كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

يَخْفَى ، وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ ، وَقَدْ يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا فَجَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ ، و ( لَا ) يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ ( عِتْقٌ ، وَ ) لَا ( وَلَاءُ وَ ) لَا ( وَقْفٌ ) عَلَى جِهَةٍ عَامَّةِ أَوْ مُعَيَّنٍ ( وَ ) لَا ( نِكَاحٌ ، وَ ) لَا ( مِلْكٌ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ هَذِهِ الصُّوَرِ مُتَيَسِّرَةٌ ، وَأَسْبَابُهَا غَيْرُ مُتَعَدِّدَةٍ ( قُلْتُ : الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ ) مِنْ الْأَصْحَابِ ( فِي الْجَمِيعِ الْجَوَازُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُؤَبَّدَةٌ ، فَإِذَا طَالَتْ مُدَّتُهَا عَسُرَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ابْتِدَائِهَا فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالِاسْتِفَاضَةِ ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا مُسْتَنَدَ غَيْرُ السَّمَاعِ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذُكِرَ فِي الْوَقْفِ هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِهِ ، وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ : لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ شُرُوطُ الْوَقْفِ وَتَفَاصِيلِهِ ، بَلْ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى مَدْرَسَةٍ مَثَلًا وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الشُّرُوطِ صَرَفَ النَّاظِرُ الْغَلَّةَ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهَا ا هـ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، بَلْ الْأَرْجَحُ فِيهِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ ؛ لِأَنَّ فُلَانًا وَقَّفَهُ .
قَالَ : وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَإِنْ شَهِدَ بِهَا مُنْفَرِدَةً لَمْ تَثْبُتْ بِهَا ، وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي شَهَادَتِهِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ سُمِعَتْ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ ا هـ .
وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ وَغَيْرُهُ .

وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ شَيْخُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَيْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ .
وَبَقِيَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ صُوَرٌ أُخَرُ : مِنْهَا الْقَضَاءُ ، وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ ، وَالرُّشْدُ ، وَالْإِرْثُ ، وَاسْتِحْقَاقُ الزَّكَاةِ ، وَالرَّضَاعُ ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ وَحَيْثُ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِالتَّسَامُعِ لَا يَثْبُتُ الصَّدَاقُ بِهِ ، بَلْ يَرْجِعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا يَكْفِي الشَّاهِدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَقُولَ : سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ كَذَا ، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهَا ، بَلْ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ مَثَلًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ خِلَافَ مَا سَمِعَ مِنْ النَّاسِ ، بَلْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالشَّهَادَةِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِهِ تَرَدُّدٌ فِي الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ ذَكَرَهُ لِتَقْوِيَةٍ أَوْ حِكَايَةِ حَالٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ : أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَةَ وَلَدَتْ فُلَانًا ، أَوْ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ فُلَانًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْفِعْلِ الْإِبْصَارُ ، وَبِالْقَوْلِ الْإِبْصَارُ وَالسَّمْعُ ( وَشَرْطُ التَّسَامُعِ ) الَّذِي تَسْتَنِدُ الشَّهَادَةُ إلَيْهِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ ( سَمَاعُهُ ) أَيْ الْمَشْهُودِ بِهِ ( مِنْ جَمْعٍ ) كَثِيرٍ ( يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ ) أَيْ تَوَافُقُهُمْ ( عَلَى الْكَذِبِ ) بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِخَبَرِهِمْ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ اعْتِمَادُ الْيَقِينِ ، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَى ظَنٍّ يَقْرُبُ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ عَدَالَةٌ وَلَا

حُرِّيَّةٌ وَلَا ذُكُورَةٌ وَهُوَ ذَلِكَ ، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوَاتُرِ ( وَقِيلَ : يَكْفِي ) سَمَاعُهُ ( مِنْ عَدْلَيْنِ ) فَقَطْ إذَا سَكَنَ الْقَلْبُ إلَى خَبَرِهِمَا ؛ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَعْتَمِدُ قَوْلَهُمَا ، فَكَذَا الشَّاهِدُ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ، وَقِيلَ : يَكْفِي وَاحِدٌ إذَا سَكَنَ إلَيْهِ الْقَلْبُ .

وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكٍ بِمُجَرَّدِ يَدٍ وَلَا بَيْدٍ ، وَتَصَرُّفٍ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ ، وَتَجُوزُ فِي طَوِيلَةٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَشَرْطُهُ تَصَرُّفُ مُلَّاكٍ مِنْ سُكْنَى وَهَدْمٍ وَبِنَاءٍ وَبَيْعٍ وَرَهْنٍ ، وَتُبْنَى شَهَادَةُ الْإِعْسَارِ عَلَى قَرَائِنَ وَمَخَائِلِ الضُّرِّ و الْإِضَاقَةِ .

( وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكٍ بِمُجَرَّدِ يَدٍ ) أَوْ تَصَرُّفٍ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ ، إذْ قَدْ يَكُونُ عَنْ إجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ ( وَلَا بَيْدٍ وَتَصَرُّفٍ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ ) عُرْفًا بِلَا اسْتِفَاضَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ غَيْرِهِ ( وَتَجُوزُ فِي ) مُدَّةٍ ( طَوِيلَةٍ ) عُرْفًا بِلَا مُعَارَضَةِ مُنَازِعٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْمِلْكُ .
وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُوجَدَانِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَوَكِيلٍ وَغَاصِبٍ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَى الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ اسْتِفَاضَةٌ وَإِلَّا جَازَتْ الشَّهَادَةُ قَطْعًا ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الرَّقِيقُ فَلَيْسَ لِمَنْ رَأَى صَغِيرًا فِي يَدِ مَنْ يَسْتَخْدِمُهُ وَيَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ مُدَّةً طَوِيلَةً أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَقُولُ هُوَ عَبْدِي أَوْ يَسْمَعَ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي أَثْنَاءِ بَابِ اللَّقِيطِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَكَانَ الْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَوُقُوعُ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْأَحْرَارِ كَثِيرٌ ( وَ ) التَّصَرُّفُ الْمُنْضَمُّ إلَى الْيَدِ ( شَرْطُهُ ) فِي عَقَارٍ ( تَصَرُّفُ مُلَّاكٍ ) فِيهِ جَمْعُ مَالِكٍ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ بِقَوْلِهِ ( مِنْ سُكْنَى وَهَدْمٍ وَبِنَاءٍ ) وَدُخُولٍ وَخُرُوجٍ ( وَبَيْعٍ ) وَفَسْخٍ بَعْدَهُ ( وَرَهْنٍ ) وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ مَعَ عَدَمِ النَّكِيرِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأُمُورِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ بَلْ وَاحِدٌ مِنْهَا كَافٍ .
قَالَا : وَلَا يَكْفِي التَّصَرُّفُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يُثِيرُ الظَّنَّ لِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ( وَتُبْنَى شَهَادَةُ الْإِعْسَارِ عَلَى قَرَائِنَ ) خَفِيَّةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُعْسِرِ ( وَ ) عَلَى ( مخائل الضُّرِّ ) جَمْعُ مَخِيلَةٍ مِنْ خَالَ بِمَعْنَى ظَنَّ - أَيْ مَا يُظَنُّ بِهَا مَا ذُكِرَ ، وَالضَّرُّ بِالْفَتْحِ خِلَافُ

النَّفْعِ ، وَبِالضَّمِّ الْهُزَالُ وَسُوءُ الْحَالِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا ( و ) عَلَى مخائل ( الْإِضَاقَةِ ) مَصْدَرُ أَضَاقَ الرَّجُلُ ذَهَبَ مَالُهُ ، وَالضِّيقُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ مَصْدَرُ ضَاقَ الشَّيْءُ ، وَبِالْفَتْحِ جَمْعُ الضَّيِّقَةِ .
وَهُوَ الْفَقْرُ وَسُوءُ الْحَالِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّوَصُّلُ إلَى الْيَقِينِ ، بَلْ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ مِنْ حَالِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُرَاقَبَتِهِ فِي خَلَوَاتِهِ وَحَالَةِ ضَمِّهَا وَمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْسَارِ بِشِدَّةِ صَبْرِهِ عَلَى الضَّرَرِ وَالْإِضَاقَةِ ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّفْلِيسِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَا لِجَوَازِ إقْدَامِ الشَّاهِدِ .
تَتِمَّةٌ : لَا يَثْبُتُ دَيْنٌ بِاسْتِفَاضَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي قَدْرِهِ كَذَا عَلَّلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مِلْكَ الْحِصَصِ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ .
قَالَ : وَثُبُوتُ الدَّيْنِ بِالِاسْتِفَاضَةِ قَوِيٌّ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَ ثُبُوتَ الْوَقْفِ وَنَحْوَهُ بِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، وَمَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ اعْتِمَادًا عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى خَطِّ الْأَبِ دُونَ الشَّهَادَةِ .

[ فَصْلٌ ] تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي النِّكَاحِ ، وَكَذَا الْإِقْرَارُ ، وَالتَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ ، وَكِتَابَةِ الصَّكِّ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ ، فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَقَالَ احْلِفْ مَعَهُ عَصَى ، وَإِنْ كَانَ شُهُودٌ ، فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ اثْنَيْنِ لَزِمَهُمَا فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ إنْ كَانَ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ إلَّا مَنْ تَحَمَّلَ قَصْدًا لَا اتِّفَاقًا ،

[ فَصْلٌ ] فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا وَكِتَابَةِ الصَّكِّ ، وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَحَمُّلِهَا كَشَهِدْتُ بِمَعْنَى تَحَمَّلْتُ ، وَعَلَى أَدَائِهَا كَشَهِدْتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَعْنَى أَدَّيْت ، وَعَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَتَحَمَّلْتُ شَهَادَةً يَعْنِي الْمَشْهُودَ بِهِ فَيَكُونُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ( تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي النِّكَاحِ ) لِتَوَقُّفِ الِانْعِقَادِ عَلَيْهِ ، وَمِثْلُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْإِشْهَادُ لِتَوَقُّفِ الِانْعِقَادِ عَلَيْهِ ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْكُلُّ أَثِمُوا ، وَلَوْ طَلَبَ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَمَّ غَيْرُهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَمَّلَ جَمَاعَةٌ وَطَلَبَ الْأَدَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ( وَكَذَا الْإِقْرَارُ وَالتَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ ) وَغَيْرُهُ كَطَلَاقٍ ، وَعِتْقٍ ، وَرَجْعَةٍ ( وَكِتَابَةِ الصَّكِّ ) وَهُوَ الْكِتَابُ ، فَالتَّحَمُّلُ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ عِنْدَ التَّنَازُعِ ، وَكِتَابَةُ الصُّكُوكِ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي تَحْصِينِ الْحُقُوقِ ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنْ يَكْتُبَ لِلْخَصْمِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ حَكَمَ بِهِ ، وَلِأَنَّهَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي حِفْظِ الْحَقِّ وَالْمَالِ وَلَهَا أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي التَّذَكُّرِ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ لِصِحَّةِ مَا ذُكِرَ بِدُونِ إشْهَادٍ .
تَنْبِيهٌ : التَّقْيِيدُ بِالتَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ لَا مَعْنَى لَهُ ، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي غَيْرِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ كَالطَّلَاقِ ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، ثُمَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّحَمُّلِ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ لَزِمَهُ إذَا كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ مُعْتَقِدًا لِصِحَّةِ مَا يَتَحَمَّلُهُ وَحَضَرَهُ الْمُتَحَمِّلُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَجْمِعَ الشُّرُوطِ فَلَا وُجُوبَ .
قَالَ الْقَاضِي جَزْمًا ، أَوْ دُعِيَ لِلتَّحَمُّلِ فَلَا وُجُوبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مَعْذُورًا

بِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ كَانَ امْرَأَةً مُخَدَّرَةً أَوْ قَاضِيًا يُشْهِدُهُ عَلَى أَمْرٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَتَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّ كَوْنِ التَّحَمُّلِ فَرْضَ كِفَايَةٍ إذَا كَانَ الْمُتَحَمِّلُونَ كَثِيرِينَ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ وَاضِحٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِيه ا هـ .
وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْحُدُودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَإِنَّهَا ذُكِرَتْ فِي السِّيَرِ ، وَلَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ كِتَابَةُ الصَّكِّ وَرَسْمُ الشَّهَادَةِ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَلَهُ أَخْذُهَا كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي تَحَمُّلِهِ إذَا دُعِيَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَأُجْرَةُ رَسْمِ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي أُجْرَةِ التَّحَمُّلِ وَلَهُ بَعْدَ كِتَابَتِهِ حَبْسُهُ عِنْدَهُ لِلْأُجْرَةِ كَالْقَصَّارِ فِي الثَّوْبِ ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ حَرَامٌ لِلْآيَةِ : { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ } وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا ( وَ ) عَلَى هَذَا ( إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ ) بِأَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ سِوَاهُمَا أَوْ مَاتَ غَيْرُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ غَابَ ، وَجَوَابُ إذَا قَوْلُهُ ( لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ ) إنْ دُعِيَا لَهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } أَيْ لِلْأَدَاءِ ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ ( فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ ) مِنْهُمَا ( وَامْتَنَعَ الْآخَرُ ) بِلَا عُذْرٍ ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ أَمْ قَبْلَهُ ( وَقَالَ ) لِلْمُدَّعِي ( احْلِفْ مَعَهُ عَصَى ) وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى الْحُكْمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا يُفَوَّتُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ شَاهِدَا رَدَّ الْوَدِيعَةِ ، وَقَالَا لَهُ : احْلِفْ عَلَى رَدِّهَا عَصَى ( وَإِنْ كَانَ ) فِي

الْقَضِيَّةِ ( شُهُودٌ ) كَأَرْبَعَةٍ ( فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) عَلَيْهِمْ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِالْبَعْضِ كَالْجِهَادِ ، فَإِذَا قَامَ بِهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ سَقَطَ الْجُرْحُ عَنْ الْبَاقِينَ ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْكُلُّ عَصَوْا ، سَوَاءٌ طَلَبَهُمْ الْمُدَّعِي مُجْتَمَعِينَ أَمْ مُتَفَرِّقِينَ ، وَالْمَدْعُوُّ أَوَّلًا أَعْظَمُهُمْ إثْمًا ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَمَا لَوْ أَجَابَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ أَعْظَمُهُمْ أَجْرًا ( فَلَوْ طَلَبَ ) الْمُدَّعِي الْأَدَاءَ ( مِنْ اثْنَيْنِ ) مِنْهُمْ بِأَعْيَانِهِمَا ( لَزِمَهُمَا ) ذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّوَاكُلِ ، وَالثَّانِي لَا كَالْمُتَحَمِّلِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ طَلَبَهُمَا لِتَحَمُّلِ أَمَانَةٍ وَهُنَا لِأَدَائِهَا ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا لَوْ طَلَبَهُ مِنْ وَاحِدٍ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إبَاءَ الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي اللُّزُومِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا عُلِمَتْ رَغْبَةُ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِامْتِنَاعِ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) فِي الْقَضِيَّةِ ( إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ ) الْأَدَاءُ ( إنْ كَانَ فِيمَا ) أَيْ فِي حَقٍّ ( يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ) هَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي الْمَطْلُوبُ إلَيْهِ يَرَى بِذَلِكَ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَرَى ذَلِكَ ( فَلَا ) يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ امْرَأَتَانِ فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالْحُكْمِ فِيمَا ذَكَرَ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَمَّا كَانَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ السَّابِقِ مُفَصَّلًا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ إلَّا مَنْ ) أَيْ شَاهِدًا ( تَحَمَّلَ قَصْدًا لَا اتِّفَاقًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْتِزَامٌ ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ

الْفَرْقِ ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَلَزِمَهُ أَدَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا كَثَوْبٍ طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ : فِيمَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ دُونَ مَا فِيهِ خَطَرٌ كَمَا لَوْ سَمِعَ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ استفرشها ، أَوْ عَفَا عَنْ قِصَاصٍ ثُمَّ طَلَبَهُ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ جَزْمًا وَإِنْ لَمْ يَتَحَمَّلْهُ قَصْدًا .

وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ شُرُوطٌ : أَنْ يُدْعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى ، وَقِيلَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ، وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَإِنْ دُعِيَ ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ ، قِيلَ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَمْ يَجِبْ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُهَا .

( وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ شُرُوطٌ ) أَحَدُهَا ( أَنْ يُدْعَى ) الشَّاهِدُ إلَيْهِ ( مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى ) فَأَقَلَّ وَهِيَ الَّتِي يَتَمَكَّنُ الْمُبَكِّرُ إلَيْهَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ كَمَا مَرَّ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِثْبَاتِ وَتَعَذُّرِهِ ، فَلَوْ دُعِيَ مِمَّا فَوْقَهَا لَمْ يَجِبْ لِلضَّرَرِ وَإِمْكَانِ الْإِثْبَاتِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هَذَا إذَا دَعَاهُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ فِي عَمَلِهِ ، فَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ فِي عَمَلِهِ أَوْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ حُضُورُهُ ، وَقَدْ اسْتَحْضَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشُّهُودَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَرُوِيَ مِنْ الشَّامِ أَيْضًا .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ دُونَ غَيْرِهِ ا .
هـ .
وَلَعَلَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قِصَّةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ ، إذْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ عُمَرَ أَجْبَرَهُمْ عَلَى الْحُضُورِ ، فَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ ، وَمَتَى كَانَ الْقَاضِي فِي الْبَلَدِ فَالْمَسَافَةُ قَرِيبَةٌ كَمَا قَطَعَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُدْعَى يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ .
أَمَّا هِيَ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبُ مُسَارَعَةً لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، إذْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ ( وَقِيلَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ ، فَإِنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِلْأَدَاءِ لِبُعْدِهَا ( وَ ) الشَّرْطُ الثَّانِي ( أَنْ يَكُونَ ) الْمَدْعُوُّ ( عَدْلًا ، فَإِنْ دُعِيَ ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ ) كَشَارِبِ خَمْرٍ ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الظَّاهِرِ لِلنَّاسِ وَالْخَفِيِّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مَعَ الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ وَإِعَانَةٌ

عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ يَتَّجِهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إذَا كَانَ فِيهِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ .
قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ( قِيلَ ) ( أَوْ ) دُعِيَ ذُو فِسْقٍ ( مُخْتَلَفٍ فِيهِ ) كَشُرْبِ نَبِيذٍ ( لَمْ يَجِبْ ) عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَرُّضِ نَفْسِهِ مِنْ إسْقَاطِ عَدَالَتِهِ بِمَا لَا يَرَاهُ مُسْقِطًا فِي اعْتِقَادِهِ ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَإِنْ عُهِدَ مِنْ الْقَاضِي رَدُّ الشَّهَادَةِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ عَدَمُ اللُّزُومِ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا مَنْ يُفَسِّقُ بِذَلِكَ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ يَمْتَنِعُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ مُقَلَّدِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ مِثْلِ هَذَا الْجَوَازِ بَعِيدٌ ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَيْعٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ أَوَّلًا ؟ وَجْهَانِ : أَفْقَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْجَوَازُ ، وَالْبَيْعُ مِثَالٌ ، وَالضَّابِطُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ .
فُرُوعٌ : لَوْ كَانَ مَعَ الْمُجْمَعِ عَلَى فِسْقِهِ عَدْلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فِيمَا عَدَاهُ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الشَّاهِدُ مِنْ الْأَدَاءِ حَيَاءً مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ عَصَى وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ إلَى أَنْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي : شَاهِدِي مُمْتَنِعٌ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِي عِنَادًا فَأَحْضِرْهُ لِيَشْهَدَ لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ : لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ لَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِالِامْتِنَاعِ بِزَعْمِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقُلْ عِنَادًا ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ ( وَ ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ ( أَنْ لَا يَكُونَ ) الْمَدْعُوُّ ( مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ ) كَخَوْفِهِ عَلَى مَالِهِ ، أَوْ تَعَطُّلِ كَسْبِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا إنْ

بَذَلَ لَهُ قَدْرَ كَسْبِهِ ، أَوْ طَلَبَهُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ وَكَتَخْدِيرِ الْمَرْأَةِ ، وَكَذَا كُلُّ عُذْرٍ يَسْقُطُ عَنْهُ بِهِ الْجُمُعَةُ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمَدْعُوُّ مَعْذُورًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ وَ ( أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ) غَيْرَهُ ( أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي ) إلَيْهِ ( مَنْ يَسْمَعُهَا ) دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ حَصْرِهِ الشُّرُوطَ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ ، عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ قَاضِيًا وَعَدَمُ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَوْ دُعِيَ إلَى أَمِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ كَوَزِيرٍ وَعَلِمَ حُصُولَ الْحَقِّ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا فِي التَّوْضِيحِ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْلُصُ إلَّا عِنْدَهُ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُهُمْ : إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُ بِهِ لِلْحَقِّ ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّ مُنْصَبَّ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مُخْتَصٌّ بِالْقَضَاءِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذَا ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ أَيْضًا إذَا دُعِيَ إلَى قَاضٍ جَائِرٍ ، أَوْ امْتَنَعَتْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَمِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ كَانَ قَالَ الْمُصَنِّفُ : إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّهَادَةِ شَهِدُوا وَإِلَّا فَلَا ، إلَّا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا حَدٌّ عَلَى غَيْرِ الشَّاهِدِ مِثْلُ أَنْ لَا يَكْمُلَ النِّصَابُ إلَّا بِهِ إنَّهُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ : وَرُبَّمَا أَثِمَ الشَّاهِدُ بِالْأَدَاءِ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَتَلَ كَافِرًا وَالْحَاكِمُ عِرَاقِيٌّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ وَكَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَفْرَغَ ، وَلَوْ رَدَّ قَاضٍ شَهَادَتَهُ

لِجُرْحِهِ ثُمَّ دُعِيَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا إلَيْهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا ، وَلَوْ دُعِيَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِشَهَادَتَيْنِ بِحَقَّيْنِ ، فَإِنْ تَسَاوَيَا تَخَيَّرَ فِي إجَابَةِ مَنْ شَاءَ مِنْ الدَّاعِيَيْنِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَدَّمَ مَا يَخَافُ فَوْتَهُ ، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ فَوْتٌ تَخَيَّرَ ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَاعُ وَهُوَ أَوْجَهُ .

تَتِمَّةٌ : لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَخْذُ رِزْقٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ .
وَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ كَالْقَاضِي وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مُطْلَقًا ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ ذَلِكَ بِلَا تَفْصِيلٍ ، وَلَهُ بِكُلِّ حَالٍ أَخْذُ أُجْرَةٍ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إنْ دُعِيَ لَهُ ، فَإِنْ تَحَمَّلَ بِمَكَانِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ لِلْأَدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا ، وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ ، وَفَارَقَ التَّحَمُّلُ بِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْأَدَاءِ يُورِثُ تُهْمَةً قَوِيَّةً مَعَ أَنَّ زَمَنَهُ يَسِيرٌ وَلَا تَفُوتُ بِهِ مَنْفَعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ ، بِخِلَافِ زَمَنِ التَّحَمُّلِ إلَّا إنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ عَدْوَى فَأَكْثَرَ فَلَهُ نَفَقَةُ الطَّرِيقِ وَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ .
نَعَمْ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا ، وَلَهُ صَرْفُ مَا يُعْطِيه لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ إلَى غَيْرِ النَّفَقَةِ وَالْأُجْرَةِ ، وَكَذَا مَنْ أَعْطَى شَيْئًا فَقِيرًا لِيَكْسُوَ بِهِ نَفْسَهُ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِغَيْرِ الْكُسْوَةِ ، ثُمَّ إنْ مَشَى الشَّاهِدُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرُّكُوبِ ، قَدْ تَنْخَرِمُ الْمُرُوءَةُ فَيَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ فِيمَنْ هَذَا شَأْنُهُ ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِبَلَدَيْنِ ، بَلْ قَدْ يَأْتِي فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ ، فَيُعَدُّ ذَلِكَ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ إلَّا أَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ ، أَوْ يَفْعَلَهُ تَوَاضُعًا .

[ فَصْلٌ ] تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ ، وَفِي عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ ،

[ فَصْلٌ ] فِي جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا ( تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَتَعَذَّرُ ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فَيُشْهَدُ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَلِأَنَّهَا طَرِيقٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ كَالْإِقْرَارِ فَيُشْهَدُ عَلَيْهَا ، لَكِنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ ( فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ ) لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ إحْصَانٍ كالأقارير وَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالرَّضَاعِ وَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ ، سَوَاءٌ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَوَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ وَذِي الْحَجَّةِ لِلْحَجِّ ( وَفِي ) إثْبَاتِ ( عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ ) كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ .
أَمَّا الْعُقُوبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَخَرَجَ مِنْهُ قَوْلٌ فِي عُقُوبَةِ الْآدَمِيِّ ، وَدُفِعَ التَّخْرِيجُ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ .
بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ .
وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فِيمَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ فَكَالْحَدِّ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ تَنْبِيهٌ : يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ ثُبُوتِ إحْصَانِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ مَنْعُ ثُبُوتِ بُلُوغِهِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعُقُوبَةِ ، وَكَذَا بَقِيَّةُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِحْصَانِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَذَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَنْ لِعَانِهِ مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُلَاعِنْ ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِانْتِقَاضِ عَهْدِ الذِّمِّيِّ لِيُخَيَّرَ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ أُمُورٍ فِيهَا الْقَتْلُ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِمَامِ

بِاخْتِيَارِ الْقَتْلِ ، وَعَلَى الْحَاكِمِ الَّذِي حَكَمَ بِقَتْلِ مَنْ نَزَلَ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ ، وَعَلَى الْحَاكِمِ بِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي .

وَتَحَمُّلِهَا بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ فَيَقُولُ : أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا ، وَأُشْهِدُك أَوْ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي ، أَوْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ ، أَوْ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَفِي هَذَا وَجْهٌ ، وَلَا يَكْفِي سَمَاعُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا ، أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا ، أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا ، وَلِيُبَيِّن الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ جِهَةَ التَّحَمُّلِ ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فَلَا بَأْسَ ،

فَرْعٌ : يَجُوزُ إشْهَادُ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَتْنِ وَصَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَتَحَمُّلِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ لَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ : السَّبَبُ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ ) الْأَصْلُ - أَيْ يَلْتَمِسَ مِنْهُ رِعَايَةَ الشَّهَادَةِ وَحِفْظِهَا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ نِيَابَةٌ ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْإِذْنُ ( فَيَقُولُ ) الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ ( أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا ) أَيْ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا ( وَأُشْهِدُك ) عَلَى شَهَادَتِي ، أَوْ أَشْهَدْتُك عَلَى شَهَادَتِي ( أَوْ ) يَقُولُ ( اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي ) أَوْ إذَا شَهِدْتُ عَلَى شَهَادَتِي فَقَدْ أَذِنْتُ لَك فِي أَنْ تَشْهَدَ بِهِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ أُشْهِدُك عَلَى شَهَادَتِي وَعَنْ شَهَادَتِي ، لَكِنَّهُ أَتَمُّ ، فَقَوْلُهُ : أُشْهِدُك عَلَى شَهَادَتِي تَحْمِيلٌ ، وَقَوْلُهُ : وَعَنْ شَهَادَتِي إذْنٌ فِي الْأَدَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَدِّهَا عَنِّي .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ اسْتِرْعَاءُ الْأَصْلِ شَرْطٌ كَمَا يُفْهِمُ كَلَامُهُ ، بَلْ مَتَى صَحَّ الِاسْتِرْعَاءُ لَمْ يَخْتَصَّ التَّحَمُّلُ بِالْمُسْتَرْعِي ، بَلْ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَا يَكْفِي أَعْلَمَك وَأَخْبَرَك بِكَذَا وَنَحْوُهُمَا ، كَمَا لَا يَكْفِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي .
السَّبَبُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) بِأَنْ ( يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ ) أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ ، كَمَا أَنَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ .
السَّبَبُ الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) بِأَنْ يَسْمَعَهُ ( يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَقَرْضٍ ، فَإِذَا بَيَّنَ سَبَبَ الشَّهَادَةِ جَازَ لِمَنْ

سَمِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ ؛ ؛ لِأَنَّ إسْنَادَهُ إلَى السَّبَبِ يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْوَعْدِ وَالتَّسَاهُلِ ( وَفِي هَذَا ) السَّبَبِ الْأَخِيرِ ( وَجْهٌ ) أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِاحْتِمَالِ التَّوَسُّعُ فِيهِ ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عِنْدَ قَاضٍ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ بِعَدَمِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا ، وَوَرَدَ عَلَى حَصْرِهِ الْأَسْبَابَ فِيمَا ذَكَرَهُ صُوَرٌ : مِنْهَا مَا إذَا سَمِعَهُ يُؤَدِّي عِنْدَ الْمُحَكَّمِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَفْصِلَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ التَّحْكِيمِ أَوْ لَا ، وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عِنْدَهُ إلَّا وَهُوَ جَازِمٌ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الِاكْتِفَاءُ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ أَمِيرٍ أَوْ وَزِيرٍ بِنَاءً عَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبَ أَدَائِهَا عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ ؛ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَقْدَمُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْوَزِيرِ إلَّا وَهُوَ جَازِمٌ بِثُبُوتِ الْمَشْهُودِ بِهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْكَبِيرِ الَّذِي دَخَلَ فِي الْقَضِيَّةِ بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ ، وَيَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ إذَا قَالَ فِي مَحَلِّ حُكْمِهِ حَكَمْت بِكَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ إقْرَارَهُ بِالْحُكْمِ .
وَمِنْهَا لَوْ كَانَ حَاكِمَا أَوْ مُحَكَّمًا فَشَهِدَا عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى ( وَلَا يَكْفِي ) جَزْمًا ( سَمَاعُ قَوْلِهِ ) أَيْ الْأَصْلِ ( لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا ، أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا ، أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا ) وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الشَّهَادَةِ الَّتِي فِي مَعْرِضِ الْإِخْبَارِ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لَهُ

عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ وَعْدٍ وَعَدَهُ إيَّاهُ ، وَيُشِيرُ بِكَلِمَةِ عَلَى إلَى أَنَّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ تَقْتَضِي الْوَفَاءَ بِهَا ( وَلِيُبَيِّن ) الشَّاهِدُ ( الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ ) لِلشَّهَادَةِ ( جِهَةَ التَّحَمُّلِ ) فَإِنْ اسْتَرْعَاهُ الْأَصْلُ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا ، و أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ بَيَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكَّمِ ، أَوْ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْمَشْهُودَ بِهِ إلَى سَبَبِهِ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَحَمَّلَهَا بِهِ فَيَعْرِفُ الْقَاضِي صِحَّتَهَا وَفَسَادَهَا ، إذْ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ الْجَهْلُ بِجِهَةِ التَّحَمُّلِ ( فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ) جِهَةَ التَّحَمُّلِ كَقَوْلِهِ : أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا ( وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ ) بِمَعْرِفَةِ شَرَائِطِ التَّحَمُّلِ ( فَلَا بَأْسَ ) بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ ، وَلَكِنْ يُنْدَبُ أَنْ يَسْأَلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ ثَبَتَ هَذَا الْمَالُ ، وَهَلْ أَخْبَرَك بِهِ الْأَصْلُ أَوْ لَا ؟ .
وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَقَالَ : إنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ .

وَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَى شَهَادَةِ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ ، وَلَا تَحْمِلُ النِّسْوَةُ .
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ شَاهِدِ الْأَصْلِ وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ ( وَلَا يَصِحُّ ) ( التَّحَمُّلُ عَلَى شَهَادَةِ ) شَخْصٍ ( مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ ) بِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَرِقٍّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا وَإِنْ كَانَ كَامِلًا فِي غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ تُقْبَلْ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَا تَحْمِلُ النِّسْوَةُ ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِنَّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُصُولُ أَوْ بَعْضُهُمْ نِسَاءٌ وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي وِلَادَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مَالٍ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ تُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا مَا شَهِدَ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمُحَرَّرِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ : لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ مَحْضَةٍ فَإِنَّهَا تُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ قَبْلَ هَذَا : إنَّ مَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ انْتَهَى .

فَإِنْ مَاتَ الْأَصْلُ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ لَمْ يَمْنَعْ شَهَادَةَ الْفَرْعِ .
وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا تَحَمُّلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ ، فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ صَحَّ تَحَمُّلُهُ ، وَلَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ وَاحِدٌ عَنْ أَصْلٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، فَأَرَادَ ذُو الْحَقِّ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ هَذَا الْفَرْعِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فَرْعَانِ فَلَهُ الْحَلِفُ مَعَهُمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( فَإِنْ مَاتَ الْأَصْلُ أَوْ ) حَدَثَ بِهِ مَانِعٌ لَا يَقْدَحُ كَأَنْ ( غَابَ أَوْ مَرِضَ لَمْ يَمْنَعْ ) ذَلِكَ ( شَهَادَةَ الْفَرْعِ ) أَيْ أَدَاءَهَا ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا ، كَمَا سَيَأْتِي بِشَرْطِهِ وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ .

وَإِنْ حَدَثَ رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ مَنَعَتْ ، وَجُنُونُهُ كَمَوْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ .

( وَإِنْ ) ( حَدَثَ ) بِالْأَصْلِ مَانِعٌ قَادِحٌ ، وَهُوَ ( رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ( مَنَعَتْ ) هَذِهِ الْقَوَادِحُ وَمَا أَشْبَهَهَا شَهَادَةَ الْفَرْعِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَهْجُمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ الْفِسْقُ يُورِثُ الرِّيبَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَالرِّدَّةُ تُشْعِرُ بِخُبْثٍ فِي الْعَقِيدَةِ ، وَالْعَدَاوَةُ بِضَغَائِنَ كَانَتْ مُسْتَكِنَّةً وَلَيْسَ لِمُدَّةِ ذَلِكَ ضَبْطٌ فَيُعْطَفُ إلَى حَالَةِ التَّحَمُّلِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَدَثَ الْفِسْقُ أَوْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ ، وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ : عَدْلَانِ شَهِدَا بِشَيْءٍ عِنْدَ الْقَاضِي وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا لِفِسْقِ غَيْرِهِمَا ، وَلَا أَثَرَ لِحُدُوثِ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الْفِسْقِ وَالرِّدَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي حَدٍّ لِآدَمِيٍّ ، أَوْ قِصَاصٍ لَمْ يُسْتَوْفَ ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ كَالرُّجُوعِ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعَدَاوَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ ( وَجُنُونُهُ ) أَيْ الْأَصْلُ إذَا كَانَ مُطْبَقًا وَخَرَسُهُ وَعَمَاهُ ( كَمَوْتِهِ ) فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوقِعُ رَيْبَهُ فِي الْمَاضِي وَالثَّانِي يَمْنَعُ كَالْفِسْقِ .
تَنْبِيهٌ : كَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَاضِرًا فَلَا يَشْهَدُ الْفَرْعُ بَلْ يُنْتَظَرُ زَوَالُ الْإِغْمَاءِ لِقُرْبِ زَوَالِهِ ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّهُ .
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ كُلُّ مَرَضٍ يُتَوَقَّعُ قُرْبُ زَوَالِهِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَالصَّوَابُ الْفَرْقُ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ انْتَهَى ، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ إذَا انْتَظَرْنَا إفَاقَةَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فَانْتِظَارُ الْمَرِيضِ الْأَهْلِ أَوْلَى بِلَا شَكٍّ .

وَلَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ فَاسِقٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ فَأَدَّى وَهُوَ كَامِلٌ قُبِلَتْ .
( وَلَوْ ) ( تَحَمَّلَ فَرْعٌ فَاسِقٌ ) أَوْ كَافِرٌ ( أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ فَأَدَّى وَهُوَ كَامِلٌ ) بِعَدَالَةٍ فِي الْأَوَّلِ ، وَإِسْلَامٍ فِي الثَّانِي ، وَحُرِّيَّةٍ فِي الثَّالِثِ ، وَبُلُوغٍ فِي الرَّابِعِ ( قُبِلَتْ ) حِينَئِذٍ شَهَادَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْأَصْلِ إذَا تَحَمَّلَ وَهُوَ نَاقِصٌ ثُمَّ أَدَّى بَعْدَ كَمَالِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَا بُدَّ مِنْ عَدَدِ الْفَرْعِ ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهَا الْوَاحِدُ كَهِلَالِ رَمَضَانَ .

وَيَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ اثْنَانِ .
( وَيَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَيْنِ ) فَرْعَيْنِ ( عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ) الْأَصْلِيَّيْنِ كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى مُقِرَّيْنِ ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَشْهَدَ كُلٌّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَصْلَيْنِ ، وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ عَلَى هَذَا وَوَاحِدٌ عَلَى الْآخَرِ قَطْعًا وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ وَلَا يَكْفِي أَيْضًا أَصْلٌ شَهِدَ مَعَ فَرْعٍ عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ مَنْ قَامَ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْبَيِّنَةِ لَا يَقُومُ بِالْآخَرِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : يَكْفِي شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَقَامُ رَجُلٍ ( وَفِي قَوْلٍ ) صَحَّحَهُ جَمْعٌ ( يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ) مِنْ الْأُصُولِ ( اثْنَانِ ) ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى وَاحِدٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَتِهِ فَلَا تَقُومُ مَقَامَ شَهَادَةِ غَيْرِهِ .

وَشَرْطُ قَبُولِهَا تَعَذُّرُ أَوْ تَعَسُّرُ الْأَصِيلِ بِمَوْتٍ أَوْ عَمًى ، أَوْ مَرَضٍ يَشُقُّ حُضُورُهُ ، أَوْ غَيْبَةٌ لِمَسَافَةِ عَدْوَى ، وَقِيلَ قَصْرٍ .

( وَشَرْطُ ) شَهَادَةِ الْفَرْعِ فِي ( قَبُولِهَا تَعَذُّرُ أَوْ تَعَسُّرُ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ أَوْ عَمًى ) لَا تُسْمَعُ مَعَهُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى .
وَهَذَانِ مِثَالَانِ لِلتَّعَذُّرِ ، وَمِثْلُهُمَا الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ وَالْخَرَسُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ ، فَلَوْ قَالَ كَالْمَوْتِ كَانَ أَوْلَى ( أَوْ مَرَضٍ يَشُقُّ حُضُورُهُ ) مَشَقَّةً ظَاهِرَةً بِأَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِهِ تَرْكُ الْجُمُعَةِ ، وَخَوْفٍ مِنْ غَرِيمٍ وَسَائِرِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ ، كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَا ذُكِرَ مِنْ ضَابِطِ الْمَرَضِ هُنَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ، وَهُوَ بَعِيدٌ نَقْلًا وَعَقْلًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ إلْحَاقَهُ سَائِرَ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ بِالْمَرَضِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ أَكَلَ مَالَهُ رِيحٌ كَرِيهَةٌ عُذِرَ فِي الْجُمُعَةِ ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ هُنَا بِأَنَّ أَكْلَ شُهُودِ الْأَصْلِ ذَلِكَ يُسَوِّغُ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الْحُضُورُ ( أَوْ غَيْبَةٌ لِمَسَافَةِ عَدْوَى .
وَقِيلَ ) لِمَسَافَةِ ( قَصْرٍ ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْبَلَدِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ لِمَسَافَةِ عَدْوَى نَسَبَ فِيهِ إلَى سَبْقِ الْقَلَمِ ، وَصَوَابُهُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى كَمَا هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْمُسَوِّغَ لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ غَيْبَةُ الْأَصْلِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَنْ يُدْعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْفَرْعِ مَعَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْأَصْلِ ؟ ، وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُنَا تَكْرَارًا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَوْتَ الْأَصْلِ وَغَيْبَتَهُ وَمَرَضَهُ لَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي بَيَانِ طَرَيَانِ الْعُذْرِ ، وَهَذَا فِي الْمُسَوِّغِ لِلشَّهَادَةِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ شُرُوطِ الْغَيْبَةِ شُهُودُ

التَّزْكِيَةِ ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْمَسَائِلِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَةِ الْمُزَكَّى مَعَ حُضُورِ الْمُزَكِّينَ فِي الْبَلَدِ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي فَصْلِ التَّزْكِيَةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ .

وَلَوْ شَهِدَ الْفَرْعُ فِي غَيْبَةِ الْأَصْلِ ثُمَّ حَضَرَ ، أَوْ قَالَ : لَا أَعْلَمُ أَنِّي تَحَمَّلْتُ أَوْ نَسِيتُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْأُولَى وَالرِّيبَةِ فِيمَا عَدَاهَا أَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ ، وَلَوْ كَذَّبَ بِهِ الْأَصْلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يُنْقَضْ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَظْهَرُ أَنْ يَجِيءَ تَغْرِيمُهُمْ وَالتَّوَقُّفُ فِي اسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَةِ مَا يَأْتِي فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ كَذَّبَهُ قَبْلَهُ فَيُنْقَضُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : تَفَقُّهًا إلَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَشْهَدَهُ فَلَا يُنْقَضُ ، وَاسْتَثْنَى الشَّيْخَانِ بَحْثًا مِنْ الْأَعْذَارِ مَا يَعُمُّ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ كَالْمَطَرِ وَالْوَحْلِ الشَّدِيدِ فَلَا تُسْمَعُ مَعَهُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ : وَهَذَا بَاطِلٌ ، فَإِنَّ مُشَارَكَةَ غَيْرُهُ لَهُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ ، فَلَوْ تَجَشَّمَ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ وَأَدَّى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ا هـ .
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ كَلَامِهِمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ مِنْهُ - أَيْ لَا تَلْزَمُهُ - فَمَنْ تَجَشَّمَ الْمَشَقَّةَ مِنْهُمَا وَحَضَرَ وَأَدَّى قُبِلَتْ ، فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ ذَلِكَ وَحَيْثُ أَمْكَنَ حَمْلُ الْعِبَارَةِ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ ، وَلَوْ مَعَ الْبُعْدِ كَانَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ بَاطِلًا خُصُوصًا مَنْ عَظُمَتْ مَرْتَبَتُهُ فِي الْعِلْمِ .

وَأَنْ يُسَمِّيَ الْأُصُولَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَكِّيَهُمْ الْفُرُوعُ ، فَإِنْ زَكَّوْهُمْ قُبِلَ ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ لَمْ يَجُزْ .

( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ يُسَمِّيَ الْأُصُولَ ) وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا لِيَعْرِفَ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ وَيَتَمَكَّنَ الْخَصْمُ مِنْ الْجُرْحِ إنْ عَرِفَهُ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الْأَصْلُ قَاضِيًا كَمَا لَوْ قَالَ : أَشْهَدَنِي قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ مِصْرَ أَوْ الْقَاضِي الَّذِي بِهَا وَلَمْ يُسَمِّهِ ، وَلَيْسَ بِهَا سِوَاهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالصَّوَابُ فِي وَقْتِنَا وُجُوبُ تَعْيِينِ الْقَاضِي أَيْضًا لِمَا لَا يَخْفَى ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ ( أَنْ يُزَكِّيَهُمْ الْفُرُوعُ ) بَلْ لَهُمْ إطْلَاقُ الشَّهَادَةِ وَالْقَاضِي يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْفَرْعُ أَنْ يَتَعَرَّضَ فِي شَهَادَتِهِ لِصِدْقِ أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ حَيْثُ يَتَعَرَّضُ لِصِدْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ ( فَإِنْ زَكَّوْهُمْ ) وَهُمْ أَهْلٌ لِلتَّعْدِيلِ غَيْرُ مُتَّهَمِينَ ( قُبِلَ ) ذَلِكَ مِنْهُمْ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي وَاقِعَةٍ وَزَكَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ عَدَالَةَ الثَّانِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْفُرُوعِ لِلْأُصُولِ مِنْ تَتِمَّةِ شَهَادَتِهِمْ ، وَلِذَلِكَ شَرَطَ بَعْضُهُمْ التَّعَرُّضَ لَهَا ، وَهُنَاكَ قَامَ الشَّاهِدُ الْمُزَكَّى بِإِحْدَى شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ قِيَامُهُ بِالثَّانِي ( وَلَوْ ) ( شَهِدُوا ) أَيْ الْفُرُوعُ ( عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ ) يَذْكُرُونَهُمْ ( وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ ) ( لَمْ يَجُزْ ) أَيْ لَمْ يَكْفِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَعْرِفُ جُرْحَهُمْ لَوْ سَمَّوْهُمْ ، وَلِأَنَّهُ يَسُدُّ بَابَ الْجُرْحِ عَلَى الْخَصْمِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ : وَأَنْ يُسَمِّيَ الْأُصُولَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَّرَهَا لِيُفِيدَ أَنَّ تَزْكِيَةَ الْفُرُوعِ لِلْأُصُولِ وَإِنْ جَازَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِمْ بِالِاسْمِ وَلَوْ قَدَّمَهُ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ .
.
تَتِمَّةٌ : لَوْ اجْتَمَعَ أَصْلٌ

وَفَرْعُ أَصْلٍ آخَرَ قُدِّمَ عَلَيْهِمَا فِي الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ، قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ .

[ فَصْلٌ ] رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ ، أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ اُسْتُوْفِيَ ، أَوْ عُقُوبَةٍ فَلَا ، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ .

[ فَصْلٌ ] فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ .
إذَا ( رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ ) أَوْ تَوَقَّفُوا فِيهَا بَعْدَ الْأَدَاءِ وَ ( قَبْلَ الْحُكْمِ ) ( امْتَنَعَ ) الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ ، وَإِنْ أَعَادُوهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي عُقُوبَةٍ أَمْ فِي غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَدْرِي أَصَدَقُوا فِي الْأَوَّلِ أَوْ فِي الثَّانِي فَيَنْتَفِي ظَنُّ الصِّدْقِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ كَذِبَهُمْ ثَابِتٌ لَا مَحَالَةَ إمَّا فِي الشَّهَادَةِ أَوْ الرُّجُوعِ ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْكَذَّابِ ، وَلَا يَفْسُقُونَ بِرُجُوعِهِمْ إلَّا إنْ قَالُوا : تَعَمَّدْنَا شَهَادَةَ الزُّورِ فَيَفْسُقُونَ ، وَلَوْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فِي زِنًا حُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ ، وَإِنْ قَالُوا : غَلِطْنَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْيِيرِ وَكَانَ حَقُّهُمْ التَّثَبُّتُ وَكَمَا لَوْ رَجَعُوا عَنْهَا بَعْدَ الْحُكْمِ ، وَالْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ التَّصْرِيحُ بِهِ فَيَقُولُ : رَجَعْتُ عَنْ شَهَادَتِي ، فَلَوْ قَالَ : أَبْطَلْت شَهَادَتِي أَوْ فَسْخَتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا فَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا قَبْلَهُ ؟ وَلَوْ قَالُوا لِلْحَاكِمِ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ : تَوَقَّفْ عَنْ الْحُكْمِ .
ثُمَّ قَالُوا لَهُ : اُحْكُمْ فَنَحْنُ عَلَى شَهَادَتِنَا حَكَمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ رُجُوعَهُمْ وَلَا بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُمْ ، وَإِنْ شَكَّ فَقَدْ زَالَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الشَّهَادَةِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِنْ أَهْلٍ جَازِمٍ ، وَالتَّوَقُّفُ الطَّارِئُ قَدْ زَالَ ( أَوْ ) رَجَعُوا ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ ) فِي شَهَادَةٍ بِهِ أَوْ عَقْدٍ وَلَوْ نِكَاحٍ نَفَذَ الْحُكْمُ بِهِ وَ ( اُسْتُوْفِيَ ) الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ تَمَّ ، وَلَيْسَ هَذَا مَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى يَتَأَثَّرَ بِالرُّجُوعِ .
وَأَمَّا الْفُسُوخُ فَتَسْتَمِرُّ عَلَى إمْضَائِهَا ( أَوْ ) رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ ( عُقُوبَةٍ ) فِي شَهَادَةٍ بِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ زِنًا وَحَدِّ قَذْفٍ ( فَلَا ) يَسْتَوْفِي تِلْكَ الْعُقُوبَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ

وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ ( أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْمَحْكُومِ بِهِ ( لَمْ يُنْقَضْ ) أَيْ الْحُكْمُ لِتَأَكُّدِ الْأَمْرِ وَلِجَوَازِ صِدْقِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ ، وَكَذِبِهِمْ فِي الرُّجُوعِ وَعَكْسِهِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ .

فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْفَى قِصَاصًا أَوْ قَتْلِ رِدَّةٍ أَوْ رَجْمِ زِنًا أَوْ جَلْدِهِ وَمَاتَ وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا فَعَلَيْهِمْ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ .

( فَإِنْ كَانَ ) ( الْمُسْتَوْفَى ) عُقُوبَةً كَأَنْ كَانَ ( قِصَاصًا ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ ( أَوْ قَتْلِ رِدَّةٍ أَوْ رَجْمِ زِنًا أَوْ جَلْدِهِ ) بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ لِضَمِيرِ الزِّنَا ، وَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِيَشْمَلَ جَلْدَ قَذْفٍ وَشُرْبٍ ( وَمَاتَ ) الْمَجْلُودُ أَوْ قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ، ثُمَّ رَجَعُوا ( وَقَالُوا : تَعَمَّدْنَا ) شَهَادَةً أَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ تَعَمَّدْت وَلَا أَعْلَمُ حَالَ صَاحِبِي مَعَ قَوْلِهِمْ : عَلِمْنَا أَنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْهُ بِقَوْلِنَا ( فَعَلَيْهِمْ قِصَاصُ ) غَائِلَةٍ إنْ جَهِلَ الْوَلِيُّ تَعَمُّدَهُمْ وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَتْنِ فِي الْجِنَايَاتِ وَسَيَأْتِي ( أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ ) فِي مَالِهِمْ مُوَزَّعَةٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِتَسَبُّبِهِمْ إلَى إهْلَاكِهِ ، وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ : تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ صَاحِبِي فَلَا قِصَاصَ لِانْتِفَاءِ تَمَحُّضِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ ، بَلْ يَلْزَمُهُمَا دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا : تَعَمَّدْت وَصَاحِبِي أَخْطَأَ أَوْ قَالَ تَعَمَّدْت وَلَا أَدْرِي أَتَعَمَّدَ صَاحِبِي أَمْ لَا ، وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ لَا يُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تَعَمَّدْت .
وَقَالَ صَاحِبُهُ : أَخْطَأْت فَلَا قِصَاصَ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ قَالَ : تَعَمَّدْت وَتَعَمَّدَ صَاحِبِي ، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ اُقْتُصَّ مِنْهُ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِعَمْدِهِمَا وَالْآخَرُ بِعَمْدِهِ وَخَطَأِ صَاحِبِهِ اُقْتُصَّ مِنْ الْأَوَّلِ لِاعْتِرَافِهِ بِتَعَمُّدِهِمَا جَمِيعًا دُونَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ إلَّا بِشَرِكَةِ مُخْطِئٍ ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِمْ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَوْلِنَا ، بَلْ يُحَدُّونَ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا حَدَّ الْقَذْفِ ، ثُمَّ يُرْجَمُونَ ، وَلَا يَضُرُّ فِيهِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ، وَلَا قَدْرِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ .
قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّ ذَلِكَ تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ ، وَقِيلَ : يُقْتَلُونَ بِالسَّيْفِ وَرَجَّحَهُ فِي

الْمُهِمَّاتِ إلَّا لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَنَشْئِهِمْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ ، وَإِنْ قَالُوا : أَخْطَأْنَا فِي شَهَادَتِنَا فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ مُوَزَّعَةٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ إنْ كَذَّبَتْهُمْ الْعَاقِلَةُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ لَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ مَا لَمْ تُصَدِّقْهُمْ ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُمْ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ ، وَكَذَا إنْ سَكَتَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُمْ لَزِمَهُ الدِّيَةُ .
فَرْعٌ : لَوْ ادَّعَوْا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْرِفُ خَطَأَهُمْ هَلْ لَهُمْ تَحْلِيفُهَا أَوْ لَا ؟ رَأْيَانِ : أَوْجَهُهُمَا أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ غَرِمَتْ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ .

وَعَلَى الْقَاضِي قِصَاصٌ إنْ قَالَ تَعَمَّدْت ، وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَهُمْ فَعَلَى الْجَمِيعِ قِصَاصٌ إنْ قَالُوا : تَعَمَّدْنَا ، فَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَيْهِمْ نِصْفٌ .
( وَعَلَى الْقَاضِي ) الرَّاجِعِ دُونَ الشُّهُودِ ( قِصَاصٌ ) أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ ( إنْ قَالَ : تَعَمَّدْت ) الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ، فَإِنْ قَالَ : أَخْطَأْتُ فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ ( وَإِنْ ) ( رَجَعَ هُوَ ) أَيْ الْقَاضِي ( وَهُمْ ) أَيْ الشُّهُودُ ( فَعَلَى الْجَمِيعِ قِصَاصٌ ) أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ ( إنْ قَالُوا : تَعَمَّدْنَا ) ذَلِكَ لِاعْتِرَافِهِمْ بِالتَّسَبُّبِ فِي قَتْلِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا ( فَإِنْ قَالُوا : أَخْطَأْنَا فَعَلَيْهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( نِصْفُ دِيَةٍ ، وَعَلَيْهِمْ ) أَيْ الشُّهُودِ ( نِصْفٌ ) مِنْهَا تَوْزِيعًا عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِهِ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ رَجَعَ بَعْضُ الشُّهُودِ ا هـ .
وَرُدَّ الْقِيَاسُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِعِلْمِهِ ، بِخِلَافِ الشُّهُودِ ، وَبِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ وَحْدَهُمْ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ .

وَلَوْ رَجَعَ مُزَكٍّ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ ، أَوْ وَلِيٌّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ أَوْ مَعَ الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ ، وَقِيلَ : هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءُ .
( وَلَوْ ) ( رَجَعَ مُزَكٍّ ) وَحْدَهُ عَنْ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَلَوْ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ ) بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ يُلْجِئُ الْقَاضِيَ إلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إلَى الْقَتْلِ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلِمْتُ كَذِبَهُمْ وَقَوْلِهِ عَلِمْتُ فِسْقَهُمْ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ ، وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ : مَحَلُّهُ إذَا قَالَ عَلِمْتُ كَذِبَهُمْ ، فَإِنْ قَالَ : عَلِمْتُ فِسْقَهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُصَدَّقُونَ مَعَ فِسْقِهِمْ ( أَوْ ) رَجَعَ ( وَلِيٌّ ) لِلدَّمِ ( وَحْدَهُ ) دُونَ الشُّهُودِ ( فَعَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ ) بِكَمَالِهَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ ( أَوْ ) رَجَعَ ( مَعَ الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ ) يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ وَحْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْمُبَاشَرَةِ وَهُمْ مَعَهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ ( وَقِيلَ : هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءُ ) لِتَعَاوُنِهِمْ فِي الْقَتْلِ فَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ ، وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ فَعَلَيْهِمْ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ عَلَى الْوَلِيِّ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالْقَاضِي وَالشُّهُودُ كَانَ عَلَى كُلٍّ الثُّلُثُ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ : وَقِيلَ : هُوَ هُمْ كَالشَّرِيكَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : شُرَكَاءُ يُوهِمُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ فِي الضَّمَانِ مُطْلَقًا .

وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي فَرَجَعَا دَامَ الْفِرَاقُ وَعَلَيْهِمْ مَهْرُ مِثْلٍ ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ وَطْءٍ .

