كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

مروان ينشد الرشيد وعدم اهتمام النمري به
قال مروان فما برحت حتى أمرني هارون أمير المؤمنين أن أنشده وكان يتبسم في وقت ما كان ينشده النمري ويأخذ على بطنه وينظر إلى ما قال فأنشدته
( موسى وهارونُ هما اللذانِ ... في كتب الأخبارِ يوجدان )
( من وَلَد المهديِّ مَهْدِيّان ... قُدّا عِنانَيْنِ على عِنان )
( قد أطلق المهديُّ لي لساني ... وشدّ أزري ما به حَبانِي )
( من اللُّجَيْن ومن العِقْيان ... عِيديَّةً شاحِطةَ الأثمانِ )
( لو خايَلَتْ دجلَة بالألبان ... إذاً لقيل اشتبه النهران ) - رجز -
قال فوالله ما عاج النمري بذلك ولا احتفل به فأومأ إلي هارون أن زده فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها
( خَلُّوا الطريقَ لمعشرٍ عاداتهمْ ... حَطمُ المناكب كل يومِ زحامِ )
( إرضَوْا بما قسم الإلهُ لكُمْ به ... ودَعوا وِراثةَ كلِّ أَصْيَدَ حامِ )
( أنَّي يكون وليس ذاك بكائنٍ ... لبني البنات وراثةُ الأعمام ) - كامل -
قال فوالله ما عاج بشيء منها وخرجت الجائزتان فأعطى مروان مائة ألف وأعطى النمري سبعين ألفا وقال أنت مزيد في ولد علي
قال ولقد تخلص النمري إلى شيء ليس عليه فيه شيء وهو قوله
( فإن شكروا فقد أَنْعَمْتَ فيهمْ ... وإلاَّ فالنَّدامةُ للكَفورِ )

( وإن قالوا بنو بنتٍ فحقٌّ ... ورُدُّوا ما يناسب للذُّكورِ ) - وافر -
قال فكان مروان يتأسف على هذا المعنى أن يكون قد سبقه إليه وإلى قوله
( وما لبني بناتٍ من تراثٍ ... مع الأعمام في وَرَق الزَّبور ) - وافر -
أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الغنوي عن محمد بن محمد بن عبد الله بن آدم عن أبي معشر العبدي فذكر القصة قريبا مما ذكره محمد بن جعفر النحوي يزيد وينقص والمعنى متقارب
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان السلمي قال حدثني أحمد بن سيار الشيباني الشاعر قال كان هارون أمير المؤمنين يحتمل أن يمدح بما تمدح به الأنبياء فلا ينكر ذلك ولا يرده حتى دخل عليه نفر من الشعراء فيهم رجل من ولد زهير بن أبي سلمى فأفرط في مدحه حتى قال فيه
( فكأنّه بعد الرسول رَسولُ ... ) - كامل -
فغضب هارون ولم ينتفع به أحد يومئذ وحرم ذلك الشاعر فلم يعطه شيئا وأنشد منصور النمري قصيدة مدحه بها وهجا آل علي وثلبهم فضجر هارون وقال له يا ابن اللخناء أتظن أنك تتقرب إلي بهجاء قوم أبوهم أبي ونسبهم نسبي وأصلهم وفرعهم أصلي وفرعي فقال وما شهدنا إلا بما علمنا فازداد غضبه وأمر مسرورا فوجأ في عنقه وأخرج ثم وصل إليه يوما آخر بعد ذلك فأنشده
( بني حسنٍ ورَهْطَ بني حُسينٍ ... عليكُمْ بالسَّداد من الأمورِ )

( فقد ذُقْتُم قِراعَ بني أبيكمْ ... غداةَ الرَّوْع بالبِيض الذُّكور )
( أحينَ شَفَوْكُمُ من كلِّ وِتْرٍ ... وضمُّوكُمْ إلى كَنَف وَثير )
( وجادوكُمْ على ظمإٍ شديد ... سُقيتُمْ من نوالِهِمُ الغزيرِ )
( فما كان العقوقُ لهمْ جزاءً ... بفعلهِمُ وادَى للثؤور )
( وإنك حِين تُبلغهم أذاةً ... وإن ظلموا لمحزون الضمير ) - وافر -
فقال له صدقت وإلا فعلي وعلي وأمر له بثلاثين ألف درهم
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا يزيد بن محمد المهلبي قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال دخل مروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر ومنصور النمري على الرشيد فأنشده مروان قصيدته التي يقول فيها
( أنَّى يكون وليس ذاك بكائنٍ ... لبني البناتِ وِراثةُ الأعمامِ ) - كامل -
وأنشده سلم فقال

( حَضَر الرّحيل وشُدَّت الأحداجُ ... ) - كامل -
وأنشده النمري قصيدته التي يقول فيها
( إن المكارمَ والمعروف أوديةٌ ... أحَلَّكَ اللَّهُ منها حيثُ تجتمعُ ) - بسيط -
فأمر لكل واحد منهم بمائة ألف درهم فقال له يحيى بن خالد يا أمير المؤمنين مروان شاعرك خاصة قد ألحقتم به قال فليزد مروان عشرة آلاف

إعجاب الرشيد بشعر النمري
أخبرني عمي قال أخبرنا ابن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن الشيباني قال أخبرني أبو حاتم الطائي عن يحيى بن ضبيئة الطائي عن الفضل قال حضرت الرشيد وقد دخل منصور النمري عليه فأنشده
( ما تنقضِي حَسْرَةٌ مني ولا جَزَعُ ... إذا ذكرْتُ شباباً ليس يُرتَجعُ )
( بانَ الشّبابُ وفاتَتْني بلذّته ... صُرُوفُ دهرٍ وأيامٌ لها خُدَع )
( ما كنت أوفِي شبابي كُنْهَ غِرَّته ... حتّى انقضى فإذا الدنيا له تَبعُ ) - بسيط -
قال فتحرك الرشيد لذلك ثم قال أحسن والله لا يتهنأ أحد بعيش حتى يخطر في رداء الشباب

أخبرني عمي قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن آدم العبدي عن أبي ثابت العبدي عن مروان بن أبي حفصة قال خرجنا مع الرشيد إلى بلاد الروم فظفر الرشيد وقد كاد أن يعطب لولا الله عز و جل ثم يزيد بن مزيد فقال لي وللنمري أنشدا فأنشدته قولي
( طرقَتْك زائرةً فحيِّ خيالها ... غَرَّاءُ تخلِط بالحياءِ دلالها ) - كامل -
ووصفت الرجال من الأسرى كيف أسلموا نساءهم والظفر الذي رزقه فقال عدوا قصيدته فكانت مائة بيت فأمر لي بمائة ألف درهم ثم قال للنمري كيف رأيت فرسي فإني أنكرته فقال النمري
( مُضِزٌّ على فأسِ اللجامِ كأنّه ... إذا ما اشتكت أيدي الجيادِ يطِير )
( فظلَّ على الصّفصاف يومٌ تباشرتْ ... ضِباعٌ وذُؤبانٌ به ونسور )
( فأقسِمُ لا يَنْسَى لك اللَّه أجرها ... إذا قُسِّمت بين العبادِ أجورُ )
قال النمري ثم قلت في نفسي ما يمنعني من إذكاره بالجائزة فقلت
( إذا الغَيْثُ أكْدَى واقشعرّتْ نجومُه ... فغيْثُ أميرِ المؤمنين مَطيرُ )

( وما حلَّ هارونُ الخليفةُ بلدةً ... فأخلفَها غيثٌ وكاد يضير ) - طويل -
فقال أذكرتني ورأيته متهللا لذلك قال فألحقني بمروان وأمر لي بمائة ألف درهم
أخبرني عمي قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان قال حدثني محمد الراوية المعروف بالبيدق وكان قصيرا فلقب بالبيدق لقصره وكان ينشد هارون أشعار المحدثين وكان أحسن خلق الله إنشادا قال دخلت على الرشيد وعنده الفضل بن الربيع ويزيد بن مزيد وبين يديه خوان لطيف عليه جديان ورغفان سميد ودجاجتان فقال لي أنشدني فأنشدته قصيدة النمري العينية فلما بلغت إلى قوله
( أيُّ امرئٍ بات من هارونَ في سَخَط ... فليس بالصلواتِ الخَمْسِ ينتفعُ )
( إنَّ المكارمَ والمعروفَ أوديةٌ ... أحلَّكَ اللَّهُ منها حيث تتسع )
( إذا رفعْتَ امرأً فاللَّه يرفعه ... ومَنْ وَضَعْتَ من الأقوام مُتَّضِع )
( نفسي فداؤُك والأبطالُ مُعَلِمَة ... يوم الوغى والمنايا بيْنَها قُرَعُ ) - بسيط -
قال فرمى بالخوان بين يديه وصاح وقال هذا والله أطيب من كل طعام وكل شيء وبعث إليه بسبعة آلاف دينار فلم يعطني منها ما يرضيني

وشخص إلى رأس العين فأغضبني وأحفظني فأنشدت هارون قوله
( شاءٌ من الناسِ راتِعٌ هاملْ ... يُعَللِّون النفوسَ بالباطلْ )
فلما بلغت إلى قوله
( إلاّ مساعيرَ يغضَبُون لها ... بَسلَّةِ البِيضِ والقنا الذابِلْ ) - منسرح -
قال أراه يحرض علي ابعثوا إليه من يجيء برأسه فكلمه فيه الفضل ابن الربيع فلم يغن كلامه شيئا وتوجه إليه الرسول فوافاه في اليوم الذي مات فيه ودفن قال وكان إنشاد محمد البيدق يطرب كما يطرب الغناء

سبب غضب الرشيد على النمري
أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الحسين الشيباني قال أخبرني منصور بن جمهور قال سألت العتابي عن سبب غضب الرشيد عليه فقال لي استقبلت منصورا النمري يوما من الأيام فرأيته مغموما واجما كئيبا فقلت له ما خبرك فقال تركت امرأتي تطلق وقد عسر عليها ولادها وهي يدي ورجلي والقيمة بأمري وأمر منزلي فقلت له لم لا تكتب على فرجها هارون الرشيد قال ليكون ماذا قال لتلد على المكان قال وكيف ذلك قلت لقولك

( إن أخْلَفَ الغيث لم تُخلِف مخايِله ... أو ضاق أمرٌ ذكرناه فيتَّسعُ ) - بسيط -
فقال لي يا كشخان والله لئن تخلصت امرأتي لأذكرن قولك هذا للرشيد فلما ولدت امرأته خبر الرشيد بما كان بيني وبينه فغضب الرشيد لذلك وأمر بطلبي فاستترت عند الفضل بن الربيع فلم يزل يسأل في حتى أذن لي في الظهور فلما دخلت عليه قال لي قد بلغني ما قلته للنمري فاعتذرت إليه حتى قبل ثم قلت والله يا أمير المؤمنين ما حمله على التكذب علي إلا وقوفي على ميله إلى العلوية فإن أراد أمير المؤمنين أن أنشده شعره في مديحهم فعلت فقال أنشدني فأنشدته قوله
( شاءٌ من الناس راتع هاملْ ... يعلّلون النفوس بالباطلْ ) - منسرح - حتى بلغت إلى قوله
( إلاّ مساعيرَ يغضبون لها ... بسَلَّة البِيضِ والقنا الذّابلْ )
فغضب من ذلك غضبا شديدا وقال للفضل بن الربيع أحضره الساعة فبعث الفضل في ذلك فوجده قد توفي فأمر بنبشه ليحرقه فلم يزل الفضل يلطف له حتى كف عنه
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال حدثني بعض الزينبيين قال حبس الرشيد منصورا النمري بسبب الرفض فتخلصه الفضل بن الربيع ثم بلغه شعره

في آل علي عليه السلام فقال للفضل اطلبه فستره الفضل عنده وجعل الرشيد يلح في طلبه حتى قال يوما للفضل ويحك يا فضل تفوتني النمري قال يا سيدي هو عندي قد حصلته قال فجئني به وكان الفضل قد أمره أن يطول شعره ويكثر مباشرة الشمس ليشحب وتسوء حالته ففعل فلما أراد إدخاله عليه ألبسه فروة مقلوبة وأدخله عليه وقد عفا شعره وساءت حالته فلما رآه قال السيف فقال الفضل يا سيدي من هذا الكلب حتى تأمر بقتله بحضرتك قال أليس هو القائل
( إلاّ مساعيرَ يغضبون لها ... بسَلَّةِ البِيضِ والقنا الذابلْ )
فقال منصور لا يا سيدي ما أنا قائل هذا ولقد كذب علي ولكني القائل مخلع
( يا منزل الحي ذا المغاني ... انعم صباحاً على بِلاكا )
( هارونُ يا خير من يُرَجَّى ... لم يُطِعِ الله منْ عَصاكا )
( في خير دِينٍ وخير دنيا ... مَنِ اتَّقى اللَّهَ واتقاكا ) - مخلع بسيط -
فأمر بإطلاقه وتخلية سبيله فقال منصور يمدح الفضل بن الربيع
( رأيْتُ المُلْك مُذْ آزرْتَ ... قد قامت مَحانيهِ )
( هو الأوحد في الفضلِ ... فما يعرف ثانِيهِ ) - هزج -

عفة النمري
أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني علي بن مسلم ابن الهيثم الكوفي عن محمد بن أرتبيل قال اجتمع عند المأمون قبل

خلافته وذلك في أيام الرشيد منصور النمري والخريمي والعباس بن زفر وعنده جعفر بن يحيى فحضر الغداء فأتي المأمون بلون من الطعام فأكل منه فاستطابه فأمر به فوضع بين يدي جعفر بن يحيى فأصاب منه ثم أمر به فوضع بين يدي العباس فأكل منه ثم نحاه فأكل منه بعده الخريمي وغيره ولم يأكل منه النمري وذلك بعين المأمون فقال له لم لم تأكل فقال لئن أكلت ما أبقى هؤلاء إني لنهم قال فهل قلت في هذا شيئا قال نعم قلت
( لَهْفي أَتُطْعِمُها قيساً وآكلها ... إني إذاً لدنيءُ النفسِ والخَطَرِ )
( ما كان جدِّي ولا كان الهُمام أبي ... ليأكلا سؤرَ عباسٍ ولا زُفْرِ )
( شتّانَ مِن سُؤْرِ عباسٍ وفَضْلَتِه ... وسُؤْر كَلْبٍ مُغطّى العين بالوَبَرِ )
( ما زال يَلْقَمُ والطّبّاخُ يلحظُه ... وقد رأى لُقَماً في الحلق بالعُجَر ) - بسيط -
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وعمي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال أخبرني علقمة بن نصر بن واصل النمري قال سمعت أشياخنا يقولون إن منصور بن بجرة بن منصور بن صليل بن أشيم ابن قطن بن سعد بن عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر ابن قاسط قال هذه القصيدة
( ما تنقضِي حسرة مني ولا جَزَعُ ... إذا ذكرْتُ شباباً ليس يُرتجعُ )
( بان الشباب وفاتتني بِشِرَّتهِ ... صروفُ دهرٍ وأيام لها خُدَع )

( ما كنت أولَ مسلوبٍ شبيبتَهُ ... مَكْسُوِّ شيبٍ فلا يذهبْ بك الجَزَعُ ) - بسيط -
فسمعها منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم بن مالك بن سعد بن عامر الضحيان فاستحسنها فاستوهبها منه فوهبها له وكان منصور بن بجرة هذا موسرا لا يتصدى لمدح ولا يفد إلى أحد ولا ينتجعه بالشعر وكان هارون الرشيد قد جرد السيف في ربيعة فوجه منصور بن سلمة هذه القصيدة إلى الرشيد وكان رجلا تقتحمه العين جدا ويزدريه من رآه لدمامة خلقه فأمر الرشيد لما عرضت عليه بإحضار قائلها قال منصور فلما وصلت إليه عرفني الحاجب أنه لما عرضت عليه قرأها واختارها على جميع شعر الشعراء جميعا وأمره بإدخالي فلما قربت من حاجبه الفضل بن الربيع آزدراني لدمامة خلقي وكان قصيرا أزرق أحمر أعمش نحيفا قال فردني وأمر بإخراجي فأخرجت فمر بي ذات يوم يزيد بن مزيد الشيباني فصحت به يا أبا خالد أنا رجل من عشيرتك وقد لحقني ضيم وعذت بك فوقف فعرفته خبري وسألته أن يذكرني إذا مرت به رقعتي ويتلطف في إيصالي ففعل ذلك فلما دخلت على أمير المؤمنين أنشدته هذه القصيدة
( أتسلو وقد بانَ الشبابُ المزايلُ ... ) - طويل -

الرشيد يرفع السيف عن ربيعة
فقال لي غدا إن شاء الله آمر برفع السيف عن ربيعة وخرج يزيد يركض فما جاءت العصر من الغد حتى رفع السيف عن ربيعة بنصيبين وما يليها وأنشدته القصيدة فلما صرت إلى هذا الموضع

( يُجرِّد فينا السيفَ من بين مارقٍ ... وعانٍ بُجُودٌ كلهمْ متحاملُ )
قالوا فلما سمع الجلساء هذا البيت قالوا ذهب الأعرابي وافتضح فلما قلت
( وقد علم العُدْوان والجَوْرُ والخَنَا ... بأنّك عيّافٌ لهنّ مُزايِلُ )
( ولو علِموا فينا بأمرك لم يكن ... يَنال برِيًّا بالأذى متناولُ )
( لنا منكَ أرحامٌ ونعتدُّ طاعةً ... وبأساً إذا اصطكَّ القنا والقنابلُ )
( وما يَحفظ الأَنسابَ مثلَك حافظٌ ... ولا يصِلُ الأرحامَ مثلك واصلُ )
( جعلناك فامنعنا مَعَاذاً ومَفْزَعاً ... لنا حين عَضَّتْنا الخطوبُ الجلائِل )
( وأنت إذا عاذت بوجهك عُوَّذٌ ... تَطامنَ خوفٌ واستقرّت بَلابِلُ ) - طويل -
فقال الجلساء أحسن والله الأعرابي يا أمير المؤمنين فقال الرشيد يرفع السيف عن ربيعة ويحسن إليهم
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي ابن الحسن بن عبيد البكري قال أخبرني أبو خالد الطائي عن الفضل قال كنا عند الرشيد وعنده الكسائي فدخل إليه منصور النمري فقال له الرشيد أنشدني فأنشده قوله
( ما تنقضي حَسرةٌ مني ولا جَزَعُ ... إذا ذَكَرْتُ شباباً ليس يُرتَجَعُ )
فتحرك الرشيد ثم أنشده حتى انتهى إلى قوله

( ما كنت أُوفِي شبابي كُنْهَ عِزّته ... حتّى انقضى فإذا الدُّنيا له تَبعُ ) - بسيط -
فطرب الرشيد وقال أحسنت والله وصدقت لا والله لا يتهنا أحد بعيش حتى يخطر في رداء الشباب وأمر له بجائزة سنية

الشعراء يتهكمون عليه لعدم شربه
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد ابن عبد الله بن طهمان السلمي قال حدثني أحمد بن سنان البيساني وأخبرني عمي قال أخبرنا ابن أبي سعد قال حدثنا مسعود بن عيسى عن موسى بن عبد الله التميمي أن جماعة من الشعراء اجتمعوا ببغداد وفيهم النمري وكانوا على نبيذ فأبى منصور أن يشرب معهم فقالوا له إنما تعاف الشرب لأنك رافضي وتسمع وتصغي إلى الغناء وليس تركك النبيذ من ورع فقال منصور
صوت
( خَلا بين نَدْمانِيَّ موضعُ مجلِسِي ... ولم يَبْقَ عندي للِوصال نصيبُ )
( وَرُدَّتْ على السّاقي تفيض وربَّما ... رَددْتُ عليه الكاسَ وهي سليب )
( وأيُّ امرئ لا يستَهِشُّ إذا جرتْ ... عليه بَنانٌ كفُّهُنَّ خَضِيبُ ) - طويل -
الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل مطلق من مجرى البنصر ومن الناس من ينسبه إلى مخارق هكذا في الخبر
قصيدة للعتابي كتبها للنمري
وقد حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد

المبرد قال كتب كلثوم بن عمرو العتابي إلى منصور النمري قوله
( تَقَضّتْ لُباناتٌ ولاح مَشِيبُ ... وأشفَى على شمسِ النّهار غروبُ )
( وَوَدَّعْتُ إخوانَ الصِّبا وتصرَّمَتْ ... غَواية قلبٍ كانَ وهو طروبُ )
( ورُدَّتْ على الساقي تفيض وربَّما ... رددْتُ عليه الكأس وهي سليب )
( وممّا يَهِيج الشّوق لي فيَرُدّه ... خفيفٌ على أيدي القِيان صَخوبُ )
( عَطَوْنَ بهِ حتّى جرى في أديمه ... أصابيغ في لبّاتِهِنَّ وطِيْبُ ) - طويل -
فأجابه النمري وقال
( أوحشَةُ نَدْمانيك تبكِي فربمَّا ... تلاقيهما والحِلمُ عنك عَزُوب )
( ترى خَلَفاً من كل نَيْلٍ وثروةٍ ... سماعَ قيان عُودُهُنَّ قريبُ )
( يُغَنِّيك يا بنتي فتستصحب النُّهى ... وتحتازك الآفاتُ حِين أغيبُ )
( وإنَّ امرأً أودى السماعُ بلُبِّه ... لَعُريانُ من ثَوْبِ الفلاح سليبُ ) - طويل -
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا محمد ابن عبد الله بن آدم بن جشم العبدي أبو مسعر قال أتى النمري يزيد بن مزيد ويزيد يومئذ في إضاقة وعسرة فقال اسمع مني جعلت فداك فأنشده قصيدة له يقول فيها

( لو لم يكن لبني شيبانَ من حَسَب ... سوى يزيدَ لفاتوا الناسَ في الحسبِ )
( تأوِي المكارم من بكْرٍ إلى مَلِكٍ ... من آل شيبانَ يحويهنّ من كَثَب )
( أبٌ وعمٌّ وأخوالٌ مناصِبُهُمْ ... في منبت النَّبع لا في منبت الغَرَبِ )
( إنّ أبا خالدٍ لما جَرى وجرتْ ... خيلُ الندى أحرَزَ الأُولَى من القَصَب )
( لمّا تلغَّبَهُنَّ الجَرْيُ قَدَّمَه ... عِتْقٌ مُبينٌ وَمحْضٌ غيرُ مؤتشَب )
( إن الذين اغتَزَوا بالحُرّ غرّته ... كمغتزِي الليث في عِرِّيسِهِ الأَشِب )
( ضرباً دِرَاكاً وشَدّاتٍ على عَنَقٍ ... كأنّ إيقاعها النِّيرانُ في الحطب )
( لا تَقْرَبَنَّ يزيداً عند صَوْلته ... لكِنْ إذا ما احتبى للجُود فاقترب ) - بسيط -
فقال يزيد والله ما أصبح في بيت مالي شيء ولكن انظر يا غلام كم عندك فهاته فجاءه بمائه دينار وحلف أنه لا يملك يومئذ غيرها

تحسره على شبابه
وقد أخبرني عمي بهذ الخبر قال حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي قال حدثني عمي عن جدي قال قال لي منصور النمري كنت واقفا على جسر بغداد أنا وعبيد الله بن هشام بن عمرو التغلبي وقد وخطني الشيب يومئذ وعبيد الله شاب حديث السن فإذا أنا بقصرية

ظريفة قد وقفت فجعلت أنظر إليها وهي تنظر إلى عبيد الله بن هشام ثم انصرفت وقلت فيها
( لمّا رأيْتِ سَوَامَ الشيبِ منتشِراً ... في لِمّتي وعبيدَ اللَّه لم يَشِبِ )
( سَللْتِ سَهْمَيْنِ من عَيْنَيْكِ فانتضلا ... على سَبيبَة ذي الأذيال والطرب )
( كذا الغواني نرى منهنَّ قاصدة ... إلى الفروع مُعَرّاة عن الخشب )
( ولا أنتِ أصبحْتِ تَعْتَدِّيْننا أَرَباً ... ولا وعيشِك ما أصبحْتِ من أربي )
( إحدى وخمسين قد أنضيْتُ جِدّتها ... تَحُول بيني وبين اللهو واللعبِ )
( لا تَحْسبنِّي وإن أغضيْتُ عن بصري ... غفَلْتُ عنك ولا عن شأنك العجبِ )
ثم عدلت عن ذلك فمدحت فيها يزيد بن مزيد فقلت
( لو لم يكن لبني شيبانَ من حسبِ ... سوى يزيدَ لفاقوا الناسَ بالحسَب )
( لا تحسبِ الناسَ قد حابَوْا بني مطرٍ ... إذ أسلمَ الجودُ فيهمْ عاقد الطُّنُبِ )
( الجود أخشَنُ لَمْساً يا بني مطر ... من أن تَبُزَّكُموهُ كَفُّ مُسْتَلِب )
( ما أعرفَ الناسَ أنَّ الجُودَ مَدفَعةٌ ... للذمِّ لكنّه يأتِي على النشب ) - بسيط

قال فأعطاني يزيد عشرة آلاف درهم
حدثني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي الحزنبل قال حدثني عمرو بن عثمان الموصلي قال حدثني ابن أبي روق الهمداني قال قال لي منصور النمري دخلت على الرشيد يوما ولم أكن أعددت له مدحا فوجدته نشيطا طيب النفس فرمت شيئا فما جاءني ونظر إلي مستنطقا فقلت
( إذا اعتاصَ المديحُ عليك فامدَحْ ... أميَر المؤمنين تَجِدْ مقالا )
( وعُدْ بفِنائه واجنَحْ إليه ... تَنَلْ عُرْفاً ولم تُذْلِلْ سؤالا )
( فِناءٌ لا تزال به رِكابٌ ... وضَعْنَ مدائحاً وحَمَلْنَ مالا ) - وافر -
فقال والله لئن قصرت القول لقد أطلت المعنى وأمر لي بصلة سنية

صوت
( طَرِبْتَ إلى الحيِّ الذين تحمّلوا ... بِبُرقةِ أحواذٍ وأنت طروب )
( فبِتُّ أُسَقَّاها سُلافاً مُدامةً ... لها في عظامٍ الشَّاربين دبيب ) - طويل -
الشعر لعبد الله بن الحجاج الثعلبي والغناء لعلويه رمل بالوسطى عن الهشامي وفيه لسليم خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى

نسب عبد الله بن الحجاج وأخباره
هو عبد الله بن الحجاج بن محصن بن جندب بن نصر بن عمرو بن عبد غنم بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض ابن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر ويكنى أبا الأقرع شاعر فاتك شجاع من معدودي فرسان مضر ذوي البأس والنجدة فيهم وكان ممن خرج مع عمرو بن سعيد على عبد الملك بن مروان فلما قتل عبد الملك بن مروان عمرا خرج مع نجدة بن عامر الحنفي ثم هرب فلحق بعبد الله بن الزبير فكان معه إلى أن قتل ثم جاء إلى عبد الملك متنكرا واحتال عليه حتى أمنه
وأخباره تذكر في ذلك وغيره ها هنا
أخبرني بخبره في تنقله من عسكر إلى عسكر ثم استئمانه جماعة من شيوخنا فذكروه متفرقا فابتدأت بأسانيدهم وجمعت خبره من روايتهم
فأخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني اليزيدي أبو عبد الله محمد بن العباس ببعضه قال حدثني سليمان ابن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي وأخبرنا محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية الأسدي قال حدثنا محمد بن كناسة وأخبرني عمي قال حدثنا عبد الله

ابن أبي سعد قال حدثني علي بن مسلم بن الهيثم الكوفي عن محمد بن أرتبيل ونسخت بعض هذه الأخبار من نسخة أبي العباس ثعلب والألفاظ تختلف في بعضها والمعاني قريبة قالوا
كان عبد الله بن الحجاج الثعلبي شجاعا فاتكا صعلوكا من صعاليك العرب وكان متسرعا إلى الفتن فكان ممن خرج مع عمرو بن سعيد بن العاص فلما ظفر به عبد الملك هرب إلى ابن الزبير فكان معه حتى قتل ثم اندس إلى عبد الملك فكلم فيه فأمنه

احتياله في الدخول على عبد الملك
هذه رواية ثعلب وقال العنزي وابن أبي سعد في روايتهما لما قتل عبد الله بن الزبير وكان عبد الله بن الحجاج من أصحابه وشيعته احتال حتى دخل على عبد الملك بن مروان وهو يطعم الناس فدخل حجرة فقال له مالك يا هذا لا تأكل قال لا أستحل أن آكل حتى تأذن لي قال إني قد أذنت للناس جميعا قال لم أعلم فآكل بأمرك قال كل فأكل وعبد الملك ينظر إليه ويعجب من فعاله فلما أكل الناس وجلس عبد الملك في مجلسه وجلس خواصه بين يديه وتفرق الناس جاء عبد الله بن الحجاج فوقف بين يديه ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده
( أبلِغْ أميرَ المؤمِنين فإنّني ... مما لقيتُ مِن الحوادثِ موجَعُ )
( مُنِعَ القَرَارُ فجئتُ نحوك هارباً ... جيْشٌ يَجُرُّ ومِقْنَبٌ يَتَلَمَّع ) - كامل -
فقال عبد الملك وما خوفك لا أم لك لولا أنك مريب فقال عبد الله
( إنّ البلادَ عليَّ وهْي عريضةٌ ... وَعُرَتْ مذاهبُها وسُدّ المطلعُ ) - كامل

فقال له عبد الملك ذلك بما كسبت يداك وما الله بظلالمٍ للعبيد فقال عبد الله
( كنا تَنَحّلْنا البصائرَ مرّةً ... وإليك إذ عمِي البصائرُ نَرْجِعُ )
( إن الذي يَعْصِيك منا بعدها ... مِن دينه وحياته متودِّع )
( آتِي رِضاك ولا أعودُ لمثلها ... وأطيعُ أمرَك ما أمرْتَ وأسمعُ )
( أُعْطِي نصيحتِيَ الخليفةَ ناخِعاً ... وخِزامةَ الأنف المَقُودِ فَأَتْبَعُ ) - كامل -
فقال له عبد الملك هذا لا نقبله منك إلا بعد المعرفة بك وبذنبك فإذا عرفت الحوبة قبلنا التوبة فقال عبد الله
( ولقد وطئْتَ بني سعيد وَطْأةً ... وابنَ الزبير فَعَرْشُه متضَعْضِعُ ) - كامل -
فقال عبد الملك لله الحمد والنمة على ذلك فقال عبد الله
( ما زلْتَ تَضْرِبُ مَنْكِباً عن مَنْكِبٍ ... تعلو ويسفل غيركُمْ ما يُرْفَعُ )
( ووَطِئتُمُ في الحرب حتى أصبحوا ... حَدَثاً يَكُوسُ وغابراً يتجعجع )
( فحوى خلافَتَهُمْ ولم يظلمْ بها ... ألقَرْمُ قَرْمُ بني قُصِيِّ الأنزعُ )

( لا يستوي خاوي نجومٍ أُفَّلٍ ... والبدرُ منبلجاً إذا ما يطلع )
( وُضِعَتْ أميّةُ واسطين لقومهمْ ... وَوُضِعْتَ وَسْطَهمُ فَنِعْمَ الموضع )
( بيتٌ أبو العاصي بناه بِرَبْوةٍ ... عالي الْمَشارف عِزُّه ما يُدْفع )
فقال له عبد الملك إن توريتك عن نفسك لتريبني فأي الفسقة أنت وماذا تريد فقال
( حَرَبَتْ أُصَيْبِيَتِي يدٌ أرسلْتُها ... وإليك بعد مَعادِها ما ترجع )
( وأرى الذي يرجو تُراثَ محمدٍ ... أَفَلَتْ نجومُهُم ونجمُكَ يَسْطع ) - كامل -
فقال عبد الملك ذلك جزاء أعداء الله فقال عبد الله بن الحجاج
( فانعِشْ أُصَيْبِيَتِي الأُلاءِ كأنّهُمْ ... حَجَلٌ تَدَرَّجُ بالشَّرَبَّةِ جُوَّعُ ) - كامل -
فقال عبد الملك لا أنعشهم الله وأجاع أكبادهم ولا أبقى وليدا من نسلهم فإنهم نسل كافر فاجر لا يبالي ما صنع فقال عبد الله
( مالٌ لهمْ مما يُضَنُّ جَمَعْتُهُ ... يومَ القليب فَحِيزَ عنهُمْ أَجْمَعُ ) - كامل

فقال له عبد الملك لعلك أخذته من غير حله وأنفقته في غير حقه وأرصدت به لمشاقة أولياء الله وأعددته لمعاونة أعدائه فنزعه منك إذ استظهرت به على معصية الله فقال عبد الله
( أدنو لِتَرْحَمَني وتُجْبِرَفاقتي ... فأراك تَدْفَعُنِي فأين المَدْفَعُ ) - كامل -
فتبسم عبد الملك وقال له إلى النار فمن أنت الآن قال أنا عبد الله بن الحجاج الثعلبي وقد وطئت دارك وأكلت طعامك وأنشدتك فإن قتلتني بعد ذلك فأنت وما تراه وأنت بما عليك في هذا عارف ثم عاد إلى إنشاده فقال
( ضاقت ثيابُ المُلبِسين وفضلُهُمْ ... عنِّي فألبِسْني فَثَوْبُكَ أَوْسَعُ ) - كامل -
فنبذ عبد الملك إليه رداء كان على كتفه وقال البسه لا لبست فالتحف به ثم قال له عبد الملك أولى لك والله لقد طاولتك طمعا في أن يقوم بعض هؤلاء فيقتلك فأبى الله ذلك فلا تجاورني في بلد وانصرف آمنا قم حيث شئت
قال اليزيدي في خبره قال عبد الله بن الحجاج ما زلت أتعرف منه ما أكره حتى أنشدته قولي
( ضاقت ثيابُ الملبِسين وفضلُهُمْ ... عني فألبِسْني فَثَوْبُكَ أوسعُ )
فرمى عبد الملك مطرفه وقال البسه فلبسته

ثم قال آكل يا أمير المؤمنين قال كل فأكل حتى شبع ثم قال أمنت ورب الكعبة فقال كن من شئت إلا عبد الله بن الحجاج قال فأنا والله هو وقد أكلت طعامك ولبست ثيابك فأي خوف علي بعد ذلك فأمضى له الأمان
ونسخت من كتاب أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي قال
كان عبد الله بن الحجاج قد خرج مع نجدة بن عامر الحنفي الشاري فلما انقضى أمره هرب وضاقت عليه الأرض من شدة الطلب فقال في ذلك
( رأيْتُ بلادَ اللَّه وهْيَ عريضةٌ ... على الخائفِ المطرودِ كفّةَ حابِل )
( تودِّي إليه أن كلَّ ثنيّة ... تَيَمَّمها ترْمِي إليه بقاتِل ) - طويل -

التجاؤه إلى أحيح وهجاؤه بعد غدره به
قال ثم لجأ إلى أحيح بن خالد بن عقبة بن أبي معيط فسعى به إلى الوليد بن عبد الملك فبعث إليه بالشرط فأخذ من دار أحيح فأتي به الوليد فحبسه فقال وهو في الحبس
( أقول وذاك فَرْطُ الشوقِ منّي ... لِعَيْنِي إذ نَأَتْ ظَمْيَاءُ فِيضِي )
( فما للقلب صبرٌ يوم بانتْ ... وما للدمع يُسفَحُ من مَغِيض )
( كأنَّ مُعَتَّقاً من أَذْرِعاتٍ ... بماءِ سحابةٍ خَصِرٍ فضيضِ )

( بِفيها إذ تُخافِتُنِي حياءً ... بسرٍّ لا تبوحُ به خفيِض )
يقول فيها
( فإن يُعْرِضَ أبو العبّاسِ عنّي ... ويركبْ بي عَروضاً عن عَروضِ )
( ويجعلْ عُرْفَهُ يوماً لِغيِري ... ويُبْغِضْني فإنِّي مِن بغِيضِ )
( فإنِّي ذو غِنىً وكريمُ قومٍ ... وفِي الأكفاءِ ذو وجهٍ عرِيضِ )
( غلبْتَ بني أبي العاصي سَمَاحاً ... وفي الحرب المذكَّرةِ العضوضِ )
( خرجْتَ عليهِمُ في كلْ يومٍ ... خروجَ القِدْح من كفِّ الْمُفيضِ )
( فِدًى لك مَنْ إذا ما جئْتُ يوماً ... تلّقاني بجامعةٍ رَبوضِ )
( على جنب الْخُوان وذاك لؤمٌ ... وبْئِسَتْ تُحفَة الشيخ المريضِ )
( كأني إذْ فزِعْتُ إلى أُحَيْحٍ ... فزعْتُ إلى مُقَوْقِيَةٍ بَيُوض )
( إِوزةِ غَيْضةٍ لَقِحَتْ كِشافاً ... لِقُحْقُحِها إذا دَرَجَتْ نقيضُ ) - وافر -
قال فدخل أحيح على الوليد بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين أن عبد الله بن الحجاج قد هجاك قال بماذا فأنشده قوله
( فإنْ يُعرضْ أبو العباس عنّي ... ويركبْ بي عَروضاً عن عروضِ )
( ويجعلْ عُرْفَه يوماً لغيري ... ويُبْغِضْني فإني من بغيض )

فقال الوليد وأي هجاء هذا هو من بغيض إن أعرضت عنه أو أقبلت عليه أو أبغضته ثم ماذا فأنشده
( كأني إذ فزعْتُ إلى أحيح ... فَزِعْتُ إلى مُقَوْقِيَةٍ بَيُوضِ ) - وافر - فضحك الوليد ثم قال ما أراه هجا غيرك فلما خرج من عنده أحيح أمر بتخلية سبيل عبد الله بن الحجاج فأطلق وكان الوليد إذا رأى أحيحا ذكر قول عبد الله فيه فيضحك منه

هجاؤه لكثير بن شهاب
حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا خلاد بن يزيد الأرقط عن سالم بن قتيبة وحدثني يعقوب بن القاسم الطلحي قال حدثني غير واحد منهم عبد الرحمن بن محمد الطلحي قال حدثني أحمد بن معاوية قال سمعت أبا علقمة الثقفي يحدث قال أبو زيد وفي حديث بعضهم ما ليس في حديث الآخر وقد ألفت ذلك قال كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذي الغصة بن يزيد بن شداد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن كعب على ثغر الري ولاه إياه المغيرة بن شعبة إذ كان خليفة معاوية على الكوفة وكان عبد الله بن الحجاج معه فأغار الناس على الديلم فأصاب عبد الله بن الحجاج رجلا منهم فأخذ سلبه فانتزعه منه كثير وأمر بضربه فضرب مائة سوط وحبس فقال عبد الله في ذلك وهو محبوس
( تسائِلُ سلمى عن أبيها صِحابَه ... وقد علِقَتْه من كَثِيرٍ حبائِلُ )
( فلا تسألِي عنّي الرفاقَ فإنّه ... بأبهَرَ لا غازٍ ولا هو قافِلُ )

