كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

فَلَوْ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسُهُ أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ ، فَالْأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَوُجُوبُ أَلْفٍ .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَبُولِ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ ( فَلَوْ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسُهُ ) كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفَيْنِ فَقَبِلَتْ بِأَلْفٍ ( أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَأَعْطَتْهُ أَلْفَيْنِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِأَنَّ الْقَبُولَ جَوَابُ الْإِيجَابِ ، فَإِذَا خَالَفَهُ فِي الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ جَوَابًا ، وَالْإِعْطَاءُ لَيْسَ جَوَابًا وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ ، فَإِذَا أَتَتْ بِأَلْفَيْنِ فَقَدْ أَتَتْ بِأَلْفٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِالزِّيَادَةِ ، قَالَهُ الْإِمَامُ ( وَلَوْ قَالَ : طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ ، فَالْأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَ ) الْأَصَحُّ أَيْضًا ( وُجُوبُ أَلْفٍ ) لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَقِلٌّ بِالطَّلَاقِ وَالزَّوْجَةُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهَا بِسَبَبِ الْمَالِ ، فَإِذَا قَبِلَتْ الْمَالَ اُعْتُبِرَ فِي الطَّلَاقِ جَانِبُ الزَّوْجِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي الْمِلْكُ وَلَمْ يَحْصُلْ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ .
وَالثَّانِي : يَقَعُ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ نَظَرًا إلَى قَبُولِهَا وَالثَّالِثُ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِاخْتِلَافِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ .

وَإِنْ بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتِنِي فَتَعْلِيقٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَلَا الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي فَكَذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ .

( وَإِنْ بَدَأَ ) الزَّوْجُ ( بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ ) فِي الْإِثْبَاتِ ( كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا ) بِزِيَادَةِ مَا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ أَيْ حِينَ أَوْ زَمَانَ أَوْ وَقْتَ ( أَعْطَيْتِنِي ) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَتَعْلِيقٌ ) مَحْضٌ مِنْ جَانِبِهِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الْمُعَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الصِّفَةِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ ، وَحِينَئِذٍ ( فَلَا رُجُوعَ لَهُ ) قَبْلَ الْإِعْطَاءِ كَالتَّعْلِيقِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( الْقَبُولُ لَفْظًا ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِيه ( وَلَا الْإِعْطَاءُ ) فَوْرًا ( فِي الْمَجْلِسِ ) أَيْ مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَا يَرْتَبِطُ بِهِ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ دُونَ مَكَانِ الْعَقْدِ ، فَمَتَى وُجِدَ الْإِعْطَاءُ طَلُقَتْ ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الزَّمَانِ وَعُمُومِهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ ، وَلَوْ قَيَّدَ فِي هَذِهِ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان تَعَيَّنَ وَخَرَجَ بِالْإِثْبَاتِ مَا إذَا بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ بِمَتَى وَنَحْوِهَا فِي النَّفْيِ ، كَقَوْلِهِ : مَتَى لَمْ تُعْطِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ لِلْفَوْرِ ؛ لِأَنَّ مَتَى وَنَحْوَهَا فِي النَّفْيِ تَقْتَضِي الْفَوْرَ ، وَبِالزَّوْجِ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ : مَتَى طَلَّقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ ، اُخْتُصَّ الْجَوَابُ بِمَجْلِسِ التَّوَاجُبِ ، وَفَرَّقَ الْغَزَالِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى جَانِبِهِ التَّعْلِيقُ وَعَلَى جَانِبِهَا الْمُعَاوَضَةُ ( وَإِنْ قَالَ : إنْ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ( أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي ) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَتَعْلِيقٌ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَلَا الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيقِ كَمَتَى ، وَخَرَجَ بِإِنْ الْمَكْسُورَةِ الْمَفْتُوحَةُ ، فَإِنَّ بِهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ بَائِنًا لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ ، قَالَهُ

الْمَاوَرْدِيُّ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إذْ لِأَنَّهَا لِمَاضِي الزَّمَانِ ، وَلَكِنَّ قِيَاسَ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ ، الْفَرْقُ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ ( لَكِنْ يُشْتَرَطُ ) فِي التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ ( إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ ) فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْعِوَضِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ ، وَإِنَّمَا تُرِكَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي مَتَى وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ مَعَ كَوْنِ الْمُغَلَّبِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْفَوْرِ فِي الْحُرَّةِ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَالْمَشْرُوطُ غَيْرَ خَمْرٍ كَأَنْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إلَّا مِنْ كَسْبِهَا وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فِي الْمَجْلِسِ غَالِبًا ، فَإِنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ كَسْبِهَا وَمَالِ السَّيِّدِ طَلُقَتْ بَائِنًا لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَدَّ الزَّوْجُ الْأَلْفَ لِمَالِكِهَا ، وَتَعَلَّقَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِذِمَّتِهَا تُطَالَبُ بِهِ إذَا عَتَقَتْ ، فَإِنْ قِيلَ : نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ : إنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إذَا أَعْطَتْهُ ثَوْبًا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّوْبَ مُبْهَمٌ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا فِي الْجُمْلَةِ لِغَيْرِهَا فَقَوِيَ الْإِبْهَامُ فِي الْأَوَّلِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ إلْحَاقُ الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِالْحُرَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ خَمْرًا اُشْتُرِطَ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا ، وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ الْخَمْرَ ؛ لِأَنَّ يَدَهَا وَيَدَ الْحُرَّةِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ ، وَقَدْ تَشْتَمِلُ يَدُهَا عَلَيْهِ .

وَإِنْ بَدَأَتْ بِطَلَبِ طَلَاقٍ فَأَجَابَ فَمُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ ، وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ ، وَلَوْ طَلَبَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ فَوَاحِدَةً بِثُلُثِهِ .

( وَإِنْ بَدَأَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( بِطَلَبِ طَلَاقٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيقِ ، نَحْوُ إنْ أَوْ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَتِهِ كَطَلِّقْنِي عَلَى كَذَا ( فَأَجَابَ ) الزَّوْجُ قَوْلَهَا فَوْرًا ( فَمُعَاوَضَةٌ ) مِنْ جَانِبِهَا لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْبُضْعَ بِمَا تَبْذُلُهُ مِنْ الْعِوَضِ ( فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ ) لِأَنَّهَا تَبْذُلُ الْمَالَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ وَهُوَ الطَّلَاقُ ، فَإِذَا أَتَى بِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَحَصَلَ غَرَضُهَا كَالْعَامِلِ فِي الْجَعَالَةِ ( فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ ) لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْجَعَالَاتِ جَمِيعًا ( وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ ) فِي مَحَلِّ التَّوَاجُبِ فِي الصِّيغَةِ السَّابِقَةِ الْمُقْتَضِيَةِ فَوْرًا وَغَيْرِهَا كَالتَّعْلِيقِ بِمَتَى تَغْلِيبًا لِلْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ طَلَّقَ مُتَرَاخِيًا كَانَ مُبْتَدِئًا لَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ رَجْعِيًّا .
نَعَمْ لَوْ صَرَّحَتْ بِالتَّرَاخِي لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ : وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ، وَنَقَلَ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ : خَالَعْتُكَ بِكَذَا ، فَقَالَ : قَبِلْت لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ تَطَابُقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ .
وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَعَ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ سَامَحَ بِبَعْضِ مَا طَلَبَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ ( وَلَوْ طَلَبَتْ ) مِنْ الزَّوْجِ ( ثَلَاثًا ) يَمْلِكُهَا عَلَيْهَا ( بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ فَوَاحِدَةٌ ) تَقَعُ ( بِثُلُثِهِ ) تَغْلِيبًا لِشَوْبِ الْجَعَالَةِ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ رَدَدْت عَبِيدِي الثَّلَاثَ فَلَكَ أَلْفٌ فَرَدَّ وَاحِدًا اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ ، وَلَوْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأَلْفِ كَمَا فِي زِيَادَةِ

الرَّوْضَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَلَا نَوَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةً اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَهَا الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ بِثُلُثِهِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ ، وَكَانَ يَعْلَمُ حُكْمَ التَّقْيِيدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، وَأَيْضًا فِيهِ إيهَامُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُدَّ ذِكْرَ الْمَالِ يَقَعُ رَجْعِيًّا ، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ .

وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ فَلَا رَجْعَةَ ، فَإِنْ شَرَطَهَا فَرَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ ، وَفِي قَوْلٍ بَائِنٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ .
( وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ ) زَوْجَتَهُ ( بِعِوَضٍ ) صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ ، سَوَاءٌ جَعَلْنَا الْخُلْعَ طَلَاقًا أَمْ فَسْخًا ( فَلَا رَجْعَةَ ) لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَذَلَتْ الْمَالَ لِتَمْلِكَ بُضْعَهَا فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ وِلَايَةَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ ( فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهَا ) كَخَالَعْتُكِ أَوْ طَلَّقْتُك بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك الرَّجْعَةَ ( فَرَجْعِيٌّ ) يَقَعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّجْعَةِ وَالْمَالِ مُتَنَافِيَانِ فَيَسْقُطَانِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ ، وَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ ، وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ رَجْعِيٍّ لِقَوْلِهِ ( وَلَا مَالَ ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِنَقْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَقَعُ الطَّلَاقُ ( بَائِنٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ ) لِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ ، وَكَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَنْصُوصٌ .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ مَخْرَجٌ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ خَالَعَهَا بِعِوَضٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيهِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الرَّجْعَةِ هُنَا ، وَمَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ .

وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ فَأَجَابَ إنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ ، وَلَا مَالَ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا طَلُقَتْ بِالْمَالِ ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ بَيْنَ إيجَابٍ وَقَبُولٍ .

( وَلَوْ قَالَتْ ) لَهُ ( طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ ) عَقِبَ هَذَا الْقَوْلِ ( فَأَجَابَ ) قَوْلَهَا فَوْرًا نُظِرَتْ ( إنْ كَانَ ) الِارْتِدَادُ ( قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ ) عَلَى الرِّدَّةِ ( حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ وَلَا مَالَ ) وَلَا طَلَاقَ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ فِي الْحَالَتَيْنِ ( وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ بَانَ صِحَّةُ الْخُلْعِ ، وَ ( طَلُقَتْ بِالْمَالِ ) الْمُسَمَّى وَقْتَ جَوَابِهِ لِبَيَانِ صِحَّةِ الْخُلْعِ ، وَتُحْسَبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، فَلَوْ تَرَاخَتْ الرِّدَّةُ أَوْ الْجَوَابُ اخْتَلَفَتْ الصِّيغَةُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ وَقَعَتْ الرِّدَّةُ مَعَ الْجَوَابِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : الَّذِي يَظْهَرُ بَيْنُونَتُهَا بِالرِّدَّةِ ، وَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ كَلَامًا فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ : إذَا أَجَابَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ مَعَهَا طَلُقَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ سُؤَالِهَا فَحُكْمُهُ كَرِدَّتِهَا بَعْدَ سُؤَالِهَا ( وَلَا يَضُرُّ ) فِي الْخُلْعِ ( تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ ) عُرْفًا ( بَيْنَ إيجَابٍ وَقَبُولٍ ) فِيهِ .
قَالَ الشَّارِحُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِارْتِدَادِ ا هـ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَاكَ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَيَضُرُّ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ كَوْنِ الْكَثِيرِ مُضِرًّا إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُخَاطَبِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْجَوَابُ ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي النِّكَاحِ اقْتَضَى إيرَادَ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ .
ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْبَغَوِيِّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا ، وَاعْتَمَدَ هَذَا شَيْخِي ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِتَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِلْيَسِيرِ بِالِارْتِدَادِ فَإِنَّهُ مِنْ جَانِبِ الْمُتَكَلِّمِ ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا ضَرَّ .

فَصْلٌ : قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَعَلَيْك أَوْ وَلِي عَلَيْك كَذَا ، وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُك بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ فَكَهُوَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ سَبَقَ بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا ، فَإِذَا قَبِلَتْ بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ .

فَصْلٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ لِلْعِوَضِ إذَا ( قَالَ ) لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ ( طَالِقٌ ) أَوْ طَلَّقْتُك ( وَعَلَيْك ) كَذَا ( أَوْ وَلِي عَلَيْك كَذَا ) كَأَلْفٍ ( وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا ) لِلطَّلَاقِ ( بِمَالٍ وَقَعَ ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ( رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ ) عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مَجَّانًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا وَلَا شَرْطًا بَلْ ذَكَرَ جُمْلَةً مَعْطُوفَةً عَلَى الطَّلَاقِ ، فَلَا يُتَأَثَّرُ بِهَا وَتَلْغُو فِي نَفْسِهَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهَا : طَلِّقْنِي وَعَلَيَّ أَوْ لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فَأَجَابَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْتِزَامُ الْمَالِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ مِنْهَا عَلَى الِالْتِزَامِ وَالزَّوْجُ يَنْفَرِدُ بِالطَّلَاقِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ إذَا لَمْ يَشِعْ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي طَلَبِ الْعِوَضِ وَإِلْزَامِهِ ، فَإِنْ شَاعَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ : طَلَّقْتُك عَلَى كَذَا ، حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ .
فَإِنْ قِيلَ : نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ قُدِّمَ اللُّغَوِيُّ ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ اللُّزُومِ هُنَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا إذَا اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ لَفْظٍ فِي إرَادَةِ شَيْءٍ ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ ، وَالْكَلَامُ هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ مَا إذَا سَبَقَ ، فَإِنَّ الصِّيغَةَ تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِلِالْتِزَامِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا طَلَبَتْهُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا ، كَقَوْلِهَا : طَلِّقْنِي بِمَالٍ وَسَيَأْتِي .
ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ وُقُوعِ مَا ذَكَرَهُ رَجْعِيًّا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ قَالَ أَرَدْت ) بِهِ ( مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُكِ بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ ) الزَّوْجَةُ ( فَكَهُوَ ) أَيْ فَكَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك .
.
إلَخْ ( فِي الْأَصَحِّ ) فَتَبِينُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْمُسَمَّى إنْ

قَبِلَتْ ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي اقْتِضَاءِ الْعِوَضِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِلتَّوَافُقِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ ، فَكَأَنْ لَا إرَادَةَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ قَطْعًا إنْ حَلَفَتْ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ قَبِلَتْ ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ بَانَتْ بِالْمُسَمَّى ، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ فَلَا حَلِفَ وَكَأَنْ لَا إرَادَةَ وَحَيْثُ انْتَفَتْ الْإِرَادَةُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ظَاهِرًا .
أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ السُّبْكِيُّ : يُقْطَعُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا حَلِفَ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : فَكَهُوَ فِيهِ جَرُّ الضَّمِيرِ بِالْكَافِ ، وَهُوَ شَاذٌّ ( وَإِنْ سَبَقَ ) طَلَبُهَا لِلطَّلَاقِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ ، كَطَلِّقْنِي بِأَلْفٍ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَوْ لِي أَوْ وَلِي عَلَيْك أَلْفٌ ( بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ ) لِتَوَافُقِهِمَا عَلَيْهِ ، فَقَوْلُهُ : وَعَلَيْك أَلْفٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَكَّدًا لَا يَكُونُ مَانِعًا .
أَمَّا إذَا سَبَقَ طَلَبُهَا بِمَالٍ مُبْهَمٍ ، كَطَلِّقْنِي بِمَالٍ ، فَإِنْ عَيَّنَهُ فِي جَوَابِهِ كَأَنْ قَالَ : طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ ، فَإِنْ قَبِلَتْ بَانَتْ بِالْأَلْفِ وَإِلَّا فَلَا طَلَاقَ ، وَإِنْ أَبْهَمَ الْجَوَابَ ، فَقَالَ : طَلَّقْتُك بِمَالٍ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى طَلَّقْتُك بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَ طَلَبُهَا إذَا قَصَدَ جَوَابَهَا .
فَإِنْ قَالَ : قَصَدْت ابْتِدَاءَ الطَّلَاقِ وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ .
قَالَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ التَّفْسِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ جَوَابًا ( وَإِنْ ) شَرَطَ شَرْطًا إلْزَامِيًّا كَأَنْ ( قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ) أَوْ طَلَّقْتُك ( عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا ) كَأَلْفٍ ( فَالْمَذْهَبُ ) الْمَنْصُوصُ ، وَعَبَّرَ فِي

الرَّوْضَةِ بِالصَّوَابِ الْمُعْتَمَدِ ( أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا ، فَإِذَا قَبِلَتْ ) فَوْرًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، بِأَنْ تَقُولَ : قَبِلْت ، وَكَذَا ضَمِنْت كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ ( بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ ) لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ ، فَجُعِلَ كَوْنُهُ عَلَيْهَا شَرْطًا ، فَإِذَا ضَمِنَتْهُ طَلُقَتْ ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ، وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ : يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ شَرْطٌ ، وَالشَّرْطُ فِي الطَّلَاقِ يَلْغُو إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَضَايَاهُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لَكِ عَلَيَّ كَذَا ، فَإِذًا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَذْهَبِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ مُحَقَّقٌ ؛ لِأَنَّ الْغَزَالِيَّ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَكَأَنَّهُ غَرَّهُ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ : وَالظَّاهِرُ لَمْ يُرِدْ نَقْلَ خِلَافٍ بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي مَوَاضِعَ ا هـ .
أَمَّا الشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَلَا خِلَافَ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِعْطَاءِ .

وَإِنْ قَالَ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَمِنَتْ فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ .
( وَإِنْ قَالَ : إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا ( فَضَمِنَتْ ) أَيْ الْتَزَمَتْ لَهُ الْأَلْفَ ( فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِلْزَامِ إيجَابًا وَقَبُولًا ، وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَتْهُ الْأَلْفَ أَوْ قَالَتْ رَضِيتُ أَوْ شِئْتُ أَوْ قَبِلْت بَدَلَ ضَمِنْت ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا غَيْرُهُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الضَّمَانُ الْمُحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ فَذَاكَ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ ، وَلَا الِالْتِزَامُ الْمُبْتَدَأُ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنَّذْرِ ، بَلْ الْمُرَادُ الْتِزَامٌ بِقَبُولٍ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ .

وَإِنْ قَالَ مَتَى ضَمِنْت فَمَتَى ضَمِنَتْ طَلُقَتْ ، وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الْأَلْفِ لَمْ تَطْلُقْ ، وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ طَلُقَتْ ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَقَالَتْ : طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ أَوْ عَكْسَهُ بَانَتْ بِأَلْفٍ ، فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا ، وَإِذَا عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلُقَتْ ، وَالْأَصَحُّ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتِنِي فَقِيلَ كَالْإِعْطَاءِ ، وَالْأَصَحُّ كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ فَلَا يَمْلِكُهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْبَاضِ مَجْلِسٌ .
قُلْت : وَيَقَعُ رَجْعِيًّا ، وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا ، وَلَوْ مُكْرَهَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ فَأَعْطَتْهُ لَا بِالصِّفَةِ لَمْ تَطْلُقْ أَوْ بِهَا مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَمَهْرُ مِثْلٍ ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ سَلِيمًا .

تَنْبِيهٌ : هَلْ يَكْفِي مُرَادِفُ الضَّمَانِ كَالِالْتِزَامِ أَوْ لَا ؟ الْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَفِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْقَدْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَى ضَمَانَةٍ لِلزَّوْجِ عَلَى غَيْرِهِ وَقَالَتْ : ضَمِنْت لَك وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( وَإِنْ قَالَ : مَتَى ضَمِنْت ) لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ يُشْتَرَطُ فَوْرٌ ( فَمَتَى ضَمِنَتْ ) أَيْ وَقْتَ ( طَلُقَتْ ) لِأَنَّ مَتَى لِلتَّرَاخِي كَمَا سَبَقَ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ إنْ وَمَتَى .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ قَبْلَ الضَّمَانِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الْأَلْفِ لَمْ تَطْلُقْ ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا ( وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ ) مَثَلًا ( طَلُقَتْ ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي طَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ لِاشْتِرَاطِ التَّوَافُقِ فِي صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ ، ثُمَّ الْمَزِيدُ يَلْغُو ضَمَانُهُ ، وَإِذَا قَبَضَ الزَّائِدَ فَهُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ نَقَصَتْ أَوْ زَادَتْ فِي التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا ( وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَقَالَتْ ) فَوْرًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ بِالْفَاءِ ( طَلُقَتْ وَضَمِنَتْ أَوْ ) قَالَتْ ( عَكْسَهُ ) أَيْ ضَمِنَتْ وَطَلُقَتْ ( بَانَتْ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( بِأَلْفٍ ) وَإِنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الْمَالِ عَنْ الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرْطٌ فِي الْآخَرِ يُعْتَبَرُ اتِّصَالُهُ بِهِ ، فَهُمَا قَبُولٌ وَاحِدٌ فَاسْتَوَى تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا وَتَأْخِيرُهُ ( فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا ) بِأَنْ ضَمِنَتْ وَلَمْ تَطْلُقْ أَوْ عَكْسُهُ ( فَلَا ) تَبِينُ فِيهِمَا وَلَا مَالَ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا التَّطْلِيقَ وَجَعَلَ لَهُ شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّطْلِيقِ وَالشَّرْطِ ( وَإِذَا عَلَّقَ ) الطَّلَاقَ ( بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ ) فَوْرًا ( بَيْنَ يَدَيْهِ ) بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ ( طَلَقَتْ ) بِفَتْحِ

اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ عُرْفًا ، وَلِهَذَا يُقَالُ : أَعْطَيْت فَلَمْ يَأْخُذْ ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ ؛ لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إيَّاهُ مِنْ الْأَخْذِ إعْطَاءٌ مِنْهَا ، وَهُوَ بِالِامْتِنَاعِ مُفَوِّتٌ لِحَقِّهِ ، فَإِنْ قَالَتْ : لَمْ أَقْصِدْ الدَّفْعَ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِحَبْسٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : أَنْ يُعْتَبَرَ عِلْمُهُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ ( وَالْأَصَحُّ دُخُولُهُ ) أَيْ الْمُعْطَى ( فِي مِلْكِهِ ) قَهْرًا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ مَجَّانًا مَعَ قَصْدِ الْعِوَضِ وَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَتُهُ بَعْضَهَا فَيَمْلِكُ الْآخَرُ الْعِوَضَ عَنْهُ وَيَقَعُ بِإِعْطَاءِ وَكِيلِهِمَا إنْ أَمَرَتْهُ بِالْإِعْطَاءِ وَأَعْطَى بِحُضُورِهِمَا وَيَمْلِكُهُ تَنْزِيلًا لِحُضُورِهَا مَعَ إعْطَاءِ وَكِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ إعْطَائِهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ فِي غَيْبَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْطِهِ حَقِيقَةً وَلَا تَنْزِيلًا ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَتْهُ عَنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عِوَضًا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَثَلًا فَتَقَاصَّا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَكَالْإِعْطَاءِ الْإِيتَاءُ وَالْمَجِيءُ ( وَإِنْ قَالَ : إنْ أَقْبَضْتِنِي ) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَقِيلَ ) حُكْمُهُ ( كَالْإِعْطَاءِ ) فِي اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ وَمِلْكِ الْمَقْبُوضِ ( وَالْأَصَحُّ ) أَنَّهُ ( كَسَائِرِ ) صُوَرِ ( التَّعْلِيقِ ) الَّتِي لَا مُعَاوَضَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَيَكُونُ صِفَةً مَحْضَةً بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ : أَعْطَاهُ فُهِمَ مِنْهُ التَّمْلِيكُ وَإِذَا قِيلَ أَقْبَضَهُ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ ( فَلَا يَمْلِكُهُ ) أَيْ الْمَقْبُوضَ ، وَخَصَّهُ الْمُتَوَلِّي بِمَا إذَا لَمْ تَسْبِقْ قَرِينَةٌ

تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ ، فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : كَقَوْلِهِ : إنْ أَقْبَضْتِنِي كَذَا لِأَقْضِيَ بِهِ دَيْنِي أَوْ لِأَصْرِفَهُ فِي حَوَائِجِي فَتَمْلِيكٌ كَالْإِعْطَاءِ .
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ ( وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْبَاضِ ) فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِهِ ( مَجْلِسٌ ) أَيْ إقْبَاضٌ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ ( قُلْت : وَيَقَعُ ) الطَّلَاقُ ( رَجْعِيًّا ) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ ( وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ ) وَهِيَ الْإِقْبَاضُ ( أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا ) فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَبْضًا ، وَهَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي صِيغَةِ : فَإِنْ قَبَضْت مِنْكَ لَا فِي إنْ أَقْبَضْتِنِي ، وَكَذَا قَوْلُهُ : ( وَلَوْ مُكْرَهَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إنَّمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي صِيغَةِ إنْ قَبَضْت مِنْك فَذَكَرَهُ فِي إنْ أَقْبَضْتِنِي .
قَالَ السُّبْكِيُّ : سَهْوٌ ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْغَى شَرْعًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْخَنَثِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَحِينَئِذٍ فَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ سَهْوٌ حَصَلَ مِنْ انْتِقَالِهِ مِنْ قَوْلِهِ : إنْ قَبَضْت إلَى قَوْلِهِ إنْ أَقْبَضْتِنِي ا هـ .
وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ : فَذِكْرُ الْأَصْلِ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْبَاضِ سَبْقُ قَلَمٍ ا هـ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوْجَهُ مِمَّا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ : إنَّ الْقَبْضَ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِقْبَاضِ ( وَلَوْ عَلَّقَ ) طَلَاقَهَا ( بِإِعْطَاءِ ) نَحْوِ ( عَبْدٍ ) كَثَوْبٍ ( وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ ) وَهِيَ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةِ السَّلَمِ بِأَنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا ( فَأَعْطَتْهُ ) عَبْدًا ( لَا بِالصِّفَةِ ) الَّتِي وَصَفَهَا ( لَمْ تَطْلُقْ ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ ( أَوْ ) أَعْطَتْهُ عَبْدًا ( بِهَا

) طَلُقَتْ بِهِ فِي الْأُولَى وَمَهْرُ مِثْلٍ فِي الثَّانِيَةِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ فِيهَا بِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ صِفَةِ السَّلَمِ ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا فِي الْأُولَى ( مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ ، فَإِذَا اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ تَخَيَّرَ ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ( وَ ) لَهُ ( مَهْرُ مِثْلٍ ) لِفَسَادِ الْعِوَضِ ( وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ سَلِيمًا ) الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ أَوْ ضَمَانَ يَدٍ ، وَمَرَّ أَنَّ الرَّاجِحَ الْأَوَّلُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِعَبْدٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ سَلِيمٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْمُعْطَى بِخِلَافِ غَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا لَوْ قَالَ : طَلَّقْتُك عَلَى عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا فَقَبِلَتْ وَأَعْطَتْهُ عَبْدًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ مَعِيبًا لَهُ رَدُّهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِعَبْدٍ سَلِيمٍ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ بِالْقَبُولِ عَلَى عَبْدٍ فِي الذِّمَّةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مَعَ الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَانَ الزَّوْجُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا رَدَّ ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى السَّفِيهِ وَعَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَالرَّدُّ لِلسَّيِّدِ ، أَيْ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ .

وَلَوْ قَالَ عَبْدًا طَلُقَتْ بِعَبْدٍ إلَّا مَغْصُوبًا فِي الْأَصَحِّ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ .

( وَلَوْ قَالَ ) فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِعْطَاءِ إنْ أَعْطَيْتِنِي ( عَبْدًا ) وَلَمْ يَصِفْهُ ( طَلُقَتْ بِعَبْدٍ ) أَيْ بِكُلِّ عَبْدٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ، سَلِيمًا أَوْ مَعِيبًا ، وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِإِعْطَاءِ خُنْثَى وَأَمَةٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : إنَّ الْعَبْدَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ : طَلُقَتْ بِكُلِّ عَبْدٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ ( إلَّا مَغْصُوبًا فِي الْأَصَحِّ ) فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ عَامٍّ ، وَلَوْ قَالَ : إلَّا عَبْدًا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمَرْهُونَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ، وَالثَّانِي : تَطْلُقُ بِمَنْ ذُكِرَ كَالْمَمْلُوكِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ الْمُعْطَى وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : دَخَلَ فِي الْمَغْصُوبِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهَا وَهُوَ مَغْصُوبٌ فَأَعْطَتْهُ لِلزَّوْجِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ بَحَثَ الْمَاوَرْدِيُّ الْوُقُوعَ .
نَعَمْ لَوْ خَرَجَ بِالدَّفْعِ عَنْ الْمَغْصُوبِ فَلَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَلَهُ ) فِي غَيْرِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ ( مَهْرُ مِثْلٍ ) بَدَلَ الْمُعْطَى لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ التَّعْلِيقِ ، وَالْمَجْهُولُ لَا يَصِحُّ عِوَضًا .
فَإِنْ قِيلَ تَصْوِيرُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِإِعْطَاءِ الْعَبْدِ فِيهَا مُحْتَمِلٌ لِلتَّمْلِيكِ وَالْإِقْبَاضِ ، فَإِنْ أُرِيدَ التَّمْلِيكُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ ، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِقْبَاضُ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا ، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَمَانَةٌ ، وَهُوَ وَجْهٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ لَكِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ مِلْكُهُ لِجَهْلِهِ

رَجَعَ فِيهِ إلَى بَدَلِهِ ، وَحَيْثُمَا ثَبَتَ الْبَدَلُ ثَبَتَ بَائِنًا .

وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ فَلَهُ أَلْفٌ ، وَقِيلَ ثُلُثُهُ ، وَقِيلَ إنْ عَلِمَتْ الْحَالَ فَأَلْفٌ وَإِلَّا فَثُلُثُهُ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي سُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ ، فَقَالَ ( وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ ) الَّتِي يَمْلِكُهَا ( فَلَهُ أَلْفٌ ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ عَلِمَتْ الْحَالَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِهَا مَقْصُودُ الثَّلَاثِ ، وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى ( وَقِيلَ ) لَهُ ( ثُلُثُهُ ) أَيْ الْأَلْفِ تَوْزِيعًا لِلْمُسَمَّى عَلَى الْعَدَدِ ، وَهَذَا مِنْ تَخْرِيجِ الْمُزَنِيِّ ( وَقِيلَ : إنْ عَلِمَتْ الْحَالَ ) وَهُوَ مِلْكُهُ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ ( فَأَلْفٌ ) لِأَنَّ الْمُرَادَ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَمِّلْ لِي الثَّلَاثَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ جَهِلَتْ الْحَالَ ( فَثُلُثُهُ ) وَهَذَا تَوَسُّطٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ حَمْلًا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَالَةِ الْعِلْمِ ، وَالثَّانِي عَلَى حَالَةِ الْجَهْلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ إحْدَاهُنَّ بِأَلْفٍ وَنَوَى بِهِ الطَّلْقَةَ الْأُولَى أَيْ الْبَاقِيَةَ لَزِمَهَا الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى حَصَلَ بِذَلِكَ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِمُطَابَقَةِ الْجَوَابِ السُّؤَالَ وَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا ، أَيْ غَيْرَ مَا يَمْلِكُهَا وَقَعَتْ الْأُولَى ، أَيْ الَّتِي يَمْلِكُهَا مَجَّانًا ، فَإِنْ قَالَتْ لَهُ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ وَثِنْتَانِ يَقَعَانِ عَلَيَّ إذَا تَزَوَّجْتَنِي بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ يَكُونَانِ فِي ذِمَّتِك تُنْجِزْهُمَا حِينَئِذٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ وَلَغَا كَلَامُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ وَإِثْبَاتَهُ فِي الذِّمَّةِ بَاطِلَانِ ، وَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْعِوَضِ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ ، فَإِنْ أَجَازَتْ فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ فَسَخَتْ فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ تُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى غَيْرَ هَذِهِ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ أَوْ طَلِّقْ بَعْضِي كَيَدِي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ تَكْمِيلًا لِلْبَعْضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَيَقَعُ أَيْضًا طَلْقَةٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا ابْتَدَأَهَا بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفُك مَثَلًا طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ ، أَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ يَدَهَا مَثَلًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فِي الْأُولَى وَعَدَمِ إمْكَانِ التَّقْسِيطِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ طَلَّقَ فِيهَا نِصْفَهَا وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِإِمْكَانِ التَّقْسِيطِ ، كَمَا لَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَنِصْفًا ، وَلَوْ طَلَبَتْ عَشْرًا بِأَلْفٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةً اسْتَحَقَّهُ بِوَاحِدَةٍ ، أَوْ بِبَعْضِهَا تَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا ثِنْتَيْنِ اسْتَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ عُشْرَهُ ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الْجَمِيعَ ، أَوْ الثَّلَاثَ اسْتَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ عُشْرَهُ ، وَبِثِنْتَيْنِ خُمُسَهُ ، وَبِثَلَاثَةٍ جَمِيعَهُ ، وَبِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَإِنْ وَقَعَ بِذَلِكَ طَلْقَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا أُوقِعَ لَا بِمَا وَقَعَ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ طَلْقَةٍ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ فَقَدْ اعْتَبَرْتُمْ مَا وَقَعَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ أَفَادَهَا الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى .

وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ ، وَقِيلَ بِأَلْفٍ ، وَقِيلَ لَا تَقَعُ ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ بِالْمُسَمَّى .

وَلَوْ قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا لَمْ تَقَعْ الْوَاحِدَةُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ وَوَقَعَ الثِّنْتَانِ مَجَّانًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِالطَّلَاقِ مَجَّانًا ، وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَقَعَتْ الْأُولَى فَقَطْ بِثُلُثِهِ لِمُوَافَقَتِهِ مَا اقْتَضَاهُ طَلَبُهَا مِنْ التَّوْزِيعِ دُونَ مَا عَدَاهَا لِبَيْنُونَتِهَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَوَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَقَعَ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا فَالثِّنْتَانِ دُونَ الثَّالِثَةِ لِلْبَيْنُونَةِ ( وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ ) طَلْقَةً ( بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ ( وَقِيلَ : بِأَلْفٍ ) لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك فَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ وَلَغَا قَوْلُهُ بِمِائَةٍ ( وَقِيلَ : لَا تَقَعُ ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلُهُ بِخَطِّهِ لِلْمُخَالَفَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ كَمَا لَوْ خَالَفَتْهُ فِي قَبُولِهَا .
تَنْبِيهٌ : أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ مَسْأَلَةً ، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ ، وَلَوْ أَعَادَ ذِكْرَ الْأَلْفِ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَكَذَا عَلَى الْأَظْهَرِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَكَأَنَّ ذَلِكَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَحَكَى عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَلَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ ) أَوْ وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، أَوْ إنْ طَلَّقْتَنِي غَدًا فَلَكَ عَلَيَّ ، أَوْ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي غَدًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ( فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ ) فَسَدَ الْخُلْعُ ( بَانَتْ ) لِأَنَّهُ إنْ طَلَّقَ فِي الْغَدِ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهَا ، وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَهُ فَقَدْ حَصَّلَهُ مَعَ زِيَادَةٍ ، وَلَكِنْ ( بِمَهْرِ مِثْلٍ ) لَا بِالْمُسَمَّى ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ

الْخُلْعَ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُلْعَ دَخَلَهُ شَرْطُ تَأْخِيرِ الطَّلَاقِ وَهُوَ فَاسِدٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيُسْقَطُ مِنْ الْعِوَضِ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَجْهُولًا ، وَالْمَجْهُولُ يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ( وَقِيلَ فِي قَوْلٍ ) مِنْ طَرِيقِ حَاكِيهِ لِقَوْلَيْنِ بَانَتْ ( بِالْمُسَمَّى ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَسَادِ الْخُلْعِ وَلُزُومَ الْمُسَمَّى مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَانَتْ بِمِثْلِ الْمُسَمَّى كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى ، وَلَوْ قَصَدَ بِطَلَاقِهِ فِي الْغَدِ ابْتِدَاءَ الطَّلَاقِ وَقَعَ رَجْعِيًّا ، فَإِنْ اتَّهَمَتْهُ حَلَفَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْغَدِ وَقَعَ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَهَا فَكَانَ مُبْتَدِئًا ، فَإِنْ ذَكَرَ مَالًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ .

وَإِنْ قَالَ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَدَخَلْت طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ بِالْمُسَمَّى ، وَفِي وَجْهٍ ، أَوْ قَوْلٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
( وَإِنْ ) قَالَتْ طَلِّقْنِي شَهْرًا فَفَعَلَ وَقَعَ مُؤَبَّدًا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُؤَقَّتُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِالتَّأْقِيتِ أَوْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ كَأَنْ ( قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ ) مَثَلًا ( فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ ) فَوْرًا ( وَدَخَلَتْ ) بَعْدَ قَبُولِهَا وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ ( طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ الْقَبُولِ .
وَالثَّانِي : لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيَمْتَنِعُ مَعَهُ ثُبُوتُ الْمَالِ فَيَنْتَفِي الطَّلَاقُ الْمَرْبُوطُ بِهِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ( بِالْمُسَمَّى ) كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى الطَّلَاقِ ، بَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْوَاضَ الْمُطْلَقَةَ يَلْزَمُهَا تَسْلِيمُهَا فِي الْحَالِ وَالْمُعَوَّضُ تَأَخَّرَ لِوُقُوعِهِ فِي التَّعْلِيقِ ، بِخِلَافِ الْمُنَجَّزِ مِنْ خُلْعٍ وَغَيْرِهِ يَجِبُ فِيهِ تَقَارُنُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمِلْكِ ( وَ ) طَلُقَتْ ( فِي وَجْهٍ ، أَوْ قَوْلٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ) لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيُؤَثِّرُ فَسَادُ الْعِوَضِ دُونِ الطَّلَاقِ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ وَإِذَا فَسَدَ الْعِوَضُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .
تَنْبِيهٌ : تَبِعَ الْمُحَرَّرَ فِي التَّرَدُّدِ فِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ ، وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ أَنَّهُ وَجْهٌ حَيْثُ قَالَا : وَجْهَانِ ، وَيُقَالُ : قَوْلَانِ .

وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْخُلْعِ بِالْمُسَمَّى مَا لَوْ قَالَ : إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ فِي غَالِبِ الظَّنِّ فَتَطْلُقُ إذَا أَعْطَتْهُ وَلَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلٍ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ .

وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ ، وَإِنْ كَرِهَتْ الزَّوْجَةُ وَهُوَ كَاخْتِلَاعِهَا لَفْظًا وَحُكْمًا .

ثُمَّ شَرَعَ فِي خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ وَلِيًّا لَهَا أَمْ غَيْرَهُ فَقَالَ ( وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ ) مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِلَفْظِ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ ( وَإِنْ كَرِهَتْ الزَّوْجَةُ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ ، وَالْأَجْنَبِيُّ مُسْتَقِلٌّ بِالِالْتِزَامِ ، وَلَهُ بَذْلُ الْمَالِ وَالْتِزَامُهُ فِدَاءً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْخُلْعَ فِدَاءً فَجَازَ كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ ، وَكَمَا يُبْذَلُ الْمَالُ فِي عِتْقِ عَبْدٍ لِسَيِّدِهِ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الرِّقِّ ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ غَرَضٌ دِينِيٌّ بِأَنْ يَرَاهُمَا لَا يُقِيمَانِ حُدُودَ اللَّهِ ، أَوْ يَجْتَمِعَانِ عَلَى مُحَرَّمٍ ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا يُنْقِذُهُمَا مِنْ ذَلِكَ فَيَفْعَلُ طَلَبًا لِثَوَابٍ ، أَوْ دُنْيَوِيٍّ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ ( وَهُوَ ) أَيْ اخْتِلَاعُ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الزَّوْجِ ( كَاخْتِلَاعِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( لَفْظًا ) أَيْ فِي أَلْفَاظِ الِالْتِزَامِ ( وَحُكْمًا ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ ، فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ ابْتِدَاءُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَجْنَبِيِّ ابْتِدَاءُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ ، فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْأَجْنَبِيِّ : طَلَّقْتُ امْرَأَتِي عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِك فَقَبِلَ ، أَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلزَّوْجِ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِي فَأَجَابَهُ بَانَتْ بِالْمُسَمَّى ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِ الْأَجْنَبِيِّ نَظَرًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَوَقَعَ لِلشَّارِحِ أَنَّهُ قَالَ : نَظَرًا لِشَوْبِ التَّعْلِيقِ ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ إجَابَةِ الزَّوْجِ نَظَرًا لِشَوْبِ الْجَعَالَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " وَحُكْمًا " صُوَرٌ : إحْدَاهَا مَا لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَخَالَعَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْهُمَا بِأَلْفٍ مَثَلًا مِنْ مَالِهِ صَحَّ بِأَلْفٍ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ لِلزَّوْجِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَحْدَهُ ، بِخِلَافِ الزَّوْجَتَيْنِ إذَا

اخْتَلَعَتَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفْصَلَ مَا يَلْتَزِمُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
الثَّانِيَةُ لَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرِيضَةُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمَهْرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْأَجْنَبِيِّ الْجَمِيعُ مِنْ الثُّلُثِ .
الثَّالِثَةُ : لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ : طَلِّقْهَا عَلَى هَذَا الْمَغْصُوبِ ، أَوْ عَلَى هَذَا الْخَمْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَطَلَّقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا ، بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَمَسَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ يَقَعُ لِلْمَرْأَةِ فَيَلْزَمُهَا بَدَلُهُ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
الرَّابِعَةُ : لَوْ سَأَلَتْ الْخُلْعَ بِمَالٍ فِي الْحَيْضِ فَلَا يَحْرُمُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
فَائِدَةٌ : أَخَذَ السُّبْكِيُّ مِنْ صِحَّةِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَ بَذْلِ مَالٍ لِمَنْ بِيَدِهِ وَظِيفَةٌ يَسْتَنْزِلُهُ عَنْهَا لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ الْعِوَضِ ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهَا ، وَيَبْقَى الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَاظِرِ الْوَظِيفَةِ يَفْعَلُ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَرَّرْته ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَثُرَ مِنْهُمْ الْوُقُوعُ فِي ذَلِكَ .

وَلِوَكِيلِهَا أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهَا فَتَتَخَيَّرُ هِيَ ، وَلَوْ اخْتَلَعَ رَجُلٌ وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا كَاذِبًا لَمْ تَطْلُقْ وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ فَيَخْتَلِعُ بِمَالِهِ ، فَإِنْ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ تَطْلُقْ ، أَوْ بِاسْتِقْلَالٍ فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ .

( وَلِوَكِيلِهَا ) فِي الِاخْتِلَاعِ ( أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ ) أَيْ لِنَفْسِهِ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالنِّيَّةِ فَيَكُونَ خُلْعَ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ : كَمَا لَوْ لَمْ تُوَكِّلْهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ أَوْ نَوَاهَا فَلَهَا ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ، وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ لَهُ وَإِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ وُقُوعَ الْخُلْعِ لَهُ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهَا ( وَلِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهَا ) فِي الِاخْتِلَاعِ عَنْهُ ( فَتَتَخَيَّرُ هِيَ ) بَيْنَ اخْتِلَاعِهَا لِنَفْسِهَا وَبَيْنَ اخْتِلَاعِهَا لَهُ بِأَنْ تُصَرِّحَ أَوْ تَنْوِيَ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ أَطْلَقَتْ وَقَعَ لَهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ عَنْ الْغَزَالِيِّ .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ صَرَّحَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ الزَّوْجَةُ بِالْوَكَالَةِ فَالْمُطَالَبُ بِالْعِوَضِ الْمُوَكَّلَ وَإِلَّا فَالْمُطَالِبُ الْمُبَاشِرُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ نَوَى الْخُلْعَ لَهُ ، أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأُولَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ ( وَلَوْ اخْتَلَعَ رَجُلٌ ) أَجْنَبِيٌّ مَثَلًا ( وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ حَالَةَ كَوْنِهِ ( كَاذِبًا ) فِيهَا ( لَمْ تَطْلُقْ ) لِارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِلُزُومِ الْمَالِ عَلَيْهَا وَهِيَ لَمْ تَلْتَزِمْهُ ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَعْتَرِفْ الزَّوْجُ بِالْوَكَالَةِ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا أَوْ ادَّعَاهَا بَانَتْ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ ( وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ ) فِيمَا ذُكِرَ ( فَيَخْتَلِعُ ) لَهَا ( بِمَالِهِ ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً ( فَإِنْ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ ) كَاذِبًا ( أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ تَطْلُقْ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ وَلَا وَلِيٍّ فِي ذَلِكَ ، إذْ الْوِلَايَةُ لَا تُثْبِتُ لَهُ التَّبَرُّعَ فِي مَالِهَا .
وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مَالَهَا الْعَامَّ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَخْتَلِعُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ قَبْلَ الْخُلْعِ ا هـ .
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الْخُلْعَ بِمَالِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ ( أَوْ ) صَرَّحَ (

بِاسْتِقْلَالٍ ) كَاخْتَلَعْت لِنَفْسِي أَوْ عَنْ نَفْسِي ( فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَاصِبٌ لِمَالِهَا بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأَظْهَرِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَأَنْ قَالَ : طَلِّقْهَا عَلَى عَبْدِهَا ، أَوْ عَلَى هَذَا الْمَغْصُوبِ ، أَوْ الْخَمْرِ مُقْتَصَرًا عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي مَالِهَا بِمَا ذُكِرَ كَمَا فِي السَّفِيهِ ، فَلَوْ أَشَارَ الْأَبُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ إلَى عَبْدِهَا وَقَالَ : طَلِّقْهَا بِهَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مِنْ مَالِهَا وَلَا أَنَّهُ مَغْصُوبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ عَبْدُهَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ الصَّدَاقِ .
أَمَّا لَوْ اخْتَلَعَ الْأَبُ بِصَدَاقِهَا كَأَنْ قَالَ : طَلِّقْهَا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا فَفَعَلَ وَقَعَ رَجْعِيًّا ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ صَدَاقِهَا ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْإِبْرَاءُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا ، فَلَوْ الْتَزَمَ مَعَ ذَلِكَ دَرْكَ بَرَاءَةِ الزَّوْجِ كَأَنْ قَالَ : وَضَمِنْت بَرَاءَتَك مِنْ الصَّدَاقِ ، أَوْ قَالَ : هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ طَلِّقْهَا عَلَى عَبْدِهَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ بَانَتْ وَلَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ كَخُلْعِهَا بِمَغْصُوبٍ ، فَإِنْ كَانَ جَوَابُ الزَّوْجِ بَعْدَ ضَمَانِ الدَّرْكِ إنْ بَرِئَتْ مِنْ صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا لَمْ تُوجَدْ ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهَا ، وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ صَدَاقٌ لَمْ يَسْقُطْ بِالْخُلْعِ ، وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ إذَا اتَّفَقَا جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً .

فَصْلٌ ادَّعَتْ خُلْعًا فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ مَجَّانًا بَانَتْ وَلَا عِوَضَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ عِوَضِهِ ، أَوْ قَدْرِهِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ ، وَلَوْ خَالَعَ بِأَلْفٍ وَنَوَيَا نَوْعًا لَزِمَ ، وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلٍ ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْنَا دَنَانِيرَ فَقَالَتْ بَلْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسًا تَحَالَفَا عَلَى الْأَوَّلِ ، وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ بِلَا تَحَالُفٍ فِي الثَّانِي .

.
فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْخُلْعِ أَوْ عِوَضِهِ إذَا ( ادَّعَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( خُلْعًا فَأَنْكَرَهُ ) الزَّوْجُ وَلَا بَيِّنَةَ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَعَدَمُ الْخُلْعِ ، فَإِنْ أَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ ، وَإِذَا ثَبَتَ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ إلَّا أَنْ يَعُودَ وَيَعْتَرِفَ بِالْخُلْعِ فَيَسْتَحِقَّهُ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَإِنْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا ) كَأَلْفٍ ( فَقَالَتْ ) بَلْ طَلَّقْتَنِي ( مَجَّانًا ) أَوْ لَمْ تُطَلِّقْنِي ( بَانَتْ ) بِقَوْلِهِ ( وَلَا عِوَضَ ) عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ إنْ حَلَفَتْ عَلَى نَفْيِهِ ، أَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَلِإِقْرَارِهِ .
وَأَمَّا عَدَمُ الْعِوَضِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهَا ، فَإِنْ أَقَامَ بِالْعِوَضِ بَيِّنَةً ، أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ، أَوْ حَلَفَ مَعَهُ ، أَوْ عَادَتْ وَاعْتَرَفَتْ بَعْدَ يَمِينِهَا بِمَا ادَّعَاهُ لَزِمَهَا الْعِوَضُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بَانَتْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ وَلَا كِسْوَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُهَا ، وَلَوْ مَاتَ هُوَ فِي عِدَّتِهَا وَرِثَتْ هِيَ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَالَ مِمَّا يَتِمُّ الْخُلْعُ بِدُونِ قَبْضِهِ ، فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى تَعْجِيلِ شَيْءٍ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ إلَّا بِقَبْضِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَلَوْ قَالَ : سَأَلْت الطَّلَاقَ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَتْ السُّؤَالَ أَوْ ادَّعَتْ طُولَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهَا وَعَدَمُ الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِيهِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ عِوَضِهِ ) أَدَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ ، أَوْ صِفَتِهِ كَصِحَاحٍ أَوْ مُكَسَّرَةٍ ( أَوْ ) فِي ( قَدْرِهِ ) كَأَلْفٍ فَقَالَتْ بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ ، أَوْ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي وَقَعَ

بِهِ الْخُلْعُ كَقَوْلِهَا : سَأَلْتُك ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ بِأَلْفٍ ، فَقَالَ : بَلْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( تَحَالَفَا ) كَمَا فِي الْبَيْعِ ( وَوَجَبَ ) لِبَيْنُونَتِهَا بِفَسْخِ الْعِوَضِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ الْحَاكِمِ ( مَهْرُ مِثْلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ وَمَنْ يَبْدَأُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَاسْتَوَيَا تَارِيخًا سَقَطَتَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا قُدِّمَتْ السَّابِقَةُ ( وَلَوْ خَالَعَ بِأَلْفٍ ) مَثَلًا وَفِي الْبَلَدِ نَوْعَانِ مَثَلًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا غَالِبَ فِيهِمَا ( وَنَوَيَا نَوْعًا ) مِنْهُمَا ( لَزِمَ ) الْمَنْوِيُّ إلْحَاقًا لَهُ بِالْمَلْفُوظِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْخُلْعِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْبَيْعِ ، وَلِهَذَا يُمْلَكُ الْعِوَضُ فِيهِ بِالْإِعْطَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ( وَقِيلَ ) : يَفْسُدُ الْمَنْوِيُّ وَيَلْزَمُ ( مَهْرُ مِثْلٍ ) بِالْجَهَالَةِ فِي اللَّفْظِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ ( وَلَوْ ) اخْتَلَفَتْ نِيَّتَاهُمَا بِأَنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسًا وَتَصَادَقَا فَلَا فُرْقَةَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ تَكَاذَبَا كَأَنْ ( قَالَ : أَرَدْنَا ) بِالْأَلْفِ الَّتِي أَطْلَقْنَاهَا ( دَنَانِيرَ فَقَالَتْ : بَلْ ) أَرَدْنَا ( دَرَاهِمَ ) فِضَّةٍ ( أَوْ فُلُوسًا تَحَالَفَا عَلَى الْأَوَّلِ ) وَهُوَ لُزُومُ الْمَنْوِيِّ كَالْمَلْفُوظِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي جِنْسِ الْعِوَضِ وَبَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ بَعْدَ الْفَسْخِ ( وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ بِلَا تَحَالُفٍ فِي الثَّانِي ) وَهُوَ لُزُومُ مَهْرِ مِثْلٍ لِمَا مَرَّ فِيهِ .

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

خَاتِمَةٌ : لَوْ قَالَتْ لَهُ : طَلِّقْنِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِي أَوْ وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا بَانَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ الْتِزَامٍ ، أَوْ إنْ طَلَّقْتَنِي فَأَنْتَ بَرِيءٌ أَوْ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلَّقَهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يُعَلَّقُ ، وَطَلَاقُ الزَّوْجِ طَمَعًا فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَحِيحٍ فِي الِالْتِزَامِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : طَلَّقَ طَمَعًا فِي شَيْءٍ وَرَغِبَتْ هِيَ فِي الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ فَيَكُونُ فَاسِدًا كَالْخَمْرِ أَيْ فَيَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهَا : إنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ ، فَإِنْ كَانَ ذَاكَ تَعْلِيقًا لِلْإِبْرَاءِ فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلتَّمْلِيكِ ، وَجَزَمَ بِهَذَا ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ : التَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ صِحَّةَ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ ظَنَّ صِحَّتَهُ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ا هـ .
وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ ، وَاعْتَمَدَ السُّبْكِيُّ الثَّانِيَ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهُ الْحَقُّ ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ ، لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَالَتْ : قَدْ أَبْرَأْتُك لَمْ يَكُنْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك أَوْ دَيْنِك ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمَهْرِ صَحَّ إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِمِقْدَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ جَاهِلَةً ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَنْ مَجْهُولٍ ، وَإِذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِهِ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ، كَمَا قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ أَوْ بَائِنًا كَمَا هُوَ أَحَدُ جَوَابَيْ الْقَاضِي ؟ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَلَوْ طَلَبَ مِنْهَا الْبَرَاءَةَ عَلَى الطَّلَاقِ ، فَقَالَتْ : أَبْرَأَك اللَّهُ تَعْنِي بِذَلِكَ أَبْرَأْتُك ، فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت

الْإِيقَاعَ بِشَرْطِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ قُبِلَ مِنْهُ ظَاهِرًا ، فَلَوْ تَبَيَّنَ جَهْلُهَا بِمَا أَبْرَأَتْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
فَائِدَةٌ : ضَابِطُ مَسَائِلِ الْخُلْعِ : أَنَّ مِنْهَا مَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بِالْمُسَمَّى ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ رَجْعِيًّا ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقَعُ أَصْلًا ، فَاَلَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بِالْمُسَمَّى أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ صَحِيحَةً وَالْعِوَضُ صَحِيحًا ، وَاَلَّذِي يَقَعُ فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ الَّذِي تَكُونُ الصِّيغَةُ فِيهِ صَحِيحَةً وَالْفَسَادُ فِي الْعِوَضِ ، وَاَلَّذِي يَقَعُ فِيهِ رَجْعِيًّا هُوَ الَّذِي يَكُونُ الْفَسَادُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الصِّيغَةِ وَيَكُونُ الطَّلَاقُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ ، وَاَلَّذِي لَا يَقَعُ أَصْلًا هُوَ الَّذِي يَكُونُ الطَّلَاقُ فِيهِ مُعَلَّقًا وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) .

