كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ نَاسِيًا حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ رَكَعَ مَعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ .

وَلَوْ زُوحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَّا حَالَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ رَكَعَ مَعَهُ وَحُسِبَتْ الثَّانِيَةُ لَهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي غَيْرُ مُلَفَّقَةٍ : أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَهِيَ مُلَفَّقَةٌ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى وَالْقِيَامِ فِيهَا وَالْإِحْرَامِ بِهَا مِنْ الثَّانِيَةِ ، لَكِنَّ التَّلْفِيقَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ ، فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ رَكْعَةً ، وَحَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ إلَّا فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ فِيهَا ، وَهَلْ يَسْجُدُ الْأُخْرَى لِأَنَّهُمَا رُكْنٌ وَاحِدٌ أَوْ يَجْلِسُ مَعَهُ ، فَإِذَا سَلَّمَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ أَوْ يَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا حَتَّى يُسَلِّمَ فَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ ؟ احْتِمَالَاتٌ .
وَالْأَوْجَهُ مِنْهَا الْأَوَّلُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ لِزَحْمَةٍ .
أَمَّا التَّخَلُّفُ بِهِ لِغَيْرِ زَحْمَةٍ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ ) فِي الْأُولَى ( نَاسِيًا ) لَهُ ( حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ ) فَذَكَرَهُ ( رَكَعَ مَعَهُ ) وُجُوبًا ( عَلَى الْمَذْهَب ) وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ نَفْسِهِ كَالْمَزْحُومِ ، وَفُرِّقَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالنِّسْيَانِ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَطَرِيقُ الْقَطْعِ أَظْهَرُ ، وَالتَّخَلُّفُ لِلْمَرَضِ كَالتَّخَلُّفِ لِلنِّسْيَانِ فِيمَا ذُكِرَ .
خَاتِمَةٌ : لَيْسَتْ الْجُمُعَةُ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَقْتَهُ وَتُتَدَارَكُ بِهِ ، بَلْ هِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى } طَه رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : إنَّهُ حَسَنٌ ، فَإِنْ عَرَضَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ وُقُوعَهَا جُمُعَةً انْقَلَبَتْ ظُهْرًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَلْبَهَا لِأَنَّهُمَا فَرْضُ وَقْتٍ وَاحِدٍ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلِلْمُسْتَمِعِ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } [ الْأَحْزَابَ ] الْآيَةَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : " الرَّفْعُ الْبَلِيغُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ " فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ ، بَلْ الِاسْتِمَاعُ أَوْلَى ، بَلْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاسْتِمَاعَ ، وَمَنْ قَعَدَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ فِي طَرِيقِ النَّاسِ أُمِرَ بِالْقِيَامِ ، وَكَذَا مَنْ قَعَدَ مُسْتَقْبِلًا وُجُوهَهُمْ وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْوَاسِعِ .

بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ هِيَ أَنْوَاعٌ : الْأَوَّلُ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ وَيُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ صَفٌّ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ ، فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ ، وَلَوْ حَرَسَ فِيهِمَا فِرْقَتَا صَفٍّ جَازَ ، وَكَذَا فِرْقَةٌ فِي الْأَصَحِّ .

( بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ ) أَيْ كَيْفِيَّتِهَا ، وَالْخَوْفُ ضِدُّ الْأَمْنِ ، وَحُكْمُ صَلَاتِهِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِتَرْجَمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ فِي الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِيهَا عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ } [ النِّسَاءَ ] الْآيَةَ ، وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مَعَ خَبَرِ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } وَاسْتَمَرَّتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى فِعْلِهَا بَعْدَهُ ، وَأَمَّا دَعْوَى الْمُزَنِيِّ نَسَخَهَا لِتَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَأَجَابُوا عَنْهَا بِتَأَخُّرِ نُزُولِهَا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ ، وَالْخَنْدَقُ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ ، وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ ( هِيَ أَنْوَاعٌ ) جَاءَتْ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْضُهَا ، وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد ، وَفِي ابْنِ حِبَّانَ مِنْهَا تِسْعَةٌ ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ ، وَاخْتَارَ مِنْهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ مَعَهَا الرَّابِعَ الْآتِيَ وَجَاءَ بِهِ وَبِالثَّالِثِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ .
النَّوْعُ ( الْأَوَّلُ ) مِنْهَا الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ ( يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي ) جِهَةِ ( الْقِبْلَةِ ) وَلَا سَاتِرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، وَفِينَا كَثْرَةٌ بِحَيْثُ تُقَاوِمُ كُلُّ فِرْقَةٍ الْعَدُوَّ ( فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ ) فَأَكْثَرَ ( وَيُصَلِّي بِهِمْ ) جَمِيعًا إلَى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، لِأَنَّ الْحِرَاسَةَ الْآتِيَةَ مَحَلُّهَا الِاعْتِدَالُ لَا الرُّكُوعُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ ( فَإِذَا سَجَدَ ) الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ( سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ ) حِينَئِذٍ ( صَفٌّ )

آخَرُ فِي الِاعْتِدَالِ الْمَذْكُورِ ( فَإِذَا قَامُوا ) أَيْ الْإِمَامُ وَالسَّاجِدُونَ مَعَهُ ( سَجَدَ مَنْ حَرَسَ ) فِيهَا ( وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( فِي ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ ) أَيْ الْفِرْقَةُ السَّاجِدَةُ مَعَ الْإِمَامِ ( فَإِذَا جَلَسَ ) الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ ( سَجَدَ مَنْ حَرَسَ ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ( وَتَشَهَّدَ ) الْإِمَامُ ( بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ ) بِهِمْ ( وَهَذِهِ ) الْكَيْفِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ ( صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ ( بِعُسْفَانَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ، قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خَلِيصَ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرُدٌ ، سُمِّيَتْ بِهِ لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا ، وَعِبَارَتُهُ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا بِمَكَانِهِ أَوْ تَحَوَّلَ بِمَكَانِ الْآخَرِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ ، وَاَلَّذِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى ، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّحَوُّلِ فِيهَا وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا كَمَا مَرَّ ، ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ فَأَكْثَرُ ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْحِرَاسَةُ بِالسُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ ؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ ( وَ ) لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعَ مَنْ فِي الصَّفِّ بَلْ ( لَوْ حَرَسَ فِيهِمَا ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ ( فِرْقَتَا صَفٍّ ) عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَاوَمَ غَيْرُهُمَا عَلَى .
الْمُتَابَعَةِ ( جَازَ ) بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ مُقَاوِمَةً لِلْعَدُوِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَارِسُ وَاحِدًا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ ( وَكَذَا ) يَجُوزُ لَوْ حَرَسَ فِيهِمَا ( فِرْقَةٌ ) وَاحِدَةٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ

بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَ أَقَلُّ مِنْهَا ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ صَلَاةُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ لِزِيَادَةِ التَّخَلُّفِ فِيهَا عَلَى مَا فِي الْخَبَرِ ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِتَعَدُّدِ الرَّكْعَةِ لَا تَضُرُّ ، لَكِنَّ الْمُنَاوَبَةَ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ فِي الْخَبَرِ .
.

الثَّانِي يَكُونُ فِي غَيْرِهَا فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ .
النَّوْعُ ( الثَّانِي ) الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ ( يَكُونُ ) الْعَدُوُّ ( فِي غَيْرِهَا ) أَيْ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا ، وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ ( فَيُصَلِّي ) بِهِمْ ( مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ ) جَمِيعَ الصَّلَاةِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثَةً أَمْ أَرْبَعًا ، وَتَكُونُ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَحْرُسُ ثُمَّ تَذْهَبُ الْمُصَلِّيَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ .
وَتَأْتِي الْفِرْقَةُ الْحَارِسَةُ فَيُصَلِّي بِهَا مَرَّةً أُخْرَى جَمِيعَ الصَّلَاةِ ، وَتَكُونُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ نَفْلًا لِسُقُوطِ فَرْضِهِ بِالْأُولَى ( وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ ( بِبَطْنِ نَخْلٍ ) مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ ، رَوَاهَا الشَّيْخَانِ .
وَهِيَ وَإِنْ جَازَتْ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِيهِ بِالشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمَتْنِ ، فَقَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْمُفْتَرِضِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِالْمُتَنَفِّلِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ مَحَلُّهُ فِي الْأَمْنِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ .

أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ وَيُصَلِّي بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ وَأَتَمَّتْ وَذَهَبَتْ إلَى وَجْهِهِ وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ فَاقْتَدَوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ الثَّانِيَةَ ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ فِي بَطْنِ نَخْلٍ ، وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ الثَّانِيَةَ وَيَتَشَهَّدُ ، وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ

وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ ( أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ ) أَيْ الْعَدُوِّ تَحْرُسُ وَهُوَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ ( وَيُصَلِّي ) الْإِمَامُ ( بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً ) مِنْ الثُّنَائِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْحَازَ بِهِمْ إلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ ( فَإِذَا قَامَ ) الْإِمَامُ ( لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ ) بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ نَدْبًا ، وَقَبْلَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ جَوَازًا ( وَأَتَمَّتْ ) لِنَفْسِهَا ( وَذَهَبَتْ ) بَعْدَ سَلَامِهَا ( إلَى وَجْهِهِ ) أَيْ الْعَدُوِّ ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الْأُولَى لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِمَا هَمَّ فِيهِ ، وَلَهُمْ كُلُّهُمْ تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ ( وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ ) لِلْحِرَاسَةِ بَعْدَ ذَهَابِ أُولَئِكَ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ وَيُطِيلُ الْقِيَامَ نَدْبًا إلَى لُحُوقِهِمْ ( فَاقْتَدَوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ ) الرَّكْعَةَ ( الثَّانِيَةَ فَإِذَا جَلَسَ ) الْإِمَامُ ( لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ ) وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ وَهُمْ غَيْرُ مُنْفَرِدِينَ عَنْهُ بَلْ مُقْتَدُونَ بِهِ حُكْمًا ( وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ ) لِيَحُوزُوا فَضِيلَةَ التَّحَلُّلِ مَعَهُ كَمَا حَازَتْ الْأُولَى فَضِيلَةَ التَّحَرُّمِ مَعَهُ ( وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ ( بِذَاتِ الرِّقَاعِ ) مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ ، رَوَاهَا الشَّيْخَانِ ( 1 ) أَيْضًا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ لَمَّا تَقَرَّحَتْ .
وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ ، وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ يُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ ، وَقِيلَ لِتُرْفَعَ صَلَاتُهُمْ فِيهَا ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ ) صَلَاةِ ( بَطْنِ نَخْلٍ ) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ، وَلِأَنَّهَا أَخَفُّ وَأَعْدَلُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ

، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ عُسْفَانَ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهَا فِي الْجُمْلَةِ دُونَهُمَا ، وَتُسَنُّ عِنْدَ كَثْرَتِنَا فَالْكَثْرَةُ شَرْطٌ لِسُنِّيَّتِهَا لَا لِصِحَّتِهَا خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ فِي تَحْرِيرِهِ ، وَفَارَقَتْ صَلَاةُ عُسْفَانَ بِجَوَازِهَا فِي الْأَمْنِ لِغَيْرِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَهَا إنْ نَوَتْ الْمُفَارَقَةَ ، بِخِلَافِ تِلْكَ ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوَّلِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ قُبَيْلَ النَّوْعِ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ ، وَثَمَّ فِي الِاسْتِحْبَابِ ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، بَلْ ذَهَبُوا وَوَقَفُوا تُجَاهَ الْعَدُوِّ سُكُوتًا فِي الصَّلَاةِ ، وَجَاءَتْ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَحِينَ سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ إلَى مَكَانِ صَلَاتِهِمْ وَأَتَمُّوهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ إلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوهَا جَازَ ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ .
وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ ؛ لِأَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَانَتْ فِي يَوْمٍ وَالْأُخْرَى فِي يَوْمٍ ، وَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلَةٌ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَكِنَّ الْكَيْفِيَّةَ الْأُولَى هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ ( وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ ) بَعْدَ قِيَامِهِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً بَعْدَهَا ( فِي ) زَمَنِ ( انْتِظَارِهِ ) الْفِرْقَةَ ( الثَّانِيَةَ ) وَلُحُوقِهَا لَهُ فَإِذَا لَحِقَتْهُ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ قَدْرَ فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَرَكَعَ ( وَيَتَشَهَّدُ ) فِي جُلُوسِهِ لِانْتِظَارِهَا ، لِأَنَّ السُّكُوتَ مُخَالِفٌ لِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ ، وَلَيْسَ الْقِيَامُ مَوْضِعُ ذِكْرٍ ( وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ ) قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ ( لِتَلْحَقَهُ ) فَتُدْرِكَهُمَا مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ مَعَ الْأُولَى فَيُؤَخِّرُهَا

لِيَقْرَأَهَا مَعَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَى هَذَا يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ .
قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَطَرِيقَةُ الْخِلَافِ فِي التَّشَهُّدِ ضَعِيفَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ لَاخْتُصَّتْ بِهِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْكَيْفِيَّةَ الْمُخْتَارَةَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فِي الْأَمْنِ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ ، لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الِانْتِظَارَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَضُرُّ صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا تَضُرُّ لَا صَلَاةَ الثَّانِيَةَ إنْ لَمْ تُفَارِقْهُ حَالَ قِيَامِهِمْ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُخْرَى قَطْعًا وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ .

فَإِنْ صَلَّى مَغْرِبًا فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ فِي الْأَظْهَرِ وَيَنْتَظِرُ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ ، أَوْ رُبَاعِيَّةً فَبِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ ، وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى ، وَسَهْوُهُ فِي الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ ، وَيُسَنُّ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ .

فَرْعٌ : تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْخَوْفِ حَيْثُ وَقَعَ بِبَلَدٍ كَصَلَاةِ عُسْفَانَ وَكَذَاتِ الرِّقَاعِ لَا كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى ، وَيُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ عَدَدٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ فِي السَّامِعِينَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا لِلْحَاجَةِ مَعَ سَبْقِ انْعِقَادِهَا وَتَجْهَرُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ ، وَلَا تَجْهَرُ الثَّانِيَةُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ بِهِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ ( فَإِنْ صَلَّى ) الْإِمَامُ ( مَغْرِبًا ) عَلَى كَيْفِيَّةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ( فَبِفِرْقَةٍ ) مِنْ الْقَوْمِ يُصَلِّي بِهَا ( رَكْعَتَيْنِ ) ثُمَّ تُفَارِقُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَبِالثَّانِيَةِ ) مِنْهُ ( رَكْعَةً وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ ) الْجَائِزِ أَيْضًا ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ التَّفْضِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى بِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَزَادَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ تَشَهُّدًا غَيْرَ مَحْسُوبٍ لَهَا لِوُقُوعِهِ فِي رَكْعَتِهَا الْأُولَى وَاللَّائِقُ بِالْحَالِ هُوَ التَّخْفِيفُ دُونَ التَّطْوِيلِ ، وَالثَّانِي عَكْسُهُ أَفْضَلُ لِتَنْجَبِرَ بِهِ الثَّانِيَةُ عَمَّا فَاتَهَا مِنْ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ ( وَ ) عَلَى الْأَظْهَرِ ( يَنْتَظِرُ ) الْإِمَامُ فَرَاغَ الْأُولَى وَمَجِيءَ الثَّانِيَةِ ( فِي ) جُلُوسِ ( تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ ، وَهُوَ ) أَيْ انْتِظَارُهُ فِي الْقِيَامِ ( أَفْضَلُ ) مِنْ انْتِظَارِهِ فِي جُلُوسِ تَشَهُّدِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ التَّطْوِيلِ بِخِلَافِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ .
وَالثَّانِي أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْلَى لِيُدْرِكُوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا ، وَجُعِلَ الْخِلَافُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَوْلَيْنِ ، وَيَأْتِي فِي

قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الِانْتِظَارِ فِي الْقِيَامِ أَوْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الِانْتِظَارِ فِي جُلُوسِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ، وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ فِرَقٍ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى النَّصِّ ( أَوْ ) صَلَّى ( رُبَاعِيَّةً فَبِكُلٍّ ) مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ يُصَلِّي ( رَكْعَتَيْنِ ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَأْمُومِينَ وَهَلْ الْأَفْضَلُ الِانْتِظَارُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ، وَلَوْ صَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِالْأُخْرَى ثَلَاثًا أَوْ عَكْسُهُ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ ، وَالثَّانِيَةَ لِلسَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ( فَلَوْ ) فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ ، وَ ( صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً ) وَفَارَقَتْهُ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَأَتَمَّتْ لِنَفْسِهَا وَهُوَ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْأُولَى فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَفَرَاغَ الثَّانِيَةِ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا مَرَّ ، وَفَرَاغَ الثَّالِثَةِ فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ ، وَفَرَاغَ الرَّابِعَةِ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ لِيُسَلِّمَ بِهَا ( صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَاقْتِضَاءُ الرَّأْيِ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَفِعْلِهِ فِي حَالِ الْأَمْنِ وَأَقَرَّاهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الزَّوَائِدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي الدَّقَائِقِ ، وَالثَّانِي : تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الِانْتِظَارَيْنِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَبَقَ وَصَلَاةِ الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إنْ عَلِمُوا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ ، وَالثَّالِثُ : تَبْطُلُ صَلَاةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ

لِمُفَارَقَتِهَا قَبْلَ انْتِصَافِ صَلَاتِهَا عَلَى خِلَافِ الْمُفَارَقَةِ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الِانْتِصَافِ ، وَالرَّابِعُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ الْمَغْرِبُ إذَا صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً ( وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ ) فِيمَا لَوْ فَرَّقَهُمْ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِرْقَتَيْنِ ( مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ ) أَيْ رَكْعَتِهِمْ الْأُولَى لِاقْتِدَائِهِمْ فِيهَا ( وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ ) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ لِلْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ سَهْوُهُمْ مَحْمُولٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ الْمَجْزُومِ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِاقْتِدَائِهِمْ بِالْإِمَامِ فِيهَا حُكْمًا ، وَالثَّانِي لَا ، لِانْفِرَادِهِمْ بِهَا حِسًّا ( لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى ) لِانْفِرَادِهِمْ حِسًّا وَحُكْمًا ( وَسَهْوُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ ) فَيَسْجُدُ الْمُفَارِقُونَ عِنْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ قَبْلَ اقْتِدَاءِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ لِلنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي صَلَاتِهِ ( وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ ) لِمُفَارَقَتِهِمْ قَبْلَ السَّهْوِ ، وَتَسْجُدُ الثَّانِيَةَ مَعَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ ، وَلَوْ سَهَا فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ لَحِقَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ السَّهْوُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ .
( وَيُسَنُّ ) لِلْمُصَلِّي صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ ( حَمْلُ السِّلَاحِ ) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَنَشَّابٍ وَسِكِّينٍ ( فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ) السَّابِقَةِ احْتِيَاطًا ( وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ ) الْحَمْلُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ } [ النِّسَاءَ ] ، وَحَمَلَ الْأَوَّلُ الْآيَةَ عَلَى النَّدْبِ ، إذْ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ تَرْكُهُ مُفْسِدًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ قَطْعًا ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ احْتِيَاطًا ، وَيَحْرُمُ مُتَنَجِّسٌ

وَبَيْضَةٌ أَوْ نَحْوُهَا تَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ الْجَبْهَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ ، وَيُكْرَهُ رُمْحٌ أَوْ نَحْوُهُ يُؤْذِيهِمْ بِأَنْ يَكُونَ بِوَسَطِهِمْ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ خَفَّ بِهِ الْأَذَى ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ ، وَلَوْ كَانَ فِي تَرْكِ الْحَمْلِ تَعَرُّضٌ لِلْهَلَاكِ ظَاهِرًا وَجَبَ حَمْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْهُلُ تَنَاوُلُهُ كَسُهُولَةِ تَنَاوُلٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ وَضْعُهُ إنْ مَنَعَ حَمْلُهُ الصِّحَّةَ ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ حَمْلِهِ أَوْ وَضْعِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَالدِّرْعُ أَوْ التُّرْسُ لَيْسَ بِسِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ ثَقِيلًا يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ كَالْجَعْبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ إطْلَاقُ الْقَوْلِ .
بِأَنَّهُمَا مِنْ السِّلَاحِ ، إذْ لَيْسَ كُلُّ سِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ فِي الصَّلَاةِ ، إذْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَقْتُلُ ، لَا مَا يُدْفَعُ بِهِ .

الرَّابِعُ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ أَوْ يَشْتَدَّ الْخَوْفُ فَيُصَلِّيَ كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا ، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْقِبْلَةِ ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ لِحَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ ، لَا صِيَاحٍ ، وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ فَإِنْ عَجَزَ أَمْسَكَهُ ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ ، وَلَهُ ذَا النَّوْعُ فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ

( الرَّابِعُ ) مِنْ الْأَنْوَاعِ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّ هَذَا النَّوْعِ ، وَهُوَ ( أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ ) بَيْنَ الْقَوْمِ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِحَيْثُ يَلْتَصِقُ لَحْمُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقَهُ أَوْ عَنْ اخْتِلَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَاشْتِبَاكِ لُحْمَةِ الثَّوْبِ بِالسُّدَى ( أَوْ يَشْتَدَّ الْخَوْفُ ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ بِأَنْ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُ وَانْقَسَمُوا ( فَيُصَلِّيَ ) كُلٌّ مِنْهُمْ ( كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } [ الْبَقَرَةَ ] وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا ( وَيُعْذَرُ ) كُلٌّ مِنْهُمْ ( فِي تَرْكِ ) تَوَجُّهِ ( الْقِبْلَةِ ) عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لِلضَّرُورَةِ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ : مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِيهَا .
قَالَ نَافِعٌ : لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : إنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ أَوْ تَقَدَّمُوا عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ كَمَا فِي الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ ( وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ ) كَالضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ يُعْذَرُ فِيهَا ( لِحَاجَةٍ ) إلَيْهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْمَشْيِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ ، وَهَذَا مَا نَسَبَاهُ لِلْأَكْثَرِينَ .
وَالثَّانِي لَا يُعْذَرُ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي هَذَيْنِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ ، وَالثَّالِثُ يُعْذَرُ فِيهَا لِدَفْعِ أَشْخَاصٍ دُونَ

شَخْصٍ وَاحِدٍ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي دَفْعِهِ .
أَمَّا الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي فَمُحْتَمَلٌ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِي الْخَوْفِ أَوْلَى .
وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْمُتَوَالِي بِلَا حَاجَةٍ فَتَبْطُلُ بِهِ قَطْعًا ( لَا صِيَاحٍ ) فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّاكِتَ أَهْيَبُ ، وَكَذَا يُبْطِلُهَا النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( وَيُلْقِي ) وُجُوبًا ( السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ ) دَمًا لَا يُعْفَى عَنْهُ حَذَرًا مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ ، وَفِي مَعْنَى إلْقَائِهِ جَعْلُهُ فِي قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ إلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَمَّا ذُكِرَ شَرْعًا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدَّ ( أَمْسَكَهُ ) لِلْحَاجَةِ ( وَلَا قَضَاءَ ) لِلصَّلَاةِ حِينَئِذٍ ( فِي الْأَظْهَرِ ) الْمَجْزُومِ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابَيْ التَّيَمُّمِ وَشُرُوطِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ تَلَطُّخَ السِّلَاحِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحَاضَةَ .
وَالثَّانِي : يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ .
وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَالْفَتْوَى عَلَيْهِ ا هـ .
وَلَوْ تَنَجَّسَ سِلَاحُهُ بِغَيْرِ الدَّمِ بِنَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى عَنْهَا أَمْسَكَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ ( وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ ) بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ( وَ ) جَعَلَ ( السُّجُودَ أَخْفَضَ ) مِنْ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَاشِي وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ فِي التَّحَرُّمِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَاشِي الْمُتَنَفِّلِ فِي

السَّفَرِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ آكَدُ بِدَلِيلِ النَّفْلِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَنْصُوبَانِ بِتَقْدِيرِ " جَعَلَ " كَمَا قَدَّرْتُهُ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحَرَّرُ ( وَلَهُ ذَا النَّوْعِ ) أَيْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ حَضَرًا وَسَفَرًا ( فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ ) أَيْ لَا إثْمَ فِيهِمَا كَقِتَالٍ عَادِلٍ وَدَافِعٍ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ حَرَمِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ حَرَمِهِ ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِيهِ ضَرَرٌ ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا النَّوْعُ بِالْقِتَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ قَوْلِهِ ( وَ ) لَهُ ذَلِكَ فِي .