( أَلَسْتُ ضربْتُ الدَّيلميَّ أمامَهُمْ ... فَجَدَّلْتُه فيه سِنانٌ وعامِل ) - طويل -
فمكث في الحبس مدة ثم أخلي سبيله فقال
( سأترك ثغر الري ما كنت واليا ... عليه لأمرٍ غالني وشجاني )
( فإن أنا لم أُدْرِك بثأري وأَتَّئِرْ ... فلا تَدْعُنِي للصَّيْدِ من غَطَفَان )
( تمنَّيتَنِي يا ابنَ الحصيْنِ سَفاهةً ... ومالك بي يا ابنَ الحصيِن يدان )
( فإنِّي زعيمٌ أنْ أجَلِّلَ عاجلاً ... بسيفي كِفاحاً هامةَ ابنِ قَنَان ) - طويل -
قال فلما عزل كثير وقدم الكوفة كمن له عبد الله بن الحجاج في سوق التمارين وذلك في خلافة معاوية وإمارة المغيرة بن شعبة على الكوفة وكان كثير يخرج من منزله إلى القصر ليحدث المغيرة فخرج يوما من داره إلى المغيرة يحدثه فأطال وخرج من عنده ممسيا يريد داره فضربه عبد الله بعمود حديد على وجهه فهتم مقاديم أسنانه كلها وقال في ذلك
( مَنْ مُبْلِغٌ قَيْساً وخِنْدفَ أنني ... ضَرَبْتُ كَثِيراً مَضْرِبَ الظَّرَبانِ )
( فأُقسِمُ لا تَنْفَكُّ ضَرْبَةُ وجهِه ... تُذِلُّ وتُخْزِي الدَّهرَ كلَّ يمَانِ )
( فإن تَلقنِي تَلْقَ امرِأً قد لقيته ... سريعاًإلى الهيجاء غير جبانِ )

( وتَلْقَ امرأً لم تَلْقَ أمُّك بِرَّه ... على سابحٍ غَوْجِ اللَّبان حِصان )
( وحوليَ مِن قيسٍ وخِنْدِفَ عصبةٌ ... كرامٌ على البَأْساء والحدثان )
( وإن تَكُ للسِّنْخِ الذي غَصَّ بالحصَى ... فإنِّي لِقَرْمٍ يا كَثِيرُ هِجَانِ )
( أنا ابنُ بني قيسٍ عليَّ تعطَّفَتْ ... بَغِيضُ بن ريثٍ بعدَ آل دجان ) - طويل -
وقال في ذلك أيضا عبد الله بن الحجاج
( مَنْ مبلغ قيساً وخِنْدِفَ أنني ... أدركْتُ مَظلِمَتي من ابن شهابِ )
( أدركتُهُ أجري على مَحْبُوكةٍ ... سُرُحِ الجِراءِ طويلةِ الأقرابِ )
( جرْداءَ سُرْحوبٍ كأنّ هُوِيَّها ... تعلُو بجُؤْجُئِهَا هُوِيُّ عُقاب )
( خُضْتُ الظلامَ وقد بَدَت لي عورةٌ ... منه فَأَضْرِبه على الأنياب )
( فتركْتُه يكبُو لِفِيهِ وأَنفِهِ ... ذَهِلَ الجَنان مضرّجَ الأثواب )
( هلا خشِيتَ وأنت عادٍ ظالمٌ ... بقصور أبْهَرَ نَصْرَتي وعقابي )
( إذ تستحِلُّ وكان ذاك مُحَرَّماً ... جَلَدي وتَنزعُ ظالماً أثوابي )
( ما ضرّه والحُرُّ يطلب وتْرَهُ ... بأشمَّ لا رَعِشٍ ولا قَبْقابِ ) - كامل

انتصار معاوية لعبد الله بن الحجاج
قال فكتب ناس من اليمانية من أهل الكوفة إلى معاوية إن سيدنا ضربه خسيس من غطفان فإن رأيت أن تقيدنا من أسماء بن خارجة فلما قرأ معاوية الكتاب قال ما رأيت كاليوم كتاب قوم أحمق من هؤلاء وحبس عبد الله بن الحجاج وكتب إليهم إن القود ممن لم يجن محظور والجاني محبوس حبسته فليقتص منه المجني عليه فقال كثير بن شهاب لا أستقيدها إلا من سيد مضر فبلغ قوله معاوية فغضب وقال أنا سيد مضر فليستقدها مني وأمن عبد الله بن الحجاج وأطلقه وأبطل ما فعله بابن شهاب فلم يقتص ولا أخذ له عقلا
قال أبو زيد وقال خلاد الأرقط في حديثه إن عبد الله بن الحجاج لما ضربه بالعمود قال له أنا عبد الله بن الحجاج صاحبك بالري وقد قابلتك بما فعلت بي ولم أكن لأكتمك نفسي وأقسم بالله لئن طالبت فيها بقود لأقتلنك فقال له أنا أقتص من مثلك والله لا أرضى بالقصاص إلا من أسماء بن خارجة وتكلمت اليمانية وتحارب الناس بالكوفة فكتب معاوية إلى المغيرة أن أحضر كثيرا وعبد الله بن الحجاج فلا يبرحان من مجلسك حتى يقتص كثير أو يعفو فأحضرهما المغيرة فقال قد عفوت وذلك لخوفه من عبد الله بن الحجاج أن يغتاله قال وقال لي يا أبا الأقيرع والله لا نلتقي أنت ونحن جميعا أهتمان وقد عفوت عنك
ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي قال كان لعبد الله بن الحجاج ابنان يقال لأحدهما عوين والثاني جندب فمات جندب وعبد الله حي فدفنه بظهر الكوفة فمر أخوه عوين بحراث إلى جانب قبر جندب

فنهاه أن يقربه بفدانه وحذَّره ذلك فلما كان الغد وجده قد حرث جانبه وقد نبشه وأضر به فشد عليه فضربه بالسيف وعقر فدانه وقال
( أقول لحرَّاثَيْ حريمي جنِّبا ... فَدَانَيْكما لا تُحْرِثا قبر جندبِ )
( فإنكما إِنْ تحرثاه تُشَرَّدا ... ويذهبْ فَدَانٌ منكما كلَّ مذهب ) - طويل -

استعطافه عبد الملك
قال فأخذ عوين فاعتقله السجان فضربه حتى شغله بنفسه ثم هرب فوفد أبوه إلى عبد الملك فاستوهب جرمه فوهبه وأمر بألا يتعقب فقال عبد الله بن الحجاج يذكر ما كان من ابنه عوين
( لَمِثْلُكَ يا عويْنُ فَدَتْك نفسِي ... نجا من كُرْبَةٍ إن كان ناجي )
( عَرَفْتُك من مُصاصِ السِّنْخِ لما ... تركْتُ ابن العُكامِسِ في العَجاج )
قال ولما وفد عبد الله بن الحجاج إلى عبد الملك بسبب ما كان من ابنه عوين مثل بين يديه فأنشده
( يابن أبي العاصي ويا خير فَتَى ... أنت النجيبُ والخِيارُ المصطفى )
( أنت الذي لم تدَعِ الأمرَ سُدَى ... حينَ كشفْتَ الظُّلُمَاتِ بالهدى )
( ما زلْتَ إن نازٍ على الأمر انتزَى ... قَضَيْته إنَّ القضاء قد مضى )
( كما أذقْتَ ابن سعيدٍ إذ عصى ... وابنَ الزبير إذ تسمَّى وطغى )

( وأنتَ إن عُدَّ قديم وبِنَى ... من عبد شمس في الشَّماريخ العُلَى )
( جِيبَتْ قريشٌ عنكُمُ جَوْبَ الرَّحَى ... هل أنت عاف عن طريدٍ قد غوى )
( أهْوَى على مَهْواةِ بِئرٍ فهَوَى ... رَمَى به جُوْلٌ إلى جُول الرَّجا )
( فتجبرَ اليومَ به شيخاً ذَوَى ... يعوِي مع الذئب إذ الذئبُ عوى )
( وإن أراد النومَ لم يَقْضِ الكرى ... من هَوْلِ ما لاقى وأهوال الردى )
( يشكُر ذاك ما نفَتْ عينٌ قذَى ... نفسي وآبائي لك اليوم الفِدا ) - رجز -
فأمر عبد الملك بتحمل ما يلزم ابنه من غرم وعقل وأمنه
ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي قال وفد عبد الله بن الحجاج إلى عبد العزيز بن مروان ومدحه فأجزل صلته وأمره بأن يقيم عنده ففعل فلما طال مقامه اشتاق إلى الكوفة وإلى أهله فاستأذن عبد العزيز فلم يأذن له فخرج من عنده غاضبا فكتب عبد العزيز إلى أخيه بشر أن يمنعه عطاءه فمنعه ورجع عبد الله لما أضر به ذلك إلى عبد العزيز وقال يمدحه
( تركت ابنَ ليلى ضَلَّةً وحَرِيمَه ... وعند ابنِ ليلى معقِل ومُعَوَّلُ )
( ألم يَهْدِني أنَّ الْمُرَاغَم واسعٌ ... وأنّ الديار بالمقيم تَنَقَّلُ )

( سأحكم أمري إنْ بدا لي رُشْدُه ... وأختارُ أهلَ الخيرِ إن كنتُ أعقل )
( وأترك أوطاري وألحقُ بامرىءٍ ... تَحَلَّبُ كفّاه النَّدَى حين يُسْأَل )
( أَبَتْ لك يا عبدَ العزيزِ مآثرٌ ... وجَريٌ شأَى جرْيَ الجياد وأوّلُ )
( أبي لك إذْ أكْدَوْا وقلَّ عطاؤُهُمْ ... مواهبُ فَيّاضٍ ومجدٌ مؤثَّل )
( أبوك الذي يَنْميك مروانُ للعلى ... وسَعْدُ الفتى بالخال لا مَنْ يُخَوَّل ) - طويل -
فقال له عبد العزيز أما إذ عرفت موضع خطئك واعتزمت به فقد صفحت عنك وأمر باطلاق عطائه ووصله وقال له أقم ما شئت عندنا أو انصرف مأذونا لك إذا شئت
ونسخت من كتابه أيضا
كان عمر بن هبيرة بن معية بن سكين قد ظلم عبد الله بن الحجاج حقا له واستعان عليه بقومه فلقوه في بعلبك فعاونوا عبد الله بن الحجاج عليه وفرقوه بالسياط حتى انتزعوا حقه منه فقال عبد الله في ذلك
( ألا أبلِغْ بني سعدٍ رسولاً ... ودونهُمُ بُسَيْطةُ فالمعاط )
( أميطُوا عنكُمُ ضَرْطَ ابن ضرطٍ ... فإنّ الخُبْثَ مِثْلهمُ يُماط )

( ولي حقٌّ فَرَاطةُ أوّلِينا ... قديماً والحقوق لها افتراط )
( فما زالت مباسطتي ومَجْدي ... وما زال التهايُط والمِياط )
( وجدِّي بالسياط عليك حتّى ... تُرِكْتَ وفي ذُناباكَ انبساط )
( مَتى ما تعترِضْ يوماً لحقِّي ... تلاقِكَ دونَه سُعْرٌ سِباط )
( من الحيَّينِ ثعلبةَ بن سَعْدٍ ... ومرَّةَ أخذ جمعِهِمُ اعتباط )
( تراهُمْ في البيوت وهُمْ كسالىَ ... وفي الهيجا إذا هِيجوا نِشاط ) - وافر -
والقصيدة التي فيها الغناء بذكر أمر عبد الله بن الحجاج أولها
( نَأَتْك ولم تخشَ الفِراقَ جَنوبُ ... وشطَّتْ نَوًى بالضاعنين شَعُوب )
( طَرِبْتَ إلى الحيِّ الذين تحمَّلوا ... بِبُرْقَة أحوازٍ وأنت طروب )
( فظَلْتُ كأنِّي ساوَرَتْني مُدامةٌ ... تمنى بها شَكْسُ الطِّباع أريب )
( تُمرُّ وتستحلي على ذاك شَرْبُها ... لوجه أخيها في الإِناء قُطوبُ )
( كُمَيْتٌ إذا صُبَّتْ وفي الكأس وردةٌ ... لها في عظام الشاربين دبيب )
( تَذَكَّرْتُ ذِكرَى من جنوبَ مصيبة ... ومالك من ذكرى جنوبَ نصيبُ )
( وأنىَّ ترجَّي الوصلَ منها وقد نأتْ ... وتبخلُ بالموجود وَهْيَ قريب )
( فما فوقَ وَجْدي إذ نأتْ وَجْدُ واجدٍ ... من النّاس لو كانت بذاك تثيب )

( برَهْرَهَةٌ خَوْدٌ كأنَّ ثيابها ... على الشَّمس تبدو تارةً وتغيب )
وهي قصيدة طويلة

الحجاج يحرض عبد الملك عليه
ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي قال كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يعرفه آثار عبد الله بن الحجاج وبلاءه من محاربته وأنه بلغه أنه أمنه ويحرضه ويسأله أن يوفده إليه ليتولى قتله وبلغ ذلك عبد الله بن الحجاج فجاء حتى وقف بين يدي عبد الملك ثم أنشده
( أعوذُ بثوْبَيْك اللَّذَيْنِ ارتداهما ... كريمُ الثَّنا مِن جَيْبه المِسْكُ ينفحُ )
( فإن كنتُ مأكولاً فكن أنتَ آكلي ... وإن كنتُ مذبوحاً فكن أنتَ تذبحُ ) - طويل -
فقال عبد الملك ما صنعت شيئا فقال عبد الله
( لأنتَ وخيرُ الظّافرين كرامُهُمْ ... عن المُذْنِبِ الخاشي العقابَ صَفُوحُ )
( ولو زَلِقَتْ من قَبْلِ عفوك نعلُه ... ترامى به دَحْض المَقَام بَريحُ )
( نمى بك إن خانت رجالاً عُرُوقهمْ ... أُرُومٌ ودِينٌ لم يَخُنْكَ صحيح )
( وَعَرْفٌ سَرَى لم يَسْرِ في الناس مثلُه ... وشأوٌ على شأو الرجال مَتوح )
( تدارَكَني عفوُ ابن مروانَ بعدما ... جَرَى لي من بعد الحياة سنيح )
( رفعتُ مريحاً ناظريَّ ولم أَكَدْ ... من الهمِّ والكَرْب الشديد أريح ) - طويل

فكتب عبد الملك إلى الحجاج إني قد عرفت من خبث عبد الله وفسقه ما لا يزيدني علما به إلا أنه اغتفلني متنكرا فدخل داري وتحرم بطعامي واستكساني فكسوته ثوبا من ثيابي وأعاذني فأعذته وفي دون هذا ما حظر علي دمه وعبد الله أقل وأذل من أن يوقع أمرا أو ينكث عهدا في قتله خوفا من شره فإن شكر النعمة وأقام على الطاعة فلا سبيل عليه وإن كفر ما أوتي وشاق الله ورسوله وأولياءه فالله قاتله بسيف البغي الذي قتل به نظراؤه ومن هو أشد بأسا وشكيمة منه من الملحدين فلا تعرض له ولا لأحد من أهل بيته إلا بخير والسلام
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال كانت في القريتين بركة من ماء وكان بها رجل من كلب يقال له دعكنة لا يدخل البركة معه أحد إلا غطّه حتى يغلبه فغط يوما فيها رجلا من قيس بحضرة الوليد بن عبد الملك حتى خرج هاربا فقال ابن هبيرة وهو جالس عليها يومئذ اللهم اصبب علينا أبا الأقيرع عبد الله بن الحجاج فكان أول رجل انحدرت به راحلته فأناخها ونزل فقال ابن هبيرة للوليد هذا أبو الأقيرع والله يا أمير المؤمنين أيهما أخزى الله صاحبه به فأمره الوليد أن ينحط عليه في البركة والكلبي فيها واقف متعرض للناس وقد صدوا عنه فقال له يا أمير المؤمنين إني أخاف أن يقتلني فلا يرضى قومي إلا بقتله أو أقتله فلا ترضى قومه إلا بمثل ذلك وأنا رجل

بدوي ولست بصاحب مال فقال دعكنة يا أمير المؤمنين هو في حل وأنا في حل فقال له الوليد دونك فتكأكا ساعة كالكارة حتى عزم عليه الوليد فدخل البركة فاعتنق الكلبي وهوى به إلى قعرها ولزمه حتى وجد الموت ثم خلى عنه فلما علا غطه غطة ثانيه وقام عليه ثم أطلقه حتى تروح ثم أعاده وأمسكه حتى مات وخرج ابن الحجاج وبقي الكلبي فغضب الوليد وهم به فكلمه يزيد وقال أنت أكرهته أفكان يمكن الكلبي من نفسه حتى يقتله فكف عنه فقال عبد الله بن الحجاج في ذلك
( نجَّاني اللَّهُ فَرْداً لا شريك له ... بالقريتين ونفسٌ صُلْبَةُ العود )
( وذِمَّةٌ مِن يزيدٍ حالَ جانِبُها ... دوني فأنجِيتُ عفواً غيرَ مجهود )
( لولا الإلهُ وصبري في مغاطستِي ... كان السليمَ وكنت الهالكَ المُودِي ) - بسيط -

صوت
( يا حَبَّذا عملُ الشيطان من عملٍ ... إنْ كان من عملِ الشيطان حُبِّيها )
( لَنظرةٌ من سليمى اليومَ واحدةٌ ... وأشهَى إليَّ من الدُّنيا وما فيها ) - بسيط -
الشعر لناهض بن ثومة الكلابي أنشدنيه هاشم بن محمد الخزاعي قال أنشدنا الرياشي قال أنشدنا ناهض بن ثومة أبو العطاف الكلابي هذين البيتين لنفسه وأخبرني بمثل ذلك عمي عن الكراني عن الرياشي والغناء لأبي العبيس بن حمدون ثقيل أول ينشد بالوسطى

أخبار ناهض بن ثومة ونسبه
هو ناهض بن ثومة بن نصيح بن نهيك بن إمام بن جهضم بن شهاب بن أنس بن ربيعة بن كعب بن بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة شاعر بدوي فارس فصيح من الشعراء في الدولة العباسية وكان يقدم البصرة فيكتب عنه شعره وتؤخذ عنه اللغة روى عنه الرياشي وأبو سراقة ودماذ وغيرهم من رواة البصرة وكان يهجوه رجل من بني الحارث بن كعب يقال له نافع بن أشعر الحارثي فأثرى عليه ناهض فمما قاله في جواب قصيدة هجا بها قبائل قيس قصيدة ناهض التي أولها
( ألا يا اسلما يأيُّها الطَّلَلاَنِ ... وهلْ سالمٌ باقٍ على الحَدَثانِ )
( أبيْنا لنا حُيِّيتُما اليومَ إننا ... مبينان عن مَيْلٍ بما تَسَلانِ )
( متى العهدُ مِنْ سلمى التي بَتَّت القُوى ... وأسماءَ إن العهد منذ زمان )
( ولا زال ينهلُّ الغمامُ عليكما ... سبيلَ الرُّبَى من وابلٍ ودِجانِ )
( فإنْ أنتما بيَّنتما أو أجبْتما ... فلا زلتما بالنبْتِ ترتديان )
( وجُرَّ الحريرُ والفِرِنْدُ عليكما ... بأذيالِ رَخْصَاتِ الأكُفِّ هِجان )

( نظرْتُ ودوني قِيدُ رُمْحَيْن نظرةً ... بعينين إنساناهما غَرِقان )
( إلى ظُعُنٍ بالعاقِرَيْن كأنّها ... قرائنُ من دوحِ الكثيبِ ثمانِ )
( لسلمى وأسماءَ اللتين أَكَنّتَا ... بقلبي كَنِينَيْ لوعةٍ وضمان )
( عسى يُعقِبُ الهجرُ الطويل تدانيا ... ويا ربَّ هجرٍ مُعْقِبٍ بتداني )
( خليليَّ قد أكثرْتما اللومَ فاربَعا ... كَفَانِيَ ما بي لو تُرِكْتُ كفاني )
( إذا لم تصلْ سَلمى وأسماءُ في الصِّبا ... بحبليْهما حَبْلي فَمَنْ تَصِلانِ )
( فَدَعْ ذا ولكن قد عجبْتُ لنافع ... ومَعواه من نَجرانَ حيث عواني )
( عوى أَسَداً لا يزدهيه عِواؤه ... مقيماً بِلَوْذَيْ يَذْبُلٍ وذِقان )
( لعمري لقد قال ابنُ أشعَرَ نافعٌ ... مقالةَ مَوْطُوءِ الحريم مهان )

( أيزعم أنّ العامريّ لفعله ... بِعاقِبةٍ يُرْمَى به الرَّجَوان )
( ويذكر إنْ لاقاه زلّةَ نعلِه ... فجىءْ للذي لم يستبنْ ببيان )
( كذبتَ ولكِن بابن علبةَ جعفرٍ ... فدَع ما تمنّى زَلَّتِ القَدَمان )
( أُصِيْبَ فلم يُعْقَلْ وطُلّ فلم يُقَدْ ... فذاك الذي يَخزَى به الأَبَوان )
( وحُقَّ لمن كان ابنُ أشعر ثَائِراً ... به الطَّلُّ حَتَّى يحشر الثَّقَلانِ )
( ذليلٌ ذليلُ الرهط أعمَى يسومُه ... بنو عامر ضَيْماً بكل مكان )
( فلم يَبْقَ إلاّ قوله بلسانه ... وما ضَرَّ قولٌ كاذبٌ بلسانِ )
( هجا نافعٌ كعباً ليدرك وِتْرَه ... ولم يَهْجُ كعبٌ نافعاً لآوان )
( ولم تَعْفُ من آثار كعبٍ بوجهه ... قوارعُ منها وُضَّحٌ وقوان )
( وقد خضَّبوا وجهَ ابنِ علبةَ جعفرٍ ... خضابَ نجيعٍ لا خضابَ دِهان )
( فلم يَهْجُ كعباً نافعٌ بعد ضربةٍ ... بسيفٍ ولم يَطْعُنْهمُ بِسِنان )
( فما لك مَهْجًى يا ابن أشعرَ فاكتعِمْ ... على حَجَرٍ واصبر لكل هوان )
( إذا المرء لم ينهض فيثأرْ بعمِّه ... فليس يُجَلَّى العارُ بالهَذَيان )
( أبي قيسُ عيلانٍ وعمِّيَ خِنْدِفٌ ... ذَوا البَذْخِ عند الفخر والخَطَران )
( إذا ما تجمَّعْنا وسارتْ حِذاءنا ... ربيعة لم يُعدَلْ بنا أخوانِ )
( أليس نبيُّ اللَّه منّا محمدٌ ... وحمزةُ والعباسُ والعمرانِ )

( ومنا ابنُ عباسٍ ومنا ابن عمِّه ... عليٌّ إمامُ الحق والحَسَنانِ )
( وعثمان والصِّدِّيقُ مناوإننا ... لنعلم أنَّ الحقَّ ما يَعدان )
( ومنا بنو العباس فضلاً فمن لكُمْ ... هَلُمُّوه أوْلا يَنْطِقَنَّ يمان ) - طويل -
قال فأنشد ناهض هذه االقصيدة أيوب بن سليمان بن علي بالبصرة وعنده خال له من الأنصار فلما ختمها بهذا البيت قال الأنصاري أخرسنا أخرسه الله وكان جده نصيح شاعرا وهو الذي يقول
( ألا مَن لقلبٍ في الحِجاز قسيمُه ... ومنه بأكنافِ الحجاز قسيمُ )
( معاوِدِ شكوى أنْ نأتْ أمُّ سالِمٍ ... كما يَشْتكِي جُنحَ الظلامِ سليم )
( سليمٌ لِصِلٍّ أَسْلَمَتْهُ لما بِهِ ... رُقىً قَلَّ عنه دَفْعُها وتميم )
( فلم تَرِمِ الدارَ البُرَيْصَاءَ فالصفا ... صَفاها فخَلاَّها فأين ترِيمُ )
( وقفْتُ عليها بازلاً ناهِجِيَّةً ... إذا لم أزُعْها بالزمامِ تَعُوم )
( كنازاً من الاتي كأنَّ عِظامها ... جُبِرْنَ على كسرٍ فَهُنَّ عثوم ) - طويل -

الفضل بن العباس يتحدث في بداوة ناهض
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني الفضل بن العباس الهاشمي من ولد قثم بن جعفر بن سليمان

عن أبيه قال
كان ناهض بن ثومة الكلابي يفد على جدي قثم فيمدحه ويصله جدي وغيره وكان بدويا جافيا كأنه من الوحش وكان طيب الحديث فحدثه يوما أنهم انتجعوا ناحية الشام فقصد صديقا له من ولد خالد بن يزيد بن معاوية كان ينزل حلب فإذا نزل نواحيها أتاه فمدحه وكان برا به قال فمررت بقرية يقال لها قرية بكر بن عبد الله الهلالي فرأيت دورا متباينة وخصاصا قد ضم بعضها إلى بعض وإذا بها ناس كثير مقبلون ومدبرون عليهم ثياب تحكي ألوان الزهر فقلت في نفسي هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر ثم ثاب إلي ما عزب عن عقلي فقلت خرجت من أهلي في بادية البصرة في صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك فما هذا الذي أرى فبينا أنا واقف متعجب أتاني رجل فأخذ بيدي فأدخلني دارا قوراء وأدخلني منها بيتا قد نجد في وجهه فرش ومهدت وعليها شاب ينال فروع شعره منكبيه والناس حوله سماطان فقلت في نفسي هذا الأمير الذي حكي لنا جلوسه على الناس وجلوس الناس بين يديه فقلت وأنا ماثل بين يديه السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته فجذب رجل يدي وقال اجلس فإن هذا ليس بأمير قلت فما هو قال عروس فقلت واثكل أماه لرب عروس رأيته بالبادية أهون على أهله من هن أمه فلم أنشب أن دخل رجال يحملون هنات مدورات أما ما خف منها فيحمل حملا وأما ما كبر وثقل فيدحرج فوضع ذلك أمامنا وتحلق القوم عليه حلقا ثم أتينا بخرق بيض فألقيت بين

أيدينا فظننتها ثيابا وهممت أن أسأل القوم منها خرقا أقطعها قميصا وذلك أني رأيت نسجا متلاحما لا يبين له سدى ولا لحمة فلما بسطه القوم بين أيديهم إذا هو يتمزق سريعا وإذا هو فيما زعموا صنف من الخبز لا أعرفه ثم أتينا بطعام كثير بين حلو وحامض وحار وبارد فأكثرت منه وأنا لا أعلم ما في عقبه من التخم والبشم ثم أتينا بشراب أحمر في عساس فقلت لا حاجة لي فيه فإني أخاف أن يقتلني وكان إلى جانبي رجل ناصح لي أحسن الله جزاءه فإنه كان ينصح لي من بين أهل المجلس فقال يا أعرابي إنك قد أكثرت من الطعام وإن شربت الماء همى بطنك فلما ذكر البطن تذكرت شيئا أوصاني به أبي والأشياخ من أهلي قالوا لا تزال حيا ما كان بطنك شديدا فأذا اختلف فأوص فشربت من ذلك الشراب لأتداوى به وجعلت أكثر منه فلا أمل شربه فتداخلني من ذلك صلف لا أعرفه من نفسي وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله واقتدار على أمري أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو ساورت الأسد لقتلته وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي بهتم أسنانه وهشم أنفه وأهم أحيانا أن أقول له يا بن الزانية فبينا نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين أربعة أحدهم قد علق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين دقيقة الوسط مشبوحة بالخيوط شبحا منكرا ثم بدر الثاني فاستخرج من كمه

هنة سوداء كفيشلة الحمار فوضعها في فيه وضرط ضراطا لم أسمع وبيت الله أعجب منه فاستتم بها أمرهم ثم حرك أصابعه على أجحرة فيها فأخرج منها أصواتا ليس كما بدأ تشبه بالضراط ولكنه أتى منها لما حرك أصابعه بصوت عجيب متلائم متشاكل بعضه لبعض كأنه علم الله ينطق ثم بدا ثالث كز مقيت عليه قميص وسخ معه مرآتان فجعل يصفق بيديه إحداهما على الأخرى فخالطتا بصوتهما ما يفعله الرجلان ثم بدا رابع عليه قميص مصون وسراويل مصونة وخفان أجذمان لا ساق لواحد منهما فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب ثم التبط به على الأرض فقلت معتوه ورب الكعبة ثم ما برح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي ورأيت القوم يحذفونه بالدراهم حذفا منكرا ثم أرسل النساء إلينا أن أمتعونا من لهوكم هذا فبعثوا بهم وجعلنا نسمع أصواتهن من بعد وكان معنا في البيت شاب لا آبه له فعلت الأصوات بالثناء عليه والدعاء فخرج فجاء بخشبة عيناها في صدرها فيها خيوط أربعة فاستخرج من خلالها عودا فوضعه خلف أذنه ثم عرك آذانها وحركها بخشبة في يده فنطقت ورب الكعبة وإذا هي أحسن قينة رأيتها قط وغنى عليها فأطربني حتى استخفني من مجلسي فوثبت فجلست بين يديه وقلت بأبي أنت وأمي ما هذه الدابة فلست أعرفها للأعراب وما أراها خلقت إلا قريبا فقال هذا

البربط فقلت بأبي أنت وأمي فما هذا الخيط الأسفل قال الزير قلت فالذي يليه قال المثنى قلت فالثالث قال المثلث قلت فالأعلى قال البم قلت آمنت بالله أولا وبك ثانيا وبالبربط ثالثا وبالبم رابعا
قال فضحك أبي والله حتى سقط وجعل ناهض يعجب من ضحكه ثم كان بعد ذلك يستعيده هذا الحديث ويطرف به إخوانه فيعيده ويضحكون منه
وقد أخبرني بهذ الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال كان محمد بن خالد بن يزيد بن معاوية بحلب فأتاه أعرابي فقال له حدث أبا عبد الله يعني الهيثم بن النخعي بما رأيت في حاضر المسلمين فحدثه بنحو من هذا الحديث ولم يسم الأعرابي باسمه وما أجدره بأن يكون لم يعرفه باسمه ونسبه أو لم يعرفه الذي حدث به النوفلي عنه

الكعبي يستعدي قومه على من عقر إبله
نسخت من كتاب لعلي بن محمد الكوفي فيه شعر ناهض بن ثومة قال كان رجل من بني كعب قد تزوج امرأة من بني كلاب فنزل فيهم ثم أنكر منها بعض ما ينكره الرجل من زوجته فطلقها وأقام بموضعه في بني كلاب وكانوا لا يزالون يستحفون به ويظلمونه وإن رجلا منهم أورد إبله الماء

فوردت إبل الكعبي عليها فزاحمته لكنها ألفته على ظهره فتكشف فقام مغصباً بسيفه إلى إبل الكعبي فعقر منها عدة وجلاها عن الحوض ومضى الكعبي مستصرخا بني كلاب على الرجل فلم يصرخوه فساق باقي إبله واحتمل بأهله حتى رجع إلى عشيرته فشكا ما لقي من القوم واستصرخهم فغضبوا له وركبوا معه حتى أتوا حلة بني كلاب فاستاقوا إبل الرجل الذي عقر لصاحبهم ومضى الرجل فجمع عشيرته وتداعت هي وكعب للقتال فتحاربوا في ذلك حربا شديدا وتمادى الشر بينهم حتى تساعى حلماؤهم في القضية فأصلحوها على أن يعقل القتلى والجرحى وترد الإبل وترسل من العاقر عدة الإبل التي عقرها للكعبي فتراضوا بذلك واصطلحوا وعادوا إلى الإلفة فقال في ذلك ناهض بن ثومة
( أمِنْ طَلَلٍ بأخطبَ أبَّدَتْهُ ... نِجاءُ الوَبْل والدِّيَمُ النِّضاحُ )
( ومَرُّ الدهر يوماً بعد يوم ... فما أبقى المساءُ ولا الصباح )
( فكل محَلَّة غَنيَتْ بسلمى ... لِرَيْدات الرياح بها نُواح )

( تَطُلُّ على الجفون الحُزْنَ حتى ... دموعُ العين ناكزةٌ نزاح )
وهي طويلة يقول فيها
( هنيئاً للعدَى سخطٌ وزَعْمٌ ... وللفَرْعَيْن بينهما اصطلاحُ )
( وللعين الرقادُ فقد أطالت ... مساهرةً وللقلب انتجاحُ )
( وقد قال العُداةُ نرى كلاباً ... وكعباً بين صلحهما افتتاحُ )
( تداعَوْا للسَّلام وأمرِ نُجْحٍ ... وخيرُ الأمر ما فيه النجاح )
( ومدُّوا بينهم بحبال مَجْدٍ ... وثديٍ لا أَجَدُّ ولا ضَيَاح )
( ألم تَرَ أنَّ جمع القوم يُحشى ... وأنَّ حَريم واحدهمْ مباح )
( وأن القِدْح حين يكون فرداً ... فيُصْهر لا يكون له اقتداح )
( وإنك إن قبضْتَ بها جميعاً ... أَبَتْ ما سُمْتَ واحدَها القداح )
( أنا الخَطَّارُ دون بني كلابٍ ... وكعبٍ إنْ أتيح لهمْ مُتاحُ )
( أنا الحامي لهمْ ولكل قَرْمٍ ... أخٌ حَامٍ إذا جَدَّ النِّضَاحُ )
( أنا الليثُ الذي لا يزدهيه ... عُواءُ العاويات ولا النُّبَاح )
( سلِ الشعراءَ عني هل أَقَرَّتْ ... بقلبي أو عَفَتْ لهمُ الجراح )
( فما لكواهلِ الشُّعراءِ بُدٌّ ... من القَتَب الذي فيه لَحَاح )

( ومن تَوْرِيكِ راكبِهِ عليهمْ ... وإن كرهوا الركوب وإنْ ألاحوا ) - وافر -

شعره في وقعة بين بني نمير وكلاب
ونسخت من هذا الكتاب الذي فيه شعره أن وقعة كانت بين بني نمير وبني كلاب بنواحي ديار مضر وكانت لكلاب على بني نمير وأن نميرا استغاثت ببني تميم ولجأت إلى مالك بن زيد سيد تميم يومئذ بديار مضر فمنع تميما من إنجادهم وقال ما كنا لنلقي بين قيس وخندف دماء نحن عنها أغنياء وأنتم وهم لنا أهل وإخوة فإن سعيتم في صلح عاونا وإن كانت حمالة أعنا فأما الدماء فلا مدخل لنا بينكم فيها فقال ناهض بن ثومة في ذلك
( سلامُ اللَّه يا مالِ بنَ زيد ... عليك وخيرُ ما أُهْدي السلاما )
( تعلم أَيُّنا لكُمُ صديقٌ ... فلا تستعجلوا فينا الملاما )
( ولكنَّا وحيُّ بني تميم ... عداةٌ لا نرى أبداً سلاما )
( وإن كنا تَكافَفْنا قليلاً ... كحرف السِّيفِ ينهار انهداما )
( وهَيْضُ العظم يُصبح ذا انصداع ... وقد ظَنَّ الجهول بهِ التئاما )
( فلن ننسى الشبابَ الْمُوْدَ مِنَّا ... ولا الشِّيبَ الجحاجِحَ والكِراما )
( ونَوْحَ نوائحٍ منّا ومنهمْ ... مآتِم ما تجِفّ لهمْ سِجاما )
( فكيف يكون صلحٌ بعد هذا ... يرجِّي الجاهلون لهم تِماما )

( ألا قل للقبائِل من تميمٍ ... وخُصَّ لمالِكٍ فيها الكلاما )
( فزِيدُوا يا بني زيدٍ نمُيراً ... هَوانا إنه يُدْني الفِطاما )
( ولا تُبقوا على الأعداء شيئاً ... أعزَّ اللَّهُ نَصْرَكُمُ وداما )
( وجدْتُ المجدَ في حَيِّيْ تميمٍ ... ورَهْطِ الهَذْلَقِ المُوفي الذَّماما )
( نجوم القوم مازالوا هُداةً ... وما زَالُوا لآبيهم زِماما )
( هُمُ الرأسُ المُقَدَّم من تميمٍ ... وغاربُها وأوفاها سَناما )
( إذا ما غاب نجْمٌ آب نجمٌ ... أغرُّ ترى لطلعتِه ابتساما )
( فهذي لابن ثُومَةَ فانسُبُوها ... إليه لا اختفاءَ ولا اكتتاما )
( وإن رَغِمَتْ لذاك بنو نُمَيْرٍ ... فلا زالتْ أُنُوفُهُمُ رَغاما )
قال يعني بالهذلق الهذلق بن بشير أخا بني عتيبة بن الحارث بن شهاب وابنيه علقمة وصباحا
قال وكانت بنو كعب قد اعتزلت الفريقين فلم تصب كلابا ولا نميرا فلما ظفرت كلاب قال لهم ناهض
( ألا هل أتى كعباً على نَأْي دارهمْ ... وخُذْلانهمْ أَنَّا سَرَرْنا بني كَعْبِ )
( بما لَقِيَتْ منا نميرٌ وجمعُها ... غَداةَ أتيْنا في كتائبنا الغُلْب )
( فيا لك يوماً بالحمى لا نرى له ... شبيهاً وما في شَيْبانَ من عَتْب )

( أقامتْ نمير بالحمى غير رغبة ... فكانَ الذي نالتْ نميرٌ من النَّهْب )
( رؤوسٌ وأوصالٌ يزايل بينها ... سباعٌ تدلَّت من أبانَيْنِ والهضْب )
( لنا وَقَعاتٌ في نميرٍ تتابعتْ ... بضيْمٍ على ضَيْمٍ ونَكْبٍ على نَكْب )
( وقد علمتْ قيسُ بنُ عيلان كلُّها ... وللحرب أبناءٌ بأنَّا بنو الحَرْبِ )
( ألم تَرَهُمْ طُرًّا علينا تحزّبوا ... وليس لنا إلا الرُّدَيْنيُّ من حزْبِ )
( وإنا لنقتادُ الجيادَ على الوَجَى ... لأعدائنا مَن لا مُدانٌ ولا صَقْبُ )
( ففي أيِّ فجٍّ ما رَكَزْنا رماحَنا ... مَخُوْفٍ بِنَصْبٍ للعِدا حين لا نَصْب ) - طويل -
أخبرنا جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدثني أبو هفان قال حدثني غرير بن ناهض بن ثومة الكلابي قال كان شاعر من نمير يقال له رأس الكبش قد هاجى عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير زمانا وتناقضا الشعر بينهما مدة فلما وقعت الحرب بيننا وبين بني نمير قال عمارة يحرض كعبا وكلابا ابني ربيعة على بني نمير في هذه الحرب التي كانت بينهم فقال
( رأيتكما يابنَيْ ربيعةَ خُرْتُما ... وعَوَّلْتُما والحربُ ذات هريرِ )

( وَصَدَّقْتُما قول الفرزدق فيكما ... وكذَّبْتُما بالأمس قول جريرِ )
( فإنْ أنتما لم تَقْذِعا الخيلَ بالقنا ... فِصيرا مع الأنباط حيث تصير )
( تسومكما بغْياً نميرٌ هضيمةً ... ستُنجدُ أخبارٌ بهمْ وتغور ) - طويل -
قال فارتحلت كلاب حين أتاها هذا الشعر حتى أتوا نميرا وهم في هضبات يقال لهن واردات فقتلوا واجتاحوا وفضحوا نميرا ثم انصرفوا فقال ناهض بن ثومة يجيب عمارة عن قوله
( وَيَحْضُضنا عُمارةُ في نميرٍ ... ليَشْغَلَهُمْ بنا وبه أرابوا )
( ويزعمُ أننا خرْنا وأنّا ... لهم جارُ المقربّة المصابُ )
( سلَوا عنا نميراً هل وَقَعْنا ... بنزوتها التي كانت تُهاب )
( ألم تخضعْ لهم أَسَدٌ ودانت ... لهم سَعْدٌ وضَبَّةُ والرباب )
( ونحن نكُرُّها شُعْثاً عليهمْ ... عليها الشِّيبُ منا والشباب )
( رَغِبْنا عن دماء بني قُرَيع ... إلى القَلْعَينْ إنهما اللُّبابُ )
( صَبَحْنَاهُمْ بأرعنَ مكفهرٍّ ... يدفُّ كأنَّ رايتَه العُقَاب )

( أجشَّ من الصواهل ذي دويٍّ ... تلوح البِيضُ فيه والحِراب )
( فأشْعَلَ حين حلّ بوارداتٍ ... وثار لنقعه ثَمَّ انصبابُ )
( صَبَحْناهُمْ بها شُعْثَ النواصي ... ولم يُفْتَق من الصبح الحجابُ )
( فلم تُغمَدْ سيوفُ الهندِ حتى ... تعيلَتِ الحليلةُ والكَعَاب ) - وافر -

