع )
( فموتنا في يد التنائي ... وعيشُنا القربُ والرجوعُ )
( وحيثما كنتَ يا منايا ... فالقلب مِنّي به خُشوعُ )
( ثم عليك السلام منّي ... ما كان شمسها طلوعُ )

قال فبكى والله حتى رحمه من حضر وقال لنا الكهل ما قصته فأخبرناه بما بينهما فجعل يستغفر الله من حمله الكتاب إليه وأحسب أن هذا الخبر مصنوع ولكن هكذا أخبرنا به ابن أبي الأزهر

شعر نسب إليه وإلى طرفة بن العبد
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال أنشدني أبو الزعراء رجل من بني قيس بن ثعلبة لطرفة بن العبد
( تُكاشرني كرهاً كأنك ناصح ... وعينك تُبدي أن صدرك لي جَوِي )
قال فعجبت من ذلك وأنشدته أبا عمرو بن العلاء وقلت له إني كنت أرويه ليزيد بن الحكم الثقفي فأنشدنيه أبو الزعراء لطرفة بن العبد فقال لي أبو عمرو إن أبا الزعراء في سن يزيد بن الحكم ويزيد مولد يجيد الشعر وقد يجوز أن يكون أبو الزعراء صادقا
قال مؤلف هذا الكتاب ما أظن أبا الزعراء صدق فيما حكاه لأن العلماء من رواة الشعر رووها ليزيد بن الحكم وهذا أعرابي لا يحصل ما يقوله ولو كان هذا الشعر مشكوكا فيه أنه ليزيد بن الحكم وليس كذلك لكان معلوما أنه ليس لطرفة ولا موجودا في شعره على سائر الروايات ولا هو أيضا مشبها لمذهب طرفة ونمطه وهو بيزيد أشبه وله في معناه عدة قصائد يعاتب فيها أخاه عبد ربه بن الحكم وابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص ومن قال إنه ليزيد بن الحكم بن عثمان قال إن عمه عبد الرحمن هو

الذي عاتبه وفيه يقول
( ومَوْلًى كذئبِ السَّوء لو يستطيعني ... أصاب دمي يوماً بغير قتيلِ )
( وأُعْرِضُ عما ساءه وكأنما ... يقاد إلى ما ساءني بدليلِ )
( مجامَلةً منّي وإكرامَ غيره ... بلا حَسنٍ منه ولا بجميل )
( ولو شئت لولا الحلُم جدّعتُ أنفه ... بإيعاب جَدْعٍ بادىءٍ وعليلِ )
( حفاظاً على أحلام قوم رُزِئْتُهم ... رِزانٍ يَزِينون النّدِيَّ كُهولِ )
وقال في أخيه عبد ربه
( أخي يُسِرُّ ليَ الشَّحْناءَ يُضْمِرها ... حتى وَرَى جَوْفَه من غِمْرِه الداءُ )
( حَرّانُ ذو غُصّة جُرِّعتُ غُصَّتَه ... وقد تعرّض دون الغصةِ الماءُ )
( حتى إذا ما أساغ الريقَ أنزلني ... منه كما يُنزِل الأعداء أعداءُ )
( أسعى فيَكفُرُ سعيي ما سعيتُ له ... إني كذاك من الإِخوان لَقَّاءُ )
( وكم يدٍ ويدٍ لي عنده ويدٍ ... يعدّهن تِراتٍ وهْيَ آلاءُ )
فأما تمام القصيدة التي نسبت إلى طرفة فأنا أذكر منها مختارها ليعلم أن مرذول كلام طرفة فوقه
( تُصافِحُ من لاقيتَ لي ذا عداوةِ ... صِفاحاً وعنّي بينُ عينيك مُنْزَوِي )
( اراك إذا لم أهْوَ أمراً هَوِيتَه ... ولستَ لِما أهوَى من الأمر بالهَوِي )
( أراك اجتويتَ الخيرَ مني وأجتوِي ... أذاكَ فكلٌّ يجتوي قُرْبَ مجتوِي )

( فليت كَفافاً كان خيرُك كلّه ... وشرُّك عني ما ارتوى الماءَ مرتوي )
( عدوّك يخشى صولتي إن لقيتُه ... وأنت عدوّي ليس ذاك بمستوِي )
( وكم موطنٍ لولاي طِحتَ كما هَوَى ... بأَجرامه من قُلّة النِّيق مُنهوِي )
( إذا ما ابتنى المجدَ ابنُ عمك لم تُعِن ... وقلتَ ألا يا ليت بنيانَه خَوِي )
( كأنك إن نال ابنُ عمِّك مَغْنَماً ... شَجٍ أو عميدٌ أو أخو غُلّة لَوِي )
( وما برِحتْ نفسٌ حسودٌ حُشِيتَها ... تُذِيبُكَ حتى قيل هل أنت مكتوي )
( جمعتَ وفُحشاً غِيبةً ونميمةً ... ثلاثَ خصال لست عنهن نرعوِي )
( ويدحو بك الداحي إلى كلّ سَوْءةٍ ... فيا شرَّ من يدحو إلى شر مُدْحَوِي )
( بدا منك غِشٌّ طالما قد كتمته ... كما كتمتْ داءَ ابنها أمّ مُدَّوِي )
وهذا شعر إذا تأمله من له في العلم أدنى سهم عرف أنه لا يدخل في

مذهب طرفة ولا يقاربه

صوت من المائة المختارة
( أبَى القلب إلا أُمَّ عوفٍ وحُبَّها ... عجوزاً ومن يعشقْ عجوزاً يُفَنَّدِ )
( كثوب يمانٍ قد تقادمَ عهدُه ... ورُقعتُه ما شِئتَ في العين واليد )
الشعر لأبي الأسود الدؤلي والغناء لعلويه ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار وهم إخوة قريش لأن قريشا مختلف في الموضع الذي افترقت فيه مع أبيها فخصت بهذا الاسم دونهم وأبعد من قال في ذلك مدى من زعم أن النضر بن كنانة منتهى نسب قريش فأما النسابون منهم فيقولون إن من لم يلده فهر بن مالك بن النضر فليس قرشيا
وكان أبو الأسود الدؤلي من وجوه التابعين وفقهائهم ومحدثيهم وقد روى عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأكثر وروى عن ابن عباس وغيره واستعمله عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم وكان من وجوه شيعة علي وذكر أبو عبيدة أنه أدرك أول الإسلام وشهد بدرا مع المسلمين وما سمعت بذلك عن غيره
وأخبرني عمي عن ابن أبي سعد عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد السلمي عن أبي عبيدة مثله
أبو الأسود واضع بناء النحو واصوله
واستعمله علي رضي الله عنه على البصرة بعد ابن عباس وهو كان الأصل في بناء النحو وعقد أصوله

أخبرنا أبو جعفر بن رستم الطبري النحوي بذلك عن أبي عثمان المازني عن أبي عمر الجرمي عن أبي الحسن الأخفش عن سيبويه عن الخليل بن أحمد عن عيسى بن عمر عن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي عن عنبسة الفيل وميمون الأقرن عن يحيى بن يعمر الليثي
أن أبا الأسود الدؤلي دخل إلى ابنته بالبصرة فقالت له يا أبت ما أشد الحر رفعت أشد فظنها تسأله وتستفهم منه أي زمان الحر أشد فقال لها شهر ناجر يريد شهر صفر الجاهلية كانت تسمي شهور السنة بهذه الأسماء فقالت يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك فأتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين ذهبت لغة العرب لما خالطت العجم وأوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل فقال له وما ذلك فأخبره خبر ابنته فأمره فاشترى صحفا بدرهم وأمل عليه الكلام كله لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى وهذا القول أول كتاب سيبويه ثم رسم أصول النحو كلها فنقلها النحويون وفرعوها قال أبو الفرج الأصبهاني هذا حفظته عن أبي جعفر وأنا حديث السن فكتبته من حفظي واللفظ يزيد وينقص وهذا معناه

كان أول من نقط المصاحف
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني قال
أمر زياد أبا الأسود الدؤلي أن ينقط المصاحف فنقطها ورسم من النحو

رسوما ثم جاء بعده ميمون الأقرن فزاد عليه في حدود العربية ثم زاد فيها بعده عنبسة بن معدان المهري ثم جاء عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وأبو عمرو بن العلاء فزادا فيه ثم جاء الخليل بن أحمد الأزدي وكان صليبة فلحب الطريق ونجم على ابن حمزة الكسائي مولى بني كاهل من أسد فرسم للكوفيين رسوما هم الآن يعملون عليها
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال حدثنا التوزي والمهري قالا حدثنا كيسان بن المعرف الهجيمي أبو سليمان عن أبي سفيان بن العلاء عن جعفر بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه قال قيل لأبي الاسود من أين لك هذا العلم يعنون به النحو فقال أخذت حدوده عن علي بن أبي طالب عليه السلام

خبره مع زياد في سبب وضع النحو
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني عبيد الله بن محمد عن عبد الله بن شاكر العنبري عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عياش عن عاصم بن أبي النجود قال أول من وضع العربية أبو الأسود الدؤلي جاء إلى زياد بالبصرة فقال له أصلح الله الأمير إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيرت ألسنتهم أفتأذن لي أن أضع لهم علما يقيمون به كلامهم قال لا قال ثم جاء زيادا رجل فقال مات أبانا وخلف بنون فقال زياد مات أبانا وخلف بنون ردوا إلي أبا الأسود الدؤلي فرد إليه فقال ضع للناس ما نهيتك

عنه فوضع لهم النحو وقد روى هذا الحديث عن أبي بكر بن عياش يزيد بن مهران فذكر أن هذه القصة كانت بين أبي الأسود وبين عبيد الله بن زياد
أخبرني أحمد بن العباس قال حدثنا العنزي عن أبي عثمان المازني عن الأخفش عن الخليل بن أحمد عن عيسى بن عمر عن عبد الله بن أبي إسحاق عن أبي حرب بن الأسود قال أول باب وضعه أبي من النحو باب التعجب
وقال الجاحظ أبو الأسود الدؤلي معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم مأثور عنه الفضل في جميعها كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة والبخلاء والصلع الأشراف والبخر الأشراف

حديثه عن عمر بن الخطاب وعلي
فما رواه من الحديث عن عمر مسندا عن النبي حدثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن ابي بريدة عن أبي الأسود الدؤلي قال أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع فيها مرض فهم يموتون موتا ذريعا فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال عمر رضي الله عنه وجبت ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها بشر فقال عمر رضي الله عنه وجبت فقال أبو الأسود ما وجبت يا أمير المؤمنين فقال قلت كما قال رسول الله أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال وثلاثة فقلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد

حدثني حماد بن سعيد قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أبي الأسود الدؤلي قال خطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الناس يوم الجمعة فقال إن نبي الله قال لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة حتى يأتي أمر الله جل وعز
ومما رواه عن علي بن أبي طالب عليه السلام أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن ابيه أبي الأسود الدؤلي عن علي كرم الله وجهه أنه قال في بول الجارية يغسل وفي بول الغلام ينضح ما لم يأكلا الطعام
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا معلى بن هلال عن الشعبي وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمر قال حدثنا عرم بن شبة قال حدثنا المدائني جميعا قالوا لما خرج ابن عباس رضي الله عنهما إلى المدينة من البصرة تبعه أبو الأسود في قومه ليرده فاعتصم عبد الله بأخواله من بني هلال فمنعوه وكادت تكون بينهم حرب فقال لهم بنو هلال ننشدكم الله ألا تسفكوا بيننا دماء تبقى معها العداوة إلى آخر الأبد وأمير المؤمنين أولى بابن عمه فلا تدخلوا أنفسكم بينهما فرجعت كنانة عنه وكتب أبو الأسود إلى علي عليه السلام فأخبره بما جرى فولاه البصرة

كان كاتبا لابن عباس على البصرة
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي ووكيع وعمي قالوا جميعا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال حدثني خالد بن

عبد الله قال حدثني أبو عبيدة معمر بن المثنى قال كان أبو الأسود الدؤلي كاتبا لابن عباس على البصرة وهو الذي يقول
( وإذا طلبتَ من الحوائج حاجةً ... فادْعُ الإِله وأحسِن الأعمالا )
( فَليُعْطَينَّك ما أراد بقدرة ... فهو اللطيف لِما أَراد فِعالا )
( إن العبادَ وشأنَهم وأمورَهم ... بيدِ الإِله يقلِّب الأحوالا )
( فدعِ العبادَ ولا تكن بِطلابِهم ... لَهِجاً تَضَعْضَعُ للعباد سؤالا )
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلام قال كان أبو الأسود الدؤلي قد أسن وكبر وكان مع ذلك يركب إلى المسجد والسوق ويزور اصدقاءه فقال له رجل يا أبا الأسود أراك تكثر الركوب وقد ضعفت عن الحركة وكبرت ولو لزمت منزلك كان أودع لك فقال له أبو الأسود صدقت ولكن الركوب يشد أعضائي وأسمع من أخبار الناس ما لا أسمعه في بيتي واستنشي الريح وألقى إخواني ولو جلست في بيتي لاغتم بي أهلي وأنس بي الصبي واجترأ علي الخادم وكلمني من أهلي من يهاب كلامي لإلفهم إياي وجلوسهم عندي حتى لعل العنز أن تبول علي فلا يقول لها أحد هس

أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا أبو عكرمة قال كان بين بني الديل وبين بني ليث منازعة فقتلت بنو الديل منهم رجلا ثم اصطلحوا بعد ذلك على أن يؤدوا ديته فاجتمعوا إلى أبي الأسود يسألونه المعاونة على أدائها وألح عليه غلام منهم ذو بيان وعارضة فقال له يا أبا الأسود أنت شيخ العشيرة وسيدهم وما يمنعك من معاونتهم قلة ذات يد ولا سؤدد ولا جود فلما أكثر أقبل عليه أبو الأسود ثم قال له قد أكثرت يابن أخي فاسمع مني إن الرجل والله ما يعطي ماله إلا لإحدى خلال إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة ممن يعطيه أو رجل خاف على نفسه فوقاها بماله أو رجل أراد وجه الله وما عنده في الدار الآخرة أو رجل أحمق خدع عن ماله ووالله ما أنتم إحدى هذه الطبقات ولا جئتم في شيء من هذا ولا عمك الرجل العاجز فينخدع لهؤلاء ولما أفدتك إياه في عقلك خير لك من مال أبي الأسود لو وصل إلى بني الديل قوموا إذا شئتم فقاموا يبادرون الباب
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان طريق أبي الأسود الدؤلي إلى المسجد والسوق في بني تميم الله بن ثعلبة وكان فيهم رجل متفحش يكثر الأستهزاء بمن يمر به فمر به أبو الأسود الدؤلي يوما فقال لقومه كأن وجهه أبي الأسود وجه عجوز راحت إلى أهلها بطلاق فضحك القوم وأعرض عنهم أبو الأسود ثم مر به مرة أخرى فقال لهم كأن غضون قفا أبي الأسود غضون الفقاح فأقبل عليه أبو الأسود فقال له هل تعرف فقحة أمك فيهن فأفحمه وضحك القوم منه وقاموا

إلى أبي الأسود فاعتذروا إليه مما كان ولم يعاوده الرجل بعد ذلك وقال فيه أبو الأسود بعد ذلك حين رجع إلى أهله
( وأَهْوَجَ مِلْجاجٍ تصامَمتُ قبله ... أَنَ اسمعَه وما بِسَمْعيَ مِن باسِ )
( ولو شئت قد أعرضتُ حتى أصيبَه ... على أنفه حَدباء تُعْضِل بالأسِي )
( فإن لساني ليس أهونَ وَقْعةً ... وأصغَرَ آثاراً من النحتِ بالفاس )
( وذي إحنةٍ لم يُبْدِها غيرَ أنه ... كذي الخَبْل تأبَى نفسُه غيرَ وَسواس )
( صفَحتُ له صفحاً جميلاً كصفحه ... وعيني وما يدري عليه وأحراسي )
( وعندِي له إن فار فوّارُ صدرِه ... فَحاً جَبلِيٌّ لا يعاوده الحاسِي )
( وخِبًّ لحومُ الناس أكثرُ زادِه ... كثيرِ الخنَا صَعْبِ المحَالةِ هَمَّاس )
( تركتُ له لحمي وأبقيت لحمه ... لمن نابه من حاضِر الجنّ والناسِ )
( فكَرَّ قليلاً ثم صدَّ كأنما ... يَعَضُّ بصُمٍّ من صَفَا جبلٍ راسِي )
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال خرج أبو الأسود الدؤلي ومعه جماعة أصحاب له إلى الصيد فجاءه أعرابي فقال له السلام عليك فقال له أبو الأسود كلمة مقولة قال أدخل قال وراؤك أوسع لك قال إن الرمضاء قد أحرقت رجلي قال بل عليها أو ائت الجبل يفيء عليك قال هل عندك شيء تطعمنيه قال

نأكل ونطعم العيال فإن فضل شيء فأنت أحق به من الكلب فقال الأعرابي ما رأيت قط ألأم منك قال أبو الأسود بلى قد رأيت ولكنك قد أنسيت

أبو الأسود وابن أبي الحمامة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن المدائني بهذا الخبر فقال فيه كان أبو الأسود جالسا في دهليزه وبين يديه رطب فجاز به رجل من الأعراب يقال له ابن أبي الحمامة فسلم ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدمه وزاد عليه فقال أنا ابن أبي الحمامة قال كن ابن أبي طاوسة وانصرف قال أسألك بالله إلا أطعمتني مما تأكل قال فألقى إليه أبو الأسود ثلاث رطبات فوقعت إحداهن في التراب فأخذها يمسحها بثوبه فقال له أبو الأسود دعها فإن الذي تمسحها منه أنظف من الذي تمسحها به فقال إنما كرهت أن أدعها للشيطان فقال له لا والله ولا لجبريل وميكائيل تدعها
أخبرني محمد بن عمران الضبي الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا محمد بن معاوية الأسدي قال ذكر الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال خطب أبو الأسود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد ابن غنيم فأسر أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له الهيثم بن زياد فحدث به ابن عم لها كان يخطبها وكان لها مال عند أهلها فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهلها الذين مالها عندهم فأخبرهم خبر أبي الأسود وسألهم أن

يمنعوها من نكاحه ومن مالها الذي في أيديهم ففعلوا ذلك وضاروها حتى تزوجت بابن عمها فقال أبو الأسود الدؤلي في ذلك
( لعمري لقد أفشيتُ يوماً فخانني ... إلى بعضِ من لم أخشَ سِرّا مُمنَّعا )
( فمزّقه مَزْقَ العَمِي وهو غافل ... ونادى بما أخفيتُ منه فأسْمعا )
( فقلت ولم أفحِش لَعَّالك عاثراً ... وقد يعثُر الساعي إذا كان مسرِعا )
( ولستُ بجازيك الملامةَ إنني ... أرى العفو أَدنَى للرشاد وأوسَعا )
( ولكن تعلّمْ أنه عهدُ بينِنا ... فبِنْ غيرَ مذموم ولكن مُودعا )
( حديثاً أضعناه كلانا فلا أرَى ... وأنت نجِيًّا آخرَ الدهر أجمعا )
( وكنت إذا ضيعتَ سرك لم تجد ... سواك له إلا أشَتَّ وأضعَيا )
قال وقال فيه
( أمِنتُ أمرأ في السرّ لم يك حازماً ... ولكنه في النصح غيرُ مُرِيب )
( أذاع به في الناس حتى كأنه ... بعلياءَ نارٌ أُوقدتْ بثَقُوب )
( وكنتَ متى لم تَرْعَ سرَّك تلتبسْ ... قوارعُه من مخطيء ومُصيب )
( فما كل ذي نصح بمؤتيك نُصحَه ... وما كل مؤتٍ نصحَه بلبيب )
( ولكن إذا ما استجمعا عند واحدٍ ... فحُقَّ له من طاعةٍ بنصِيبِ )
اخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال

اشترى أبو الأسود جارية فأعجبته وكانت حولاء فعابها أهله عنده بالحول فقال في ذلك
( يَعيبونها عندي ولا عيبَ عندها ... سوى أن في العينين بعضَ التأخّر )
( فإن يك في العينين سوء فإنها ... مُهَفْهَفَة الأعلى رَدَاحُ المؤخَّر )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال كان لأبي الأسود الدؤلي صديق من بني تميم ثم من بني سعد يقال له مالك بن أصرم وكانت بينه وبين ابن عم له خصومة في دار له وأنهما اجتمعا عند أبي الأسود فحكماه بينهما فقال له خصم صديقه إني بالذي بينك وبينه عارف فلا يحملنك ها ذاك على أن تحيف علي في الحكم وكان صديق أبي الأسود ظالما فقضى أبو الأسود على صديقه لخصمه بالحق فقال له صديقه والله ما بارك الله لي في صداقتك ولا نفعني بعلمك وفقهك ولقد قضيت علي بغير الحق فقال أبو الأسود
( إذا كنتَ مظلوماً فلا تُلْفَ راضياً ... عن القوم حتى تأخذ النِّصفَ واغضبِ )
( وإن كنت أنت الظالمَ القوم فأطَّرِحْ ... مقالتهم واشغَبْ بهم كلَّ مَشْغَب )
( وقارِبْ بذي جهل وباعد بعالم ... جَلوبٍ عليك الحقَّ من كل مَجْلِب )
( فإن حدِبوا فاقعَسْ وإن هم تقاعسوا ... ليستمكِنوا مما وراءك فاحدَبِ )

( ولا تدْعُني للجَورِ واصبِر على التي ... بها كنتُ أقضِي للبعيد على أبي )
( فإني امرؤ أخشى إلهي وأتَّقي ... معادى وقد جرّبتُ ما لم تجرِّبِ )

ابو الأسود يكتب مستجديا
كتب إلي أبو خليفة يذكر أن محمد بن سلام حدثه وأخبرني محمد بن يحيى الصولي عن أبي ذكوان عن محمد بن سلام قال وجه أبو الأسود الدؤلي إلى الحصين بن أبي الحر العنبري جد عبيد الله بن الحسن القاضي وهو يلي بعض أعمال الخراج لزياد وإلى نعيم بن مسعود النهشلي وكان يلي مثلي ذلك برسول وكتب معه إليهما وأراد أن يبراه ففعل ذلك نعيم بن مسعود ورمى الحصين بن أبي الحر بكتاب أبي الأسود وراء ظهره فعاد الرجل فأخبره فقال أبو الأسود للحصين
( حسِبت كتابي إذ أتاك تعرُّضاً ... لسَيْبك لم يذهب رجائي هنالكا )
( وخبَّرني من كنتُ أرسلتُ أنما ... أخذتَ كتابي مُعرِضاً بشِمالكا )
( نظرتَ إلى عنوانه فنبذتَه ... كنبذِك نعلاً أخلقتْ مِن نِعالِكا )
( نُعَيمُ بن مسعود أحقُّ بما أتى ... وأنت بما تأتي حقيق بذلكا )
( يصيبُ وما يدري ويُخطِي وما درى ... وكيف يكون النُّوك إلا كذلكا )
قال محمد بن سلام فتقدم رجل إلى عبيد الله بن الحسن بن

الحصين بن أبي الحر وهو قاضي البصرة مع خصم له فخلط في قوله فتمثل عبيد الله بقول أبي الأسود
( يصيب وما يَدْري ويُخطي وما درى ... وكيف يكون النَّوْك إلا كذلكا )
فقال الرجل إن رأى القاضي أن يدنيني منه لأقول شيئا فعل فقال له ادن فقال له إن أحق الناس بستر هذا الشعر أنت وقد علمت فيمن قيل فتبسم عبيد الله وقال له إني أرى فيك مصطنعا فقم إلى منزلك وقال لخصمه رح إلي فعزم له ما كان يطالب به
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن ابن عائشة قال أراد أبو الأسود الدؤلي الخروج إلى فارس فقالت له ابنته يا أبت إنك قد كبرت وهذا صميم الشتاء فانتظر حتى ينصرم وتسلك الطريق آمنا فإني أخشى عليك فقال أبو الأسود
( إذا كنتَ معنيّاً بأمرٍ تُريده ... فما للمَضاءِ والتوكل من مِثْلِ )
( توكل وحَمل أمرَك الله إن ما ... ترادُ به آتيك فاقنع بذي الفضل )
( ولا تحسبنَّ السير أقرَب للردى ... من الخفض في دار الُمقامة والثَّمْل )
( ولا تحسبيني يا بنْتي عزَّ مذهبي ... بظنك إن الظن يَكذِبُ ذا العقلِ )
( وإني ملاقٍ ما قضى اللهُ فاصبِري ... ولا تجعلي العِلْمَ المحقَّق كالجهلِ )
( وإنك لا تدرين هل ما أخافه ... أبعدِيَ يأتي في رحِيليَ أو قبلي )
( وكم قد رأيتُ حاذراً متحفِّظاً ... أُصيبَ وألفتْه المنيةُ في الأهلِ )

أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عيسى بن إبراهيم العتكي قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال كان لأبي الأسود صديق من بني سليم يقال له نسيب بن حميد وكان يغشاه في منزله ويتحدث إليه في المسجد وكان كثيرا ما يحلف له أنه ليس بالبصرة أحد من قومه ولا من غيرهم آثر عنده منه فرأى أبو الأسود يوما معه مستقة مخملة أصبهانية من صوف فقال له أبو الأسود ما تصنع بهذه المستقة فقال أريد بيعها فقال له أبو الأسود انظر ما تبلغ فعرفنيه حتى أبعث به إليك فإنها من حاجتي قال لا بل أكسوكها فأبى أبو الأسود أن يقبلها إلا بثمنها فبعث بها إلى السوق فقومت بمائتي درهم فبعث إليه أبو الأسود بالدراهم فردها وقال لست أبيعها إلا بمائتين وخمسين درهما فقال أبو الأسود
( بِعْنِي نُسَيبُ ولا تُثِبْني إنني ... لا أستثيبُ ولا أُثيبُ الواهبا )
( إن العطية خيُر ما وجَّهتَها ... وحسِبتَها حمدا وأجرا واجبا )
( ومن العطية ما يعود غرامةً ... وملامة تَبقَى ومَنًّا كاذبا )
( وبلوتُ أخبارَ الرجال وفِعلَهم ... فمُلئتُ علماً منهمُ وتجاربا )
فأخذتُ منهم ما رضيتُ بأخذِه ... وتركتُ عَمْدا ما هنالك جانبا )
( فإذا وعدتُ الوعدَ كنتُ كغارمٍ ... دَيناً أقر به وأحضر كاتِبا )
( حتى أنفِّذه على ما قلتُه ... وكفى عليّ به لنفسيَ طالبا )
( وإذا فعلتُ غيرَ محاسِب ... وكفى بربك جازيا ومحاسبا )

( وإذا منعتُ منعتُ منعاً بيِّناً ... وأرحتُ من طول العَناء الراغبا )
( لا اشتري الحمدَ القليلَ بقاؤه ... يوما بذم الدهرِ أجمعَ واصبا )
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن محمد الرازي ومحمد بن العباس اليزيدي وعمي قالوا حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال زعم أبو بكر الهذلي أن أبا الأسود الدؤلي كان يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط فقال لمعاوية استرها علي فقال نعم فلما خرج حدث بها معاوية عمرو بن العاص ومروان بن الحكم فلما غدا عليه أبو الأسود قال عمرو ما فعلت ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس قال ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة من شيخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن إمساكها وكل أجوف ضروط ثم أقبل على معاوية فقال إن امرأ ضعفت أمانته ومروءته عن كتمان ضرطة لحقيق بألا يؤمن على أمور المسلمين
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن عوانة قال كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة فيتحدث إليها وكانت برزة جميلة فقالت له يا أبا الأسود هل لك في أن أتزوجك فإني صناع الكف حسنة التدبير قانعة بالميسور قال نعم فجمعت أهلها فتزوجته فوجد عندها خلاف ما قدره وأسرعت في ماله ومدت يدها إلى خيانته وأفشت سره فغدا على من كان حضر تزويجه إياها فسألهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا فقال لهم

( أَرَيتَ أمراً كنت لم أَبْلُهُ ... أتاني فقال اتّخِذْني خليلا )
( فخاللُته ثم أكرمته ... فلم أستفد من لدنْه فتيلا )
( وألفيتُه حين جرّبته ... كَذُوبَ الحديث سروقا بخيلا )
( فذكَّرته ثم عاتبتُه ... عتاباً رفيقاً وقولاً جميلا )
( فألفيتُه غيرَ مستعتِبٍ ... ولا ذاكرِ اللهِ إلا قليلا )
( ألستُ حقيقا بتوديعه ... وإتْباع ذلك صَرماً طويلا )
فقالوا بلى والله يا أبا الأسود قال تلك صاحبتكم وقد طلقتها لكم وأنا أحب أن أستر ما أنكرته من أمرها فانصرفت معهم
حدثنا اليزيدي قال حدثنا البغوي قال حدثنا العمري قال كان أبو الأسود أبخر فسار معاوية يوما بشيء فأصغى إليه ممسكا بكمه على أنفه فنحى أبو الأسود يده عن أنفه وقال لا والله لا تسود حتى تصبر على سرار المشايخ البخر
أخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال حدثنا محمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام استعمل أبا الأسود على البصرة واستكتب زياد بن أبيه على الديوان والخراج فجعل زياد يسبع أبا الأسود عند علي ويقع فيه ويبغى عليه فلما بلغ ذلك أبا الأسود عنه قال فيه

( رأيت زياداً ينتحيني بشرّه ... وأُعرِض عنه وهو بادٍ مَقاتِلُه )
( وكل امريء والله بالناس عالم ... له عادة قامت عليها شمائلُه )
( تَعوَّدها فيما مضى من شبابه ... كذلك يدعو كلَّ أمرٍ أوائلُهْ )
( ويُعجبُه صفحي له وتجمُّلي ... وذو الجهل يحذو الجهلَ من لا يعاجِلُهْ )
( فقلت له دعني وشأني إننا ... كلانا عليه مَعْمَلٌ هو عاملُهْ )
( فلولا الذي قد يُرتجى من رجائه ... لجرَّبتَ مني بعض ما أنت جاهله )
( لجرّبت أنّي أمنح الغَيَّ مَن غَوَى ... عليّ وأجزِي ما جَزَى وأطاوِلُهْ )
وقال لزياد أيضا في ذلك
( نُبِّئتُ أن زياداً ظلّ يَشتُمني ... والقولُ يُكْتَبُ عند الله والعملُ )
( وقد لقِيتُ زيادا ثم قلت له ... وقبلَ ذلك ما خَبَّت به الرسلُ )
( حتّام تَسرِقني في كل مَجْمَعَه ... عِرضي وأنت إذا ما شئت منتفِلُ )
( كل امريء صائر يوماً لشيمته ... في كل منزلة يُبْلى بها الرجلُ )
قال فلما ادعى معاوية زيادا وولاه العراق كان أبو الأسود يأتيه فيسأله حوائجه فربما قضاها وربما منعها لما يعلمه من رأيه وهواه في علي بن أبي طالب عليه السلام وما كان بينهما في تلك الأيام وهما عاملان فكان أبو الأسود يترضاه ويداريه ما استطاع ويقول في ذلك
( رأيت زيادا صدّعنّيَ وجهَه ... ولم يك مردُودا عن الخير سائلُه )
( ينفِّذ حاجاتِ الرجال وحاجتي ... كداء الجَوَى في جوفه لا يزايلُهْ )

( فلا أنا ناسٍ ما نسِيتُ فآيِسٌ ... ولا أنا راءٍ ما رأيت ففاعِلُهْ )
( وفي اليأس حزم لِلَّبيب وراحة ... من الأمر لا يُنسى ولا المرء نائلُهْ )

مدحه عبد الرحمن بن أبي بكرة
وقال المدائني نظر عبد الرحمن بن أبي بكرة إلى أبي الأسود في حال رثه فبعث إليه بدنانير وثياب وسأله أن ينبسط إليه في حوائجه ويستمنحه إذا أضاق فقال أبو الأسود يمدحه
( أبو بجرٍ أمَنُّ الناسِ طُرًّا ... علينا بعد حِيِّ أبي المُغيرهْ )
( لقد ابقى لنا الحَدَثانُ منه ... أخا ثقةٍ منافعُه كثيره )
( قريبَ الخير سهلاً غيرَ وعرٍ ... وبعضُ الخير تمنعُه الوُعورهْ )
( بَصُرتَ بأننا أصحابُ حقّ ... نُدِلّ به وإخوانٌ وجيره )
( وأهلُ مَضِيعةٍ فوجدتَ خيراً ... من الخُلاّن فينا والعشِيره )
( وإنك قد علمت وكلُّ نفسٍ ... تُرَى صَفَحاتُها ولها سريره )
( لذو قلبٍ بذي القُرْبى رحيم ... وذو عين بما بلَغْت بصيره )
( لعمرك ما حَباك الله نفساً ... بها جَشَعٌ ولا نفساً شَرِيره )
( ولكن أنت لا شَرِسٌ غليظ ... ولا هَشْمٌ تُنازِعه خُئوره )
( كأنا إذا أتيناه نزلنا ... بجانب رَوضةٍ ريّاً مَطِيرَه )

قال المدائني وكان أبو الأسود يدخل على عبيد الله بن زياد فيشكو إليه أن عليه دينا لا يجد إلى قضائه سبيلا فيقول له إذا كان غد فارفع إلي حاجتك فإني أحب قضاءها فيدخل إليه من غد فيذكر له أمره ووعده فيتغافل عنه ثم يعاوده فلا يصنع في أمره شيئا فقال فيه أبو الأسود
( دعاني أمِيري كي أفوه بحاجتي ... فقلت فما ردّ الجواب ولا استَمعْ )
( فقمت ولم أَحْسُس بشيء ولم أصَن ... كلامي وخير القول ما صِينَ أو نفعْ )
( وأجمعتُ يأساً لا لُبانة بعده ... ولليأسُ أدنى للعفاف من الطمع )
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدثني ابن عائشة قال سأل رجل أبا الأسود شيئا فمنعه فقال له يا أبا الأسود ما أصبحت حاتميا قال بلى قد أصبحت حاتميا من حيث لا تدري أليس حاتم الذي يقول
( أماوِي إمّا مانِعٌ فمبيِّنٌ ... وإمّا عطاء لا يُنهِنهُه الزجرُ )
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا ابن عائشة قال كان لأبي الأسود جار يحسده وتبلغه عنه قوارص فلما باع أبو الأسود داره في بني الديل وانتقل إلى هذيل قال جار أبي الأسود لبعض جيرانه من هذيل هل يسقيكم أبو الأسود من ألبان لقاحه وكانت لا تزال عنده لقحة

أو لقحتان وكان جاره هذا يصيب من الشراب فبلغ أبا الأسود قوله فقال فيه
( إن امرأً نُبِّئتُه من صديقِنا ... يسائل هل أسقي من اللبن الجارا )
( وإني لأَسقي الجار في قعر بيته ... واشرب ما لا إثَم فيه ولا عارا )
( شرابا حلالا يترك المرء صاحِياً ... ولا يتولَّى يَقْلِسُ الإِثَم والعارا )
أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال كان لأبي الأسود صديق من بني قيس بن ثعلبة يقال له حوثرة بن سليم فاستعمله عبيد الله بن زياد على جي وأصبهان وكان أبو الأسود بفارس فلما بلغه خبره أتاه فلم يجد عنده ما يقدره وجفاه حوثرة فقال فيه أبو الأسود وفارقه
( تروّحتَ من رُستاق جَيٍّ عشية ... وخَلَّفتَ في رستاق أخاً لكا )
( أخا لك إن طال التنائي وجدتَه ... نسيًّا وإن طال التعاشُرُ مَلّكا )
( ولو كنتَ سيفا يُعجِب الناسَ حدّه ... وكنتَ له يوما من الدهر فَلّكا )
( ولو كنتَ أهدى الناس ثم صحِبتَه ... وطاوعته ضلَّ الهوى وأضلَّكا )
( إذا جئته تبغي الهدى خالف الهدى ... وإن جُرت عن باب الغَواية دلّكا )
قال المدائني وكان لأبي الأسود جار يقال له وثاق من خزاعة وكان

يحب اتخاذ اللقاح ويغالي بها ويصفها فأتى أبا الأسود وعنده لقحة غزيرة يقال لها الصفوف فقال له يا أبا الأسود ما بلقحتك بأس لولا عيب كذا وكذا فهل لك في بيعها فقال أبو الأسود على ما تذكر فيها من العيب فقال إني أغتفر ذلك لها لما أرجوه من غزارتها فقال له أبو الأسود بئست الخلتان فيك الحرص والخداع أنا لعيب مالي أشد اغتفارا وقال أبو الأسود فيه
( يريد وَثاقٌ ناقتي ويَعيبها ... يخادِعني عنها وثاقُ بن جابِرِ )
( فقلت تعلَّمْ يا وثاقُ بأنها ... عليك حِمًى أُخرى الليالي الغَوابِر )
( بصُرتَ بها كَومَاء حَوسَاء جَلْدةً ... من المُولِياتِ الهامَ حدَّ الظواهِر )
( فحاولتَ خَدْعي والظنونُ كواذِبٌ ... وكم طامِع في خَدعتي غيرُ ظافِر )
قال وكانت له لقحة أخرى يقال لها الطيفاء وكان يقول ماملكت مالا قط أحب إلي منها فأتاه فيها رجل من بني سدوس يقال له أوس بن عامر فجعل يماكر أبا الأسود ويعيبها فألفاه بها بصيرا وفيها منافسا فبذل له فيها ثمنا وافيا فأبى أن يبيعه وقال فيه
( أتانِي في الطيفاء أوسُ بن عامرٍ ... ليخدعني عنها بِجِنّ ضِراسِها )
( فسام قليلا ناسئاً غير ناجز ... وأُحصِر نفساً وانتهى بِمكاسها )
( فأُقسمُ لو أعطيتَ ما سمَت مِثلَه ... وضِعفا له لما غَدوتَ براسِها )
( أغرَّك منها أن نَحرتُ حُوارها ... لجيرانِ أمّ السَّكْنِ يوم نِفاسِها )
( فولَّى ولم يطمع وفي النفس حاجةٌ ... يردّدها مردودةً بإياسِها )