كِتَابُ الطَّلَاقِ
كِتَابُ الطَّلَاقِ هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقُ ، وَمِنْهُ نَاقَةٌ طَالِقٌ أَيْ مُرْسَلَةٌ بِلَا قَيْدٍ ، وَشَرْعًا حَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ، وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ بِلَا سَبَبٍ فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } .
وقَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَالسُّنَّةُ : { كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ مِنْ الطَّلَاقِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
{ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .

يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانَ .

وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ : مُطَلِّقٌ وَصِيغَةٌ وَمَحَلٌّ وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ ، وَقَدْ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُطَلِّقُ .
فَقَالَ ( يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ ) أَيْ الطَّلَاقِ مِنْ الْمُطَلِّقِ مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا ( التَّكْلِيفُ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا فَيَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ وَالْمَرِيضِ ، أَيْ وَلَوْ كَانَ هَازِلًا ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٍ لَا تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا ، وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ لِفَسَادِ عِبَارَتِهِ ، وَلِخَبَرِ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ } نَعَمْ لَوْ تَوَلَّدَ جُنُونٌ مِنْ سُكْرٍ تَعَدَّى فِيهِ نَفَذَ طَلَاقُهُ فِي جُنُونِهِ ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ بِغَيْرِ سُكْرٍ تَعَدَّى فِيهِ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ بِمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ فِي حَالِ التَّكْلِيفِ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ .
فَإِنْ قِيلَ : أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ : أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ غَيْرِهِ إلَّا فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْمَوْلَى يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ، ثَانِيهِمَا : الِاخْتِيَارُ لِيُخْرِجَ الْمُكْرَهَ بِغَيْرِ حَقٍّ .
أُجِيبَ عَنْ إهْمَالِهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلْعِ وَعَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ مِلْكَ النِّكَاحِ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ أَهْمَلَهُ لِذِكْرِهِ حُكْمَ الْمُكْرَهِ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ زِيَادَةً عَلَى الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ( إلَّا السَّكْرَانَ ) الْمُتَعَدِّيَ بِسُكْرِهِ كَأَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ دَوَاءً مُجَنِّنًا بِلَا حَاجَةٍ فَيَصِحُّ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ السُّكْرُ طَافِحًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَسْقُطُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِعِصْيَانِهِ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ، قَالَ : وَلَكِنَّ مُرَادَ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ

حَالَ السُّكْرِ ، وَمُرَادُنَا هُنَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِقَضَاءِ الْعِبَادَاتِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى : وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ .
وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } .
الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ وَهُوَ الْمُنْتَشِئُ لِبَقَاءِ عَقْلِهِ ، وَلِذَا يَصِحُّ مِنْهُ سَائِرُ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ مِمَّا لَهُ وَعَلَيْهِ مَعًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، أَوْ مُنْفَرِدَيْنِ كَالْإِسْلَامِ وَالطَّلَاقِ ، وَيَصِحُّ طَلَاقُهُ بِالْكِنَايَةِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَشَمِلَ ذَلِكَ الْكَافِرَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ حُرْمَةَ شُرْبِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ ، وَخَرَجَ بِالْمُتَعَدِّي غَيْرُهُ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْكِرٌ أَوْ شَرِبَ دَوَاءً مُجَنِّنًا لِحَاجَةٍ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَالرُّجُوعُ فِي مَعْرِفَةِ السَّكْرَانِ إلَى الْعُرْفِ ، وَقِيلَ : أَدْنَى السُّكْرِ أَنْ يَخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ ، وَيَنْكَشِفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ أَدْنَى .
قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي : وَلَا يَحْتَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ لِأَنَّهُ إمَّا صَاحٍ وَإِمَّا سَكْرَانُ زَائِلُ الْعَقْلِ ، وَحُكْمُهُ وَحُكْمُ الصَّاحِي سَوَاءٌ ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَدِّي بِهِ ، وَفِيمَا إذَا قَالَ : إنْ سَكِرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ .
أَيْ فَيُحَدُّ حِينَئِذٍ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ حَسَنٌ ، وَلَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْدَمَا طَلَّقَ : إنَّمَا شَرِبْت الْخَمْرَ مُكْرَهًا - وَثَمَّ قَرِينَةٌ - أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْتُهُ مُسْكِرٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، نَعَمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ يُسْتَفْسَرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، أَمَّا إذَا شَرِبَ أَوْ أَكَلَ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ

لِحَاجَةٍ كَالتَّدَاوِي فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَالْوَجِيزِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ .

وَيَقَعُ بِصَرِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ ، وَبِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ ، فَصَرِيحُهُ الطَّلَاقُ وَكَذَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ عَلَى الْمَشْهُورِ كَطَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَيَا طَالِقُ ، لَا أَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ ( وَيَقَعُ ) الطَّلَاقُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ ( بِصَرِيحِهِ ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ ( بِلَا نِيَّةٍ ) لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ : لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُقْبَلْ ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ( وَ ) يَقَعُ أَيْضًا ( بِكِنَايَةٍ ) وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ لَكِنْ ( بِنِيَّةٍ ) لِإِيقَاعِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : سَيَأْتِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَصْدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ ، وَلَا يَكْفِي قَصْدُ حُرُوفِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهُ ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْعَجَمِيُّ إذَا لُقِّنَ كَلِمَةَ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ فِي الْكِنَايَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِيقَاعَ ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِمَنْ عَرَفَ مَعْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِلَا نِيَّةٍ أَيْ بِلَا نِيَّةِ الْإِيقَاعِ ، أَمَّا قَصْدُ التَّلَفُّظِ بِهِ فَيُشْتَرَطُ .
نَعَمْ الْمُكْرَهُ إنْ نَوَى مَعَ الصَّرِيحِ الْوُقُوعَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ بِنِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا بِتَحْرِيكِ لِسَانِهِ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مَعَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَلَامٍ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَتَى بِكِنَايَةٍ مِنْ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ وَضَمَّ إلَيْهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ كَأَنْتِ بَائِنٌ بَيْنُونَةً مُحَرَّمَةً لَا تَحِلِّي لِي أَبَدًا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا كِنَايَةً ، وَاسْتُشْكِلَ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْت بِكَذَا كَانَ كِنَايَةً ، فَلَوْ أَضَافَ إلَيْهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ ، فَالْأَصَحُّ صَرَاحَتُهُ ( فَصَرِيحُهُ ) جَزْمًا ( الطَّلَاقُ ) أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي

لِاشْتِهَارِهِ فِيهِ لُغَةً وَعُرْفًا ( وَكَذَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا ( عَلَى الْمَشْهُورِ ) فِيهِمَا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَاهُ وَالثَّانِي ، أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَهِرَا اشْتِهَارَ الطَّلَاقِ وَيُسْتَعْمَلَانِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : جُمْلَةُ قَوْلِهِ وَكَذَا .
.
إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّلَاقِ لَا عَلَى صَرِيحِهِ وَإِلَّا يَلْزَمْ حَصْرُ صَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّ مِنْ صَرِيحِهِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْخُلْعِ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ إنْ ذُكِرَ الْمَالُ وَكَذَا الْمُفَادَاةُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّرِيحِ وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً عِنْدَنَا ، وَكُلُّ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ كِنَايَةً أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّا نَعْتَبِرُ عُقُودَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ ، فَكَذَا طَلَاقُهُمْ ، وَأَمْثِلَةُ الْمُشْتَقُّ مِنْ الطَّلَاقِ ( كَطَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ ) بِالتَّشْدِيدِ وَيَا مُطَلَّقَةُ ( وَيَا طَالِقُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُهَا ذَلِكَ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ حُذِفَ الْمَفْعُولُ كَأَنْ قَالَ : طَلَّقْت ، أَوْ الْمُبْتَدَأَ وَحَرْفَ النِّدَاءِ كَأَنْ قَالَ : طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي الْأُولَى ( لَا أَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ ) فَلَيْسَا بِصَرِيحَيْنِ ( فِي الْأَصَحِّ ) بَلْ كِنَايَتَانِ : لِأَنَّ الْمَصَادِرَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَعْيَانِ تَوَسُّعًا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمَا صَرِيحَانِ كَقَوْلِهِ : يَا طَالِقُ ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ فَارَقْتُك وَسَرَّحْتُكِ فَهُمَا صَرِيحَانِ ، وَكَذَا أَنْتِ مُفَارَقَةٌ وَمُسَرَّحَةٌ ، وَيَا مُفَارَقَةُ ، وَيَا مُسَرَّحَةُ ، وَأَنْتِ فِرَاقٌ ، وَالْفِرَاقُ وَسَرَاحٌ وَالسَّرَاحُ كِنَايَاتٌ ، وَلَوْ

قَالَ : أَرَدْت بِالطَّلَاقِ إطْلَاقَهَا مِنْ وِثَاقٍ أَوْ بِالْفِرَاقِ مُفَارَقَةَ الْمَنْزِلِ ، أَوْ فِرَاقًا بِالْقَلْبِ ، أَوْ بِالسَّرَاحِ تَسْرِيحًا إلَى مَنْزِلِ أَهْلِهَا أَوْ أَرَدْت غَيْرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَسَبَقَ لِسَانِي إلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ فِي الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ عُرْفًا وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا ادَّعَاهُ ، فَإِنْ كَانَتْ قَرِينَةٌ ؛ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ يَحُلُّهَا مِنْ وِثَاقٍ قُبِلَ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ .
فَإِنْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرَ كَأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ أَوْ مِنْ الْعَمَلِ ، أَوْ سَرَّحْتُكِ إلَى كَذَا كَانَ كِنَايَةً إنْ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَلِفِ وَإِلَّا فَصَرِيحٌ ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَنْ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ مِنْ ذِرَاعِهِ أَوْ فَرَسِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ أَتَى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ بَدَلَ الطَّاءِ كَأَنْ يَقُولَ : أَنْتِ تَالِقٌ كَانَ كِنَايَةً كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي .
قَالَ : سَوَاءٌ كَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا ، وَلَوْ قَالَ : نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ : بَانَتْ مِنِّي امْرَأَتِي أَوْ حَرُمَتْ عَلَيَّ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ .

وَتَرْجَمَةُ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ
( وَتَرْجَمَةُ ) لَفْظِ ( الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِهَا شُهْرَةَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صَرَاحَةٍ نَحْوُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِنْ اُشْتُهِرَ فِيهِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كِنَايَةٌ اقْتِصَارًا فِي الصَّرِيحِ عَلَى الْعَرَبِيِّ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَتَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ جُمْلَةِ الشَّرْعِ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الطَّلَاقِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ كِنَايَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ : كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي صَرَاحَتِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَضُعِّفَا بِالتَّرْجَمَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ التَّرْجَمَةَ بِالْعَجَمِيَّةِ قَاصِرٌ فَإِنَّ غَيْرَ الْعَجَمِيَّةِ مِنْ اللُّغَاتِ كَذَلِكَ ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِسَائِرِ اللُّغَاتِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ .

وَأَطْلَقْتُك وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ كِنَايَةٌ ، وَلَوْ اشْتَهَرَ لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالْحَلَالِ أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) كُلٌّ مِنْ ( أَطْلَقْتُك وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ ) بِسُكُونِ الطَّاءِ ( كِنَايَةٌ ) لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كِنَايَةٌ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ صَرَاحَتِهِ إثْبَاتُ كِنَايَتِهِ ( وَلَوْ اشْتَهَرَ ) عُرْفًا ( لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالْحَلَالٍ ) بِضَمِّ اللَّامِ عَلَيَّ حَرَامٌ ( أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ) أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكَذَا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ الْحَرَامُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ ) عِنْدَ مَنْ اشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ : كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْمَرَاوِزَةِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحُصُولِ التَّفَاهُمِ عِنْدَهُمْ ( قُلْت : الْأَصَحُّ ) الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ ( أَنَّهُ كِنَايَةٌ ) مُطْلَقًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ الصَّرِيحَ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ وُرُودِ الْقُرْآنِ بِهِ وَتَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ ، وَلَيْسَ الْمَذْكُورُ كَذَلِكَ ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَهُمْ فَكِنَايَةٌ فِي حَقِّهِمْ جَزْمًا .

تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ أَلْقَيْت عَلَيْكِ طَلْقَةً صَرِيحٌ ، وَفِي قَوْلِهِ لَهَا : وَضَعْتُ عَلَيْكِ طَلْقَةً أَوْ لَكِ طَلْقَةً وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْأُولَى قِيَاسًا عَلَى أَلْقَيْت عَلَيْك طَلْقَةً كِنَايَةً فِي الثَّانِيَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَى الصَّرَاحَةِ وَقَوْلُهُ لَهَا : لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْءٌ وَبَيْعُهُ لَهَا بِصِيغَةِ الْبَيْعِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِهِ ، أَوْ أَبْرَأْتُك أَوْ عَفَوْت عَنْك ، أَوْ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك ، أَوْ بَرِئْت إلَيْكِ مِنْ طَلَاقِك كِنَايَةً ، مَعْنَاهُ فِي الْأَخِيرَةِ بَرِئْت مِنْك بِوَاسِطَةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْك ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهَا : بَرِئْت مِنْ طَلَاقِك فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَا يَبْعُدُ إيقَاعُهُ بِهِ ، وَقَوْلُهُ : الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ صَرِيحٌ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : فَرْضٌ عَلَيَّ ؛ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُزَنِيِّ : وَلَوْ قَالَ : عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَهُوَ كِنَايَةٌ .
وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ : إنَّهُ صَرِيحٌ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْحَقُّ فِي هَذَا الزَّمَنِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ ، فَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ : إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ ، وَقَوْلُهُ لَهَا : طَلَّقَك اللَّهُ ، وَلِغَرِيمِهِ أَبْرَأَك اللَّهُ ، وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ : أَعْتَقَك اللَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْعِتْقِ ، إذْ لَا يُطَلِّقُ اللَّهُ وَلَا يُبْرِئُ ، وَلَا يُعْتِقُ إلَّا وَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ ، وَالْغَرِيمُ بَرِيءٌ ، وَالْأَمَةُ مُعْتَقَةٌ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ بَاعَك اللَّهُ وَأَقَالَك اللَّهُ كِنَايَةٌ ، فَهَلَّا كَانَ مَا ذَكَرَ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّيَغَ هُنَا قَوِيَّةٌ لِاسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ ،

وَقَوْلُهُ لَهَا : طَلَاقُكِ عَلَيَّ أَوْ لَسْت زَوْجَتِي كِنَايَةٌ ، وَفَارَقَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا عَلَيَّ الطَّلَاقُ عَلَى قَوْلِ الصَّيْمَرِيِّ بِاحْتِمَالِهِ طَلَاقُك فَرْضٌ عَلَيَّ مَعَ عَدَمِ اشْتِهَارِهِ بِخِلَافِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ .

وَكِنَايَتُهُ كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَتَّةً بَتْلَةٌ بَائِنٌ اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك الْحَقِي بِأَهْلِك ، حَبْلُك عَلَى غَارِبِك ، لَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ ، اُعْزُبِي اُغْرُبِي دَعِينِي وَدِّعِينِي وَنَحْوِهَا ، وَالْإِعْتَاقُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ .

( وَكِنَايَتُهُ ) أَيْ الطَّلَاقِ ( كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ ) أَيْ خَالِيَةٌ مِنِّي ، وَكَذَا يُقَدَّرُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِيمَا بَعْدَهُ ( بَرِيَّةٌ ) بِهَمْزٍ وَتَرْكِهِ بِخَطِّهِ ، وَحَيْثُ قُلْت بِخَطِّهِ ، الْمُرَادُ الْمُصَنِّفُ : أَيْ مُنْفَصِلَةً ( بَتَّةً ) بِمُثَنَّاةٍ قَبْلَ آخِرِهِ أَيْ مَقْطُوعَةَ الْوَصْلَةِ .
مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَتِّ ، وَهُوَ الْقَطْعُ .
تَنْبِيهٌ : تَنْكِيرُ الْبَتَّةِ جَوَّزَهُ الْفَرَّاءُ ، وَالْأَصَحُّ ، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُعَرَّفًا بِاللَّامِ ( بَتْلَةٌ ) أَيْ مَتْرُوكَةُ النِّكَاحِ ، وَمِنْهُ : نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ ( بَائِنٌ ) مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْفِرَاقُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ بَائِنٌ هُوَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى ، وَالْقَلِيلُ بَائِنَةٌ ( اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا ( الْحَقِي بِأَهْلِك ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ ، وَجَعَلَهُ الْمُطَرِّزِيُّ خَطَأً أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا أَهْلٌ أَمْ لَا ( حَبْلُك عَلَى غَارِبِك ) أَيْ خَلَّيْت سَبِيلَك كَمَا يُخْلَى الْبَعِيرُ فِي الصَّحْرَاءِ وَزِمَامُهُ عَلَى غَارِبِهِ ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ مِنْ الْعُنُقِ لِيَرْعَى كَيْفَ شَاءَ ( لَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ ) مِنْ النَّدْهِ ، وَهُوَ الزَّجْرُ أَيْ لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِكِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، وَالسَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْإِبِلُ وَمَا يَرْعَى مِنْ الْمَالِ ، أَمَّا بِكَسْرِ السِّينِ فَالْجَمَاعَةُ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ ، وَيَجُوزُ كَسْرُ السِّينِ هُنَا ( اُعْزُبِي ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ تَبَاعَدِي عَنِّي ( اُغْرُبِي ) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ صِيرِي غَرِيبَةً بِلَا زَوْجٍ ( دَعِينِي ) أَيْ اُتْرُكِينِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك ( وَدِّعِينِي ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَكْسُورَةِ مِنْ الْوَدَاعِ ، فَوَاوُهُ أَصْلِيَّةٌ لَا عَاطِفَةٌ أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ( وَنَحْوُهَا ) كَقَوْلِهِ : لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، وَذُوقِي أَيْ مَرَارَةَ الْفِرَاقِ ،

وَتَزَوَّدِي أَيْ اسْتَعِدِّي لِلُّحُوقِ بِأَهْلِك ، وَتَقَنَّعِي وَاسْتَتِرِي ، أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك فَأَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَلَا تَحِلُّ لِي رُؤْيَتُك ، وَتَجَرَّعِي أَيْ كَأْسَ الْفِرَاقِ ، وَابْعَدِي لِأَنَّك أَجْنَبِيَّةٌ مِنِّي ، وَاذْهَبِي أَيْ إلَى أَهْلِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك لَا اذْهَبِي إلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ بِمَجْمُوعِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ .
فَإِنْ نَوَاهُ بِقَوْلِهِ : اذْهَبِي وَقَعَ ، إذْ ضَابِطُ الْكِنَايَةِ كُلُّ لَفْظٍ لَهُ إشْعَارٌ قَرِيبٌ بِالْفِرَاقِ وَلَمْ يَشِعْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا كَسَافِرِي ، وَاخْرُجِي ، وَيَا بِنْتِي إنْ أَمْكَنَ كَوْنَهَا بِنْتَه ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَهُ لِأَمَتِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَةِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ ، وَتَزَوَّجِي وَانْكِحِي أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، وَأَحْلَلْتُك أَيْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَفَتَحْت عَلَيْك الطَّلَاقَ أَيْ أَوْقَعْتُهُ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَسُوقُ إلَيْك الْخَيْرَ أَيْ بِالطَّلَاقِ ، وَبَارَكَ اللَّهُ لَكِ أَيْ فِي الْفِرَاقِ لَا إنْ قَالَ : بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَارَكَ اللَّهُ لِي فِيك ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِرَغْبَتِهِ فِيهَا ، وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لِلنَّاسِ أَوْ لِلْأَزْوَاجِ أَوْ لِلْأَجَانِبِ ، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ ، أَنْتِ وَشَأْنَكِ ، وَسَلَامٌ عَلَيْكِ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ عِنْدَ الْفِرَاقِ .
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَلَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ ( وَالْإِعْتَاقُ ) صَرِيحُهُ وَكِنَايَتُهُ ( كِنَايَةُ طَلَاقٍ ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ ، فَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ : أَعْتَقْتُك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ ، وَإِلَّا فَلَا ( وَعَكْسُهُ ) أَيْ صَرِيحُ الطَّلَاقِ ، وَكِنَايَتُهُ كِنَايَةُ إعْتَاقٍ لِمَا مَرَّ ، فَقَوْلُهُ لِرَقِيقِهِ : طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ خَلِيٌّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إنْ نَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا .
نَعَمْ قَوْلُهُ

لِعَبْدِهِ : اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمَك لَغْوٌ لَا يَعْتِقُ بِهِ وَإِنْ نَوَاهُ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ ، وَمِثْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا الْخُنْثَى وَكِنَايَةٌ فِي الْأَمَةِ ، وَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ : أَنَا مِنْك حُرٌّ ، أَوْ أَعْتَقْت نَفْسِي لَغْوٌ لَا يَعْتِقُ بِهِ وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَشْمَلُ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَمْلُوكِ .

وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ .
( وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ ) وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي إفَادَةِ التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضُوعِهِ مُمْكِنٌ ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ ، فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى الطَّلَاقَ ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الظِّهَارَ لَمْ يَقَعْ مَا نَوَاهُ بَلْ يَقَعُ مُقْتَضَى الصَّرِيحِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلَ .
مِنْهَا مَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَحِقِّ : أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ : بَلْ أَرَدْت الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْت فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَكِنَايَةٌ فِي الْوَقْفِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : فَسَخْت نِكَاحَك وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ بِعَيْبِهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ مَعَ أَنَّ الْفَسْخَ صَرِيحٌ فِي رَفْعِ نِكَاحِ الْمَعِيبَةِ بِحَيْثُ تَبِينُ بِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ فَقَدْ وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ حِينَئِذٍ ، وَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، فَقَالَ لِإِحْدَاهُنَّ فَارَقْتُك فَإِنَّهُ فَسْخٌ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي ، فَالْمَجْمُوعُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ كَانَ ظِهَارًا .

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك وَنَوَى طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا حَصَلَ ، أَوْ نَوَاهُمَا ، تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ ، وَقِيلَ طَلَاقٌ ، وَقِيلَ ظِهَارٌ ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَمْ تَحْرُمْ ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فِي الْأَظْهَرِ ، وَالثَّانِي لَغْوٌ وَإِنْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقًا ثَبَتَ ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ لَا نِيَّةَ فَكَالزَّوْجَةِ .

( وَلَوْ قَالَ ) لِزَوْجَتِهِ رَأْسُك أَوْ فَرْجُك أَوْ ( أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك وَنَوَى ) بِذَلِكَ ( طَلَاقًا ) رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَإِنْ تَعَدَّدَ ( أَوْ ) نَوَى بِهِ ( ظِهَارًا ) أَيْ أَنَّهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ ( حَصَلَ ) مَا نَوَاهُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، فَجَازَ أَنْ يُكَنَّى عَنْهُ بِالْحَرَامِ ( أَوْ نَوَاهُمَا ) أَيْ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ مَعًا ، وَكَذَا مُتَعَاقِبَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ : أَيْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ اللَّفْظِ كَأَنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا فِي أَوَّلِهِ وَالْآخَرَ فِي آخِرِهِ ( تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ ) مِنْهُمَا ، وَلَا يَثْبُتَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُزِيلُ النِّكَاحَ وَالظِّهَارَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ ( وَقِيلَ ) الْوَاقِعُ ( طَلَاقٌ ) لِأَنَّهُ أَقْوَى لِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ ( وَقِيلَ : ظِهَارٌ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءَ النِّكَاحِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَزِيدَانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ( أَوْ ) نَوَى بِذَلِكَ ( تَحْرِيمَ عَيْنِهَا ) أَوْ فَرْجِهَا أَوْ وَطْئِهَا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ رَأْسِهَا ( لَمْ تَحْرُمْ ) عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
قَالَ : إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا ، فَقَالَ : كَذَبْتَ لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } الْآيَةَ ( وَ ) لَكِنْ ( عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) أَيْ مِثْلُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَى الْوَطْءِ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتِهِ أَخْذًا مِنْ { قِصَّةِ مَارِيَةَ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ } نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } إلَى قَوْلِهِ : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ

كَفَّارَةً كَكَفَّارَةِ أَيْمَانِكُمْ ( وَكَذَا ) لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَالِ أَيْ مِثْلُهَا كَمَا مَرَّ ( إنْ لَمْ تَكُنْ ) لَهُ ( نِيَّةٌ ) فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِعُمُومِ مَا مَرَّ ( وَالثَّانِي ) أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ( لَغْوٌ ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ : أَرَدْت بِهِ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ ، إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : لِمَا مَرَّ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ( وَإِنْ قَالَهُ ) أَيْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا مَرَّ ( لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقًا ثَبَتَ ) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ أَوْ طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا لَغَا ، إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْأَمَةِ ( أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا ) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا مَرَّ ، وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ ( أَوْ لَا نِيَّةَ ) لَهُ ( فَكَالزَّوْجَةِ ) فِيمَا مَرَّ ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ قَطْعًا فِي الْأُولَى ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِي الثَّانِيَةِ .
أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ غَيْرَ حَلَالٍ لَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِصِدْقِهِ فِي وَصْفِهَا بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ : ذَلِكَ لِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا ، كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمُسْتَبْرَأَة وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي زَوْجَةٍ أَحْرَمَتْ أَوْ اعْتَدَّتْ بِشُبْهَةٍ أَوْجَهُهُمَا لَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي أَمَتِهِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْقَاضِي فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ شُبْهَةٍ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ ، وَلَا كَفَّارَةَ بِذَلِكَ فِي رَجْعِيَّةٍ لِصِدْقِهِ فِي وَصْفِهَا وَتَجِبُ فِي حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَصَائِمَةٍ وَنَحْوِهَا كَمُصَلِّيَةٍ ؛ لِأَنَّهَا عَوَارِضُ سَرِيعَةُ الزَّوَالِ .

وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الطَّعَامُ أَوْ الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ .
( وَلَوْ ) حَرَّمَ الشَّخْصُ غَيْرَ الْأَبْضَاعِ كَأَنْ ( قَالَ : هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الطَّعَامُ أَوْ الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ ) لَا كَفَّارَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالِاحْتِيَاطِ وَلِشِدَّةِ قَبُولِهَا التَّحْرِيمَ بِدَلِيلِ تَأْثِيرِ الظِّهَارِ فِيهَا دُونَ الْأَمْوَالِ ، وَكَالْأَمْوَالِ قَوْلُ الشَّخْصِ لِآخَرَ لَيْسَ بِزَوْجَةٍ وَلَا أَمَةٍ لَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ .
تَنْبِيهَاتٌ : لَوْ حَرَّمَ كُلُّ مَا يَمْلِكُ وَلَهُ نِسَاءٌ وَإِمَاءٌ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَيَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ جَمَاعَةً وَكَلَّمَهُمْ ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ : أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا ، وَمَا نَقَلَهُ فِي الظِّهَارِ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ تَعَدُّدِهَا ضَعِيفٌ ، وَلَوْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَنَوَى التَّأْكِيدَ ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى ، وَبَحَثَهُ شَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ كَفَاهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَتْ بِعَدَدِ الْمَرَّاتِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأُولَى وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُهَا خِلَافَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَرَامَ لَمَّا كَانَ يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ ، وَالطَّلَاقُ إذَا نَوَى بِهِ الِاسْتِئْنَافَ يَتَعَدَّدُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَقَصْدُ الِاسْتِئْنَافِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ .

وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ ، وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الْخَمْرِ ، أَوْ الْخِنْزِيرِ ، أَوْ الدَّمِ فَكَقَوْلِهِ : أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ فِيمَا مَرَّ .
نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِقْذَارَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا تُلْحَقُ الْكِنَايَةُ بِالصَّرِيحِ مُوَاطَأَةً كَالتَّوَاطُؤِ عَلَى جَعْلِ قَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَطَلَّقْتُك ، بَلْ تَكُونُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ ، وَلَا سُؤَالُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ ، وَلَا قَرِينَةَ مِنْ غَضَبٍ وَنَحْوِهِ ( وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ قَارَنَتْ أَوَّلَهُ وَعَزَبَتْ قَبْلَ آخِرِهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ ( وَقِيلَ : يَكْفِي ) اقْتِرَانُهَا ( بِأَوَّلِهِ ) فَقَطْ وَيَنْسَحِبُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ .
وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَنَقَلَ فِي الْكَبِيرِ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِبَعْضِ اللَّفْظِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا .
تَنْبِيهٌ : اللَّفْظُ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ هُوَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ ، وَمَثَّلَ لَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ بِقَرْنِهَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ مَثَلًا ، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِنَايَاتِ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الِاكْتِفَاءُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّ أَنْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْكِنَايَةِ فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْمَقْصُودَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ .

وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ لَغْوٌ ، وَقِيلَ كِنَايَةٌ ، وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ ، فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهِ فَطِنُونَ فَكِنَايَةٌ .

( وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ ) وَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ ( بِطَلَاقٍ ) كَأَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ : طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ اذْهَبِي ( لَغْوٌ ) لَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْعِبَارَةِ إلَى الْإِشَارَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ الطَّلَاقَ ، وَإِنْ قَصَدَهُ بِهَا فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا ( وَقِيلَ ) : هِيَ ( كِنَايَةٌ ) لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ .
تَنْبِيهٌ : خَرَجَ بِإِشَارَةِ النَّاطِقِ إشَارَةً لِمَحَلِّ الطَّلَاقِ كَقَوْلِ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ : امْرَأَتِي طَالِقٌ مُشِيرًا لِإِحْدَاهُمَا وَقَالَ : أَرَدْت الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يُقْبَلُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ آخِرَ الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ قُبَيْلَ الْبَابِ السَّادِسِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَإِشَارَتِهِ بِأَمَانٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُلْتَحَقُ بِعِبَارَتِهِ فَلَيْسَتْ لَغْوًا ، وَمِمَّا لَمْ يُلْحِقُوهُ بِالْعِبَارَةِ إشَارَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِشَارَتُهُ إلَى مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ وَلَا يَحْنَثُ ( وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ ( فِي الْعُقُودِ ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ، وَفِي الْأَقَارِيرِ وَالدَّعَاوَى ( وَ ) فِي ( الْحُلُولِ ) كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ، وَاسْتَثْنَى فِي الدَّقَائِقِ شَهَادَتَهُ وَإِشَارَتَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ ( فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ ) مَثَلًا ( بِهَا ) أَيْ الْإِشَارَةِ ( كُلُّ أَحَدٍ ) مِنْ فَطِنٍ وَغَيْرِهِ ( فَصَرِيحَةٌ ) إشَارَتُهُ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ كَأَنْ قِيلَ لَهُ : كَمْ طَلَّقْت زَوْجَتَك ؟ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ ( وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهِ ) أَيْ بِفَهْمِ طَلَاقِهِ بِإِشَارَتِهِ ( فَطِنُونَ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا : أَيْ أَهْلُ الْفِطْنَةِ وَالذَّكَاءِ ضِدُّ الْغَبِيِّ ( فَكِنَايَةٌ ) يَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : تَفْسِيرُ الْأَخْرَسِ صَرِيحُ إشَارَتِهِ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَتَفْسِيرِ اللَّفْظِ الشَّائِعِ فِي

الطَّلَاقِ بِغَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ .

لَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ طَلَاقًا ، وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَغْوٌ ، وَإِنْ نَوَاهُ فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ .
( لَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ ) عَلَى مَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْخَطُّ كَرِقٍّ وَثَوْبٍ وَحَجَرٍ وَخَشَبٍ لَا عَلَى نَحْوِ مَاءٍ كَهَوَاءٍ ( طَلَاقًا ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا يُغْتَفَرُ إلَى قَبُولٍ كَالْإِعْتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ، كَأَنْ كَتَبَ زَوْجَتِي أَوْ كُلُّ زَوْجَةٍ لِي طَالِقٌ ، أَوْ عَبْدِي حُرٌّ ( وَلَمْ يَنْوِهِ ) أَيْ الطَّلَاقَ أَوْ نَحْوَهُ ( فَلَغْوٌ ) لَا يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ( وَإِنْ نَوَاهُ ) وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ ( فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ ) لِأَنَّ الْكِنَايَةَ طَرِيقٌ فِي إفْهَامِ الْمُرَادِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ ، وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْخِطَابَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ كَاللَّفْظِ .
وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الْقَوْلِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ كَالْإِشَارَةِ مِنْ نَاطِقٍ ، فَإِنْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَصَرِيحٌ ، فَإِنْ قَالَ : قَرَأْته حَاكِيًا مَا كَتَبْته بِلَا نِيَّةِ طَلَاقٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ هَذَا إذَا لَمْ تُقَارِنْ الْكُتُبُ النِّيَّةَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ ، وَلَوْ كَتَبَ الْأَخْرَسُ أَنَّ زَوْجَتَهُ طَالِقٌ كَانَ كِنَايَةً عَلَى الصَّحِيحِ فَيَقَعُ إنْ نَوَى وَإِنْ لَمْ يُشِرْ مَعَهَا .
أَمَّا إذَا رَسَمَ صُورَةَ الْكِتَابَةِ عَلَى مَاءٍ أَوْ فِي هَوَاءٍ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ فِي الْمَذْهَبِ .

فَإِنْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ .

وَفَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ كَتَبَ ) شَخْصٌ فِي كِتَابٍ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَوَى وَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِبُلُوغِ الْكِتَابِ كَقَوْلِهِ ( إذَا بَلَغَك كِتَابِي ) أَوْ وَصَلَ إلَيْكَ أَوْ أَتَاكَ ( فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ ) لَهَا مَكْتُوبًا كُلَّهُ مُرَاعَاةً لِلشَّرْطِ ، فَإِنْ انْمَحَى كُلُّهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَمْ تَطْلُقْ ، كَمَا لَوْ ضَاعَ وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ بَعْدَ الْمَحْوِ وَأَمْكَنَ قِرَاءَتُهُ طَلُقَتْ ، وَلَوْ ذَهَبَ سَوَابِقُهُ وَلَوَاحِقُهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَبَقِيَتْ مَقَاصِدُهُ وَقَعَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَهَبَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ انْمَحَقَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا جَمِيعُ الْكِتَابِ ، وَلَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَتَبَ عَمَّا لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ، كَمَا لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الزَّوْجُ كَمَا جَزَمَا بِهِ خِلَافًا لِلصَّيْمَرِيِّ فِي قَوْلِهِ : إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَى غَيْرِهِ وَبِقَوْلِهِ طَالِقٌ عَمَّا لَوْ كَتَبَ كِنَايَةً مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ، كَمَا لَوْ كَتَبَ زَوْجَتِي بَائِنٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ كِنَايَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِكِنَايَةٍ ، إذْ لَا يَكُونُ لِلْكِنَايَةِ كِنَايَةٌ ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا .
فَرْعٌ : لَوْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك نِصْفُ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَغَهَا كُلُّهُ طَلُقَتْ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَإِنْ ادَّعَتْ وُصُولَ كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ خَطُّهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا بِرُؤْيَةِ الشَّاهِدِ بِكِتَابِهِ وَحَفِظَهُ عِنْدَهُ لِوَقْتِ الشَّهَادَةِ .

وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي وَهِيَ قَارِئَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِئَ عَلَيْهَا فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ ، طَلُقَتْ .

( وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَهِيَ قَارِئَةٌ فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ بِهِ إذْ الْقِرَاءَةُ تُعْطِي ذَلِكَ ، لَكِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ .
الثَّانِي : اشْتِرَاطُ قِرَاءَةِ جَمِيعِهِ ، وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِقِرَاءَةِ الْمَقَاصِدِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، فَحُكْمُ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْكِتَابِ كَوُصُولِ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ حُكْمُهُ ( وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا ) تَطْلُقُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِعَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَعَ الْإِمْكَانِ .
وَالثَّانِي تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اطِّلَاعُهَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ .
فَإِنْ قِيلَ : يُشْكَلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا إذَا كَتَبَ لِلْقَاضِي مَنْ وَلَّاهُ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَهُوَ قَارِئٌ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ .
فَهَلَّا سَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ عَادَةَ الْحُكَّامِ قِرَاءَةُ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ ، وَالْمَقْصُودُ إعْلَامُهُ بِالْحَالِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَإِنَّمَا يُتَحَقَّقُ وُقُوعُهُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ ( وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً ) أَيْ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ ذَلِكَ ( فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْقَارِئَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ حَالَهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقْ عَلَى الْأَقْرَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَتَرِدُ هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ ثُمَّ عَلَّقَ بِوُصُولِ الطَّلَاقِ وَوَصَلَ إلَيْهَا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ .

فَصْلٌ لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ ، فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ .

( فَصْلٌ ) فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا { بِأَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } إلَخْ } فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ الْفُرْقَةَ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِهِنَّ مَعْنَى .
فَإِنْ قِيلَ : لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بِدَلِيلِ : { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ } .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ ( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا ) الْمُنَجَّزِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً كَطَلِّقِي أَوْ أَبِينِي نَفْسَك ( إلَيْهَا ) أَيْ زَوْجَتِهِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ : إذَا جَاءَ الْغَدُ أَوْ زَيْدٌ فَطَلِّقِي نَفْسَك ، وَلَا التَّفْوِيضُ لِصَغِيرَةٍ ، أَوْ حُكْمُ مَجْنُونَةٍ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ ( تَمْلِيكٌ ) لِلطَّلَاقِ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ التَّمْلِيكِ ( فِي الْجَدِيدِ ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهَا كَغَيْرِهِ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ مَلَّكْتُك طَلَاقَك ( فَيُشْتَرَطُ ) عَلَيْهِ ( لِوُقُوعِهِ ) تَكْلِيفَهُ وَتَكْلِيفَهَا وَ ( تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَ هُنَا جَوَابٌ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ كَقَبُولِهِ ، وَقَبُولُهُ فَوْرٌ ، فَإِنْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ كَثِيرٌ بَيْنَ تَفْوِيضِهِ وَتَطْلِيقِهَا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ ، فَلَوْ قَالَتْ : كَيْفَ أُطَلِّقُ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ وَقَعَ ، وَالْفَصْلُ بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ لِقِصَرِهِ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ ، وَلَا يَقَعُ عَلَى

غَيْرِ مُكَلَّفَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِفَسَادِ الْعِبَارَةِ ، نَعَمْ لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِ نَفْسِك لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ ، وَكَذَا إنْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى أَوْ مَتَى مَا شِئْت لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّمْلِيكُ اشْتِرَاطَهُ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ سُومِحَ فِي تَمْلِيكِهِ ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا ذُكِرَ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ .

وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ ، وَقِيلَ قَوْلٌ تَوْكِيلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا خِلَافُ الْوَكِيلِ ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ
( وَإِنْ قَالَ ) لَهَا ( طَلِّقِي ) نَفْسَك ( بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ ) فَوْرًا وَهِيَ جَائِزَةُ التَّصَرُّفِ ( بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ ) وَيَكُونُ تَمْلِيكُهَا بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ ، فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ فَهُوَ كَالْهِبَةِ ( وَفِي قَوْلٍ ) نُسِبَ لِلْقَدِيمِ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا ( تَوْكِيلٌ ) كَمَا لَوْ فَوَّضَ طَلَاقَهَا لِأَجْنَبِيٍّ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لَهَا فِيهِ غَرَضًا وَلَهُ بِهَا اتِّصَالًا ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ ( فَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي تَطْلِيقِهَا ( فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَائِبَةِ التَّمْلِيكِ ( وَ ) عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ ( فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا ) لَفْظًا ( خِلَافُ الْوَكِيلِ ) الَّذِي سَبَقَ فِي بَابِهِ ، وَالْمُرَجَّحُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَفْظًا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ : فَفِي اشْتِرَاطٍ لِأَفْهَمَ التَّفْرِيعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ ( وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ ) التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ ( لَهُ الرُّجُوعُ ) عَنْ التَّفْوِيضِ بِرُجُوعِهِ أَمْ لَا .

قَبْلَ تَطْلِيقِهَا ، وَلَوْ قَالَ : إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ .
( وَلَوْ ) عَلَّقَ التَّفْوِيضَ كَأَنْ ( قَالَ ) لَهَا ( إذَا جَاءَ رَمَضَانُ ) مَثَلًا ( فَطَلِّقِي ) نَفْسَك ( لَغَا عَلَى ) قَوْلِ ( التَّمْلِيكِ ) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ : كَمَا لَوْ قَالَ : مَلَّكْتُك هَذَا الْعَبْدَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَجَازَ عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ : فَلْيَتَأَمَّلْ الْجَمْعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِذْنِ فِيهَا فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ .

وَلَوْ قَالَ أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ ، أَوْ أَبِينِي وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ .

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صُوَرِ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ ( وَ ) أَمَّا بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ كَمَا ( لَوْ قَالَ ) لَهَا : ( أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى ) أَيْ الزَّوْجُ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِأَبِينِي وَنَوَتْ هِيَ تَطْلِيقَ نَفْسِهَا بِأَبَنْتُ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا ( فَلَا ) يَقَعُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ هُوَ فَلَا تَفْوِيضَ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ هِيَ فَلَا تَطْلِيقَ ، إذْ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَحْدَهُ ( وَلَوْ ) صَرَّحَ فَكَنَّتْ أَوْ عَكْسُهُ كَأَنْ ( قَالَ ) لَهَا ( طَلِّقِي ) نَفْسَك ( فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ ، أَوْ ) قَالَ ( أَبِينِي ) نَفْسَك ( وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهَا أُمِرَتْ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ فَعَلَتْهُ فِي الْحَالَيْنِ ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ لَفْظِهِمَا ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّخَالُفَ فِي الْكِنَايَةِ أَوْ الصَّرِيحِ كَاخْتَارِي نَفْسَك ، فَقَالَتْ : أَبَنْتهَا ، أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك ، فَقَالَتْ : سَرَّحْتُهَا لَا يَضُرُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، نَعَمْ إنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوْ بِكِنَايَتِهِ أَوْ بِالتَّسْرِيحِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَعَدَلَتْ عَنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِمُخَالَفَتِهَا صَرِيحَ كَلَامِهِ .
تَنْبِيهٌ : عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ بِطَلِّقِي نَفْسَك ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَبِينِي نَفْسَك ، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ نَفْسَك وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ نَفْسِك مِنْهُمَا وَزِدْتُهُمَا فِي الشَّرْحِ ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَا يَقَعُ ، وَإِنْ نَوَتْ نَفْسَهَا ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِالْفِرَاقِ ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ .
وَثَانِيهِمَا : يَقَعُ إذَا نَوَتْ نَفْسَهَا وَبِهِ قَالَ الْبُوشَنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ

الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ .

وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ ) لَهَا ( طَلِّقِي ) نَفْسَك ( وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ : طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ ) وَقَدْ عَلِمَتْ نِيَّتَهُ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا : كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ ( فَثَلَاثٌ ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ ، وَقَدْ نَوَيَاهُ ( وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي الْعَدَدِ وَالثَّانِي ثَلَاثٌ حَمْلًا عَلَى مَنْوِيِّهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَإِلَّا صَادِقٌ بِمَا إذَا نَوَى هُوَ ثَلَاثًا وَلَمْ تَنْوِ هِيَ عَدَدًا ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَنْوِيَا أَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا فَقَطْ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْبَيْعِ ، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ تَقَعُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافٍ .

وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسَهُ فَوَاحِدَةٌ .
( وَلَوْ قَالَ ) : طَلِّقِي نَفْسَك ( ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ ) أَيْ قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدًا ( أَوْ عَكْسَهُ ) كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَثَلَّثَتْ أَيْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا ( فَوَاحِدَةٌ ) تَقَعُ فِي الصُّورَتَيْنِ ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا أَوْقَعَتْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَالزَّائِدُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَقَعُ مَا تَمْلِكُهُ .
تَنْبِيهَاتٌ : لَهَا فِي الْأُولَى بَعْدَ أَنْ وَحَّدَتْ وَرَاجَعَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا أَنْ تَزِيدَ الثِّنْتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَى الْوَاحِدَةِ الَّتِي أَوْقَعَتْهَا فَوْرًا ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ دُفْعَةً وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ، وَلَا يَقْدَحُ تَخَلُّلُ الرَّجْعَةِ مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ بِلَا نِيَّةٍ : طَلَّقْت وَقَعَ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا جَوَابٌ لِكَلَامِهِ فَهُوَ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ هُوَ بِالثَّلَاثِ وَنَوَاهَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ عَوْدِهِ فِي الْجَوَابِ ، إذْ التَّخَاطُبِ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَبَثًا وَنَوَتْ فَصَادَفَتْ التَّفْوِيضَ لَهَا وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا طَلُقَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا .

وَلَوْ فَوَّضَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ إلَى اثْنَيْنِ وَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا طَلْقَةً ، وَالْآخَرُ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ كَمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهَا ، وَإِنْ جَعَلَ طَلَاقَهَا بِيَدِ اللَّهِ وَيَدِ زَيْدٍ لَغَا إنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ فَلَيْسَ لِزَيْدٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ فَلَا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ كَمَا لَوْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْعَطْفِ .

وَلَوْ قَالَ : جَعَلْت كُلَّ أَمْرٍ لِي عَلَيْك بِيَدِك كَانَ كِنَايَةً فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَنْوِهَا ، وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَشِيئَةَ ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْعَدَدِ ، فَقَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ لَغَا لِصَيْرُورَةِ الْمَشِيئَةِ شَرْطًا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ ، وَالْمَعْنَى طَلِّقِي إنْ اخْتَرْتِ الثَّلَاثَ ، فَإِذَا اخْتَارَتْ غَيْرَهُنَّ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَهَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى تَفْوِيضِ الْمَعْنَى ، وَالْمَعْنَى فَوَّضْت إلَيْكِ أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا ، فَإِنْ شِئْت فَافْعَلِي مَا فَوَّضْت إلَيْكِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَلَا نُفُوذَ مَا يَدْخُلُ فِيهِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : إنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الطَّلَاقِ أَيْضًا ، فَقَالَ : إنْ شِئْت طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً كَانَ كَمَا لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ الْعَدَدِ

فَصْلٌ مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ طَلَاقٌ لَغَا ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانٌ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ لَغَا ، وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ .

( فَصْلٌ ) فِي اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي الطَّلَاقِ ، وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْقَصْدُ ، إذَا ( مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ ) أَوْ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَمْ يَعْصِ بِهِ ( طَلَاقٌ لَغَا ) وَإِنْ قَالَ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ أَجَزْتُهُ أَوْ أَوْقَعْتُهُ لِحَدِيثِ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ } وَذَكَرَ مِنْهَا النَّائِمَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَلِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ هَذَا بِاشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ أَوَّلَ الْبَابِ ، لَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ ، ثُمَّ قَالَ : كُنْت حِينَئِذٍ صَبِيًّا أَوْ نَائِمًا وَأَمْكَنَ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ : كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ ، وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي تَصْدِيقِ النَّائِمِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ( وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ ) لِحُرُوفِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ ( لَغَا ) مَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ ، وَكَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ حَاكِيًا كَلَامَ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ الْفَقِيهُ إذَا تَكَرَّرَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي دَرْسِهِ وَتَصْوِيرِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قَصْدٌ مَعَ قَوْلِهِ سَبَقَ ، وَلَوْ قَالَ : لَا بِقَصْدٍ كَانَ أَعَمَّ ( وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا ) فِي دَعْوَاهُ سَبْقَ لِسَانِهِ بِالطَّلَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْغَالِبَ أَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ إلَّا وَيَقْصِدُهُ ( إلَّا بِقَرِينَةٍ ) كَأَنْ دَعَاهَا بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ إلَى فِرَاشِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ الْآنَ طَاهِرَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ ، فَقَالَ أَنْتِ الْيَوْمَ طَالِقَةٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ فِي دَعْوَاهُ السَّبْقَ فَلَهَا قَبُولُ قَوْلِهِ ، وَكَذَا لِلشُّهُودِ أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا ، وَذَكَرَ أَوَاخِر الطَّلَاقِ ، أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ لَفْظَ رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ ، وَكَانَ مَا هُنَا فِيمَا إذَا

ظَنُّوا وَمَا هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَحَقَّقُوا كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ .
قَالَ شَيْخُنَا وَمَعَ ذَلِكَ فِيمَا هُنَا نَظَرٌ ا هـ .
وَالْأَوْلَى إلْحَاقُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .

وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ يَا طَالِقُ وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَمْ تَطْلُقْ ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ ؛ وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا فَقَالَ يَا طَالِقُ وَقَالَ أَرَدْت النِّدَاءَ فَالْتَفَّ الْحَرْفُ صُدِّقَ .
( وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ ) لَهَا ( يَا طَالِقُ ) بِضَمِّ الْقَافِ بِخَطِّهِ ( وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَمْ تَطْلُقْ ) جَزْمًا لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ مَعْنَاهُ ، وَكَوْنُهَا اسْمَهَا كَذَلِكَ قَرِينَةٌ تُسَوِّغُ تَصْدِيقَهُ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ قَصْدُ نِدَائِهَا بِاسْمِهَا وَإِلَّا فَنِدَاؤُهَا مَقْصُودٌ ، وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ ( وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَكَانَ اسْمُهَا ذَلِكَ عِنْدَ النِّدَاءِ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) حَمْلًا عَلَى النِّدَاءِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الطَّلَاقَ وَاللَّفْظُ هُنَا مُشْتَرَكٌ وَالْأَصْلُ دَوَامُ النِّكَاحِ ، أَمَّا إذَا كَانَ اسْمُهَا ذَلِكَ ثُمَّ غُيِّرَ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِهِ بَعْدَ التَّغْيِيرِ طَلُقَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعِتْقِ فِي نِدَاءِ عَبْدِهِ الْمُسَمَّى بِحُرٍّ يَا حُرُّ ( وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا ) أَوْ طَالِعًا أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تُقَارِبُ حُرُوفَ طَالِقٍ ( فَقَالَ ) لَهَا : ( يَا طَالِقُ ، وَقَالَ : أَرَدْت النِّدَاءَ ) لَهَا بِاسْمِهَا ( فَالْتَفَّ ) بِلِسَانِي ( الْحَرْفُ صُدِّقَ ) ظَاهِرًا لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ .

وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ أَنْكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ وَقَعَ .

( وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ ) لَهَا ( هَازِلًا ) وَهُوَ قَصْدُ اللَّفْظِ دُونَ مَعْنَاهُ ( أَوْ لَاعِبًا ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِقَوْلِهَا لَهُ فِي مَعْرِضِ دَلَالٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ اسْتِهْزَاءٍ طَلِّقْنِي فَيَقُولُ لَهَا لَاعِبًا أَوْ مُسْتَهْزِئًا طَلَّقْتُك ( أَوْ ) خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ ( وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً ) وَيُصَدَّقُ ذَلِكَ بِصُوَرٍ .
إمَّا ( بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ ) أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ( أَوْ ) بِأَنْ ( أَنْكَحَهَا ) لَهُ ( وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ ) بِالنِّكَاحِ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ .
أَمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ فَلِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ لِخَطَأِ ظَنِّهِ ، وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ : { ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : الطَّلَاقُ ، وَالنِّكَاحُ ، وَالرَّجْعَةُ } .
قَالَ الْبَغَوِيّ : وَخَصَّ فِي الْحَدِيثِ الثَّلَاثَ لِتَأَكُّدِ أَمْرِ الْفَرْجِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ تَنْعَقِدُ بِالْهَزْلِ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ .
وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي مَحَلِّهِ وَظَنُّ غَيْرِ الْوَاقِعِ لَا يَدْفَعُهُ .
تَنْبِيهٌ : عَطْفُ الْمُصَنِّفِ اللَّعِبَ عَلَى الْهَزْلِ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا ، وَكَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ : الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ مِنْ وَادِي الِاضْطِرَابِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ عَلَى سَبِيلِ اللَّعِبِ وَالْهَزْلِ ، وَهِيَ تَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا ، وَاَلَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ أَنَّ الْهَزْلَ يَخْتَصُّ بِالْكَلَامِ وَاللَّعِبَ أَعَمُّ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْوُقُوعَ أَنَّهُ يَقَعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مَسْأَلَةِ الظَّنِّ بَاطِنًا وَهُوَ ، الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ إنَّ الْمَذْهَبَ الْوُقُوعُ بَاطِنًا ، وَلَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً فَقَالَ

: زَوْجَتِي طَالِقٌ طَلُقَتْ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَأَقَرَّاهُ ، وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي ، فَقَالَ : رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الرِّسْتَاقِ فَذَهَبَتْ إلَى الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَلَك زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ لِي زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَانَتْ هِيَ فِي الْبَلَدِ ، فَعَلَى قَوْلَيْ حِنْثِ النَّاسِي .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَأَكْثَرُ مَا يُلْمَحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا صُورَةُ التَّعْلِيقِ .