( وَلَوْ ) ( شَهِدَا ) عَلَى شَخْصٍ ( بِطَلَاقٍ بَائِنٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِعِوَضٍ أَمْ بِثَلَاثٍ أَمْ قَبْلَ الدُّخُولِ ( أَوْ رَضَاعٍ ) مُحَرِّمٍ ( أَوْ لِعَانٍ ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْبَيْنُونَةُ كَالْفَسْخِ بِعَيْبٍ ( وَفَرَّقَ الْقَاضِي ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ( فَرَجَعَا ) عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِمَا ذُكِرَ ( دَامَ الْفِرَاقُ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الرُّجُوعِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُرَدُّ الْحُكْمُ بِقَوْلٍ مُحْتَمَلٍ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : دَامَ الْفِرَاقُ لَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِهِ فِي الرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ دَامَ بِنَفَذَ ، أَوْ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْفِرَاقُ كَانَ أَوْلَى ( وَعَلَيْهِمْ ) أَيْ الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ لِلزَّوْجِ ( مَهْرُ مِثْلٍ ) وَلَوْ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ بَعْدَ إبْرَاءِ الزَّوْجَةِ زَوْجِهَا مِنْ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا فَوَّتَاهُ عَلَيْهِ ( وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ إنْ كَانَ ) حُكْمُ الْقَاضِي بِالْفِرَاقِ ( قَبْلَ وَطْءٍ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَاتَ عَلَى الزَّوْجِ .
وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى بَدَلِ الْبُضْعِ الْمُفَوَّتِ بِالشَّهَادَةِ إذْ النَّظَرُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى الْمُتْلَفِ لَا إلَى مَا قَامَ بِهِ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ سَوَاءٌ أَدَفَعَ إلَيْهَا الزَّوْجُ الْمَهْرَ أَمْ لَا ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الدَّيْنِ لَا يَغْرَمُونَ قَبْلَ دَفْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ هُنَا تَحَقَّقَتْ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَقَطْ فَهَلَّا كَانَ هُوَ الْأَصَحُّ هُنَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فُرْقَةَ الرَّضَاعِ حَقِيقَةٌ فَلَا تُوجِبُ إلَّا النِّصْفَ كَالْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ ، وَهُنَا النِّكَاحُ بَاقٍ بِزَعْمِ الزَّوْجِ وَالشُّهُودِ لَكِنَّهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُضْعِ فَغَرِمُوا قِيمَتَهُ كَالْغَاصِبِ الْحَائِلِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَغْصُوبِ .
وَخَرَجَ بِالْبَائِنِ الرَّجْعِيِّ فَلَا غُرْمَ فِيهِ عَلَيْهِمْ إذْ لَمْ يُفَوِّتُوا عَلَيْهِ شَيْئًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى

الْمُرَاجَعَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا غَرِمَا كَمَا فِي الْبَائِنِ ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا إذَا أَمْكَنَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَتَرَكَهَا بِاخْتِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ تَدَارُكِ دَفْعِ مَا يَعْرِضُ بِجِنَايَةِ الْغَيْرِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ جَرَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَذْبَحْهَا مَالِكُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ حَتَّى مَاتَتْ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَعَلَيْهِمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ كَانَ أَوْلَى ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ : لِأَنَّ " عَلَيْهِمْ " أَخَصْرُ مِنْ " عَلَيْهِمَا " إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ ، وَلَوْ قَالُوا فِي رُجُوعِهِمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ كَانَ رَجْعِيًّا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَرْجَحُ عِنْدِي أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَيْهِ مِلْكَ الرَّجْعَةِ الَّذِي هُوَ كَمِلْكِ الْبُضْعِ قَالَ : وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْغُرْمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْبَائِنَ مَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمَشْهُودُ بِهِ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ مَنَعُوهُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبُضْعِ كَالثَّلَاثِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ قَسْطُ الطَّلْقَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ صُوَرٌ : الْأُولَى : إذَا قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ : إنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَمْ بَعْدَهُ .
الثَّانِيَةُ : إذَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَّا بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ عَلَى زَعْمِهِ فِي بَقَاءِ عِصْمَتِهِ فَإِنَّهُ لَا غُرْمَ لِتَقْصِيرِهِ بِالْبَيْنُونَةِ بِاخْتِيَارِهِ .
الثَّالِثَةُ إذَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُمْ لَا يَغْرَمُونَ لِوَرَثَتِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ

لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بُضْعِهِ وَلَا حَيْلُولَةَ هُنَا .
الرَّابِعَةُ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قِنًّا فَلَا غُرْمَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَا لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِزَوْجَةِ عَبْدِهِ ، فَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا غَرِمَ لَهُ الْمَشْهُودُ بِقِسْطِ الْحُرِّيَّةِ قَالَ : وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْإِكْسَابِ فَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ قِنًّا وَبَعْضُهُ فِيمَا إذَا كَانَ مُبَعَّضًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبُضْعِ نَشَأَ مِنْ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ، .

ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَجْنُونٍ أَوْ غَائِبٍ فَالْأَرْجَحُ أَنَّ لِوَلِيِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ تَغْرِيمَهُمْ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إنْكَارٌ .

وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ وَفَرَّقَ فَرَجَعَا فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ فَلَا غُرْمَ .
( وَلَوْ ) ( شَهِدَا بِطَلَاقٍ ) بَائِنٍ ( وَفَرَّقَ ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ لَمْ يُفَرِّقْ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى ( فَرَجَعَا ) عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ ) مُحَرَّمٌ أَوْ نَحْوُهُ كَلِعَانٍ أَوْ فَسْخٍ ( فَلَا غُرْمَ ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَمْ تُفَوِّتْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا ، وَلَوْ غَرِمَا قَبْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ شَيْئًا اسْتَرَدَّا مَا غَرِمَاهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ رَجَعَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالِاسْتِرْدَادِ يَنْبَغِي أَنْ تَغْرَمَ مَا اسْتَرَدَّ ؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَخَذَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ .

وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ غَرِمُوا فِي الْأَظْهَرِ ، وَمَتَى رَجَعُوا كُلُّهُمْ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ الْغُرْمُ ، أَوْ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ نِصَابٌ فَلَا غُرْمَ ، وَقِيلَ يَغْرَمُ قِسْطَهُ ، وَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ وَلَمْ يَزِدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ فَقِسْطٌ ، وَإِنْ زَادَ فَقِسْطٌ مِنْ النِّصَابِ ، وَقِيلَ مِنْ الْعَدَدِ ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُمَا نِصْفٌ أَوْ وَأَرْبَعٌ فِي رَضَاعٍ فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ وَهُنَّ ثُلُثَانِ ، فَإِنْ رَجَعَ هُوَ أَوْ ثِنْتَانِ فَلَا غُرْمَ فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَوْ ) ( رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ ) عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ وَدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ ( غَرِمُوا ) بَدَلَهُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) وَإِنْ قَالُوا : أَخْطَأْنَا لِحُصُولِ الْحَيْلُولَةِ بِشَهَادَتِهِمْ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْيَدِ أَوْ الْإِتْلَافِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ صَدَّقَهُمْ الْخَصْمُ فِي الرُّجُوعِ عَادَتْ الْعَيْنُ إلَى مَنْ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ وَلَا غُرْمَ ( وَمَتَى رَجَعُوا كُلُّهُمْ ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا سَوَاءٌ أَكَانُوا أَقَلَّ الْحُجَّةِ أَوْ زَادُوا عَلَيْهِ كَخَمْسَةٍ فِي الزِّنَا وَثَلَاثَةٍ فِي الْقَتْلِ ( وُزِّعَ عَلَيْهِمْ الْغُرْمُ ) بِالسَّوِيَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ نَوْعِهِمْ ( أَوْ ) رَجَعَ ( بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ ) مِنْهُمْ ( نِصَابٌ ) كَأَنْ رَجَعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ كَالْعِتْقِ ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَى مَنْ رَجَعَ لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ فَكَأَنَّ الرَّاجِعَ لَمْ يَشْهَدْ ( وَقِيلَ : يَغْرَمُ ) الرَّاجِعُ ( قِسْطَهُ ) مِنْ النِّصَابِ ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ فَوَّتَ قِسْطًا فَيَغْرَمُ مَا فَوَّتَ ( وَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ ) بَعْدَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ ( وَلَمْ يَزِدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ ) أَيْ النِّصَابِ كَأَنْ شَهِدَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ، وَفِي مَالٍ أَوْ قَتْلِ اثْنَانِ ( فَقِسْطٌ ) يَلْزَمُ الرَّاجِعَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ النِّصْفُ ، أَوْ أَرْبَعَةٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِمْ لَزِمَ الرَّاجِعَ بِقِسْطِهِ ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ الرُّبْعُ ( وَإِنْ زَادَ ) عَدَدُ الشُّهُودِ عَلَى النِّصَابِ ، كَمَا إذْ رَجَعَ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي الزِّنَا اثْنَانِ أَوْ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي غَيْرِهِ اثْنَانِ ( فَقِسْطٌ مِنْ النِّصَابِ ) فِي الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا غُرْمَ إذَا بَقِيَ نِصَابٌ فَيَجِبُ النِّصْفُ عَلَى الرَّاجِعِينَ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحُجَّةِ ( وَقِيلَ ) قِسْطٌ ( مِنْ الْعَدَدِ ) يَغْرَمُهُ الرَّاجِعُ مِنْهُمْ فَيَجِبُ

الثُّلُثَانِ عَلَى الرَّاجِعِينَ مِنْ الثَّلَاثَةِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا نُقِصَ عَدَدُهَا زَالَ حُكْمُهَا وَصَارَ الضَّمَانُ مُتَعَلِّقًا بِالْإِتْلَافِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ ( وَإِنْ ) ( شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) فِيمَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا ( فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُمَا نِصْفٌ ) عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعٌ ؛ لِأَنَّهُمَا كَرَجُلٍ .
تَنْبِيهٌ : الْخُنْثَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ ، قَالَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ ( أَوْ ) شَهِدَ رَجُلٌ ( وَأَرْبَعٌ ) مِنْ نِسَاءٍ ( فِي رَضَاعٍ ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ ثُمَّ رَجَعُوا ( فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ ، وَهُنَّ ثُلُثَانِ ) وَتَنْزِلُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَنْزِلَةَ رَجُلٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ يَنْفَرِدُ بِهَا النِّسَاءُ فَلَا يَتَعَيَّنُ الرَّجُلُ لِلشَّطْرِ ( فَإِنْ رَجَعَ هُوَ أَوْ ثِنْتَانِ ) فَقَطْ ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَى مَنْ رَجَعَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ .
وَالثَّانِي : عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِمَا الثُّلُثُ كَمَا لَوْ رَجَعَ الْجَمِيعُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَهِدَ مَعَ عَشْرَةِ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا غَرِمَ السُّدُسَ ، وَعَلَى كُلِّ ثِنْتَيْنِ السُّدُسُ ، فَإِنْ رَجَعَ مِنْهُنَّ ثَمَانٍ أَوْ هُوَ وَلَوْ مَعَ سِتٍّ فَلَا غُرْمَ عَلَى الرَّاجِحِ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ رَجَعَ مَعَ سَبْعَةٍ غَرِمُوا الرُّبُعَ لِبُطْلَانِ رُبُعِ الْحُجَّةِ ، وَإِنْ رَجَعَ كُلُّهُنَّ دُونَهُ أَوْ رَجَعَ هُوَ مَعَ ثَمَانٍ غَرِمُوا النِّصْفَ لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحُجَّةِ فِيهِمَا ، أَوْ مَعَ تِسْعٍ غَرِمُوا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ ، وَإِنْ رَجَعَ كُلُّهُنَّ دُونَهُ غَرِمُوا نِصْفًا لِمَا مَرَّ .

وَإِنْ شَهِدَ هُوَ وَأَرْبَعٌ بِمَالٍ فَقِيلَ كَرَضَاعٍ ، وَالْأَصَحُّ هُوَ نِصْفٌ وَهُنَّ نِصْفٌ ، سَوَاءٌ رَجَعْنَ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُنَّ ، وَإِنْ رَجَعَ ثِنْتَانِ فَالْأَصَحُّ لَا غُرْمَ ، وَأَنَّ شُهُودَ إحْصَانٍ أَوْ صِفَةٍ مَعَ شُهُودِ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا .

( وَإِنْ ) ( شَهِدَ هُوَ وَ ) نِسَاءٌ ( أَرْبَعٌ بِمَالٍ ) ثُمَّ رَجَعُوا ( فَقِيلَ كَرَضَاعٍ ) فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الْغُرْمِ وَعَلَيْهِنَّ ثُلُثَاهُ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ كَالرَّضَاعِ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسْوَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : تَشْبِيهُهُ بِالرَّضَاعِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ رُجُوعِ الْكُلِّ ، فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ وَهُنَّ ثُلُثٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ( وَالْأَصَحُّ ، هُوَ نِصْفٌ وَهُنَّ نِصْفٌ ) ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ الْبَيِّنَةِ ، وَهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ مَعَ الرَّجُلِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ ( سَوَاءٌ رَجَعْنَ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُنَّ ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ يُنَافِيه ( وَإِنْ رَجَعَ ثِنْتَانِ ) مِنْهُنَّ فَقَطْ ( فَالْأَصَحُّ لَا غُرْمَ ) عَلَيْهِمَا لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ .
وَالثَّانِي : عَلَيْهِمَا رُبُعُ الْغُرْمِ ؛ لِأَنَّهُمَا رُبُعُ الْبَيِّنَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا .
قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ : لَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ الْغُرْمُ ، وَقَالَ هُنَا : يَجِبُ عَلَيْهَا الْخُمْسُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ شُهُودَ إحْصَانٍ ) إذَا رَجَعُوا بَعْدَ رَجْمِ الْقَاضِي الزَّانِيَ دُونَ شُهُودِ الزِّنَا كَمَا صَوَّرَهَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، أَوْ مَعَهُمَا كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ ، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي ذَلِكَ ( أَوْ ) شُهُودَ ( صِفَةٍ مَعَ شُهُودِ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ ، أَوْ عِتْقٍ ) عَلَى صِفَةٍ عَلَيْهَا إذَا رَجَعُوا بَعْدَ نُفُوذِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ دُونَ شُهُودِ التَّعْلِيقِ ( لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا ) .
أَمَّا شُهُودُ الْإِحْصَانِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِمُوجَبِ عُقُوبَةٍ ، وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِصِفَةِ كَمَالٍ .
وَأَمَّا شُهُودُ الصِّفَةِ مَعَ شُهُودِ التَّعْلِيقِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِطَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ ، وَإِنَّمَا

أَثْبَتُوا صِفَةً .
وَالثَّانِي : يَغْرَمُونَ ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ جَمِيعًا ، فَالْقَتْلُ لَمْ يُسْتَوْفَ إلَّا بِهِمْ ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَقَعَ بِقَوْلِهِمْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ ا هـ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ أَرْجَحُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُزَكِّيَ يَغْرَمُ ، فَهَلَّا كَانَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ وَالصِّفَةِ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُزَكِّيَ مُعِينٌ لِلشَّاهِدِ الْمُتَسَبِّبِ فِي الْقَتْلِ وَمَقُولِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فِي الْإِحْصَانِ أَوْ الصِّفَةِ .

وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا مَرْدُودَيْ الشَّهَادَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ حُكْمَهُ يَبِينُ بُطْلَانُهُ فَتَعُودُ الْمُطَلَّقَةُ بِشَهَادَتِهِمْ زَوْجَةً ، وَالْمُعْتَقَةُ بِهَا أَمَةً ، فَإِنْ اُسْتُوْفِيَ بِهَا قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاضِي الضَّمَانُ ، وَلَوْ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَالًا تَالِفًا ضَمِنَهُ الْمَحْكُومُ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ غَائِبًا غَرِمَ الْقَاضِي لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ إذَا أَيْسَرَ أَوْ حَضَرَ ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ، وَلَا عَلَى الْمُزَكِّي ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ تَابِعُونَ لِلشُّهُودِ .

خَاتِمَةٌ : لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِكِتَابَةِ رَقِيقٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ ظَاهِرًا هَلْ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ كُلَّهَا ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ أَوْ نَقْصَ النُّجُومِ عَنْهَا لِأَنَّهُ الْفَائِتُ ؟ .
وَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي ، أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ، أَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ بِأَلْفٍ وَمَهْرُهَا أَوْ قِيمَتُهَا أَلْفَانِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا أَلْفًا ، وَقِيلَ : يَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ ، أَوْ شَهِدَا بِإِيلَادٍ أَوْ تَدْبِيرٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا الْقِيمَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، لَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَزُولُ بَعْدَهُ ، أَوْ شَهِدَا بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا الْمَهْرَ أَوْ الْقِيمَةَ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ ، أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا لَهَا مَا نَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ الْأَلْفُ دُونَهُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَقِيلَ : لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ .

وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ فِي وَقْتٍ وَاثْنَانِ بِالْوَطْءِ فِي وَقْتٍ بَعْدَهُ وَاثْنَانِ بِالتَّعْلِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ كُلٌّ عَمَّا شَهِدَ بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَ مَنْ شَهِدَ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ مَا غَرِمَهُ الزَّوْجُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ نِصْفٌ بِالْعَقْدِ وَنِصْفٌ بِالْوَطْءِ ، وَلَا يَغْرَمُ مَنْ شَهِدَ بِالتَّعْلِيقِ شَيْئًا ، وَلَا مَنْ أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ بِالْوَطْءِ .

وَلَوْ رَجَعَ فُرُوعٌ أَوْ أُصُولٌ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ غَرِمُوا وَإِنْ رَجَعُوا كُلُّهُمْ فَالْغَارِمُ الْفَرْعُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ إشْهَادَ الْأُصُولِ وَيَقُولُونَ : كَذَبْنَا فِيمَا قُلْنَا وَالْحُكْمُ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ .

وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ مِائَةٍ وَآخَرُ عَنْ مِائَتَيْنِ ، وَالثَّالِثُ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ ، وَالرَّابِعُ عَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ ، فَالرُّجُوعُ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ حُجَّةٌ عَنْ مِائَتَيْنِ دُونَ الْمِائَتَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ فِيهِمَا ، فَمِائَةٌ يَغْرَمُهَا الْأَرْبَعَةُ بِاتِّفَاقِهِمْ ، قَالَ الشَّيْخَانِ : وَثَلَاثَةُ أَرْبَعِمِائَةٍ يَغْرَمُهَا غَيْرُ الْأَوَّلِ بِالسَّوِيَّةِ ؛ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا ، وَالرُّبُعُ الْآخَرُ لَا غُرْمَ فِيهِ لِبَقَاءِ رُبُعِ الْحُجَّةِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا يَغْرَمُونَ نِصْفَ الْمِائَةِ ، وَمَا ذُكِرَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَغْرَمُ حِصَّتَهُ مِمَّا رَجَعَ عَنْهُ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ النِّصْفُ الْآخَرُ لَا غُرْمَ فِيهِ ، وَيَغْرَمُ مُتَعَمِّدٌ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ بِاعْتِرَافِهِ إذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَإِلَّا دَخَلَ التَّعْزِيرُ فِيهِ إنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ ، أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ .

وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمَشْهُودُ لَهُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ مَالًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْخَصْمِ ، أَوْ شَهِدَا بِإِقَالَةٍ مِنْ عَقْدٍ وَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ عَادَ إلَيْهِ مَا غَرِمَهُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الشَّاهِدُ إنْ رَجَعْنَا ، وَلَكِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُجُوعِهِمَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لِأَنَّ الْحَقَّ بَاقٍ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .

وَالْبَيِّنَاتُ تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ وَقَذْفٍ .

كِتَابُ الدَّعْوَى .
هِيَ لُغَةً الطَّلَبُ وَالتَّمَنِّي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ ، وَتُجْمَعُ عَلَى دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا .
قِيلَ سُمِّيَتْ دَعْوَى ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي يَدْعُو صَاحِبَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِيَخْرُجَ مِنْ دَعْوَاهُ .
وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ ( وَالْبَيِّنَاتُ ) جَمْعُ بَيِّنَةٍ وَهُمْ الشُّهُودُ ، سُمُّوا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ ، وَأَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الدَّعْوَى وَجَمَعَ الْبَيِّنَاتِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ وَالْبَيِّنَاتُ مُخْتَلِفَةٌ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ ، وَجَانِبُ الْمُنْكِرِ قَوِيٌّ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ قَوِيَّةٌ وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ ؛ ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ مُتَّهَمٌ فِي يَمِينِهِ بِالْكَذِبِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ .
وَلَمَّا كَانَتْ الْخُصُومَاتُ تَدُورُ عَلَى خَمْسَةٍ : الدَّعْوَى ، وَالْجَوَابِ ، وَالْيَمِينِ ، وَالنُّكُولِ ، وَالْبَيِّنَةِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْأُولَى .
فَقَالَ : ( تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ ) ( فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ ، وَ ) حَدِّ ( قَذْفٍ ) فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهَا بِاسْتِيفَائِهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَالِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا ، فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَوْفَى بِدُونِ ذَلِكَ وَقَعَ الْمَوْقِعَ فِي الْقِصَاصِ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا سَبَقَ لِلْمُصَنَّفِ فِي بَابِهِ ، نَعَمْ قَالَ

الْمَاوَرْدِيُّ : مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ وَكَانَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ : لَوْ انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الْقَوَدِ ، لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : عِنْدَ قَاضٍ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلَى السَّيِّدُ يَسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى رَقِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا وَكَذَلِكَ الْمُحَكَّمُ إذَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ ، وَكَذَا الْوَزِيرُ وَالْأَمِيرُ وَنَحْوُهُمَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْعُقُوبَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ كَعُيُوبِ النِّكَاحِ وَالْعُنَّةِ وَالْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْحُكْمِ فِيهَا مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَالدَّعْوَى عِنْدَهُ مَا خَرَجَ الْمَالُ عَنْ هَذَا إلَّا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِالْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى .

وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا : قَتْلُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ قَذْفُهُ ، إذْ الْحَقُّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُقْتَلُ بِشَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى حِسْبَةٍ بَلْ فِي سَمَاعِهَا خِلَافٌ مَرَّ .
ثَانِيَتُهُمَا : قَتْلُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَعْوَى ؛ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَفَّقُ عَلَى طَلَبٍ ، وَتَمْثِيلُهُ بِالْقِصَاصِ وَالْقَصْدِ يُفْهِمُ التَّصْوِيرَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَاضِي أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى أَصْلًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِلْمُدَّعِي ، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِعْرَاضِ وَالدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ .
نَعَمْ لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا وَأَرَادَ الْقَاذِفُ تَحْلِيفَهُ أَوْ تَحْلِيفَ وَارِثِهِ الطَّالِبِ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ ، قَالُوا : وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ .
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ .

وَإِنْ اسْتَحَقَّ عَيْنًا فَلَهُ أَخْذُهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا وَجَبَ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ ، أَوْ دَيْنًا عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْأَدَاءِ طَالَبَهُ بِهِ ، وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ لَهُ ، أَوْ عَلَى مُنْكِرٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ إنْ فَقَدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، أَوْ عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ ، أَوْ مُنْكِرٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَكَذَلِكَ .
وَقِيلَ يَجِبُ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ ، وَإِذَا جَازَ الْأَخْذُ فَلَهُ كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لَا يَصِلُ الْمَالَ إلَّا بِهِ ، ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ يَتَمَلَّكُهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يَبِيعُهُ ، وَقِيلَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَبِيعُهُ وَالْمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ ، وَلَا يَأْخُذُ فَوْقَ حَقِّهِ إنْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِصَارُ .

( وَإِنْ ) ( اسْتَحَقَّ ) شَخْصٌ ( عَيْنًا ) تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ ( فَلَهُ ) أَوْ وَلِيِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ( أَخْذُهَا ) مُسْتَقِلًّا بِالْأَخْذِ بِلَا رَفْعٍ لِقَاضٍ وَبِلَا عِلْمِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ لِلضَّرُورَةِ ( إنْ لَمْ يَخَفْ ) مِنْ أَخْذِهَا ( فِتْنَةً ) أَوْ ضَرَرًا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ عَيْنًا يُخْرِجُ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى عِبَارَاتِهِمْ إذْ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَخْذِ لِمَالِكِ الْعَيْنِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ حَقِيقَةً ، وَأُلْحِقَ بِهِ وَلِيُّ غَيْرِ الْكَامِلِ كَمَا مَرَّ ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَوْ عَيْنًا غُصِبَتْ مِنْهُ ، وَكَذَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَالْوَدِيعَةِ أَوْ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَذَلَ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْعَابِ بِظَنِّ الذَّهَابِ بَلْ سَبِيلُهُ الطَّلَبُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ خَافَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا ( وَجَبَ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ إلْزَامُ الْحُقُوقِ كَمُحْتَسِبٍ وَأَمِيرٍ ، لَا سِيَّمَا إنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا عِنْدَهُ ، وَالرَّفْعُ تَقْرِيبُ الشَّيْءِ فَمَعْنَى رَفْعِ الشَّيْءِ لِقَاضٍ قُرْبُهُ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ تَكْلِيفُ الْمُدَّعِي الرَّفْعَ حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ ، بَلْ الْمُرَادُ امْتِنَاعُ اسْتِقْلَالِهِ بِالْأَخْذِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ : وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَهِيَ أَحْسَنُ ( أَوْ ) لَمْ يَسْتَحِقَّ عَيْنًا بَلْ ( دَيْنًا ) حَالًّا ( عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْأَدَاءِ ) لَهُ ( طَالَبَهُ بِهِ ) لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ ( وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ لَهُ ) أَيْ الْمَدِينِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الدَّفْعِ مِنْ أَيِّ مَالٍ شَاءَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ إسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ

إجْبَارًا ، فَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَزِمَهُ رَدُّهُ ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ .
فَإِذَا اتَّفَقَ الْحَقَّانِ جَاءَ التَّقَاصُّ ( أَوْ ) دَيْنًا اسْتَحَقَّهُ ( عَلَى مُنْكِرٍ ) لَهُ ( وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ) بِهِ ( أَخَذَ ) جَوَازًا ( جِنْسَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ ) إنْ ظَفِرَ بِهِ اسْتِقْلَالًا لِعَجْزِهِ عَنْ أَخْذِهِ إلَّا كَذَلِكَ ( وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ إنْ فَقَدَهُ ) أَيْ جِنْسَ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْهُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِلضَّرُورَةِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ تَمَلُّكِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَيَّدَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ ، فَإِنْ وَجَدَهُ لَمْ يَعْدِلْ إلَى غَيْرِهِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : تَقْدِيمُ أَخْذِ غَيْرِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَدِينُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ مَيِّتًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ حِصَّتِهِ بِالْمُضَارَبَةِ إنْ عَلِمَهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، ( أَوْ ) دَيْنًا اسْتَحَقَّهُ ( عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ أَوْ مُنْكِرٍ ، وَلَهُ ) عَلَيْهِ ( بَيِّنَةٌ فَكَذَلِكَ ) يَأْخُذُ حَقَّهُ اسْتِقْلَالًا مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الدَّيْنِ إنْ وَجَدَهُ ، وَمِنْ غَيْرِهِ إنْ فَقَدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الصُّورَتَيْنِ ( وَقِيلَ يَجِبُ ) فِيهِمَا ( الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ ) كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ تَخْلِيصُ الْحَقِّ بِالْمُطَالَبَةِ وَالتَّقَاضِي .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُؤْنَةً وَمَشَقَّةً وَتَضْيِيعَ زَمَانٍ .
هَذَا كُلُّهُ فِي دَيْنِ الْآدَمِيِّ .
أَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ ، إذَا امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ أَدَائِهَا وَظَفِرَ الْمُسْتَحِقُّ بِجِنْسِهَا مِنْ مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ ، وَغَفَلَ عَنْ هَذَا مَنْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْفُقَرَاءُ أَوْ لَا إلْحَاقًا لَهَا بِالدُّيُونِ ، وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى عَيْنٍ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْهَا بِنَفْسِهِ إنْ

لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا وَكَالدَّيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى ذِمَّةٍ ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ ( وَإِذَا جَازَ ) لِلْمُسْتَحِقِّ ( الْأَخْذُ ) مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِقَاضٍ ( فَلَهُ ) حِينَئِذٍ ( كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لَا يَصِلُ الْمَالَ ) هُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَالِ ( إلَّا بِهِ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا اسْتَحَقَّ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا فَوَّتَهُ كَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الصَّائِلِ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالٍ فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إذَا كَانَ الْحِرْزُ لِلدَّيْنِ وَغَيْرُ مَرْهُونٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، وَلَا فِي جِدَارِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ قَطْعًا أَيْ لِأَنَّهُ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْغَرِيمِ ، وَلَا أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْكَسْرِ وَالنَّقْبِ غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي ؛ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِلُ الْمَالَ إلَّا بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِرًّا مُمْتَنِعًا أَمْ مُنْكِرًا وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ : كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ لَوْ خُصِّصَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى الْأَخْذِ بِالْحَاكِمِ كَمَا فِي صُورَةِ الْجُحُودِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ .
أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَدَرَ عَلَى خَلَاصِ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ ، فَفِيهِ بُعْدٌ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْحَاكِمِ عِنْدَ الْمُكْنَةِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ كُلْفَةً مِنْ نَقْبِ الْجِدَارِ وَكَسْرِ الْبَابِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّائِلَ يَدْفَعُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ ا هـ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ .
فَرْعٌ : لَوْ غَصَبَ مِنْهُ نَجَاسَةً يَخْتَصُّ بِهَا كَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَسِرْجِينٍ

وَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَجَحَدَهُ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَكْسِرُ بَابًا وَلَا يَنْقُبُ جِدَارًا ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ ( ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ ) إلَى الْحَقِّ ( يَتَمَلَّكُهُ ) بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ .
تَنْبِيهٌ : التَّعْبِيرُ بِالتَّمَلُّكِ وَقَعَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إحْدَاثِ تَمَلُّكٍ ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ ، وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ يَقْصِدُ أَخْذَ حَقِّهِ ، وَإِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ مُقَارِنًا كَفَى وَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ .
وَجَمَعَ شَيْخُنَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ عَلَى صِفَةِ حَقِّهِ أَيْ أَوْ دُونَهُ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ صِفَتِهِ ، أَيْ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ عَنْ الْمُنْكَسِرَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَغَيْرِ الْجِنْسِ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ ( وَ ) الْمَأْخُوذُ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ جِنْسِ حَقِّهِ أَيْ أَوْ أَعْلَى مِنْ صِفَتِهِ ( يَبِيعُهُ ) بِنَفْسِهِ مُسْتَقِلًّا لِلْحَاجَةِ ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخَرِ الطَّلَاقِ ( وَقِيلَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَبِيعُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَّلِعْ الْقَاضِي عَلَى الْحَالِ ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَزْمًا ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَيِّنَةٍ ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِلُّ مَعَ وُجُودِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ .
قَالَ : بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ عِلْمِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِخِلَافِهَا ، وَخَصَّ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ

الْخِلَافَ بِهِ بِبَيْعِهِ لِلْغَيْرِ .
أَمَّا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا ، وَلِأَنَّهُ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَلَا يَتَمَلَّكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يُسَلِّطُهُ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا يُسَلِّطُهُ عَلَى الْأَخْذِ ؛ فَإِذَا بَاعَهُ فَيَبِعْهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ .
ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ جِنْسَ حَقِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدُ الْبَلَدِ ( وَالْمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ) أَيْ الْآخِذِ ( فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ ) بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ إلَى حِينِ تَلَفِهِ كَالْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ لِغَرَضِ نَفْسِهِ ، بَلْ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَامِ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ ، وَلِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا أَخَذَ ثَوْبَ غَيْرِهِ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ فَكَذَا هُنَا ، وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِلتَّوَثُّقِ ، وَالتَّوَصُّلُ إلَى الْحَقِّ كَالْمُرْتَهِنِ ، وَإِذْنُ الشَّارِعِ فِي الْأَخْذِ يَقُومُ مَقَامَ إذْنِ الْمَالِكِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إلَى بَيْعِ مَا أَخَذَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، فَإِنْ قَصَّرَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ ، وَلَوْ انْخَفَضَتْ الْقِيمَةُ وَارْتَفَعَتْ وَتَلِفَ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْأَكْثَرِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبَيْعِ ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ قَطْعًا ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ .
أَمَّا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْجِنْسِ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ يَدٍ قَطْعًا لِحُصُولِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ عَنْ حَقِّهِ كَمَا سَبَقَ ا هـ .
وَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ ذَلِكَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَجْدِيدِ مِلْكِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ قَبْلَ بَيْعِهِ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ زِيَادَةً قَبْلَ الْبَيْعِ

كَانَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فَإِنْ بَاعَ مَا أَخَذَهُ وَتَمَلَّك ثَمَنَهُ ، ثُمَّ وَفَّاهُ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ رَدَّ إلَيْهِ قِيمَتَهُ كَغَاصِبٍ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( وَلَا يَأْخُذُ ) الْمُسْتَحِقُّ ( فَوْقَ حَقِّهِ ) ( إنْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِصَارُ ) عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ، فَإِنْ أَخَذَهُ ضَمِنَ الزَّائِدَ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ إلَّا بِمَتَاعٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى حَقِّهِ أَخَذَهُ ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِحَقِّهِ مِنْ الضَّرَرِ بِخِلَافِ قَدْرِ حَقِّهِ .
ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ قَدْرِ حَقِّهِ فَقَطْ بَاعَ الْجَمِيعَ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ قَدْرَ حَقِّهِ ، وَرَدَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى غَرِيمِهِ بِهِبَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَرَدَّ مَا زَادَ كَذَلِكَ .

وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُوَافِقُهُ ، فَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ فَقَالَ أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ ، وَقَالَتْ مُرَتَّبًا فَهُوَ مُدَّعٍ .

( وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ ) كَأَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَيْنٌ وَلِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ مِثْلُهُ ، فَلِزَيْدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ بَكْرٍ مَالَهُ عَلَى عَمْرٍو ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ رَدُّ عَمْرٍو تَصَرُّفَ زَيْدٍ بِالْأَخْذِ وَعَدَمِ حُسْبَانِ ذَلِكَ عَنْ دَيْنِهِ عَلَى بَكْرٍ ، وَلَا إقْرَارُ بَكْرٍ لِعَمْرٍو ، وَلَا جُحُودُ بَكْرٍ اسْتِحْقَاقَ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو .
تَنْبِيهٌ : لِلْمَسْأَلَةِ شُرُوطٌ .
الْأَوَّلُ : أَنْ لَا يَظْفَرَ بِمَالِ الْغَرِيمِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ غَرِيمَ الْغَرِيمِ جَاحِدًا أَوْ مُمْتَنِعًا أَيْضًا ، وَعَلَى الِامْتِنَاعِ يُحْمَلُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ .
الثَّالِثُ : أَنْ يُعْلِمَ الْآخِذُ الْغَرِيمَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ حَتَّى إذَا طَالَبَهُ الْغَرِيمُ بَعْدُ كَانَ هُوَ الظَّالِمُ .
الرَّابِعُ : أَنْ يُعْلِمَ غَرِيمَ الْغَرِيمِ وَحِيلَتُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ .
فَإِذَا طَالَبَهُ أَنْكَرَ ، فَإِنَّهُ بِحَقٍّ ، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ جَاحِدًا لَهُ بِشُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ قَدْ أَدَّى وَلَمْ يَعْلَمُوا أَدَاءَهُ ، وَلِأَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ مِثْلُ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ جَحَدَ حَقَّ الْآخَرِ إنْ جَحَدَ الْآخَرُ حَقَّهُ لِيَحْصُلَ التَّقَاصُّ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ النَّقْدَيْنِ لِلضَّرُورَةِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ دُونَ مَا لَلْآخَرِ عَلَيْهِ جَحَدَ مِنْ حَقِّهِ بِقَدْرِهِ ، وَالْمُدَّعِي لُغَةً : مِنْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا ، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ) اصْطِلَاحًا ( مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ ) وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ .
( وَ ) الْأَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ ( الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُوَافِقُهُ ) أَيْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ لَوْ سَكَتَ خُلِّيَ وَلَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ لَا يُخَلِّي وَلَا يَكْفِيه السُّكُوتُ ، فَإِذَا ادَّعَى زَيْدٌ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَمْرٍو فَأَنْكَرَ فَزَيْدٌ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ مِنْ

بَرَاءَةِ عَمْرٍو ، وَلَوْ سَكَتَ تُرِكَ وَعَمْرٌو يُوَافِقُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ ، وَلَوْ سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ، وَزَيْدٌ مُدَّعٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ مُوجِبُهُمَا غَالِبًا ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَالْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ ( فَإِذَا ) ( أَسْلَمَ زَوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ ، فَقَالَ ) الزَّوْجُ ( أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ ) بَيْنَنَا ( بَاقٍ ، وَقَالَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ أَسْلَمْنَا ( مُرَتَّبًا ) فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا ( فَهُوَ ) عَلَى الْأَظْهَرِ ( مُدَّعٍ ) لِأَنَّ وُقُوعَ الْإِسْلَامَيْنِ مَعًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا ، وَعَلَى الثَّانِي هِيَ مُدَّعِيَةٌ ، وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ تُرِكَتْ وَهُوَ لَا يُتْرَكُ لَوْ سَكَتَ لِزَعْمِهَا انْفِسَاخَ النِّكَاحِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ وَيَرْتَفِعُ النِّكَاحُ ، وَعَلَى الثَّانِي يَحْلِفُ الزَّوْجُ وَيَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ ، وَاَلَّذِي صَحَّحَاهُ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى مَرْجُوحٍ .
وَقَدْ يُقَالُ : إنَّمَا جُعِلَ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الْعِصْمَةِ قَوِيَ جَانِبُهُ ، فَكَانَ هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ قَوِيَ جَانِبُهُ فَكَانَ هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَسْلَمْتِ قَبْلِي فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا وَلَا مَهْرَ لَكِ ، وَقَالَتْ : بَلْ أَسْلَمْنَا مَعًا صُدِّقَ فِي الْفُرْقَةِ بِلَا يَمِينٍ ، وَفِي الْمَهْرِ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَصُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا عَلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِالسُّكُوتِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَزْعُمُ سُقُوطَ الْمَهْرِ ، فَإِذَا سَكَتَتْ وَلَا بَيِّنَةَ جُعِلَتْ نَاكِلَةً وَحَلَفَ هُوَ وَسَقَطَ الْمَهْرُ ، وَالْأَمِينُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مُدَّعٍ عَلَى الْأَظْهَرِ ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ الرَّدَّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، لَكِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ لِغَرَضِ الْمَالِكِ ،

وَقَدْ ائْتَمَنَهُ فَلَا يَحْسُنُ تَكْلِيفُهُ بَيِّنَةَ الرَّدِّ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي لَوْ سَكَتَ تُرِكَ ، وَفِي التَّحَالُفِ كُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا .
.

وَمَتَى ادَّعَى نَقْدًا اُشْتُرِطَ بَيَانُ جِنْسٍ وَنَوْعٍ وَقَدْرٍ وَصِحَّةٌ وَتَكَسُّرٌ إنْ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا قِيمَةٌ ، أَوْ عَيْنًا تَنْضَبِطُ كَحَيَوَانٍ وَصَفَهَا بِصِفَةِ السَّلَمِ .
وَقِيلَ : يَجِبُ مَعَهَا ذِكْرُ الْقِيمَةَ ، فَإِنْ تَلِفَتْ وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ وَجَبَ ذِكْرُ الْقِيمَةِ .

تَنْبِيهٌ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ أَنَّ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى سِتَّةَ شُرُوطٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا ، وَذَكَرْت بَاقِيَهَا فِي الشَّرْحِ ( وَ ) ذُكِرَ مِنْهَا هُنَا شَرْطَانِ : الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَعَلَيْهِ ( مَتَى ) ( ادَّعَى ) شَخْصٌ دَيْنًا ( نَقْدًا ) أَوْ غَيْرَهُ مِثْلِيًّا أَوْ مُتَقَوِّمًا ( اُشْتُرِطَ ) فِيهِ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى ( بَيَانُ جِنْسٍ ) لَهُ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ( وَنَوْعٍ ) لَهُ كَخَالِصٍ أَوْ مَغْشُوشٍ ( وَقَدْرٍ ) كَمِائَةٍ ، وَصِفَةٍ يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ ( وَ ) يُشْتَرَطُ فِي النَّقْدِ أَيْضًا شَيْئَانِ ( صِحَّةٌ وَتَكَسُّرٌ إنْ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا قِيمَةُ ) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ ظَاهِرِيَّةٍ صِحَاحٍ أَوْ مُكَسَّرَةٍ ، فَلَا يَكْفِي إطْلَاقُ النَّقْدِ ، وَإِنْ غَلَبَ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ بِأَنَّ زَمَنَ الْعَقْدِ يُقَيِّدُ صِفَةَ الثَّمَنِ بِالْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِزَمَنِ الدَّعْوَى لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا .
نَعَمْ مُطْلَقُ الدِّينَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ وَزْنِهِ ، وَفِي مَعْنَاهُ مُطْلَقُ الدِّرْهَمِ .
أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَةُ النَّقْدِ بِالصِّحَّةِ وَالتَّكَسُّرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِمَا ، لَكِنْ اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ دَيْنَ السَّلَمِ فَاعْتَبَرَا بَيَانَهُمَا فِيهِ ( أَوْ ) لَمْ يَدَّعِ الشَّخْصُ دَيْنًا ، بَلْ ادَّعَى ( عَيْنًا تَنْضَبِطُ ) بِالصِّفَةِ مُتَقَوِّمَةً كَانَتْ ( كَحَيَوَانٍ ) وَثِيَابٍ أَوْ مِثْلِيَّةٍ كَحُبُوبٍ ( وَصَفَهَا ) وُجُوبًا ( بِصِفَةِ السَّلَمِ ) السَّابِقَةِ فِي بَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَ الصِّفَةِ الْقِيمَةِ فِي الْأَصَحِّ ( وَقِيلَ : يَجِبُ مَعَهَا ) أَيْ صِفَةِ السَّلَمِ ( ذِكْرُ الْقِيمَةِ ) لِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمَوْصُوفَةِ ، فَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ بِالصِّفَاتِ كَالْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَجَبَ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فَيَقُولُ : جَوْهَرٌ قِيمَتُهُ كَذَا ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ

وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ ، وَاسْتَثْنَى مَا لَوْ غَصَبَ غَيْرُهُ مِنْهُ عَيْنًا فِي بَلَدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فِي آخَرَ وَهِيَ بَاقِيَةٌ ، وَلَكِنْ لِنَقْلِهَا مُؤْنَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُ قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا الْمُسْتَحَقَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِذَا رَدَّ الْعَيْنَ رَدَّ الْقِيمَةَ ، وَيُبَيِّنُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ النَّاحِيَةَ وَالْبَلَدَ وَالْمَحَلَّةَ وَالسِّكَّةَ وَالْحُدُودَ ، وَأَنَّهُ فِي يَمْنَةٍ دَاخِلِ السِّكَّةِ أَوْ يَسْرَتِهِ أَوْ صَدْرِهَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْقِيمَةِ كَمَا عُلِمَ كَمَا مَرَّ .
وَهَذَا إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ ( فَإِنْ تَلِفَتْ وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ ( وَجَبَ ) مَعَ ذَلِكَ ( ذِكْرُ الْقِيمَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عِنْدَ التَّلَفِ ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ شَيْءٍ مَعَهَا مِنْ الصِّفَاتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ ، لَكِنْ يَجِبُ ذِكْرُ الْجِنْسِ فَيَقُولُ : عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً لَمْ يَجِبْ ذِكْرُ قِيمَةٍ ، وَيَكْفِي الضَّبْطُ بِالصِّفَاتِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ التَّالِفُ سَيْفًا مُحَلًّى ذَكَرَ قِيمَتَهُ بِالذَّهَبِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ فِضَّةً ، وَبِالْفِضَّةِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ ذَهَبًا .
وَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِهِمَا قُوِّمَ بِأَحَدِهِمَا لِلضَّرُورَةِ ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الرَّوْضَةِ هُنَا تَبَعًا لِأَصْلِهِ ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْغَصْبِ ، فَقَالَ هُنَاكَ إنَّ تِبْرَ الْحُلِيِّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَيَبِيعُهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ، وَقَالَ أَصْلُهُ أَنَّ الْمُحَلَّى يَضْمَنُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ .
قَالَ : وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الرِّبَا ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْغَرَامَاتِ ا هـ .
وَيُقَوَّمُ مَغْشُوشُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ كَعَكْسِهِ إذَا قُلْنَا : إنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَدَّعِي مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ نَقْدِ كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا دِرْهَمًا أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا دِينَارًا ، فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهَا مِثْلِيَّةٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ

بِهَا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِقِيمَتِهَا .

وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ مَسَائِلُ تَصِحُّ الدَّعْوَى فِيهَا بِالْمَجْهُولِ مِنْهَا الْإِقْرَارُ وَلَوْ بِنِكَاحٍ كَالْإِقْرَارِ بِهِ ، وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ تَحَرُّزًا عَنْ ضَيَاعِهَا ، وَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهْلَ فَكَذَا دَعْوَاهَا ، وَمِنْهَا فَرْضُ الْمُفَوَّضَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْبَيَانُ ، وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ وَالْحُكُومَةُ وَالرَّضْخُ وَخَطُّ الْكِتَابَةِ وَالْغُرَّةُ وَالْإِبْرَاءُ الْمَجْهُولُ فِي إبِلِ الدِّيَةِ ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ فِيهَا .
وَمِنْهَا حَقُّ مَمَرٍّ أَوْ إجْرَاءُ الْمَاءِ فِي أَرْضٍ جُدِّدَتْ اكْتِفَاءً بِتَحْدِيدِ الْأَرْضِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي .
وَمِنْهَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهَا .
فَرْعٌ : لَوْ أَحْضَرَ وَرَقَةً فِيهَا دَعْوَاهُ ، ثُمَّ ادَّعَى مَا فِي الْوَرَقَةِ ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِمَا مَرَّ هَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ إذَا قَرَأَهُ الْقَاضِي أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ .

أَوْ نِكَاحًا لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْأَصَحِّ ، بَلْ يَقُولُ نَكَحْتُهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا إنْ كَانَ يُشْتَرَطُ .

وَالشَّرْطُ الثَّانِي الْمَذْكُورُ هُنَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى .
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تَلْزَمُهُ ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ هِبَةً أَوْ بَيْعًا أَوْ دَيْنًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا الْغَرَضُ مِنْهُ تَحْصِيلُ الْحَقِّ فَلْيَذْكُرْ فِي دَعْوَاهُ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ كَأَنْ يَقُولَ : وَيَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ أَوْ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْأَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ الْوَاهِبُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ مَنْ عَلَيْهِ مُفْلِسًا ، وَلَوْ قَصَدَ بِالدَّعْوَى رَفْعَ الْمُنَازَعَةِ لَا تَحْصِيلَ الْحَقِّ ، فَقَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِي ، وَهُوَ يَمْنَعْنِيهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هِيَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ ( أَوْ ) لَمْ يَدَّعِ دَيْنًا وَلَا عَيْنًا ، بَلْ ادَّعَى ( نِكَاحًا لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ ) فِيهِ ( عَلَى الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ( بَلْ ) يُقَيَّدُ ذَلِكَ ، وَحِينَئِذٍ ( يَقُولُ نَكَحْتُهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْعَدَالَةِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِوَلِيٍّ عَدْلٍ ، لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ مَنْ دَخَلَ فِي الرُّشْدِ أَيْ صَلُحَ لِلْوِلَايَةِ ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ الْعَدْلِ وَالْمَسْتُورِ وَالْفَاسِقِ إذَا قُلْنَا يَلِي : أَيْ أَوْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بِالشَّوْكَةِ ( وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ وَشَاهِدَيْنِ بِغَيْرِ وَصْفِهِمَا بِالْعَدَالَةِ ، فَقَدْ ذَكَرُوا فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ نِكَاحُ عَقْدٍ بِمَسْتُورَيْنِ إلَى حَاكِمٍ لَمْ يُنْقَضْ .
نَعَمْ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ احْتَاجَ الْحَاكِمُ إلَى التَّزْكِيَةِ ( وَرِضَاهَا إنْ كَانَ يُشْتَرَطُ ) بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِآدَمِيٍّ ، وَإِذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ فَاحْتِيطَ فِيهِ .
وَالثَّانِي : يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِ كَالْمَالِ ، وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ

انْتِفَاءُ ذِكْرِ الْمَوَانِعِ كَالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الشُّرُوطَ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا لِيَصِحَّ الْعَقْدُ ، وَالْمَوَانِعُ يُعْتَبَرُ عَدَمُهَا ، وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ فَاكْتَفَى بِهِ ، وَلِأَنَّهَا كَثِيرَةٌ يَعْسُرُ ضَبْطُهَا .

فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ ذِكْرِ الْعَجْزِ عَنْ طَوْلٍ وَخَوْفِ عَنَتٍ ، أَوْ عَقْدًا مَالِيًّا كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ فِي الْأَصَحِّ .

تَنْبِيهٌ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ ، فَيَكْفِي فِي الدَّعْوَى بِهَا أَنْ يَقُولَ : هَذِهِ زَوْجَتِي ، وَإِنْ ادَّعَى اسْتِمْرَارَ نِكَاحِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ مَا يَقْتَضِي تَقْرِيرُهُ حِينَئِذٍ ، وَلَا بُدَّ فِيمَا إذَا كَانَ سَفِيهًا أَوْ عَبْدًا مِنْ قَوْلِهِ نَكَحْتُهَا بِإِذْنِ وَلِيِّي أَوْ مَالِكِي ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ ، وَالدَّعْوَى تَكُونُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى وَلِيِّهَا الْمُجْبِرِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِمَا بِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا عَنْ تَصْحِيحِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لِلزَّوْجِ لَا لَهَا ، ثُمَّ قَالَ : لَكِنَّ الْأَئِمَّةَ جَانِحُونَ إلَى تَرْجِيحِ السَّمَاعِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِذَا ادَّعَتْ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ وَعَدَمِهِ مَا فِي اشْتِرَاطِهِ فِي دَعْوَى الزَّوْجِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلٌ فِي إقْرَارِهَا بِنِكَاحٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ ، وَيُشْتَرَطُ تَفْصِيلُ الشُّهُودِ بِالنِّكَاحِ تَبَعًا لِلدَّعْوَى .
وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُمْ : وَلَا نَعْلَمُهُ فَارَقَهَا ، وَهِيَ إِلَى الْيَوْمِ زَوْجَتُهُ ( فَإِنْ كَانَتْ ) تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْمُدَّعِي نِكَاحَهَا ( أَمَةً ) أَوْ مُبَعَّضَةً وَالزَّوْجُ حُرٌّ ( فَالْأَصَحُّ ) يَجِبُ مَعَ مَا سَبَقَ ( وُجُوبُ ذِكْرِ الْعَجْزِ عَنْ طَوْلٍ ) أَيْ مَهْرٍ يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً ( وَ ) وُجُوبُ ذِكْرِ ( خَوْفِ عَنَتٍ ) أَيْ الزِّنَا الْمُشْتَرَطَيْنِ فِي جَوَازِ نِكَاحِ مَنْ بِهَا رِقٌّ ؛ لِأَنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا كَالدِّمَاءِ ، وَقِيَاسُ هَذَا وُجُوبُ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي الشُّرُوطِ مِنْ كَوْنِهِ لَا حُرَّةً تَحْتَهُ تَصْلُحُ ، وَكَوْنِ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَالثَّانِي : لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْمَوَانِعِ ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ ( أَوْ ) لَمْ يَدَّعِ نِكَاحًا ، بَلْ ادَّعَى ( عَقْدًا مَالِيًّا ) ( كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ ) لَمْ يُشْتَرَطْ

تَفْصِيلٌ ، وَ ( كَفَى الْإِطْلَاقُ فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ بِخِلَافِهِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ كَالنِّكَاحِ .
وَالثَّالِثُ : إنْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِجَارِيَةٍ وَجَبَ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّقْيِيدُ بِالصِّحَّةِ ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْوَسِيطِ اشْتِرَاطُهُ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ بُيُوعِ الْكُفَّارِ فَإِذَا تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً وَتَقَايَضُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ بِإِلْزَامِ حَاكِمِهِمْ فَإِنَّا نُمْضِيهَا عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْجِزْيَةِ ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى ذِكْرِ الشُّرُوطِ .

وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ الْمُدَّعِي عَلَى خَصْمِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ وَلَا مُعَامَلَةٌ ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ فَتَصِحُّ دَعْوَى دَنِيءٍ عَلَى شَرِيفٍ وَإِنْ شَهِدَتْ قَرَائِنُ الْحَالِ بِكَذِبِهِ كَأَنْ ادَّعَى ذِمِّيٌّ اسْتِئْجَارَ أَمِيرٍ أَوْ فَقِيهٍ لِعَلَفِ دَوَابِّهِ ، وَكَنْسِ بَيْتِهِ .

وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي ، فَإِنْ ادَّعَى أَدَاءً أَوْ إبْرَاءً أَوْ شِرَاءَ عَيْنٍ أَوْ هِبَتَهَا وَإِقْبَاضَهَا حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِهِ .

( وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ) بِحَقٍّ ( فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي ) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ مَا ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ حُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ ، بَلْ هُوَ كَالطَّعْنِ فِي الشُّهُودِ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ : الْأُولَى : إذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِعَيْنٍ لِشَخْصٍ ، وَقَالَتْ الْبَيِّنَةُ لَا نَعْلَمُهُ بَاعَهَا وَلَا وَهَبَهَا فَيَحْلِفُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : إنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ، ثُمَّ تُدْفَعُ إلَيْهِ الثَّانِيَةُ إذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِإِعْسَارِ الْمَدْيُونِ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ تَحْلِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي الْبَاطِنِ ( فَإِنْ ادَّعَى ) بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مُسْقِطًا لَهُ كَأَنْ ادَّعَى ( أَدَاءً ) لَهُ ( أَوْ إبْرَاءً ) مِنْهُ فِي الدَّيْنِ ( أَوْ شِرَاءَ عَيْنٍ ) مِنْ مُدَّعِيهَا ( أَوْ هِبَتَهَا وَإِقْبَاضَهَا ) مِنْهُ ( حَلَّفَهُ ) خَصْمُهُ ( عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ ، وَهُوَ أَنَّهُ مَا تَأَدَّى مِنْهُ الْحَقُّ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا بَاعَهُ الْعَيْنَ ، وَلَا وَهَبَهُ إيَّاهَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى حُدُوثَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ ، وَكَذَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِهِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى بَعْدَ الْحُكْمِ حُدُوثَهُ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْأَدَاءَ مَا لَوْ قَالَ الْأَجِيرُ عَلَى الْحَجِّ قَدْ حَجَجْت ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يَمِينٌ ، قَالَهُ الزَّبِيلِيُّ : قَالَ : كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَادَّعَتْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قُبِلَ مِنْهَا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَلَا يَمِينَ ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْإِبْرَاءَ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى ، لَكِنَّ

الْأَصَحَّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ نَفْسِ الدَّعْوَى لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَصْوِيرُ صُلْحٍ عَلَى إنْكَارٍ وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ عَلَى نَفْيِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ تَوْفِيَةَ الدَّيْنِ أَوَّلًا ، بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي ثُمَّ يَسْتَوْفِي وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ .

وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عِلْمَهُ بِفِسْقِ شَاهِدِهِ أَوْ كَذِبَهُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَكَذَا لَوْ ) ( ادَّعَى ) الْخَصْمُ ( عِلْمَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( بِفِسْقِ شَاهِدِهِ ) الَّذِي أَقَامَهُ ( أَوْ كَذِبَهُ ) فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَيْضًا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ .
وَالثَّانِي : لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ حَقًّا ، وَإِنَّمَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَمْرًا لَوْ ثَبَتَ لِنَفْعِهِ ، وَاحْتُرِزَ بِالْبَيِّنَةِ أَيْ فَقَطْ عَمَّا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي قَبْلَ ذَلِكَ إمَّا مَعَ شَاهِدٍ أَوْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ كَمَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ يُعَرِّضُ فِيهِ الْحَالِفُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْحَقَّ فَلَا يَحْلِفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ .

تَنْبِيهٌ : ذَكَرَ الْجِيلِيُّ فِي الْإِعْجَازِ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ : إذَا ادَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ مَالًا أَوْ قَتْلًا وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ يُحْكَمْ لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ مَعَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ إلَى الْآنِ ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ، وَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى امْرَأَةٍ وَطْئًا فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَفْيِ الْبَكَارَةِ فَيَحْلِفُ مَعَهَا لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْبَكَارَةِ ، وَإِذَا أَقَامَ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِمَالٍ ادَّعَاهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : احْلِفْ أَنَّك تَسْتَحِقُّ هَذَا الْمَالَ وَلَمْ يُكَذِّبْ الشُّهُودَ ، وَلَكِنْ قَالَ بَاطِنُهُ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْآنَ ، وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَالَ : أَرَدْتُ أَنَّهَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِي وَأَقَامَ بَيِّنَةً حَلَفَ مَعَهَا أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ ، وَإِذَا ادَّعَى الْوَدِيعُ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّبَبِ حَلَفَ عَلَى الْهَلَاكِ بِهِ ، وَفِي الْجِرَاحِ فِي الْعُضْوِ الْبَاطِنِ إذَا قَالَ : إنَّهُ كَانَ صَحِيحًا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً حَلَفَ مَعَهَا ، وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ حَلَفَ مَعَهَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ نَظَرٌ ، وَمِنْهَا مَا الْحَلِفُ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ لَا مُسْتَحَقٌّ ا هـ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَوْضِعِ السَّابِعِ وَبِالِاسْتِحْبَابِ إلَى الثَّامِنِ .