أخبرنا اليزيدي قال حدثنا عيسى عن ابن عائشة والأصمعي أن رجلا سأل أبا الأسود الدؤلي فرده فألح عليه فقال له أبو الأسود ليس للسائل الملحف مثل الرد الجامس قال يعني بالجامس الجامد
وقال المدائني خطب أبو الأسود امرأة من بني حنيفة وكان قد رآها فأعجبته فأجابته إلى ذلك وأذنت له في الدخول إليها فدخل دارها فخاطبها بما أراد فلماخرج لقيه ابن عم لها قد كان خطبها على أخيه فقال له ما تصنع هاهنا فأخبره بخطبته المرأة فنهاه عن التعرض لها ووضع عليها أرصادا فكان أبو الأسود ربما مر بهم وإجتاز بقبيلتهم فدسوا إليه رجلا يوبخه في كل محفل يراه فيه ففعل وأتاه وهو في نادي قومه فقال له يا أبا الأسود أنت رجل شريف ولك سن وخطر وعرض وما أرضى لك أن تلم بفلانة وليست لك بزوجة ولا قرابة فإن أهلها قد أنكروا ذلك وتشكوه فإما أن تتزوجها أو تضرب عنها فقال له أبو الأسود
( لقد جدّ في سَلمى الشكاةُ ولَلَّذي ... يقولون لو يبدو لك الرشدُ أرشدُ )
( يقولون لا تَمذُل بِعرضك واصطنع ... معادَك إنّ اليوم يتَبْعَه غد )
( وإياك والقومُ الغِضابَ فإنهم ... بكل طريق حولهم تترصَّد )
( تلام وتُلحَى كل يوم ولا تُرى ... على اللوم وإلا حولَها تتردّد )
( أفادَتْكَها العينُ الطموحُ وقد ترى ... لك العينُ ما لا تستطيع لك اليدُ ) وقال أبو الأسود

( دعُوا آلَ سلمى ظِنّتي وتعنُّتي ... وما زَلّ مني إنّ ما فات فائتُ )
( ولا تهلِكوني بالملامةِ إنما ... نطقتُ قليلا ثم إني لساكتُ )
( سأسكت حتى تحسِبوني أنني ... من الجهد في مَرْضاتكم متماوِتُ )
( ألم يكفِكم أنْ قد منعتم بيوتَكم ... كما منع الغِيلَ الأسودُ النواهِتُ )
( تصِيبون عِرضي كل يوم كما علا ... نشيطٌ بفأسٍ معدِنَ البُرْم ناحِتُ )
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال كان ابن عباس يكرم أبا الأسود الدؤلي لما كان عاملا لعلي بن أبي طالب عليه السلام على البصرة ويقضي حوائجه فلما ولى ابن عامر جفاه وابعده ومنعه حوائجه لما كان يعلمه من هواه في علي بن أبي طالب عليه السلام فقال فيه أبو الأسود
( ذكرتُ ابنَ عباس بباب ابنِ عامر ... وما مَرَّ من عيشي ذكرتُ وما فَضَلْ )
( اميرين كانا صاحِبيَّ كلاهما ... فكلُّ جزاه الله عني بما فعل )
( فإن كان شراً كان شراً جزاؤه ... وإن كان خيراً كان خيراً إذا عدل )
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزامي قال حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن موسى بن عقبة قال قال أبو الأسود الدؤلي لابنه أبي حرب وكان له صديق من باهلة يكثر زيارته فكان أبو الأسود يكرهه ويستريب منه

( أحبِبْ إذا أحببتَ حبا مُقارِباً ... فإنك لا تدري متى أنت نازع )
( وأبغِض إذا أبغضت بغضاً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت راجِع )
( وكن معدِنا للحلم واصفح عن الخَنا ... فإنك راءٍ ما عمِلتَ وسامِع )

ابو الأسود يشكو جيرانه
وقال المدائني حدثني أبو بكر الهذلي قال كان لأبي الأسود جار من بني حليس بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل من رهطة دنية ومنزل أبي الأسود يومئذ في بني الديل فأولع جاره برميه بالحجارة كلما أمسى فيؤذيه فشكا أبو الأسود ذلك إلى قومه وغيرهم فكلموه ولاموه فكان ما اعتذر به إليهم أن قال لست أرميه وإنما يرميه الله لقطعه للرحم وسرعته إلى الظلم في بخله بماله فقال أبو الأسود والله ما أجاور رجلا يقطع رحمي ويكذب على ربي فباع داره واشترى دارا في هذيل فقيل له يا أبا الأسود أبِعث دارك قال لم أبع داري ولكن بعت جاري فأرسلها مثلا وقال في ذلك
( رمانيَ جاري ظالماً برميَّه ... فقلتُ له مهلا فأنكَرَ ما أتى )
( وقال الذي يرميك ربُّك جازيا ... بذنبك والحَوْباتُ تُعقِب ما ترى )
( فقلت له لو أن ربي برمية ... رماني لما اخطا إلهي ما رمى )
( جزى الله شرّا كلَّ من نال سوءة ... ويَنْحَلُ فيها ربَّه الشرَّ والأذى )
وقال فيه أيضا
( لَحَى الله مولى السَّوء لا أنت راغب ... إليه ولا رامٍ به من تحاربه )

( وما قُربُ مولى السوء إلا كبعده ... بل البعدُ خير من عدوٍّ تُصاقِبه )
وقال فيه أيضاً
( وإني لَتَثنيني عن الشتم والخَنا ... وعن سبّ ذي القربى خلائقُ أربعُ )
( حياء وإسلام ولطف وأنني ... كريم ومثلي قد يضرّ وينفع )
( فإن أعف يوما عن ذنوب أتيتَها ... فإن العصا كانت لِمثلي تُقْرَع )
( وشتان ما بيني وبينك إنني ... على كل حال أستقيم وتَظَلع )
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا الرياشي عن العتبي قال كان لأبي الأسود جار في ظهر داره له باب إلى قبيلة أخرى وكان بين دار أبي الأسود وبين داره باب مفتوح يخرج منه كل واحد منهما إلى قبيلة صاحبه إذا أرادها وكان الرجل ابن عم أبي الأسود دنية وكان شرسا سيء الخلق فأراد سد ذلك الباب فقال له قومه لا تفعل فتضر بأبي الأسود وهو شيخ وليس عليك في هذا الباب ضرر ولا مؤنة فأبى إلا سده ثم ندم على ذلك لأنه اضر به فكان إذا أراد سلوك الطريق التي كان يسلكها منه بعد عليه فعزم على فتحه وبلغ ذلك أبا الأسود فمنعه منه وقال فيه

صوت
( بُلِيت بصاحبٍ إنْ أذُن شِبراً ... يزِدني في مباعدةٍ ذِراعا )

( وإن أُمدْد له في الوصل ذَرْعي ... يَزِدني فوق قِيس الذرع باعا )
( أبت نفسي له إلا اتِّباعاً ... وتأبى نفسه إلا امتناعا )
( كلانا جاهد أدنو وينأى ... فذلِك ما استطعتُ وما استطاعا )
الغناء في هذه الأبيات لأبراهيم ثقيل أول بالبنصر وفيه لعريب خفيف رمل ولعلويه لحن غير منسوب قال وقال أبو الأسود أيضا في ذلك
( لنا جِيرة سدّوا المجازة بيننا ... فإن أذكروك السدَّ فالسدُّ أكْيسُ )
( ومن خير ما ألصقتَ بالجار حائط ... تزِلُّ به سُفْعُ الخطا طيفِ أملسُ )
وقال أيضا في ذلك
( أخطأتَ حين صرمتني ... والمرء يعجِزُ لا محالهْ )
( والعبد يُقرع بالعصا ... والحر تكفيه المقالة )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة عن أبيه وأخبرني به محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم البزي قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة ولم يقبل عن أبيه قال كان أبو الأسود الدؤلي نازلا في بني قشير وكانت بنو قشير عثمانية وكانت امرأته أم عوف منهم فكانوا يؤذونه ويسبونه وينالون من علي عليه السلام بحضرته ليغيظوه به ويرمونه بالليل فإذا أصبح قال لهم يا بني

قشير أي جوار هذا فيقولون له لم نرمك إنما رماك الله لسوء مذهبك وقبح دينك فقال في ذلك
( يقول الأرذلون بنو قشير ... طَوالَ الدهر لا تنسى علِيّا )
( فقلت لهم وكيف يكون تركي ... من الأعمال مفروضاً علَيّا )
( أحِب محمداً حباً شديداً ... وعباساً وحمزةَ والوصِيّا )
( بنِي عمّ النبي وأقربِيه ... أحبَّ الناسِ كلِّهم إليا )
( فإن يك حبّهم رُشْداً أُصِبه ... ولست بمخطيءٍ إن كان غيّا )
( هُمُ أهل النصيحة غيرَ شكّ ... وأهل مودّتي مادمت حيّا )
( هَوًى أُعطِيتُه لما استدارت ... رحى الإِسلام لم يُعدَل سَويّا )
( أحبهُمُ لحبّ الله حتى ... أَجِئ إذا بُعِثتُ على هَوَيّا )
( رأيت الله خالقَ كلِّ شيءٍ ... هداهم واجتبى منهم نبيّا )
( ولم يخصُص بها أحدا سِواهم ... هنيئا ما اصطفاه لهم مرِيا )
قال فقالت له بنو قشير شككت يا أبا الأسود في صاحبك حيث تقول
( فإن يك حبهم رشداً أصبه ... )
فقال أما سمعتم قول الله عز و جل ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) أفترى الله جل وعز شك في نبيه وقد روي أن معاوية قال هذه المقالة فأجابه بهذا الجواب

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو عثمان الأشنانداني عن الأخفش عن ابي عمر الجرمي قال دخل أبو الأسود الدؤلي على معاوية فقال له لقد أصبحت جميلا يا أبا الأسود فلو علقت تميمة تنفي عنك العين فقال أبو الأسود
( أفنى الشباب الذي فارقتُ جِدّتَه ... كرُّ الجدِيدين من آتٍ ومنطلِقِ )
( لم يتركا لي في طول اختلافهما ... شيئاً تُخاف عليه لَذْعةُ الحَدَقِ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني الحارث بن محمد قال قال حدثنا المدائني عن علي بن سليمان قال كان ابو الأسود له على باب داره دكان يجلس عليه مرتفع عن الأرض إلى قدر صدر الرجل فكان يوضع بين يديه خوان على قدر الدكان فإذا مر به مار فدعاه إلى الأكل لم يجد موضعا يجلس فيه فمر به ذات يوم فتى فدعاه إلى الغداء فأقبل فتناول الخوان فوضعه أسفل ثم قال له يا أبا الأسود إن عزمت على الغداء فانزل وجعل يأكل وأبو الأسود ينظر إليه مغتاظا حتى أتى على الطعام فقال له أبو الأسود ما اسمك يا فتى قال لقمان الحكيم قال لقد أصاب أهلك حقيقة اسمك
قال المدائني وبلغني رجلا دعاه أبو الأسود إلى طعامه وهو على هذا الدكان فمد يده ليأكل فشب به فرسه فسقط عنه فوقص
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي صديقا لأبي الأسود

يهاديه الشعر ويجيب كل واحد منهما صاحبه ويتعاشران ويتزاوران فولي أبو الجارود ولاية فجفا أبا الأسود وقطعه ولم يبدأه بالمكاتبة ولا أجابه عنها فقال فيه أبو الأسود
( أبلِغْ أبا الجارود عني رسالة ... يَرُوح بها الغادي لرَبْعك أو يغدو )
( فيخبرَنا ما بالُ صَرمك بعد ما ... رضِيت وما غيّرتَ من خُلق بعدُ )
( أأنْ نِلتَ خيرا سَرَّني أن تناله ... تنكَّرت حتى قلتُ ذو لِبدةٍ وَرْدُ )
( فعيناك عيناه وصوتك صوته ... تُمثِّله لي غيرَ أنك لا تعدو )
( لئن كنت قد أزمعت بالصَّرم بيننا ... لقد جعلَتْ أشراطُ أوّله تبدو )
( فإني إذا ما صاحبٌ رث وصلُه ... وأعرَضَ عني قلّ مني له الوَجدُ )

أبو الأسود والحارث بن خليد
قال المدائني كان لأبي الأسود صديق يقال له الحارث بن خليد وكان في شرف من العطاء فقال لأبي الأسود ما يمنعك من طلب الديوان فإن فيه غنى وخيرا فقال له أبو الأسود قد أغناني الله عنه بالقناعة والتجمل فقال كلا ولكنك تتركه إقامة على محبة ابن أبي طالب وبغض هؤلاء القوم وزاد الكلام بينهما حتى أغلظ له الحارث بن خليد فهجره أبو الأسود وندم الحارث على ما فرط منه فسأل عشيرته أن تصلح بينهما فأتوا أبا الأسود في ذلك وقالوا له قد اعتذر إليك الحارث مما فرط منه وهو رجل حديد فقال أبو الأسود في ذلك
( لنا صاحب لا كلِيلُ اللسان ... فيَصمُتَ عنا ولا صارِمُ )

( وشرُّ الرجال على أهلِه ... وأصحابه الحَمِقُ العارِمُ )
وقال فيه
( إذا كان شيء بيننا قيل إنه ... حدِيدٌ فخالِفْ جهلَه وترفَّقِ )
( شنِئتُ من الأصحاب من لستُ بارحاً ... وأدامِله دَمْلَ السقاءِ المخرَّقِ )
وقال المدائني
ولى عبيد الله بن زياد الحصين بن أبي الحر العنبري ميسان فدامت ولايته إياها خمس سنين فكتب إليه أبو الأسود كتابا يتصدى فيه لرفده فتهاون به ولم ينظر فيه فرجع إليه رسوله فأخبره بفعله فقال فيه
( ألا أبلِغا عنّي حُصَيْنا رسالةً ... فإنك قد قطّعتَ أخرى خِلالِكا )
( فلو كنتَ إذا أصبحتَ للخرج عاملاً ... بميسانَ تُعْطِى الناسَ من غير مالكا )
( سألتك أو عرَّضتُ بالود بيننا ... لقد كان حقّاً واجباً بعضُ ذلِكا )
( وخبَّرني من كنت أرسلت أَنما ... أخذتَ كتابي مُعْرِضاً بشمالِكا )

( نظرتَ إلى عنوانه ونَبَذته ... كنبذك نعلاً أخلقَتْ من نِعالِكا )
( حِسِبت كتابي إذ أتاك تعرّضاً ... لسَيبِك لم يذهب رجائي هنالِكا )
( يُصيب وما يدري ويُخطي وما درى ... وكيف يكون النَّوْك إلا كذلِك )
فبلغت أبيات أبي الأسود حصينا فغضب وقال ما ظننت منزلة أبي الأسود بلغت ما يتعاطاه من مساءتنا وتوعدنا وتوبيخنا فبلغ ذلك أبا الأسود فقال فيه
( أَبلِغ حصيناً إذا جئته ... نصيحةَ ذي الرأى للمجتنِيها )
( فلا تك مثل التي استخرجت ... بأظلافها مُديةً أو بفِيها )
( فقام إليها بها ذابح ... ومن تَدْعُ يوما شَعُوبُ يجِيها )
( فظلت بأوصالها قدرُها ... تحُشّ الوليدةُ أو تشتوِيها )
( وإن تأبَ نصحي ولا تنتهي ... ولم تر قولي بنصحٍ شبيها )
( أُجَرِّعْك صاباً وكان المُرار ... والصاب قِدْماً شراباً كريها )

أبو الأسود ومعاوية بن صعصعة
وقال خالد بن كلثوم
كان معاوية بن صعصعة يلقى أبا الأسود كثيرا فيحادثه ويظهر له المودة

وكانت تبلغه عنه قوارص فيذكرها له فيجحدها أو يحلف أنه لم يفعل ثم يعاود ذلك فقال فيه أبو الأسود
( ولي صاحب قد رابني أو ظلمته ... كذلك ما الخصمان بَرٌّ وفاجر )
( وإني امرؤ عندي وعمداً أقوله ... لآِتيَ ما يأتي امرؤ وهو خابر )
( لسانان معسولٌ عليه حلاوة ... وآخر مسموم عليه الشَّراشِر )
( فقلت ولم أبخل عليه نِصيحتي ... وللمرء ناهٍ لا يلام وزاجر )
( إذا أنت حاولت البراءة فاجتنب ... عواقب قول تعتريه المعاذِر )
( فكم شاعرٍ أرداه أن قال قائل ... له في اعتراض القول إنك شاعِر )
( عطفتُ عليه عطفة فتركته ... لِمَا كان يرضَى قبلها وهو حاقر )
( بقافية حدَّاءَ سهلٍ روِيُّها ... وللقول أبوابٌ تُرَى ومحاضر )
( تَعَزَّى بها من نومه وهو ناعِس ... إذا انتصف الليلُ المُكلُّ المسافِرُ )
( إذا ما قضاها عاد فيها كأنه ... للذته سكران أو متساكر )
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني العمري عن العتبي قال كان عبد الله بن عامر مكرما لأبي الأسود ثم جفاه لما كان عليه من التشيع فقال فيه أبو الأسود
( ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الودّ قد بالت عليه الثعالبُ )
( وأصبح باقي الودّ بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهرُ فيه عجائب )

( إذا المرء لم يُحبِبك إلا تكرُّهاً ... بدا لك من أخلاقه ما يغالِب )
( فَلَلْنأي خير من مُقامٍ على أذى ... ولا خيرَ فيما يستقل المعاتب )
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبيدالله بن محمد قال حدثنا ابن النطاح قال ذكر الحرمازي عن رجل من بني الديل قال كانت لأبي الأسود الدؤلي امرأة من بني قشير وامرأة من عبد القيس فأسن وضعف عما يطيقه الشباب من أمر النساء فأما القشيرية فكانت أقدمهما عنده وأسنهما فكانت موافقة له صابرة عليه وهي أم عوف القشيرية التي يقول فيها
( أبى القلب إلا أم عوف وحبها ... عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفنَّد )
( كسَحْق يمانٍ قد تقادم عهده ... ورُقعته ما شئت في العين واليد )
وأما الأخرى التي من عبد القيس فهي فاطمة بنت دعمي وكانت أشبهما وأجملهما فالتوت عليه لما أسن وتكرت له وساءت عشرتها فقال فيها أبو الأسود
( تعاتبني عِرسي على أن أطيعها ... لقد كذبتها نفسُها ما تمنَّتِ )
( وظنت بأني كلُّ ما رضيتْ به ... رضيتُ به يا جهلها كيف ظنت )
( وصاحبتُها ما لو صحبتُ بمثله ... على ذعرها أُرْوِية لأطمأنتِ )

( وقد غرَّها مني على الشيب والبِلى ... جنوني بها جُنَّت حِيالي وحُنَّتِ )
يقال جن وحن وهو من الأتباع كما يقال حسن بسن
( ولا ذنب لي قد قلتُ في بدء أمرنا ... ولو علِمت ما عُلِّمَتْ ما تعنَّتِ )
( تَشكَّى إلى جاراتها وبناتِها ... إذا لم تجد ذنباً علينا تجنَّتِ )
( ألم تعلمي أني إذا خِفت جفوة ... بمنزلةٍ أبعدتُ منها مطيتي )
( وأني إذا شقَّت عليَّ حليلتي ... ذَهَلتُ ولم أحنِنْ إذا هي حنَّتِ )
وفيها يقول
( أفاطِم مهلا بعضَ هذا التعبس ... وإن كان منك الجدّ فالصَّرْمُ مُؤنسي )
( تَشَتَّمُ لي لما رأتني أحبها ... كذي نعمة لم يُبْدها غيرَ أبؤس )
( فإن تنقُضي العهد الذي كان بيننا ... وتُلوي به في ودّك المتحلِّس )
( فإني فلا يغُررْكِ مني تجملي ... لأَسلي البعاد بالبعاد المكنِّسِ )
( وأعلم أن الأرض فيها مَنادح ... لمن كان لم تُسْدَد عليه بمجبِس )
( وكنت أمرأً لاصحبه السوء أرتجي ... ولا أنا نوّام بغير معرَّس )
وقال المدائني
كان لأبي الأسود الدؤلي مولى يقال له نافع ويكنى أبا الصباح فذكرت لأبي الأسود جارية تباع فركب فنظر إليها فأعجبته فأرسل نافعا يشتريها له اشتراها لنفسه وغدر بأبي الأسود فقال في ذلك

( إذا كنت تبغى للأمانة حاملاً ... فدع نافعاً وانظر لها من يُطيقها )
( فإن الفتى خَبُّ كذوب وإنه ... له نفس سَوء يجتويها صديقُها )
( متى يخلُ يوماً وحده بأمانةٍ ... تُغَل جميعاً أو يُغل فريقها )
( على أنه أبقى الرجال سَمانةً ... كما كلُّ مسمان الكلاب سَروقها )

خطبته في موت علي بن أبي طالب
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد المدائني عن أبي بكر الهذلي قال أتى أبا الأسود الدؤلي نعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبيعه الحسن عليه السلام فقام على المنبر فخطب الناس ونعى لهم عليا عليه السلام فقال في خطبته وإن رجلا من أعداء الله المارقة عن دينه اغتال أمير المؤمنين عليا كرم الله وجهه ومثواه في مسجده وهو خارج لتهجده في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر فقتله فيا لله هو من قتيل وأكرم به وبمقتله وروحه من روح عرجت إلى الله تعالى بالبر والتقى والإيمان والإحسان لقد أطفأ منه نور الله في أرضه لا يبين بعده أبدا وهدم ركنا من أركان الله تعالى لا يشاد مثله فإنا لله وإن إليه راجعون وعند الله نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين وعليه السلام ورحمة الله يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حيا
ثم بكى حتى اختلفت أضلاعه ثم قال وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه وإني لأرجو أن يجبر الله عز و جل به ما وهى ويسد به ما انثلم

ويجمع به الشمل ويطفيء به نيران الفتنة فبايعوه ترشدوا
فبايعت الشيعة كلها وتوقف ناس ممن كان يرى رأي العثمانية ولم يظهروا أنفسهم بذلك وهربوا إلى معاوية فكتب إليه معاوية ودس إليه رسولا يعلمه أن الحسن عليه السلام قد راسله في الصلح ويدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة ويعده ويمنيه فقال أبو الأسود
( ألا أبلغ معاويةَ بن حرب ... فلا قَرَّت عيون الشامتينا )
( أمي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طُرًّا أجمعينا )
( قتلتم خيرَ من ركِب المطايا ... وخيَّسها ومَن ركِب السفينا )
( ومن لبس النعال ومن حَذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا )
( إذا استقبلت وجه أبي حسين ... رأيت الدر راق الناظرينا )
( لقد علمت قريش حيث حلت ... بأنك خيرها حَسَبا ودِينا )
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي عن الهيثم بن عدي عن أبي عبيدة قال كان أبو حرب بن أبي الأسود قد لزم منزل أبيه بالبصرة لا ينتجع أرضا ولا يطلب الرزق في تجارة ولا غيرها فعاتبه على ذلك فقال أبو حرب إن كان لي رزق فسيأتيني فقال له
( وما طلب المعيشة بالتمني ... ولكن ألق دلوك في الدِّلاء )
( تجئك بملئها يوماً ويوماً ... وتجئك بَحمْأة وقليلِ ماء )

وقال المدائني كانت لأبي الأسود مولاة يقال لها لطيفة وكان لها عبد تاجر يقال له ملم فابتاعت له أمة وأنكحته إياها فجاءت بغلام فسمته زيدا فكانت تؤثره على كل أحد وتجد به وجد الأم بولدها وجعلته على ضيعتها فقال فيه أبو الأسود وقد مرضت لطيفة
( وزيد هالكٌ هُلْكَ الحُبارَى ... إذا هلكت لطيفة أو مُلِمُّ )
( تبنتْه فقال وأنتِ أمي ... فأنّى بعدها لك زيدُ أمُّ )
( تَرُمُّ متاعه وتزيد فيه ... وصاحبها لما يحوى مِضَمُّ )
( ستلقى بعدها شراً وضراً ... وتَقْصَى إن قُربت فلا تُضَمُّ )
( وتَلقاك الملامة كلَّ وجه ... سلكت وينتحي حالَيْك ذم )
قال فماتت لطيفة من علتها تلك وورثها أبو الأسود فطرد زيدا عما كان يتولاه من ضيعتها وطالبه بما خانه من مالها فارتجعه فكان بعد ذلك ضائعا مهانا بالبصرة كما قال فيه وتوعده
وقال المدائني أيضا أشترى أبو الأسود أمة للخدمة فجعلت تتعرض منه للنكاح وتتطيب وتشتمل بثوبها فدعاها أبو الأسود فقال لها اشتريتك للعمل والخدمة ولم اشترك للنكاح فأقبلي على خدمتك وقال فيها

( أصلاحُ إني لا أريدك للصِّبا ... فدعى التشملَ حولنا وتبذَّلي )
( إني أريدك للعجين وللرّحا ... ولحمل قربتنا وغَلْيِ المِرْجَل )
( وإذا تروَّح ضيفُ أهلك أوغداً ... فخذي لآخَرَ أهبةَ المستقبل )
أخبرنا الحسن بن الطيب الشجاعي قال حدثنا ابو عشانة عن ابن عباس قال كان المنذر بن الجارود العبدي صديقا لأبي الأسود الدؤلي تعجبه مجالسته وحديثه وكان كل واحد منهما يغشى صاحبه وكانت لأبي الأسود مقطعة من برود بكثر لبسها فقال له المنذر لقد أدمنت لبس هذه المقطعة فقال له أبو الأسود رب مملول لا يستطاع فراقه فعلم المنذر أنه قد احتاج إلى كسوة فأهدى له ثياب فقال أبو الأسود يمدحه
( كساك ولم تستكسه فحمِدتَه ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر )
( وإن أحق الناس إن كنت حامداً ... بحمدك من أعطاك والعِرض وافر )

وصيته لابنه
أنشدني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب لأبي الأسود يوصي ابنه وفي هذه الأبيات غناء
صوت
( لا ترسلن رسالة مشهورة ... لا تستطيع إذا مضت إدراكَها )
( أكرِمْ صديق أبيك حيث لقِيته ... واحْبُ الكرامة مَن بَدَا فحباكَها )
( لاتبدينَّ نميمة حُدِّثْتها ... وتحفَّظنّ من الذي أنباكها )

أخبرني محمد بن خلف بن مرزبان قال حدثنا أبو محمد المروزي عن القحذمي عن بعض الرواة أن أبا الأسود الدؤلي اعتذر إلى زياد في شيء جرى بينهما فكأنه لم يقبل عذره فأنشأ يقول
( إنني مجرم وأنت أحق الناس ... أن تقبل الغَداةَ اعتذاري )
( فاعف عني فقد سُفِهتُ وأنت المرء ... تعفو عن الهَنات الكبار )
فتبسم زياد وقال أما إذا كان هذا قولك فقد قبلت عذرك وعفوت عن ذنبك
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن عيسى بن عمر قال سئل أبو الأسود عن رجل واستشير في أن يولى ولاية فقال أبو الأسود هو ما علمته أهيس أليس ألد ملحس أن اعطى انتهر وإن سئل أزر قال الأصمعي الأهيس الحاد ويقال في المثل
( إحدى لياليك فهِيسى هيسي ... )
قال ويقال ناقة ليساء إذا كانت لا تبرح من المبرك قال وهو مما يوصف به الشجاع وأنشد في صفة ثور

( أَلْيَسُ عن حَوبائه سخِيّ ... )
أخبرني أحمد بن محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن الأسود بن الهيثم الحنفي قال حدثنا أبو محلم عن مؤرج السدوسي عن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال وكان من أفصح أهل زمانه قال أوصى أبو الأسود الدؤلي كاتبا لعبد الله بن عامر بحاجة له فضمن له قضاءها ثم لم يصنع فيها شيئا فقال أبو الأسود
( لعمرِي لقد أوصيتُ أمسِ بحاجتي ... فتى غيرَ قصدٍ عليّ ولا رَؤُفْ )
( ولا عارفٍ ما كان بيني وبينه ... ومن خير ما أدلى به المرء ما عُرِف )
( وما كان ما أمَّلْت منه ففاتني ... بأول خيرٍ من أخي ثقةٍ صُرِف )
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني محمد بن القاسم مولى بني

هشام قال حدثني أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس قال حدثني بكر بن حبيب السهمي عن أبيه وكان من جلساء أبي الأسود الدؤلي قال كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي شاعرا وكان صديقا لأبي الأسود الدؤلي فكان يهاديه الشعر ثم تغير ما بينهما فقال فيه أبو الأسود
( أبلغ أبا الجارود عني رسالةً ... يروح بها الماشي ليلقاك أو يغدو )
( فيخبرَنا ما بالُ صَرمك بعد ما ... رضيت وما غيّرت من خُلُق بعد )
( أَأَن نلت خيراً سرني حين نلته ... تنكرت حتى قلت ذو لِبدة وَرْدُ )
( فعيناك عيناه وصوتك صوته ... تُمثله لي غيرَ أنك لا تَعْدو )
( فإن كنت قد أزمعت بالصَّرم بيننا ... وقد جعلت أسباب أوّلِه تبدو )
( فإني إذا ما صاحب رَثَّ وصله ... وأعرض عني قلت بالأبعدِ الفقدُ )

وفاة ابي الأسود
وكانت وفاة أبي الأسود فيما ذكره المدائني في الطاعون الجارف سنة تسع وستين وله خمس وثمانون سنة قال المدائني وقد قيل إنه مات قبل ذلك وهو أشبه القولين بالصواب لأنا لم نسمع له في فتنة مسعود وأمر المختار بذكر وذكر مثل هذا القول بعينه والشك فيه هل أدرك الطاعون الجارف أولا عن يحيى بن معين أخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن المدائني ويحيى بن معين

صوت
( لعمرك أيها الرجل ... لأي الشكل تنتقِل )
( أتهجر آل زينب أم ... تزورهمُ فتعتدل )
( هُمُ رَكْبٌ لقُوا ركبا ... كما قد تُجْمَع السُّبُل )
( فذلك وأبنا وبذاك ... تجرى بيننا الرُسل )
الشعر لأبي نفيس بن يعلى بن منية والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى وفيه لابن سريج رمل بالوسطى ولجميلة خفيف رمل بالبنصر

أخبار أبي نفيس ونسبه
اسمه حيي بن يحيى بن يعلى بن منية وقيل بل اسم أبي نفيس يحيى بن ثعلبة بن منية ومنية أمه ذكر ذلك الزبير بن بكار عن عمرو بن يحيى بن عبد الحميد قال الزبير وكان عمي يقول اسمه ميمون بن يعلى وأمه منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان وأبوه أمية بن عبدة بن همام بن جشم بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وجدت ذلك بخط أبي محلم النسابة قال ويقال لبنى زيد بن مالك بنو العدوية وهي فكيهة بنت تميم بن الدئل بن حسل بن عدي بن عبد مناة بن تميم ولدت لمالك بن حنظلة زيدا وصديا ويربوعا فهم يدعون بني العدوية
بعض أخبار جده يعلى بن منية
وكان يعلى بن منية حليفا لبني أمية وعديدا لهم وبينه وبينهم صهر ومناسبة وقد أدرك النبي وسمع منه حديثا كثيرا وروى عنه حديثا كثيرا

وعمر بعده وكان مع عائشة يوم الجمل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
أخبرني عمي ال حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن ابي مخنف عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبي الكنود قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه منيت أو بليت بأطوع الناس في الناس عائشة وبأدهى الناس طلحة وبأشجع الناس الزبير وبأكثر الناس مالا يعلى بن منية وبأجود قريش عبد الله بن عامر فقام إليه رجل من الأنصار فقال والله يا أمير المؤمنين لأنت أشجع من الزبير وأدهى من طلحة وأطوع فينا من عائشة وأجود من ابن عامر ولمال الله أكثر من مال يعلى بن منية وليكونن كما قال الله جل وعز ( فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ) فسر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله ثم قام إليه رجل آخر منهم فقال
( أما الزّبير فأكفيكَه ... وطلحةُ يكفِيكه وَحْوحهْ )
( ويَعْلَى بن منية عند القِتال ... شدِيد التثاؤبِ والنحنحه )
( وعايّشُ يكفِيكها واعِظ ... وعائش في الناس مستنصَحه )
( فلا تجزعنّ فإن الأمور ... إذا ما أتيناك مستنجَحه )
( وما يصلح الأمر إلا بنا ... كما يصلح الجبن بالإِنْفَحَهْ )
قال فسر علي عليه السلام بقوله ودعا له وقال بارك الله فيك قال فأما الزبير فناشده علي عليه السلام فرجع فقتله بنو تميم وأما طلحة فناشده وحوحة وكان صديقه وكان من القراء فذهب لينصرف فرماه رجل من

عسكرهم فقتله
فأم ما رواه عن النبي فكثير ولكني أذكر منه طرفا كما ذكرت لغيره
أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثني محمد بن عباد المكي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى ابن منية عن أبيه أنه سمع النبي يقرأ على المنبر ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ) وقد روى يعلى عنه حديثا كثيرا اقتصرت منه على هذا لتعرف روايته عنه
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن أبي مخنف قال أقرض يعلى بن منية الزبير بن العوام حين خرج إلى البصرة في وقعة الجمل أربعين ألف دينار فقضاها ابن الزبير بعد ذلك لأن أباه قتل يومئذ ولم يقضه إياها
قال ولما صاروا إلى البصرة تنازع طلحة والزبير في الصلاة فاتفقا على أن يصلي ابن هذا يوما وابن هذا يوما وقال شاعرهم في ذلك
( تبارى الغلامانِ إذ صَلَّيَا ... وشَحَّ على الملك شيخاهما )
( وما لي وطلحةَ وابن الزبير ... وهذا بذي الجزِع مولاهما )
( فأمّهما اليوم غَرَّتهما ... ويَعلَى بن منية دلاَّهما )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى عن جده عبد الحميد قال

كان يعلى بن منية ويكنى أبا نفيس وسمعت غير جدي يقول اسمه يحيى وهو من بني العدوية من بني تميم من بني حنظلة تزوج امرأة من بني مالك بن كنانة يقال لها زينب ولهم حلف في بني غفار وهي من بنات طارق اللاتي يقلن
( نحن بنات طارِق ... نمشي على النمارِق )
فتوفيت بتهامة فقال يرثيها
( يا ربِّ ربَّ الناسَ لما نَحبوا ... وحين أفْضَلوا من مِنَّى وحَصَبوا )
( لا يُسْقَيَنَّ مَلَحٌ وعُلْيَبُ ... والمُسترادُ لا سقاه الكوكب )
( من أجل حُمّاهن ماتت زينب ... )
قال الزبير وأنشدنيها عمي مصعب لأبي نفيس بن يعلى بن منية قال واسمه ميمون وكان عمي يقول اسم أبي نفيس ميمون بن يعلى وقال في الأبيات
( لا يسقين عُنْبُبٌ وعُلْيَبُ ... )

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن يحيى عن جده غسان بن عبد الحميد قال رأت عائشة زوج النبي بنات طارق اللواتي يقلن
( نحن بنات طارِق ... نمشي على النَّمارِق )
فقالت أخطأ من يقول الخيل أحسن من النساء
قال وقالت هند بنت عتبة لمشركي قريش يوم أحد
( نحن بنات طارق ... نمشي على النمارِق )
( الدُّرُّ في المَخانِق ... والمسك في المَفارقِ )
( إن تُقْبِلوا نُعانِق ... أو تُدْبِروا نفارِق )
( فِراقَ غير وامِق ... )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن يحيى بن عبد الملك الهديري قال

جلست ليلة وراء الضحاك بن عثمان الحزامي في مسجد رسول الله وأنا متقنع فذكر الضحاك وأصحابه قول هند يوم أحد
( نحن بنات طارِق ... )
فقال وما طارق فقلت النجم فالتفت الضحاك فقال أبا زكريا وكيف بذاك فقلت قال الله عز و جل ( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب ) فقالت إنما نحن بنات النجم فقال أحسنت

صوت
( خلِيليَّ قوما في عَطَالَةَ فانظرا ... أناراً أَرَى من نحو يَبْرينَ أَم برقا )
( فإن يك برقا فهو في مُشْمَخِرَّةٍ ... تغادِر ماءً لا قليلا ولا طَرْقا )
( وإن تك نارا فهي نار بملتقًى ... من الريح تَسفِيها وتَصْفقها صَفْقا )
ويروى تزهاها وتعفقها عفقا

( لأُمِّ عليٍّ أوقَدَتْها طَماعةً ... لأَوبة سَفْر أن تكون لهم وَفْقا )
الشعر لسويد بن كراع والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي وذكره غيره أنه لابن مسحج

أخبار سويد بن كراع ونسبه
سويد بن كراع العكلي أحد بني الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عكل شاعر فارس مقدم من شعراء الدولة الأموية وكان في آخر أيام جرير والفرزدق
وذكر محمد بن سلام في كتاب الطبقات فيما أخبرنا عنه أبو خليفة قال كان سويد بن كراع شاعرا محكما وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدم فيهم وعكل وضبة وعدي وتيم هم الرباب
قال وكان بعض بني عدي ضرب رجلا من بني ضبة ثم من بني السيد وهم قوم نكد شرس وهم أخوال الفرزدق فاجتمعوا حتى ألم أن يكون بينهم شر فجاء رجل من بني عدي فأعطى يده رهينة لينظروا ما يصنع المضروب فقال خالد بن علقمة ابن الطيفان حليف بني عبد الله بن دارم

( أسالِمُ إني لا إخالك سالما ... أتيتَ بني السيِّد الغُواةَ الأشائِما )
( أسالِم إن أفلتَّ من شرّ هذه ... فوائِلْ فِراراً إنما كنتَ حالما )
( أسالم ما أعطى ابنُ مامةَ مثلها ... ولا حاتمٌ فيما بلا الناسُ حاتِما )
فقال سويد بن كراع يجيبه عن ذلك
( أشاعِر عبدِ الله إن كنتَ لائما ... فإني لما تأتي من الأمر لائِمُ )
( تُحَضِّض أفناء الرَباب سفاهَةً ... وعِرضُك موفور وليلَك نائم )
( وهل عَجَبٌ أن تدرك السيِّدُ وِترها ... وتصبِرَ للحق السَّراةُ الأكارم )
( رأيتك لم تمنع طُهَيَّةَ حكمَها ... وأعطيتَ يربوعا وأنفُك راغم )
( وأنت امرؤ لا تقبل النصحَ طائعاً ... ولكن متى تُقْهَرْ فإنك رائِم )
ووجدت هذا الخبر في رواية أبي عمرو الشيباني أتم منه هاهنا وأوضح فذكرته قال كان بين بني السيد بني مالك من ضبة وبين عدي بن عبد مناة ترام على خبراء بالصمان يقال لها ذات الزجاج فرمي عمرو بن حشفة أخو بني شبيم فمات ورمت بنو السيد رجلا منهم يقال له مدلج بن صخر العدوي فمكث أياما لم يمت فمر رجل من بني عدي يقال له معلل

