كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .
فَائِدَةٌ : إنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا صَلَاةُ سَائِرِ الْخَلِيقَةِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } أَيْ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ .
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ وَالْقَرْضُ الْحَسَنُ وَالذِّكْرُ الْكَثِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } وَفِي قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .

وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ .
فَرْعٌ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ التَّحِيَّاتُ أَرْبَعٌ : تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ ، وَالْبَيْتِ بِالطَّوَافِ ، وَالْحَرَامِ بِالْإِحْرَامِ ، وَمِنًى بِالرَّمْيِ وَزِيدَ عَلَيْهِ تَحِيَّةُ عَرَفَةَ بِالْوُقُوفِ ، وَتَحِيَّةُ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ بِالسَّلَامِ ، وَالْخُطْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ فَتَكُونُ التَّحِيَّةُ هُنَا بِالْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ ( وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ ) الَّتِي ( قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ ، وَ ) وَقْتِ الَّتِي ( بَعْدَهُ ) وَلَوْ وِتْرًا ( بِفِعْلِهِ ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ ) أَيْ وَقْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ ( بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ ) لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لَهُ ، فَفِعْلُ الْقَبَلِيَّةِ بَعْدَهُ أَدَاءٌ لَكِنَّ الِاخْتِيَارَ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْهُ إلَّا لِمَنْ حَضَرَ وَالصَّلَاةُ تُقَامُ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا سَيَأْتِي ، وَفِعْلُ الْبَعْدِيَّةِ قَبْلَهُ لَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَقْضِيَّةً فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ الرَّاتِبَةِ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ حُكِيَ عَنْ الشَّامِلِ خِلَافُهُ ، وَيُسَنُّ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فِي السَّفَرِ ، سَوَاءٌ أَقَصَرَ أَمْ أَتَمَّ لَكِنَّهَا فِي الْحَضَرِ آكَدُ ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الرَّاتِبَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ .

وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ ) سُنَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ لَا كَصَلَاةِ الضُّحَى ( نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمَّا نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَفِي مُسْلِمٍ نَحْوُهُ { وَقَضَى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَقُضِيَتْ كَالْفَرَائِضِ ، وَسَوَاءٌ السَّفَرُ وَالْحَضَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي .
وَالثَّانِي : لَا يَقْضِي كَغَيْرِ الْمُؤَقَّتِ .
وَالثَّالِثُ : إنْ لَمْ يَتْبَعْ غَيْرَهُ كَالضُّحَى قَضَى لِشَبَهِهِ بِالْفَرْضِ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَإِنْ تَبِعَ غَيْرَهُ كَالرَّوَاتِبِ فَلَا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُؤَقَّتَ أَبَدًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَالثَّانِي يَقْضِي فَائِتَةَ النَّهَارِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ وَفَائِتَةَ اللَّيْلِ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُهُ ، وَالثَّالِثُ : يَقْضِي مَا لَمْ يُصَلِّ الْفَرْضَ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَخَرَجَ بِالْمُؤَقَّتِ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالتَّحِيَّةِ وَالْكُسُوفِ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ .
نَعَمْ لَوْ ابْتَدَأَ نَفْلًا مُطْلَقًا ثُمَّ قَطَعَهُ نُدِبَ لَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ، وَكَذَا لَوْ فَاتَهُ وِرْدٌ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ .

تَتِمَّةٌ : بَقِيَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ صَلَوَاتٌ لَمْ يَذْكُرْهَا .
مِنْهَا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ ، وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَقُولُ فِيهَا ثَلَاثَمِائَةِ مَرَّةٍ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، بَعْدَ التَّحَرُّمِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ ، وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَشْرًا ، وَفِي الرُّكُوعِ عَشْرًا ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالسُّجُودِ الثَّانِي ، فَهَذِهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي أَرْبَعٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ ، وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ، وَحَدِيثُهَا فِي أَبِي دَاوُد وَالْمُسْتَدْرَكِ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ ، وَلَهُ طُرُقٌ يَعْضُدُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُعْمَلُ بِهِ ، لَا سِيَّمَا فِي الْعِبَادَاتِ ، وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَعَدَّهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ فَقَدْ عَلَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً } وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ { فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَوْ رَمْلِ عَالِجٍ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ } .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ .
فَإِنْ صَلَّاهَا لَيْلًا فَالْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ، وَإِنْ صَلَّاهَا نَهَارًا فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِ اسْتِحْبَابِهَا عَنْ جَمْعٍ : وَفِي هَذَا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَهَا ضَعِيفٌ ، وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ صَلَاتِهَا الْمَعْرُوفِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُفْعَلَ .

وَمِنْهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ ، وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْغَفْلَةِ لِغَفْلَةِ النَّاسِ عَنْهَا بِسَبَبِ عَشَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كُتِبَ لَهُ عِبَادَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً } وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا وَيَقُولُ هَذِهِ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ } .
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِنْ خَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَوَّابِينَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ هَذِهِ وَصَلَاةِ الضُّحَى .
وَمِنْهَا رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ ، وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ .
رَوَى التِّرْمِذِيُّ { مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أُمُورِهِ وَمِنْ شَقَاوَتِهِ تَرْكُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ } .
وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ اللَّهَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي سَبَقَ قَلْبُكَ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ } وَرَكْعَتَا الْحَاجَةِ ، وَرَكْعَتَا التَّوْبَةِ ، وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ ، وَعِنْدَ دُخُولِهِ ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ دُخُولِ أَرْضٍ لَمْ يُعْبَدْ اللَّهُ فِيهَا كَدَارِ الشِّرْكِ ، وَعِنْدَ مُرُورِهِ بِأَرْضٍ لَمْ يَمُرَّ بِهَا قَطُّ .
وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ عَقِبَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ .
وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ .
وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ عِنْدَ الْقَتْلِ إنْ أَمْكَنَهُ .
وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَزُفَّتْ إلَيْهِ ، إذْ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الْوِقَاعِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَأَدِلَّةُ هَذِهِ السُّنَنِ مَشْهُورَةٌ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ ثِنْتَا عَشْرَةَ

رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةِ رَجَبٍ ، وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَلَا يَغْتَرُّ بِمَنْ ذَكَرَهُمَا ، وَأَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ بَاقِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ ، ثُمَّ الضُّحَى ، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ غَيْرَ سُنَّةِ الْوُضُوءِ ، كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالتَّحِيَّةِ ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ سَوَاءٌ كَمَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ الْمَجْمُوعِ ، ثُمَّ سُنَّةُ الْوُضُوءِ ، ثُمَّ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ ، وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْضِيلِ مُقَابِلُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ أَفْضَلَ مِنْ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ ، دَلِيلُهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ ، فَمَعَ اخْتِلَافِهِ أَوْلَى ، ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .

وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً ، لَكِنْ الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ .

( وَقِسْمٌ ) مِنْ النَّفْلِ ( يُسَنُّ جَمَاعَةً ) أَيْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ ، إذْ فِعْلُهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ لَا ( كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ ) لِمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ ( أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً ) لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْجَمَاعَةِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِهِ ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَ جِنْسِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَدَدٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ( لَكِنْ الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ ) لِلْفَرَائِضِ ( عَلَى التَّرَاوِيحِ ) لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاتِبَةِ لَا التَّرَاوِيحِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ .
وَالثَّانِي تَفْضِيلُ التَّرَاوِيحِ عَلَى الرَّاتِبَةِ لِسَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا : تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي التَّرَاوِيحِ وَإِلَّا فَالرَّاتِبَةُ أَفْضَلُ مِنْهَا قَطْعًا ، وَأَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ الْعِيدَانِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ عِيدُ الْفِطْرِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ تَكْبِيرَهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْأَضْحَى .
وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : أَنَّ مَنْ صَلَّى عِيدَ الْفِطْرِ فَكَأَنَّمَا حَجَّ ، وَمَنْ صَلَّى عِيدَ الْأَضْحَى فَكَأَنَّمَا اعْتَمَرَ .
قَالَ فِي الْخَادِمِ : لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى لِأَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ ، وَفِيهِ نُسُكَانِ : الْحَجُّ وَالْأُضْحِيَّةُ ، وَقِيلَ إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ ا هـ .
وَرُوِيَ { إنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، فَصَلَاتُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ ، وَتَكْبِيرُ الْفِطْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْبِيرِهِ ، ثُمَّ بَعْدَ الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ كُسُوفُ الشَّمْسِ ، ثُمَّ خُسُوفُ الْقَمَرِ ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ ، ثُمَّ التَّرَاوِيحُ .
وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَعَلَى أَنَّهَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ : إيمَانًا : أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ مُعْتَقِدًا فَضِيلَتَهُ ، وَاحْتِسَابًا : أَيْ إخْلَاصًا ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْغُفْرَانَ مُخْتَصٌّ بِالصَّغَائِرِ .
.

وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاتُهَا مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وَقَالَ : خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا } وَرَوَى ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا } الْحَدِيثَ ، وَكَانَ جَابِرٌ إنَّمَا حَضَرَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ .
وَلِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ : الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَالنِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ قَدْ انْقَطَعَ النَّاسُ عَنْ فِعْلِهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ إلَى زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فُرَادَى خَشْيَةَ الِافْتِرَاضِ كَمَا مَرَّ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ } مَعَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ { هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ } { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } فَكَيْفَ يَقَعُ الْخَوْفُ مِنْ الزِّيَادَةِ ؟ .
أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ بِمَعْنَى جَعْلِ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ ، وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ } فَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنْ

اشْتِرَاطِهِ وَأَمِنَ مَعَ إذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ افْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ ، أَوْ يَكُونُ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ ، أَوْ يَكُونُ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ .
وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً .
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ .
وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً } كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا : أَيْ يَسْتَرِيحُونَ .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَالسِّرُّ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ لِأَنَّ الرَّوَاتِبَ : أَيْ الْمُؤَكَّدَةَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ ا هـ .
وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ ، فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ، فَجَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كُلِّ أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً لِيُسَاوُوهُمْ .
قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِهَا شَرَفًا بِهِجْرَتِهِ وَبِدَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَفِعْلُهَا بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ

الْعِشَاءِ وَلَوْ تَقْدِيمًا وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ ، وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّرَاوِيحَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَتْ ، وَأَخَذَ شَيْخِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا وَصَلَّاهَا بَعْدَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا مَعَ سُنَّتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ .

وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ .
قُلْت : الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا وَإِلَّا فَتَبْطُلُ .

( وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ ) وَهُوَ مَا لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبَ أَيْ لَا حَصْرَ لِعَدَدِهِ وَلَا لِعَدَدِ رَكَعَاتِهِ .
{ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ اسْتَكْثِرْ أَوْ أَقِلَّ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَرُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ كَعْبٍ قَالَ { كُنْت أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ ، فَإِذَا صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةِ أَجْلِسُ بِبَابِهِ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ لَعَلَّهُ يَحْدُثُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةٌ حَتَّى تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَرْقُدَ ، فَقَالَ لِي يَوْمًا : يَا رَبِيعَةُ سَلْنِي ، فَقُلْتُ : أَنْظُرُ فِي أَمْرِي ثُمَّ أُعْلِمُك ، قَالَ : فَفَكَّرْت فِي نَفْسِي وَعَلِمْت أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ وَمُنْقَطِعَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا يَأْتِينِي ، فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَسْأَلُك أَنْ تَشْفَعَ لِي أَنْ يُعْتِقَنِي اللَّهُ مِنْ النَّارِ وَأَنْ أَكُونَ رَفِيقَكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ ؟ .
قُلْت : مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ ، فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ } فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِرَكْعَةٍ وَبِمِائَةِ رَكْعَةٍ ( فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي ) آخِرِ صَلَاتِهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَرِيضَةِ جَازَ ، وَفِي ( كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ) وَفِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَفِي كُلِّ أَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْجُمْلَةِ ( وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً فَرْدَةً وَيَتَحَلَّلَ عَنْهَا كَمَا مَرَّ ، وَإِذَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ جَازَ الْقِيَامُ إلَى الْأُخْرَى ( قُلْت : الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّهُ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُعْهَدْ ، وَإِذَا صَلَّى بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا ، وَإِنْ صَلَّى

بِتَشَهُّدَيْنِ فَأَكْثَرَ قَرَأَ فِي الرَّكَعَاتِ الَّتِي قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَالتَّشَهُّدُ آخِرَ الصَّلَاةِ رُكْنٌ كَسَائِرِ التَّشَهُّدَاتِ الْأَخِيرَةِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ، بَلْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ الَّذِي يَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ رَكْعَتَانِ ( وَإِذَا نَوَى ) قَدْرًا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ( عَدَدًا ) أَوْ رَكْعَةً ( فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ ) عَلَى مَا نَوَاهُ ( وَ ) أَنْ ( يَنْقُصَ ) عَنْهُ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِلْمُصَنِّفِ ، عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْعَدَدِ إذْ الرَّكْعَةُ لَا تَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةُ لَا تُسَمَّى عَدَدًا إذْ الْعَدَدُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحُسَّابِ مَا سَاوَى نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ .
نَعَمْ الْعَدَدُ عِنْدَ النُّحَاةِ مَا وُضِعَ لِكَمِّيَّةِ الشَّيْءِ فَالْوَاحِدُ عِنْدَهُمْ عَدَدٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّكْعَةُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ( بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا ) أَيْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إذْ لَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ .
نَعَمْ الْمُتَيَمِّمُ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ عَدَدٍ نَوَاهُ لَيْسَ لَهُ زِيَادَةٌ كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ النِّيَّةَ قَبْلَهُمَا ( فَتَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا لَمْ تَشْمَلْهَا نِيَّتُهُ .

فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ .
قُلْت : نَفْلُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ ، وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ ، ثُمَّ آخِرُهُ .

( فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ ) مَثَلًا ( ثُمَّ قَامَ إلَى ) رَكْعَةٍ ( ثَالِثَةٍ سَهْوًا ) ثُمَّ تَذَكَّرَ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ ) الزِّيَادَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِزِيَادَةِ الْقِيَامِ ، وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقُعُودِ فِي إرَادَةِ الزِّيَادَةِ ، بَلْ يَمْضِي فِيهَا كَمَا لَوْ نَوَاهَا قَبْلَ الْقِيَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ الزِّيَادَةَ قَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ .
أَمَّا النَّفَلُ غَيْرُ الْمُطْلَقِ كَالْوِتْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ عَمَّا نَوَاهُ ( قُلْت : نَفْلُ اللَّيْلِ ) أَيْ صَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِيهِ ( أَفْضَلُ ) مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي النَّهَارِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ { إنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ } وَلِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الْغَفْلَةِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت النَّفَلَ بِالْمُطْلَقِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ .
مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى تَفْضِيلُ رَوَاتِبِ اللَّيْلِ عَلَى رَوَاتِبِ النَّهَارِ لِتَفْضِيلِهِمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى مَا عَدَا الْوِتْرَ ( وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ ) مِنْ طَرَفَيْهِ إذَا قَسَّمَهُ أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْغَفْلَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَالْعِبَادَةَ فِيهِ أَثْقَلُ ، فَإِنْ أَرَادَ الْقِيَامَ فِي ثُلُثٍ مَا فَالْأَفْضَلُ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ } ( ثُمَّ آخِرُهُ ) أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ إنْ قَسَّمَهُ نِصْفَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ { يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَيْ يَنْزِلُ أَمْرُهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، وَمَنْ

يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ } .

وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ، وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ ، وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا .

( وَ ) يُسْتَحَبُّ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ( أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ) لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا نَوَاهُمَا أَوْ أَطْلَقَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى } وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ .
وَالْمُرَادُ بِمَثْنَى مَثْنَى أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا مَثْنَى مَثْنَى .
أَمَّا التَّنَفُّلُ بِالْأَوْتَارِ فَلَا يُسْتَحَبُّ ( وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ ) لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } وقَوْله تَعَالَى : { كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } وَهُوَ لُغَةً دَفْعُ النَّوْمِ بِالتَّكَلُّفِ : وَالْهُجُودُ النَّوْمُ .
يُقَالُ هَجَدَ إذَا نَامَ ، وَتَهَجَّدَ : إذَا أَزَالَ النَّوْمَ بِالتَّكَلُّفِ ، وَاصْطِلَاحًا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ النَّوْمِ ، فَهُوَ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ ، وَيُسَنُّ لِلْمُتَهَجِّدِ الْقَيْلُولَةُ ، وَهُوَ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّحُورِ لِلصَّائِمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَعِينُوا بِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
فَائِدَةٌ : ذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ الْمُتَهَجِّدَ يَشْفَعُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَرُوِيَ أَنَّ الْجُنَيْدَ رُئِيَ فِي النَّوْمِ ، فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ ؟ فَقَالَ : طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ ، وَغَابَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ ، وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْعُلُومُ ، وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ ، وَمَا نَفَعَنَا إلَّا رَكَعَاتٌ كُنَّا نَرْكَعُهَا عِنْدَ السَّحَرِ ( وَيُكْرَهُ ) قِيَامٌ بِلَيْلٍ يَضُرُّ ، وَمِنْ ذَلِكَ ( قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ

النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ ؟ فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : لَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا } إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ الْبَدَنَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ نَوْمُ النَّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرَ أَيَّامِ النَّهْيِ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِاللَّيْلِ مَا فَاتَهُ مِنْ أَكْلِ النَّهَارِ ، وَبِمَا قَرَّرْته سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ التَّقْيِيدَ بِكُلِّ اللَّيْلِ ظَاهِرَةُ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَالْمُتَّجَهُ تَعَلُّقُهَا بِالْقَدْرِ الْمُضِرِّ وَلَوْ بَعْضَ اللَّيْلِ ، وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ ا هـ .
أَمَّا مَنْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ .
وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ : إنْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ مَشَقَّةً اُسْتُحِبَّ لَهُ لَا سِيَّمَا الْمُتَلَذِّذُ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ وَجَدَ نُظِرَ إنْ خَشِيَ مِنْهَا مَحْذُورًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا ، وَرِفْقُهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ دَائِمًا عَنْ إحْيَاءِ بَعْضِ اللَّيَالِي كَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدِ ، فَيُنْدَبُ إحْيَاؤُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي لِلِاتِّبَاعِ .

وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ ، وَتَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَ ) يُكْرَهُ ( تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ ) بِصَلَاةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي } أَمَّا إحْيَاؤُهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي خُصُوصًا بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِيهَا ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إحْيَاؤُهَا مَضْمُومَةً إلَى مَا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِ يَوْمِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِحْيَاءِ : يُسْتَحَبُّ إحْيَاؤُهَا ، وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ ( وَ ) يُكْرَهُ ( تَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ ) بِلَا عُذْرٍ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ثُمَّ تَرَكَهُ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنْ قَلَّتْ .
خَاتِمَةٌ : يُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ بِاضْطِجَاعٍ عَلَى يَمِينِهِ لِلِاتِّبَاعِ فَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بِاضْطِجَاعٍ فَبِحَدِيثٍ أَوْ تَحَوُّلٍ مِنْ مَكَان أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الِاضْطِجَاعُ أَفْضَلَ ، وَإِنْ اخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَيْرُ الِاضْطِجَاعِ إلَّا عِنْدَ الْعُذْرِ ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِي أُولَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالِاسْتِخَارَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ - { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } - وَفِي الثَّانِيَةِ " الْإِخْلَاصَ " ، أَوْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الصُّبْحِ فِي الْأُولَى " قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ " ، وَفِي الثَّانِيَةِ " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا " ، وَأَنْ يُوقِظَ مَنْ يَطْمَعُ فِي تَهَجُّدِهِ لِيَتَهَجَّدَ فَاسْتِحْبَابُ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلرَّاتِبَةِ أَوْلَى .
قَالَ

تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأُوتِرُ } هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الشَّخْصُ الْقِيَامَ عِنْدَ النَّوْمِ ، وَأَنْ يَمْسَحَ الْمُسْتَيْقِظُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ، وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يَقْرَأَ { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } إلَى آخِرِهَا ، وَأَنْ يَفْتَتِحَ تَهَجُّدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ ، وَإِطَالَةُ الْقِيَامِ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِير عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، وَأَنْ يَنَامَ مَنْ نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَذْهَبَ نَوْمُهُ وَلَا يُعْتَادُ مِنْهُ غَيْرُ مَا يُظَنُّ إدَامَتُهُ عَلَيْهِ ، وَيَتَأَكَّدُ إكْثَارُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ ، وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ آكَدُ ، وَعِنْدَ السَّحَرِ أَفْضَلُ .

كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ هِيَ فِي الْفَرَائِضِ غَيْرَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ ، فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ ، فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ قُوتِلُوا .

كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ } ، أَمَرَ بِهَا فِي الْخَوْفِ فَفِي الْأَمْنِ أَوْلَى ، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً } وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ ، وَمَكَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَانُوا مَقْهُورِينَ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا ، وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا يُفَوِّتُ أَحَدٌ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ قَالَ : وَكَانَ السَّلَفُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ ، وَأَقَلُّهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعَادَةِ ، وَذُكِرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي عَشَرَةِ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً ، وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ دَرَجَاتُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ ( هِيَ ) أَيْ الْجَمَاعَةُ ( فِي الْفَرَائِضِ ) أَيْ الْمَكْتُوبَاتِ ( غَيْرَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ) وَلَوْ لِلنِّسَاءِ لِلْأَحَادِيثِ السَّالِفَةِ .
وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَوْلُ غَيْرَ بِالنَّصْبِ بِمَعْنَى إلَّا أُعْرِبَتْ إعْرَابَ الْمُسْتَثْنَى وَأُضِيفَتْ إلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي

عِلْمِ النَّحْوِ ( وَقِيلَ ) هِيَ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ } أَيْ غَلَبَ { فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ( فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ ) أَيْ شِعَارُ الْجَمَاعَةِ بِإِقَامَتِهَا بِمَحَلٍّ ( فِي الْقَرْيَةِ ) الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ وَالْبَلَدِ بِمَحَالَّ يَظْهَرُ بِهَا الشِّعَارُ وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ بِطَائِفَةٍ ، وَإِنْ قُلْت فَلَوْ أَطْبَقُوا عَلَى إقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا شِعَارٌ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ ( فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ ) مِنْ إقَامَتِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ ( قُوتِلُوا ) أَيْ قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دُونَ آحَادِ النَّاسِ ، وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ فِي الْقَرْيَةِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْبَلَدِ ، وَعَلَى السُّنَّةِ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى الْأَصَحِّ .

وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الْأَصَحِّ ) لِمَزِيَّتِهِمْ عَلَيْهِنَّ .
قَالَ تَعَالَى : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } ، وَالثَّانِي نَعَمْ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَتْ فِي حَقِّهِنَّ فَرْضًا جَزْمًا ( قُلْت : الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِرِجَالٍ أَحْرَارٍ مُقِيمِينَ لَا عُرَاةٍ فِي أَدَاءِ مَكْتُوبَةٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ السَّابِقِ فَلَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا مَرَّ ، وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ السَّادَةِ ، وَلَا عَلَى الْمُسَافِرِينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ ، وَإِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا ، وَلَا عَلَى الْعُرَاةِ بَلْ هِيَ وَالِانْفِرَادُ فِي حَقِّهِمْ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَتُسْتَحَبَّ لَهُمْ ، وَلَا فِي مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ مِنْ نَوْعِهَا بَلْ تُسَنُّ .
أَمَّا مَقْضِيَّةٌ خَلْفَ مُؤَدَّاةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ لَيْسَتْ مِنْ نَوْعِهَا فَلَا تُسَنُّ وَلَا فِي مَنْذُورَةٍ بَلْ وَلَا تُسَنُّ وَلَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّ الْمُفَاضَلَةَ تَقْتَضِي جَوَازَ الِانْفِرَادِ ، وَأَهْلُ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ بِهَا كَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ النَّاجِعِينَ لِرَعْيٍ وَنَحْوِهِ ( وَقِيلَ ) هِيَ ( فَرْضُ عَيْنٍ ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الشُّرُوطِ ، وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِحَدِيثِ { لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ وَرَدَ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ ، وَبِأَنَّهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّقْهُمْ وَإِنَّمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ .
فَإِنْ قُلْت : لَوْ لَمْ يَجُزْ تَحْرِيقُهُمْ لَمَا هَمَّ بِهِ .
أُجِيبَ بِلَعَلَّهُ هَمَّ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ نَزَلَ وَحْيٌ بِالْمَنْعِ أَوْ تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ .

وَ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ ، وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ إلَّا لِبِدْعَةِ إمَامِهِ أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ لِغَيْبَتِهِ .

( وَ ) الْجَمَاعَةُ ( فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى ( أَفْضَلُ ) مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْبَيْتِ ، وَجَمَاعَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } أَيْ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّرَفِ وَالطَّهَارَةِ وَإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَقَالَ : { لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَمِثْلُ النِّسَاءِ الْخَنَاثَى ، وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ ، وَيُكْرَهُ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ تَمْكِينُهُنَّ مِنْهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلِخَوْفِ الْفِتْنَةِ .
أَمَّا غَيْرُهُنَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ وَيُنْدَبُ لِمَنْ ذُكِرَ إذَا اسْتَأْذَنَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُنَّ إذَا أَمِنَ الْمَفْسَدَةَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا اسْتَأْذَنَتْكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ أَوْ وَلِيٌّ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْحُضُورِ حَرُمَ الْمَنْعُ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ : وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِيَعْتَادَهَا ، وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلشَّخْصِ بِصَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ كَمَا مَرَّ ( وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ ) مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( أَفْضَلُ ) مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا ، وَكَذَا مَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا

- أَيْ فَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ فِيمَا ذُكِرَ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ قَلِيلَ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِالْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا ، لِأَنَّ أَصْلَ الْجَمَاعَةِ وُجِدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَامْتَازَتْ هَذِهِ بِالْمَسْجِدِ فَمَحَلُّ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَمْ تُشَارِكْهَا الْأُخْرَى كَأَنْ يُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ جَمَاعَةً وَفِي الْمَسْجِدِ مُنْفَرِدًا .
نَعَمْ لَوْ كَانَ إذَا ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ وَتَرَكَ أَهْلَ بَيْتِهِ لَصَلَّوْا فُرَادَى أَوْ لَتَهَاوَنُوا أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ لَصَلَّى جَمَاعَةً وَإِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى وَحْدَهُ فَصَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ ، وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ قَلَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَثُرَتْ ، بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي : الِانْفِرَادُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَتُنَازِعُ فِيهِ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ ، وَرُبَّمَا يُقَالُ الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ أَغْلَبِيَّةٌ ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا صَلَّى مُفْرَدًا خَشَعَ وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْشَعْ فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ ( إلَّا لِبِدْعَةِ إمَامِهِ ) كَمُعْتَزِلِيٍّ وَقَدَرِيٍّ وَرَافِضِيٍّ ، أَوْ

كَانَ فَاسِقًا غَيْرَ مُبْتَدِعٍ أَوْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ أَوْ الشُّرُوطِ مِنْ حَنَفِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ قَرِيبٌ ) أَوْ بَعِيدٌ ( لِغَيْبَتِهِ ) عَنْهُ لِكَوْنِهِ إمَامَهُ أَوْ يَحْضُرُ النَّاسُ بِحُضُورِهِ فَقَلِيلُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ فِي ذَلِكَ ، بَلْ الِانْفِرَادُ كَذَلِكَ فِي الْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ فَقَطْ وَمِثْلُهَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ كَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّمِيرِيُّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي ، وَلِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْمَتْنِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ كَمَا زِدْتُهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا صُوَرٌ قَلِيلُ الْجَمْعِ فِيهَا أَوْلَى مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ يُبَادِرُ إمَامُهُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمَحْبُوبِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ بَطِيئَهَا لَا يُدْرِكُ مَعَهُ الْفَاتِحَةَ ، قَالَ الْغَزَالِيُّ : فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ إمَامٍ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ شُبْهَةٌ ، وَكَثِيرُ الْجَمْعِ بِخِلَافِهِ لِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ فَالسَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى ، فَإِنْ اسْتَوَى الْمَسْجِدَانِ فِي الْجَمَاعَةِ فَالْأَقْرَبُ مَسَافَةً لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ ، ثُمَّ مَا انْتَفَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ عَنْ مَالِ بَانِيهِ وَوَاقِفِهِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ .
نَعَمْ إنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مُتَرَتِّبًا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ إلَى الْأَوَّلِ أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ مُؤَذِّنَهُ دَعَاهُ أَوَّلًا .

وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَضِيلَةٌ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ ، وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ رُكُوعٍ ، وَالصَّحِيحُ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ

( وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ) مَعَ الْإِمَامِ ( فَضِيلَةٌ ) لِحَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ : بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ } وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ لَكِنَّهُ مِنْ الْفَضَائِلِ فَيُتَسَامَحُ فِيهِ ، وَرُوِيَ { لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى فَحَافِظُوا عَلَيْهَا } رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا ( وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ ) مَعَ حُضُورِهِ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِهِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا } وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَإِبْطَاؤُهُ بِالْمُتَابَعَةِ - لِوَسْوَسَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ - عُذْرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْطَأَ لِغَيْرِ وَسْوَسَةٍ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِ إمَامِهِ ، أَوْ لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ : إنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي الْقِرَاءَةِ غَيْرُ عُذْرٍ فِي التَّخَلُّفِ بِتَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ لِطُولِ زَمَنِهِمَا ( وَقِيلَ ) تَحْصُلُ ( بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ( وَقِيلَ ) تَحْصُلُ ( بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ( وَقِيلَ بِأَوَّلِ رُكُوعٍ ) لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ قِيَامِهَا بِدَلِيلِ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِهِ مَعَ الْإِمَامِ ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إحْرَامَ الْإِمَامِ ، فَأَمَّا مَنْ حَضَرَهُ وَأَخَّرَ فَقَدْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ، حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَسِيطِ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ لَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْإِسْرَاعُ ، بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا لِخَبَرِ

الصَّحِيحَيْنِ { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا } نَعَمْ لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَشِيَ فَوَاتَهُ فَلْيُسْرِعْ كَمَا لَوْ خَشِيَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ ، وَكَذَا لَوْ امْتَدَّ الْوَقْتُ وَكَانَتْ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَتَعَطَّلَتْ .
قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ : أَمَّا لَوْ خَافَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فَالْمَنْقُولُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ وَإِنْ كَانَتْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْرِعُ ( وَالصَّحِيحُ إدْرَاكُ ) فَضِيلَةِ ( الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ ) الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ مَعَهُ بِأَنْ انْتَهَى سَلَامُهُ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِإِدْرَاكِهِ رُكْنًا مَعَهُ لَكِنَّهُ دُونَ فَضْلِ مَنْ يُدْرِكُهَا مِنْ أَوَّلِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ فَضْلَهَا بِذَلِكَ لَمُنِعَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ زِيَادَةً بِلَا فَائِدَةٍ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي .
أَمَّا إذَا سَلَّمَ مَعَ تَحَرُّمِهِ بِأَنْ انْتَهَى تَحَرُّمُ الْمَأْمُومِ مَعَ انْتِهَاءِ سَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا تَحْصُلُ لَهُ الْجَمَاعَةُ بَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فُرَادَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ .

وَلْيُخَفِّفْ الْإِمَامُ مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ .

فَرْعٌ : دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً ثَانِيَةً ، وَجَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِهِ ، وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُوَافِقُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، بَلْ الْأَفْضَلُ لِلشَّخْصِ إذَا سُبِقَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَرَجَا جَمَاعَةً أُخْرَى يُدْرِكُ مَعَهَا الصَّلَاةَ جَمِيعهَا فِي الْوَقْتِ التَّأْخِيرُ لِيُدْرِكَهَا بِتَمَامِهَا مَعَهَا ، وَهَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ يُعِيدَهَا مَعَ الْآخَرِينَ ( وَلْيُخَفِّفْ الْإِمَامُ ) نَدْبًا الصَّلَاةَ ( مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ ) أَيْ السُّنَنِ غَيْرِ الْأَبْعَاضِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطِلْ مَا شَاءَ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِأَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ ، وَلَا يَسْتَوْفِي الْأَكْمَلَ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ ) أَيْ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ وَهُمْ أَحْرَارٌ غَيْرُ أُجَرَاءَ إجَارَةَ عَيْنٍ فَيُسَنُّ لَهُ التَّطْوِيلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَاسْتِحْبَابُ التَّطْوِيلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَصْدُقُ بِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمْ أَوْ اخْتَلَفُوا لَمْ يُطَوِّلْ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَّا إنْ قَلَّ مَنْ لَمْ يَرْضَ كَوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ ،

فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ نَحْوَهَا خَفَّفَ ، وَإِنْ كَثُرَ حُضُورُهُ طَوَّلَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الرَّاضِينَ وَلَا يُفَوِّتُ حَقَّهُمْ لِهَذَا الْفَرْدِ الْمُلَازِمِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَخْفِيفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبُكَاءِ الصَّبِيِّ ، وَلِإِنْكَارِهِ عَلَى مُعَاذٍ التَّطْوِيلَ لَمَّا شَكَاهُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ ، وَرُدَّ النَّظَرُ بِأَنَّ قَضِيَّةَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ وَقَضِيَّةَ مُعَاذٍ لَمْ يَكْثُرَا فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْغَزِّيُّ .
أَمَّا الْأَرِقَّاءُ وَالْأُجَرَاءُ إجَارَةَ عَيْنٍ فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُمْ بِالتَّطْوِيلِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ التَّطْوِيلُ عَلَى قَدْرِ صَلَاتِهِمْ مُنْفَرِدِينَ بِغَيْرِ إذْنٍ فِيهِ مِنْ أَرْبَابِ الْحُقُوقِ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَتَى رَضِيَ مَحْصُورُونَ وَإِنْ كَانُوا بَعْضَ الْقَوْمِ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّطْوِيلُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَلِذَا قُلْت : لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ .

وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهْ انْتِظَارُهُ فِي الْأَظْهَرِ إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ .
قُلْت : الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا .

( وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ ) سَوَاءٌ كَانَ عَادَتُهُمْ الْحُضُورَ أَمْ لَا ، أَوْ رَجُلٌ شَرِيفٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لِلْإِضْرَارِ بِالْحَاضِرِينَ وَلِتَقْصِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ انْتِظَارِهِمْ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَصْرِيحِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي تَطْوِيلٍ زَائِدٍ عَلَى هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَطْوِيلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ هَيْئَاتِهَا فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ ، وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الدُّخُولِ وَحَضَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَرَجَوْا زِيَادَةً نُدِبَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ وَلَا يَنْتَظِرَهُمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَفْضَلُ مِنْهَا آخِرَهُ بِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ .
قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَالْمُرَادُ بِآخِرِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ .
قَالَ : فَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَمْ يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ أَيْ لَا يَحِلُّ حَلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ ، بَلْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي ( وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ ) غَيْرِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْخُسُوفِ ( أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ ) مَحَلَّ الصَّلَاةِ يَأْتَمُّ بِهِ ( لَمْ يُكْرَهْ ) لَهُ ( انْتِظَارُهُ ) بَلْ يُبَاحُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ مُلَفَّقَةٍ مِنْ طُرُقٍ ثَمَانِيَةٍ ( إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ ) أَيْ فِي الِانْتِظَارِ بِأَنْ يُطَوِّلَهُ تَطْوِيلًا لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَظَهَرَ أَثَرُهُ .
نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ ( وَلَمْ يَفْرُقْ ) بِضَمِّ الرَّاءِ ( بَيْنَ الدَّاخِلِينَ ) بِانْتِظَارِ بَعْضِهِمْ لِصَدَاقَةٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ سِيَادَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دُونَ

بَعْضٍ بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِظَارِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلتَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ ( قُلْت : الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ ) بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ طَوَّلَ أَوْ فَرَّقَ .
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ مُطْلَقًا ( وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا ) أَيْ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْ قِيَامٍ وَغَيْرِهِ .
أَمَّا إذَا أَحَسَّ بِخَارِجٍ عَنْ مَحَلِّ الصَّلَاةِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ انْتِظَارُهُ لِلَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بَالَغَ فِي الِانْتِظَارِ ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ ، أَوْ انْتَظَرَهُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ كَأَنْ انْتَظَرَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعًا بَلْ يُكْرَهُ الِانْتِظَارُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ .
وَأَمَّا إذَا خَالَفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ .
نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي .
وَنَقْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَى بُطْلَانِهَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعَلَّلَهُ بِالتَّشْرِيكِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ الِانْتِظَارِ صُوَرٌ مِنْهَا مَا إذَا خَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِالِانْتِظَارِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ لَا يَعْتَقِدُ إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ أَوْ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ مَا ذُكِرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ يَعْتَادُ الْبُطْءَ وَتَأْخِيرَ التَّحَرُّمِ إلَى الرُّكُوعِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ فِي جَمَاعَةٍ كَلَا جَمَاعَةٍ ، وَالْمُتَّجَهُ فِي هَذِهِ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ عَنْ الْمَأْمُومِ فِي إسْقَاطِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ .
فَرْعٌ : وَجَدَ مُصَلِّيًا

جَالِسًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ أَوْ لَا ؟ وَكَذَا لَوْ رَآهُ فِي وَقْتِ الْكُسُوفِ وَشَكَّ فِي أَنَّهُ كُسُوفٌ أَوْ غَيْرُهُ ؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الْمُتَّجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ .
تَنْبِيهٌ : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَحَسَّ يَعُودُ عَلَى الْإِمَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْمُصَلِّي لِلْعِلْمِ بِهِ لِيَشْمَلَ الْمُنْفَرِدَ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالِانْتِظَارِ مِنْ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى حُكْمِهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ عَدَمُ التَّطْوِيلِ إذْ لَيْسَ وَرَاءَهُ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِتَطْوِيلِهِ ، وَقَوْلُهُ أَحَسَّ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ } ، وَفِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ بِلَا هَمْزٍ .

وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا ، وَفَرْضُهُ الْأُولَى فِي الْجَدِيدِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ .

( وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي ) صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُؤَدَّاةً ( وَحْدَهُ ، وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا ) مَرَّةً فَقَطْ ( مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا ) فِي الْوَقْتِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ كَانَ إمَامُ الثَّانِيَةِ مَفْضُولًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى الصُّبْحَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ ، فَقَالَ : مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا ؟ قَالَا : صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا .
فَقَالَ : إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ } { وَقَالَ : وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ صَلَاتِهِ الْعَصْرَ رَجُلٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ } رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا .
وَقَوْلُهُ : صَلَّيْتُمَا يَصْدُقُ بِالِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقْصُرُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ حَصَّلَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَجَوَابُهُ مَنْعُ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ جَمَاعَةٍ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَ مُنْفَرِدٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا مَعَهُ جَزْمًا وَلَوْ كَانَ صَلَّى أَوَّلًا فِي جَمَاعَةٍ ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا مُنْفَرِدًا فِيمَا لَوْ تَلَبَّسَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْحَاضِرَةَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ، وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَنْذُورَةُ إذْ لَا تُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَمَا مَرَّ ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ إذْ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي ، وَالنَّافِلَةُ الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا .
أَمَّا مَا تُسَنُّ فِيهَا فَالْقِيَاسُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهَا كَالْفَرْضِ فِي سَنِّ الْإِعَادَةِ ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَلَا تُعَادُ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ فُرِضَ الْجَوَازُ

لِعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ فَالْقِيَاسُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِمَكَانٍ ثُمَّ سَافَرَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فَوَجَدَهُمْ يُصَلُّونَهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَمَحَلُّ سَنِّ الْإِعَادَةِ لِمَنْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَأَجْزَأَتْهُ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ لِبَرْدٍ أَوْ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا : إحْدَاهُمَا : مَا إذَا كَانَ الِانْفِرَادُ لَهُ أَفْضَلَ كَالْعَارِي .
الثَّانِيَةُ : مَا لَوْ صَلَّى مَعْذُورٌ الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَدْرَكَ مَعْذُورِينَ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ .
قَالَ : فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعِيدَ ا هـ .
وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْإِعَادَةُ وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تُسْتَحَبُّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ، وَقُوَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ تُرْشِدُ إلَيْهِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتَصْوِيرُهُمْ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا تُسَنُّ إذَا حَضَرَ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْأُولَى ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاقُ ذَلِكَ الْوَقْتِ ا هـ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ ، وَيَنْتَفِي اللَّازِمُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ .
تَنْبِيهٌ : مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِعَادَةِ الْإِعَادَةُ اللُّغَوِيَّةُ لَا الِاصْطِلَاحِيَّةُ ، وَهِيَ الَّتِي سَبَقَتْ بِأَدَاءٍ مُخْتَلٍّ ، وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا فَأَمَّا بَعْدَ فَوَاتِهِ فَلَا تُسَنُّ قَطْعًا .
قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُذَاكَرَةِ ( وَفَرْضُهُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( الْأُولَى فِي الْجَدِيدِ ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِسُقُوطِ الْخِطَابِ بِهَا ، وَالْقَدِيمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا أَنَّ الْفَرْضَ إحْدَاهُمَا وَيَحْتَسِبُ اللَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ مِنْهُمَا ، وَقِيلَ

الْفَرْضُ كِلَاهُمَا ، وَالْأُولَى مُسْقِطَةٌ لِلْحَرَجِ لَا مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ ، فَإِذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ فَرْضًا أَيْضًا ، وَكَذَا فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ كُلُّهَا ، وَقِيلَ الْفَرْضُ أَكْمَلُهَا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَرْضُهُ الْأُولَى إذَا أَغْنَتْ عَنْ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ الْمُغْنِيَةُ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ( وَالْأَصَحُّ ) عَلَى الْجَدِيدِ ( أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ ) لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ فِي فَرْضِ وَقْتِهِ حَتَّى يَكُونَ كَمَنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا فِي جَمَاعَةٍ ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا .
قَالَ بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَيَكُونُ ظُهْرُهُ نَفْلًا كَظُهْرِ الصَّبِيِّ .
وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَنْوِي إعَادَةَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَا تَكُونَ نَفْلًا مُبْتَدَأً لَا إعَادَتَهَا فَرْضًا ، وَقَالَ الرَّازِيّ : يَنْوِي مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا الْفَرْضَ عَلَيْهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ، وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ مَا فِي الْكِتَابِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ ، وَهُوَ هَلْ فَرْضُهُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ ؟ أَوْ يَحْتَسِبُ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ ، وَهُوَ أَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ نَفْلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ ، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى إذَا رَأَى مَنْ يُصَلِّي تِلْكَ الْفَرِيضَةَ وَحْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ ، وَهَذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ

إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الشَّفَاعَةُ إلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَ الْحَاضِرِ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ ، وَأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوقَ لَا يُكْرَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ عَلَى الْجَدِيدِ خَلَلًا فِي الْأُولَى وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ وَتَرَجَّاهُ السُّبْكِيُّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا .

وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا ، وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ إلَّا بِعُذْرٍ عَامٍّ كَمَطَرٍ أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ بِاللَّيْلِ ، وَكَذَا وَحَلٌّ شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، أَوْ خَاصٍّ كَمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ ، وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ ، وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ ، وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ ، وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ مُعْسِرٍ ، وَعُقُوبَةٍ يُرْجَى تَرْكُهَا ، إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا ، وَعُرْيٍ وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ ، وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتَضِرٍ أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ ، أَوْ يَأْنَسُ بِهِ .

( وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا ) أَيْ الْجَمَاعَةِ ( وَإِنْ قُلْنَا ) هِيَ ( سُنَّةٌ ) لِتَأَكُّدِهَا ( إلَّا بِعُذْرٍ ) لِخَبَرِ { مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَيْ كَامِلَةً إلَّا مِنْ عُذْرٍ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ السُّنَّةُ يَجُوزُ تَرْكُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، فَكَيْفَ يُقَالُ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا ، وَإِنْ قُلْنَا : سُنَّةٌ إلَّا بِعُذْرٍ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ تَهْوِينُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْعُذْرِ ، وَلِذَلِكَ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّا إذَا قُلْنَا سُنَّةٌ قُوتِلَ تَارِكُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْتِي مَعَ الْعُذْرِ بَلْ لَا يُقَاتَلُ قَطْعًا ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُدَاوِمِ عَلَى تَرْكِهَا لِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْمُدَاوِمِ عَلَى تَرْكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالْجَمَاعَةِ وَجَبَتْ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرُّخْصَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ .
وَالرُّخْصَةُ بِسُكُونِ الْخَاءِ ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا ، لُغَةً : التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ ، وَاصْطِلَاحًا : الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ بِعُذْرٍ ( عَامٍّ كَمَطَرٍ ) أَوْ ثَلْجٍ يَبُلُّ الثَّوْبَ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالِنَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ } ، وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ مَشَقَّةٍ بِالْخُرُوجِ مَعَ الْمَطَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَرَضِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْخَفِيفِ وَلَا بِالشَّدِيدِ إذَا كَانَ يَمْشِي فِي كِنٍّ ، وَلَوْ تَقَطَّرَ الْمَطَرُ مِنْ سُقُوفِ الْأَسْوَاقِ كَانَ عُذْرًا فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ النَّجَاسَةُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ( أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ ) أَيْ شَدِيدٍ (

بِاللَّيْلِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا { أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ، فَقَالَ : أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ : أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي رِوَايَةٍ { كَانَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُمْطِرَةِ وَاللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ : أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَلِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَارِدَةً أَمْ لَا ، وَعَبَّرَ فِي الْمُهَذَّبِ بِالْبَارِدَةِ ، وَجَمَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَهُمَا .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ وَحْدَهَا عُذْرٌ بِاللَّيْلِ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ مَنْ عَبَّرَ بِالْبَارِدَةِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاخْتِيَارِهِ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ ، فَقَالَ : الْمُخْتَارُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الظُّلْمَةِ وَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ عُذْرٌ بِاللَّيْلِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ لَيْلًا وَالشَّدِيدَةُ نَهَارًا .
نَعَمْ الْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ ؛ كَاللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْمَغْرِبِ وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ ( وَكَذَا وَحَلٌ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ ( شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الْمَطَرِ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ مِنْهُ .
وَالشَّدِيدُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلْوِيثُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ .
لَكِنْ تُرِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ التَّقْيِيدُ بِالشَّدِيدِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَفِيفِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ ، وَجَرَى عَلَى التَّقْيِيدِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : حَدِيثُ ابْنِ حِبَّانَ الْمُتَقَدِّمُ