وَهَرَبَ مِنْ حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ وَغَرِيمٍ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَخَوْفِ حَبْسِهِ ، وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ

( هَرَبَ مِنْ ) نَحْوِ ( حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ ) وَحَيَّةٍ لَا يَجِدُ مَعْدِلًا عَنْهُ بِتَحْصِينٍ بِشَيْءٍ لِوُجُودِ الْخَوْفِ ( وَ ) فِي هَرَبَ مِنْ ( غَرِيمٍ ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ ( عِنْدَ الْإِعْسَارِ ) أَيْ إعْسَارِهِ ( وَخَوْفِ حَبْسِهِ ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْحَبْسِ ، وَهَذَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ وَلَا يُصَدِّقُهُ الْمُسْتَحِقُّ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ ، وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ ، فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَفِي هَرَبَ مِنْ مُقْتَصٍّ يَرْجُو بِسُكُونِ غَضَبِهِ بِالْهَرَبِ عَفْوَهُ ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْعَاصِي بِالْقِتَالِ كَالْبُغَاةِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، وَالْعَاصِي بِفِرَارِهِ كَهَزِيمَةِ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرِينَ فِي الصَّفِّ ، فَلَا يُصَلُّونَ هَذِهِ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي ، وَلَا يُصَلِّيهَا طَالِبٌ لِعَدُوٍّ مُنْهَزِمٍ مِنْهُ خَافَ فَوْتَ الْعَدُوِّ لَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ بَلْ هُوَ مُحَصِّلٌ ، وَالرُّخَصُ لَا تُجَاوِزُ مَحَلَّهَا إلَّا إنْ خَشِيَ كَرَّتَهُمْ عَلَيْهِ أَوْ كَمِينًا أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّهُ خَائِفٌ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خَطَفَ شَخْصٌ عِمَامَتَهُ أَوْ مَدَاسَهُ مَثَلًا وَهَرَبَ بِهِ وَأَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهُ أَنَّ لَهُ هَذِهِ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ خَافَ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَمَا تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَذَلِكَ تَجُوزُ أَيْضًا صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ ، فَيُصَلِّي بِطَائِفَةٍ وَيَسْتَعْمِلُ طَائِفَةً بِرَدِّ السَّيْلِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ وَدَفْعِ السَّبُعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ ) بِفَوَاتِ وُقُوفِ عَرَفَةَ لَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ ، بَلْ يَرُومُ تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ

بِحَاصِلٍ ، فَأَشْبَهَ خَوْفَ فَوَاتِ الْعَدُوِّ عِنْدَ انْهِزَامِهِمْ كَمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ لَا يَنْقُصُ عَنْ ضَرَرِ الْحَبْسِ أَيَّامًا فِي حَقِّ الْمَدْيُونِ الْمُعْسِرِ ، وَصَحَّحَ هَذَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيَحْصُلُ الْوُقُوفُ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ صَعْبٌ وَقَضَاءَ الصَّلَاةِ هَيِّنٌ ، فَقَدْ جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ لِأُمُورٍ لَا تُقَارِبُ الْمَشَقَّةُ فِيهَا هَذِهِ الْمَشَقَّةَ كَالتَّأْخِيرِ لِلْجَمْعِ ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَحَقَّقَ فَوَاتُ كُلِّ الصَّلَاةِ ، فَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ مَضَى أَدْرَكَ الْحَجَّ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً رَكْعَةً مِنْ الْوَقْتِ وَجَبَ الْمُضِيُّ قَطْعًا كَمَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ، وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَحْرَمَ مَاشِيًا كَهَارِبٍ مِنْ حَرِيقٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْجِيلِيُّ .
فَرْعٌ : يُصَلِّي عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ الْأَضْحَى وَكُسُوفَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ صَلَاتَهَا لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَهَا وَيَخْطُبُ لَهَا إنْ أَمْكَنَ ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا كَسُنَّةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّرَاوِيحِ ، وَأَنَّهَا لَا تُشْرَعُ فِي الْفَائِتَةِ بِعُذْرٍ إلَّا إذَا خِيفَ فَوْتُهَا بِالْمَوْتِ .

وَلَوْ صَلَّوْا لِسَوَادٍ ، ظَنُّوهُ عَدُوًّا فَبَانَ غَيْرُهُ قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ .
( وَلَوْ صَلَّوْا ) صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ( لِسَوَادٍ ) كَإِبِلٍ وَشَجَرٍ ( ظَنُّوهُ عَدُوًّا ) لَهُمْ أَوْ كَثِيرًا ، بِأَنْ ظَنُّوا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ضِعْفِنَا ( فَبَانَ ) الْحَالُ ( غَيْرُهُ ) بِخِلَافِهِ أَوْ بَانَ كَمَا ظَنُّوا ، وَلَكِنْ بَانَ دُونَهُ حَائِلٌ كَخَنْدَقٍ ، أَوْ شَكُّوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَلَّوْهَا ( قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ ) لِتَفْرِيطِهِمْ بِخَطَئِهِمْ أَوْ شَكِّهِمْ كَمَا لَوْ أَخْطَئُوا أَوْ شَكُّوا فِي الطَّهَارَةِ .
وَالثَّانِي : لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ الْخَوْفِ عِنْدَ الصَّلَاةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقْضُونَ بِمَا مَرَّ لَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ عُسْفَانَ أَوْ ذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ ، وَكَذَا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ صَلَاتَيْ بَطْنِ نَخْلٍ وَذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا فِي الْأَمْنِ ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ مَا رَأَوْهُ عَدُوًّا كَمَا ظَنُّوا ، وَلَا حَائِلَ وَلَا حِصْنَ ، وَلَكِنْ نِيَّتُهُمْ الصُّلْحُ وَنَحْوُهُ كَالتِّجَارَةِ فَلَا قَضَاءَ ، إذْ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخَطَإِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي تَأَمُّلِهِ ، وَلَوْ ظَنَّ الْعَدُوَّ يَقْصِدُهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا قَضَاءَ قَطْعًا كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ ، وَلَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ فَحَدَثَ خَوْفٌ مُلْجِئٌ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ وَبَنَى ، فَإِنْ لَمْ يُلْجِئْهُ بَلْ رَكِبَ احْتِيَاطًا أَعَادَ وُجُوبًا ، فَإِنْ أَمِنَ الْمُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ نَزَلَ حَالًا وُجُوبًا وَبَنَى إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ فِي نُزُولٍ الْقِبْلَةَ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ ، وَكُرِهَ انْحِرَافُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي نُزُولِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ أَخَّرَ النُّزُولَ بَعْدَ الْأَمْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ .

فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ .
( فَصْلٌ ) فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ ( يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ ) فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ ( اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ ) وَهُوَ مَا يُحَلُّ عَنْ الدُّودَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا .
وَالْقَزُّ وَهُوَ مَا قَطَعَتْهُ الدُّودَةُ وَخَرَجَتْ مِنْهُ حَيَّةً وَهُوَ كَمَدِّ اللَّوْنِ ( بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ ) مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا مَا يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ كَلُبْسِهِ وَالتَّدَثُّرِ بِهِ وَاتِّخَاذِهِ سِتْرًا .
أَمَّا لُبْسُهُ لِلرَّجُلِ فَمُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلِلْخُنْثَى احْتِيَاطًا .
وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلِقَوْلِ حُذَيْفَةَ { نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ } ( 1 ) ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَخَذَ فِي يَمِينِهِ قِطْعَةَ حَرِيرٍ وَفِي شِمَالِهِ قِطْعَةَ ذَهَبٍ ، وَقَالَ هَذَانِ - أَيْ اسْتِعْمَالُهُمَا - حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ } ( 2 ) وَعَلَّلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْحُرْمَةَ عَلَى الرَّجُلِ بِأَنَّ فِي الْحَرِيرِ خُنُوثَةً لَا تَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرَّجُلِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ ، وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ .

وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا ، وَ
( وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ ) وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَيْهِ ( وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا ) لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ ، بِخِلَافِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُهَا وَيَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهَا وَوَطْئِهَا فَيُؤَدِّي إلَى مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ ، وَهُوَ كَثْرَةُ التَّنَاسُلِ .
وَالثَّانِي يَحِلُّ كَلُبْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ { حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ } وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ ( وَ ) الْأَصَحُّ .

أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ الصَّبِيَّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ .

( أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ ) أَيْ الْحَرِيرِ ( الصَّبِيَّ ) وَلَوْ مُمَيِّزًا ، إذْ لَيْسَ لَهُ شَهَامَةٌ تُنَافِي خُنُوثَةَ الْحَرِيرِ وَلِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ ، وَلِلْوَلِيِّ تَزْيِينُهُ بِالْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ يَوْمِ عِيدٍ .
وَالثَّانِي : لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِي غَيْرِ يَوْمَيْ الْعِيدِ بَلْ يَمْنَعُهُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ .
وَالثَّالِثُ : لَهُ إلْبَاسُهُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ دُونَ مَا بَعْدَهَا لِئَلَّا يَعْتَادَهُ ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالصَّبِيِّ يُخْرِجُ الْمَجْنُونَ ، وَتَعْلِيلُهُمْ يُدْخِلُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ، وَقَدْ أَلْحَقَهُ بِالصَّبِيِّ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ .
( قُلْت : الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا ) إيَّاهُ ( وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِمَا مَرَّ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إبَاحَةِ اللُّبْسِ لِلتَّزْيِينِ لِلزَّوْجِ أَيْ وَالسَّيِّدِ مَمْنُوعٌ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْخَلِيَّةِ .
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ .
وَاعْتَرَضَ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ بِأَنَّ الشَّيْخَ نَصْرًا الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرَهُ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي ، وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمْعٍ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرَّجُلِ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَرِيرِ ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ .
قَالَ وَلَا يَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَرَاهُ وَلَا يُنْكِرُهُ ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ : الْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لِلْمَرْأَةِ كَالتَّطْرِيزِ وَنَحْوِهِ ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْفَخْرِ بْنِ عَسَاكِرَ .
قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ قُضَاةُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِيَاطَةَ لَا اسْتِعْمَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الرَّجُلِ فِيهِ لِلْمُرَاسَلَاتِ وَنَحْوِهَا .
وَسُئِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ رَزِينٍ عَمَّنْ يُفَصِّلُ الْكُلُونَاتِ وَالْأَقْبَاعَ الْحَرِيرَ وَيَشْتَرِي الْقُمَاشَ الْحَرِيرَ مُفَصَّلًا

وَيَبِيعُهُ لِلرِّجَالِ ، فَقَالَ : يَأْثَمُ بِتَفْصِيلِهِ لَهُمْ وَبِخِيَاطَتِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِصَوْغِ الذَّهَبِ لِلُبْسِهِمْ .
قَالَ : وَكَذَا خُلَعُ الْحَرِيرِ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَالتِّجَارَةُ فِيهَا .
وَأَمَّا اتِّخَاذُ أَثْوَابِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ بِلَا لُبْسٍ ، فَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ لَكِنَّ إثْمَهُ دُونَ إثْمِ اللُّبْسِ ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُرْمَةِ الْحَرِيرِ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَضْمَنَّهُ قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ ) وَالْخُنْثَى ( لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ ) أَوْ مُضِرَّيْنِ كَالْخَوْفِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إزَالَةً لِلضَّرَرِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ ( أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ بَغْتَتِهَا ( وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ) يَقُومُ مَقَامَهُ لِلضَّرُورَةِ وَجَوَّزَ ابْنُ كَجٍّ اتِّخَاذَ الْقَبَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُ الْحَرِيرِ مِمَّا يَدْفَعُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْهَيْبَةِ وَانْكِسَارِ قُلُوبِ الْكُفَّارِ كَتَحْلِيَةِ السَّيْفِ وَنَحْوِهِ ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَصَحَّحَهُ ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ .

وَلِلْحَاجَةِ كَجَرَبٍ وَحَكَّةٍ وَدَفْعِ قَمْلٍ ، وَلِلْقِتَالِ كَدِيبَاجٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ ، وَيَحْرُمُ الْمُرَكَّبُ مِنْ إبْرَيْسَمَ وَغَيْرِهِ إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرَيْسَمِ ، وَيَحِلُّ عَكْسُهُ ، وَكَذَا إنْ اسْتَوَيَا فِي الْأَصَحِّ .

( وَ ) يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا ( لِلْحَاجَةِ كَجَرَبٍ وَحِكَّةٍ ) إنْ آذَاهُ لَيْسَ غَيْرَهُ كَمَا شَرَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي لُبْسِهِ لِلْحِكَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( 1 ) .
وَالْحِكَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - الْجَرَبُ الْيَابِسُ ، وَهُوَ الْحَصْفُ ، وَلِذَلِكَ غَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا ، وَالْجَوْهَرِيُّ جَعَلَ الْحِكَّةَ وَالْجَرَبَ وَاحِدًا ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَتَهْذِيبِ اللُّغَاتِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلْ مِنْ شَرْطِ جَوَازِهِ لِذَلِكَ أَنْ لَا يَجِدَ مَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ التَّسْوِيَةِ ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَرِيرِ أُبِيحَ لِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَكَانَ أَخَفَّ مِنْ النَّجَاسَةِ ( وَ ) لِلْحَاجَةِ فِي ( دَفْعِ قَمْلٍ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْمَلْ بِالْخَاصَّةِ ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا شَكَيَا الْقَمْلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إذْ الْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَضَرِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّعَهُّدَ وَالتَّفَقُّدَ فِيهِ سَهْلٌ .
تَنْبِيهٌ : يَدْخُلُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْحَاجَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ عُيُونِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْحَرِيرِ ، وَكَذَا السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَنَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى النَّاسِ .
وَالْقَمْلُ جَمْعُ قَمْلَةٍ ، وَهُوَ الْقَمْلُ الْمُرْسَلُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ ، وَقِيلَ الْبَرَاغِيثُ قَالَهُ أَبُو

زَيْدٍ ، وَقِيلَ السُّوسُ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ( وَ ) لِلْحَاجَةِ ( لِلْقِتَالِ كَدِيبَاجٍ ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّدْبِيجِ وَهُوَ النَّقْشُ وَالتَّزْيِينُ أَصْلُهُ دِيبَاهٌ بِالْهَاءِ وَجَمْعُهُ دَيَابِيجُ وَدَيَابِجُ ( لَا يَقُومُ غَيْرُهُ ) فِي دَفْعِ السِّلَاحِ ( مَقَامَهُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ ثُلَاثِيٍّ تَقُولُ : قَامَ هَذَا مَقَامَ ذَاكَ بِالْفَتْحِ ، وَأَقَمْته مُقَامَهُ بِالضَّمِّ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ ، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ .
أَمَّا إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا " أَوْ فَجْأَةِ حَرْبٍ " فَإِنَّهُ إذَا جَازَ لِمُجَرَّدِ الْمُحَارَبَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْقِتَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ( وَيَحْرُمُ ) عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى ( الْمُرَكَّبُ مِنْ إبْرَيْسَمَ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ : الْحَرِيرُ ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ( وَغَيْرِهِ ) كَغَزْلٍ وَقُطْنٍ ( إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرَيْسَمِ ) عَلَى غَيْرِهِ ( وَيَحِلُّ عَكْسُهُ ) هُوَ مُرَكَّبٌ نَقَصَ فِيهِ الْإِبْرَيْسَمُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْخَزِّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأَكْثَرِ فِيهِمَا ( وَكَذَا ) يَحِلُّ ( إنْ اسْتَوَيَا ) وَزْنًا فِيمَا رُكِّبَ مِنْهُمَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثَوْبَ حَرِيرٍ وَالْأَصْلُ الْحِلُّ ، وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ } .
فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْمُصْمَتُ الْخَالِصُ ، وَالْعَلَمُ الطِّرَازُ وَنَحْوُهُ وَلَا أَثَرَ لِلظُّهُورِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي قَوْلِهِ : إنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ فِي الْمُرَكَّبِ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ ، وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ ، وَيَنْبَغِي عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ الْكَرَاهَةُ ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ الْأَكْثَرُ الْحَرِيرُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ هُمَا

مُسْتَوِيَانِ حَرُمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ .

وَيَحِلُّ مَا طُرِّزَ أَوْ طُرِّفَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ الْعَادَةِ .

( وَيَحِلُّ ) لِمَنْ ذُكِرَ ( مَا ) أَيْ ثَوْبٌ ( طُرِّزَ ) أَوْ رُقِّعَ بِحَرِيرٍ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ ، دُونَ مَا يُجَاوِزُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ } ( 1 ) وَلَوْ كَثُرَتْ مَحَالُّهَا بِحَيْثُ يَزِيدُ الْحَرِيرُ عَلَى غَيْرِهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى طِرَازَيْنِ كُلُّ طِرَازٍ عَلَى كَمْ ، وَأَنَّ كُلَّ طِرَازٍ لَا يَزِيدُ عَلَى أُصْبُعَيْنِ لِيَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، وَالتَّطْرِيزُ أَنْ يُرَكَّبَ عَلَى الثَّوْبِ طِرَازٌ كُلُّهُ مِنْ حَرِيرٍ ، أَمَّا الْمُطَرَّزُ بِالْإِبْرَةِ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ كَالْمَنْسُوجِ حَتَّى يَكُونَ مَعَ الثَّوْبِ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ حَرِيرِهِ وَغَيْرِهِ لَا كَالطِّرَازِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مِثْلُهُ ، وَيَحِلُّ حَشْوُ جُبَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِهِ كَالْمِخَدَّةِ لِأَنَّ الْحَشْوَ لَيْسَ ثَوْبًا مَنْسُوجًا وَلَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ لَابِسَ حَرِيرٍ ، وَبِهَذَا فَارَقَ تَحْرِيمَ الْبِطَانَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ بِطَانَةَ الْجُبَّةِ أَوْ نَحْوِهَا حَرِيرًا ( أَوْ ) يَحِلُّ مَا ( طُرِّفَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ الْعَادَةِ ) بِأَنْ يَجْعَلَ طَرَفَ ثَوْبِهِ مُسْجَفًا بِالْحَرِيرِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ يَلْبَسُهَا لَهَا لِبْنَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ } وَاللِّبْنَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ رُقْعَةٌ فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ أَيْ طَوْقِهِ ، وَالْمَكْفُوفُ الَّذِي جُعِلَ لَهُ كُفَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ سِجَافٌ .
أَمَّا مَا جَاوَزَ الْعَادَةَ فَيَحْرُمُ ، وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اعْتِبَارِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ التَّطْرِيفَ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَقَدْ

تَمَسُّ الْحَاجَةُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ زِينَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُطَرَّزِ وَالْمُطَرَّفِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَكَالتَّطْرِيفِ طَرَفَا الْعِمَامَةِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ شِبْرٍ ، وَفَرْقُ بَيْنِ كُلِّ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مِقْدَارَ قَلَمٍ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ .
قَالَ الْغَزِّيُّ : وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِيهِ ا هـ .
فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ عَلَى خِلَافِهِ اُعْتُبِرَتْ إذْ الْعَادَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِحَرِيرٍ عَنْ التَّطْرِيزِ أَوْ التَّطْرِيفِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَإِنْ قَلَّ ؛ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ ، وَإِنْ جَعَلَ بَيْنَ الْبِطَانَةِ وَالظِّهَارَةِ ثَوْبًا حَرِيرًا جَازَ لُبْسُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ : فِيهِ نَظَرٌ ، وَتَحِلُّ خِيَاطَةُ الثَّوْبِ بِهِ وَيَحِلُّ لُبْسُهُ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُضَبَّبِ ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ أَهْوَنُ مِنْ الْأَوَانِي .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيَحِلُّ مِنْهُ خَيْطُ السُّبْحَةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُقَاسَ بِهِ لِيقَةُ الدَّوَاةِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ : وَيَجُوزُ مِنْهُ كِيسُ الْمُصْحَفِ لِلرَّجُلِ ، وَلَوْ فَرَشَ ثَوْبَ قُطْنٍ مَثَلًا فَوْقَ ثَوْبِ دِيبَاجٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَغَطَّى فَوْقَ حَائِلٍ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى الْمُزَعْفَرُ دُونَ الْمُعَصْفَرِ كَمَا قَالَهُ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خِلَافًا لِلْبَيْهَقِيِّ فِي قَوْلِهِ : الصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَوْ بَلَغَتْ الشَّافِعِيَّ لَقَالَ بِهَا ، وَمَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ إذَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ لَا قَبْلَهُ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي

ذَلِكَ ، وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ ذُكِرَ مَصْبُوغٌ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْمُعَصْفَرِ سَوَاءٌ الْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ أَصُبِغَ قَبْلَ النَّسْجِ أَمْ بَعْدَهُ وَإِنْ خَالَفَ فِيمَا بَعْدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ ، وَيَحِلُّ لُبْسُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَالِيَةَ الْأَثْمَانِ لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ ، وَيُكْرَهُ تَزْيِينُ الْبُيُوتِ لِلرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى مَشَاهِدِ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ بِالثِّيَابِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نُلْبِسَ الْجُدْرَانَ وَاللَّبِنَ } وَيَحْرُمُ تَزْيِينُهَا بِالْحَرِيرِ وَالصُّوَرِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا ، وَكَذَا يَحْرُمُ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ بِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِالْجَوَازِ ، نَعَمْ يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِهِ ، وَيَنْبَغِي جَوَازُ سَتْرِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ .

وَلُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا ، لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفُجَاءَةِ قِتَالٍ ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ فِي الْأَصَحِّ .