على بني السيد وهو لا يعلم الخبر فأخذوه فشدوه وثاقا فأفلت منهم ومشى بينهم عصمة بن أبير التيمي سفيرا فقال لسالم بن فلان العدوي لو رهنتهم نفسك فإن مات مدلج كان رجل برجل وإن لم يمت حملت دية صاحبهم ففعل ذلك سالم على أن يكون عند أخثم بن حميري أخي بني شبيم من بني السيد فكان عنده ثم إن بني السيد لما أبطأ عليهم موت مدلج أتوا أخثم لينتزعوا منه سالما ويقتلوه فقوض عليه أخثم بيته ثم قال يا آل أمي وكانت أمه من بني عبد مناة بن بكر فمنعه عبد مناة ثم إن بني السيد قالوا لأخثم إلى كم تمنع هذا الرجل أما الدية فوالله لا نقبلها أبدا فجعل لهم أجلا إن لم يمت مدلج فيه دفع إليهم سالما فقتلوه به فلما كان قبل ذلك الأجل بيوم مات مدلج فقتلوا سالما فقال في ذلك خالد بن علقمة أخو بني عبد الله بن دارم وهو ابن الطيفان
( أسالِمُ ما مَنَّتك نفسك بعدما ... أتيت بني السيِّد الغواة الأشائِما )
( أسالم قد منتك نفسك أنما ... تكون دياتٌ ثم ترجِع سالِما )
( كذبتَ ولكن ثائِر متبسِّل ... يُلَقِّيك مصقولَ الحديدة صارِما )
( أسالم ما أَعْطَى ابنُ مامةَ مِثلَها ... ولا حاتِمُ فيما بلا الناسُ حاتما )
( أسالِم إن أفْلتَّ من شرّ هذه ... فوائِلْ فرارا إنما كنت حالِما )
( وقد أسلمتْ تيمٌ عديًّا فأَرْبَعَتْ ... ودلّت لأسباب المنيّة سالِما )
فأجابه سويد بن كراع بالأبيات التي ذكرها ابن سلام وزاد فيها أبو عمرو

( دعوتم إلى أمر النَّواكة دارِما ... فقد تركتم والنواكةَ دارِمُ )
( وكنتَ كذاتِ البَوِّ شُرِّمت استُها ... فطابقتَ لما خرّمتك الغمائم )
( فلو كنت مولى سلت ما تجللت ... به ضبع في ملتقى القوم واحِمُ )
( ولم يدرك المقتولُ إلا مجرَّه ... وما أَسْأرت منه النسورُ القَشاعم )
( عليك ابنَ عوف لا تدعه فإنما ... كفاك موالِينا الذي جرَّ سالم )
( أتذكر أقواما كفوك شئونهم ... وشأنك إلا تركَه متفاقِم )
قال وقال سويد بن كراع في ذلك
( أرى آل يربوعٍ وأفناء مالكٍ ... أعضُّوك في الحرب الحديدَ المُنَقَّبا )
( همُ رفعوا فأسَ اللجام فأدركت ... لَهاتَك حتى لم تَدعْ لك مَشْرَبا )
( فإن عُدْت عادوا بالتي ليس فوقها ... من الشرّ إلا أن تبيتَ محجَّبا )
( وتصبح تُدْرَى الكُعْكُبِيََّة قاعدا ... ويُنتَف من لِيَتْيك ما كان أزغبا )
تدري تمشط بالمدرى كما يفعل بالنساء والكعكبية مشطة معروفة
( فهل سألوا فينا سَواءَ الذي لهم ... وهل نحن أَعطَينا سِواه فَتعْجَبا )

ويروى
( فهل سألونا خَصلة غيرَ حقهم ... )
وهو أجود
قال فاستعدت بنو عبد الله سعيد بن عثمان بن عفان على سويد بن كراع في هجائه إياهم فطلبه ليضربه ويحبسه فهرب منه ولم يزل متواريا حتى كلم فيه فأمنه على ألا يعاود فقال سويد بن كراع
( تقول ابنةُ العوفيّ ليلَى ألا ترى ... إلى ابن كراعٍ لا يزال مُفَزَّعا )
( مخافةُ هذين الأميرين سهَّدتْ ... رُقادي وغَشَّتني بياضا تفرَّعا )
( على غير جُرْم غيرَ أنْ جارَ ظالِمٌ ... عليّ فجهزت القصيدَ المفرّعا )
( وقد هابني الأقوام لمّا رميتُهم ... بفاقِرةٍ إن همَّ أن يتشجعا )
( أبِيتُ بأبواب القوافي كأنما ... أُصادِي بها سِرباً من الوحش نُزَّعا )
( أُكالِئُها حتى أعَرِّسَ بعدما ... يكون سُحَيْرٌ أو بُعَيْدُ فأهجعا )
( فجشَّمني خوفُ ابن عثمان رَدّها ... ورِعْيَتَها صيفاً جديداً ومَربَعا )
( نهاني ابنُ عثمان الإِمام وقد مضت ... نوافِذ لو تَرْدِي الصفا لتصدعا )
( عوارِقُ ما يَتركْن لَحماً بعَظْمه ... ولا عظمَ لحم دون أن يتمزَّعا )

( أحقًّا هداك الله أن جار ظالم ... فأنكَر مظلوم بأن يؤخذا معا )
( وأنت ابنُ حُكّام أقاموا وقَوَّموا ... قُرُونا وأعطَوا نائلا غيرَ أقطعا )

ينتجع بقومه أرض بني تميم
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال
انتجع سويد بن كراع بقومه أرض بني تميم فجاور بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم فأنزله بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن أنف الناقة بن قريع وأرعاه ووصله وكساه فلم يزل مقيما فيهم حتى أحيا ثم ودعهم وأتى بغيضا وهو في نادي قومه وقد مدحه فأنشده قوله
قال حماد ومن لا يعلم يروي هذه القصيدة للحطيئة لكثرة مدحه بغيضا وهي لسويد بن كراع
( اِرتعتُ للزَّورِ إذ حيَّا وأرقَّني ... ولم يكن دانيا منا ولا صَدَدا )
( ودونه سَبْسَبٌ تُنْضَى المطى به ... حتى ترى العَنْسَ تُلْقِى رحلها الأجُدَا )
( إذا ذكرتِك فاضت عبرَتي دِرَراً ... وكاد متكومُ قلبي يَصدع الكبِدا )
( وذاك منّي هوىً قد كان أَضَمرَه ... قلبي فما ازداد من نقص ولا نفِذا )

( وقد أرانا وحالُ الناس صالحةٌ ... نحتلُّ مربوعةً أُدمانَ أو بَرَدَى )
( ليت الشباب وذاك العصر راجعَنا ... فلم نزل كالذي كنا به أبدا )
( أيام أعلم كم أعملتُ نحوكُمُ ... من عِرمِسٍ عاقِدٍ لم تَرْأَمِ الولدا )
( تُصيخ عند السُّرى في البيد ساميةً ... سطعاءَ تنهض في مِيتائِها صُعُدا )
( كأن رَحلي على حُمْشٍ قوائمه ... برمل عِرْنانَ أمسى طاويا وحِدا )
( هاجت عليه من الجوزاء سارِيةٌ ... وَطْفاء تحمِل جَوْنا مُرْدفا نَضَدا )
( فألجأتْه إلى أرْطاةِ عانكةٍ ... فَيْحاءَ ينهال منها تُرْبُ ما التبدا )
( تخال عِطْفيه من جَوْل الرَّذاذِ به ... منظَّما بِيدَيْ داريَةٍ فَرَدا )
( حتى إذا ما انجلت عنه دُجُنَّتُه ... وكشَّف الصبحُ عنه الليلَ فاطَّردا )

( غدا كذي التاج حلَّته أساوِرةٌ ... كأنما اجتاب في حَرِّ الضحى سَنَدا )
وهي طويلة اختصرتها يقول فيها
( لا يُبْعد اللهُ إذ ودَّعت أَرضَهمُ ... أخي بَغيضا ولكن غيرُه بَعُدا )
( لا يبعد اللهُ من يعطي الجزيل ومن ... يحبو الخليل وما أكدَى وما صَلَدا )
( ومن تُلاقيه بالمعروف معترفا ... إذا أجْرَهَدَّ صفا المذمومِ أو صلَدا )
( لاقيتُه مُفْضِلا تَنْدَى أناملُه ... إن يُعطك اليومَ لا يمنعْك ذاك غدا )
( تجيء عفوا إذا جاءت عطيّتُه ... ولا تخالِطُ تَرْنِيقاً ولا زَهَدا )
( أَوْلاهُ بالمَفخَر الأعلى وأعظَمُه ... خُلقا وأَوسَعُه خيرا ومُنتفَدا )
( إذا تكلّف أقوامٌ صنائِعَه ... لاقَوا ولم يُظْلَموا مِن دونها صَعَدا )
( بَحْرٌ إذا نَكَسَ الأقوامُ أو ضَجِروا ... لاقَيتَ خيرَ يديه دائما رَغَدا )
( لا يَحسِبُ المدحَ خَدْعا حين تَمدَحه ... ولا يَرَى البُخلَ منهاه له أبدا )
( إنِّي لَرافِدُه وُدِّي ومَنْصَرتي ... وحافِظٌ غيبَه إن غاب أو شَهِدا )

صوت
( حَنَتْني حانياتُ الدهرِ حتّى ... كأنّي خاتِلٌ يدنوا لِصَيّدِ )
( قريبُ الخَطْوِ يَحسِبُ من رآني ... ولستُ مقيَّدا أنِّي بقَيْدِ )

عروضه من الوافر الخاتل الذي يتقتر للصيد وينحني حتى لا يرى ويقال لكل من أراد خداع صيد أو إنسان ختله ورى أمره فلم يظهره ومن رواه كأني حابل فإنه يعني الذي ينصب حبالة للصيد الشعر لأبي الطمحان القيني والغناء لإبراهيم ماخوري وهو خفيف الثقيل الثاني بالوسطى وذكر ابن حبيب أن هذا الشعر للمسجاح بن سباع الضبي فإن كن ذلك على ما قال فلأبي الطمحان ما يغني فيه من شعره ولا يشك فيه أنه له قوله
صوت
( أضَاءَتْ لَهُمْ أحسابُهُمْ ووُجُوهُهُمْ ... دُجَى اللَّيْلِ حَتّى نَظَّمَ الجزعَ ثاقِبُهْ )
الغناء لعريب ثاني ثقيل وخفيف رمل وذكر ابن المعتز أن خفيف الرمل لها وأن الثقيل الثاني لغيرها

تم الجزء الثاني عشر ويليه الجزء الثالث عشر
وأوله أخبار أبي الطمحان القيني

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبار أبي الطمحان القيني
ّ
أبو الطمحان اسمه حنظلة بن الشرقي أحد بني القين بن جسر بن شيع الله من قضاعة وقد تقدم هذا النسب في عدة مواضع من الكتاب في أنساب شعرائهم
وكان أبو الطمحان شاعرا فارسا خاربا صعلوكا وهو من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام فكان خبيث الدين فيهما كما يذكر وكان تربا للزبير بن عبد المطلب في الجاهلية ونديما له أخبرنا بذلك أبو الحسن الأسدي عن الرياشي عن أبي عبيدة
قيسبة السكوني يقع في أسر بني عقيل
ومما يدل على أنه قد أدرك الجاهلية ما ذكره ابن الكلبي عن أبيه قال خرج قيسبة بن كلثوم السكوني وكان ملكا يريد الحج وكانت العرب تحج في الجاهلية فلا يعرض بعضها لبعض فمر ببني عامر بن عقيل فوثبوا

عليه فأسروه وأخذوا ماله وما كان معه وألقوه في القد فمكث فيه ثلاث سنين وشاع باليمن أن الجن استطارته فبينا هو في يوم شديد البرد في بيت عجوز منهم إذ قال لها أتأذنين لي أن آتي الأكمة فأتشرق عليها فقد أضر بي القر فقالت له نعم وكانت عليه جبة من حبرة لم يترك عليه غيرها فتمشى في أغلاله وقيوده حتى صعد الأكمة ثم أقبل يضرب ببصره نحو اليمن وتغشاه عبرة فبكى ثم رفع طرفه إلى السماء وقال اللهم ساكن السماء فرج لي مما أصبحت فيه فبينا هو كذلك إذ عرض له راكب يسير فأشار إليه أن أقبل فأقبل الراكب فلما وقف عليه قال له ما حاجتك يا هذا قال أين تريد قال أريد اليمن قال ومن أنت قال أنا أبو الطمحان القيني فاستعبر باكيا فقال له أبو الطمحان من أنت فإني أرى عليك سيما الخير ولباس الملوك وأنت بدار ليس فيها ملك قال أنا قيسبة بن كلثوم السكوني خرجت عام كذا وكذا أريد الحج فوثب علي هذا الحي فصنعوا بي ما ترى وكشف عن أغلاله وقيوده فاستعبر أبو الطمحان فقال له قيسبة

هل لك في مائة ناقة حمراء قال ما أحوجني إلى ذلك قال فأنخ فأناخ ثم قال له أمعك سكين قال نعم قال ارفع لي عن رحلك فرفع له عن رحله حتى بدت خشبة مؤخره فكتب عليها قيسبة بالمسند وليس يكتب به غير أهل اليمن - خفيف -
( بَلِّغا كِنْدَةَ الملوكَ جميعاً ... حيثُ سارت بالأكرمِين الجِمالُ )
( أنْ رِدُوا العَيْنَ بالخمِيسِ عِجالاً ... واصدُروا عنه والرَّوايا ثِقال )
( هَزِئَتْ جارتِي وقالت عجيباً ... إذ رأَتْني في جِيدِيَ الأغلال )
( إن تَرَيْنِي عارِي العِظامِ أسيراً ... قد بَراني تَضَعْضُعٌ واخْتلال )
( فلقد أقْدُم الكَتِيبةَ بالسيفِ ... عليَّ السلاحُ والسِرْبال ) - خفيف -
وكتب تحت الشعر إلى أخيه أن يدفع إلى أبي الطمحان مائة ناقة ثم قال له أقرئ هذا قومي فإنهم سيعطونك مائة ناقة حمراء فخرج تسير به

ناقته حتى أتى حضرموت فتشاغل بما ورد له ونسي أمر قيسبة حتى فرغ من حوائجه ثم سمع نسوة من عجائز اليمن يتذاكرن قيسبة ويبكين فذكر أمره فأتى أخاه الجون بن كلثوم وهو أخوه لأبيه وأمه فقال له يا هذا إني أدلك على قيسبة وقد جعل لي مائة من الإبل قال له فهي لك فكشف عن الرحل فلما قرأه الجون أمر له بمائة ناقة ثم أتى قيس بن معد يكرب الكندي أبا الأشعث بن قيس فقال له يا هذا إن أخي في بني عقيل أسير فسر معي بقومك فقال له أتسير تحت لوائي حتى أطلب ثأرك وأنجدك وإلا فامض راشدا فقال له الجون مس السماء أيسر من ذلك وأهون علي مما خيرته وضجت السكون ثم فاءوا ورجعوا وقالوا له وما عليك من هذا هو ابن عمك ويطلب لك بثأرك فأنعم له بذلك وسار قيس وسار الجون معه تحت لوائه وكندة والسكون معه فهو أول يوم اجتمعت فيه السكون وكندة لقيس وبه أدرك الشرف فسار حتى أوقع بعامر بن عقيل فقتل منهم مقتلة عظيمة واستنقذ قيسبة وقال في ذلك سلامة بن صبيح الكندي - السريع -
( لا تَشْتِمُونا إذا جَلبْنا لكُمْ ... أَلْفَيْ كُمَيْتٍ كلُّها سَلْهَبهْ )

( نحن أَبَلْنا الخيلَ في أرضِكُمْ ... حتى ثَأَرْنا منكمُ قَيْسَبة )
( واعترضتْ من دُونِهمْ مَذْحِجٌ ... فصادَفوا من خيلِنا مَشْغَبه ) - السريع -
حدثنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال
بلغني أن أبا الطمحان القيني قيل له وكان فاسقا خاربا ما أدنى ذنوبك قال ليلة الدير قيل له وما ليلة الدير قال نزلت بديرانية فأكلت عندها طفيشلا بلحم خنزير وشربت من خمرها وزنيت بها وسرقت كساءها ثم انصرفت عنها
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال جنى أبو الطمحان القيني جناية وطلبه السلطان فهرب من بلاده ولجأ إلى بني فزارة فنزل على رجل منهم يقال له مالك بن سعد أحد بني شمخ فآواه وأجاره وضرب عليه بيتا وخلطه بنفسه فأقام مدة ثم تشوق يوما إلى أهله وقد شرب شرابا ثمل منه فقال لمالك لولا أن يدي تقصر عن دية جنايتي لعدت إلى أهلي فقال له هذه إبلي فخذ

منها دية جنايتك واردد ما شئت فلما أصبح ندم على ما قاله وكره مفارقة موضعه ولم يأمن على نفسه فأتى مالكا فأنشده - وافر -
( سأمدَحُ مالِكاً في كلِّ ركبٍ ... لَقِيتُهُمُ وأترُكُ كل رَذْلِ )
( فما أنا والبِكارةُ أو مَخاضٌ ... عِظامٌ جِلَّةٌ سُدُسٌ وبُزْلِ )
( وقد عَرَفَتْ كلابُكُمُ ثِيابي ... كأنِّي منكمُ ونَسِيتُ أهلي )
( نَمَتْ بكَ مِن بَنِي شَمْخٍ زِنادٌ ... لها ما شئْتَ من فَرْعٍ وأصلِ ) - وافر -
قال فقال مالك مرحبا فإنك حبيب ازداد حبا إنما اشتقت إلى أهلك وذكرت أنه يحبسك عنهم ما تطالب به من عقل أو دية فبذلت لك ما بذلت وهو لك على كل حال فأقم في الرحب والسعة فلم يزل مقيما عندهم حتى هلك في دارهم

اعتذاره لامرأته من ركوبه الأهوال
قال أبو عمرو في هذه الرواية وأخبرني أيضا بمثله محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال عاتبت

أبا الطمحان القيني امرأته في غاراته ومخاطرته بنفسه وكان لصاً خاربا خبيثاً وأكثرت لومه على ركوب الأهوال ومخاطرته بنفسه في مذاهبه فقال لها - طويل -
( لو كنتُ في رَيْمانَ تَحْرُسُ بابَه ... أَراجِيلُ أُحْبوشٌ وأَغْضَفُ آلِفُ )
( إذاً لأتَتْنِي حيثُ كنتُ مَنِيَّتِي ... يَخُبُّ بها هادٍ بأَمرِيَ قائفُ )
( فمِنْ رَهْبَةٍ آتِي المتَالِفَ سادِراً ... وأيَّةُ أرض ليس فيها مَتالِف )
فأما البيت الذي ذكرت من شعره أنّ فيه لعريب صنعة وهو - طويل -
( أضاءَتْ لهمْ أحسابُهمْ ووُجوهُهمْ ... ) - طويل -
فإنه من قصيدة له مدح بها بجير بن أوس بن حارثة بن لأم الطائي وكان أسيرا في يده فلما مدحه بهذه القصيدة أطلقه وجز ناصيته فمدحه بعد هذا بعدة قصائد وأول هذه الأبيات - طويل -
( إذا قيل أيُّ الناس خَيرٌ قَبيلةً ... وأصبَرُ يوماً لا تَوَارَى كَواكِبُهْ )

( فإنَّ بني لأَمِ بن عَمْروٍ أُرُومةٌ ... عَلَتْ فوقَ صَعْب لا تُنالُ مَرَاقِبُهْ )
( أضَاءتْ لهمْ أحسابهُمْ ووُجوهُهمْ ... دُجَى الليل حتى نَظَّم الجِزْعَ ثاقِبُهْ )
( لهم مَجْلِسٌ لا يَحْصَرون عن النَّدَى ... إذا مَطْلَبُ المعروف أَجْدَبَ راكبه ) - طويل -

أسر أبي الطمحان في الحرب بين جديلة والغوث
وأما خبر أسره والواقعة التي أسر فيها فإن علي بن سليمان الأخفش أخبرني بها عن أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي قال كان أبو الطمحان القيني مجاورا في جديلة من طيء وكانت قد اقتتلت بينها وتحاربت الحرب التي يقال لها حرب الفساد وتحزبت حزبين حزب

جديلة وحزب الغوث وكانت هذه الحرب بينهم أربعة أيام ثلاثة منها للغوث ويوم لجديلة فأما اليوم الذي كان لجديلة فهو يوم ناصفة وأما الثلاثة الأيام التي كانت للغوث فإنها يوم قارات حوق ويوم البيضة ويوم عرنان وهو آخرها وأشدها وكان للغوث فانهزمت جديلة هزيمة قبيحة وهربت فلحقت بكلب وحالفتهم وأقامت فيهم عشرين سنة وأسر أبو الطمحان في هذه الحرب أسره رجلان من طيء واشتركا فيه فاشتراه منهما بجير بن أوس بن حارثة لما بلغه قوله - طويل -
( أَرِقْتُ وآبَتْني الهمومُ الطَّوارِقُ ... ولم يلْقَ ما لاقَيْتُ قبليَ عاشقُ )
( إليكُمْ بني لأْمٍ تخُبُّ هِجانُها ... بكلِّ طريق صادَفَتْه شَبارِق )
( لَكُمْ نائلٌ غَمْرٌ وأحلامُ سادةٍ ... وألسِنةٌ يومَ الخِطاب مَسالق )
( ولم يَدْعُ داعٍ مِثلَكُمْ لعَظيمةٍ ... إذا وَزَمتْ بالساعدَيْن السَّوارق ) - طويل -
السوارق الجوامع واحدتها سارقة

قال فابتاعه بجير من الطائيين بحكمهما فجز ناصيته وأعتقه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال كان أبو الطمحان القيني مجاورا لبطن من طيئ يقال لهم بنو جديلة فنطح تيس له غلاما منهم فقتله فتعلقوا أبا الطمحان وأسروه حتى يؤدي ديته مائة من الإبل وجاءهم نزيله وكان يدعى هشاما ليدفع عنه فلم يقبلوا قوله فقال أبو الطمحان - طويل -
( أتاني هِشامٌ يَدفَعُ الضَّيْمَ جاهِداً ... يقول ألاَ ماذا تَرَى وتَقولُ )
( فقلت له قُمْ يا لَكَ الخيرُ أَدَّها ... مُذلَّلةً إنّ العَزيزَ ذَليل )
( فإن يكُ دُونَ القَيْن أغبرُ شامخٌ ... فليس إلى القَيْن الغَداةَ سبيل ) - طويل -
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك عن إسحاق قال دخلت يوما على المأمون فوجدته حائرا متفكرا غير نشيط فأخذت أحدثه بملح الأحاديث وطرفها أستميله لأن يضحك أو ينشط فلم يفعل وخطر ببالي بيتان فأنشدته إياهما وهما - طويل -
( ألاَ عَلِّلاني قبلَ نَوْح النَّوائِح ... وقبلَ نُشوز النفس بين الجَوانحِ )

( وقبل غدٍ يا لَهْفَ نفسي على غدٍ ... إذ راح أصحابي ولستُ برائح ) - طويل -
فتنبه كالمتفزِّع ثم قال من يقول هذا ويحك قلت أبو الطمحان القيني يا أمير المؤمنين قال صدق والله أعدهما علي فأعدتهما عليه حتى حفظهما ثم دعا بالطعام فأكل ودعا بالشراب فشرب وأمر لي بعشرين ألف درهم

اعتذار الحسن لعبد الملك
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثني أحمد بن الحارث الخراز قال حدثني المدائني قال عاتب عبد الملك بن مروان الحسن بن الحسن عليهما السلام على شيء بلغه عنه من دعاء أهل العراق إياه إلى الخروج معهم على عبد الملك فجعل يعتذر إليه ويحلف له فقال له خالد بن يزيد بن معاوية يا أمير المؤمنين ألا تقبل عذر ابن عمك وتزيل عن قلبك ما قد أشربته إياه أما سمعت قول أبي الطمحان القيني - طويل -
( إذا كان في صدر ابنِ عَمِّكَ إحْنَةٌ ... فلا تَسْتَثِرها سوف يَبْدو دَفينُها )
( وإنْ حَمْأَةَ المعروفِ أعطاك صَفْوَها ... فخُذْ عَفْوَه لا يَلْتبِسْ بك طِينُها ) - طويل -
قال المدائني ونزل أبو الطمحان على الزبير بن عبد المطلب بن هاشم وكانت العرب تنزل عليه فطال مقامه لديه واستأذنه في الرجوع إلى أهله وشكا إليه شوقا إليهم فلم يأذن له وسأله المقام فأقام عنده مدة ثم أتاه فقال له
( ألاَ حَنَّت المِرْقالُ وائْتبَّ ربُّها ... تَذَكَّرُ أوطاناً وأَذْكرُ مَعْشَري )

( ولو عَرَفتْ صَرْفَ البُيُوْع لَسَرَّهَا ... بمكةَ أنْ تَبْتاعَ حَمْضاً بإذْخرِ )
( أسَرَّكِ لو أنّا بجَنْبَيْ عُنَيزةٍ ... وحَمْضٍ وضُمران الجنَابِ وصَعْتَرِ )
( إذا شاء راعيها استقَى من وَقيعةٍ ... كعَيِن الغُرابِ صَفْوُها لم يُكَدَّر ) - طويل -
فلما أنشده إياها أذن له فانصرف وكان نديما له

صوت
( لا يَعْتَرِي شَرْبَنا اللِّحاءُ وقَدْ ... تُوهَبُ فينا القِيانُ والحلَلُ )
( وفِتيةٍ كالسّيوفِ نادَمتُهُمْ ... لاحَصَرٌ فيهِمُ ولا بَخَلُ ) - منسرح -
الشعر للأسود بن يعفر والغناء لسليم خفيف ثقيل أول بالبنصر

أخبار الأسود ونسبه
الأسود بن يعفر ويقال يعفر بضم الياء ابن عبد الأسود بن جندل ابن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وأم الأسود بن يعفر رهم بنت العباب من بني سهم بن عجل شاعر متقدم فصيح من شعراء الجاهلية ليس بالمكثر وجعله محمد بن سلام في الطبقة

الثامنة مع خداش بن زهير والمخبل السعدي والنمر بن تولب العكلي وهو من العشي ويقال العشو بالواو المعدودين في الشعراء وقصيدته الدالية المشهورة
( نامَ الخَليُّ وما أُحِسُّ رُقادي ... والهمُّ مُحتَضِرٌ لَدَيَّ وِسادي ) - كامل -
معدودة من مختار أشعار العرب وحكمها مفضلية مأثورة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي وأبو الحسن أحمد بن محمد الأسدي قالا حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال تقدم رجل من أهل البصرة من بني دارم إلى سوار بن عبد الله ليقيم عنده شهادة فصادفه يتمثل قول الأسود بن يعفر
( ولقد علمْتُ لَوَ أنَّ عِلميَ نافِعِي ... أنّ السَّبيلَ سَبيلُ ذي الأعْواد )

( إنّ المنِيَّة والحُتُوفَ كلاهما ... يُوفِي المخَارِمَ يَرْمِيانِ سَوادي )
( ماذا أُؤَمِّلُ بعد آلِ مُحَرِّقٍ ... تَركوا مَنازلَهُمْ وبَعْدَ إياد )
( أهلِ الخَوَرْنَق والسَّدِير وبارِقٍ ... والقصرِ ذي الشُّرُفَات من سِنداد )

( نَزَلُوا بِأَنْقِرَةٍ يَفيض عليهمُ ... ماءُ الفُرات يَفيض من أَطْوَاد )
( جَرَتِ الرياحُ على محلِّ دِيارهمْ ... فكأنّما كانوا على مِيعادِ ) - كامل -
ثم أقبل على الدارمي فقال له أتروي هذا الشعر قال لا قال أفتعرف من يقوله قال لا قال رجل من قومك له هذه النباهة وقد قال مثل هذه الحكمة لا ترويها ولا تعرفه يا مزاحم أثبت شهادته عندك فإني متوقف عن قبوله حتى أسأل عنه فإني أظنه ضعيفا
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن الرياشي عن أبي عبيدة بمثله

جائزة الرشيد لمن يروي نام الخلي
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحكم بن موسى السلولي قال حدثني أبي قال بينا نحن بالرافقة على باب الرشيد وقوف وما أفقد أحدا من وجوه العرب من أهل الشام والجزيرة والعراق إذ خرج وصيف كأنه درة فقال يا معشر الصحابة إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم من كان منكم يروي قصيدة الأسود بن يعفر كامل
( نام الخَليَّ وما أُحسُّ رُقادِي ... والهمُّ مُحْتَضِرٌ لَدَىَّ وِسادِي ) - كامل -
فليدخل فلينشدها أمير المؤمنين وله عشرة آلاف درهم فنظر بعضنا إلى بعض ولم يكن فينا أحد يرويها قال فكأنما سقطت والله البدرة عن

قربوسي قال الحكم فأمرني أبي فرويت شعر الأسود بن يعفر من أجل هذا الحديث

التمثل بشعر الأسود
أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن المدائني قال حدثنا أبو أمية بن عمرو بن هشام الحراني قال حدثنا محمد بن يزيد بن سنان قال حدثني جدي سنان بن يزيد قال كنت مع مولاي جرير بن سهم التميمي وهو يسير أمام علي بن أبي طالب عليه السلام ويقول
( يا فَرَسِي سِيري وأُمِّي الشاما ... وخَلِّفِي الأخوالَ والأعماما )
( وقطِّعي الأجْوازَ والأعلاما ... وقَاتِلي مَن خالفَ الإِماما )
( إني لأرجو إنْ لَقِينا العاما ... جَمْعَ بني أُمَيَّةَ الطَّغاما )
( أنْ نَقْتُلَ العاصيَ والهُماما ... وأن نُزِيلَ من رِجالٍ هاما ) - رجز -
فلما انتهى إلى مدائن كسرى وقف علي عليه السلام ووقفنا فتمثل مولاي قول الأسود بن يعفر
( جَرَتِ الرِّياحُ على مَكانِ دِيارهمْ ... فكأنَّما كانوا على مِيعادِ ) - كامل -
فقال له علي عليه السلام فلم لم تقل كما قال الله جل وعز ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ) ثم قال يا بن أخي إن هؤلاء كفروا النعمة فحلت بهم النقمة فإياكم وكفر النعمة فتحل بكم النقمة

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال مر عمر بن عبد العزيز ومعه مزاحم مولاه يوما بقصر من قصور آل جفنة وقد خرب فتمثل مزاحم بقول الأسود بن يعفر
( جَرَتِ الرِّياحُ على مَحلِّ دِيارهمْ ... فكأنَّما كانوا على مِيعادِ )
( ولقد غَنُوا فيها بأنْعَمِ عِيشةٍ ... في ظِلِّ مُلْكٍ ثابتِ الأوْتادِ )
( فإذا النَّعيمُ وكلُّ ما يُلْهَى به ... يوماً يَصِيرُ إلى بِلًى ونَفادِ ) - كامل -
فقال له عمر هلا قرأت ( كم تركوا من جنات وعيون ) إلى قوله جل وعز ( كذلك أورثناها قوما آخرين )
نسخت من كتاب محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال
كان الأسود بن يعفر مجاورا في بني قيس بن ثعلبة ثم في بني مرة بن عباد بالقاعة فقامرهم فقمروه حتى حصل عليه تسعة عشر بكرا فقالت لهم أمه وهي رهم بنت العباب يا قوم أتسلبون ابن أخيكم ماله قالوا فماذا نصنع قالت احبسوا قداحه فلما راح القوم قالوا له أمسك فدخل ليقامرهم فردوا قداحه فقال لا أقيم بين قوم لا أضرب فيهم بقدح فاحتمل قبل دخول الأشهر الحرم فأخذت إبله طائفة من بكر بن وائل فاستسعى الأسود بني مرة بن عباد وذكرهم الجوار وقال لهم

( يالَ عُبَادٍ دَعوةً بعد هَجْمةٍ ... فهل فيكُم من قوّة وزَماعِ )
( فَتسْعوْا لجارٍ حلَّ وَسْطَ بُيوتكمْ ... غريبٍ وجاراتٍ تُرِكْن جِياعِ ) - طويل -
وهي قصيدة طويلة فلم يصنعوا شيئا فادعى جوار بني محلم بن ذهل ابن شيبان فقال
( قلْ لبني مُحَلَّمٍ يَسيروا ... بِذمّةٍ يَسْعَى بها خَفيرُ )
( لا قَدْحَ بعد اليوم حتى تُورُوا ... ) - رجز -
ويروى إن لم توروا فسعوا معه حتى استنقذوا إبله فمدحهم بقصيدته التي أولها
( أجارَتَنا غُضِّي من السَّيْر أو قِفِي ... وإن كنتِ قد أَزْمَعْتِ بالبَيْن فاصْرِفي )
( أسائِلْكِ أو أخْبِرْكِ عن ذي لُبانةٍ ... سَقِيمِ الفُؤاد بالحِسانِ مُكَلَّف )
يقول فيها
( تَدارَكَني أسبابُ آلِ مُحَلَّمٍ ... وقد كدْتُ أَهْوِي بين نِيقَيْنِ نَفْنَفِ )
( همُ القومُ يمُسِي جارُهُمْ في غَضارةٍ ... سَوياًّ سَليمَ اللَّحم لم يُتحوَّفِ ) - طويل -
فلما بلغتهم أبياته ساقوا إليه مثل إبله التي استنقذوها من أموالهم

سعيه في رد الإبل لطلحة
قال المفضل كان رجل من بني سعد بن عوف بن مالك بن حنظلة يقال له طلحة جارا لبني ربيعة بن عجل بن لجيم فأكلوا إبله فسأل في قومه حتى أتى الأسود بن يعفر يسأله أن يعطيه ويسعى له في إبله فقال له الأسود لست جامعهما لك ولكن اختر أيهما شئت قال أختار أن تسعى لي بإبلي فقال الأسود لأخواله من بني عجل
( يا جارَ طلْحَة هلْ تَرُدُّ لَبُونَهُ ... فتكونَ أدْنَى للوَفاء وأَكرَمَا )
( تاللهِ لو جاوَرْتُموه بأرْضِه ... حتّى يُفارِقَكم إذاً ما أَجْرمَا ) - طويل -
وهي قصيدة طويلة فبعث أخواله من بني عجل بإبل طلحة إلى الأسود ابن يعفر فقالوا أما إذا كنت شفيعه فخذها وتول ردها لتحرز المكرمة عنده دون غيرك
إغارته على كاظمة ومرضه
وقال ابن الأعرابي قتل رجلان من بني سعد بن عجل يقال لهما وائل وسليط ابنا عبد الله عما لخالد بن مالك بن ربعي النهشلي يقال له عامر بن ربعي وكان خالد بن مالك عند النعمان حينئذ ومعه الأسود بن يعفر فالتفت النعمان يوما إلى خالد بن مالك فقال له أي فارسين في العرب تعرف هما أثقل على الأقران وأخف على متون الخيل فقال له أبيت اللعن أنت أعلم فقال خالا ابن عمك الأسود بن يعفر وقاتلا عمك عامر بن ربعي يعني العجليين وائلا وسليطا فتغير لون خالد بن مالك وإنما أراد النعمان أن يحثه على الطلب بثأر عمه فوثب الأسود فقال أبيت اللعن عض بهن أمه

من رأى حق أخواله فوق حق أعمامه ثم التفت إلى خالد بن مالك فقال يا بن عم الخمرعلي حرام حتى أثأر لك بعمك قال وعلي مثل ذلك ونهضا يطلبان القوم فجمعا جمعا من بني نهشل بن دارم فأغارا بهم على كاظمة وأرسلا رجلا من بني زيد بن نهشل بن دارم يقال له عبيد بتجسس لهم الخبر فرجع إليهم فقال جوف كاظمة ملآن من حجاج وتجار وفيهم وائل وسليط متساندان في جيش فركبت بنو نهشل حتى أتوهم فنادوا من كان حاجا فليمض لحجه ومن كان تاجرا فليمض لتجارته فلما خلص لهم وائل وسليط في جيشهما اقتتلوا فقتل وائل وسليط قتلهما هزان ابن زهير بن جندل بن نهشل عادى بينهما وادعى الأسود بن يعفر أنه قتل وائلا ثم عاد إلى النعمان فلما رآه تبسم وقال وفي نذرك يا أسود قال نعم أبيت اللعن ثم أقام عنده مدة ينادمه ويؤاكله ثم مرض مرضا شديدا فبعث النعمان إليه رسولا يسأله عن خبره وهول ما به فقال
( نَفْعٌ قليل إذ نادَى الصَّدَى أُصُلاً ... وحانَ منه لِبردِ الماءِ تَغْريدُ )
( وودَّعوني فقالوا ساعةَ انطَلَقوا ... أوْدَى فأودَى النَّدَى والحزمُ والجُود )
( فما أُبالي إذا ما مُتُّ ما صَنَعُوا ... كلُّ امرئ بسبيل الموتِ مَرْصود ) - بسيط -
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني بأثره عن أبيه قال
كان أبو جعل أخو عمرو بن حنظلة من البراجم قد جمع جمعا من