صوت
( أَعَرَفْتَ من سلمى رسومَ ديارِ ... بالشَّطِّ بين مُخْفِّقٍ وصَحارِ )
( وكأنما أَثَرُ النِّعاج بجَوِّها ... بمَدَافع الرَّكَبَيْنِ وَدْعُ جواري )
( وسألْتُها عن أهلها فوجدْتُها ... عمياءَ جاهلةً عن الأخبار )
( فكأنَّ عيني غَرْبُ أدهمَ داجنٍ ... متعوِّد الإقبال والإدبار ) - كامل -
الشعر للمخبل السعدي والغناء لإبراهيم هزج بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق قال الهشامي فيه لإبراهيم ثقيل أول ولعنان بنت خوط خفيف رمل

أخبار المخبل ونسبه
قال ابن الكلبي اسمه الربيع بن ربيعة وقال ابن دأب اسمه كعب ابن ربيعة وقال ابن حبيب وأبو عمرو اسمه ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام ويكنى أبا يزيد وإياه عنى الفرزدق بقوله
( وَهَبَ القصائدَ لي النَّوابغُ إذ مَضَوْا ... وأبو يزيدَ وذو القُرُوح وجَرْوَلُ )
ذو القروح امرؤ القيس وجرول الحطيئة وأبو يزيد المخبل وذكره ابن سلام فجعله في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء وقرنه بخداش بن زهير والأسود بن يعفر وتميم بن مقبل وهو من المقلين وعمر في الجاهلية والإسلام عمرا كثيرا وأحسبه مات في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما وهو شيخ كبير وكان له ابن فهاجر إلى الكوفة في أيام

عمر فجزع عليه جزعا شديدا حتى بلغ خبره عمر فرده عليه

هجره ولده وجزعه عليه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه وأخبرني به هاشم بن محمد الخزاعي عن أبي غسان دماذ عن ابن الأعرابي قال هاجر شيبان بن المخبل السعدي وخرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الفرس فجزع عليه المخبل جزعا شديدا وكان قد أسن وضعف فافتقر إلى ابنه فافتقده فلم يملك الصبر عنه فكاد أن يغلب على عقله فعمد إلى إبله وسائر ماله فعرضه ليبيعه ويلحق بابنه وكان به ضنينا فمنعه علقمة بن هوذة بن مالك وأعطاه مالا وفرسا وقال أنا أكلم أمير المؤمنين عمر في رد ابنك فإن فعل غنمت مالك وأقمت في قومك وإن أبى استنفقت ما أعطيتك ولحقت به وخلفت إبلك لعيالك ثم مضى إلى عمر رضوان الله عليه فأخبره خبر المخبل وجزعه على ابنه وأنشده قوله
( أَيُهْلِكُني شيبانُ في كلِّ ليلة ... لقلبِيَ من خوف الفِراق وَجيبُ )
( أشيبانُ ما أدراك أنْ كلُّ ليلة ... غَبَقْتُك فيها والغَبوق حبيبُ )
( غَبَقْتُك عُظْماها سناماً أو انبرى ... برِزقك بَرَّاق المُتُون أريبُ )
( أشيبانُ إن تأبى الجيوش بحدّهمْ ... يقاسون أياماً لهنَّ خطوب )
( ولا هَمَّ إلا البَزُّ أو كلُّ سابح ... عليه فتىً شاكي السلاحِ نجيبُ )
( يَذُودُون جُند الْهُرْمُزَانِ كأنّما ... يذودون أوراد الكلاب تلوب )

( فإن يكُ غُصْني أصبحَ اليوم ذاوياً ... وغُصْنُكَ من ماء الشباب رطيبُ )
( فإنِّي حَنَتْ ظهري خطوبٌ تتابعت ... فَمَشْيِي ضعيفٌ في الرجال دبيبُ )
( إذا قال صَحْبي يا ربيعُ ألا ترى ... أرى الشخص كالشخْصين وهو قريب )
( ويخبرني شيبانُ أنْ لن يعقَّني ... تَعُقُّ إذا فارقْتَني وتحوب )
( فلا تُدْخِلنَّ الدَهرَ قبرَك حوبة ... يقوم بها يوماً عليك حسيب ) - طويل -
يعني بقوله حسيب الله عز ذكره
قال فلما أنشد عمر بن الخطاب هذه الأبيات بكى ورق له فكتب إلى سعد يأمره أن يقفل شيبان بن المخبل ويرده على أبيه فلما ورد الكتاب عليه أعلم شيبان ورده فسأله الإغضاء عنه وقال لا تحرمني الجهاد فقال له أنها عزمة من عمر ولا خير لك في عصيانه وعقوق شيخك فانصرف إليه ولم يزل عنده حتى مات
وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد الله بن عمار والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة أن شيبان بن المخبل كان يرعى إبل أبيه فلا يزال أبوه يقول أحسن رعية إبلك يا بني فيقول أراحني الله من رعية إبلك ثم فارق أباه وغزا مع أبي موسى وانحدر إلى البصرة وشهد فتح تستر

فقال فذكر أبوه الأبيات وزاد فيها قوله
( إذا قلتُ تَرعَى قال سوف تريحني ... من الرَّعي مِذْعانُ العشي خَبُوب ) - طويل -
قال أبو يزيد وحدثناه عتاب بن زياد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا مسعود عن معن بن عبد الرحمن فذكر نحوه ولم يقل شيبان بن المخبل ولكنه قال انطلق رجل إلى الشام وذكر القصة والشعر

الزبرقان يرفض تزويج اخته للمخبل
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب قال خطب المخبل السعدي إلى الزبرقان بن بدر أخته خليدة فمنعه إياها ورده لشيء كان في عقله وزوجها رجلا من بني جشم بن عوف يقال له مالك بن أمية بن عبد القيس من بني محارب فقتل رجلا من بني نهشل يقال له الجلاس بن مخربة بن جندل بن جابر بن نهشل اغتيالا ولم يعلم به أحد ففقد ولم يعلم له خبر فبينما جار الزبرقان الذي من عبد القيس قاتل الجلاس ليلة يتحدث إذ غلط فحدث هزالا بقتله الرجل وذلك قبل أن يتزوج هزال إلى الزبرقان فأتى هزال عبد عمرو بن ضمرة بن جابر بن نهشل فأخبره فدعا هزال قاتل الجلاس فأخرجه عن البيوت ثم اعتوره هو وعبد عمرو فضرباه حتى قتلاه ورجع هزال إلى الحي وضرب عبد عمرو حتى لجأ إلى أخواله بني عطارد بن عوف فقالت امرأة مالك بن أمية المقتول
( أجيرانَ ابنِ ميَّةَ خبِّروني ... أَعَيْنٌ لابن مَيّةَ أم ضِمارُ )

( تجلّل خزيَها عوفُ بنُ كعب ... فليس لنسلِهمْ منها اعتذارُ ) - وافر -
قال فلما زوج الزبرقان أخته خليدة هزالا بعد قتله جاره عيب عليه وعير به وهجاه المخبل فقال
( لَعَمْرُكَ إِنَّ الزِّبرِقانَ لدَائِمٌ ... على الناس تعدو نَوْكُه ومَجاهلهْ )
( أَأَنْكَحْتَ هَزَّالا خُلَيْدةَ بعدما ... زَعمْتَ بظهر الغيب أنك قاتلُهْ )
( فأنكحْتَه رَهْواً كأنَّ عِجَانها ... مَشَقٌّ إهابٍ أَوْسَعَ السَّلْخَ ناجِلُهْ )
( يلاعبها فوق الفراش وجارُكُمْ ... بذي شُبْرُمَانٍ لم تَزَيَّلْ مفاصِلُهْ ) - طويل -
قال ولج الهجاء بين المخبل والزبرقان حتى تواقفا للمهاجاة واجتمع الناس عليهما فاجتمعا لذلك ذات يوم وكان الزبرقان أسودهما فابتدأ المخبل فأنشده قصيدته
( أُنْبِئْتُ أن الزِّبْرِقانَ يسُبُّني ... سَفِهاً ويَكْرَهُ ذو الحِرَيْن خِصالي ) - كامل -
قال وإنما سماه ذا الحرين لأنه كان مبدنا فكان له ثديان عظيمان فسبه بهما وشبههما بالحرين ويقال إنه إنما عيره بأخته وابنته ولم يكن للمخبل ابن في الجاهلية قال
( أفلا يفاخرني ليعلم أيُّنا ... أدنى لأكرمِ سُودَدٍ وفِعالِ )

فلما بلغ إلى قوله
( وأبوك بدرٌ كان مُشْتَرِطَ الخُصَى ... وأبي الجوادُ ربيعةُ بنُ قِتالِ ) - كامل -
فلما أنشده هذا البيت قال
( وأبوك بدرٌ كان مُشْتَرِطَ الخُصَى ... وأبي )
ثم انقطع عليه كلامه إما بشرق أو انقطاع نفس فما علم الناس ما يريد أن يقوله بعد قوله وأبي فسبقه الزبرقان قبل أن يتم ويبين فقال صدقت وما في ذاك إن كان شيخانا قد اشتركا في صنعه فغلبه الزبرقان وضحكوا من قوله وتفرقوا وقد انقطع بالمخبل قوله
أخبرنا اليزيدي قال حدثني عمي عن عبيد الله عن ابن حبيب قال كان زرارة بن المخبل يليط حوضه فأتاه رجل من بني علباء بن عوف فقال له صارعني فقال له زرارة إني عن صراعك لمشغول فجذب بحجزته وهو غافل فسقط فصاح به فتيان الحي صرع زرارة وغلب فأخذ زرارة حجرا فأخذ به رأس العلباوي فسأل المخبل بغيض بن عامر بن شماس أن يتحمل عن ابنه الدية فتحملها وتخلصه وكسا المخبل حلة حسنة وأعطاه ناقة نجيبة فقال المخبل يمدحه
( لعمرُ أبيك لا ألقى ابن عَمٍّ ... على الحدَثَانِ خيراً من بَغِيضِ )
( أقلَّ ملامةً وأعزَّ نصراً ... إذا ما جئْتُ بالأمر المريض )
( كساني حُلَّةً وحبا بعَنْس ... أَبُسُّ بها إذا اضطربَتْ غُرُوضي )

( غداةَ جنى بُنَيَّ عليَّ جُرْماً ... وكيف يَدايَ بالحرب العَضُوض )
( فقد سدَّ السبيلَ ابوحُمَيْد ... كما سدّ المخاطَبةَ ابنُ بيض ) - وافر -

خبر ابن بيض
أبو حميد بغيض بن عامر وأما قوله كما سد المخاطبة ابن بيض فإن ابن بيض رجل من بقايا قوم عاد كان تاجرا وكان لقمان بن عاد يجيز له تجارته في كل سنة بأجر معلوم فأجازه سنة وسنتين وعاد التاجر ولقمان غائب فأتى قومه فنزل فيهم ولقمان في سفره ثم حضرت التاجر الوفاة فخاف لقمان على بنيه وماله فقال لهم إن لقمان صائر إليكم وإني أخشاه إذا علم بموتي على مالي فاجعلوا ماله قبلي في ثوبه وضعوه في طريقه إليكم فإن أخذه واقتصر عليه فهو حقه فادفعوه إليه واتقوه وإن تعداه رجوت أن يكفيكم الله إياه ومات الرجل وأتاهم لقمان وقد وضعوا حقه علي طريقه فقال سد ابن بيض الطريق فأرسلها مثلا وانصرف وأخذ حقه وقد ذكرت ذلك الشعراء فقال بشامة بن عمرو
( كثوبِ ابنِ بِيضٍ وَقاهُمْ بِهِ ... فسدّ على السالكين السبيلا ) - متقارب -
قال ابن حبيب ولما حشدت بنو علباء للمطالبة بدم صاحبهم حشدت بنو قريع مع بغيض لنصر المخبل ومشت المشيخة في الأمر وقالوا هذا قتل خطأ فلا تواقعوا الفتنة واقبلوا الدية فقبلوها وانصرفوا فقال زرارة بن المخبل يفخر بذلك
( فاز المُخالِسُ لمَّا أنْ جرى طَلَقاً ... أمّا حُطَيْمُ بن عِلْباء فقد غُلبا )

( إني رَمَيْتُ بِجُلمودٍ على حَنَقٍ ... مِني إليه فكانت رِمْيةً غَرباً )
( لَيْثاً إليَّ يَشُقُّ الناسَ منفرِجاً ... لحياهُ عنَّانةٌ لا يَتَّقي الخشَبا )
( فَأَوْرَثَتْنِي قتيلاً إن لقيتُ وإن ... أَمَّلْتُ كانت سماع السَّوء والحَرَبَا ) - بسيط -
ثم أخذ بنو حازم جارا لبني قشير فأغار عليه المنتشر بن وهب الباهلي فأخذ إبله فسأل في بني تميم حتى انتهى إلى المخبل فلما سأله قال له إن شئت فاعترض إبلي فخذ خيرها ناقة وإن شئت سعيت لك في إبلك فقال بل إبلي فقال المخبل
( إنّ قُشَيْراً من لِقاح ابن حازِم ... كراحِضة حَيْضاً وليست بطاهرِ )
( فلا يَأْكُلَنْها الباهِليُّ وتَقعدوا ... لدي غرضٍ أَرْمِيكُمُ بالنواقِر )
( أغرّك أَنْ قالوا لعزة شاعرٍ ... فناك أباه من خفيرٍ وشاعرِ ) - طويل -
فلما بلغهم قول المخبل سعوا بإبله فردها عليهم حزن بن معاوية بن خفاجة بن عقيل فقال المخبل في ذلك
( تدارك حزْنٌ بالقنا آل عامر ... قَفَا خَضَنٍ والكرُّ بالخيل أعسرُ )

( فإنِّي بذا الجار الخفاجِيِّ واثقٌ ... وقلبي من الجارِ العِباديّ أوجر )
( إذا ما عُقَيْلِيٌّ أقامَ بِذِمّةِ ... شريكيْنِ فيها فالعِبادِيُّ أوجر )
( لعمري لقد خارَت خفاجةُ عامراً ... كما خِيرَ بيتٌ بالعراق المشقَّرُ )
( وإنّك لو تعطي العِباديَّ مِشْقصا ... لراشىَ كما راشىَ على الطبع أبخر ) - طويل -
راشى من الرشوة

المخبل وخليدة بنت بدر
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال مر المخبل السعدي بخليدة بنت بدر أخت الزبرقان ابن بدر بعد ما أسن وضعف بصره فأنزلته وقربته وأكرمته ووهبت له وليدة وقالت له إني آثرتك بها يا أبا يزيد فاحتفظ بها فقال ومن أنت حتى أعرفك وأشكرك قالت لا عليك قال بلى والله أسألك قالت أنا بعض من هتكت بشعرك ظالما أنا خليدة بنت بدر فقال واسوأتاه منك فإني أستغفر الله عز و جل وأستقيلك وأعتذر إليك ثم قال
( لقد ضلَّ حِلمِي في خُلَيْدةَ إنَّني ... سَأُعْتِبُ نفسي بعدها وأموت )
( فأقسمُ بالرحمن إنِّي ظلمْتُها ... وجُرْتُ عليها والهِجاءُ كَذوبُ ) - طويل

والقصيدة التي فيها الغناء المذكور بشعر المخبل وأخباره يمدح بها علقمة بن هوذة ويذكر فعله به وما وهبه له من ماله ويقول
( فَجَزَىَ الإِلهُ سَراةَ قومي نَضْرةً ... وسقاهُمُ بمشارب الأبرارِ )
( قومٌ إذا خافوا عِثارَ أخِيهُمُ ... لا يُسْلمونَ أخاهُمُ لِعثارِ )
( أمثالُ عَلقمةَ بنِ هوذةَ إذْ سعى ... يخشى عَليَّ متالفَ الأبصار )
( أَثْنَوْا عليَّ وأحسنوا وترافَدُوا ... لي بالمَخَاض البُزْلِ والأبكارِ )
( والشَّوْلِ يتبعُها بناتُ لَبُونِها ... شَرِقاً حناجِرُها من الجَرْجار ) - كامل -
أخبرنا أبو زيد عن عبد الرحمن عن عمه وأخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قالوا اجتمع الزبرقان بن بدر والمخبل السعدي وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الأهتم قبل أن يسلموا وبعد مبعث النبي فنحروا جزورا واشتروا خمرا ببعير وجلسوا يشوون ويأكلون فقال بعضهم لو أن قوما طاروا من جودة أشعارهم لطرنا فتحاكموا إلى أول من يطلع عليهم فطلع عليهم ربيعة بن حذار الأسدي وقال اليزيدي فجاءهم رجل من بني يربوع يسأل عنهم فدل عليهم وقد نزلوا

بطن واد وهم جلوس يشربون فلما رأوه سرهم وقالوا له أخبرنا أينا أشعر قال أخاف أن تغضبوا فآمنوه من ذلك فقال أما عمرو فشعره برود يمنية تنشر وتطوى وأما أنت يا زبرقان فكأنك رجل أتى جزورا قد نحرت فأخذ من أطايبها وخلطه بغير ذلك
وقال لقيط في خبره قال له ربيعة بن حذار وأما أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولم يترك نيئا فينتفع به وأما أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار الله يلقيها على من يشاء وأما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء
أخبرنا اليزيدي عن عمه عن ابن حبيب قال كان رجل من بني امرئ القيس يقال له روق مجاورا في بكر بن وائل باليمامة فأغاروا على إبله وغدروا به فأتى المخبل يستمنحه فقال له إن شئت فاختر خير ناقة في إبلي فخذها وإن شئت سعيت لك فقال أن تسعى بي أحب إلي فخرج المخبل فوقف على نادي قومه ثم قال
( أدُّوا إلى رَوْح بن حَسْسانَ ... بن حارثةَ بن مُنْذرْ )
( كَوْماءَ مُدْفأةً كأنْنَ ... ضروعَها حَمَّاءُ أجفرْ )
( تأبى إلى بصص تَسُحْحُ ... المَحْضَ باللبن الفَضَنْفَرْ ) - مجزوء الكامل -
فقالوا نعم ونعمة فجمعوا له بينهم الناقة والناقتين من رجلين حتى أعطوه بعدة إبله

وقال ابن حبيب في هذه الرواية كان رجل من بني ضبة

صوت
( أُسْلُ عن ليلى علاك المَشِيبُ ... وتصابي الشيخِ شيءٌ عجيبُ )
( وإذا كان النسيبُ بِسلمى ... لذَّ في سلمىوطَابَ النسيبُ )
( إنما شبَّهْتُها إذ تراءت ... وعليها من عيونٍ رقيبُ )
( بطلوع الشَّمس في يومِ دَجْنٍ ... بُكرةً أو حان منها غروبُ )
( إنني فاعلم وإنْ عزَّ أهلي ... بالسُّويداءِ الغداةَ غريب ) - مديد -
الشعر لغيلان بن سلمة الثقفي وجدت ذلك في جامع شعره بخط أبي سعيد السكري والغناء لابن زرزور الطائفي خفيف ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي وفيه ليونس الكاتب لحن ذكره في كتابه ولم يجنسه

أخبار غيلان ونسبه
غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أخت أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
أدرك الإسلام فأسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر وأسلم ابنه عامر قبله وهاجر ومات بالشام في طاعون عمواس وأبوه حي
وغيلان شاعر مقل ليس بمعروف في الفحول
وبنته بادية بنت غيلان التي قال هيت المخنث لعمر بن أم سلمة أم المؤمنين أو لأخيه سلمة إن فتح الله عليكم الطائف فسل رسول

الله أن يهب لك باديه بنت غيلان فإنها كحلاء شموع نجلاء خمصانة هيفاء إن مشت تثنت وإن جلست تبنت وإن تكلمت تغنت تقبل بأربع وتدبر بثمان وبين فخذيها كالإناء المكفإ
وغيلان فيما يقال أحد من قال من قريش للنبي وآله ( لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين )
قال ابن الكلبي حدثني أبي قال تزوج غيلان بن سلمة خالدة بنت أبي العاص فولدت له عمارا وعامرا فهاجر عمار إلى النبي فلما بلغه خبره عمد خازن كان لغيلان إلى مال له فسرقه وأخرجه من حصنه فدفنه وأخبر غيلان أن ابنه عمارا سرق ماله وهرب به فأشاع ذلك غيلان وشكاه إلى الناس وبلغ خبره عمارا فلم يعتذر إلى أبيه ولم يذكر له براءته مما قيل له فلما شاع ذلك جاءت أمه لبعض ثقيف إلى غيلان فقالت له أي شيء لي عليك إن دللتك على مالك قال ما شئت قالت تبتاعني وتعتقني قال ذلك لك قالت فاخرج معي فخرج معها فقالت إني رأيت عبدك فلانا قد احتفر ها هنا ليلة كذا وكذا ودفن شيئا وإنه لا يزال يعتاده ويراعيه ويتفقده في اليوم مرات وما أراه إلا المال فاحتفر الموضع فإذا هو بماله

فأخذه وابتاع الأمة فأعتقها وشاع الخبر في الناس حتى بلغ ابنه عمارا فقال والله لا يراني غيلان أبدا ولا ينظر في وجهي وقال
( حلفْتُ لهمْ بما يقولُ محمدٌ ... وباللَّه إنَّ اللّهَ ليس بغافل )
( بَرِئْتُ مِن المالِ الذي يَدفنونه ... أُبرِّىءُ نفسي أنْ أَلِطَّ بباطِلِ )
( ولو غيرُ شيخي من معدٍّ يقولُه ... تَيَمَّمْتُهُ بالسيفِ غير مُواكِلِ )
( وكيف انطِلاقي بالسِّلاح إلى امرِىءٍ ... تُبَشِّره بِي يَبْتَدِرْنَ قوابلي ) - طويل -

رثاؤه لولده عامر
فلما أسلم غيلان خرج عامر وعمار مغاضبين له مع خالد بن الوليد فتوفي عامر بعمواس وكان فارس ثقيف يومئذ وهو صاحب شنوءة يوم تثليث وهو قتل سيدهم جابر بن سنان أخا دمنة فقال غيلان يرثي عامرا
( عيني تجودُ بدمعها الهتّانِ ... سَحَّاً وتبكي فارِسَ الفُرسانِ )
( يا عامِ مَنْ للخيل لمَّا أَحْجَمَت ... عن شَدّةٍ مرهوبة وطِعان )
( لو أستطيعُ جعلْتُ مِنِّي عامراً ... بين الضُّلوع وكلُّ حيٍّ فان )
( يا عينُ بَكِّى ذا الحزامة عامراً ... للخيل يومَ تواقُفٍ وطِعان )

( وله بتثليثاتِ شدَّةُ مُعْلَمٍ ... منه وطعنةُ جابر بن سنان )
( فكأنَّه صافي الحديدة مِخْذَمٌ ... مما يُحِيرُ الفُرْسَ للباذان ) - كامل -
نسخت من كتاب أبي سعيد السكري قال كان لغيلان بن سلمة جار من باهلة وكانت له إبل يرعاها راعيه في الإبل مع إبل غيلان فتخطى بعضها إلى أرض لأبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب فضرب أبو عقيل الراعي واستخف به فشكا الباهلي ذلك إلى غيلان فقال لأبي عقيل
( ألا من يرى ترى رأي امرىءٍ ذي قرابة ... أبى صدرُه بالضِّغْن إلاَّ تطلُّعَا )
( فَسِلْمَك أرجو لا العداوةَ إنمَّا ... أبوك أبي وإنمَّا صَفْقُنا معا )
( وإن ابنَ عمِ المرءِ مثلُ سلاحِه ... يقيه إذا لاقى الكميَّ المقنَّعا )
( فإنْ يكثرِ المولى فإنّك حاسدٌ ... وإنْ يفتقرْ لا يُلْفِ عندك مَطْمَعا )
( فهذا وعيدٌ وادّخارٌ فإن تعُدْ ... وَجَدِّكَ أَعْلَمْ ما تسلَّفْتَ أجمعا ) - طويل -

تهديده لامرأته
ونسخت من كتابه قال لما أسن غيلان وكثرت أسفاره ملته زوجته وتجنت عليه وأنكر أخلاقها فقال فيها
( يا ربَّ مثلكِ في النِّساء غرِيرةٍ ... بيضاءَ قد صبَّحْتُها بطلاقِ )
( لم تَدْرِ ما تحتَ الضُّلوع وغَرَّها ... مني تحمُّل عِشْرَتي وخَلاقي ) - كامل -
ونسخت من كتابه إن بني عامر بن ربيعة جمعوا جموعا كثيرة من

أنفسهم وأحلافهم ثم ساروا إلى ثقيف بالطائف وكانت بنو نصر بن معاوية أحلافا لثقيف فلما بلغ ثقيفا ميسر بني عامر استنجدوا بني نصر فخرجت ثقيف إلى بني عامر وعليهم يومئذ غيلان بن سلمة بن معتب فلقوهم وقاتلتهم ثقيف قتالا شديدا فانهزمت بنو عامر بن ربيعة ومن كان معهم وظهرت عليهم ثقيف فأكثروا فيهم القتل فقال غيلان في ذلك ويذكر تخلف بني نصر عنهم
( ودِّع بِذَمٍّ إذا ما حانَ رِحلتُنا ... أهلَ الحظائر من عَوْفٍ ودُهْمانا )
( ألقائلينَ وقد حلَّتْ بساحتهمْ ... جَسْرٌ تَحَسْحَسَ عن أولاد هِصَّانا )
( والقائلين وقد رابَتْ وِطابُهُمُ ... أَسَيْفَ عَوْفٍ ترى أم سَيْفَ غيلانا )
( أَغْنُوا المواليَ عنَّا لا أبالَكُمُ ... إنّا سنُغنِي صريحَ القوم مَن كانا )
( لا يمنعُ الخطرَ المظلومُ قُحْمَته ... حتّى يرى بالعين من كانا ) - بسيط -

شعره في هزيمة خثعم
ونسخت من كتابه قال جمعت خثعم جموعا من اليمن وغزت ثقيفا بالطائف فخرج إليهم غيلان بن سلمة في ثقيف فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر عدة منهم ثم من عليهم وقال في ذلك
( ألا يا أُختَ خَثعَمَ خَبِّرينا ... بأيِّ بلاءِ قومٍ تفخرينا )

( جَلَبْنا الخيلَ من أكنافِ وَجٍّ ... ولِيثٍ نحوكُمْ بالدَّارِعِينا )
( رأيناهنَّ مُعْلَمَةً روحاً ... يُقِيتانِ الصباحِ ومُعْتَدينا )
( فأمستْ مُسْيَ خامسةٍ جميعاً ... تُضَابعُ في القياد وقد وَجِينا )
( وقد نَظَرَتْ طوالعكُمْ إلينا ... بأعينهمْ وحقَّقْنا الظنونا )
( إلى رجراجةٍ في الدار تُعْشي ... إذا استنَّتْ عيونَ الناظرينا )
( تركْنَ نساءكمْ في الدار نَوْحاً ... يُبَكُّون البُعولةَ والبنينا )
( جَمعتُمْ جَمعكُمْ فطلبتُمُونا ... فهل أُنبِئْتَ حالَ الطَّالبينا ) - وافر -
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال أخبرني محمد بن سعد الشامي قال حدثني أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمرو الثقفي قال خرجت مع كيسان بن أبي سليمان أسايره فأنشدني شعر غيلان بن سلمة ما أنشدني لغيره حتى صدرنا عن الأبلة ثم مر بالطف وهو يريد

الطابق فأنشدني له
( وليلةٍ أرَّقَتْ صِحَابَكَ بالطْطَفِّ ... وأُخرى بجنْب ذي حُسَمِ )
( فالجسرُ فالقَصْرانِ فالنَّهَرُ المُرْبَدُّ ... بين النَّخيل والأَجَم )
( معانقٌ الواسط الْمُقَدَّمَ أو ... أدنو من الأرض غيرَ مقتحم )
( أستعمِلُ العَنْسَ بالقِياد إلى الآفاق ... أرجو نوافلَ الطَّعَمِ ) - منسرح -

وصيته لبنيه
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني عمر بن عبد العزيز بن أبي ثابت عن أبيه قال لما حضرت غيلان بن سلمة الوفاة وكان قد أحصن عشرا من نساء العرب في الجاهلية قال يا بني قد أحسنت خدمة أموالكم وأمجدت أمهاتكم فلن تزالوا بخير ما غذوتم من كريم وغذا منكم فعليكم ببيوتات العرب فإنها معارج الكرم وعليكم بكل رمكاء مكينة ركينة أو بيضاء رزينة في خدر بيت يتبع أوجد يرتجى وإياكم والقصيرة الرطلة فإن أبغض الرجال إلي أن يقاتل عن إبلي أو يناضل عن حسبي

القصير الرطل ثم أنشأ يقول
( وحُرّةِ قومٍ قد تَنَوَّق فِعلها ... وزيَّنَها أقوامُها فتزيّنتْ )
( رَحلْتُ إليها لا تُرَدُّ وسيلتي ... وحَمّلتُها من فوقها فتحمَّلَتْ ) - طويل -

وفوده على كسرى
أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال كان غيلان بن سلمة الثقفي قد وفد إلى كسرى فقال له ذات يوم يا غيلان أي ولدك أحب إليك قال الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ والغائب حتى يقدم قال له ما غذاؤك قال خبز البر قال قد عجبت من أن يكون لك هذا العقل وغذاؤك غذاء العرب إنما البر جعل لك هذا العقل
قال الكراني قال العمري روى الهيثم بن عدي هذا الخبر أتم من هذه الرواية ولم أسمعه منه قال الهيثم حدثني أبي قال خرج أبو سفيان ابن حرب في جماعة من قريش وثقيف يريدون العراق بتجارة فلما ساروا ثلاثا جمعهم أبو سفيان فقال لهم أنا من مسيرنا هذا لعلى خطر ما قدومنا على ملك جبار لم يأذن لنا في القدوم عليه وليست بلاده لنا بمتجر ولكن أيكم يذهب بالعير فإن أصيب فنحن برآء من دمه وإن غنم فله نصف الربح فقال غيلان بن سلمة دعوني إذا فأنا لها فدخل الوادي فجعل يطوفه ويضرب فروع الشجر ويقول
( ولو رآني أبو غيلانَ إذْ حَسَرتْ ... عني الأمورُ إلى أمرٍ له طَبَق )
( لقال رُغْبٌ ورُهْبٌ يُجمعان معاً ... حبُّ الحياة وهَوْلُ النَّفس والشَّفَقُ )
( إمّا بقيتَ على مجدٍ ومَكرمة ... أو أسوة لك فيمن يَهْلِك الورق ) - بسيط

ثم قال أنا صاحبكم ثم خرج في العير وكان أبيض طويلا جعدا ضخما فلما قدم بلاد كسرى تخلق ولبس ثوبين أصفرين وشهر أمره وجلس بباب كسرى حتى أذن له فدخل عليه وبينهما شباك من ذهب فخرج إليه الترجمان وقال له يقول لك الملك من أدخلك بلادي بغير إذني فقال قل له لست من أهل عداوة لك ولا أتيتك جاسوسا لضد من أضدادك وإنما جئت بتجارة تستمتع بها فإن أردتها فهي لك وإن لم تردها وأذنت في بيعها لرعيتك بعتها وإن لم تأذن في ذلك رددتها قال فإنه ليتكلم إذ سمع صوت كسرى فسجد فقال له الترجمان يقول لك الملك لم سجدت فقال سمعت صوتا عاليا حيث لا ينبغي لأحد أن يعلو صوته إجلالا للملك فعلمت أنه لم يقدم على رفع الصوت هناك غير الملك فسجدت إعظاما له قال فاستحسن كسرى ما فعل وأمر له بمرفقة توضع تحته فلما أتي بها رأى عليها صورة الملك فوضعها على رأسه فاستجهله كسرى واستحمقه وقال للترجمان قل له إنما بعثنا إليك بهذه لتجلس عليها قال قد علمت ولكني لما أتيت بها رأيت عليها صورة الملك فلم يكن حق صورته على مثلي أن يجلس عليها ولكن كان حقها التعظيم فوضعتها على رأسي لأنه أشرف أعضائي وأكرمها علي فاستحسن فعله جدا ثم قال له ألك ولد قال نعم قال فأيهم أحب إليك قال الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ والغائب حتى يؤوب فقال كسرى زه ما أدخلك علي ودلك على هذا القول والفعل إلا حظك فهذا فعل

الحكماء وكلامهم وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم فما غذاؤك قال خبز البر قال هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر ثم اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها وكساه وبعث معه من الفرس من بنى له أطما بالطائف فكان أول أطم بني بها

رثي نافع بن سلمة
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن مصعب عن أبيه قال استشهد نافع بن سلمة الثقفي مع خالد بن الوليد بدومة الجندل فجزع عليه غيلان وكثر بكاؤه وقال يرثيه
( ما بالُ عَيْنِي لا تُغَمِّضُ ساعةً ... إلاَّ اعترتْنِي عَبْرةٌ تَغْشانِي )
( أرعَى نجوم الليل عندَ طُلوعِها ... وَهْناً وهُنَّ من الغُروب دوانِ )
( يا نافعاً مَن للفوارس أحُجَمَتْ ... عَن فارس يعلو ذُرَى الأقران )
( فلو استطعْتُ جعلْتُ منِّي نافعاً ... بين اللَّهاةِ وبين عَكْدِ لِساني ) - كامل -
قال وكثر بكاؤه عليه فعوتب في ذلك فقال والله لا تسمح عيني بمائها فأضن به على نافع فلما تطاول العهد انقطع ذلك من قوله فقيل له فيه فقال بلي نافع وبلي الجرع وفني وفنيت الدموع واللحاق به قريب

صوت
( ألا علِّلاني قبل نوح النوادبِ ... وقبل بُكاء المُعْوِلاتِ القرائب )
( وقبلَ ثوائي في تُرابٍ وجَنْدلِ ... وقبلَ نشوزِ النفس فوق الترائب )
( فإنْ تأتني الدُّنيا بيومي فُجاءة ... تَجِدْني وقد قضَّيْتُ منها مآربي ) - طويل -
الشعر لحاجز الأزدي والغناء لنبيه هزج بالبنصر عن الهشامي

أخبار حاجز ونسبه
هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الأخثم بن عبد الله بن ذهل بن مالك بن سلامان بن مفرج بن مالك بن زهران بن عوف بن ميدعان بن مالك ابن نصر بن الأزد وهو خليف لبني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي وفي ذلك يقول
( قومي سَلامانُ إما كنتِ سائِلةً ... وفي قريش كريمُ الحِلْفِ والحَسبِ )
( إنّي متَى أَدْعُ مخزوماً تَرَيْ عُنُقاً ... لا يَرْعَشون لضربِ القوم من كَثَب )
( يُدعى المغيرةُ في أولى عدِيدِهمُ ... أولادُ مَرْأَسةٍ ليسوا من الذَّنَبِ ) - بسيط -
وهو شاعر جاهلي مقل ليس من مشهوري الشعراء وهو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب وممن كان يعدو على رجليه عدوا يسبق به الخيل
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني العباس بن هشام عن أبيه عن عوف بن الحارث الأزدي أنه قال لابنه حاجز بن عوف أخبرني يا بني بأشد عدوك قال نعم أفزعتني خثعم فنزوت نزوات ثم

استفزتني الخيل واصطف لي ظبيان فجعلت أنهنههما بيدي عن الطريق ومنعاني أن أتجاوزها في العدو لضيق الطريق حتى اتسع واتسعت بنا فسبقتهما فقال له فهل جاراك أحد في العدو قال ما رأيت أحدا جاراني إلا أطيلس أغيبر من النقوم فإنا عدونا معا فلم أقدر على سبقه
قال النقوم بطن من الأزد من ولد ناقم واسمه عامر بن حوالة بن الهنو بن الأزد

نسخت أخبار حاجز من رواية ابي عمرو الشيباني
من كتاب بخط الموهبي الكوكبي قال أغار عوف بن الحارث بن الأخثم على بني هلال بن عامر بن صعصعة في يوم داج مظلم فقال لأصحابه انزلوا حتى أعتبر لكم فانطلق حتى أتى صرما من بني هلال وقد عصب على يد فرسه عصابا ليظلع فيطمعوا فيه فلما أشرف عليهم استرابوا به فركبوا في طلبه وانهزم من بين أيديهم وطمعوا فيه فهجم بهم على أصحابه بني سلامان فأصيب يومئذ بنو هلال وملأ القوم أيديهم من الغنائم ففي ذلك يقول حاجز بن عوف
( صباحكِ واسلمي عنا أماما ... تحيّةَ وامقٍ وعِمِي ظلاما )
( بَرَهْرَهَةُ يحار الطَّرْفُ فيها ... كحُقّةِ تاجر شُدَّتْ ختاما )

( فإن تُمْسِ ابنةُ السهميّ منَّا ... بعيداً لا تكلِّمنا كلاما )
( فإنّكِ لا محالةَ أن تَرَيْني ... ولو أمستْ حبالكُمُ رِماما )
( بناجِية القوائم عَيْسَجُورٍ ... تَدَارَكَ نِيُّها عاماً فعاما )
( سلي عنِّي إذا اغبَّرتْ جُمادَى ... وكان طعام ضيفِهِمُ الثُّماما )
( السْنا عِصْمةَ الأضياف حتى ... يُضَحَّى مالُهمْ نَفَلاً تُواما )
( أبي رَبَعَ الفوارِسَ يوم داجٍ ... وعمِّي مالكٌ وَضَعَ السِّهاما )
( فلو صاحَبْتِنا لَرَضيتِ منا ... إذا لم تَغْبُقُ المائةُ الغلاما ) - وافر -
يعني بقوله وضع السهام أن الحارث بن عبد الله بن بكر بن يشكر ابن مبشر بن صقعب بن دهمان بن نصر بن زهران كان يأخذ من جميع الأزد إذا غنموا الربع لأن الرياسة في الأزد كانت لقومه وكان يقال لهم الغطاريف وهم أسكنوا الأسد بلد السراة وكانوا يأخذون للمقتول منهم ديتين ويعطون غيرهم دية واحدة إذا وجبت عليهم فغزتهم بنو فقيم بن عدي ابن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فظفرت بهم فاستغاثوا ببني سلامان فأغاثوهم حتى هزموا بني فقيم وأخذوا منهم الغنائم وسلبوهم فأراد

الحارث أن يأخذ الربع كما كان يفعل فمنعه مالك بن ذهل بن مالك بن سلامان وهو عم أبي حاجز وقال هيهات ترك الربع غدوة فأرسلها مثلا فقال له الحارث أتراك يا مالك تقدر أن تسود فقال هيهات الأزد أمنع من ذاك فقال أعطني ولو جعبا والجعب البعر في لغتهم لئلا تسمع العرب أنك منعتني فقال مالك فمن سماعها أفر ومنعه الربيع فقال حاجز في ذلك
( ألا زعمت أبناءُ يشكرَ أننا ... بِربعِهِمُ باؤوِا هنالك ناضِل )
( ستمنعنا منكُمْ ومن سوءِ صُنعكُمْ ... صفائحُ بيضٌ أَخْلَصَتْها الصياقلُ )
( وأسمرُ خطِّيٌّ إذا هُزّ عاسلٌ ... بأيدي كُماةٍ جرَّبَتْها القبائِل ) - طويل -
وقال أبو عمرو جمع حاجز ناسا من فهم وعدران فدلهم على خثعم فأصابوا منهم غرة وغنموا ما شاؤوا فبلغ حاجزا أنهم يتوعدونه ويرصدونه فقال
( وإنِّيَ من إرعادِكُمْ وبروقِكُمْ ... وإيعادُكُمْ بالقتل صُمٌّ مسامِعي )
( وإني دَليلٌ غيرُ مُخْفٍ دَلالتي ... على ألفِ بيتٍ جَدُّهمْ غيرُ خاشع )
( تَرى البيض يركُضْنَ المجاسِدَ بالضّحى ... كذا كلُّ مشبوح الذراعين نازعِ )
( على أيِّ شيء لا أبَا لأبيكُمُ تشيرون نحوي نحوكُمْ بالأصابع ) - طويل -