( وَ ) يَحِلُّ ( لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ ) أَيْ الْمُتَنَجِّسِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ عَطْفًا عَلَى الْمُحَرَّمِ ، وَكَذَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ فِي الْأَصَحِّ ( فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ) الْمَفْرُوضَةِ ( وَنَحْوِهَا ) كَالطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ أَوْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ إذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ بَدَنُهُ بِوَاسِطَةِ رُطُوبَةٍ بِخِلَافِ لُبْسِهِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَيَحْرُمُ ، سَوَاءٌ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ لَا لِقَطْعِهِ الْفَرْضَ بِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ ؛ لِجَوَازِ قَطْعِهِ .
أَمَّا إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِنَفْلٍ أَوْ فَرْضٍ مُوَسَّعٍ فَالْحُرْمَةُ عَلَى تَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ لَا عَلَى لُبْسِهِ ، فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ مُهِمٌّ ، وَحَيْثُ جَازَ لُبْسُهُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَحْرُمُ مُكْثُهُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَاتِ ( لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ ) فَلَا يَحِلُّ لُبْسُ جِلْدِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، وَكَذَا الْكَلْبُ إلَّا فِي اصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ أَوْلَى ، وَفَرْعُهُمَا وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ ( إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَجْأَةِ قِتَالٍ ) وَخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ مِنْ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ .
وَيَحِلُّ أَنْ يُغَشِّيَ كُلًّا مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ جِلْدَهُ وَجِلْدَ الْآخَرِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : كَذَا أَطْلَقُوهُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ كَلْبٌ يُقْتَنَى وَخِنْزِيرٌ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرُوهُ فِي السِّيَرِ ، وَمَا اسْتَشْكَلَهُ فِي تَغْشِيَةِ الْخِنْزِيرِ بِامْتِنَاعِ اقْتِنَائِهِ وَالْمُغَشَّى مُقْتَنًى .
أُجِيبَ عَنْهُ بِمَنْعِ كَوْنِهِ مُقْتَنًى بِذَلِكَ ، وَلَوْ سَلِمَ فَيَأْثَمُ بِالِاقْتِنَاءِ لَا بِالتَّغْشِيَةِ ، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى خَنَازِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مُضْطَرٍّ

تَزَوَّدَ بِهِ لِيَأْكُلَهُ كَمَا يَتَزَوَّدُ بِالْمَيْتَةِ أَمَّا تَغْشِيَةُ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِهِمَا وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ بِجِلْدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَغْشِيَتِهِ بِغَيْرِ جِلْدِهِمَا مِنْ الْجُلُودِ النَّجِسَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ( وَكَذَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ ) قَبْلَ الدَّبْغِ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحِلُّ كَجِلْدِ نَحْوِ الْكَلْبِ ، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْآدَمِيِّ اسْتِعْمَالُ نَجَاسَةٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ لِإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ مُشْطَ عَاجٍ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ هُنَاكَ رُطُوبَةٌ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي قَوْلِهِ يَحْرُمُ مُطْلَقًا ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ ، وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا الْعَاجَ لِشِدَّةِ جَفَافِهِ مَعَ ظُهُورِ رَوْنَقِهِ وَجِلْدَ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَيُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ اخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ .
وَيَحْرُمُ إطَالَةُ الْعَذَبَةِ طُولًا فَاحِشًا ، وَإِنْزَالُ الثَّوْبِ نَحْوَهُ عَنْ الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْعَذَبَةُ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِدُونِهِ ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ إرْخَاؤُهُ .
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ ذِرَاعًا .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الذِّرَاعِ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ ، لَا مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ ، وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ

الْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَالْقُمُصِ وَنَحْوِهَا مَزْرُورَةً وَغَيْرَ مَزْرُورَةٍ إذَا لَمْ تُبْدِ عَوْرَتَهُ ، وَيُسَنُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِأَنَّ كُمَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إلَى الرُّسْغِ ، وَإِفْرَاطُ تَوْسِعَةِ الثِّيَابِ وَالْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
قَالَ : وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَيُسْأَلُوا ، فَإِنِّي كُنْتُ مُحْرِمًا فَأَنْكَرْتُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُحْرِمِينَ لَا يَعْرِفُونَنِي مَا أَخَلُّوا بِهِ مِنْ أَدَبِ الطَّوَافِ فَلَمْ يَقْبَلُوا ، فَلَمَّا لَبِسْتُ ثِيَابَ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا ، فَإِذَا لَبِسَهَا لِمِثْلِ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ أَجْرٌ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَلِلِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .

وَيَحِلُّ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ عَلَى الْمَشْهُورِ
( وَيَحِلُّ ) مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ ( الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ ) عَيْنُهُ كَوَدَكِ مَيْتَةٍ أَوْ بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَنَحْوِهِ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ ( عَلَى الْمَشْهُورِ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ : { إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ ، أَوْ فَانْتَفِعُوا بِهِ } رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ؛ وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ لِأَجْلِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُصِيبُ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْ السِّرَاجِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهُ مِنْ دُخَانِ الْمِصْبَاحِ لِقِلَّتِهِ .
أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْجِيسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَإِنْ كَانَ مَيْلُ الْإِسْنَوِيِّ إلَى الْجَوَازِ ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا وَدَكُ نَحْوِ الْكَلْبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ الْغَزِّيُّ عَنْ الْإِمَامِ .
قَالَ الْغَزِّيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الزَّيْتَ الْمُتَنَجِّسَ صَابُونًا أَيْضًا لِلِاسْتِعْمَالِ : أَيْ لَا لِلْبَيْعِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ ، وَإِطْعَامُهَا لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجِّسِ لِلدَّوَابِّ .

خَاتِمَةٌ : يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَشْيَهُ يُخَلُّ بِذَلِكَ ، وَقِيلَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْعَدْلِ بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، وَأَنْ يَنْتَعِلَ قَائِمًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ فِي لُبْسِ النَّعْلِ وَنَحْوِهِ وَالْيَسَارِ فِي الْخَلْعِ ، وَيُبَاحُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ خَاتَمٍ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ ، وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ فِي خِنْصَرِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَلُبْسُهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ وَيَجُوزُ فِي الْيَسَارِ وَفِيهِمَا مَعًا ، وَجَعْلُ الْفَصِّ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ أَفْضَلُ ، وَالضَّبْطُ فِي قَدْرِهِ مَا لَا يُعَدُّ إسْرَافًا فِي الْعُرْفِ ، وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ النَّشَاءِ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْقَمْحِ فِي الثَّوْبِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَتَرْكُ دَقِّ الثِّيَابِ وَصَقْلِهَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ : أَيْ وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ { إذَا طَوَيْتُمْ ثِيَابَكُمْ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا لِئَلَّا تَلْبَسَهَا الْجِنُّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُمْ بِالنَّهَارِ فَتَبْلَى سَرِيعًا } .

بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ هِيَ سُنَّةٌ ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً ، وَلِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ ، وَوَقْتُهَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا ، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ يُحْرِمُ بِهِمَا ، ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ ، يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ ، وَيُمَجِّدُ ، وَيَحْسُنُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ ، وَيُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْجَمِيعِ ، وَلَسْنَ فَرْضًا وَلَا بَعْضًا ، وَلَوْ نَسِيَهَا وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَاتَتْ ، وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى " ق " ، وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ بِكَمَالِهِمَا جَهْرًا ، وَيُسَنُّ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَانِ : أَرْكَانُهُمَا كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ ، وَيُعَلِّمُهُمْ فِي الْفِطْرِ الْفِطْرَةَ وَفِي الْأَضْحَى الْأُضْحِيَّةَ ، يَفْتَتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وِلَاءً .

( بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ) الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى ، وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ لَتَكَرُّرِهِ كُلَّ عَامٍ ، وَقِيلَ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ بِعَوْدِهِ ، وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوُ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ ، وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ .
وَالْأَصْلُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [ الْكَوْثَرَ ] أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَالذَّبْحَ .
وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا فَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ ( هِيَ سُنَّةٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِ عَنْ الصَّلَاةِ { خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ .
فَقَالَ لَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ } ( مُؤَكَّدَةٌ ) لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ( وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) .
نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهَا يَتَوَالَى فِيهَا التَّكْبِيرُ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ أَثِمُوا وَقُوتِلُوا عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ ( وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى مِنْ تَرْكِهَا بِالْإِجْمَاعِ .
أَمَّا هُوَ فَلَا يُسَنُّ لَهُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً وَتُسَنُّ لَهُ مُنْفَرِدًا ( وَ ) تُشْرَعُ أَيْضًا ( لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ ) وَالْخُنْثَى وَالصَّغِيرِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الْجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ وَغَيْرِهِمَا ،

وَيُسَنُّ الِاجْتِمَاعُ لَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَيُكْرَهُ تَعَدُّدُهُ بِلَا حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِهَا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبًا : أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، وَقِيلَ نَدْبًا ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا أَمَرَهُمْ بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الِامْتِثَالُ ( وَوَقْتُهَا ) مَا ( بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا ) يَوْمَ الْعِيدِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَوْقَاتِ ، فَمَتَى خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَوْمِ ، وَالْيَوْمُ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَهَذَا الْيَوْمُ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ خَالٍ عَنْ صَلَاةٍ تُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ ، وَأَمَّا كَوْنُ آخِرِ وَقْتِهَا الزَّوَالَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَعَدَلُوا بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَنَّهَا تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً ( وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ ) الشَّمْسُ ( كَرُمْحٍ ) أَيْ كَقَدْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، فَإِنَّ لَنَا وَجْهًا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالِارْتِفَاعِ ، فَفِعْلُهَا قَبْلَ الِارْتِفَاعِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِذَلِكَ لَا أَنَّهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ : وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ ( وَهِيَ رَكْعَتَانِ ) بِالْإِجْمَاعِ وَلِلْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ ، وَحُكْمُهَا فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ( يُحْرِمُ بِهِمَا ) بِنِيَّةِ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
وَقِيلَ : لَا يَحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزِ عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ الْأَضْحَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مَقْصُودِ الشَّارِعِ ، وَهَذَا أَقَلُّهَا ، وَبَيَانُ

أَكْمَلِهَا مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ( يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ( ثُمَّ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ .
وَعُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ مِنْ السَّبْعَةِ ، وَجَعَلَهَا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْهَا ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( 1 ) وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ : يُكَبِّرُ ثَلَاثًا ( يَقِفُ ) نَدْبًا ( بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ ) مِنْهَا ( كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ ) لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ ( يُهَلِّلُ ) أَيْ يَقُولُ : لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ ( وَيُكَبِّرُ ) أَيْ يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ( وَيُمَجِّدُ ) أَيْ يُعَظِّمُ اللَّهَ ، رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلًا وَفِعْلًا ( وَيَحْسُنُ ) فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ أَنْ يَقُولَ ( سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ) لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ ، وَهِيَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ وَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ .
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : وَلَوْ قَالَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ هُوَ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا لَكَانَ حَسَنًا ، وَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ السَّابِعَةِ وَلَا بَعْدَ الْخَامِسَةِ وَلَا قَبْلَ الْأُولَى مِنْ السَّبْعِ جَزْمًا وَلَا قَبْلَ الْأُولَى مِنْ الْخَمْسِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ

( يَتَعَوَّذُ ) لِأَنَّهُ لِاسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ ( وَيَقْرَأُ ) الْفَاتِحَةَ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ ، وَسَيَأْتِي مَا يَقْرَأُ بَعْدَهَا ( وَيُكَبِّرُ فِي ) الرَّكْعَةِ .
( الثَّانِيَةِ ) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ ( خَمْسًا ) بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ ( قَبْلَ ) التَّعَوُّذِ وَ ( الْقِرَاءَةِ ) لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَجْهَرُ ( وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ) نَدْبًا ( فِي الْجَمِيعِ ) أَيْ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ كَغَيْرِهَا مِنْ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى يُسْرَاهُ تَحْتَ صَدْرِهِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَيَأْتِي فِي إرْسَالِهِمَا مَا مَرَّ ثَمَّ .
وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، وَلَوْ كَبَّرَ ثَمَانِيًا وَشَكَّ هَلْ نَوَى الْإِحْرَامَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ .
أَوْ شَكَّ فِي أَيُّهَا أَحْرَمَ جَعَلَهَا الْأَخِيرَةَ وَأَعَادَهُنَّ احْتِيَاطًا ، وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُكَبِّرُ سِتًّا أَوْ ثَلَاثًا مَثَلًا تَابَعَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا نَدْبًا فِيهِمَا سَوَاءٌ اعْتَقَدَ إمَامُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا لِخَبَرِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } حَتَّى لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّكْبِيرَاتِ لَمْ يَأْتِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجِيلِيُّ ( وَلَسْنَ ) أَيْ التَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَاتُ ( فَرْضًا وَلَا بَعْضًا ) بَلْ مِنْ الْهَيْئَاتِ كَالتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهِنَّ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لِكُلِّهِنَّ أَوْ بَعْضِهِنَّ مَكْرُوهًا ، وَيُكَبِّرُ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ هَيْئَاتِهَا كَمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْعِجْلِيِّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ( وَلَوْ نَسِيَهَا ) فَتَذَكَّرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ ( وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ ) وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ ( فَاتَتْ ) فِي الْجَدِيدِ : أَيْ لَمْ يَتَدَارَكْهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ قَدْ يُقْضَى فَلَوْ عَادَ لَمْ

تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ إنْ كَانَ عَالِمًا مُتَعَمِّدًا وَالْجَهْلُ كَالنِّسْيَانِ وَالْعَمْدُ أَوْلَى ، وَلَوْ تَرَكَهَا وَتَعَوَّذَ وَلَمْ يَقْرَأْ كَبَّرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الِاسْتِفْتَاحِ لَا يَأْتِي بِهِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ لَا يَكُونُ مُفْتَتِحًا ( وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ ) لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْقِيَامُ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَطَعَهَا وَكَبَّرَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا كَبَّرَ وَنُدِبَ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ يُكَبِّرْ جَزْمًا ( وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى " ق " ، وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ " بِكَمَالِهِمَا ) كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ .
وَقَوْلُهُ ( جَهْرًا ) لِلْإِجْمَاعِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } [ الْأَعْلَى ] وَفِي الثَّانِيَةِ { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } [ الْغَاشِيَةَ ] كَانَتْ سُنَّةً أَيْضًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِهِ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْأَوَّلُ ( وَيُسَنُّ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَانِ ) لِلْجَمَاعَةِ تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجَمَاعَةِ بَيْنَ الْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيَأْتِي بِهِمَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى خُطْبَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكْفِ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا عَلَى الصَّوَابِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ كَالسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قُدِّمَتْ وَ ( أَرْكَانُهُمَا ) وَسُنَنُهُمَا ( كَهِيَ ) أَيْ كَأَرْكَانِهِمَا وَسُنَنِهِمَا ( فِي الْجُمُعَةِ ) وَأَفْهَمَ إطْلَاقُهُ كَالْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ

أَنَّ الشُّرُوطَ كَالْقِيَامِ فِيهِمَا ، وَالسَّتْرُ وَالطَّهَارَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ الْإِسْمَاعُ ، وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً ، وَيُسَنُّ الْجُلُوسُ قَبْلَهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ .
قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ : قَدْرَ الْأَذَانِ ، وَعَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَلَوْ ذَكَرَ السُّنَنَ كَمَا زِدْتهَا كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا رُبَّمَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ مُشَابَهَةِ سُنَنِ خُطْبَتَيْ الْعِيدِ لِسُنَنِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُشَابَهَةُ حَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ زَادَتَا عَلَى خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ بِسُنَنٍ أُخْرَى ( وَيُعَلِّمُهُمْ ) نَدْبًا ( فِي ) كُلِّ عِيدٍ أَحْكَامَهُ ، فَفِي عِيدِ ( الْفِطْرِ ) يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ ( الْفِطْرَةِ ) بِكَسْرِ الْفَاءِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَبِضَمِّهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ كَابْنِ أَبِي الدَّمِ ، وَهِيَ مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ؛ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ ، مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ ، وَكَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ أَيْ الْخِلْقَةِ ، فَهِيَ صَدَقَةُ الْخِلْقَةِ ( وَفِي ) عِيدِ ( الْأَضْحَى ) يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ ( الْأُضْحِيَّةِ ) لِلِاتِّبَاعِ فِي بَعْضِهَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالْحَالِ ، وَ ( يَفْتَتِحُ ) الْخُطْبَةَ ( الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ ) وِلَاءً إفْرَادًا ( وَ ) الْخُطْبَةَ ( الثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وِلَاءً ) إفْرَادًا تَشْبِيهًا لِلْخُطْبَتَيْنِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى تَشْتَمِلُ عَلَى تِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ ، وَالرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ ، وَالْوِلَاءُ سُنَّةٌ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْإِفْرَادُ ، فَلَوْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ ، أَوْ قُرِنَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ ، جَازَ ، وَالتَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلْخُطْبَةِ لَا مِنْهَا وَإِنْ

أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا مِنْهَا ؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ ، وَيُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَتَيْنِ ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ ، وَمَنْ دَخَلَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ بَدَأَ بِالتَّحِيَّةِ ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ ، فَلَوْ صَلَّى فِيهِ بَدَلَ التَّحِيَّةِ الْعِيدَ وَهُوَ أَوْلَى حَصَلَا ، لَكِنْ لَوْ دَخَلَ وَعَلَيْهِ مَكْتُوبَةٌ يَفْعَلُهَا وَيَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ ، أَوْ فِي صَحْرَاءَ سُنَّ لَهُ الْجُلُوسُ لِيَسْتَمِعَ إذْ لَا تَحِيَّةَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَّا إنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الِاسْتِمَاعِ ، وَإِذَا أَخَّرَهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِغَيْرِهَا إلَّا إنْ خَشِيَ الْفَوَاتَ بِالتَّأْخِيرِ ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ أَنْ يُعِيدَهَا لِمَنْ فَاتَهُ سَمَاعُهَا وَلَوْ نِسَاءً لِلِاتِّبَاعِ ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .

فَرْعٌ : قَالَ أَئِمَّتُنَا : الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ : خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ ، وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ ، وَالِاسْتِسْقَاءِ ، وَأَرْبَعٌ فِي الْحَجِّ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ فَقَبْلَهَا ، وَكُلٌّ مِنْهَا ثِنْتَانِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْحَجِّ فَفُرَادَى .

وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ ، وَفِي قَوْلٍ بِالْفَجْرِ ، وَالتَّطَيُّبُ
( وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ ) لِعِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ فَسُنَّ الْغُسْلُ لَهُ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ( وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ ) وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِعْلَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ يُبَكِّرُونَ إلَيْهَا مِنْ قُرَاهُمْ فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْغُسْلُ لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعَلَّقَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا قِيلَ فِي أَذَانِهِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَدْخُلُ وَقْتُهُ ( بِالْفَجْرِ ) كَالْجُمُعَةِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ هُنَاكَ وَتَقْدِيمِهَا هُنَا ( وَ ) يُنْدَبُ ( التَّطَيُّبُ ) أَيْ التَّطَيُّبُ لِلذَّكَرِ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ عِنْدَهُ مِنْ الطِّيبِ .
فَإِنْ قِيلَ : الطِّيبُ اسْمُ ذَاتٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ .
أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا قَدَّرْته .

وَالتَّزَيُّنُ كَالْجُمُعَةِ .
( وَالتَّزَيُّنُ ) بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَبِإِزَالَةِ الظُّفُرِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ ( كَالْجُمُعَةِ ) لَكِنَّ الْجُمُعَةَ السُّنَّةُ فِيهَا لُبْسُ الْبَيَاضِ كَمَا مَرَّ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْخَارِجِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ نَعَمْ مُرِيدُ الْأُضْحِيَّةِ لَا يُزِيلُ شَعْرَهُ وَلَا ظُفُرَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُضْحِيَّةِ .
أَمَّا الْأُنْثَى فَيُكْرَهُ لِذَاتِ الْجَمَالِ وَالْهَيْئَةِ الْحُضُورُ ، وَيُسَنُّ لِغَيْرِهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ ، وَتَتَنَظَّفُ بِالْمَاءِ وَلَا تَتَطَيَّبُ وَتَخْرُجُ فِي ثِيَابِ بَذْلِهَا ، وَالْخُنْثَى فِي هَذِهِ كَالْأُنْثَى أَمَّا الْأُنْثَى الْقَاعِدَةُ فِي بَيْتِهَا فَيُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الطِّيبَ وَقَالَ : وَالتَّزَيُّنُ كَالْجُمُعَةِ لَكَانَ أَخَصْرَ ، لِأَنَّهُ فِي الْجُمُعَةِ أَدْخَلَ الطِّيبَ فِي التَّزَيُّنِ .

وَفِعْلُهَا بِالْمَسْجِدِ أَفْضَلُ ، وَقِيلَ بِالصَّحْرَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ ، وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ .

( وَفِعْلُهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ ( بِالْمَسْجِدِ ) عِنْدَ اتِّسَاعِهِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( أَفْضَلُ ) لِشَرَفِ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِهِ ( وَقِيلَ ) فِعْلُهَا ( بِالصَّحْرَاءِ ) أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالرَّاكِبِ وَغَيْرِهِ ( إلَّا لِعُذْرٍ ) كَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَالْمَسْجِدُ أَفْضَلُ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
أَمَّا هُوَ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطْعًا اقْتِدَاءً بِالصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ فَضِيلَةُ الْبُقْعَةِ وَمُشَاهَدَةُ الْكَعْبَةِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَأَلْحَقَ الصَّيْدَلَانِيُّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الصَّوَابُ لِلْفَضْلِ وَالسَّعَةِ الْمُفْرِطَةِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ مَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى خِلَافِهِ ، أَلْحَقَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ اتَّسَعَ الْآنَ ، وَمَنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ فَذَاكَ قَبْلَ اتِّسَاعِهِ ( وَيَسْتَخْلِفُ ) الْإِمَامُ نَدْبًا إذَا خَرَجَ إلَى الصَّحْرَاءِ ( مَنْ يُصَلِّي ) فِي الْمَسْجِدِ ( بِالضَّعَفَةِ ) كَالشُّيُوخِ وَالْمَرْضَى وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ وَيَخْطُبُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ فِي ذَلِكَ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ لَمْ يَخْطُبْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِكَوْنِهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ ، فَإِنْ خَطَبَ كُرِهَ لَهُ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَيْسَ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ حَقٌّ فِي إمَامَةِ الْعِيدِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَلَّدَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ فَيَدْخُلَ فِيهِ .
قَالَ : وَإِذَا قُلِّدَ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي عَامٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ عَامٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلِّدَ صَلَاةَ الْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فِي عَامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ عَامٍ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَقْتًا مُعَيَّنًا تَتَكَرَّرُ فِيهِ بِخِلَافِهِمَا .
قَالَ

شَيْخُنَا : وَظَاهِرٌ أَنَّ إمَامَةَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بِالضَّعَفَةِ تَيَمُّنٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ ، وَإِلَّا فَقَدْ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ بَعْضُ الْأَقْوِيَاءِ ، وَلِذَا ذَكَرْته .

وَيَذْهَبُ فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى .
( وَيَذْهَبُ ) نَدْبًا مُصَلِّي الْعِيدِ لِصَلَاتِهَا إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ ) مِنْهَا ( فِي ) طَرِيقٍ ( أُخْرَى ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُخَصُّ الذَّهَابُ بِأَطْوَلِهِمَا ، وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ وُجُوهٌ أَوْجَهُهَا أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ فِي أَطْوَلِهِمَا تَكْثِيرًا لِلْأَجْرِ ، وَيَرْجِعُ فِي أَقْصَرِهِمَا ، وَقِيلَ : خَالَفَ بَيْنَهُمَا لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ ، وَقِيلَ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُهُمَا ، وَقِيلَ لِيُسْتَفْتَى فِيهِمَا ، وَقِيلَ لِيَتَصَدَّقَ عَلَى فُقَرَائِهِمَا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَيُسَنُّ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ : كَالْحَجِّ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رِيَاضِهِ .