شذاذ أسد وتميم وغيرهم فغزوا بني الحارث بن تيم الله بن ثعلبة فنذروا بهم وقاتلوهم قتالا شديدا حتى فضوا جمعهم فلحق رجل من بني الحارث ابن تيم الله بن ثعلبة جماعة من بني نهشل فيهم جراح بن الأسود بن يعفر والحر بن شمر بن هزان بن زهير بن جندل ورافع بن صهيب بن حارثة بن جندل وعمرو والحارث ابنا حرير بن سلمى بن جندل فقال لهم الحارثي هلم إلي طلقاء فقد أعجبني قتالكم سائر اليوم وأنا خير لكم من العطش قالوا نعم فنزل ليجز نواصيهم فنظر الجراح بن الأسود إلى فرس من خيلهم فإذا هي أجود فرس في الأرض فوثب فركبها وركضها ونجا عليها فقال الحارثي للذين بقوا معه أتعرفون هذا قالوا نعم نحن لك علية خفراء فلما أتى جراح أباه أمره فهرب بها في بني سعد فابتطنها ثلاثة أبطن وكان يقال لها العصماء فلما رجع النفر النهشليون إلى قومهم قالوا إن خفراء فارس العصماء فوالله لنأخذنها فأوعدوه وقال حرير ورافع نحن الخفيران بها وكان بنو جرول حلفاء بني سلمى بن جندل على بني حارثة بن جندل فأعانه على ذلك التيحان بن بلج بن جرول بن نهشل فقال الأسود بن يعفر يهجوه
( أتاني ولم أَخشَ الذي ابْتُعثا به ... خَفِيرَا بني سَلْمَى حُرَيرٌ ورافعُ )
( همُ خَيَّبوني يومَ كلِّ غَنِيمةٍ ... وأهلكتُهمْ لَوْ أنَّ ذلك نافعُ )
( فلا أنا مُعْطِيهمْ عليَّ ظُلامةً ... ولا الحقَّ مَعْرُوفاً لهمْ أنا مانِعُ )
( وإني لأَقرِي الضيفَ وَصَّى به أبِي ... وجارُ أبي التَّيحانِ ظمآنُ جائعُ )

( فقُولاَ لتَيْحانَ ابنِ عاقِرِة اسْتِها ... أَمُجْرِ فَلاقِي الغَيِّ أمْ أنتَ نازعُ )
( ولَوْ أَنَّ تَيْحان بنَ بَلْج أطاعني ... لأرشدْتهُ وللأمور مَطالعُ )
( وإنْ يَكُ مَدلولاً عَليَّ فإنَّني ... أخو الحَرْبِ لا قَحْمٌ ولا مُتَجاذِعُ )
( ولكنَّ تَيْحانَ ابنَ عاقِرةِ استِها ... له ذَنَبٌ من أمْرِه وتَوابعُ ) - طويل -
قال فلما رأى الأسود أنهم لا يقلعون عن الفرس أو يردوها أحلفهم عليها فحلفوا أنهم خفراء لها فرد الفرس عليهم وأمسك أمهارها فردوا الفرس إلى صاحبها ثم أظهر الأمهار بعد ذلك فأوعدوه فيها أن يأخذوها فقال الأسود
( أحقًّا بني أبناءِ سَلْمَى بنِ جَنْدَلٍ ... وَعيدُكُمُ إيايَ وَسْطَ المجالسِ )
( فهلاّ جَعلتُمْ نحوَهُ من وَعِيدِكُمْ ... على رَهْطِ قَعْقاعٍ ورهطِ ابنِ حابِس )
( هُمُ مَنعوا منكُمْ تُراثَ أبيكُمُ ... فصار التُّراثُ للكرام الأكايس )
( هُمُ أَوْرَدوكُمْ ضَفَّةَ البحرِ طامِيًا ... وهُمْ تركوكُمْ بين خازٍ وناكس ) - طويل -

رثاؤه مسروق النهشلي
وقال أبو عمرو كان مسروق بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل سيدا جوادا وكان مؤثرا للأسود بن يعفر كثير الرفد له والبر به فمات مسروق واقتسم أهله ماله وبان فقده على الأسود بن يعفر فقال يرثيه
( أقول لمّا أتاني هُلْكُ سَيِّدنا ... لا يُبْعِدِ اللهُ ربُّ الناسِ مَسْروقَا )

( من لا يشيِّعُه عَجْزٌ ولا بَخَلٌ ... ولا يبِيتُ لديه اللّحمُ مَوْشُوقا )
( مِرْدَى حُروبٍ إذا ما الخيلُ ضَرَّجَها ... نَضْخُ الدماءِ وقد كانتْ أَفاريقا )
( والطاعنُ الطعنةَ النَّجلاءَ تحسَبُها ... شَنًّا هزِيماً يَمُجُّ الماءَ مَخْروقا )
( وجَفْنةٍ كنَضِيحِ البِئْرِ مُتْأَقةٍ ... تَرى جَوانبهَا باللحم مفتوقا )
( يَسَّرْتَها ليتامَى أو لأرْمَلةٍ ... وكنتَ بالبائِس المتروكِ مَحقْوقا )
( يا لَهْفَ أُمّيَ إذْ أوْدَى وفارَقني ... أودَى ابنُ سَلْمَى نقيَّ العِرْض مَرْمُوقا ) - بسيط -

شعره في أولاده
وقال أبو عمرو عاتبت سلمى بنت الأسود بن يعفر أباها على إضاعته ماله فيما ينوب قومه من حمالة وما يمنحه فقراءهم ويعين به مستمنحهم فقال لها
( وقالت لا أَراك تُلِيقُ شيئاً ... أتُهلِكُ ما جَمعْتَ وتَستفيدُ )

( فقلتُ بِحَسبِها يَسَرٌ وعارٍ ... ومُرْتَحِلٌ إذا رَحَل الوفودُ )
( فلُومِي إنْ بدا لكِ أو أفيقِي ... فقَبْلَكِ فاتَنِي وهو الحَمِيدُ )
( أبو العَوْراءِ لْم أَكْمَدْ عليه ... وقيسٌ فاتَني وأخِي يزيدُ )
( مَضَوْا لِسبيلهمْ وبَقِيتُ وَحدِي ... وقَدْ يُغْنِي رَباعته الوَحيدُ )
( فلوْلا الشامتونَ أخذْتُ حَقِّي ... وإنْ كانتْ بِمَطْلَبِهِ كَؤُودُ )
ويروى
( وإنْ كانت له عِنْدِي كَؤُودُ ... ) - وافر -
قال أبو عمرو وكان الجراح بن الأسود في صباه ضئيلا ضعيفا فنظر إليه الأسود وهو يصارع صبيا من الحي وقد صرعه الصبي والصبيان يهزؤون منه فقال
( سيَجْرَحُ جرّاحٌ وأَعْقِلُ ضَيْمَه ... إذا كان مَخْشِيًّا من الضَّلَع المُنْدِي )
( فآباءُ جرّاحٍ ذُؤابة دارِمٍ ... وأخوالُ جرّاحٍ سَراةُ بني نَهْد ) - طويل -
قال وكانت أم الجراح أخيذة أخذها الأسود من بني نهد في غارة أغارها عليهم
وقال أبو عمرو لما أسن الأسود بن يعفر كف بصره فكان يقاد إذا أراد مذهبا وقال في ذلك

( قد كنتُ أَهْدِي ولا أُهْدَى فعلَّمني ... حُسْنُ المَقادِة أني أَفقِدُ البَصَرَا )
( أمْشِي وأَتْبَعُ جُنّاباً ليَهْدِيَني ... إنّ الجَنِيبة مما تَحشَمُ الغَدَرَا ) - بسيط -
الجناب الرجل الذي يقوده كما تقاد الجنيبة الحشم المشي ببطء والغدر مكان ليس مستويا
وذكر محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل أن الأسود كان له أخ يقال له حطائط بن يعفر شاعر وأن ابنه الجراح كان شاعرا أيضا قال وأخوه حطائط الذي قال لأمهما رهم بنت العباب وعاتبته على جوده فقال
( تقول ابنةُ العَبَّاب رُهْمٌ حَرَبْتَني ... حُطائطُ لم تَتْرُكْ لنفسك مَقْعَدا )
( إذا ما جَمَعْنا صِرْمة بعد هَجْمةٍ ... تكون علينا كابن أُمِّك أَسودا )
( فقلتُ ولم أَعْيَ الجوابَ تأمَّلي ... أكان هُزالاً حَتْفُ زيدٍ وأَرْبَدا )
( أَرِيني جَواداً مات هُزْلا لعلَّني ... أَرَى ما تَرَيْن أو بخيلاً مُخلَّدا )
( ذَرِيني أكنْ للمال ربًّا ولا يكن ... لي المالُ ربًّا تَحَمدي غِبَّه غدا )
( ذَرِيني فلا أعيا بما حَلَّ ساحَتيِ ... أَسُودُ فأُكْفَى أو أطِيعُ المُسَوَّدا )
( ذريني يكنْ مالي لعِرْضِي وِقايةً ... يَقِي المالُ عِرْضِي قَبل أن يتبدَّدا )

( أجارةَ أهلي بالقَصِيْمَةِ لا يكن ... عليَّ ولم أظلِمْ لسانُكِ مِبْرَدا ) - طويل -

صوت
( أعاذِلَتي أَلا لا تَعذُلِينا ... أقِلّي اللومَ إنْ لم تَنْفَعينا )
( فقد أكثْرتِ لو أغنيْتِ شيئاً ... ولستُ بقابلٍ ما تأمُرِينا ) - وافر -
الشعر لأرطاة بن سهية والغناء لمحمد بن الأشعث خفيف رمل بالبنصر من نسخة عمرو بن بانة

أخبار أرطاة ونسبه
هو أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك بن شداد بن عقفان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان وقد تقدم هذا النسب في عدة مواضع من هذا الكتاب وسهية أمه وهي بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن حديج بن أبي جشم بن كعب بن عوف ابن عامر بن عوف سبية من كلب وكانت لضرار بن الأزور ثم صارت إلى زفر وهي حامل فجاءت بأرطاة من ضرار على فراش زفر فلما ترعرع أرطاة جاء ضرار إلى الحارث بن عوف فقال له
( يا حارِثُ افْكُكْ ليْ بُنَيَّ من زُفَرْ ... )
( ويروى يا حار أطلق لي ... )
( في بعضِ مَنْ تُطلِقُ مِن أَسْرَى مُضَرْ ... )
( إنَّ أباه امرُؤُ سَوْءٍ إن كفرْ ... ) - رجز

فأعطاه الحارث إياه وقال انطلق بابنك فأدركه نهشل بن حري بن غطفان فانتزعه منه ورده إلى زفر وفي تصداق ذلك يقول أرطاة لبعض أولاد زفر
( فإذا خَمِصْتمْ قلْتُمُ يا عمَّنا ... وإذا بَطِنتُمْ قلْتُمُ ابنَ الأَزْوَرِ ) - كامل -
قال ولهذا غلبت أمه سهية على نسبه فنسب إليها وضرار بن الأزور هذا قاتل مالك بن نويرة الذي يقول فيه أخوه متمم
( نِعْمَ القتيلُ إذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ ... تحت البيوت قَتلْتَ يا بنَ الأزْوَرِ )

منزلته في الشعر
وأرطاة شاعر فصيح معدود في طبقات الشعراء المعدودين من شعراء الإسلام في دولة بني أمية لم يسبقها ولم يتأخر عنها وكان أمرأ صدق شريفا في قومه جوادا
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان رفيع بن سلمة الملقب بدماذ قال حدثنا أبو عبيدة قال دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان فاستنشده شيئا مما كان يناقض به شبيب بن البرصاء فأنشده

( أبي كان خيراً من أبيكَ ولم يَزَلْ ... جَنيباً لآبائي وأنت جنيبُ )
فقال له عبد الملك بن مروان كذبت شبيب خبر منك أبا ثم أنشده
( وما زلتُ خيراً منك مذ عَضَّ كَارِهاً ... برأسك عاديُّ النِّجاد رَسوب ) - كامل -
فقال له عبد الملك صدقت أنت في تفسك خير من شبيب فعجب من عبد الملك من حضر ومن معرفته مقادير الناس على بعدهم منه في بواديهم وكان الأمر على ما قال كان شبيب أشرف أبا من أرطاة وكان أرطاة أشرف فعلا ونفسا من شبيب
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عمرو بن بحر الجاحظ ودماذ أبو غسان قالا جميعا قال أبو عبيدة دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان فقال له كيف حالك يا أرطاة وقد كان أسن فقال ضعفت أوصالي وضاع مالي وقل مني ما كنت أحب كثرته وكثر مني ما كنت أحب قلته قال فكيف أنت في شعرك فقال والله يا أمير المؤمنين ما أطرب ولا أغضب ولا أرغب ولا أرهب وما يكون الشعر إلا من نتائج هذه الأربع وعلى أني القائل
( رأيتُ المرءَ تأكُلُه اللَّيالي ... كأكْلِ الأرضِ سَاقِطةَ الحديدِ )
( وما تَبْغي المَنيَّةُ حينَ تأتي ... على نَفْسِ ابن آدمَ من مَزِيدِ )

( وأعْلمُ أنها ستَكُرُّ حتَّى ... تُوَفِّي نَذْرَها بأبي الوَليدِ )
فارتاع عبد الملك ثم قال بل توفي نذرها بك ويلك مالي ولك فقال لا ترع يا أمير المؤمنين فإنما عنيت نفسي وكان أرطاة يكنى أبا الوليد فسكن عبد الملك ثم استعبر باكيا وقال أما والله على ذلك لتلمن بي
أخبرني به حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت فذكر قريبا منه يزيد وينقص ولا يحيل معنى

مدحه مروان بن الحكم
أخبرني عبد الملك بن مسلمة القرشي الهشامي بأنطاكية قال أخبرني أبي عن أهلنا أن أرطاة بن سهية دخل على مروان بن الحكم لما اجتمع له أمر الخلافة وفرغ من الحروب التي كان بها متشاغلا وصمد لإنفاذ الجيوش إلى ابن الزبير لمحاربته فهنأه وكان خاصا به وبأخيه يحيى بن الحكم ثم أنشده
( تَشَكَّى قَلُوصِي إليَّ الوَجَى ... تَجُرُّ السّريح وتُبْلي الخِدامَا )

( تَزُورُ كريماً له عندها ... يدٌ لا تُعَدُّ وتُهدِي السَّلامَا )
( وقَلَّ ثواباً له أنَّها ... تُجِيدُ القَوافِيَ عاماً فعامَا )
( وسَادَتْ مَعَدًّا على رَغْمها ... قُرَيشٌ وسُدْتَ قريشاً غُلاَمَا )
( جُعِلْتَ على الأمرِ فيه صَغاً ... فما زال غَمْزُك حتى استقاما )
( لَقِيْتَ الزُّحوفَ فقاتلْتَها ... فجرَّدْت فِيهنَّ عَضْباً حُسَامَا )
( تَشُقُّ القَوانسَ حتى تَنا ... لَ ما تحتها ثم تَبرِي العِظَاما )
( نَزَعْتَ على مَهَلٍ سابقاً ... فما زَادَكَ النَّزْعُ إلاّ تمَاما )
( فزاد لَكَ اللهُ سُلطانَهُ ... وزاد لك الخيرَ منه فَدامَا ) - متقارب -
فكساه مروان وأمر له بثلاثين ناقة وأوقرهن له برا وزبيبا وشعيرا

هجاؤه شبيب بن البرصاء
قال وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء ولكل واحد منهما في صاحبه هجاء كثير وكان كل واحد منهما ينفي صاحبه عن عشيرته في أشعاره فأصلح بينهما يحيى بن الحكم وكانت بنو مرة تألفه وتنتجعه لصهره فيهم فلما افترقا سبعه شبيب عند يحيى بن الحكم فقال أرطاة له
( رَمتْكَ فلم تُشْوِ الفؤادَ جَنوبُ ... وما كلُّ من يَرْمي الفؤادَ يُصيبُ )
( وما زَوَّدَتْنا غيرَ أنْ خَلَطَتْ لنا ... أحاديثَ منها صادقٌ وكَذوبُ )
( ألا مُبْلِغٌ فِتيانَ قَوْمِيَ أنَّني ... هَجَانِي ابنُ بَرْصاءِ اليَدَينِ شَبيبُ )
( وفي آل عَوْفٍ من يَهودَ قَبيلةٌ ... تَشابَهَ منها ناشِئون وشِيبُ )

( أبِي كان خيراً من أبيكَ ولم يَزَلْ ... جَنيباً لآبائي وأنت جَنِيبُ )
( وما زلتُ خيراً منكَ مذ عَضَّ كارهاً ... برأسك عادِيُّ النِّجاد رَسوبُ )
( فما ذَنْبُنا إنْ أُمَّ حمزةَ جاورَتْ ... بيَثْرِبَ أتياساً لهنَّ نَبِيبُ )
( وإنَّ رجالاً بين سَلْعٍ وواقِمٍ ... لأيْرِ أبيهمْ في أبيكَ نَصيبُ )
( فلو كنتَ عَوْفيًّا عَمِيتَ وأَسْهلَتْ ... كُداكَ ولكنَّ المُريب مُريب ) - طويل -
فأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال لما قال هذا الشعر أرطاة في شبيب بن البرصاء كان كل شيخ من بني عوف يتمنى أن يعمى وكان العمى شائعا في بني عوف كلما أسن منهم رجل عمي فعمر أرطاة ولم يعم فكان شبيب يعيره بذلك ثم مات أرطاة وعمي شبيب فكان يقول بعد ذلك ليت أرطاة عاش حتى يراني أعمى فيعلم أني عوفي
ونسخت من كتاب ابن الأعرابي في شعر أرطاة قال كان شبيب بن البرصاء يقول وددت أني جمعني وابن الأمة أرطاة بن سهية يوم قتال فأشفي منه غيظي فبلغ ذلك أرطاة فقال له
( إنْ تَلْقَني لا تَرَى غيري بناظِرةٍ ... تَنْسَ السلاحَ وتَعرِفْ جبهةَ الأَسدِ )

( ماذا تظنُّكَ تُغني في أخي رَصَد ... من أُسْد خفّانَ جابِي العَيْن ذي لبد )
جابي العين وجائب العين شديد النظر
( أبي ضَراغِمَةٍ غُبْرٍ يُعَوِّدُها ... أكْلَ الرجال متى يَبْدأْ لها يَعُدِ )
( يا أيها المتمنّي أنْ يُلاقينَي ... إن تَنأَ آتِكَ أو إن تَبْغِني تَجِدِ )
( نَقْضِ اللُبانةَ من مُرٍّ شرائعُه ... صَعب المَقادة تَخشاه فلا تَعُدِ )
( متى تَرِدْنيَ لا تَصْدُرْ لمَصْدَرة ... فيها نجاةٌ وإن أُصْدِرْكَ لا ترد )
( لا تحسبَنِّي كفَقْع القاع يَنقُره ... جانٍ بإصبَعه أو بَيْضةِ البَلد )
( أنا ابن عُقْفانَ معروفٌ له نَسبي ... إلا بما شاركَتْ أمٌّ على وَلد )
( لاقى الملوكَ فأَثْأَى في دمائِهُمُ ... ثم استقرَّ بلا عَقْل ولا قَوَد )
( مِن عُصْبة يَطعنُون الخيلَ ضاحِيةً ... حتى تَبَدَّدَ كالمَزْؤُودة الشُّرُد )
( ويَمنعون نساءَ الحَيّ إنْ عَلِمتْ ... ويَكشفون قَتامَ الغارة العمد )
( أنا ابنُ صِرْمة إن تَسألْ خِيارَهُمُ ... أضربْ برِجلي في ساداتِهِمْ ويَدي )

( وفي بني مالكٍ أمٌّ وزافِرةٌ ... لا يدفع المجد من قَيْس إلى أحد )
( ضربْت فيهمْ بأَعراقَي كما ضَربَتْ ... عُروقُ ناعمة في أبطَح ثَئِد )
( جَدِّي قضاعةُ معروفٌ ويعرفني ... جَبا رفيدةَ أهلِ السَّرْو والعَدد ) - بسيط -

حبه لوجزة
أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن عبد الله الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال كان أرطاة بن سهية يتحدث إلى امرأة من غني يقال لها وجزة وكان يهواها ثم افترقا وحال الزمان بينهما وكبر أرطاة ثم اجتمعت غني وبنو مرة في دار فمر أرطاة بوجزة وقد هرمت وتغيرت محاسنها وافتقرت فجلس إليها وتحدث معها وهي تشكو إليه أمرها فلما أراد الانصراف أمر راعيه فجاء بعشرة من إبله فعقلها بفنائها وانصرف وقال
( مررْتُ على حِدْثي برَمّانَ بعدما ... تَقطَّعَ أقرانُ الصِّبَا والوَسائلُ )
( فكنتُ كظبْيٍ مُفْلِتٍ ثمَّ لم يزلْ ... به الحَيْن حتى أُعْلِقَتْهُ الحبائل )
قال أبو الفرج الأصفهاني وقد ذكر أرطاة بن سهية وجزة هذه ونسب بها في مواضع من شعره فقال في قصيدة
( وداويّةٍ نازعْتُها الليلَ زائراً ... لِوجزةَ تَهْديني النجومُ الطوامسُ )

( أعُوجُ بأصحابي عن القصد تعتلي ... بنا عُرضَ كِسْرَيْها المَطِيُّ العَرامِسُ )
( فقد تَرَكْتنِي لا أعِيجُ بمشرب ... فأَروَى ولا ألهو إلى من أُجَالسُ )
( ومِن عجبِ الأيام أَنْ كل منزل ... لوجزةَ من أكناف رَمّانَ دارسُ )
( وقد جاورَتْ قصرَ العُذَيْب فما يُرى ... بَرمّانَ إلا ساخِطُ العيش بائِسُ )
( طِلابٌ بعيدٌ واختلافٌ من النوى ... إذا ما أتى مِن دونَ وَجْزةَ قادِسُ )
( لَئِنْ أنَجْحَ الواشون بيني وبينها ... وطال التنائي والنفُوسُ النوافس )
( لَقَدْ طالما عِشْنا جَميعاً ووُدُّنَا ... جميعٌ إذا ما يبتغي الأُنسَ آنِس )
( كذلك صَرْفُ الدهر ليس بتارِكٍ ... حبيباً ويبقى عمرُه المتقاعِسُ ) - طويل -
وقال ابن الأعرابي كانت بين أرطاة بن سهية وبين رجل من بني أسد يقال له حيان مهاجاة فاعترض بينهما حباشة الأسدي فهجا أرطاة فقال فيه أرطاة

( أبلِغْ حُبَاشةَ أَني غيرُ تارِكِه ... حتى أُذَلِّلَهُ إذا كان ما كانا )
( الباعثَ القولِ يُسْدِيه ويُلْحمه ... كالمُجْتَدِي الثُّكلَ إذ حاورْتُ حيّانا )
( إنْ تدْعُ خِنْدِفَ بغياً أو مكاثَرَةً ... ادعُ القبائل من قيسِ بنِ عَيْلانا )
( قد نَحْبِس الحقَّ حتى ما يجاوِزنا ... والحقُّ يحبسنا في حيثُ يلقانا )
( نبني لآخِرِنا مَجْداً نُشَيِّدُه ... إنَّا كذاك ورِثْنا المجدَ أُولانا ) - بسيط -
وقال ابن الأعرابي وفد أرطاة بن سهية إلى الشأم زائرا لعبد الملك بن مروان عام الجماعة وقد هنأه بالظفر ومدحه فأطال المقام عنده وأرجف أعداؤه بموته فلما قدم وقد ملأ يديه بلغه ما كان منهم فقال فيهم
( إذا ما طَلَعْنا من ثَنِيَّةِ لَفْلَفٍ ... فخبِّرْ رجالاً يَكْرهُون إيابي )
( وخَبِّرهُمُ أني رجعْتُ بغبطة ... أُحَدِّدُ أَظْفَاري ويَصْرُفُ نابي )
( وإني ابنُ حرب لا تزالُ تَهِرُّني ... كلابُ عدوِّي أو تَهِرُّ كلابي ) - طويل -
وقال أبو عمرو الشيباني وقع بين زميل قاتل ابن دارة وبين أرطاة

ابن سهية لحاء فتوعده زميل وقال إني لأحسبك ستجرع مثل كأس ابن دارة فقال له أرطاة
( يا زمْلُ إني إنْ أكُنْ لك سائقاً ... تَرْكُضْ بِرِجْلَيْك النجاة والْحَق )
( لا تحسَبَنِّي كامرئٍ صادفْتَهُ ... بِمَضِيعَةٍ فَخَدَشْتَهُ بالمِرْمَق )
( إنِّي امرؤٌ أُوفِي إذا قارعتكُمْ ... قَصَبَ الرِّهَان وما أشأْ أَتَعَرَّقِ ) - كامل -
فقال له زميل
( يا أَرْطَ إن تكُ فاعلاً ما قلتَهُ ... والمرء يستحيي إذا لم يَصْدُقِ )
( فافعلْ كما فعل ابنُ دارةَ سالمٌ ... ثم امش هَوْنَك سادراً لا تَتَّقِ )
( وإذا جعلتُكَ بين لَحْيَيْ شابِك الأنياب ... فارعُد ما بدا لك وابرُقِ ) - كامل -
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال قال أرطاة بن سهية للربيع بن قعنب
( لقد رأيتُك عُرْياناً ومؤْتَزِرا ... فما عرفْتُ أأُنْثى أنتَ أمْ ذَكرُ ) - بسيط

فقال له الربيع لكن سهية قد عرفتني فغلبه وانقطع أرطاة
أخبرني عمي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز عن الهيثم بن الربيع عن عمرو بن جبلة الباهلي قال تزوج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو أم هشام بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب وكانت من أجمل نساء قريش وكان يجد بها وجدا شديدا فمرض مرضته التي هلك فيها فجعل يديم النظر إليها وهي عند رأسه فقالت له إنك لتنظر إلي نظر رجل له حاجة قال أي والله إن لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان علي ما أنا فيه قالت وما هي قال أخاف أن تتزوجي بعدي قالت فما يرضيك من ذلك قال أن توثقي لي بالإيمان المغلظة فحلفت له بكل يمين سكنت إليها نفسه ثم هلك فلما قضت عدتها خطبها عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة فأرسلت إليه ما أراك إلا وقد بلغتك يميني فأرسل إليها لك مكان كل عبد وأمة عبدان وأمتان ومكان كل علق علقان ومكان كل شيء ضعفه فتزوجته فدخل عليها بطال بالمدينة وقيل بل كان رجلا من مشيخة قريش مغفلا فلما رآها مع عمر جالسة قال
( تبدَّلْتِ بعد الخيْزرانِ جريدةً ... وبعدَ ثيابِ الخزِّ أحلامَ نَائِم ) - طويل -
فقال له عمر جعلتني ويلك جريدة وأحلام نائم فقالت أم هشام ليس كما قلت ولكن كما قال أرطاة بن سهية
( وكائنْ تَرَى من ذاتِ بثٍّ وعَوْلَةٍ ... بكت شجوها بعد الحنين المُرجَّعِ )
( فكانت كَذاتِ البَوِّ لماَّ تعطَّفتْ ... على قِطَعٍ من شِلْوِهِ المُتَمَزَّعِ )

( مَتى لا تَجِدْه تَنْصَرِفْ لِطياتِها ... مِنَ الأرض أو تَعمِد لإِلف فَتَرْبَعِ )
( عَن الدهرِ فاصفح إنه غيرُ مُعْتِبٍ ... وفي غيرِ مَن قد وَارَتِ الأرضُ فاطمَع ) - طويل -
وهذه الأبيات من قصيدة يرثي بها أرطاة ابنه عمراً

قيامه عند قبر ابنه ورثاؤه له
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا قعنب بن المحرز عن أبي عبيدة قال كان لأرطاة بن سهية ابن يقال له عمرو فمات فجزع عليه أرطاة حتى كاد عقله يذهب فأقام على قبره وضرب بيته عنده لا يفارقه حولا ثم إن الحي أراد الرحيل بعد حول لنجعة بغوها فغدا على قبره فجلس عنده حتى إذا حان الرواح ناداه رح يا بن سلمى معنا فقال له قومه ننشدك الله في نفسك وعقلك ودينك كيف يروح معك من مات مذ حول فقال أنظروني الليلة إلى الغد فأقاموا عليه فلما أصبح ناداه أغد يا بن سلمى معنا فلم يزل الناس يذكرونه الله ويناشدونه فانتضى سيفه وعقر راحلته على قبره وقال والله لا أتبعكم فامضوا إن شئتم أو أقيموا فرقوا له ورحموه فأقاموا عامهم ذلك وصبروا على منزلهم وقال أرطاة يومئذ في ابنه عمرو يرثيه
( وقفتُ على قبرِ ابن سلمى فلم يَكُنْ ... وقوفي عليه غيرَ مَبْكًى ومَجْزَع )
( هل أنتَ ابنَ سلمى إنْ نظرتُكَ رائحٌ ... مع الركبِ أو غادٍ غداةَ غدٍ معي )
( أأنسى ابنَ سَلْمَى وهو لم يأتِ دونَه ... من الدهر إلا بعضُ صيف ومَرْبَع )
( وقفتُ علىجُثمان عمرو فلم أجد ... سوى جَدَثٍ عافٍ ببَيْدَاء بلقع )
( ضربْتُ عَمُوْدَيْ بانةٍ سَمَوَا معاً ... فخرَّت ولم أُتبعْ قَلُوصي بدَعْدَعِ )

( ولو أنها حادت عن الرَّمْسِ نِلْتُها ... ببادرةٍ من سيفِ أشهبَ مُوْقَع )
( تركتكِ إن تَحْيَيْ تَكُوسِي وإن تَنُؤْ ... على الجُهْد تَخْذُلهْا توالٍ فَتُصْرعِ )
( فدع ذكرَ مَنْ قد حالت الأرضُ دونه ... وفي غير من قد وارت الأرضُ فاطمَع ) - طويل -
وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة فذكر أن أرطاة كان يجيء إلى قبر ابنه عشيا فيقول هل أنت رائح معي يا ابن سلمى ثم ينصرف فيغدو عليه ويقول له مثل ذلك حولا ثم تمثل قول لبيد
( إلى الحَوْل ثمَّ اسمُ السلام عليكُما ... ومن يبك حَوْلا كاملاً فقد اعتذَرْ ) - طويل -
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني قال قال أرطاة بن سهية يوما للربيع بن قعنب كالعابث به
( لقد رأيتك عُرْياناً ومُؤْتَزِراً ... فما دريْتُ أأنثى أنت أم ذَكَرُ ) - بسيط -
فقال له الربيع
( لكنْ سُهَيَّةُ تدري إذ أتيتكُمُ ... على عُرَيجاءَ لما انحلَّت الأُزُرُ ) - بسيط -
فغلبه الربيع ولج الهجاء بينهما فقال الربيع بن قعنب يهجو أرطاة
( وما عاشَت بَنُو عُقْفانَ إلا ... بأحلامٍ كأحلامِ الجَوَاري )
( وما عُقْفَانُ من غَطَفَانَ إلا ... تَلَمُّس مُظْلمٍ بالليل ساري )
( إذا نَحَرَتْ بنو غيظٍ جَزُوراً ... دَعَوْهُمْ بالمراجل والشِّفار )

( طُهاة اللحم حتى يُنْضِجُوه ... وطاهي اللحم في شُغْلٍ وعار ) - وافر -
فقال أرطاة يجيبه ويعيره بأن أمه من عبد القيس
( وهذا الفَسْوُ قد شاركْتَ فيه ... فمن شاركْتَ في أَير الحمارِ )
( وأيُّ الناس أخبثُ مِنْ هِبَلٍّ ... فزاريٍّ وأخبثُ ريحَ دار ) - وافر -

مسرف بن عقبة يطرده مع قومه
أخبرني عبد الله بن محمد اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي قال قدم مسرف بن عقبة المري المدينة وأوقع بأهل الحرة فأتاه قومه من بني مرة وفيهم أرطاة فهنأوه بالظفر واسترفدوه فطردهم ونهرهم وقام أرطاة بن سهية ليمدحه فتجهمه بأقبح قول وطرده وكان في جيش مسرف رجل من أهل الشام من عذرة يقال له عمارة قد كان رأى أرطاة عند معاوية بن أبي سفيان وسمع شعره وعرف إقبال معاوية عليه ورفده له فأومأ إلى أرطاة فأتاه فقال له لا يغررك ما بدا لك من الأمير فإنه عليل ضجر ولو قد صح واستقامت الأمور لزال عما رأيت من قوله وفعله وأنا بك عارف وقد رأيتك عند أمير المؤمنين يعني معاوية ولن تعدم مني ما تحب ووصله وكساه وحمله على ناقة فقال أرطاة يمدحه ويهجو مسرفا

( لحَا الله فَوْدَي مُسْرفٍ وابنِ عمه ... وآثارَ نَعْلَيْ مَسْرفٍ حيث أثَّرا )
( مررْتُ على رَبْعَيْهما فكأنَّني ... مررْتُ بجبَّارَيْن من سَرْو حِمْيرا )
ويروى تضيفت جبارين
( على أن ذَا العَلْيَا عُمَارةَ لم أجِدْ ... على البُعْد حُسْنَ العهد منه تَغَيَّرا )
( حباني ببُرْدَيْه وعَنْسٍ كأنما ... بنى فوق مَتْنَيْها الوليدان قَهقرا ) - طويل -
وقال أبو عمرو الشيباني خاصمت امرأة من بني مرة سهية أم أرطاة بن سهية وكانت من غيرهم أخيذة أخذها أبوه فاستطالت عليها المرأة وسبتها فخرج أرطاة إليها فسبها وضربها فجاء قومه ولاموه وقالوا له مالك تدخل نفسك في خصومات النساء فقال لهم
( يُعَيِّرُني قَومي المَجَاهل وَالخَنَا ... عليهمْ وقالوا أنتَ غيرُ حليم )
( هلِ الجهلُ فيكمْ أن أُعاقِبَ بعدما ... تُجُوِّزَ سَبِّي واسْتُحِلَّ حريمي )
( إذا أَنا لَم أَمْنع عَجُوزِيَ منكُمُ ... فكانت كَأُخْرى في النساءِ عقيم )

( وقد عَلِمَتْ أفناءُ مُرَّة أننا ... إذا ما اجتدانا الشرَّ كلُّ حميم )
( حماةٌ لأحسابِ العشيرة كلِّها ... إذا ذُمَّ يومَ الرَّوعِ كلُّ مُليم ) - طويل -
وتمام الأبيات التي فيها الغناء المذكورة قبل أخبار أرطاة بن سهية وذكرت في قوله في قتلى من قومه قتلوا يوم بنات قين هو
( فَلاَ وأبيكَ لا نَنَفكُّ نَبْكِي ... على قتْلى هُنَا لكَ ما بَقينَا )
( على قَتْلَى هنا لك أَوْجَعَتْنا ... وأَنْسَتْنا رِجَالاً آخرينَا )
( سَنَبْكِي بالرِّماحِ إذا التقينا ... على إخواننا وعلى بَنِينا )
( بطعنٍ تَرْعُد الأحشاءُ منه ... يردُ البِيضَ والأبدانَ جُونا )
( كأنّ الخيلَ إِذْ آنسْن كَلْباً ... يَريْنَ وراءهُمْ ما يبتغينا ) - وافر -

صوت
( عجبْتُ لِمَسْراها وأَنَّى تَخَلَّصت ... إِليَّ وبابُ السجن بالقُفْل مُغْلَقُ )

( ألَمَّتْ فحيَّت ثم قامت فَوَدَّعتْ ... فلما تولَّتْ كادت النفسُ تَزْهَقُ ) - طويل -
الشعر لجعفر بن علبة الحارثي والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه خفيفا ثقيلا أول بالوسطى لابن سريج وذكر حماد بن إسحاق أن فيه خفيف الثقيل للهذلي

أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه
هو جعفر بن علبة بن ربيعة بن عبد يغوث الشاعر أسير يوم الكلاب ابن معاوية بن صلاءة بن المعقل بن كعب بن الحارث بن كعب ويكنى أبا عارم وعارم ابن له قد ذكره في شعره وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية شاعر مقل غزل فارس مذكور في قومه وكان أبوه علبة بن ربيعة شاعرا أيضا وكان جعفر قتل رجلا من بني عقيل قيل إنه قتله في شأن أمة كانا يزورانها فتغايرا عليها وقيل بل في غارة أغارها عليهم وقيل بل كان يحدث نساءهم فنهوه فلم ينته فرصدوه في طريقه إليهن فقاتلوه فقتل منهم رجلا فاستعدوا عليه السلطان فأقاد منه وأخباره في هذه الجهات كلها تذكر وتنسب إلى من رواها

أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي قال حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي قال حدثنا أبو مالك اليماني قال شرب جعفر بن علبة الحارثي حتى سكر فأخذه السلطان فحبسه فأنشأ يقول في حبسه
( لقد زَعَمُوا أني سكرتُ ورُبمَّا ... يكونُ الفَتَى سَكرانَ وهْوَ حَليم )
( لعمرُك ما بالسّكرِ عارٌ على الفتى ... ولَكِنَّ عاراً أن يُقَال لئيمُ )
( وإنّ فَتىً دامت مواثيقُ عهده ... على دونِ ما لاقيتُه لكريمُ ) - طويل -
قال ثم حبس معه رجل من قومه من بني الحارث بن كعب في ذلك الحبس وكان يقال له دوران فقال جعفر
( إذا بابُ دَوْرانٍ ترنّم في الدّجَى ... وشُدَّ بأغلاقٍ علينا وأقفالِ )
( وأظلم ليلٌ قامَ علِجٌ بِجُلْجُلٍ ... يدورُ به حتّى الصباحِ بإعمالِ )
( وحراسُ سَوْءٍ ما ينامون حَوْلَهُ ... فكيفَ لمظلومٍ بحيلة مُحْتالِ )
( ويصبرُ فيه ذُو الشجاعةِ والنّدى ... على الذّلِ للمأمور والعِلْجِ والوالي ) - طويل -

اغارته على بني عقيل
فأما ما ذكر أن السبب في أخذ جعفر وقتله في غارة أغارها على بني عقيل فإني نسخت خبره في ذلك من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني

يأثره عن أبيه قال خرج جعفر بن علبة وعلي بن جعدب الحارثي القناني والنضر بن مضارب المعاوي فأغاروا على بني عقيل وإن بني عقيل خرجوا في طلبهم وافترقوا عليهم في الطريق ووضعوا عليهم الأرصاد على المضايق فكانوا كلما أفلتوا من عصبة لقيتهم أخرى حتى انتهوا إلى بلاد بني نهد فرجعت عنهم بنو عقيل وقد كانوا قتلوا فيهم ففي ذلك يقول جعفر
( ألا لا أُبالِي بعدَ يومٍ بسَحْبَلٍ ... إذا لم أُعَذَّبْ أنْ يجيء حِماميا )
( تركْتُ بأعلى سَحْبَلٍ ومَضيقه ... مُرَاقَ دَمٍ لا يبرح الدّهرَ ثاويا )
( شَفَيْتُ بهِ غَيْظي وجُرِّب موطني ... وكان سناءً آخرَ الدهر باقيا )
( أرادوا لِيَثْنوني فقلت تجنبوا ... طريقي فمالي حاجةٌ من ورائيا )
( فِدىً لبني عمٍّ أجابوا لدعوتي ... شَفَوا من بني القَرعاء عمّي وخاليا )
( كأَنّ بني القرعاء يوم لقيتُهمْ ... فِراخُ القطا لاقَيْن صَقْراً يمانيا )