طعنه واحاطة خثعم به
وقالوا أبو عمرو أغارت خثعم على بني سلامان وفيهم عمرو بن معد

يكرب وقد استنجدت به خثعم على بني سلامان فالتقوا واقتتلوا فطعن عمرو بن معد يكرب حاجزا فأنفذ فخذه فصاح حاجز يا آل الأزد فندم عمرو وقال خرجت غازيا وفجعت أهلي وانصرف فقال عزيل الخثعمي يذكر طعنة عمرو حاجزا فقال
( أَعَجْزٌ حاجِزٌ مِنّا وفيهِ ... مشلشِلةٌ كحاشِية الإِزارِ )
( فعز عليّ ما أَعْجَزْتَ مِنِّي ... وقد أقسمْتُ لا يضربْك ضارِ ) - وافر -
فأجابه حاجز فقال
( إنْ تذكروا يومَ القَرِيّ فإنه ... بَواءٌ بأيامٍ كثيٍر عديدها )
( فنحن أبحنا بالشخيصةِ واهِناً ... جهاراً فجئنا بالنساءِ نَقُودها )
( ويوم كِرَاء قد تداركَ ركضُنا ... بني مالكٍ والخيلُ صُعْرٌ خدودها )
( ويوم الأراكاتِ اللواتِي تأخّرتْ ... سراةُ بني لهبانَ يدعو شريدُها )
( ونحن صبَحْنا الحيَّ يَوْمَ تَنومةٍ ... بملمُوْمَةٍ يُهوي الشجاعَ وئيدُها )

( ويوم شَرُوم قد تركنا عِصابة ... لدى جانب الطَّرْفاء حُمراً جلودها )
( فما رغمت حلفاً لأمرٍ يصيبها ... من الذل إلا نحنُ رغماً نزيدها ) - طويل -
وقال أبو عمرو بينما حاجز في بعض غزواته إذ أحاطت به خثعم وكان معه بشير ابن أخيه فقال له يا بشير ما تشير قال دعهم حتى يشربوا ويقفلوا ويمضوا ونمضي معهم فيظنونا بعضهم ففعلا وكانت في ساق حاجز شامة فنظرت إليها امرأة من خثعم فصاحت يا آل خثعم هذا حاجز فطاروا يتبعونه فقالت لهم عجوز كانت ساحرة أكفيكم سلاحه أو عدوه فقالوا لا نريد أن تكفينا عدوه فإن معنا عوفا وهو يعدو مثله ولكن اكفينا سلاحه فسحرت لهم سلاحه وتبعه عوف بن الأغر بن همام بن الأسربن عبد الحارث بن واهب بن مالك بن صعب بن غنم بن الفزع الخثعمي حتى قاربه فصاحت به خثعم يا عوف ارم حاجزا فلم يقدم عليه وجبن فغضبوا وصاحوا يا حاجز لك الذمام فاقتل عوفا فإنه قد فضحنا فنزع في قوسه ليرميه فانقطع وتره لأن المرأة الخثعمية كانت قد سحرت سلاحه فأخذ قوس بشير ابن أخيه فنزع فيها فانكسرت وهربا من القوم ففاتاهم ووجد حاجز بعيرا في طريقه فركبه فلم يسر في الطريق الذي يريده ونحا به نحو خثعم فنزل حاجز عنه فمر فنجا وقال في ذلك
( فِدى لكما رجْليَّ أمي وخالتي ... بسعيِكما بين الصفا والأثائب )
( أوانَ سمعتُ القوم خلفي كأنّهمْ ... حريقُ إباءٍ في الريّاحِ الثواقب )

( سيوفُهُمُ تُعْشي الجبان وَنبلُهُمْ ... يُضيء لدى الأقوامِ نارَ الحُباحِب )
( فَغَيْرُ قتالي في المضِيقِ أغاثني ... ولكنْ صَريحُ العَدْو غيرُ الأكاذِب )
( نجوْتُ نجاءً لا أبِيك تبثُّه ... وينجو بشيٌر نَجْوَ أزعرَ خاضِبِ )
( وجدْتُ بعيراً هامِلاً فركِبته ... فكادت تكون شرَّ رِكبةِ راكب ) - طويل -
وقال أبو عمرو اجتاز قوم حجاج من الأزد ببني هلال بن عامر بن صعصعة فعرفهم ضمرة بن ماعز سيد بني هلال فقتلهم هو وقومه وبلغ ذلك حاجزا فجمع جمعا من قومه وأغار على بني هلال فقتل فيهم وسبى منهم وقال في ذلك يخاطب ضمرة بن ماعز
( يا ضَمْرَ هل نِلْناكُمُ بدمائنا ... أم هل حَذَوْنا نَعْلكُمْ بمثالِ )
( تبكي لِقتلي من فُقَيْمٍ قُتِّلوا ... فاليوم تبْكِي صادقاً لهلال )
( ولقد شفاني أنْ رأيْتُ نِساءكُمْ ... يبكين مُرْدَفَةً على الأكفال )
( يا ضَمْرَ إن الحرب أَضْحَتْ بيننا ... لَقِحَتْ على الدكّاء بعد حِيال ) - كامل -

اخته ترثيه بعد انقطاع أخباره
قال أبو عمرو خرج حاجز في بعض أسفاره فلم يعد ولا عرف له

خبر فكانوا يرون أنه مات عطشا أو ضل فقالت أخته ترثيه
( أحيٌّ حاجزٌ أم ليس حيًّا ... فيسلك بين جَنْدَفَ والبهيمِ )
( ويشربَ شربةً من ماءَ ترْجٍ ... فيصدرَ مِشية السَّبِعِ الكليم ) - وافر -
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان حاجز الأزدي مع غاراته كثير الفرار لقي عامرا فهرب منهم فنجا وقال
( ألا هل أتَى ذاتَ القلائِد فَرَّتي ... عشيةَ بين الجُرْفِ والبحر من بَعْرِ )
( عشيةَ كادت عامرٌ يقتلوننِي ... لدى طَرَفِ السَّلْماءِ راغية البَكْرِ )
( فما الظبي أَخْطَتْ خِلْفة الصَّقْر رِجْلَهُ ... وقد كاد يلقي الموتَ في خِلْفة الصَّقْر )
( بِمثلي غداةَ القومِ بين مُقْنَّعٍ ... وآخرَ كالسكرانِ مرتكِزٍ يَفْري ) - كامل -
وفر من خثعم وتبعه المرقع الخثعمي ثم الأكلبي ففاته حاجز وقال في ذلك

( وكأنما تَبِعَ الفوارسُ أرنباً ... أو ظَبْيَ رابيةٍ خُفافاً أشعبا )
( وكأنّما طردوا بذي نَمِرَاتِهِ ... صَدَعاً من الأروَى أُحَسَّ مكلِّبا )
( أَعْجَزْتُ منهمْ والأكفُّ تنالني ... ومضتْ حياضُهُمُ وآبوا خُيَّبا )
( أدعو شَنوءةَ غثَّها وسمينَها ... ودعا المرقِّعُ يوم ذلك أكلُبا ) - كامل -
وقال يخاطب عوض أمسى
( أبلِغ أميمةَ عوض أمسَى بزَّنا ... سَلْباً وما إن سَرَّها أن نُنكبا )
( لولا تقاربُ رأفةٍ وعيونُها ... حمشا مصعدا ومصوِّبا ) - كامل -

صوت
( يا دارُ من ماوِيَّ بالسَّهْبِ ... بُنِيَتْ على خَطْبٍ من الخَطْبِ )
( إذ لا ترى إلا مُقَاتلةً ... وعَجَانسا يُرْقِلْنَ بالرَّكْب )
( ومُدَجّجاً يسعى بِشكّتِه ... مُحْمَرَّةً عيناهُ كالكَلْبِ )
( ومعاشراً صَدَأَ الحديدُ بِهمْ ... عَبَقَ الهِناءِ مَخَاطِمَ الجُرْبِ ) - كامل

الشعر للحارث بن الطفيل الدوسي والغناء لمعبد رمل بالبنصر من رواية يحيى المكي وفيه لابن سريج خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق والله أعلم

أخبار الحارث بن الطفيل ونسبه
هو الحارث بن الطفيل بن عمرو بن عبد الله بن مالك بن فهم بن غنم ابن دوس بن عبد الله بن عدثان بن عبيد الله بن زهران بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد شاعر فارس من مخضرمي شعراء الجاهلية والإسلام وأبوه الطفيل بن عمرو شاعر أيضا وهو أول من وفد من دوس على النبي فأسلم وعاد إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام
أخبرني عمي قال حدثنا الحزنبل بن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه واللفظ في الخبر له والله أعلم
وفود الطفيل على رسول الله
وأخبرني به محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس ابن هشام عن أبيه أن الطفيل بن عمرو بن عبد الله بن مالك الدوسي خرج حتى أتى مكة حاجا وقد بعث رسول الله وهاجر إلى المدينة وكان رجلا يعصو والعاصي البصير بالجراح ولذلك يقال لولده بنو العاصي فأرسلته قريش إلى النبي وقالوا انظر لنا ما هذا الرجل وما عنده فأتى النبي فعرض عليه الإسلام فقال له إني رجل شاعر فاسمع ما أقول فقال له النبي هات فقال

( لا وإله الناس نألَمُ حربَهمْ ... ولو حاربَتْنا مُنهِبٌ وبنو فَهْمِ )
( ولمَّا يكنْ يومٌ تزول نجومُه ... تطير بهِ الرُّكبانُ ذو نبأٍ ضخمِ )
( أَسِلْماً على خَسْفٍ ولستُ بِخالِدٍ ... وماليَ من واقٍ إذا جاءني حَتْمي )
( فلا سلْمَ حتّى نحفِزَ الناسَ خِيفةٌ ... ويصبحَ طيٌر كانِساتٍ على لحم ) - طويل -
فقال له رسول الله وأنا أقول فاستمع ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ثم قرأ ( قل أعوذ برب الفلق ) ودعاه إلى الإسلام فأسلم وعاد إلى قومه فأتاهم في ليلة مطيرة ظلماء حتى نزل بروق وهي قرية عظيمة لدوس فيها منبر فلم يبصر أين يسلك فأضاء له نور في طرف سوطه فبهر الناس ذلك النور وقالوا نار أحدثت على القدوم ثم على بروق لا تطفأ فعلقوا يأخذون بسوطه فيخرج النور من بين أصابعهم فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه ودعا قومه فلم يجبه إلا أبو هريرة وكان هو وأهله في جبل يقال له ذو رمع فلقيه بطريق يزحزح وبلغنا أنه كان يزحف في العقبة من الظلمة ويقول
( يا طولها من ليلةٍ وعناءها ... على أنها من بلدةِ الكَفْرِ نَجَّتِ ) - طويل

ثم أتى الطفيل بن عمرو على النبي ومعه أبو هريرة فقال له ما وراءك فقال بلاد حصينة وكفر شديد فتوضأ النبي ثم قال اللهم اهد دوسا ثلاث مرات قال أبو هريرة فلما صلى النبي خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا فصحت واقوماه فلما دعا لهم سري عني ولم يحب الطفيل أن يدعو لهم لخلافهم عليه فقال له لم أحب هذا منك يا رسول الله فقال له إن فيهم مثلك كثيراً وكان جندب بن عمرو بن حممة بن عوف بن غوية ابن سعد بن الحارث بن ذيبان بن عوف بن منهب بن دوس يقول في الجاهلية إن للخلق خالقا لا أعلم ما هو فخرج حينئذ في خمسة وسبعين رجلا حتى أتى النبي فأسلم وأسلموا قال أبو هريرة ما زلت ألوي الآجرة بيدي ثم لويت على وسطي حتى كأني بجاد أسود وكان جندب يقربهم إلى النبي رجلا رجلا فيسلمون
وهذه الأبيات التي فيها الغناء من قصيدة للحارث بن الطفيل قالها في حرب كانت بين دوس وبين بني الحارث بن عبد الله بن عامر بن الحارث ابن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران
وكان سبب ذلك فيما ذكر عن أبي عمرو الشيباني أن ضماد بن مسرح ابن النعمان بن الجبار بن سعد بن الحارث بن عبد الله بن عامر بن الحارث ابن يشكر سيد آل الحارث كان يقول لقومه أحذركم جرائر أحمقين من آل الحارث يبطلان رياستكم وكان ضماد يتعيف وكان آل الحارث يسودون العشيرة كلها فكانت دوس أتباعا لهم وكان القتيل من آل الحارث تؤخذ له ديتان ويعطون إذا لزمهم عقل قتيل من دوس دية واحدة فقال غلامان من

بني الحارث يوما ائتوا شيخ بني دوس وزعيمهم الذي ينتهون إلى أمره فلنقتله فأتياه فقالا يا عم إن لنا أمرا نريد أن تحكم بيننا فيه فأخرجاه من منزله فلما تنحيا به قال له أحدهما يا عم إن رجلي قد دخلت فيها شوكة فأخرجها لي فنكس الشيخ رأسه لينتزعها وضربه الآخر فقتله فعمدت دوس إلى سيد بني الحارث وكان نازلا بقنونى فأقاموا له في غيضة في الوادي وسرحت إبله فأخذوا منها ناقة فأدخلوها الغيضة وعقلوها فجعلت الناقة ترغو وتحن إلى الإبل فنزل الشيخ إلى الغيضة ليعرف شأن الناقة فوثبوا عليه فقتلوه ثم أتوا أهله وعرفت بنو الحارث الخبر فجمعوا لدوس وغزوهم فنذروا بهم فقاتلوهم فتناصفوا وظفرت بنو الحارث بغلمة من دوس فقتلوهم ثم إن دوسا اجتمع منهم تسعة وسبعون رجلا فقالوا من يكلمنا من يمانينا حتى نغزو أهل ضماد فكان ضماد قد أتى عكاظ فأرادوا أن يخالفوه إلى أهله فمروا برجل من دوس وهو يتغنى
( فإنَّ السِّلْمَ زائِدة نواها ... وإنَّ نوى المحارب لا تروب ) - وافر -
فقالوا هذا لا يتبعكم ولا ينفعكم ان تبعكم أما تسمعون غناءه في السلم فأتوا حممة بن عمرو فقالوا أرسل إلينا بعض ولدك فقال وأنا إن شئتم وهو عاصب حاجبيه من الكبر فأخرج معهم ولده جميعا وخرج معهم وقال لهم تفرقوا فرقتين فإذا عرف بعضكم وجوه بعض فأغيروا

وإياكم والغارة حتى تتفارقوا لا يقتل بعضكم بعضا ففعلوا فلم يلتفتوا حتى قتلوا ذلك الحي من آل الحارث وقتلوا ابنا لضماد فلما قدم قطع أذني ناقته وذنبها وصرخ في آل الحارث فلم يزل يجمعهم سبع سنين ودوس تجتمع بازائه وهم مع ذلك يتغاورون ويتطرف بعضهم بعضا وكان ضماد قد قال لابن أخ له يكنى أبا سفيان لما أراد أن يأتي عكاظ إن كنت تحرز أهلي وإلا أقمت عليهم فقال له أنا أحرزهم من مائة فإن زادوا فلا وكانت تحت ضماد امرأة من دوس وهي أخت مربان بن سعد الدوسي الشاعر فلما أغارت دوس على بني الحارث قصدها أخوها فلاذت به وضمت فخذها على ابنها من ضماد وقالت يا أخي اصرف عني القوم فإني حائض لا يكشفوني فنكز سية القوس في درعها وقال لست بحائض ولكن في درعك سخلة بكذا من آل الحارث ثم أخرج الصبي فقتله وقال في ذلك
( ألا هل أتى أمَّ الحُصَيْن ولو نأتْ ... خِلافتُنا في أهلِه ابنُ مُسَرَّحِ )
( ونضرةُ تدعو بالفِنَاءِ وطَلْقُها ... ترائبه ينفحْنَ من كلِّ مَنْفَح )
( وفرّ أبو سفيانَ لما بدا لنا ... فِرارَ جبانٍ لأمِّهِ الذلُّ مُقْرَحِ ) - طويل -

يوم حضرة الوادي
قال فلم يزالوا يتغاورون حتى كان يوم حضرة الوادي فتحاشد الحيان ثم أتتهم بنو الحارث ونزلوا لقتالهم ووقف ضماد بن مسرح في

رأس الجبل وأتتهم دوس وأنزل خالد بن ذي السبلة بناته هندا وجندلة وفطيمة ونضرة فبنين بيتا وجعلن يستقين الماء ويحضضن وكان الرجل إذا رجع فارا أعطينه مكحلة ومجمرا وقلن معنا فانزل إي إنك من النساء وجعلت هند بنت خالد تحرضهم وترتجز وتقول
( مَنْ رجلٌ ينازِل الكتيبهْ ... فذلِكُمْ تَزني به الحبيبهْ ) - رجز -
فلما التقوا رمى رجل من دوس رجلا من آل الحارث فقال خذها وأنا أبو الزبن فقال ضماد وهو في رأس الجبل وبنو الحارث بحضرة الوادي يا قوم زبنتم فارجعوا ثم رجل آخر من دوس فقال خذها وأنا أبو ذكر فقال ضماد ذهب القوم بذكرها فاقبلوا رأيي وانصرفوا فقال قد جبنت يا ضماد ثم التقوا فأبيدت بنو الحارث هذه رواية أبي عمرو
وأما الكلبي فإنه قال كان عامر بن بكر بن يشكر يقال له الغطريف ويقال لبنيه الغطاريف وكان لهم ديتان ولسائر قومه دية وكانت لهم على دوس أتاوة يأخذونها كل سنة حتى إن كان الرجل منهم ليأتي بيت الدوسي فيضع سهمه أو نعله على الباب ثم يدخل فيجيء الدوسي فإذا أبصر ذلك انصرف ورجع عن بيته حتى أدرك عمرو بن حممة بن عمرو فقال لأبيه ما هذا التطول الذي يتطول به أخواننا علينا فقال يا بني هذا شيء قد مضى عليه أوائلنا فأعرض عن ذكره فأعرض عن هذا الأمر وإن رجلا من

دوس عرس بابنة عم له فدخل عليها رجل من بني عامر بن يشكر فجاء زوجها فدخل على اليشكري ثم أتى عمرو بن حممة فأخبره بذلك فجمع دوسا وقام فيهم فحرضهم وقال إلى كم تصبرون لهذا الذل هذه بنو الحارث تأتيكم الآن تقاتلكم فاصبروا تعيشوا كراما أو تموتوا كراما فاستجابوا له وأقبلت إليهم بنو الحارث فتنازلوا واقتتلوا فظفرت بهم دوس وقتلتهم كيف شاءت فقال رجل من دوس يومئذ
( قد عَلِمَتْ صفراءُ حَرْشاءُ الذَّيْلْ ... شرّابةُ المَحْضِ تَرُوكٌ للقَيْل )
( تُرْخي فروعاً مِثْلَ أذنابِ الخَيْلْ ... إنّ بَرُوقاً دونها كالويل )
( ودونها خَرْطُ القَتادِ بالليل ... ) - رجز -
وقال الحارث بن الطفيل بن عمرو الدوسي في هذا اليوم عن أبي عمرو
( يا دار مِن ماوِيَّ بالسَّهْبِ ... بُنِيَتْ على خَطْبٍ من الخَطْبِ )
( إذ لا ترى إلا مُقاتلةً ... وعَجانِسا يُرْقِلْنَ بالرَّكْبِ )
( ومُدَجّجاً يَسْعَى بِشِكَّتِه ... مُحْمَرَةً عيناه كالكلب )
( ومَعَاشراً صدأ الحدِيدُ بهمْ ... عَبَقَ الْهِناءِ مَخاطِمَ الْجُرْبِ )
( لما سمعْتُ نَزَالِ قد دُعِيَتْ ... أيقنْتُ أَنَّهمُ بنو كعبِ )
( كعبِ بنِ عمروٍ لا لِكعْبِ بنِي العنقاء ... والتِّبْيانُ في النَّسب )

( فَرَمَيْتُ كَبْشَ القوم مُعْتَمِداً ... فمضى وراشوهُ بذي كَعْبِ )
( شكّوا بحَقْوَيْه القِدَاحَ كما ... ناط المُعَرِّضُ أقْدَحَ القُضْبِ )
( فكأنّ مُهْري ظلّ مُنْغَمساً ... بِشَبَا الأسِنّة مَغْرَةُ الجأب )
( يا رُبَّ موضوع رفعْتُ ومَرْفوعٍ ... وضعْتُ بمنزل اللَّصْبِ )
( وحَلِيلِ غانِيةٍ هتكْتُ قرارها ... تحت الوغى بِشديدةِ العَضْبِ )
( كانت على حُبّ الحياة فقد ... أَحْلَلْتُها في منزِلٍ غرْبِ )
( جانِيك مَنْ يَجْنِي عليكِ وقد ... تُعْدي الصِّحاحَ مبارِكُ الجُرْبِ ) - كامل -
هذا البيت في الغناء في لحن ابن سريج وليس هو في هذه القصيدة ولا وجد قي الرواية وإنما ألحقناه بالقصيدة لأنه في الغناء كما تضيف المغنون شعرا إلى شعر وإن لم يكن قائلها واحدا إذا اختلف الروي والقافية

صوت
( صَرَفْتُ هواكَ فانصرفا ... ولم تَدَعِ الذي سَلَفا )
( وبِنْتَ فلم أمتْ كَلِفا ... عليك ولم تَمُتْ أَسَفا )
( كلانا واجد في الناس ... مِمّن ملَّه خلفا ) - مجزوؤ الوافر -
الشعر لعبد الصمد بن المعذل والغناء للقاسم بن زرزور رمل بالوسطى وفيه لعمر الميداني هزج

أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه
عبد الصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم بن البختري بن المختار ابن ذريح بن أوس بن همام بن ربيعة بن بشير بن حمران بن حدرجان بن عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار وقيل ربيعة بن ليث بن حمران
وجدت في كتاب بخط أحمد بن كامل حدثني غيلان بن المعذل أخو عبد الصمد قال كان أبي يقول أفصى أبو عبد القيس هو أفصى بن جديلة ابن أسد وأفصى جد بكر بن وائل هو أفصى بن دعمي والنسابون يغلطون في قولهم عبد القيس بن أفصى بن دعمي ويكنى عبد الصمد أبا القاسم وأمه أم ولد يقال لها الزرقاء شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية بصري المولد والمنشأ وكان هجاء خبيث اللسان شديد العارضة وكان أخوه أحمد أيضا شاعرا إلا أنه كان عفيفا ذا مروءة ودين وتقدم في المعتزلة وله جاه واسع في بلده وعند سلطانه لا يقاربه عبد الصمد فيه

فكان يحسده ويهجوه فيحلم عنه وعبد الصمد أشعرهما وكان أبو عبد الصمد المعذل وجده غيلان شاعرين وقد روي عنهما شيء من الأخبار واللغة والحديث ليس بكثير والمعذل بن غيلان هو الذي يقول
( إلى اللَّه أشكو لا إلى الناس أنني ... أرى صالح الأعمال لا أستطِيعها )
( أرى خلّةً في إخوة وأقارِبٍ ... وذي رَحِمٍ ما كان مِثلي يُضِيعُها )
( فلو سَاعَدَتني في المكارم قُدْرَةٌ ... لَفَاضَ عليهِمْ بالنوالِ ربيعها ) - طويل -
أنشدنا ذلك له علي بن سليمان الأخفش عن المبرد وأنشدناه محمد ابن خلف بن المرزبان عن الربعي أيضا قالا وهو القائل
( ولستُ بميّالٍ إلى جانِب الغِنى ... إذا كانت العلياءُ في جانِبِ الفَقْرِ )
( وإنِّي لَصَبّارٌ على ما ينوبُني ... وحسبُكَ أنَّ اللَّه أثنى على الصبر ) - طويل -

التهاجي بينه وبين ابان
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا النخعي وإسحاق قال هجا أبان اللاحقي المعذل بن غيلان فقال
( كنْتُ أمشي مع المعذَّل يوماً ... ففسا فَسْوةً فكدْتُ أطيرُ )
( فَتَلَفَّتُّ هل أرى ظَرِبانا ... من ورائي والأرضُ بي تستدير )
( فإذا ليس غيرهُ وإذا إعْصارُ ... ذاك الفُساءِ منه يفورُ )
( فتعجَّبْتُ ثم قُلْتُ لقد أعرِفُ ... هذا فيما أرى خنزيرُ ) - خفيف -
فأجابه المعذل فقال

( صَحَّفَتْ أمُّك إذْ سمْ ... مَتْك بالمَهْد أبانا )
( قد عَلِمْنا ما أرادتْ ... لم تُرِدْ إلا أتانا )
( صَيَّرتْ باءً مكان ال ... تاء واللَّهِ عِيانا )
( قَطَع اللّه وشيكا ... مِن مُسمِّيْك اللسانا ) - مجزوء الرمل -
أخبرني عمي قال حدثنا المبرد قال مر المعذل بن غيلان بعبد الله بن سوار العنبري القاضي فاستنزله عبد الله وكان من عادة المعذل أن ينزل عنده فأبى وأنشده
( أمِن حق المودةِ أن نُقَضِّي ... ذِمامَكُمُ ولا تَقْضُوا ذِماما )
( وقد قال الأديبُ مقالَ صِدْقٍ ... رآه الآخَرُون لهمْ إماما )
( إذا أكرمتُكُمْ وأَهَنْتُموني ... ولم أغْضَبْ لِذُلَّكُمُ فذاما ) - وافر -
قال وانصرف فبكر إليه عبد الله بن سوار فقال له رأيتك أبا عمرو مغضبا فقال أجل ماتت بنت أختي ولم تأتني قال ما علمت ذلك قال ذنبك أشد من عذرك ومالي أنا أعرف خبر حقوقك وأنت لا تعرف خبر حقوقي فما زال عبد الله يعتذر إليه حتى رضي عنه
حدثني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا ابن مهرويه عن الحمدوني قال كان شروين حسن الغناء والضرب وكان من أراد أن يغنيه حتى يخرج من جلده جاء بجويرية سوداء فأمرها أن تطالعه وتلوح له بخرقة حمراء ليظنها امرأة تطالعه فكان حينئذ يغني أحسن ما يقدر عليه تصنعا لذلك فغضب عليه عبد الصمد في بعض الأمور فقال يهجوه
( مَن حلَّ شَرْوِينُ له منزلاً ... فَلْتَنْهَهُ الأولى عن الثانيهْ )
( فليسَ يدعوه إلى بيته ... إلاّ فتىً في بيته زانيهْ ) - سريع

أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو عمرو البصري قال قال عبد الصمد بن المعذل في رجل زان من أهل البصرة كانت له امرأة تزني فقال
( إن كنْتِ قد صفَّرْتِ أُذْنَ الفتى ... فطالما صَفَّرَ آذانا )
( لا تعجبي إن كنْتِ كَشْخَنْتِهِ ... فإنَّما كَشْخنْتِ كَشْخانا ) - سريع -
أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدثنا سوار بن أبي شراعة قال كان بالبصرة رجل يعرف بابن الجوهري وكانت له جارية مغنية حسنة الغناء وكان ابن الجوهري شيخا هما قبيح الوجه فتعشقت فتى كاتبا كان يعاشره ويدعوه وكان الفتى نظيفا ظريفا فاجتمعت معه مرارا في منزله وكان عبد الصمد يعاشره فكان الفتى يكاتمه أمره ويحلف له أنه لا يهواها فدخلت عليهما ذات يوم بغتة فبقي الفتى باهتا لا يتكلم وتغير لونه وتخلج في كلامه فقال عبد الصمد
( لسانُ الهوى ينطقُ ... وَمَشْهَدُه يَصدقُ )
( لقد نمَّ هذا الهوى ... عليك وما يُشْفقُ )
( إذا لم تكن عاشقاً ... فقلبُك لِمْ يخفقُ )
( ومالَكَ إمَّا بدَتْ ... تَحارُ فلا تنطِقُ )
( أَشَمْسٌ تجلَّتْ لنا ... أمِ القمرُ المشرقُ ) - مجزوء المتقارب -
الغناء في هذه الأبيات لرذاذ ويقال للقاسم بن زرزور رمل مطلق

قال ثم طال الأمر بينهما فهربت إليه جملة فقال عبد الصمد في ذلك
( إلى امرىءٍ حازم رَكِبَتْ ... أيَّ امرىء عاجزٍ تركَتْ )
( فتنةُ ابن الجوهريِّ لقد ... أظهرَتْ نُصحاً وقد أفِكَتْ )
( أكذبَتْهَا عزمةٌ ظهرت ... لا تبالي نفسَ مَن سفكتْ )
( ظفِرتْ فيها بما هوِيَتْ ... ونَجَت من قُرْبِ من فَرِكت )
( ثمّ خدودٌ بعدها لُطِمَتْ ... وجيوبٌ بعدها هُتكتْ )
( وعيون لا يُرقَّأْنَ على ... حُسْنِ وجه فاتَهُنَّ بَكَتْ )
( خرجَتْ والليل مُعْتَكِرٌ ... لم يَهُلْها أيَّةً سلكتْ )
( وعيونُ النّاس قد هَجَعَتْ ... وَدُجَى الظَّلْماء قد حَلكتْ )
( لم تَخفْ وَجْداً بعاشقها ... حُرمةَ الشَّهرِ الذي انتهكتْ )
( ورأَتْ لمّا سَقَتُ كَمداً ... أنَّها في دينها نَسَكتْ )
( مُلِّئَت كفٌّ بها ظَفِرت ... دونَ هذا الخلق ما مَلَكتْ )
( أيُّ ملك إذا خلا وخلَتْ ... فشكا أشجانَه وشَكَتْ )
( تَجتلي من وجهِهِ ذهباً ... وَهْوَ يَجلُو فضّةً فتكت )
( هكذا فعلُ الفتاة إذا ... هي في عُشّاقها مَحَكَت )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني بعض أصحابنا قال
نظر عبد الصمد بن المعذل إلى جار له يخطر في مشيته خطرة منكرة وكان فقيرا رث الحال فقال فيه

( يتمشَّى في ثَوْبِ عَصْبٍ من العُرْي ... على عظْمِ ساقِهِ مَسْدولِ )
( دبّ في رأسه خُمارٌ من الجوعِ ... سُرَى خُمرةِ الرحيق الشَّمُولِ )
( فبكى شَجْوَه وحنَّ إلى الخُبز ... ونادى بزفرةٍ وعويل )
( مَن لقلبٍ متيَّم برغيفين ... ونَفْسٍ تاقت إلى طِفْشِيلِ )
( ليس تسمُو إلى الولائم نفسي ... جلَّ قَدْرُ الأعراس عن تأميلي )
( هاتِ لوناً وقُلْ لتلكَ تغنِّي ... لَسْتُ أبكي لدارسات الطُّلول ) - خفيف -

رثاؤه لأبي سلمة الطفيلي
أخبرنا سوار بن أبي شراعة قال كان بالبصرة طفيلي يكنى أبا سلمة وكان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة وأخذ ابنيه معه وعليهما القلانس الطوال والطيالسة الرقاق فيقدم ابنيه فيدق الباب أحدهما ويقول افتح يا غلام لأبي سلمة ثم لا يلبث البواب حتى يتقدم الآخر فيقول افتح ويلك فقد جاء أبو سلمة ويتلوهم فيدقون جميعا الباب ويقولون بادر ويلك فإن أبا سلمة واقف فإن لم يكن عرفهم فتح لهم وهاب منظرهم وإن كانت معرفته إياهم قد سبقت لم يلتفت إليهم ومع كل واحد منهم فهر مدور يسمونه كيسان فينتظرون حتى يجيء بعض من

دعي فيفتح له الباب فإذا فتح طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب فلا يقدر البواب على غلقه ويهجمون عليه فيدخلون فأكل أبو سلمة يوما على بعض الموائد لقمة حارة من فالوذج وبلعها لشدة حرارتها فجمعت أحشاؤه فمات على المائدة فقال عبد الصمد بن المعذل يرثيه
( أحزان نفسي عليها غيرُ مُنْصَرِمهْ ... وأدمُعي من جفونِي الدَّهرَ مُنْسَجِمَهْ )
( على صديقٍ ومولًى لي فُجِعْتُ بهِ ... ما إنْ لهُ في جميع الصالحين لُمَه )
( كم جفنةٍ مِثلِ جَوفِ الحوض مُتْرَعَةٍ ... كوماءَ جاء بها طَبَّاخُها رذِمه )
( قد كَلَّلَتْها شحومٌ مِن قَلِيَّتها ... ومن سَنامِ جَزُوْرٍ عَبْطةٍ سَنِمَهْ )
( غُبِّبْتَ عنها فلم تَعرف له خبراً ... لهفي عليكَ وويلي يا أبا سلمه )
( ولو تكون لها حيًّا لما بَعُدَتْ ... يوماً عليك ولو في جاحمٍ حُطَمه )
( قد كنت أعلم أنَّ الأكل يقتله ... لكنَّنِي كنت أخشى ذاك من تُخَمه )
( إذا تعمَّم في شِبْلَيْهِ ثم غدا ... فإنَّ حوزةَ من يأتيه مُصْطَلِمَه ) - بسيط -

عشق فتى فقال فيه الشعر
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال كان عبد الصمد بن المعذل يتعشق فتى من المغنين يقال له أحمد فغاضبه الفتى وهجره فكتب إليه

صوت
( سَلْ جَزَعي مُذْ صَدَدْتَ عن حالي ... هل خَطَر الصَبْرُ على بالي )
( لا غيَّرَ اللَّه سوءَ فِعلِك بي ... إن كنْتُ أعتبْتُ فيك عُذَّالي )
( ولا ذَمَمْتُ البكا لي عليك ولا ... حَمِدْتُ حُسنَ السلُوِّ من سالِ )
( لو كنْتُ أبغي سِواكَ ما جهِلَتْ ... نفسيَ أنَّ الصُّدود أعفى لي ) - رمل مطلق -
لجحظة في هذه الأبيات رمل مطلق
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني علي بن محمد النوفلي فقال هجا عبد الصمد بن المعذل قينة بالبصرة قال فيها
( تَفْتَرُّ عن مَضْحَكِ السِّدْرِيِّ إن ضحكتْ ... كَرْفَ الأَتان رأت إدلاءَ أعيارِ )
( يَفوحُ ريحُ كنيفٍ من ترائبها ... سوداءُ حالكةٌ دَهْمَاءُ كالقار ) - بسيط -
قال فكسدت والله تلك القينة بالبصرة فلم تدع ولم تستتبع حتى أخرجت عنها
عتابة لبعض الأمراء
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا المبرد قال كتب عبد الصمد بن المعذل إلى بعض الأمراء رقعة فلم يجبه عنها لشيء كان بلغه

عنه فكتب إليه
( قد كتبتُ الكتاب ثم مَضَى اليوم ... ولم أَدْرِ ما جوابُ الكتابِ )
( ليتَ شِعري عن الأمير لماذا ... لا يراني أهلاً لردِّ الجوابِ )
( لا تدَعْني وأنت رفَّعْتَ حالي ... ذا انخفاضٍ بهجرتي واجتنابي )
( إن أكنْ مذنباً فعندي رجوعٌ ... وبلاءٌ بالعذر والإِعْتاب )
( وأنا الصادقُ الوفاءِ وذو العهدِ ... الوثيقِ المؤكَّد الأسباب ) - خفيف -
أخبرني الحرمي بن علي قال حدثني أبو الشبل قال كان بالبصرة رجل من ولد المهلب بن أبي صفرة يقال له صبيانة وكان له بستان سري في منزله فكان يدعو الفتيات إليه فلا يعطيهن شيئا من الدراهم ويقصر بهن على ما يحملنه من البستان معهن مثل الرطب والبقول والرياحين فقال فيه عبد الصمد قوله
( قومٌ زُناةٌ مالهُمْ دراهِمُ ... جَذْرُهُمُ النَّمَّامُ والحَمَاحِمُ )
( أنذلُ من تَجْمَعُهُ المواسمُ ... خَسُّوا وخسَّتْ منهمُ المطاعِمُ )
( فعدلُهمْ إن قِسْتَه المظالِمُ ... ) - رجز -
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني سوار بن أبي شراعة وأخبرنا به سوار إجازة قال حدثني أبي قال لما هجا الجماز عبد الصمد بن المعذل جاءني فقال لي أنقذني منه فقلت له أمثلك يفرق من الجماز فقال نعم لأنه لا يبالي بالهجاء ولا يفرق منه ولا عرض له وشعره ينفق على

من لا يدري فلم أزل حتى أصلحت بينهما بعد أن سار قوله فيه
( ابن المعذَّل مَنْ هُو ... وَمَنْ أبوه المعذَّلْ )
( سألْتُ وَهْبانَ عنه ... فقال بَيضٌ مُحَوَّلْ ) - مجتث -
قال وكان وهبان هذا رجلا يبيع الحمام فجمع جماعة من أصحابه وجيرانه وجعل يغشى المجالس ويحلف أنه ما قال إن عبد الصمد بيض محول ويسألهم أن يعتذروا إليه فكان هذا منه قد صار بالبصرة طرفة ونادرة فجاءني عبد الصمد يستغيث منه ويقول لي ألم أقل لك إن آفتي منه عظيمة والله لدوران وهبان على الناس يحلف لهم أنه ما قال إني بيض محول أشد علي من هجائه لي فبعثت إلى وهبان فأحضرته وقلت له يا هذا قد علمنا أن الجماز قد كذب عليك وعذرناك فنحب أن لا تتكلف العذر إلى الناس في أمرنا فإنا قد عذرناك فانصرف وقد لقي عبد الصمد بلاء
أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي صهر المبرد قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال قال لي أبو شراعة القيسي بلغ أبا جعفر مضرطان أن عبد الصمد بن المعذل هجاه واجتمعا عند أبي واثلة السدوسي فقال له مضرطان بلغني أنك هجوتني فقال له عبد الصمد من أنت حتى أهجوك قال هذا شر من الهجاء فوثب إلى عبد الصمد يضربه فقال الحمدوي وهو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه وحمدويه جده وهو الذي كان يقتل الزنادقة
( ألذُّ مِن صُحبة القَنَانِي ... أوِ اقتراحٍ على قِيانِ )

( لَكْزُ فتىً من بني لُكَيْزٍ ... يُهْدَى له أهون الهوان )
( أهوَى له بازلٌ خِدَبٌّ ... يطحَنُ قَرْنيه بالجران )
( فنال منه ثُؤُورَ قوم ... باليد طوراً وباللِّسان )
( وكان يفسُو فصار حَقّاً ... يضرِطُ من خوفِ مَضْرَطان ) - مخلع بسيط -
قال وبلغ عبد الصمد شعر الحمدوي فقال أنا له ففزع الحمدوي منه فقال
( تَرَحٌ طُعْنَتُ به وهمٌّ واردُ ... إذْ قيل إنّ ابنَ المُعَذّل واجدُ )
( هيهاتَ أن أجدَ السّبيلَ إلى الكَرى ... وابنُ المعذَّلِ من مِزاحي حارِدُ ) - كامل -
فرضي عنه عبد الصمد

تهاجي الجماز والمعذل
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني إبراهيم بن عقبة اليشكري قال قال لي عبد الصمد بن المعذل هجاني الجماز ببيتين سخيفين فسارا في أفواه الناس حتى لم يبق خاص ولا عام إلا رواهما وهما
( ابنُ المعذل مَنْ هو ... ومن أبوه المعذّلْ )
( سألْتُ وَهْبانَ عنه ... فقال بَيْضٌ مُحَوَّلْ ) - مجتث