وَيُبَكِّرُ النَّاسُ ، وَيَحْضُرُ الْإِمَامُ وَقْتَ صَلَاتِهِ وَيُعَجِّلُ فِي الْأَضْحَى .
قُلْت :
( وَيُبَكِّرُ النَّاسُ ) لِلْحُضُورِ لِلْعِيدِ نَدْبًا بَعْدَ صَلَاتِهِمْ الصُّبْحَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِيَحْصُلَ لَهُمْ الْقُرْبُ مِنْ الْإِمَامِ وَفَضِيلَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : هَذَا إنْ خَرَجُوا إلَى الصَّحْرَاءِ ، فَإِنْ صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ مَكَثُوا فِيهِ إذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ فِيمَا يَظْهَرُ ( وَيَحْضُرُ الْإِمَامُ ) مُتَأَخِّرًا عَنْهُمْ ( وَقْتَ صَلَاتِهِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَلِأَنَّ انْتِظَارَهُمْ إيَّاهُ أَلْيَقُ ( وَيُعَجِّلُ ) الْحُضُورَ ( فِي الْأَضْحَى ) بِحَيْثُ يُصَلِّيهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْفَاضِلِ ، وَيُؤَخِّرُهُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَلِيلًا لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفِطْرِ لِتَفْرِيقِ الْفِطْرَةِ ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْأَضْحَى لِلتَّضْحِيَةِ ( قُلْت ) كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ .

وَيَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُمْسِكُ فِي الْأَضْحَى
( وَيَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ الْمَأْكُولِ تَمْرًا وِتْرًا فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مَا ذُكِرَ فِي بَيْتِهِ فَفِي الطَّرِيقِ أَوْ الْمُصَلَّى إنْ تَيَسَّرَ ( وَيُمْسِكُ ) عَنْ الْأَكْلِ ( فِي ) عِيدِ ( الْأَضْحَى ) حَتَّى يُصَلِّيَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِيَتَمَيَّزَ عِيدُ الْفِطْرِ عَمَّا قَبْلَهُ الَّذِي كَانَ الْأَكْلُ فِيهِ حَرَامًا ، وَلِيُعْلَمَ نَسْخُ تَحْرِيمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَهَا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ الْأَضْحَى ، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ ، وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ .

وَيَذْهَبُ مَاشِيًا بِسَكِينَةٍ .
( وَيَذْهَبُ ) لِلْعِيدِ ( مَاشِيًا ) كَالْجُمُعَةِ ( بِسَكِينَةٍ ) لِمَا مَرَّ فِيهَا ، وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِ الْعَاجِزِ لِلْعُذْرِ وَالرَّاجِعِ مِنْهَا وَلَوْ قَادِرًا مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ .
قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ : وَلَوْ كَانَ الْبَلَدُ ثَغْرًا لِأَهْلِ الْجِهَادِ بِقُرْبِ عَدُوِّهِمْ فَرُكُوبُهُمْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِظْهَارُ السِّلَاحِ أَوْلَى .

وَلَا يُكْرَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا لِغَيْرِ الْإِمَامِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَا يُكْرَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا ) بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ ( لِغَيْرِ الْإِمَامِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِانْتِفَاءِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَرَاهَةِ ، فَخَرَجَ بِقَبْلِهَا بَعْدَهَا .
وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ كُرِهَ لَهُ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَبِبَعْدِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِهِ ، وَبِغَيْرِ الْإِمَامِ فَيُكْرَهُ لَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الْأَهَمِّ وَلِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُسَنُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ لِخَبَرِ { مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ ( 1 ) ، وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَحَبُّوا الْإِحْيَاءَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ ، قِيلَ : وَالْمُرَادُ بِمَوْتِ الْقُلُوبِ شَغَفُهَا بِحُبِّ الدُّنْيَا ، وَقِيلَ الْكُفْرُ ، وَقِيلَ الْفَزَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ كَالْمَبِيتِ بِمِنًى ، وَقِيلَ بِسَاعَةٍ مِنْهُ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً وَالْعَزْمُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً ، وَالدُّعَاءُ فِيهِمَا وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَيْ أَوَّلِ رَجَبٍ وَنِصْفِ شَعْبَانَ مُسْتَجَابٌ فَيُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .

فَصْلٌ يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ ، وَالْأَظْهَرُ إدَامَتُهُ حَتَّى يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ ، وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي ، وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُكَبِّرُ الْحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ ، وَغَيْرِهِ كَهُوَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ النَّحْرِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِلْفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ وَالنَّافِلَةِ .

( فَصْلٌ ) فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَيُسَمَّى بِالْمُطْلَقِ أَيْضًا ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ عَقِبَ صَلَاةٍ فَقَالَ ( يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ ) لِحَاضِرٍ وَمُسَافِرٍ وَذَكَرٍ وَغَيْرِهِ ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ ( بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ ) أَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى ، ، دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [ الْبَقَرَةَ ] قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : سَمِعْت مَنْ أَرْضَاهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ : الْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ عِدَّةُ الصَّوْمِ ، وَبِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْإِكْمَالِ ، وَدَلِيلُ الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِذَلِكَ كَانَ تَكْبِيرُ الْأَوَّلِ آكَدُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ ، وَيُكَبِّرُونَ ( فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ ) جَمْعُ سُوقٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ وَغَيْرِهَا كَالزَّحْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا ( بِرَفْعِ الصَّوْتِ ) لِلرَّجُلِ إظْهَارًا لِشِعَارِ الْعِيدِ ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَرْفَعُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا حَضَرَتْ مَعَ غَيْرِ مَحَارِمِهَا وَنَحْوِهِمْ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ أَيْضًا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَالَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ ( وَالْأَظْهَرُ إدَامَتُهُ ) نَدْبًا لِلْمُصَلِّي وَغَيْرِهِ ( حَتَّى يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ ) أَيْ يَفْرَغَ مِنْ إحْرَامِهِ بِهَا إذَا الْكَلَامُ يُبَاحُ إلَيْهِ فَالتَّكْبِيرُ أَوْلَى مَا يَشْتَغِلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَشِعَارُ الْيَوْمِ ، وَالثَّانِي حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لَهَا ، وَالثَّالِثُ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهَا قِيلَ وَمِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَالْعِبْرَةُ بِإِحْرَامِهِ ( وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ ) عِيدِ ( الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي ) لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُهُ ، وَالْمُعْتَمِرُ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ

وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ .
ثُمَّ أَشَارَ إلَى نَوْعِ التَّكْبِيرِ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَصَحِّ ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَالثَّانِي يُسَنُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْأَذْكَارِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ غَالِبِ النَّاسِ ، وَعَلَى هَذَا فَيُكَبِّرُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ ( وَيُكَبِّرُ ) عَقِبَ الصَّلَوَاتِ ( الْحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ ) يَوْمِ ( النَّحْرِ ) لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِمِنًى وَوَقْتُ انْتِهَاءِ التَّلْبِيَةِ ( وَيَخْتِمُ ) التَّكْبِيرَ ( بِصُبْحِ آخِرِ ) أَيَّامِ ( التَّشْرِيقِ ) لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا بِمِنًى كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ الْحَاجِّ ( كَهُوَ ) أَيْ كَالْحَاجِّ فِي ذَلِكَ ( فِي الْأَظْهَرِ ) تَبَعًا لَهُ لِأَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلْحَجِيجِ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ مِنْ الظُّهْرِ كَمَا مَرَّ ، وَلِإِطْلَاقِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ { أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى } .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا ( وَفِي قَوْلٍ ) يُكَبِّرُ غَيْرُهُ ( مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ ) يَوْمِ ( النَّحْرِ ) وَيَخْتِمُ أَيْضًا بِصُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ .
تَنْبِيهٌ : جَرُّ الْكَافِ لِلضَّمِيرِ قَلِيلٌ ، وَالْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْفُقَهَاءِ يُكْثِرُ مِنْهُ ( وَفِي قَوْلٍ مِنْ صُبْحِ ) يَوْمِ ( عَرَفَةَ ، وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ ) أَيَّامِ ( التَّشْرِيقِ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا ) فِي الْأَمْصَارِ .
وَصَحَّ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَمَجْمُوعِهِ ، وَقَالَ

فِي الْأَذْكَارِ : إنَّهُ الْأَصَحُّ ، وَفِي الرَّوْضَةِ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ) أَيْ الشَّخْصُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا مُنْفَرِدًا أَوْ غَيْرَهُ ( يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ) لِلْجِنَازَةِ ، وَ ( لِلْفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ ) وَالْمَنْذُورَةِ ( وَالنَّافِلَةِ ) أَوْ الْمُقَيَّدَةِ وَذَاتِ السَّبَبِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْوَقْتِ .
وَالثَّانِي : يُكَبِّرُ عَقِبَ الْفَرَائِضِ خَاصَّةً سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُؤَدَّاةً أَمْ مَقْضِيَّةً مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ مَحْصُورَةٌ فَلَا يَشُقُّ طَلَبُ ذَلِكَ فِيهَا كَالْأَذَانِ فِي أَوَّلِ الْفَرَائِضِ وَالْأَذْكَارِ فِي آخِرِهَا ، وَالثَّالِثُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا عَقِبَ فَرَائِضِ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَدَاءً كَانَتْ أَوْ قَضَاءً ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عَلَى الْأَوَّلِ عَقِبَ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الرَّوْنَقِ : إنَّهُ يُكَبِّرُ عَقِبَهُمَا ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَمَّا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْهَا وَقَضَاهَا فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ تَدَارَكَهُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ ، وَكَذَا إنْ طَالَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَيَجْعَلُهُ شِعَارَ الْيَوْمِ ، أَمَّا لَوْ اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ رَأْيُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي وَقْتِ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ اتَّبَعَ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ .

وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا .
( وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ ) أَيْ الْمَسْنُونَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ) ثَلَاثًا فِي الْجَدِيدِ كَذَا وَرَدَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ يَقُولُ ( لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ) مَرَّتَيْنِ ( وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ .
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبُوَيْطِيِّ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " ( كَبِيرًا ) كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ : أَيْ بِزِيَادَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ كَبِيرًا ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا ، وَمَعْنَى : بُكْرَةً وَأَصِيلًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ ، وَقِيلَ : الْأَصِيلُ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ .
وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا بَعْدَ هَذَا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، قِيلَ هُوَ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ : أَيْ كَبَّرْت كَبِيرًا ، وَقِيلَ عَلَى الْقَطْعِ ، وَقِيلَ عَلَى التَّمْيِيزِ .
قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ : وَإِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كَبَّرَ .

وَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ أَفْطَرْنَا وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ ، وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ ، أَوْ بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ أَفْطَرْنَا ، وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ .

( وَلَوْ ) شَهِدَا أَوْ ( شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ ) مِنْ رَمَضَانَ ( قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ) أَيْ هِلَالِ شَوَّالٍ ( اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ أَفْطَرْنَا ) وُجُوبًا ( وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ ) نَدْبًا أَدَاءً إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ فِيهِ ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ رَكْعَةٍ كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا دُونَ الِاجْتِمَاعِ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَحْدَهُ أَوْ بِمَنْ تَيَسَّرَ حُضُورُهُ لِتَقَعَ أَدَاءً لِأَنَّهُ وَقْتُهَا ، وَمُرَاعَاةُ الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ ثُمَّ يُصَلِّيَهَا مَعَ النَّاسِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ شَهِدَا ، أَوْ ( شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ ) أَيْ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ ( لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ ) فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ شَوَّالًا قَدْ دَخَلَ يَقِينًا وَصَوْمُ ثَلَاثِينَ قَدْ تَمَّ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَّا الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ ، فَلَا نَقْبَلُهَا وَنُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ أَدَاءً .
قَالُوا : وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا بَلْ يَوْمَ فِطْرِ النَّاسِ ، وَكَذَا يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ، سَوَاءٌ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ { الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( 1 ) .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ { وَعَرَفَةُ يَوْمَ يَعْرِفُونَ } أَمَّا الْحُقُوقُ وَالْأَحْكَامُ الْمُعَلَّقَةُ بِالْهِلَالِ كَالتَّطْلِيقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعِتْقِ فَتَثْبُتُ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّثْنِيَةِ كَمَا قَدَّرْته وَحَذَفَ " الـ " مِنْ الْهِلَالِ وَأَضَافَهُ لِلَّيْلَةِ كَانَ أَخْصَرَ

وَأَعَمَّ لِيُدْخِلَ فِيهِ الشَّهَادَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا ( أَوْ ) شَهِدُوا ( بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ ) أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ صَلَاةَ الْعِيدِ أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا كَمَا مَرَّ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ ، وَ ( أَفْطَرْنَا وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ ) أَدَاءً .

وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً .

( وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ ) فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَفِي الْغَدِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَتَى اتَّفَقَ ( فِي الْأَظْهَرِ ) كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ ، وَالْأَفْضَلُ قَضَاؤُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمْ فِيهِ وَإِلَّا فَقَضَاؤُهَا فِي الْغَدِ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى النَّاسِ الْحُضُورُ ، وَالْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ ، لَا فِي صَلَاةِ الْآحَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُهَا عَاجِلًا مَعَ مَنْ تَيَسَّرَ ، وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا ثُمَّ يَفْعَلُهَا غَدًا مَعَ الْإِمَامِ .
وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَهْرِ الْعِيدِ ، وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ سَبَقَتْ فِي قَوْلِهِ : وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُكَرَّرَةٌ ، لَكِنَّهُ ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ ( وَقِيلَ فِي قَوْلٍ ) مِنْ قَوْلَيْنِ هُمَا أَحَدُ طَرِيقَيْنِ لَا تَفُوتُ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ ( تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً ) لِأَنَّ الْغَلَطَ فِي الْهِلَالِ كَثِيرٌ ، فَلَا يَفُوتُ بِهِ هَذَا الشِّعَارُ الْعَظِيمُ .
وَهَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ : وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ : تَفُوتُ كَطَرِيقِ الْقَطْعِ بِهِ الرَّاجِحَةُ ، وَالْأَثَرُ لِلتَّعْدِيلِ لَا لِلشَّهَادَةِ ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَعُدِّلَا بَعْدَهُ ، فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا ، فَتُصَلَّى الْعِيدُ مِنْ الْغَدِ أَدَاءً ، وَقِيلَ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ .
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَيَّدُوهُ بِمَا لَوْ شَهِدَا بِحَقٍّ وَعُدِّلَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا ا هـ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ ، إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ بِشَهَادَتِهِمَا بِشَرْطِ تَعْدِيلِهِمَا ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَثَرِ الْحُكْمِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً .
خَاتِمَةٌ : قَالَ الْقَمُولِيُّ : لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ

أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ .
وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا ، فَقَالَ : بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك ، وَسَاقَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ .
ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ : أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ ، وَلَوْ حَضَرَ سُكَّانُ الْبَوَادِي لِلْعِيدِ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ صَلَاتِهَا وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا مِنْهَا وَسَمِعُوا النِّدَاءَ وَأَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُهَا لَوْ عَادُوا إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ أَوْ بِالْعَوْدِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا كَأَنْ صَلَّوْا الْعِيدَ بِمَكَانِهِمْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْوَافِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ .
.

بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ هِيَ سُنَّةٌ :

بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَيُقَالُ فِيهِمَا خَسُوفَانِ ، وَالْأَفْصَحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ تَخْصِيصُ الْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ ، وَحُكِيَ عَكْسُهُ ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ بِالْكَافِ : أَوَّلُهُ فِيهِمَا ، وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْكُسُوفِ مَعَ أَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ ، وَالْكُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَسَفَتْ حَالُهُ : أَيْ تَغَيَّرَتْ : كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ كَاسِفُ الْحَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُهُ .
وَالْخُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ خَسَفَ الشَّيْءُ خُسُوفًا أَيْ ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ .
قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ : إنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا فِي نَفْسِهَا لِاسْتِفَادَةِ ضَوْئِهَا مِنْ جِرْمِهَا ، وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بِظُلْمَتِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَعَ بَقَاءِ نُورِهَا ، فَيُرَى لَوْنُ الْقَمَرِ كَمِدًا فِي وَجْهِ الشَّمْسِ فَيُظَنُّ ذَهَابُ ضَوْئِهَا .
وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةً بِذَهَابِ ضَوْئِهِ لِأَنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ ، وَكُسُوفُهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ .
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ } أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ { إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ } ( هِيَ سُنَّةٌ ) مُؤَكَّدَةٌ لِذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ مُخَاطَبٍ بِالْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ مِنْ الثِّقَاتِ ، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَلَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ

لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا : أَيْ الْخَمْسِ ؟ قَالَ : لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ } وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ : " لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا " عَلَى كَرَاهَتِهِ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ .

فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ، ثُمَّ يَرْفَعُ ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ .
فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ ، وَلَا نَقْصُهُ لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْبَقَرَةَ ، وَفِي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا ، وَفِي الثَّالِثِ مِائَةً وَخَمْسِينَ ، وَالرَّابِعِ مِائَةً تَقْرِيبًا ، وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِي ثَمَانِينَ ، وَالثَّالِثِ سَبْعِينَ ، وَالرَّابِعِ خَمْسِينَ تَقْرِيبًا ، وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ قُلْتُ : الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُطَوِّلهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَتُسَنُّ جَمَاعَةً وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لَا الشَّمْسِ ، ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ ، وَيَحُثُّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْخَيْرِ .

وَأَقَلُّ كَيْفِيَّتِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ) وَهَذِهِ النِّيَّةُ قَدْ سَبَقَتْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ : إنَّ النَّفَلَ ذَا السَّبَبِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ ، وَلِهَذَا أَهْمَلَ النِّيَّةَ فِي الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ أَقَلِّ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ، ( وَيَقْرَأُ ) بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ ( الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ ) رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ( ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ) ثَانِيًا ( ثُمَّ يَرْكَعُ ) ثَانِيًا أَقْصَرَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ( ثُمَّ يَعْتَدِلُ ) ثَانِيًا ، وَيَقُولُ فِي الِاعْتِدَالِ عَنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ حَمْدًا طَيِّبًا إلَخْ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّفْعِ الْأَوَّلِ ، بَلْ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ اعْتِدَالًا ، وَلَعَلَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا بِالرَّفْعِ وَثَانِيًا بِالِاعْتِدَالِ فِيهِ مَيْلٌ إلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى اعْتِدَالًا ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ( ثُمَّ يَسْجُدُ ) السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَالِّهَا ( فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي ) رَكْعَةً ( ثَانِيَةً كَذَلِكَ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ أَقَلَّهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الْكَمَالِ ( وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ ) فَأَكْثَرَ ( لِتَمَادِي ) أَيْ طُولِ مُكْثِ ( الْكُسُوفِ ، وَلَا ) يَجُوزُ ( نَقْصُهُ ) أَيْ نَقْصُ رُكُوعٍ : أَيْ إسْقَاطُهُ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ الْمَنْوِيَّيْنِ ( لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْكَانِهَا وَلَا

يُنْقَصُ مِنْهَا .
وَالثَّانِي يُزَادُ وَيُنْقَصُ .
أَمَّا الزِّيَادَةُ " فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَفِيهِ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ أَيْضًا ، وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ ، وَلَا مَحْمَلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلُ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ .
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، فَهِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَقُدِّمَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَاقِعَةُ وَاحِدَةً وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا .
أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقَائِعَ فَلَا تَعَارُضَ فِيهَا ا هـ .
وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ، فَقِيلَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِهَا .
وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَ مَاتَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُهُ ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ الْوَاقِعَةُ فَلَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ ، وَقِيلَ : إنَّهَا تَعَدَّدَتْ وَصَلَّاهَا مَرَّاتٍ ، فَالْجَمِيعُ جَائِزٌ ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَعَلَى هَذَا ، الْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا أَنْشَأَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ : مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا .
وَأَمَّا النَّقْصُ لِلِانْجِلَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَاسَهُ عَلَى الِانْجِلَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَجْمُوعِ جَوَازُ فِعْلِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَصَدَ فِعْلَهَا ابْتِدَاءً كَذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : تَجْوِيزُ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَمَادِي الْكُسُوفِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة .
وَأَمَّا الْأُولَى فَكَيْفَ يُعْلَمُ فِيهَا

التَّمَادِي بَعْدَ فَرَاغِ الرُّكُوعَيْنِ ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَاقْتَضَى حِسَابُهُ ذَلِكَ ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِدَامَةِ ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ .
نَعَمْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ : أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْكُسُوفَ وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا مَعَهُ كَالْمَكْتُوبَةِ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ افْتِتَاحُ صَلَاةِ كُسُوفٍ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ ، وَهَلْ يُعِيدُ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا ؟ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ( وَالْأَكْمَلُ ) فِيهَا زَائِدًا عَلَى الْأَقَلِّ ( أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ) كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ ( بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ) وَسَوَابِقِهَا مِنْ افْتِتَاحٍ ، وَتَعَوُّذٍ ( الْبَقَرَةَ ) بِكَمَالِهَا إنْ أَحْسَنَهَا وَإِلَّا فَقَدْرَهَا ( وَ ) أَنْ يَقْرَأَ ( فِي ) الْقِيَامِ ( الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا ، وَفِي ) الْقِيَامِ ( الثَّالِثِ ) مِثْلَ ( مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ) مِنْهَا ( وَ ) فِي الْقِيَامِ ( الرَّابِعِ ) مِثْلَ ( مِائَةٍ ) مِنْهَا ( تَقْرِيبًا ) فِي الْجَمِيعِ ، وَالْمُرَادُ الْآيَاتُ الْمُعْتَدِلَةُ فِي هَذَا وَفِيمَا سَيَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي " آلَ عِمْرَانَ " أَوْ قَدْرَهَا ، وَفِي الثَّالِثِ " النِّسَاءَ " أَوْ قَدْرَهَا ، وَفِي الرَّابِعِ " الْمَائِدَةَ " أَوْ قَدْرَهَا ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ تَقْدِيرُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ وَتَطْوِيلُهُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ ثُمَّ الثَّالِثِ عَلَى الرَّابِعِ .
وَأَمَّا نَقْصُ

الثَّالِثِ عَنْ الثَّانِي أَوْ زِيَادَتُهُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ فَلِأَجْلِهِ لَا بُعْدَ فِي ذِكْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي الثَّانِي .
وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ فِي الْقَوْمَةِ الثَّانِيَةِ .
فَائِدَةٌ : قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْبَقَرَةِ أَلْفُ أَمْرٍ ، وَأَلْفُ نَهْيٍ ، وَأَلْفُ حُكْمٍ ، وَأَلْفُ خَبَرٍ ( وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ) مِنْ الرُّكُوعَاتِ الْأَرْبَعَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ( قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ ، وَفِي ) الرُّكُوعِ ( الثَّانِي ) قَدْرَ ( ثَمَانِينَ ) مِنْهَا ( وَ ) فِي الرُّكُوعِ ( الثَّالِثِ ) قَدْرَ ( سَبْعِينَ ) مِنْهَا بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى السِّينِ ( وَ ) فِي الرُّكُوعِ ( الرَّابِعِ ) قَدْرَ ( خَمْسِينَ ) مِنْهَا ( تَقْرِيبًا ) فِي الْجَمِيعِ لِثُبُوتِ التَّطْوِيلِ مِنْ الشَّارِعِ بِلَا تَقْدِيرٍ ( وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ ) كَالْجُلُوسِ بَيْنَهَا وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي وَالتَّشَهُّدِ ، وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ ( قُلْتُ : الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا ) كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَ ( ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ) فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى ( وَنَصَّ فِي ) كِتَابِ ( الْبُوَيْطِيِّ ) وَهُوَ يُوسُفُ أَبُو يَعْقُوبَ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ الْبُوَيْطِيُّ مِنْ بُوَيْطٍ ، قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى .
كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَلْقَتِهِ بَعْدَهُ ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ( أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) قَالَ الْبَغَوِيّ : فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ، وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْإِطَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْمَأْمُومُونَ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدْرَةِ

وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي ذَلِكَ تَرْدِيدَاتٌ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهَا .
( وَتُسَنُّ جَمَاعَةً ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ : أَيْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَلَا يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِحَالَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَصِحُّ الرَّفْعُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ : أَيْ تُسَنُّ جَمَاعَةٌ فِيهَا .
وَيُنَادَى لَهَا { الصَّلَاةَ جَامِعَةً } كَمَا فَعَلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ جَمَاعَةً وَبَعَثَ مُنَادِيًا { الصَّلَاةَ جَامِعَةً } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ ، وَتُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَيُسَنُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ ، وَذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ ، فَإِنْ اجْتَمَعْنَ فَلَا بَأْسَ ، وَتُسَنُّ صَلَاتُهَا فِي الْجَامِعِ كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَيَجْهَرُ ) الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا ( بِقِرَاءَةِ ) صَلَاةِ ( كُسُوفِ الْقَمَرِ ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَهُوَ إجْمَاعٌ ( لَا الشَّمْسِ ) بَلْ يُسِرُّ فِيهَا لِأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ ، وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ } ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ { صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا } وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ ( ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ ) نَدْبًا بَعْدَ صَلَاتِهَا لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا فِي الْعِيدِ ( خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ ) قِيَاسًا عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الشُّرُوطُ وَالسُّنَنُ فَيَأْتِي فِيهَا هُنَا مَا مَرَّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْخُطْبَةُ لِلْجَمَاعَةِ وَلَوْ

مُسَافِرِينَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ ، وَأَنَّهُ لَا تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ ، وَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامٍ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مَرْدُودٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْبُوَيْطِيِّ لَا تُفْهِمُ ذَلِكَ ( وَيَحُثُّ ) فِيهِمَا السَّامِعِينَ ( عَلَى التَّوْبَةِ ) مِنْ الذُّنُوبِ ( وَ ) عَلَى فِعْلِ ( الْخَيْرِ ) كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَعِتْقٍ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَيُحَذِّرُهُمْ الِاغْتِرَارَ وَالْغَفْلَةَ ، وَيَذْكُرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الْحَثِّ وَالزَّجْرِ مَا يُنَاسِبُهُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْكُسُوفَ بِبَلَدٍ وَكَانَ بِهِ وَالٍ ، لَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْوَالِي وَإِلَّا فَيُكْرَهُ ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ .
وَأَمَّا التَّنَظُّفُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَلْمِ الظُّفُرِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فَإِنَّهُ يُضَيِّقُ الْوَقْتَ .
وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ .

وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ، أَوْ فِي ثَانٍ أَوْ قِيَامٍ ثَانٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ .
( وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ ) مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ( أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ) كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ( أَوْ ) أَدْرَكَهُ ( فِي ) رُكُوعٍ ( ثَانٍ أَوْ ) فِي ( قِيَامٍ ثَانٍ ) مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ ( فَلَا ) يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ : أَيْ شَيْئًا مِنْهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ ، وَقِيَامُهُ وَرُكُوعُ الثَّانِي وَقِيَامُهُ فِي حُكْمِ التَّابِعِ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ ، وَلِقَوْلِ الثَّانِي يُدْرِكُ مَا لَحِقَ بِهِ الْإِمَامَ ، وَيُدْرِكُ بِالرُّكُوعِ الْقَوْمَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ هُوَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ أَتَى بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهَا ، وَلَا يُفْهَمُ هَذَا الْمُقَابِلُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَتْنِ ، بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِكَمَالِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِجُمْلَتِهَا وَيَنْدَفِعُ هَذَا بِمَا قَدَّرْته تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ ، وَضَعَّفَ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ فِيهِ بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ مُخَالِفٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ .

وَتَفُوتُ صَلَاةُ الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً ، وَالْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ ، لَا الْفَجْرِ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَا بِغُرُوبِهِ خَاسِفًا .

( وَتَفُوتُ صَلَاةُ ) كُسُوفِ ( الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ ) لِجَمِيعِ الْمُنْكَسِفِ مِنْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا يَقِينًا لِخَبَرِ : { إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ - أَيْ الْكُسُوفَ - فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ } فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ قَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَفُوتُ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الْوَعْظُ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ ، فَلَوْ انْجَلَى بَعْضُ مَا كُسِفَ كَانَ لَهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ لِلْبَاقِي كَمَا لَوْ لَمْ يُكْسَفْ مِنْهَا إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ ، وَلَوْ انْجَلَى الْجَمِيعُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا سَوَاءٌ أَدْرَكَ رَكْعَةً أَمْ دُونَهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ ، وَلَوْ حَالَ سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ أَوْ الْكُسُوفِ لَمْ يُؤَثِّرْ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا ظَانًّا بَقَاءَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ انْجَلَى قَبْلَ تَحَرُّمِهِ بِهَا بَطَلَتْ ، وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا عَلَى قَوْلٍ ، إذْ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَتَنْدَرِجَ فِي نِيَّتِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ : انْجَلَتْ أَوْ انْكَسَفَتْ لَمْ نَعْتَبِرْهُمْ فَنُصَلِّيَ فِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ دُونَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَقَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ تَخْمِينٌ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ ( وَ ) تَفُوتُ أَيْضًا ( بِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا يَبْطُلُ بِغُرُوبِهَا نَيِّرَةً أَوْ مَكْسُوفَةً لِزَوَالِ سُلْطَانِهَا ( وَ ) تَفُوتُ أَيْضًا صَلَاةُ كُسُوفِ ( الْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ( وَطُلُوعِ الشَّمْسِ ) وَهُوَ مُنْخَسِفٌ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ حِينَئِذٍ بِضَوْئِهِ ( لَا ) بِطُلُوعِ ( الْفَجْرِ ) فَلَا تَفُوتُ صَلَاةُ خُسُوفِهِ ( فِي الْجَدِيدِ ) لِبَقَاءِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ طُلُوعُ الشَّمْسِ فِي صَلَاتِهِ كَالِانْجِلَاءِ ، وَالْقَدِيمِ تَفُوتُ لِذَهَابِ اللَّيْلِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ ( وَلَا ) تَفُوتُ صَلَاتُهُ أَيْضًا ( بِغُرُوبِهِ ) أَيْ

الْقَمَرِ ( خَاسِفًا ) لِبَقَاءِ مَحَلِّ سَلْطَنَتِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ فَغُرُوبُهُ كَغَيْبُوبَتِهِ تَحْتَ السَّحَابِ خَاسِفًا .
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ : قَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ سُلْطَانُهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى لَيْلَةٍ بِخُصُوصِهَا بَلْ نَنْظُرُ إلَى سُلْطَانِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَمَا أَنَّا نَنْظُرُ إلَى سُلْطَانِ الشَّمْسِ وَهُوَ النَّهَارُ ، وَلَا نَنْظُرُ فِيهِ إلَى غَيْمٍ وَلَا إلَى غَيْرِهِ .

وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ قَدَّمَ الْفَرْضَ إنْ خِيفَ فَوْتُهُ ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ ، ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ .

( وَلَوْ اجْتَمَعَ ) عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ قُدِّمَ الْأَخْوَفُ فَوَاتًا ثُمَّ الْآكَدُ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ ( كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ ) غَيْرُهَا وَلَوْ نَذْرًا ( قُدِّمَ الْفَرْضُ ) جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُتَحَتِّمٌ فَكَانَ أَهَمَّ ، هَذَا ( إنْ خِيفَ فَوْتُهُ ) لِضِيقِ وَقْتِهِ ، فَفِي الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ لَهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا ، ثُمَّ الْكُسُوفُ إنْ بَقِيَ أَوْ بَعْضُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ ، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي الْفَرْضَ ثُمَّ يَفْرِضُ بِالْكُسُوفِ مَا مَرَّ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ ( فَالْأَظْهَرُ ) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَفِي الْمَجْمُوعِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعُوا بِهِ ( تَقْدِيمُ ) صَلَاةِ ( الْكُسُوفِ ) لِتَعَرُّضِهَا لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ وَيُخَفِّفُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ قِيَامٍ بِالْفَاتِحَةِ وَنَحْوِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ ) فِي صُورَتِهَا ( مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ ) وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْصِدَهُ مَعَهَا بِالْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ مَقْصُودٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ كَمَا لَوْ ضَمَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إلَى الْفَرْضِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَتَضَمَّنُ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكُسُوفِ لَمْ تَكْفِ الْخُطْبَةُ عَنْهُ ( ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ ؛ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ صَلَاتِهِ وَالْجُمُعَةُ بِالْعَكْسِ ، وَالْعِيدُ مَعَ الْكُسُوفِ كَالْفَرْضِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ الْعِيدَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا بِالْخُطْبَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ ، وَالْقَصْدُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ .
فَإِنْ قِيلَ : السُّنَّتَانِ إنْ لَمْ تَتَدَاخَلَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَهُمَا وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ الضُّحَى وَقَضَاءَ

سُنَّةِ الصُّبْحِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ تَابِعَتَانِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ( وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ ) وَجِنَازَةٌ ( أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ ) فِيهِمَا خَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ وَلَا يُشَيِّعُهَا الْإِمَامُ بَلْ يَشْتَغِلُ بِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ ، هَذَا إنْ حَضَرَتْ وَحَضَرَ الْوَلِيُّ ؛ فَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ أَوْ حَضَرَتْ وَلَمْ يَحْضُرْ الْوَلِيُّ أَفْرَدَ الْإِمَامُ لَهَا مَنْ يَنْتَظِرُهَا وَاشْتَغَلَ هُوَ بِغَيْرِهَا بِالْبَاقِينَ ، وَقَدْ تُفْهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ أَيْضًا وَلَوْ جُمُعَةً لَكِنْ بِشَرْطِ اتِّسَاعِ وَقْتِ الْفَرْضِ ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهُ قُدِّمَ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ ، وَتَعْلِيلُهُمْ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَيْ إذَا خِيفَ تَغَيُّرُهُ .
قَالَ : وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِتَأْخِيرِ الْجَنَائِزِ إلَى بَعْدِ الْجُمُعَةِ ، فَيَنْبَغِي التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا وُلِّيَ الْخَطَابَةَ بِجَامِعِ مِصْرَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُفْتِي الْحَمَّالِينَ وَأَهْلَ الْمَيِّتِ بِسُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ لِيَذْهَبُوا بِهَا ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خُسُوفٌ وَوِتْرٌ أَوْ تَرَاوِيحُ قَدَّمَ الْخُسُوفَ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْوِتْرِ أَوْ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهُ آكَدُ ، وَاعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : .

اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ بِأَنَّ الْعِيدَ إمَّا الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ الْعَاشِرُ وَالْكُسُوفُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ .
وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ : الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَفِي أَنْسَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ مَاتَ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ ، وَكَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ، وَأَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ .
الثَّانِي : سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ إلَّا فِي ذَلِكَ ، فَقَدْ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَنْكَسِفَ فِي يَوْمٍ بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنَقْصِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً فَتَنْكَسِفُ فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَهُوَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْكُسُوفِ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْفَقِيهَ قَدْ يُصَوِّرُ مَا لَا يَقَعُ لِيَتَدَرَّبَ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ .

خَاتِمَةٌ : يُنْدَبُ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَالْعِيدِ ، وَغَيْرُهُنَّ يُصَلِّينَ فِي الْبُيُوتِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَخْطُبْنَ فَإِنْ وَعَظَتْهُنَّ امْرَأَةٌ فَلَا بَأْسَ وَالْخَنَاثَى فِي الْحُضُورِ وَعَدَمِهِ كَالنِّسَاءِ ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَضَرَّعَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا كَالصَّوَاعِقِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالْخَسْفِ ، وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ } .
قِيلَ : إنَّ الرِّيَاحَ أَرْبَعٌ الَّتِي مِنْ تُجَاهِ الْكَعْبَةِ : الصَّبَا ، وَمِنْ وَرَائِهَا الدَّبُورُ ، وَمِنْ جِهَةِ يَمِينِهَا الْجَنُوبُ ، وَمِنْ شِمَالِهَا الشَّمَالُ ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا طَبْعٌ ، فَالصَّبَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ ، وَالدَّبُورُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ ، وَالْجَنُوبُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ ، وَالشَّمَالُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ ، وَهُوَ رِيحُ الْجَنَّةِ الَّتِي تَهُبُّ عَلَى أَهْلِهَا ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَوَالِدِينَا وَمَشَايِخَنَا وَأَصْحَابَنَا وَمَنْ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَدَعَا لَنَا بِالْمَغْفِرَةِ مِنْهُمْ .

بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ هِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَتُعَادُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إنْ لَمْ يُسْقُوا .

بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ هُوَ لُغَةً : طَلَبُ السُّقْيَا ، وَشَرْعًا طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا .
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الِاتِّبَاعُ ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا .
وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ } الْآيَةَ ، وَلَمْ نَقُلْ : وَيُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا عَلَى الْأَصَحِّ ( هِيَ سُنَّةٌ ) مُؤَكَّدَةٌ لِمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ { هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا } وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ : أَدْنَاهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي فُرَادَى أَوْ مُجْتَمِعِينَ ، وَأَوْسَطُهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ ، فَرْضُهَا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَفْلُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ ، وَيَأْتِي بَيَانُهُمَا ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ وَالْمُسَافِرِ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ ( عِنْدَ الْحَاجَةِ ) وَذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ أَوْ قِلَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَوْ مُلُوحَتِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ إذَا كَانَ بِهَا نَفْعٌ ، وَيَسْتَسْقِي غَيْرُ الْمُحْتَاجِ لِلْمُحْتَاجِ ، وَيَسْأَلُ الزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ ، وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ : { دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ وَلَك بِمِثْلِ ذَلِكَ } ( 1 ) وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْغَيْرُ ذَا بِدَعَةٍ وَضَلَالَةٍ وَبَغْيٍ ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَسْقِي لَهُ تَأْدِيبًا وَزَجْرًا ، وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالِاسْتِسْقَاءِ لَهُ حُسْنَ طَرِيقَتِهِ وَالرِّضَا بِهَا ، وَفِيهِ مَفَاسِدُ .
أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ وَلَمْ

تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَا نَفْعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا اسْتِسْقَاءَ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَسْتَسْقِي بِالصَّلَاةِ لِطَلَبِ زِيَادَةٍ فِيهَا نَفْعٌ لَهُمْ ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا تَقَرَّرَ ( وَتُعَادُ ) الصَّلَاةُ مَعَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ( ثَانِيًا وَثَالِثًا ) وَأَكْثَرُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ( إنْ لَمْ يُسْقُوا ) حَتَّى يَسْقِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَضَعَّفَاهُ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ يَقُولُ : دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي " وَهَلْ يَتَوَقَّفُونَ عَلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ أَمْ لَا ؟ نَصَّانِ حَمَلَهُمَا الْجُمْهُور كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى حَالَيْنِ : الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا شَقَّ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ مِنْ الْغَدِ وَاقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ .
وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ ، حُكِيَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ : اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَحَضَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ فِي الِاسْتِحْبَابِ .
ثُمَّ إذَا عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فِيهِ .

فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا ، وَالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ .

( فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ ) عَلَى تَعْجِيلِ مَا عَزَمُوا عَلَى سُؤَالِهِ بِأَنْ يُثْنُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُمَجِّدُوهُ وَيَحْمَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ تَعَالَى : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } ( وَالدُّعَاءِ ) بِالزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ ( وَيُصَلُّونَ ) صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ الْمَعْرُوفَةَ شُكْرًا أَيْضًا ( عَلَى الصَّحِيحِ ) كَمَا يَجْتَمِعُونَ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَالثَّانِي لَا يُصَلُّونَ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ ، وَقَطَعَ الْجُمْهُور بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُطْبَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ بِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَمَّا إذَا سُقُوا بَعْدَهَا فَلَا يَجْتَمِعُونَ لِمَا ذُكِرَ ، وَلَوْ سُقُوا فِي أَثْنَائِهَا أَتَمُّوهَا جَزْمًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ ( وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ ) نَدْبًا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ( بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا ) مُتَتَابِعَةٍ ، وَيَصُومُ مَعَهُمْ قَبْلَ مِيعَادِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَةٌ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُعِينٌ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالْخُشُوعِ ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَبَرَ { ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالْمَظْلُومُ } وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ .
وَقَالَ : دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ وَيَلْزَمُهُمْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ } الْآيَةَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُنَا ا هـ .
وَيَدُلُّ لَهُمْ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى : تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ

الشَّرْعِ ، وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمْ بِالْعِتْقِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ .
قَالَ الْغَزِّيُّ : وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إخْرَاجُ مَالٍ ، وَقَدْ قَالُوا إذَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِسْقَاءِ فِي الْجَدْبِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فَيُقَاسُ الصَّوْمُ عَلَى الصَّلَاةِ ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ شَامِلًا لِذَلِكَ إذْ نَفْسُ وُجُوبِ الصَّوْمِ مُنَازَعٌ فِيهِ ، فَمَا بَالُك بِإِخْرَاجِ الْمَالِ الشَّاقِّ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ ، وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : يُشْتَرَطُ التَّبْيِيتُ لَهُ حِينَئِذٍ .
قَالَ الْغَزِّيُّ : وَيَحْسُنُ تَخْرِيجُ وُجُوبِ النِّيَّةِ عَلَى صَوْمِ الصَّبِيِّ رَمَضَانَ أَوْ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ ا هـ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ إذْ لَا يَصِحُّ صَوْمُ مَنْ ذُكِرَ بِغَيْرِ تَبْيِيتٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ الْوُجُوبِ ، وَقَالَ يَبْعُدُ عَدَمُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا كُلَّ الْبُعْدِ ، وَيَأْمُرُهُمْ أَيْضًا بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْمُتَشَاحِنِينَ ( وَالتَّوْبَةِ ) بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالنَّدَمِ عَلَيْهَا وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهَا ( وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ ) مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ .
قَالَ تَعَالَى : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } وَقَالَ : { إلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ } ( وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادِ فِي الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْعُ الْغَيْثِ بِتَرْكِ ذَلِكَ ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ { وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْمَطَرُ } وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : إذَا بَخَسَ النَّاسُ

الْمِكْيَالَ مُنِعُوا قَطْرَ السَّمَاءِ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ } تَلْعَنُهُمْ دَوَابُّ الْأَرْضِ تَقُولُ : مُنِعَ الْمَطَرُ بِخَطَايَاهُمْ .
وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ أَمَرَ بِهَا الْإِمَامُ أَمْ لَا ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَظَالِمِ دَاخِلٌ فِيهَا ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ .
لَكِنْ لِعَظَمِ أَمْرِهِمَا وَكَوْنِهِمَا أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ فَهُمَا مِنْ عَطْفِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ .

وَيَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ ، وَتَخَشُّعٍ وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ ، وَكَذَا الْبَهَائِمَ فِي الْأَصَحِّ .

( وَيَخْرُجُونَ ) أَيْ النَّاسُ مَعَ الْإِمَامِ ( إلَى الصَّحْرَاءِ ) بِلَا عُذْرٍ تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ فَلَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ غَالِبًا ، وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ تَبَعًا لِلنَّصِّ إلَى مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَكَّةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَسَعَتِهَا لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْضَارِ الصِّبْيَانِ وَمَأْمُورُونَ بِأَنْ نُجَنِّبَهُمْ الْمَسَاجِدَ ( فِي الرَّابِعِ ) مِنْ صِيَامِهِمْ ( صِيَامًا ) لِحَدِيثِ { ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ } الْمُتَقَدِّمِ ، وَيَنْبَغِي لِلْخَارِجِ أَنْ يُخَفِّفَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا أَمْكَنَ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يُسَنَّ فِطْرُ يَوْمِ الْخُرُوجِ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ كَمَا يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَاجَّ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ وَالسَّفَرِ ، وَبِأَنَّ مَحَلَّ الدُّعَاءِ ثَمَّ آخِرُ النَّهَارِ ، وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَة مُضْعِفَةٌ حِينَئِذٍ ، بِخِلَافِهِ هُنَا .
فَإِنْ قِيلَ : قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُنَا مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ صَارَ وَاجِبًا ، نَعَمْ إنْ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ ، وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ وَلَا مُتَزَيِّنِينَ بَلْ ( فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ : أَيْ مِهْنَةٌ ، وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ : أَيْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ ، وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ ( وَ ) فِي ( تَخَشُّعٍ ) وَهُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا التَّذَلُّلُ ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّرْته أَنَّ " تَخَشُّعٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى " ثِيَابِ " لَا عَلَى بِذْلَةٍ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ

فِيهِ تَعَرُّضٌ لِصِفَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وُصْلَةٌ لَهَا ، وَيُسَنُّ لَهُمْ التَّوَاضُعُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَيَتَنَظَّفُونَ بِالسِّوَاكِ ، وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَبِالْغُسْلِ ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُونَ فِي آخَرَ مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يُشَقَّ عَلَيْهِمْ ، لَا حُفَاةً مَكْشُوفِي الرُّءُوسِ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي : " لَوْ خَرَجَ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ حَافِيًا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ " بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ ( وَيُخْرِجُونَ ) مَعَهُمْ نَدْبًا ( الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ ) وَالْعَجَائِزَ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحَ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ إذْ الْكَبِيرُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّغِيرُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَرَوَى بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ { لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا } .
وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ : [ الرَّجَزُ ] لَوْلَا عِبَادٌ لِلْإِلَهِ رُكَّعُ وَصِبْيَةٌ مِنْ الْيَتَامَى رُضَّعُ وَمُهْمَلَاتٌ فِي الْفَلَاةِ رُتَّعُ صُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ الْأَوْجَعُ وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ الَّذِينَ انْحَنَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ الْكِبَرِ ، وَقِيلَ مِنْ الْعِبَادَةِ ، وَلَوْ اُحْتِيجَ فِي حَمْلِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ إلَى مُؤْنَةٍ حُسِبَتْ مِنْ مَالِهِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ ؛ لِأَنَّ الْجَدْبَ عَمَّهُمْ ، وَيُسَنُّ إخْرَاجُ الْأَرِقَّاءِ بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ ( وَكَذَا الْبَهَائِمُ ) يُسَنُّ إخْرَاجُهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْجَدْبَ قَدْ أَصَابَهَا أَيْضًا ، وَفِي الْحَدِيثِ { أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ

رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا ، وَقَالَتْ : اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنَا فَإِنْ رَزَقْتَنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا .
قَالَ رُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ " اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ لَا غِنَى بِنَا عَنْ رِزْقِك فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ " وَالثَّانِي لَا يُسَنُّ إخْرَاجُهَا وَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ، وَالثَّالِثُ : يُكْرَهُ إخْرَاجُهَا ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ فِيهِ إتْعَابَهَا وَاشْتِغَالَ النَّاسِ بِهَا وَبِأَصْوَاتِهَا ، وَالثَّانِي عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مَعَ تَصْحِيحِهِ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ، الْأَوَّلُ : أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَتَقِفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى يَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجَّةُ وَالرِّقَّةُ ، فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ وَأَقَرَّهُ .

وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ ، وَلَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا

( وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ ) لِأَنَّهُمْ يَسْتَرْزِقُونَ ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ ، وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا وَطَمَعًا فِي الدُّنْيَا .
قَالَ تَعَالَى : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } ( وَلَا يَخْتَلِطُونَ ) أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ ( بِنَا ) فِي مُصَلَّانَا وَلَا عِنْدَ الْخُرُوجِ أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ ، بَلْ يَتَمَيَّزُونَ عَنَّا فِي مَكَان لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ قَدْ يَحِلُّ بِهِمْ عَذَابٌ بِكُفْرِهِمْ فَيُصِيبُنَا .
قَالَ تَعَالَى : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِمْ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ ؛ لِأَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَدْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ كَمَا اُسْتُجِيبَ دُعَاءُ إبْلِيسَ بِالْإِنْظَارِ .
وَقَدْ يُقَالُ : لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْإِنْظَارَ إلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَلَمْ يُجَبْ إلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أَنْظَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ يُكْرَهُ خُرُوجُهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ خُرُوجِنَا لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ يَخْرُجُونَ وَحْدَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَيَظُنُّ ضَعَفَةُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ خُرُوجَهُمْ مَعَنَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : وَلَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ لَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهَذَا يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا ، فَقَالَ الْأَكْثَرُ : إنَّهُمْ فِي النَّارِ ، وَطَائِفَةٌ : لَا نَعْلَمُ

حُكْمَهُمْ ، وَالْمُحَقِّقُونَ : إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَتَحْرِيرُ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ إنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ : أَيْ فَلَا نُصَلِّي عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرٍ بِأَنْ يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كَمَا فِي خَبَرِ { الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا فِي الْغَارِ } ، وَأَنْ يُسْتَشْفَعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ ، لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .

وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَالْعِيدِ ، لَكِنْ قِيلَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ - إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا - وَلَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ ، وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى : اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدِقًا مُجَلِّلًا طَبَقًا دَائِمًا : اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ : اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّكَ كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ ، وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا ، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ وَيُنَكِّسُهُ عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ .
قُلْت : وَيُتْرَكُ مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ الثِّيَابَ ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ ، وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ ، وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ : اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ ، وَبَعْدَهُ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَيُكْرَهُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا ، وَسَبُّ الرِّيحِ ، وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى رَفْعَهُ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ، وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَهِيَ رَكْعَتَانِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( كَالْعِيدِ ) أَيْ كَصَلَاتِهِ فِي كَيْفِيَّتِهَا مِنْ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ بِرَفْعِ يَدَيْهِ وَوُقُوفِهِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى جَهْرًا بِسُورَةِ " ق " ، وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ " فِي الْأَصَحِّ أَوْ " بِسَبِّحْ " " وَالْغَاشِيَةِ " قِيَاسًا لَا نَصًّا ( لَكِنْ قِيلَ ) هُنَا إنَّهُ ( يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ ) بَدَلَ " اقْتَرَبَتْ " ( إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا ) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ اللَّائِقَيْنِ بِالْحَالِ ، وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مَا يُقْرَأُ فِي الْعِيدِ ، وَيُنَادِي لَهَا : الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، وَفِي اخْتِصَاصِهَا بِوَقْتٍ أَوْجُهٌ ، قِيلَ بِوَقْتِ الْعِيدِ ، وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعِيدِ إلَى الْعَصْرِ ، وَالْأَصَحُّ لَا تَتَأَقَّتُ فَقَوْلُهُ ( وَلَا تَخْتَصُّ ) صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ ( بِوَقْتِ الْعِيدِ فِي الْأَصَحِّ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ يُصَدَّقُ بِالْأَخِيرَيْنِ فَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْأَصَحُّ ، وَيَجُوزُ فِعْلُهَا مَتَى شَاءَ ، وَلَوْ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مَعَ السَّبَبِ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ ( وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ ) فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ ( لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ ) فَيَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْأُولَى تِسْعًا ، وَفِي الثَّانِيَة سَبْعًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالْحَالِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَنَا بِإِرْسَالِ الْمَطَرِ عِنْدَهُ ، وَقِيلَ : إنَّهُ يُكَبِّرُ كَالْعِيدِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَأْتِي بِمَا يَتَعَلَّقُ

بِالِاسْتِسْقَاءِ بَدَلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ ، وَمِنْ قَوْلِ : { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } الْآيَة ، وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ ، وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، وَمِنْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ وَمِنْ رَحْمَتِك نَرْجُو ، فَلَا تَكِلْنَا إلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ، وَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ - اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ - وَآيَةُ آخِرِ الْبَقَرَةِ ( وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى ) بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ ( اللَّهُمَّ ) أَيْ يَا اللَّهُ ( أَسْقِنَا ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى وَوَصْلِهَا مِنْ سَقَى ، فَقَدْ وَرَدَ الْمَاضِي ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا .
قَالَ تَعَالَى : { لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا } وَقَالَ : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } ( غَيْثًا ) بِمُثَلَّثَةٍ : أَيْ مَطَرًا ( مُغِيثًا ) بِضَمِّ الْمِيمِ : أَيْ مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ بِإِرْوَائِهِ ( هَنِيئًا ) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ : أَيْ طَيِّبًا لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ ( مَرِيئًا ) بِوَزْنِ هَنِيئًا : أَيْ مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ ( مَرِيعًا ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ : أَيْ ذَا رِيعٍ : أَيْ نَمَاءٍ ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَرَاعَةِ ، وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَحْتُ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : أَرْبَعَ الْبَعِيرُ يُرْبِعُ إذَا أَكَلَ الرَّبِيعَ ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : رَتَعَتْ الْمَاشِيَةُ إذَا أَكَلَتْ مَا شَاءَتْ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ( غَدَقًا

) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ : أَيْ كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ .
وَقِيلَ : الَّذِي قَطْرُهُ كِبَارٌ ( مُجَلِّلًا ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ : يُجَلِّلُ الْأَرْضَ أَيْ يَعُمُّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ ( سَحًّا ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ : أَيْ شَدِيدَ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ ، يُقَالُ سَحَّ الْمَاءُ يَسِحُّ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ ، وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ( طَبَقًا ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ : أَيْ مُطْبِقًا عَلَى الْأَرْضِ : أَيْ مُسْتَوْعِبًا لَهَا فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا ، يُقَالُ هَذَا مُطَابِقٌ لِهَذَا : أَيْ مُسَاوٍ لَهُ ( دَائِمًا ) إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، فَإِنَّ دَوَامَهُ عَذَابٌ ( اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ ( وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ ) أَيْ الْآيِسِينَ بِتَأْخِيرِ الْمَطَرِ : اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْخَلْقِ مِنْ اللَّأْوَاءِ بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ : شِدَّةُ الْجُوعِ ، وَالْجَهْدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ ، وَهُوَ قِلَّةُ الْخَيْرِ وَسُوءُ الْحَالِ ، وَالضَّنْكِ : أَيْ الضِّيقِ ، مَا لَا نَشْكُو بِالنُّونِ إلَّا إلَيْكَ : اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْعُرْيَ وَالْجُوعَ ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك ( اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّكَ كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ ) أَيْ الْمَطَرَ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا الْمَطَرَ وَالسَّحَابَ ( عَلَيْنَا مِدْرَارًا ) أَيْ دَرًّا كَثِيرًا : أَيْ مَطَرًا كَثِيرًا ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي زِيدَتْ عَلَى الْمَتْنِ قَدْ ذُكِرَ مِنْهَا فِي الْمُحَرَّرِ إلَى اللَّهُمَّ ارْفَعْ ، وَذُكِرَ الْبَاقِي فِي التَّنْبِيهِ ، وَالْجَمِيعُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَلَا مَعْنَى لِحَذْفِ بَعْضِهِ ( وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ) نَدْبًا

( بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ ) وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَدْبَرَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ يَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَنْ يَفْرُغَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ بَقَاءِ الِاسْتِقْبَالِ إلَى فَرَاغِهَا ، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ فِي الْأُولَى لَمْ يُعِدْهُ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصّ الْأُمِّ ( وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ ) حِينَئِذٍ ( سِرًّا ) وَيُسِرُّ الْقَوْمُ الدُّعَاءَ أَيْضًا ( وَجَهْرًا ) وَيُؤَمِّنُ الْقَوْمُ عَلَى دُعَائِهِ .
قَالَ تَعَالَى : { اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ جَاعِلِينَ ظُهُورَ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَهَكَذَا السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ ، وَإِذَا سَأَلَ شَيْئًا عَكَسَ ذَلِكَ .
وَالْحِكْمَةُ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ ، بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ النَّجِسَةِ .
قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُكْرَهُ بِحَائِلٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا ، اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقِيَانَا ، وَسَعَةٍ فِي رِزْقِنَا ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا ، وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرَهُ ( وَيُحَوِّلُ ) الْخَطِيبُ ( رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ ) الْقِبْلَةَ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ : وَيُعْجِبُنِي

الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ } ( فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ ) أَيْ يَمِينَ رِدَائِهِ ( يَسَارَهُ ، وَعَكْسَهُ ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا ( وَيُنَكِّسُهُ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ مُثَقَّلًا عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ ( عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ ) لِمَا فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ } وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ هَمَّ بِهِ فَمَنَعَهُ مِنْ فِعْلِهَا مَانِعٌ ، وَالْقَدِيمِ لَا يُسْتَحَبُّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ ، وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْآخَرِ عَلَى الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّنْكِيسُ وَالتَّحْوِيلُ جَمِيعًا ، وَالْخِلَافُ فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ قَطْعًا .
قَالَ الْقَمُولِيُّ : لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ التَّنْكِيسُ ، وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ ( وَيُحَوِّلُ النَّاسُ ) وَيُنَكِّسُونَ وَهُمْ جُلُوسٌ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ( مِثْلَهُ ) تَبَعًا لَهُ ؛ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّاسَ حَوَّلُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
تَنْبِيهٌ : عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ : وَيَفْعَلُ بَدَلَ يُحَوِّلُ وَهُوَ أَعَمُّ لِمَا تَقَرَّرَ ، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ كَذَلِكَ ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ يُحَوِّلُ ( قُلْت : وَيُتْرَكُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ : أَيْ رِدَاءُ الْخَطِيبِ وَالنَّاسِ ( مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ( الثِّيَابَ )

كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ رُجُوعِهِمَا لِمَنْزِلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ( وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ ) كَسَائِرِ السُّنَنِ .
وَلِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ كَمَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ بَلْ أَشَدُّ ، لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كَانَ الْوَالِي بِالْبَلَدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلَوْ خَطَبَ ) لَهُ ( قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ ) لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ أَيْضًا ، لَكِنْ فِي حَقِّنَا خِلَافُ الْأَفْضَلِ ، لِأَنَّ فِعْلَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيُسَنُّ ) لِكُلِّ أَحَدٍ ( أَنْ يَبْرُزَ ) أَيْ يَظْهَرَ ( لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ ) مِنْ جَسَدِهِ ( غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ ) شَيْءٌ مِنْ الْمَطَرِ تَبَرُّكًا ، وَلِلِاتِّبَاعِ ، رَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَرَ عَنْ ثَوْبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ ، وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ } أَيْ بِخَلْقِهِ وَتَنْزِيلِهِ ، بَلْ يُسَنُّ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ مَطَرٍ ، كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِظَاهِرِ خَبَرٍ ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ .
وَلَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ ( وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي ) مَاءِ ( السَّيْلِ ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ ، لَكِنْ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ .
{ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ : اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرَ بِهِ وَنَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ } .
وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ ، وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، فَقَالَ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ

لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ ، ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ، ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ ، ، وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ ، لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَ أَوَّلَ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتِهِ ( وَيُسَبِّحُ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ ) فَيَقُولُ : سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ .
وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ سُبْحَانَ مَنْ { يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ : أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ ، وَعَلَى هَذَا الْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ أَوْ صَوْتُ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ ، وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى الرَّعْدِ مَجَازٌ ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْفَلْسَفِيِّ : الرَّعْدُ صَوْتُ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ السَّحَابِ ، وَالْبَرْقُ مَا يَنْقَدِحُ مِنْ اصْطِكَاكِهَا ، وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا } ( وَ ) أَنْ ( لَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ ) لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ ( وَ ) أَنْ ( يَقُولَ عِنْدَ ) نُزُولِ ( الْمَطَرِ ) كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ ( اللَّهُمَّ صَيِّبًا ) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ : أَيْ مَطَرًا شَدِيدًا ( نَافِعًا ) وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ سَيْبًا بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ : أَيْ عَطَاءً نَافِعًا ،

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ : صَيِّبًا هَنِيئًا فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ( وَ ) أَنْ ( يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ ) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ : عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ ( وَ ) أَنْ يَقُولَ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْمَطَرِ : أَيْ فِي أَثَرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ ( مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ ) عَلَيْنَا ( وَرَحْمَتِهِ ) لَنَا ( وَيُكْرَهُ ) قَوْلُ ( مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا ) بِفَتْحِ نُونِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ : أَيْ بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إضَافَةِ الْأَمْطَارِ إلَى الْأَنْوَاءِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّوْءَ مُمْطِرٌ حَقِيقَةً ، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لَهُ حَقِيقَةً كَفَرَ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ .
فَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَاكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَمَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَفَادَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْبَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا لَمْ يُكْرَهْ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَطَرِ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ، ثُمَّ يَقْرَأُ { مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا } ( وَ ) يُكْرَهُ ( سَبُّ الرِّيحِ ) وَتُجْمَعُ عَلَى رِيَاحٍ وَأَرْوَاحٍ ، بَلْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا لِخَبَرِ { الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ : أَيْ رَحْمَتِهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا }

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ( وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ ) وَهِيَ ضِدُّ الْقِلَّةِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا .
قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَبِضَمِّهَا ( فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى رَفْعَهُ ) بِأَنْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ ( اللَّهُمَّ ) اجْعَلْ الْمَطَرَ ( حَوَالَيْنَا ) فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْمَرَاعِي ( وَلَا ) تَجْعَلْهُ ( عَلَيْنَا ) فِي الْأَبْنِيَةِ وَالْبُيُوتِ : { اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَالْآكَامُ بِالْمَدِّ جَمْعُ أُكُمٍ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إكَامٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ جَمْعُ أَكَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَكَمَةٍ ، وَهُوَ التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا .
وَالظِّرَابُ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَة جَمْعُ ظَرِبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ ( وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِعَدَمِ وُرُودِ الصَّلَاةِ لَهُ .
خَاتِمَةٌ : رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ عَلِّمْنِي شَيْئًا يُقَرِّبُنِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَرِّبُنِي مِنْ النَّاسِ ، فَقَالَ : أَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَسْأَلَتُهُ ، وَأَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك مِنْ النَّاسِ فَتَرْكُ مَسْأَلَتِهِمْ ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ } ثُمَّ أَنْشَدَ : [ الْكَامِلَ ] اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ .

بَابٌ إنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَهَا كَفَرَ ، أَوْ كَسَلًا قُتِلَ حَدًّا ، وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ بِصَلَاةٍ فَقَطْ بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ ، وَيُسْتَتَابُ ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ ، وَقِيلَ : يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ ، وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ .

بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَصَالَةً جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ ، أَخَّرَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْبَابَ عَنْ الْجَنَائِزِ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ بَابِ الْأَذَانِ ، وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَالْجُمْهُورُ هُنَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَعَلَّهُ أَلَيْقُ ( إنْ تَرَكَ ) الْمُكَلَّفُ ( الصَّلَاةَ ) الْمَعْهُودَةَ شَرْعًا الصَّادِقَةَ بِإِحْدَى الْخَمْسِ ( جَاحِدًا وُجُوبَهَا ) بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ( كَفَرَ ) بِالْجَحْدِ فَقَطْ ، لَا بِهِ مَعَ التَّرْكِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ ، لِأَنَّ الْجَحْدَ لَوْ انْفَرَدَ كَمَا صَلَّى جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَحْدِ كَانَ أَوْلَى ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ، وَذَلِكَ جَارٍ فِي جُحُودِ كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ، ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا ، بَلْ يُعَرَّفُ الْوُجُوبَ ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا ( أَوْ ) تَرَكَهَا ( كَسَلًا ) أَوْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا ( قُتِلَ ) بِالسَّيْفِ ( حَدًّا ) لَا كُفْرًا ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ } ( 1 ) وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ

فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ } ( 2 ) { فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ } وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } ( 3 ) فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا ، أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ ، أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَيُقْتَلُ تَارِكُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ لَهَا ، وَيُقَاسُ بِهَا الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، أَوْ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ ، بِخِلَافِ الْقَوِيِّ ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ ، لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
( وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ ) وُجُوبًا ( بِصَلَاةٍ فَقَطْ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ( بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ ) فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا ، فَلَا يُقْتَلُ لِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ، وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا ، وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ ، فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ ، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ : يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقِتَالِ ، بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا بَعْدُ .
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ، وَلِخَبَرِ { لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ } ( 1 ) ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ

بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ ، وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ ، وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا ، بَلْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي خَاتِمَةِ الْبَابِ ، وَيُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ قَالَ : أُصَلِّيهَا ظُهْرًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ .
وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ الْأَقْوَى لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ مِنْ عَدَمِ الْقَتْلِ وَيُقْتَلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا إنْ لَمْ يَتُبْ ، فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ ، وَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَتْرُكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَسَلًا ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَنْ لَزِمَهُ الْجُمُعَةُ إجْمَاعًا ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ : لَا جُمُعَةَ إلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَوْجُهٌ : أَحَدُهَا يُقْتَلُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ يُحْتَمَلُ تَرْكُهَا لِشُبْهَةِ الْجَمْعِ ، وَالثَّانِي : إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَة ، لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّ الْجَمْعِ فَاغْتُفِرَتْ .
وَالثَّالِثُ : إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَنَدَ إلَى تَأْوِيلٍ : مِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ .
وَالرَّابِعُ إذَا صَارَ التَّرْكُ لَهُ عَادَةً .
وَالْخَامِسُ : لَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الضَّرُورَةِ ( وَيُسْتَتَابُ ) عَنْ الْكُلِّ قَبْلَ الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ جَرِيمَةَ الْمُرْتَدِّ تَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي النَّارِ فَوَجَبَتْ الِاسْتِتَابَةُ رَجَاءَ نَجَاتِهِ مِنْ

ذَلِكَ ، بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ ، لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا ، بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كَوْنِ الْحُدُودِ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ ، لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ ، لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ ، وَفِي قَوْلٍ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْقَوْلَانِ فِي النَّدْبِ ، وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ أَثِمَ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ ، وَلَوْ جُنَّ أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ ، فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ : " نَعَمْ إنْ كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَانَدَ قَبْلَ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ " مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يُبْدِ عُذْرًا ( تُضْرَبُ عُنُقُهُ ) بِالسَّيْفِ .
( وَقِيلَ : يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ ) وَقِيلَ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ أَيْ عَصًا ( حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَا قَتْلُهُ ( وَ ) بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ مِنْ أَنَّهُ ( يُغَسَّلُ ) ثُمَّ يُكَفَّنُ ( وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ) بَعْدَ غُسْلِهِ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَابِ الْآتِي ( وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ) فِي مَقَابِرِهِمْ ( وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ ) كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ لَا يُفْعَلُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ إهَانَةً لَهُ ، وَعَلَى هَذَا يُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، لَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ ، فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَأَنْ قَالَ :

تَرَكْتُهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بَاطِلَةً لَمْ يُقْتَلْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، لَكِنْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ ، وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا بِأَنْ نَقُولَ لَهُ : صَلِّ ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ : تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ ، سَوَاءٌ أَقَالَ : وَلَمْ أُصَلِّهَا أَوْ سَكَتَ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمَتْنِ : ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ قَيَّدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتُبْ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا فَإِذَا صَلَّاهَا زَالَ التَّرْكُ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يُقْتَلْ وَإِنْ تَابَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ، وَالْقَتْلُ عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، وَقَدْ وُجِدَ فَكَيْفَ تَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ فَهِيَ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّ الْقَطْعَ لَا يَسْقُطُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ فَعَلَ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ الْحَدُّ لِأَجْلِ تَرْكِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا مَعَ تَرْكِهَا ، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِذَا صَلَّى زَالَتْ الْعِلَّةُ ، وَهَذَا أَوْلَى .

خَاتِمَةٌ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا .
لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا أَوْ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لِتَقْصِيرِهِ .
لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ : أُصَلِّيهَا لِتَوْبَتِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْذُورَةً مُؤَقَّتَةً لَمْ يُقْتَلْ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الصَّلَاةِ بِإِحْدَى الْخَمْسِ ، لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ .
وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَلَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ لَهُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ مَالِ السُّلْطَانِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ ادَّعَى التَّصَوُّفَ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ ، وَقَتْلُ مِثْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ .

كِتَابُ الْجَنَائِزِ لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَيَسْتَعِدّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَالْمَرِيضُ آكَدُ .

كِتَابُ الْجَنَائِزِ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ : اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ ، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِذَلِكَ ، وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ ، وَهِيَ مِنْ جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ وَلَمَّا اشْتَمَلَ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى الصَّلَاةِ ذُكِرَ هُنَا دُونَ الْفَرَائِضِ ، وَصَدَّرَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، فَقَالَ ( لِيُكْثِرْ ) نَدْبًا الْمُكَلَّفُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا ( ذِكْرَ الْمَوْتِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَزْجَرُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَأَدْعَى إلَى الطَّاعَةِ ، وَلِخَبَرِ { أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ } يَعْنِي الْمَوْتَ ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ، وَقَالَ : إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَزَادَ النَّسَائِيُّ { فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ إلَّا كَثَّرَهُ } أَيْ كَثِيرٍ مِنْ الدُّنْيَا وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ .
وَهَاذِمِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، وَمَعْنَاهُ الْقَاطِعُ ، وَأَمَّا بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ { اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالُوا : نَسْتَحْيِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ } .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ .
وَالْمَوْتُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ .
وَالرُّوحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ ، وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى عِنْدَ

أَهْلِ السُّنَّةِ ، وقَوْله تَعَالَى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } [ الزُّمَرُ ] تَقْدِيرُهُ عِنْدَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا ، وَعِنْدَ جَمْعٍ مِنْهُمْ : عَرَضٌ وَهُوَ الْحَيَاةُ الَّتِي صَارَ الْبَدَنُ بِوُجُودِهَا حَيًّا ، وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ وَالْفَلَاسِفَةُ فَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ جِسْمًا وَلَا عَرَضًا ، بَلْ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ ( وَيُسْتَعَدُّ ) لَهُ ( بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ ) إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ إلَيْهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهُمَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُهَا ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُسْتَحَبٍّ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ : وَالْمَرِيضُ آكَدُ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ ، وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهُمَا ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِمَّا تَجِبُ مِنْهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ ، وَكَذَا رَدُّ الْمَظَالِمِ الْمُمْكِنِ رَدُّهَا ، وَصَرَّحَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ مَعَ دُخُولِهِ فِي التَّوْبَةِ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَلِئَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا لِيَتَنَاوَلَ رَدَّ الْعَيْنِ ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ ، وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُمَا كَانَ أَوْلَى .
( وَالْمَرِيضُ آكَدُ ) بِذَلِكَ : أَيْ أَشَدُّ طَلَبًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الصَّحِيحِ لِنُزُولِ مُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ بِهِ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِمَرَضِهِ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الْأَنِينِ مِنْهُ جُهْدَهُ ، وَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِكَرَاهَتِهِ ، وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ الشَّكْوَى فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ نَحْوُهُ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ .

وَيُسَنُّ لِأَهْلِهِ الرِّفْقُ بِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنْ يُحَسِّنَ الْمَرِيضُ خُلُقَهُ ، وَيَجْتَنِبَ الْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا ، وَيَسْتَرْضِيَ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَقَةٌ كَزَوْجَتِهِ وَجِيرَانِهِ وَيَتَعَهَّدُ نَفْسَهُ بِالذِّكْرِ وَأَحْوَالِ الصَّالِحِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَيُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي الْجَنَائِزِ ، وَيُسَنُّ لِغَيْرِهِ عِيَادَتُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ إنْ كَانَ مُسْلِمًا ، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَهُ قَرَابَةٌ أَوْ جِوَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا كَرَجَاءِ إسْلَامِهِ اُسْتُحِبَّ وَفَاءً بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَحَقِّ الْجِوَارِ ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَالَ : أَسْلِمْ ، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ } وَإِلَّا جَازَتْ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْمَدِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا بَيْنَ الصَّدِيقِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُهُ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ .

قَالَ : وَفِي اسْتِحْبَابِ عِيَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ وَالْمُكُوسِ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ وَلَا جِوَارٌ وَلَا رَجَاءُ تَوْبَةٍ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِمُهَاجَرَتِهِمْ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلْتَكُنْ الْعِيَادَةُ غِبًّا فَلَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَسْتَأْنِسُ بِهِمْ الْمَرِيضُ أَوْ يَتَبَرَّكُ بِهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ عَدَمُ رُؤْيَتِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُوَاصِلُونَهَا مَا لَمْ يُنْهَوْا أَوْ يَعْلَمُوا كَرَاهَتَهُ ذَلِكَ ، .

وَيُخَفِّفُ الْعَائِدُ الْمُكْثَ عِنْدَهُ بَلْ تُكْرَهُ إطَالَتُهُ ، وَيُطَيِّبُ عَائِدُهُ نَفْسَهُ ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ رَغَّبَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَيَدْعُو لَهُ وَيَنْصَرِفُ ، وَيُسَنُّ فِي دُعَائِهِ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ ، سَبْعَ مَرَّاتٍ ، لِخَبَرِ { مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْهُ أَجَلُهُ ، فَقَالَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَيُكْرَهُ عِيَادَتُهُ إنْ شَقَّتْ عَلَيْهِ ، وَيُسَنُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ وَوَعْظُهُ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ ، وَيَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } [ الْإِسْرَاءِ ] .

وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَان وَنَحْوِهِ أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ لِلْقِبْلَةِ ، وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ بِلَا إلْحَاحٍ ، وَيُقْرَأُ عَنْهُ يس ، وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

ثُمَّ شَرَعَ فِي آدَابِ الْمُحْتَضَرِ ، فَقَالَ ( وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ ) وَهُوَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَلَمْ يَمُتْ ( لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ) نَدْبًا كَالْمَوْضُوعِ فِي اللَّحْدِ ( إلَى الْقِبْلَةِ ) نَدْبًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ ، وَقَوْلُهُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) يَرْجِعُ لِلِاضْطِجَاعِ وَسَيَأْتِي مُقَابِلُهُ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) وَضْعُهُ عَلَى يَمِينِهِ ( لِضِيقِ مَكَان وَنَحْوِهِ ) كَعِلَّةٍ بِجَنْبِهِ فَلِجَنْبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّوَجُّهِ مِنْ اسْتِلْقَائِهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ( أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ ) وَهُمَا هُنَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ ، وَحَقِيقَتُهَا الْمُنْخَفِضُ مِنْ أَسْفَلِهِمَا ( لِلْقِبْلَةِ ) بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا كَأَنْ يُوضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ مُرْتَفِعٌ لِيَتَوَجَّهَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِلْقَاءَ أَفْضَلُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اُضْطُجِعَ عَلَى الْأَيْمَنِ ( وَيُلَقَّنُ ) نَدْبًا قَبْلَ الِاضْطِجَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( الشَّهَادَةَ ) وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّلْقِينِ وَالِاضْطِجَاعِ فُعِلَا مَعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالتَّلْقِينِ ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : أَيْ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ .
كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا } [ يُوسُفُ ] وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } ( بِلَا إلْحَاحٍ ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَضْجَرَ ، وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ ، بَلْ يَذْكُرُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ ، أَوْ يَقُولُ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرُ اللَّهَ جَمِيعًا ، فَإِنْ قَالَهَا لَمْ تُعَدْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامِ الدُّنْيَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ ، بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي

أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ : أَيْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلَقِّنُ غَيْرَ مُتَّهَمٍ بِإِرْثٍ أَوْ عَدَاوَةٍ أَوْ حَسَدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ لَقَّنَهُ أَشْفَقُ الْوَرَثَةِ ثُمَّ غَيْرُهُ ، وَلَا يُتْرَكُ التَّلْقِينُ حِينَئِذٍ لِمَا ذُكِرَ ، وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ ، وَقِيلَ تُسَنُّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدُ ، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ ، وَأُمِرَ بِهِمَا لِخَبَرِ الْيَهُودِيِّ السَّابِقِ وُجُوبًا كَمَا قَالَ شَيْخِي إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا ، وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَلَا يُسَنُّ بَعْدَ مَوْتِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لِأَنَّ التَّلْقِينَ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ ، وَثَمَّ لِئَلَّا يُفْتَنَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ وَهَذَا لَا يُفْتَنُ ( وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ ) سُورَةُ ( يس ) لِخَبَرِ { اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ .
وَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدِّمَاتِهِ وَإِنْ أَخَذَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقْرَأُ عِنْدَهُ ، وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا أَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا ، فَإِذَا قُرِئَتْ عِنْدَهُ تُجَدِّدُ لَهُ ذِكْرَ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ سُورَةُ الرَّعْدِ لِقَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ رُوحِهِ ، وَيُسَنُّ تَجْرِيعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ ، فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ إذْ وَرَدَ { أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ لَهُ : قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى نَسْقِيَكَ } نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ الثَّبَاتَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْمَمَاتِ .
وَيُكْرَهُ

لِلْحَائِضِ أَنْ تَحْضُرَ الْمُحْتَضَرَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ ؛ لِمَا وَرَدَ { أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ } ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ وَالصُّورَةَ وَغَيْرَ الْحَائِضِ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِثْلُهَا ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ بِلَا يَجُوزُ بَدَلُ يُكْرَهُ : أَيْ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ ( وَلْيُحْسِنْ ) الْمَرِيضُ نَدْبًا ( ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ) أَيْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْحَمُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ وَيَرْجُو ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي } وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى } وَيُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، بَلْ قَدْ يَجِبُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا رَأَى مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوتِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ ، وَهَذَا الْحَالُ مِنْ أَهَمِّهَا .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتَقْلِيمِ الظُّفْرِ ، وَأَخْذِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا الِاسْتِيَاكُ وَالِاغْتِسَالُ وَالطِّيبُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ ، أَمَّا الصَّحِيحُ فَقِيلَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُغَلِّبَ خَوْفَهُ عَلَى رَجَائِهِ ، وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الِانْفِطَارُ ] وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى ، أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى .

فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ ، وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ ، وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ ، وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ ، وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ .

( فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ ) نَدْبًا لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ .
ثُمَّ قَالَ : إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ } وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ : شَخَصَ .
قِيلَ إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ ، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَشْرَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ إغْمَاضِهِ : بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ ) عَرِيضَةٍ تَعُمُّهُمَا وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلَ فِيهِ الْهَوَامُّ ( وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ ) بِأَنْ يَرُدَّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ ثُمَّ يَمُدَّهُ وَيَرُدَّ سَاقَهُ إلَى فَخِذَيْهِ ، وَفَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَيَرُدَّهُمَا وَيُلَيِّنَ أَصَابِعَهُ ، وَذَلِكَ لِيَسْهُلَ غُسْلُهُ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ( وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ( بِثَوْبٍ ) فَقَطْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُجِّيَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ } وَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ نَوْعٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ تُنْسَجُ بِالْيَمَنِ ، وَسُجِّيَ غُطِّيَ ( خَفِيفٍ ) لِئَلَّا يُحْمِيَهُ فَيُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ ، وَيُجْعَلُ طَرَفَاهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ .
أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُسْتَرُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ ( وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ ) كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيدِ ثُمَّ طِينٍ رَطْبٍ ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ فَيَقْبُحَ مَنْظَرُهُ ، وَقَدَّرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَلِكَ بِزِنَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَأَنَّهُ أَقَلُّ

مَا يُوضَعُ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ يُوضَعُ بِطُولِ الْمَيِّتِ ، وَأَنَّ الْمَوْضُوعَ يَكُونُ فَوْقَ الثَّوْبِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ .
وَيُنْدَبُ أَنْ يُصَانَ الْمُصْحَفُ عَنْهُ احْتِرَامًا لَهُ وَيَلْحَقُ بِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ ( وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا هُوَ مُرْتَفِعٌ : كَدَكَّةٍ لِئَلَّا يُصِيبَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ فَيَتَغَيَّرَ بِنَدَاوَتِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً قَالَ فِي الْكِفَايَةِ جَازَ وَضْعُهُ عَلَيْهَا : يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ خِلَافِ الْأَوْلَى ، وَلَا يُوضَعُ عَلَى فِرَاشٍ لِئَلَّا يُحْمَى فَيَتَغَيَّرَ ( وَنُزِعَتْ ) عَنْهُ ( ثِيَابُهُ ) الْمَخِيطَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ فَسَادُهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا فِيمَنْ يُغَسَّلُ لَا فِي شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ الْقَمِيصُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ إذَا كَانَ طَاهِرًا ، إذْ لَا مَعْنَى لِنَزْعِهِ ، ثُمَّ إعَادَتِهِ .
نَعَمْ يُشَمَّرُ إلَى حَقْوِهِ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِمَا قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ ا هـ .
وَلَوْ قُدِّمَ هَذَا الْأَدَبُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ كَانَ أَوْلَى ( وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ) إنْ أَمْكَنَ ( كَمُحْتَضَرٍ ) أَيْ كَتَوَجُّهِهِ وَتَقَدَّمَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى جَنْبِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إلْقَاؤُهُ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ ، وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ : وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ ( وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ ) كُلَّهُ ( أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ ، وَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ مِنْ النِّسَاءِ ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ نِسَاءِ الْمَحَارِمِ أَوْ النِّسَاءِ مِنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ جَازَ كَذَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ

وَلَا بِالْعَكْسِ ، وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ لَهُمَا مَعَ الْغَضِّ وَعَدَمِ الْمَسِّ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَكَالْمَحْرَمِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّوْجَانِ بَلْ أَوْلَى ، وَفِي إطْلَاقِ الْمَحْرَمِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ مُسَامَحَةٌ .

وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ .
( وَيُبَادَرُ ) بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا ( بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ ) بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ أَمَارَاتِهِ كَاسْتِرْخَاءِ قَدَمٍ وَمَيْلِ أَنْفٍ وَانْخِسَافِ صُدْغٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَادَ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ ، فَقَالَ { إنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ ، فَإِنْ يُؤْتَى بِهِ فَعَجِّلُوا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُؤْمِنٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، فَإِنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ أُخِّرَ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْيَقِينِ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ أَوْ غَيْرِهِ .

وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ ، وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الْأَصَحِّ ، فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ ، قُلْتُ : الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ : وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ وَيُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ بِمَاءٍ بَارِدٍ ، وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ ، وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْأَتَيْهِ ثُمَّ يَلُفُّ أُخْرَى ، وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ ، وَيُزِيلُ مَا فِي مَنْخَرَيْهِ مِنْ أَذًى ، وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ وَيُسَرِّحُهُمَا بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ إلَيْهِ وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ ، وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلَ كَافُورٍ ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ ، وَقِيلَ مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ ، وَقِيلَ الْوُضُوءِ ، وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ ، وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا ، وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَا مَسَّ ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ فِي الْأَصَحِّ ، وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ ،

وَبِهَا قَرَابَاتُهَا ، وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ .
قُلْتُ : إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا ، وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ ، وَتُطَيَّبُ الْمُعْتَدَّةُ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ .
قُلْتُ : الْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَغُسْلُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ) وَحَمْلُهُ ( وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي غَيْرِ الدَّفْنِ ، وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَّا فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ ، فَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ عُلِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ ) بِالْمَاءِ مَرَّةً ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي حَقِّ الْحَيِّ ( بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ ) عَنْهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَيْضًا ، فَلَا يَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَيِّ أَنَّ الْغَسْلَةَ لَا تَكْفِي عَنْ النَّجَسِ وَالْحَدَثِ ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْغُسْلِ ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ هُنَاكَ ، فَيَتَّحِدُ الْحُكْمَانِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى نَجَاسَةٍ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ ، أَوْ أَنَّ مَا هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَجَازَ إسْقَاطُهُ ، وَمَا هُنَا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ إسْقَاطُهُ .
أُجِيبَ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ .
وَالثَّانِي عَنْ الْمُدْرَكِ ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْمَحَلِّ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ، فَيَكْفِي غُسْلُهُ لِذَلِكَ ( وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلُ ) أَيْ لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ ( فِي الْأَصَحِّ فَيَكْفِي ) عَلَى هَذَا ( غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ هُوَ النَّظَافَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ .
وَالثَّانِي تَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ ، فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكْفِي الْغَرَقُ وَلَا

غَسْلُ كَافِرٍ فَيَنْوِي كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ ( قُلْتُ : الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ : وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ ، فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا ، حَتَّى لَوْ رَأَيْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ لَمْ يُسْقِطْ عَنَّا نَجَاسَتَهُ نَظِيرُهُ مِنْ الْكَفَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ السَّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ ، وَمِنْ الْغُسْلِ التَّعَبُّدُ بِفِعْلِنَا لَهُ ، وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ ، وَهَلْ يَكْفِي تَغْسِيلُ الْجِنِّ ؟ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ كَمَا قِيلَ : إنَّ الْجُمُعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ ( وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ ) عَنْ النَّاسِ لَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ .
وَلِلْوَلِيِّ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يُعِنْ لِحِرْصِهِ عَلَى مَصْلَحَتِهِ .
وَقَدْ تَوَلَّى غُسْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ( مَسْتُورٍ ) عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( عَلَى لَوْحٍ ) أَوْ سَرِيرٍ هُيِّئَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مُسْتَلْقِيًا كَاسْتِلْقَاءِ الْمُحْتَضَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِغُسْلِهِ ( وَيُغَسَّلُ ) نَدْبًا ( فِي قَمِيصٍ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ ، وَقَدْ غُسِّلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَمِيصٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ خَلِقًا أَوْ سَخِيفًا حَتَّى لَا يَمْنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ ، وَقِيلَ تَجْرِيدُهُ أَوْلَى .
وَقَالَ الْمُزَنِيّ : إنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِالْأَوَّلِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَلَالَتِهِ وَعِظَمِ قَدْرِهِ ، وَقِيلَ : إنَّ الْغُسْلَ فِي الْقَمِيصِ

لِلْأَشْرَافِ وَذَوِي الْهَيْئَاتِ ، وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ إنْ كَانَ وَاسِعًا وَيُغَسِّلُهُ مِنْ تَحْتِهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَتَقَ رُءُوسَ الدَّخَارِيصِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَمِيصًا أَوْ لَمْ يَتَأَتَّ غُسْلُهُ فِيهِ لِضِيقِهِ سَتَرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ .
وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ بِخِرْقَةٍ مِنْ أَوَّلِ مَا يَضَعُهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ( بِمَاءٍ بَارِدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ ، وَالسُّخْنَ يُرْخِيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى السُّخْنِ لِوَسَخٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُسَخَّنُ قَلِيلًا ، وَلَا يُبَالَغُ فِي تَسْخِينِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَاسْتَحَبَّ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ كَوْنَهُ مَالِحًا عَلَى كَوْنِهِ عَذْبًا ، وَقَالَ أَيْضًا : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ ، وَيَكُونُ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ ، وَيُبْعَدُ بِهِ عَنْ الْمُغْتَسَلِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ رَشَاشُ الْمَاءِ عِنْدَ الْغُسْلِ ( وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ ) بِرِفْقٍ ( مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ ) قَلِيلًا لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ ( وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ ) لِئَلَّا يَمِيلَ رَأْسُهُ ، وَالْقَفَا مَقْصُورٌ ، وَجَوَّزَ الْفَرَّاءُ مَدَّهُ ، وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ ( وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى ) لِئَلَّا يَسْقُطَ ( وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ ) مِنْ الْفَضَلَاتِ خَشْيَةً مِنْ خُرُوجِهَا بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ التَّكْفِينِ فَيَفْسُدُ بَدَنُهُ أَوْ كَفَنُهُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : بَلِيغًا بِالتَّكْرَارِ لَا فِي شِدَّةِ الِاجْتِهَادِ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى هَتْكِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ احْتِرَامَهُ وَاجِبٌ ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ مِجْمَرَةٌ مُتَّقِدَةٌ فَائِحَةٌ بِالطِّيبِ كَالْعُودِ ، وَالْمُعِينُ يَصُبُّ عَلَيْهِ مَاءً كَثِيرًا لِئَلَّا تَظْهَرَ رَائِحَةُ

مَا يَخْرُجُ مِنْهُ .
وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُبَخَّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ ( ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا ( وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ ) مَلْفُوفَةٌ بِهَا ( سَوْأَتَيْهِ ) أَيْ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ وَكَذَا مَا حَوْلَهُمَا كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ( ثُمَّ يَلُفُّ ) خِرْقَةً ( أُخْرَى ) عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى بَعْدَ إلْقَاءِ الْأُولَى ، وَغَسْلِ يَدِهِ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَلَوَّثَتْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ .
وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ : يَغْسِلُ كُلَّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ ( وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ ) السَّبَّابَةَ مِنْ يُسْرَاهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا مَبْلُولَةً بِمَاءٍ ( فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ ) بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ كَمَا يَسْتَاكُ الْحَيُّ .
فَإِنْ قِيلَ : الْحَيُّ يَسْتَاكُ بِالْيَمِينِ فَلِمَ خُولِفَ فِي هَذَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَذَرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَبِأَنَّ الْمَيِّتَ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ إذَا كَانَتْ مُتَرَاصَّةً لِخَوْفِ سَبْقِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ فَيُسْرِعُ فَسَادُهُ ( وَيُزِيلُ ) بِأُصْبُعِهِ الْخِنْصِرِ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ ( مَا فِي مَنْخِرَيْهِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا ، وَبِكَسْرِ الْخَاءِ ( مِنْ أَذًى ) كَمَا فِي مَضْمَضَةِ الْحَيِّ وَاسْتِنْشَاقِهِ ( وَيُوَضِّئُهُ ) بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ ( كَالْحَيِّ ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ قَلِيلًا ، وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِيهِمَا ، وَقِيلَ : يَسْتَغْنِي عَنْهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيَتْبَعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ ( ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوه ) كَخِطْمِيٍّ ، وَالسِّدْرُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكُ لِلْبَدَنِ وَأَقْوَى لِلْجَسَدِ وَلِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ ( وَيُسَرِّحُهُمَا )

أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتَهُ إنْ تَلَبَّدَ ( بِمُشْطٍ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْمِيمِ لِإِزَالَةِ مَا فِيهِمَا مِنْ سِدْرٍ وَوَسَخٍ كَمَا فِي الْحَيِّ ( وَاسِعِ الْأَسْنَانِ ) لِئَلَّا يَنْتَتِفَ الشَّعْرَ ( بِرِفْقٍ ) لِئَلَّا يَنْتَتِفَ شَيْءٌ أَوْ يَقِلَّ الِانْتِتَافُ ( وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ إلَيْهِ ) نَدْبًا بِأَنْ يَضَعَهُ فِي كَفَنِهِ لِيُدْفَنَ مَعَهُ إكْرَامًا لَهُ ، وَقِيلَ يُجْعَلُ وَسَطَ شَعْرِهِ .
وَأَمَّا دَفْنُهُ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَيَغْسِلُ ) بَعْدَ مَا سَبَقَ ( شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ) مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ ( ثُمَّ الْأَيْسَرَ ) كَذَلِكَ ( ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ ) مِنْ كَتِفِهِ ( إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ ) أَيْ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ وَظَهْرَهُ مِنْ كَتِفِهِ إلَى الْقَدَمِ ، وَقِيلَ : يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ وَكُلٌّ سَائِغٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ ، وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ احْتِرَامًا لَهُ بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْحَيَاةِ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ فِعْلُهُ ( فَهَذِهِ ) الْأَغْسَالُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السِّدْرِ وَنَحْوِهِ فِيهَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُمْنَعُ الِاعْتِدَادُ بِهَا ( غَسْلَةٌ ) وَاحِدَةٌ ( وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً ) كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زِيدَ حَتَّى تَحْصُلَ ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ بِوَاحِدَةٍ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لِلتَّنْظِيفِ وَالْإِنْقَاءِ ( ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ : أَيْ خَالِصًا ( مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ ) أَوْ

نَحْوِهِ بِالْمَاءِ ، فَلَا تُحْسَبُ غَسْلَةُ السِّدْرِ وَلَا مَا أُزِيلَ بِهِ مِنْ الثَّلَاثِ لِتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهِ التَّغَيُّرَ السَّالِبَ لِلطَّهُورِيَّةِ وَإِنَّمَا تُحْسَبُ مِنْهَا غَسْلَةُ الْمَاءِ الْقَرَاحِ ، فَيَكُونُ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثِ بِهِ هِيَ الْمُسْقِطَةُ لِلْوَاجِبِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ السُّبْكِيُّ : لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ السِّدْرِ بِالْأُولَى ، بَلْ الْوَجْهُ التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحْصُلُ النَّقَاءُ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ ، فَإِذَا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غُسْلُهُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ .
وَيُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً كَغُسْلِ الْحَيِّ ا هـ .
قَالَ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ قَاضِي عَجْلُونَ فَفِي الْمِنْهَاجِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ : لِأَنَّهُ قَدَّمَ ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ عَلَى قَوْلِهِ : ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ ) مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ ( قَلِيلَ كَافُورٍ ) إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا بِحَيْثُ لَا يَفْحُشُ التَّغَيُّرُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْبَدَنَ وَيَطْرُدُ الْهَوَامَّ وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ .
وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ ، وَهُوَ مَا يُغَيَّرُ بِهِ فَيَضُرُّ إلَّا إذَا كَانَ صُلْبًا فَلَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ ، قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْهُنَّ : وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ .
وَفِي رِوَايَةٍ : فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا } وَقَوْلُهُ : أَوْ خَمْسًا إلَخْ هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فِي النَّظَافَةِ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ مَعَ