وَلَوْ كَانَ وَاعِظًا مَثَلًا وَطَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ .
طَلَّقْتُكُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَتُهُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَنْعٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ ، إذْ مَعْنَاهُ الْفُرْقَةُ وَقَدْ نَوَاهَا ، وَبِأَنَّ دَلِيلَ الدُّخُولِ هُنَا مَوْجُودٌ وَهُوَ مُشَافَهَةُ الْحَاضِرِينَ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ فِيهِمْ لَا يَمْنَعُ الْإِيقَاعَ كَمَنْ خَاطَبَهَا يَظُنُّهَا غَيْرَهَا .
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ شَرْعًا : قَطْعُ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ الْوَاعِظُ ، بِخِلَافِ مَنْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا غَيْرَهَا ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْقَصْدِ لِلتَّغْلِيبِ وَلَا قَصْدَ .

وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ ، وَقِيلَ إنْ نَوَى مَعْنَاهَا وَقَعَ .
( وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ ) أَوْ غَيْرُهُ ( بِهِ ) أَيْ الطَّلَاقِ ( بِالْعَرَبِيَّةِ ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ ( وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ ) سَوَاءٌ أَلْقَنَهُ أَوْ لَا ( لَمْ يَقَعْ ) لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ ، وَقَيَّدَهُ الْمُتَوَلِّي بِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لِأَهْلِ اللِّسَانِ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا ، وَيُدَيَّنُ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ ( وَقِيلَ إنْ نَوَى ) الْعَجَمِيُّ بِهِ ( مَعْنَاهَا ) أَيْ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا ( وَقَعَ ) لِأَنَّهُ قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ ؛ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ وَقَصَدَ بِهِ قَطْعَ النِّكَاحِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا لَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِكَلِمَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا .

وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ ، فَإِنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ ، فَوَحَّدَ ، أَوْ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فَكَنَّى أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى طَلَّقْتُ فَسَرَّحَ أَوْ بِالْعُكُوسِ وَقَعَ ، وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ حَقَّقَهُ ، وَيَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ وَنَحْوِهَا ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ قَتْلٌ ، وَقِيلَ قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ .

( وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ ) بِغَيْرِ حَقٍّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَلِخَبَرِ : { لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ } أَيْ إكْرَاهٍ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ وَصَحَّ إسْلَامُهُ ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَغَا كَالرِّدَّةِ .
نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا مُكْرَهًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا ، فَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَحَّ الْإِسْلَامُ ، وَصُوِّرَ الطَّلَاقُ بِحَقٍّ جَمْعٌ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي الْمُولِيَ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الثَّلَاثِ فَتَلَفَّظَ بِهَا لَغَا الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَيَنْعَزِلُ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمُولِي لَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ عَيْنًا بَلْ بِهِ أَوْ بِالْفَيْئَةِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ يَمْنَعُ الْوُقُوعَ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَأَتَى بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمُولِي كَمَا لَوْ آلَى وَهُوَ غَائِبٌ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَوَكَّلَتْ بِالْمُطَالَبَةِ فَرَفَعَهُ وَكِيلُهَا إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الزَّوْجُ وَطَالَبَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ فِي الْحَالِ وَبِالْمَسِيرِ إلَيْهَا أَوْ بِحَمْلِهَا إلَيْهِ أَوْ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى مَضَى مُدَّةُ إمْكَانِهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَسِيرُ إلَيْهَا الْآنَ لَمْ يُمَكَّنْ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ عَيْنًا هَكَذَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي تَفْرِيعًا عَلَى مَرْجُوحٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُكْرِهُ الْمُولِيَ عَلَى الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يُطَلِّقُ عَلَى

الْمُولِي الْمُمْتَنِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إكْرَاهَ أَصْلًا حَتَّى يَحْتَرِزَ عَنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُكْرَهِ مَا لَوْ أَكْرَهَ شَخْصًا عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ إذْنٌ وَزِيَادَةٌ ، وَلَا يُسْتَثْنَى مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ فَنَوَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُكْرَهًا .
وَلَوْ أَكْرَهَ غَيْرُ الزَّوْجِ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَغَا أَوْ الزَّوْجُ وَقَعَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ كَمَا مَرَّ ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِحَقٍّ فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ بِالْجِزْيَةِ ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( فَإِنْ ظَهَرَتْ ) مِنْ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ ( قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ ) مِنْهُ لِلطَّلَاقِ ( بِأَنْ ) أَيْ كَأَنْ ( أُكْرِهَ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ ( عَلَى ثَلَاثٍ فَوَحَّدَ ) أَيْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ( أَوْ ) عَلَى طَلَاقٍ ( صَرِيحٍ أَوْ ) عَلَى ( تَعْلِيقٍ ) لَهُ ( فَكَنَّى ) وَنَوَى ( أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى ) أَنْ يَقُولَ : ( طَلَّقْتُ ) زَوْجَتِي ( فَسَرَّحَ ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قَالَ سَرَّحْتُهَا ( أَوْ ) وَقَعَ الْإِكْرَاهُ ( بِالْعُكُوسِ ) لِهَذِهِ الصُّوَرِ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَاحِدَةٍ فَثَلَّثَ أَوْ كِنَايَةٍ فَصَرَّحَ أَوْ تَنْجِيزٍ فَعَلَّقَ ، أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولَ : سَرَّحْت ، فَقَالَ : طَلَّقْتُ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ فِي الْجَمِيع ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ فِيمَا أَتَى بِهِ ( وَشَرْطُ ) حُصُولِ ( الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ( عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ ) الْمُكْرَهَ بِفَتْحِهَا تَهْدِيدًا عَاجِلًا ظُلْمًا ( بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ ( عَنْ دَفْعِهِ ) أَيْ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِهَا ( بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ ) كَاسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ ( وَظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ ) مِنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ( حَقَّقَهُ ) أَيْ فِعْلَ مَا خَوَّفَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ

الثَّلَاثَةِ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُهُ بِالظَّنِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَخَرَجَ بِعَاجِلًا مَا لَوْ قَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ غَدًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ، وَبِظُلْمٍ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ لِلْجَانِي : طَلِّقْهَا وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْكَ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا ( وَيَحْصُلُ ) الْإِكْرَاهُ ( بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ ) بِ ( حَبْسٍ ) طَوِيلٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ النَّصِّ ( أَوْ إتْلَافِ مَالٍ ) وَقَوْلُهُ ( وَنَحْوِهَا ) مِنْ زِيَادَتِهِ : أَيْ مِمَّا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ لِأَجْلِهِ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ، وَيَخْتَلِفُ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَسْبَابِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي شَخْصٍ دُونَ آخَرَ ، وَفِي سَبَبٍ دُونَ آخَرَ ، فَالْإِكْرَاهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ لَا يَضِيقُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُهُ ، وَلَا يُطَلِّقُ بِخِلَافِ الْمَالِ الَّذِي يَضِيقُ عَلَيْهِ ، وَالْحَبْسُ فِي الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَإِنْ قَلَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالضَّرْبُ الْيَسِيرُ فِي أَهْلِ الْمُرُوآتِ إكْرَاهٌ ، وَالتَّهْدِيدُ بِقَتْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا أَوْ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ إكْرَاهٌ بِخِلَافِ ابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ ، بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ كَمَا مَرَّ ( وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ ) فِي الْإِكْرَاهِ ( قَتْلٌ ) لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَدُومُ مَعَهُ النَّظَرُ وَالِاخْتِيَارُ ( وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( قَتْلٌ ) لِنَفْسِهِ ( أَوْ قَطْعٌ ) لِطَرَفِهِ ( أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ ) لِإِفْضَائِهِ إلَى الْقَتْلِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِطَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا قَتَلْتُ نَفْسِي أَوْ كَفَرْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ صَوْمِي أَوْ صَلَاتِي .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فِي وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي كَذَا أَطْلَقُوهُ ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ الْوُقُوعِ إذَا قَالَهُ مَنْ لَوْ هَدَّدَ بِقَتْلِهِ كَانَ مُكْرَهًا كَالْوَلَدِ ا هـ .
وَهُوَ حَسَنٌ .

وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا ، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَقَعَ .
( وَلَا تُشْتَرَطُ ) فِي عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ ( التَّوْرِيَةُ ) وَهِيَ مِنْ وَرَى أَيْ جَعَلَ الْبَيَانَ وَرَاءَهُ ( بِأَنْ ) أَيْ كَأَنْ ( يَنْوِيَ ) بِقَوْلِهِ : طَلَّقْت زَيْنَبَ مَثَلًا ( غَيْرَهَا ) أَيْ زَوْجَتَهُ أَوْ يَنْوِي بِالطَّلَاقِ حَلَّ الْوِثَاقِ ، أَوْ يَقُولُ عَقِيبَ اللَّفْظِ ؛ إنْ شَاءَ سِرًّا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا ، أَوْ قَالَ فِي نَفْسِهِ : إنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا أَثَرَ لِلتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ تَلَفُّظُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى سِرًّا بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهُ الْمُكْرَهُ لَا أَنَّهُ نَوَاهُ ، أَوْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُكْرَهِ .
أَمَّا هُوَ فَيَكْفِي بِقَلْبِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ .
وَضَابِطُ التَّوْرِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَقُبِلَ وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ، وَلِهَذَا لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : كَأَنْ بِالْكَافِ كَمَا حُوِّلَتْ بِهِ عِبَارَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى ، وَهَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَثِيرًا ، وَفِيهِ تَسَاهُلٌ ( وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا ) أَيْ التَّوْرِيَةَ ( بِلَا عُذْرٍ ) لَهُ ( وَقَعَ ) لِإِشْعَارِهِ بِالِاخْتِيَارِ ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ كَدَهْشَةٍ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ لَهُ اللُّصُوصُ لَا نُخَلِّيَك حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّك لَا تُخْبِرُ بِنَا فَحَلَفَ بِذَلِكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ مِنْهُمْ لَهُ عَلَى الْحَلِفِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِهِمْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ ، وَلَوْ أَكْرَهَ ظَالِمٌ شَخْصًا أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ مَالِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ مَحَلِّهِ فَلَمْ يُخْلِهِ حَتَّى يَحْلِفَ لَهُ بِالطَّلَاقِ فَحَلَفَ بِهِ كَاذِبًا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الطَّلَاقِ بَلْ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلَالَةِ ، وَلَوْ قَالَ : طَلَّقْت مُكْرَهًا فَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ وَهُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالْحَبْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ ادَّعَى الصِّبَا بَعْدَ طَلَاقِهِ وَأَمْكَنَ صَدَّقَهُ بِيَمِينِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ جَزَمُوا فِي الْأَيْمَانِ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ لَا يُشْبِهُ هَذَا فَإِنَّ الزَّوْجَ تَلَفَّظَ ثَمَّ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ ، ثُمَّ ادَّعَى صَرْفَهُ بِعَدَمِ الْقَصْدِ ، وَالْمُدَّعَى هُنَا طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِحَالَةٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا الطَّلَاقُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ .

وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَفِي قَوْلٍ لَا ، وَقِيلَ عَلَيْهِ .

( وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابِ ) خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ دَوَاءٍ ) بِنَبِيذٍ أَوْ غَيْرِهِ ( نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ ) قَوْلًا وَفِعْلًا ( وَ ) نَفَذَ أَيْضًا تَصَرُّفُهُ ( عَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا ) كَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَقَطْعٍ وَقَتْلٍ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ ، أَمَّا السَّكْرَانُ فَاحْتَجَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَدِيثِ : { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ } قَالَ : وَالسَّكْرَانُ لَيْسَ فِي مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا ، فَالْقَلَمُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الْمُفْتِينَ ، وَأَمَّا الْمُتَدَاوِي فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ( وَفِي قَوْلٍ : لَا ) يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَهْمٌ صَحِيحٍ ( وَقِيلَ ) يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ( عَلَيْهِ ) كَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَثِمَ عَمَّا إذَا لَمْ يَأْثَمْ : كَمَا إذَا أُوجِرَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ بِقَصْدِ التَّدَاوِي ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ ، ثُمَّ نَشَأَ عَنْ سُكْرِهِ جُنُونُهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَالسَّكْرَانِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ، وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ أَوْقَعَ السَّكْرَانُ الطَّلَاقَ ، ثُمَّ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ عَلَى الشُّرْبِ أَوْ الْجَهْلَ بِإِسْكَارِ مَا شَرِبَهُ وَرَامَ عَدَمَ الْوُقُوعِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ ، فَإِنْ ذَكَرَ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَذَاكَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ .

وَلَوْ قَالَ رُبْعُك أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُك أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك طَالِقٌ وَقَعَ ، وَكَذَا دَمُك عَلَى الْمَذْهَبِ ، لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ ، وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ يَمِينُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَحَلُّ أَيْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ ( وَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك فَذَاكَ وَاضِحٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جِسْمُكِ أَوْ جَسَدُكِ أَوْ رُوحُكِ أَوْ شَخْصُك أَوْ جُثَّتُكِ أَوْ ذَاتُكِ طَالِقٌ ، وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا مِنْهَا كَقَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهَا الْمُتَّصِلَةِ بِهَا أَوْ ( رُبْعُك أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُك ) سَوَاءٌ أَكَانَ مَعْلُومًا كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ مُبْهَمًا كَالْمِثَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ زَائِدًا ، ظَاهِرًا كَمَا مَرَّ أَوْ بَاطِنًا ، وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ كَبِدُكِ ) أَوْ كَانَ الْجُزْءُ مِمَّا يَنْفَصِلُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ ، وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك طَالِقٌ وَقَعَ ) الطَّلَاقُ جَزْمًا وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى وَتَبْعِيضُهُ مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ تَعْمِيمُهُ ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْعِتْقِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إزَالَةُ مِلْكٍ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ ، وَنُظِرَ فِي الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مَحْبُوبٌ وَالطَّلَاقَ مَبْغُوضٌ ، وَبِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْبَلُ التَّجْزِئَةِ فَصَحَّتْ إضَافَتُهُ لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ( وَكَذَا دَمُك ) طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّ بِهِ قِوَامَ الْبَدَنِ كَالرُّوحِ ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كَفَضْلَةٍ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ ( لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ ) وَبَوْلٍ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةً اتِّصَالَ خِلْقَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا ( وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ ) لَا يَقَعُ بِهِمَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُمَا دَمًا فَقَدْ تَهَيَّآ لِلْخُرُوجِ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْبَوْلِ ، وَالثَّانِي الْوُقُوعُ كَالدَّمِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكَالْفَضَلَاتِ الْأَخْلَاطُ كَالْبَلْغَمِ وَلَا بِالْجَنِينِ لِأَنَّهُ شَخْصٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ ،

وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَلَا بِالْعُضْوِ الْمُلْتَحِمِ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْفَصْلِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَطْعِهِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَدَمُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ ، وَلَا بِالْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَرَكَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْمَلَاحَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهَا ، وَالشَّحْمُ وَالسَّمْنُ جُزْءَانِ مِنْ الْبَدَنِ ، فَيَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الطَّلَاقُ وَإِنْ نُوزِعَ فِي الْأَوَّلِ ، وَلَوْ قَالَ : اسْمُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الذَّاتَ ، فَإِنْ أَرَادَهَا بِهِ طَلُقَتْ ، وَإِنْ قَالَ نَفْسُك بِإِسْكَانِ الْفَاءِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْآدَمِيِّ ، أَمَّا بِفَتْحِ الْفَاءِ فَلَا لِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ مِنْ الْهَوَاءِ يَدْخُلُ الرِّئَةَ وَيَخْرُجُ مِنْهَا لَا جُزْءٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا صِفَةٌ لَهَا ، وَلَوْ قَالَ : حَيَاتُك طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ أَرَادَ بِهَا الرُّوحَ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَعْنَى فَلَا كَسَائِرِ الْمَعَانِي ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
تَنْبِيهٌ : الطَّلَاقُ فِيمَا مَرَّ يَقَعُ عَلَى الْجُزْءِ ، ثُمَّ يَسْرِي إلَى بَاقِي الْبَدَنِ ، كَمَا فِي الْعِتْقِ ، فَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَمِينُك طَالِقٌ فَقَطَعَتْ ، ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَمَنْ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ وَلَا يَمِينَ لَهَا كَمَا قَالَ ( وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ ) مَثَلًا ( يَمِينُك ) وَذَكَرَهُ عَلَى إرَادَةِ الْعُضْوِ ، وَلَوْ أَنَّثَ قَالَ : يُمْنَاك ( طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ لِفِقْدَانِ الَّذِي يَسْرِي مِنْهُ الطَّلَاقُ إلَى الْبَاقِي كَمَا فِي الْعِتْقِ ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : لِحْيَتُك أَوْ ذَكَرُك طَالِقٌ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ وَقَعَ ، أَوْ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ فَلَا ، وَصَوَّرَ الرُّويَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ

بِمَا إذَا فَقَدَتْ يَمِينَهَا مِنْ الْكَتِفِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْمَقْطُوعَةِ مِنْ الْكَفِّ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَلَوْ قَالَ : حَفْصَةُ طَالِقٌ ، وَرَأْسُ عَمْرَةَ بِرَفْعِ رَأْسٍ طَلُقَتَا ، أَوْ بِجَرِّهِ لَمْ تَطْلُقْ عَمْرَةُ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ ، أَمَّا غَيْرُهُ فَتَطْلُقُ عَمْرَةُ مُطْلَقًا ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : يَدُك أُمُّ وَلَدٍ أَوْ لِلْمُلْتَقِطِ يَدُك ابْنِي لَمْ يَثْبُتْ بِهِ اسْتِيلَادٌ وَلَا نَسَبٌ لِعَدَمِ السِّرَايَةِ فِيهِمَا .

وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَا طَلُقَتْ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ اُشْتُرِطَ نِيَّةُ الطَّلَاقِ ، وَفِي الْإِضَافَةِ الْوَجْهَانِ .

( وَلَوْ قَالَ : أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَا ) أَيْ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ( طَلُقَتْ ) لِأَنَّ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا ، حَيْثُ لَا يَنْكِحُ مَعَهَا أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا وَيَلْزَمُهُ صَوْنُهَا وَمُؤْنَتُهَا فَيَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِ لِحَلِّ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذَا الْحَجْرِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُقَيَّدَةٌ وَالزَّوْجُ كَالْقَيْدِ عَلَيْهَا وَالْحَلُّ يُضَافُ إلَى الْقَيْدِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْمُقَيَّدِ ، فَيُقَالُ : حُلَّ فُلَانٌ الْمُقَيَّدُ وَحُلَّ الْقَيْدُ عَنْهُ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا ) تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ خَرَجَ عَنْ الصَّرَاحَةِ بِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَشُرِطَ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي الْكِنَايَةِ مِنْ قَصْدِ الْإِيقَاعِ ( وَكَذَا ) لَا تَطْلُقُ ( إنْ لَمْ يَنْوِ ) مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ ( إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ وَاللَّفْظُ مُضَافٌ إلَيْهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ صَارِفَةٍ تَجْعَلُ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ إضَافَةً إلَيْهَا ، وَالثَّانِي تَطْلُقُ لِوُجُودِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ ، وَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْمَحَلِّ نُطْقًا أَوْ نِيَّةً .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَتُهُ تَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ : الْأُولَى أَنْ لَا يَنْوِيَ إيقَاعَهُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ .
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَنْوِيَ تَطْلِيقَ نَفْسِهِ ، لَكِنْ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى بِالصَّحِيحِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ ، وَقِيلَ : بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ ، وَالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْك وَقَعَ أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا لَمْ يَقَعْ ، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِانْتِظَامِ هَذَا الْعَمَلِ بِدُونِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ ؛ وَلِهَذَا حَذَفَهَا الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ .
قَالَ حِينَئِذٍ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَصَدَ طَلَاقَهَا فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَاتٌ وَقَصَدَ طَلَاقَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَعَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَيُعَيِّنُ ( وَلَوْ قَالَ : أَنَا مِنْك بَائِنٌ

) أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ ( اُشْتُرِطَ نِيَّةُ ) أَصْلِ ( الطَّلَاقِ ) قَطْعًا كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ ( وَفِي ) نِيَّةِ ( الْإِضَافَةِ ) إلَيْهَا ( الْوَجْهَانِ ) فِي قَوْلِهِ : أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَصَحُّهُمَا اشْتِرَاطُهَا ، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ مُضَافًا إلَيْهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إذًا شُرِطَتْ فِي الصَّرِيحِ ، وَهُوَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَفِي الْكِنَايَةِ وَهُوَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْلَى ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : إنَّمَا ذَكَرَهَا تَمْيِيزًا بَيْنَ الْكِنَايَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ وَهِيَ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ .

وَلَوْ قَالَ اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْك فَلَغْوٌ ، وَقِيلَ إنْ نَوَى طَلَاقَهَا وَقَعَ .
( وَلَوْ قَالَ : اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْك ) أَوْ أَنَا مُعْتَدٌّ مِنْك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَاسْتَبْرِئِي الرَّحِمَ الَّتِي كَانَتْ لِي ( فَلَغْوٌ ) وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فِي نَفْسِهِ ، وَالْكِنَايَةُ شَرْطُهَا احْتِمَالُ اللَّفْظِ الْمُرَادِ ( وَقِيلَ : إنْ ) نَوَى بِهَذَا اللَّفْظِ ( طَلَاقَهَا وَقَعَ ) وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ اسْتَبْرِئِي الرَّحِمَ الَّتِي كَانَتْ لِي وَبِهِ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مِنْكِ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : طَلِّقْ امْرَأَتِي ، فَقَالَ لَهُ طَلَّقْتُك وَنَوَى وُقُوعَهُ عَلَيْهِ لَمْ تَطْلُقْ ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ ، بِالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ .

فَصْلٌ : خِطَابُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ وَتَعْلِيقُهُ بِنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ .
( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسِ فَخَرَجَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ كَمَا قَالَ ( خِطَابُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ ) كَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَتَعْلِيقُهُ ) أَيْ الطَّلَاقِ ( بِنِكَاحٍ ) كَإِنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ النِّكَاحِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( لَغْوٌ ) أَيْ فَلَا تَطْلُقُ عَلَى زَوْجِهَا ، أَمَّا الْمُنَجَّزُ فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَلِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَائِلِ عَلَى الْمَحَلِّ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ فَفَسَخَهُ .
قَالَ الْعَبَّادِيُّ : انْفَسَخَتْ الْيَمِينُ ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ : لَيْسَ ذَلِكَ بِفَسْخٍ بَلْ هُوَ حُكْمٌ بِإِبْطَالِ الْيَمِينِ ، فَإِنَّ الْيَمِينَ الصَّحِيحَةَ لَا تَنْفَسِخُ .

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعَبْدِ ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ : إنْ عَتَقْت أَوْ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ إذَا عَتَقَ أَوْ دَخَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ .
تَنْبِيهٌ : تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ ( وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعَبْدِ ) طَلْقَةً ( ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ : إنْ عَتَقْت أَوْ إنْ دَخَلْت ) الدَّارَ مَثَلًا ( فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ إذَا عَتَقَ ) الْعَبْدُ ( أَوْ دَخَلَتْ ) زَوْجَتُهُ الدَّارَ ( بَعْدَ عِتْقِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلثَّالِثَةِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَصْلَ النِّكَاحِ ، وَهُوَ يُفِيدُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ ، وَقَدْ وُجِدَتْ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهَا فَلَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَهَا ، وَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ الْحَائِلِ : إنْ وَلَدْت فَوَلَدُك حُرٌّ .

وَيَلْحَقُ رَجْعِيَّةً لَا مُخْتَلِعَةً ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ فَبَانَتْ ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ إنْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْنُونَةِ ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَظْهَرِ ، وَفِي ثَالِثٍ يَقَعُ إنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلَاثٍ .

( وَيَلْحَقُ ) الطَّلَاقُ ( رَجْعِيَّةً ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، يُرِيدُ بِذَلِكَ لُحُوقَ الطَّلَاقِ ، وَصِحَّةَ الظِّهَارِ ، وَاللِّعَانِ ، وَالْإِيلَاءِ ، وَالْمِيرَاثِ ( لَا مُخْتَلِعَةً ) فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ( وَلَوْ عَلَّقَهُ ) أَيْ الطَّلَاقَ ( بِدُخُولِ ) الدَّارِ مَثَلًا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُمْكِنُ حُصُولُهُ فِي الْبَيْنُونَةِ ( فَبَانَتْ ) بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ : إمَّا بِعِوَضٍ أَوْ بِالثَّلَاثِ ( ثُمَّ نَكَحَهَا ) أَيْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا ( ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ ) بِذَلِكَ طَلَاقٌ ( إنْ ) كَانَتْ ( دَخَلَتْ فِي ) حَالِ ( الْبَيْنُونَةِ ) جَزْمًا لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ فِيهَا ( وَكَذَا ) لَا يَقَعُ ( إنْ لَمْ تَدْخُلْ ) فِي الْبَيْنُونَةِ بَلْ دَخَلَتْ فِي النِّكَاحِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ الَّذِي عَلَّقَ فِيهِ ، وَالثَّانِي : يَقَعُ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي حَالَتَيْ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةِ ، وَتَخَلُّلُ الْبَيْنُونَةِ لَا يُؤَثِّرُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ الْإِيقَاعِ وَلَا وَقْتَ الْوُقُوعِ ( وَفِي ) قَوْلٍ ( ثَالِثٍ يَقَعُ إنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلَاثٍ ) لِأَنَّ الْعَائِدَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلْقَاتِ مِنْ الْأَوَّلِ فَتَعُودُ بِصِفَتِهَا ، وَهِيَ التَّعْلِيقُ بِالْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَتْ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا عَلَّقَ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَالْعَائِدُ طَلْقَاتٌ جَدِيدَةٌ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حُصُولُ الصِّفَةِ فِي الْبَيْنُونَةِ كَأَنْ قَالَ : إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ قَطْعًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا .
تَنْبِيهٌ

: مَا ذُكِرَ هُنَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ الْمُطْلَقِ .
أَمَّا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا تَدْخُلُ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ أَبَانَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَبَعْدَ تَمَكُّنِهَا مِنْ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ تَدْخُلْ فَنَقَلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالتَّخَلُّصِ ، وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : فَبَحَثْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَا أَجْنَحُ إلَى التَّخَلُّصِ وَهُوَ لَا يَلْوِي عَنْ كَوْنِهِ خَطَأً ، وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا تَعَرَّضْتُ لَهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الصَّوَابُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوَّلًا .
وَهُوَ التَّخَلُّصُ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ .

وَلَوْ طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ ثَلَّثَ عَادَتْ بِثَلَاثٍ .
( وَلَوْ طَلَّقَ ) الزَّوْجُ الْحُرُّ ( دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ ) مَنْ طَلَّقَهَا ( أَوْ جَدَّدَ ) نِكَاحَهَا ( وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ ) وَإِصَابَةٍ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ ( عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ زَوْجٍ فَبِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الزَّوْجِ فَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ : تَعُودُ بِالثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ فَمَا دُونَهَا ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا إصَابَةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْإِبَاحَةِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ كَوَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ ، وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ : مِنْهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ ( وَإِنْ ثَلَّثَ ) الطَّلَاقَ بِأَنْ طَلَّقَهَا أَثْلَاثًا وَجَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ دَخَلَ بِهَا وَفَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ ( عَادَتْ بِثَلَاثٍ ) بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الثَّانِي أَفَادَ حِلَّ النِّكَاحِ لِلْأَوَّلِ ، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَثَبَتَ نِكَاحٌ مُسْتَفْتِحٌ بِأَحْكَامِهِ .

وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ ، وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ .

( وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ ) وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا : { طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ } .
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ ، وَإِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرْ حُرِّيَّةُ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ } وَقَدْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ ثَالِثَةً كَذِمِّيٍّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّالِثَةَ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالطَّلْقَتَيْنِ .
وَطَرَيَانُ الرِّقِّ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ السَّابِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَإِنَّهَا تَعُودُ لَهُ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ رُقَّ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ ، وَمَنْ عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ بَقِيَ لَهُ طَلْقَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ أَوْ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ لِاسْتِيفَائِهِ عَدَدَ الْعَبِيدِ فِي الرِّقِّ .
وَلَوْ أَشْكَلَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ هَلْ وَقَعَ الطَّلْقَتَانِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ مَعْلُومَانِ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الرِّقِّ حِينَ أَوْقَعَهُمَا ، فَإِنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ الْعِتْقِ عَلَيْهِمَا وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى يَوْمِ الْعِتْقِ أَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتٍ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِوَقْتِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى يَوْمِ الطَّلَاقِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَادَّعَى الْعِتْقَ قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الرِّقِّ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ ) وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً : لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : {

الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } .
فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ ، فَقَالَ : أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ رِقٌّ لِزَوْجَةٍ لِمَا مَرَّ .
وَاعْتَبَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالنِّسَاءِ كَالْعِدَّةِ .

وَيَقَعُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ لَا بَائِنٍ ، وَفِي الْقَدِيمِ تَرِثُهُ .
( وَيَقَعُ ) الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا ( فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ) أَيْ الْمُطَلِّقِ كَمَا يَقَعُ فِي صِحَّتِهِ ( وَيَتَوَارَثَانِ ) أَيْ الزَّوْجُ الْمَرِيضُ وَزَوْجَتُهُ ( فِي عِدَّةِ ) طَلَاقٍ ( رَجْعِيٍّ ) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الرَّجْعَةِ بِلُحُوقِ الطَّلَاقِ لَهَا وَالْإِيلَاءِ مِنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ ( لَا ) فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ ( بَائِنٍ ) لِانْقِطَاعِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ ( وَفِي الْقَدِيمِ ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ فَيَكُونُ جَدِيدًا ( تَرِثُهُ ) وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ؛ لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْثِ فَيُعَاقَبُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ .
تَنْبِيهٌ : لِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ : أَحَدُهَا : كَوْنُ الزَّوْجَةِ وَارِثَةً ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا .
ثَانِيهَا : عَدَمُ اخْتِيَارِهَا ، فَلَوْ اخْتَلَعَتْ أَوْ سَأَلَتْ فَلَا .
ثَالِثُهَا : كَوْنُ الْبَيْنُونَةِ فِي مَرَضِ مَخُوفٍ وَنَحْوِهِ وَمَاتَ بِسَبَبِهِ ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ فَلَا .
رَابِعُهَا : كَوْنُهَا بِطَلَاقٍ لَا بِلِعَانٍ وَفَسْخٍ .
خَامِسُهَا : كَوْنُهُ مُنْشَأً لِيُخْرِجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِهِ .
سَادِسُهَا : كَوْنُهُ مُنَجَّزًا ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَلَهَا حُكْمُ بَقِيَّةِ الْبَوَائِنِ إلَّا إنْ قَصَدَ بِطَلَاقِهَا فِرَارَهُ مِنْ الْإِرْثِ فَيَجْرِي فِي تَحْرِيمِهِ خِلَافُ تَحْرِيمِ بَيْعِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ ، وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ : تَرِثُهُ دُونَ يَتَوَارَثَانِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ .

فَصْلٌ : قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ .
( فَصْلٌ ) فِي تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، لَوْ ( قَالَ ) شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ وَلَوْ نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً ( طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الصَّرِيحِ وَإِنْ لَمْ يُخَاطِبْهَا كَقَوْلِهِ : هَذِهِ طَالِقٌ ( وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ ) سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَفْسِيرِهِ بِهِ وَمَا احْتَمَلَ إذَا نَوَاهُ وَقَعَ كَالطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَتِهَا لِجَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْ تَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ( وَكَذَا الْكِنَايَةُ ) كَأَنْتِ بَائِنٌ إذَا نَوَى فِيهَا عَدَدًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ ، وَقِيلَ الْمَنْوِيُّ .
قُلْت : وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَاحِدَةٌ وَنَوَى عَدَدًا فَالْمَنْوِيُّ ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ) بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ ( وَنَوَى عَدَدًا فَوَاحِدَةً ) لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ يُنَاقِضُ الْمَنْوِيَّ وَاللَّفْظُ أَقْوَى فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى .
وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ ، وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ الَّذِي رُجِّحَ ، وَالرَّفْعُ وَالْجَرُّ وَالسُّكُونُ كَالنَّصْبِ فِي هَذَا وَفِيمَا سَيَأْتِي ، وَتَقْدِيرُ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ ، وَالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ ، وَالْجَرِّ عَلَى أَنْتِ ذَاتُ وَاحِدَةٍ ، فَحَذَفَ الْجَارَّ وَأَبْقَى الْمَجْرُورَ بِحَالٍ كَمَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ : كَيْفَ أَصْبَحْت .
قَالَ خَيْرٍ : أَيْ بِخَيْرٍ ، أَوْ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ لَحَنَ ، وَاللَّحْنُ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ عِنْدَنَا وَالسُّكُونُ عَلَى الْوَقْفِ ( وَقِيلَ ) يَقَعُ ( الْمَنْوِيُّ ) لَا الْمَلْفُوظُ عَمَلًا بِالنِّيَّةِ ، وَمَعْنَى أَنْتِ وَاحِدَةٌ : أَيْ أَنَّك تَتَوَحَّدِينَ مِنِّي بِالْعَدَدِ الَّذِي أَوْقَعْتُهُ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ وَحَذَفَ طَالِقٍ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ وَاحِدَةٌ أَيْضًا ا هـ .
وَيُؤَيِّدُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ وَبَيْنَ أَنْتِ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ وَحَذْفِ طَالِقٍ كَمَا سَيَأْتِي ( قُلْت : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ وَاحِدَةٌ ) بِالرَّفْعِ ( وَنَوَى عَدَدًا فَالْمَنْوِيُّ ) حَمْلًا لِلتَّوَحُّدِ عَلَى التَّفَرُّدِ عَنْ الزَّوْجِ بِالْعَدَدِ الْمَنْوِيِّ لِقُرْبِهِ مِنْ اللَّفْظِ ( وَقِيلَ ) يَقَعُ ( وَاحِدَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ لَفْظَ الْوِحْدَةِ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ مَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ .
تَنْبِيهٌ : حَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اعْتِبَارُ الْمَنْوِيِّ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ .
قَالَ فِي التَّوْشِيحِ : يَظْهَرُ مَجِيءُ الْخِلَافِ فِيهِ أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ مَا نَوَى أَوْ لَا

يَقَعُ إلَّا ثِنْتَانِ ؟ وَالرَّاجِحُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَوَى الثَّلَاثَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ ثِنْتَيْنِ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ رَفْعَ مَا وَقَعَ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ ثَلَاثًا وَنَوَى وَاحِدَةً فَهَلْ يُنْظَرُ إلَى اللَّفْظِ أَوْ إلَى النِّيَّةِ ؟ وَجْهَانِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي الْجَزْمُ بِالثَّلَاثِ .
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا اخْتَلَفَتْ مَعَ اللَّفْظِ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمَا .

وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ .

( وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ ) أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا أَوْ أَخَذَ شَخْصٌ عَلَى فِيهِ ( قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ ) طَلَاقٌ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَحَلِّ الطَّلَاقِ قَبْلَ تَمَامِهِ ( أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ) شُرُوعِهِ فِي قَوْلِهِ ( ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ) لِأَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلثَّلَاثِ حِينَ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَدْ تَمَّ مَعَهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي حَيَاتِهَا ، أَوْ قَبْلَ إسْلَامِهَا ، أَوْ قَبْلَ رِدَّتِهَا ، أَوْ قَبْلَ إمْسَاكٍ فِيهِ ( وَقِيلَ : ) يَقَعُ ( وَاحِدَةٌ ) وَيُلْغَى قَوْلُهُ ثَلَاثًا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا ( وَقِيلَ : لَا شَيْءَ ) يَقَعُ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِهِ ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ نَقَلَا تَصْحِيحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ ، ثُمَّ قَالَا : وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ : الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَقَصَدَ أَنْ يُحَقِّقَهُ بِاللَّفْظِ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ ا هـ .
وَصَحَّحَ هَذَا فِي الْأَنْوَارِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمَا ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَوْتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِثَالٌ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَمَّا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى عَزْمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فَمَاتَتْ ، فَقَالَ : ثَلَاثًا .
قَالَ الْإِمَامُ : لَا شَكَّ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ بَلْ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَيْفَ سَبِيلُهُ ، فَقِيلَ : قَوْلُهُ : ثَلَاثًا مَنْصُوبٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالتَّمْيِيزِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَهَذَا جَهْلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ طَالِقٌ طَلَاقًا ثَلَاثًا ، كَقَوْلِهِ : ضَرَبْت زَيْدًا شَدِيدًا ، يَعْنِي ضَرْبًا شَدِيدًا .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَوْ إنْ لَمْ ، وَقَالَ قَصَدْت الشَّرْطَ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا إلَّا إنْ مُنِعَ الْإِتْمَامَ كَأَنْ وَضَعَ غَيْرُهُ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَحَلَفَ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا لِلْقَرِينَةِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ ، أَوْ كَأَلْفٍ ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بِوَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فِي الثَّلَاثِ فَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ يَمْنَعُ لُحُوقَ الْعَدَدِ ، وَذِكْرَ الْوَزْنِ فِي الثَّالِثَةِ مُلْغًى ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوزَنُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْت كَمِائَةِ طَالِقٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى يُتِمَّ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْمَلَهَا وَلَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ ، وَقِيلَ : ثَلَاثٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَلْوَانًا مِنْ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْوَاعًا مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْنَاسًا مِنْهُ أَوْ أَصْنَافًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ .
فَإِنْ قِيلَ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْبَغِي وُقُوعُ الثَّلَاثِ كَمَا لَوْ قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا ، فَقَالَتْ بِلَا نِيَّةٍ : طَلَّقْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ السَّائِلَ فِي تِلْكَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ ، بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ، ثُمَّ قَالَ : جَعَلْتهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ الدُّنْيَا أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْبَرَهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَشَدَّهُ أَوْ نَحْوَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : بِعَدَدِ التُّرَابِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ لَا جَمْعٍ ، أَوْ بِعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ ؛

لِأَنَّهُ نَجَّزَ الطَّلَاقَ وَرَبَطَ عَدَدَهُ بِشَيْءٍ شَكَكْنَا فِيهِ فَنُوقِعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَنُلْغِي الْعَدَدَ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ أَوْ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ كُلَّهُ ، أَوْ يَا مِائَةُ طَالِقٍ ، أَوْ أَنْت مِائَةُ طَالِقٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِظُهُورِ ذَلِكَ فِيهَا ، وَلَوْ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ أَقَلَّ مِنْ طَلْقَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَقَعَ طَلْقَتَانِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي وَصَوَّبَهُ .

وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ ، وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدًا فَوَاحِدَةٌ أَوْ اسْتِئْنَافًا فَثَلَاثٌ ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَكَسَ فَثِنْتَانِ أَوْ بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى فَثَلَاثٌ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ ، فَقَالَ ( وَإِنْ ) أَتَى بِثَلَاثِ جُمَلٍ تَكَرَّرَ فِيهَا لَفْظُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ كَأَنْ ( قَالَ ) لِمَدْخُولٍ بِهَا ( أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ ) سَوَاءٌ أَقَصَدَ التَّأْكِيدَ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، لَكِنْ إذَا قَالَ : قَصَدْت التَّأْكِيدَ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ ، فَإِنْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الْخَبَرِ فَقَطْ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ فَكَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْقَاضِي فِي قَوْلٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ الْمُكَرَّرَ بَلْ نَصَبَهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ ، لَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلْقَتَانِ ، وَالتَّقْدِيرُ إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْفَصْلِ أَنْ يَسْكُتَ فَوْقَ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَهُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الِاتِّصَالِ لَا كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّهُ كَلَامُ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ .
أَمَّا الْمُعَلَّقِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَعَدَّدُ إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ ، فَإِنْ نَوَاهُ تَعَدَّدَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ ، فَقَصْدُ الِاسْتِئْنَافِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ فَصْلٌ ( فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدًا ) أَيْ قَصَدْنَا تَأْكِيدَ الْأُولَى بِالْأَخِيرَتَيْنِ ( فَوَاحِدَةٌ ) أَيْ تَقَعُ ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي كَلَامِهِمْ مَعْهُودٌ فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ .
تَنْبِيهٌ : بَحَثَ بَعْضُهُمْ اشْتِرَاطَ نِيَّةِ التَّأْكِيدِ مِنْ أَوَّلِ التَّأْسِيسِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ عَلَى

الْخِلَافِ الْآتِي فِي نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ ( أَوْ ) قَصَدَ ( اسْتِئْنَافًا فَثَلَاثٌ ) تَقَعُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ وَتَأْكِيدٌ بِالنِّيَّةِ ( وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا يَقَعُ ثَلَاثٌ ( فِي الْأَظْهَرِ ) عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ ، وَلِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَالثَّانِي لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ مُحْتَمَلٌ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا التَّفْصِيلُ يَأْتِي فِي تَكْرِيرِ الْكِنَايَاتِ كَقَوْلِهِ : اعْتَدِّي ، اعْتَدِّي ، اعْتَدِّي ، كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ ، لَوْ كَانَتْ الْأَلْفَاظُ مُخْتَلِفَةً وَنَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بِكُلِّ لَفْظَةٍ طَلْقَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَلَوْ اخْتَلَفَ أَلْفَاظُ الصَّرِيحِ كَأَنْتَ مُطَلَّقَةٌ ، أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يَقَعُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ قَطْعًا ، حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْإِطْلَاقِ مَا لَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ : وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَتَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ التَّأْكِيدَ بِثَلَاثٍ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إرَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالرَّابِعَةِ .
وَقَالَ فِي التَّوْشِيحِ : أَنَّهُ الَّذِي يُتَّجَهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : إنَّ الْعَرَبَ لَا تُؤَكِّدُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْحُكْمُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي صُورَةِ تَكْرِيرِهِ ثَلَاثًا ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّلَ أَنَّ الرَّابِعَةَ تَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ لِفَرَاغِ الْعَدَدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ التَّأْكِيدُ بِمَا يَقَعُ لَوْلَا قَصْدُ التَّأْكِيدِ فَلَأَنْ يُؤَكِّدَ بِمَا لَا يَقَعُ عِنْدَ قَصْدِ التَّأْكِيدِ أَوْلَى ا هـ .
وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّأْكِيدُ

مُطْلَقًا كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ ( وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا ) لِلْأُولَى ( وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَكَسَ ) بِأَنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ اسْتِئْنَافًا وَبِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدًا لِلثَّانِيَةِ ( فَثِنْتَانِ ) يَقَعَانِ بِقَصْدِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا عَكْسُ صُورَةِ الْمَتْنِ ؛ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي قَوْلِهِ ( أَوْ ) قَصَدَ ( بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى ) وَبِالثَّانِيَةِ الِاسْتِئْنَافَ ( فَثَلَاثٌ فِي الْأَصَحِّ ) لِتَخَلُّلِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمُؤَكَّدِ وَالْمُؤَكِّدِ .
وَالثَّانِي : طَلْقَتَانِ وَيُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ .
تَنْبِيهٌ : بَقِيَ مَا لَوْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا ، أَوْ بِالثَّالِثَةِ الِاسْتِئْنَافَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا ، وَالْأَظْهَرُ وُقُوعُ ثَلَاثٍ فِيهِمَا .

وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ ، لَا الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ فِي مَوْطُوءَةٍ ، فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ، وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَدَخَلَتْ فَثِنْتَانِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَإِنْ ) كَرَّرَ الْخَبَرَ بِعَطْفٍ كَأَنْ ( قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَطَالِقٌ ، وَطَالِقٌ ) بِالْوَاوِ كَمَا مُثِّلَ أَوْ الْفَاءِ أَوْ ثُمَّ ( صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصِّيغَةِ ( لَا ) تَأْكِيدِ ( الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ) لِاخْتِصَاصِ الثَّانِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَمُوجِبُهُ التَّغَايُرِ ، وَهَذَا الظَّاهِرُ ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيه نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَفِيهَا قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ ( وَهَذِهِ الصُّوَرُ ) السَّابِقَةُ كُلُّهَا ( فِي ) زَوْجَةٍ ( مَوْطُوءَةٍ ) غَيْرِ مُخَالَعَةٍ ( فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا ( وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ( إنْ دَخَلْت الدَّارَ ) مَثَلًا ( فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ( فَدَخَلَتْ ) هَا ( فَثِنْتَانِ ) يَقَعَانِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِالدُّخُولِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنَّمَا يَقَعَانِ مَعًا ، وَالثَّانِي : لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً كَالْمُنَجَّزِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَطَفَ بِثُمَّ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَمْ يَقَعْ بِالدُّخُولِ إلَّا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ، وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الشَّرْطَ أَمْ أَخَّرَهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ

وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ طَلْقَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ طَلْقَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ ، بِخِلَافِ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ، وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ ، فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ التَّلَفُّظُ بِالثَّلَاثِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَائِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : فِي الْإِقْرَارِ لَا يَدْخُلُ الطَّرَفُ الْأَخِيرُ ، فَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ فَأَدْخَلْنَا الطَّرَفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ الْمُقِرِّ بِهَا .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ بِمَعْنَى مِنْ بِقَرِينَةِ إلَى كَمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ ؛ لِأَنَّهَا الصَّادِقَةُ بِالْبَيْنِيَّةِ بِجَعْلِ الثَّلَاثِ بِمَعْنَى الثَّالِثَةِ .

وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ ، وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ ) طَلْقَةٍ ( أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ ) أُخْرَى ( فَثِنْتَانِ ) يَقَعَانِ لِقَبُولِ الْمَحَلِّ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ مَعًا وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَقِيلَ عَلَى التَّرْتِيبِ ، وَيُبْنَى عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ ( وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ ) يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ ( فِي الْأَصَحِّ ) عَلَى قَوْلِ الْمَعِيَّةِ ، وَعَلَى التَّرْتِيبِ وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِهَا .

وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ ، وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا ، وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَوْ قَالَ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ ) طَلْقَةً ( بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ ) يَقَعَانِ ( فِي مَوْطُوءَةٍ ) إذْ مُقْتَضَاهُ إيقَاعُ إحْدَاهُمَا فِي الْحَالِ وَتَعْقُبُهَا الْأُخْرَى فَيَقَعَانِ كَذَلِكَ ( وَطَلْقَةٌ ) فَقَطْ ( فِي غَيْرِهَا ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَلَمْ تُصَادِفْ الثَّانِيَةَ نِكَاحًا ( وَلَوْ قَالَ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ ) طَلْقَةً ( قَبْلَهَا طَلْقَةٌ ) أَوْ تَحْتَ طَلْقَةٍ ، أَوْ تَحْتَهَا طَلْقَةٌ ، أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ ، أَوْ فَوْقَهَا طَلْقَةٌ ( فَكَذَا ) يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) فِيهِمَا ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَيَقَعُ بِهِ أَوَّلًا الْمُضَمَّنَةُ ثُمَّ الْمُنَجَّزَةُ فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ ، أَوْ بَعْدَ طَلْقَةٍ ، أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ ، أَوْ تَحْتَهَا طَلْقَةٌ .
وَبِالْعَكْسِ فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ ، أَوْ فَوْقَهَا طَلْقَةٌ ، أَوْ تَحْتَ طَلْقَةٍ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَبْلَهَا طَلْقَةٌ مَمْلُوكَةٌ أَوْ ثَابِتَةٌ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إنْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ ، نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَأَقَرَّاهُ فَلْيُقَيِّدْ بِهِ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ ، وَوَقَعَ فِي تَحْتَ وَفَوْقَ خِلَافٌ هَلْ هُمَا كَمَعَ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ، وَعَلَيْهِ مَشَى شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ ، أَوْ هُمَا كَبَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا طَلْقَةٌ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ تُوَزَّعُ قَبْلُ وَبَعْدُ ثُمَّ يَكْمُلُ النِّصْفَانِ ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَمْ

تَطْلُقْ ، كَذَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي ، وَحَكَاهُ فِي التَّهْذِيبِ عَنْ الْمُهَذَّبِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .

وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مَعَ فَطَلْقَتَانِ أَوْ الظَّرْفَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ، وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ أَوْ ظَرْفًا فَوَاحِدَةٌ ، أَوْ حِسَابًا وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ فَطَلْقَةٌ ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَطَلْقَةٌ ، وَفِي قَوْلٍ ثِنْتَانِ إنْ عَرَفَ حِسَابًا .

( وَلَوْ قَالَ : طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ ) بِفِي طَلْقَةٍ مَعْنَى ( مَعَ ) طَلْقَةٍ ( فَطَلْقَتَانِ ) لِأَنَّ فِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ } ؟ ( أَوْ ) أَرَادَ ( الظَّرْفَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ ) لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا بِأَنْ ( أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ ) فِي الْجَمِيعِ إذَا اقْتَضَى الظَّرْفُ وَالْحِسَابُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُحَقِّقُ فِي الْإِطْلَاقِ ( وَلَوْ قَالَ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ ) وَلَمْ يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ ( فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ) مِمَّا ذَكَرَ مِنْ إرَادَةِ الْمَعِيَّةِ أَوْ الظَّرْفِ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ عَدَمِ إرَادَةِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ .
تَنْبِيهٌ : لَفْظَةُ نِصْفُ الثَّانِيَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَهُوَ صَوَابٌ كَمَا ذَكَرْت فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ بِدُونِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ قَصْدِ الْمَعِيَّةِ طَلْقَتَانِ وَعَلَى إثْبَاتِهَا لَوْ أَرَادَ نِصْفًا مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ فَطَلْقَتَانِ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ ، وَلَوْ قَالَ : طَلْقَةً فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَعِيَّةَ فَثِنْتَانِ ( وَلَوْ قَالَ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ ) بِفِي طَلْقَتَيْنِ ( مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ ) لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ ( أَوْ ظَرْفًا فَوَاحِدَةٌ ) لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُقُوعُ الْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ ، وَمَسْأَلَةُ قَصْدِ الظَّرْفِ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ مَعَ ذِكْرِ الْوَجِيزِ لَهَا ( أَوْ ) قَصَدَ ( حِسَابًا وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ ) لِأَنَّهُمَا مُوجِبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ ( وَإِنْ جَهِلَهُ ) أَيْ الْحِسَابَ ( وَقَصَدَ مَعْنَاهُ ) عِنْدَ أَهْلِهِ ( فَطَلْقَةٌ ) تَقَعُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ ( وَقِيلَ ) الْوَاقِعُ ( ثِنْتَانِ ) لِأَنَّهُ مُوجِبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ كَمَا مَرَّ وَقَدْ قَصَدَهُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ ( وَإِنْ ) أَطْلَقَ بِأَنْ ( لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَطَلْقَةٌ )

فِي الْأَظْهَرِ ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْحِسَابَ أَمْ جَهِلَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحِسَابَ وَالظَّرْفَ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ طَلْقَةٌ ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ ( وَفِي قَوْلِ ) الْوَاقِعِ ( ثِنْتَانِ إنْ عَرَفَ حِسَابًا ) حَمْلًا عَلَيْهِ .

وَلَوْ قَالَ بَعْضَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ ، وَثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ .

( وَلَوْ قَالَ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( بَعْضَ طَلْقَةٍ ) أَوْ عَيَّنَ الْبَعْضَ كَرُبْعِ طَلْقَةٍ ( فَطَلْقَةٌ ) تَقَعُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ ، فَإِيقَاعُ بَعْضِهِ كَإِيقَاعِ كُلِّهِ لِقُوَّتِهِ ، وَقَدْ حَكَى فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ ، وَهَلْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ، أَوْ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ أَوْقَعْنَا ثَلَاثًا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِي الْإِيقَاعِ لَا فِي الرَّفْعِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا فَقِيلَ يُسْتَحَقُّ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ طَلْقَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ .
وَقِيلَ : نِصْفُ الْأَلْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ نِصْفَ الثَّلَاثِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّاجِحَ السِّرَايَةُ ( أَوْ ) قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ( نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَلْقَةٌ ، وَكَذَا كُلُّ تَجْزِئَةٍ لَا تَزِيدُ أَجْزَاؤُهَا عَلَى طَلْقَةٍ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ ) فَيَقَعَ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِقَصْدِهِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ ) : أَنْتِ طَالِقٌ ( نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ ) يَقَعُ بِهِ ( طَلْقَةٌ ) لِأَنَّ ذَلِكَ نِصْفُهُمَا ، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ فَلَا نُوقِعُ مَا زَادَ بِالشَّكِّ .
وَالثَّانِي يَقَعُ طَلْقَتَانِ نَظَرًا إلَى نِصْفِ كُلِّ طَلْقَةٍ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ ، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ قَطْعًا ( وَ ) الْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ( ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ ) يَقَعُ بِهِ ( طَلْقَتَانِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِزِيَادَةِ النِّصْفِ الثَّالِثِ عَلَى الطَّلْقَةِ فَتُحْسَبُ مِنْ

أُخْرَى .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِتَكْرِيرِ لَفْظِ طَلْقَةٍ مَعَ الْعَطْفِ .
وَقِيلَ : لَا يَقَعُ فِيهِمَا إلَّا طَلْقَةٌ إلْغَاءً لِلزِّيَادَةِ فِي الْأُولَى ، وَنَظَرًا فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُضَافَيْنِ مِنْ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَزِدْ الْمُكَرَّرُ عَلَى أَجْزَاءِ طَلْقَتَيْنِ كَخَمْسَةِ أَثْلَاثٍ أَوْ سَبْعَةِ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ ، فَإِنْ زَادَ كَسَبْعَةِ أَثْلَاثِ أَوْ تِسْعَةِ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُقُوعِ طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ( وَلَوْ قَالَ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ ) تَقَعُ فِي الْأَصَحِّ لِانْتِفَاءِ تَكَرُّرِ لَفْظِ طَلْقَةٍ وَلَمْ يَزِدْ مَجْمُوعُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ عَلَى طَلْقَةٍ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ لِانْتِفَاءِ الْعَطْفِ .
تَنْبِيهٌ : حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ أَنَّهُ إنْ كَرَّرَ لَفْظَ طَلْقَةٍ مَعَ الْعَاطِفِ وَلَمْ تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عَلَى طَلْقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ طَلْقَةً ، وَإِنْ أَسْقَطَ لَفْظَ طَلْقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ ، أَوْ أَسْقَطَ الْعَاطِفَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ طَلْقَةٍ رُبْعَ طَلْقَةٍ كَانَ الْكُلُّ طَلْقَةً ، فَإِنْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ كَنِصْفِ وَثُلُثِ وَرُبْعِ طَلْقَةٍ كَمُلَ الزَّائِدُ مِنْ طَلْقَةٍ أُخْرَى وَوَقَعَ بِهِ طَلْقَةٌ ، وَلَوْ قَالَ : نِصْفَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَهَا وَنِصْفَهَا فَثَلَاثٌ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالنِّصْفِ الثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي فَطَلْقَتَانِ .

وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ ، فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ ، وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ ثَلَاثٌ ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِبَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ : أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ ) مِنْهُنَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ ( طَلْقَةٌ ) لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِنَّ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ بَعْضُ طَلْقَةٍ فَتَكْمُلُ ( فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ ( فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ ، وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ ثَلَاثٌ ) عَمَلًا بِقَصْدِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ لِبُعْدِهِ عَنْ الْفَهْمِ ، وَلَوْ قَالَ : خَمْسًا أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا فَطَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّوْزِيعَ ، وَلَوْ قَالَ : تِسْعًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا ( فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِبَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ ) مُبْهَمًا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَوْ مُعَيَّنًا كَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ ( لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي شَرِكَتَهُنَّ وَلَكِنْ يُدَيَّنُ .
وَالثَّانِي : يُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ بَيْنِكُنَّ لِمَا أَرَادَهُ ، بِخِلَافِ عَلَيْكُنَّ فَلَا يُقْبَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْضَهُنَّ جَزْمًا .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ فَضَّلَ بَعْضَهُنَّ عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ " ثَلَاثًا " ثُمَّ قَالَ : أَرَدْتُ إيقَاعَ طَلْقَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ وَقِسْمَةَ الْأُخْرَى عَلَى الْبَاقِيَاتِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ، وَهُوَ وَجْهٌ وَحَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْقَبُولُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْقَعَ بَيْنَ أَرْبَعٍ أَرْبَعَةً وَقَالَ : أَرَدْت عَلَى ثِنْتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ لَحِقَ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَتَانِ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَلَحِقَ الْأُخْرَيَيْنِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الطَّلَاقُ فِي بَعْضِهِنَّ ، وَلَوْ قَالَ : أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ سُدُسَ طَلْقَةٍ وَرُبْعَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ تَغَايُرَ الْأَجْزَاءِ وَعَطْفَهَا يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ جُزْءٍ بَيْنَهُنَّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَوْقَعْت

بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً ، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا رَجَّحَهُ شَيْخُنَا ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ .

وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ ، فَإِنْ نَوَى طَلُقَتْ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرُ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ

( وَلَوْ طَلَّقَهَا ) أَيْ إحْدَى زَوْجَاتِهِ ( ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا ) أَوْ جَعَلْتُك شَرِيكَتَهَا ( أَوْ أَنْتِ ) مِثْلُهَا ، أَوْ ( كَهِيَ ، فَإِنْ نَوَى ) بِذَلِكَ طَلَاقَهَا الْمُنَجَّزَ ( طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا ) تَطْلُقُ لِاحْتِمَالِ قَصَدْتُ أَنَّ الْأُولَى لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الْأُخْرَى لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت إذَا دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ قَبْلُ وَطَلُقَتَا بِدُخُولِهَا ، أَوْ أَرَدْت تَعْلِيقَ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ بِدُخُولِهَا نَفْسِهَا كَمَا فِي الْأُولَى قُبِلَ وَتَعَلَّقَ طَلَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُخُولِ نَفْسِهَا ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ ( وَكَذَا لَوْ ) طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ ، وَ ( قَالَ ) رَجُلٌ ( آخَرُ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ ) كَقَوْلِهِ : أَشْرَكْتُك مَعَ مُطَلَّقَةِ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ جَعَلْتُك شَرِيكَتَهَا ، فَإِنْ نَوَى طَلَاقَهَا طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ أَشْرَكَهَا مَعَ ثَلَاثٍ طَلَّقَهُنَّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَنَوَى وَأَرَادَ أَنَّهَا شَرِيكَةُ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، أَوْ أَنَّهَا مِثْلُ إحْدَاهُنَّ طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً وَلَا عَدَدًا لِأَنَّ جَعْلَهَا كَإِحْدَاهُنَّ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَأَظْهَرُ مِنْ تَقْدِيرِ تَوْزِيعِ كُلِّ طَلْقَةٍ ، وَإِنْ أَشْرَكَهَا مَعَ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ثَلَاثًا وَنَوَى الشَّرِكَةَ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا مَعَهَا فِي ثَلَاثٍ فَيَخُصُّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَتَكْمُلُ ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا مَعَهَا فِي كُلِّ طَلْقَةٍ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ أَوْقَعَ بَيْنَ ثَلَاثٍ طَلْقَةً ثُمَّ أَشْرَكَ الرَّابِعَةَ مَعَهُنَّ وَقَعَ عَلَى الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ ، وَعَلَى الرَّابِعَةِ طَلْقَتَانِ ، إذْ يَخُصُّهَا بِالشَّرِكَةِ طَلْقَةٌ

وَنِصْفٌ وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الثَّلَاثِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ : أَشْرَكْتُك مَعَهَا ثُمَّ لِلثَّالِثَةِ أَشْرَكْتُك مَعَ الثَّانِيَةِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ طَلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا مِنْ الْأُولَى طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ ، وَالثَّالِثَةِ طَلْقَةٌ ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا عَلِمَ طَلَاقَ الَّتِي شُورِكَتْ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَمَا لَوْ قَالَ : طَلَّقْت امْرَأَتِي مِثْلَ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ طَلَّقَ زَيْدٌ وَنَوَى عَدَدَ طَلَاقِ زَيْدٍ ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَمُرَادُهُ الْعَدَدُ لَا أَصْلُ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .

فَصْلٌ : يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ ، وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ .
قُلْت : وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ .

( فَصْلٌ ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ ( يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ) لِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا ، وَالْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ كَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا ، وَالثَّانِي الْمُنْقَطِعُ كَعِنْدِي ثَوْبٌ إلَّا دِرْهَمًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ مَجَازٌ .
ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : ضَرْبٌ يَرْفَعُ الْعَدَدَ لَا أَصْلَ الطَّلَاقِ كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا ، وَضَرْبٌ يَرْفَعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ ، وَهَذَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً شَرْعِيًّا ، لِاشْتِهَارِهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : وَسُمِّيَتْ كَلِمَةُ الْمَشِيئَةِ اسْتِثْنَاءً لِصَرْفِهَا الْكَلَامَ عَنْ الْجَزَاءِ وَالثُّبُوتِ حَالًا مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ مُبْتَدِئًا بِشُرُوطِهِ ، فَقَالَ : ( بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ ) أَيْ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ كَلَامًا وَاحِدًا ( وَلَا يَضُرُّ ) فِي الِاتِّصَالِ ( سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ ) أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ يَسِيرًا ، وَالِاتِّصَالُ هُنَا أَبْلَغُ مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، إذْ يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ اثْنَيْنِ مَا لَا يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ وَاحِدٍ ( قُلْت : وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ ) فَلَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ ( قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا ، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ يَنْوِيَهُ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا أَوْ مَا بَيْنَهُمَا ( فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يَكْفِي بَعْدَ الْفَرَاغِ ، وَالثَّانِي يَكْفِي بَعْدَهُ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَفَى لَزِمَ عَلَيْهِ رَفْعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا

التَّلَفُّظُ بِالِاسْتِثْنَاءِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ عِنْدَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَهُ بِقَلْبِهِ وَلَا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ ظَاهِرًا قَطْعًا وَلَا يُدَيَّنُ عَلَى الْمَشْهُورِ ( وَيُشْتَرَطُ ) أَيْضًا ( عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، فَالْمُسْتَغْرَقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ ، فَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقَتْ ثَلَاثًا .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ : كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى بُطْلَانِ الْمُسْتَغْرَقِ صِحَّةُ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَشِيئَةُ جَمِيعَ مَا أَوْقَعَهُ الْحَالِفُ ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَغْرَقِ لِأَنَّ هَذَا خَرَجَ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَيَصِحُّ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ إلَّا وَاحِدَةٌ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَلَا يُجْمَعُ الْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ ، وَلَا فِي الْمُسْتَثْنَى لِإِثْبَاتِهِ وَلَا فِيهِمَا كَذَلِكَ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ ، أَوْ اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ وَهُوَ مِنْ نَفْيٍ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ ، فَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ ، أَوْ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ ، وَقِيلَ طَلْقَةٌ ، أَوْ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَثِنْتَانِ ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ أَوْ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ عَلَى الصَّحِيحِ .

( وَ ) عَلَى هَذَا ( لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ ) تَقَعُ وَيَلْغُو مَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ ، وَهُوَ وَاحِدَةٌ الْمَعْطُوفَةُ عَلَى ثِنْتَيْنِ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَمْعِ الْعَدَدِ الْمَعْطُوفِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ( وَقِيلَ ) : يَقَعُ ( ثَلَاثٌ ) بِنَاءً عَلَى جَمْعِ الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ مُسْتَغْرَقًا فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ ( أَوْ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ ) تَقَعُ وَيَلْغُو اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْوَاحِدَةِ لِاسْتِغْرَاقِهِ ( وَقِيلَ ثِنْتَانِ ) بِنَاءً عَلَى جَمْعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، فَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ مُسْتَثْنًى مِنْ الثَّلَاثِ .
تَنْبِيهٌ : تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى ، وَبِالْمِثَالِ الثَّانِي لِعَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَسَكَتَ عَنْ عَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعًا كَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَطَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً وَطَلْقَةً فَيَقَعُ ثِنْتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ قَالَ : وَمَا فَرَّقَ لَا يَجْمَعُ كَانَ أَعَمَّ لِشُمُولِهِ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِجَوَازِ الْجَمْعِ هُنَا ، إذْ لَا اسْتِغْرَاقَ ، هَذَا إنْ اتَّفَقَتْ حُرُوفُ الْعَطْفِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً بَلْ وَاحِدَةٌ لَا وَاحِدَةٌ وَقَعَ ثَلَاثٌ جَزْمًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فَلَا يُجْمَعُ ، وَإِنْ قِيلَ بِالْجَمْعِ فِي غَيْرِ هَذِهِ لِتَغَايُرِ الْأَلْفَاظِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ اسْتَثْنَى ثَلَاثَةً مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ ثَلَاثٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِاسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدَةِ مِمَّا قَبْلَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ ( مِنْ نَفْيٍ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ ) أَيْ مِنْ

إثْبَاتٍ نَفْيٌ ( فَلَوْ قَالَ ) : أَنْتِ طَالِقٌ ( ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ ) لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى الثَّانِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدَةً ( أَوْ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ ) لِمَا ذُكِرَ ( وَقِيلَ : ثَلَاثٌ ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ مُسْتَغْرَقٌ فَيَلْغُو .
وَالثَّانِي : مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ فَيَلْغُو أَيْضًا ( وَقِيلَ : طَلْقَةٌ ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ فَيَعُودُ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ ، إذْ الْمَعْنَى إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى طَلْقَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ؛ وَثَلَاثٌ إلَّا وَاحِدَةً ثِنْتَانِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ وَقَعَ طَلْقَةٌ إلْغَاءً لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي فَقَطْ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ إلْغَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي ، وَقِيلَ : ثِنْتَانِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ ، إذْ الْمَعْنَى إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ تَقَعَانِ إلَّا وَاحِدَةً لَا تَقَعُ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَاقِعَةٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَلْفُوظِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : مِنْ الْمَمْلُوكِ ؛ وَفَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ( أَوْ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَثِنْتَانِ ) يَقَعَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَلْفُوظِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ فَيُتَّبَعُ فِيهِ مُوجِبُ اللَّفْظِ ( وَقِيلَ ثَلَاثٌ ) بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَمْلُوكِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ

عَلَيْهِ لَغْوٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي اسْتِثْنَاءِ طَلْقَةٍ فَأَكْثَرَ ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى اسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ ) تَقَعُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى بَعْضَ طَلْقَةٍ بَقِيَ بَعْضُهَا ، وَمَتَى بَقِيَ كَمُلَتْ .
وَالثَّانِي : يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيُجْعَلُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّكْمِيلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي طَرَفِ الْإِيقَاعِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ .
تَنْبِيهٌ : صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِثْنَاءَ بِنِصْفِ طَلْقَةٍ يَخْرُجُ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفًا فَإِنَّهُ يُرَاجَعُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت نِصْفَهَا فَثِنْتَانِ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى نِصْفِ الْجَمِيعِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا .
قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ : الْقِيَاسُ وُقُوعُ طَلْقَةٍ ا هـ .
وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلْقَتَانِ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ طَلْقَةً وَنِصْفًا فَبَقِيَ نِصْفُ طَلْقَةٍ فَتُكَمَّلُ ، وَهَذَا مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِمَّا أَوْقَعَ لَا مِمَّا وَقَعَ ، وَأَيْضًا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ كَمَا مَرَّ ، فَقَوْلُهُ : طَلْقَةً وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْأَخْيَرِ ، وَهُوَ النِّصْفُ فَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فَيَلْغُو وَيَقَعُ طَلْقَتَانِ .

( فُرُوعٌ ) لَوْ قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ إلَّا بَائِنًا أَوْ إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ بَائِنٌ الثَّلَاثَ وَقَعَ طَلْقَتَانِ اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِالثَّلَاثِ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ طَالِقٌ الثَّلَاثَ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَقَلَّهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَقَعَ ثَلَاثٌ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الطَّلَاقِ بَعْضُ طَلْقَةٍ فَتَبْقَى طَلْقَتَانِ وَالْبَعْضُ الْبَاقِي فَيَكْمُلُ ، لَكِنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ أَقَلَّهُ طَلْقَةٌ فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا أَوْ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ فِيهَا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لَا إيقَاعٌ ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ هَلْ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فَتَطْلُقَ ، وَلَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ لَا ، فَإِنْ شَدَّدَ الْوَاوَ وَهُوَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا طَلُقَتْ طَلْقَةً لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ رَفْعَهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ ، وَقَوْلُنَا بِالْكُلِّيَّةِ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهُ رَفَعَهُ ، فِي الْحَالِ لَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ : أَرْبَعُكُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةُ أَوْ إلَّا وَاحِدَةً طُلِّقْنَ جَمِيعًا ، وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ لَيْسَتْ صِيغَةَ عُمُومٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ اسْمٌ خَاصٌّ فَقَوْلُهُ إلَّا فُلَانَةَ رَفْعٌ لِلطَّلَاقِ عَنْهَا بَعْدَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْكِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْأَعْدَادِ فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ،

بَلْ يَصِحُّ مِنْهَا وَإِنْ صَرَّحَ بِاسْمِ الْعَدَدِ كَقَوْلِهِ : هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لَكِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى مِنْ الْإِخْبَارِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَرْبَعَتُكُنَّ إلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِي هَذِهِ وَقَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا تَنَاقُضَ بِخِلَافِ الْأُولَى ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْمُسْتَثْنَى وَتَأَخُّرِهِ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ لَمْ يَقَعْ ، وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ وَعِتْقٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَكُلِّ تَصَرُّفٍ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ ، فَقَالَ ( وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) طَلَاقَك ( أَوْ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ ) طَلَاقَك ( وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ ) بِالْمَشِيئَةِ فِي الْأَوَّلِ وَبِعَدَمِهَا فِي الثَّانِي قَبْلَ فَرَاغِ الطَّلَاقِ ( لَمْ يَقَعْ ) أَيْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ عَدَمِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ ؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيقَ بِأَنْ سَبَقَتْ إلَى لِسَانِهِ لِتَعَوُّدِهِ بِهَا كَمَا هُوَ الْأَدَبُ أَوْ قَصَدَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ قَصَدَ بِهَا التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ لَا وَقَعَ ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ ، وَلَيْسَ هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ مُنْتَظِمٌ وَأَنَّهُ يَقَعُ مَعَهُ الطَّلَاقُ وَقَدْ لَا يَقَعُ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَكَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ فِي اعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَاقْتِرَانِ الْقَصْدِ ( وَكَذَا يَمْنَعُ ) التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ انْعِقَادَ نِيَّةِ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَغَيْرِهَا عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ وَ ( انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ ) كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ الطَّلَاقَ الْمُنَجَّزَ فَالْمُعَلَّقُ أَوْلَى ( وَ ) انْعِقَادَ ( عِتْقٍ ) مُنَجَّزٍ أَوْ مُعَلَّقٍ كَأَنْتِ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( وَ ) انْعِقَادَ ( يَمِينٍ ) كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ( وَ ) انْعِقَادَ ( نَذْرٍ ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ( وَ ) انْعِقَادَ ( كُلٍّ تَصَرُّفٍ ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا حَقُّهُ الْجَزْمُ كَبَيْعٍ وَإِقْرَارٍ وَإِجَارَةٍ .
تَنْبِيهٌ : تَقْدِيمُ

التَّعْلِيقِ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِهِ كَتَأْخِيرِهِ عَنْهَا ، كَقَوْلِهِ : إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَوْ فَتَحَ هَمْزَةَ إنْ أَوْ أَبْدَلَهَا بِإِذْ ، أَوْ مَا : كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، أَوْ إذْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ ، وَالْوَاحِدَةُ هِيَ الْيَقِينُ فِي الثَّالِثِ ، وَسَوَاءٌ فِي الْأَوَّلِ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحِهِ هُنَا .

وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ : يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( وَقَعَ ) طَلْقَةٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) نَظَرًا لِصُورَةِ النِّدَاءِ الْمُشْعِرِ بِحُصُولِ الطَّلَاقِ حَالَتَهُ ، وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَتَوَقُّعِ الْحُصُولِ كَمَا يُقَالُ لِلْقَرِيبِ مِنْ الْوُصُولِ أَنْتَ وَاصِلٌ ، وَلِلْمَرِيضِ الْمُتَوَقَّعُ شِفَاؤُهُ قَرِيبًا أَنْتَ صَحِيحٌ فَيَنْتَظِمُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مِثْلِهِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الطَّلَاقِ خَاصَّةً ، وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ : يَا زَانِيَةُ ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ يَا طَالِقُ فِي الْأَوَّلِ ، وَلَا يَا زَانِيَةُ فِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْمُخَاطَبَةِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا حَفْصَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَاصِدًا التَّوْكِيدِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ .

أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا فِي الْأَصَحِّ .

( أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) طَلَاقَك ( فَلَا ) يَقَعُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَدَمَ تَطْلِيقِك فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهَا ، وَالثَّانِي : يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ وَجَعَلَ الْمُخَلِّصَ عَنْهُ الْمَشِيئَةَ ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الْخَلَاصُ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِاخْتِصَاصِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ بِالْأَخِيرِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرَقِ كَمَا مَرَّ ، وَقَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تَطْلُقْ لِعَوْدِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْجَمِيعِ لِحَذْفِ الْعَاطِفِ ، وَلَوْ قَالَ : حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَنْوِ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ طَلُقَتْ حَفْصَةُ دُونَ عَمْرَةَ لِمَا مَرَّ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ، وَلَوْ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ الْمَشِيئَةِ ، وَإِنْ خَرَسَ فَأَشَارَ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ بَيَانِ الْمَشِيئَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِشَارَةِ وَالِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْبَيَانِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَخْرَسَ ، ثُمَّ نَطَقَ كَانَتْ مَشِيئَتُهُ بِالنُّطْقِ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَطْلُقْ ، إذْ لَهُمْ مَشِيئَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ حُصُولَهَا ، وَكَذَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ بَهِيمَةٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ ، وَلَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَيَاةِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَوْ قُبَيْلَ جُنُونٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَشِيئَةِ حِينَئِذٍ ، وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ وَشَكَّ فِي مَشِيئَتِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِلشَّكِّ

فِي الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ الْيَوْمَ وَلَمْ يَشَأْ فِيهِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ ، لِأَنَّ الْيَوْمَ هُنَا كَالْعُمْرِ فِيمَا مَرَّ .

فَصْلٌ : شَكَّ فِي طَلَاقٍ فَلَا ، أَوْ فِي عَدَدٍ فَالْأَقَلُّ ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ .
( فَصْلٌ ) فِي الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : شَكٌّ فِي أَصْلِهِ ، وَشَكٌّ فِي عَدَدِهِ ، وَشَكٌّ فِي مَحَلِّهِ وَهَذَا كَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً ثُمَّ نَسِيَهَا ، إذَا ( شَكَّ ) أَيْ تَرَدَّدَ بِرُجْحَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فِي ) وُقُوعِ ( طَلَاقٍ ) مِنْهُ أَوْ فِي وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهَا ، كَقَوْلِهِ : إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَشَكَّ هَلْ كَانَ غُرَابًا أَوْ لَا ( فَلَا ) نَحْكُمُ بِوُقُوعِهِ .
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ ( أَوْ ) لَمْ يَشُكَّ فِي طَلَاقٍ بَلْ تَحَقَّقَ وُقُوعَهُ ، وَلَكِنْ شَكَّ ( فِي عَدَدٍ ) مِنْهُ ، هَلْ طَلَّقَ طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ ؟ ( فَالْأَقَلُّ ) يَأْخُذُ بِهِ ( وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِالْأَسْوَأِ لِخَبَرِ { دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، فَفِي الْأُولَى يُرَاجِعُ إنْ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ ، وَإِلَّا فَيُجَدِّدُ نِكَاحَهَا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ ، وَإِلَّا فَلْيُنَجِّزْ طَلَاقَهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَنْكِحْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ شَيْئًا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا ا هـ .
وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْقَعَهُ وَلَوْ طَلْقَةً ، نَعَمْ فَائِدَةُ إيقَاعِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا وَتَطْلِيقِهِ إيَّاهَا عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِيَقِينٍ .

وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ ، فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ ، وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ جَهِلَهَا وُقِفَ حَتَّى يَذَّكَّرَ ، وَلَا يُطَالَبُ بِبَيَانٍ إنْ صَدَّقَتَاهُ فِي الْجَهْلِ .

( وَلَوْ ) عَلَّقَ اثْنَانِ بِنَقِيضِينَ كَأَنْ ( قَالَ : إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا ) مَثَلًا ( فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ ) الْحَالُ فِي الطَّائِرِ ( لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ ) لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ لَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَيْرُ غُرَابٍ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ فَتَعْلِيقُ الْآخَرِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ .
تَنْبِيهٌ : مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِهِ ابْنِ مَالِكٍ فِي اتِّصَالِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ خَبَرَ كَانَ ، وَلَكِنَّ جُمْهُورَ النُّحَاةِ عَلَى الِانْفِصَالِ ( فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا ) لَا بِعَيْنِهَا لِوُجُودِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ ، إذْ لَيْسَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاسِطَةٌ ( وَلَزِمَهُ ) مَعَ الِاعْتِزَالِ عَنْهُمَا إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحَةِ بِغَيْرِهَا ( الْبَحْثُ ) عَنْ الطَّائِرِ ( وَالْبَيَانُ ) لِزَوْجَتِهِ إنْ أَمْكَنَ وَاتَّضَحَ لَهُ حَالُ الطَّائِرِ لِيَعْلَمَ الْمُطَلَّقَةَ دُونَ غَيْرِهَا ، فَإِنْ طَارَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَلْزَمْهُ بَحْثٌ وَلَا بَيَانٌ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَفِي الرَّجْعِيَّةِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْبَيَانِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ ( وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ) كَأَنْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ وَحْدَهَا ، أَوْ نَوَاهَا بِقَوْلِهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ( ثُمَّ جَهِلَهَا ) بَعْدَ ذَلِكَ بِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ ( وُقِفَ ) وُجُوبًا أَمْرُهُ عَنْهُمَا مِنْ قُرْبَانٍ وَغَيْرِهِ ( حَتَّى يَذَّكَّرَ ) بِتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ ، أَيْ يَتَذَكَّرَ الْمُطَلَّقَةَ بِأَنْ يَعْرِفَهَا ، وَالْجَهْلُ الْمُقَارِنُ لِلطَّلَاقِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ فِي ظُلْمَةٍ كَذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ ثُمَّ بِالْوَاوِ كَانَ أَعَمَّ ( وَلَا يُطَالَبُ ) الزَّوْجُ ( بِبَيَانٍ ) لِلْمُطَلَّقَةِ

( إنْ صَدَّقَتَاهُ ) أَيْ الزَّوْجَتَانِ ( فِي الْجَهْلِ ) بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ، فَإِنْ كَذَّبَتَاهُ وَبَادَرَتْ وَاحِدَةٌ وَقَالَتْ : أَنَا الْمُطَلَّقَةُ لَمْ يَقْنَعْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ : نَسِيت أَوْ لَا أَدْرِي ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مُحْتَمِلًا بَلْ يُطَالَبُ بِيَمِينٍ جَازِمَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَقَضَى بِطَلَاقِهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَعْلَمُ الَّتِي عَنَاهَا بِالطَّلَاقِ ، وَسَأَلَتْ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ تَقُلْ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُطَلَّقَةَ ، فَالْوَجْهُ قَبُولُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَتَحْلِيفُهُ عَلَى ذَلِكَ .

وَلَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ قَصَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ لَهَا ) أَيْ لِزَوْجَتِهِ ( وَلِأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ : قَصَدْتُ ) بِالطَّلَاقِ ( الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ ) قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِهَذِهِ وَلِهَذِهِ ، فَإِذَا قَالَ : عَيَّنْتُهَا صَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَالثَّانِي : لَا يُقْبَلُ وَتَطْلُقُ زَوْجَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الطَّلَاقِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْقَصْدِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ قَصَدْتُ الْأَجْنَبِيَّةَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِيمَا إذَا لَمْ يَصْدُرْ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ طَلَاقٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا صِدْقًا وَاحِدًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ ، أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ، ثُمَّ قَالَ لَهُ وَلِعَبْدٍ آخَرَ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ عِتْقَ الْآخَرِ ا هـ .
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : وَلِأَجْنَبِيَّةٍ عَمَّا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَلِرَجُلٍ أَوْ دَابَّةٍ .
وَقَالَ : أَرَدْت الرَّجُلَ أَوْ الدَّابَّةَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ، وَأَمَتُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَفَاسِدَةُ النِّكَاحِ مَعَ صَحِيحَتِهِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الزَّوْجَةِ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، ثُمَّ فَعَلَهُ بَعْدَ مَوْتِ إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْبَاقِيَةِ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لَهَا .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِي الْحَيِّ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ : ابْنَتُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُهِمَّاتِ .

وَلَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ ، وَقَالَ قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً طَلُقَتْ ، وَإِلَّا فَإِحْدَاهُمَا ، وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ فِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى ، وَالتَّعْيِينُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَتُعْزَلَانِ عَنْهُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ ، وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ بِهِمَا ، وَنَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ .

( وَلَوْ ) كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ وَ ( قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ ) وَلَمْ يَرْفَعْ فِي نَسَبِهَا مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ ( وَقَالَ ) لَمْ أَقْصِدْ زَوْجَتِي بَلْ ( قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً ) اسْمُهَا زَيْنَبُ ( فَلَا ) يُقْبَلُ ظَاهِرًا ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ قَبْلَهَا وَاسْمُهَا زَيْنَبُ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ .
وَقَالَ أَرَدْتُهَا .
وَالثَّانِي : يُقْبَلُ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ : إحْدَاكُمَا يَتَنَاوَلُهُمَا تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِاسْمِ زَوْجَتِهِ وَلَا وَصْفٌ لَهَا وَلَا إشَارَةٌ بِالطَّلَاقِ ، وَهُنَا صَرَّحَ بِاسْمِهَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ، فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُخْرَى نِكَاحًا فَاسِدًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا اسْمُهَا زَيْنَبُ وَقَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ ، وَقَالَ : أَرَدْت فَاسِدَةَ النِّكَاحِ قُبِلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَ نِكَاحِهَا وَإِلَّا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ ( وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً ) مِنْهُمَا ( طَلُقَتْ ) لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، فَإِذَا صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى وَاحِدَةٍ انْصَرَفَ وَصَارَ اللَّفْظُ كَالنَّصِّ فِي التَّعْيِينِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ مُعَيَّنَةً بَلْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا أَوْ قَصَدَهُمَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ( فَإِحْدَاهُمَا ) أَيْ زَوْجَتَيْهِ تَطْلُقُ ، وَلَا يَدْرِي الْآنَ مَنْ هِيَ ( وَيَلْزَمُهُ ) بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجَتَيْنِ : كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ ( الْبَيَانُ ) لِلْمُطَلَّقَةِ ( فِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى ) وَهِيَ قَصْدُ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ ( وَالتَّعْيِينُ ) فَوْرًا ( فِي ) الْحَالَةِ ( الثَّانِيَةِ ) وَهِيَ

قَصْدُ وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ لِتُعْلَمَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا فَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْفِرَاقِ ( وَتُعْزَلَانِ ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بِخَطِّهِ فَالضَّمِيرِ لِزَوْجَتَيْهِ ، وَيَسْتَمِرُّ انْعِزَالُهُمَا ( عَنْهُ إلَى الْبَيَانِ ) فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ( أَوْ التَّعْيِينِ ) فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لِاخْتِلَاطِ الْمَحْظُورِ بِالْمُبَاحِ ( وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ بِهِمَا ) أَيْ الْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ لِرَفْعِهِ حَبْسَهُ عَمَّنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا ، فَلَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَعُزِّرَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَمْهَلَ لَمْ يُمْهَلْ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : يُمْهَلُ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عَيَّنَ وَلَمْ يَدَّعِ نِسْيَانًا ، إذْ لَا وَجْهَ لِلْإِمْهَالِ حِينَئِذٍ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا أَبْهَمَ أَوْ عَيَّنَ وَادَّعَى أَنَّهُ نَسِيَ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ بَيَانٌ وَلَا تَعْيِينٌ فِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَزِمَهُ فِي الْحَالِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ وَانْتِفَاءِ الزَّوْجِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، أَمَّا إذَا لَمْ تَطْلُبْ الزَّوْجَتَانِ وَلَا إحْدَاهُمَا فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِهِ قَبْلَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الِانْعِزَالُ وَقَدْ أَوْجَبْنَاهُ ( وَ ) عَلَيْهِ أَيْضًا ( نَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ ) إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ لِحَبْسِهِمَا عِنْدَهُ حَبْسَ الزَّوْجَاتِ ، وَسَوَاءٌ أَقَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ أَمْ لَا كَأَنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا ؛ لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ وَلَا يَرُدُّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْمُطَلَّقَةِ إذَا بَيَّنَ أَوْ عَيَّنَ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرَ فَإِنَّهَا نَفَقَةٌ لِبَائِنٍ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ فِي الْحَالِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ الرَّوْضَةُ وَأَصْلُهَا .
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : وَلَمْ أَفْهَمْ مَا أَرَادَ بِهِ .

وَقَالَ غَيْرُهُ : أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُؤَخَّرُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ .

وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ ، فَعِنْدَ التَّعْيِينِ ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بَيَانًا وَلَا تَعْيِينًا ، وَقِيلَ تَعْيِينٌ ، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ : هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ ، أَوْ أَرَدْت هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا ، وَلَوْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ وَتَعْيِينٍ بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ لِبَيَانِ الْإِرْثِ ، وَلَوْ مَاتَ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ لَا تَعْيِينِهِ .

( وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ) فِي الْمُعَيَّنَةِ الْمُبَيَّنَةِ ( بِاللَّفْظِ ) جَزْمًا ، وَفِي الْمُبْهَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ وَنَجَّزَهُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَّا أَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مُبَيَّنٍ ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّبْيِينِ أَوْ التَّعْيِينِ ، لَكِنْ عِدَّةُ الْمُعَيَّنِ مِنْ اللَّفْظِ ، وَالْمُبْهَمِ مِنْ التَّعْيِينِ لِتَعْيِينِ الْمَحَلِّ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَخَّرَ الْعِدَّةُ عَنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ كَمَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ وَتُحْسَبُ مِنْ التَّفْرِيقِ ( وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُعَيِّنْ ) الْمُبْهَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثُمَّ عَيَّنَهَا ( فَعِنْدَ التَّعْيِينِ ) يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ قَبْلَهُ لَوَقَعَ لَا فِي مَحَلٍّ ، وَالطَّلَاقُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا إلَى التَّعْيِينِ كَمَا مَرَّ ، فَلَوْلَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُمَا ( وَالْوَطْءُ ) لِإِحْدَاهُمَا ( لَيْسَ بَيَانًا ) فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْأُخْرَى ( وَلَا تَعْيِينًا ) فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطَأَ الْمُطَلَّقَةَ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَدَارَكُ بِهِ وَلِذَلِكَ لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ ( وَقِيلَ ) الْوَطْءُ ( تَعْيِينٌ ) لِلطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ ، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ : إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ، وَعَلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ ، فَإِنْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَزِمَهُ الْحَدُّ لِاعْتِرَافِهِ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ بِلَا شُبْهَةٍ ، وَلَهَا الْمَهْرُ لِجَهْلِهَا بِأَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ لَا حَدَّ بِوَطْئِهِ لَهَا وَإِنْ بَيَّنَ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ قَبْلُ ، فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَنَّهُ نَوَاهَا وَنَكَلَ حَلَفَتْ

وَلَزِمَهُ لَهُمَا الْمَهْرُ ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَبَتَ بِظَاهِرِ الْيَمِينِ ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ لِلطَّلَاقِ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا لِمَا مَرَّ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ وَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ يُحَدُّ كَمَا فِي الْأُولَى لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ لِلْمَوْطُوءَةِ ( وَلَوْ قَالَ ) فِيمَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ بَيَانُ مُطَلَّقَةٍ مُعَيَّنَةٍ نَوَاهَا ( مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ ) مِنْهُمَا ( هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ ) لَهَا ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْإِرَادَةِ السَّابِقَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ ، أَوْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ ، أَوْ لَمْ أُطَلِّقْ هَذِهِ ، فَبَيَانٌ أَنَّ غَيْرَهَا الْمُطَلَّقَةُ ( أَوْ ) قَالَ مُشِيرًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( أَرَدْت هَذِهِ وَهَذِهِ ) أَوْ هَذِهِ هَذِهِ ، أَوْ هَذِهِ مَعَ هَذِهِ ( أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا ) ظَاهِرًا لِإِقْرَارِهِ بِهِ بِمَا قَالَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِطَلَاقِ الْأُولَى ثُمَّ رَجَعَ وَأَقَرَّ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّ غَيْرِهِ عَلَيْهِ .
أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالْمُطَلَّقَةُ مَنْ نَوَاهَا فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ .
قَالَ : فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا لَا يُطَلَّقَانِ ، إذْ لَا وَجْهَ لِحَمْلِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا .
تَنْبِيهٌ : تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ وَبَلْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَاطِفِ لِلْجَمْعِ أَوْ لِلْإِضْرَابِ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأُولَى ، فَإِنْ أَتَى بِثُمَّ أَوْ الْفَاءِ كَهَذِهِ ثُمَّ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَهَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِ الْأُولَى فَقَطْ لِفَصْلِ الثَّانِيَةِ بِالتَّرْتِيبِ فَلَمْ يَبْقَى لَهَا شَيْءٌ ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ اسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ ، أَوْ قَالَ : هَذِهِ بَعْدَهَا هَذِهِ ، أَوْ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ ، فَالْمُشَارِ إلَيْهَا

أَوَّلًا ، أَوْ هَذِهِ بَعْدَ هَذِهِ ، فَالْمُشَارُ إلَيْهَا ثَانِيًا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ .
أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَتَطْلُقُ الْمَنْوِيَّةُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَيَّنِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَبَيَانٌ .
أَمَّا الطَّلَاقُ الْمُبْهَمُ فَالْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْأُولَى ، سَوَاءٌ أَعَطَفَ بِالْوَاوِ أَمْ بِغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ اخْتِيَارٍ وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ فَيَلْغُو ذِكْرُ اخْتِيَارِ غَيْرِهَا ( وَلَوْ مَاتَتَا ) أَيْ الزَّوْجَتَانِ ( أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ ) لِلْمُعَيَّنَةِ ( وَتَعْيِينٍ ) لِلْمُبْهَمَةِ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ ( بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ ) أَيْ الْمُطَلِّقِ بِالْبَيَانِ جَزْمًا ، وَالتَّعْيِينُ عَلَى الْمَذْهَبِ ( لِبَيَانِ ) حَالِ ( الْإِرْثِ ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إرْثُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ فَيُوقَفُ مِنْ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، أَوْ الْمَيِّتَةِ نَصِيبُ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الْإِرْثِ ، فَإِذَا بَيَّنَ أَوْ عَيَّنَ لَمْ يَرِثْ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ وَيَرِثُ مِنْ الْأُخْرَى ، ثُمَّ إنْ نَوَى مُعَيَّنَةً فَبَيَّنَ فِي وَاحِدَةٍ فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِالطَّلَاقِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا وَلَمْ يَرِثْ مِنْهَا كَمَا لَا يَرِثُ مِنْ الْأُولَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ مَيِّتَةً ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ ، وَإِنْ حَلَفَ طَالَبُوهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا طَالَبُوهُ بِنِصْفِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِمْ الْمَذْكُورِ يُنْكِرُونَ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يُطَالِبُونَهُ بِكُلِّهِ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمُبْهَمِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَرَثَةُ الْمُطَلَّقَةِ فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ وَقَدْ أَقَرُّوا لَهُ بِإِرْثٍ لَا يَدَّعِيه وَادَّعَوْا عَلَيْهِ مَهْرًا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ

إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ( وَلَوْ مَاتَ ) الْمُطَلِّقُ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ ( فَالْأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ ، لَا ) قَبُولُ ( تَعْيِينِهِ ) لِأَنَّ الْبَيَانَ إخْبَارٌ وَقَدْ يَقِفُ عَلَى مُرَادِ مُوَرِّثِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، وَالتَّعْيِينُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ فَلَمْ يَخْلُفْهُ فِيهِ ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ .
وَالثَّانِي : يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا كَمَا يَخْلُفُهُ فِي حُقُوقٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ .
وَالثَّالِثُ : الْمَنْعُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تُورَثُ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ مَاتَتَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ، أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ وَالْأُخْرَى بَعْدَهُ ، أَوْ لَمْ تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ، أَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فُلَانَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا إنْ مَاتَ قَبْلَ الزَّوْجَتَيْنِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَتَا قَبْلَهُ ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُمَا فَبَيَّنَ الْوَارِثُ وَاحِدَةً فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ مُوَرِّثَتَهُمْ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ مُنِعَ مِنْهُمَا إلَى الْبَيَانِ ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ، فَإِنْ قَرَعَ عَتَقَ ، أَوْ قَرَعَتْ لَمْ تَطْلُقْ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرِقُّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْإِبْهَامِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ ) هَذَا الطَّائِرُ ( غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْهُ ( فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ ) حَالُ الطَّائِرِ وَصَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَاهُ وَحَلَفَ ( مُنِعَ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ بِالْعَبْدِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا ، فَأَشْبَهَ طَلَاقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ ( إلَى الْبَيَانِ ) لِتَوَقُّعِهِ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ حَيْثُ لَا كَسْبَ لَهُ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِطَلَاقِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَذَاكَ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَادَّعَى الْعِتْقَ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْعَبْدُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ وَالطَّلَاقِ ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعِتْقِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَا يَمِينَ ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ حَلَفَ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَحُكِمَ بِطَلَاقِهَا وَالْعِتْقِ ( فَإِنْ مَاتَ ) قَبْلَ بَيَانِهِ ( لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِلتُّهْمَةِ فِي إخْبَارِهِ بِالْحِنْثِ فِي الطَّلَاقِ لِيَرِقَّ الْعَبْدُ وَيَسْقُطَ إرْثُ الزَّوْجَةِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَا الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ السَّرَخْسِيُّ : مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْوَارِثُ : حَنِثَ فِي الزَّوْجَةِ ، فَإِنْ عَكَسَ قُبِلَ قَطْعًا لِإِضْرَارِهِ بِنَفْسِهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهُوَ حَسَنٌ ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ : قَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَيْسَ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ مُتَعَيَّنًا فَإِنَّ الْقُرْعَةَ دَاخِلَةٌ وَلِلْعَبْدِ بِهَا حَقٌّ فِي الْعِتْقِ وَلِلْمَيِّتِ حَقٌّ فِي رِقِّهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُوَفَّى مِنْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ .
ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ ( بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ

) فَلَعَلَّ الْقُرْعَةَ تَخْرُجُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ ( فَإِنْ قَرَعَ ) الْعَبْدُ بِأَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ ( عَتَقَ ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ إذْ هُوَ فَائِدَةُ ، وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ إلَّا إذَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فِيهَا وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ ( أَوْ قَرَعَتْ ) أَيْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهَا ( لَمْ تَطْلُقْ ) إذْ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِهَا فِيهِ ، وَلَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يَتْرُكَ الْمِيرَاثَ لِلْوَرَثَةِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( لَا يَرِقُّ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ بِخَطِّهِ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ بَلْ يَبْقَى عَلَى إبْهَامِهِ ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيمَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى .
وَالثَّانِي : يَرِقُّ ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تَعْمَلُ فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ ، فَكَمَا يَعْتِقُ إذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ يَرِقُّ إذَا خَرَجَتْ عَلَى عَدِيلِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي عَدِيلِهِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ .

فَصْلٌ الطَّلَاقُ : سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ ، وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ ، وَهُوَ ضَرْبَانِ : طَلَاقٌ فِي حَيْضٍ مَمْسُوسَةٍ ، وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ ، وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ لَا أَجْنَبِيٍّ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ ، أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ .

( فَصْلٌ ) فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِ اصْطِلَاحَانِ : أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَضْبَطُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ ( الطَّلَاقُ : سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ ) وَثَانِيهِمَا ، وَهُوَ أَشْهَرُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ ، وَلَا وَلَا ، فَإِنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ وَاَلَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا مِنْهُ وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ .
تَنْبِيهٌ : قَسَّمَ جَمْعٌ الطَّلَاقَ إلَى وَاجِبٍ كَطَلَاقِ الْمَوْلَى وَطَلَاقِ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ إذَا رَأَيَاهُ ، وَمَنْدُوبٍ كَطَلَاقِ زَوْجَةٍ حَالُهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَسَيِّئَةِ الْخُلُقِ ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ ، وَمَكْرُوهٍ كَمُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ بِطَلَاقِ مَنْ لَا يَهْوَاهَا وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمَؤُونَتِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِمْتَاعٍ بِهَا ، وَحَرَامٍ كَطَلَاقِ الْبِدْعِيِّ كَمَا قَالَ ( وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ ) لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَهُوَ ضَرْبَانِ ) أَحَدُهُمَا ( طَلَاقٌ ) مِنْ شَخْصٍ ( فِي حَيْضٍ مَمْسُوسَةٍ ) أَيْ مَوْطُوءَةٍ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ ، وَمِثْلُهَا مَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ ، وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ ، وَهَذِهِ الْغَايَةُ إنَّمَا تَأْتِي عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ ، هُوَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَأْنِفُ .
أَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَطْوِيلَ عَلَيْهَا ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبَكْرِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ ، وَحُرْمَةُ هَذَا لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ ، وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تُحْسَبُ مِنْهَا ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ لِشُمُولِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمِ لَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا وَإِنْ خَالَفَا ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَيْضِ .

تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا وَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى طَهُرَتْ فَيَكُونُ بِدْعِيًّا ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ أَوْ فِي آخِرِ حَيْضِكِ فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ : صُوَرٌ : مِنْهَا الْحَامِلُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا كَمَا يَأْتِي ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْوَضْعِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَقَالَ لَهَا سَيِّدُهَا : إنْ طَلَّقَك الزَّوْجُ الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَسَأَلَتْ الزَّوْجَ الطَّلَاقَ لِأَجْلِ الْعِتْقِ فَطَلَّقَهَا لَمْ يَحْرُمْ ، فَإِنَّ دَوَامَ الرِّقِّ أَضُرُّ بِهَا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ، وَقَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَمُوتُ فَيَدُومُ أَسْرُهَا بِالرِّقِّ ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَهُوَ حَسَنٌ .
وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَلَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِبِدْعِيٍّ .
وَمِنْهَا طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي صُورَةِ الشِّقَاقِ ، وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمَوْلَى إذَا طُولِبَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ طَلْقَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ثَانِيَةً ، وَالْمُرَادُ مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الْمُنَجَّزُ ، فَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ دَارٍ مَثَلًا فَلَيْسَ بِبِدْعِيٍّ ، لَكِنْ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ ، فَإِنْ وُجِدَ فِي حَالِ الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ ، لَكِنْ لَا إثْمَ فِيهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَيْضِ كَإِنْشَائِهِ الطَّلَاقَ فِيهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ ( وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ ) زَوْجَتُهُ طَلَاقَهَا فِي حَيْضِهَا ( لَمْ يَحْرُمْ ) لِرِضَاهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ، وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ لَمَّا أَنْكَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَمْ يَسْتَفْصِلْ ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِهَا فَأَتَتْ بِهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ مُخْتَارَةً .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا ، أَيْ فَيَحْرُمُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ ) أَيْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَلِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ .
وَلَيْسَ هَذَا بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ كَمَا مَرَّ ( لَا أَجْنَبِيٍّ ) فَلَا يَجُوزُ خُلْعُهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ وُجْدَانَ حَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهٌ مُحَقَّقٌ ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ الْإِمَامَ أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إنَّمَا بَذَلَ لِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَذِنَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَخْتَلِعَهَا يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ بِمَالِهَا فَكَاخْتِلَاعِهَا وَإِلَّا فَهُوَ كَاخْتِلَاعِهِ ( وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ ) أَوْ فِي ( آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ ) لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ ، وَالثَّانِي : بِدْعِيٌّ لِمُصَادَفَتِهِ الْحَيْضَ ( أَوْ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( مَعَ ) أَوْ فِي ( آخِرِ طُهْرٍ ) عَيَّنَهُ ( لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّاجِحُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِدَّةَ ، وَالثَّانِي : سُنِّيٌّ لِمُصَادَفَتِهِ الطُّهْرَ .

وَطَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَحِلُّ خُلْعُهَا ، وَطَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ ، حَمْلُهَا .

( وَ ) الضَّرْبُ الثَّانِي لِلْبِدْعِيِّ ( طَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ ) فِي قُبُلٍ ، وَكَذَا فِي دُبُرٍ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّ اسْتِدْخَالَهَا مَاءَهُ أَيْ الْمُحْتَرَمَ كَالْوَطْءِ وَنَائِبُ فَاعِلِ وَطِئَ قَوْلُهُ ( مَنْ قَدْ تَحْبَلُ ) لِعَدَمِ صِغَرِهَا وَيَأْسِهَا ( وَ ) الْحَالُ أَنَّهُ ( لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ ) مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنْدَمُ لَوْ ظَهَرَ حَمْلٌ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ ، وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ ، وَخَرَجَ بِمَنْ قَدْ تَحْبَلُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ فَإِنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِمَا كَمَا مَرَّ ، وَبِلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ مَا لَوْ ظَهَرَ وَسَيَذْكُرُهُ ، وَاسْتِدْخَالُهَا مَاءَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْحَمْلِ مِنْهُ ، وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْأَصَحِّ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ضَرْبٍ ثَالِثٍ لِلْبِدْعِيِّ مَذْكُورٍ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ وَقَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا ، وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا نَظَرَ إنْ لَمْ تَحِضْ فَبِدْعِيٌّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ ، أَوْ فِي الْحَيْضِ فَبِدْعِيٌّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ .
وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَاهِرًا فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ ( فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ ) أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا بِذَلِكَ ، وَالثَّانِي : لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ تُشْعِرُ بِالْبَرَاءَةِ ، وَدَفَعَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْبَقِيَّةُ مِمَّا دَفَعَتْهُ الطَّبِيعَةُ أَوَّلًا وَهَيَّأَتْهُ لِلْخُرُوجِ .
تَنْبِيهٌ : صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فِي الطُّهْرِ ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ ( وَ )

الْمَوْطُوءَةُ فِي الطُّهْرِ ( يَحِلُّ خُلْعُهَا ) كَالْحَائِضِ عَلَى الصَّحِيحِ ، فَيُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ مِنْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ ( وَ ) يَحِلُّ ( طَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا ) وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ ؛ لِأَنَّ بِأَخْذِ الْعِوَضِ وَظُهُورِ الْحَمْلِ يَنْعَدِمُ احْتِمَالُ النَّدَمِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ طَلَاقُ الْبِدْعِيِّ وَطَلَاقُ غَيْرِ الْبِدْعِيِّ وَالسُّنِّيِّ .
وَأَمَّا الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ فَهُوَ طَلَاقُ مَدْخُولٍ بِهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ ، وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ ، وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ ، وَذَلِكَ لِاسْتِعْقَابِهَا الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ .

وَمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ طُهْرٍ .

( وَمَنْ طَلَّقَ ) طَلَاقًا ( بِدْعِيًّا ) وَلَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ ( سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ ) مَا لَمْ يَدْخُلْ الطُّهْرُ .
الثَّانِي : إنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ .
أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ فَإِلَى آخِرِ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الرَّجْعَةِ ( إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ ) تَمَامِ ( طُهْرٍ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا } أَيْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا إنْ أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ الرَّجْعَةِ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَبَاهُ أَنْ يَأْمُرَهُ ، وَالْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ } كَذَا قَالُوهُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : فَلْيُرَاجِعْهَا أَمْرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَلْيُرَاجِعْهَا لِأَجْلِ أَمْرِكَ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِ الْوَالِدِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ : أَنَّ تَرْكَ الرَّجْعَةِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهَا وَلِدَفْعِ الْإِيذَاءِ ا هـ .
وَرُدَّ الِاسْتِنَادُ إلَى الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِيهِ ، وَإِذَا رَاجَعَ فَهَلْ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ ؟ حَكَى الْمُصَنِّفُ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْأَثِمَ يَرْتَفِعُ وَاسْتَظْهَرَهُ ، وَإِذَا رَاجَعَ وَالْبِدْعَةُ لِحَيْضٍ ، فَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ الرَّجْعَةِ مُجَرَّدَ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ لِطُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ

وَلَمْ يَبْنِ حَمْلُهَا وَوَطِئَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِطَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي ، وَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ الطُّهْرِ أَوْ رَاجَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَطَأَهَا سُنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي ؛ لِئَلَّا تَكُونَ الرَّجْعَةُ لِلطَّلَاقِ ، وَهَذَا فِيمَنْ طَلَّقَ غَيْرَ مَنْ لَمْ تَسْتَوْفِ دَوْرَهَا مِنْ الْقَسْمِ ، بِخِلَافِ مَنْ طَلَّقَ هَذِهِ لِلُزُومِ الرَّجْعَةِ لَهُ لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا ، كَذَا قِيلَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَجِبُ .

وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ أَوْ لِلسُّنَّةِ فَحِينَ تَطْهُرُ ، أَوْ لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ مُسَّتْ فِيهِ فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ فَفِي الْحَالِ إنْ مُسَّتْ فِيهِ ، وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ .

( وَلَوْ قَالَ : لِحَائِضٍ ) مَمْسُوسَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ ( أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ( فِي الْحَالِ ) وَإِنْ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ لِاتِّصَافِ طَلَاقِهَا بِهِ ( أَوْ ) قَالَ لِحَائِضٍ لَمْ يَطَأْهَا فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ أَنْتِ طَالِقٌ ( لِلسُّنَّةِ فَحِينَ ) أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ ( تَطْهُرُ ) مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ بِأَنْ تَشْرَعَ فِي الطُّهْرِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاغْتِسَالِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَهُ .
تَنْبِيهٌ : لَا بُدَّ مِنْ الِانْقِطَاعِ مِنْ شُرُوعِهَا فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقِ ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَاسْتَدَامَ إلَى انْقِطَاعِهِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِاقْتِرَانِ الطُّهْرِ بِالْجِمَاعِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْتَدِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ : فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي دَوَامِ زَوْجِيَّتِهِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ فِيهِ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ بَلْ يَتَأَخَّرُ وُقُوعُهُ إلَى طُهْرٍ تَشْرَعُ فِيهِ فِي عِدَّتِهِ ( أَوْ ) قَالَ ( لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ ) بِوَطْءٍ مِنْهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا ( أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ ( وَإِنْ مُسَّتْ ) بِوَطْءٍ مِنْهُ ( فِيهِ ) وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا ( فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ ) يَقَعُ الطَّلَاقُ لِشُرُوعِهَا حِينَئِذٍ فِي حَالِ السُّنَّةِ ( أَوْ ) قَالَ لِمَنْ فِي طُهْرٍ : أَنْتِ طَالِقٌ ( لِلْبِدْعَةِ فَفِي الْحَالِ ) يَقَعُ الطَّلَاقُ ( إنْ مُسَّتْ فِيهِ ) أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُمَسَّ فِي هَذَا الطُّهْرِ وَلَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا ( فَحِينَ تَحِيضُ ) يَقَعُ الطَّلَاقُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِظُهُورِ أَوَّلِ الدَّمِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي ، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ أَنَّ طَلَاقَهَا لَمْ يَقَعْ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51