فقلت أنا فيه شعرا تركته يتحاجى فيه كل أحد فما رواه أحد ولا فكر فيه وذلك لضعته وهو قولي
( نَسَبُ الجمّاز مقصورٌ ... إليه مُنْتَهاهُ )
( يتراءَى نَسَبُ الناس ... فما يخفَى سِواهُ )
( يتحاجى في أبي الجَمَاز ... من هُوْ كاتباهُ )
( ليس يَدْري مَنْ أبو الجَمَاز ... إلا مَن يراه ) - مجزوء الكامل -
أخبرني الأخفش قال كان لعبد الصمد بستان نظيف عامر فأنشدنا لنفسه فيه
( إذا لم يزرنِيَ نَدْمانِيَهْ ... خَلَوْتَ فنادمْتُ بستانِيَهْ )
( فنادمْتُه خَضِراً مُؤنقا ... يُهَيِّجُ لي ذكرَ أشجانِيَهْ )
( يقرِّب مَفْرَحَةَ الْمُسْتَلِذِّ ... ويُبعِد هَمِّي وأحزانِيَهْ )
( أرى فيه مثلَ مدارِي الظِّباءِ ... تظلُّ لأطلائها حانيه )
( ونَوْرَ أقاح شتيتِ النباتِ ... كما ابتسمَتْ عجباً غانيه )
( ونرجسُهُ مثلُ عين الفتاة ... إلى وجهِ عاشقها رانِيَه ) - متقارب -
أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال كان يزيد بن عبد الملك المسمعي يهوى جارية من جواري القيان يقال لها عليم وكان يعاشر عبد الصمد ويزيد يومئذ شاب حديث السن وكان عبد الصمد يسميه ابني

ويسمي الجارية ابنتي فباع الفتى بستانا له في معقل وضيعة بالقندل فاشترى الجارية بثمنها فقال عبد الصمد
( بُنيَّتي أصبحَتْ عَرُوساً ... تُهدَى من ابني إلى عروسِ )
( زُفَّتْ إليه لخيرِ وقتٍ ... فاجتمعا ليلةَ الخميس )
( يا معشرَ العاشِقين أنتُمْ ... بالمنزل الأرذلِ الخسيس )
( يزيدُ أضحى لكُمْ رئيساً ... فاتَّبعوا مَنْهج الرئيس )
( مَن رام بَلاًّ لرأسِ أيْرٍ ... ذلَّل نفساً بِحَلِّ كِيس ) - مخلع البسيط -
أخبرني محمد بن خلف بن المزربان قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال بلغ عبد الصمد بن المعذل أن أبا قلابة الجرمي تدسس إلى الجماز لما بلغه تعرضه له وهجاؤه إياه فحمله على الزيادة في ذلك ويضمن له أن ينصره ويعاضده وقد كان عبد الصمد هجا أبا قلابة حتى أفحمه فقال عبد الصمد فيهما
( يا مَن تركْتُ بصخرة ... صَمّاءَ هامَتَهُ أمِيمَهْ )
( إن الذي عاضدْتَهُ ... أشبهْتَه خُلُقاً وشيمهْ )
( وكفِعل جدَّتك الحديثة ... فعلُ جدّته القديمهْ )
( فتناصرا فابنُ اللئيمة ... ناصرٌ لابْنِ اللئيمهْ ) - مجزوء الكامل

حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني أبو العيناء قال كان لعبد الصمد بن المعذل صديق يعاشره ويأنس به فتزوج إليه أمير البصرة وكان ولد سليمان بن علي فنبل الرجل وعلا قدره وولاه المتزوج إليه عملا فكتب إليه عبد الصمد
( أَحُلْتَ عمّا عهدْتُ من دأبكْ ... أم نلْتَ مُلْكاً فَتِهْتَ في كُتبِكْ )
( أم هل ترى أنَّ في مناصفة الإخْوانِ ... نَقْصاً عليك في حَسَبِكْ )
( أم كان ما كان منك عن غضبٍ ... فأيُّ شيء أدناك من غَضَبِك )
( إنَّ جفاءً كتابَ ذي ثقة ... يكون في صدره وأمتعَ بك )
( كيفَ بإنصافنا لديكَ وقد ... شاركْتَ آلَ النبيِّ في نسبِك )
( قلْ للوفاء الذي تقدِّرهُ ... نفسك عندي مَلِلت من طلبك )
( أتْعبْتَ كفَّيْكَ في مواصلتي ... حسبُك ماذا كفيت من تعبك ) - منسرح -
فأجابه صديقه
( كيف يَحُول الإِخاء يا أملي ... وكلُّ خيرٍ أنال من نسبِكْ )
( إن يَكُ جهلٌ أتاك مِن قِبَلِي ... فامنُنْ بفضلٍ عليَّ من أدبك )
( أنكرْتَ شيئاً فلسْتُ فاعِلهُ ... ولا تراه يَخُطُّ في كتبك ) - منسرح -
حدثني الأخفش قال حدثنا المبرد قال كان لعبد الصمد بن المعذل صديق كثير الكذب كان معروفا بذلك فوعده وعدا فأخلفه ومطله به مطلا طويلا فقال عبد الصمد
( لي صاحبٌ في حديثه البركَهْ ... يزيدُ عند السُّكون والحركَهْ )
( لو قال لا في قليلِ أحرُفِها ... لردَّها بالحُروف مشتبِكهْ ) - منسرح

هجاؤه لبني المنجاب
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني سوار بن أبي شراعة قال كان يحيى بن عبد السميع الهاشمي يعاشر عبد الصمد بن المعذل ويجتمعان في دار رجل من بني المنجاب له جارية مغنية وكان ينزل رحبة المنجاب بالبصرة ثم استبد بها الهاشمي دون عبد الصمد فقال فيهم عبد الصمد
( قل ليحيى مَلِلْتُ من أحبابي ... فَلْيُنِكْهُمْ ما شاء من أصحابي )
( قد تَرَكْنا تَعَشُّقَ الْمُرْدِ لمَّا ... أنْ بَلَوْنا تنعُّم العزَّاب )
( وَشِنئْنا المؤاجِرين فَمِلْنا ... بعد خُبْرٍ إلى وصالِ القِحاب )
( حبّذا قَيْنةٌ لأهل بني المِنجابِ ... حَلّتْ في رحبة المِنجاب )
( صدَّقْتَ إذ يقول لي خُلِقَ الأحراح ... ليس الفِقاحُ للأزباب )
( حبّذا تلك إذ تُغَنِّيك يا يحيى ... وتَسْقيك من ثنايا عِذاب )
( ذكَرَ القلبُ ذُكْرَةً أُمَّ زيدٍ ... والمطايا بالسَّهْب سَهْبِ الرِّكاب )
( حبّذا إذ ركبْتَها فتجافتْ ... تتشكى إليكَ عند الضِّراب )
( وتَغَنَّتْ وأنت تدفَعُ فيها ... غيرَ ذي خِيفة لهمْ وارتقاب )
( وإنَّ جَنْبِي عَنِ الفراش لنَابي ... كتجافي الأَسَرِّ فوق الظِّراب )

( ليت شعري هل أسمعَنَّ إذا ما ... زاحَ عني وساوسُ الكتّاب )
( مِنْ فتاةٍ كأنها خُوطُ بانٍ ... مَجَّ فيها النعيمُ ماءَ الشبابِ )
( إذْ تُغَنِّيك خَلْفَ سَجْفٍ رقيق ... نَغَماتٍ تحبُّها بصواب )
( شَفَّ عنها مُحَقَّقٌ جَنَدِيٌّ ... فَهْي كالشَّمس من خلال سَحاب )
( رُبَّ شِعْرٍ قد قُلْتُه بتباهٍ ... ويُغَرَّى به ذوو الألباب )
( قد تركْتُ الملحِّنين إذا ما ذكروه قاموا على الأذناب ) - خفيف -
قال وشاعت الأبيات بالبصرة فامتنع مولى الجارية من معاشرة الهاشمي وقطعه بعد ذلك
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن صالح الهاشمي قال كان الحسين بن عبد الله بن العباس بن جعفر بن سليمان مائلا إلى عبد الصمد بن المعذل وكان عبد الصمد يهجو هشاما الكرنباني فجرى بين ابني هشام الكرنباني وهما أبو واثلة وإبراهيم وبين الحر بن عبد الله لحاء في أمر عبد الصمد لأنهما ذكراه وسباه فامتعض له الحسين وسبهما عنه فرميا الحسين بابن المعذل ونسباه إلى أن عبد الصمد يرتكب القبيح وبلغ الحسين ذلك فلقيهما في سكة المربد فشد عليهما بسوطه وهو راكب فضربهما ضربا مبرحا وأفلت أبو واثلة ووقع سبيب السوط

في عين إبراهيم فأثر فيها أثرا قبيحا فاستعان بمشيخة من آل سليمان بن علي وهرب أبو واثلة إلى الأمير علي بن عيسى وهو والي البصرة فوجه معه بكتابه ابن فراس إلى باب الحسين بن عبد الله فطلبه وهرب حسين إلى المحدثة فلما كان من الغد جاء حسين إلى صالح بن إسحاق بن سليمان وإلى ابن يحيى بن جعفر بن سليمان ومشيخة من آل سليمان فصاروا معه إلى علي بن عيسى وأقبل عبد الصمد بن المعذل لما رآهم فدخل معهم لنصرة حسين فكلموا علي بن عيسى في أمره وقام عبد الصمد فقال أصلح الله الأمير هؤلاء أهلك وأجلة أهل مصرك تصدوا إليك في ابنهم وابن أخيهم وهو إن كان حدثا لا ينبسط للحجة بحداثته فإن ها هنا من يعبر عنه وقد قلت أبياتا فإن رأى الأمير أن يأذن في إنشادها فعل قال قل فأنشده عبد الصمد قوله
( يا ابنَ الخلائف وابنَ كلِّ مُبَارَكٍ ... رأسَ الدعائم سابِقَ الأغصانِ )
( إنَّ العلوجَ على ابنِ عمك أصفَقُوا ... فأَتوْك عنه بأعظم البهتان )
( قَرفُوه عندَك بالتعدِّي ظالماً ... وهُمُ ابتدَوْه بأعظمِ العدوان )
( شَتَموا له عِرْضاً أغَرَّ مُهَذَّباً ... أعراضُهُمْ أولى بكلِّ هوان )
( وسَمَوْا بأجسامٍ إليه مَهِينةٍ ... وُصِلتْ بأَلأمِ أَذْرُعٍ وبَنان )
( خُلِقَتْ لمدِّ القَلْس لا لتناوُل ... عِرْض الشّريف ولا لمدِّ عنان )
( لم يحفَظُوا قرباه منك فينتهوا ... إذْ لم يَهابُوا حُرْمَةَ السُّلطان )

( أَيُذَلُّ مظلوماً وجدُّك جَدُّه ... كيما يعزَّ بِذُلِّهِ عِلْجان )
( وينال أقلفُ كَربلاءُ بلادُه ... ذلَّ ابنِ عمِّ خليفةِ الرحمن )
( إني أُعيذُك أن تُنَالَ بك التي ... تَطْغَى العلوجُ بها على عَدْنان ) - كامل -
فدعا علي بن عيسى حسينا فضمه إليه فقال انصرف مع مشايخك ودعا بهشام الكرنباني وابنيه فعذلهم في أمره ثم أصلح بينهم بعد ذلك
أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا محمد بن يزيد قال كان عبد الصمد بن المعذل يعاشر عبد الله بن المسيب ويألفه فبلغه أنه اغتابه يوما وهو سكران وعاب شيئا أنشده من شعره فقال فيه وكتب بها إليه
( عَتْبي عليك مُقارِنُ العُذْرِ ... قد زال عند حفيظتي صَبْرِي )
( لك شافعٌ منِّي إليّ فما ... يَقْضي عليك بهفوةٍ فكري )
( لمّا أتاني ما نطقْتَ به ... في السُّكر قلْتُ جنايةُ السكر )
( حاشا لعبدِ اللَّه يذكُرني ... مُسْتَعْذِباً بنقيصتي دكري )
( إنْ عابَ شعري أَوْ تَحَيَّفَهُ ... فَلْيَهْنهِ ما عابَ مِن شعري )
( يا ابنَ المُسَيَّب قد سبقْتَ بما ... أصبحْتَ مرتهِناً به شكري )
( فمتى خُمِرْتَ فأنتَ في سَعةٍ ... ومتى هَفوْتَ فأنت في عُذْرِ )
( تَرْكُ العتاب إذا استحَقَّ أخٌ ... منك العتابَ ذريعةُ الهَجْرِ ) - كامل -
أخبرني الأخفش قال حدثنا المبرد قال دعا عبد الصمد بن المعذل شروين المغني وكان محسنا متقدما في صناعته فتعالل عليه ومضى إلى غيره فقال عبد الصمد والله لأسمنه ميسما لا يدعوه بعده أحد بالبصرة إلا بعد أن يبذل عرضه وحريمه فقال فيه
( مَنْ حَلَّ شَرْوِينُ له منزلاً ... فَلْتَنْهَهُ الأولى عن الثانيهْ )
( فليس يدعوه إلى بيته ... إلا فتىً في بيته زانيهْ ) - سريع

فتحاماه أهل البصرة حتى اضطر إلى أن خرج إلى بغداد وسر من رأى

هجاؤه لأبي رهم
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن العباس العسكري قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا الفضل بن أبي جرزة قال كان أبو قلابة الجزمي وعبد الصمد بن المعذل وعبد الله بن محمد بن أبي عيينة المهلبي أرادوا المسير إلى بيت بحر البكراوي وكانت له جارية مغنية يقال لها جلبة وكان أبو رهم إليها مائلا يتعشقها ثم اشتراها بعد ذلك فلما أرادوا الدخول إليها وافاهم أبو رهم فأدخلوه وحده وحجبوهم فانصرفوا إلى بستان ابن أبي عيينة فقال أبو قلابة لا بد أن نهجو أبا رهم فقالوا قل فقال
( ألا قل لأبي رِهْمٍ ... سيهوى نَعْتَكَ الوصفُ )
( كما حالفك الغيُّ ... كذا جانَبَك الظَّرْفُ )
( أتانا أنه أهدى ... إلى بحرٍ من الشَّغْفِ )
( حُزَيْماتٍ من الصِّير ... فهلاَّ معهُ رُغْفُ )
( فنادَوْا اقسمي فينا ... فقد جاءكم اللُّطْفُ ) - هزج -
فقال له عبد الصمد سخنت عينك أيش هذا الشعر بمثل هذا يهجى من يراد به الفضيحة فقال أبو قلابة هذا الذي حضرني فقل أنت ما يحضرك فقال أفعله وأجود فكان هذا سبب هجاء عبد الصمد أبا رهم وأول قصيدة هجاه بها قوله

( دَعُوا الإسلامَ وانتَحِلُوا المجوسا ... وأَلقُوا الرَّبْطَ واشتَمِلُوا القُلوسا )
( بني العبدِ المُقيم بنهر تِيْرَى ... لقد أَنْهَضْتُ طيركُمُ نحوسا )
( حرامٌ أن يَبِيتَ لكُمْ نزِيلٌ ... فلا يُمسِي بأمِّكمُ عَروسا )
( إذا ركَدَ الظلامُ رأت عُسيْلاً ... يَحُثُّ على نَداماهُ الكؤوسا )
( ويُذْكِرُهُمْ أبو رِهْمٍ بهجوٍ ... فيستدعي إلى الحُرَمِ النُّفوسا )
( ويُخْلِيهمْ هِشامٌ بالغواني ... ويُحمي الفضلُ بينهمُ الوطيسا )
( فتسمع في البيوت لهمْ هبيبا ... كما أهملْتَ في الزَّربِ التيوسا )
( لقد كان الزناةُ بلا رئيس ... فقد وجد الزناةُ بهمْ رئيسا )
( هُمُ قَبَلُوا الزّناد وأنشأوه ... وهُمُ وسموا بجبهته حبيسا )
( لئن لم تنْفِ دعوتَهم سَدُوسٌ ... لقد أخزى الإله بهمْ سَدوسا ) - هزج -
وقال فيه

( لو جادَ بالمال أبو رِهْمٍ ... كجُوْدِهِ بالأخت والأمِّ )
( أضحى وما يُعرَفُ مِثْلٌ لَه ... وقيل أسخى العُرْبِ والعُجْمِ )
( مَنْ بَرَّ بالحرْمَةِ إخوانَه ... أحَقُّ أن يُشْكر بالشتْمِ ) - سريع -
وله فيه من قصيدة طويلة
( هو واللَّه مُنْصِفٌ ... زَوْجُهُ زَوْجُ زوجتِهْ )
( يقسم الأيرَ عادلاً ... بين حِرْها وفُقْحَتِهْ ) - مجزوء الخفيف -
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا العنزي قال حدثني أبو الفضل بن عبدان قال خرج عبد الصمد بن المعذل مع أهله إلى نزهة وقال
( قد نَزَلْنا بِروضةٍ وغديرٍ ... وَهَجَرْنا القصرَ المنيف المشِيدا )
( بعريشٍ ترى من الزاد فيه ... زُكْرَتَيْ خَمرةٍ وصَقْراً صَيُودا )
( وغَرِيرَيْن يطربان الندامى ... كلما قلْتُ أَبْدِيا وأَعِيدا )
( غنِّياني فَغَنَّياني بلحْنٍ ... سَلِسِ الرَّجْعِ يصدع الجلمودا )
( لا ذَعَرْتُ السَّوامَ في فلق الصُّبْحِ ... مُغِيراً ولا دُعِيتُ يزيدا )
( حَيِّ ذا الزَّوْرَ وانهَه أن يعودا ... إنّ بالباب حارسين قعودا )
( من يزُرْنا يجدْ شِواءَ حُبارَى ... وقَدِيراَ رَخصاً وخَمْرا عتيدا )

( وكِراماً مُعَذَّلين وبِيضاً ... خلعوا العُذْر يسحبون البُرودا )
( لستُ عن ذا بمُقْصِرٍ ما جزائي ... قرَّبَتْ لي كريمةٌ عنقودا ) - خفيف -

شعره في الافشين
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال نظر عبد الصمد بن المعذل إلى الأفشين بسر من رأى وهو غلام أمرد وكان من أحسن الناس وهو واقف على باب الخليفة مع أولاده القواد فأنشدنا لنفسه فيه قال
( أيها اللاحِظِي بطرْفٍ كليلِ ... هل إلى الوصل بيننا مِن سبيلِ )
( عَلِمَ اللَّهُ أنني أتمنَّى ... زَوْرةً منكَ عند وقتِ المَقِيلِ )
( بعد ما قد غدوْتَ في القُرْطَق الجَونِ ... تَهادَى وفي الحسام الصقِيل )
( وتكفَّيْتَ في المواكب تَخْتالُ ... عليها تميل كلَّ مَمِيل )
( وأطلْتَ الوقوف منك بِباب القصْر ... تَلْهُو بكلِّ قال وقيْلِ )
( وتحدّثْتَ في مطاردة الصَّيد ... بِخُبْرٍ به ورأي أصيلِ )
( ثمَّ نازعْتَ في السِّنان وفي الرمح ... وعِلْمٍ بِمُرْهَفاتِ النُّصُولِ )
( وتكلَّمْتَ في الطِّراد وفي الطَّعن ... ووثْبٍ على صِعابِ الخيولِ )
( فإذا ما تفرّقَ القومُ أقبلْتَ ... كريحانةٍ دَنَتْ لذبول )

( قد كساك الغبارُ منه رِدّاءً ... فوقَ صُدغ وجَفْنِ طرْفٍ كحِيل )
( وبَدَتْ وُرْدَةُ القَسامة من خَدْدِكَ ... في مُشْرقٍ نقيٍّ أسيل )
( ترشَحُ المِسْكَ منه سالفةُ الظبْي ... وجِيدُ الأُدمانة العُطْبُول )
( فَأَسُوفُ الغبار ساعة ألقاكَ ... برشْفِ الخدّين والتقبيل )
( وأحُلُّ القَباَء والسَّيفَ من خَصرِكَ ... رِفْقاً باللُّطف والتعليل )
( ثم تُؤتى بما هويتَ من التَّشريفِ ... عندي والبرِّ والتبجيل )
( ثم أجلوكَ كالعروسِ على الشَّرْبِ ... تَهادَى في مُجْسَدٍ مصقول )
( ثم أَسقيك بعد شُرْبِيَ مِنْ رِيقِك ... كأساً من الرحيق الشمول )
( وأغنِّيك إن هَوِيتَ غِناءً ... غيَر مستكرَه ولا مملول )
( لا يزال الخَلخال فوق الحشايا ... مثل أثناء حَيَّةٍ مقْتول )
( فإذا ارتاحتِ النفوسُ اشتياقاً ... وتمنَّى الخَليلُ قُرْبَ الخليل )
( كان ما كان بيْننا لا أسمِّيهِ ... ولكنّه شفاءُ الغليل ) - خفيف -

شعره في متيم
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني الحسن بن عليل العنزي والمبرد وغيرهما قالوا كانت متيم جارية لبعض وجوه أهل البصرة فعلقها عبد الصمد بن المعذل وكانت لا تخرج إلا منتقبة فخرج عبد

الصمد يوما إلى نزهة وقدمت متيم إلى عبيد الله بن الحسن بن أبي الحر القاضي فاحتاج إلى أن يشهد عليها فأمرها بأن تسفر فلما قدم عبد الصمد قيل له لو رأيت متيم وقد أسفرها القاضي لرأيت شيئا حسنا لم ير مثله فقال عبد الصمد قوله
( ولما سَرَتْ عنها القناعَ مُتَيَّمٌ ... تَروَّحَ منها العنبريُّ متيَّما )
( رأَى ابنُ عبيدِ اللَّه وهو مُحَكَّمٌ ... عليها لها طَرْفاً عليه محكَّما )
( وكان قديماً كالحَ الوجهِ عابساً ... فلما رأى منها السفُورَ تبسَّما )
( فإن يَصْبُ قلبُ العنبريِّ فقبلَه ... صبا باليتامى قلبُ يحيى بنِ أكثما ) - طويل -
فبلغ قوله يحيى بن أكثم فكتب إليه عليك لعنة الله أي شيء أردت مني حتى أتاني شعرك من البصرة فقال لرسوله قل له متيم أقعدتك على طريق القافية
أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني عبد الله بن أحمد العبدي قال حدثني الأنيسي قال كنت عند إسحاق بن إبراهيم وزاره أحمد بن المعذل وكان خرج من البصرة على أن يغزو فلما دخل على إسحاق بن إبراهيم أنشده
( أفضلْتَ نُعمَى على قومٍ رَعَيْتَ لَهُمْ ... حقًّا قديماً من الودّ الذي دَرَسا )
( وحرمةَ القصْدِ بالآمال إنّهمُ ... أَتَوْا سواكَ فما لاقَوْا به أَنَسا )
( لأنت أكرمُ منه عند رفعته ... قَوْلاً وفعلاً وأخلاقاً ومُغْتَرسا ) - بسيط -
فأمر له بخمسمائة دينار فقبضها ورجع إلى البصرة وكان خرج عنها

ليجاور في الثغر وبلغ عبد الصمد خبره فقال فيه
( يُرِي الغزاةَ بأنَّ اللّه هِمّتُه ... وإنما كان يَغزو كيسَ إسحاقِ )
( فباعَ زُهداً ثواباً لا نَفادَ له ... وابتاعَ عاجل رِفدِ القوم بالباقي ) - بسيط -
فبلغ إسحاق بن إبراهيم قوله فقال قد مسنا أبو السم عبد الصمد بشيء من هجائه وبعث إليه بمائة دينار فقال له موسى بن صالح أبى الأمير إلا كرما وظرفا

شعره في الهجاء
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني الحسن الأسدي قال قدم أبو نبقة من البحرين وقد أهدى إلى قوم من أهل البصرة هداياه ولم يهد إلى عبد الصمد شيئا فكتب إليه
( أما كان في قَسْبِ اليمامةِ والتمر ... وفي أَدَمِ البحرين والنَّبَقِ الصُّفْرِ )
( ولا في مناديلٍ قسَمْتَ طريفَها ... وأهدَيْتَها حَظُّ لنا يا أبا بكْرِ )
( سَرَتْ نحو أقوامٍ فلا هَنَأْنهُمُ ... ولم ينتصف منها الْمُقِلُّ ولا المثري )
( أأنتَ إلى طالوتَ ذِي الوفْرِ والغِنى ... وآلِ أبي حَرْبٍ ذوي النَّشَب الدثر )
( ولم تأتِني ولا الرياشيِّ تمرةٌ ... غَصِصْتَ بباقي ما ادَّخرْتَ من التمرِ )
( ولم يُعْطَ منها النهشليُّ إِداوةً ... تكون له القَيْظِ ذُخْراً مَدَى الدهر )
( أقول لفتيانٍ طَوَيْتُ لطيِّهمْ ... عُرِى البِيد منشورَ المخافةِ والذعر )

( لئن حُكّم السدريُّ بالعدل فيكُمُ ... لما أنصف السدريُّ في ثَمَر السِّدْرِ )
( لئن لم تكنْ عيناك عذرَكَ لم تكن ... لدينا بمحمودٍ ولا ظاهرِ العذرِ ) - طويل -
أخبرنا الحسن بن عليل قال حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال وقع بين أبي وبين عبد الصمد بن المعذل تباعد فهجاه ونسبه إلى الشؤم وكان يقال ذلك في عبد الصمد فقال فيه
( يقول ذَوُو التَّشؤُّمِ ما لقينا ... كما لقي ابن سهلٍ مِن يَزيدِ )
( أتته منيَّةُ المأمونِ لمَّا ... أتاه يزيدُ من بلدٍ بعيدِ )
( فصيَّر منه عسكرَه خلاءً ... وفرَّق عنه أفواجَ الجنودِ )
( فقلت لهمْ وكم مشؤومِ قَوْمٍ ... أبَادَ لهمْ عَديداً من عدِيدِ )
( رأيتَ ابنَ المعذَّلِ يالَ عمروٍ ... بشُؤمٍ كان أسرعَ في سعيد )
( فمنه موتُ جِلَّةِ آل سَلْمٍ ... ومنه قَضُّ آجامِ البريد )
( ولم ينزل بدارٍ ثم يمسي ... ولمَّا يستمعْ لَطْمَ الخدود )
( وكلُّ مديح قومٍ قال فيهم ... فإنّ بعَقْبه يا عينُ جودي )
( إذا رجلٌ تسمَّع منه مدْحاً ... تنسَّمَ منه رائحةَ الصعيد )
( فلو حَصْفُ الذين يُبِيح فيهمْ ... اثاروا منه رائحة الطريد )
( فليس العزُّ يمنع منه شؤماً ... ولا عَتباً بأبواب الحديد ) - وافر -
حدثني الأخفش قال حدثنا المبرد قال مر أحمد بن المعذل بأخيه عبد الصمد وهو يخطر فأنشأ يقول
( إن هذا يَرَى أُرَى ... أنّه ابن المهلَّب )

( أنت واللّه مُعْجِبٌ ... ولنا غيرُ مُعْجِب ) - مجزوء الخفيف -
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبي وغيره وحدثني به بعض آل المعذل قال مر عبد الصمد ابن المعذل بغلام يقال له المغيرة حسن الصوت حسن الوجه وهو يقرأ ويقول القصائد فأعجب به وقال فيه
( أيها الرافع في المسجد ... بالصَّوتِ العَقِيره )
( قتلَتْنِي عينُك النَّجلاءُ ... والقَتْلُ كبيرهْ )
( أيُّها الحكّام أنتمْ ... فاصِلُو حُكْمِ العشِيرهْ )
( أَحَلاَلاً ما بقلبي ... صَنَعَتْ عينا مُغِيرهْ ) - مجزوء الرمل -

وصفه للحمى
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا زكريا بن مهران بن يحيى قال جاءنا عبد الصمد بن المعذل إلى منزل محمد بن عمر الجرجرائي فأنشدنا قصيدة له في صفة الحمى فقال لي محمد بن عمر امض إلى منزل عبد الصمد حتى تكتبها فمضيت إليه حتى كتبتها وهي
( هجرْتُ الصِّبا أيَّما هَجْرهْ ... وعِفْتُ الغَوانِيَ والخمرهْ )
( طوتْنيَ عن وَصْلِها سكرهْ ... بكأس الضّنا أيَّما سَكرهْ ) - متقارب -
تهاجيه مع أبي تمام
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن يزيد الكاتب قال جمع بين أبي تمام الطائي وبين عبد الصمد بن المعذل مجلس وكان عبد الصمد سريعا في قول الشعر وكان في أبي تمام إبطاء فأخذ عبد الصمد القرطاس وكتب فيه
( أنت بين اثنتين تبرُز للناس ... وكلتاهما بوجهٍ مُذالِ )

( لسْتَ تنفَكُّ طالباً لِوُصْلَةٍ ... من حبيبٍ أو طالباً لِنَوَالِ )
( أيُّ ماءٍ لِحُرِّ وجهك يَبْقى ... بين ذُلِّ الهوى وذل السؤال ) - خفيف -
قال فأخذ أبو تمام القرطاس وخلا طويلا وجاء به وقد كتب فيه
( أفيّ تنظِمُ قولَ الزُّور والفَنَدِ ... وأنت أنْزَرُ من لا شَيءَ في العدد )
( أشرجْتَ قلبك مِن بُغْضي على حُرَقٍ ... كأنَّها حَرَكاتُ الرُّوح في الجسد ) - بسيط -
فقال له عبد الصمد يا ماص بظر أمه يا غث أخبرني عن قولك أنزر من لا شيء وأخبرني عن قولك أشرجت قلبك قلبي مفرش أو عيبة أو حرح فأشرجه عليك لعنة الله فما رأيت أغث منك فانقطع أبو تمام انقطاعا ما يرى أقبح منه وقام وانصرف وما راجعه بحرف
قال أبو الفرج الأصبهاني كان في ابن مهرويه تحامل على أبي تمام لا يضر أبا تمام هذا منه وما أقل ما يقدح مثل هذا في مثل أبي تمام
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني العنزي قال كان عبد الصمد بن المعذل يستثقل رجلا من ولد جعفر بن سليمان بن علي يعرف بالفراش وكان له ابن أثقل منه وكانا يفطران عند المنذر بن عمرو وكان يخلف بعض أمراء البصرة وكان الفراش هذا يصلي به ثم يجلس فيفطر هو وابنه عنده فلما مضى شهر رمضان انقطع ذلك عنهما فقال عبد الصمد بن المعذل
( غَدَرَ الزمان وَلَيْتَهُ لم يَغْدرِ ... وحَدَا بشهر الصوم فِطْرُ المُفْطِرِ )

( وثوَتْ بقلبك يا محمّدُ لوعةٌ ... تَمْرِي بوادرَ دْمعِك المتحدِّر )
( وَتَقَسَّمْتَكَ صبابتان لِبينِهِ ... أسفُ المَشُوق وخَلَّة المتفكر )
( فاستبق عينك واحشُ قلبَكَ يأسه ... واقْرَ السلامَ على خُوان المنْذر )
( سَقْياً لدهرك إذ تَرَوَّحَ يومُه ... والشّمسُ في عَلياءَ لم تتهوّر )
( حتى تُنِيخَ بكلكلٍ متزاورٍ ... وَتُمدَّ بُلعُوما قَمُوصَ الحَنْجَرِ )
( وَتُرود منك على الخِوان أناملٌ ... تَدَع الخوانَ سَرابَ قاعٍ مُقْفرِ )
( وَيْح الصِّحافِ من ابن فَرَّاش إذا ... أنْحَى عليها كالهِزَبْرِ الهَيْصَر )
( ذو دُرْبة طَبٌّ إذا لمعَتْ له ... بُشُرُ الخِوان بَدَا بحَلِّ المئزر )
( ودّ ابنُ فَرّاش وفرّاشٌ معاً ... لو أنَّ شهرَ الصوم مدّةُ أشهر )
( يُزرِي على الإِسلامِ قِلّةَ صبره ... وتراه يحمَد عِدّة الْمُتَنَصِّر )
( لا تَهْلِكنَّ على الصِّيام صبابةً ... سيعود شهرُك قابلاً فاستبشر )
( لا دَرَّ دَرُّك يا محمّدُ من فتى ... شَيْنِ المغيب وغيِر زَيْنِ المَحْضَرِ ) - كامل -
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان حدثني محمد البصري وكان جارا لعبد الصمد بن المعذل قال كان يزيد بن محمد المهلبي يعادي عبد الصمد ويهاجيه ويسابه ويرمي كل واحد منهما صاحبه بالشؤم وكان يزيد بالبصرة وأبوه يتولى نهر تيرى ونواحيها فقال عبد الصمد يهجوه

( أبوك أميُر قريةِ نهر تِيرَى ... ولسْتَ على نسائك بالأميِر )
( وأرزاقُ العباد على إله ... لَهُمْ وعليك أرزاقُ الأيور )
( فكم في رزق ربك من فقيٍر ... وما في أهل رزقك من فقيرِ ) - وافر -
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال حدثني أحمد بن منصور قال شرب علي بن عيسى بن جعفر وهو أمير البصرة الدهن فدخل إليه عبد الصمد بن المعذل بعد خروجه عنه فأنشده قوله
( بأيمنِ طائرٍ وَأَسَرِّ فالِ ... وأعلى رُتبةٍ وأجَلِّ حالِ )
( شربْتَ الدهنَ ثم خرجْتَ عنه ... خروجَ المشرفيِّ من الصقال )
( تَكَشَّفَ عنك ما عانَيْتَ عنه ... كما انكشف الغمامُ عن الهلال )
( وقد أهديْتُ ريحاناً طريفاً ... به حاجيْتُ مستمِعاً سؤالي )
( وما هو غيرَ ياءٍ بعد حاء ... وقد سبقا بميمٍ قبل دال )
( وريحانُ الشباب يعيش يوماً ... وليس يموت ريحانُ المقال )
( ولم يك مؤْثراً تُفّاحَ شمٍّ ... على تفّاح أسماع الرجال ) - وافر -
أخبرني جحظة قال حدثني ميمون بن مهران قال حدثني أحمد بن المغيرة العجلي قال كنت عند أبي سهل الإسكافي وعنده عبد الصمد بن المعذل فرفع إليه رجل رقعة فقرأها فإذا فيها
( هذا الرحيلُ فهل في حاجتي نَظَرُ ... أو لا فَأَعْلَمَ ما آتي وما أذَرُ ) - بسيط -
فدفعها إلى عبد الصمد وقال الجواب عليك فكتب فيها
( النفس تسخو ولكن يمنع العُسُرُ ... والحرُّ يعْذِر من بالعُسْر يعتذر ) - بسيط

ثم قال عبد الصمد لعلي بن سهل هذا الجواب قولا وعليك أعزك الله الجواب فعلا ونجح سعي الآمل حق واجب على مثلك فاستحيا وأمر للرجل بمائة دينار

هجاؤه لابن أخيه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعلي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد الأزدي قال كان لابن المعذل ابن ثقيل تياه شديد الذهاب بنفسه وكان مبغضاً عند أهل البصرة فمر يوما بعمه عبد الصمد فلما رآه قال لمن معه
( إنَّ هذا يَرَى أُرَى ... أنّه ابنُ المهلَّب )
( أنت واللَّهِ مُعْجِبٌ ... ولنا غير مُعْجِب ) - مجزوء الخفيف -
قال وقال فيه أيضا
( لو كان يُعطَى المُنَى الأعمامُ في ابن أخٍ ... أصبحْتَ في جوف قُرقوزٍ إلى الصين )
( قد كان همًّا طويلاً لا يقامُ له ... لو كان رؤيتُنا إياك في الحِينِ )
( فكيفَ بالصَّبر إذْ أصبحْتَ أكثَرَ في ... مجال أعينِنا من رَمْلِ يَبْرينِ )
( يا أبغَضَ النّاسِ في عُسْرٍ ومَيْسَرةٍ ... وأقذَرَ الناس في دُنْيَا وفي دِين )
( لو شاء ربيِّ لأضحَى واهباً لأخي ... بمُرِّ ثُكْلِكَ أَجْراً غيرَ ممنون )
( وكان خيراً له لو كان مؤتزِراً ... في السّالِفات على غُرْمولِ عنِّينِ )
( وقائلٍ ليَ ما أضناكَ قلتُ له ... شخصٌ ترى وَجْهَه عيني فَيُضْنِيني )
( إن القلوبَ لتُطوَى منك يا ابن أخي ... إذا رأتْكَ على مثل السّكاكينِ )

صوت
( أَتَتْكَ العِيسُ تنفُخ في بُراها ... تَكَشَّفُ عن مناكبها القُطُوعُ )
( بأبيضَ مِن أميَّةِ مَضْرحِيٍّ ... كأنَّ جَبِينَهُ سيفٌ صَنيعُ ) - وافر -
الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص والغناء لابن المهربد رمل بالبنصر عن الهشامي والله أعلم

أخبار عبد الرحمن ونسبه
وهو عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه أم أخيه مروان آمنة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن شق ابن رقبة بن مخدج من بني كنانة ويكنى عبد الرحمن أبا مطرف شاعر إسلامي متوسط الحال في شعراء زمانه وكان يهاجي عبد الرحمن بن حسان ابن ثابت فيقاومه وينتصف كل واحد منهما من صاحبه
أخبرني محمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي عن العمري عن العتبي والهيثم بن عدي عن صالح بن حسان
عتابه لمعاوية بعد قدومه عليه
وأخبرني به عمي عن الكراني عن العمري عن الهيثم عن صالح ابن حسان قال قدم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية بن أبي سفيان وقد عزل أخاه مروان عن الحجاز وولى سعيد بن العاص وكان مروان وجه به وقال له القه أمامي فعاتبه لي واستصلحه وقال عمي في خبره كان عبد الرحمن بدمشق فلما بلغه خبر أخيه خرج إليه فتلقاه وقال له أقم حتى أدخل إلى الرجل فإن كان عزلك عن موجدة دخلت إليه منفردا وإن كان عن غير موجدة دخلت إليه مع الناس قال فأقام مروان ومضى عبد الرحمن

أمامه فلما قدم عليه دخل إليه وهو يعشي الناس فأنشأ يقول
( أتتك العِيسُ تنفُحُ في بُرَاها ... تَكَشَّفُ عن مناكبها القُطُوع )
( بأبيضَ من أمَيَّة مَضْرحِيٍّ ... كأنَّ جبيَنُه سَيفٌ صنيعُ ) - وافر -
فقال معاوية أزائرا جئت أم مفاخرا أم مكاثرا فقال أي ذلك شئت فقال له ما أشاء من ذلك شيئا وأراد معاوية أن يقطعه عن كلامه الذي عن له فقال على أي الظهر أتيتنا قال على فرسي قال وما صفته قال أجش هزيم يعرض بقول النجاشي له
( ونجَّى ابنَ حَرْبٍ سابحٌ ذو عُلالة ... أجَشُّ هزيمٌ والرماحُ دَواني )
( إذا خِلْتَ أطرافَ الرِّماح تنالُه ... مَرَتْه به السَّاقانِ والقدمانِ ) - طويل -
فغضب معاوية وقال أما إنه لا يركبه صاحبه في الظلم إلى الريب ولا هو ممن يتسور على جاراته ولا يتوثب على كنائنه بعد هجعة الناس وكان عبد الرحمن يتهم بذلك في امرأة أخيه فخجل عبد الرحمن وقال يا أمير المؤمنين ما حملك على عزل ابن عمك ألجناية أوجبت سخطا أم لرأي رأيته وتدبير استصلحته قال لتدبير استصلحته قال فلا بأس