( تركْناهُمُ صَرْعى كأنَّ ضَجيجَهُمْ ... ضجيجُ دَبارَى الثَّيْب لاقت مُداويا )
( أقولُ وقد أَجْلَتْ من اليومِ عركة ... لِيُبْكِ العُقَيْلِيِّين مَنْ كان باكيا )
( فإنّ بقُرَّى سَحْبلٍ لإمارةً ... ونَضْحَ دمَاء منهُمُ ومَحَابيا )
المحابي آثارهم حبوا من الضعف للجراح التي بهم
( ولم أتَّرِك لي ريبةً غير أنني ... وددْتُ مُعَاذاً كان فيمن أتانيا )
أراد وددت أن معاذا كان أتاني معهم فأقتله
( شفيْتُ غليلِي من خُشَيْنةَ بعد ما ... كسوْتُ الهُذَيْلَ المَشْرَفِيَّ اليمانيا )

( أحقًّا عبادَ الله أن لست رائيا ... صحاريَّ نجدٍ والرّياحَ الذوارِيا )
( ولا زائراً شُمَّ العرانين أنتمي ... إلى عامر يحلُلْنَ رَمْلاً مُعاليا )
( إذا ما أتيْتَ الحارثيّاتِ فَانْعَنِي ... لهنَّ وخبِّرْهُنَّ أن لا تَلاقيا )
( وقوِّدْ قَلُوْصي بينهنَّ فإنها ... سَتُبْرِدُ أكباداً وتُبْكِي بواكيا )
( أوصِّيكُمُ إنْ متُّ يوماً بعارمٍ ... ليُغْنِيَ شيئاً أو يكونَ مكانيا )
ويروى
( وعطِّلْ قَلُوصي في الرّكاب فإنها ... سَتُبْرِدُ أكباداً وتُبْكي بواكيا ) - طويل -
وهذا البيت بعينه يروى لمالك بن الريب في قصيدته المشهورة التي يرثي بها نفسه وقال في ذلك جعفر أيضا
( وسائلةٍ عنا بغَيْبٍ وسائلٍ ... بمَصْدَقِنا في الحرب كيف نحُاول )
( عشية قُرَّى سَحْبَلٍ إذ تعطَّفتْ ... علينا السرايا والعدوُّ المُباسِل )

( ففرَّجَ عنا الله مَرْحَى عدوِّنا ... وضربٌ ببيضِ المَشْرَفِيَّةِ خابِل )
( إذا ما قَرىَ هامَ الرؤوس اعتِرامُها ... تعاوَرَهَا منهمْ أكفُّ وكاهل )
( إذا ما رُصِدْنا مَرْصداً فرَّجَتْ لنا ... بأيماننا بِيضٌ جَلَتْها الصياقل )
( ولما أبوا إلا المُضِيَّ وقد رأوا ... بأن ليس منا خشيةَ الموتِ ناكل )
( حلفْتُ يميناً بَرّةً لم أُرِدْ بها ... مقالَة تسميعٍ ولا قولَ باطِل )
( لِيَخْتَضِمَنّ الهُنْدُوانيّ منهُمُ ... مَعاقِدَ يخشاها الطبيبُ المزاولُ )
( وقالوا لنا ثِنتان لا بدّ منهما ... صدور رماح أُشْرِعت أو سلاسلُ )
( فقلنا لهمُ تلكُمْ إذاً بعد كرةٍ ... تُغَادِرُ صرعى نَهْضُهَا مُتَخاذِل )
( وقتلى نفوسٍ في الحياةِ زهيدةٍ ... إذا اشتجر الخَطِّيُّ والموت نازل )
( نُراجِعُهُمْ في قالةٍ بدأوا بِهَا ... كما راجع الخصمَ البذيَّ المُنَاقِلُ )
( لهمْ صدرُ سيفي يوم بَطْحَاءِ سَحْبلٍ ... ولي منه ما ضمَّت عليه الأنامل ) - طويل -

عامل مكة يأخذ بحق بني عقيل
قال فاستعدت عليهم بنو عقيل السري بن عبد الله الهاشمي عامل

مكة لأبي جعفر فأرسل إلى أبيه علبة بن ربيعة فأخذه بهم وحبسه حتى دفعهم وسائر من كان معهم إليه فأما النضر فاستقيد منه بجراحه وأما علي بن جعدب فأفلت من الحبس وأما جعفر بن علبة فأقامت عليه بنو عقيل قسامة أنه قتل صاحبهم فقتل به وهذه رواية أبي عمرو
وذكر ابن الكلبي أن الذي هاج الحرب بين جعفر بن علبة وبني عقيل أن إياس بن يزيد الحارثي وإسماعيل بن أحمر العقيلي اجتمعا عند أمة لشعيب ابن صامت الحارثي وهي في إبل لمولاها في موضع يقال له صمعر من بلاد بلحارث فتحدثا عندها فمالت إلى العقيلي فداخلتهما مؤاسفة حتى تخانقا بالعمائم فانقطعت عمامة الحارثي وخنقة العقيلي حتى صرعه ثم تفرقا وجاء العقيليون إلى الحارثيين فحكموهم فوهبوا لهم ثم بلغهم بيت قيل وهو
( ألم تسأل العبدَ الزياديّ ما رأى ... بصمْعرَ والعبدُ الزياديُّ قائمُ ) - طويل -
فغضب إياس من ذلك فلقي هو وابن عمه النضر بن مضارب ذلك العقيلي وهو إسماعيل بن أحمر فشجه شجتين وخنقه فصار الحارثيون إلى العقيليين فحكموهم فوهبوا لهم ثم لقي العقيليون جعفر بن علبة الحارثي فأخذوه فضربوه وخنقوه وربطوه وقادوه طويلا ثم أطلقوه وبلغ ذلك إياس بن يزيد فقال يتوجع لجعفر
( أبا عارمٍ كيف اغتررْتَ ولم تكن ... تُغَرُّ إذا ما كانَ أمرٌ تحاذرُهْ )

( فلا صلْحَ حتى يخفِقَ السيفُ خَفْقَةً ... بكفِّ فَتىً جُرَّتْ عليه جرائرُهْ ) - طويل -
ثم إن جعفر بن علبة تبعهم ومعه ابن أخيه جعدب والنضر بن مضارب وإياس بن يزيد فلقوا المهدي بن عاصم وكعب بن محمد بحبر وهو موضع بالقاعة فضربوهما ضربا مبرحا ثم انصرفوا فضلوا عن الطريق فوجدوا العقيليين وهم تسعة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى خلى لهم العقيليون الطريق ثم مضوا حتى وجدوا من عقيل جمعا آخر بسحبل فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل جعفر بن علبة رجلا من عقيل يقال له خشينة فاستعدى العقيليون إبراهيم بن هشام المخزومي عامل مكة فرفع الحارثيين الأربعة من نجران حتى حبسهم بمكة ثم أفلت منه رجل فخرج هاربا فأحضرت عقيل قسامة حلفوا أن جعفر قتل صاحبهم فأقاده إبراهيم بن هشام قال وقال جعفر بن علبة قبل أن يقتل وهو محبوس
( عجِبتُ لمسراها وأنّى تخلّصت ... إليَّ وبابُ السجن بالقُفْل مُغْلقُ )
( ألَمّتْ فحيّتْ ثم قامتْ فودّعتْ ... فلما تولَّتْ كادتِ النفسُ تَزْهَقُ )
( فلا تحسبي أني تخشّعتُ بعدَكُمْ ... لشيء ولا أنِّي من الموتِ أفرَقُ )
( وكيف وفي كفِّي حُسامٌ مُذَلَّقٌ ... يَعضُّ بهاماتِ الرجال ويعلَقُ )
( ولا أنَّ قلبي يَزْدهيه وعيدُهُمْ ... ولا أنّني بالمشي في القيد أخرقُ )

( ولكنْ عرتني من هواكِ صبابةٌ ... كما كنتُ ألقَى منك إذ أنا مُطْلَقُ )
( فأما الهوى والودُّ مني فطامحٌ ... إليكِ وجُثْماني بمكةَ مُوثَقُ ) - طويل -
وقال جعفر بن علبة لأخيه ماعز يحرضه
( وقل لأبي عونٍ إذا ما لقيتَه ... ومن دونه عرْضُ الفلاة يَحُولُ )
في نسخة ابن الأعرابي
( . . . إذا ما لقيته ... ودونه من عرض الفلاة مُحولُ )
بالميم وبشم الهاء في دونه بالرفع وتخفيفها وهي لغتهم خاصة
( تَعَلَّمْ وَعَدَّ الشّكّ أَنِّي يَشُفُّنِي ... ثلاثةُ أحراسٍ معاً وكُبولُ )
( إذا رُمْتُ مشياً أو تبوَّأتُ مَضْجعاً ... يبيتُ لها فوق الكِعاب صَليل )
( وَلَوْ بِكَ كانت لابتعثْتُ مطيَّتِي ... يَعُودُ الحفَا أخفَافَها وتجُول )
( إلى العدل حتى يَصْدُرَ الأمر مَصْدَراً ... وتبرأ منكم قَالةٌ وعُدُول ) - طويل -
ونسخت أيضا خبره من كتاب للنضر بن حديد فخالف هاتين الروايتين وقال فيه كان جعفر بن علبة يزور نساء من عقيل بن كعب وكانوا متجاورين هم وبنو الحارث بن كعب فأخذته عقيل فكشفوا دبر قميصه وربطوه إلى جمته وضربوه بالسياط وكتفوه ثم أقبلوا به وأدبروا على النسوة اللاتي كان يتحدث إليهن على تلك الحال ليغيظوهن ويفضحوه عندهن فقال لهم يا قوم لا تفعلوا فإن هذا الفعل مثلة وأنا أحلف

لكم بما يثلج صدوركم ألا أزور بيوتكم أبدا ولا ألجها فلم يقبلوا منه فقال لهم فإن لم تفعلوا ذلك فحسبكم ما قد مضى ومنوا علي بالكف عني فإني أعده نعمة لكم ويدا لا أكفرها أبدا أو فاقتلوني وأريحوني فأكون رجلا اذى قوما في دارهم فقتلوه فلم يفعلوا وجعلوا يكشفون عورته بين أيدي النساء ويضربونه ويغرون به سفهاءهم حتى شفوا أنفسهم منه ثم خلوا سبيله فلم تمض إلا أيام قليلة حتى عاد جعفر ومعه صاحبان له فدفع راحلته حتى أولجها البيوت ثم مضى فلما كان في نقرة من الرمل أناخ هو وصاحباه وكانت عقيل أقفى خلق الله لأثر فتبعوه حتى انتهوا إليه وإلى صاحبيه والعقيليون مغترون وليس مع أحد منهم عصا ولا سلاح فوثب عليهم جعفر بن علبة وصاحباه بالسيوف فقتلوا منهم رجلا وجرحوا آخر وافترقوا فاستعدت عليهم عقيل السري بن عبد الله الهاشمي عامل المنصور على مكة فأحضرهم وحبسهم فأقاد من الجارح ودافع عن جعفر بن علبة وكان يحب أن يدرأ عنه الحد لخؤولة أبي العباس السفاح في بني الحارث ولأن أخت جعفر كانت تحت السري بن عبد الله وكانت حظية عنده إلى أن أقاموا عليه قسامة أنه قتل صاحبهم وتوعدوه بالخروج إلى أبي جعفر والتظلم إليه فحينئذ دعا بجعفر فأقاد منه وأفلت علي بن جعدب من السجن فهرب قال وهو ابن أخي جعفر بن علبة فلما أخرج جعفر للقود قال له غلام من قومه أسقيك شربة من ماء بارد فقال له أسكت لا أم لك إني إذا لمهياف وانقطع شسع نعله فوقف فأصلحه فقال له رجل أما يشغلك عن هذا ما أنت فيه فقال

( أَشُدُّ قِبالَ نَعْلِيَ أن يراني ... عَدُوِّي للحوادث مُسْتكينا ) - وافر -
قال وكان الذي ضرب عنق جعفر بن علبة نحبة بن كليب أخو المجنون وهو أحد بني عامر بن عقيل فقال في ذلك
( شفى النفس ما قال ابنُ عُلبةَ جعفرٌ ... وقَوْلِي له اصْبر ليس ينفعَكَ الصبُر )
( هَوَى رأسُه من حيثُ كان كما هوى ... عُقابٌ تدلَّى طالباً جانبَ الوكرِ )
( أبا عارمٍ فينا عُرامٌ وشدّة ... وبَسْطَةُ إيمانٍ سواعدها شُعْرُ )
( همُ ضربُوا بالسيف هامةَ جعفرٍ ... ولم يُنْجِه بَرٌّ عريضٌ ولا بحرُ )
( وقُدْناهُ قَوْدَ البَكْرِ قسراً وعَنْوَةً ... إلى القبر حتى ضم أثوابَه القبرُ ) - طويل -
وقال علبة يرثي ابنه جعفرا
( لعمرُكَ إني يوم أسلمتُ جعفراً ... وأصحابَه للموت لمَّا أقَاتِلِ )
( لمجتنبٌ حبَّ المَنَايا وإنما ... يهيج المنايا كلُّ حقٍّ وباطل )
( فراح بهمْ قومٌ ولا قومَ عندهمْ ... مُغَلَّلَةٌ أيديهُمُ في السلاسلِ )
( وربَّ أخٍ لي غاب لو كان شاهداً ... رآه التَّباليّون لي غيرَ خاذِل ) - طويل -
وقال علبة أيضا لامرأته أم جعفر قبل أن يقتل جعفر
( لعمركِ إن الليلَ يا أمّ جعفرٍ ... عليّ وإنْ علَّلْتنِي لطويلُ )
( أحاذِرُ أخباراً من القوم قد دَنَتْ ... ورجعةَ أنقاضٍ لهنَّ دليلُ ) - طويل

فأجابته فقالت
( أبا جعفر أسلمْتَ للقومِ جعفراً ... فمُتْ كَمَدًا أو عش وأنت ذليلُ ) - طويل -

بنت يحيى بن زياد ترثيه بشعره
قال أبو عمرو في روايته وذكر شداد بن إبراهيم أن بنتا ليحيى بن زياد ابن عبيد الله الحارثي حضرت الموسم في ذلك العام لما قتل فكفنته واستجادت له الكفن وبكته وجميع من كان معها من جواريها وجعلن يندبنه بأبياته التي قالها قبل قتله
( أحقاً عبادَ الله أن لستُ رائِياً ... صَحَاريَّ نجدٍ والرياحَ الذَّوارِي ) - طويل -
وقد تقدمت في صدر أخباره وفي هذه القصيدة يقول جعفر
( وددْتُ مُعاذاً كان فيمن أتانيا ... )
فقال معاذ يجيبه عنها بعد قتله ويخاطب أباه ويعرض له أنه قتل ظلما لأنهم أقاموا قسامة كاذبة عليه حين قتل ولم يكونوا عرفوا القاتل من الثلاثة بعينه إلا أن غيظهم على جعفر حملهم على أن ادعوا القتل عليه
( أبا جعفرٍ سَلِّبْ بنَجْرانَ واحتسبْ ... أبا عارمٍ والمُسْمَنَاتِ العواليا )
( وَقوِّد قَلُوصاً أتلفَ السَّيفُ ربَّها ... بغير دمٍ في القوم إلا تَماريا )
( إذا ذكرتْهُ مُعصِرٌ حارثيَّةٌ ... جرى دمعُ عَيْنَيْها على الخد صافيا )
( فلا تحسَبَنَّ الدَّيْنَ يا عُلْبَ مُنْسَأً ... ولا الثائَر الحرّانَ يَنْسَى التقاضيا )

( سنقتُلُ منكُمْ بالقتيل ثلاثةً ... ونُغْلي وإن كانت دماءً غواليا )
( تمنيْتَ أن تَلقى مُعاذاً سفاهَةً ... ستلقَى مُعاذاً والقضيبَ اليمانيا ) - طويل -
ووجدت الأبيات القافية التي فيها الغناء في نسخة النضر بن حديد أتم مما ذكره أبو عمرو الشيباني وأولها
( ألا هَلْ إلى فتيانِ لهوٍ ولذّةٍ ... سبيلٌ وتَهْتَافِ الحَمامِ المُطَوَّقِ )
( وشربةِ ماءٍ من خَدُوراءَ باردٍ ... جرى تحتَ أظلالِ الأراكِ المُسَوَّقِ )
( وسَيْري مع الفتيان كلَّ عشيةٍ ... أُبَاري مَطاياهُمْ بصهباءَ سَيْلقِ )
( إذا كَلَحَتْ عن نابها مَجَّ شِدْقُها ... لُغاماً كَمُحِّ البيضةِ المُتَرَقْرق )
( وأصهبَ جَوْنيٍّ كأن بُغَامَه ... تَبَغُّمُ مطرودٍ من الوحشِ مُرْهَق )

( بَرى لحمَ دَفَّيْه وأدمَى أَظَلَّه اجتبابي ... الفيافي سمَلْقا بعدَ سَمْلق ) - طويل -
وذكر بعده الأبيات الماضية وهذا وهم من النضر لأن تلك الأبيات مرفوعة القافية وهذه مخفوضة فأتيت بكل واحدة منهما مفردة ولم أخلطهما لذلك
أخبرني الحسين بن يحيى المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال لما قتل جعفر بن علبة قام نساء الحي يبكين عليه وقام أبوه إلى كل ناقة وشاة فنحر أولادها وألقاها بين أيديها وقال ابكين معنا على جعفر فما زالت النوق ترغو والشاء تثغو والنساء يصحن ويبكين وهو يبكي معهن فما رئي يوما كان أوجع وأحرق مأتما في العرب من يومئذ

صوت
( عَلّلاني إنما الدنيا عَلَلْ ... واسقياني عَلَلاَ بعد نَهَلْ )
( أَصْحَبُ الصاحب ما صاحبني ... وأكفُّ اللومَ عنه والعَذَلْ ) - رمل -
الشعر للعجير السلوي والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن حبيش وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي

أخبار العجير السلولي ونسبه
نسبه
هو فيما ذكر محمد بن سلام العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن الربيع بن ضبيط بن جابر بن عبد الله بن سلول ونسخت نسبه من نسخة عبيد الله بن محمد اليزيدي عن ابن حبيب قال هو العجير بن عبيد الله بن كعب بن عبيدة بن جابر بن عمرو بن سلول بن مرة ابن صعصعة أخي عامر بن صعصعة شاعر مقل إسلامي من شعراء الدولة الأموية وجعله محمد بن سلام في طبقة أبي زبيد الطائي وهي الخامسة من

طبقات شعراء الإسلام
أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال حدثنا أبو الغراف قال كان العجير السلولي دل عبد الملك بن مروان على ماء يقال له مطلوب وكان لناس من خثعم فأنشأ يقول
( لا نومَ إلا غِرارُ العينِ ساهِرةً ... إن لم أرَوِّعْ بغيظٍ أهل مَطْلوب )
( إن تَشْتُمُوني فقد بدَّلْتُ أَيْكَتَكُمْ ... ذَرْقَ الدَّجاجِ بحَفَّان اليعاقيب )
( وكنتُ أخبِركُمْ أنْ سوف يعمُرها ... بَنُو أميةَ وَعْداً غيرَ مكذُوبِ ) - بسيط -
قال فركب رجل من خثعم يقال له أمية إلى عبد الملك حتى دخل عليه فقال يا أمير المؤمنبن إنما أراد العجير أن يصل إليك وهو شويعر سأل وحربه عليه فكتب إلى عامله بأن يشد يدي العجير إلى عنقه ثم يبعثه في الحديد فبلغ العجير الخبر فركب في الليل حتى أتى عبد الملك فقال له يا أمير المؤمنين أنا عندك فاحتبسني وابعث من يبصر الأرضين

والضياع فإن لم يكن الأمر على ما أخبرتك فلك دمي حل وبل فبعث فاتخذ ذلك الماء فهو اليوم من خيار ضياع بني أمية

اقامة الحد عليه وهربه
نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال هجا العجير قوما من بني حنيفة وشتمهم فأقاموا عليه البينة عند نافع بن علقمة الكناني فأمرهم بطلبه واحضاره ليقيم عليه الحد وقال لهم إن وجدتموه أنتم فأقيموا عليه الحد وليكن ذلك في ملأ يشهدون به لئلا يدعي عليكم تجاوز الحق فهرب العجير منهم ليلا حتى أتى نافع بن علقمة فوقف له متنكرا حتى خرج من المسجد ثم تعلق بثوبه وقال
( إليك سَبَقْنا السّوْطَ والسجْنَ تحتنا ... حيالٌ يُسَاميْن الظلالَ ولُقَّحُ )
( إلى نافعٍ لا نرتجي ما أصابنا ... تحومُ علينا السانحاتُ وتبرحُ )
( فإن أك مجلوداً فكن أنت جالدي ... وإن أكُ مذبوحاً فكن أنت تَذبح ) - طويل -
فسأله عن المطر وكيف كان أثره فقال له
( يا نافعٌ يا أكرمَ البريّهْ ... والله لا أَكْذِبُكَ العَشِيّهْ )
( إنا لَقِيْنا سنةً قَسِيَّهْ ... ثم مُطِرْنا مَطْرةً رويَّهْ )
( فنبت البقْلُ ولا رعيّهْ ... ) - زجر

يعني أن المواشي هلكت قبل نبات البقل فقال له انج بنفسك فإني سأرضي خصومك ثم بعث إليهم فسألهم الصفح عن حقهم وضمن لهم أن لا يعاود هجاءهم
أخبرني الحرمي بن العلاء قال
حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن إبراهيم السعدي عن عباس ابن عبد الصمد السعدي قال قال هشام بن عبد الملك للعجير السلولي أصدقت فيما قلته لابن عمك قال نعم يا أمير المؤمنين إلا أني قلت
( فتىً قُدَّ قَدّ السيف لا متضائلٌ ... ولا رَهِلٌ لبَّاتُه وبآدلهُ ) - طويل -
هذا البيت يروى لأخت يزيد بن الطثرية ترثيه به

( جميلً إذا استَقْبَلْتَهُ من أمامه ... وإن هو ولَّى أَشْعَثُ الرأس جافلهْ )
( طويلٌ سطيُّ الساعدين عَذَوَّرٌ ... على الحيّ حتى تستقلَّ مراجله )
( ترى جازِرَيْه يُرْعَدَان ونارُه ... عليها عداميلُ الهشيم وصامِلُه )
( يَجُرَّانِ ثِنْياً خيرُها عَظْمُ جاره ... على عينه لم تَعْدُ عَنها مشاغلهْ )

( تركنا أبا الأضيافِ في كل شتوة ... بِمَرٍّ ومِرْدَى كلِّ خَصْمٍ يجادله )
( مقيماً سلبناه دَرِيْسَيْ مُفاضةٍ ... وأبيضَ هندِيًّا طوالاً حمائله ) - طويل -
فقال هشام هلك والله الرجل
ونسخت من كتاب ابن حبيب قال ابن الأعرابي اصطحب العجير وشاعر من خزاعة إلى المدينة فقصد الخزاعي الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام وقصد العجير رجلا من بني عامر بن صعصعة كان قد نال سلطانا فأعطى الحسن بن الحسن الخزاعي وكساه ولم يعط العامري العجير شيئا فقال العجير
( يا ليتني يوم حزَّمْتُ القَلُوصَ له ... يَمَّمْتُها هاشميًّا غير ممذوق )
( محضَ النَّجار من البيت الذي جُعِلَتْ ... فيه النبوَّةُ يَجْري غَير مَسبوق )

( لا يُمْسك الخيرَ إلا ريثَ يُسْأَلهُ ... ولا يُلاطمُ عند اللّحم في السوق ) - بسيط -
فبلغت أبياته الحسن فبعث إليه بصلة إلى محلة قومه وقال له قد أتاك حظك وإن لم تتصد له

أمر بنحر جمله وقال شعرا
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن الحسن بن دينار الأحوال قال حدثني بعض الرواة أن العجير بن عبد الله السلولي مر بقوم يشربون فسقوه فلما انتشى قال انحروا جملي وأطعمونا منه فنحروه وجعلوا يطعمونه ويسقونه ويغنونه بشعر قاله يومئذ وهو
( علِّلاني إنما الدنيا عَلَلْ ... واسقياني عَلَلاً بعد نَهَلْ )
( وانشُلا ما اغبّر من قِدْرَيْكما ... واصبحاني أبعد اللهُ الجملْ )
( أَصحبُ الصاحب ما صاحبني ... وأكفُّ اللّومَ عنه والعَذَل )
( وإذا أتلف شيئاً لم أقلْ ... أبداً يا صاحِ ما كان فعل ) - رمل -
قال فلما صحا سأل عن جمله فقيل له نحرته البارحة فجعل يبكي ويصيح واغربتاه وهم يضحكون منه ثم وهبوا له بعيرا فارتحله وانصرف إلى أهله
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال حج العجير السلولي فنظر إلى امرأته وكان قد حج بها معه وهي تلحظ فتى من بعد وتكلمه فقال فيها

( أيا ربّ لا تغفرْ لعَثْمةَ ذنبهَا ... وإن لم يعاقبها العجير فعاقِبِ )
( أشارت وعَقدُ الله بيني وبينها ... إلى راكب من دونه ألفُ راكبِ )
( حرامٌ عليكِ الحجُّ لا تقرَبِنَّه ... إذا حان حَجُّ المسلمات التوائب ) - طويل -

العجير يكل زواج ابنته إلى خالها ثم يطلقها
وقال ابن الأعرابي غاب العجير غيبة إلى الشأم وجعل أمر ابنته إلى خالها وأمره أن يزوجها بكفء فخطبها مولى لبني هلال كان ذا مال فرغبت أمها فيه وأمرت خال الصبية الموصى إليه بأمرها أن يزوجها منه ففعل فلاذت الجارية بأخيها الفرزدق بن العجير وبرجال من قومها وبابن عم لها يقال له قيل فمنعوا جميعا منها سوى ابن عمها القيل فإنه ساعد أمها على ما أرادت ومنع منها الفرزدق فلما قدم العجير أخبر بما جرى ففسخ النكاح وخلع ابنته من المولى وقال
( ألا هل لبَعجانَ الهلالِيّ زاجرٌ ... وبعجانُ مأْدومُ الطعام سمينُ )
( أليس أميرُ المؤمنين ابنَ عمها ... وبالحِنْو آسادٌ لها وعرينُ )
( وعاذت بِحَقْوَيْ عامرٍ وابن عامرٍ ... ولله قد بَتَّت عليَّ يمينُ )
( تنالونها أو يخضِبَ الأرضَ منكُمُ ... دمٌ خرَّ عنه حاجبٌ وجبين ) - طويل -
وقال أيضا في ذلك
( إذا ما أتيْتَ الخاضبات أَكُفَّها ... عليهنّ مقصورُ الحجال المروَّقُ )
( فلا تدعوَنَّ القَيْلَ إلا لمشربٍ ... رَواءٍ ولكنّ الشجاع الفرزدق )

( هو ابنٌ لِبَيْضاءِ الجبين نجَيبةٍ ... تَلَقَّت بطُهر لم يجىءْ وهْو أحمق )
( تداعى إليه أكرمُ الحيِّ نسوةً ... أطفْنَ بِكِسْرَيْ بيتها حِين تُطْلَقُ )
( فجاءت بعُريانِ اليدين كأنّه ... من الطير بازٍ ينفُض الطّلّ أزرق ) - طويل -

قوله في رفيقه أصبح
وقال ابن الأعرابي كان للعجير رفيق يقال له أصبح وكانا يصيبان الطريق وفيه يقول العجير
( ومنخرِقٍ عن مَنْكِبيه قميصُه ... وعن ساعِديه للأخلاّء واصلِ )
( إذا طال بالقوم المطافي تَنُوفَةٍ ... وطولُ السُّرى ألفَيْتَهُ غيرَ ناكلِ )
( دعوْتُ وقد دبّ الكَرى في عِظامه ... وفي رأسه حتّى جرى في المفاصلِ )
( كما دبّ صافي الخمر في مخّ شاربٍ ... يميل بِعِطْفَيْه عن اللّبِّ ذاهِل )
( فلبَّى لِيَثْنيني بِثِنْيَيْ لسانه ... ثقيلين من نومٍ غَلوب الغياطِل )
( فقلتُ له قُمْ فارتحل ليس ها هنا ... سوى وقفةِ السّاري مُناخٌ لنازِلِ )
( فقام اهتزازَ الرمح يسرُو قميصَه ... ويحسِر عن عاري الذّراعين ناحلِ ) - طويل -
وقال ابن الأعرابي كانت للعجير امرأة يقال لها أم خالد فأسرع في ماله فأتلفه وكان جوادا ثم جعل يدان حتى أثقل بالدين ومد يده إلى مالها فمنعته منه وعاتبته على فعله فقال في ذلك
( تقولُ وقد غالبْتُها أمُّ خالد ... على مالها أُغرقْتَ دَيْناً فأقْصِرِ )

( أبى الْقَصْرَ مَن يأوي إذا اللّيل جَنَّني ... إلى ضوءِ ناري مِنْ فقير ومُقْترِ )
( أيا موقدَيْ ناري ارْفَعاها لعلّها ... تُشَبُّ لِمُقْوٍ آخر الليل مقفِر )
( أمِن راكبٍ أمسى بظهر تَنُوفةٍ ... أُوَارِيكِ أم من جاريَ الْمُتَنَظِّر )
( ولا قِدْرَ دون الجار إلاَّ ذميمةٌ ... وهذا المُقاسي ليلةً ذاتَ منكر )
( تكاد الصَّبَا تَبْتَزُّه مِنْ ثيابه ... على الرَّحْل إلا من قميصٍ ومئزر )
( وماذا علينا أن يخالِس ضوءَها ... كريمٌ نثاه شاحبُ المُتَحَسِّرِ )
المتحسر ما انكشف وتجرد من جسمه
( فيخبِرنا عمّا قليل ولو خلت ... له القِدْرُ لم نعجب ولم نتخَبَّر ) - طويل -

صوت
( سلِي الطارِقَ المُعْتَرَّ يا أمَّ مالكٍ ... إذا ما أتاني بين قِدْري ومَجْزِري )
( أَأَبْسُطَ وجهي أنّه أول القِرَى ... وأبذلُ معروفي له دون مُنْكري )
( فلا قَصْرَ حتّى يَفرجَ الغيثُ مَنْ أوى ... إلى جنب رَحْلي كلّ أشعث أغبر )
( أقِي العِرضَ بالمال التِّلادِ وما عسى ... أخوك إذا ما ضيّع العِرْضَ يشتري )
( يُؤدِّي إليَّ النَّيلُ قُنْيانَ ماجِدٍ ... كريم ومالي سارحاً مالُ مقتر )

القنيان ما اقتنى من المال يقول إنه لبذله القرى كأنه موسر وإذا سرح ماله علم أنه مقتر
( إذا مُتُّ يوماً فاحضُري أمَّ خالد ... تُراثَكِ من طِرْفٍ وسيفٍ وأقدَرِ ) - طويل -
قال ابن حبيب من الناس من يروي هذه الأبيات الأخيرة التي أولها
( سلِي الطارقَ المعتَرّ يا أمَّ مالك ... )
لعروة بن الورد وهي للعجير

وفوده على عبد الملك وإقامته ببابه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام بن محمد قال وفد العجير السلولي وسلول بنو مرة بن صعصعة على عبد الملك بن مروان فأقام ببابه شهرا لا يصل إليه لشغل عرض لعبد الملك ثم وصل إليه فلما مثل بين يديه أنشد
( ألا تلك أمُّ الهِبْرِزِيّ تَبَيَّنَتْ ... عِظامي ومنها ناحِلٌ وكسيرُ )
( وقالتْ تضاءلْتَ الغداةَ ومَنْ يكُنْ ... فتىً قبلَ عامِ الماءِ فَهْو كبيرُ )

( فقلتُ لها إنّ العُجيَر تقلّبتْ ... به أبطنٌ أبليْنَه وظهورُ )
( فمنهنّ إدلاجي على كُلِّ كوكبٍ ... له من عُمَانيِّ النجومِ نظيرُ )
( وَقَرْعي بكفِّي بابَ مَلْك كأنمّا ... به القومُ يرجون الأَذِينَ نُسُورُ )
( ويومٍ تبارى أَلْسُنُ القوم فيهِمُ ... وللموت أرحاءٌ بهنّ تدورُ )
( لَوَ أنَّ الجِبالَ الصُّمَّ يسْمعْن وَقْعَها ... لَعُدْن وقد بانت بهنّ فُطورُ )
( فرحتُ جَواداً والجوادُ مثابرٌ ... على جَرْيه ذو عِلَّة ويَسِيرُ ) - طويل -
فقال له يا عجير ما مدحت إلا نفسك ولكنا نعطيك لطول مقامك وأمر له بمائة من الإبل يعطاها من صدقات بني عامر فكتب له بها
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال نظر أبي إلى فتى من بني العباس يسحب مطرف خز عليه وهو سكران وكان فتى متهتكا فحرك رأسه مليا

ثم قال لله در العجير السلولي حيث يقول
( وما لبسَ الناسُ من حُلّة ... جدِيدٍ ولا خَلَقاً يُرْتَدَى )
( كمثل المُرُوءةِ للاّبسيْنَ ... فدعني من المُطْرَف المُسْتَدى )
( فليسَ يُغَيِّر فضلَ الكريم ... خُلُوقَةُ أثوابِهِ والبِلى )
( وليس يُغَيِّر طبعَ اللّئيم ... مطارِفُ خزٍ رِقاقُ السَّدَى )
( يجود الكريمُ على كلّ حالٍ ... ويكبو اللئيمُ إذا ما جرى ) - متقارب -

قوله في ابنه الفرزدق
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو القاسم اللهبي عن أبي عبيدة قال كان العجير السلولي له ابن يقال له الفرزدق وفيه يقول العجير
( ولقد وضعْتُك غير مُتَّركٍ ... من جابر في بيتها الضّخم )
( واخترتُ أمّكَ من نسائِهمْ ... وأبوك كلَّ عَذَوَّرٍ شهم )
( فلئن كذبْتَ المنحَ من مائةٍ ... فلتقبلَنَّ بسائغ وَخْم )
( إن الندى والفضل غايتُنا ... ونجاتُنا وطرِيقُ من يحمي )
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال قال الحرمازي وقف العجير السلولي لبعض الأمراء وقد علق به غريم له من أهله فقال له

( أتيتك إنّ الباهلي يسوقني ... بدَيْنٍ ومطلوبُ الدُّيون رقيقُ )
( ثلاثتُنا إنْ يسَّر اللَّهُ فائزٌ ... بأجرٍ ومُعْطًى حقَّه وعتيقُ ) - طويل -
فأمر بقضاء دينه

ابنة عمه تفضل العامري عليه ليساره
وقال ابن الأعرابي كانت للعجير بنت عم وكان يهواها وتهواه فخطبها الى أبيها فوعده وقاربه ثم خطبها رجل من بني عامر موسر فخيرها أبوها بينه وبين العجير فاختارت العامري ليساره فقال العجير في ذلك
( ألمِاَّ على دارٍ لزينبَ قد أتى ... لها بِلِوَى ذي الْمَرْخ صيفٌ ومَرْبَع )
( وقُولا لها قد طالما لم تَكَلَّمي ... وراعاك بالعين الفُؤادُ المُرَوَّع )
( وقولا لها قال العجير وخَصَّني ... إليك وإرسال الخلِيلَيْن ينفع )
( أأنتِ التي استودعتُك السّرَّ فانتحى ... لي الخَوْنَ مَرَّاحٌ من القوم أفرع )
( إذا متُّ كان الناسُ نِصفين شامتٌ ... ومُثْنٍ بما قد كنت أُسدِي وأَصنع )
( ومستلحَمٍ قد صَكَّه القومُ صكّةً ... بِعيدِ الموالي نِيْلَ ما كان يمنع )
( رددْتُ له ما أفرط القتل بالضحى ... وبالأمس حتى اقتاله فهو أصلعُ )
( ولست بمولاه ولا بابنِ عمِّه ... ولكنْ متى ما أملك النفع أنفع ) - طويل

وقال ابن الأعرابي كان العجير يتحدث إلى امرأة من بني عامر يقال لها جمل فألفها وعلقها ثم انتجع أهلها نواحي نصيبين فتتبعتها نفسه فسار إليهم فنزل فيهم مجاورا ثم رأوه منازلا ملازما محادثة تلك المرأة فنهوه عنها وقالوا قد رأينا أمرك فإما أن انقطعت عنها أو ارتحلت عنا أو فأذن بحرب فقال ما بيني وبينها ما ينكر وإنما كنت أتحدث إليها كما يتحدث الرجل الكريم إلى المرأة الحرة الكريمة فأما الريبة فحاش لله منها ثم عاود محادثتها فانتهبوا ماله وطردوه فأتى محمد بن مروان بن الحكم وهو يومئذ يتولى الجزيرة لأخيه عبد الملك بن مروان فأتاه مستعديا على بني عامر وعلى الذي أخذ ماله خصوصية وهو رجل من بني كلاب يقال له ابن الحسام وأنشده قوله
( عفا يافِعٌ من أهله فطَلوبُ ... وأقفَرَ لو كان الفؤادُ يثوب )
( وقفتُ بها مِن بَعْدِ ما حلّ أهْلُها ... نَصِيبِين والرّاقي الدموعَ طبيب )
( وقد لاح معروفُ القتِير وقد بدتْ ... بك اليومَ من ريب الزمان نُدوب )
( وسَالمْتُ روحاتِ المطيّ وأحْمَدَتْ ... مناسمُ منها تشتكي وصُلوب )