رِعَايَةِ الْوِتْرِ لَا لِلتَّخْيِيرِ ، وَقَوْلُهُ : " إنْ رَأَيْتُنَّ أَيْ احْتَجْتُنَّ " وَكَافُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ ، وَمَشَطْنَاهَا وَضَفَرْنَا بِالتَّخْفِيفِ ، وَثَلَاثَةُ قُرُونٍ : أَيْ ضَفَائِرَ الْقَرْنَيْنِ وَالنَّاصِيَةِ أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيَحْرُمُ وَضْعُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ ، ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِيلِ الْغُسْلِ يُلَيَّنُ الْمَيِّتُ مَفَاصِلَهُ ، ثُمَّ يُنَشِّفُ تَنْشِيفًا بَلِيغًا لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، وَلَا يَأْتِي فِي التَّنْشِيفِ هُنَا الْخِلَافُ فِي تَنْشِيفِ الْحَيِّ ( وَلَوْ خَرَجَ ) مِنْ الْمَيِّتِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْغُسْلِ ( نَجَسٌ ) وَلَوْ مِنْ الْفَرْجِ وَقَبْلَ التَّكْفِينِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ نَجِسٌ فِي آخِرِ غُسْلِهِ أَوْ بَعْدِهِ ( وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ ) لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِمَا وُجِدَ ، وَالتَّنْظِيفُ يَحْصُلُ بِنَظَافَةِ مَا حَدَثَ ( وَقِيلَ ) فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفَّنْ تَجِبُ إزَالَتُهُ ( مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ ) لِيَخْتِمَ أَمْرَهُ بِالْأَكْمَلِ ( وَقِيلَ ) فِي الْخَارِجِ مِنْهُ تَجِبُ إزَالَتُهُ مَعَ ( الْوُضُوءِ ) لَا الْغُسْلِ كَمَا فِي الْحَيِّ .
أَمَّا بَعْدَ التَّكْفِينِ فَيُجْزَمُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَقَطْ ، بَلْ حَكَى الْإِسْنَوِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّكْفِينِ ، وَلَا يَجْنُبُ مَيِّتٌ بِوَطْءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ ، وَلَا يُحْدِثُ بِمَسٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : الْوُضُوءُ مَجْرُورٌ عَلَى تَقْدِيرِ " مَعَ " كَمَا قَدَّرْتُهُ ، وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ؛ لِأَنَّ جَرَّ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ قَلِيلٌ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْغَاسِلِ ، فَقَالَ ( وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ ) فَهُوَ أَوْلَى بِهِ ( وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ ) فَهِيَ أَوْلَى بِهَا ، وَسَيَأْتِي تَرْتِيبُهُمْ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ بِنَصْبِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا بِخَطِّهِ ، وَذَلِكَ لِيَصِحَّ إسْنَادُ يُغَسِّلُ الْمُسْنَدِ لِلْمُذَكَّرِ لِلْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بِالْمَفْعُولِ كَمَا

فِي قَوْلِهِمْ : أَتَى الْقَاضِيَ امْرَأَةٌ ، وَيَجُوزُ رَفْعُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا ، وَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ ، وَيُقَدَّرُ فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ فِعْلٌ مَبْدُوءٌ بِعَلَامَةِ التَّأْنِيثِ ( وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ كَالزَّوْجَةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ وَالْبُضْعِ جَمِيعًا ، وَالْكِتَابَةُ تُفْسَخُ بِالْمَوْتِ .
نَعَمْ لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ وَالْمُسْتَبْرَأَة لِتَحْرِيمِ بُضْعِهِنَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ بِالْأَوْلَى ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ أَمَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ الْبَارِزِيُّ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ جَوَازُ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : الْمُسْتَبْرَأَةُ إنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً بِالسَّبْيِ ، فَالْأَصَحُّ حِلُّ غَيْرِ الْوَطْءِ مِنْ التَّمَتُّعَاتِ فَغُسْلُهَا أَوْلَى أَوْ بِغَيْرِهِ ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ غُسْلُهَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْغُسْلِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِتَحْرِيمِ الْبُضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَهِيَ كَالْمُعْتَدَّةِ بِجَامِعِ تَحْرِيمِ الْبُضْعِ وَتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِأَجْنَبِيٍّ ( وَ ) يُغَسِّلُ ( زَوْجَتَهُ ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ فِي الْجُمْلَةِ .
وَقَدْ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ .
قَالَ شَيْخِي : وَتَمَامُ الْحَدِيثِ { إذَا كُنْتَ تُصْبِحُ عَرُوسًا } ( وَهِيَ ) تُغَسِّلُ ( زَوْجَهَا ) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ ، { وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى

عَنْهَا لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( وَيَلُفَّانِ ) نَدْبًا : أَيْ السَّيِّدُ فِي تَغْسِيلِ أَمَتِهِ ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي تَغْسِيلِ الْآخَرِ ( خِرْقَةً ) عَلَى يَدِهِمَا ( وَلَا مَسَّ ) وَاقِعٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَيْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَقِضَ وُضُوءُ الْغَاسِلِ فَقَطْ .
أَمَّا وُضُوءُ الْمَغْسُولِ فَلَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ، نَعَمْ الْمُطَلَّقَةُ وَلَوْ رَجْعِيَّةً لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا غُسْلُ الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ ، وَفِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ الْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُغَسِّلُ الْآخَرَ كَمَا لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّهُمْ جَعَلُوهَا كَالْمُكَاتَبَةِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ، فَلَا مَنْعَ مِنْ الْغُسْلِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعْتَدَّةِ ( فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ) هَا ( إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ ) لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا ( أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ ) أَيْ الْمَيِّتُ وُجُوبًا ( فِي الْأَصَحِّ ) فِيهِمَا إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُهُ ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بُدَّ لَهَا بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ ، وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ إزَالَتِهَا كَمَا مَرَّ ، وَالثَّانِي : يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ فِي ثِيَابِهِ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً ، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَوْ حَضَرَ الْمَيِّتَ الذَّكَرَ كَافِرٌ وَمُسْلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ غَسَّلَهُ الْكَافِرُ ؛ لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ إلَيْهِ دُونَهَا وَصَلَّتْ عَلَيْهِ

الْمُسْلِمَةُ ، وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُشْتَهَى يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِحِلِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لَهُ وَالْخُنْثَى الْكَبِيرُ الْمُشْكِلُ يُغَسِّلُهُ الْمَحَارِمُ مِنْهُمَا ، فَإِنْ فُقِدُوا غَسَّلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلْحَاجَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمُقْتَضَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ وَيُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنَّهُ هُنَا يُحْتَمَلُ الِاتِّحَادُ فِي جِنْسِ الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَيُفَارِقُ ذَلِكَ أَخْذَهُمْ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ فِي النَّظَرِ بِأَنَّهُ هُنَا مَحَلُّ حَاجَةٍ ( وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ ) أَيْ الرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَقَارِبِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ ( أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ ) عَلَيْهِ وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ مِنْ النَّسَبِ ثُمَّ الْوَلَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُمْ فِي الْفَرْعِ الْآتِي ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ بَعْدَهُمْ فِي الْأَصَحِّ ، نَعَمْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ هُنَا وَفِي الدَّفْنِ ( وَ ) أَوْلَى النِّسَاءِ ( بِهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ فِي غُسْلِهَا إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَقَارِبِهَا مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهَا ( قَرَابَاتُهَا ) مِنْ النِّسَاءِ مَحَارِمَ كُنَّ كَالْبِنْتِ أَوْ لَا كَبِنْتِ الْعَمِّ ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ مِنْ غَيْرِهِنَّ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : تَقُولُ ذَوُو قَرَابَتِي وَلَا تَقُولُ هُمْ قَرَابَتِي ، وَلَا هُمْ قَرَابَاتِي ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إلَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا وَالْعَامَّةُ تَقُولُ ذَلِكَ ( وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى أَلْيَقُ ، وَالثَّانِي يُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرْنَ إلَيْهِ مِنْهَا ( وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ ) وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ

؛ لِأَنَّهُنَّ أَشَدُّ فِي الشَّفَقَةِ ، فَإِنْ اسْتَوَتْ اثْنَتَانِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَالَّتِي فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ أَوْلَى كَالْعَمَّةِ مَعَ الْخَالَةِ ، ثُمَّ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ غَيْرُ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ فَلَا تُقَدَّمُ بِنْتُ الْعَمِّ الْبَعِيدَةُ إذَا كَانَتْ أُمًّا أَوْ أُخْتًا مِنْ الرَّضَاعِ مَثَلًا عَلَى بِنْتِ الْعَمِّ الْقَرِيبَةِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرُوا الرَّضَاعَ هَاهُنَا بِالْكُلِّيَّةِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْقَرَابَاتِ ذَوَاتُ الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَمْ يَذْكُرُوا مَحَارِمَ الرَّضَاعِ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَدَّمْنَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ ا هـ .
وَبَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَزَادَ مَحَارِمَ الْمُصَاهَرَةِ ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَقْدِيمُ مَحَارِمِ الرَّضَاعِ عَلَى مَحَارِمِ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ ( الْأَجْنَبِيَّةُ ) ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَقُ ( ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ( كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ عَلَيْهَا وَيَطَّلِعُونَ غَالِبًا عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْغَيْرُ ( قُلْتُ : إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ ) وَهُوَ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ ( فَكَالْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَيْ لَا حَقَّ لَهُ فِي غُسْلِهَا جَزْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نَظَرُهَا وَلَا الْخَلْوَةُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ ( وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ ) أَيْ رِجَالِ الْقَرَابَةِ الْمَحَارِمِ ( الزَّوْجُ ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ ، وَالثَّانِي : يُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَدُومُ وَالنِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ ، وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ شَرْطُهُ الْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا لِلْمَيِّتِ ، وَلِمَنْ قُدِّمَ فِي الْغُسْلِ تَفْوِيضُهُ لِغَيْرِهِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ، فَلَيْسَ لِرَجُلٍ تَفْوِيضُهُ لِامْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ ، وَأَقَارِبُ

الْكَافِرِ الْكُفَّارُ أَوْلَى بِهِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُفْصِحٍ عَنْ تَرْتِيبِ الزَّوْجِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّاتِ ، إذْ أَوَّلُ كَلَامِهِ يُفْهِمُ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ قَالَ : وَيُقَدَّمْنَ أَيْ الْقَرَابَاتُ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ لِكَوْنِهِ حُكِيَ الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَرَابَاتِ وَذِكْرُهُ قَبْلَ ذِكْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ أَيْ عَلَى رِجَالِ الْقَرَابَةِ يُفْهِمُ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ ، وَالْمَنْقُولُ تَقْدِيمُ الْأَجْنَبِيَّاتِ عَلَيْهِ ( وَلَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا ) إذَا مَاتَ أَيْ يَحْرُمُ تَطْيِيبُهُ وَطَرْحُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ كَمَا لَا يُجْعَلُ فِيهِ كَفَنُهُ كَمَا مَرَّ ( وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ ) أَيْ يَحْرُمُ إزَالَةُ ذَلِكَ مِنْهُ إبْقَاءً لِأَثَرِ الْإِحْرَامِ ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا } وَلَا فِدْيَةَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الَّذِي أَعْتَقِدُهُ إيجَابُهَا عَلَى الْفَاعِلِ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ نَائِمٍ ا هـ .
وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّائِمَ بِصَدَدِ عَوْدِهِ إلَى الْفَهْمِ ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى تَكْلِيفِهِ ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ ، هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ أَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّبَخُّرِ عِنْدَ غُسْلِهِ كَجُلُوسِ الْحَيِّ عِنْدَ الْعَطَّارِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْلَقُ رَأْسُهُ إذَا مَاتَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لِيَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ بِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ ( وَتُطَيَّبُ الْمُعْتَدَّةُ ) الْمُحَدَّةُ ( فِي الْأَصَحِّ ) أَيْ لَا يَحْرُمُ تَطْيِيبُهَا ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطِّيبِ عَلَيْهَا إنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّجَالِ وَلِلتَّفَجُّعِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ زَالَا بِالْمَوْتِ ، وَالثَّانِي : يَحْرُمُ قِيَاسًا عَلَى

الْمُحْرِمِ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْمُحْرِمِ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ ( وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ ) الْمَيِّتِ ( الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ كَالرُّويَانِيِّ وَلَا يُسْتَحَبُّ ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَوْ الْكَثِيرِينَ : إنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَالْحَيِّ ، وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ مَصِيرَهُ إلَى الْبَلَاءِ ( قُلْتُ : الْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَهُوَ مُحْدَثٌ .
وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ كَرَاهَتَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَهُوَ قَوْلٌ جَدِيدٌ ، وَلِذَا عَبَّرَ هُنَا بِالْأَظْهَرِ الْمُفِيدِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ جَدِيدٌ أَيْضًا ، وَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخْتَنُ إذَا كَانَ أَقْلَفَ ، وَفِي وَجْهٍ يُخْتَنُ إنْ كَانَ بَالِغًا ، وَفِي وَجْهٍ يُخْتَنُ مُطْلَقًا .
.

فَصْلٌ يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا ، وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ ، وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ وَلَهَا خَمْسَةٌ ، وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ ، وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ ، وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ : فَإِزَارٌ ، وَخِمَارٌ ، وَقَمِيصٌ ، وَلِفَافَتَانِ ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ ، وَيُسَنُّ الْأَبْيَضُ ، وَمَحَلُّهُ أَصْلُ التَّرِكَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ : وَكَذَا الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ ، وَأَوْسَعُهَا ، وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ ، وَيُذَرُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ ، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ ، وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ ، وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ ، وَيُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ وَتُشَدُّ ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ ، وَلَا يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ .

( فَصْلٌ ) فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ ( يُكَفَّنُ ) بَعْدَ غُسْلِهِ ( بِمَا ) أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَجُوزُ ( لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا ) مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى إذَا وُجِدَ غَيْرُهُمَا .
وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ بِالْحَرِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوْجَهُ الْمَنْعُ ، وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ فِي الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُكَفَّنُ بِهِ إذَا قُتِلَ وَهُوَ لَابِسُهُ بِشَرْطِهِ أَيْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْحَرْبِ ، وَلَا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي مُتَنَجِّسٍ نَجَاسَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا وَهُنَاكَ طَاهِرٌ وَإِنْ جَازَ لَهُ لُبْسُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ حَرِيرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي .
قَالَ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمُصَلِّي ، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ : إنَّ النَّجِسَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَكْفِي التَّطْيِينُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي فِي السُّتْرَةِ فِي الْحَيَاةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ ، وَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمُحَدَّةِ فِيمَا حَرُمَ عَلَيْهَا لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي إبَاحَةِ الطِّيبِ لَهَا ( وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ ) وَاحِدٌ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ ، وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الثَّانِيَ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي

شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَوْضِهِ فَقَالَ : وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ ، وَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ ، فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ ( وَلَا تُنَفَّذُ ) بِالتَّشْدِيدِ ( وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ ) أَيْ الثَّوْبِ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِث ، وَلَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ ، وَيَجِبْ تَكْفِينُهُ بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ ا هـ .
وَهَلْ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى الثَّانِي ؟ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ لَا تَنْفُذُ وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ : أَيْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ ، وَقِيلَ بِثَوْبٍ ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ أَقَيْسُ : أَيْ فَيَجِبُ أَنْ يُكَفَّنَ بِثَلَاثَةٍ .
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَالْوَرَثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ .
.
أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى زِيَادَةِ السَّتْرِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَلَوْ قَالَ

الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَالْوَرَثَةُ بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ ، نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ ، وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ سَاتِرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ ، وَفَارَقَ الْغَرِيمَ بِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ لَهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا ، هَذَا إذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ .
أَمَّا إذَا كُفِّنَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مَنْ يُجَهِّزُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَبَيْتِ مَالٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ ، بَلْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَكَذَا إذَا كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ .
قَالَ : وَيَكُونُ سَابِغًا وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمُورِ الْمُسْتَحَبَّةِ الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : وَيَكُونُ سَابِغًا أَنَّهُ يُعْطَى ثَوْبًا سَاتِرًا لِلْبَدَنِ وَإِنْ قُلْنَا : الْوَاجِبُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ ( وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ) أَيْ الذَّكَرِ بَالِغًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُحْرِمًا ( ثَلَاثَةٌ ) { لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَسُحُولٌ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ ، لَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاجِبَةٌ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهَا ، وَلِذَا قَالَ ( وَيَجُوزُ ) بِلَا كَرَاهَةٍ (

رَابِعٌ وَخَامِسٌ ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنًا لَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ : قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ .
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِحُرْمَتِهَا وَبَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي وَرَثَةٍ مُتَبَرِّعِينَ وَرَضُوا بِهَا ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ فَلَا ( وَ ) الْأَفْضَل ( لَهَا ) وَلِلْخُنْثَى ( خَمْسَةٌ ) مِنْ الْأَثْوَابِ لِزِيَادَةِ السَّتْرِ فِي حَقِّهِمَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ ( وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، وَالْخُنْثَى مُلْحَقٌ بِهَا كَمَا مَرَّ ( بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ ) كُلُّهَا ( لَفَائِفٌ ) مُتَسَاوِيَةٌ طُولًا وَعَرْضًا يَعُمُّ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ غَيْرَ رَأْسِ الْمُحْرِمِ وَوَجْهِ الْمُحْرِمَةِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَقِيلَ تَكُونُ مُتَفَاوِتَةً ، فَالْأَسْفَلُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِزَارِ .
وَالثَّانِي مِنْ عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ ، وَالثَّالِثُ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ ( وَإِنْ كُفِّنَ ) ذَكَرٌ ( فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ( وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ ) أَيْ اللَّفَائِفِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
أَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ لَا يُلْبَسُ مَخِيطًا ( وَإِنْ كُفِّنَتْ ) أَيْ امْرَأَةٌ ( فِي خَمْسَةٍ فَإِزَارٌ ) أَوَّلًا ، وَمَرَّ تَعْرِيفُهُ ، وَيُقَالُ لَهُ مِئْزَرٌ أَيْضًا ( وَخِمَارٌ ) وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ ( وَقَمِيصٌ ) قَبْلَ الْخِمَارِ ( وَلِفَافَتَانِ ) بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّنَ فِيهَا ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ ) فَاللِّفَافَةُ الثَّالِثَةُ بَدَلُ الْقَمِيصِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ لَهَا كَالثَّلَاثَةِ لِلرَّجُلِ ، وَالْقَمِيصُ لَمْ يَكُنْ فِي كَفَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيُسَنُّ ) الْكَفَنُ ( الْأَبْيَضُ )

{ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَغْسُولَ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ ( وَمَحَلُّهُ ) أَيْ الْكَفَنِ كَبَقِيَّةِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ ( أَصْلُ التَّرِكَةِ ) كَمَا سَيَأْتِي أَوَّلَ الْفَرَائِضِ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤَنِ تَجْهِيزِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ فَيُقَدَّمَ عَلَيْهَا ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَنْ لِزَوْجِهَا مَالٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَكَفَنُهَا عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ الْآتِي .
وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ : أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي ، وَقَالَ الْبَعْضُ : مِنْ التَّرِكَةِ .
كُفِّنَ مِنْهَا دَفْعًا لِلْمِنَّةِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) لِلْمَيِّتِ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ تَرِكَةٌ فَعَلَى ( مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ ) أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ لِعَجْزِهِ بِالْمَوْتِ ( وَسَيِّدٍ ) فِي رَقِيقِهِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأُمَّ وَلَدٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَلِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ ( وَكَذَا ) مَحَلُّ الْكَفَنِ أَيْضًا ( الزَّوْجُ ) الْمُوسِرُ الَّذِي يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَعَلَيْهِ تَكْفِينُ زَوْجَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَعَ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهَا وَتَجْهِيزِ خَادِمِهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ الْقَرِيبَ وَالسَّيِّدَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مُوسِرَةً أَمْ لَا ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ جُمْلَةَ وَكَذَا الزَّوْجُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَحَلُّهُ أَصْلُ التَّرِكَةِ ، فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَنِ عَلَى الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ تَرِكَةٌ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، وَالثَّانِي : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ التَّمْكِينِ الْمُقَابِلِ لِلنَّفَقَةِ ، وَلَوْ مَاتَتْ الْبَائِنُ الْحَامِلُ فَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ وُجُوبَ التَّكْفِينِ عَلَى

الزَّوْجِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ فَلَا ، أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا كَصَغِيرَةٍ وَنَاشِزَةٍ فَمَا ذُكِرَ فِي تَرِكَتِهَا ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَالٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِذَلِكَ كُمِّلَ مِنْ مَالِهَا ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَجَهَّزَ الزَّوْجَةَ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ فَعَلُوهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ يَرَاهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَاتُهُ دُفْعَةً بِنَحْوِ هَدْمٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا كَفَنًا فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ أَوْ تُقَدَّمُ الْمُعْسِرَةُ ، أَوْ مَنْ يُخْشَى فَسَادُهَا ، أَوْ مُتْنَ مُرَتَّبًا هَلْ تُقَدَّمُ الْأُولَى أَوْ الْمُعْسِرَةُ أَوْ يُقْرَعُ ؟ احْتِمَالَاتٌ أَقْرَبُهَا أَوَّلُهَا فِيهِمَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ ، وَلَا كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ مِنْ كَفَنٍ وَغَيْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ التَّكْفِينِ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ غَيْرُهُ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ ، وَفِيهِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ : وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ بِهِ إلَّا ثَوْبٌ مَعَ مَالِكٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِالْقِيمَةِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ ، زَادَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمَجَّانًا ؛ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَازِمٌ لِلْأُمَّةِ وَلَا بَدَلَ يُصَارُ إلَيْهِ ( وَ ) إذَا وَقَعَ التَّكْفِينُ فِي اللَّفَائِفِ الثَّلَاثِ وَوَقَعَ فِيهَا تَفَاوُتٌ ( يُبْسَطُ ) أَوَّلًا ( أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا ) وَأَطْوَلُهَا ( وَالثَّانِيَةُ ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأُولَى فِي ذَلِكَ ( فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ ) فَوْقَ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يَجْعَلُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ أَعْلَاهَا ، فَلِهَذَا بُسِطَ الْأَحْسَنُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْلُو عَلَى كُلِّ

الْكَفَنِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْسَعَ فَلِإِمْكَانِ لَفِّهِ عَلَى الضَّيِّقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ( وَيَذَرُ ) بِالْمُعْجَمَةِ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ ( عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ) مِنْ اللَّفَائِفِ قَبْلَ وَضْعِ الْأُخْرَى ( حَنُوطٌ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ ، وَيُقَالُ لَهُ الْحِنَاطُ بِكَسْرِهَا ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْعَلُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً يَشْتَمِلُ عَلَى الْكَافُورِ وَالصَّنْدَلِ وَذَرِيرَةِ الْقَصَبِ ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ كُلُّ طِيبٍ خُلِطَ لِلْمَيِّتِ ( وَكَافُورٌ ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْجُزْءُ الْأَعْظَمُ مِنْ الطِّيبِ لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَتُهُ عَلَى مَا يُجْعَلُ فِي أُصُولِ الْحَنُوطِ ، وَنَصَّ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنْهُ فِيهِ ، بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطَيَّبَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّيهِ وَيَشُدُّهُ ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ جُعِلَ بَيْنَ كُلِّ ثَوْبَيْنِ حَنُوطٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ( وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا ) أَيْ اللَّفَائِفِ بِرِفْقٍ ( مُسْتَلْقِيًا ) عَلَى قَفَاهُ وَهَلْ تُجْعَلُ يَدَاهُ عَلَى صَدْرِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسَلَانِ فِي جَنْبِهِ ؟ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ ، فَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ حَسَنٌ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ ( وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْهَوَامَّ وَيَشُدُّ الْبَدَنَ وَيُقَوِّيهِ كَمَا مَرَّ ، وَيُسَنُّ تَبْخِيرُ الْكَفَنِ بِنَحْوِ عُودٍ أَوَّلًا ( وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ ) بِخِرْقَةٍ بَعْدَ دَسِّ قُطْنٍ حَلِيجٍ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ بَيْنَ أَلْيَيْهِ حَتَّى يَصِلَ لِحَلَقَةِ الدُّبُرِ فَيَسُدَّهَا ، وَيُكْرَهُ إيصَالُهُ دَاخِلَ الْحَلَقَةِ ، وَتَكُونُ الْخِرْقَةُ مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ ، وَتُجْعَلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ ( وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ ) مِنْ أُذُنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَعَيْنَيْهِ ، وَعَلَى أَعْضَاءِ سُجُودِهِ كَجَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ ( قُطْنٌ ) عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ لِيُخْفِيَ مَا عَسَاهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا وَيَدْفَعَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51