حذف

بذلك وخرج من عنده فلقي أخاه مروان فأخبره بما جرى بينه وبين معاوية فاستشاط غيظا وقال لعبد الرحمن قبحك الله ما أضعفك أعرضت للرجل بما أغضبه حتى إذا انتصف منك أحجمت عنه ثم لبس حلته وركب فرسه وتقلد سيفه ودخل على معاوية فقال له حين رآه وتبين الغضب في وجهه مرحبا بأبي عبد الملك لقد زرتنا عند اشتياق منا إليك قال لاها الله ما زرتك لذلك ولا قدمت عليك فألفيتك إلا عاقا قاطعا والله ما أنصفتنا ولاجزيتنا جزاءنا لقد كانت السابقة من بني عبد شمس لآل أبي العاص والصهر برسول الله لهم والخلافة فيهم فوصلوكم يا بني حرب وشرفوكم وولوكم فما عزلوكم ولا آثروا عليكم حتى إذا وليتم وأفضى الأمرإليكم أبيتم إلا أثرة وسوء صنيعة وقبح قطيعة فرويدا رويدا قد بلغ بنو الحكم وبنو بنيه نيفا وعشرين وإنما هي أيام قلائل حتى يكملوا أربعين ويعلم امرؤ أين يكون منهم حينئذ ثم هم للجزاء بالحسنى وبالسوء بالمرصاد
قال عمي في خبره فقال له معاوية عزلتك لثلاث لو لم يكن منهن إلا واحدة لأوجبت عزلك إحداهن إني أمرتك على عبد الله بن عامر وبينكما ما بينكما فلم تستطع أن تشتفي منه والثانية كراهتك لأمر زياد والثالثة أن ابنتي رملة استعدتك على زوجها عمرو بن عثمان فلم تعدها فقال له مروان أما ابن عامر فإني لا أنتصر في سلطاني ولكن إذا تساوت الأقدام علم أين موقعه وأما كراهتي أمر زياد فإن سائر بني أمية كرهوه ثم جعل الله لنا في ذلك الكره خيرا كثيرا وأما استعداء رملة على عمرو فوالله إني لتأتي علي سنة أو أكثر وعندي بنت عثمان فما أكشف لها ثوبا يعرض بأن رملة إنما تستعدي عليه طلبا للنكاح فقال له معاوية يا بن الوزغ لست هناك

فقال له مروان هو ذاك الآن والله إني لأبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة وقد كاد ولدي أن يكملوا العدة يعني أربعين ولو قد بلغوها لعلمت أين تقع مني فانخزل معاوية ثم قال
( فإن أَكُ في شرارِكُمُ قليلاً ... فإنِّي في خياركُمُ كثيرُ )
( بُغاثُ الطَّير أكثرُها فِراخاً ... وأمُّ الصَّقرِ مِقْلاتٌ نزورُ ) - وافر -
قال فما فرغ مروان من كلامه حتى استخذى معاوية في يده وخضع له وقال لك العتبي وأنا رادك إلى عملك فوثب مروان وقال له كلا والله وعيشك لا رأيتني عائدا إليه أبدا وخرج فقال الأحنف لمعاوية ما رأيت لك قط سقطة مثلها ما هذا الخضوع لمروان وأي شيء يكون منه ومن بني أبيه إذا بلغوا أربعين وأي شيء تخشاه منهم فقال له أدن مني أخبرك بذلك فدنا منه فقال له إن الحكم بن أبي العاص كان أحد من وفد مع أختي أم حبيبة لما زفت إلى النبي وهو الذي تولى نقلها إليه فجعل رسول الله يحد النظر إليه فلما خرج من عنده قيل له يا رسول الله لقد أحددت النظر إلى الحكم فقال ابن المخزومية ذلك رجل إذا بلغ ولده ثلاثين أو قال أربعين ملكوا الأمر بعدي فوالله لقد تلقاها مروان من عين صافية فقال له الأحنف لا يسمعن هذا أحد منك فإنك تضع من قدرك وقدر ولدك بعدك وإن يقض الله عز و جل أمرا يكن فقال له معاوية فاكتمها علي يا أبا بحر إذاً فقد لعمري صدقت ونصحت

اخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم الطلحي قال حدثني ثمال عن أيوب بن درباس ابن دجاجة قال
شخص مروان بن الحكم ومعه أخوه عبد الرحمن إلى معاوية ثم ذكر نحوا من الحديث الأول ولم يذكر فيه مخاطبة معاوية في أمرهم للأحنف وزاد فيه فقال عبد الرحمن في ذلك
( أتَقطُر آفاقُ السماءِ له دماً ... إذا قيل هذا الطَّرْفُ أَجْرَدُ سابحُ )
( فحتَّى متَّى لا نَرفع الطَّرْفَ ذِلَّةً ... وحتَّى متى تَعْيا عليك المنادِح ) - طويل -

بكاؤه حين رأى رأس الحسين
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعيد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال كان عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي عند يزيد بن معاوية وقد بعث إليه عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليهما السلام فلما وضع بين يدي يزيد في الطشت بكى عبد الرحمن ثم قال
( أبلغْ أميرَ المؤمنين فلا تكُنْ ... كَمُوْتِرِ أقواسٍ وليس لها نَبْل )
( لَهَامٌ بجنب الطَّفِّ أدنى قرابةً ... مِن ابن زيادِ الوغْدِ ذي الحسب الرَّذْل )

( سُمَيّةُ أمسَى نسلُها عَدَدَ الحصى ... وبنتُ رسولِ اللَّه ليس لها نَسْلُ ) - طويل -
فصاح به يزيد اسكت يا ابن الحمقاء وما أنت وهذا
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن معروف قال حدثنا بشر بن السري قال حدثنا عمر بن سعيد عن أبي مليكة قال رأيتهم يعني بني أمية يتتايعون نحو ابن عباس حين نفى ابن الزبير بني أمية عن الحجاز فذهبت معهم وأنا غلام فلقينا رجلا خارجا من عنده فدخلنا عليه فقال له عبيد بن عمير مالي أراك تذرف عيناك فقال له إن هذا يعني عبد الرحمن بن الحكم قال بيتا أبكاني وهو
( وما كنت أخشَى أن تَرى الذُّلَّ نِسْوتي ... وعَبْدُ مُنافٍ لم تَغُلْها الغوائلُ ) - طويل -
فذكر قرابة بيننا وبين بني عمنا بني أمية وإنا إنما كنا أهل بيت واحد في الجاهلية حتى جاء الإسلام فدخل الشيطان بيننا أيما دخل
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم قال حدثني أخي عباس أن عبد الرحمن بن الحكم كان يولع بجارية لأخيه مروان يقال لها شنباء ويهيم بمحبتها فبلغ ذلك مروان فشتمه وتوعده وتحفظ منه في أمر الجارية وحجبها فقال فيها عبد الرحمن
( لعَمْرُ أبي شَنْباء إنِّي بذِكرها ... وإن شَحَطَتْ دارٌ بها لَحَقِيقُ )
( وإني لها لا ينزع اللَّه ما لها ... عليّ وإن لم تَرْعه لصدِيقُ )
( ولمّا ذَكَرْتُ الوصلَ قالت وأعرَضَتْ ... متى أنت عن هذا الحديث مُفِيقُ ) - طويل

غضب معاوية عليه
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا الخليل بن أسد عن العمري ولم أسمعه من العمري عن الهيثم بن عدي قال لما ادعى معاوية زيادا قال عبد الرحمن بن الحكم في ذلك والناس ينسبونها إلى ابن مفرغ لكثرة هجائه إلى زياد وذلك غلط قال
( ألا أَبْلغ معاويةَ بنَ حربٍ ... مُغَلغَلةً من الرجُل الهِجانِ )
( أتغضبُ أن يقالَ أبوك عفٌّ ... وترضَى أن يقاَل أبوك زانِ )
( فأشهَدُ أنَّ رِحْمَكَ من زِيادٍ ... كرِحْمِ الفيلِ من وَلَدِ الأتانِ )
( وأشهدُ أنَّها ولدَتْ زِياداً ... وصخرٌ من سُمَيَّةَ غيرُ دانِي ) - وافر -
فبلغ ذلك معاوية بن حرب فحلف ألا يرضى عن عبد الرحمن حتى يرضى عنه زياد فخرج عبد الرحمن إلى زياد فلما دخل عليه قال له إيه يا عبد الرحمن أنت القائل

( ألا أبلِغْ معاويةَ بنَ حربٍ ... مُغَلغَلةً من الرجُل الهِجانِ )
قال لا أيها الأمير ما هكذا قلت ولكني قلت
( ألا من مُبْلغٌ عني زِياداً ... مُغَلغَلةً من الرّجُلِ الهجان )
( مِن ابن القَرْم قَرْم بني قُصَيِّ ... أبي العاصي بنِ آمنةَ الحَصانِ )
( حلفْتُ بربِّ مكّةَ والمصلَّى ... وبالتَّوراة أحلفُ والقُرانِ )
( لأنت زيادةٌ في آل حرب ... أحبُّ إليَّ من وُسْطَى بنانِي )
( سُرِرْتُ بقُربه وفرِحْتُ لمّا ... أتاني اللَّه منهُ بِالبيانِ )
( وقلتُ له أخو ثقةٍ وعمٌّ ... بعون اللَّه في هذا الزمانِ )
( كذاك أراكَ والأهواءُ شتَّى ... فما أدري بغَيْبٍ ما ترانِي ) - وافر -
فرضي عنه زياد وكتب له بذلك إلى معاوية فلما دخل عليه بالكتاب قال أنشدني ما قلت لزياد فأنشده فتبسم ثم قال قبح الله زيادا ما أجهله والله لما قلت له أخيرا حيث تقول
( لأَنْتَ زيادةٌ في آل حرب ... )
شر من القول الأول ولكنك خدعته فجازت خديعتك عليه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال استعمل معاوية بن أبي سفيان الحارث بن الحكم بن أبي العاصي على غزاة البحر فنكص واستعفى فوجه مكانه ابن أخيه عبد الملك بن مروان فمضى وأبلى وحسن بلاؤه فقال عبد الرحمن بن الحكم لأخيه الحارث
( شَنِئتُك إذ رأيتك حَوْتَكِيّا ... قريبَ الخُصْيَتَيْن من الترابِ )

( كأنّك قملةٌ لَقِحَت كِشافاً ... لبُرغوثٍ ببعرةٍ أو صُؤابِ )
( كفاكَ الغزو إذا أحجَمْتَ عنه ... حديثُ السن مُقَتَبلُ الشَّبابِ )
( فليتك حَيْضَةٌ ذهبَتْ ضلالاً ... وليتَكَ عند مُنقَطَع السَّحابِ ) - وافر -
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال لطم عبد الرحمن بن الحكم مولى لأهل المدينة حناطا وأخوه مروان يومئذ وال لأهل المدينة فاستعداه الحناط عليه فأجلسه مروان بين يديه وقال له الطمه وهو أخو مروان لأبيه وأمه فقال الحناط والله ما أردت هذا وإنما أردت أن أعلمه أن فوقه سلطانا ينصرني عليه وقد وهبتها لك قال لست أقبلها منك فخذ حقك فقال والله لا ألطمه ولكني أهبها لك فقال له مروان إن كنت ترى أن ذلك يسخطني فوالله لا أسخط فخذ حقك فقال قد وهبتها لك ولست والله لا طمه قال لست والله قابلها فإن وهبتها فهبها لمن لطمك أو لله عز وعلا فقال قد وهبتها لله تعالى فقال عبد الرحمن يهجو أخاه مروان
( كلُّ ابنِ أمٍ زائدٌ غير ناقصٍ ... وأنت ابنُ أمٍّ ناقصٌ غير زائدِ )
( وهبْتُ نصيبي منك يامرْوَ كلَّه ... لعَمْروٍ وعثمانَ الطّويلِ وخالِدِ ) - طويل -

رثاؤه لقتلى قريش يوم الجمل
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال نظر عبد الرحمن بن الحكم إلى قتلى قريش يوم الجمل فبكى وأنشأ يقول

( أيا عينُ جُودِي بدَمْعٍ سَرَبْ ... على فِتيةٍ من خِيار العربْ )
( وما ضَرَّهم غيرَ حَيْنِ النّفوس ... أيُّ أميرَيْ قريشٍ غَلَبْ ) - متقارب -
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني المدائني عن شيخ من أهل مكة قال
عرض معاوية على عبد الرحمن بن الحكم خيله فمر به فرس فقال له كيف تراه فقال هذا سابح ثم عرض عليه آخر فقال هذا ذو علالة ثم مر به آخر فقال وهذا أجش هزيم فقال له معاوية قد علمت ما أردت إنما عرضت بقول النجاشي في
( ونجَّى ابنَ حَرْبٍ سابحٌ ذو عُلالةٍ ... أجشُّ هَزيمٌ والرماحُ دوانِي )
( سَليمُ الشَّظى عَبْلُ الشَّوَى شَنِجُ النَّسا ... كَسِيدِ الغَضَى باقٍ على النَّسَلانِ ) - طويل -
أخرج عني فلا تساكني في بلد فلقي عبد الرحمن أخاه مروان فشكا إليه معاوية وقال له عبد الرحمن وحتى متى نستذل ونضام فقال له مروان هذا عملك بنفسك فأنشأ يقول
( أتَقطُرُ آفاقُ السَّماءِ لنا دماً ... إذا قُلْتُ هذا الطِّرْفُ أجْرَدُ سابحُ )

( فحتِّى متى لا نَرفع الطّرْفَ ذِلّةً ... وحَتَّى متى تَعيا عليك المنادح ) - طويل -
فدخل مروان على معاوية فقال له مروان حتى متى هذا الاستخفاف بآل أبي العاصي أما والله إنك لتعلم قول النبي وآله فينا ولقل ما بقي من الأجل فضحك معاوية وقال لقد عفوت لك عنه يا أبا عبد الملك والله أعلم بالصواب

صوت
( قولاَ لقائِلَ ما تَقضِينَ في رجُلٍ ... يَهوى هواكِ وما جَنّبْتهِ اجتَنَبا )
( يُمسِي معي جَسدِي والقلبُ عندكُمُ ... فَما يعيشُ إذا ما قَلْبُه ذَهَبا ) - بسيط -
الشعر لمسعدة بن البختري والغناء لعبادل ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لعريب ثقيل أول آخر عن ابن المعتز ولها فيه أيضا خفيف رمل عنه

أخبار مسعدة ونسبه
هو مسعدة بن البختري بن المغيرة بن أبي صفرة بن أخي المهلب بن أبي صفرة وقد مضى نسبه متقدما في نسب يزيد بن محمد المهلبي وابن أبي عيينة وغيرهما
وهذا الشعر يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي وكان يهواها
أخبرني بخبره في ذلك أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عيسى بن إسماعيل تينة عن القحذمي قال كان مسعدة بن البختري بن المغيرة بن أبي صفرة يشبب بنائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي أحد بني أسيد ابن عمرو بن تميم وكان أبوها سيدا شريفا وكان على شرط العراق من قبل الحجاج وفيها يقول
( أنائلَ إنَّني سَلْمٌ ... لأهلِكِ فاقبلي سَلْمِي ) - مجزوء الوافر -
قال القحذمي وأم نائلة هذه عاتكة بنت الفرات بن معاوية البكائي وأمها الملاءة بنت زرارة بن أوفى الجرشية وكان أبوها فقيها محدثا من التابعين وقد شبب الفرزدق بالملاءة وبعاتكة ابنتها
قصة الملاءة وابنتها عاتكة
قال عيسى فحدثني محمد بن سلام قال لا أعلم أن امرأة شبب بها

وبأمها وجدتها غير نائلة فأما نائلة فقد ذكر ما قال فيها مسعدة وأما عاتكة فإن يزيد بن المهلب تزوجها فقتل عنها يوم العقر وفيها يقول الفرزدق طويل
( إذا ما المَزُونِّيات أصبَحْنَ حُسَّراً ... وبَكَّيْنَ أشلاءً على غير نائل )
( فكم طالبٍ بنتَ المُلاءةِ إنَّها ... تَذَكَّرُ رَيْعانَ الشّبابِ المزايِلِ )
وفي الملاءة أمها يقول الفرزدق بسيط
( كم للمُلالاءةِ من طَيْفٍ يؤرِّقني ... إذا تَجرْثَمَ هادِي الليل واعتكرا )
أخبرني الحرمي بن العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال خرجت عاتكة بنت الملاءة إلى بعض بوادي البصرة فلقيت بدويا معه سمن فقالت له أتبيع هذا السمن فقال نعم قالت أرناه ففتح نحيا فنظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه وقالت افتح آخر ففتح فتظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه فلما شغلت يديه أمرت جواريها فجعلن يركلن في استه وجعلت تنادي يا لثارات ذات النحيين
قال الزبير تعني ما صنع بذات النحيين في الجاهلية فإن رجلا يقال له خوات بن جبير رأى رأى امرأة معها بحيا سمن فقال أرني هذا ففتحت له إحدى النحيين فنظر إليه ثم قال أريني الآخر ففتحته ثم دفعه

فلما شغل يديها وقع عليها فلا تقدر على الامتناع خوفا من أن يذهب السمن فضربت العرب المثل بها وقالت أشغل من ذات النحيين فأرادت عاتكة بنت الملاءة أن هذا لم يفعله أحد من النساء برجل كما يفعله الرجل بالمرأة غيرها وأنها ثأرت للنساء ثأرهن من الرجال بما فعلته

الملاءة وعمر بن أبي ربيعة
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن الزبير والمسيبي ومحمد بن سلام وغيرهم من رجاله أن الملاءة بنت زرارة لقيت عمر بن أبي ربيعة بمكة وحوله جماعة ينشدهم فقالت لجارية من هذا قالت عمر بن أبي ربيعة المتنقل من منزله من ذات وداد إلى أخرى الذي لم يدم على وصل ولا لقوله فرع ولا أصل أما والله لو كنت كبعض من يواصل لما رضيت منه بما ترضين وما رأيت أدنا من نساء أهل الحجاز ولا أقر منهن بخسف والله لأمة من إمائنا آنف منهن فبلغ ذلك عمر عنها فراسلها فراسلته فقال
( حَيِّ المنازل قد عَمِرْنَ خرابا ... بين الجُرَيْنِ وبين رُكْنِ كُسابا )
( بالثِّنْي من مَلِكَانَ غَيَّر رَسمها ... مَرُّ السحابِ المُعقِباتِ سحابا )

( وذيولُ مُعصِفةِ الرّياح تجرُّها ... دُقَقا فَأَصْبَحَتِ العِراصُ يبابا )
( ولقد أُراها مَرّةً مأهولةً ... حَسَناً جَنابُ مَحلِّها مِعشابا )
( دارُ التي قالتْ غداةَ لقيتُها ... عند الجِمار فما عَيِيتُ جوابا )
( هذا الذي باعَ الصَّديقَ بغيره ... ويريد أن أرضَى بذاك ثوابا )
( قلت اسمعي منِّي المَقالَ ومَن يُطعْ ... بصديقه المتملِّقَ الكَذّابا )
( وتكنْ لديه حبالُه أُنْشوطةً ... في غير شيءٍ يقطع الأسبابا )
( إن كنْتِ حاولْتِ العتاب لتعلمي ... ما عندنا فلقد أطلْتِ عتابا )
( أو كان ذلك للبِعاد فإنّه ... يكفيكِ ضرْبُكِ دونك الجِلْبابا )
( وأرى بوجهك شَرْقَ نُورٍ بيّنٍ ... وبوجهِ غيِرك طَخْيةً وضبابا ) - كامل -

صوت
( أسعِداني يا نخلَتَيْ حُلوانِ ... وارِثيا لي من رَيْبِ هذا الزمانِ )

( واعلما أنَّ رَيْبَهُ لم يزل يَفْرُقُ ... بين الأُلاَّفِ والجيران )
( أَسْعِداني وأَيْقِنَا أنَّ نَحْساً ... سوف يلقاكما فتفترقانِ )
( ولَعمرِي لو ذُقتما ألَمَ الفُرْقَةِ ... أبكاكُما كما أبكاني )
( كم رمَتْني به صروفُ الليالي ... من فراق الأحبابِ والخُلاَّن ) - خفيف -
الشعر لمطيع بن أياس والغناء لحكم الوادي هزج بالوسطى عن عمرو والهشامي

أخبار مطيع بن إياس ونسبه
هو مطيع بن إياس الكناني ذكر الزبير بن بكار أنه من بني الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وذكر إسحاق الموصلي عن سعيد بن سلم أنه من بني ليث بن بكر والديل وليث أخوان لأب وأم أمهما أم خارجة واسمها عمرة بنت سعد بن عبد الله بن قراد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث ابن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وهي التي يضرب بها المثل فيقال أسرع من نكاح أم خارجة وقد ولدت عدة بطون من العرب حتى لو قال قائل إنه لا يكاد يتخلص من ولادتها كبير أحد منهم لكان مقاربا فممن ولدت الديل وليث والحارث وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وغاضرة بن مالك

ابن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة والعنبر وأسيد والهجيم بنو عمرو بن تميم وخارجة بن يشكر وبه كانت تكنى ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن مزيقيا وهو أبو المصطلق
قال النسابون بلغ من سرعة نكاحها أن الخاطب كان يأتيها فيقول لها خطب فتقول له نكح
وزعموا أن بعض أزواجها طلقها فرحل بها ابن لها عن حيه إلى حيها فلقيها راكب فلما تبينته قالت لابنها هذا خاطب لي لا شك فيه أفتراه يعجلني أن أنزل عن بعيري فجعل ابنها يسبها
ولا أعلم أني وجدت نسب مطيع متصلا إلى كنانة في رواية أحد إلا في حديث أنا ذاكره فإن راويه ذكر أن أبا قرعة الكناني جد مطيع فلا أعلم أهو جده الأدنى فأصل نسبه به أم هو بعيد منه فذكرت الخبر على حاله

تشاحن ابن الزبير وجد مطيع
أخبرني به عيسى بن الحسن الوراق قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري وأبو فراس عمي جميعا عن شراحيل بن فراس أن أبا قرعة الكناني واسمه سلمى بن نوفل قال وهو جد مطيع بن إياس الشاعر كانت بينه وبين ابن الزبير قبل أن يلي مقارضة فدخل سلمى وابن الزبير يخطب الناس وكان منه رجلا فرماه ابن الزبير ببصره حتى جلس فلما انصرف من المجلس دعا حرسيا فقال امض إلى موضع كذا وكذا من المسجد فادع لي سلمى بن نوفل فمضى فأتاه به فقال له

الزبير إيها أيها الضب فقال إني لست بالضب ولكن الضب بالضمر من صخر قال إيها أيها الذيخ قال إن أحدا لم يبلغ سني وسنك إلا سمي ذيخا قال إنك لها هنا يا عاض بظر أمه قال أعيذك بالله أن يتحدث العرب أن الشيطان نطق على فيك بما تنطق به الأمة السفلة وايم الله ما ها هنا داد أريده على المجلس أحد إلا قد كانت أمه كذلك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه قال كان إياس بن مسلم أبو مطيع بن إياس شاعرا وكان قد وفد إلى نصر بن سيار بخراسان فقال فيه
( إذا ما نِعالِي من خُراسانَ أقبلتْ ... وجاوزْتُ منها مَخْرَماً ثم مَخْرما )
( ذَكَرْتُ الذي أوليتَنِي ونَشَرْتُه ... فإنْ شئْتَ فاجعلني لشُكرِكَ سُلَّما ) - طويل -
فأما نسب أبي قرعة هذا فإنه سلمى بن نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يحمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة ذكر ذلك المدائني وكان سلمى بن نوفل جوادا وفيه يقول الشاعر
( يُسَوَّدُ أقوامٌ وليسوا بسادةٍ ... بل السيِّد الميمونُ سلمى بن نوفلِ ) - طويل

رجع الخبر إلى سياقة نسب مطيع بن إياس وأخباره
وهو شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية وليس من فحول الشعراء في تلك ولكنه كان ظريفا خليعا حلو العشرة مليح النادرة ماجنا متهما في دينه بالزندقة ويكنى أبا سلمى ومولده ومنشؤه الكوفة وكان أبوه من أهل فلسطين الذين أمد بهم عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف في وقت قتاله ابن الزبير وابن الأشعث فأقام بالكوفة وتزوج بها فولد له مطيع
صلته بالخلفاء واعجاب الوليد بن يزيد به
أخبرني بذلك الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وكان منقطعا إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك ومتصرفا بعده في دولتهم ومع أوليائهم وعمالهم وأقاربهم لا يكسد عند أحد منهم ثم انقطع في الدولة العباسية إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور فكان معه حتى مات ولم أسمع له مع أحد منهم خبرا إلا حكاية بوفوده على سليمان بن علي وأنه ولاه عملا وأحسبه مات في تلك الأيام
حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثني محمد بن سعد الكراني عن العمري عن العتبي عن أبيه قال قدم البصرة علينا شيخ من أهل الكوفة لم أر قط أظرف لسانا ولا أحلى حديثا منه وكان يحدثني عن مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحماد الراوية وظرفاء الكوفة بأشياء من أعاجيبهم وطرفهم فلم يكن يحدث عن أحد بأحسن مما كان يحدثني عن مطيع بن إياس فقلت له كنت والله أشتهي أن أرى مطيعا فقال والله لو رأيته للقيت منه بلاء عظيما قال قلت وأي بلاء ألقاه من رجل أراه قلت كنت ترى رجلا يصبر عنه العاقل إذا رآه ولا يصحبه أحد إلا افتضح به
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري عن

محمد بن حبيب قال سألت رجلا من أهل الكوفة كان يصحب مطيع بن إياس عنه فقال لا ترد أن تسألني عنه قلت ولم ذاك قال وما سؤالك إياي عن رجل كان إذا حضر ملكك وإذا غاب عنك شاقك وإذا عرفت بصحبته فضحك
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن عمرو قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد عن محمد بن جبير عن عبد الله بن العباس الربيعي قال حدثني إبراهيم بن المهدي قال قال لي جعفر بن يحيى ذكر حكم الوادي أنه غنى الوليد بن يزيد ذات ليلة وهو غلام حديث السن فقال
( إكليلُها ألوانُ ... ووجْهُها فَتّانُ )
( وخالهُها فريدٌ ... ليس لها جِيرانُ )
( إذا مشَتْ تثنَّتْ ... كأنّها ثعْبانُ ) - مجزوء الرجز -
فطرب حتى زحف عن مجلسه إلي وقال أعد فديتك بحياتي فأعدته حتى صحل صوتي فقال لي ويحك من يقول هذا فقلت عبد لك يا أمير المؤمنين أرضاه لخدمتك فقال ومن هو فديتك فقلت مطيع بن إياس الكناني فقال وأين محله قلت الكوفة فأمر أن يحمل إليه على البريد فحمل إليه فما أشعر يوما إلا برسوله قد جاءني فدخلت إليه ومطيع بن إياس واقف بين يديه وفي يد الوليد طاس من ذهب يشرب به فقال له غن هذا الصوت يا وادي فغنيته إياه فشرب عليه ثم قال لمطيع من يقول هذا الشعر قال عبدك أنا يا أمير المؤمنين فقال له ادن مني فدنا

منه فضمه الوليد وقبل فاه وبين عينيه وقبل مطيع رجله والأرض بين يديه ثم أدناه منه حتى جلس أقرب المجالس إليه ثم تم يومه فاصطبح أسبوعا متوالي الأيام على هذا الصوت
لحن هذا الصوت هزج مطلق في مجرى البنصر والصنعة لحكم وقد حدثني بخبره هذا مع الوليد جماعة على غير هذه الرواية ولم يذكروا فيها حضور مطيع
حدثني به أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال بلغني عن حكم الوادي وأخبرني الحسن بن يحيى ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أحمد بن يحيى المكي عن أمه عن حكم الوادي قال وفدت على الوليد بن يزيد مع المغنين فخرج يوما إلينا وهو راكب على حمار وعليه دراعة وشي وبيده عقد جوهر وبين يديه كيس فيه ألف دينار فقال من غناني فأطربني فله ما علي وما معي فغنوه فلم يطرب فاندفعت وأنا يومئذ أصغرهم سنا فغنيته
( إكليلها ألوانُ ... ووجهُها فَتّانُ )
( وخالهُها فريدٌ ... ليس له جيرانُ )
( إذا مشَتْ تثنَّتْ ... كأنًّها ثعْبانُ ) - مجزوء الرجز -
فرمى إليه بما معه من المال والجوهر ثم دخل فلم يلبث أن خرج إلي رسوله بما عليه من الثياب والحمار الذي كان تحته
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال كان مطيع ابن إياس ويحيى بن زياد الحارثي وابن المقفع ووالبة بن الحباب يتنادمون ولا يفترقون ولا يستأثر أحدهم على صاحبه بمال

ولا ملك وكانوا جميعا يرمون بالزندقة

صلته بعبد الله بن معاوية
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمومته أن مطيع بن إياس وعمارة بن حمزة من بني هاشم وكانا مرميين بالزندقة نزعا إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب لما خرج في آخر دولة بني أمية وأول ظهور الدولة العباسية بخراسان وكان ظهر على نواح من الجبل منها أصبهان وقم ونهاوند فكان مطيع وعمارة ينادمانه ولا يفارقانه
قال النوفلي فحدثني إبراهيم بن يزيد بن الخشك قال دخل مطيع بن إياس على عبد الله بن معاوية يوما وغلام واقف على رأسه يذب عنه بمنديل ولم يكن في ذلك الوقت مذاب إنما المذاب عباسية قال وكان الغلام الذي يذب أمرد حسن الصورة يروق عين الناظر فلما نظر مطيع إلى الغلام كاد عقله يذهب وجعل يكلم ابن معاوية ويلجلج فقال
( إنِّي وما أعْمَلَ الحجيجُ له ... أخشى مُطيعَ الهوى على فرج )
( أخشَى عليه مُغامِساَ مَرِساً ... ليس بذي رِقْبةٍ ولا حَرَج ) - منسرح -
أخبرني أحمد بن عبيد الله قال حدثنا علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي عن عمه عيسى قال كان لابن معاوية صاحب شرطة يقال له قيس بن عيلان العنسي النوفلي وعيلان اسم أبيه وكان شيخا كبيرا دهريا لا يؤمن بالله وكان إذا عس لم يبق أحد إلا قتله فأقبل يوما فنظر إليه ابن معاوية

ومعه عمارة بن حمزة ومطيع بن إياس قال
( إنَّ قيْساً وإنْ تَقَنَّع شيباً ... لَخَبِيثُ الهَوَى على شَمَطِهْ )
أجز يا عمارة فقال
( إبْنُ سبعينَ منظراً ومَشِيباً ... وابنُ عَشْرٍ يُعَدُّ في سَقْطِهْ )
فأقبل على مطيع فقال أجز فقال
( وله شُرطةٌ إذا جَنّه الليلُ ... فعُوذوا باللَّه من شُرَطِهْ ) - خفيف -
قال النوفلي وكان مطيع فيما بلغني مأبونا فدخل عليه قومه فلاموه على فعله وقالوا له أنت في أدبك وشرفك وسؤددك وشرفك ترمى بهذه الفاحشة القذرة فلو أقصرت عنها فقال جربوه أنتم ثم دعوا إن كنتم صادقين فانصرفوا عنه وقالوا قبح الله فعلك وعذرك وما استقبلتنا به

ما حدث بينه وبين ظبية الوادي وهجاؤه حمادا
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا حماد عن أخيه عن النضر بن حديد قال أخبرني أبو عبد الملك المرواني قال حدثني مطيع بن إياس قال قال لي حماد عجرد هل لك في أن أريك خشة صديقي وهي المعروفة بظبية الوادي قلت نعم قال إنك إن قعدت عنها وخبثت عينك في النظر أفسدتها علي فقلت لا والله لا أتكلم بكلمة تسوؤك ولأسرنك فمضى وقال والله لا أتكلم لئن خالفت ما قلت لأخرجنك قال قلت إن خالفت ما تكره

فاصنع بي ما أحببت قال امض بنا فأدخلني على أظرف خلق الله وأحسنهم وجها فلما رأيتها أخذني الزمع وفطن لي فقال أسكن يا ابن الزانية فسكنت قليلا فلحظتني ولحظتها أخرى فغضب ووضع قلنسيته عن رأسه وكانت صلعته حمراء كأنها است قرد فلما وضعها وجدت للكلام موضعا فقلت
( وَارِ السَّوأَة السوآءَ ... يا حَمَّادُ عن خُشَّهْ )
( عن الأُتْرُجَّةِ الغَضّةِ ... والتفاحةِ الهشَّهْ ) - مجزوء الوافر -
فالتفت إلي وقال فعلتها يا ابن الزانية فقالت له أحسن والله ما بلغ صفتك بعد فما تريد منه فقال لها يا زانية فقالت له الزانية أمك وثاورته وثاورها فشقت قميصه وبصقت في وجهه وقالت له ما تصادقك وتدع مثل هذا إلا زانية وخرجنا وقد لقي كل بلاء وقال لي ألم أقل لك يا ابن الزانية إنك ستفسد علي مجلسي فأمسكت عن جوابه وجعل يهجوني ويسبني ويشكوني إلى أصحابنا فقالوا لي أهجه ودعنا وإياه فقلت فيه
( ألا يا ظبيةَ الوادي ... وذاتِ الجسد الرادِ )
( وزيْنَ المِصْر والدّارِ ... وزيْنَ الحيِّ والنادي )
( وذاتَ المَبْسِم العَذْبِ ... وذاتَ المِيسَم البادي )

( أمَا باللَّه تستحْيِيْ ... ن من خُلَّة حَمّاد )
( فحمّادٌ فتىً ليس ... بذي عِزٍّ فتَنْقادِي )
( ولا مالٍ ولا عزٍّ ... ولا حَظٍّ لمرتاد )
( فتُوبِي واتَّقي اللَّهَ ... وَبُتِّي حَبْلَ جَرّاد )
( فقد مُيِّزْتِ بالحسن ... عن الخَلْق بإفراد )
( وهذا البيْنُ قد حُمَّ ... فُجودي منكِ بالزّادِ ) - مجزوء الوافر -
في الأول والثاني والسابع والثامن من هذه الأبيات لحكم الوادي رمل
قال فأخذ أصحابنا رقاعا فكتبوا الأبيات فيها وألقوها في الطريق وخرجت أنا فلم أدخل إليهم ذلك اليوم فلما رآها وقرأها قال لهم يا أولاد الزنا فعلها ابن الزانية وساعدتموه علي
قال وأخذها حكم الوادي فغنى فيها فلم يبق بالكوفة سقاء ولا طحان ولا مكار إلا غنى فيها ثم غنيت مدة وقدمت فأتاني فما سلم علي حتى قال لي يا ابن الزانية ويلك أما رحمتني من قولك لها
( أمَا باللَّه تستحْيِيْنَ ... من خُلَّة حمّادِ )
بالله قتلتني قتلك الله والله ما كلمتني حتى الساعة قال قلت اللهم أدم هجرها له وسوء آرائها فيه وآسفه عليها وأغره بها فشتمني ساعة قال مطيع ثم قلت له قم بنا حتى أمضي بك فأريك أختي قال مطيع فمضينا فلما خرجت إلينا دعوت قيمة لها فأسررت إليها في أن تصلح لنا طعاما

وشرابا وعرفتها أن الذي معي حماد فضحكت ثم أخذت صاحبتي في الغناء وقد علمت بموضعه وعرفته فكان أول صوت غنت
( أمَا باللَّه تستحْيِيْنَ ... من خُلَّة حَمّادِ )
فقال لها يا زانية وأقبل علي فقال لي وأنت يا زاني يا ابن الزانية وشاتمته صاحبتي ساعة ثم قامت فدخلت وجعل يتغيظ علي فقلت أنت ترى أني أمرتها أن تغني بما غنت قال أرى ذلك وأظنه ظنا لا والله ولكني أتيقنه فحلفت له بالطلاق على بطلان ظنه فقالت وكيف هذا فقلت أراد أن يفسد هذا المجلس من أفسد ذلك المجلس فقالت قد والله فعل وانصرفنا
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن رجل من أصحابه قال
قال يحيى بن زياد الحارثي لمطيع بن إياس انطلق بنا إلى فلانة صديقتي فإن بيني وبينها مغاضبة لتصلح بيننا وبئس المصلح أنت فدخلا إليها فأقبلا يتعاتبان ومطيع ساكت حتى إذا أكثر قال يحيى لمطيع ما يسكتك أسكت الله نأمتك فقال لها مطيع
( أنتِ مُعتَلَّة عليه ومازال ... مُهِيناً لنفسه في رضاكِ ) - خفيف -
فأعجب يحيى ما سمع وهش له مطيع
( فدَعِيه وواصلي ابنَ إياسٍ ... جُعِلتْ نفسيَ الغداةَ فِداكِ )
فقام يحيى إليه بوسادة في البيت فما زال يجلد بها رأسه ويقول ألهذا جئت بك يا ابن الزانية ومطيع يغوث حتى مل يحيى والجارية تضحك

منهما ثم تركه وقد سدر
حدثني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال مرض حماد عجرد فعاده أصدقاؤه جميعا إلا مطيع بن إياس وكان خاصة به فكتب إليه حماد
( كفاكَ عيادتي مَن كان يرجو ... ثَوابَ اللَّه في صِلة المريضِ )
( فإن تُحدِثْ لك الأيامُ سُقْماً ... يَحُولُ جريضُه دونَ القريض )
( يكن طولُ التأوُّهِ منك عندي ... بمنزلة الطَّنِينِ من البعوض ) - وافر -
أخبرني محمد بن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه قال قدم مطيع بن إياس من سفر فقدم بالرغائب فاجتمع هو وحماد عجرد بصديقته ظبية الوادي وكان عجرد على الخروج مع محمد بن أبي العباس إلى البصرة وكان مطيع قد أعطى صاحبته من طرائف ما أفاد فلما جلسوا يشربون غنت ظبية الوادي فقالت
( أظنُّ خليلي غُدْوةً سيسير ... وربَّي على أن لا يسير قَديرُ ) - طويل -
فلما فرغت من الصوت حتى غنت صاحبة مطيع
( ما أبالي إذا النَّوى قَرَّبَتْهُمْ ... ودَنَوْنا مَنْ حَلَّ منهمْ وساروا ) - خفيف -
فجعل مطيع يضحك وحماد يشتمها

نسبة هذا الصوت
صوت
( أظُنُّ خليلي غُدْوَةً سيسير ... وربِّي على أن لا يسيرَ قديرُ )
( عجبْتُ لمن أمسى محبًّا ولم يكن ... له كفَنٌ في بيته وسريرُ ) - طويل -
غنى في هذين البيتين إبراهيم الموصلي ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر وفيهما لحن يمان قديم خفيف رمل بالوسطى
حدثني الحسن قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر عن محمد بن عمر الجرجاني قال كان لمطيع بن إياس صديق يقال له عمر بن سعيد فعاتبه في أمر قينة يقال لها مكنونة كان مطيع يهواها حتى اشتهر بها وقال له إن قومك يشكونك ويقولون إنك تفضحهم بشهرتك نفسك بهذه المرأة وقد لحقهم العيب والعار من أجلها فأنشأ مطيع يقول
( قد لامَنَي في حبيبتي عُمَرُ ... واللَّوْمُ في غيرِ كُنْهِهِ ضجَرُ )
( قال أفِقْ قلتُ لا قال بلى ... قد شاعَ في الناس عنكما الخبرُ )
( قلتُ قد شاع فاعتذارِيَ ممّا ... ليس لي فيه عندهم عُذُرُ )
( عَجزٌ لعمرِي وليس ينفعُني ... فكُفَّ عني العتابَ يا عمرُ )
( وارجعْ إليهم وقُلْ لهُمْ قد أبَى ... وقال لي لا أُفيقُ فانتحروا )
( أعشِق وحدي فيُؤخَذون به ... كالتُّرْك تَغزُو فيُقتل الخَزَرُ ) - منسرح -
رأيه في النساء
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني ابن أبي أحمد عن أبي العبر الهاشمي قال حدثني أبي أن مطيع بن إياس مر بيحيى بن زياد وحماد