( وما القلب أَمْ ما ذِكرُهُ أمَّ صِبْيَةٍ ... أُرَيْكَةُ منها مسكنٌ فهَروبُ )
( حَصَان الحُمَيَّا حرةٌ حال دُونَها ... حلِيلٌ لها شاكي السلاح غضوب )
( شَموسٌ دُنُّو الفَرْقدين اقترابُها ... لغَيِّ مقاريفِ الرجال سَبوب )
( أحقًّا عبادَ اللَّه أن لستُ ناظراً ... إلى وجهها إلا عليّ رقيبُ )
( عدتْني العِدا عنها بُعَيْدَ تساعف ... وما أرتجي منها إليّ قريبُ )
( لقد أحسنتْ جُمْلٌ لَوَ أنَّ تبِيْعَها ... إذا ما أرادت أن تُثِيب يثيب )
( تَصُدّين حتَّى يذهبَ البأسُ بالمنى ... وحتّى تكادَ النفسُ عنكِ تطِيب ) - طويل -
هذا البيت يروى لابن الدمينة وهو بشعره أشبه ولا يشاكل أيضا هذا المعنى ولا هو من طريقه لأنه تشكى في سائر الشعر قومها دونها وهذا بيت يصف فيه الصد منها ولكن هكذا هو في رواية ابن الأعرابي
( وأنتِ المُنَى لو كنتِ تستأنِفيننا ... بخير ولكِنْ مُعْتفاكِ جدِيب )
( أيؤكلُ مالي وابنُ مروانَ شاهدٌ ... ولم يقْضِ لي وابن الحُسَام قرِيب )
( فتىً مَحْضُ أطرافِ العُرُوق مُساوِرٌ ... جبالَ العلا طَلْقُ اليدين وهوب )

فأمر محمد بن مروان بإحضار ابن الحسام الكلابي فأحضر فحبسه حتى رد مال العجير وأمر العجير بالانصراف إلى حيه وترك النزول على المرأة أو في قومها قال وقال العجير فيها أيضا
( هاتيك جّمْلٌ بأرضٍ لا يُقَرِّبُها ... إلاّ هَبلَّ من العِيدِيِّ مُعْتقِدُ )
( ودونَها مَعشرٌ خزرٌ عيونُهُمُ ... لو تخمُدُ النار من حَرٍّ لما خمدوا )
( عدُّوا علينا ذنوباً في زيارتها ... ليحجبوها وفي أخلاقهِمْ نَكَد )
( وحال مِنْ دونها شَكْسٌ خلائقُه ... كأنّه نَمِرٌ في جِلده الرِّبَد )
( فليس إلا عويلٌ كلما ذُكِرَتْ ... أو زفْرَةٌ طالما أنَّتْ بها الكبد )
( وتيّمتِنيَ جُمْلٌ فاستمرَّ بها ... شَحْطٌ من الدار لا أَمٌّ ولاصَدَدُ )
( قالوا غداة استقلت ما لِمُقْلَتِهِ ... أمن قذى هَمَلَتْ أم عارَها رَمَد )
( فقلت لا بل غَدَتْ سلمى لِطيَّتِهَا ... فليتهُمْ مثل وجدي بُكرةً وَجَدوا )
( إن كان وصلُكِ أَبلى الدّهرُ جِدّته ... وكلُّ شيءٍ جديدٍ هالكٌ نَفَد )
( فقد أُرانِي ووجْدِي إذْ تفارقني ... يوماًكوجدِ عجوز درْعُها قِدَد )

( تبكي على بَطَلٍ حُمَّتْ منِيَّتُه ... وكان واترَ أعداءٍ به ابتَرَدوا )
( وقد خلا زمنٌ لو تَصرِمين له ... وَصْلي لأيقْنتُ أنِّي ميّتٌ كَمِدُ )
( أزمانَ تعجبُني جُمْلٌ وأكتمُهُ ... جُمْلاً حياءً وما وَجْدٌ كما أجدُ )
( فقد برِئتُ على أني إذا ذُكِرَتْ ... ينهلُّ دمعي وتَحيا غُصَّةٌ تَلَدُ )
( من عهد سَلمى التي هام الفؤادُ بها ... أزْمانَ أزمانَ سلمى طِفلةٌ رُؤُد )
( قد قلت للكاشِح المبدِي عداوتَه ... قد طالما كان منك الغِشُّ والحسد )
( ألا تُبَيِّنُ لي لا زِلْتَ تُبْغِضني ... حتّامَ أنت إذا ما ساعفَتْ ضَمِد ) - بسيط -

وصية عبد الملك لمؤدب ولده
وقال ابن حبيب قال عبد الملك لمؤدب ولده إذا رويتهم شعرا فلا تروهم إلا مثل قول العجير السلولي
( يَبِين الجارُ حِين يبِين عنّي ... ولم تأنسْ إليّ كلابُ جاري )
( وتظعنُ جارتي من جَنب بيتي ... ولم تُسْتَرْ بسترٍ من جِداري )
( وتأمن أن أطالع حين آتي ... عليها وَهي واضعةُ الخمار )
( كذلك هَدْيُ آبائي قديماً ... تَوَارثه النَّجارُ عن النِّجار )
( فهدبي هديُهُمْ وهُمُ افْتَلَوْني ... كما افْتُلِي العتيقُ من المِهارِ ) - وافر -
وقال ابن حبيب أيضا نزل العجير بقوم فأكرموه وأطعموه وسقوه فلما

سكر قام إلى جمله فعقره وأخرج كبده وجبّ سنامه فجعل يشوي ويأكل ويطعم ويغني
( عَلّلاني إنما الدنيا عَلَلْ ... واسقياني عَلَلاً بعد نَهَلْ )
( وانشِلا لي اللحم من قِدْرَيْكما ... واصبحاني أبعد اللَّهُ الجمل ) - رمل -
فلما أفاق سأل عن جمله فأخبر ما صنع به فجعل يبكي ويصيح واغربتاه وهم يضحكون منه ثم أعطوه جملا وزودوه فانصرف حتى لحق بقومه
أخبرني عمي بهذا الخبر قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا الحكم بن موسى بن الحسين بن يزيد السلولي قال حدثني أبي عن عمه فقال فيه
مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذا لهم فشرب معهم وذكر باقي القصة نحوا مما ذكر ابن حبيب ولم يقل فيها فلما أصبح جعل يبكي ويصيح واغربتاه ولكنه قال فلما أصبح ساق قومه إليه ألف بعير مكان بعيره

اعجاب سليمان بن عبد الملك بشعره
أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحكم بن موسى بن الحسين السلولي قال حدثني أبي عن عمه قال عرض العجير لسليمان بن عبد الله وهو في الطواف وعلى العجير بردان يساويان مائة وخمسين دينارا فانقطع شسع نعله فأخذها بيده ثم هتف بسليمان فقال

( ودلّيْتُ دلوي في دِلاٍء كثيرة ... إليك فكان الماءُ ريّانَ مُعلما ) - طويل -
فوقف سليمان ثم قال لله دره ما أفصحه والله ما رضي أن قال ريان حتى قال معلما والله إنه ليخيل الي أنه العجير وما رأيته قط الا عند عبد الملك فقيل له هو العجير فأرسل إليه أن صر إلينا إذا حللنا فصار إليه فأمر له بثلاثين ألفا وبصدقات قومه فردها العجير عليهم ووهبها لهم

رثاء العجير لابن عمه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني هرون بن موسى الفروي قال كان ابن عم للعجير السلولي إذا سمع بأضياف عند العجير لم يدعهم حتى يأتي بجزور كوماء فيطعن في لبتها عند بيته فيبيتون في شواء وقدير ثم مات فقال العجير يرثيه
( تركنا ابا الأضيافِ في ليلةالصَّبا ... بمَرٍّ ومِرْدَى كلِّ خَصْمٍ يجادلهْ )
( وأُرعيه سمعي كلّما ذُكر الأسَى ... وفي الصّدرِ مني لوعةٌ ما تزايلُهْ )
( وكُنت أعِيرُ الدّمعَ قبلك مَن بكى ... فأنت على مَنْ مات بعدك شاغلُه ) - طويل -
هكذا ذكر هرون بن موسى في هذا الخبر والبيت الثالث من هذه الأبيات للشمردل بن شريك لا يشك فيه من قصيدة له طويلة فيه غناء قد ذكرته في أخباره
صوت
( فتاةٌ كأنَّ رضابَ العبِيرِ ... بفيها يُعَلُّ به الزنجبيلُ )

( قتلْتُ أباها على حبِّها ... فتبخلُ إن بخِلَتْ أو تُنيل ) - متقارب -
الشعر لخزيمة بن نهد والغناء لطويس خفيف رمل بالنصر عن يحيى المكي

أخبار خزيمة بن نهد ونسبه
نسبه
هو خزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة شاعر مقل من قدماء الشعراء في الجاهلية وفاطمة التي عناها في شعره هذا فاطمة بنت يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار كان يهواها فخطبها من أبيها فلم يزوجه إياها فقتله غيلة وإياها عنى بقوله
( إذا الجوزاءُ أَرْدَفَتِ الثُّريا ... ظننْتُ بآل فاطمةَ الظُّنُونا ) - وافر -
تشبيبه بفاطمة بنت يذكر
أخبرني بخبره محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبيد الله بن سعد

الزبيري قال حدثني عمي قال حدثني أبي أظنه عن الزهري قال كان بدء تفرق بني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام عن تهامة ونزوعهم عنها إلى الآفاق وخروج من خرج منهم عن نسبه أنه كان أول من ظعن عنها وأخرج منها قضاعة بن معد وكان سبب خروجهم أن خزيمة بن نهد بن زيد بن سود ابن أسلم بن الحاف بن قضاعة بن معد كان مشؤوما فاسدا متعرضا للنساء فعلق فاطمة بنت يذكر بن عنزة واسم يذكر عامر فشبب بها وقال فيها
( إذا الجوزاء أردفَتِ الثريا ... ظننْتُ بآل فاطمة الظنونا )
( وحالت دون ذلك مِنْ همومي ... همومٌ تُخْرِج الشَّجَن الدّفينا )
( أرى ابنة يذكرٍ ظَعَنَتْ فحلَّت ... جَنوبَ الحَزْن يا شَحَطا مبينا ) - وافر -

سبب القتال بين قضاعة ونزار
قال فمكث زمانا ثم إن خزيمة بن نهد قال ليذكر بن عنزة أحب أن تخرج معي حتى نأتي بقرظ فخرجا جميعا فلما خلا خزيمة بن نهد بيذكر بن عنزة قتله فلما رجع وليس معه سأله عنه أهله فقال لست أدري فارقني وما أدري أين سلك فكان في ذلك شر بين قضاعة ونزار ابني معد وتكلموا فيه فأكثروا ولم يصح على خزيمة عندهم شيء يطالبون به حتى قال خزيمة بن نهد
( فتاة كأنَّ رضابَ العبيرِ ... بفيها يُعَلُّ به الزنجبيلُ )
( قتلْتُ أباها على حبِّها ... فتبخلُ إنْ بَخِلَتْ أو تنيلُ ) - متقارب

فلما قال هذين البيتين تثاور الحيان فاقتتلوا وصاروا أحزابا فكانت نزار ابن معد وهي يومئذ تنتسب فتقول كندة بن جنادة بن معد وجاؤوهم يومئذ ينتمون فيقولون حاء بن عمرو بن أد بن أدد وكانت قضاعة تنتسب إلى معد وعك يومئذ تنتمي إلى عدنان فتقول عك عدنان بن أد والأشعريون ينتمُون إلى الأشعر بن أدد وكانوا يتبدون من تهامة إلى الشأم وكانت منازلهم بالصفاح وكان مر وعسفان لربيعة بن نزار وكانت قضاعة بين مكة والطائف وكانت كندة تسكن من الغمر إلى ذات عرق فهو إلى اليوم يسمى غمر كندة وإياه يعني عمر بن أبي ربيعة بقوله
( إذا سَلَكَتْ غَمْرُ ذي كِنْدَةٍ ... مع الصبح قَصْدٌ لها الفَرْدَقدُ )
( هنا لك إما تُعَزِّي الهوى ... وإما على إثرهمْ تَكْمَدُ ) - متقارب -
وكانت منازل حاء بن عمرو بن أدد والأشعر بن أدد وعك بن عدنان بن أدد فيما بين جدة إلى البحر
قال فيذكر بن عنزة أحد القارظين اللذين قال فيهما الهذلي

( وحتىّ يؤوبَ القارظانِ كلاهما ... ويُنْشَرَ في القتلى كليبٌ لوائلِ ) - طويل -
والآخر من عنزة يقال له أبو رهم خرج يجمع القرظ فلم يرجع ولم يعرف له خبر
قال فلما ظهرت نزار على أن خزيمة بن نهد قتل يذكر بن عنزة قاتلوا قضاعة أشد قتال فهزمت قضاعة وقتل خزيمة بن نهد وخرجت قضاعة متفرقين فسارت تيم اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة وفرقة من بني رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة وفرقة من الأشعريين نحو البحرين حتى وردوا هجر وبها يومئذ قوم من النبط فنزلت عليهم هذه البطون فأجلتهم فقال في ذلك مالك بن زهير
( نَزَعنا مِن تِهامةَ أيَّ حيٍّ ... فلم تحفِلْ بذاك بنو نزارِ )
( ولم أك من أنيسكُمُ ولكنْ ... شرينا دارَ آنسةٍ بدار ) - وافر -

الزرقاء تتحدث بقول الكهان
فلما نزلوا هجر قالوا للزرقاء بنت زهير وكانت كاهنة ما تقولين يا زرقاء قالت سعف وإهان وتمر وألبان خير من الهوان ثم أنشأت تقول

( ودِّع تِهامةَ لا وَداعَ مُخَالِقٍ ... بِذمامه لكنْ قِلىً وملامِ )
( لا تُنْكري هَجَراً مُقام غرِيبةٍ ... لن تعدَمي من ظاعنين تَهَامِ ) - كامل -
فقالوا لها فما ترين يا زرقاء فقالت مقام وتنوخ ما ولد مولود وأنقفت فروخ إلى أن يجيء غراب أبقع أصمع أنزع عليه خلخالا ذهب فطار فألهب ونعق فنعب يقع على النخلة السحوق بين الدور والطريق فسيروا على وتيرة ثم الحيرة الحيرة فسميت تلك القبائل تنوخ لقول الزرقاء مقام وتنوخ ولحق بهم قوم من الأزد قصاروا إلى الآن في تنوخ ولحق سائر قضاعة موت ذريع وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة يقال لهم بنو تزيد فنزلوا عبقر من أرض الجزيرة فنسج نساؤهم الصوف وعملوا منه الزرابي فهي التي يقال لها العبقرية وعملوا البرود التي يقال لها التزيدية وأغارت عليهم الترك فأصابتهم وسبت منهم فذلك قول عمرو بن مالك

( ألاَ للَّه ليلٌ لَمْ نَنَمْهُ ... على ذاتِ الخِضَاب مُجَنِّبينا )
( وليلتُنا بآمِدَ لَم نَنَمْها ... كليلتنا بِمَيَّا فارِقِينا ) - وافر -
وأقبل الحارث بن قراد البهراني ليعيث في بني حلوان فعرض له أباغ بن سليح صاحب العين فاقتتلا فقتل أباغ ومضت بهراء حتى لحقوا بالترك فهزموهم واستنقذوا ما في أيديهم من بني تزيد فقال الحارث بن قراد في ذلك
( كَأَنَّ الدهر جُمِّع في ليالٍ ... ثلاثٍ بِتُّهُنَّ بَشْهَرزُورِ )
( صَففْنا للأَعاجمِ من مَعَدٍّ ... صفوفاً بالجزيرة كالسّعير ) - وافر -
وسارت سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة يقودها الحدرجان بن سلمة حتى نزلوا ناحية فلسطين على بني أذينة بن السميذع من عاملة وسارت أسلم ابن الحاف وهي عذرة ونهد وحوتكة وجهينة والحارث بن سعد حتى نزلوا من الحجر إلى وادي القرى ونزلت تنوخ بالبحرين سنتين ثم أقبل غراب في رجليه حلقتا ذهب وهم في مجلسهم فسقط على نخلة في الطريق فينعق نعقات ثم طار فذكروا قول الزرقاء فارتحلوا حتى نزلوا الحيرة فهم أول من

اختطها منهم مالك بن زهير واجتمع إليهم لما بتنوا بها المنازل ناس كثير من سقاط القرى فأقاموا بها زمانا ثم أغار عليهم سابور الأكبر فقاتلوه فكان شعارهم يومئذ يا آل عباد الله فسموا العباد وهزمهم سابور فصار معظمهم ومن فيه نهوض إلى الحضر من الجزيرة يقودهم الضيزن بن معاوية التنوخي فمضى حتى نزل الحضر وهو بناء بناه الساطرون الجرمقاني فأقاموا به وأغارت حمير على بقية قضاعة فخيروهم بين أن يقيموا على خراج يدفعونه إليهم أو يخرجوا عنهم فخرجوا وهم كلب وجرم والعلاف وهم بنو زبان ابن تغلب بن حلوان وهو أول من عمل الرحال العلافية وعلاف لقب زبان فلحقوا بالشام فأغارت عليهم بنو كنانة بن خزيمة بعد ذلك بدهر فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانهزموا فلحقوا بالسماوة فهي منازلهم إلى اليوم

صوت
( إني امرؤ كفَّنِي ربي ونزَّهني ... عن الأمور التي في غِبِّها وَخَم )

( وإنما أنا إنسانٌ أعيش كما ... عاش الرجالُ وعاشت قبْلِيَ الأمم ) - بسيط -
الشعر للمغيرة بن حبناء من قصيدة مدح بها المهلب بن أبي صفرة والغناء لأبي العبيس بن حمدون ثقيل أول بالبنصر وهو من مشهور أغانيه وجيدها

نسب المغيرة بن حبناء وأخباره
المغيرة بن حبناء بن عمرو بن ربيعة بن أسيد بن عبد عوف بن ربيعة ابن عامر بن ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وحبناء لقب غلب على أبيه واسمه جبير بن عمرو ولقب بذلك لحبن كان أصابه وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وأبوه حبناء بن عمرو شاعر وأخوه صخر ابن حبناء شاعر وكان يهاجيه ولهما قصائد يتناقضانها كثيرة سأذكر منها طرفا وكان قد هاجى زيادا الأعجم فأكثر كل واحد منهما على صاحبه وأفحش ولم

يغلب أحد منهما صاحبه كانا متكافئين في مهاجاتهما ينتصف كل واحد منهما من صاحبه

مدحه لطلحة الطلحات
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني عبيد الله بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني الحسن بن جهور عن الحرمازي قال قدم المغيرة ابن حبناء على طلحة الطلحات الخزاعي ثم المليحي أحد بني مليح فأنشده قوله فيه
( لقد كنتُ أسعى في هواكَ وأبتغي ... رضاكَ وأرجو منكَ ما لسْتُ لاقيا )
( وأبذلُ نفسي في مواطِنَ غيرُها ... أَحَبُّ وأعصي في هواكَ الأدانيا )
( حِفاظاً وتمسيكاً لما كان بيننا ... لِتَجْزيَنِي ما لا إخالُكَ جازياً )
( رأيتُكَ ما تنفكُّ منك رَغيبةٌ ... تقصِّر دوني أو تحلُّ ورائيا )
( أُراني إذا استمطرْتُ منك رَغيبةً ... لتُمْطِرَني عادتْ عَجَاجاً وسافِيا )
( وَأدْليْتُ دَلْوِي في دِلاء كثيرة ... فَأُبْنَ مِلاءً غيرَدلوي كما هِيا )
( ولستُ بلاقٍ ذا حِفاظٍ ونَجدةٍ ... من القوم حُرًّا بالخسِيسة راضيا )
( فإن تَدْنُ مني تَدْنُ منكَ مودتي ... وإن تَنْأَ عني تُلفنِي عنكَ نائيا ) - طويل

قال فلما أنشده هذا الشعر قال له أما كنا أعطيناك شيئا قال لا فأمر طلحة خازنه فأخرج درجا فيه حجارة ياقوت فقال له اختر حجرين من هذه الأحجار أو أربعين ألف درهم فقال ما كنت لأختار حجارة على أربعين ألف درهم فأمر له بالمال فلما قبضه سأله حجرا منها فوهبه له فباعه بعشرين ألف درهم ثم مدحه فقال
( أرى الناس قد مَلُّوا الفَعال ولا أرى ... بني خَلَفٍ إلا رِواءَ المواردِ )
( إذا نفعوا عادوا لمن ينفعونه ... وكائن ترى من نافع غير عائد )
( إذا ما انجلتْ عنهُمْ غمامةُ غَمْرةٍ ... من الموت أجلتْ عن كرامٍ مَذَاوِدِ )
( تسود غطاريفَ الملوك ملوكُهُمْ ... وما جِدهُمْ يعلو على كل ماجد ) - طويل -

مدحه للمهلب بن أبي صفرة
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي عن رواة باهلة أن المهلب بن أبي صفرة لما هزم قطري بن الفجاءة

بسابور جلس للناس فدخل إليه وجوههم يهنئونه وقامت الخطباء فأثنت عليه ومدحته الشعراء ثم قام المغيرة بن حبناء في أخرياتهم فأنشده
( حال الشّجا دونَ طَعْم العيش والسهرُ ... واعتاد عينَكَ مِن إدمانها الدِّررُ )
( واستَحْقَبَتْكَ أمورٌ كنتَ تكرهها ... لو كان ينفعُ منها النّأيُ والحذر )
( وفي الموارد للأقوامِ تَهْلُكةٌ ... إذا المواردُ لم يُعْلم لها صَدَر )
( ليس العزيزُ بمن تُغْشَى محارِمُه ... ولا الكريمُ بمن يُجْفى ويُحْتَقَرُ )
حتى انتهى إلى قوله
( أمسى العِبادُ بشرٍّ لا غِياثَ لهُمْ ... إلا المهلَّبُ بعد اللَّه والمطرُ )
( كلاهما طيّبٌ تُرْجى نوافله ... مباركٌ سَيْبُهُ يرجى ويُنتظر )
( لايَجْمُدانِ عليهمْ عند جَهدِهِمُ ... كِلاهما نافعٌ فيهمْ إذا افتقروا )
( هذا يذودُ ويحمي عن ذِمارِهِمُ ... وذا يعِيش به الأَنعام والشَّجر )
( واستسلم الناسُ إذ حلَّ العدوُّ بهمْ ... فلا ربيعتُهمْ تُرجَى ولا مضرُ )
( وأنت رأسٌ لأهل الدين منتخَبٌ ... والرأسُ فيه يكون السمع والبصر )
( إن المهلَّب في الأيام فضَّله ... على منازلِ أقوام إذا ذُكروا )

( حَزْمٌ وجودٌ وأيامٌ له سلفتْ ... فيها يُعَدُّ جسيمُ الأمر والخطرُ )
( ماضٍ على الهولِ ما ينفكُّ مرتحِلاً ... أسبابَ معضلةٍ يعيا بها البشر )
( سهلُ الخلائق يعفو عِند قدرتِهِ ... منه الحياء ومن أخلاقه الخفَرُ )
( شهابُ حربٍ إذا حلّت بساحته ... يُخْزِي به اللَّه أقواماً إذا غدروا )
( تزيدُهُ الحربُ والأهوال إن حضرت ... حزماً وعزماً ويجلو وجهَه السفر )
( ما إن يزالُ على أرجاءِ مُظْلِمةٍ ... لولا يُكَفْكِفُها عن مِصرهمْ دَمَروا )
( سهلٌ إليهمْ حليمٌ عن مجاهلهمْ ... كأنما بينهُمْ عثمانُ أو عمر )
( كَهْفٌ يلوذون من ذُلّ الحياةِ به ... إذا تكنَّفهم مِن هولها ضرر )
( أَمْنٌ لخائِفِهِمْ فَيْضٌ لسائلهِمْ ... ينتاب نائِلَه البادون والحَضرَ ) - بسيط -
فلما أتى على آخرها قال المهلب هذا والله الشعر لا ما نعلل به وأمر له بعشرة آلاف درهم وفرس جواد وزاده في عطائه خمسمائة درهم
والقصيدة التي منها البيتان اللذان فيهما الغناء المذكور بذكره أخبار المغيرة من قصيدة له مدح بها المهلب بن أبي صفرة أيضا وأولها
( أمِن رسومِ ديارٍ هاجَكَ القِدَمُ ... أَقْوَتْ وأقفر منها الطَّفُّ والعَلَمُ )
( وما يَهيجُك من أطلالِ مَنْزِلَةٍ ... عفَّى معالِمَهَا الأرواحُ والديمُ )

( بئس الخليفةُ من جارٍ تضنُّ به ... إذا طرِبْتَ أثافي القِدْرِ والحُمَم )
( دارُ التي كاد قلبي أن يُجَنَّ بها ... إذا ألمَّ به مِن ذِكرها لَمَم )
( إذا تذكَّرها قلبي تضيّفه ... همٌّ تضِيق به الأحشاء والكَظَم )
( والبينُ حين يروعُ القلبَ طائِفُه ... يبدي ويظهِر منهمْ بعضَ ما كتموا )
( إني امرؤ كفّني ربي وأكرمني ... عن الأمور التي في غِبِّهَا وَخَمْ )
( وإنما أنا إنسانٌ أعيش كما ... عاش الرجال وعاشت قبليَ الأمم ) - بسيط -
وهي قصيدة طويلة وكان سبب قوله إياها أن المهلب كان أنفذ بعض بنيه في جيش لقتال الأزارقة وقد شدت منهم طائفةة تغير على نواحي الأهواز وهو مقيم يومئذ بسابور وكان فيهم المغيرة بن حبناء فلما طال مقامه واستقر الجيش لحق بأهله فألم بهم وأقام عندهم شهرا ثم عاود وقد قفل الجيش إلى المهلب فقيل له إن الكتاب خطوا على اسمه وكتب إلى المهلب أنه عصى وفارق مكتبه بغير إذن فمضى إلى المهلب فلما لقيه أنشده هذه القصيدة واعتذر إليه فعذره وأمر باطلاق عطائه وإزالة العتب عنه وفيها يقول يذكر قدومه إلى أهله بغير إذن
( ما عاقني عن قُفُولِ الجندِ إذ قفلوا ... عِيٌّ بما صنعوا حولي ولا صَمَمُ )
( ولو أردْتُ قفولاً ما تجهَّمَني ... إذن الأمير ولا الكتابُ إذ رقموا )

( إني ليعرِفني راعي سريرِهِمُ ... والمُحْدِجون إذا ما ابتلّت الحُزُمُ )
( والطالبون إلى السلطان حاجتَهُمْ ... إذا جفا عنهُمُ السلطان أو كَزِموا )
( فسوف تُبْلِغُك الأنباءَ إن سلِمتْ ... لك الشواحِج والأنفاسُ والأدم )
( إنَّ المهلّب إنْ أشتقْ لرؤيتهِ ... أو امتدِحْهُ فإنَّ الناس قد علموا )
( إن الكريم من الأقوامِ قد علموا ... أبو سعيد إذا ما عُدَّت النِّعم )
( والقائلُ الفاعلُ الميمونُ طائره ... أبو سعيدٍ وإنْ أعداؤه زَغموا )
( كم قد شهدْتُ كراماً من مواطنه ... ليست بغيب ولا تقوالهِمْ زعموا )
( أيّامَ أيامَ إذ عضَّ الزمان بهمْ ... وإذ تمنَّى رجالٌ أنهم هُزِموا )
( وإذ يقولون ليتَ اللَّه يُهْلكهُمْ ... واللَّه يعلم لو زَلَّت بهمْ قَدَمُ )
( أيامَ سابورَ إذ ضاعت رَباعَتْهُمْ ... لولاه ما أَوْطَنوا داراً ولا انتقموا )
( إذ ليس شيء من الدنيا نصول به ... إلا المغافِرُ والأبدانُ واللُّجُم )
( وعاتراتٍ من الخَطّيِّ مُحْصَدَةٍ ... نفضي بهنَّ إليهمْ ثم نَدَّعِم )

سبب التهاجي بينه وبين زياد الأعجم
هكذا ذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني في خبر هذه القصيدة ونسخت من كتابه وذكر أيضا في هذا الكتاب أن سبب التهاجي بين زياد الأعجم والمغيرة بن حبناء أن زيادا الأعجم والمغيرة بن حبناء وكعبا الأشقري اجتمعوا عند المهلب وقد مدحوه فأمر لهم بجوائز وفضل زيادا عليهم ووهب له غلاما فصيحا ينشد شعره لأن زيادا كان ألكن لا يفصح فكان راويته ينشد عنه ما يقوله فيتكلف له مؤونة ويجعل له سهما في صلاته فسأل المهلب يومئذ أن يهب له غلاما كان له يعرفه زياد بالفصاحة والأدب فوهبه له فنفسوا عليه ما فضل به فانتدب له المغيرة من بينهم فقال للمهلب أصلح الله الأمير ما السبب في تفضيل الأمير زيادا علينا فوالله ما يغني غناءنا في الحرب ولا هو بأفضلنا شعبا ولا أصدقنا ودا ولا أشرفنا أبا ولا أفصحنا لسانا فقال له المهلب أما إني والله ما جهلت شيئا مما قلت وإن الأمر فيكم عندي لمتساو ولكن زيادا يكرم لسنه وشعره وموضعه من قومه وكلكم كذلك عندي وما فضلته بما ينفس به وأنا أعوضكم بعد هذا بما يزيد على ما فضلته به فانصرف وبلغ زيادا ما كان منه فقال يهجوه
( أرى كلَّ قومٍ يَنْسلُ اللؤمُ عندهُمْ ... ولؤمُ بني حَبْنَاءَ ليس بناسِلِ )
( يَشبُّ مع المولودِ مثلَ شبابه ... ويَلقاه مولوداً بأيدي القوابل )
( ويُرْضعُهُ من ثَدْي أمِّ لئيمةٍ ... ويُخْلَقُ من ماءِ امرئ غير طائل )
( تعالَوا فعدّوا في الزمان الذي مضى ... وكل أناسٍ مجدُهُمْ بالأوائل )

( لَكَمْ بفعالٍ يَعْرِفُ الناس فضله ... إذا ذُكِر الأَملاءُ عِند الفضائل )
( فغازيكُمُ في الجيش أَلأَم مَنْ غزا ... وقافِلكُمْ في الناس أَلأَم قافل )
( وما أنتُمُ مِنْ مالكٍ غيرَ أنكُمْ ... كمغرورةٍ بالبَوِّ في ظلٍ باطل )
( بنو مالكٍ زُهر الوجوه وأنتُمُ ... تَبيَّنَ ضاحي لؤمِكُمْ في الجحافل ) - طويل -
يعني برصا كان بالمغيرة بن حبناء
أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثني المدائني قال عير زياد الأعجم المغيرة بن حبناء في مجلس المهلب بالبرص فقال له المغيرة إن عتاق الخيل لا تشينها الأوضاح ولا تعير بالغرر والحجول وقد قال صاحبنا بلعاء بن قيس لرجل عيره بالبرص إنما أنا سيف الله جلاه واستله على أعدائه فهل تغني يا بن العجماء غنائي أو تقوم مقامي ثم نشب الهجاء بينهما
نسخت من نسخة ابن الأعرابي قال كان المغيرة بن حبناء يوما يأكل مع المفضل بن المهلب فقال له المفضل
( فلم أر مِثلَ الحنظلِيّ ولونِهِ ... أكِيلَ كرامٍ أو جليس أميرِ ) - طويل

فرفع المغيرة يده وقام مغضباً ثم قال له
( إني امرؤٌ حنظِليٌّ حين تنسُبُنِي ... لامِ العِتيك ولا أخوالِيَ العَوَقُ )
العوق من يشكر وكانوا أخوال المفضل
( لا تحسبَنَّ بياضاً فيَّ منقصةً ... إن اللّهاميم في ألوانها بلقُ ) - بسيط -
وبلغ المهلب ما جرى فتناول المفضل بلسانه وشتمه وقال أردت أن يتمضغ هذا أعراضنا ما حملك على أن أسمعته ما كره بعد مواكلتك إياه أما إن كنت تعافه فاجتنبه أو لا تؤذه ثم بعث إليه بعشرة آلاف درهم واستصفحه عن المفضل واعتذر إليه عنه فقبل رفده وعذره وانقطع بعد ذلك عن مواكلة أحد منهم
رجع الخبر إلى سياقته مع زياد والمغيرة فقال المغيرة يجيب زيادا
( أزيادُ إنَّك والذي أنا عبدُهُ ... ما دون آدَم من أبٍ لك يُعلمُ )
( فالحَقْ بأرضِك يا زيادُ ولا تَرُمْ ... ما لا تطيق وأنت عِلجٌ أعجمُ )
( أظننْتَ لؤْمَك يا زيادُ يسدُّه ... قوسٌ ستْرتَ بها قفاك وأسهمُ )
( عِلْجٌ تعصَّبَ ثم راق بقوسه ... والعِلْجُ تعرفه إذا يَتعمَّمُ )
( ألْقِ العصابة يا زيادُ فإنما ... أخزاك ربِّي إذ غدوْتَ تَرَنَّمُ )

( واعلم بأنك لست مِنِّي ناجياً ... إلا وأنت ببَظْرِ أمك ملجَمُ )
( تهجو الكرام وأنت ألأمُ مَنْ مَشَى ... حسباً وأنت العِلْجُ حين تَكَلَّمُ )
( ولقد سألْتُ بني نزارٍ كلّهُمْ ... والعالمِين من الكهول فأقسموا )
( باللَّه مالَكَ في معدٍّ كلِّها ... حَسَبٌ وإنك يا زياد مُوَذَّمُ ) - كامل -
فقال زياد يجيبه
( ألم تَرَ أنِّني وتَّرْتُ قَوْسي ... لأِبقعَ من كلاب بني تميم )
( عوَى فَرَمَيْتُهُ بسهامِ موتٍ ... كذاك يُرَدُّ ذو الحُمْقِ اللئيمُ )
( وكنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قوم ... كَسَرْتُ كعوبها أو تستقيمُ )
( هُمُ الحَشْوُ القليلُ لكلِ حيٍّ ... وَهُمْ تَبَعٌ كزائدة الظليمِ )
( فلستَ بِسابِقي هَرِماً ولمّا ... يَمُرَّ على نواجذك القَدومُ )
( فحاوِلْ كيف تنجُو مِن وقاعِي ... فإنّك بعد ثالثةٍ رميمُ )

( سراتُكُمُ الكلابُ البُقْعُ فيكُمْ ... للؤمِكُمُ وليس لكُمْ كريمُ )
( فقد قَدُمَتْ عُبودتُكُمْ ودُمْتُمْ ... على الفَحْشاء والطبعِ اللّئيمِ ) - وافر -
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني قال قال زياد الأعجم يهجو المغيرة بن حبناء
( عجبْتُ لأبْيَضِ الخُصْيَيْنِ عبدٍ ... كأنّ عِجانَهُ الشِّعْرَى العبورُ ) - وافر -
فقيل له يا أبا أمامة لقد شرفته إذ قلت فيه
( كأنّ عجانه الشِّعْرى العبور ... )
ورفعت منه فقال سأزيده رفعةً وشرفا ثم قال
( لا يبرحُ الدّهرَ خارئٌ أبداً ... إلاّ حسْبتَ على بابِ استِه القمرا ) - بسيط -
قال وتقاولا في مجلس المهلب يوما فقال المغيرة لزياد
( أقول له وأنكَرَ بعضَ شأني ... ألم تعرفْ رِقاب بني تميمِ ) - وافر -
فقال له زياد

( بلَى فعرفْتُهُنَّ مقصَّراتٍ ... جِباهَ مَذَلَّةٍ وسِبالَ لومِ ) - وافر -

ربيعة تحرض زياد الأعجم على هجو المغيرة
نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال كانت ربيعة تقول لزياد الأعجم يا زياد أنت لساننا فاذبب عن أعراضنا بشعرك فإن سيوفنا معك فقال المغيرة بن حبناء فيه وقد بلغه هذا القول من ربيعة له
( يقولون ذبِّبْ يا زيادُ ولم يكن ... لِيوقِظَ في الحرب الملمَّةِ نائما )
( ولو أنَّهم جاؤوا به ذا حفيظةٍ ... فيمنعَهُمْ أو ماجداً أو مراغماً )
( ولكنّهم جاؤوا بأقلَفَ قد مضت ... له حِججٌ سبعون يُصبح رازِما )
( لئيماً ذميماً أعجميّاً لسانُه ... إذا نال دَنًّا لم يبال المكارما )
( وما خلْتُ عبد القيس إلا نُفايةً ... إذا ذَكَر الناس العُلا والعظائِما )
( إذا كنتَ للعبدِيّ جاراً فلا تَزلْ ... على حَذَرٍ منه إذا كان طاعما )
( أناساً يُعدُّون الفساء لجارهمْ ... إذا شَبعوا عند الجُبَاةِ الدراهما )
( من الفَسوِ يقضُون الحقَوق عليهمُ ... ويُعْطُونَ مولاهُمْ إذا كان غارما )
( لهمْ زجَلٌ فيه إذا ما تجاوَبُوا ... سمعتْ زفيراً فيهمُ وهَماهِما )
( لعمركَ ما نجَّى ابن زرْوان إذ عَوَى ... ربيعةُ منِّ يوم ذلك سالما )
( أظَنَّ الخبيثُ ابنُ الخبِيثَينِ أنَّني ... أسلِّمُ عرْضي أو أهابُ المقاوِما )
( لعمركَ لا تَهدي ربِيعةُ للحجا ... إذا جعلوا يستنصِرون الأعاجما ) - طويل -
شعره بعد اعتذار عبد قيس له
قال فجاءت عبد القيس إلى المغيرة فقالوا يا هذا ما لنا ولك

تعمنا بالهجاء لأن نبحك منا كلب فقال وقلت قد تبرأنا إليك منه فإن هجاك فاهجه وخل عنا ودعنا وأنت وصاحبك أعلم فليس منا له عليك ناصر فقال
( لعمرُك إنِّي لابنِ زرْوان إذ عوى ... لَمُحْتَقِرٌ في دعوة الودِّ زاهدُ )
( وما لك أصلٌ يا زياد تعدُّه ... وما لك في الأرضِ العريضة والدُ )
( ألم تَرَ عبد القيس منك تبرّأتْ ... فلاقيتَ ما لم يَلْقَ في الناس واحدُ )
( وما طاشَ سهمي عنك يوم تبرّأت ... لُكَيزُ بنُ أفصى منك والجند حاشدُ )
( ولا غابَ قرنُ الشَّمس حتى تحدَّثت ... بِنفيِك سُكانُ القُرى والمساجدُ )
رفع المساجد لأنه جعل الفعل لها كأنه قال وأهل المساجد كما قال الله عز و جل ( واسأل القرية ) وتحدثت المساجد وإنما يريد من يصلي فيها
( فأصبحْتَ عِلجاً من يُزرْك ومن يَزُرْ ... بناتِك يَعْلَمْ أنَّهن ولائد )
( وأصبحْن قُلْفاً يغتزِلْن بأُجرة ... حواليكَ لم تَجْرَحْ بهن الحدائد )
( نَفَرْنَ من المُوْسى وأقررْنَ بالتي ... يقِرّ عليها المقرِفاتُ الكواسد )
( بِإصْطَخْرَ لم يَلبَسْنَ من طُول فاقةٍ ... جديداً ولا تُلقَى لهنَّ الوسائد )