وَإِذَا اسْتَمْهَلَ لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
( وَإِذَا اسْتَمْهَلَ ) أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ( لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ ) فِيهَا اُسْتُفْسِرَ إنْ كَانَ جَاهِلًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مَا لَيْسَ بِدَافِعٍ دَافِعًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَارِفًا ، فَإِنْ عَيَّنَّ جِهَةً مِنْ نَحْوِ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ كَانَ عَارِفًا ( أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ لَا يَعْظُمُ الضَّرَرُ فِيهَا ، وَمُقِيمُ الْبَيِّنَةِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا لِلْفَحْصِ عَنْ الشُّهُودِ ، وَلَوْ أَحْضَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِ الشُّهُودَ وَلَمْ يَعْدِلُوا أُمْهِلَ ثَلَاثًا لِلتَّعْدِيلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِظْهَارٌ لِبَيِّنَةٍ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمُدَّةِ لَمْ يُمْهَلْ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، وَلَوْ حَضَرَ فِي الثَّلَاثِ بِشَاهِدٍ وَاسْتُمْهِلَ بِالثَّانِي أُمْهِلَ ثَلَاثَةً مُسْتَقْبِلَةً كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْكِتَابَةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ وَأَرَادَ الْعَبْدُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أُمْهِلَ ثَلَاثًا .
قَالَ : وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَجْهَانِ .
ا هـ .
وَقِيَاسُ مَا هُنَا الْوُجُوبُ ، وَلَوْ عَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَحْوِ إبْرَاءٍ أَجَابَهُ إلَيْهِ لِتَيَسُّرِهِ فِي الْحَالِ ، وَلَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الدَّيْنِ أَوَّلًا .

وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ بَالِغٍ فَقَالَ : أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، أَوْ رِقَّ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، أَوْ فِي يَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْتِنَادَهَا إلَى الْتِقَاطٍ .

( وَلَوْ ) ( ادَّعَى رِقَّ بَالِغٍ ) عَاقِلٍ ( فَقَالَ : أَنَا حُرٌّ ) بِالْأَصَالَةِ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَسَبَقَ مِنْ مُدَّعِي رِقَّهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الرِّقِّ ظَاهِرًا كَاسْتِخْدَامٍ وَإِجَارَةٍ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِرِقٍّ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الرِّقِّ وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ حَالَةَ الْخُصُومَةِ بِرِقِّهِ وَقَالَ : إنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ ، أَوْ اعْتَمَدَ فِي اعْتِرَافِهِ بِهِ ظَاهِرَ الْيَدِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حُرٌّ ؛ أَيْ بِالْأَصَالَةِ كَمَا مَرَّ مَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقْتَنِي أَوْ أَعْتَقَنِي الَّذِي بَاعَنِي مِنْك أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَمَا لَوْ قَالَ : أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَالْمُصَدَّقُ السَّيِّدُ لِاعْتِرَافِ الْعَبْدِ بِالرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ وَالْيَدُ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الدَّعَاوَى تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ أَنَّ بَيِّنَةَ الرِّقِّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُوَ إثْبَاتُ الرِّقِّ ، وَنَقَلَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى ( أَوْ ) ادَّعَى ( رِقَّ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ ) ( لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْبَالِغَ كَالصَّغِيرِ ، وَلَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَصَدَّقَهُ صَاحِبُ الْيَدِ كَفَى تَصْدِيقُهُ مَعَ حَلِفِ الْمُدَّعِي ( أَوْ ) ادَّعَى رِقَّ صَغِيرٍ ( فِي يَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ ) بَعْدَ حَلِفِهِ ( إنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْتِنَادَهَا ) أَيْ يَدَ الْمُدَّعِي ( إلَى الْتِقَاطٍ ) كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ فِي دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ ، وَإِنَّمَا حَلَفَ لِخَطَرِ شَأْنِ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَا أَثَرَ لِإِنْكَارِهِ إذَا بَلَغَ بِهِ بَلْ

يَسْتَمِرُّ الرِّقُّ ، فَإِنْ اسْتَنَدَتْ إلَى الْتِقَاطٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذَكَرَهَا فِي اللَّقِيطِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ .

فَلَوْ أَنْكَرَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَإِنْكَارُهُ لَغْوٌ ، وَقِيلَ كَبَالِغٍ .
( فَلَوْ ) ( أَنْكَرَ الصَّغِيرُ ) الرِّقَّ ( وَهُوَ مُمَيِّزٌ ) ( فَإِنْكَارُهُ لَغْوٌ ) ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ ( وَقِيلَ ) إنْكَارُهُ ( كَبَالِغٍ ) فِي إنْكَارِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِرِقِّهِ لِمُدَّعِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الِاسْتِنَادِ لَمْ يُؤَثِّرْ .

وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى ) بِحَالٍ عَلَى مَنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعِي بِإِعْسَارِهِ ، وَلَا دَعْوَى ( دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ ) وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلْزَامٌ وَمُطَالَبَةٌ فِي الْحَالِ فَيَفُوتُ نِظَامُ الدَّعْوَى .
وَالثَّانِي : تُسْمَعُ مُطْلَقًا لِيَثْبُتَ فِي الْحَالِ وَيُطَالِبَ بِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَقَدْ يَمُوتُ مَنْ عَلَيْهِ فَتَتَعَجَّلُ الْمُطَالَبَةُ .
وَالثَّالِثُ : إنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ ، وَإِلَّا فَلَا .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ صُوَرٌ : الْأُولَى : إذَا كَانَ بَعْضُ الدَّيْنِ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَإِنَّ الدَّعْوَى تَصِحُّ بِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ : وَيَدَّعِي بِجَمِيعِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمُطَالَبَةَ بِالْبَعْضِ وَيَكُونُ الْمُؤَجَّلُ تَبَعًا .
فَإِنْ قِيلَ : الدَّعْوَى بِذَلِكَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ إذَا كَانَ قَلِيلًا كَدِرْهَمٍ مِنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ يَبْعُدُ الِاسْتِتْبَاعُ فِيهِ ، وَبِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الدَّعْوَى لَمْ يُفِدْ ، وَإِنْ قَالَ : يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْأَلْفِ إلَيَّ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى وَكَانَ كَاذِبًا ، وَإِنْ فَصَّلَ وَبَيَّنَ كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ دَعْوَتَيْنِ فَأَيْنَ مَحَلُّ الِاسْتِتْبَاعِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِتْبَاعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْكَثِيرِ تَابِعًا لِلْقَلِيلِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ .
الثَّانِيَةُ : لَوْ كَانَ الْمُؤَجَّلُ فِي عَقْدٍ كَمُسْلِمٍ وَقَصَدَ بِدَعْوَاهُ بِهِ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُسْتَحَقٌّ فِي الْحَالِ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا .
الثَّالِثَةُ : إذَا ادَّعَى عَلَى الْقَاتِلِ بِقَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُوجِبُ دِيَةً مُؤَجَّلَةٍ ، فَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ تُسْمَعْ جَزْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لُزُومُهُ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَإِعْسَارِهِ آخِرَهُ ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ .

تَتِمَّةٌ : تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِاسْتِيلَادٍ وَتَدْبِيرٍ وَتَعَلُّقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلَوْ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ نَاجِزَةٌ وَجَوَابُ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ الْآنَ ، وَلَا يَجُوزُ إنْكَارُهُ اسْتِحْقَاقَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ كَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَدِّهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ خَصْمُهُ بِثَوْبٍ مَثَلًا وَادَّعَى تَلَفَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْنَعُ مِنْهُ بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ لَهُ عَلَى بَقَائِهِ وَطَالَبَهُ بِهِ .

[ فَصْلٌ ] أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى جُعِلَ كَمُنْكِرٍ نَاكِلٍ ، فَإِنْ ادَّعَى عَشَرَةً فَقَالَ لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ وَلَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَ وَلَا بَعْضُهَا ، وَكَذَا يَحْلِفُ ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَنَاكِلٌ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونَ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ وَيَأْخُذُهُ .

[ فَصْلٌ ] فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
إذَا ( أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى ) لِغَيْرِ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ ( جُعِلَ ) حُكْمُهُ ( كَمُنْكِرٍ ) لِلْمُدَّعَى بِهِ ( نَاكِلٍ ) عَنْ الْيَمِينِ ، وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي : أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا ، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِنَحْوِ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ شُرِحَ لَهُ ، ثُمَّ حَكَمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَسُكُوتُ الْأَخْرَسِ عَنْ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ لِلْجَوَابِ كَسُكُوتِ النَّاطِقِ ، وَمَنْ لَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةً كَالْغَائِبِ ، وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ أَصْلًا إنْ كَانَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ ، وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ ، فَلَوْ كَانَ الْبَصِيرُ الْأَصَمُّ أَوْ الْأَخْرَسُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ كَاتِبًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ كِتَابَتُهُ دَعْوَى وَجَوَابًا كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُصِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ ( فَإِنْ ادَّعَى ) عَلَيْهِ ( عَشَرَةً ) مَثَلًا ( فَقَالَ ) فِي جَوَابِهِ هِيَ عِنْدِي ، أَوْ لَيْسَ لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَذَاكَ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ قَالَ ( لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ وَلَمْ يَكْفِ ) ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ ( حَتَّى يَقُولَ ) مُضَافًا لِمَا سَبَقَ ( وَلَا بَعْضُهَا ، وَكَذَا يَحْلِفُ ) إنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْعَشَرَةِ مُدَّعٍ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا ، فَاشْتُرِطَ مُطَابَقَةُ الْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ دَعْوَاهُ ، وَقَوْلُهُ : لَا يَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ إنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِمَجْمُوعِهَا وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا ، فَقَدْ تَكُونُ عَشَرَةً إلَّا حَبَّةً ( فَإِنْ ) ( حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ ) فِي حَلِفِهِ ( عَلَيْهِ ) ( فَنَاكِلٌ ) عَمَّا دُونَ الْعَشَرَةِ ( فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونَ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ ) وَإِنْ قَلَّ ( وَيَأْخُذُهُ ) أَيْ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ دَعْوَى .
نَعَمْ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ

الْعَشَرَةِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْقَاضِي فِي تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَقُلْ : وَلَا شَيْءَ مِنْهَا فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مَا دُونَهَا إلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ دَعْوَى وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إنْ لَمْ يُسْنِدْ الْمُدَّعِي إلَى عَقِيدٍ ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَيْهِ كَأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا بِخَمْسِينَ كَفَاهُ نَفْيُ الْعَقْدِ بِهَا وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تَحْلِفْ هِيَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا بِدَعْوَى جَدِيدَةٍ لَا تُنَاقِضُ مَا ادَّعَتْهُ ، وَإِنْ ادَّعَى دَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي حَلِفِهِ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا كَفَاهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا فَأَنْكَرَ وَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ ، فَقَالَ : لَا أَحْلِفُ وَأُعْطِي الْمَالَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي قَبُولُهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَهُ تَحْلِيفُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ بَعْدَ هَذَا ، وَكَذَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : أَنَا أَبْذُلُ الْمَالَ لَهُ بِلَا يَمِينٍ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَقُولَ لَهُ الْحَاكِمُ : إمَّا أَنْ تُقِرَّ بِالْحَقِّ أَوْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ نُكُولِكَ .
قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُمَا .

وَإِذَا ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتكَ كَذَا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا ، أَوْ شُفْعَةً كَفَاهُ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا ، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الشِّقْصِ .
( وَإِذَا ) ( ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتكَ كَذَا ) ( كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ ) عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى ( لَا تَسْتَحِقُّ ) أَنْتَ ( عَلَيَّ شَيْئًا ) أَوْ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك ( أَوْ ) ادَّعَى ( شُفْعَةً ) ( كَفَاهُ ) فِي الْجَوَابِ ( لَا تَسْتَحِقُّ ) أَنْتَ ( عَلَيَّ شَيْئًا ، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ ) عَلَيَّ ( تَسْلِيمَ الشِّقْصِ ) وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ تِلْكَ الْجِهَةِ ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْإِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ ، وَعَرَضَ مَا أَسْقَطَ الْحَقَّ مِنْ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ ، فَلَوْ نَفَى السَّبَبَ كَذَبَ أَوْ اعْتَرَفَ وَادَّعَى الْمُسْقِطَ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ قَدْ يَعْجِزُ عَنْهَا فَقُبِلَ الْإِطْلَاقُ لِلضَّرُورَةِ ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي جَوَابِ دَعْوَى الشُّفْعَةِ ، وَقَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ : لَا يَعُدُّونَ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةً عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهَا كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ ، فَالْجَوَابُ الْمُعْتَبَرُ لَا شُفْعَةَ لَك عِنْدِي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شُفْعَةً ا هـ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ .

وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ أَنْتِ زَوْجَتِي .

وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ هَذَا ، فَإِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ لَهُ الْحَلِفُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً ، فَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ لَا يَلْزَمُنِي التَّسْلِيمُ ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّخْلِيَةُ ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُنْكِرَ الْإِيدَاعَ أَوْ يَقُولَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ رَدَدْتُهَا ( وَيَحْلِفُ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( عَلَى حَسَبِ ) بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا : أَيْ قَدْرِ ( جَوَابِهِ هَذَا ) أَوْ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ ، وَلَا يُكَلَّفُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِهِ ( فَإِنْ ) تَبَرَّعَ ، وَ ( أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ ) كَقَوْلِهِ فِي صُورَةِ الْقَرْضِ السَّابِقَةِ مَا أَقْرَضْتنِي كَذَا ( حَلَفَ عَلَيْهِ ) أَيْ نَفْيِ السَّبَبِ كَذَلِكَ لِيُطَابِقَ الْيَمِينُ الْإِنْكَارَ ( وَقِيلَ : لَهُ الْحَلِفُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ ) كَمَا لَوْ أَجَابَ بِهِ ، وَالْأَوَّلُ رَاعَى مُطَابَقَةَ الْيَمِينِ لِلْجَوَابِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَجَابَ بِالْإِطْلَاقِ لَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَوْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمُطْلَقِ جَازَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ .

وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرًى وَادَّعَاهُ مَالِكُهُ كَفَاهُ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ ، فَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ وَادَّعَى الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا إنْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ جَحْدَهُ الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ : إِن ادَّعَيْت مِلْكًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمٌ ، وَإِنْ ادَّعَيْتَ مَرْهُونًا فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ .

( وَلَوْ كَانَ ) ( بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرًى وَادَّعَاهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ( مَالِكُهُ ) أَوْ نَائِبُهُ ( كَفَاهُ ) فِي الْجَوَابِ ( لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ ) إلَيْكَ وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْمِلْكِ ( فَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ ) لِلْمُدَّعِي ( وَ ) لَكِنْ ( ادَّعَى ) بَعْدَهُ ( الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ ) وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي ( فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ) مِنْهُ ذَلِكَ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ ، وَالثَّانِي : يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِدُونِهَا ، لِأَنَّ الْيَدَ تُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا ) أَنَّهُ ( إنْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ ) لِلْمُدَّعِي ( جَحْدَهُ ) بِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ : أَيْ خَافَ أَنْ يَجْحَدَ الْمُدَّعِي ( الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَحِيلَتُهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَنْ يَقُولَ ) فِي الْجَوَابِ ( إنْ ادَّعَيْت ) عَلَيَّ ( مِلْكًا مُطْلَقًا ) عَنْ رَهْنٍ وَإِجَارَةٍ ( فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمٌ ) لِمَا ادَّعَيْتَهُ عَلَيَّ ( وَإِنْ ادَّعَيْتَ ) عَلَيَّ مِلْكًا ( مَرْهُونًا ) عِنْدِي أَوْ مُسْتَأْجَرًا ( فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ ) عَنْهُ ، وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ ، وَكَذَا يَقُولُ فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ ، وَعَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ وَخَافَ الرَّاهِنُ جُحُودَ الرَّهْنِ لَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّيْنِ قَالَ فِي الْجَوَابِ : إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا لِي عِنْدَكَ بِهَا رَهْنٌ هُوَ كَذَا فَاذْكُرْهُ حَتَّى .
أُجِيبَ ، وَإِنْ ادَّعَيْت أَلْفًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي .
تَنْبِيهٌ : لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ : أَوَّلًا بَعْدَ قَوْلِهِ بِالْمِلْكِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ تَعَلُّقَ أَوَّلًا بِ خَافَ ، وَلَا مَعْنَى لَهُ .

وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ : لَيْسَ هِيَ لِي ، أَوْ هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ ، أَوْ هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ ، أَوْ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، أَوْ مَسْجِدِ كَذَا ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ وَلَا تُنْزَعُ مِنْهُ بَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ .

( وَإِذَا ) ( ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا ) عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا ( فَقَالَ ) فِي الْجَوَابِ ( لَيْسَ هِيَ لِي ) مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُضِفْهَا ( أَوْ ) أَضَافَهَا لِمَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ وَ ( هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ ) أَوْ لَا أُسَمِّيهِ ( أَوْ ) لِمَعْلُومٍ لَا يُمْكِنُنِي مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ كَقَوْلِهِ : ( هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ ) أَوْ الْمَجْنُونِ مِلْكٌ لَهُ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَحْجُورِهِ كَانَ أَوْلَى ( أَوْ ) قَالَ هِيَ ( وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، أَوْ ) عَلَى ( مَسْجِدِ كَذَا ) وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ النَّاظِرُ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ ) عَنْهُ ( وَلَا تُنْزَعُ ) الْعَيْنُ ( مِنْهُ ) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْيَدِ لِلْمِلْكِ وَمَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ بِمُزِيلٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ ( بَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ ) لِلْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ ) بِهَا رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ الْمُدَّعِي وَتَثْبُتَ لَهُ الْعَيْنُ فِي الْأُولَتَيْنِ ، وَفِيمَا لَوْ أَضَافَهَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَالْبَدَلُ لِلْحَيْلُولَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ، وَالثَّانِي تَنْصَرِفُ عَنْهُ وَيَنْتَزِعُ الْحَاكِمُ الْعَيْنَ مِنْ يَدِهِ ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا أَخَذَهَا ، وَإِلَّا حَفِظَهَا إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ قَيْدٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَاَلَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ بَلْ يُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ ا هـ .
وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفَهُ ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ لِنَفْسِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْقَاضِي مُجَلِّي وَغَيْرِهِ .

وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ سُئِلَ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ ، وَقِيلَ : تُسَلَّمُ إلَى يَدِ الْمُدَّعِي ، وَقِيلَ يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ .
( وَإِنْ ) ( أَقَرَّ بِهِ ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ ( لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ ) بِالْبَلَدِ ( يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ ) ( سُئِلَ ) عَنْ ذَلِكَ ( فَإِنْ صَدَّقَهُ ) انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَ ( صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ ) أَيْ الْحَاضِرِ لِصَيْرُورَةِ الْيَدِ لَهُ ، وَالْخُصُومَةُ إنَّمَا تَدُورُ بَيْنَ مُتَنَازِعَيْنِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَوْلِهِ : يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ أَوْ يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ .
الثَّانِي : كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَهُوَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ تَنْصَرِفُ إلَى وَلِيِّهِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ : وَصَدَّقَهُ ، فَإِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ يُفْهِمُ انْصِرَافَهَا عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لِلْمُدَّعِي طَلَبُ يَمِينِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ الْبَدَلَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ( وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ ) كَمَا مَرَّ تَصْحِيحُهُ فِي كِتَابِهِ " الْإِقْرَارُ " وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِيُعِيدَ التَّصْرِيحَ بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ ( وَقِيلَ تُسَلَّمُ إلَى يَدِ الْمُدَّعِي ) إذْ لَا طَالِبَ لَهُ سِوَاهُ ( وَقِيلَ يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ ) لَهُ .

وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ فَالْأَصَحُّ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ عَنْهُ ، وَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا ، وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ ، فَيَحْلِفُ مَعَهَا ، وَقِيلَ عَلَى حَاضِرٍ .

( وَإِنْ ) ( أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ ) عَنْ الْبَلَدِ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِمِلْكِ الْمُدَّعِي بِهِ ( فَالْأَصَحُّ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ عَنْهُ ) إلَيْهِ لِمَا مَرَّ ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرَقَبَةِ الْمُدَّعَى بِهِ ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفُ فِي الْأَصَحِّ بَلْ لَهُ تَحْلِيفُهُ كَمَا مَرَّ ( وَيُوقَفُ الْأَمْرُ ) فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُدَّعَى بِهِ لِغَائِبٍ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ ( حَتَّى يَقْدَمَ ) ذَلِكَ ( الْغَائِبُ ) لِأَنَّ الْمَالَ بِظَاهِرِ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَائِبَ لَوْ قَدِمَ وَصَدَّقَ أَخَذَهُ ، وَالثَّانِي : لَا تَنْصَرِفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ ( فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى ) لَهُ ( بِهَا ) وَسُلِّمَتْ لَهُ الْعَيْنُ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُتَهَافِتٌ ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْأَمْرِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ سَالِمَةٌ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ يُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَيَقْضِي لَهُ ا هـ .
وَبِمَا قَدَّرْتُهُ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ ( وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَيَحْلِفُ ) الْمُدَّعِي ( مَعَهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ، وَقَالَا : إنَّهُ أَقْوَى وَأَلْيَقُ بِالْوَجْهِ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ( وَقِيلَ ) بَلْ هُوَ قَضَاءٌ ( عَلَى حَاضِرٍ ) إذْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ فَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ عَنْ تَرْجِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي

وَأَخَذَهُ .
ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ رُدَّ إلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْمُدَّعِي الْخُصُومَةَ مَعَهُ ، وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْغَائِبِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا إذَنْ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ إلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِوَكَالَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ لَا لِتَثْبُتَ الْعَيْنُ لِلْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ ، بَلْ لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ الْيَمِينُ وَتُهْمَةُ الْإِضَافَةِ إلَى الْغَائِبِ ، سَوَاءٌ تَعَرَّضَتْ بَيِّنَتُهُ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَا ، وَهَذِهِ الْخُصُومَةُ لِلْمُدَّعِي مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَلِلْمُدَّعِي مَعَ الْغَائِبِ خُصُومَةٌ أُخْرَى ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : هِيَ مَعِي رَهْنٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَإِجَارَةٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ بِلَا نِيَابَةٍ .
تَنْبِيهٌ : لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهَا وَإِنْ مَا أَقَرَّ بِهِ مَلَكَ الْمُقَرُّ لَهُ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لَهُ أَوْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ وَيُغَرِّمَهُ الْقِيمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ ، بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلثَّانِي ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالْعَيْنِ ثَانِيًا وَغَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ .
ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْعَيْنِ أَوْ حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُقِرِّ لَهُ رَدَّ الْقِيمَةَ وَأَخَذَ الْعَيْنَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْحَيْلُولَةِ ، وَقَدْ زَالَتْ .

فَرْعٌ : لَوْ ادَّعَى جَارِيَةً عَلَى مُنْكِرِهَا فَاسْتَحَقَّهَا بِحُجَّةٍ وَوَطِئَهَا وَأَوْلَدَهَا .
ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ مَا يَقُولُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْإِيلَادُ وَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ بِأَنْ وَافَقَتْهُ الْجَارِيَةُ عَلَى ذَلِكَ ، إذْ لَا يُرْفَعُ مَا حُكِمَ بِهِ بِرُجُوعٍ مُحْتَمَلٍ فَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ تَعْتَرِفْ هِيَ بِالزِّنَا وَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ إنْ نَقَصَتْ وَلَمْ يُوَلِّدْهَا ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ إنْ أَوْلَدَهَا وَلَا يَطَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، وَوَقَفَ وَلَاؤُهَا إنْ مَاتَ قَبْلَ شِرَائِهَا ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ وَحَلَفَ أَنَّهَا لَهُ وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَيَأْتِي فِيهَا جَمِيعُ مَا مَرَّ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ هُوَ فِي جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُرِّ ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَحُكْمُ جَوَابِ دَعْوَاهُ مَذْكُورٌ فِي قَاعِدَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ .

وَمَا قُبِلَ إقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجَوَابُ ، وَمَا لَا كَأَرْشٍ فَعَلَى السَّيِّدِ .

( وَ ) هِيَ ( مَا قُبِلَ إقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ ) لِآدَمِيٍّ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ ( فَالدَّعْوَى ) بِذَلِكَ ( عَلَيْهِ ، وَ ) كَذَا ( عَلَيْهِ ) أَيْضًا ( الْجَوَابُ ) لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي ذَلِكَ دُونَ السَّيِّدِ لِعَوْدِ أَثَرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِالْآدَمِيِّ عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَلَا يُطَالَبُ الْجَوَابُ كَمَا جَزَمَا بِهِ بَعْدُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَالِفِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِلْمُدَّعِي ، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ وَالْإِثْبَاتِ .
تَنْبِيهٌ : تَصِحُّ الدَّعْوَى أَيْضًا عَلَى الرَّقِيقِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةِ تِجَارَةٍ أَذِنَ فِيهَا سَيِّدُهُ .
وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ دَعْوَى قَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فِي مَحِلِّ لَوْثٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الرَّقِيقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُقْسِمُ ، وَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ ، صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ فِي كِتَابِ الْقَسَامَةِ ( وَمَا لَا ) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ ( كَأَرْشٍ ) لِتَعْيِيبٍ أَوْ إتْلَافٍ ( فَعَلَى السَّيِّدِ ) الدَّعْوَى بِهِ ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا جَوَابُهَا ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُهَا حَقُّ السَّيِّدِ فَإِقْرَارُ الرَّقِيقِ فِيهَا لَا يُقْبَلُ ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَفِي سَمَاعِهَا وَجْهَانِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالْوَجْهُ أَنَّهَا تُسْمَعُ لِإِثْبَاتِ الْأَرْشِ فِي الذِّمَّةِ لَا لِتَعَلُّقِهِ بِالرَّقَبَةِ .
قَالَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصْلَيْنِ ، يَعْنِي أَنَّ الْأَرْشَ الْمُتَعَلِّقَ بِالرَّقَبَةِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ أَيْضًا ، وَأَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ بِالْمُؤَجَّلِ .
قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْمُؤَجَّلِ ، وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ .
تَتِمَّةٌ : قَدْ تَكُونُ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الرَّقِيقِ وَسَيِّدِهِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ أَوْ الْمُكَاتَبَةِ ،

فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى التَّزْوِيجِ ، فَلَوْ أَقَرَّ سَيِّدُ الْمُكَاتَبَةِ بِالنِّكَاحِ حَلَفَتْ ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي حُكِمَ بِالزَّوْجِيَّةِ ، وَلَوْ أَقَرَّتْ فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ حَلَفَ السَّيِّدُ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحُكِمَ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُبَعَّضَةِ

[ فَصْلٌ ] تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ ، وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ ، وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ .

فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ ، وَفِي ضَابِطِ الْحَالِفِ ( تُغَلَّظُ ) نَدْبًا ( يَمِينُ مُدَّعٍ ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ( وَ ) تُغَلَّظُ نَدْبًا أَيْضًا يَمِينُ ( مُدَّعًى عَلَيْهِ ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ تَغْلِيظَهَا ( فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ ) كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ ، وَلِعَانٍ ، وَقَوَدٍ ، وَعِتْقٍ ، وَإِيلَادٍ ، وَوِصَايَةٍ ، وَوَكَالَةٍ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : التَّغْلِيظُ يَجْرِي فِي كُلِّ حَالَةٍ خَطَرٍ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْوِلَادَةُ وَالرَّضَاعُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَيَجْرِي فِيهَا التَّغْلِيظُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَبُولُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالنِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ لِقِلَّةِ خَطَرِهَا ، بَلْ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا غَالِبًا ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِهَذَا الْجَوَابِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ ، وَالْمَعْنَى فِي التَّغْلِيظِ أَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّعَدِّي ، فَشُرِعَ التَّغْلِيظُ مُبَالَغَةً وَتَأْكِيدًا لِلرَّدْعِ ، فَاخْتُصَّ بِمَا هُوَ مُتَأَكِّدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الْوَكَالَةِ ، وَقَالَ : التَّغْلِيظُ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ ، وَالْوَكَالَةُ فِي دِرْهَمٍ لَا تَزِيدُ عَلَى مِلْكِ الدِّرْهَمِ ، فَلَا يَبْعُدُ مَنْعُ التَّغْلِيظِ فِيهَا ، وَلَكِنْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ا هـ .
( وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ ) لَا فِيمَا دُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْمُوَاسَاةَ فِيهِ .
نَعَمْ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ إنْ رَآهُ لِجَرَاءَةٍ يَجِدُهَا فِي الْحَالِفِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّغْلِيظُ فِي أَيِّ نِصَابٍ كَانَ مِنْ نَعَمٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ وَذُرَةٍ

وَغَيْرِهِمَا لَا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً تَحْدِيدًا ، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ، وَالْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ قِيمَةً ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ اُعْتُبِرَ بِالذَّهَبِ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ مَا قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ، وَحُقُوقُ الْأَمْوَالِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَالٍ هُوَ نِصَابٌ غَلُظَ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا ، وَاحْتُجَّ لِلتَّغْلِيظِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ ، فَقَالَ : أَعَلَى دَمٍ ؟ فَقَالُوا : لَا ، فَقَالَ : أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي وَلَوْ مَعَ شَاهِدٍ كَمَا مَرَّ ، وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ التَّغْلِيظَ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَعَبْدٍ خَسِيسٍ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ ادَّعَى عَلَى سَيِّدِهِ عِتْقًا أَوْ كِتَابَةً فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، لَا عَلَى سَيِّدِهِ إذَا حَلَفَ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ مَالٍ قَلِيلٍ ، وَتُغَلَّظُ فِي الْوَقْفِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْخُلْعُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ وَحَلَفَتْ أَوْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ هُوَ فَلَا تَغْلِيظَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ وَحَلَفَ أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ هِيَ غُلِّظَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ قَصْدَهَا الْفِرَاقُ وَقَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ .
أَمَّا الْخُلْعُ بِالْكَثِيرِ فَتُغَلَّظُ فِيهِ مُطْلَقًا ، وَلَا تُغَلَّظُ عَلَى حَالِفٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا

مُغَلَّظَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ مُسْتَحَبٌّ وَلَوْ كَانَ حَلِفُهُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ النَّصِّ ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهِ بِالطَّلَاقِ ( وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ ) بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَحُضُورِ جَمْعٍ ( فِي ) أَثْنَاءِ كِتَابِ ( اللِّعَانِ ) لَكِنْ لَا يُغَلَّظُ هُنَا بِحُضُورِ جَمْعٍ كَمَا صَوَّبَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ انْحِصَارُ التَّغْلِيظِ فِيمَا سَبَقَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُنْدَبُ التَّغْلِيظُ بِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَيْضًا كَأَنْ يَقُولَ : وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ ، أَوْ بِاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى كَذَا قَالَاهُ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَوْقِيفٍ ، وَلَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي الطَّالِبِ الْغَالِبِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ أَسْمَاءِ الْمُفَاعَلَةِ الَّذِي غَلَبَهُ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ دُونَ الصِّفَةِ ، فَالْتَحَقَ بِالْأَفْعَالِ ، وَإِضَافَةُ الْأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْقِيفٍ ، وَلِذَلِكَ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْمِيدَاتِهِمْ وَتَمْجِيدَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْأَحْوَطُ اجْتِنَابُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْحَالِفِ { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } وَيُحْضَرَ الْمُصْحَفُ وَيُوضَعَ فِي حِجْرِ الْحَالِفِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُطَرِّفٌ قَاضِي صَنْعَاءَ يُحَلِّفَانِ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ ، وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ مِنْ الْأُمِّ : وَقَدْ كَانَ مِنْ حُكَّامِ

الْآفَاقِ مَنْ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْمُصْحَفِ ، وَذَلِكَ عِنْدِي حَسَنٌ ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : وَهَذَا التَّغْلِيظُ مُسْتَحَبٌّ .
هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا ، فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَقِ ، أَوْ نَصْرَانِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ، أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ .
قَالَ الدَّارِمِيُّ : وَلَا يُحَلِّفُهُمْ بِمَا يَجْهَلُ كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ كَذَا أَوْ أَنْزَلَ كَذَا لِرَسُولٍ وَكِتَابٍ لَا يَعْرِفُهُمَا ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرِيضُ الَّذِي بِهِ مَرَضٌ شَاقٌّ وَالزَّمِنُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ لِعُذْرِهِمْ ، وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامُ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِاسْتِحْلَافَ بِذَلِكَ .

وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ ، وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ إنْ كَانَ إثْبَاتًا ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ أَبْرَأَنِي حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ ، وَلَوْ قَالَ جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ .
قُلْتُ : وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَيَجُوزُ الْبَتُّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ ( وَيَحْلِفُ ) الشَّخْصُ ( عَلَى الْبَتِّ ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْجَزْمُ ( فِي فِعْلِهِ ) إثْبَاتًا كَانَ أَوْ نَفْيًا ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا ، فَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ وَاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا ، وَفِي النَّفْيِ وَاَللَّهِ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ الْفِعْلُ مِنْهُ فِي جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ سُكْرِهِ الطَّافِحِ وَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا ا هـ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَالِبِ ( وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ ) يَحْلِفُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الْبَتِّ ( إنْ كَانَ إثْبَاتًا ) كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ يُشْهَدُ بِهِ ( وَإِنْ كَانَ نَفْيًا ) مُطْلَقًا ( فَعَلَى ) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى ( نَفْيِ الْعِلْمِ ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فَيَقُولُ : وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ يُعْسَرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ذَلِكَ ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ اُعْتُدَّ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ مَا ذُكِرَ فِي النَّفْيِ الْمُطْلَقِ .
أَمَّا النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فَكَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِهِ كَمَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ فَيَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَصْرُ الْيَمِينِ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى تَحْقِيقِ مَوْجُودٍ لَا إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَنْكَرَ ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى

الْبَتِّ ا هـ .
قَالَ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ : وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ : كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَأُورِدَ عَلَى الضَّابِطِ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى تَلَفَ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَحْلِفْ ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمُودَعَ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ : الِاخْتِصَارُ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ : يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي كُلِّ يَمِينٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَاقِلَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِي الْقَاتِلَ ابْتِدَاءً ( وَلَوْ ) ( ادَّعَى ) عَلَى شَخْصٍ ( دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَبْرَأَنِي ) مُوَرِّثُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ ( حَلَفَ ) الْمُدَّعِي ( عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ ) مِمَّا ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَعَ قَوْلِهِ : أَبْرَأَنِي مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ .
قَالَا : وَكُلُّ مَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِلْعِلْمِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَحِلُّهُ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ دَعْوَى الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْحَوَالَةِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ ، ثُمَّ أَشَارَ لِاسْتِثْنَاءِ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى النَّفْيِ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ قَالَ ) فِي الدَّعْوَى عَلَى سَيِّدٍ بِمَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ ( جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا ) وَأَنْكَرَ ( فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( عَلَى الْبَتِّ ) ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلَهُ كَفِعْلِهِ وَلِذَلِكَ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ

فِي الْعَبْدِ الْعَاقِلِ ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا حَلَفَ السَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ كَالْبَهِيمَةِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ أَوْ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ السَّيِّدِ فِي كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ فَيَحْلِفُ قَطْعًا ( قُلْتُ : ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك ) عَلَى زَرْعِي مَثَلًا فَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا ( حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهَا وَضَمَانُ جِنَايَتِهَا بِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا ، وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحَالِفِ .
تَنْبِيهٌ : مَا أَطْلَقَهُ مِنْ حَلِفِ الْمَالِكِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهَا .
أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الدَّعْوَى وَالْيَمِينَ عَلَيْهِ دُونَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ : لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِ أَجِيرٍ فَالدَّعْوَى وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْقَطْعِ فَإِنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ الْيَقِينُ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( يَجُوزُ الْبَتُّ ) فِي الْحَلِفِ ( بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ ) فِيهِ الْحَالِفُ ( خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ ) مَثَلًا إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ ، وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الظَّنِّ ، وَيُقَالُ : لَا يَحْصُلُ الظَّنُّ إلَّا إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْحَلِفِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ، وَلَكِنْ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ حَتَّى يَتَذَكَّرَ .
قَالَ فِي التَّوْشِيحِ : وَقَدْ يُقَالُ لَا يُتَصَوَّرُ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَمْ

يَتَذَكَّرْ بِخِلَافِ خَطِّ الْأَبِ ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْحِصَارُ ذَلِكَ فِي خَطِّهِ وَخَطِّ أَبِيهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَلِهَذَا زِدْتُ مَثَلًا فِي كَلَامِهِ ، إذْ نُكُولُ خَصْمِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ ، فَلَوْ قَالَ : كَاعْتِمَادِ خَطِّهِ إلَخْ كَانَ أَوْلَى .

وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ ، فَلَوْ وَرَّى أَوْ تَأَوَّلَ خِلَافَهَا أَوْ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي لَمْ يَدْفَعْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ .

( وَتُعْتَبَرُ ) فِي الْحَلِفِ ( نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ ) لِلْخَصْمِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقَاضِي فِي مَذْهَبِهِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ { الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَحُمِلَ عَلَى الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِحْلَافِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ ، إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَقْصِدُ ، فَإِذَا ادَّعَى حَنَفِيٌّ عَلَى شَافِعِيٍّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَالْقَاضِي يَعْتَقِدُ إثْبَاتَهَا ، فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا عَلَيْهِ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ ، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْقَاضِي .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ : مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ بَدَلَ : الْقَاضِي لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَالْمُحَكَّمَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَحِلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُحِقًّا لِمَا نَوَاهُ ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقَاضِي ا هـ .
وَمُرَادُهُ بِالْمُحِقِّ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي ، فَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَحَكَمَ عَلَى شَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ، وَإِنَّهُ إنْ اُسْتُحْلِفَ فَحَلَفَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَثِمَ .
أَمَّا إذَا حَلَّفَهُ الْغَرِيمُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ أَوْ حَلَّفَهُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ طَلَبِهِ فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ هُوَ بِنَفْسِهِ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ( فَلَوْ ) ( وَرَّى ) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ قَصَدَ خِلَافَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عِنْدَ تَحْلِيفِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ كَقَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ ، فَدِرْهَمُ قَبِيلَةٍ وَدِينَارُ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ وَمَا لَهُ قِبَلِي ثَوْبٌ وَلَا شُفْعَةٌ وَلَا قَمِيصٌ فَالثَّوْبُ

الرُّجُوعُ وَالشُّفْعَةُ الْعَبْدُ وَالْقَمِيصُ غِشَاءُ الْقَلْبِ ( أَوْ تَأَوَّلَ ) بِأَنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ ( خِلَافَهَا ) أَيْ خِلَافَ نِيَّةِ الْقَاضِي كَحَنَفِيٍّ حَلَّفَ شَافِعِيًّا عَلَى شُفْعَةِ الْجِوَارِ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ ( أَوْ اسْتَثْنَى ) الْحَالِفُ كَقَوْلِهِ عَقِبَ يَمِينِهِ : إنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَوْ وَصَلَ بِاللَّفْظِ شَرْطًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ ( بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي ) ذَلِكَ ( لَمْ يَدْفَعْ ) مَا ذُكِرَ ( إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِيَهَابَ الْخَصْمُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَوْ صَحَّ تَأْوِيلُهُ لَبَطَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فِي اللُّغَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ تَصْوِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَاضِي ؟ إذْ لَا يُقَالُ : وَاَللَّهِ مَا أَتْلَفْت أَوْ مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَوْجِيهُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى عَقْدِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى تَنْعَقِدُ يَمِينِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
أَمَّا إذَا وَجَّهَهُ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالشَّرْطِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُ إثْمَ الْيَمِينِ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ لَحَلَفَ وَوَرَّى نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا حَيْثُ يُبْطِلُ بِهَا حَقَّ الْمُسْتَحِقِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ كَالْحَنَفِيِّ فَحَلَّفَهُ بِهِ نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ فِي بَابِ التَّوْرِيَةِ ا هـ .
وَنُوزِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ تَصْوِيرُهَا بِأَنْ يَرَى الْقَاضِي ذَلِكَ ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَنْ لَا يَرَاهُ ؛

لِأَنَّهُ قَالَ : لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُهُ بِالطَّلَاقِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ ا هـ .
فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ يَرَاهُ لَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُ .
الْأَمْرُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَكُونَ ظَالِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّ الظَّالِمَ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَيُنْكِرُ ، فَإِنْ اكْتَفَى بِالْيَمِينِ فَلْيَحْلِفْ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّوْرِيَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ ، وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْمُعْسِرِ فَقَالَ : لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ وَنَوَى بِالِاسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمَ الْآنَ صَحَّ تَأْوِيلُهُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِيَمِينِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ السَّابِقَةِ بَلْ خَصْمُهُ ظَالِمٌ بِمُطَالَبَتِهِ إنْ عَلِمَ ، وَمُخْطِئٌ إنْ جَهِلَ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ عَمَّا إذَا سَمِعَ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ وَيُعِيدُ الْيَمِينَ ، وَإِنْ وَصَلَ بِهَا كَلَامًا لَمْ يَفْهَمْهُ الْقَاضِي مَنَعَهُ وَأَعَادَ الْيَمِينَ ، فَإِنْ قَالَ : كُنْت أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى .
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ هَذَا وَقْتَهُ .

وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ فَأَنْكَرَ حُلِّفَ ، وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ ، وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ .

وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْحَلِفِ وَكَيْفِيَّتِهِ شَرَعَ فِي ضَابِطِ الْحَلِفِ بِقَوْلِهِ ( وَ ) كُلُّ ( مَنْ تَوَجَّهَتْ ) أَيْ وَجَبَتْ ( عَلَيْهِ يَمِينٌ ) بِأَنْ أُلْزِمَ بِهَا فِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ ( لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا ) أَيْ الدَّعْوَى ( لَزِمَهُ ) ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ ( فَأَنْكَرَ حُلِّفَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ لِخَبَرِ : { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ { الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : يَمِينٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ ، وَصَوَابُهُ دَعْوَى كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ ، وَقَوْلُهُ فَأَنْكَرَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى لَا بَعْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ ، وَقَدْ يَنْدَفِعُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ : وَتَعْبِيرُ الْمِنْهَاجِ صَحِيحٌ ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الدَّعْوَى إلَى الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْلُبُ الْيَمِينَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فِيمَا إذَا طَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَ الْمَقْذُوفِ أَوْ وَارِثِهِ : أَيْ الْمَطَالِبِ لَهُ أَنَّهُ مَا زَنَى ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى وَطَلَبَ الْيَمِينَ أَوْ طَلَبَهَا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى .
أُجِيبَ إلَى تَحْلِيفِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ، إذْ لَهُ غَرَضٌ فِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الزِّنَا حَتَّى لَا يَكُونَ قَاذِفًا ثَانِيًا ، لَكِنْ قَدْ يُحْتَاجُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِمَعْنَى طُلِبَتْ مِنْهُ .
قَالَ : لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ فَأَنْكَرَ غَيْرُ مُتَّضِحٍ ، فَإِنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى لَا بَعْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْكَارِ ا هـ .
ثُمَّ إنْ حَلَفَ الْمَقْذُوفُ أَوْ وَارِثُهُ حُدَّ الْقَاذِفُ ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْقَاذِفُ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا بِحَلِفِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الزِّنَا ، وَخَرَجَ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ نَائِبُ الْمَالِكِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ فَلَا

يَحْلِفُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي ضَابِطِ الْحَلِفِ بِأَنَّهُ كُلُّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ .
ثُمَّ حَكَى ضَابِطَ الْمَتْنِ بِقِيلَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ شَرْحٌ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا اضْطِرَابَ حِينَئِذٍ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ ضَابِطًا لِكُلِّ حَالِفٍ ، فَإِنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَا يَمِينُ الرَّدِّ وَلَا أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْحَالِفَ فِي جَوَابِ دَعْوَى أَصْلِيَّةٍ ، وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِاسْتِثْنَائِهِمْ مِنْهُ صُوَرًا كَثِيرَةً أَشَارَ فِي الْمَتْنِ لِبَعْضِهَا بِقَوْلِهِ ( وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ ) فِي حُكْمِهِ ( وَلَا ) يُحَلَّفُ ( شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ ) فِي شَهَادَتِهِ لِارْتِفَاعِ مَنْصِبِهِمَا عَنْ ذَلِكَ .
وَاحْتَرَزْتُ بِقَوْلِهِ فِي حُكْمِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ كَدَعْوَى مَالٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ ، وَيَحْكُمُ فِيهِ خَلِيفَتُهُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ .

وَلَوْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ : أَنَا صَبِيٌّ لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ حَتَّى يَبْلُغَ .

( وَلَوْ ) ( قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ : أَنَا صَبِيٌّ ) وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ ( لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ ) أَمْرُهُ فِي الْخُصُومَةِ ( حَتَّى يَبْلُغَ ) فَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ فِي وَقْتِ احْتِمَالِهِ قُبِلَ ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ يُثْبِتُ صِبَاهُ ، وَصِبَاهُ يُبْطِلُ حَلِفَهُ ، فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالُ تَحْلِيفِهِ .
نَعَمْ الْكَافِرُ الْمَسْبِيُّ الْمُنْبَتُ إذَا قَالَ تَعَجَّلْت الْعَانَةَ حَلَفَ وُجُوبًا فِي الْأَظْهَرِ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةٌ لِلْبُلُوغِ ، فَإِنْ نَكَلَ قُتِلَ وَلَوْ كَانَ الصِّبَا مِنْ غَيْرِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى لَهُ وَلِيُّهُ مَالًا ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ ادَّعَى لَهُ الْمَالَ بَالِغٌ فَلِلْوَلِيِّ طَلَبُ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ صَغِيرًا ، فَإِنْ نَكَلَ لَا يُحَلَّفُ الْوَلِيُّ عَلَى صِبَاهُ ، وَهَلْ يَحْلِفُ الصَّبِيُّ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَسِيرِ ، وَيُسْتَثْنَى مَعَ اسْتِثْنَاءِ الْمُصَنِّفِ مَسَائِلُ : مِنْهَا مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْمَرْأَةِ كَالدُّخُولِ فَادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، فَلَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وُقُوعَ ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ ، نَعَمْ إنْ ادَّعَتْ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهَا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّهُ .
وَمِنْهَا مَا إذَا ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ الْوَطْءَ وَأُمِّيَّةَ الْوَلَدِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْوَطْءِ ، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ ، وَصَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ التَّحْلِيفَ ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ ، وَصَوَّبَ السُّبْكِيُّ حَمْلَ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ ، فَإِنْ كَانَتْ لِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِيَمْتَنِعَ مِنْ بَيْعِهَا وَتُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَحْلِفُ .
قَالَ : وَقَدْ قَطَعُوا بِتَحْلِيفِ السَّيِّدِ إذَا أَنْكَرَ الْكِتَابَةَ ، وَكَذَا التَّدْبِيرُ إذَا قُلْنَا : إنَّ إنْكَارَهُ

لَيْسَ بِرُجُوعٍ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ طَالَبَ الْإِمَامُ السَّاعِيَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ .
فَقَالَ : لَمْ آخُذْ شَيْئًا لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لَزِمَهُ ، حَكَاهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَسَّمَ الْحَاكِمُ الْمَالَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ وَقَالَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ أَنْتَ تَعْلَمُ وُجُوبَ دَيْنِي وَطَلَبَ يَمِينَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ ، حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَمِنْهَا مَا لَوْ ادَّعَى مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ مُسْقِطًا لَمْ يَحْلِفْ إيجَابًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِ الدَّعْوَى لَزِمَهُ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا فَأَنْكَرَ أَنَّ مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ صُورَتَانِ : الْأُولَى : لَوْ ادَّعَى عَلَى مَنْ يَسْتَخْدِمُهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ إنْكَارِهِ الرِّقَّ لَمْ يُقْبَلْ ، لَكِنْ فَائِدَةُ التَّحْلِيفِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّوْقِيتِ مِنْ تَغْرِيمِ الْقِيمَةِ لَوْ نَكَلَ .
الثَّانِيَةُ : لَوْ جَرَى الْعَقْدُ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَحَالُفُهُمَا مَعَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ لَا يُقْبَلُ ، لَكِنْ فَائِدَتُهُ الْفَسْخُ .

وَالْيَمِينُ تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لَا بَرَاءَةً ، فَلَوْ حَلَّفَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً حَكَمَ بِهَا .

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ فَقَالَ ( وَالْيَمِينُ ) غَيْرُ الْمَرْدُودَةِ ( تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ ) وَعَدَمَ الْمُطَالَبَةِ ( فِي الْحَالِ ) وَ ( لَا ) تُفِيدُ ( بَرَاءَةً ) لِذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا بَعْدَ مَا حَلَفَ بِالْخُرُوجِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ كَذِبَهُ } كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةً ( فَلَوْ حَلَّفَهُ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( ثُمَّ أَقَامَ ) الْمُدَّعِي ( بَيِّنَةً ) بِمُدَّعَاهُ شَاهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَكَذَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَكَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ ( حَكَمَ بِهَا ) وَإِنْ نَفَاهَا الْمُدَّعِي حِينَ الْحَلِفِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْكُمَ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ } فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا لَا كِلَاهُمَا .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَصَرَ حَقَّهُ فِي النَّوْعَيْنِ أَيْ لَا ثَالِثَ لَهُمَا - وَأَمَّا مَنْعُ جَمْعِهِمَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَنَكَلَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِلتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِدَعْوَاهُ : بَيِّنَتِي كَاذِبَةٌ أَوْ مُبْطِلَةٌ سَقَطَتْ وَلَمْ تَبْطُلْ دَعْوَاهُ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَلِفَهُ يُفِيدُ الْبَرَاءَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فَإِنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ .

فَرْعٌ : لَوْ اشْتَمَلَتْ دَعْوَى عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْوَاعٍ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ .
أُجِيبَ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا يَمِينًا نُظِرَ ، إنْ فَرَّقَهَا فِي الدَّعْوَى أُجِيبَ ، وَإِلَّا فَلَا .
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ ) ( قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) الَّذِي طَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ ( قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً ) عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفِي ثَانِيًا ( فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي ) قَبْلَ ذَلِكَ ( مُكِّنَ ) مِنْ تَحْلِيفِهِ الْمُدَّعِيَ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ ، وَهَكَذَا فَيَدُورُ الْأَمْرُ وَلَا يَنْفَصِلُ ، وَأُجِيبَ بِعَدَمِ سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِي لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَخَلَّصَ مِنْ الْخُصُومَةِ ، فَلَوْ قَصَدَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الْأَصْلِ لَا يَمِينَ التَّحْلِيفِ الْمَرْدُودَةَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ فِي دَعْوَى أُخْرَى .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ : حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَطْلَقَ .
فَإِنْ قَالَ : حَلَّفَنِي عِنْدَكَ ، فَإِنْ حَفِظَ الْقَاضِي ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ وَمَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ طَلَبِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ حَلَّفَهُ وَلَا يَنْفَعُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى تَذَكَّرَ حُكْمَهُ أَمْضَاهُ ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ غَيْرَهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَسْتَفْسِرُهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحَلِّفُهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ خَصْمُهُ لَا يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ .

وَإِذَا نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقَضَى لَهُ وَلَا يَقْضِي بِنُكُولِهِ ، وَالنُّكُولُ أَنْ يَقُولَ : أَنَا نَاكِلٌ أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ فَيَقُولُ لَا أَحْلِفُ ، فَإِنْ سَكَتَ حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ ، وَقَوْلُهُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكِمَ بِنُكُولِهِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ النُّكُولِ وَحُكْمِهِ فَقَالَ ( وَإِذَا ) ( نَكَلَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ يَمِينٍ طُلِبَتْ مِنْهُ ( حَلَفَ الْمُدَّعِي ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ إلَيْهِ ( وَقَضَى لَهُ ) بِمُدَّعَاهُ ( وَلَا يَقْضِي بِنُكُولِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَقَالَ تَعَالَى : { أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } أَيْ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَيْمَانِ الْوَاجِبَةِ ، فَدَلَّ عَلَى نَقْلِ الْأَيْمَانِ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ ، الْمَعْنَى أَنَّ النُّكُولَ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزًا عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَلَا يَقْضِي مَعَ التَّرَدُّدِ .
فُرُوعٌ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَقَضَى لَهُ ، لَهُ تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ ، لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمُ التَّوَقُّفِ .
( وَالنُّكُولُ ) لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ نَكَلَ عَنْ الْعَدُوِّ وَعَنْ الْيَمِينِ جُبْنٌ .
وَشَرْعًا ( أَنْ يَقُولَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَيْهِ ( أَنَا نَاكِلٌ ) عَنْهَا ( أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ فَيَقُولُ : لَا أَحْلِفُ ) لِصَرَاحَتِهِمَا فِي الِامْتِنَاعِ فَيَرُدُّ الْيَمِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِالنُّكُولِ .
تَنْبِيهٌ : أُورِدَ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ النُّكُولُ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ : قُلْ بِاَللَّهِ فَقَالَ : بِالرَّحْمَنِ ، فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ نُكُولٌ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ قُلْ : بِاَللَّهِ .
فَقَالَ : وَاَللَّهِ ، أَوْ تَاللَّهِ فَهَلْ هُوَ نُكُولٌ كَالصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ نُكُولًا ، وَنَسَبَهُ لِلنَّصِّ ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ غَلَّظَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ وَامْتَنَعَ ،

وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ نُكُولًا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ بِذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا فَلَا يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُ نَاكِلًا .
وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي التَّغْلِيظِ اللَّفْظِيِّ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ نَاكِلٌ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهِ فِي الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ لَا اللَّفْظِيِّ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : قُلْ : تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فَقَالَ بِالْمُوَحَّدَةِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَفَّالِ : يَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَشْهَرُ ( فَإِنْ سَكَتَ ) بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لَا لِدَهْشَةٍ وَنَحْوِهَا ( حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ ) كَمَا أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الِابْتِدَاءِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ هُنَا لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْيَمِينِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالنُّكُولِ ، يُرَدُّ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي ، وَلِلْخَصْمِ الْعَوْدُ إلَى الْحَلِفِ بَعْدَ نُكُولِهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِنُكُولِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَنْزِيلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي وَالْحُكْمُ كَقَوْلِهِ : جَعَلْتُكَ نَاكِلًا ، أَوْ نَكَّلْتُكَ بِالتَّشْدِيدِ ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا سَكَتَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِالنُّكُولِ ، وَيُبَيِّنُ النُّكُولَ لِلْجَاهِلِ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ : إنْ نَكَلْت عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ مِنْكَ الْحَقَّ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَلْقِينِ الدَّعْوَى ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَكَمَ بِنُكُولِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ لِتَقْصِيرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْ حُكْمِ النُّكُولِ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ الْقَاضِي فِي صُورَةِ السُّكُوتِ ( لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكْمٌ بِنُكُولِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ .

وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ ، وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَمْ تُسْمَعْ .
( وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ ) بِرَدِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْقَاضِي ( فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ ) يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي ( وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ تَوَصَّلَ لِلْحَقِّ فَأَشْبَهَ إقْرَارَهُ ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ ( لَمْ تُسْمَعْ ) عَلَى الثَّانِي وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِإِقْرَارِهِ وَتُسْمَعُ عَلَى الْأَوَّلِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إبْرَاءٍ " أَنَّ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ فَقَطْ وَأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُسْمَعُ فِي الْعَيْنِ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا .

فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ ، وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
وَقِيلَ أَبَدًا ، وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ لَمْ يُمْهَلْ .
وَقِيلَ ثَلَاثَةً ، وَلَوْ اُسْتُمْهِلَ فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ .

( فَإِنْ ) ( لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي ) يَمِينَ الرَّدِّ ( وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ ) أَيْ لَمْ يُبْدِ عِلَّةً وَلَا عُذْرًا وَلَا طَلَبَ مُهْلَةٍ ( سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ ) الْمَرْدُودَةِ وَغَيْرِهَا لِإِعْرَاضِهِ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ ( وَلَيْسَ لَهُ ) فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ ( مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ ) إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً ، كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ ) أَوْ سُؤَالِ فَقِيهٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ أَوْ لَا ( أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ ) أَوْ بِأَنْ يَتَرَوَّى ( أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا إضْرَارٌ بِالْمُدَّعِي ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ ( وَقِيلَ ) يُمْهَلُ ( أَبَدًا ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يَشَاءَ كَالْبَيِّنَةِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ لَا تُسَاعِدُهُ وَلَا تَحْضُرُ وَالْيَمِينُ إلَيْهِ ، وَهَلْ هَذَا الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ ؟ وَجْهَانِ : وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ( وَإِنْ ) ( اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ ) ( لَمْ يُمْهَلْ ) إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي طَلَبِ حَقِّهِ وَتَأْخِيرِهِ ( وَقِيلَ : ) يُمْهَلُ ( ثَلَاثَةً ) مِنْ الْأَيَّامِ كَالْمُدَّعِي ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ عَمَّا لَوْ اُسْتُمْهِلَ لِيُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى دَافِعٍ مِنْ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةً كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ ( وَلَوْ اسْتَمْهَلَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ ( فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ ) لِيُرَاجِعَ حِسَابَهُ وَنَحْوَهُ ( أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ) .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي .
وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ فِي

التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي وَالْبَارِزِيِّ : إنْ شَاءَ الْقَاضِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَهُ التَّرْكُ بِالْكُلِّيَّةِ ، ثُمَّ يَحْلِفُ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى ، كَمَا لَوْ حَضَرَ مُوَكِّلُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى ، وَنُكُولُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ كَنُكُولِهِ عَنْ الْمَرْدُودَةِ ، فَإِنْ قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ : احْلِفْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ .

وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ أَوْ ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ .

ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسَائِلَ تُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ فَقَالَ : ( وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ ) فِي مَالٍ نَعَمٍ أَوْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ ( فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ ) ، ( أَوْ ) لَمْ يَدَّعِ دَفْعَهَا بَلْ ( ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ ) بَعْدَ الْتِزَامِهِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ ( وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ ) بِأَنْ لَمْ يَنْحَصِرْ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَلَا رَدَّ عَلَى السَّاعِي وَالسُّلْطَانِ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِ النِّصَابِ وَمُضِيِّ الْحَوْلِ الْوُجُوبُ ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ أَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ ، وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بِالنُّكُولِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاصِّ الثَّانِي : لَا ، إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ ، فَإِنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ وَمَنَعْنَا نَقْلَهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يَتَعَذَّرْ رَدُّ الْيَمِينِ .
أَمَّا إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُتَقَدِّمُ فِي بَابِ زَكَاةِ النَّبَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ .
تَنْبِيهٌ : كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى لَهُ حُكْمُ الزَّكَاةِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ .
قَالَ : وَمِنْهُ مَا لَوْ ادَّعَى وَلَدُ الْمُرْتَزِقَةِ الْبُلُوغَ بِالْإِنْزَالِ وَرَامَ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ فَالْأَصَحُّ تَحْلِيفُهُ ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُعْطَ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ : وَهُوَ قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ حُجَّتَهُ الْيَمِينُ وَلَمْ تُوجَدْ ، وَلَوْ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مِثَالِ الزَّكَاةِ إلَى مِثَالِ الْجِزْيَةِ ، وَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَ : أَسْلَمْتُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَقَالَ الْعَامِلُ : بَعْدَ تَمَامِهَا لَكَانَ التَّفْرِيعُ فِيهِ جَارِيًا عَلَى الْأَصَحِّ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَحْلِفُ إيجَابًا وَأَنَّهُ إذَا نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْقَاضِي

أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَجَدَهُ فِي تَذْكِرَتِهِ ، فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يُتْرَكَ ؟ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي ، وَهَكَذَا فِي الدَّعْوَى لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِي وَقْفٍ عَامٍّ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ .

وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ دَيْنًا لَهُ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ لَمْ يُحَلَّفْ الْوَلِيُّ .
وَقِيلَ : يُحَلِّفُ .
وَقِيلَ : إنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ حُلِّفَ .

ثُمَّ أَشَارَ لِمَا يُسْتَثْنَى مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ ) ( ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ ) أَوْ مَجْنُونٍ ( دَيْنًا ) مَثَلًا ( لَهُ ) عَلَى إنْسَانٍ ( فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ ) عَنْ الْحَلِفِ ( لَمْ يُحَلَّفْ الْوَلِيُّ ) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْحَقِّ لِغَيْرِ الْحَالِفِ بَعِيدٌ فَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِمَا جَرَى مَحْضَرًا وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ ( وَقِيلَ يُحَلَّفُ ) مُطْلَقًا مَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّبِيُّ أَوْ يُفِقْ الْمَجْنُونُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي ( وَقِيلَ : إنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ ) أَيْ ادَّعَى ثُبُوتَهُ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ( حُلِّفَ ) ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ا هـ .
وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِهِ ، وَهِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَقَامَ الْوَلِيُّ شَاهِدًا هَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ ، وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ فَأَنْكَرَ وَفِي قَيِّمِ مَسْجِدٍ أَوْ وَقْفٍ ادَّعَى شَيْئًا فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ وَنَكَلَ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْقَيِّمُ بِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ انْعَزَلْ وَأَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْقَيِّمَ قَبَضَهُ فَأَنْكَرَ حَلَفَ .
تَتِمَّةٌ : يَحْلِفُ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ لَهُ إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ وَيَقُولُ لَهُ : وَيَلْزَمُك التَّسْلِيمُ إلَى وَلِيٍّ وَلَا يَقُلْ إلَيَّ ، بِخِلَافِ وَلِيِّهِ فِي دَعْوَاهُ عَنْهُ ، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهَا بِالْمَالِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ ، وَالتَّجْوِيزُ مِنْ قَوْلِ الْبُوَيْطِيِّ لَا الشَّافِعِيِّ ، وَنُقِلَ الْمَنْعُ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .

[ فَصْلٌ ] ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدٍ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً سَقَطَتَا ، وَفِي قَوْلٍ تُسْتَعْمَلَانِ ، فَفِي قَوْلٍ يُقْسَمُ ، وَقَوْلٍ يُقْرَعُ ، وَ قَوْلٍ تُوقَفُ حَتَّى يَبِينَ أَوْ يَصْطَلِحَا ، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ ، وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا بَيِّنَةً وَهُوَ بَيِّنَةً قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ ، وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي ، وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ ، وَقِيلَ : لَا وَلَوْ قَالَ الْخَارِجُ : هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك ، فَقَالَ بَلْ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَ الْخَارِجُ .

فَصْلٌ ] فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ : إذَا ( ادَّعَيَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( عَيْنًا ) وَهِيَ ( فِي يَدٍ ثَالِثٍ ) وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهَا ( وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً ) بِهِمَا مُطْلَقَتَيْ التَّارِيخِ ، أَوْ مُتَّفِقَتَيْهِ ، أَوْ إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةٌ ( سَقَطَتَا ) لِتَنَاقُصِ مُوجِبَيْهِمَا فَأَشْبَهَ الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَلَا مُرَجِّحَ ، فَعَلَى هَذَا كَأَنْ لَا بَيِّنَةَ وَيُصَارُ إلَى التَّحَالُفِ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا ، فَإِنْ رَضِيَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِجَزْمِ الْإِمَامِ بِالْجَوَازِ وَإِنْ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ ( وَفِي قَوْلٍ تُسْتَعْمَلَانِ ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلَهُ : أَيْ الْبَيِّنَتَانِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، فَعَلَى هَذَا تُنْزَعُ الْعَيْنُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ ، لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ، ثُمَّ مَا يُفْعَلُ بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَقْوَالُ الْآتِيَةُ ( فَفِي قَوْلٍ يُقْسَمُ ) بَيْنَهُمَا : أَيْ يَكُونُ لِكُلٍّ نِصْفُهَا ( وَ ) فِي ( قَوْلٍ يُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا وَنُرَجِّحُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ( وَ ) فِي ( قَوْلٍ تُوقَفُ ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا ( حَتَّى يَبِينَ ) الْأَمْرُ فِيهَا ( أَوْ يَصْطَلِحَا ) عَلَى شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ أَشْكَلَ الْحَالُ فِيمَا يُرْجَى انْكِشَافُهُ فَيُوقَفُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ ، فَإِنَّهُ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ وَلَمْ يُرَجِّحْ الْمُصَنِّفُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِتَفْرِيعِهَا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ ، وَلَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي أَوَائِلِ التَّحَالُفِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ ، قَدْ يَخْرُجُ بِهِ تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي النَّسَبِ ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَجِيءُ الْقِسْمَةُ وَلَا الْوَقْفُ وَكَذَا الْقُرْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ ، قِيلَ : وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ

تَسْقُطُ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ إلَّا هَذَا ( وَلَوْ كَانَتْ ) أَيْ الْعَيْنُ الَّتِي ادَّعَاهَا اثْنَانِ ( فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) ( بَقِيَتْ ) فِي يَدِهِمَا ( كَمَا كَانَتْ ) أَوَّلًا تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَهُوَ التَّسَاقُطُ ، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ وَلَا يَجِيءُ الْوَقْفُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَفِي الْقُرْعَةِ وَجْهَانِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ أَنْ تَشْهَدَ كُلُّ بَيِّنَةٍ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ .
فَأَمَّا إذَا شَهِدَ بِالنِّصْفِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَالْبَيِّنَتَانِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحِلٍّ وَاحِدٍ ، فَلَا تَجِيءُ أَقْوَالُ التَّعَارُضِ ، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ كَمَا كَانَ لَا بِجِهَةِ التَّسَاقُطِ وَلَا بِجِهَةِ التَّرْجِيحِ بِالْيَدِ ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ السَّابِقُ مِنْهُمَا إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا لِلنِّصْفِ الَّذِي بِيَدِهِ لِيَقَعَ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ ، وَحَيْثُ لَا بَيِّنَةَ تَبْقَى فِي يَدِهِمَا أَيْضًا سَوَاءٌ أَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَمْ نَكَلَ ، وَلَوْ أَثْبَتَ أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى لَهُ بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِجَمِيعِهَا أَمْ بِالنِّصْفِ الَّذِي بِيَدِ الْآخَرِ ، وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ نَكَلَ صَاحِبُهُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ كَفَى الْآخَرَ يَمِينٌ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ ، وَصَوَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِعَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ مُلْقًى فِي طَرِيقٍ وَادَّعَيَاهَا ، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِمَا ( وَلَوْ كَانَتْ ) تِلْكَ الْعَيْنُ ( بِيَدِهِ ) أَيْ أَحَدِهِمَا وَيُسَمَّى الدَّاخِلُ ( فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا بَيِّنَةً وَ ) أَقَامَ ( هُوَ ) بِهَا ( بَيِّنَةً ) ( قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ ) أَيْ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ

وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ بِيَدِهِ كَالْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا قِيَاسٌ ، فَيَقْضِي لَهُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ شَاهِدَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : اقْتَضَى إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةِ صَاحِبِ الْيَدِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَإِرْثٍ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْدِيمِ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا لَقِيطًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ صَاحِبُ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ ، فَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا ( وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ ) أَيْ الدَّاخِلِ ( إلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي ) وَهُوَ الْخَارِجُ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ إقَامَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ تُسْمَعُ مَعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ تُعَدَّلْ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِتَعَرُّضِ يَدِهِ لِلزَّوَالِ ( وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ ) أَيْ الدَّاخِلِ عَنْ الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ ( بِبَيِّنَةٍ ) أَقَامَهَا الْخَارِجُ وَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي بِهَا ( ثُمَّ أَقَامَ ) الدَّاخِلُ ( بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ ) لِلْعَيْنِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ ( مُسْتَنِدًا ) فِي الْغَايَةِ ( إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ ) مَعَ اسْتِدَامَتِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى ( وَاعْتَذَرَ ) عَنْ ذَلِكَ ( بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ ) مَثَلًا ( سُمِعَتْ ) بَيِّنَتُهُ ( وَقُدِّمَتْ ) عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ ، فَإِذَا ظَهَرَتْ حُكِمَ بِهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَسْتَنِدْ بَيِّنَتُهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ بِمَا ذُكِرَ أَوْ نَحْوِهِ ، فَلَا تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ ( وَقِيلَ : لَا ) تُسْمَعُ فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ

قَالَ : أَشْكَلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً لِمَا فِيهَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَتَرَدَّدَ فِيهَا جَوَابِي ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ ( وَلَوْ ) أَطْلَقَ الدَّاخِلُ دَعْوَى الْمِلْكِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَ ( قَالَ ) أَيْ قَيَّدَ ( الْخَارِجُ ) الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ ( هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك ، فَقَالَ ) الدَّاخِلُ ( بَلْ ) هُوَ ( مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) بِذَلِكَ ( قُدِّمَ الْخَارِجُ ) أَيْ بَيِّنَتُهُ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِالِانْتِقَالِ ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ الدَّاخِلُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ أَجَّرَهُ لَهُ وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَكْسُ الْمَتْنِ ، وَهُوَ لَوْ قَالَ الدَّاخِلُ : هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً قُدِّمَ الدَّاخِلُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْخَارِجُ هُوَ مِلْكِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي ، وَقَالَ الدَّاخِلُ : هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ أَبِيكَ .
فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ : اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَخَفِيَ التَّارِيخُ قُدِّمَ الدَّاخِلُ ، وَلَوْ تَدَاعَيَا بَعِيرًا لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ مَتَاعٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ بِيَمِينِهِ لِانْفِرَادِهِ بِالِانْتِفَاعِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَدَاعَيَا عَبْدًا لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ثَوْبٌ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ حَمْلِهِ عَلَى الْبَعِيرِ انْتِفَاعٌ بِهِ قَيَّدَهُ عَلَيْهِ ، وَالْمَنْفَعَةُ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ لِلْعَبْدِ لَا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَلَا يَدَ لَهُ ، وَلَوْ تَدَاعَيَا جَارِيَةً حَامِلًا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لِأَحَدِهِمَا .
قَالَ الْبَغَوِيّ : فَهِيَ لِصَاحِبِ الْحَمْلِ .

وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا ، وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ الِانْتِقَالِ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا لَا تُرَجِّحُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا رَجُلَانِ وَلِلْآخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ .

( وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا ( ثُمَّ ادَّعَاهُ ) لِنَفْسِهِ ( لَمْ تُسْمَعْ ) دَعْوَاهُ بِهِ ( إلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا ) مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَمْسِ بِشَيْءٍ يُطَالِبُ بِهِ الْيَوْمَ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقْرَارِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُسْتَصْحَبُ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الِانْتِقَالُ ، وَهَلْ يَكْفِي فِي دَعْوَى الِانْتِقَالِ أَنْ يَقُولَ : انْتَقَلَ إلَيَّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ ؟ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْفَقِيهِ الْمُوَافِقِ لِلْقَاضِي وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَخْبَارِ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : وَهَبْتُهُ لَهُ وَمِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِلُزُومِ الْهِبَةِ لِجَوَازِ اعْتِقَادِهِ لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَقْفٌ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ ( وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ ) قَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ ( ثُمَّ ادَّعَاهُ ) ( لَمْ يُشْتَرَطْ ) فِي دَعْوَاهُ ( ذِكْرُ الِانْتِقَالِ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَيْهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِهِ فَتُرَجَّحُ بِالْيَدِ السَّابِقَةِ كَمَا مَرَّ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ صُوَرِ قَوْلِهِ قَبْلُ : وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ إلَخْ ، فَلَوْ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا كَانَ أَوْلَى .
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالْإِقْرَارِ ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ إلَّا عَلَى التَّلَقِّي فِي الْحَالِ فَلَمْ يَتَسَلَّطْ أَثَرُهَا عَلَى الِاسْتِقْبَالِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ وَأُطْلِقَتْ .
أَمَّا لَوْ أَضَافَتْ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ كَبَيْعٍ أَوْ

هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ ، فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ ( وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَزِيَادَةَ وَصْفِهِمْ مِنْ وَرَعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( لَا تُرَجِّحُ ) بَيِّنَتَهُ ، بَلْ يَتَعَارَضَانِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقِ تَرْجِيحٍ كَالرِّوَايَةِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لِلشَّهَادَةِ نِصَابًا فَيُتَّبَعُ ، وَلَا ضَبْطَ فِي الرِّوَايَةِ فَيُعْمَلُ بِأَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ ( وَكَذَا لَوْ ) ( كَانَ لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ بَيِّنَةٌ هِيَ ( رَجُلَانِ وَلِلْآخَرِ ) بَيِّنَةٌ هِيَ ( رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) لَا يُرَجَّحُ الرَّجُلَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يُرَجَّحَانِ لِزِيَادَةِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِمَا ، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ بِهِمَا مَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ( فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ بِإِجْمَاعٍ ، وَفِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ خِلَافٌ .
وَالثَّانِي : يَتَعَادَلَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي الْمَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يَدٌ ، فَإِنْ كَانَ قُدِّمَ صَاحِبُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلِاعْتِضَادِ بِالْيَدِ الْمَحْسُوسَةِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَرْجِيحِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ .

وَلَوْ شَهِدَتْ لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ ، وَلِلْآخَرِ مِنْ أَكْثَرَ ، فَالْأَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ ، وَلِصَاحِبِهَا الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ .

( وَلَوْ ) ( شَهِدَتْ ) بَيِّنَةٌ ( لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ ) فِي عَيْنٍ ( مِنْ سَنَةٍ ) إلَى الْآنَ ( وَ ) بَيِّنَةٌ ( لِلْآخَرِ ) بِمِلْكٍ ( مِنْ أَكْثَرَ ) مِنْ سَنَةٍ إلَى الْآنَ كَسَنَتَيْنِ ( فَالْأَظْهَرُ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ ( تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ ) ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي وَقْتٍ لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ الْأُخْرَى وَفِي وَقْتٍ تُعَارِضُهَا فِيهِ الْأُخْرَى فَيَتَسَاقَطَانِ فِي مَحِلِّ التَّعَارُضِ ، وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا فِيمَا قَبْلَ مَحِلِّ التَّعَارُضِ ، وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ .
وَالثَّانِي : لَا تَرْجِيحَ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الشَّهَادَةِ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدٍ مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ رُجِّحَ قَطْعًا أَوْ فِي يَدٍ مُتَأَخِّرَةَ التَّارِيخِ فَسَيَأْتِي ، وَصَوَّرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا شَهِدَا مَعَ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ لَا تُسْمَعُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تُرَجَّحَ ( وَ ) عَلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ يَكُونُ ( لِصَاحِبِهَا الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ ) أَيْ يَوْمِ مِلْكِهِ بِالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأُجْرَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ ، وَلَوْ أَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا الْمِلْكَ وَبَيَّنَتْ الْأُخْرَى سَبَبَهُ ، أَوْ أَنَّ الثَّمَرَةَ مِنْ شَجَرَةٍ ، أَوْ الْحِنْطَةَ مِنْ بَذْرِهِ قُدِّمَتْ عَلَى الْمُطْلَقَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا وَلِإِثْبَاتِهَا ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ لِصَاحِبِهَا .
وَمَحِلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ يَدٍ وَإِلَّا فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ .

وَلَوْ أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ وَأَرَّخَتْ أُخْرَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ قُدِّمَ ، وَ أَنَّهَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يَقُولُوا وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ أَوْ وَلَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ .

( وَلَوْ ) ( أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ ) شَهَادَتَهَا مِنْ تَارِيخٍ ( وَأَرَّخَتْ ) أَيْ قَيَّدَتْ ( أُخْرَى ) شَهَادَتَهَا مِمَّا أُرِّخَتْ بِهِ الْمُوَرَّخَةُ .
وَقِيلَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تُقَدَّمُ الْمُؤَرَّخَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ .
قَالَ : الْأَوَّلُ ، لَكِنَّهَا لَا تَنْفِيهِ ، وَفِي الشَّرْحِ حِكَايَةُ طَرِيقَيْنِ طَارِدٌ لِلْقَوْلَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ، وَقَاطِعٌ بِالتَّسْوِيَةِ ، وَكَيْفَ فُرِضَ ؟ فَالظَّاهِرُ التَّسْوِيَةُ ا هـ .
وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْحَقِّ وَالْأُخْرَى بِالْإِبْرَاءِ وَأَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا وَأَرَّخَتْ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ كَمَا قَالَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ ( وَ ) الْمَذْهَبُ كَمَا يُشْعِرُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ ( أَنَّهُ لَوْ ) ( كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ قُدِّمَ ) عَلَى صَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ لِتَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ حَالًّا فَتَتَسَاقَطَانِ فِيهِ وَيَبْقَى مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْيَدُ وَمِنْ الْأُخْرَى الْمِلْكُ السَّابِقُ ، وَالْيَدُ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ ، وَلِهَذَا لَا تُزَالُ بِهِ الْيَدُ .
وَالثَّانِي : يُرَجَّحُ السَّبْقُ .
وَالثَّالِثُ : يَتَسَاقَطَانِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْأَوَّلِ ، وَبِهِ يَتِمُّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ ؛ فَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَذْهَبِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَدُ لِصَاحِبِ مُتَقَدِّمَةِ التَّارِيخِ قُدِّمَ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ شَاهِدَةً بِوَقْفٍ وَالْمُتَأَخِّرَةُ الَّتِي مَعَهَا يَدٌ شَاهِدَةً بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ ، وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْيَدَ عَادِيَةٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِهَا عَلَى بَيْعٍ صَدَرَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ ، فَهُنَاكَ يُقَدَّمُ

الْعَمَلُ بِالْوَقْفِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ ، وَيُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةٍ بِمِلْكٍ سَابِقٍ أَنْ تَسْتَصْحِبَهُ إلَى الْحَالِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَ ) الْمَذْهَبُ ( أَنَّهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةَ ( لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ ) بِكَسْرِ السِّينِ ، أَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِ الشَّهْرِ الْمَاضِي مَثَلًا ( وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ ) تِلْكَ الشَّهَادَةُ ( حَتَّى يَقُولُوا ) مَعَ ذَلِكَ ( وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ ، أَوْ ) يَقُولُوا ( وَلَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ ) أَيْ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ السَّابِقِ لَا تُسْمَعُ فَكَذَا الْبَيِّنَةُ ، وَ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ لَهُ بِمَا لَمْ يَدَّعِهِ ، وَفِي قَوْلٍ تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ وَيَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ أَمْسِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ السَّمَاعِ مَسَائِلُ : الْأُولَى : مَا لَوْ ادَّعَى رِقَّ شَخْصٍ بِيَدِهِ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَذِكْرُ الْمِلْكِ السَّابِقِ وَقَعَ تَبَعًا .
الثَّانِيَةُ : مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ وَضَعَتْهُ أَمَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَذِهِ الثَّمَرَةُ أَثْمَرَتْهَا نَخْلَتُهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِلْكِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فِي الْحَالِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ .
ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ هُوَ كَالْبَيِّنَةِ بِالْمِلْكِ .
الثَّالِثَةُ : إذَا شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ أَيْضًا وَذَكَرَ مَعَهُ مَا إذَا شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الطَّيْرَ مِنْ بَيْضِهِ وَالْآجُرَّ مِنْ طِينِهِ .
الرَّابِعَةُ : إذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ وَرِثَهَا .
قَالَ الْعِمْرَانِيُّ : حُكِمَ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَذَكَرَ أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَالْمُزَنِيَّ نَقَلَا ذَلِكَ .
الْخَامِسَةُ : إذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَمْسِ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ قُبِلَتْ .
السَّادِسَةُ : لَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ اشْتَرَاهَا الْمُدَّعِي مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَقُولُوا وَهِيَ الْآنَ مِلْكُ الْمُدَّعِي قُبِلَتْ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْجُمْهُورِ ، وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِمِلْكٍ أَصْلًا بَلْ شَهِدَتْ عَلَى حَاكِمٍ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ الْمِلْكُ .
قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ : كَعَادَةِ الْمَكَاتِيبِ فِي هَذَا الزَّمَانِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا ، وَيُحْتَمَلُ التَّوَقُّفُ .

وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الْآنَ اسْتِصْحَابًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا .
( وَتَجُوزُ ) ( الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الْآنَ ) ( اسْتِصْحَابًا لِمَا ) أَيْ لِحُكْمٍ ( سَبَقَ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا ) اعْتِمَادًا عَلَى الِاسْتِصْحَابِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ وَجَازَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ جَازَ زَوَالُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَمِدْ الِاسْتِصْحَابَ لَعَسِرَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَمْلَاكِ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَنُ ، هَذَا إذَا أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ ، فَإِنْ صَرَّحَ فِي شَهَادَتِهِ بِاعْتِمَادِ الِاسْتِصْحَابِ لَمْ يُقْبَلْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : يُقْبَلُ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِ الِاسْتِصْحَابِ تَرَدُّدٌ ، أَيْ وَكَلَامُ الْقَاضِي عَلَى خِلَافِهِ ، فَإِنْ قَالَا : لَا نَدْرِي هَلْ زَالَ أَوْ لَا ؟ لَمْ تُقْبَلْ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ مُرْتَابٍ بَعِيدَةٌ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ .

وَلَوْ شَهِدَتْ بِإِقْرَارِهِ أَمْسِ بِالْمِلْكِ لَهُ اُسْتُدِيمَ .
( وَلَوْ ) ( شَهِدَتْ ) بَيِّنَةٌ ( بِإِقْرَارِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَمْسِ بِالْمِلْكِ لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( اُسْتُدِيمَ ) الْإِقْرَارُ أَيْ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى أَمْرٍ يَقِينِيٍّ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْخَصْمُ : كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ مِلْكَكَ أَمْسِ وَأَخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ فَتُنْزَعُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَمْسِ وَفَارَقَتْ مَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ أَمْسِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ ، وَالشَّاهِدُ بِالْمِلْكِ قَدْ يَتَسَاهَلُ وَيَعْتَمِدُ التَّخْمِينَ ، فَإِذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْجَزْمُ فِي الْحَالِ ضَعُفَ .
تَنْبِيهٌ : الْأَصْلُ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي الْمُطْلَقَةَ لَا تُوجِبُ قَبُولَ الْمِلْكِ لَهُ بَلْ تُظْهِرُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ سَابِقًا عَلَى إقَامَتِهَا ، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ السَّبْقُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ يَكْفِي لِصِدْقِ الشُّهُودِ لَحْظَةً لَطِيفَةً ؛ لِأَنَّ هَذَا تَقَدُّمٌ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ وَالنِّتَاجَ الْحَاصِلَيْنِ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ كَمَا قَالَ .

وَلَوْ أَقَامَهَا بِالْمِلْكِ دَابَّةً أَوْ شَجَرَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً ، وَلَا وَلَدًا مُنْفَصِلًا وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا فِي الْأَصَحِّ
( وَلَوْ ) ( أَقَامَهَا بِالْمِلْكِ دَابَّةً أَوْ شَجَرَةً ) ( لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً ، وَلَا ) يَسْتَحِقُّ ( وَلَدًا مُنْفَصِلًا ) عِنْدَ الشَّهَادَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْمِلْكِ ، بَلْ يَبْقَيَانِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ وَالْوَلَدَ لَيْسَا مِنْ أَجْزَاءِ الدَّابَّةِ وَالشَّجَرَةِ ، وَلِذَلِكَ لَا يَتْبَعَانِهِمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ .
تَنْبِيهٌ : قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ بِأَنْ لَا تَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهَا مُؤَبَّرَةً فِي ثَمَرِ النَّخْلِ ، أَوْ بَارِزَةً فِي التِّينِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ اسْتَحَقَّهَا مُقِيمُ الْبَيِّنَةِ بِمِلْكِ الشَّجَرَةِ .
قَالَ : وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ شَاهِدٌ لِذَلِكَ ، وَبَسَطَ ذَلِكَ ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالظَّاهِرِ ( وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا ) مَوْجُودًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ ( فِي الْأَصَحِّ ) تَبَعًا لِلْأُمِّ وَإِنْ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ الْبَيِّنَةُ .
وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ بِوَصِيَّةٍ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَيِّنَةٍ مُطْلَقَةٍ ، فَإِنْ تَعَرَّضَتْ لِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ ادَّعَاهُ الْمَشْهُودُ لَهُ ، فَمَا يَحْصُلُ مِنْ النِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ لَهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى وَقْتِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ كَانَتْ شَهَادَةً بِالْأُسِّ لَا الْمَغْرَسِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ .

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ ، وَقِيلَ لَا إلَّا إذَا اُدُّعِيَ فِي مِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى الشِّرَاءِ .

( وَلَوْ ) ( اشْتَرَى ) شَخْصٌ ( شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ ) أَيْ غَيْرِ مُؤَرَّخَةٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لِسَبَبِ الْمِلْكِ ( رَجَعَ ) الشَّخْصُ ( عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ ) وَإِنْ اُحْتُمِلَ انْتِقَالُهُ مِنْهُ أَيْ الْمُدَّعِي لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي عُهْدَةِ الْعُقُودِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِهِ مِنْهُ إلَيْهِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الْمَشْهُودُ بِهِ إلَى مَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِبَقَاءِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ لِلْمُدَّعِي كَمَا تَقَرَّرَ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَصْلِ ( وَقِيلَ : لَا ) يَرْجِعُ ( إلَّا إذَا اُدُّعِيَ ) بِضَمِّ الدَّالِ بِخَطِّهِ ( فِي مِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى الشِّرَاءِ ) لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُدَّعِي ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ .
قَالَ : وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ جَامِعَةٌ لِأَمْرٍ مُحَالٍ ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ النِّتَاجَ وَالثَّمَرَةَ وَالزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ كُلَّهَا ، وَهُوَ قَضِيَّةُ صِحَّةِ الْبَيْعِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ فَسَادِ الْبَيْعِ ، وَهَذَا مُحَالٌ ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَرَّرَ .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : " مُطْلَقَةٍ " عَمَّا لَوْ اسْتَنَدَ الِاسْتِحْقَاقُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ فَيَرْجِعُ قَطْعًا ، وَمَحِلُّ الرُّجُوعِ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ أَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لَمْ يَرْجِعْ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَظْلُومٌ .
نَعَمْ لَوْ صَدَّقَهُ .
أَوْ قَالَ : هُوَ مِلْكِي عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ وَاعْتُمِدَ ظَاهِرُ الْيَدِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً بِعْنِي هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهَا مِلْكُكَ .
ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ

اشْتَرَى عَبْدًا فِي الظَّاهِرِ .
فَقَالَ : أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ وَحَلَفَ فَحُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ صَرَّحَ فِي مُنَازَعَتِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى بَائِعِهِ عَمَّا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَانْتُزِعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِبَائِعِهِ ، بَلْ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى بَائِعِهِ .

وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ مَعَ سَبَبِهِ لَمْ يَضُرَّ ، وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا ، وَهُمْ سَبَبًا آخَرَ ضَرَّ .
( وَلَوْ ) ( ادَّعَى ) شَخْصٌ ( مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ ) بِهِ ( مَعَ ) بَيَانِ ( سَبَبِهِ ) ( لَمْ يَضُرَّ ) مَا زَادُوهُ أَيْ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ ، وَلَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمِلْكُ ، وَقَدْ وَافَقَتْ فِيهِ الْبَيِّنَةُ الدَّعْوَى .
تَنْبِيهٌ : لَا تُقَدَّمُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بِذِكْرِ السَّبَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ مُرَجَّحٌ ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا السَّبَبَ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ وَالِاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَفَادَ الْمُدَّعِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ فَشَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ حِينَئِذٍ ( وَإِنْ ذَكَرَ ) الْمُدَّعِي ( سَبَبًا ) لِلْمِلْكِ ( وَهُمْ ) أَيْ الشُّهُودُ ذَكَرُوا ( سَبَبًا آخَرَ ) لِلْمِلْكِ ( ضَرَّ ) ذَلِكَ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ .
وَقِيلَ : لَا يَضُرُّ بَلْ يُقْبَلُ عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ وَيَلْغُو السَّبَبُ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُرَجَّحِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لَا بَلْ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ .

قَالَ آجَرْتُك هَذَا الْبَيْتَ بِعَشْرَةٍ ، فَقَالَ بَلْ جَمِيعَ الدَّارِ بِالْعَشَرَةِ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا ، وَفِي قَوْلٍ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ .

فَصْلٌ ] فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا ، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ : إذَا ( قَالَ ) وَاحِدٌ ( آجَرْتُك هَذَا الْبَيْتَ ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرَ كَذَا ( بِعَشْرَةٍ فَقَالَ ) الْآخَرُ ( بَلْ ) آجَرْتنِي ( جَمِيعَ الدَّارِ ) الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِ ( بِالْعَشَرَةِ وَأَقَامَا ) بِمَا قَالَاهُ ( بَيِّنَتَيْنِ ) وَأُطْلِقَتَا أَوْ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا ، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ ( تَعَارَضَتَا ) لِتَكَاذُبِهِمَا فَيَسْقُطَانِ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِعْمَالِ يُقْرَعُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَا تَأْتِي الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ هُنَا فِي الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَسَّمَ بِخِلَافِ الْمِلْكِ ، وَلَا الْوَقْفِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَفُوتُ فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ ( وَفِي قَوْلٍ ) مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ بِمَنْصُوصٍ ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ مُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ ( تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ ) لِاشْتِمَالِ بَيِّنَتِهِ عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ اكْتِرَاءُ غَيْرِ الْبَيْتِ ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُرَجَّحَةَ هِيَ الْمُشْعِرَةُ بِمَزِيدِ عِلْمٍ وَوُضُوحِ حَالِ أَحَدِ جَانِبَيْ مَا فِيهِ التَّنَافِي كَإِسْنَادٍ إلَى سَبَبٍ وَانْتِقَالٍ عَنْ اسْتِصْحَابٍ ، وَأَصْلُ الزِّيَادَةِ هُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ .
أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ كَأَنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ أَجَّرَ كَذَا سَنَةً مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ ، وَالْأُخْرَى مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ ، قُدِّمَ الْأَسْبَقُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ لَا مَحَالَةَ ، فَإِنَّهُ إنْ سَبَقَ الْعَقْدُ عَلَى الدَّارِ صَحَّ وَلَغَا الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الْبَيْتِ بَعْدُ ، وَإِنْ سَبَقَ الْعَقْدُ عَلَى الْبَيْتِ صَحَّ ، وَالْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الدَّارِ بَعْدَهُ يَبْطُلُ فِي الْبَيْتِ ، وَفِي بَاقِي الدَّارِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .

وَلَوْ ادَّعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَوَزَنَ لَهُ ثَمَنَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ حُكِمَ لِلْأَسْبَقِ ، وَإِلَّا تَعَارَضَتَا .
( وَلَوْ ) ( ادَّعَيَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ ( شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ ) أَنْكَرَهُمَا ( وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ ) مِنْ ذَلِكَ الثَّالِثِ ( وَوَزَنَ ) بِفَتْحِ الزَّايِ ( لَهُ ثَمَنَهُ ) وَطَالَبَ بِتَسْلِيمِ مَا اشْتَرَاهُ ذَا الْيَدِ ( فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ ) كَأَنْ شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي رَجَبٍ ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي شَعْبَانَ ( حُكِمَ لِلْأَسْبَقِ ) تَارِيخًا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ حَالَ السَّبْقِ وَيُطَالِبُهُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ .
تَنْبِيهٌ : وَزَنَ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِنَفْسِهِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أَوْ أُطْلِقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا ( تَعَارَضَتَا ) فَعَلَى الْأَصَحِّ يَتَسَاقَطَانِ وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا تَعَارُضَ فِي الثَّمَنَيْنِ فَيَلْزَمَانِهِ ، هَذَا إذَا لَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ ، فَإِنْ فُرِضَ التَّعَرُّضُ لَهُ فَلَا رُجُوعَ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ عُهْدَةُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ ، وَمَنْ شَهِدَ لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي الْآنَ أَوْ بِنَقْدِ الثَّمَنِ دُونَ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ شَهَادَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى سَابِقَةً ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ .
تَنْبِيهٌ : مَا أَطْلَقَهُ فِي الْمَتْنِ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ سُقُوطُ الْبَيِّنَتَيْنِ يُسَلَّمُ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُصَدَّقِ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَكْسَ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي قَوْلِهِ .

وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَأَقَامَاهُمَا ، فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ ) ( قَالَ : كُلٌّ مِنْهُمَا : ) أَيْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لِثَالِثٍ ( بِعْتُكَهُ ) أَيْ الثَّوْبَ مَثَلًا ( بِكَذَا ) وَهُوَ مِلْكِي ( وَأَقَامَاهُمَا ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَهُ وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ ( فَإِنْ ) لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ كَأَنْ ( اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا ) لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مِلْكًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِهَذَا وَحْدَهُ وَلِذَاكَ وَحْدَهُ وَسَقَطَتَا عَلَى الْأَصَحِّ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا ( وَإِنْ اخْتَلَفَ ) تَارِيخُهُمَا وَمَضَى مِنْ الزَّمَنِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الثَّانِي ثُمَّ الْعَقْدُ الثَّانِي ( لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي التَّارِيخِ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ مِنْ الْآخَرِ فِي التَّارِيخِ الثَّانِي .
أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ فَلَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ لِلتَّعَارُضِ ( وَكَذَا إنْ أُطْلِقَتَا ، أَوْ ) أُطْلِقَتْ ( إحْدَاهُمَا ) وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُ أَيْضًا الثَّمَنَانِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا فِي زَمَانَيْنِ .
وَالثَّانِي يَقُولُ بِتَعَارُضِهِمَا كَمُتَّحِدَيْ التَّارِيخِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِيَقِينٍ .

وَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا : مَاتَ عَلَى دِينِي ، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ قُدِّمَ الْمُسْلِمُ ، وَإِنْ قَيَّدَتْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى تَعَارَضَتَا ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ تَعَارَضَتَا .

( وَلَوْ ) ( مَاتَ ) رَجُلٌ ( عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَاتَ عَلَى دِينِي ) فَأَرِثُهُ وَلَا بَيِّنَةَ ( فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِهِ وَالْمُسْلِمُ يَدَّعِي انْتِقَالَهُ عَنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ( فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ ) بِمَا قَالَاهُ فَلَا تَعَارُضَ ، وَ ( قُدِّمَ الْمُسْلِمُ ) أَيْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ انْتِقَالُهُ إلَى الْإِسْلَامِ ، وَالْأُخْرَى اسْتَصْحَبَتْ الْأَصْلَ ، وَالنَّاقِلَةُ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَصْحِبَةِ ، وَهَذَا أَصْلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ ، كَمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ ( وَإِنْ قَيَّدَتْ ) بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ ( أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى ) وَهِيَ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ بِأَنْ قَيَّدَتْ بِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ النَّصْرَانِيَّةُ ( تَعَارَضَتَا ) لِتَنَاقُضِهِمَا ، إذْ يَسْتَحِيلُ مَوْتُهُ عَلَيْهِمَا فَتَسْقُطَانِ وَكَأَنْ لَا بَيِّنَةَ فَيُصَدَّقُ النَّصْرَانِيُّ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِ الْأَبِ ، وَكَذَا لَوْ قَيَّدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ ، وَيُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ بَيَانُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّنَصُّرُ كَثَالِثِ ثَلَاثَةٍ ، وَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ بَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ وَجْهَانِ ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ إيرَادِ الْبَنْدَنِيجِيِّ الْمَنْعَ .
ثُمَّ قَالَ : وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الِاشْتِرَاطَ سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقَاضِي فِيمَا يُسْلِمُ بِهِ الْكَافِرُ ( وَإِنْ ) ( لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ ) .
أَيْ الْمَيِّتِ ( وَأَقَامَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ ) ( تَعَارَضَتَا ) فَكَأَنْ لَا بَيِّنَةَ ، وَسَوَاءٌ أَطْلَقَتَا أَمْ قَيَّدَتَا بِمِثْلِ مَا ذُكِرَ أَمْ قَيَّدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ ، وَحِينَئِذٍ فَيُنْظَرُ ، إنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا

فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ ، إذْ لَا أَثَرَ لِلْيَدِ بَعْدَ اعْتِرَافِ صَاحِبِ الْيَدِ بِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ إرْثًا .
تَنْبِيهٌ : هَذَا التَّعَارُضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِرْثِ خَاصَّةً ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّفْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُصَلِّي : أُصَلِّي عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ .

وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ الْمُسْلِمُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ أَقَامَاهُمَا قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ .
( وَلَوْ ) ( مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ ) أَنَا ( أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ ) مُشْتَرَكٌ ( بَيْنَنَا ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : بَلْ ) أَسْلَمْت ( قَبْلَهُ ) فَلَا مِيرَاثَ لَك بَلْ هُوَ لِي ( صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى دِينِهِ ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ الْأَبِ أَمْ أَطْلَقَا ( وَإِنْ أَقَامَاهُمَا ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَاهُ ( قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ ) أَيْ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلَةٌ وَبَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ مُسْتَصْحِبَةٌ لِدِينِهِ ، فَمَعَ الْأُولَى زِيَادَةُ عِلْمٍ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ مَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْمَعُ تَنَصُّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِلَّا فَيَتَعَارَضَانِ ، وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهَا عَلِمَتْ مِنْهُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّهَا لَمْ تُسْتَصْحَبْ ، فَإِنْ قَالَتْ ذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّا لَوْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ النَّصْرَانِيِّ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا حَالَةَ مَوْتِ أَبِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرِّدَّةِ .

فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى إسْلَامِ الِابْنِ فِي رَمَضَانَ ، وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ فِي شَوَّالٍ صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى بَيِّنَتِهِ .
( فَلَوْ ) ( اتَّفَقَا عَلَى إسْلَامِ الِابْنِ فِي رَمَضَانَ ، وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ ) فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا ( وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ ) بَلْ مَاتَ ( فِي شَوَّالٍ ) فَالْمِيرَاثُ لِي وَلَا بَيِّنَةَ ( صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ ( وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ ) الَّتِي أَقَامَهَا ( عَلَى بَيِّنَتِهِ ) أَيْ النَّصْرَانِيِّ الَّتِي أَقَامَهَا ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ نَاقِلَةٌ مِنْ الْحَيَاةِ إلَى الْمَوْتِ فِي شَعْبَانَ ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ لِلْحَيَاةِ إلَى شَوَّالٍ ، نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ بِأَنَّهَا عَايَنَتْهُ حَيًّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَعَارَضَتَا ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ .

وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَالَ كُلٌّ مَاتَ عَلَى دِينِنَا صُدِّقَ الْأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ ، وَفِي قَوْلٍ يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا .
( وَلَوْ ) ( مَاتَ ) رَجُلٌ ( عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ ، وَ ) عَنْ ( ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ ) وَمِثْلُهُمَا الِابْنُ الْوَاحِدُ وَابْنُ الِابْنِ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ ( فَقَالَ كُلٌّ ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ( مَاتَ عَلَى دِينِنَا ) ( صُدِّقَ الْأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ فِي الِابْتِدَاءِ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ فَيُسْتَصْحَبُ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ ( وَفِي قَوْلٍ ) وَلَيْسَ مَنْصُوصًا ، بَلْ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ ( يُوقَفُ ) الْأَمْرُ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا ) عَلَى شَيْءٍ لِتَسَاوِي الْحَالَيْنِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَزُولُ بِالْبُلُوغِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْأَبَوَانِ مُسْلِمَيْنِ وَالِابْنَانِ كَافِرَيْنِ ، وَقَالَ كُلَّ مَا ذُكِرَ ، فَإِنْ عُرِفَ لِلْأَبَوَيْنِ كُفْرٌ سَابِقٌ وَقَالَا : أَسْلَمْنَا قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ أَوْ بَلَغَ بَعْدَ إسْلَامِنَا .
وَقَالَ الِابْنَانِ : لَا وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الثَّالِثَةِ فَالْمُصَدَّقُ الِابْنَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ عَلَى الْكُفْرِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا كُفْرٌ سَابِقٌ أَوْ اتَّفَقُوا عَلَى وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الثَّالِثَةِ فَالْمُصَدَّقُ الْأَبَوَانِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْأُولَى ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصِّبَا فِي الثَّالِثَةِ .

فَرْعٌ : لَوْ مَاتَ لِرَجُلٍ ابْنٌ وَزَوْجَةٌ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَأَخُو الزَّوْجَةِ فَقَالَ هُوَ : مَاتَتْ قَبْلَ الِابْنِ فَوَرِثْتهَا أَنَا وَابْنِي ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَوَرِثْتُهُ وَقَالَ أَخُوهَا : بَلْ مَاتَتْ بَعْدُ فَوَرِثَتْ الِابْنَ قَبْلَ مَوْتِهَا ثُمَّ وَرِثْتهمَا أَنَا وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْأَخُ فِي مَالِ أُخْتِهِ وَالزَّوْجُ فِي مَالِ ابْنِهِ بِيَمِينِهَا ، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا لَمْ يَرِثْ مَيِّتٌ مِنْ مَيِّتٍ ، فَمَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَمَالُ الزَّوْجَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأَخِ ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ تَعَارَضَتَا ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى مَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا وَاخْتَلَفَا فِي مَوْتِ الْآخَرِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ صَدَقَ مَنْ ادَّعَاهُ بَعْدُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ .
فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ قُدِّمَ بَيِّنَةُ مَنْ ادَّعَاهُ قَبْلُ ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ .

وَلَوْ قَالَ وَرَثَةُ مَيِّتٍ لِزَوْجَتِهِ كُنْتِ أَمَةً ثُمَّ عَتَقْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ كُنْتِ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ هِيَ : بَلْ عَتَقْتِ أَوْ أَسْلَمْت قَبْلُ ، صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ وَالْكُفْرِ ، وَإِنْ قَالَتْ : لَمْ أَزَلْ حُرَّةً أَوْ مُسْلِمَةً صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا دُونَهُمْ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا .

وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سَالِمًا ، وَأُخْرَى غَانِمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُ تَقْدِيمٍ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ ، وَإِنْ اتَّحَدَ أُقْرِعَ ، وَإِنْ أَطْلَقَتَا قِيلَ يُقْرَعُ ، وَفِي قَوْلٍ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ .
قُلْتُ : الْمَذْهَبُ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَوْ ) ( شَهِدَتْ ) بَيِّنَةٌ عَلَى شَخْصٍ ( أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ ) الَّذِي مَاتَ فِيهِ ( سَالِمًا ، وَ ) بَيِّنَةٌ ( أُخْرَى ) أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الْمَذْكُورِ ( غَانِمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ ) مِنْهَا ( ثُلُثُ مَالِهِ ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ مَا زَادَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ اخْتَلَفَ ) لِلْبَيِّنَتَيْنِ ( تَارِيخُ تَقْدِيمٍ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ ) مِنْهُمَا تَارِيخًا ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُنْجَزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يُقَدَّمُ فِيهِ الْأَسْبَقُ فَالْأَسْبَقُ ، وَلِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ ( وَإِنْ اتَّحَدَ ) تَارِيخُهُمَا ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ مَزِيَّةِ أَحَدِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سُدُسَ الْمَالِ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ عَتَقَ هُوَ وَنِصْفُ الْآخَرِ ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْآخَرِ عَتَقَ وَحْدَهُ ( وَإِنْ أَطْلَقَتَا ) أَوْ إحْدَاهُمَا ( قِيلَ : يُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ ( وَفِي قَوْلٍ ) مِنْ طَرِيقٍ ( يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ ) لِاسْتِوَائِهِمَا ، وَالْقُرْعَةُ مُمْتَنِعَةٌ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَقْرَعْنَا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ يَخْرُجَ الرِّقُّ عَلَى السَّابِقِ فَيَلْزَمُهُ مِنْهُ إرْقَاقُ حُرٍّ وَتَحْرِيرُ رَقِيقٍ ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( قُلْتُ : الْمَذْهَبُ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) .
وَلَوْ قَالَ : قُلْتُ الْمَذْهَبُ الثَّانِي لَكَانَ أَخْصَرَ ، وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَتَانِ بِتَعْلِيقِ عِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِهِمَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أُقْرِعَ سَوَاءٌ أُطْلِقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَمْ أُرِّخَتَا .

وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ ، وَوَارِثَانِ حَائِزَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ ثَبَتَ لِغَانِمٍ ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثَانِ فَاسِقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فَيَعْتِقُ سَالِمٌ ، وَمِنْ غَانِمٍ ثُلُثُ مَالِهِ بَعْدَ سَالِمٍ .

( وَلَوْ ) ( شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ ، وَهُوَ ثُلُثُهُ ) أَيْ ثُلُثُ مَالِهِ ( وَ ) شَهِدَ ( وَارِثَانِ ) عَدْلَانِ ( حَائِزَانِ ) لِلتَّرِكَةِ ( أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ ، وَهُوَ ثُلُثُهُ ) ( ثَبَتَ ) بِشَهَادَتِهِمَا الرُّجُوعُ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ وَثُبُوتُ الْعِتْقِ ( لِغَانِمٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِسَالِمٍ بَدَلًا يُسَاوِيهِ فَلَا تُهْمَةَ وَلَا نَظَرَ إلَى تَبْدِيلِ الْوَلَاءِ وَكَوْنِ الثَّانِي أَهْدَى لِجَمْعِ الْمَالِ فَيُورَثُ عَنْهُ لِبُعْدِ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، وَخَرَجَ بِثُلُثِهِ مَا لَوْ كَانَ غَانِمٌ دُونَهُ كَالسُّدُسِ ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنَا لَهُ بَدَلًا ، وَهُوَ نِصْفُ سَالِمٍ ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ فَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ صِحَّةِ التَّبْعِيضِ يَعْتِقُ نِصْفُ سَالِمٍ مَعَ كُلِّ غَانِمٍ ، وَالْمَجْمُوعُ قَدْرُ الثُّلُثِ ( فَإِنْ ) ( كَانَ الْوَارِثَانِ ) الْحَائِزَانِ ( فَاسِقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ ) عَنْ الْوَصِيَّةِ لِسَالِمٍ لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ ( فَيَعْتِقُ سَالِمٌ ) بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فِيهِ ( وَ ) يُعْتَقُ ( مِنْ غَانِمٍ ) قَدْرُ مَا يَحْتَمِلُهُ ( ثُلُثُ مَالِهِ بَعْدَ سَالِمٍ ) وَكَأَنَّ سَالِمًا هَلَكَ أَوْ غَصَبَ مِنْ التَّرِكَةِ مُؤَاخَذَةً لِلْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِلرُّجُوعِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ، نَعَمْ إنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ عَتَقَ غَانِمٌ وَثُلُثَا سَالِمٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ : إنْ قُتِلْتُ أَوْ إنْ مِتُّ فِي رَمَضَانَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ قُتِلَ فِي الْأُولَى أَوْ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ فِي الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ فِي الْأَوَّلِ ، وَبِمَوْتِهِ فِي شَوَّالٍ فِي الثَّانِيَةِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْقَتْلِ فِي

الْأُولَى وَبِحُدُوثِ الْمَوْتِ فِي رَمَضَانَ فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُنْكِرٌ لِلْقَتْلِ ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً فِي الثَّانِيَةِ بِمَوْتِهِ فِي شَعْبَانَ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ ، وَإِنْ عُلِّقَ عِتْقُ سَالِمٍ بِمَوْتِهِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَعُلِّقَ عِتْقُ غَانِمٍ بِمَوْتِهِ فِي شَوَّالٍ أَوْ بِالْبُرْءِ مِنْ مَرَضِهِ فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمُوجِبِ عِتْقِهِمَا ، فَهَلْ يَتَعَارَضَانِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ سَالِمٍ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ أَوْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا أَوْجُهٌ ، أَظْهَرُهَا آخِرُهَا .

شَرْطُ الْقَائِفِ : مُسْلِمٌ عَدْلٌ ، مُجَرَّبٌ ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُرٍّ ذَكَرٍ ، لَا عَدَدٍ ، وَلَا كَوْنِهِ مُدْلِجِيًّا ، فَإِذَا تَدَاعَيَا مَجْهُولًا عُرِضَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي وَطْءٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مُمْكِنًا مِنْهُمَا وَتَنَازَعَاهُ بِأَنْ وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً لَهُمَا أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، أَوْ أَمَتَهُ فَبَاعَهَا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ مَنْكُوحَةً فِي الْأَصَحِّ ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْأَيْهِمَا وَادَّعَيَاهُ عُرِضَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَطْأَيْهِمَا حَيْضَةٌ فَلِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَسَوَاءٌ فِيهِمَا اتَّفَقَا إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً أَمْ لَا .

[ فَصْلٌ ] فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ أَحْكَامِهِ فِي بَابَيْ الْعِدَّةِ وَاللَّقِيطِ ، وَالْقَائِفُ لُغَةً مُتَتَبِّعُ الْآثَارِ ، وَالْجَمْعُ قَافَةٌ كَبَائِعٍ وَبَاعَةٌ ، وَشَرْعًا مَنْ يُلْحِقُ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ ، فَقَالَ : أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا بِهَا رُءُوسَهَا وَقَدْ بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا ، فَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } فَإِقْرَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَافَةَ حَقٌّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ لَمَنَعَهُ مِنْ الْمُجَازَفَةِ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ وَلَا يُسَرُّ إلَّا بِالْحَقِّ ا هـ .
وَسَبَبُ سُرُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَهُ مُجَزِّزٌ .
أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَوِيلًا أَسْوَدَ أَقْنَى الْأَنْفِ ، وَكَانَ زَيْدٌ قَصِيرًا بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَخْنَسَ الْأَنْفِ ، وَكَانَ طَعْنُهُمْ مَغِيظَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ كَانَا حِبَّيْهِ ، فَلَمَّا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ ذَلِكَ ، وَهُوَ لَا يَرَى إلَّا أَقْدَامَهُمَا سُرَّ بِهِ ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد : إنَّ زَيْدًا كَانَ أَبْيَضَ ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ أَحْمَرَ أَشْقَرَ وَزَيْدٌ مِثْلُ اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ ، وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ دَعَا قَائِفَيْنِ فِي رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا مَوْلُودًا ، وَشَكَّ أَنَسٌ فِي مَوْلُودٍ لَهُ فَدَعَا لَهُ قَائِفًا ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .

وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ : لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا مَرَّ ، وَفِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ عَنْ بَعْضِ التُّجَّارِ أَنَّهُ وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ مَمْلُوكًا أَسْوَدَ شَيْخًا .
قَالَ : فَكُنْت فِي بَعْضِ أَسْفَارِي رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَالْمَمْلُوكُ يَقُودُهُ فَاجْتَازَ بِنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ فَأَمْعَنَ فِينَا نَظَرَهُ ثُمَّ قَالَ : مَا أَشْبَهَ الرَّاكِبَ بِالْقَائِدِ .
قَالَ : فَرَجَعْتُ إلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ : إنَّ زَوْجِي كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَزَوَّجَنِي بِهَذَا الْمَمْلُوكِ فَوَلَدْتُكَ ثُمَّ فَكَّنِي وَاسْتَلْحَقَكَ ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَحْكُمُ بِالْقِيَافَةِ وَتَفْخَرُ بِهَا وَتَعُدُّهَا مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِهَا ، وَهِيَ وَالْفِرَاسَةُ غَرَائِزُ فِي الطِّبَاعِ يُعَانُ عَلَيْهَا الْمَجْبُولُ وَيَعْجِزُ عَنْهَا الْمَصْرُوفُ عَنْهَا ، وَلِلْقَائِفِ شُرُوطٌ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ ( شَرْطُ الْقَائِفِ ) أَيْ شُرُوطُهُ ( مُسْلِمٌ ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ ( عَدْلٌ ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْ فَاسِقٍ ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَوْ قَاسِمٌ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إسْلَامٌ ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَيَأْتِي بِالْمَصْدَرِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِسْلَامُ لَا الشَّخْصُ ، وَمَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا هُوَ حَسَنٌ وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ بَصِيرًا نَاطِقًا وَانْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ عَنْ الَّذِي يَنْفِيهِ عَنْهُ ، وَانْتِفَاءَ الْوَلَاءِ عَمَّنْ يَلْحَقُهُ بِهِ فَلَوْ عَبَّرَ بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَا أَمْنَعُ قِيَافَةَ الْأَخْرَسِ إذَا فَهِمَ إشَارَتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ ، وَفِي الْمَطْلَبِ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ سَمِيعًا ، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( مُجَرَّبٌ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ بِخَطِّهِ فِي مَعْرِفَةِ النَّسَبِ لِحَدِيثِ { لَا حَكِيمَ إلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَكَمَا لَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51