الراوية وهما يتحدثان فقال لهما فيم أنتما قالا في قذف المحصنات قال أو في الأرض محصنة فتقذفانها
حدثني عيسى بن الحسن الوراق قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات وحدثنيه الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني محمد بن هارون قال أخبرني الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك فأمر بإحضار الناس فحضروا وقامت الخطباء فتكلموا وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله وفيهم مطيع بن إياس فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي قال المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا يملؤها عدلا كما ملئت جورا وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك ثم أقبل على العباس فقال له أنشدك الله هل سمعت هذا فقال نعم مخافة من المنصور فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي
قال ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به قال أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز و جل ورسوله حتى استشهدني على كذبه فشهدت له خوفا وشهد كل من حضر علي بأني كاذب وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر وكان مطيع منقطعا إليه يخدمه فخافه وطرده عن خدمته قال وكان جعفر ماجنا فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأخرج أيره ثم قال إن كان أخي محمد هو المهدي فهذا القائم من آل محمد
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال كان مطيع بن إياس يخدم جعفر بن أبي جعفر المنصور وينادمه فكره أبو جعفر ذلك لما شهر به مطيع في الناس وخشي أن يفسده فدعا بمطيع وقال له عزمت على أن تفسد ابني علي وتعلمه زندقتك فقال أعيذك بالله يا أمير

المؤمنين من أن تظن بي هذا والله ما يسمع مني إلا ما إذا وعاه جمله وزينه ونبله فقال ما أرى ذلك ولا يسمع منك إلا ما يضره ويغره فلما رأى مطيع إلحاحه في أمره قال له أتؤمنني يا أمير المؤمنين عن غضبك حتى أصدقك قال أنت آمن قال وأي مستصلح فيه وأي نهاية لم يبلغها في الفساد والضلال قال ويلك بأي شيء قال يزعم أنه ليعشق امرأة من الجن وهو مجتهد في خطبتها وجمع أصحاب العزائم عليها وهم يغرونه ويعدونه بها ويمنونه فوالله ما فيه فضل لغير ذلك من جد ولا هزل ولا كفر ولا إيمان فقال له المنصور ويلك أتدري ما تقول قال الحق والله أقول فسل عن ذلك فقال له عد إلى صحبته واجتهد أن تزيله عن هذا الأمر ولا تعلمه أني علمت بذلك حتى أجتهد في إزالته عنه

إصابة جعفر بن المنصور بالصرع
أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن ابن عائشة قال كان مطيع بن إياس منقطعا إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور فدخل أبوه المنصور عليه يوما فقال لمطيع قد أفسدت ابني يا مطيع فقال له مطيع إنما نحن رعيتك فإذا أمرتنا بشيء فعلنا
قال وخرج جعفر من دار حرمه فقال لأبيه ما حملك على أن دخلت داري بغير إذن فقال له أبو جعفر لعن الله من أشبهك ولعنك فقال والله لأنا أشبه بك منك بأبيك قال وكان خليعا فقال أريد أن أتزوج امرأة من الجن فأصابه لمم فكان يصرع بين يدي أبيه والربيع واقف فيقول له يا ربيع هذه قدرة الله
وقال المدائني في خبره الذي ذكرته عن عيسى بن الحسين عن أحمد بن الحارث عنه فأصاب جعفرا من كثرة ولعه بالمرأة التي ذكر أنه يتعشقها من

الجن صرع فكان يصرع في اليوم مرات حتى مات فحزن عليه المنصور حزنا شديدا ومشى في جنازته فلما دفن وسوي عليه قبره قال للربيع أنشدني قول مطيع بن إياس في مرثية يحيى بن زياد فأنشده
( يا أهليَ ابُكوا لقلبيَ القَرِحِ ... وللدّموع الذَّوارف السُّفُحِ )
( راحُوا بِيَحْيَى ولو تطاوِعُني ال ... أقدارُ لم يَبْتَكِرْ ولم يَرُحِ )
( يا خيرَ من يَحْسُنُ البكاءُ له اليومَ ... ومَن كان أمس لِلمدَحِ ) - منسرح -
قال فبكى المنصور وقال صاحب هذا القبر أحق بهذا الشعر
أخبرني به عمي أيضا عن الخزاز عن المدائني فذكر مثله

شعره في جارية
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثني المغيرة بن هشام الربعي قال سمعت ابن عائشة يقول مر مطيع بن إياس بالرصافة فنظر إلى جارية قد خرجت من قصر الرصافة كأنها الشمس حسنا وحواليها وصائف يرفعن أذيالها فوقف ينظر إليها إلى أن غابت عنه ثم إلتفت إلى رجل كان معه وهو يقول

( لَمَّا خَرجْنَ من الرُّصافة ... كالتَّماثيل الحسان )
( يَحفُفْنَ أحْوَرَ كالغزالِ ... يميسُ في جُدُل العِنانِ )
( قطّعْنَ قلبي حسرةً ... وتقسُّماً بين الأماني )
( ويلي على تلك الشمائِلِ ... واللَّطيفِ من المعاني )
( يا طُولَ حَرِّ صبابتي ... بين الغواني والقيانِ ) - مجزوء الكامل -
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله ابن أبي سعيد عن ابن توبة صالح بن محمد قال حدثني بعض ولد منصور بن زياد عن أبيه قال قال محمد بن الفضل بن السكوني رحل مطيع ابن إياس إلى هشام بن عمرو وهو بالسند مستميحا له فلما رأته بنته قد صح العزم على الرحيل بكت فقال لها
( أسْكُتي قد حَزَزْتِ بالدَّمع قلبي ... طالما حَزَّ دَمْعُكُنَّ القُلوبا )
( وَدَعِي أنْ تُقَطِّعي الآنَ قلبي ... وتُرِيني في رِحْلتي تعذيبا )
( فعسى اللَّهُ أن يُدافِعَ عني ... رَيْبَ ما تحذرينَ حَتَّى أَأوْبا )
( ليس شيءٌ يشاؤه ذو المعالي ... بِعزيزٍ عليه فادعِي المُجيبا )
( أنا في قبضةِ الإله إذ ما ... كنْتُ بُعداً أو كنت منك قريبا ) - خفيف -
ووجدت هذه الأبيات في شعر مطيع بغير رواية فكان أولها
( ولقد قلْتُ لابنتي وهي تَكوِي ... بانسِكابِ الدُّموعِ قلباً كئيباً )
وبعده بقية الأبيات
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن صالح الأصم قال كان مطيع بن إياس مع إخوان له على نبيذ وعندهم قينة تغنيهم فأومأ إليها

مطيع بقبلة فقالت له تراب فقال مطيع

صوت
( إنَّ قلبي قد تصابَى ... بعد ما كان أنابا )
( ورَماه الحبُّ منه ... بسهامٍ فأصابا )
( قد دَهاه شادِنٌ يَلبَس ... في الجِيد سِخابا )
( فَهْوَ بدرٌ في نِقابِ ... فإذا ألقى النقابا )
( قُلْتُ شمسٌ يوم دَجْنٍ ... حَسَرتْ عنها السَّحابا )
( ليتني منه على كَشْحَيْن ... قد لانا وطابا )
( أحضَرُ النّاس بما أكرَهُهُ ... منهُ جوابا )
( فإذا قلتُ أنِلْنِي ... قُبْلةً قال ترابا ) - مجزوء الرمل -
لحكم الوادي في هذه الأبيات هزج بالبنصر من رواية الهشامي
سرعة بديهته
أخبرنا أبو الحسن الأسدي قال ذكر موسى بن صالح بن سنح بن عميرة أن مطيع بن إياس كان أحضر الناس جوابا ونادرة وأنه ذات يوم كان جالسا يعدد بطون قريش ويذكر مآثرها ومفاخرها فقيل له فأين بنو كنانة قال
( بِفَلسْطين يُسرِعون الرُّكوبا ... ) - خفيف -
أراد قول عبيد الله بن قيس الرقيات
( حَلَقٌ من بني كنانةَ حولِي ... بِفَلسْطين يُسرِعون الرُّكوبا )
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال

كان أبو دهمان صديقا لمطيع وكان يظهر للناس تألها ومروءة وسمتا حسنا وكان ربما دعا مطيعا ليلة من الليالي أن يصير إليه ثم قطعه عنه شغل فاشتغل وجاء مطيع فلم يجده فلما كان من الغد جلس مطيع مع أصحابه فأنشدهم فيه
( ويلِيَ ممَّنْ جفاني ... وحُبُّه قد براني )
( وطَيْفُه يلقاني ... وشخصُة غير دان )
( أغَرُّ كالبدرِ يعْشَى ... بحسنه العينان )
( جارَيَّ لا تَعْذِلاني ... في حبِّه ودعاني )
( فربَّ يومٍ قصيرٍ ... في جَوْسق وجِنان )
( بالراح فيه يُحَيَّا ... والقصفِ والريحان )
( وعندنا قَيْنَتَانِ ... وَجْهاهما حَسَنانِ )
( عُوداهُما غَرِدان ... كأنَّهما ينطقانِ )
( وعندَنا صاحبانِ ... للدَّهر لا يَخضَعان )
( فكنت أوّل خامٍ ... وأوّلَ السَّرَعانِ )
( في فتيةٍ غيِر مِيلٍ ... عند اختلافِ الطِّعان )
( من كلِّ خوفٍ مُخيفٍ ... في السرِّ والإعلانِ )
( حَمّالِ كلِّ عظيم ... تضيق عنه اليدانِ )
( وإنْ ألحَّ زمانٌ ... لم يَسْتَكِنْ للزمانِ )
( فزالَ ذاك جميعاً ... وكلُّ شيء فان )

( مَن عاذرِي مِن خليلٍ ... مُوافقٍ مِلْدان )
( مُداهنٍ متوانٍ ... يكنى أبي دُهْمان )
( متى يَعِدْك لقاءً ... فالنّجمُ والفرقدانِ )
( وليس يُعْتِمُ إلاَّ ... سكرانَ مَعْ سكرانِ )
( يسقيه كلُّ غلامٍ ... كأنّه غُصْنُ بان )
( مِن خَنْدَريسٍ عُقَارٍ ... كحُمْرة الأرجُوان ) - مجتث -
قال فلقيه بعد ذلك أبو دهمان فقال عليك لعنة الله فضحتني وهتفت بي وأذعت سري لا أكلمك أبدا ولا أعاشرك ما بقيت فما تفرق بين صديقك وعدوك
أخبرني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي العطار بالكوفة قال حدثني علي بن عمروس عن عمه علي بن القاسم قال كنت آلف مطيع بن إياس وكان جاري وعنفني في عشرته جماعة وقالوا لي إنه زنديق فأخبرته بذلك فقال وهل سمعت مني أو رأيت شيئا يدل على ذلك أو هل وجدتني أخل بالفرائض في صلاة أو صوم فقلت له والله ما اتهمتك ولكني خبرتك بما قالوا واستحييت منه فعجل على السكر ذات يوم في منزله فنمت عنده ومطرنا في جوف الليل وهو معي فصاح بي مرتين أو ثلاثا فعلمت أنه يريد أن يصطبح فكسلت أن أجيبه فلما تيقن أني نائم جعل يردد على نفسه بيتا قاله وهو قوله

( أصبَحْتُ جَمَّ بلابلِ الصَّدرِ ... عَصْراً أكاتمُه إلى عَصْر ) - كامل -
فقلت في نفسي هذا يعمل شعرا في فن من الفنون فأضاف إليه بيتا ثانيا وهو قوله
( إن بُحْتُ طُلَّ دمي وإن تُرِكَتْ ... وَقَدَتْ عليَّ توقُّدَ الجمْرِ )
فقلت في نفسي ظفرت بمطيع فتنحنحت فقال لي أما ترى هذا المطر وطيبه اقعد بنا حتى نشرب أقداحا فاغتنمت ذلك فلما شربنا أقداحا قلت له زعمت أنك زنديق قال وما الذي صحح عندك أني زنديق قلت قولك إن بحت طل دمي وأنشدته البيتين فقال لي كيف حفظت البيتين ولم تحفظ الثالث فقلت والله ما سمعت منك ثالثا فقال بلى قد قلت ثالثا قلت فما هو قال
( ممَّا جنَاه علَى أبي حسنٍ ... عُمَرٌ وصاحبُه أبو بكرِ )
وحدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال جاء مطيع بن إياس إلى إخوان له وكانوا على شراب فدخل الغلام يستأذن له فلما سمع صاحب البيت بذكره خرج مبادرا فسمعه يقول
( أَمْسَيْتُ جمَّ بلابلِ الصَدْرِ ... دَهْراً أزجِّيه إلى دَهْرِ )
( إن فُهْتُ طُلَّ دمي وإن كُتِمَتْ ... وقَدَتْ عليَّ توقُّدَ الجمرِ )
فلما أحس مطيع بأن صاحب البيت قد فتح له استدرك البيتين بثالث فقال

( فما جناه عَلَى أبي حسن ... عُمَرٌ وصاحبُه أبو بَكْرِ )
وكان صاحب البيت يتشيع فأكب على رأسه يقبله ويقول جزاك الله يا أبا مسلم خيرا
وذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب أن الرشيد أتي ببنت مطيع ابن إياس في الزنادقة فقرأت كتابهم واعترفت به وقالت هذا دين علمنيه أبي وتبت منه فقبل توبتها وردها إلى أهلها
قال أحمد ولها نسل بجبل في قرية يقال لها الفراشية قد رأيتهم ولا عقب لمطيع إلا منهم

دعوته للشراب
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن ابن عائشة قال كان مطيع بن إياس نازلا بكرخ بغداد وكان بها رجل يقال له الفهمي مغن محسن فدعاه مطيع ودعا بجماعة من إخوانه وكتب إلى يحيى بن زياد يدعوه بهذه الأبيات قال
( عندنا الفهميُّ مَسرُورٌ ... وزَمّارٌ مُجيدُ )
( ومُعاذٌ وعِياذٌ ... وعُمَيرٌ وسعيد )
( ونَدامى يُعْمِلون القَلْزَ ... والقَلْزُ شديد )
( بعضُهُمْ ريحانُ بعضٍ ... فَهُمُ مِسكٌ وعُودُ ) - مجزوء الرمل -
قال فأتاه يحيى فأقام عنده وشرب معهم وبلغت الأبيات المهدي فضحك منها وقال تنايك القوم ورب الكعبة
قال الكراني القلز المبادلة

وجدت هذا الخبر بخط ابن مهرويه عن إبراهيم بن المدبر عن محمد ابن عمر الجرجاني فذكر أن مطيعا اصطبح يوم عرفة وشرب يومه وليلته واصطبح يوم الأضحى وكتب إلى يحيى من الليل بهذه الأبيات
( قد شربْنا ليلةَ الأضحَى ... وساقينا يزيدُ )
( عندنا الفَهْميُّ مَسرُورٌ ... وزَمّار مُجيدُ )
( وسليمانُ فَتَانا ... فهو يُبدي ويُعيدُ )
( ومُعاذٌ وعِياذٌ ... وعُمَيْرٌ وسَعيد )
( وندامَى كلُّهُمْ يَقْلِزُ ... والقَلْزُ شديد )
( بعضهُمْ ريحانُ بعضٍ ... فَهُمُ مِسكٌ وعودُ )
( غالت الأنْفُسُ عنهمْ ... وتلقَّتْهمْ سُعودُ )
( فترى القوم جُلوسا ... والخنى عنهمْ بعيدُ )
( ومطيعُ بنُ إياس ... فهو بالقَصْف ولِيدُ )
( وعلى كرِّ الجديديْنِ ... وما حَلَّ جليدُ ) - مجزوء الرمل -
ووجدت في كتاب بعقب هذا وذكر محمد بن عمر الجرجاني أن عوف ابن زياد كتب يوما إلى مطيع أنا اليوم نشيط للشرب فإن كنت فارغا فسر إلي وإن كان عندك نبيذ طيب وغناء جيد جئتك فجاءته رقعته وعنده حماد الراوية وحكم الوادي وقد دعوا غلاما أمرد فكتب إليه مطيع
( نَعَمْ لنا نبيذٌ ... وعندنَا حمّادُ )

( وخيْرُنا كثيرٌ ... والخير مُستزادُ )
( وكُلّنا من طَرَبٍ ... يطيُر أو يكاد )
( وعندنا واديُّنا ... وهو لنا عِمادُ )
( ولَهْوُنا لذيذٌ ... لم يَلْهُهُ العِبادُ )
( إنْ تَشْتَهِ فَساداً ... فعندَنا فسادُ )
( أو تَشْتَهِ غلاماً ... فعندنا زيادُ )
( ما إنْ به التواءٌ ... عنا ولا بِعاد )
قال فلما قرأ الرقعة صار إليهم فأتم به يومه معهم

مدحه للغمر بن يزيد
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري عن عنبسة القرشي الكريزي عن أبيه قال مدح مطيع بن إياس الغمر بن يزيد بقصيدته التي يقول فيها
( لا تَلْحَ قلبك في شَقائِهْ ... ودَعِ المتيَّيَم في بلائهْ )
( كَفْكِفْ دموعَك أنْ يَفِضْنَ ... بناظرٍ غَرِقٍ بمائه )
( وَدَعِ النسيبَ وذكرَهُ ... فبحَسْب مِثلك من عنائِهْ )
( كم لذّةٍ قد نِلْتَها ... ونعيم عيشٍ في بهائه )
( بنَوَاعمٍ شبْهِ الدُّمَى ... والليلُ في ثِنْيَيْ عمائه )
( وأذكر فتىً بيمينه ... حَتْفُ الزمان لدى التوائه )
( وإذا أُمَيَّةُ حُصِّلتْ ... كان المهذَّبَ في انتمائه )
( وإذا الأمورُ تفاقَمَتْ ... عِظَماً فمصدَرُها برائه )
( وإذا أردْتَ مديحه ... لم يُكْدِ قولُك في بنائه )

( في وجهه عَلَمُ الهدى ... والمجدُ في عِطْفَيْ ردائه )
( وكأنَّما البدر المنير ... مُشَبَّهٌ بهِ في ضيائه ) - مجزوء الكامل -
فأمر له بعشرة آلاف درهم فكانت أول قصيدة أخذ بها جائزة سنية وحركته ورفعت من ذكره ثم وصله بأخيه الوليد فكان من ندمائه
أنشدني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه لمطيع بن إياس يستعطف يحيى بن زياد في هجرة كانت بينهما وتباعد
( يا سمِيَّ النبيِّ الذي خَصْصَ ... به اللَّهُ عبدَه زكريا )
( فدعاه الإلهُ يحيى ولم يَجْعَلْ ... له اللّه قبلَ ذاك سَمِيّا )
( كنْ بصبٍّ أمسى بحبكَ برًّا ... إنَّ يحيى قد كان بَرًّا تقيا ) - خفيف -

رثاؤه ليحيى بن زياد
وأنشدني له يرثي يحيى بعد وفاته
( قد مضى يَحْيَى وغودِرْتُ فردا ... نُصْبَ ما سَرَّ عيونَ الأعادي )
( وأرى عَيْنِيَ مُذْ غابَ يحيى ... بُدِّلَتْ من نَومها بالسُّهادِ )
( وسَّدتْهُ الكفُّ منِّي تراباً ... ولقد أرثي له من وِساد )
( بين جِيرانٍ أقاموا صُمُوتاً ... لا يُحيرونَ جواب المنادِي )
( أيُّها المُزْنُ الذي جاد حَتَّى ... أعشبَتْ منه مُتُونُ البوادي )
( إسْقِ قبراً فيه يحيى فإنِّي ... لك بالشكرِ مُوَافٍ مُغاد )
شعره في جوهر وريم
نسخت من نسخة بخط هارون بن محمد بن عبد الملك قال لما بيعت

جوهر التي كان مطيع بن إياس يشبب بها قال فيها وفيه غناء من خفيف الرمل أظنه لحكم
( صاح غرابُ البينِ بالبيْنِ ... فكدْتُ أنقدُّ بنصفينِ )
( قد صار لي خِدْنانِ مِن بَعدهم ... همٌّ وغمٌّ شرُّ خِدْنَيْنِ )
( أفدِي التي لم ألْقَ مِن بعدها ... أُنْساً وكانت قُرَّةَ العيْنِ )
( أصبحْتُ أشكو فرقةَ البين ... لمَّا رأت فُرقَتَهمْ عيني )
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا العباس بن ميمون بن طائع قال حدثني ابن خرداذبة قال خرج مطيع بن إياس ويحيى بن زياد حاجين فقدما أثقالهما وقال أحدهما للآخر هل لك في أن نمضي إلى زرارة فنقصف ليلتنا عنده ثم نلحق أثقالنا فما زال ذلك دأبهم حتى انصرف الناس من مكة قال فركبا بعيريهما وحلقا رؤوسهما ودخلا مع الحجاج المنصرفين وقال مطيع في ذلك
( ألم ترني ويَحْيَى قد حَججْنا ... وكان الحجُّ من خيرِ التجارهْ )
( خرجْنا طالِبَيْ خيٍر وبرٍّ ... فمال بنا الطريقُ إلى زُراره )
( فعادَ الناس قد غنموا وحَجُّوا ... وأُبْنا مُوْقَرَينَ من الخساره )
وقد روي هذا الخبر لبشار وغيره
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي عن إبراهيم الموصلي عن محمد بن الفضل قال خرج جماعة من الشعراء في أيام المنصور عن بغداد في طلب المعاش فخرج يحيى بن زياد إلى محمد ابن العباس وكنت في صحابته فمضى إلى البصرة وخرج حماد عجرد إليها

معه وعاد حماد الراوية إلى الكوفة وأقام مطيع بن إياس ببغداد وكان يهوى جارية يقال لها ريم لبعض النخاسين وقال فيها
( لولا مكانُكِ في مدينتهِمْ ... لظعنْتُ في صَحبِي الألى ظَعَنُوا )
( أوطنْتُ بَغْداداً بحبِّكُمُ ... وبغيرها لولاكُمُ الوطن ) - كامل -
قال وقال مطيع في صبوح اصطبحه معها
( ويومٍ ببغدادٍ نعِمْنا صباحَه ... على وجه حوراءِ المدامع تُطْرِبُ )
( ببيتٍ ترى فيه الزُّجاجَ كأنه ... نجومُ الدُّجى بين النَّدامى تَقَلّبُ )
( يُصَرِّف ساقينا ويقطب تارةً ... فيا طيبَها مقطوبةً حين يَقْطِبُ )
( علينا سحيقُ الزعفران وفَوقَنا ... أكاليلُ فيها الياسَمين الْمُذَهَّبُ )
( فما زِلْتُ أُسقَى بين صَنْجٍ ومِزْهَرٍ ... من الرَّاح حتَّى كادتِ الشمسُ تغرُب )
وفيها يقول
( أمسى مطيعُ كلِفَا ... صبًّا حزيناً دَنِفا )
( حُرٌّ لمن يعشَقُه ... بِرِقِّه معترفا )
( يا ريمُ فاشفِي كَبِداً ... حَرَّى وقلباً شُغِفا )

( ونوَّليني قبلةً ... واحدةً ثمَّ كفَى ) - مجزوء الرجز -
قال وفيها يقول
( يا ريمُ قد أتلفْتِ رُوحي فما ... منها معي إلاَّ القليلُ الحقيرْ )
( فأذْنِبي إن كنتِ لم تُذْنِبي ... فيَّ ذُنوباً إنَّ ربِّي غفورْ )
( ماذا على أهلِكِ لو جُدْتِ لي ... وزُرْتِني يا ريمُ فيمن يزورْ )
( هل لك في أجرٍ تُجازَيْ به ... في عاشقٍ يرضيه منكِ اليسيرْ )
( يَقبَل ما جُدْتِ به طائعاً ... وهو وإن قلَّ لديه الكثيرْ )
( لعمريَ مَن أنتِ له صاحبٌ ... ما غاب عنه في الحياة السُّرورْ ) - سريع -
قال وفيها يقول
( يا ريمُ يا قاتلِتي ... إن لم تجودِي فَعِدِي )
( بَيَّضْتِ بالمَطْل وإخلافِكِ ... وَعْدي كَبِدي )
( حالَفَ عيني سُهُدي ... وما بها من رَمَدِ )
( يا ليتَني في الأحد ... أبليْتِ منِّي جسدي )
( لمن به من شِقْوتي ... أخذْتُ حَتْفي بيَدي ) - مجزوء الرجز -
أنشدني علي بن سليمان الأخفش قال أنشدني محمد بن الحسن بن الحرون عن ابن النطاح لمطيع بن إياس يقوله في جوهر جارية بربر
( يا بأبي وجهُك مِن بينهِمْ ... فإنَّه أحسنُ ما أبصِرُ )
( يا بأبي وجهكِ من رائع ... يشبِهه البدرُ إذا يَزْهَر )
( جاريةٌ أحسَنُ من حَلْيها ... والحْليُ فيه الدرُّ والجوهرُ )
( وجِرْمُها أطيبُ من طيبها ... والطِّيب فيه المسكُ والعنبر )

( جاءت بها بَرْبُر مكنونةً ... يا حبَّذا ما جَلبَتْ بَربرُ )
( كأنّما رِيقَتُها قَهْوَةٌ ... صُبَّ عليها باردٌ أسمر ) - سريع -
أخبرني الحسين بن القاسم قال حدثنا ابن أبي الدنيا قال حدثني منصور بن بشر العمركي عن محمد بن الزبرقان قال كان مطيع بن إياس كثير العبث فوقف على أبي العمير رجل من أصحاب المعلى الخادم فجعل يعبث به ويمازحه إلى أن قال
( ألاَ أبلِغْ لديك أبا العُميرِ ... أراني اللَّهُ في استِكَ نصفَ أَيْرِ ) - وافر -
فقال له أبو العمير يا أبا سلمى لو جدت لأحد بالأير كله لجدت به إلى ما بيننا من الصداقة ولكنك بحبك لا نريده كله إلا لك فأفحمه ولم يعاود العبث به
قال وكان مطيع يرمى بالأبنة

مدحه جرير بن يزيد
قال وسقط لمطيع حائط فقال له بعض أصدقائه أحمد الله على السلامة قال أحمد الله أنت الذي لم ترعك هدته ولم يصبك غباره ولم تعدم أجرة بنائه
أخبرني إسماعيل بن يونس بن أبي اليسع الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال وفد مطيع بن إياس إلى جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري وقد مدحه بقصيدته
( أمِن آل ليلى عَزمْتَ البُكورا ... ولم تَلْقَ ليلى فَتَشْفِي الضَّمِيرا )
( وقد كنْتَ دهرك فيما خلا ... لليلَى وجاراتِ ليلى زَؤُورا )

( ليالي أنت بها مُعْجَبٌ ... تَهيم إليها وتَعصِي الأميرا )
( وإذْ هي حوراءُ شِبْهُ الغزالِ ... تُبصِرُ في الطَّرف منها فُتُورا )
( تقول ابنتي إذْ رأت حالتي ... وقرَّبْتُ للبين عَنْساً وكُورا )
( إلى مَن أراكَ وَقَتْكَ الْحُتوفَ ... نفسي تجشَّمْتَ هذا المَسيرا )
( فقلتُ إلى البَجَلِّي الذي ... يَفُكُّ العُناة ويُغنِي الفقيرا )
( أخِي العُرْف أشْبهَ عند الندَى ... وحَمْل المِئينَ أَباهُ جديرا )
( عَشِيرِ الندى ليس يُرْضي النَّدى ... يدَ الدّهرِ بعد جَريرٍ عشيرا )
( إذا استكثر المجتدُون القليلَ ... للمُعْتَفِينَ استقلَّ الكثيرا )
( إذا عَسُر الخير في المجتَدين ... كانَ لديه عَتيداً يسيرا )
( وليس بمانعِ ذِي حاجةٍ ... ولا خاذلٍ مَن أتى مُستجِيرا )
( فَنَفْسي وَقَتْك أبا خالدٍ ... إذا ما الكُماةُ أغاروا النُّمورا )
( إلى ابن يزيدَ أبي خالدٍ ... أخي العُرْفِ أعملْتُها عيسجورا )
( لِنَلْقَى فواضلَ من كفِّه ... فصادفْتَ منه نوالاً غزيرا )
( فإن يَكُنِ الشُّكْرُ حُسْنَ الثّناءِ ... بالعُرْف مِنِّي تجدْني شكورا )
( بصيراً بما يستلذُّ الرّواةُ ... من مُحْكَم الشِّعر حتَّى يسيرا ) - متقارب - فلما بلغ يزيد خبر قدومه دعا به ليلا ولم يعلم أحد بحضوره ثم قال له عرفت خبرك وإني متعجل لك جائزتك ساعتي هذه فإذا حضرت

غدا فإني سأخاطبك مخاطبة جفاء وأزودك نفقة طريقك وأصرفك لئلا يبلغ أبا جعفر خبري فيهلكني فأمر له بمائتي دينار فلما أصبح أتاه فاستأذنه في الإنشاد فقال له يا هذا لقد رميت بآمالك غير مرمى وفي أي شيء أنا حتى ينتجعني الشعراء لقد أسأت إلي لأني لا أستطيع تبليغك محابك ولا آمن سخطك وذمك فقال له تسمع ما قلت فإني أقبل ميسورك وأبسط عذرك فاستمع منه كالمتكلف المتكره فلما فرغ قال لغلامه يا غلام كم يبلغ ما بقي من نفقتنا قال ثلاثمائة درهم قال أعطه مائة درهم لنفقة طريقه ومائة درهم ينصرف بها إلى أهله واحتبس لنفقتنا مائة درهم ففعل الغلام ذلك وانصرف مطيع شاكرا ولم يعرف أبو جعفر خبره
أنشدني وكيع عن حماد بن إسحاق عن أمه لمطيع بن إياس وفيه غناء
( واهاً لشخص رجوْتُ نائلَه ... حَتَّى أنثنى لي بودِّه صَلَفَا )
( لانَتْ حواشيهِ لي وأطمَعَنِي ... حتَّى إذا قلْتُ نلْتُه انصرفا ) - منسرح -
قال وأنشدني حماد أيضا عن أبيه لمطيع بن إياس وفيه غناء أيضا
( خليلِي مخلفٌ أبدا ... يمنِّيني غداً فغَدا )
( وبعد غدٍ وبعد غدٍ ... كذا لا ينقضِي أبَدا )
( له جَمْرٌ على كبِدي ... إذا حَرَّكْتُه وَقَدا )
( وليس بلابثٍ جَمْرُ الغَضَى ... أن يُحرِق الكَبِدا ) - مجزوء الوافر -
وفي هذه الأبيات لعريب هزج

أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي عن مسعود بن بشر قال قال الوليد بن يزيد لمطيع بن إياس أي الأشياء أطيب عندك قال صهباء صافية تمزجها غانية بماء غادية
قال صدقت
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو عبد الله التميمي قال حدثنا أحمد بن عبيد وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال
سكر مطيع بن إياس ليلة فعربد على يحيى بن زياد عربدة قبيحة وقال له وقد حلف بالطلاق
( لا تحلِفاً بطلاقِ مَنْ ... أمسَتْ حوافِرُها رقيقهْ )
( مَهْلاً فقد علم الأنَامُ ... بأَنَّها كانت صديقهْ )
فهجره يحيى وحلف ألا يكلمه أبدا فكتب إليه مطيع
( إنْ تصِلْنِي فمثلُك اليوم يُرْجَى ... عَفْوُهُ الذَّنْبَ عن أخيه ووَصْلُهْ )
( ولئن كنْتَ قد هممْتَ بهجري ... لِلذي قد فعلْتُ إنِّي لأَهلُهْ )
( وأحَقُّ الرِّجال أن يَغفِر الذَّنْبَ ... لإخوانه الموفَّرُ عقلُهْ )
( الكريمُ الذي له الحَسَبُ الثّاقبُ ... في قومه ومن طاب أصلُهْ )
( ولئن كنتَ لا تصاحِب إلاَّ ... صاحبا لا تَزِلّ ما عاشَ نعلُهْ )
( لا تَجِدْه وإن جَهِدْتَ وأَنِّي ... بالذي لا يكاد يُوجَد مثلُهْ )
( إنَّما صاحبي الذي يغفر الذَّنْ ... بَ ويكفيه من أخيه أقلُّهْ )

( الذي يَحفظُ القديمَ من العهد ... وإنْ زَلَّ صاحبٌ قلَّ عَذْلُهْ )
( ورعَى ما مضى مِن العهد مِنه ... حين يؤذِي من الجهالة جهلُه )
( ليس مَن يُظهِرُ المودّةَ إِفْكاً ... وإذا قال خالفَ القولَ فِعلُه )
( وَصْلُه للصَّديق يوماً فإنْ طالَ ... فيومانِ ثم يَنْبَتُّ حَبْلُهْ ) - خفيف -
قال فصالحه يحيى وعاود عشرته

نزوله بدير كعب
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو أيوب المدني قال حدثني أحمد بن إبراهيم الكاتب قال حدثني أبي عن رجل من أهل الشأم قال كنت يوما نازلا بدير كعب قد قدمت من سفر فإذا أنا برجل قد نزل الدير ومعه ثقل وآلة وعيبة فكان قريبا من موضعي فدعا بطعام فأكل ودعا الراهب فوهب له دينارين وإذا بينه وبينه صداقة فأخرج له شرابا فجلس يشرب ويحدث الراهب وأنا أراهما إذ دخل الدير رجل فجلس معهما فقطع حديثهما وثقل في مجلسه وكان غث الحديث فأطال فجاءني بعض غلمان الرجل النازل فسألته عنه فقال هذا مطيع بن إياس فلما قام الرجل وخرج كتب مطيع على الحائط شيئا وجعل يشرب حتى سكر فلما كان من غد رحل فجئت موضعه فإذا فيه مكتوب
( طَرْبةَ ما طرِبْتُ في دَيْر كعبِ ... كدْتُ أقضي من طَرْبتي فيه نَحْبِي )
( وتذكَّرْتُ إخوتي ونَدَامايَ ... فهاج البكاءَ تَذْكارُ صحبي )
( حينَ غابوا شَتَّى وأصبحْتُ فرداً ... ونأَوْا بينَ شرْقِ أرضٍ وغَرْبِ )
( وهُمْ ما هُمُ فحسبي لا أبْغي ... بدِيلاً بِهِمْ لعمرُكَ حسبي )

( طلحةُ الخيِر منهُمُ وأبو المُنْذِرِ ... خِلِّي ومالكٌ ذاكَ تِربِي )
( أيُّها الداخِلُ الثقيلُ علينا ... حينَ طاب الحديثُ لي ولِصَحْبي )
( خِفَّ عنَّا فأنت أثقَلُ واللَّهِ ... علينا من فَرسَخَيْ دَيْر كعبِ )
( ومِن النّاس مَن يَخِفُّ ومِنهمْ ... كَرَحى البَزْرِ رُكِّبت فوقَ قلبي )
أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عمر بن محمد قال حدثنا الحسين بن إياس ويحيى بن زياد وزاد العمل حتى حلف يحيى بن زياد عل بطلان شيء كلمه به مما دار بينهما فقال مطيع
( لا تَحْلِفاً بطلاقِ مَنْ ... أمْسَتْ حوافِرُها رقيقهْ )
( هيهاتَ قد علِمَ الأميرُ ... بأَنَّها كانت صدِيقهْ ) - مجزوء الكامل -
فغضب يحيى وحلف ألا يكلم مطيعا أبدا وكانا لا يكادان يفترقان في فرح ولا حزن ولا شدة ولا رخاء فتباعد ما بين يحيى وبينه وتجافيا مدة فقال مطيع في ذلك وندم على ما فرط منه إلى يحيى فكتب إليه بهذا الشعر قال
( كنت وَيَحْيَى كَيَدٍ واحدهْ ... نَرْمِي جميعاً وتَرانا معا )
( إنْ عضَّني الدّهرُ فقد عَضَّه ... يُوجِعُنا ما بعضَنا أوجعا )

( أو نامَ نامتْ أعينٌ أربعٌ ... منَّا وإن أَسْهَرْ فلن يَهْجَعا )
( يسرُّني الدَّهرُ إذا سَرَّه ... وإنْ رماه فَلَنَا فَجَّعا )
( حَتَى إذا ما الشَّيْب في مَفرِقي ... لاحَ وفي عارضه أسْرَعا )
( سَعى وُشاةٌ فمَشوا بيننا ... وكاد حَبْلُ الودِّ أن يُقْطَعا )
( فَلَمْ أَلُمْ يَحْيَى على فِعْلِه ... ولم أقُلْ مَلَّ ولا ضَيَّعا )
( لكنَّ أعداءً لنا لم يكن ... شيطانُهُمْ يَرَى بنا مَطْمَعا )
( بينا كذا غاش على غِرّة ... فأوقَدَ النِّيرانَ مُسْتَجْمِعا )
( فلم يزل يُوقِدُها دائباً ... حَتَّى إذا ما اضطرمَتْ أقلعا ) - سريع -
أخبرنا الحسين بن يحيى المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني وأخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال إسحاق في خبره دخل على إخوان يشربون وقال الأصمعي دخل سراعة بن الزندبور على مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وعندهما قينة تغنيهما فسقوه أقداحا وكان على الريق فاشتد ذلك عليه فقال مطيع للقينة غني سراعة فقالت له أي شيء تختار فقال غني
( طبيبيَّ داويْتُما ظاهراً ... فمن ذا يداوي جَوًى باطنا ) - متقارب -
ففطن مطيع لمعناه فقال أبك أكل قال نعم فقدم إليه طعاما فأكل

ثم شرب معهم والله أعلم
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن هارون الأزرقي مولى بني هاشم أخي أبي عشانة قال حدثني الفضل بن محمد بن الفضل الهاشمي عن أبيه قال كان مطيع بن إياس يهوى ابن مولى لنا يقال له محمد بن سالم فأخرجت أباه إلى ضيعة لي بالري لينظر فيها فأخرجه أبوه معه ولم أكن عرفت خبر مطيع معه حتى أتاني فأنشدني لنفسه
( أيا ويحَه لا الصَّبر يملك قلبه ... فيصبرَ لَمَّا قِيل سار محمدُ )
( فلا الحزنُ يُفنيه ففي الموت راحةٌ ... فحتَّى متى في جهده يتجلَّد )
( قَدَ أضحى صريعاً بادياتٍ عظامُه ... سِوى أنَّ روحاً بينها تتردّد )
( كئيباً يمثِّي نفسَه بلقائه ... على نأيه واللَّهُ بالحزن يشهد )
( يقول لها صبراً عَسى اليوم آئبٌ ... بإلفك أو جاءٍ بطلعته الغَدُ )
( وكنتَ يداً كانت بها الدهرَ قُوّتي ... فأصبحْتُ مُضنًى منذ فارقني يدِي ) - طويل -
في أخبار مطيع التي تقدم ذكرها آنفا أغان أغفلت عن نسبتها حتى انتهيت إلى هذا الموضع فنسبتها فيه

صوت
( طبيبيَّ داويتُما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوًى باطنا )
( فقوما اكوياني ولا تَرْحَمَا ... من الكيِّ مُسْتَحْصِفاً راصِنا )
( ومُرَّا على منزل بالغُمَيم ... فإنِّي عهدْتُ به شادنا )
( فَتورَ القيام رَخِيمَ الكلامِ ... كانَ فؤادي به راهنا ) - متقارب

الشعر فيما ذكر عبد الله بن شبيب عن الزبير بن بكار لعمرو بن سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي والغناء لمعبد ولحنه ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق وعمرو وفيه لأبي العبيس بن حمدون ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر وهو من صدور أغانيه ومختارها وما تشبه فيه بالأوائل ولو قال قائل إنه أحسن صنعة له صدق
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه أن غيلان بن خرشة الضبي دخل إلى قوم من إخوانه وعندهم قينة فجلس معهم وهو لا يدري فيم هم حتى غنت القينة
( طبيبيَّ داويتُما ظاهراً ... فمن ذا يداوي جوًى باطنا )
وكان أعرابيا جافيا به لوثة فغضب ووثب وهو يقول السوط ورب غيلان يداوي ذلك الجوى وخرج من عندهم
وهذا الخبر مذكور في أخبار معبد من كتابي هذا وغيره ولكن ذكره ها هنا حسن فذكرته