( وما أنتَ بالمنسوب في آلِ عامِرٍ ... ولا ولدَتْكَ المُحْصَناتُ المواجدُ )
( ولا ربَّبتَكْ الحنظليّةُ إذْ غذتْ ... بنيها ولا جِيْبَتْ عليك القلائدُ )
( ولكن غذاكَ المشركون وزاحمتْ ... قَفاكَ وخدَّيك البُظورُ العواردُ )
( ولم أرَ مِثْلي يا زياد بِعِرضِه ... وعِرضِك يَسْتَبَّان والسيف شاهد )
( ولو أنّني غشّيْتُك السيفَ لم يُقَلْ ... إذا متَّ إلاّ مات عِلْجٌ مُعاهِدُ ) - طويل -

المغيرة يعنف أخاه صخرا بعد أن تلاحيا
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا قال رجع المغيرة بن حبناء إلى أهله وقد ملأ كفيه بجوائز المهلب وصلاته والفوائد منه وكان أخوه صخر بن حبناء أصغر منه فكان يأخذ على يده وينهاه عن الأمر ينكر مثله ولا يزال يتعتب عليه في الشيء بعد الشيء مما ينكره عليه فقال فيه صخر بن حبناء
( رأيُتك لّما نلْتَ مالاً وعَضَّنا ... زمانٌ نرى في حدِّ أنيابِه شغْبا )
( تجنَّى عليّ الدّهرُ أَنِّيَ مُذْنِب ... فأَمْسِكْ ولا تجعلْ غِناك لن ذَنْبا ) - طويل -
فقال المغيرة يجيبه
( لحا اللَّه أنآنا عن الضَّيفِ بالقِرى ... وأقصَرَنا عن عِرْضِ والده ذَبّا )

( وأجدَرَنا أن يدخُلَ البيتَ باستهِ ... إذا القُفُّ دلّى مِن مخارِمه رَكْبا )
( أَأَنْبَأَكَ الأفّاكُ عنِّي أنَّني ... أحرِّكُ عرْضي إن لعبْتَ به لِعْبا ) - طويل -
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو قال جاءت أخت المغيرة بن حبناء إليه تشكو أخاها صخرا وتذكر أنه أسرع في مالها وأتلفه وإنها منعته شيئا يسيرا بقي لها فمد يده إليها وضربها فقال له المغيرة معنفا
( ألا من مبلِغٌ صخرَ بنَ ليلى ... فإني قد أتاني مِن نَثَاكا )
( رسالةَ ناصحٍ لك مستجيبٍ ... إذا لم تَرْعَ حرمتَه رعاكا )
( وصولٍ لو يراك وأنت رهنٌ ... تُباع بماله يوماً فَدَاكا )
( يرى خيراً إذا ما نلتَ خيراً ... ويَشْجَى في الأمور بما شجاكا )
( فإنّك ترى أسماءَ أختاً ... ولا تَرَيَنَّنِي أبداً أخاكا )
( فإن تعنُفْ بها أو لا تصِلْها ... فإنّ لأمِّها وَلَداً سِواكا )
( يَبَرُّ ويستجيبُ إذا دعته ... وإنْ عاصيْتَه فيها عصاكا )
( وكنت أرى بها شرفاً وفضلاً ... على بَعضِ الرِّجال وفوق ذاكا )
( جزاني اللَّهُ منك وقد جزاني ... ومِنِّي في مَعَاتبنا جَزَاكا )
( وأعقَبَ أصدَقَ الخَصْمينِ قولاً ... وولىَّ اللؤمَ أولانا بذاكا )
( فَلا واللَّه لو لم تَعْصِ أمري ... لكنْتَ بمعزِلٍ عمَّا هُناكا ) - وافر

قال فأجابه أخوه صخر بن حبناء فقال
( أتاني عن مُغِيرةَ ذَرْوُ قولٍ ... تَعمَّدَه فقلْت له كذاكا )
( يعمُّ به بني ليلى جميعاً ... فولِّ هجاءهُمْ رجلاً سِواكا )
( فإنْ تكُ قد قَطَعْتَ الوصلَ منِّي ... فهذا حينَ أخلفَني مُناكا )
( تُمنِّيني إذا ما غبْتَ عنيَ ... وتُخلفِني منايَ إذا أراكا )
( وتُوليني مَلامَة أهلِ بيتي ... ولا تعطِي الأقاربَ غيرَ ذاكا )
( فإن تكُ أختُنا عتبَتْ علينا ... فلا تَصْرِمِ لِظِنّتها أخاكا )
( فإن لها إذا عتبَتْ علينا ... رِضاها صابِرينَ لها بذاكا )
( وإن تك قد عتبْتَ عليَّ جهلاً ... فلا واللَّهِ لا أبغي رضاكا )
( فقد أعلنْتُ قولكَ إذ أتاني ... فأعلِنْ مِن مقالي ما أتاكا )
( سيُغنِي عنك صخراً ربُّ صخرٍِ ... كما أغناك عن صخرٍ غناكا )
( ويغنِينِي الذي أغناكَ عنِّي ... ويكفِيني الإلهُ كما كفاكا )
( ألم تَرَني أجودُ لكُمْ بمالي ... وأرمِي بالنَّواقِر من رماكا )
( وإنِّي لا أقودُ إليك حرباً ... ولا أَعصيك إنْ رجلٌ عصاكا )
( ولكنِّي وراءك شِمَّرِيٌّ ... أُحامي قد علِمْتَ على حِماكا )
( وأدفعُ ألسنَ الأعداء عنكُمْ ... ويَعنيني العدوُّ إذا عناكا )

( وقد كانت قُريبةُ ذات حق ... عليكَ فلَمْ تطالعْها بذاكا )
( رأيتُ الخيرَ يُقصَر منك دوني ... وتبلُغني القوارصُ مِن أذاكا ) - وافر -
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا قال كان حبناء بن عمرو قد غضب على قومه في بعض الأمر فانتقل إلى نجران وحمل معه أهله وولده فنظرت امرأته سلمى إلى غلام من أهل نجران يضرب ابنه المغيرة وهو يومئذ غلام فقالت لحبناء قد كنت غنيا عن هذا الذل وكان مقامك بالعراق في قومك أو في حي قريب من قومك أعز لك فقال حبناء في ذلك
( تقول سُليمى الحنظِليَّةُ لابنها ... غلامٌ بنجرانَ الغداةَ غريبُ )
( رأتْ غِلمةً ثاروا إليه بأرضهمْ ... كما هَرَّ كلبُ الدارِ بين كَليبِ )
( فقالت لقد أجْرَى أبوك لمِا ترى ... وأنت عزيزٌ بالعراقِ مَهيبُ ) - طويل -
وقال أيضا
( لعمركَ ما تدرِي أشيءٌ تريده ... يلِيك أمِ الشيءُ الذي لا تحاوِلُهْ )
( متى ما يَشَأْ مستقبِس الشرِّ يَلْقَهُ ... سريعاً وتَجْمَعْهُ إليه أناملُهْ ) - طويل -

زياد الاعجم يهجو اسرة المغيرة بادوائهم
أخبرني عيسى بن الحسن الوراق قال حدثنا محمد بن القاسم بن

مهرويه قال حدثني أبو الشبل النضري قال كان المغيرة بن حبناء أبرص وأخوه صخر أعور وأخوه الآخر مجذوما وكان بأبيهم حبن فلقب حبناء واسمه جبير بن عمرو فقال زياد الأعجم يهجوهم
( إنّ حبناءَ كان يُدْعَى جُبيراً ... فَدَعَوْه من لؤمه حبناءَ )
( ولَدَ العُورَ منه والبُرْصَ والجَذْمَى ... وذو الداء يُنتِج الأدواءَ ) - خفيف -
فيقال إن هذه الأبيات كانت آخر ما تهاجيا به لأن المغيرة قال قد بلغه هذا الشعر ما ذنبنا فيما ذكره هذه أدواء ابتلانا الله عز و جل بها وإني لأرجو أن يجمع الله عليه هذه الأدواء كلها فبلغ ذلك زيادا من قوله وإنه لم يهجه بعقب هذه الأبيات ولا أجابه بشيء فأمسك عنه وتكافآ
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه وأخبرني به الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبيه عن الأصمعي قال
لم يقل أحد في تفضيل أخ على أخيه وهما لأب وأم مثل قول المغيرة بن حبناء لأخيه صخر
( أبوك أبي وأنت أخي ولكِنّ ... تفاضَلَتِ الطّبائعُ والظُّروفُ )
( وأمُّكَ حين تُنْسَب أمُّ صدْقٍ ... ولكنْ ابنها طَبِعٌ سخيفُ ) - وافر -
قال وكان عبد الملك بن مروان إذا نظر إلى أخيه معاوية وكان ضعيفا يتمثل بهذين البيتين
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن محمد بن جدان

قال حدثني أحمد بن محمد بن مخلد المهلبي قال نظر الحجاج إلى يزيد ابن المهلب يخطر في مشيته فقال لعن الله المغيرة بن حبناء حيث يقول
( جمَيلُ المحيَّا بَختِريٌّ إذا مشى ... وفي الدِّرعِ ضخمُ المَنْكبين شِناق )
فالتفت إليه يزيد فقال إنه يقول فيها
( شديدُ القوى من أهلِ بيتٍ إذا وهَى ... من الدِّين فَتْقٌ حُمِّلوا فأطاقوا )
( مَراجيحُ في اللأَواء إن نَزَلَتْ بهمْ ... ميامينُ قد قادُوا الجيوش وساقوا ) - طويل -

مصرع ابن حبناء
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني من حضر ابن حبناء لما قتل وهو يجود بنفسه فأخذ بيده من دمه وكتب بيده على صدره أنا المغيرة بن حبناء ثم مات
صوت
( بَسَطَتْ رابعةُ الحبَلْ لنا ... فوصَلْنا الحبلَ منها ما اتسعْ )
( كيف تَرجُون سِقاطي بَعْدَما ... جَلّلَ الرأسَ بياضٌ وصلعْ )
( رُبَّ من أنضجْتُ غيظاً صَدْرَه ... قد تمنَّى لِيَ موتاً لم يُطَعْ )
( وَيَرانِي كالشَّجا في حَلْقهِ ... عَسِراً مَخْرَجُهُ ما يُنْتَزَعْ )

( ويُحَيِّينِي إذا لاقيتُهُ ... وإذا أُمْكِنَ من لحمي رَتعْ )
( وأبِيتُ اللّيلَ ما أهجَعُه ... وبعينِّي إذا النَّجْم طَلَعْ ) - رمل -
الحبل ها هنا الوصل والحبل أيضا السبب يتعلق به الرجل من صاحبه يقال علقت من فلان بحبل والحبل العهد والميثاق والعقد ويكون بين القوم وهذه المعاني كلها تتعاقب ويقوم بعضها مقام بعض والشجا كل ما اغتص به من لقمة أو عظم أو غيرهما
الشعر لسويد بن أبي كاهل اليشكري والغناء لعلويه ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة في الأول والثاني من الأبيات وليونس الكاتب في الثالث والرابع والثاني ماخوري بالوسطى عن علي بن يحيى والهشامي ولمالك فيها ثقيل بالبنصر عن الهشامي أيضا ولابن سريج فيها خفيف ثقيل عن علي بن يحيى

أخبار سويد بن أبي كاهل ونسبه
سويد بن أبي كاهل بن حارثة بن حسل بن مالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر وذكر خالد بن كلثوم أن اسم أبي كاهل شبيب ويكنى سويد أبا سعد
أنشدني وكيع عن حماد عن أبيه لسويد بن أبي كاهل شاهدا بذلك
( أنا أبو سَعْدٍ إذَا اللَّيلُ دجا ... دخلْتُ في سرباله ثُمّ النّجا ) - رجز -
وجعله محمد بن سلام في الطبقة السادسة وقرنه بعنترة العبسي وطبقته
وسويد شاعر متقدم من مخضرمي الجاهلية والإسلام كذلك ذكر ابن حبيب وكان أبوه أبو كاهل شاعرا وهو الذي يقول
( كأنّ رَحْلي على صَقْعاءَ حادرةٍ ... طَيَّا قد ابتلَّ من طَلٍّ خَوافيها ) - بسيط

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن إسحاق البغوي قال حدثنا أبو نصر صاحب الأصمعي أنه قرأ شعر سويد بن أبي كاهل على الأصمعي فلما قرأ قصيدته
( بَسطَتْ رابعةُ الحبلَ لنا ... فوصَلْنا الحبلَ منها ما اتّسعْ ) - رمل -
فضلها الأصمعي وقال كانت العرب تفضلها وتقدمها وتعدها من حكمها ثم قال الأصمعي حدثني عيسى بن عمر أنها كانت في الجاهلية تسمى اليتيمة

بين سويد وزياد الأعجم
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني محمد بن الهيثم بن عدي قال حدثنا عبد الله بن عباس قال قال زياد الأعجم يهجو بني يشكر
( إذا يشكُريٌّ مسَّ ثوبَك ثوبُهُ ... فلا تذكرنَّ اللَّه حَتَّى تَطَهَّرا )
( فلو أنَّ مِن لؤمٍ تموتُ قبيلةٌ ... إذاً لأَماتَ اللؤمُ لا شكَّ يشكُرا ) - طويل -
قال فأتت بنو يشكر سويد بن أبي كاهل ليهجو زيادا فأبى عليهم فقال زياد
( وأُنبِئتُهمْ يَستصرِخون ابنَ كاهلٍ ... ولِلؤمٍ فيهمْ كاهلٌ وسَنامُ )

( فإنْ يأتِنا يرجِعْ سويدٌ ووجهُه ... عليه الخَزايا غُبْرَةٌ وقَتامُ )
( دعِيٌّ إلى ذُبيانِ طوراً وتارة ... إلى يشكرٍ ما في الجميع كِرامُ ) - طويل -
فقال لهم سويد هذا ما طلبتم لي وكان سويد مغلبا وأما قوله
( دَعيٌّ إلى ذُبيان طوراً وتارةً ... إلى يشكر )

سبب تسميته سويدا
فإن أم سويد بن أبي كاهل كانت امرأة من بني غبر وكانت قبل أبي كاهل عند رجل من بني ذبيان بن قيس بن عيلان فمات عنها فتزوجها أبو كاهل وكانت فيما يقال حاملا فاستلاط أبو كاهل ابنها لما ولدته وسماه سويدا واستلحقه فكان إذا غضب على بني يشكر ادعى إلى بني ذبيان وإذا رضي عنهم أقام على نسبه فيهم
وذكر علان الشعوبي أنه ولد في بني ذبيان وتزوجت أمه أبا كاهل وهو غلام يفعة فاستلحقه أبو كاهل وادعاه فلحق به
ولسويد بن أبي كاهل قصيدة ينتمي فيها إلى قيس ويفتخر بذلك وهي التي أولها
( أبَى قلبُه إلاّ عميرةَ إن دنتْ ... وإن حَضرتْ دارَ العِدا فهو حاضرُ )
( شَمُوسٌ حَصانُ السِّرِّ ريّا كأنها ... مُرَبَّبةٌ مِما تضمَّن حائِر )

ويقول فيها أيضا
( أنا الغَطَفَاني زَيْنُ ذُبْيانَ فابعدوا ... فَللزِّنجُ أدنَى منكُمُ ويُحابِرُ )
( أبتْ ليَ عبسٌ أن أسامَ دَنيّةً ... وسعدٌ وذبيانُ الهِجانُ وعامرُ )
( وحيٌّ كرامٌ سادةٌ من هَوازِنٍ ... لهمْ في الملِمَّاتِ الأُنُوفُ الفواخرُ ) - طويل -

هجاؤه لبني شيبان
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن معتب الأودي عن الحرمازي أن سويد بن أبي كاهل جاور في بني شيبان فأساؤوا جواره وأخذوا شيئا من ماله غصبا فانتقل عنهم وهجاهم فأكثر وكان الذي ظلمه وأخذ ماله أحد بني محلم فقال يهجوهم وإخوتهم بني أبي ربيعة
( حَشَر الإِله مع القُرودِ محلِّماً ... وأبا ربيعةَ ألأمَ الأقوامِ )
( فَلأُهدِيَنَّ مع الرِّياحِ قصيدة ... منِّي مُغلغَلة إلى هَمّامِ )
( الظاعنين على العمى قُدّامهمْ ... والنازلين بِشرِّ دارِ مُقامِ )
( والوارِدين إذا المياه تُقُسِّمت ... نُزُحَ الرَّكيِّ وعاتِمَ الأسدامِ ) - كامل

وقال يهجو بني شيبان
( لعمرِي لبئس الحيُّ شيبانُ إنْ علا ... عُنيزةَ يومٌ ذو أهاربِيَّ أغبرُ )
( فلما التقَوا بالمَشْرَفِيَّةِ ذَبذبتْ ... مولِّيةً أستاهُ شيبانَ تقطُرُ ) - طويل -
يعني يوم عنيزة وكان لبني تغلب على بني شيبان وفيه يقول مهلهل
( كأنّا غُدْوةً وبني أبينا ... بجنب عُنيزةٍ رَحَيَا مُديرِ )
وقال أيضا
( فأدُّوا إلى بهراءَ فيكُمْ بناتِهِ ... وأبناءه إنَّ القضاعيَّ أحمرُ )
كانت بهراء أغارت على بني شيبان فأخذوا منهم نساء واستاقوا نعما ثم إنهم اشتروا منهم النساء وردوهن فعيرهم سويد بأنهم رددن حبالى فقال
( ظَللْنَ يُنازِعْنَ العضاريطَ أُزْرَها ... وشيبانُ وسطَ القُطقُطانةِ حُضّرُ )

( فمنا يزِيدٌ إذ تحدَّى جُموعَكُمْ ... فلم تُفرِحوه المرزُبان المسوِّرُ ) - طويل -
يزيد رجل من يشكر برز يوم ذي قار إلى أسوار وحمل على بني شيبان فانكشفوا من بين يديه
فاعترضه اليشكري دونهم فقتله وعادت شيبان إلى موقفها ففخر بذلك عليهم فقال
( وأَحْجَمْتُمُ حتّى علاهُ بصارمٍ ... حُسامٍ إذا مَسَّ الضّريبةَ يبتُر )
( ومنّا الذي أوصى بثُلثِ تُراثِه ... على كلّ ذي باع يقِلُّ ويكثر )
( لياليَ قُلتمْ يا ابن حِلِّزةَ ارتحِلْ ... فزابِنْ لنا الأعدءَ واسمَعْ وأبصرِ )
( فأدَّى إليكُمْ رهْنَكُمْ وسْطَ وائل ... حباه بها ذُو الباع عمرُو بنُ منذرِ ) - طويل -
يعني الحارث بن حلزة لما خطبه دون بكر بن وائل حتى ارتجع رهائنهم وقد ذكر خبره في ذلك في موضعه

بنو شيبان تستعدي عليه عامر بن مسعود
قال فاستعدت بنو شيبان عليه عامر بن مسعود الجمحي وكان والي الكوفة فدعا به فتوعده وأمره بالكف عنهم بعد أن كان قد أمر بحبسه فتعصبت له قيس وقامت بأمره حتى تخلصته فقال في ذلك
( يكفُّ لساني عامرٌ وكأنمّا ... يكفُّ لساناً فيه صابٌ وعلقم )
( أتتركُ أولادَ البغايا وغيبتي ... وتحبِسُني عنهمْ ولا أتكلّمُ )
( ألم تعلموا أنِّي سويدٌ وأنّني ... إذا لم أجد مُستأخَراً أتقدَّمُ )

( حسِبتُمْ هِجائي إذ بَطِنتمْ غنيمةً ... عليَّ دماءُ البُدْنِ إن لم تَنَدَّموا ) - طويل -
قال الحرمازي في خبره هذا وهاجى سويد بن أبي كاهل حاضر بن سلمة الغبري فطلبهما عبد الله بن عامر بن كريز فهربا من البصرة ثم هاجى الأعرج أخا بني حمال بن يشكر فأخذهما صاحب الصدقة وذلك في أيام ولاية عامر بن مسعود الجمحي الكوفة فحبسهما وأمر أن لا يخرجا من السجن حتى يؤديا مائة من الإبل فخاف بنو حمال على صاحبهم ففكوه وبقي سويد فخذله بنو عبد سعد وهم قومه فسأل بني غبر وكان قد هجاهم لما ناقض شاعرهم فقال
( مَن سَرَّه النَّيكُ بغير مالِ ... فالغُبَريّاتُ على طِحال )
( شواغرُ يَلْمَعْنَ للقُفَّالِ ) - رجز -

عبس وذبيان تستوهبه لمديحه لهم
فلما سأل بني غبر قالوا له يا سويد ضيعت البكار بطحال فأرسلوها مثلا أي إنك عممت جماعتنا بالهجاء في هذه الأرجوزة فضاع منك ما قدرت أنا نفديك به من الإبل فلم يزل محبوسا حتى استوهبته عبس وذبيان لمديحه لهم وانتمائه إليهم فأطلقوه بغير فداء

صوت
( أخضْني المُقامَ الغَمْرَ إنْ كان غَرَّني ... سَنا خُلَّبٍ أو زلَّتِ القَدَمانِ )
( أتتركُني جَدْبَ المعيشةِ مُقْفِراً ... وكَفّاك مِن ماء النَّدَى تَكِفانِ ) - طويل -
الشعر للعتابي والغناء لمخارق ثاني ثقيل بالوسطى وقيل إن فيه للواثق ثاني ثقيل آخر

أخبار العتابي ونسبه
هو كلثوم بن عمرو بن أيوب بن عبيد بن حبيش بن أوس بن مسعود ابن عمرو بن كلثوم الشاعر وهو ابن مالك عتاب بن سعد بن زهير بن جشم ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب شاعر مترسل بليغ مطبوع متصرف في فنون الشعر ومقدم من شعراء الدولة العباسية ومنصور النمري تلميذه وراويته وكان منقطعا إلى البرامكة فوصفوه للرشيد ووصلوه به فبلغ عنده كل مبلغ وعظمت فوائده منه ثم فسدت الحال بينه وبين منصور وتباعدت وأخبار ذلك تذكر في مواضعها
وأخبرني الحسن بن علي قال حدثني القاسم بن مهرويه قال حدثني جعفر بن المفضل عن رجل من ولد إبراهيم الحراني قال كثر

الشعراء بباب المأمون فأوذن بهم فقال لعلي بن صالح صاحب المصلى اعرضهم فمن كان منهم مجيدا فأوصله إلي ومن كان غير مجيد فاصرفه وصادف ذلك شغلا من علي بن صالح كان يريد أن يتشاغل به عن أمر نفسه فقال مغضبا وقال والله لأعمنهم بالحرمان ثم جلس لهم ودعا بهم فجعلوا يتغالبون على القرب منه فقال لهم على رسلكم فإن المدى أقرب من ذلك هل فيكم من يحسن أن يقول كما قال أخوكم العتابي
( ماذا عسى مادحٌ يُثْني عليك وقد ... ناداك في الوَحْي تقديسٌ وتطهيرُ )
( فُتَّ المَمَادحَ إلاّ أنَّ ألسننَا ... مُسْتَنْطَقاتٌ بما تحوي الضَّمائير ) - بسيط -
قالوا لا والله ما بنا أحد يحسن أن يقول مثل هذا قال فانصرفوا جميعا

قيل في شعره تكلف ونفاه آخرون
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو بكر أحمد ابن سهل قال تذاكرنا شعر العتابي فقال بعضنا فيه تكلف ونصره بعضنا فقال شيخ حاضر ويحكم أيقال إن في شعره تكلفا وهو القائل
( رُسُلُ الضَّمير إليك تَتْرَى ... بالشّوق ظالعةٌ وحَسْرَى )
( متَزجِّياتٍ ما يَنيْنَ ... على الوَجَى من بُعدِ مَسْرى )

( ما جَفّ للعينينِ بَعْدك ... يا قريرَ العينِ مَجْرى )
( فاسلَمْ سَلِمْتَ مبرّأ ... مِن صَبْوتي أبداً مُعَرَّى )
( إن الصَّبابة لم تَدَعْ ... مِنِّي سِوى عَظْمٍ مُبَرَّى )
( ومدامعٍ عَبْرَى على ... كَبِدٍ عليك الدّهر حَرّى ) - مجزوء الكامل -
في هذين البيتين غناء أو يقال إنه متكلف وهو الذي يقول
( فلو كان للشكرِ شخصٌ يَبِينُ ... إذَا ما تأمّلَه النّاظرُ )
( لمثَّلْتُه لك حتَّى تراه ... لِتعلم أنِّي امرؤٌ شاكرُ ) - متقارب -
الغناء في هذين البيتين لأبي العبيس ثقيل أول ولرذاذ خفيف ثقيل فحدثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبجي عن أبي الحسن علي بن العباس وغيره من أهله قالوا لما صنع رذاذ لحنه في هذا الشعر
( فلو كان للشُّكر شخصٌ يبين ... )
فتن به الناس وكان هجيراهم زمانا حتى صنع أبو العبيس فيه الثقيل الأول فأسقط لحن رذاذ وغلب عليه

المأمون يكتب في إشخاصه
أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم وأخبرني علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد قالوا جميعا كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي فلما دخل عليه قال له يا كلثوم بلغتني وفاتك فساءتني ثم بلغتني وفادتك فسرتني فقال له العتابي يا أمير المؤمنين لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاها فضلا

وإنعاما وقد خصصتني منهما بما لا يتسع له أمنية ولا يبسط لسواه أمل لأنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك فقال له سلني فقال يدك بالعطاء أطلق من لساني بالسؤال فوصله صلات سنية وبلغ به التقديم والإكرام أعلى محل
وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله بن أبي سعد الكراني أن عبد الله بن سعيد بن زرارة حدثه عن محمد بن إبراهيم اليساري قال لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون أذن له فدخل عليه وعنده إسحاق بن إبراهيم الموصلي وكان العتابي شيخا جليلا نبيلا فسلم فرد عليه وأدناه وقربه حتى قرب منه فقبل يده ثم أمره بالجلوس فجلس وأقبل عليه سأئله عن حاله وهو يجيبه بلسان ذلق طلق فاستظرف المأمون ذلك وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح فظن الشيخ أنه استخف به فقال يا أمير المؤمنين الإيناس قبل الإبساس فاشتبه على المأمون قوله فنظر إلى إسحاق مستفهما فأومأ إليه وغمزه على معناه حتى فهم فقال يا غلام ألف دينار فأتي بذاك فوضعه بين يدي العتابي وأخذوا في الحديث وغمز المأمون إسحاق بن إبراهيم عليه فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق فبقي العتابي متعجبا ثم قال يا أمير المؤمنين أتأذن لي في سؤال هذا الشيخ عن اسمه قال نعم سل فقال لإسحاق يا شيخ من أنت وما اسمك قال أنا من الناس واسمي كل بصل فتبسم العتابي وقال أما أنت فمعروف وأما الاسم فمنكر فقال إسحاق ما أقل إنصافك أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم

حذف

( أخِضْنِي المُقَام الغَمْر إن كان غرّني ... سنا خُلّبٍ أو زَلّتِ القَدَمان )
( أتتركُني جَدْبَ المعيشةِ مُقْتِراً ... وكفّاك من ماء النّدَى تَكِفان )
( وتجعلُنِي سَهْمَ المَطامع بعد ما ... بَلَلْتَ يمينِي بالنّدَى ولساني ) - طويل -
قال فأعجب الرشيد قوله وخرج وعليه الخلع وقد أمر له بجائزة فما رأيت العتابي قط أبسط منه يومئذ

بشار يحقد على العتابي
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال حدثنا أحمد ابن خلاد قال حدثني أبي قال جاء العتابي وهو حدث إلى بشار فأنشده
( أَيصْدِفُ عن أمامةَ أمْ يُقِيمُ ... وعهدُك بالصِّبا عهدٌ قديمُ )
( أقول لِمُستَعارِ القَلبِ عَفَّى ... على عَزَماتِه السّيرُ العديمُ )
( أما يكفيكَ أنَّ دموعَ عيني ... شآبيبٌ يفيض بها الهموم )
( أشِيمُ فلا أردُّ الطرف إلاّ ... على أرجائِه ماءٌ سَجُوم ) - وافر -
قال فمد بشار يده إليه ثم قال له أنت بصير قال نعم قال عجبا لبصير ابن زانية أن يقول هذا الشعر فخجل العتابي وقام عنه
أخبرني محمد بن يونس الأنباري الكاتب قال حدثني الحسن بن يحيى أبو الحمار عن إسحاق قال كلم العتابي يحيى بن خالد في حاجة بكلمات قليلة فقال له يحيى لقد ندر كلامك اليوم وقل فقال له وكيف لا يقل وقد تكنفني ذل المسألة وحيرة الطلب وخوف الرد فقال والله لئن قل كلامك لقد كثرت فوائده وقضى حاجته

سخريته من الناس
وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عثمان الوراق قال رأيت العتابي يأكل خبزا على الطريق بباب الشام فقلت له ويحك أما تستحي فقال لي أرأيت لو كنا في دار فيها بقر كنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك فقال لا قال فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر فقام فوعظ وقص ودعا حتى كثر الزحام عليه ثم قال لهم روى لنا غير واحد أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار فما بقي واحد إلا وأخرج لسانه يومئ به نحو أرنبة أنفه ويقدره حتى يبلغها أم لا فلما تفرقوا قال لي العتابي ألم أخبرك أنهم بقر
أخبرني الحسن حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو عصام محمد بن العباس قال قال يحيى بن خالد البرمكي لولده إن قدرتم أن تكتبوا أنفاس كلثوم بن عمرو العتابي فضلا عن رسائله وشعره فلن تروا أبدا مثله
أخبرني أبي قال أخبرنا الحارث بن محمد عن المدائني وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن أبن الأعرابي قال
أنكر العتابي على صديق له شيئا فكتب إليه إما إن تقر بذنبك فيكون إقرارك حجة علينا في العفو عنك وإلا فطب نفسا بالانتصاف منك فإن الشاعر يقول
( أقرِرْ بذَنبك ثمّ اطلُبْ تجاوُزَنا ... عنه فإنَّ جحودَ الذَّنْبِ ذَنْبانِ )
أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الواحد ابن محمد قال وقف العتابي بباب المأمون يلتمس الوصول إليه فصادف يحيى بن أكثم جالسا ينتظر الإذن فقال له إن رأيت أعزك الله أن تذكر أمري لأمير المؤمنين إذا دخلت فافعل قال له لست أعزك الله بحاجبه قال فإن لم تكن حاجبا فقد يفعل مثلك ما سألت واعلم أن الله عز و جل

جعل في كل شيء زكاة وجعل زكاة المال رفد المستعين وزكاة الجاه إغاثة الملهوف واعلم أن الله عز و جل مقبل عليك بالزيادة إن شكرت أو التغيير إن كفرت وإني لك اليوم أصلح منك لنفسك لأني أدعوك إلى ازدياد نعمتك وأنت تأبى فقال له يحيى أفعل وكرامة وخرج الإذن ليحيى فلما دخل لم يبدأ بشيء بعد السلام إلا أن استأذن المأمون للعتابي فأذن له
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال
قال العتابي لرجل اعتذر إليه إني إن لم أقبل عذرك لكنت ألأم منك وقد قبلت عذرك فدم على لوم نفسك في جنايتك نزد في قبول عذرك والتجافي عن هفوتك
قال وقيل له لو تزوجت فقال إني وجدت مكابدة العفة أيسر علي من الاحتيال لمصلحة العيال

تقدير المأمون له وكثرة حساده
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال قال جعفر بن المفضل قال لي أبي رأيت العتابي جالسا بين يدي المأمون وقد أسن فلما أراد القيام قام المأمون فأخذ بيده واعتمد الشيخ على المأمون فما زال ينهضه رويدا رويدا حتى أقله فنهض فعجبت من ذلك وقلت لبعض الخدم ما أسوأ أدب هذا الشيخ فمن هو قال العتابي
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن الأشعث قال قال دعبل ما حسدت أحدا قط على شعر كما حسدت العتابي على قوله
( هَيْبةُ الإِخوانِ قاطِعةٌ ... لأخي الحاجاتِ عن طَلبِهْ )

( فإذا ما هِبْتُ ذا أمَلٍ ... مات ما أمّلْتُ من سَببِهْ ) - مجزوء المديد -
قال ابن مهرويه هذا سرقه العتابي من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه الهيبة مقرونة بالخيبة والحياء مقرون بالحرمان والفرصة تمر مر السحاب
حدثني محمد بن داود عن أبي الأزهر عن عيسى بن الحسن بن داود الجعفري عن أخيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه عن أبي الشبل قال دخل العتابي على عبد الله بن طاهر فمثل بين يديه وأنشده
( حُسْنُ ظني وحُسْنُ ما عوّدَ اللهُ ... سِوائي ملك الغداةَ أتَى بي )
( أيُّ شيءٍ يكونُ أحسَن مِن حُسنِ ... يقينٍ حدا إليك رِكابي ) - خفيف -
قال فأمر له بجائزة ثم دخل عليه من الغد فأنشده
( وُدُّكَ يكفِينِيكَ في حاجتي ... ورؤيتي كافيةٌ عن سؤالْ )
( وكيف أخشَى الفقْر ما عِشْتَ لِي ... وإنَّما كفّاك لي بَيْتُ مالْ ) - سريع -
فأمر له بجائزة ثم دخل في اليوم الثالث فأنشده
( بَهِجاتُ الثِّيابِ يُخلِقُها الدّهْرُ ... وثَوْبُ الثّناءِ غَضٌّ جديدُ )
( فاكسُنِي ما يَبِيدُ أصلحَكَ اللَّهُ ... فالله يكسُوك ما لا يبِيدُ ) - خفيف

فأمر له بجائزة وأنعم عليه بخلعة سنية
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبو دعامة قال قال طوق بن مالك للعتابي أما ترى عشيرتك يعني بني تغلب كيف تدل علي وتتمرغ وتستطيل وأنا أصبر عليهم فقال العتابي أيها الأمير إن عشيرك من أحسن عشرتك وإن عمك من عمك خيره وإن قريبك من قرب منك نفعه وإن أخف الناس عندك أخفهم ثقلا عليك وأنا الذي أقول
( إنِّي بلوْتُ النّاس في حالاتهمْ ... وخَبَرْتُ ما وصلوا من الأسبابِ )
( فإذا القرابةُ لا تقرِّب قاطعاً ... وإذا المودّةُ أقربُ الأنساب ) - كامل -
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا الرياشي قال شكا منصور النمري العتابي إلى طاهر بن الحسين فوجه طاهر إلى العتابي فأحضره وأخفى منصورا في بيت قريب منهما وسأل طاهر العتابي أن يصالحه فشكا سوء فعله به فسأله أن يصفح عنه فقال لا يستحق ذلك فأمر منصورا بالخروج فخرج وقال للعتابي لم لا أستحق هذا منك فأنشأ العتابي يقول
( أصْحَبْتُك الفضلَ إذ لا أنت تعرِفُه ... حقاًّ ولا لك في استِصحابه أرَبُ )
( لم تَرتَبِطْك على وصلِي محافظة ... ولا أعاذَكَ مما اغتالك الأدَبُ )
( ما مِن جمَيلٍ ولا عُرْفٍ نطقْتَ به ... إلا إليّ وإن أنكرْتَ ينتسِبُ ) - بسيط -
قال فأصلح طاهر بينهما وكان منصور من تعليم العتابي وتخريجه وأمر طاهر للعتابي بثلاثين ألف درهم

أخبرني عمر عن عبد الله بن أبي سعد عن الحسين بن يحيى الفهري عن العباس بن أبي ربيعة السلمي قال شكا منصور النمري كلثوم بن عمرو العتابي إلى طاهر ثم ذكر مثله

تفضيله العلم والأدب على المال
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري الكاتب قال حدثني أبو هفان قال
كان العتابي جالسا ذات يوم ينظر في كتاب فمر به بعض جيرانه فقال أيش ينفع العلم والأدب من لا مال له فأنشد العتابي يقول
( يا قاتل اللَّهُ أَقْواماً إذا ثَقِفُوا ... ذا اللبِّ ينظر في الآداب والحكمِ )
( قالوا وليس بِهِمْ إلاّ نفاستُه ... أنافعٌ ذا من الإِقتار والعَدَم )
( وليس يَدْرُون أنَّ الحظَّ ما حُرِموا ... لحاهمُ اللَّه مِنْ عِلْم ومِن فَهَمِ ) - بسيط -
قوله في عزل طاهر بن علي
أخبرني علي بن صالح وعمي قالا حدثنا أحمد بن طاهر قال حدثنا أبو حيدرة الأسدي قال قال العتابي في عزل طاهر بن علي وكان عدوه
( يا صاحباً متلوِّنا ... متبايناً فِعْلي وفِعلُهْ )
( ما إنْ أحِبُّ له الرّدَى ... ويَسُرُّني واللَّهِ عَزْلُهْ )
( لم تَعْدُ فيما قلْتَ لي ... وفعلْتَ بي ما أنت أهلُه )
( كَم شاغلٍ بك عَدْوَتَيْهِ ... وفارِغٌ مَنْ أنت شُغْلُه ) - مجزوء الكامل

أخبرني أحمد بن الفرج قال حدثني أحمد بن يحيى بن عطاء الحراني عن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الرحيم بن أحمد بن زيد بن الفرج قال لما سعى منصور النمري بالعتابي إلى الرشيد اغتاظ عليه فطلبه فستره جعفر بن يحيى عنه مدة وجعل يستعطفه عليه حتى استل ما في نفسه وأمنه فقال يمدح جعفر بن يحيى
( ما زلْتُ في غَمَراتِ الموتِ مُطَّرَحاً ... قد ضاق عني فسيحُ الأرضِ مِن حِيَلي )
( ولم تَزلْ دائباً تَسْعَى بلُطْفك لي ... حتَّى اختلسْتَ حياتي من يَدَيْ أَجَلِي ) - بسيط -

عودة عبد الله بن طاهر له في مرضه
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد ابن خلاد عن أبيه قال عاد عبد الله بن طاهر وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب كلثوم بن عمرو العتابي في علة اعتلها فقال الناس هذه خطرة خطرت فبلغ ذلك العتابي فكتب إلى عبد الله بن طاهر