أَصَابَهُمْ مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالِهِمْ وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ " ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النِّدَاءَ فِي الْحَدِيثِ كَانَ لِلْمَطَرِ كَمَا مَرَّ ، وَالْكَلَامُ فِي الْوَحَلِ بِلَا مَطَرٍ ( أَوْ خَاصٍّ كَمَرَضٍ ) يَشُقُّ الْمَشْيُ مَعَهُ كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْمَطَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُسْقِطُ الْقِيَامَ فِي الْفَرِيضَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا مَرِضَ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِالنَّاسِ أَيَّامًا كَثِيرَةً } .
أَمَّا الْخَفِيفُ كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ ( وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ ) لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِمَا كَالْمَشَقَّةِ فِي الْمَطَرِ ، وَإِطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .
لَكِنْ اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ عَلَى الظُّهْرِ ، وَكَذَا أَصْلُهَا فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ .
لَكِنْ كَلَامُهُ بَعْدُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ا هـ .
وَذَكَرَهُ هُنَا كَالْمُحَرَّرِ مِنْ الْخَاصِّ ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ مِنْ الْعَامِّ وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّهُمَا إنْ أَحَسَّ بِهِمَا ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ دُونَ قَوِيِّهَا فَهُمَا مِنْ الْخَاصِّ ، وَإِنْ أَحَسَّ بِهِمَا قَوِيُّهَا فَهُمَا مِنْ الْعَامِّ إذْ يُحِسُّ بِهِمَا ضَعِيفُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى وَمِنْ الْخَاصِّ شِدَّةُ النُّعَاسِ وَلَوْ فِي انْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ ، وَمِنْ الْعَامِّ السَّمُومُ ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الرِّيحُ الْحَارَّةُ ، وَالزَّلْزَلَةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ لِمَشَقَّةِ الْحَرَكَةِ فِيهِمَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا ( وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَالْمَطْعُومُ حَاضِرٌ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ : أَوْ لَيْسَ بِحَاضِرٍ أَيْ وَقَرُبَ حُضُورُهُ ، وَنَفْسُهُ تَتُوقُ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ

تَشْتَاقُ إلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ } وَقَوْلِ الْمُهِمَّاتِ : الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّوَقَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَلَا عَطَشٌ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ تَتُوقُ النَّفْسُ إلَيْهَا عِنْدَ حُضُورِهَا بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ قَالَ شَيْخُنَا : مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ مُفَارَقَتُهُمَا لِلتَّوَقَانِ إذْ التَّوَقَانُ إلَى الشَّيْءِ الِاشْتِيَاقُ إلَيْهِ لَا الشَّوْقُ ، فَشَهْوَةُ النَّفْسِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِدُونِهِمَا لَا تُسَمَّى تَوَقَانًا ، وَإِنَّمَا تُسَمَّاهُ إذَا كَانَتْ بِهِمَا بَلْ بِشِدَّتِهِمَا ( وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ } فَيَتَخَلَّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ نَدْبًا لِيَتَفَرَّغَ عَنْ الْحَدَثِ وَيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ فِي الْجُوعِ بِأَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ يَكْسِرُ بِهَا سَوْرَتَهُ .
لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ تَصْوِيبُ إكْمَالِ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَكْلِ قَالَ : وَمَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُ يَأْكُلُ لُقَمًا تَكْسِرُ سَوْرَةَ الْجُوعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، فَلَوْ خَشِيَ بِتَخَلُّفِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ صَلَّى وُجُوبًا مُدَافِعًا وَجَائِعًا وَعَطْشَانَ وَلَا كَرَاهَةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ( وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى ) مَعْصُومٍ مِنْ ( نَفْسٍ ) أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ( أَوْ مَالٍ ) أَوْ عَرَضٍ أَوْ حَقٍّ أَوْ لِمَنْ يَلْزَمُهُ الذَّبُّ عَنْهُ حَتَّى عَلَى خُبْزِهِ فِي التَّنُّورِ وَطَبِيخِهِ فِي الْقِدْرِ عَلَى النَّارِ وَلَا مُتَعَهِّدَ يَخْلُفُهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِعُذْرٍ ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ كَالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا قَصَدَ إسْقَاطَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ فِي طَرِيقِهِ ، وَكَذَا التَّحِيَّةُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ .
أَمَّا خَوْفُهُ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ

هُوَ ظَالِمٌ فِي مَنْعِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ ، بَلْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَتَوْفِيَةُ الْحَقِّ ( وَ ) خَوْفِ ( مُلَازَمَةِ ) أَوْ حَبْسِ ( غَرِيمِ مُعْسِرٍ ) بِإِضَافَةِ غَرِيمِ إلَى مُعْسِرٍ ، وَالْمُرَادُ مُلَازَمَةُ غَرِيمِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ ، وَفُهِمَ هَذَا مِنْ عِبَارَتِهِ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ قَلِقٌ ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا عَسُرَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ وَإِلَّا لَمْ يُعْذَرْ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ فَوُجُودُهَا كَالْعَدَمِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ فِي الْإِعْسَارِ .
أَمَّا إذَا قَبِلَ كَأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَصَدَاقِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَعَلِمَ الْمُدَّعِي بِإِعْسَارِهِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا ، وَالْغَرِيمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَرَامِ وَهُوَ الدَّوَامُ .
قَالَ تَعَالَى : { إنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا } فَأَطْلَقُوهُ هُنَا لِدَوَامِ الطَّلَبِ ، وَيُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْمَدِينِ وَالدَّائِنِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ( وَ ) خَوْفِ ( عُقُوبَةٍ ) كَتَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ مِمَّا يَقْبَلُ الْعَفْوَ .
( يُرْجَى تَرْكُهَا إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا ) يَسْكُنُ فِيهَا غَيْظُ الْمُسْتَحِقِّ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُهُ كَحَدِّ الزِّنَا ، وَكَذَا مَا يَقْبَلُ إذَا لَمْ يُرْجَ التَّرْكُ لَوْ تَغَيَّبَ ، وَقَدْ خَرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُرْجَى تَرْكُهَا .
وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ جَوَازَ التَّغَيُّبِ لِمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ ، فَإِنَّ مُوجِبَهُ كَبِيرَةٌ ، وَالتَّخْفِيفُ يُنَافِيهِ .
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالتَّغَيُّبَ طَرِيقُهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْإِشْكَالُ أَقْوَى .
تَنْبِيهٌ : قَالَ بَعْضُهُمْ : يُسْتَفَادُ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّيْخَيْنِ رَجَاءَ الْعَفْوِ بِتَغَيُّبِهِ أَيَّامًا أَنَّ الْقِصَاصَ لَوْ كَانَ لِصَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ التَّغَيُّبُ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ

يَتْرُكَ الْجُمُعَةَ سِنِينَ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : قَوْلُهُمَا أَيَّامًا لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي كَلَامِهِمَا ، وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا ، وَيَظْهَرُ الضَّبْطُ بِأَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ يَجُوزُ لَهُ التَّغَيُّبُ ، فَإِنْ يَئِسَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْعَفْوِ حَرُمَ التَّغَيُّبُ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَبِذَلِكَ تَرَكَ ابْنُ الْمُقْرِي هَذَا التَّقْيِيدَ ( وَعُرْيٍ ) وَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي خُرُوجِهِ بِغَيْرِ لِبَاسٍ يَلِيقُ بِهِ .
كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ اعْتَادَ الْخُرُوجَ مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا عِنْدَ فَقْدِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَأَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ كَالْقَبَاءِ لِلْفَقِيهِ كَالْمَعْدُومِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ ( وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ ) مُبَاحٍ يُرِيدُهُ ( مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ ) وَيَخَافُ مِنْ التَّخَلُّفِ لِلْجَمَاعَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ يَسْتَوْحِشُ فَقَطْ لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُمْ ( وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ ) كَبَصَلٍ أَوْ فُجْلٍ أَوْ ثُومٍ أَوْ كُرَّاثٍ نِيءٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ ثُومًا أَوْ كُرَّاثًا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَفِي رِوَايَةٍ الْمَسَاجِدَ ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ } زَادَ الْبُخَارِيُّ .
قَالَ جَابِرٌ : مَا أَرَاهُ إلَّا نِيئَهُ ، وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ أَوْ فُجْلًا .
هَذَا إنْ تَعَسَّرَ زَوَالُ رِيحِهِ بِغَسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَسَّرْ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِزَوَالِ رِيحِهِ ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ بِقَوْلِهِ كَرِيهٍ وَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَحْسَنَ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ لَكِنَّهَا اُغْتُفِرَتْ لِقِلَّتِهَا ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْبَخَرِ وَالصُّنَانِ الْمُسْتَحْكِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ،

وَتُوُقِّفَ فِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّ التَّأَذِّي بِهِمَا أَشَدُّ مِنْهُ بِأَكْلِ الثُّومِ وَنَحْوِهِ ، قَالَ : وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجْذُومَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلَّذِي أَكَلَ مَا سَبَقَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ ، وَصَرَّحَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلتَّدَاوِي يُعْذَرُ فِي الْحُضُورِ وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ ، وَالْمَعْنَى وَهُوَ التَّأَذِّي يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ( وَحُضُورِ ) نَحْوِ ( قَرِيبٍ ) كَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ وَصَدِيقٍ وَصِهْرٍ ( مُحْتَضَرٍ ) أَيْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَحَضَرَ عِنْدَ قَرِيبِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ نَزَلَ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِغَيْبَتِهِ عَنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَأَلَّمُ بِذَهَابِ الْمَالِ .
وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِمَنْ ذُكِرَ الْأُسْتَاذَ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ الْعَتِيقِ وَالْمُعْتِقِ بِهِمْ أَيْضًا ( أَوْ ) حُضُورِ ( مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ ) لَهُ لِئَلَّا يَضِيعَ سَوَاءٌ أَكَانَ قَرِيبًا أَمْ أَجْنَبِيًّا إذَا خَافَ هَلَاكَهُ إنْ غَابَ عَنْهُ ، وَكَذَا لَوْ خَافَ عَلَيْهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا عَلَى الْأَصَحِّ ( أَوْ يَأْنَسُ ) الْقَرِيبُ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( بِهِ ) وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْأُنْسَ عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَوْ قَالَ : وَحُضُورُ قَرِيبٍ مُحْتَضَرٍ أَوْ كَانَ يَأْنَسُ بِهِ أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ لَكَانَ أَوْلَى ، وَقَالَ الشَّارِحُ : إنَّ

قَوْلَهُ أَوْ مَرِيضٍ عَطْفٌ عَلَى مُحْتَضَرٍ فَيَفُوتُ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يُعْذَرُ لِأَجْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَعَهِّدُ مُشْتَغِلًا بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ مَثَلًا عَنْ الْخِدْمَةِ ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَهِّدٌ .
تَتِمَّةٌ : بَقِيَ مِنْ الْأَعْذَارِ السِّمَنُ الْمُفْرِطُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَرَوَى فِيهِ خَبَرًا ، وَكَوْنُهُ مِنْهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ الذَّخَائِرِ ، وَزِفَافُ زَوْجَةٍ فِي الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَسْمِ ، وَغَلَبَةُ النُّعَاسِ وَالنَّوْمِ إنْ انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ وَالْبَحْثُ عَنْ ضَالَّةٍ يَرْجُوهَا ، وَالسَّعْيُ فِي اسْتِرْدَادِ مَغْصُوبٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ جَعْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَعْذَارًا لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ طَلَبُهَا لِكَرَاهَةِ الِانْفِرَادِ لِلرَّجُلِ .
وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَعْذَارًا سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى قَوْلِ الْفَرْضِ ، وَالْكَرَاهَةِ عَلَى قَوْلِ السُّنَّةِ ، لَا حُصُولُ فَضْلِهَا ، وَيُوَافِقُهُ جَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْ خَبَرِ مُسْلِمٍ { سَأَلَ أَعْمَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ لِكَوْنِهِ لَا قَائِدَ لَهُ فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَأَجِبْ } بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي الصَّلَاةِ بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا تُلْحِقُهُ بِفَضِيلَةِ مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً ؟ فَقِيلَ لَا ، وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِلْجَمَاعَةِ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا وَكَانَ قَصْدُهُ الْجَمَاعَةَ لَوْلَا الْعُذْرُ ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَفَّالِ وَارْتَضَاهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ أَبِي مُوسَى { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا مُقِيمًا }

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ فَضْلِهَا مَرْدُودٌ سَبَبُهُ الذُّهُولُ كَمَا سَبَقَ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ عَلَى مُتَعَاطِي السَّبَبِ كَأَكْلِ بَصَلٍ وَثُومٍ ، وَكَلَامَ هَؤُلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَطَرٍ وَمَرَضٍ وَجَعَلَ حُصُولَهَا كَحُصُولِهَا لِمَنْ حَضَرَهَا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، بَلْ فِي أَصْلِهَا لِئَلَّا يُنَافِيَهُ خَبَرُ الْأَعْمَى وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ .

فَصْلٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ إنَاءَيْنِ
( فَصْلٌ ) فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ ( لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ ) كَمَنْ عَلِمَ بِكُفْرِهِ أَوْ حَدَثِهِ أَوْ نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ ، فَكَيْفَ يَقْتَدِي بِهِ ( أَوْ يَعْتَقِدُهُ ) أَيْ بُطْلَانَهَا مِنْ حَيْثُ الِاجْتِهَادُ فِي غَيْرِ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْفُرُوعِ .
أَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي الْفُرُوعِ فَسَيَأْتِي ، وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا أَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالِ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ ، وَهُوَ الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِدَلِيلٍ ( كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ ) فِي ( إنَاءَيْنِ ) مِنْ الْمَاءِ طَاهِرٍ وَنَجَسٍ بِأَنْ أَدَّى اجْتِهَادُ أَحَدِهِمَا إلَى غَيْرِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْآخَرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَوَضَّأَ كُلٌّ مِنْ إنَائِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ .

فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ ، فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا ، فَلَوْ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ فِيهَا نَجَسٌ عَلَى خَمْسَةٍ فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إنَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَأَمَّ كُلٌّ فِي صَلَاةٍ فَفِي الْأَصَحِّ يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ .

( فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ ) مِنْ الْآنِيَةِ كَأَنْ كَانَتْ الْأَوَانِي ثَلَاثَةً وَالطَّاهِرُ مِنْهَا اثْنَانِ وَالْمُجْتَهِدُونَ ثَلَاثَةٌ وَظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمْ طَهَارَةَ إنَائِهِ فَقَطْ ( فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ) أَيْ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ( مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ ) فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي مِثَالِنَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِوَاحِدٍ فَقَطْ لِتَعَيُّنِ الْإِنَاءِ الثَّالِثِ لِلنَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ ( فَإِنْ ظَنَّ ) وَاحِدٌ بِاجْتِهَادِهِ ( طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ ) جَوَازًا ( قَطْعًا ) أَوْ نَجَاسَةً لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَطْعًا كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ( فَلَوْ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ ) مِنْ الْآنِيَةِ ( فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ ) مِنْ أُنَاسٍ ( فَظَنَّ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( طَهَارَةَ إنَاءٍ ) مِنْهَا ( فَتَوَضَّأَ بِهِ ) وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فِي الْأَوَائِلِ الْأَرْبَعَةِ ( وَأَمَّ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( فِي صَلَاةٍ ) مِنْ الْخَمْسِ الْبَاقِينَ مُبْتَدِئِينَ بِالصُّبْحِ ( فَفِي ) الْوَجْهِ ( الْأَصَحِّ ) السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ( يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ ) لِتَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ فِي إنَاءِ إمَامِهَا بِزَعْمِهِمْ ( إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ ) لِتَعَيُّنِ إمَامِهَا لِلنَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ .
وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُعِيدُ مَا كَانَ مَأْمُومًا فِيهِ آخِرًا ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا صَلَّاهُ مَأْمُومًا ، وَهُوَ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْخَمْسَةِ إنَاءَانِ نَجِسَانِ صَحَّ اقْتِدَاءُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِاثْنَيْنِ فَقَطْ ، أَوْ النَّجِسُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَبِوَاحِدٍ فَقَطْ ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ كَانَ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ تَعَيَّنَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِلْبُطْلَانِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ أَرْبَعَةً امْتَنَعَ الِاقْتِدَاءُ بَيْنَهُمْ ، وَلَوْ سُمِعَ صَوْتُ حَدَثٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَأَنْكَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ وُقُوعَهُ مِنْهُ فَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَوَانِي .
ثُمَّ شَرَعَ فِي اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْفُرُوعِ .

وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ افْتَصَدَ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي .

فَقَالَ ( وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ ) فَعَلَ مُبْطِلًا عِنْدَنَا دُونَهُ كَأَنْ ( مَسَّ فَرْجَهُ ) أَوْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ أَوْ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا ( أَوْ ) عِنْدَهُ دُونَنَا كَأَنْ ( افْتَصَدَ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ) أَيْ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ ( فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ ) وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ( اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ ) أَيْ اعْتِقَادِ ( الْمُقْتَدِي ) لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهُ بِالْمَسِّ دُونَ الْفَصْدِ ، وَالثَّانِي عَكْسُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدَى بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فِي الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ جَزْمُ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ ، وَلَوْ حَافَظَ الْمُخَالِفُ فِي الْفُرُوعِ كَحَنَفِيٍّ عَلَى وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي إتْيَانِهِ بِهَا تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ فِي أَنَّهُ يُرَاعِي الْخِلَافَ ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ الْوُجُوبَ وَإِنَّمَا ضَرَّ فِي الْإِمَامِ الْمُوَافِقِ لِعِلْمِ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِهَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ : إنْ اقْتَدَى بِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَوْ نَائِبِهِ صَحَّ مَعَ تَرْكِهِ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا لِمَا فِي الْمُفَارَقَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَاسْتَحْسَنَاهُ بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَمَا اسْتَحْسَنَاهُ مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ كَصِحَّةِ الْجُمُعَةِ السَّابِقَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الْأُخْرَى ، وَلَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ سُنِّيَّتِهِ وَأَمْكَنَهُ هُوَ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى نُدِبَ لَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَإِلَّا تَابَعَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا قَنَتَ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ

الْمَأْمُومِ فَيَسْجُدُ كَمَا لَوْ كَانَ إمَامُهُ شَافِعِيًّا فَتَرَكَهُ .

وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ .

وَلَوْ تَرَكَ شَافِعِيٌّ الْقُنُوتَ وَخَلْفَهُ حَنَفِيٌّ فَسَجَدَ الشَّافِعِيُّ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ الْحَنَفِيُّ ، وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لَمْ يَسْجُدْ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ ، وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِمَنْ يَرَى تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ فَطَوَّلَهُ لَمْ يُوَافِقْهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا كَمَا يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا إذَا سَجَدَ فِي سَجْدَةِ ( ص ) ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ فِي الِاعْتِدَالِ ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا جَوَازَ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ هُنَاكَ بَيْنَ مِثْلِ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَسِّ ، وَهُوَ أَنَّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ لَا يَنْتَظِرُهُ فِيهِ ، وَمَا أَبْطَلَ عَمْدُهُ دُونَ سَهْوِهِ جَازَ انْتِظَارُهُ ، وَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى مُسَافِرَانِ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ بِوُصُولِهِمَا سَفَرُ الشَّافِعِيِّ دُونَ الْحَنَفِيِّ وَجَازَ لَهُ بِكُرْهٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْقَاصِرِ فِي الْإِقَامَةِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْقَصْرَ فِي الْجُمْلَةِ ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ .
تَنْبِيهٌ : اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْمُقْتَدِي مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ قَالَ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى إذْ لَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ هُنَا .
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَزْمُهَا وَعَدَمُهُ ( وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ ) فِي حَالِ قُدْوَتِهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ ، وَمِنْ شَأْنِ

الْإِمَامِ الِاسْتِقْلَالُ ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ هُوَ سَهْوَ غَيْرِهِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ ، وَهَذَا إجْمَاعٌ ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ اقْتَدُوا بِأَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا .
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنْ صَحَّ هَذَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ كَمَا .
أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ .
أَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ ، وَلَا بِمَنْ تَوَهَّمَهُ أَوْ ظَنَّهُ مَأْمُومًا كَأَنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ جَمَاعَةً وَتَرَدَّدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا هَجَمَ ، فَإِنْ اجْتَهَدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ الْإِمَامُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَمَا يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالثَّوْبِ وَالْأَوَانِي ، وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْ الْمُصَلِّيَيْنِ أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا ، إذْ لَا مُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ أَوْ أَنَّهُ مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مُقْتَدٍ بِمَنْ يَقْصِدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فَمَنْ شَكَّ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِشَكِّهِ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ أَوْ مَتْبُوعٌ ، فَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا وَظَنَّ الْآخَرُ صَحَّتْ لِلظَّانِّ أَنَّهُ إمَامٌ دُونَ الْآخَرِ ، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ ، وَالْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ إنَّمَا يَأْتِي كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ .
أَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي الشَّكِّ فِي النِّيَّةِ ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ .

وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ ، وَلَا قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ ، وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ ، وَمِنْهُ أَرَتُّ يُدْغِمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَأَلْثَغُ يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ ، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ ، وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَامِ وَالْفَأْفَاءِ وَاللَّاحِنِ ، فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنًى كَأَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ وَإِلَّا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ .

( وَلَا ) قُدْوَةٌ ( بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ ) لِفَقْدِ الْمَاءِ ، وَلَا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا ، وَمُحْدِثٍ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لَا كَرَاهَةَ أَوْ لِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي مِثْلَهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ كَالْفَاسِدَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالْإِعَادَةِ حَيْثُ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ ، وَلِجَوَازِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قَضَوْا ( وَلَا ) قُدْوَةُ ( قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ ، فَإِذَا لَمْ يُحْسِنْهَا لَمْ يَصْلُحْ لِلتَّحَمُّلِ ، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ بَلْ يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ فِيهَا وَهُوَ الْقَدِيمُ ، وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ إلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ أَوْ طَاوَعَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ التَّعَلُّمُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : فِي الْجَدِيدِ يَعُودُ إلَى اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ ، وَالْأُمِّيُّ نِسْبَةٌ إلَى الْأُمِّ كَأَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهَا ، وَأَصْلُهُ لُغَةً لِمَنْ لَا يَكْتُبُ ، اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ مَجَازًا فِي قَوْلِهِمْ ( وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ ) ظَاهِرٍ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ ( أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ ) لِرَخَاوَةِ لِسَانِهِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأُمِّيِّ ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلَوْ أَحْسَنَ أَصْلَ

التَّشْدِيدِ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْمُبَالَغَةُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي ، وَمَنْ يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مَعَ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا الذِّكْرَ كَالْقَارِئِ مَعَ الْأُمِّيِّ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ حَافِظِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِحَافِظِ النِّصْفِ الثَّانِي وَعَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحْسِنُ شَيْئًا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْأُمِّيِّ ( أَرَتُّ ) وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ مُشَدَّدَةٍ مَنْ ( يُدْغِمُ ) بِإِبْدَالٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ( فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ) أَيْ الْإِدْغَامِ كَقَارِئِ الْمُسْتَقِيمَ بِتَاءٍ أَوْ سِينٍ مُشَدَّدَةٍ أَمَّا الْإِدْغَامُ بِلَا إبْدَالٍ كَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَوْ الْكَافِ مِنْ مَالِكِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ( وَ ) مِنْهُ ( أَلْثَغُ ) وَهُوَ بِمُثَلَّثَةٍ مَنْ ( يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ ) كَأَنْ يَأْتِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ مَوْضِعَ السِّينِ أَوْ بِالْغَيْنِ مَوْضِعَ الرَّاءِ ، فَيَقُولَ الْمُثْتَقِيمَ ، وَغَيْغِ الْمَغْضُوبِ ، وَالْإِدْغَامُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُبْطِلِ يَسْتَلْزِمُ الْإِبْدَالَ كَمَا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ إبْدَالٌ خَاصٌّ ، فَكُلُّ أَرَتَّ أَلْثَغُ وَلَا عَكْسَ ، فَلَوْ كَانَتْ لُثْغَتُهُ يَسِيرَةً بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَرْفِ غَيْرِ صَافٍ لَمْ يُؤَثِّرْ .
( وَتَصِحُّ ) قُدْوَةُ أُمِّيٍّ ( بِمِثْلِهِ ) إنْ اتَّفَقَا عَجْزًا كَحَافِظِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِحَافِظِهِ ، وَكَأَرَتَّ بِأَرَتَّ ، وَأَلْثَغَ بِأَلْثَغَ فِي كَلِمَةٍ لِاسْتِوَائِهِمَا نُقْصَانًا كَالْمَرْأَتَيْنِ ، وَلَا يُشْكِلُ بِمَنْعِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِ بِمِثْلِهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ ثَمَّ بِخِلَافِ هُنَا ، وَالْعِبْرَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ بِالْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ ، فَلَوْ أَبْدَلَ أَحَدُهُمَا السِّينَ تَاءً وَالْآخَرُ زَايًا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي كَلِمَتَيْنِ فَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَلَا أَرَتَّ بِأَلْثَغَ وَعَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ يُحْسِنُ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ ، وَلَوْ عَجَزَ

إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِخَرَسٍ فَارَقَهُ بِخِلَافِ عَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ ، بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُدُوثِ الْخَرَسِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَعَادَ لِأَنَّ حُدُوثَ الْخَرَسِ نَادِرٌ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْحَدَثِ ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمَجْهُولِ قِرَاءَتُهُ أَوْ إسْلَامُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِسْلَامُ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي أَنْ يُحْسِنَ الْقِرَاءَةَ ، فَإِنْ أَسَرَّ هَذَا فِي جَهْرِيَّةٍ أَعَادَهَا الْمَأْمُومُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ ، وَيَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ أَئِمَّتنَا ؛ لِأَنَّ إسْرَارَ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ يُخَيَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا لَجَهَرَ بِهَا فَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الْجَهْرِيَّةِ : نَسِيت الْجَهْرَ أَوْ تَعَمَّدْتُ لِجَوَازِهِ أَيْ وَجَهِلَ الْمَأْمُومُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ كَمَا جَهِلَ مِنْ إمَامِهِ الَّذِي لَهُ حَالَتَا جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَقْتَ جُنُونِهِ أَوْ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ .
أَمَّا فِي السِّرِّيَّةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ طَهَارَةِ الْإِمَامِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
( وَتُكْرَهُ ) الْقُدْوَةُ ( بِالتَّمْتَامِ ) وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ ، وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ التَّأْتَاءُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ( وَالْفَأْفَاءِ ) وَهُوَ بِهَمْزَتَيْنِ وَمَدٍّ فِي آخِرِهِ : مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ .
قَالَ فِي الْبَيَانِ : وَكَذَا مَنْ يُكَرِّرُ الْوَاوَ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَكَذَا فِي تَكْرِيرِ سَائِرِ الْحُرُوفِ لِلتَّطْوِيلِ وَنَفْرَةِ الطَّبْعِ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ ، لِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الِاخْتِيَارُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ فَصِيحَ

اللِّسَانِ ، حَسَنَ الْبَيَانِ ، مُرَتِّلًا لِلْقُرْآنِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، إذْ لَا فَاءَ فِيهَا وَجَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ مَعَ زِيَادَتِهِمْ لِعُذْرِهِمْ فِيهَا ( وَ ) كَذَا ( اللَّاحِنُ ) بِمَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ تُكْرَهُ الْقُدْوَةُ بِهِ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ بَاقٍ ، وَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ مَعَ التَّعَمُّدِ حَرَامًا وَضَمِّ صَادِ الصِّرَاطِ وَهَمْزَةِ اهْدِنَا وَنَحْوِهِ كَاللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ تُسَمِّهِ النُّحَاةُ لَحْنًا ( فَإِنْ ) لَحَنَ لَحْنًا ( غَيَّرَ مَعْنًى كَأَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ ) أَوْ أَبْطَلَ الْمَعْنَى كَالْمُسْتَقِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّغْيِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْأَلْثَغِ ( أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ ) وَلَمْ يَتَعَلَّمْ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ التَّعْلِيمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ .
أَمَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيَقْضِي وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبُطْلَانِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَادِرِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ .
أَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَيَضُرُّ لِأَنَّهَا رُكْنٌ ، نَعَمْ إنْ تَفَطَّنَ لِلصَّوَابِ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ .
وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ ) مِنْ إسْلَامِ الْكَافِرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا مِنْ تَمْيِيزِ الْمُسْلِمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِكَوْنِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ ( فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ ) وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ مَا

ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ كَمَا إذَا قَرَأَ بِجَرِّ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ { أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } [ التَّوْبَةَ ] ( فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ ) إذَا كَانَ عَاجِزًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَوْ قِيلَ : لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَقَالَ إنَّ مُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ فِي الْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ .

وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلٍ وَلَا خُنْثَى بِامْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى .
( وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ ) ذَكَرٍ ( رَجُلٍ ) أَوْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ( وَلَا خُنْثَى بِأُ ) نْثَى ( امْرَأَةٍ ) أَوْ صَبِيَّةٍ مُمَيِّزَةٍ ( وَلَا خُنْثَى ) مُشْكِلٍ ، لِأَنَّ الْأُنْثَى نَاقِصَةٌ عَنْ الرَّجُلِ ، وَالْخُنْثَى الْمَأْمُومُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا ذَكَرًا وَالْإِمَامُ أُنْثَى .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } ( 1 ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ { لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا } ( 2 ) وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ ، وَرَجُلٍ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمَحَلُّهَا إذَا كَانَ الظُّهُورُ بِأَمَارَةٍ غَيْرِ قَطْعِيَّةٍ ، وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْخُنْثَى كَمَا تَصِحُّ قُدْوَةُ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ بِالرَّجُلِ فَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ خَمْسَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَهِيَ قُدْوَةُ رَجُلٍ بِرَجُلٍ ، خُنْثَى بِرَجُلٍ ، امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ ، امْرَأَةٍ بِخُنْثَى ، امْرَأَةٍ بِامْرَأَةٍ .
وَأَرْبَعٌ بَاطِلَةٌ ، وَهِيَ قُدْوَةُ رَجُلٍ بِخُنْثَى ، رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ ، خُنْثَى بِخُنْثَى ، خُنْثَى بِامْرَأَةٍ .

وَتَصِحُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ ، وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ ، وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ ، وَالْمُضْطَجِعِ .
( وَتَصِحُّ ) الْقُدْوَةُ ( لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ ) الَّذِي لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى عَنْ طَهَارَتِهِ بِبَدَلٍ مُغْنٍ عَنْ الْإِعَادَةِ ( وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ ) لِأَنَّ صَلَاتَهُ مُغْنِيَةٌ عَنْ الْإِعَادَةِ ( وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ قِيَامًا } .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ ، وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ } وَيُقَاسَ الْمُضْطَجِعُ وَلَوْ كَانَ مُومِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْقَاعِدِ فَقُدْوَةُ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ بِهِ أَوْلَى ، وَالْمُسْتَلْقِي كَالْمُضْطَجِعِ فِيمَا ذَكَرَ .

وَلِلْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ .
( وَ ) تَصِحُّ الْقُدْوَةُ ( لِلْكَامِلِ ) وَهُوَ الْبَالِغُ الْحُرُّ ( بِالصَّبِيِّ ) الْمُمَيِّزِ لِلِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ ، { وَلِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ } ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ ( وَالْعَبْدِ ) أَيْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْكَامِلِ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلِأَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنَّ الْحُرَّ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْلَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ قَالَ بِكَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ ، وَالْعَبْدُ الْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الصَّبِيِّ ، وَفِي الْعَبْدِ الْفَقِيهِ وَالْحُرِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ كَانُوا صَحَّحُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ تَقْدِيمَ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَالْحُرُّ بِهِمَا أَلْيَقُ ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبَعَّضَ أَوْلَى مِنْ كَامِلِ الرِّقِّ وَأَنَّ مَنْ زَادَتْ حُرِّيَّتُهُ مِنْ الْمُبَعَّضِينَ أَوْلَى مِمَّنْ نَقَصَتْ مِنْهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْوَاوَ مِنْ قَوْلِهِ ، " وَالْعَبْدِ " لَكَانَ أَوْلَى لِيُسْتَفَادَ مِنْهُ صِحَّةُ قُدْوَةِ الْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ الْعَبْدِ بِالْمَنْطُوقِ وَبِالصَّبِيِّ الْحُرِّ ، وَبِالْعَبْدِ الْكَامِلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .

وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ .
( وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ) فِي الْإِمَامَةِ ( سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ ) فِي الْأُمِّ لِتَعَارُضِ فَضِيلَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخَبَثَ فَهُوَ أَحْفَظُ لِتَجَنُّبِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هَذَا إذَا كَانَ الْأَعْمَى لَا يَبْتَذِلُ ، أَمَّا إذَا ابْتَذَلَ : أَيْ تَرَكَ الصِّيَانَةَ عَنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ كَأَنْ لَبِسَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ كَانَ الْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، بَلْ ذِكْرُهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي فِي نَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَعْمَى ، بَلْ لَوْ ابْتَذَلَ الْبَصِيرُ كَانَ الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْهُ .
وَقِيلَ : الْأَعْمَى أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ .
وَقِيلَ : الْبَصِيرُ أَوْلَى لِلْمَعْنَى الثَّانِي .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِمَامَةُ الْحُرِّ الْأَعْمَى أَفْضَلُ مِنْ إمَامَةِ الْعَبْدِ الْبَصِيرَ ، وَالْأَصَمُّ كَالْأَعْمَى فِيمَا ذَكَرَ : كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ .

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ ، وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ .
وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ( وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ : أَيْ سَلِسِ الْبَوْلِ ( وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ ) وَالْمُسْتَنْجِي بِالْمُسْتَجْمِرِ وَالْمَسْتُورِ بِالْعَارِي وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ ، أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِوُجُودِ النَّجَاسَةِ ، وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا صَلَاتَهُمْ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ ، أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ غَيْرِهَا بِهَا وَلَوْ مُتَحَيِّرَةً لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا .

وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ امْرَأَةً ، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا ، قِيلَ أَوْ مُخْفِيًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ .
( وَلَوْ بَانَ ) لِلْمَأْمُومِ ( إمَامُهُ ) عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ كَأَنْ عَلِمَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْقُدْوَةِ ( امْرَأَةً ) أَوْ خُنْثَى أَوْ مَجْنُونًا ( أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا ) بِكُفْرِهِ كَذِمِّيٍّ ( قِيلَ أَوْ مُخْفِيًا ) كُفْرَهُ كَزِنْدِيقٍ ( وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ) لِأَنَّ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَالْكَافِرِ الْمُعْلِنِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا أَمَارَةً ظَاهِرَةً ، إذْ تَمْتَازُ الْمَرْأَةُ بِالصَّوْتِ وَالْهَيْئَةِ وَغَيْرِهِمَا .
وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى لِأَنَّ أَمْرَهُ مُنْتَشِرٌ ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ : وَيُعْرَفُ مُعْلِنُ الْكُفْرِ بِالْغِيَارِ وَغَيْرِهِ ، فَالْمُقْتَدِي بِهِمْ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُمْ ، بِخِلَافِ مُخْفِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ ، فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ مُقَابِلِهِ ، وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لَوْ خَطَبَ جَالِسًا وَبَانَ قَادِرًا فَكَمَنْ بَانَ جُنُبًا ، لَكِنَّهُ صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّهُ كَالْأُمِّيِّ فَيَتَبَيَّنُ عَدَمُ الصِّحَّةِ : وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الشَّرْطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَشْرُوطِ .

لَا جُنُبًا ، وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ .
قُلْت الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ : إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( لَا ) إنْ بَانَ إمَامُهُ ( جُنُبًا ) أَوْ مُحْدِثًا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى .
وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ ) فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ ، بِخِلَافِ الظَّاهِرَةِ فَتَجِبُ فِيهَا الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَحَمَلَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي تَصْحِيحِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ، وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ الْخَفِيَّةِ .
وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَةَ مَا تَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ لَرَآهَا ، وَالْخَفِيَّةُ بِخِلَافِهَا .
وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقْتَدِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَوْ ذُو نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ نَاسِيًا وَلَمْ يُحْتَمَلْ أَنَّهُ تَطَهَّرَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ( قُلْت : الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ : إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ ) وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ عَدَمُ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ ، فَتَجِبُ إعَادَةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ لِنَقْصِهِ بِالْكُفْرِ ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ وَنَحْوِهِ لَا نَقْصَ فِيهِ بِالْحَدَثِ .

وَالْأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ اقْتَدَى بِشَخْصٍ فَبَانَ مُرْتَدًّا ، أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا النِّيَّةَ وَإِنْ سَهَا بِتَرْكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى فَيُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ ، بِخِلَافِ النِّيَّةِ لِخَفَائِهَا ، وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ : لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت حَقِيقَةً ، أَوْ أَسْلَمْت ثُمَّ ارْتَدَدْت فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ أُخْبِرَ بِكُفْرِهِ ( وَالْأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ ) فَيُعِيدُ الْقَارِئُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ مِنْ مَنْعِ قُدْوَةِ الْقَارِئِ بِهِ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهَا النَّقْصُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَالْجُنُبِ بِجَامِعِ الْخَفَاءِ فَلَا يُعِيدُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ ، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ فِقْدَانَ الْقِرَاءَةِ نَقْصٌ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ ، وَبِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى كَوْنِهِ قَارِئًا أَسْهَلُ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا ، لِأَنَّهُ وَإِنْ شَاهَدَ طَهَارَتَهُ فَعُرُوضُ الْحَدَثِ بَعْدَهَا قَرِيبٌ ، بِخِلَافِ صَيْرُورَتِهِ أُمِّيًّا بَعْدَمَا سَمِعَ قِرَاءَتَهُ .
ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَبَيُّنِ مَا سَبَقَ مِمَّا يُوجِبُ الْقَضَاءَ ، وَمِمَّا لَا يُوجِبُهُ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ الْحَدَثُ أَوْ نَحْوُهُ فِي الْأَثْنَاءِ وَجَبَتْ الْمُفَارَقَةُ حَالَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَلَا يُغْنِي عَنْهَا تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ قَطْعًا .

وَلَوْ اقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَالْعَدْلُ أَوْلَى مِنْ الْفَاسِقِ .

( وَلَوْ اقْتَدَى ) رَجُلٌ أَوْ خُنْثَى ( بِخُنْثَى ) فِي ظَنِّهِ ، أَوْ خُنْثَى بِامْرَأَةٍ ( فَبَانَ ) الْإِمَامُ ( رَجُلًا ) فِي الْأُولَى ، وَالْمَأْمُومُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ امْرَأَةً ، أَوْ بَانَا فِي الثَّانِيَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ ( لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ فِي الظَّاهِرِ لِتَرَدُّدِ الْمَأْمُومِ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عِنْدَهَا فَلَا تَكُونُ النِّيَّةُ جَازِمَةً .
وَالثَّانِي يَسْقُطُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَصَوَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُنُوثَتَهُ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ ، وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْعَالِمِ بِخُنُوثَتِهِ ، إذْ صَلَاةُ الرَّجُلِ لَا تَنْعَقِدُ خَلْفَهُ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ جَزْمُ النِّيَّةِ ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ .
بَلْ الْوَجْهُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ إذَا بَانَ رَجُلًا فِي تَصْوِيرِ الْمَاوَرْدِيُّ ، لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَمْضِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الرُّجُولِيَّةِ زَمَنٌ طَوِيلٌ .
وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالتَّرَدُّدِ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ عِنْدَ فَقْدِهِ بِأَنْ ظَنَّ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّ إمَامَهُ رَجُلٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ خُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ بَعْدَ ذَلِكَ كَوْنُهُ رَجُلًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَمْضِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الرُّجُولِيَّةِ رُكْنٌ ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ .
لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي النِّيَّةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ ، لَكِنْ فِي الِابْتِدَاءِ يَضُرُّ مُطْلَقًا .
وَفِي الْأَثْنَاءِ إنْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ مَضَى رُكْنٌ عَلَى ذَلِكَ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا .
وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ وَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا اقْتَدَى خُنْثَى بِامْرَأَةٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا رَجُلٌ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى ، وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا عَدَمُهَا ، إذْ لَا تَرَدُّدَ حِينَئِذٍ ( وَالْعَدْلُ أَوْلَى

) بِالْإِمَامَةِ ( مِنْ الْفَاسِقِ ) وَإِنْ اخْتَصَّ الْفَاسِقُ بِصِفَاتٍ مُرَجِّحَةٍ كَكَوْنِهِ أَفْقَهَ أَوْ أَقْرَأَ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ ، بَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ .
قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ : وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا ، وَالْمُبْتَدِعُ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْفَاسِقِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْمُبْتَدِعِ لَا يُفَارِقُهُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ ، وَالْأَفْقَهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْأَقْرَأُ أَيْ الْأَكْثَرُ قُرْآنًا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ .

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ .

( وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ ) فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ قُرْآنًا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ ( أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ ) وَإِنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ مَحْصُورًا وَالْحَوَادِثُ فِيهَا لَا تَنْحَصِرُ ، وَلِتَقْدِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ لِلْقُرْآنِ ؛ { لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ : أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَبُو زَيْدٍ } كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَالثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ لِتَقَابُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ .
وَالثَّالِثُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَوْلَى .
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ } وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ ، فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : مَا كُنَّا نُجَاوِزُ عَشْرَ آيَاتٍ حَتَّى نَعْرِفَ أَمْرَهَا وَنَهْيَهَا وَأَحْكَامَهَا .
فَإِنْ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ { فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ } فَفِيهِ دَلِيلٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَأِ فِي الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ فِي الْقُرْآنِ ، فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ اسْتَوَوْا فِي فِقْهِهِ ، فَإِذَا زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ ، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا ، بَلْ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ الْأَفْقَهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ دُونَهُ ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ كَمَا مَرَّ ( وَ ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ ( الْأَوْرَعِ ) أَيْ الْأَكْثَرِ وَرَعًا لِلتَّعْلِيلِ السَّابِقِ .

وَالْوَرَعُ فَسَّرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى .
وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّهُ { سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَرِعِ .
قَالَ : الَّذِي يَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ } وَالثَّانِي : يُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ عَلَى الْأَفْقَهِ إذْ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ ، قَالَ تَعَالَى : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الْحُجُرَاتِ ] وَفِي الْحَدِيثِ { مِلَاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ } .
وَأَمَّا مَا يُخَافُ مِنْ حُدُوثِهِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمْرٌ نَادِرٌ فَلَا يُفَوِّتُ الْمُحَقَّقَ لِلْمُتَوَهِّمِ .
وَأَمَّا الزُّهْدُ فَهُوَ تَرْكُ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ ، وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ ، إذْ هُوَ فِي الْحَلَالِ وَالْوَرَعُ فِي الشُّبْهَةِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الْمُرَجِّحَاتِ ، وَاعْتِبَارُهُ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا اشْتَرَكَا فِي الْوَرَعِ ، وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا بِالزُّهْدِ قَدَّمْنَاهُ ا هـ .
تَنْبِيهٌ : لَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْرِفَةُ الْمُقَدَّمِ مِنْ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ ، وَحُكْمُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ ( وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ ) فَعَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ بَابِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ وَالْقِرَاءَةَ مُخْتَصَّانِ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ شُرُوطِهَا ، وَالْفِقْهُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا ، وَبَاقِي الصِّفَاتِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ ، وَيُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ أَيْضًا عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ .

وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ .

فَرْعٌ : لَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ أَوْ الْأَقْرَأُ أَوْ الْأَوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا قَاصِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ زِنًا أَوْ مَجْهُولَ الْأَبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى .
وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ .
نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسَافِرُ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ إمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَا وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ مَكْرُوهَةٌ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُسَاوِهِ الْمَأْمُومُ ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ وَجَدَهُ قَدْ أَحْرَمَ وَاقْتَدَى بِهِ فَلَا بَأْسَ ( وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ { لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ } وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَسَنِّ فِي ذَاتِهِ وَالنَّسِيبِ فِي آبَائِهِ ، وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى ، وَالْعِبْرَةُ بِالْأَسَنِّ فِي الْإِسْلَامِ لَا بِكِبَرِ السِّنِّ ، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ ، فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا فَالشَّيْخُ مُقَدَّمٌ لِعُمُومِ خَبَرِ مَالِكٍ .
قَالَ الْبَغَوِيّ : وَيُقَدَّمُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ الْفَضْلَ بِنَفْسِهِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا ، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ ، وَلَوْ قِيلَ بِتَسَاوِيهِمَا حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ .
وَالْمُرَادُ بِالنَّسِيبِ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ ، فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ ثُمَّ سَائِرُ قُرَيْشٍ ، ثُمَّ الْعَرَبِيُّ ثُمَّ الْعَجَمِيُّ ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ وَالصَّالِحِ عَلَى ابْنِ غَيْرِهِ .
.
تَنْبِيهٌ : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلتَّقْدِيمِ بِالْهِجْرَةِ ، وَهِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ .
وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ

تَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَسَنِّ وَالنَّسِيبِ ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا } ( 1 ) .
وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا { وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الْأَوْرَعِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : وَأَصْلُهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ تَأْخِيرُهَا عَنْ السِّنِّ وَالنَّسَبِ ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا تَقْدِيمُ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ آبَائِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ ، وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنْتَسِبَ إلَى مَنْ هَاجَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ انْتَسَبَ لِقُرَيْشٍ مَثَلًا .

فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ .
وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا .
( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) أَيْ الشَّخْصَانِ فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ ( فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ ) مِنْ الْأَوْسَاخِ ( وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا ) مِنْ الْفَضَائِلِ كَحُسْنِ وَجْهٍ وَسَمْتٍ ، وَذِكْرٍ بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبَ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْتِيبٌ فِي ذَلِكَ ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِالنَّظَافَةِ ثُمَّ بِحُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ بِحُسْنِ الصُّورَةِ .
وَفِي التَّحْقِيقِ : فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِحُسْنِ الذِّكْرِ ثُمَّ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ ، وَطِيبِ الصَّنْعَةِ ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ الْوَجْهِ .
وَفِي الْمَجْمُوعِ : تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ صَوْتًا ثُمَّ هَيْئَةً ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِطِيبِ الصَّنْعَةِ : الْكَسْبُ الْفَاضِلُ ، وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : فَإِنْ اسْتَوَيَا عَلَى اسْتِوَائِهِمَا فِيمَا ذَكَرَهُ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرَ لَفْظِ الْمُحَرَّرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّقْدِيمُ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ عَلَى الْمُهَاجِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ : هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانُوا فِي مَوَاتٍ ، أَوْ مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ ، أَوْ لَهُ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ وَجَعَلَهُ لِأَوْلَى الْحَاضِرِينَ أَيْ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُقَدَّمُ .

وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا فَلَهُ التَّقْدِيمُ .
( وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ ) لِلْعَيْنِ ( أَوْ نَحْوِهِ ) أَيْ الْمِلْكِ كَإِجَارَةٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَإِعَارَةٍ وَإِذْنٍ مِنْ سَيِّدِ الْعَبْدِ ( أَوْلَى ) بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْأَفْقَهِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الصِّفَاتِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَرَضِيَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ ، لِخَبَرِ أَبِي مَسْعُودٍ السَّابِقِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا ) لِإِمَامَةِ الْحَاضِرِينَ كَامْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى لِرِجَالٍ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ كَكَافِرٍ ( فَلَهُ التَّقْدِيمُ ) اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ سُلْطَانِهِ ، هَذَا إنْ كَانَ صَحِيحَ الْعِبَارَةِ ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ اُسْتُؤْذِنَ وَلِيُّهُ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ جَمَعُوا وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى .
تَنْبِيهٌ : فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ قُصُورٌ فَإِنَّهَا لَا تَشْمَلُ الْمُسْتَعِيرَ وَالْعَبْدَ الَّذِي أَسْكَنَهُ سَيِّدُهُ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الْمَنْفَعَةَ مَعَ كَوْنِهِمَا أَوْلَى ، فَلَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ بِسَاكِنِ الْمَوْضِعِ بِحَقٍّ لَشَمِلَهُمَا .

وَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ لَا مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ .
وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي ، وَالْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ .

( وَيُقَدَّمُ ) السَّيِّدُ لَا غَيْرُهُ ( عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ ) فِي مِلْكِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الْمُتَّجِهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، أَوْ مَلَّكَهُ الْمَسْكَنَ لِرُجُوعِ فَائِدَةِ سُكْنَى الْعَبْدِ إلَيْهِ ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُبَعَّضَ يُقَدَّمُ عَلَى سَيِّدِهِ فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ ( لَا ) عَلَى ( مُكَاتَبِهِ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً ( فِي مِلْكِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ كَانَ سَاكِنًا بِحَقٍّ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ مِلْكِهِ بِمُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ كَانَ أَوْلَى ( وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي ) الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ .
وَالثَّانِي : يُقَدَّمُ الْمُكْرِي لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ أَوْلَى مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَعَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا أَجَّرَ لِغَيْرِهِ لَا يُقَدَّمُ بِلَا خِلَافٍ ( وَ ) يُقَدَّمُ ( الْمُعِيرُ ) الْمَالِكُ لِلْمَنْفَعَةِ وَلَوْ بِدُونِ الرَّقَبَةِ ( عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَالرُّجُوعَ فِيهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ .
وَالثَّانِي : يُقَدَّمُ الْمُسْتَعِيرُ لِلسَّكَنِ لَهُ فِي الْحَالِ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد { وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ } .
وَالْمُرَادُ بِبَيْتِهِ مَسْكَنُهُ ، إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمِلْكِ لَزِمَ تَقْدِيمُ الْمُؤَجِّرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ ، وَلَوْ حَضَرَ الشَّرِيكَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْآخَرِ ، فَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا ، وَلَا أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ ، وَالْحَاضِرُ مِنْهُمَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ

بِالْجَمِيعِ ، وَالْمُسْتَعِيرَانِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ ، فَإِنْ حَضَرَ الْأَرْبَعَةُ كَفَى إذْنُ الشَّرِيكَيْنِ .

وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنْ الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ .

( وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى ) تَقْدِيمًا وَتَقَدُّمًا ( مِنْ الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ ) وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةٍ إذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ .
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ عَبَّرَ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ : وَذَلِكَ لِخَبَرِ { لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ } وَلِعُمُومِ سَلْطَنَتِهِ مَعَ أَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَلِيقُ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ ، وَيُرَاعَى فِي الْوِلَايَةِ تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ ، فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْلَى ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَيُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَصَّ غَيْرُهُ بِفَضِيلَةٍ ، لِخَبَرِ { لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ } وَإِذَا تَبَطَّأَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبْعَثَ لَهُ لِيَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ فِي الْإِمَامَةِ ، فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأُمِنَتْ الْفِتْنَةُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ نُدِبَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَؤُمَّ بِالْقَوْمِ لِيَحُوزُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ ، فَإِنْ خِيفَتْ الْفِتْنَةُ صَلَّوْا فُرَادَى وَنُدِبَ لَهُمْ إعَادَتُهَا مَعَهُ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ جَمَاعَةً ، وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْوَالِي عَلَى الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فِي غَيْرِ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ ، وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ وَالِي الْبَلَدِ وَقَاضِيهِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ إلَّا إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا يُكْرَهُ إقَامَتُهَا فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَطْرُوقًا وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ ، أَوْ لَهُ رَاتِبٌ وَأَذِنَ فِي إقَامَتِهَا ، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَضَاقَ

الْمَسْجِدُ عَنْ الْجَمِيعِ ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ .
.

تَتِمَّةٌ : يُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ أَوْ مُتَغَلِّبٍ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَوْ لَا يَحْتَرِزُ مِنْ النَّجَاسَةِ ، أَوْ يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً ، أَوْ يُعَاشِرُ الْفَسَقَةَ أَوْ نَحْوَهُمْ وَإِنْ نَصَّبَهُ لَهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ، لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا : رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } وَالْأَكْثَرُ فِي حُكْمِ الْكُلِّ ، وَلَا يُكْرَهُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، أَمَّا إذَا كَرِهَهُ دُونَ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَكْثَرِ لَا لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَرَاهَةِ الْأَكْثَرِ وَغَيْرِهِمْ .
أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ بِصِفَةِ الْكَرَاهَةِ أَمْ لَا ، فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى قَوْمٍ رَجُلًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ ، وَلَا يُكْرَهُ إنْ كَرِهَهُ دُونَ الْأَكْثَرِ ، بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَإِنَّهَا تُكْرَهُ إذَا كَرِهَهَا الْبَعْضُ ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ الْأَكْبَرُ ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَنَسٌ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ ، { وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ وَفِيهِمْ أَبُوهُ } .

فَصْلُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ ، وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَقِبِ .

( فَصْلٌ ) يَذْكُرُ فِيهِ بَعْضَ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ .
وَشُرُوطُهُ سَبْعَةٌ : .
أَحَدُهَا : ( لَا يَتَقَدَّمُ ) الْمَأْمُومُ ( عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ ) وَلَا فِي مَكَانِ الْقُعُودِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } وَالِائْتِمَامُ : الِاتِّبَاعُ ، وَالْمُتَقَدِّمُ غَيْرُ تَابِعٍ ( فَإِنْ تَقَدَّمَ ) عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ ( بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ ) الْأَظْهَرِ ، أَوْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ كَالتَّقَدُّمِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قِيَاسًا لِلْمَكَانِ عَلَى الزَّمَانِ ، وَلِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَفْعَالِ مُبْطِلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ أَفْحَشُ ، وَالْقَدِيمُ لَا تَبْطُلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا لَوْ وَقَفَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُتَأَخِّرٌ كَأَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ .
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ جَاءَ مِنْ خَلْفِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ جَاءَ مِنْ أَمَامِهِ لَمْ تَصِحَّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الثَّانِيَ أَوْجَهُ ( وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ ) لِإِمَامِهِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ ( وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ ) أَيْ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ ( قَلِيلًا ) إذَا كَانَا ذَكَرَيْنِ غَيْرَ عَارِيَّيْنِ بَصِيرَيْنِ ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَارِيًّا وَالْمَأْمُومُ بَصِيرًا وَلَا ظُلْمَةَ تَمْنَعُ النَّظَرَ

اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ وَلِتَظْهَرَ رُتْبَةُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ .
وَأَمَّا إمَامَةُ النِّسْوَةِ وَإِمَامُ الْعُرَاةِ فَسَيَأْتِي ( وَالِاعْتِبَارُ ) فِي التَّقَدُّمِ وَغَيْرِهِ لِلْقَائِمِ ( بِالْعَقِبِ ) وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ لَا الْكَعْبِ ، فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّ .
نَعَمْ إنْ كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ ضَرَّ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ ضَرَّ ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْعَقِبِ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْمَنْكِبِ ، وَالْمُرَادُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَ الْأُخْرَى عَلَى رِجْلِ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ ، وَلَوْ قَدَّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَاعِدِ بِالْأَلْيَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ : أَيْ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ .
أَمَّا فِي حَالِ السُّجُودِ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رُءُوسَ الْأَصَابِعِ ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الرَّاكِبَ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَقْرَبَ فِيهِ الِاعْتِبَارُ بِمَا اعْتَبَرُوا بِهِ فِي الْمُسَابَقَةِ بَعِيدٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى تَقَدُّمُ رَاكِبِهَا عَلَى رَاكِبِ الْأُخْرَى وَفِي الْمُضْطَجِعِ بِالْجَنْبِ ، وَفِي الْمُسْتَلْقِي بِالرَّأْسِ : وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ اعْتِمَادُهُ ، وَفِي الْمَصْلُوبِ بِالْكَتِفِ وَفِي الْمَقْطُوعَةِ رِجْلُهُ مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاعْتِبَارُ بِالْكَتِفِ .

وَيَسْتَدِيرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ .
وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَا فِي الْكَعْبَةِ ، وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا ، وَيَقِفُ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ .

( وَ ) الْجَمَاعَةُ ( يَسْتَدِيرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ) نَدْبًا لِاسْتِقْبَالِ الْجَمِيعِ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَمْ لَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ ، لَكِنَّ الصُّفُوفَ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِدَارَةِ ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ ، وَلَوْ وَقَفَ صَفٌّ طَوِيلٌ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بِلَا اسْتِدَارَةٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ جَازَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ ، وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَخْرُجُ بَعْضُهُمْ عَنْ سَمْتِهَا لَوْ قَرُبُوا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ ( وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمَأْمُومِ ( أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ ) مِنْهُ إلَيْهَا فِي جِهَتِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ رِعَايَةَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ مِمَّا يَشُقُّ بِخِلَافِ جِهَتِهِ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ مُخَالَفَةٌ مُنْكَرَةٌ ، فَلَوْ تَوَجَّهَ الْإِمَامُ إلَى الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ مَثَلًا فَجِهَتُهُ مَجْمُوعُ جِهَتَيْ جَانِبَيْهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ الْمُتَوَجِّهُ لَهُ وَلَا لِإِحْدَى جِهَتَيْهِ ( وَكَذَا ) لَا يَضُرُّ ( لَوْ وَقَفَا ) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ( فِي الْكَعْبَةِ ) أَيْ دَاخِلَهَا ( وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا ) بِأَنْ كَانَ وَجْهُهُ إلَى وَجْهِهِ ، أَوْ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِهِ ، أَوْ ظَهْرُهُ إلَى جَنْبِهِ ، أَوْ وَجْهُهُ إلَى جَنْبِهِ قِيَاسًا لِدَاخِلِ الْكَعْبَةِ عَلَى خَارِجِهَا ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَأْمُومِ أَقْرَبَ إلَى الْجِدَارِ الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ الْإِمَامِ إلَى مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ .
أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ بِأَنْ يَكُونَ ظَهْرُ الْمَأْمُومِ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِيهَا وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا ، وَلَهُ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ ، وَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِيهَا وَالْإِمَامُ خَارِجَهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا ، لَكِنْ لَا يَتَوَجَّهُ الْمَأْمُومُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْإِمَامُ لِتَقَدُّمِهِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ .
( وَيَقِفُ ) الْمَأْمُومُ ( الذَّكَرُ ) نَدْبًا وَلَوْ صَبِيًّا إذَا لَمْ يَحْضُرْ

غَيْرُهُ ( عَنْ يَمِينِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ } ( 1 ) فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ سُنَّ لَهُ أَنْ يَنْدَارَ مَعَ اجْتِنَابِ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : سُنَّ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ ( فَإِنْ حَضَرَ ) ذَكَرٌ ( آخَرُ أَحْرَمَ ) نَدْبًا ( عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ ) بَعْدَ إحْرَامِهِ وَأَمْكَنَ كُلٌّ مِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ ( يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ ) حَالَةَ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ( وَهُوَ ) أَيْ تَأَخُّرُهُمَا ( أَفْضَلُ ) مِنْ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : { صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْت عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ } وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَتْبُوعٌ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا التَّقَدُّمُ أَوْ التَّأَخُّرُ لِضِيقِ مَكَان مَثَلًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنْهُمَا ، وَخَرَجَ بِحَالَةِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ غَيْرُهُمَا فَلَا يَتَأَتَّى التَّقَدُّمُ أَوْ التَّأَخُّرُ فِيهِ إلَّا بِأَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ غَالِبًا ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لِلْعَاجِزِينَ عَنْ الْقِيَامِ ، وَأَنَّهُ لَا يُنْدَبُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الثَّانِي ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُنْفَرِدًا وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْجَائِيَ الثَّانِيَ الْمَوْقِفُ الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ أَحْرَمَ خَلْفَهُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ .

وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صُفَّا خَلْفَهُ وَكَذَا امْرَأَةٌ أَوْ نِسْوَةٌ ، وَيَقِفُ خَلْفَهُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ .

( وَلَوْ حَضَرَ ) مَعَ الْإِمَامِ ابْتِدَاءً ( رَجُلَانِ ) أَوْ صَبِيَّانِ ( أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صَفًّا ) أَيْ قَامَا صَفًّا ( خَلْفَهُ ) بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ، وَكَذَا مَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ أَمَّا الرَّجُلَانِ فَلِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ ، وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقُمْت أَنَا وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا } ( 1 ) فَلَوْ وَقَفَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ وَالْآخَرُ بِجَنْبِهِ أَوْ خَلْفَ الْأَوَّلِ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
( وَكَذَا امْرَأَةٌ ) وَلَوْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجَةً ( أَوْ نِسْوَةٌ ) تَقُومُ أَوْ يَقُمْنَ خَلْفَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَةٌ وَذَكَرَانِ وَقَفَا خَلْفَهُ وَهِيَ خَلْفَهُمَا ، أَوْ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ ( وَيَقِفُ ) إذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَغَيْرُهُمْ ( خَلْفَهُ الرِّجَالُ ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ لِفَضْلِهِمْ ( ثُمَّ الصِّبْيَانُ ) لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ ثُمَّ الْخَنَاثَى كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ ( ثُمَّ النِّسَاءُ ) لِتَحَقُّقِ أُنُوثَتِهِمْ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ { لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا } ( 2 ) .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قَوْلُهُ : لِيَلِيَنِّي بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِحَذْفِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ رِوَايَتَانِ ، وَأُولُو : أَيْ أَصْحَابُ .
وَالْأَحْلَامُ : جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ التَّأَنِّي فِي الْأَمْرِ .
وَالنُّهَى : جَمْعُ نُهْيَةٍ بِالضَّمِّ : وَهِيَ الْعَقْلُ ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ .
وَفِي

شَرْحِ مُسْلِمٍ النُّهَى : الْعُقُولُ ، وَأُولُو الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءُ .
وَقِيلَ : الْبَالِغُونَ ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى ، وَلِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَأْكِيدًا ، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مَا إذَا حَضَرَ الْجَمِيعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ سَبَقَ الصِّبْيَانُ بِالْحُضُورِ لَمْ يُؤَخَّرُوا لِلرِّجَالِ اللَّاحِقِينَ كَمَا لَوْ سَبَقُوا إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ، نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ بِخِلَافِ الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءِ ، وَإِنَّمَا تُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ عَنْ الرِّجَالِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا لَمْ يَسَعْهُمْ صَفُّ الرِّجَالِ وَإِلَّا كُمِّلَ بِهِمْ .
وَقِيلَ : إنْ كَانَ الصِّبْيَانُ أَفْضَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَأَنْ كَانُوا فَسَقَةً وَالصِّبْيَانُ صُلَحَاءُ قُدِّمُوا عَلَيْهِمْ .

وَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ ، وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَأْمُومِ فَرْدًا ، بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً ، وَإِلَّا فَلْيَجُرَّ شَخْصًا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلِيُسَاعِدَهُ الْمَجْرُورُ ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْضَ صَفٍّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا ، وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ ، وَلَوْ كَانَا بِفَضَاءٍ شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا ، وَقِيلَ تَحْدِيدًا .

قَالَهُ الدَّارِمِيُّ ( وَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ ) نَدْبًا ( وَسْطَهُنَّ ) بِسُكُونِ السِّينِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ فِعْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
أَمَّا إذَا أَمَّهُنَّ غَيْرُ الْمَرْأَةِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ .
فَائِدَةٌ : كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ وَسْطٌ إنْ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ بِالتَّسْكِينِ كَمَا هُنَا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فِيهِ ذَلِكَ كَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ .
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : وَقَدْ أَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ عَارٍ أَمَّ بَصْرَاءَ فِي ضَوْءٍ ، فَلَوْ كَانُوا عُرَاةً فَإِنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ فِي ضَوْءٍ لَكِنَّ إمَامَهُمْ مُكْتَسٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ إمَامُهُمْ كَغَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا بُصَرَاءَ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، فَالْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِمْ وَانْفِرَادِهِمْ سَوَاءٌ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَفَ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ كَمَا مَرَّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمْ صَفًّا وَإِلَّا وَقَفُوا صُفُوفًا مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ وَالْجَمِيعُ عُرَاةٌ لَا يُصَلِّينَ مَعَهُمْ لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ بَلْ يَتَنَحَّيْنَ وَيَجْلِسْنَ خَلْفَهُمْ وَيَسْتَدْبِرْنَ الْقِبْلَةَ حَتَّى تُصَلِّيَ الرِّجَالُ ، وَكَذَا عَكْسُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ بِمَكَانٍ آخَرَ حَتَّى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ .
ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَأَفْضَلُ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَالْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَالنِّسَاءِ كَذَلِكَ أَوَّلُهَا ، وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ أَوْ نَحْوُهُ ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ ،

وَأَفْضَلُهَا لِلنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ أَوْ الْخَنَاثَى وَلِلْخَنَاثَى مَعَ الرِّجَالِ آخِرُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ وَأَسْتَرُ .
نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صُفُوفُهَا كُلُّهَا فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصُّفُوفِ فِيهَا مَطْلُوبٌ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْتَنِفُوهُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَجِهَةُ يَمِينِهِ أَفْضَلُ .
وَيُسَنُّ سَدُّ فُرَجِ الصُّفُوفِ ، وَأَنْ لَا يُشْرَعَ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ الْأَوَّلُ وَأَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا شَرْطٌ ، فَلَوْ خَالَفُوا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ ( وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَأْمُومِ فَرْدًا ) عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ .
أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ كَامْرَأَةٍ وَلَا نِسَاءَ أَوْ خُنْثَى وَلَا خَنَاثَى فَلَا كَرَاهَةَ ، بَلْ يُنْدَبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ { دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ } ( 1 ) وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ } حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ضَعَّفَهُ ، وَكَانَ يَقُولُ فِي الْقَدِيمِ لَوْ ثَبَتَ قُلْت بِهِ .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ { فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ } مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ .
قَالَ الشَّارِحُ : وَيُؤْخَذُ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَوَاتُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمُقَارَنَةِ ( بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَوْ فُرْجَةً ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى الْحَاشِيَةِ

الْفُرْجَةُ خَلَاءٌ ظَاهِرٌ .
وَالسَّعَةُ أَنْ لَا يَكُونَ خَلَاءٌ وَيَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلَ بَيْنَهُمَا لَوَسِعَهُ ا هـ .
فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالسَّعَةِ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ غَيْرِهِ عَلَى الْفُرْجَةِ ، إذْ يُفْهَمُ مِنْ السَّعَةِ الْفُرْجَةُ وَلَا عَكْسَ .
وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ إذَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ فُرْجَةً وَكَانَتْ فِي صَفٍّ قُدَّامَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِهَا ا هـ .
وَالسَّعَةُ كَالْفُرْجَةِ فِي ذَلِكَ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَدْخُلُ لِمَا ذَكَرَ فِي أَيِّ صَفٍّ كَانَ ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِصَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ كَمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ وَعَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ بِمَسْأَلَةٍ ، فَإِنَّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ إنَّمَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالتَّخَطِّي : هُوَ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقَاعِدِينَ ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي شَقِّ الصُّفُوفِ وَهُمْ قِيَامٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ بِكَوْنِهِمَا مَسْأَلَتَيْنِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ سَدَّ الْفُرْجَةِ الَّتِي فِي الصُّفُوفِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لَهُ وَلِلْقَوْمِ بِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ ، فَإِنْ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ، { وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَدِّ الْفُرَجِ وَقَالَ : إنِّي رَأَيْت الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا } بِخِلَافِ تَرْكِ التَّخَطِّي ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُحْرِمَ حَتَّى يُسَوِّيَ بَيْنَ الصُّفُوفِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَعَةً ( فَلْيَجُرَّ ) نَدْبًا فِي الْقِيَامِ ( شَخْصًا ) وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَيْهِ ( بَعْدَ الْإِحْرَامِ ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا جُوِّزَ أَنْ يُوَافِقَهُ ، وَإِلَّا فَلَا جَرَّ ، بَلْ يَمْتَنِعُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ ( وَلْيُسَاعِدْهُ الْمَجْرُورُ )

نَدْبًا لِمُوَافَقَتِهِ لِيَنَالَ فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا يَجُرُّ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا ، وَلِهَذَا كَانَ الْجَرُّ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخَرْقُ لِيَصْطَفَّ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ كَانَ مَكَانُهُ يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَخْرِقَ فِي الْأَوَّلِ وَيَجُرَّهُمَا مَعًا فِي الثَّانِيَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِئَلَّا يُخْرِجَهُ عَنْ الصَّفِّ لَا إلَى صَفٍّ ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَقِفُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْذِبُ أَحَدًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَبَسَطَ ذَلِكَ .
( وَ ) الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ أَنَّهُ ( يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ ) أَيْ الْمَأْمُومِ ( بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ ( بِأَنْ يَرَاهُ ) الْمَأْمُومُ ( أَوْ ) يَرَى ( بَعْضَ صَفٍّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ مُصَلِّيًا ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا : يُقْبَلُ خَبَرُ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ بِأَنْ يَهْدِيَهُ ثِقَةٌ إذَا كَانَ أَعْمَى أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا .
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ : أَنْ يُعَدَّا مُجْتَمِعِينَ لِيَظْهَرَ الشِّعَارُ وَالتَّوَادُّ وَالتَّعَاضُدُ ، إذْ لَوْ اكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِالِانْتِقَالَاتِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ عَطَاءٌ لَبَطَلَ السَّعْيُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالدُّعَاءُ إلَى الْجَمَاعَةِ ، وَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي فِي سُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا عَلِمَ بِانْتِقَالَاتِهِ .

وَلِاجْتِمَاعِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فِي فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهِ ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ : ( وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ ) بَيْنَهُمَا فِيهِ ( وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ ) كَبِئْرٍ وَسَطْحٍ وَمَنَارَةٍ تُنَفِّذُ أَبْوَابُهَا ، وَإِنْ أُغْلِقَتْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بَابٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ ، فَالْمُجْتَمِعُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مُؤَدُّونَ لِشِعَارِهَا ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيرَ لِلْأَبْوَابِ يُخْرِجُهَا عَنْ الِاجْتِمَاعِ ، فَإِنْ لَمْ تَتَنَافَذْ أَبْوَابُهَا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ ، فَلَا يُعَدُّ الْجَامِعُ بِهَا مَسْجِدًا وَاحِدًا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فَيَضُرُّ الشُّبَّاكُ ، فَلَوْ وَقَفَ مِنْ وَرَائِهِ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ ضَرَّ وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ .
قَالَ الْحِصْنِيُّ : وَهُوَ سَهْلٌ ، وَالْمَنْقُولُ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَضُرُّ أَيْ أَخْذًا مِنْ شَرْطِهِ تَنَافُذُ أَبْنِيَةِ الْمَسْجِدِ ، وَعُلْوُ الْمَسْجِدِ كَسُفْلِهِ : فَهُمَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ، وَكَذَا رَحْبَتُهُ مَعَهُ وَهِيَ مَا كَانَ خَارِجَهُ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَمْ لَا .
وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ : إنْ انْفَصَلَتْ فَكَمَسْجِدٍ آخَرَ ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ : وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ، إذْ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ يَكُونَانِ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا ، وَالْأَشْبَهُ

مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ ا هـ .
وَمَعَ هَذَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الْآتِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا فَيَضُرَّ أَوْ حَادِثًا فَلَا ، وَسَيُبَيَّنُ عَنْ قُرْبٍ ، وَتَوَقَّفَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْرِ أُوقِفَتْ مَسْجِدًا أَمْ لَا هَلْ تَكُونُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لَهَا حُكْمَ مَتْبُوعِهَا ، أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَقْفِ ، وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ ، وَخَرَجَ بِالرَّحْبَةِ الْحَرِيمُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ وَطَرْحِ الْقِمَامَاتِ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ تَمْيِيزُ الرَّحْبَةِ مِنْ الْحَرِيمِ لِتُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ ، وَالْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ الَّتِي يَنْفُذُ أَبْوَابُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَبْنِيَةُ وَانْفَرَدَ كُلُّ مَسْجِدٍ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَجَمَاعَةٍ .
نَعَمْ إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ قَدِيمٌ بِأَنْ حُفِرَ قَبْلَ حُدُوثِهَا فَلَا تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ ، بَلْ تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ .
أَمَّا النَّهْرُ الطَّارِئُ الَّذِي حُفِرَ بَعْدَ حُدُوثِهَا فَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ ، وَكَالنَّهْرِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِيهِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ ( وَلَوْ كَانَا ) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ( بِفَضَاءٍ ) أَيْ مَكَان وَاسِعٍ كَصَحْرَاءَ ( شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ ) بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ ، هُوَ شِبْرَانِ لِقُرْبِ ذَلِكَ وَبُعْدِ مَا وَرَاءَهُ فِي الْعَادَةِ ( تَقْرِيبًا ) لِعَدَمِ وُرُودِ ضَابِطٍ مِنْ الشَّارِعِ ( وَقِيلَ تَحْدِيدًا ) وَنُسِبَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّهُ غَلَطٌ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كَمَا فِي

التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ عُرْفِ النَّاسِ وَهُمْ يَعُدُّونَهُمَا فِي ذَلِكَ مُجْتَمِعِينَ ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ ، إذْ سِهَامُ الْعَرَبِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ غَالِبًا ، وَعَلَى الثَّانِي يَضُرُّ أَيُّ زِيَادَةٍ كَانَتْ .

فَإِنْ تَلَاحَقَ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ الْفَضَاءُ الْمَمْلُوكُ وَالْوَقْفُ وَالْمُبَعَّضُ وَلَا يَضُرُّ الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ ، وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ .

( فَإِنْ تَلَاحَقَ ) أَيْ وَقَفَ ( شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ ) خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ ( اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ ) الْمَذْكُورَةُ ( بَيْنَ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ ) مِنْ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الصَّفَّيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَإِمَامِ الْأَخِيرِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ الْأَشْخَاصُ أَوْ الصُّفُوفُ وَبَلَغَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْأَخِيرِ فَرَاسِخَ لَا يَضُرُّ ( وَسَوَاءٌ ) فِيمَا ذَكَرَ ( الْفَضَاءُ الْمَمْلُوكُ وَالْوُقُوفُ وَالْمُبَعَّضُ ) أَيْ الَّذِي بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ وَالْمَوَاتُ الْخَالِصُ وَالْمُبَعَّضُ أَيْ الَّذِي بَعْضُهُ مَوَاتٌ وَبَعْضُهُ مِلْكٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَكِنْ نَسِيَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ سِتُّ مَسَائِلَ ثَلَاثَةٌ فِي الْخَالِصِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمُبَعَّضِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مُشْتَرَكًا مَعَ مَا بَعْدَهُ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَحُوطِ وَالْمُسَقَّفِ وَغَيْرِهِ ( وَلَا يَضُرُّ ) بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الصَّفَّيْنِ ( الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ ) وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ الْعَوْمُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) فِيهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ حَائِلًا فِي الْعُرْفِ ، كَمَا لَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ ، وَالثَّانِي : يَضُرُّ ذَلِكَ .
أَمَّا الشَّارِعُ فَقَدْ تَكْثُرُ فِيهِ الزَّحْمَةُ فَيَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَحْوَالِ الْإِمَامِ ، وَأَمَّا النَّهْرُ فَقِيَاسًا عَلَى حَيْلُولَةِ الْجِدَارِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِمَنْعِ الْعُسْرِ وَالْحَيْلُولَةِ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَلَا يَضُرُّ جَزْمًا الشَّارِعُ غَيْرُ الْمَطْرُوقِ وَالنَّهْرُ الَّذِي يُمْكِنُ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ إلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ سِبَاحَةٍ بِالْوُثُوبِ فَوْقَهُ أَوْ الْمَشْيِ فِيهِ أَوْ عَلَى جِسْرٍ مَمْدُودٍ عَلَى حَافَّتَيْهِ .

فَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّةٍ أَوْ بَيْتٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَجَبَ اتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالْآخَرِ ، وَلَا تَضُرُّ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الْقُدْوَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْقُرْبُ كَالْفَضَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ أَوْ حَالَ بَابٌ نَافِذٌ .

( فَإِنْ كَانَا ) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ( فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّةٍ أَوْ بَيْتٍ ) مِنْ مَكَان وَاحِدٍ كَالْمَدْرَسَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَكَانَيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ لَكِنْ مَعَ مُرَاعَاةِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ مِنْ مُحَاذَاةِ الْأَسْفَلِ لِلْأَعْلَى بِجُزْءٍ مِنْهُمَا ( فَطَرِيقَانِ : أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا ) لِبِنَاءِ الْإِمَامِ ( وَجَبَ اتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالْآخَرِ ) كَأَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ بِطَرَفِ الصُّفَّةِ وَآخَرُ بِالصَّحْنِ مُتَّصِلًا بِهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَبْنِيَةِ يُوجِبُ الِافْتِرَاقَ فَاشْتُرِطَ الِاتِّصَالُ لِيَحْصُلَ الرَّبْطُ بِالِاجْتِمَاعِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِبِنَاءِ الْمَأْمُومِ مَوْقِفُهُ : أَيْ مَوْقِفُ الْمَأْمُومِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتِّصَالُ صَفٍّ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي الْبِنَاءَيْنِ وَكَانَ أَحَدُ شِقَّيْهِ فِي بِنَاءِ الْإِمَامِ وَالشِّقُّ الْآخَرُ فِي بِنَاءِ الْمَأْمُومِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي حُصُولِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِصَفٍّ ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ اتِّصَالَ الْمَنَاكِبِ بَيْنَ بِنَاءِ الْمَأْمُومِ وَبِنَاءِ الْإِمَامِ فَقَطْ ، فَأَمَّا مَنْ عَلَى يَمِينِ هَذَا فِي بِنَائِهِ وَعَلَى يَسَارِ الْآخَرِ فِي بِنَائِهِ فَكَالْفَضَاءِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ اتِّصَالُ الْوَاقِفِينَ بِمَنْ حَصَلَ بِهِ اتِّصَالُ الصَّفِّ فِي الْبِنَاءِ ( وَلَا تَضُرُّ ) فِي الِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ ( فُرْجَةٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا كَغُرْفَةٍ ( لَا تَسَعُ وَاقِفًا ) أَوْ تَسَعُ وَاقِفًا لَكِنْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا كَعَتَبَةٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَهُ صَفًّا وَاحِدًا ، وَالثَّانِي : يَضُرُّ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ ، فَإِنْ وَسِعَتْ وَاقِفًا فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا ضَرَّ ( وَإِنْ كَانَ ) بِنَاءُ الْمَأْمُومِ ( خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ ) مِنْ

وَجْهَيْنِ : .
أَحَدُهُمَا : مَنْعُ الْقُدْوَةِ لِانْتِفَاءِ الرَّبْطِ بِمَا تَقَدَّمَ ( صِحَّةُ الْقُدْوَةِ ) لِلْحَاجَةِ ( بِشَرْطِ ) الِاتِّصَالِ الْمُمْكِنِ بَيْنَ أَهْلِ الصُّفُوفِ ، وَهُوَ ( أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ) أَوْ الشَّخْصَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ بِطَرَفِ الْبِنَاءَيْنِ ( أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ) تَقْرِيبًا ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْمِقْدَارِ يَحْصُلُ الِاتِّصَالُ الْعُرْفِيُّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَوْ الشَّخْصَيْنِ لِإِمْكَانِ السُّجُودِ ( .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْقُرْبُ ) بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا سَوَاءٌ أَكَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا أَمْ خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ لِلْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( كَالْفَضَاءِ ) هَذَا ( إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ ) يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ ( أَوْ حَالَ ) مَا فِيهِ ( بَابٌ نَافِذٌ ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقِفَ بِحِذَائِهِ صَفٌّ أَوْ رَجُلٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : حَالَ بَابٌ نَافِذٌ مُعْتَرِضٌ فَإِنَّ النَّافِذَ لَيْسَ بِحَائِلٍ ، وَصَوَابُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ حَائِلٌ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ نَافِذٌ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْته تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُحَرَّرُ كَانَ أَوْلَى .

فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ فَوَجْهَانِ أَوْ جِدَارٌ بَطَلَتْ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ قُلْت الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ ) كَالشُّبَّاكِ أَوْ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ لَا الْمُرُورَ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ ( فَوَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ أَخْذًا مِنْ تَصْحِيحِهِ الْآتِي فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْمَوَاتِ .
فَائِدَةٌ : لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ ذِكْرُ خِلَافٍ بِلَا تَرْجِيحٍ سِوَى هَذَا ، وَقَوْلُهُ فِي النَّفَقَاتِ : وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ ؟ وَجْهَانِ ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِيهِ إلَّا مَا كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ كَالْأَقْوَالِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَى الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ هَلْ يُقْرَعُ أَمْ يُوقَفُ أَمْ يُقْسَمُ ؟ أَقْوَالٌ بِلَا تَرْجِيحٍ فِيهَا ( أَوْ ) حَالَ ( جِدَارٌ ) أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ ( بَطَلَتْ ) أَيْ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ ( بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ ) لِأَنَّ الْجِدَارَ مُعَدٌّ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَمَاكِنِ ( قُلْت : الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِلْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ ، وَالْأَوْلَى طَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ .

وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ آخَرَ صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ .

( وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ آخَرَ ) أَيْ غَيْرِ بِنَاءِ الْإِمَامِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ أَوْ الثَّانِي بِلَا شَرْطٍ ( صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ ) أَوْ بِجَنْبِهِ ( وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ ) أَيْ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ بِجَنْبِهِ ( وَبَيْنَ الْإِمَامِ ) وَيَصِيرُ مَنْ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لِمَنْ خَلْفَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ كَالْإِمَامِ لَهُ فَلَا يُحْرِمُ قَبْلَ إحْرَامِهِ ، وَلَا يَرْكَعُ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْإِمَامِ .
وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ حَصَلَ بِهِ الِاتِّصَالُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ لِانْقِطَاعِ الرَّابِطَةِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ مَنْ حَصَلَ بِهِ الِاتِّصَالُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا جَازَ لِلْغَيْرِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ الِانْعِقَادِ لَا لِلدَّوَامِ ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّوَامِ أَقْوَى ، وَفِيهَا وَلَوْ رَدَّ الرِّيحُ الْبَابَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُهُ حَالًا فَتَحَهُ وَدَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ وَإِلَّا فَارَقَهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ إمَامُهُ ، فَلَوْ تَابَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ : وَلَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَانْغَلَقَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّ ا هـ .
فَلَعَلَّ الْإِفْتَاءَ تَعَدَّدَ ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ كَنَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ .
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْكِلٌ ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ صُورَتَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُوَ وَحْدَهُ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بَعْدَ رَدِّ الْبَابِ وَبِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ لِعَدَمِ إحْكَامِهِ فَتْحَهُ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحَائِلَ أَشَدُّ مِنْ الْبُعْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَائِلَ فِي

الْمَسْجِدِ يَضُرُّ بِخِلَافِ الْبُعْدِ .

وَلَوْ وَقَفَ فِي عُلْوٍ وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ أَوْ عَكْسُهُ شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ .

( وَ ) عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى ( لَوْ وَقَفَ فِي عُلْوٍ ) فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ كَصُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَسَطَ دَارٍ مَثَلًا ( وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ ) كَصَحْنِ تِلْكَ الدَّارِ ( أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ الْوُقُوفِ - أَيْ وُقُوفًا عَكْسَ الْوُقُوفِ الْمَذْكُورِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ : أَوْ بِالْعَكْسِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْضَحَ ( شُرِطَ ) مَعَ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ اتِّصَالِ صَفٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ( مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ ) أَيْ الْمَأْمُومِ ( بَعْضَ بَدَنِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ بِأَنْ يُحَاذِيَ رَأْسُ الْأَسْفَلِ قَدَمَ الْأَعْلَى مَعَ اعْتِدَالِ قَامَةِ الْأَسْفَلِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَدِلًا لَحَصَلَتْ الْمُحَاذَاةُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَكَذَا لَوْ كَانَ قَاعِدًا وَلَوْ قَامَ لَحَاذَى كَفَى .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْعُلْوِ الْبِنَاءُ وَنَحْوُهُ .
أَمَّا الْجَبَلُ الَّذِي يُمْكِنُ صُعُودُهُ فَدَاخِلٌ فِي الْفَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ فِيهَا عَالٍ وَمُسْتَوٍ ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ ، فَالصَّلَاةُ عَلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَلَهُ نَصٌّ آخَرُ فِيهِ بِالْمَنْعِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ حَالَتْ أَبْنِيَةٌ هُنَاكَ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُحَاذَاةِ يَأْتِي عَلَى الطَّرِيقَيْنِ مَعًا فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مَجْزُومًا بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ ذِكْرِ الطَّرِيقَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنَّمَا هُوَ يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ فِي الْبِنَاءِ كَمَا قَدَّرْته .
أَمَّا مَنْ لَا يَشْتَرِطُهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْمَسَافَةُ مِنْ رَأْسِ السَّافِلِ إلَى قَدَمِ الْعَالِي ، فَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لَاسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا الْإِيهَامِ ، ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ

الْمَذْكُورُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لَيْسَ كَافِيًا وَحْدَهُ بَلْ يُضَمُّ إلَى مَا تَقَدَّمَ كَمَا قَدَّرْتُهُ أَيْضًا ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى صُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي الصَّحْنِ فَلَا بُدَّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وُقُوفِ رَجُلٍ عَلَى طَرَفِ الصُّفَّةِ وَوُقُوفِ آخَرَ فِي الصَّحْنِ مُتَّصِلًا بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مَا إذَا كَانَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ ، وَلَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَكَاقْتِدَاءِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الْفَضَاءِ ، فَيَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا وَإِنْ لَمْ تُشَدَّ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، فَإِنْ كَانَتَا مُسَقَّفَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَكَاقْتِدَاءِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي بَيْتَيْنِ ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ وُجُودُ الْوَاقِفِ بِالْمَنْفَذِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ ، وَالسَّفِينَةُ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ كَالدَّارِ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ وَالسُّرَادِقَاتِ بِالصَّحْرَاءِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يُدَارُ حَوْلَ الْخِيَامِ كَسَفِينَةٍ مَكْشُوفَةٍ وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ .

وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوَاتٍ وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدٍ فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ صَفٍّ ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ مُنِعَ ، وَكَذَا الْبَابُ الْمَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ وَعَكْسُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ فَيُسْتَحَبُّ ، وَلَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ ، وَلَا يَبْتَدِئُ نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَتَمَّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَوْ وَقَفَ ) الْمَأْمُومُ ( فِي ) نَحْوِ ( مَوَاتٍ ) كَشَارِعٍ ( وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدٍ ) مُتَّصِلٍ بِنَحْوِ الْمَوَاتِ ( فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ( فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ ) وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ عَلَى مَا مَرَّ ( مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ ( وَقِيلَ مِنْ آخِرِ صَفٍّ ) فِيهِ لِأَنَّهُ الْمَتْبُوعُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ : وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَخْرُجْ الصُّفُوفُ عَنْ الْمَسْجِدِ ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْهُ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ صَفٍّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَطْعًا ، فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ خَارِجَهُ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ مِنْ طَرَفِهِ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ ، فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : " فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ " مُتَعَقَّبٌ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ بَابٌ وَلَمْ يَقِفْ بِحِذَائِهِ أَحَدٌ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ ، وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ ( وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ ) لَا بَابَ فِيهِ ( أَوْ ) فِيهِ ( بَابٌ مُغْلَقٌ مُنِعَ ) الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ ( وَكَذَا الْبَابُ الْمَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ ) يَمْنَعُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِحُصُولِ الْحَائِلِ مِنْ وَجْهٍ ، إذْ الْبَابُ الْمَرْدُودُ مَانِعٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ ، وَالشُّبَّاكُ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ ، وَالثَّانِي لَا يَمْنَعُ لِحُصُولِ الِاتِّصَالِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الِاسْتِطْرَاقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشَاهَدَةُ فِي الثَّانِيَةِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : نَعَمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : لَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَانْغَلَقَ بِهِ وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الْمُحَاذَاةِ ، بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ ، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ لِلْحَائِلِ كَمَا سَبَقَ ( قُلْت : يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَنْ إمَامِهِ وَعَكْسُهُ ) أَمَّا الثَّانِي فَلِلنَّهْيِ

عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقِيَاسًا عَلَى الثَّانِي ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمَا عَلَى مُسْتَوٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ لَا ( إلَّا لِحَاجَةٍ ) تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ كَتَعْلِيمِ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ صِفَةَ الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَكَتَبْلِيغِ الْمَأْمُومِ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ ( فَيُسْتَحَبُّ ) ارْتِفَاعُهُمَا لِذَلِكَ ( وَلَا يَقُومُ ) نَدْبًا غَيْرُ الْمُقِيمِ مِنْ مُرِيدِي الصَّلَاةِ قَائِمًا ( حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ ) أَوْ غَيْرُهُ ( مِنْ الْإِقَامَةِ ) وَلَوْ كَانَ شَيْخًا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرَغْ مِنْهُمَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الدُّخُولِ ، وَهُوَ قَبْلَ التَّمَامِ مَشْغُولٌ بِالْإِجَابَةِ .
أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ فَيَقْعُدُ أَوْ يَضْطَجِعُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ التَّوَجُّهُ لِيَشْمَلَ الْمُصَلِّيَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [ الْبَقَرَةَ ] .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الدَّاخِلَ وَالْمُؤَذِّنَ فِي الْإِقَامَةِ يَجْلِسُ لِيَقُومَ إلَيْهَا ، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الْمُؤَذِّنِ وَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِقَامَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَلِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته ، إذْ قَدْ يُقِيمُ غَيْرُ الْمُؤَذِّنِ لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ .
أَمَّا الْمُقِيمُ فَيُقِيمُ قَائِمًا إذَا كَانَ قَادِرًا فَإِنَّ الْقِيَامَ مِنْ سُنَنِهَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَا يَبْتَدِئُ ) مُرِيدُ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ الْمُقَامِ لَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرَةِ نَدْبًا ( نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ ) أَيْ الْمُقِيمِ ( فِيهَا ) أَيْ الْإِقَامَةِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ } ( 1 ) ، وَفِي مَعْنَى الشُّرُوعِ قُرْبُ إقَامَتِهَا ( فَإِنْ كَانَ فِيهِ

) أَيْ النَّفْلِ ( أَتَمَّهُ ) نَدْبًا ( إنْ لَمْ يَخْشَ ) أَيْ يَخَفْ بِإِتْمَامِهِ ( فَوْتَ الْجَمَاعَةِ ) بِسَلَامِ الْإِمَامِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } [ مُحَمَّدٌ ] فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَطَعَ النَّافِلَةَ لَهَا نَدْبًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا .
نَعَمْ إنْ عَلِمَ إدْرَاكَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِتَلَاحُقِ النَّاسِ ، فَالْمُتَّجَهُ إتْمَامُهُ ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْجِنْسِ لَا الْمَعْهُودَةِ ، وَهِيَ الَّتِي أُقِيمَتْ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ وَالْمُنْفَرِدُ يُصَلِّي حَاضِرَةً صُبْحًا أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً وَقَدْ قَامَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إلَى ثَالِثَةٍ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَدَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِيهِمَا إلَى ثَالِثَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ قَلْبُهَا نَفْلًا وَيَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ .
نَعَمْ إنْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ أَتَمَّ الرَّكْعَتَيْنِ اُسْتُحِبَّ لَهُ قَطْعُ صَلَاتِهِ وَاسْتِئْنَافُهَا جَمَاعَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَجَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا تَحَقَّقَ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا حَرُمَ السَّلَامُ مِنْهُمَا .
أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي فَائِتَةٍ فَلَا يَقْلِبُهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً فِي حَاضِرَةٍ أَوْ فَائِتَةٍ أُخْرَى ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي تِلْكَ الْفَائِتَةِ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ فَوْرِيًّا جَازَ لَهُ قَطْعُهَا مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَيَجِبُ قَلْبُ الْفَائِتَةِ نَفْلًا إنْ خُشِيَ فَوْتُ الْحَاضِرَةِ .

فَصْلٌ : شَرْطُ الْقُدْوَةِ : أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ مَعَ التَّكْبِيرِ الِاقْتِدَاءَ أَوْ الْجَمَاعَةَ .
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ .
( فَصْلٌ ) شَرْطُ الْقُدْوَةِ : أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا فِي الِابْتِدَاءِ ( أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ مَعَ التَّكْبِيرِ ) لِلْإِحْرَامِ ( الِاقْتِدَاءَ ) أَوْ الِائْتِمَامَ ( أَوْ الْجَمَاعَةَ ) بِالْإِمَامِ الْحَاضِرِ إمَّا مَأْمُومًا أَوْ مُؤْتَمًّا بِهِ ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ عَمَلٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ إذْ لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا نَوَى ، وَلَا يَكْفِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إطْلَاقُ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَى الْإِمَامِ ، وَاعْتُبِرَ اقْتِرَانُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَسَائِرِ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ صَلَاتِهِ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ مَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي .
فَإِنْ قِيلَ : الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ مُشْكِلٌ إذْ لَيْسَ فِيهَا رَبْطُ فِعْلِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ لِلِاقْتِدَاءِ وَلِلْإِمَامَةِ فَإِنْ أَضَافَ الْجَمَاعَةَ إلَى مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلِّيَّةِ .

وَالْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَالْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا ) فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) فَيُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلتَّكْبِيرِ لِتَعَلُّقِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا لِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا ، وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا جَمَاعَةً ، فَكَانَ التَّصْرِيحُ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ مُغْنِيًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ .

فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتَابَعَهُ فِي الْأَفْعَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ .
( فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتَابَعَهُ فِي ) جِنْسِ ( الْأَفْعَالِ ) أَوْ تَابَعَهُ وَهُوَ شَاكٌّ فِي النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ نَظَرْت ، فَإِنْ رَكَعَ مَعَهُ أَوْ سَجَدَ مَثَلًا بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ عُرْفًا ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ) حَتَّى لَوْ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقِفَ سَلَامَهُ عَلَى سَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ رَابِطٍ بَيْنَهُمَا ، وَالثَّانِي : يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمُتَابَعَةِ هُنَا أَنْ يَأْتِيَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْفِعْلِ لَا لِأَجْلِهِ وَإِنْ تَقَدَّمَهُ انْتِظَارٌ كَثِيرٌ لَهُ .
قَالَ الشَّارِحُ : فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى : أَيْ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : تَابَعَهُ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْمُتَابَعَةُ اتِّفَاقًا ، وَبِقَوْلِنَا بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ عُرْفًا مَا لَوْ كَانَ الِانْتِظَارُ يَسِيرًا عُرْفًا ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى مُتَابَعَةً ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُغْتَفَرٌ لِقِلَّتِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ شَكُّهُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي الِانْعِقَادِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَيُسْتَثْنَى مِمَّا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ مُتَابَعَةٍ ، مَا لَوْ عَرَضَ فِي الْجُمُعَةِ فَيُبْطِلُهَا إذَا طَالَ زَمَنُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمَاعَةِ فِيهَا شَرْطٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِفِعْلٍ بَدَلَ الْأَفْعَالِ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ وَمَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ تَبَعًا لِشَيْخِنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّكَّ فِيهَا كَالشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ الطَّوِيلِ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ وَبِالْيَسِيرِ مَعَ الْمُتَابَعَةِ .

وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ فَإِنْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .
( وَلَا يَجِبُ ) عَلَى الْمَأْمُومِ ( تَعْيِينُ الْإِمَامِ ) فِي النِّيَّةِ بِاسْمِهِ كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو ، بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ أَوْ الْحَاضِرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجَمَاعَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالتَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ ، بَلْ قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ : الْأَوْلَى أَنْ لَا يُعَيِّنَهُ فِي نِيَّتِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَيَّنَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَ ( فَإِنْ عَيَّنَهُ ) وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ ( وَأَخْطَأَ ) كَأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ فَبَانَ مَأْمُومًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ كَمَنْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ نَوَى الْعِتْقَ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَأَخْطَأَ فِيهِمَا ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بُطْلَانُهَا بِمُجَرَّدِ الِاقْتِدَاءِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ، بَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ لَا إمَامَ لَهُ ثُمَّ إنْ تَابَعَهُ الْمُتَابَعَةَ الْمُبْطِلَةَ بَطَلَتْ مَرْدُودٌ ؛ بِأَنَّ فَسَادَ النِّيَّةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مَأْمُومٌ وَبِأَنَّ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِيهَا إذَا عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ عَلَّقَ الْقُدْوَةَ بِشَخْصِهِ سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِمَنْ فِي الْمِحْرَابِ أَمْ بِزَيْدٍ هَذَا أَمْ بِهَذَا الْحَاضِرِ أَمْ بِهَذَا أَمْ بِالْحَاضِرِ ، وَظَنَّهُ زَيْدًا فَبَانَ عَمْرًا لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّخْصِ لِعَدَمِ تَأَتِّيهِ فِيهِ ، بَلْ فِي الظَّنِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْقُدْوَةَ بِالْحَاضِرِ مَثَلًا وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِشَخْصِهِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ صِفَةٌ لِزَيْدٍ الَّذِي ظَنَّهُ وَأَخْطَأَ فِيهِ ، وَالْخَطَأُ فِي الْمَوْصُوفِ يَسْتَلْزِمُ الْخَطَأَ فِي الصِّفَةِ فَبَانَ أَنَّهُ اقْتَدَى بِغَيْرِ الْحَاضِرِ .

وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ ، بَلْ تُسْتَحَبُّ
( وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ ) فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ ( نِيَّةُ الْإِمَامَةِ ) لِاسْتِقْلَالِهِ ( بَلْ تُسْتَحَبُّ ) لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ إذْ لَيْسَ لِلْمَرْءِ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا مَا نَوَى وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لَهَا مَعَ تَحَرُّمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إمَامًا وِفَاقًا لِلْجُوَيْنِيِّ وَخِلَافًا لِلْعِمْرَانِيِّ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ ، وَإِذَا نَوَى فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ حَازَ الْفَضِيلَةَ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ وَلَا تَنْعَطِفُ نِيَّتُهُ عَلَى مَا قَبْلَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهَا تَنْعَطِفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ النَّهَارَ لَا يَتَبَعَّضُ صَوْمًا وَغَيْرَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ جَمَاعَةً وَغَيْرَهَا .
أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهَا فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ فِيهَا ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَمْ زَائِدًا عَلَيْهِمْ .
نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَنَوَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ مَا ذُكِرَ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُعَادَةَ كَالْجُمُعَةِ إذْ لَا تَصِحُّ فُرَادَى فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِيهَا .

فَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ لَمْ يَضُرَّ .
( فَإِنْ أَخْطَأَ ) الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا ( فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ ) الَّذِي نَوَى الْإِمَامَةَ بِهِ ( لَمْ يَضُرَّ ) لِأَنَّ غَلَطَهُ فِي النِّيَّةِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا .
أَمَّا إذَا نَوَى ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا فَيَضُرُّ ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ كَمَا مَرَّ .

وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمُؤَدِّي بِالْقَاضِي ، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ، وَفِي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ وَبِالْعُكُوسِ ، وَكَذَا الظُّهْرُ بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ .
( وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمُؤَدِّي بِالْقَاضِي وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَفِي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ وَبِالْعُكُوسِ ) أَيْ الْقَاضِي بِالْمُؤَدِّي وَالْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ وَفِي الْعَصْرِ بِالظُّهْرِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ نَظْمُ الصَّلَاةِ بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ ، وَمَعَ صِحَّةِ ذَلِكَ يُسَنُّ تَرْكُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ .
لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ .
أَمَّا فِيهَا فَيُسَنُّ كَفِعْلِ مُعَاذٍ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ بِالْجَوَازِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالصِّحَّةِ لِاسْتِلْزَامِهِ لَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ ( وَكَذَا الظُّهْرُ ) وَنَحْوُهُ كَالْعَصْرِ ( بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ ، وَهُوَ ) أَيْ الْمُقْتَدِي حِينَئِذٍ ( كَالْمَسْبُوقِ ) يُتِمُّ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامٍ .

وَلَا تَضُرُّ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ وَالْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي الْمَغْرِبِ ، وَلَهُ فِرَاقُهُ إذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا .
( وَلَا تَضُرُّ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ ) فِي الصُّبْحِ ( وَالْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي الْمَغْرِبِ ) كَالْمَسْبُوقِ ( وَلَهُ فِرَاقُهُ ) أَيْ بِالنِّيَّةِ ( إذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا ) بِالْقُنُوتِ وَالْجُلُوسِ مُرَاعَاةً لِنَظْمِ صَلَاتِهِ ، وَالْمُتَابَعَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُفَارَقَتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَشْرُوعًا لِلْمَأْمُومِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ بِهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اُغْتُفِرَ لَهُ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ لَيْسَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ أَوْ يُفَارِقُهُ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ هُنَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُنَاكَ لَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُ أَصْلًا .

وَيَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ فِي الْأَظْهَرِ ، فَإِذَا قَامَ لِلثَّالِثَةِ فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ .
قُلْت : انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَيَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ ) وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ هِيَ أَقْصَرُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) وَقَطَعَ بِهِ كَعَكْسِهِ بِجَامِعِ الِاتِّفَاقِ فِي النَّظْمِ ، وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ فَرَاغِهِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ سَبَقَهُ بِهَا انْتَفَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ ( فَإِذَا قَامَ ) الْإِمَامُ ( لِلثَّالِثَةِ فَإِنْ شَاءَ ) الْمَأْمُومُ ( فَارَقَهُ ) بِالنِّيَّةِ ( وَسَلَّمَ ) لِانْقِضَاءِ صَلَاتِهِ ( وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ ) لِغَرَضِ أَدَاءِ السَّلَامِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ( قُلْت : انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِمَا ذُكِرَ ، هَذَا إذَا لَمْ يَخْشَ خُرُوجَ الْوَقْتِ قَبْلَ تَحَلُّلِ إمَامِهِ وَإِلَّا فَلَا يَنْتَظِرُهُ ، وَمَحَلُّ الِانْتِظَارِ فِي الصُّبْحِ كَمَا صَوَّرَهُ فِي الْكِتَابِ .
.

أَمَّا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ رُبَاعِيَّةٍ فَقَامَ إمَامُهُ إلَى الرَّابِعَةِ فَلَا يَنْتَظِرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ فَإِنَّهُ وَافَقَهُ فِيهِ ثُمَّ اسْتَدَامَ ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ تَشَهُّدًا ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي أَحْدَثَ جُلُوسًا ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ مَا قُلْنَاهُ بِأَنْ يُقَالَ مُرَادُ الشَّيْخَيْنِ أَحْدَثَ تَشَهُّدًا مَعَ جُلُوسِهِ ، وَمُرَادُ ابْنِ الْمُقْرِي أَحْدَثَ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ فِي تِلْكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخِي .

وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْعِشَاءِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ كَمَا لَوْ اقْتَدَى فِي الظُّهْرِ بِالصُّبْحِ .
فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا مُنْفَرِدًا ، فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ ثَانِيًا فِي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ جَازَ كَمُنْفَرِدٍ اقْتَدَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِغَيْرِهِ .

وَتَصِحُّ الصُّبْحُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالِاسْتِسْقَاءَ وَعَكْسُهُ لِتَوَافُقِهِمَا فِي نَظْمِ أَفْعَالِهِمَا ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُوَافِقَهُ فِي التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ إنْ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ الْعِيدِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا فِي تَرْكِهِ إنْ عَكَسَ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهِ وَلَا تَضُرُّ مُوَافَقَتُهُ فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا يَضُرُّ فِعْلُهَا وَإِنْ لَمْ تُنْدَبْ وَلَا تَرْكُهَا وَإِنْ نُدِبَتْ .

وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ فِي الثَّانِيَةِ قَنَتَ وَإِلَّا تَرَكَهُ ، وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ
( وَإِنْ ) صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي غَيْرَهَا ( وَأَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ فِي الثَّانِيَةِ ) بِأَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ يَسِيرًا ( قَنَتَ ) نَدْبًا تَحْصِيلًا لِسُنَّةٍ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ( تَرَكَهُ ) خِلَافًا مِنْ التَّخَلُّفِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهُ عَنْهُ ( وَلَهُ فِرَاقُهُ ) بِالنِّيَّةِ ( لِيَقْنُتَ ) تَحْصِيلًا لِلسُّنَّةِ وَتَكُونُ مُفَارَقَتُهُ بِعُذْرٍ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَتَخَلَّفَ لِلْقُنُوتِ وَأَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى لَمْ يَضُرَّ ، وَقِيلَ هُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَقَعَدَ هُوَ لِأَجْلِهِ ، وَفُرِّقَ بِأَنَّهُمَا هُنَا اشْتَرَكَا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ الْمَأْمُومُ بِهِ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْفَرْقِ مَا لَوْ جَلَسَ الْإِمَامُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي ظَنِّهِ ؛ لِأَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ هُنَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِهَا .

فَإِنْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جِنَازَةٍ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ .

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ تَوَافُقُ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ( فَإِنْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا ) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ ( كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ ) مَكْتُوبَةٍ ، وَ ( جِنَازَةٍ لَمْ تَصِحَّ ) الْقُدْوَةُ فِيهِمَا ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ بِاخْتِلَافِ فِعْلِهِمَا ، وَالثَّانِي تَصِحُّ لِإِمْكَانِهَا فِي الْبَعْضِ ، وَيُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ ، فَفِي الْجِنَازَةِ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُفَارِقَهُ أَوْ يَنْتَظِرَ سَلَامَهُ ، وَلَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرِ ، وَفِي الْكُسُوفِ يُتَابِعُهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ يَرْفَعُ وَيُفَارِقُهُ ، أَوْ يَنْتَظِرُهُ رَاكِعًا إلَى أَنْ يَرْكَعَ ثَانِيًا فَيَعْتَدِلَ وَيَسْجُدَ مَعَهُ ، وَلَا يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ الرَّفْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ ، وَمَحَلُّ الْأَوَّلِ إذَا صَلَّى الْكُسُوفَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ .
أَمَّا إذَا فَعَلْتَ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ ثَانِي قِيَامِ ثَانِيَةِ الْكُسُوفِ .
أَمَّا فِيهِ فَتَصِحُّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ بَعْدَهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَا إشْكَالَ إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي التَّشَهُّدِ .
قَالَ : وَمَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يُصَلِّي جِنَازَةً أَوْ كُسُوفًا مُشْكِلٌ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي الْقِيَامِ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ ، ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى الْأَفْعَالِ الْمُخَالِفَةِ ، فَإِنْ فَارَقَهُ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْهُ إذَا رَكَعَ بَلْ أَوْلَى ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُبْطِلَ ثَمَّ يَعْرِضُ بَعْدَ الِانْعِقَادِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ عِنْدَهُ وَهُوَ اخْتِلَافُ فِعْلِ الصَّلَاتَيْنِ الَّذِي تَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْمُتَابَعَةُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ

وَالْكُسُوفِ .

وَالشَّرْطُ السَّادِسُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ فَرْضًا لَمْ يُتَابِعْهُ فِي تَرْكِهِ ، لِأَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَهُ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَإِلَّا فَفِعْلُهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ ، أَوْ تَرَكَ سُنَّةً أَتَى هُوَ بِهَا إنْ لَمْ يَفْحُشْ تَخَلُّفُهُ لَهَا كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقُنُوتٍ يُدْرِكُ مَعَهُ السَّجْدَةَ الْأُولَى كَمَا مَرَّ ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَخَلُّفٌ يَسِيرٌ .
أَمَّا إذَا فَحُشَ التَّخَلُّفُ لَهَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَلَا يَأْتِي بِهَا ، لِخَبَرِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } فَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعُدُولِهِ عَنْ فَرْضِ الْمُتَابَعَةِ إلَى سُنَّةٍ ، وَيُخَالِفُ سُجُودَ السَّهْوِ وَالتَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ .

فَصْلٌ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ عَنْ ابْتِدَائِهِ وَيَتَقَدَّمُ عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ .

وَالشَّرْطُ السَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ الْمُتَابَعَةُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ .
( فَصْلٌ ) تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ : لَا فِي أَقْوَالِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي وَكَمَالُ الْمُتَابَعَةِ يَحْصُلُ ( بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ ) أَيْ الْمَأْمُومِ ( عَنْ ابْتِدَائِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ : أَيْ ابْتِدَاءِ فِعْلِ الْإِمَامِ ( وَيَتَقَدَّمُ ) ابْتِدَاءُ فِعْلِ الْمَأْمُومِ ( عَلَى فَرَاغِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْفِعْلِ ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا } ، وَافْهَمْ تَحْرِيمَ التَّقَدُّمِ فِي الْأَفْعَالِ وَإِنْ لَمْ تُبْطِلْ كَأَنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ ، وَاحْتَرَزَ بِالْأَفْعَالِ عَنْ الْأَقْوَالِ كَالتَّشَهُّدِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَإِلَّا فِي السَّلَامِ فَيَبْطُلُ تَقَدُّمُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ ، فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَاهَا ، وَمَا وَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَمُتَابَعِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ، خِلَافُ الْمَنْقُولِ .
فَإِنْ قِيلَ : تَفْسِيرُهُ الْمُتَابَعَةُ بِمَا ذُكِرَ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ الْمُتَابَعَةِ الْكَامِلَةِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، أَوْ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ : أَيْ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُتَابَعَةِ حُكْمُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي كُلِّهَا وَاجِبَةٌ ، وَالتَّقَدُّمُ بِجَمِيعِهَا مُبْطِلٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَالْحُكْمُ ثَانِيًا بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِلْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْرَادُ ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْكُلِّ غَيْرُ الْحُكْمِ عَلَى الْأَفْرَادِ ، وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ السُّنَنِ الطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مَعَ أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَةٌ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَيْثُ

أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ بَعِيدٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّنَاقُضِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ ذِكْرُ مَا ذَكَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْمُتَابَعَةِ الْوَاجِبَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا ، تَجِبُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِ كَذَا وَكَذَا فَيَذْكُرُ أَوَّلًا وُجُوبَهَا ثُمَّ يُفَسِّرُ كَمَالَهَا ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّبَعِيَّةِ بَدَلَ الْمُتَابَعَةِ لَكَانَ أَوْلَى ، لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ تَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ غَالِبًا .

فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ إلَّا تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ .

( فَإِنْ قَارَنَهُ ) فِي فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ ( لَمْ يَضُرَّ ) أَيْ لَمْ يَأْثَمْ ؛ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ مُنْتَظِمَةٌ لَا مُخَالَفَةَ فِيهَا .
نَعَمْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ وَمُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِارْتِكَابِهِ الْمَكْرُوهَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَاعَةِ ، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ حَيْثُ فَعَلَ مَكْرُوهًا مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ مُخَالَفَةِ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْمُوَافَقَةِ وَالْمُتَابَعَةِ كَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ فَاتَهُ فَضْلُهَا إذْ الْمَكْرُوهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ مَعَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَمَاعَةٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ فَضْلِهَا انْتِفَاؤُهَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا فَائِدَةُ حُصُولِ الْجَمَاعَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الثَّوَابِ فِيهَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا إمَّا عَلَى الْعَيْنِ أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقِيَامِ الشِّعَارِ ظَاهِرًا ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِذَلِكَ الْمُقَارَنَةُ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ أَوْ يُكْتَفَى بِمُقَارَنَةِ الْبَعْضِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ، وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِي رُكْنٍ وَاحِدٍ لَا تُفَوِّتُ ذَلِكَ : أَيْ فَضِيلَةَ كُلِّ الصَّلَاةِ بَلْ مَا قَارَنَ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ رُكْنًا أَوْ أَكْثَرَ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا ثَوَابُ الصَّلَاةِ فَلَا يَفُوتُ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا صَلَّى بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى .
وَلَا يُقَالُ هَذَا لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ .
لِأَنَّا نَقُولُ : وَهَذَا الْمَكْرُوهُ كَذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ لِذَاتِ الصَّلَاةِ لَمَنَعَ انْعِقَادَهَا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ( إلَّا ) فِي ( تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ ) فَإِنَّهُ إنْ قَارَنَهُ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ عَنْ قُرْبٍ هَلْ قَارَنَهُ فِيهَا أَمْ لَا ؟ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ

أَوْ ظَنَّ التَّأَخُّرَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ ، هَذَا إذَا نَوَى الِائْتِمَامَ مَعَ التَّكْبِيرِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ ، وَلِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ مُصَلٍّ فَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَتِهِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ ، وَفَارَقَ ذَلِكَ الْمُقَارَنَةَ فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ بِانْتِظَامِ الْقُدْوَةِ فِيهَا لِكَوْنِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ .
وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْبُطْلَانُ بِمَا إذَا نَوَى الِائْتِمَامَ مَعَ التَّكْبِيرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ اقْتَدَى فَإِنَّهُ تَصِحُّ قُدْوَتُهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ تَكْبِيرُهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ .
تَنْبِيهٌ : اسْتِثْنَاءُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْأَفْعَالِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ رُكْنٌ قَوْلِيٌّ .
نَعَمْ يَصِيرُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، وَقَضِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُ شُرُوعِ الْمَأْمُومِ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُ جَمِيعِهَا عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُقَارَنَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْمُسَاوَقَةِ ، لِأَنَّ الْمُسَاوَقَةَ فِي اللُّغَةِ مَجِيءُ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ لَا مَعًا .

وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ .
( وَإِنْ تَخَلَّفَ ) الْمَأْمُومُ ( بِرُكْنٍ ) فِعْلِيٍّ عَامِدًا بِلَا عُذْرٍ ( بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ ) أَيْ الْمَأْمُومُ ( فِيمَا قَبْلَهُ ) كَأَنْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ رَفْعَ الِاعْتِدَالِ وَالْمَأْمُومُ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ ( لَمْ تَبْطُلْ ) صَلَاتُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ تَخَلُّفٌ يَسِيرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ طَوِيلًا كَالْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ أَمْ قَصِيرًا كَأَنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَهَوَى مِنْ الْجِلْسَةِ بَعْدَهَا لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى ، وَالثَّانِي : تَبْطُلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ .

أَمَّا إذَا تَخَلَّفَ بِدُونِ رُكْنٍ كَأَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِ ثُمَّ لَحِقَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، أَوْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ لِعُذْرٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ قَطْعًا .

أَوْ بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ فَرَغَ مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ :
( أَوْ ) تَخَلَّفَ ( بِرُكْنَيْنِ ) فِعْلِيَّيْنِ ( بِأَنْ فَرَغَ ) الْإِمَامُ ( مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا ) كَأَنْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ هَوِيَّ السُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ) كَأَنْ تَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ أَوْ لِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِكَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ أَكَانَا طَوِيلَيْنِ كَأَنْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ شَرَعَ فِي الِاعْتِدَالِ أَمْ طَوِيلًا وَقَصِيرًا كَالْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُمَا قَصِيرَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ .

وَإِنْ كَانَ بِأَنْ أَسْرَعَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَقِيلَ يَتْبَعُهُ وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ ، وَالصَّحِيحُ يُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ ، وَهِيَ الطَّوِيلَةُ .
( وَإِنْ كَانَ ) عُذْرٌ ( بِأَنْ أَسْرَعَ ) الْإِمَامُ ( قِرَاءَتَهُ ) مَثَلًا أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ لِعَجْزٍ لَا لِوَسْوَسَةٍ ( وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ ) وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا لَاعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ ( فَقِيلَ يَتْبَعُهُ ) لِتَعَذُّرِ الْمُوَافِقِ ( وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ ) لِلْعُذْرِ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَخَلَّفَ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِغَيْرِ عُذْرٍ ( وَالصَّحِيحُ ) لَا يَتْبَعُهُ بَلْ ( يُتِمُّهَا ) وُجُوبًا ( وَيَسْعَى خَلْفَهُ ) أَيْ الْإِمَامَ عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ ( مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ ) بَلْ بِثَلَاثَةٍ فَمَا دُونِهَا ( مَقْصُودُهُ ) فِي نَفْسِهَا ( وَهِيَ الطَّوِيلَةُ ) أَخْذًا مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ فَلَا يُعَدُّ مِنْهَا الْقَصِيرُ ، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُمَا قَصِيرَانِ ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ إنَّ الرُّكْنَ الْقَصِيرَ مَقْصُودٌ فَيَسْعَى خَلْفَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ، أَوْ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهَا بِأَنْ ابْتَدَأَ الرَّفْعَ اعْتِبَارًا بِبَقِيَّةِ الرَّكْعَةِ .

فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ .
فَقِيلَ يُفَارِقُهُ ، وَالْأَصَحُّ يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ ، بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِشُغْلِهِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُوَافِقِ .
( فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ ) مِنْ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ لَمْ يَفْرَغْ مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَّا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ عَنْ السُّجُودِ أَوْ جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ ( فَقِيلَ يُفَارِقُهُ ) بِالنِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ ( وَالْأَصَحُّ ) لَا تَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ بَلْ ( يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ) مَا فَاتَهُ كَالْمَسْبُوقِ لِمَا فِي مُرَاعَاةِ نَظْمِ صَلَاتِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ ( وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ ) الْمَأْمُومُ ( الْفَاتِحَةَ لِشُغْلِهِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ) أَوْ التَّعَوُّذِ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ ( فَمَعْذُورٌ ) فِي التَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهَا كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرَاغِ مِنْ الرُّكْنِ الِانْتِقَالُ عَنْهُ لَا الْإِتْيَانُ بِالْوَجَبِ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ مُلَابَسَةُ الْإِمَامِ رُكْنًا آخَرَ ( هَذَا كُلُّهُ فِي ) الْمَأْمُومِ ( الْمُوَافِقِ ) وَهُوَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الْمُعْتَدِلَةِ .
.

فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ تَرَكَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ
أَمَّا الْمَسْبُوقُ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فَهُوَ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي ) أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ ( فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ ) أَوْ بِأَحَدِهِمَا ( تَرَكَ قِرَاءَتَهُ ) لِبَقِيَّةِ فَاتِحَتِهِ ( وَرَكَعَ ) مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ غَيْرَ مَا قَرَأَهُ ( وَهُوَ ) بِالرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ ( مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ ) كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ وَيَرْكَعُ مَعَهُ وَيُجْزِئُهُ ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِإِتْمَامِهَا وَفَاتَهُ الرُّكُوعُ مَعَهُ وَأَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ رَكْعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي مُعْظَمِهَا وَكَانَ تَخَلُّفُهُ بِلَا عُذْرٍ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا ، وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْمَسْبُوقِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ رَكَعَ فِيهَا .

وَإِلَّا لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ .

وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا لَزِمَهُ قِرَاءَتُهَا ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا رُخْصَةٌ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ ( لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ ) أَيْ بِقَدْرِ حُرُوفِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِعُدُولِهِ عَنْ فَرْضٍ إلَى نَفْلٍ .
وَالثَّانِي يُوَافِقُهُ مُطْلَقًا ، وَيَسْقُطُ بَاقِيهَا لِحَدِيثِ { إذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا } ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ جَمَاعَةٍ .
وَالثَّالِثُ : يُتِمُّ الْفَاتِحَةَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْقِيَامَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهَا فَلَزِمَتْهُ إنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا ، وَالشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا ، أَوْ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مِنْ التَّفْصِيلِ ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا قُلْنَا : التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ ، وَقِيلَ : تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ رَكْعَةٌ فَهُوَ كَالتَّخَلُّفُ بِهَا .
أَمَّا الْمُتَخَلِّفُ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ لِيَقْرَأَ قَدْرَ مَا فَاتَهُ ، فَقَالَ الشَّيْخَانِ : كَالْبَغَوِيِّ هُوَ مَعْذُورٌ لِإِلْزَامِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْمُتَوَلِّي كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِاشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ عَنْ الْفَرْضِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ ، وَلَا يَرْكَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ بَلْ يُتَابِعُهُ فِي هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ ، وَلَا

يُنَافِيهِ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ بِعُذْرِهِ فِي التَّخَلُّفِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ وَلَا بُطْلَانَ لِتَخَلُّفِهِ قَطْعًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ لَمْ تَفُتْهُ الرَّكْعَةُ : اللَّهُمَّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ .
قَالَ الْفَارِقِيُّ : وَصُورَةُ التَّخَلُّفِ لِلْقِرَاءَةِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَلْيُتَابِعْهُ قَطْعًا وَلَا يَقْرَأْ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي إحْيَائِهِ ، وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ عَلَى أَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ فِي رُكُوعِهِ وَإِلَّا فَيُفَارِقُهُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ إلَّا عِنْدَ هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَخَلِّفًا بِرُكْنَيْنِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِتَقْصِيرِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ إدْرَاكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَأَتَى بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَأَعْرَضَ عَنْ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا يَرْكَعُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ مِنْ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ ا هـ .
وَهَذَا الْمُقْتَضَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْصِيرَهُ بِمَا ذُكِرَ مُنْتَفٍ فِي ذَلِكَ ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ .

وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوقُ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ بَلْ بِالْفَاتِحَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ إدْرَاكَهَا
( وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوقُ ) نَدْبًا ( بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ ) كَدُعَاءِ افْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ ( بَلْ ) يَشْتَغِلُ ( بِالْفَاتِحَةِ ) فَقَطْ لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِ الْفَرْضِ أَوْلَى وَيُخَفِّفُهَا حَذَرًا مِنْ فَوَاتِهَا ( إلَّا أَنْ يَعْلَمَ ) أَيْ يَظُنَّ ( إدْرَاكَهَا ) مَعَ اشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ كَعَادَةِ الْإِمَامِ فَيَأْتِي بِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِالْفَاتِحَةِ حِيَازَةً لِفَضِيلَتِهِمَا ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ يَقْرَأُ سُورَةً قَصِيرَةً لَا يَتَمَكَّنُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ مَعَهُ قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ، وَمَعْنَى عَلَيْهِ : أَيْ يُسَنُّ لَهُ .

وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكٍّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ .
( وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ ) مَعَ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ ( أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ ) بِنِسْيَانٍ ( أَوْ شَكٍّ ) فِي فِعْلِهَا هَلْ قَرَأَهَا أَمْ لَا ( لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى مَحَلِّ قِرَاءَتِهَا لِيَأْتِيَ بِهَا : أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ ( بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ) تَدَارُكًا كَالْمَسْبُوقِ .
أَمَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي رُكُوعِهِ وَلَمْ يَرْكَعْ الْإِمَامُ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِيَقْرَأَهَا ، إذْ لَا مُتَابَعَةَ حِينَئِذٍ فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ .

وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ قِيَامِ إمَامِهِ فِي أَنَّهُ سَجَدَ مَعَهُ أَمْ لَا سَجَدَ ثُمَّ تَابَعَهُ ، فَلَوْ قَامَ مَعَهُ ثُمَّ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ لِلسُّجُودِ كَمَا أَفْتَى بِهِمَا الْقَاضِي ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ إنَّهُ شَكَّ فِي أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ أَمْ لَا لَمْ يَعُدْ لِلرُّكُوعِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْرِيجًا عَلَى الثَّانِيَةِ ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ أَمْ لَا عَادَ لِلرُّكُوعِ تَخْرِيجًا عَلَى الْأُولَى .
وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ فَوْتَ مَحَلِّ الْمَتْرُوكِ لِتَلَبُّسِهِ مَعَ الْإِمَامِ بِرُكْنٍ لَمْ يَعُدْ لَهُ وَإِلَّا عَادَ .
.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى وَشَكَّ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَمْ لَا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَهَا حُسِبَتْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا فَشَكَّ فِي رُكُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فَمَضَى ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ - أَيْ مَثَلًا أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَأَهَا فِي الْأُولَى فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ ، إذْ لَا اعْتِدَادَ بِفِعْلِهِ مَعَ الشَّكِّ ا هـ .

فَلَوْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ ، وَقِيلَ يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ .
وَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : قَالَ الْقَاضِي : فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِقِرَاءَتِهَا إلَى أَنْ يَخَافَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ فَيُخْرِجُ نَفْسَهُ ( فَلَوْ عَلِمَ ) الْمَأْمُومُ تَرْكَهَا ( أَوْ شَكَّ ) فِيهِ ( وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا ) وُجُوبًا لِبَقَاءِ مَحَلِّهَا ( وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ ، وَقِيلَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ ( وَقِيلَ ) لَا يَقْرَأُ بَلْ ( يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ ) رَكْعَةً ( بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ) لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ ، وَلَوْ انْتَظَرَ سَكْتَةَ إمَامِهِ لِيَقْرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ إمَامُهُ عَقِبَهَا فَكَالنَّاسِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ : بِسُقُوطِ الْفَاتِحَةِ عَنْهُ .

وَلَوْ سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ .
( وَلَوْ سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ رَبَطَ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَهَذِهِ فُهِمَتْ مِنْ مَنْعِ الْمُقَارَنَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُكَرَّرَةٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا أَوْ ظَانًّا أَنَّ إمَامَهُ أَحْرَمَ فَأَحْرَمَ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَصَرَّحَا بِهِ ؛ فَقَالَا : وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا صَلَاةَ لَهُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّ صَلَاتَهُ انْعَقَدَتْ مُنْفَرِدًا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِنْ خِلَافُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَهَذِهِ مِمَّا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ .

أَوْ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَمْ يَضُرَّهُ وَيُجْزِئُهُ ، وَقِيلَ تَجِبُ إعَادَتُهُ .
( أَوْ ) سَبَقَهُ ( بِالْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ ) بِأَنْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِيهِ ( لَمْ يَضُرَّهُ ) ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِهِ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ ( وَيُجْزِئُهُ ) ذَلِكَ : أَيْ يُحْسَبُ لَهُ مَا أَتَى بِهِ لِمَا ذُكِرَ ( وَقِيلَ ) لَا يُجْزِئُهُ ، وَ ( تَجِبُ إعَادَتُهُ ) إمَّا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ أَوْلَى إنْ تَمَكَّنَ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى فِعْلِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .

وَلَوْ تَقَدَّمَ بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إنْ كَانَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ : تَبْطُلُ بِرُكْنٍ .

( وَلَوْ تَقَدَّمَ ) الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ ( بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إنْ كَانَ ) ذَلِكَ ( بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ إذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَا طَوِيلَيْنِ أَمْ طَوِيلًا وَقَصِيرًا كَمَا مَرَّ فِي التَّخَلُّفِ ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ ، لَكِنْ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بَلْ يَتَدَارَكُهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَلَا يَخْفَى بَيَانُ السَّبْقِ بِرُكْنَيْنِ مِنْ قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّخَلُّفِ ، وَلَكِنْ مَثَّلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ ، فَلِمَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ ، فَلِمَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا فِي الِاعْتِدَالِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي التَّخَلُّفِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَا بِأَنْ يُقَدَّرَ مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا أَوْ بِالْعَكْسِ ، وَأَنْ يَخْتَصَّ هَذَا بِالتَّقَدُّمِ لِفُحْشِهِ ا هـ .
وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي إنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّأَخُّرِ .
وَقَالَ النَّشَائِيُّ : ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّسْوِيَةُ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ بِرُكْنَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَوْلِيٌّ ، وَالْآخَرُ فِعْلِيٌّ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمَثَّلَهُ فِي الْأَنْوَارِ بِالْفَاتِحَةِ وَالرُّكُوعِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ التَّقَدُّمُ بِأَقَلَّ مِنْ رُكْنَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِرُكْنٍ أَمْ بِأَقَلَّ أَمْ بِأَكْثَرَ ( فَلَا ) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِقِلَّةِ الْمُخَالَفَةِ وَلَوْ تَعَمَّدَ السَّبْقَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ كَعَكْسِهِ ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ ، وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لِيَرْكَعَ مَعَهُ إنْ تَعَمَّدَ السَّبْقَ جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ ، فَإِنْ سَهَا بِهِ تُخُيِّرَ بَيْنَ الِانْتِظَارِ وَالْعَوْدِ ، وَالسَّبْقُ بِرُكْنٍ عَمْدًا - كَأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ - حَرَامٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ : إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا } ( 1 ) ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ

رَوَاهَا الشَّيْخَانِ { أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ رَأْسِ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ } ( 2 ) .
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّبْقَ بِبَعْضِ الرُّكْنِ ، كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَحِقَهُ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ كَالسَّبْقِ بِرُكْنٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا ( وَقِيلَ : تَبْطُلُ بِرُكْنٍ ) تَامٍّ فِي الْعَمْدِ لِمُنَاقَضَتِهِ الِاقْتِدَاءَ ، بِخِلَافِ التَّخَلُّفِ ، إذْ لَا يَظْهَرُ فِيهِ فُحْشُ مُخَالَفَةٍ .
.

فَصْلٌ خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقَطَعَهَا الْمَأْمُومُ جَازَ ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ، وَمِنْ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ .

( فَصْلٌ ) فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا إذَا ( خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ ) بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ ( انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ ) بِهِ لِزَوَالِ الرَّابِطَةِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ وَيَقْتَدِي بِغَيْرِهِ وَغَيْرُهُ بِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ) أَيْ الْإِمَامُ ( وَقَطَعَهَا الْمَأْمُومُ ) بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ ( جَازَ ) مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمُفَارَقَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ الْمَطْلُوبَةِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا مُؤَكَّدًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَارَقَهُ لِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ لِعُذْرِهِ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهَا إمَّا سُنَّةٌ عَلَى قَوْلٍ ، فَالسُّنَنُ لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ ، فَكَذَلِكَ إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ الْأُولَى فَارَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالْقِصَّةِ فَغَضِبَ وَأَنْكَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى الرَّجُلِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ } .
قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى ، بَلْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْطَالِ لِعُذْرٍ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ : إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ انْفَرَدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ سُفْيَانَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الشُّذُوذِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ إبْطَالِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَعَلَى إبْطَالِ صِفَتِهَا أَوْلَى .
وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ الصَّلَاةِ كَانَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ ، فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد

وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْعِشَاءِ ، فَقَرَأَ { اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ } .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ تُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ ، وَيَبْعُدُ أَنَّهُ نَسِيَهُ ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَةِ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ قَرَأَ بِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهَذِهِ فِي أُخْرَى ( وَفِي قَوْلٍ ) قَدِيمٍ ( لَا يَجُوزُ ) أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُدْوَةَ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ وَفِيهِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } [ مُحَمَّدٌ ] ( إلَّا بِعُذْرٍ ) فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْعُذْرَ بِمَا ( يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ) أَيْ ابْتِدَاءً ، وَقَالَ : إنَّهُ أَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ ، وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَمِنْ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ ) وَالْمَأْمُومُ لَا يَصْبِرُ عَلَى التَّطْوِيلِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ { أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَنَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا فَتَأَخَّرْت وَصَلَّيْت } ( أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ ) أَوَّلٍ وَقُنُوتٍ فَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَأْتِيَ بِتِلْكَ السُّنَّةِ .
.

تَنْبِيهٌ : لَا يَجُوزُ قَطْعُ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِيهَا شَرْطٌ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا ، فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ فِيهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ ، وَلَوْ تَعَطَّلَتْ الْجَمَاعَةُ بِخُرُوجِهِ وَقُلْنَا بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا انْحَصَرَ فِي شَخْصٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ رَأَى الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِهِ كَأَنْ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا أَوْ رَأَى خُفَّهُ تَخَرَّقَ وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ .

وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَتْبَعُهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا ، فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ أَوْ هُوَ ، فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ .

( وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ فِي خِلَالِ ) أَيْ أَثْنَاءِ ( صَلَاتِهِ ) قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ ( جَازَ فِي الْأَظْهَرِ ) لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَشْهُورَةِ لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَاقْتَدَوْا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَقْتَدِيَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَيَصِيرُ إمَامًا ، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا ( وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى ) أَيْ غَيْرِ رَكْعَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ ، وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْلِبَ الْفَرِيضَةَ نَفْلًا وَيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إذَا وَسِعَ الْوَقْتُ كَمَا مَرَّ وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ مُطْلَقًا هُوَ الرَّاجِحُ ، وَقِيلَ : مَحَلُّهُمَا إذَا اتَّفَقَا فِي الرَّكْعَةِ كَالْأُولَى أَوْ ثَانِيَةٍ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ فِي رَكْعَةٍ بَطَلَتْ قَطْعًا ، وَقِيلَ : إنْ دَخَلَ قَبْلَ رُكُوعِهِ صَحَّتْ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ فِيمَنْ دَخَلَ بَعْدَهُ وَقِيلَ : إنْ دَخَلَ بَعْدَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ فِيمَا قَبْلَهُ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ إذَا افْتَتَحَهَا فِي جَمَاعَةٍ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَمَثَّلَهُ بِمَا إذَا أَحْرَمَ خَلْفَ جُنُبٍ جَاهِلًا ثُمَّ نَقَلَهَا عِنْدَ التَّبَيُّنِ إلَيْهِ بِطُهْرِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَوْ أَحْدَثَ إمَامُهُ وَجَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فَاسْتَخْلَفَ ، وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُونَ أَوْ الْمُقِيمُونَ خَلْفَ مُسَافِرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَدِيَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ دُونَهُمْ ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ

الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ ، فَإِذَا أَتَمُّوهَا فُرَادَى نَالُوا فَضْلَهَا ، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهَا هُنَا الْجَوَازُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَقَالَ : اعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِتَصْحِيحِ الِانْتِصَارِ الْمَنْعَ ، وَعَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا ، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ حَيْثُ الْفَضِيلَةُ ، وَالثَّانِي : مِنْ حَيْثُ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذِكْرِهِ جَوَازَ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ .
قَالَ : وَاقْتِدَاءُ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَغَيْرِهِ ا هـ .
وَهُوَ جَمْعٌ مُتَعَيَّنٌ ( ثُمَّ ) بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ ( يَتْبَعُهُ ) وُجُوبًا فِيمَا هُوَ فِيهِ ( قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا ) أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ نَظْمِ صَلَاتِهِ لَوْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ رِعَايَةً لِلْمُتَابَعَةِ ( فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ ) فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ ( أَوْ ) فَرَغَ ( هُوَ ) أَوَّلًا ( فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ ) بِالنِّيَّةِ ( وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ ) فِي التَّشَهُّدِ إنْ كَانَ مَحَلَّ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ ( لِيُسَلِّمَ مَعَهُ ) وَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي اقْتِدَاءِ الصُّبْحِ بِالظُّهْرِ .

وَمَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ .
( وَمَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ ) مَعَ الْإِمَامِ ( فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ ) وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ آخِرَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَوَّلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ { صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ } .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ } ، وقَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ } ، إذْ الْجُمُعَةُ لَا تُقْضَى ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ خَارِجَ وَقْتِهَا ( فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ ) فِي مَحَلِّهِ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصُّبْحِ وَقَنَتَ الْإِمَامُ فِيهَا ، وَفِعْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمُتَابَعَةِ .

وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ .
( وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ ) مَعَ الْإِمَامِ وَأَرَادَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ ( تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ ) نَدْبًا ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ وَتَشَهُّدُهُ مَعَ الْإِمَامِ لِلْمُتَابَعَةِ ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنَّا وَمِنْ الْمُخَالِفِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَى أَنَّ مَا يُدْرِكُهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ .

فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَفَاتَتْهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِيهِمَا ، فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا سُنَّ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْهَا كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ .

وَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ .
قُلْت : بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَإِنْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ ( رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ) ، لِخَبَرِ { مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى : كِتَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ سَوَاءٌ أَتَمَّ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ فَأَتَمَّهَا مَعَهُ أَمْ لَا كَأَنْ أَحْدَثَ فِي اعْتِدَالِهِ ، وَسَوَاءٌ أَقَصَرَ الْمَأْمُومُ فِي تَحَرُّمِهِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ ثُمَّ أَحْرَمَ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إذَا قَصَّرَ فِي التَّكْبِيرِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ ( قُلْت : بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ ) يَقِينًا ( قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) كَمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ صَرَّحَ بِهِ وَأَنَّ كَلَامَ كَثِيرٍ مِنْ النَّقَلَةِ أَشْعَرَ بِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَكْثَرُونَ ا هـ وَفِي الْكِفَايَةِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ .
ا هـ .
وَالْمُوَجَّهُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ بِدُونِ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَانْتِفَاؤُهَا كَانْتِفَائِهِ ، وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ إدْرَاكُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرُّكُوعِ كَاعْتِدَالٍ أَوْ فِيهِ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ أَوْ اطْمَأَنَّ وَالْإِمَامُ مُحْدِثٌ أَوْ فِي رَكْعَةٍ قَامَ إلَيْهَا سَهْوًا أَوْ فِي رُكُوعٍ زَائِدٍ كَأَنْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ أَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الْكُسُوفِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ

الرَّكْعَةُ وَلَوْ أَتَى الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يُحْسَبْ رُكُوعُهُ بِالرَّكْعَةِ كَامِلَةً بِأَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ شَيْئًا .
نَعَمْ إنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أَوْ سَهْوَهُ وَنَسِيَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .

وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ ) الْمُعْتَبَرِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ ( لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إدْرَاكِهِ ، وَالثَّانِي : تُحْسَبُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْإِمَامِ فِيهِ ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِهِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ .
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ ، وَمَا جَزَمَ بِهِ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ خَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَصَحَّحَ أَنَّهُ وَجْهَانِ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مَعَ تَصْحِيحِهِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ .

وَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ لِلرُّكُوعِ ، فَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ ، وَقِيلَ تَنْعَقِدُ نَفْلًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ

( وَيُكَبِّرُ ) الْمَسْبُوقُ الَّذِي أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الرُّكُوعِ ( لِلْإِحْرَامِ ) وُجُوبًا كَغَيْرِهِ قَائِمًا فَإِنْ وَقَعَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا قَطْعًا وَلَا نَفْلًا عَلَى الْأَصَحِّ ( ثُمَّ لِلرُّكُوعِ ) نَدْبًا لِأَنَّهُ مَحْسُوبٌ لَهُ فَنُدِبَ لَهُ التَّكْبِيرُ ( فَإِنْ نَوَاهُمَا ) أَيْ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ ( بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ ) صَلَاتُهُ لِلتَّشْرِيكِ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ مَقْصُودَةٍ ، وَادَّعَى الْإِمَامُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ ( وَقِيلَ تَنْعَقِدُ نَفْلًا ) قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ : أَيْ فَتَقَعُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ ، وَدُفِعَ الْقِيَاسُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ جَامِعٌ مُعْتَبَرٌ .
بَيَانُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي بِأَنَّ صَدَقَةَ الْفَرْضِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَدَقَةِ النَّفْلِ فَإِذَا بَطَلَ الْفَرْضُ صَحَّ النَّفَلُ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَكْبِيرَةِ الِانْتِقَالِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ ) صَلَاتُهُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ ، وَالثَّانِي تَنْعَقِدُ فَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ قَرِينَةَ الِافْتِتَاحِ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ ، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ وَقَرِينَةُ الْهَوِيّ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ فَإِذَا تَعَارَضَتْ الْقَرِينَتَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ صَارِفٍ .
فَإِنْ قِيلَ : تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مُقَارِنَةً لِلتَّكْبِيرِ لَمْ يَفُتْهُ إلَّا كَوْنُ التَّكْبِيرِ لِلتَّحَرُّمِ ، وَقَصْدُ الْأَرْكَانِ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَارِفٌ وَلَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا لَمْ تَنْعَقِدْ أَيْضًا ، فَإِنْ نَوَى التَّحَرُّمَ فَقَطْ أَوْ الرُّكُوعَ فَقَطْ لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي الْأُولَى وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ .

وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحَاتِ .
( وَلَوْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ الْإِمَامَ ( فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ ) نَدْبًا ( فِي التَّشَهُّدِ ) وَالتَّحْمِيدِ ( وَالتَّسْبِيحَاتِ ) أَيْضًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي إكْمَالِ التَّشَهُّدِ ، وَالثَّانِي : لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ ، وَقِيلَ : تَجِبُ مُوَافَقَتُهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ .

وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي سَجْدَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا
( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ الْإِمَامَ ( فِي سَجْدَةٍ ) مِنْ سَجْدَتَيْ الصَّلَاةِ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا أَوْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ ( لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا ) أَيْ السَّجْدَةِ وَلَا إلَى مَا ذَكَرَ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَا مُوَافَقَتُهُ لِلْإِمَامِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِ ، بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْتَقَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِ ، وَالثَّانِي يُكَبِّرُ كَالرُّكُوعِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ وَخَرَجَ ذَلِكَ بِتَقْيِيدِي لِعِبَارَتِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا مَحْسُوبَةٌ ، أَيْ إذَا كَانَ سَمِعَ قِرَاءَةَ آيَةِ السَّجْدَةِ .
وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يُكَبِّرْ وَإِلَّا كَبَّرَ .

وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا إنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ .
( وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا ) نَدْبًا ( إنْ كَانَ ) جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ ( مَوْضِعَ جُلُوسِهِ ) لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ لَهُ الْمُنْفَرِدُ وَغَيْرُهُ بِلَا خِلَافٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُبْحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ ( فَلَا ) يُكَبِّرُ عِنْدَ قِيَامِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَكْبِيرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُوَافَقَةٌ لِلْإِمَامِ ، وَالثَّانِي : يُكَبِّرُ لِئَلَّا يَخْلُوَ الِانْتِقَالُ عَنْ ذِكْرٍ ، وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ الْأُولَى وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ فِي غَيْرِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ .
نَعَمْ يُغْتَفَرُ قَدْرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ .
.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51