ومما فيها من الأغاني قول مطيع
صوت
( أَمْسَيْتُ جَمَّ بلابلِ الصَّدْرِ ... دَهْراً أزجّيهِ إلى دَهْرِ )
( إن فُهْتُ طلّ دمي وإن كُتِمَتْ ... وقَدَتْ عليّ توقُّد الجمر ) - كامل -
الغناء لحكم الوادي هزج بالبنصر عن حبش الهشامي

مطيع وجوهر المغنية
أخبرني ابن الحسين قال حدثنا حماد بن إسحاق عن صباح بن خاقان قال
دخلت علينا جوهر المغنية جارية بربر وكانت محسنة جميلة ظريفة وعندنا مطيع بن إياس وهو يلعب بالشطرنج وأقبل عليها بنظره وحديثه ثم قال
( ولقد قُلْتُ مُعلناً ... لسعيدٍ وجعفرِ )
( إن أتتني مَنيّتي ... فدمِي عند بربر )
( قتلْتِني بمنعها ... لِيَ من وصْل جوهر )
قال وجوهر تضحك منه
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عبد الله بن أبي سعيد عن أبي توبة قال بلغ مطيع بن إياس أن حماد عجرد عاب شعراً ليحيى بن زياد قاله في منقذ بن بدر الهلالي فأجابه منقذ عنه بجواب فاستخفهما حماد عجرد وطعن عليهما فقال فيه مطيع
( أيها الشاعِرُ الذي ... عاب يحيىَ ومُنقِذا )
( أنتَ لو كنتَ شاعراً ... لم تَقُلْ فيهما كذا )
( لستَ واللَّه فاعلَمَنْنَ ... لذي النقد جِهْبذا )
( تعدِل الصبرَ بالرضَى ... شائِبَ الصَّفوِ بالقذى ) - مجزوء الخفيف -
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا عبد الله بن أبي توبة عن ابن أبي منيع الأحدب قال كنت جالسا مع مطيع بن إياس فمرت بنا مكنونة

جارية المروانية وكان مطيع وأصحابنا يألفونها فلم تسلم وعبث بها مطيع ابن إياس فشتمته فالتفت إلي وأنشأ يقول
( فَدَّيْتُ مَنْ مَرَّ بنا ... يوماً ولم يتكلم )
( وكان فيما خلا منه ... كلّما مَرَّ سلّمْ )
( وإنْ رآنِيَ حيَّا ... بطَرْفِهِ وتبسّمْ )
( لقد تبدّل فيما ... أظنّ واللَّه أعلمْ )
( فليت شِعريَ ماذا ... عليّ في الود ينقم )
( يا ربِّ إنك تعلمْ ... أني بمكنونَ مغرَمْ )
( وأنني في هواها ... ألقَى الهوان وأعظَم )
( يا لائِمي في هواها ... إحفظْ لسانك تَسْلم )
( واعلم بأنك مهما ... أكرمْتَ نفسَك تُكرَم )
( إنّ المَلُولَ إذا ما ... ملّ الوصالَ تجرَّمْ )
( أولا فمالِي أُجْفَى ... من غير ذنب وأُحرَم ) - مجتث -
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان مطيع ابن إياس يألف جواري بربر ويهوى منهن جاريتها المسماة جوهر وفيها يقول ولحكم فيه غناء
( خافِي اللَّهَ يا بربرْ ... لقد أَفْسَدْتِ ذا العسكرْ )
( إذا ما أقبلَتْ جوهرْ ... يفوح المسكُ والعنبرْ )
( وجوهرُ دُرّة الغوّاص ... مَنْ يَمْلكُها يُحْبَرْ )
( لها ثغْرٌ حكى الدرَّ ... وعَيْنا رَشَأٍ أحورْ ) - مجزوء الوافر

في هذه الأبيات هزج لحكم الوادي قال وفيها يقول
( أنتِ يا جوهرُ عندي جوهرهْ ... في قياس الدُّرَر المشْتَهِرهْ )
( أو كشمسٍ أشرقت في بيتها ... قذفَتْ في كل قلب شرَرَهْ )
( وكأنّي ذائقٌ من فمها ... كلما قبَّلْتُ فاها سُكْره )
( وكأنِّي حين أخلو معها ... فائز بالجنّة المختَضِرَه ) - رمل -
قال فجاءها يوما فاحتجبت عنه فسأل عن خبرها فعرف أن فتى من أهل الكوفة يقال له ابن الصحاف يهواها متخل معها فقال مطيع يهجوها
( ناك واللَّه جوهرَ الصّحَافُ ... وعليها قميصُها الأفوافُ )
( شامَ فيها أَيراً له ذا ضُلوع ... لم يَشِنْه ضُعْفٌ ولا إخطافُ )
( جَدَّ دفْعاً فيها فقالت ترفَّقْ ... ما كذا يا فتى تُناك الظِّرافُ ) - خفيف -
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال قال محمد بن صالح بن النطاح أنشد المهدي قول مطيع بن إياس
( خافي اللَّهَ يا بربرْ ... لقد أفتنْتِ ذا العسكْر )
( بريح المسك والعنبرْ ... وظبي شادنٍ أحْوَر )
( وجَوْهَرُ درّةُ الغوَّاص ... من يَملكُها يُحْبَر )
( أما واللَّه يا جوهَرْ ... لقد فُقْتِ على الجوهر )
( فلا واللَّه ما المهديُّ ... أولَى منك بالمِنبر )
( فإن شِئْتِ ففي كفيْكِ ... خلعُ ابنِ أبي جعفر ) - مجزوء الوافر

فقال المهدي اللهم العنهما جميعا ويلكم اجمعوا بين هذين قبل أن تخلعنا هذه القحبة وجعل يضحك من قول مطيع ووجدت أبيات مطيع الثلاثة التي هجا بها جوهر في رواية يحيى بن علي أتم من رواية إسحاق وهي بعد البيتين الأولين
( زعموها قالت وقد غاب فيها ... قائماً في قيامه استحصافُ )
( وهو في جارة استِها يتلظَّى ... يا فتى هكذا تُناك الظراف )
( ناكها ضيفُها وقبَّل فاها ... يا لقَومِي لقد طغَى الأضياف )
( لم يزَل يرهَز الشهيَّةَ حتى ... زال عنها قميصُها والعِطاف ) - خفيف -
وقال هارون بن محمد في خبره بيعت جوهر جارية بربر فاشترتها امرأة هاشمية من ولد سليمان بن علي كانت تغني بالبصرة وأخرجتها فقال مطيع فيها
( لا تبعدي يا جوهرُ ... عنَّا وإن شَطَّ المزارُ )
( ويْلِي لقد بَعُدَتْ ديارُك ... سُلِّمت تلك الديار )
( يُشفي بريقتها السَّقامُ ... كأنَّ ريْقَتَها العُقار )
( بيضاءُ واضحة الجبينِ ... كأن غُرّتها نهار )
( القلب قلبي وهْو عند ... الهاشميّةِ مستعار ) - مجزوء الكامل -

مطيع يهجو كلواذي
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثنا علي ابن منصور المؤدب أن صديقا لمطيع دعاه إلى بستان له بكلواذى فمضى إليها فلم يستطبها فقال يهجوها
( بلْدَةٌ تُمطِر الترابَ على الناس ... كما يُمْطِرُ السماءُ الرَّذاذا )

( وإذا ما أعاذ ربي بلاداً ... من خرابٍ كبعضِ ما قد أعاذا )
( خرِبتْ عاجلاً ولا أُمْهِلَتْ يوماً ... ولا كان أهلُها كَلْواذى ) - خفيف -
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا طلحة بن عبد الله أبو إسحاق الطلحي قال حدثني عافية بن شبيب بن خاقان التميمي أبو معمر قال كان لمطيع بن إياس معامل من تجار الكوفة فطالت صحبته إياه وعشرته له حتى شرب النبيذ وعاشر تلك الطبقة وأفسدوا دينه فكان إذا شرب يعمل كما يعملون وقال كما يقولون وإذا صحا تهيب ذلك وخافه فمر يوما بمطيع بن إياس وهو جالس على باب داره فقال له من أين أقبلت قال شيعت صديقا لي حج ورجعت كما ترى ميتا من ألم الحر والجوع والعطش فدعا مطيع بغلامه وقال له أي شيء عندك فقال له عندي من الفاكهة كذا ومن البوارد والحار كذا ومن الأشربة والثلج والرياحين كذا وقد رش الخيش وفرغ من الطعام فقال له كيف ترى هذا فقال هذا والله العيش وشبه الجنة قال أنت الشريك فيه على شريطة إن وفيت بها وإلا انصرفت قال وما هي قال تشتم الملائكة وتنزل فنفر التاجر وقال قبح الله عشرتكم قد فضحتموني وهتكتموني ومضى فلم يبعد حتى لقيه حماد عجرد فقال له مالي أراك نافرا جزعا فحدثه حديثه فقال أساء مطيع قبحه الله وأخطأ وعندي والله ضعف ما وصف لك فهل لك فيه فقال أجل بي والله إليه أعظم فاقة قال أنت الشريك فيه على أن تشتم الأنبياء فإنهم تعبدونا بكل أمر معنت متعب ولا ذنب للملائكة فنشتمهم فنفر التاجر وقال أنت أيضا فقبحك الله لا أدخل ومضى فاجتاز بيحيى بن زياد الحارثي فقال له ما لي أراك يا أبا فلان مرتاعا فحدثه

بقصته فقال قبحهما الله لقد كلفاك شططا وأنت تعلم أن مروءتي فوق مروءتهما وعندي والله أضعاف ما عندهما وأنت الشريك فيه على خصلة تنفعك ولا تضرك وهي خلاف ما كلفاك إياه من الكفر قال وما هي قال تصلي ركعتين تطيل ركوعهما وسجودهما وتصليهما وتجلس فنأخذ في شأننا فضجر التاجر وتأفف وقال هذا شر من ذاك أنا تعب ميت تكلفني صلاة طويلة في غير بر ولا طاعة يكون ثمنها أكل سحت وشرب خمر وعشرة فجرة وسماع مغنيات قحاب وسبه وسبهما ومضى مغضبا فبعث خلفه غلاما وأمره برده فرده كرها وقال انزل الآن على ألا تصلي اليوم بتة فشتمه أيضا وقال ولا هذا فقال انزل الآن كيف شئت وأنت ثقيل غير مساعد فنزل عنده ودعا يحيى مطيعا وحمادا فعبثا بالتاجر ساعة وشتماه ثم قدم الطعام فأكلوا وشربوا وصلى التاجر الظهر والعصر فلما دبت الكاس فيه قال له مطيع أيما أحب إليك تشتم الملائكة أو تنصرف فشتمهم فقال له حماد أيما أحب إليك تشتم الأنبياء أو تنصرف فشتمهم فقال له يحيى أيما أحب إليك تصلي ركعتين أو تنصرف فقام فصلى الركعتين ثم جلس فقالوا له أيما أحب إليك تترك باقي صلاتك اليوم أو تنصرف قال بل أتركها يا بني الزانية ولا أنصرف فعمل كل ما أرادوه منه

رأي المهدي في أخلاقه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني قال رفع صاحب الخبر إلى المنصور أن مطيع بن إياس زنديق وأنه يعاشر ابنه جعفراً وجماعة من أهل بيته ويوشك أن يفسدوا أديانهم وينسبوا إلى مذهبه فقال له المهدي أنا به عارف أما الزندقة فليس من أهلها ولكنه خبيث الدين فاسق مستحل للمحارم قال فأحضره وانهه عن صحبة جعفر وسائر أهله فأحضره المهدي وقال له يا خبيث يا فاسق

قد أفسدت أخي ومن تصحبه من أهلي والله لقد بلغني أنهم يتقادعون عليك ولا يتم لهم سرور إلا بك فقد غررتهم وشهرتهم في الناس ولولا أني شهدت لك عند أمير المؤمنين بالبراءة مما نسبت إليه بالزندقة لقد كان أمر بضرب عنقك وقال للربيع اضربه مائتي سوط واحبسه قال ولم يا سيدي قال لأنك سكير خمير قد أفسدت أهلي كلهم بصحبتك فقال له إن أذنت وسمعت احتججت قال قل قال أنا امرؤ شاعر وسوقي إنما تنفق مع الملوك وقد كسدت عندكم وأنا في أيامكم مطرح وقد رضيت فيها مع سعتها للناس جميعا بالأكل على مائدة أخيك لا يتبع ذلك عشيرة وأصفيته على ذلك شكري وشعري فإن كان ذلك عائبا عندك تبت منه فأطرق ثم قال قد رفع إلي صاحب الخبر أنك تتماجن على السؤال وتضحك منهم قال لا والله ما ذلك من فعلي ولا شأني لا جرى مني قط إلا مرة فإن سائلا أعمى اعترضني وقد عبرت الجسر على بغلتي وظنني من الجند فرفع عصاه في وجهي ثم صاح اللهم سخر الخليفة لأن يعطي الجند أرزاقهم فيشتروا من التجار الأمتعة ويربح التجار عليهم فتكثر أموالهم فتجب فيها الزكاة عليهم فيصدقوا علي منها فنفرت بقلبي من صياحه ورفعه عصاه في وجهي حتى كدت أسقط في الماء فقلت يا هذا ما رأيت أكثر فضولا منك سل الله أن يرزقك ولا تجعل هذه الحوالات والوسائط التي لا يحتاج إليها فإن هذه المسائل فضول فضحك الناس منه ورفع علي في الخبر قولي له هذا فضحك المهدي وقال خلوه ولا يضرب ولا يحبس فقال له أدخل عليك لموجدة وأخرج عن رضى وتبرأ ساحتي من عضيهة وأنصرف بلا جائزة قال لا يجوز هذا أعطوه مائتي دينار ولا

يعلم بها الأمير فيتجدد عنده ذنوبه قال وكان المهدي يشكو له قيامه في الخطباء ووضعه الحديث لأبيه في أنه المهدي فقال له أخرج عن بغداد ودع صحبة جعفر حتى ينساك أمير المؤمنين غدا فقال له فأين أقصد قال أكتب لك إلى سليمان بن علي فيوليك عملا ويحسن إليك قال قد رضيت فوفد إلى سليمان بكتاب المهدي فولاه الصدقة بالبصرة وكان عليها داود بن أبي هند فعزله به
حدثني محمد بن هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة عن ابن عائشة أن مطيع بن إياس قدم على سليمان بن علي بالبصرة وواليها على الصدقة داود بن أبي هند فعزله وولى عليها مطيعا
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة عن بعض البصريين قال كان مالك بن أبي سعدة عم جابر الشطرنجي جميل الوجه حسن الجسم وكان يعاشر حماد عجرد ومطيع بن إياس وشرب معهما فأفسد بينهما وبينه وتباعد فقال حماد عجرد يهجوه
( أتوبُ إلى اللَّه من مالكٍ ... صديقاً ومن صُحبتِي مالكا )
( فإن كنْتُ صاحَبْتُهُ مرةٍ ... فقد تبْتُ يا ربِّ من ذلكا ) - متقارب -
قال وأنشدها مطيعا فقال له مطيع سخنت عينك هكذا تهجو الناس قال فكيف كنت أقول قال كنت تقول
( نظرةً ما نظرْتُها ... يوم أبصرْتُ مالكا )
( في ثيابٍ مُعَصْفَراتٍ ... على الوجه بارِكا )
( تركتْنِي ألُوط من ... بعد ما كنتُ نَاسكا )
( نظرةً ما نظرْتُها ... أوردتْني المهالكا ) - مجزوء الخفيف -

مطيع يشكو الفقر
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال كان مطيع بن إياس منقطعا إلى جعفر بن المنصور فطالت صحبته

له بغير فائدة فاجتمع يوما مطيع وحماد عجرد ويحيى بن زياد فتذاكروا أيام بني أمية وسعتها ونضرتها وكثرة ما أفادوا فيها وحسن مملكتهم وطيب دارهم بالشأم وما هم فيه ببغداد من القحط في ايام المنصور وشدة الحر وخشونة العيش وشكوا الفقر فأكثروا فقال مطيع بن إياس قد قلت في ذلك شعراً فاسمعوا قالوا هات فأنشدهم
( حبّذَا عيشُنا الذي زال عنا ... حبذا ذاك حين لاحَبَّذا ذا )
( أين هذا من ذاك سَقْياً لهذاك ... ولسْنا نقول سَقياً لهذا )
( زاد هذا الزمانُ عُسْراً وشرّاً ... عنْدنا إذ أحلَّنا بغْدَاذَا )
( بَلْدَةٌ تُمطر التُرابَ على الناس ... كما يُمْطِرُ السماءُ الرّذاذا )
( خَرِبتْ عاجلاًوأَخرب ذو العرش ... بأعمالِ أهلِها كَلْواذى )
أخبرني عيسى بن الحسين عن حماد بن أبيه قال لما خرج حماد بن العباس إلى البصرة عاشر جماعة من أهلها وأدبائها وشعرائها فلم يجدهم كما يريد ولم يستطب عشرتهم واستغلظ طبعهم وكان هو ومطيع بن إياس وحماد الراوية ويحيى بن زياد كأنهم نفس واحدة وكان أشدهم أنسا به مطيع بن إياس فقال حماد يتشوقه
( لستُ واللَّهِ بناسِ ... لِمطيع بن إياسِ )
( ذاك إنسانٌ له فضْلٌ ... على كلِّ أُناس )

( غرَسَ اللَّه له في ... كبدي أحلَى غِراس )
( فإذا ما الكاسُ دارتْ ... واحتساها مَن أُحاسِي )
( كان ذِكرانا مُطيعاً ... عندها رَيحانَ كاسي ) - مجزوء الرمل -
حدثنا عيسى بن الحسين عن حماد عن أبيه قال دعا مطيع بن إياس صديقا له من أهل بغداد إلى بستان له بالكرخ يقال له بستان صباح فأقام معه ثلاثة أيام في فتيان من أهل الكرخ مرد وشبان ومغنين ومغنيات فكتب مطيع إلى يحيى بن زياد الحارثي يخبره بأمره ويتشوقه قال
( كم ليلةٍ بالكَرْخ قد بِتُّها ... جَذْلانَ في بستانِ صَبَّاح )
( في مجلسٍ تنفَحُ أرواحُه ... يا طِيْبَها من ريح أرْواحِ )
( يُدِير كأساً فإذا ما دَنَتْ ... حُفَّتْ بأكوابٍ وأقداح )
( في فِتيةٍ بيْضٍ بهاليلَ ما ... إنْ لَهُمُ في الناس مِنْ لاحِ )
( لم يَهْنِني ذاك لِفَقْدِ إمرىءٍ ... أَبْيَضَ مثلِ البدر وضّاحِ )
( كأنما يُشرق من وجهه ... إذا بدا لِي ضوءُ مِصْباحِ ) - سريع -
قال فلما قرأ يحيى هذه الأبيات قام من وقته فركب إليهم وحمل إليهم ما يصلحهم من طعام وشراب وفاكهة فأقاموا فيه أيام على قصفهم حتى ملوا ثم انصرفوا
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل قال قال مطيع بن إياس جلست أنا ويحيى بن زياد إلى فتى من أهل الكوفة كان ينسب إلى الصبوة ويكتم ذاك ففاوضناه وأخذنا في أشعار العرب ووصفها البيد وما أشبه ذلك فقال

( لأحسَنُ من بِيدٍ يَحارُ بِها القَطا ... ومِن جَبَليْ طَيٍّ ووصْفِكما سَلْعا )
( تَلاحُظُ عَيْنَيْ عاشِقَيْن كلاهما ... له مُقْلَةٌ في وجه صاحبِه تَرْعَى ) - طويل -
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو المضاء قال عاتب المهدي مطيع بن إياس في شيء بلغه عنه فقال له يا أمير المؤمنين إن كان ما بلغك عني حقا فما تغني المعاذير وإن كان باطلا فما تضر الأباطيل فقبل عذره وقال فإنا ندعك على حملتك ولا نكشفك والله أعلم
حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي قال اجتمع حماد الراوية ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحكم الوادي يوما على شراب لهم في بستان بالكوفة وذلك في زمن الربيع ودعوا جوهر المغنية وهي التي يقول فيها مطيع
( أنتِ يا جوهرُ عندي جوهرهْ ... في قياسِ الدّررِ المشتهرَه ) - رمل -
فشربوا تحت كرم معروش حتى سكروا فقال مطيع في ذلك

صوت
( خرجْنا نمتطِي الزَّهَرَا ... ونَجْعَلُ سَقْفَنا الشجرَا )
( ونَشْرَبُها مُعتَّقَةً ... تَخالُ بكأسِها شرَرا )
( وجوهرُ عندنا تحكي ... بِدَارةِ وَجْهِها القمرا )
( يزيدك وَجْهُها حُسْنا ... إذا ما زِدْتَه نظرا )
( وجوهرُ قد رأيناها ... فلم نر مثلَها بَشَرا ) - مجزوء الوافر

غنى فيه حكم غناء خفيفا فلم يزالوا يشربون عليه بقية يومهم وقد روي أن بعض هذا الشعر للمهدي وأنه قال منه واحدا وأجازه بالباقي بعض الشعراء وهذا أصح لحن حكيم في هذا الشعر خفيف رمل بالوسطى
حدثنا محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد عن أبيه قال كان مطيع ابن إياس عاقا بأبيه شديد البغض له وكان يهجوه فأقبل يوما من بعد ومطيع يشرب مع إخوان له فلما رآه أقبل على أصحابه فقال
( هذا إياسٌ مَقبلاً ... جاءتْ به إحدى الهَنَاتْ )
( هَوَّزُ فُوْهُ وأنفُه ... كَلَمُنَّ في إحدى الصّفاتْ )
( وكأنّ سَعْفَصَ بطْنُه ... والثَّغْرَ شِيْنُ قُرَيِّشاتْ )
( لما رأيتك أتيا ... أيْقَنْتُ أنكَ شرُّ آتْ ) - مجزوء الكامل -

مدحه لمعن بن زائدة
حدثني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني قال مدح مطيع بن إياس معن بن زائدة بقصيدته التي أولها
( أهْلاً وسهلاً بسيّد العربِ ... ذِي الغُرَرِ الواضحاتِ والنّجُبِ )
( فتى نزارٍ وكهْلِها وأخِي الجودِ ... حَوَى غَايَتَيْهِ من كَثَبِ )
( قيل أتاكُمْ أبو الوَليد فقال ... الناس طُرًّا في السهل والرَّحَب )
( أبو العُفاةِ الذي يلوذُ به ... من كانَ ذا رغْبةٍ وذا رَهَب )

( جاء الذي تُفرَجُ الهمومُ به ... حين يُلَزُّ الوَضِينُ بالْحَقَبِ )
( جاء وجاء المضاءُ يَقْدُمُه ... رأيٌ إذا همَّ غيرُ مؤتَشِب )
( شهْمٌ إذا الحربُ شبَّ دائرُها ... أعادها عَوْدةً على القُطُب )
( يُطفىء نيرانَها ويُوقِدُها ... إذا خبَتْ نارُها بلا حَطَبِ )
( إلاّ بِوقعِ المُذكَّراتِ يُشَبْبَهْنَ ... إذا ما انتُضِيْنَ بالشُّهُب )
( لم أرَ قِرْنا له يُبارِزُه ... إلا أراه كالصَّقْر والخَرَبِ )
( ليْثٌ بخَفَّانَ قد حَمَى أَجَمًا ... فصار منها في منزل أشِبِ )
( شِبْلاه قد أُدّبا به فَهُما ... شِبْهاهُ في جِدِّه وفي لَعِب )
( قد وَمِقا شكلَه وسيرتَه ... وأحكما منه أكرمَ الأدب )
( نِعْمَ الفتى تُقْرَنُ الصِّعابُ به ... عند تَجَاثِي الخصومِ للرُّكَبِ )
( ونِعْمَ ما ليلةُ الشتاءِ إذا اسْتُنْبِحَ ... كلبُ القِرى فلم يُجِبِ )
( لا ونَعْمَ عنده مخالفة ... مثل اختلاف الصعود والصَّبَب )
( يَحْصَرُ مِن لا فلا يُهِمُّ بها ... ومنه تُضْحَى نَعَمْ على أَرَب )
( ترى له الحِلْمَ والنُّهَى خُلُقا ... في صولة مثل جاحِم اللَّهَب )
( سيف الإِمامين ذاكَ وذَا إذا ... قلَّ بُناةُ الوفاءِ والحسبِ )
( ذا هوُدَةٍ لا يُخاف نَبْوَتُها ... ودينُه لا يُشابُ بالرِّيَبِ ) - منسرح

فلما سمعها معن قال له إن شئت مدحناك كما مدحتنتوإن شئت أثبناك فاستحيا مطيع من اختيار الثواب على المديح وهو محتاج إلى الثواب فأنشأ يقول لمعن
( ثناءٌ من أميٍر خيرُ كسْبٍ ... لصاحبِ فاقةٍ وأخي ثراءِ )
( ولكنّ الزمانَ بَرَى عِظامِي ... وما مِثلُ الدراهمِ من دواءِ ) - وافر -
فضحك معن حتى استلقى وقال لقد لطفت حتى تخلصت منها صدقت لعمري ما مثل الدراهم من دواء وأمر له بثلاثين ألف درهم وخلع عليه وحمله
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني المهلبي عن أبيه عن إسحاق قال كان لمطيع بن إياس صديق من العرب يجالسه فضرط ذات يوم وهو عنده فاستحيا وغاب عن المجلس فتفقده مطيع وعرف سبب انقطاعه فكتب إليه وقال
( أظهرْتَ منك لنا هَجْراً ومَقْلِيةً ... وغبْتَ عنا ثلاثاً لسْتَ تغشانا )
( هَوِّن عليك فما الناس ذو إبلٍ ... إلا وأيْنَقُهُ يَشردْن أحيانا ) - بسيط -

مجونه وأصحابه في الصلاة
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثني العباس بن ميمون طائع قال حدثنا بعض شيوخنا البصريين الظرفاء وقد ذكرنا مطيع بن إياس فحدثنا عنه قال
اجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وجميع أصحابهم فشربوا أياما تباعا فقال لهم يحيى ليلة من الليالي وهم سكارى ويحكم ما صلينا منذ ثلاثة أيام فقوموا بنا حتى نصلي فقالوا نعم فقام مطيع فأذن وأقام ثم

قالوا من يتقدم فتدافعوا ذلك فقال مطيع للمغنية تقدمي فصلي بنا فتقدمت تصلي بهم عليها غلالة رقيقة مطيبة بلا سراويل فلما سجدت بان فرجها فوثب مطيع وهي ساجدة فكشف عنه وقبله وقطع صلاته ثم قال
( ولما بدا فَرْجُها جاثماً ... كرأس حلِيقٍ ولم نَعتمِدْ )
( سجَدْتُ إليه وقبَّلتُهُ ... كما يفعل الساجدُ المجتهدْ ) - متقارب -
فقطعوا صلاتهم وضحكوا وعادوا إلى شربهم
حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن القاسم مولى موسى الهادي قال كتب المهدي إلى أبي جعفر يسأله أن يوجه إليه بابنه موسى فحمله إليه فلما قدم عليه قامت الخطباء تهنئه والشعراء تمدحه فأكثروا حتى آذوه وأغضبوه فقام مطيع بن إياس فقال
( أَحْمَدُ اللَّهَ إلهَ الخَلْقِ ... رَبِّ العالمِينَا )
( الذي جاء بموسى ... سالماً في سالمينا )
( الأميرِ ابن الأميِر ابن ... أميِر المؤمنينا ) - مجزوء الرمل -
فقال المهدي لا حاجة بنا إلى قول بعد ما قاله مطيع فأمسك الناس وأمر له بصلة

نصحه ليحيى بن زياد
قال أبو الفرج ونسخت من كتاب لأبي سعيد السكري بخطه قال حدثني ابن أبي فنن أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بهذا الخبر فيما أجار لنا أن يرويه عنه عن أبي أيوب المدائني عن ابن أبي الدواهي وخبر السكري أتم واللفظ له قال كان بالكوفة رجل يقال له أبو الأصبغ له قيان وكان له ابن وضيء حسن الصورة يقال له الأصبغ لم يكن بالكوفة أحسن وجها منه

وكان يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وحماد عجرد وضرباؤهم يألفونه ويعشقونه ويطرفونه وكلهم كان يعشق ابنه أصبغ حتى كان يوم نوروز وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح مع يحيى بن زياد وكان يحيى قد أهدى له من الليل جداء ودجاجاً وفاكهة وشرابا فقال أبو الأصبغ لجواريه إن يحيى ابن زياد يزورنا اليوم فأعددن له كل ما يصلح لمثله ووجه بغلمان له ثلاثة في حوائجه ولم يبق بين يديه أحد فبعث بابنه أصبغ إلى يحيى يدعوه ويسأله التعجيل فلما جاءه استأذن له الغلام فقال له يحيى قل له يدخل وتنح أنت وأغلق الباب ولا تدع الأصبغ يخرج إلا بإذني ففعل الغلام ودخل الأصبغ فأدى إليه رسالة أبيه فلما فرغ راوده يحيى عن نفسه فامتنع فثاوره يحيى وعاركه حتى صرعه ثم رام حل تكته فلم يقدر عليها فقطعها وناكه فلما فرغ أخرج من تحت مصلاه أربعين دينار فأعطاه إياها فأخذها وقال له يحيى امض فإني بالأثر فخرج أصبغ من عنده فوافاه مطيع بن إياس فرآه يتبخر ويتطيب ويتزين فقال له كيف أصبحت فلم يجبه وشمخ بأنفه وقطب حاجبيه وتفخم فقال له ويحك مالك أنزل عليك الوحي أكلمتك الملائكة أبويع لك بالخلافة وهو يوميء برأسه لا لا في كل كلامه فقال له كأنك قد نكت أصبغ بن أبي الأصبغ قال أي والله الساعة نكته وأنا اليوم في دعوة أبيه فقال مطيع فامرأته طالق إن فارقتك أو نقبل متاعك فأبداه له يحيى حتى قبله ثم قال له كيف قدرت

عليه فقال يحيى ما جرى وحدثه بالحديث وقام يمضي إلى منزل أبي الأصبغ فتبعه مطيع فقال له ما تصنع معي والرجل لم يدعك وإنما يريد الخلوة فقال أشيعك إلى بابه ونتحدث فمضى معه فدخل يحيى ورد الباب في وجه مطيع فصبر ساعة ثم دق الباب فاستأذن فخرج إليه الرسول وقال له يقول لك أنا اليوم على شغل لا أتفرغ معه لك فتعذر قال فابعث إلي بدواة وقرطاس فكتب إليه مطيع
( يا أبا الأصبغ لا زلْتَ على ... كل حال ناعماً مُتْبعا )
( لا تصيِّرْنيَ في الودّ كمن ... قَطعَ التِّكَّة قَطْعاً شَنِعا )
( وأتَى ما يشتهي لم يَثْنِه ... خيفةٌ أو حفظُ حقٍّ ضَيِّعا )
( لو ترى الأصبَغَ مُلقًى تحتَه ... مستكيناً خجِلاً قد خَضَعا )
( ولَهُ دَفْعٌ عليه عَجِل ... شَبِقٌ شَاءكَ ما قد صنعَا )
( فادعُ بالأصبغِ واعلَمْ حالَه ... ستَرى أمراً قبيحاً شَنِعا ) - رمل -
قال فقال أبو الأصبغ ليحيى فعلتها يا بن الزانية قال لا والله فضرب بيده إلى تكة ابنه فرآها مقطوعة وأيقن يحيى بالفضيحة فتلكأ الغلام فقال له يحيى قد كان الذي كان وسعى بي إليك مطيع ابن الزانية وهذا ابني وهو والله أفره من ابنك وأنا عربي ابن عربية وأنت نبطي ابن نبطية فنك ابني عشر مرات مكان المرة التي نكت ابنك فتكون

قد ربحت الدنانير وللواحد عشرة فضحك وضحك الجواري وسكن غضب أبي الأصبغ وقال لابنه هات الدنانير يابن الفاعلة فرمى بها إليه وقام خجلا وقال يحيى والله لا أدخل مطيع الساعي ابن الزانية فقال أبو الأصبغ وجواريه والله ليدخلن فقد نصحنا وغششتنا فأدخلناه وجلس يشرب ومعهم يحيى يشتمهم بكل لسان وهو يضحك والله أعلم
أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال حضر مطيع بن إياس وشراعة بن الزندبوذ ويحيى بن زياد ووالبة ابن الحباب وعبد الله بن العياش المنتوف وحماد عجرد مجلسا لأمير من أمراء الكوفة فتكايدوا جميعا عنده ثم اجتمعوا على مطيع يكايدونه ويهجونه فغلبهم جميعا حتى قطعهم ثم هجاهم بهذين البيتين وهما
( وخَمسةٍ قد أبانوا لي كِيَادَهُمُ ... وقد تلظّى لهمْ مِقْلىً وطِنْجيرُ )
( لو يقدرون على لحمي لمزّقه ... قِرْدٌ وكلبٌ وجِرْواهُ وخِنزيرُ ) - بسيط -
أخبرني وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل قال دخل صديق لمطيع بن إياس فرأى غلاما تحته ينيكه وفوق مطيع غلام له يفعل كذلك فهو كأنه في تخت فقال له ما هذا يا أبا سلمى قال هذه اللذة المضاعفة

تعريض حماد بابنة مطيع
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كان حماد الراوية قد هجر مطيعا لشيء بلغه عنه وكان مطيع حلقيا فأنشد شعرا ذات يوم وحماد حاضر فقيل له من يقول هذا يا أبا سلمى قال الحطيئة قال حماد نعم

هذا شعر الحطيئة لما حضر الكوفة وصار بها حلقيا يعرض حماد بأنه كذاب وأنه حلقي فأمسك مطيع عن الجواب وضحك
حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن إسحاق البغوي قال حدثنا ابن الأعرابي عن الفضل قال جاء رجل إلى مطيع بن إياس فقال قد جئتك خاطبا قال لمن قال لمودتك قال قد أنكحتكها وجعلت الصداق ألا تقبل في قول قائل ويقال أن الأبيات التي فيها الغناء المذكور بذكرها أخبار مطيع بن إياس يقولها في جارية له يقال لها جودانة كان باعها فندم فذكر الجاحظ أن مطيعا حلف أنها كانت تستلقي على ظهرها فيشخص كتفاها ومأكمتاها فتدحرج تحتها الرمان فينفذ إلى الجانب الآخر ويقال أنه قالها في امرأة من أبناء الدهاقين كان يهواها وشعره يدل على صحة هذا القول والقول الأول غلط

إشتياقه لجاريته جودانه
أخبرني بخبره مع هذه الجارية أبو الحسن الأسدي قال حدثنا حماد إبن إسحاق عن أبيه عن سعيد بن سالم قال أخبرني مطيع بن إياس الليثي وكان أبوه من أهل فلسطين من أصحاب الحجاج بن يوسف أنه كان مع سلم بن قتيبة فلما خرج إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصته على البريد قال مطيع وكانت لي جارية يقال لها جودانه كنت أحبها فأمرني سلم بالخروج معه فاضطررت إلى بيع الجاريه فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتمنيت أن أكون أقمت

وتتبعتها نفسي ونزلنا حلوان فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى فتذكرت الجارية وأشتقتها وقلت
( أسعِدَاني يا نخلتَيْ حُلْوانِ ... وابكيا لِي من ريْبِ هذا الزمانِ )
( واعلما أنَّ ريْبَه لم يزل يفْرُق ... بين الألأف والجيران )
( ولَعمري لو ذُقْتُما ألمَ الفُرقة ... أَبْكاكُما الذي أبكاني )
( أَسْعِداني وأيقِنا أنَّ نَحْساً ... سوف يلقاكُما فتفترقان )
( كم رَمَتْني صروفُ هذِي الليالي ... بفراق الأحبابِ والخُلاَّنِ )
( غير أني لم تَلْقَ نفسِي كما لاقَيْتُ ... من فُرقة ابنة الدُّهقان )
( جارةِ لي بالرّيّ تُذْهِبُ همِّي ... ويُسَلِّي دُنُوُّها أحزاني )
( فجعتني الأيامُ أغبطَ ما كنْتُ ... بصدعٍ للبين غَيْرَ مُدانِ )
( وبرغمي أن أَصْبَحَتْ لا تراها العينُ ... مني وأصبحَتْ لا تَراني )
( انْ نكنْ ودّعتْ فقد تركتْ بي ... لَهباً في الضمير ليس بوان )

( كحريق الضّرام في قصب الغاب ... زَفَتْهُ رَيحَانِ تختلفان )
( فعليكِ السلامُ مِنِّيَ ما ساغَ ... سلاماً عقلي وفاض لساني ) - خفيف -
هكذا ذكر أبو الحسن الأسدي في هذا الخبر وهو غلط
نسخت خبر هذا من خط أبي أيوب المدائني عن حماد ولم يقل عن أبيه عن سعيد بن سالم عن مطيع قال كانت لي بالري جارية أيام مقامي بها مع سلم بن قتيبة فكنت أتستر بها وكنت أتعشق امرأة من بنات الدهاقين كنت نازلا إلى جنبها في دار لها فلما خرجنا بعت الجارية وبقيت في نفسي علاقة من المرأة التي كنت أهواها فلما نزلنا عقبة حلوان جلست مستندا إلى إحدى النخلتين اللتين على العقبة فقلت
( أَسْعِداني يا نَخْلَتَيْ حُلْوانِ ... وارْثيا لي من ريْبِ هذا الزمانِ )
وذكر الأبيات فقال لي سلم ويلك فيمن هذه الأبيات أفي جاريتك فاستحييت أن أصدقه فقلت نعم فكتب من وقته إلى خليفته أن يبتاعها لي فلم ألبث أن ورد كتابه أني وجدتها قد تداولها الرجال فقد عزفت نفسي عنها فأمر لي بخمسة آلاف درهم ولا والله ما كان في نفسي منها شيء ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إلي بمن تداولها ولم أبالي لو ناكها أهل منى كلهم
أخبرني عمي عن الحسن عن أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله بن أبي سعد عن محمد بن الفضل الهاشمي عن سلام الأبرش قال لما خرج الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان فأشار عليه الطبيب أن يأكل جمارا

فأحضر دهقان حلوان وطلب منه جمارا فأعلمه أن بلده ليس بها نخل ولكن على العقبة نخلتان فمر بقطع إحداهما فقطعت فأتي الرشيد بجمارتها فأكل منها وراح فلما انتهى إلى العقبة نظر إلى إحدى النخلتين مقطوعة والأخرى قائمة وإذا على القائمة مكتوب
( أسْعداني يا نَخْلَتَيْ حُلْوان ... وابكيا لي من ريْبِ هذا الزمانِ )
( أَسعداني وأيْقِنا أنَّ نحساً ... سوف يلقاكُما فتفترقان )
فاغتم الرشيد وقال يعز علي أن أكون نحستكما ولو كنت سمعت بهذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارثي بن أبي أسامة قال حدثني محمد بن أبي محمد القيسي عن أبي سمير عبد الله بن أيوب قال لما خرج المهدي فصار بعقبة حلوان استطاب الموضع فتغدى ودعا بحسنة فقال لها أما ترين طيب هذا الموضع غنيني بحياتي حتى أشرب ها هنا أقداحا فأخذت محكة كانت في يده وأوقعت على مخدة وغنته
( أيا نخلتَيْ وادي بُوانةَ حبَّذا ... إذا نام حُرّاسُ النخيل جَناكُما ) - طويل -
فقال أحسنت ولقد هممت بقطع هاتين النخلتين يعني نخلتي حلوان فمنعني منهما هذا الصوت وقالت له حسنة أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون النحس المفرق بينهما فقال لها وما ذاك فأنشدته أبيات مطيع هذه فلما بلغت قوله

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45