( قالوا الزِّيارةُ خَطْرةٌ خطرَت ... ونِجارُ بِرِّكَ ليس بالخَطْرِ )
( أَبْطِلْ مقالتَهمْ بثانيةٍ ... تستنفدِ المعروفَ من شُكرِي ) - كامل -
فلما بلغت أبياته عبد الله بن طاهر ضحك من قوله وركب هو وإسحاق ابن إبراهيم فعاداه مرة ثانية
أخبرني الحسين بن القاسم الكواكبي قال حدثني أبو العيناء قال حدثني أبو العلاء المعري قال عتب عبد الله بن هشام بن بسطام التغلبي على كلثوم بن عمرو التغلبي في شيء بلغه عنه فكتب إليه

صوت
( لقَدْ سُمْتَنِي الهِجرانَ حتى أذقْتَني ... عقوباتِ زَلاّتي وسُوءِ مناقبي )
( فها أنا ساعٍ في هواكَ وصابرٌ ... على حدِّ مصقولِ الغِراريْنِ قاضبِ )
( ومنصرف عمّا كرهْتَ وجاعلٌ ... رِضاك مِثالاً بين عيني وحاجبي ) - طويل -
قال فرضي عنه ووصله صلة سنية
الغناء في هذه الأبيات لأبي سعيد مولى فائد ثاني ثقيل بالبنصر عن يحيى المكي وذكر الهشامي أنه منحول يحيى وذكر أحمد بن المكي في كتابه أنه لأبي سعيد وجعله في باب الثقيل الأول بالبنصر ولعله على مذهب إبراهيم بن المهدي ومن قال بقوله
أخبرني الحسين بن القاسم قال حدثني محمد بن عبد الرحمن بن يونس السراج قال أخبرني الحسين بن داود الفزاري عن أبيه قال كان أخوان من فزارة يخفران قرية بين آمد وسميساط يقال لها تل حوم فطال

مقامهما بها حتى أثريا فحسدهما قوم من ربيعة وقالوا يخفران هذان الضياع في بلدنا فجمعوا لهما جمعا وساروا إليهما فقاتلوهما فقتل أحدهما وعلى الجزيرة يومئذ عبد الملك بن صالح الهاشمي فشكا القيسي أمره إلى وجوه قيس وعرفهم قتل ربيعة أخاه وأخذهم ماله فقالوا له إذا جلس الأمير فادخل إليه ففعل ذلك ودخل على عبد الملك وشكا ما لحقه ثم قال له وحسب الأمير أنهم لما قتلوا أخي وأخذوا مالي قال قائل منهم
( إشربا ما شربْتُما إنَّ قيساً ... من قتيلٍ وهالكٍ وأسيِر )
( لا يَحوزَنَّ أمرَنا مُضَرِيٌّ ... بخفيرٍ ولا بغيرِ خفيِر ) - خفيف -
فقال عبد الملك أتندبني إلى العصبية وزبره فخرج الرجل مغموما فشكا ذلك إلى وجوه قيس فقالوا لا ترع فوالله لقد قذفتها في سويداء قلبه فعاوده في المجلس الآخر فزبره وقال له قوله الأول فقال له إني لم آتك أندبك للعصبية وإنما جئتك مستعديا فقال له حدثني كيف فعل القوم فحدثه وأنشده فغضب فقال كذب لعمري ليحوزنها ثم دعا بأبي عصمة أحد قواده فقال اخرج فجرد السيف في ربيعة فخرج وقتل منها مقتلة عظيمة فقال كلثوم بن عمرو العتابي قصيدته التي أولها
( ماذَا شجاكِ بحُوَّارِين من طَللٍ ... ودِمْنةٍ كشفَتْ عنها الأعاصير )

يقول فيها
( هذي يمينُك في قرباك صائلةٌ ... وصارمٌ من سيوف الهندِ مشهورُ )
( إنْ كان منّا ذَوُو إفْكٍ ومارقةٌ ... وعصْبَةٌ دِينُها العُدوان والزُّورُ )
( فإنَّ منَّا الذي لا يُستَحَثُّ إذا ... حُثَّ الجِيادُ وَضمَّتْها المضاميُر )
( مُستنبِط عَزَماتِ القلبِ من فِكَرٍ ... ما بينهنَّ وبين اللَّه معمورُ ) - بسيط -
يعني عبد الله بن هشام بن بسطام التغلبي وكان قد أخذ قوادهم
فبلغت القصيدة عبد الملك فأمر أبا عصمة بالكف عنهم فلما قدم الرشيد الرافقة أنشده عبد الملك القصيدة فقال لمن هذه فقال لرجل من بني عتاب يقال له كلثوم بن عمرو فقال وما يمنعه أن يكون ببابنا فأمر بإشخاصه من رأس عين فوافى الرشيد وعليه قميص غليظ وفروة وخف وعلى كتفه ملحفة جافية بغير سراويل فلما رفع الخبر بقدومه أمر الرشيد بأن تفرش له حجرة وتقام له وظيفة ففعلوا فكانت المائدة إذا قدمت إليه أخذ منها رقاقة وملحا وخلط الملح بالتراب فأكله بها فإذا كان وقت النوم نام على الأرض والخدم يتفقدونه ويتعجبون من فعله وسأل الرشيد عنه فأخبروه بأمره فأمر بطرده فخرج حتى أتى يحيى بن سعيد العقيلي وهو في منزله فسلم عليه وانتسب له فرحب به وقال له ارتفع فقال لم آتك

للجلوس قال فما حاجتك قال دابة أبلغ عليها إلى رأس عين فقال يا غلام أعطه الفرس الفلاني فقال لا حاجة لي في ذلك ولكن تأمر أن تشتري لي دابة أتبلغ عليها فقال لغلامه امض معه فابتع له ما يريد فمضى معه فعدل به العتابي إلى سوق الحمير فقال له إنما أمرني أن أبتاع لك دابة فقال له إنه أرسلك معي ولم يرسلني معك فإن عملت ما أريد وإلا انصرف فمضى معه فاشترى حمارا بمائة وخمسين درهما وقال ادفع إليه ثمنه فدفع إليه فركب الحمار عريا بمرشحه عليه وبرذعة وساقاه مكشوفتان فقال له يحيى بن سعيد فضحتني أمثلي يحمل مثلك على هذا فضحك وقال ما رأيت قدرك يستوجب أكثر من ذلك ومضى إلى رأس عين

لوم زوجته له
وكانت تحته امرأة من باهلة فلامته وقالت هذا منصور النمري قد أخذ الأموال فحلى نساءه وبنى داره واشترى ضياعا وأنت ها هنا كما ترى فأنشأ يقول طويل
( تلوم على تَرْكِ الغِنى باهليّةٌ ... زَوى الفَقْرُ عنها كلَّ طِرْفٍ وتالد )
( رأْتَ حَولها النِّسوانَ يرْفُلْنَ في الثَّرى ... مقلّدةً أعناقُها بالقلائد )
( أسَرَّكِ إنِّي نلْتُ ما نال جعفرٌ ... من العيشِ أو ما نال يَحيى بنُ خالد )
( وإنَّ أمير المؤمِنين أغَصَّنِي ... مُغَصَّهُما بالمُشْرِقاتِ البوارد )
( رأيت رفيعاتِ الأمور مشوبةً ... بِمستودَعَاتٍ في بُطون الأساوِد )

( دعيني تَجئْنِيَ مِيتَتِي مطمئِنةً ... ولم أتجشَّمْ هَوْلَ تلك الموارد ) - طويل -
وهذا الخبر عندي فيه اضطراب لأن القصيدة المذكورة التي أولها
( ماذا شجاكَ بِحُوَّارِين من طلل ... )
للعتابي في الرشيد لا في عبد الملك ولم يكن كما ذكره في أيام الرشيد متنقصا مئة وله أخبار معه طويلة وقد حدثني بخبره هذا لما استوهب رفع السيف عن ربيعة جماعة على غير هذه الرواية

عتب الرشيد عليه وقطعه الهبات
أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني مسعود ابن إسماعيل العدوي عن موسى بن عبد الله التميمي قال عتب الرشيد على العتابي أيام الوليد بن طريف فقطع عنه أشياء كان عوده إياها فأتاه متنصلا بهذه القصيدة
( ماذا شَجاكِ بحُوَّارِين من طَلَلٍ ... ودِمْنةٍ كشفَتْ عنها الأعاصيرُ )
( شجاكِ حتى ضميرُ القلب مشترَكٌ ... والعين إنسانُها بالماء مغمورُ )
( في ناظِريَّ انقباضٌ عن جفونهما ... وفي الجفون عن الآماق تقصير )
( لو كنتِ تدرين ما شوقي إذَا جَعَلَتْ ... تنأى بنا وبكِ الأوطانُ والدُّورُ )
( علمْتِ أنَّ سُرَى ليلى ومُطلعي ... من بيت نجرانَ والغَوْرَيْن تغوير )
( إذِ الركائبُ مَخْسوفٌ نواظرها ... كما تضمّنتِ الدُّهْنَ القواريرُ )
( نادتك أرحامُنا اللاتي نَمُتُّ بها ... كما تنادي جِلادَ الجِلّةِ الخُورُ )

( مُستنبِطٌ عَزَماتِ القلبِ من فِكَرٍ ... ما بينهنَّ وبينَ الله معمورُ )
( فُتَّ المدائحَ إلا أنّ أنفسنا ... مستنطَقاتٌ بما تحوي الضّمائيرُ )
( ماذا عَسى مادحٌ يُثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديسٌ وتطهير )
( إنْ كان منّا ذَوُو إفْكٍ ومارقةٌ ... وعصْبَةٌ دِينُها العُدْوانُ والزُّور )
( فإنّ منّا الذي لا يُسْتحَثُّ إذا ... حُثَّ الجياد وحَازتها المضامير )
( ومن عرائقه السّفّاح عندكُمُ ... مجرّبٌ من بَلاء الصِّدق مخبور )
( الآن قد بعدَتْ في خطوِ طاعتكُمْ ... خُطاهُمُ حيثُ يحتلُّ الغشامير ) - بسيط -
يعني يزيد بن مزيد وهشام بن عمرو التغلبي وهو من ولد سفيح بن السفاح قال فرضي عنه ورد أرزاقه ووصله

صوت
( تطاول ليلي لم أنمْهُ تقلُّباً ... كأنّ فِراشي حال من دونه الجَمْرُ )
( فإن تكنِ الأيامُ فَرَّقْنَ بيننا ... فقد بانَ مني في تذكُّرهِ العُذْرُ ) - طويل -
الشعر للأبيرد الرياحي والغناء لبابويه ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيه رمل نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج وقيل أنه منحول

أخبار الأبيرد ونسبه
الأبيرد بن المعذر بن قيس بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم شاعر فصيح بدوي من شعراء الإسلام وأول دولة بني أمية وليس بمكثر ولا ممن وفد إلى الخلفاء فمدحهم
وقصيدته هذه التي فيها الغناء يرثي بها بريدا أخاه وهي معدودة من مختار المراثي
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال
كان الرياحي يهوى امرأة من قومه ويجن بها حتى شهر ما بينهما فحجبت عنه وخطبها فأبوا أن يزوجوها إياه ثم خطبها رجل من ولد حاجب ابن زرارة فزوجته فقال الأبيرد في ذلك
( إذا ما أردْتَ الحُسْنَ فانظر إلى التي ... تَبغَّى لقيطٌ قوْمَه وتخيّرا )
( لها بَشَرٌ لو يدرُجُ الذَّرُّ فوقه ... لبانَ مكانُ الذَّرِّ فيه فأثَّرا )

( لعمري لقد أمكنْتِ منا عدوَّنا ... وأقررْتِ للعادي فأخْنَى وأهجرا ) - طويل -
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب في كتابه إلي قال حدثنا محمد ابن سلام الجمحي قال قدم الأبيرد الرياحي على حارثة بن بدر فقال أكسني بردين أدخل بهما على الأمير يعني عبيد الله بن زياد وكساه ثوبين فلم يرضهما فقال فيه
( أحارِث أمسِكْ فَضْلَ بُرْدَيْك إنما ... أجاعَ وأعرى اللَّهُ مَنْ كُنْتَ كاسيا )
( وكنتُ إذا استمطرْتُ منك سحابةً ... لِتُمْطِرني عادت عَجَاجًا وسافيا )
( أحارثُ عاود شُرْبَكَ الخمْرَ إنني ... ارى ابن زيادٍ عنك أصبح لاهيا ) - طويل -
فبلغت أبياته هذه حارثة فقال قبحه الله لقد شهد بما لم يعلم وإنما أدع جوابه لما لا يعلم هكذا ذكر محمد بن سلام

هجا الابيرد حارثة بن بدر فمنع عنه الكسوة
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال هجا الأبيرد الرياحي حارثة بن بدر فقال طويل
( أحارثُ راجعْ شُرْبَكَ الخمرَ إنني ... أرى ابنَ زيادٍ عنك أصبح لاهيا )
( أرى فيك رأياً من أبيه وعمه ... وكان زيادٌ ماقِتاً لك قَالَيا ) - طويل -
وذكر البيتين الآخرين اللذين ذكرهما محمد بن سلام وقال في خبره هذا فكان حارثة يكسوه في كل سنة بردين فحبسهما عنه في تلك السنة فقال حارثة بن بدر يجيبه

( فإن كنْتَ عن بُرْدَيَّ مستغْنِياً لقد ... أراكَ بأَسمالِ الملابس كاسيا )
( وعشْتَ زماناً أنْ أعيِّنْكَ كُسوتي ... قنعْتَ بأخلاقٍ وأمسيْتَ عاريا )
( وبُرْدَيْن من حَوْك العراق كَسَوْتَها ... على حاجةٍ منها لأمِّك باديا ) - طويل -
فقال الأبيرد يهجو حارثه بن بدر
( زَعَمَتْ غُدانةُ أنَّ فيها سيداً ... ضخماً يواريه جَناحُ الجُنْدُب )
( يُرْويه ما يُرْوي الذّبابَ وينتشي ... لؤماً ويشبِعه ذراعُ الأرنب ) - كامل -
وقال أيضا لحارثة بن بدر
( ألا ليت حَظِّي من غُدانةَ أنها ... تكون كَفافاً لا عليَّ ولاليا )
( أبى اللَّهُ أن يهدِي غُدانةَ للهدى ... وأن لا تكونَ الدهرَ إلا مَوَاليا )
( فلو أنني ألقى ابنَ بدرٍ بموطنٍ ... نَعُدُّ به من أوّلينا المساعيا )
( تقاصَرَ حتى يستقيدَ وبَذَّه ... قُرُومٌ تَسامَى من رياحٍ تَساميا )
( أيا فارطَ الحيِّ الذي قد حشا لكُمْ ... من المجد أنهاءً ملاءَ الخوابيا )

( وعَمِّي الذي فكّ السَّمَيْذعَ عنوةً ... فلستَ بنعمَى يا ابن عَقْرَب جازيا )
( كِلانا غَنيٌّ عن أخيه حياتَه ... ونحنُ إذا مِتْنا أشدُّ تغانيا )
( ألم تَرَنا إذ سقْتَ قومَك سائلاً ... ذَوِي عددٍ للسائلين مَعاطِيا )
( بني الرِّدْفِ حَمَّالِينَ كلَّ عظيمةٍ ... إذا طلعتْ والمُتْرِعينَ الجوابيا )
( وإنا لنعطي النَّصْفَ من لو نَضِيمه ... أقرَّ ولكنا نحب العوافيا ) - طويل -
الردف الذي عناه ها هنا جده عتاب بن هرمي بن رياح كان ردف ابن المنذر إذا ركب ركب وراءه وإذا جلس جلس عن يمينه وإذا غزا كان له المرباع وإذا شرب الملك سقي بكأسه بعده وكان بعده ابنه قيس بن عتاب يردف النعمان وهو جد الأبيرد أيضا

الابيرد وسعد العجلي
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان عن أبي عبيدة قال كانت بنو عجل قد جاورت بني رياح بن يربوع في سنة أصابت عجلا فكان الأبيرد يعاشر رجلا منهم يقال له سعد ويجالسه وكان قصده امرأة سعد هذا فمالت إليه فومقته وكان الأبيرد شابا جميلا ظريفا طريرا وكان سعد شيخا هما فذهب بها كل مذهب حتى ظهر أمرهما وتحدث بهما

واتهم الأبيرد بها فشكاه إلى قومه واستعذرهم منه فقالوا له مالك تتحدث إلى امرأة الرجل فقال وما بأس بذلك وهل خلا عربي منه قالوا قد قيل فيكما ما لا قرار عليه فاجتنب محادثتها وإياك أن تعاودها فقال الأبيرد إن سعدا لا خير فيه لزوجته قالوا وكيف ذلك قال لأني رأيته يأتي فرسه البلقاء ولا فضل فيه لامرأته فهي تبغضه لفعله وهو يتهمها لعجزه عنها فضحكوا من قوله وقالوا له وما عليك من ذلك دع الرجل وامرأته ولا تعاودها ولا تجلس إليها فقال الأبيرد في ذلك
( ألم تَرَ أنَّ ابنَ المعذَّر قد صحا ... وودَّعَ ما يَلْحَى عليه عواذِلُهْ )
( غدا ذو خلاخيلٍ عليَّ يلومُني ... وما لومُ عَذّالٍ عليه خلاخلُهْ )
( فدع عنك هذا الحَلْي إن كنْتَ لائمي ... فإنِّي امرؤ لا تزدهيني صَلاصِلهْ )
( إذا خَطَرَتْ عَنْسٌ به شَدَنيَّةٌ ... بمطَّرِدِ الأرواح ناءٍ مناهلهْ )
( تبيَّنَ أقوامٌ سفاهةَ رأيهمْ ... ترحَّلَ عنهمْ وَهْوَ عفٌّ منازله )
( لهم مجلسٌ كالرُّدْن يجمع مجلساً ... لئاماً مساعيه كثيراً هَتَامله )
( تَبَرَّأْتُ من سَعْدٍ وخُلَّة بيننا ... فلا هو معطيني ولا أنا سائلهْ )

( متى تُنتَجُ البلقاءُ يا سعدُ أم متى ... تُلَقَّحُ من ذات الرِّباطِ حوائله )
( يحدِّث سعدٌ أنَّ زوجته زَنَتْ ... ويا سعدُ إنّ المرء تُزْنَى حلائله )
( فإن تَسْمُ عيناها إليّ فقد رأت ... فتىً كحسام أخلصَتْه صياقله )
( فتى قُدَّ قدَّ السَّيف لا متضائلٌ ... ولا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وأباجله ) - طويل -
وهذا البيت الأخير يروى للعجير السلولي ولأخت يزيد بن الطثرية فاعترضه سلمان العجلي فهجاه وهجا بني رياح فقال
( لعمرك إنّني وبني رياحٍ ... لكالعاوي فصادفَ سَهْمَ رامِ )
( يسوقون ابنَ وجرةَ مزمئراً ... ليحميَهمْ وليس لهمْ بحامِ )
( وكم من شَاعرٍ لبني تميمٍ ... قصير الباع من نفرٍ لئامِ )
( كَسَوْنا إذ تخرَّقُ ملْبَساه ... دواهيَ يبْتَرِينَ من العظام )
( وإنْ يُذكَرْ طعامُهُمُ بِشَرٍّ ... فإنَّ طعامهُمْ شرُّ الطعام )
( شَرِيجٌ من مَنِيِّ أبي سُواجٍ ... وآخرُ خالصٌ من حَيْض آم )

( وسوداء المغابن من رياحٍ ... على الكُرْدُوسِ كالفأس الْكَهام )
( إذا ما مرَّ بالقعقاع رَكْبٌ ... دعتهمْ مَنْ ينيكُ على الطَّعام )
( تداوَلَها غواةُ النّاس حتَّى ... تؤوبَ وقد مضَى ليل التِّمام ) - وافر -
وقال الأبيرد أيضا مجيبا له
( عَوى سَلمانُ من جَوٍّ فلاقى ... أخو أهلِ اليمامةِ سَهْمَ رامي )
( عوى مِن جُبْنه وَشَقِيَّ عجْلٍ ... عُواءَ الذئب مُختلَطَ الظلام )
( بنو عجِلٍ أذلُّ من المطايا ... ومن لَخْمِ الجَزورِ على الثُّمام )
( تَحَيَّا المسلمون إذا تلاقَوا ... وعِجْلٌ ما تَحَيَّا بالسَّلام )
( إذا عجليَّةٌ وَلَدَتْ غلاماً ... إلى عِجْلٍ فَقُبِّحَ من غلام )
( يَمَصُّ بثديها فَرْخٌ لئيمٌ ... سُلالةُ أَعْبُدٍ ورضيعُ آم )
( خبيث الريح ينشأ بالمخازي ... لئيمٌ بين آباء لئام )
( أنا ابن الأكرمِين بني تميمٍ ... ذوي الآكال والهمم العظام )
( وكائِنْ من رئيسٍ قَطَّرَتْهُ ... عواملُنا ومن مَلْكٍ هُمام )
( وجيشٍ قد ربَعناه وقومٍ ... صبَحْناه بذي لجَبٍ لُهام ) - وافر

وقال أيضا الأبيرد مجيبا له
( أخذنا بآفاق السماء فلم ندَعْ ... لسلمانَ سلمانِ اليمامة مَنْظرا )
( من القُلْح فسَّاء ضروطٌ يُهِرُّهُ ... إذا الطيرُ مراتٍ على الدوح صَرْصَرا )
( وأقلحُ عجليٌّ كأنَّ بخطْمِهِ ... نواجذَ خنزير إذا ما تكشّرا )
( يزِلُّ النوى عن ضِرْسه فيردُّه ... إلى عارضٍ فيه القوادح أبخرا )
( إذا شرب العِجْلِيُّ نَجَّس كأسَه ... وظلَّتْ بكَفَّيْ جَأْنَبٍ غيرِ أزهرا )
( شديد سوادِ الوجه تحسب وجهَه ... من الدم بين الشارِبِين مقَيَّرا )
( إذا ما حساها لم تزِدْه سماحة ... ولكن أَرَتْهُ أنْ يصرَّ ويَحْصَرا )
( فلا يَشْرَبَنْ في الحيِّ عِجْلٌ فإنّه ... إذا شرب العِجْليُّ أخنى وأهجرا )
( يقاسي نداماهُمْ وتَلقى أُنُوفهمْ ... من الجَدْع عند الكأس أمْراً مذكّرا )
( ولم تك في الإشراك عِجْلٌ تذوقها ... لياليَ يَسْبِيها مقاولُ حميرا )
( ويُنفق فيها الحنظليُّونَ مالَهمْ ... إذا ما سعى منهمْ سفيهٌ تجبَّرا )

( ولكنها هانت وحُرِّم شرْبُها ... فمالت بنو عِجْلٍ لِمَا كان أكفَرا )
( لعمري لئن أُزْنِنْتُمُ أو صَحَوْتُمْ ... لَبِئْسَ النّدامى كنتُمُ آلَ أبجرا ) - طويل -
أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني قال كان مجائل بن مرة بن محكان السعدي وابن عم له يقال له عرادة وقد كان عرادة اشترى غنما له فأنهبها وكانت مائة شاة فاشترى مرة بن محكان مائة من الإبل فأنحر بعضها وأنهب باقيها وقال أبو عبيدة إنهما تفاخرا فغلبه مرة فقال الأبيرد لعرادة
( شَرَى مائةً فأنْهَبَها جميعاً ... وبِتَّ تُقَسِّمُ الحَذَفَ النِّقَادَا ) - وافر -
فبعث عبيد الله بن زياد فأخذ مرة بن محكان فحبسه وقيده ووقع بعد ذلك من قومه لحاء فكانت بينهم شجاج ثم تكافأوا وتوافقوا على الديات فأنبئ مرة بن محكان وهو محبوس فعرف ذلك فتحمل جميعها في ماله فقال فيه الأبيرد
( لله عينا مَنْ رأى مِنْ مكبَّلٍ ... كمُرّةَ إذ شُدَّتْ عليه الأداهمُ )
( فأبلغْ عبيدَ الله عني رسالةً ... فإنك قاضٍ بالحكومةِ عالمُ )
( فإن أنتَ عاقبْتَ ابنَ مَحكانَ في الندى ... فعاقبْ هداك اللَّه أعظمَ حاتم )

( تعاقِب خِرْقاً أنْ يجود بماله ... سعى في ثَأىً من قومه متفاقم )
( كأنَّ دماء القوم إذ علقتْ به ... على مُكْفَهِرٍّ من ثنايا المخارمِ ) - طويل -

الابيرد والأحوص يحرضان على سحيم الرياحي
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثنا عمي قال أتى رجل الأبيرد الرياحي وابن عمه الأخوص وهما من رهط ردف الملك من بني رياح يطلب منهما قطرانا لإبله فقالا له إن أنت بلغت سحيم بن وثيل الرياحي هذا الشعر أعطيناك قطرانا فقال قولا فقالا اذهب فقل له
( فإنَّ بُداهَتي وجِراءَ حَوْلي ... لذو شِقٍّ على الحُطَمِ الحرون ) - وافر -
قال فلما أتاه وأنشد الشعر أخذ عصاه وانحدر في الوادي وجعل يقبل فيه ويدبر ويهمهم بالشعر ثم قال اذهب فقل لهما
( فإنَّ عُلالتي وجِراء حَوْلي ... لذو شِقٍّ على الضَّرَعِ الظَّنونِ )
( أنا ابن الغُرِّ من سَلَفَيْ رياحٍ ... كنَصْل السيف وضّاحُ الجبينِ )
( أنا ابنُ جلا وطلاّعُ الثنايا ... متى أضعِ العِمامةَ تعرفوني )
( وإنَّ مكاننا مِنْ حمْيريٍّ ... مكانُ الليث من وَسَط العَرينِ )

( وإنَّ قناتنا مَشِظٌّ شظاها ... شديدٌ مدُّها عُنُقَ القرين )
قال الأصمعي إذا مسست شيئا خشنا فدخل في يدك قيل مشظت يدي والشظا ما تشظى منها
( وإني لا يعود إليَّ قِرْني ... غداةَ الغِبِّ إلا في قرين )
( بذي لِبَدٍ يصدُّ الركب عنه ... ولا تُؤتَى فريسته لحين )
( عَذرْتُ البُزْلَ إذ هي صاوَلتْني ... فما بالي وبالُ ابنَيْ لَبون )
( وماذا تبتغي الشّعراءُ منِّي ... وقد جاوزتُ رَأسَ الأربعين )
( أخو الخمسين مُجْتَمِعٌ أشُدِّي ... ونَجَّذني مداورةُ الشؤون )
( سأحيا ما حييتُ وإنّ ظهري ... لذو سنَدٍ إلى نَضَدٍ أمين ) - وافر -
قال فأتياه فاعتذرا إليه فقال إن أحدكم لا يرى أن يصنع شيئا حتى يقيس شعره بشعرنا وحسبه بحسبنا ويستطيف بنا استطافة المهر الأرن فقالا له فهل إلى النزع من سبيل فقال إننا لم تبلغ أنسابنا

قال اليزيدي أبيات سحيم هذه من اختيارات الأصمعي

الابيرد يرثي أخاه
والقصيدة التي رثى بها الأبيرد أخاه بريدا وفي أولها الغناء المذكور من جيد الشعر ومختار المراثي المختار منها قوله
( تطاوَلَ لَيْلِي لم أنمْهُ تَقَلُّباً ... كأنَّ فِراشي حالَ من دونه الجَمْرُ )
( أُراقِب من ليل التِّمام نجومَه ... لَدُنْ غابَ قرنُ الشّمس حتّى بدا الفجْرُ )
( تذكرْتُ قَرْماً بانَ منّا بنَصْرِه ... ونائِلِه يا حبّذا ذلك الذُّكْرُ )
( فإنْ تكنِ الأيامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنا ... فقد عَذَرَتْنا في صَحابتنا العُذْرُ )
( وكنت أرى هَجْراً فِراقَكَ ساعةً ... ألاَ لا بلِ الموتُ التفَّرُّق والهَجْرُ )
( أحقًّا عبادَ اللَّه أنْ لستُ لاقيا ... بُرَيْدا طَوَالَ الدهر ما لأَلأَ العَفْرُ )
( فتىً إن استغنى تَخَرَّق في الغِنى ... فإنْ قلَّ مالاً لم يَؤُدْ مَتْنَه الفَقْرُ )

( وسامَى جَسِيمات الأمور فَنَالَها ... على العُسْر حتى أدرك العُسُرَ اليُسْرُ )
( ترى القومَ في العَزَّاء ينتظرونه ... إذا ضلّ رأيُ القوم أو حَزَبَ الأمر )
( فليتك كنتَ الحيَّ في الناس باقيا ... وكنتُ أنا الميْتَ الذي غَيَّبَ القبرُ )
( فتىً يشتري حُسْنَ الثناء بماله ... إذا السَّنةُ الشَّهْباءُ قلَّ بها القَطْر )
( كأنْ لم يُصاحِبْنا بُريْدٌ بغبطة ... ولم يأتنا يوماً بأخباره السَّفْرُ )
( لَعَمْري لَنِعْمَ المرءُ عالَى نَعِيَّه ... لنا ابنُ عزيز بعد ما قَصرَ العصر )

( تمضَّت به الأخبارُ حتى تَغَلْغَلَتْ ... ولم تَثْنِه الأطباعُ دوني ولا الجُدْر )
( ولما نَعَى الناعي بُريْداً تغوَّلَتْ ... بيَ الأرض فَرْطَ الحُزْن وانقطع الظهر )
( عساكرُ تَغْشَى النفسَ حتى كأنني ... أخو سَكْرةٍ طارت بهامَتِه الخمْر )
( إلى اللَّه أشكو في بُرَيْدٍ مُصِيبتي ... وبَثِّي وأحزاناً تضمَّنها الصدْرُ )
( وقد كنت أَسْتَعْفي إلهي إذا شكا ... من الأجر لي فيه وإنْ سَرّنِي الأجْرُ )
( وما زال في عينَّي بَعْدُ غِشاوةٌ ... وسَمْعِي عَمَّا كنْتُ أسمعه وَقْر )
( على أنني أقْنَى الحياءَ وأتَّقي ... شَماتة أعداءٍ عُيُونُهُمُ خُزر )
( فحياّكَ عنِّي الليلُ والصبحُ إذْ بدا ... وهُوجٌ من الأرواح غُدْوَتُها شهْر )

( سَقَى جَدَثاً لو أستطيع سَقَيْتُه ... بِأُوْدٍ فَرَوّاه الروافد والقَطْر )
( ولا زال يُرْعَى منْ بلادٍ ثوى بها ... نباتٌ إذا صاب الربيعُ بها نضْر )
( حَلَفْتُ برب الرافِعينَ أكُفَّهُمْ ... وربِّ الهدايا حيث حلَّ بها النحرُ )
( ومُجْتَمَعِ الحُجَّاج حيثُ توافَقَتْ ... رِفاقٌ من الآفاق تكبيرُها جأرُ )
( يَمِينَ امرِئٍ آلَى وليس بكاذب ... وما في يمين قالها صادقٌ وِزْرُ )
( لئن كان أمسى ابنُ المُعَذَّر قد ثَوَى ... بُرَيْدٌ لَنِعْمَ المرءُ غَيَّبه القبْرُ )
( هو الخلَفُ المعروفُ والدين والتُّقى ... ومِعْسَرُ حرب لا كَهامٌ ولا غُمْر )
( أقام فنادى أهلُه فتحمَّلوا ... وصُرِّمَتِ الأسبابُ واختلط النَّجْرُ )
( فتىً كان يُغْلي اللحمَ نيْئاً ولحمُه ... رخيصٌ لجادِيهِ إذا تُنْزَلُ القِدْر )
( فتى الحيِّ والأضيافِ إنْ روَّحَتْهُمُ ... بَلِيلٌ وزادُ السَّفْرِ إنْ أَرْمَلَ السَّفْرُ )

( إذا جارةٌ حَلّتْ لديه وَفَى بها ... فآبت ولم يُهْتَكْ لجارته ستْرُ )
( عفيفٌ عن السَّوْءاتِ ما التبسَتْ به ... صَلِيبٌ فما يُلْفَى لِعُودٍ به كَسْرُ )
( سَلَكْتَ سبيلَ العالمين فما لَهُمْ ... وراء الذي لاقيْتَ مَعْدًى ولا قَصْرُ )
( وكلُّ امرىءٍ يوماً سَيَلْقَى حِمامَه ... وإن نأتِ الدعوى وطال به العُمْرُ )
( وأبليْتَ خيراً في الحياة وإنما ... ثوابُكَ عندِي اليومَ أنْ ينطِقَ الشِّعْرُ ) - طويل -
وقال يرثيه أيضا وهي قصيدة طويلة
( إذا ذكَرت نفسي بُرَيْداً تحاملَتْ ... إليّ ولم أملك لعينيَّ مَدْمَعَا )
( وذكَّرَنِيك الناسُ حين تحامَلُوا ... عليّ وأضحَوْا جلْدَ أجربَ مُولعا )
( فلا يُبْعِدَنْكَ اللَّه خيرَ أخي امرىءٍ ... فقد كنْتَ طلاّع النِّجادِ سَمَيْذَعا )

( وَصُولاً لذي القُرْبَى بعيداً عن الخَنَى ... إذا ارتادك الجادي من الناس أمْرَعا )
( أخو ثقة لا ينتحِي القومُ دونه ... إذا القَوم خالوا أو رجا الناسُ مَطمعا )
( ولا يركب الوجناءَ دونَ رفيقِه ... إذا القومُ أزْجَوْهُنَّ حَسْرَى وظُلَّعا ) - طويل -

صوت مخلع
( يا زائِرَيْنا من الخِيامِ ... حَيَّاكُما اللَّهُ بالسلامِ )
( يَحْزُنُنِي أنْ أَطَفْتُما بِي ... ولم تنالا سِوَى الكلامِ )
( بُورِك هارونُ من إمامٍ ... بطاعة اللَّه ذي اعتصامِ )
( له إلى ذي الجلال قُرْبَى ... ليست لِعَدْلٍ ولا إمام ) - مخلع البسيط -
الشعر لمنصور النمري والغناء لعبد الله بن طاهر رمل ذكر ذلك عبيد الله ابنه ولم ينسبه إلى الأصابع التي بنى عليها وفيه للرف خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وفيه ثقيل أول بالبنصر مجهول الأصابع ذكر حبش أنه للرف أيضا

أخبار منصور النمري ونسبه
منصور بن الزبرقان بن سلمة وقيل منصور بن سلمة بن الزبرقان ابن شريك بن مطعم الكبش الرخم بن مالك بن سعد بن عامر بن سعد الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار وإنما سمي عامر الضحيان لأنه كان سيد قومه وحاكمهم وكان يجلس لهم إذا أضحى النهار فسمي الضحيان وسمي جد منصور مطعم الكبش الرخم لأنه أطعم ناسا نزلوا به ونحر لهم ثم رفع رأسه فإذا رخم يحمن حول أضيافه فأمر بأن يذبح لهم كبش ويرمى به بين أيديهم ففعل ذلك فنزلن عليه فمزقنه فسمي مطعم الكبش الرخم وفي ذلك يقول أبو نعيجة النمري يمدح رجلا منهم
( أبوك زعيمُ بني قاسطٍ ... وخالك ذو الكَبْشِ يَقْرِي الرَّخَمْ ) - متقارب

وكان منصور شاعرا من شعراء الدولة العباسية من أهل الجزيرة وهو تلميذ كلثوم بن عمرو العتابي وراويته وعنه أخذ ومن بحره استقى وبمذهبه تشبه والعتابي وصفه للفضل بن يحيى بن خالد وقرضه عنده حتى استقدمه من الجزيرة واستصحبه ثم وصله بالرشيد وجرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة حتى تهاجرا وتناقصا وسعى كل واحد منهما على هلاك صاحبه وأخبار ذلك تذكر في مواضعها من أخبارهما إن شاء الله تعالى وكان النمري قد مدح الفضل بقصيدة وهو مقيم بالجزيرة فأوصلها العتابي إليه واسترفده له وسأله استصحابه فأذن له في القدوم فحظي عنده وعرف مذهب الرشيد في الشعر وإرادته أن يصل مدحه إياه بنفي الإمامة عن ولد علي بن أبي طالب عليهم السلام والطعن عليهم وعلم مغزاه في ذلك مما كان يبلغه من تقديم مروان بن أبي حفصة وتفضيله إياه على الشعراء في الجوائز فسلك مذهب مروان في ذلك ونحا نحوه ولم يصرح بالهجاء والسب كما كان يفعل مروان ولكنه حام ولم يقع وأومأ ولم يحقق لأنه كان يتشيع وكان مروان شديد العداوة لآل أبي طالب وكان ينطق عن نية قوية يقصد بها طلب الدنيا فلا يبقي ولا يذر

منصور النمري يمدح الرشيد
أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثني عبد الله بن أبي سعد الكراني وأخبرني به عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد حديث محمد بن جعفر النحوي أنه قال حدثني محمد بن عبد الله بن آدم بن جشم العبدي قال حدثنا ثابت ابن الحارث الجشمي قال
كان منصور النمري مصافيا للبرامكة وكان مسكنه بالشأم فكتب

يسألهم أن يذكروه للرشيد فذكروه ووصفوه فأحب أن يسمع كلامه فأمرهم بإقدامه فقدم ونزل عليهم فأخبروا الرشيد بموضعه وأمرهم بإحضاره وصادف دخوله إليه يوم نوبة مروان على ما سمعه من بيانه وكان مروان يقول قبل قدومه هذا شامي وأنا حجازي أفتراه يكون أشعر مني ودخله من ذلك ما يدخل مثله من الغم والحسد واستنشد الرشيد منصورا فأنشده
( أميَر المؤمنين إليك خُضْنَا ... غِمَارَ الهَوْل من بلدٍ شَطيرِ )
( بخُوصٍ كالأهلَّة خافقاتٍ ... تلين على السُّرى وعلى الهجيرِ )
( حَمَلْنَ إليك أحمالاً ثِقالاً ... ومثل الصخر الدرِّ النثيرِ )
( فقد وَقف المديحُ بمنتهاه ... وغايتِه وصار إلى المصير )
( إلى مَن لا يشير إلى سِواه ... إذا ذُكِر النَّدَى كفُّ المشيرِ ) - وافر -
فقال مروان وددت والله أنه أخذ جائزتي وسكت
وذكر في القصيدة يحيى بن عبد الله بن حسن فقال
( يذلِّل من رقاب بني عليٍّ ... ومَنٍّ ليس بالمنِّ الصغيرِ )
( مَنَنْتَ على ابن عبد الله يحيى ... وكانَ من الحُتُوفِ على شفير )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45