كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

اسْتِيجَابًا ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ يُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْجَزْمُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ فَكَفَى فِيهِ مَا ذُكِرَ مَعَ جَوَابِهَا ، وَلَوْ قَالَتْ : رَضِيتُ بِمَنْ رَضِيَتْ بِهِ أُمِّي أَوْ بِمَنْ اخْتَارَتْهُ أَوْ بِمَا يَفْعَلُهُ أَبِي وَهُمْ فِي ذِكْرِ النِّكَاحِ كَفَى ، لَا إنْ قَالَتْ : رَضِيتُ إنْ رَضِيَتْ أُمِّي أَوْ رَضِيتُ بِمَا تَفْعَلُهُ أُمِّي فَلَا يَكْفِي ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تَعْقِدُ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ الْأُولَى صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَكَذَا لَا يَكْفِي رَضِيتُ إنْ رَضِيَ أَبِي إلَّا أَنْ تُرِيدَ رَضِيتُ بِمَا يَفْعَلُهُ فَيَكْفِي وَلَوْ أَذِنَتْ بِكْرٌ فِي تَزْوِيجِهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اُسْتُؤْذِنَتْ كَذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَكَتَتْ كَانَ إذْنًا إنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي .

وَالْمُعْتِقُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ الْعِتْقُ فَقَالَ : ( وَالْمُعْتِقُ ) وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ فَيَشْمَلُ عَصَبَتَهُ وَهُوَ السَّبَبُ الثَّالِثُ لَا مَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ فَقَطْ .

وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ .
وَالسَّبَبُ الرَّابِعُ السُّلْطَانُ ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْقَاضِيَ وَالْمُعْتِقَ وَعَصَبَتَهُ ( وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ ) فِيمَا ذَكَرَ قَبْلَهُ .

وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ أَبٌ ثُمَّ جَدٌّ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَمٌّ ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ كَالْإِرْثِ ، وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ بِبُنُوَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ أَوْ مُعْتِقًا أَوْ قَاضِيًا زَوَّجَ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَسِيبٌ زَوَّجَ الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ، كَالْإِرْثِ ، وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتَقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً ، وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتِقَةِ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِذَا مَاتَتْ زَوَّجَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ ، فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ ، وَكَذَا يُزَوِّجُ إذَا عَضَلَ الْقَرِيبُ وَالْمُعْتِقُ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ .

( وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ ) بِالتَّزْوِيجِ ( أَبٌ ) لِأَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ يُدْلُونَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَمُرَادُهُ الْأَغْلَبُ وَإِلَّا فَالسُّلْطَانُ وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ لَا يُدْلُونَ بِهِ ( ثُمَّ جَدٌّ ) أَبُو أَبٍ ( ثُمَّ أَبُوهُ ) وَإِنْ عَلَا لِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ فِي الْعُصُوبَةِ ( ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ) لِأَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْأَبِ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِهِ ( ثُمَّ ابْنُهُ ) أَيْ ابْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَإِنْ سَفَلَ ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْعَمِّ ( ثُمَّ عَمٌّ ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ سَفَلَ ( ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ ) مِنْ الْقَرَابَةِ أَيْ بَاقِيهِمْ ( كَالْإِرْثِ ) لِأَنَّ الْمَأْخَذَ فِيهِمَا وَاحِدٌ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : كَالْإِرْثِ مُتَعَلِّقٌ بِسَائِرِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يُقَدَّمُ فِي الْمِيرَاثِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ هُنَا وَالْجَدُّ فِي الْإِرْثِ يُشَارِكُ الْأَخَ وَهُنَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ، وَالشَّقِيقُ فِي الْإِرْثِ يُقَدَّمُ قَطْعًا عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَهُنَا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ : ( وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ ) وَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى عَمٍّ لِأَبٍ ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ ( فِي الْأَظْهَرِ ) الْجَدِيدِ لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ وَالشَّفَقَةِ كَالْإِرْثِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ غَابَ الشَّقِيقُ لَمْ يُزَوِّجْ الَّذِي لِأَبٍ بَلْ السُّلْطَانُ ، وَعَلَى الْقَدِيمِ هُمَا وَلِيَّانِ ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي النِّكَاحِ فَلَا يُرَجَّحُ بِهَا بِخِلَافِ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا عَمَّانِ أَحَدُهُمَا خَالٌ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يُفِيدُ لَا يُرَجِّحُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَمَّ لِأَبَوَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ فِي الْإِرْثِ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : يُقَدَّمُ مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ لَشَمِلَ مَا أَدْخَلْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، نَعَمْ لَوْ كَانَ

ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ لَكِنَّهُ أَخُوهَا لِأُمِّهَا ، فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْأُمِّ .
وَالْأَوَّلُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا ابْنِ عَمٍّ .
أَحَدُهُمَا ابْنُهَا .
وَالْآخَرُ أَخُوهَا مِنْ الْأُمِّ ، فَالِابْنُ هُوَ الْمُقَدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا : مُعْتِقٌ قُدِّمَ الْمُعْتِقُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ .
وَالْآخَرُ : شَقِيقًا قُدِّمَ الشَّقِيقُ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا خَالٌ فَهُمَا سَوَاءٌ بِلَا خِلَافٍ ، قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَسْمِيَةُ كُلِّ مَنْ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَلِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ حَقِيقَةً لِلْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ ( وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ ) أُمَّهُ وَإِنْ عَلَتْ ( بِبُنُوَّةٍ ) مَحْضَةٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُزَنِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي النَّسَبِ ؛ إذْ انْتِسَابُهَا إلَى أَبِيهَا ، وَانْتِسَابُ الِابْنِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ ، فَإِنْ قِيلَ يَدُلُّ لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ .
قَالَ لِابْنِهَا عُمَرَ : قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ " .
أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ نِكَاحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى وَلِيٍّ ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ اسْتِطَابَةً لِخَاطِرِهِ .
ثَانِيهَا : أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَزَوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ ، وَقِيلَ : كَانَ سِنُّ عُمَرَ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ .
قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ وَكَانَ حِينَئِذٍ طِفْلًا فَكَيْفَ يُزَوِّجُ .

ثَالِثُهَا : بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ أَنَّهُ زَوَّجَ وَهُوَ بَالِغٌ فَيَكُونُ بِبُنُوَّةِ الْعَمِّ ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ ( فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ ) لَهَا أَوْ ذَا قَرَابَةٍ أُخْرَى مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحِ مَجُوسٍ كَمَا إذَا كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنَ أَخِيهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا ( أَوْ مُعْتِقًا ) لَهَا أَوْ غَاصِبَ مُعْتِقٍ لَهَا ( أَوْ قَاضِيًا ) أَوْ مُحَكِّمًا أَوْ وَكِيلًا عَنْ وَلِيِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( زَوَّجَ بِهِ ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ فَلَا تَضُرُّهُ الْبُنُوَّةُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ ، فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا سَبَبٌ آخَرَ يَقْتَضِي الْوِلَايَةَ لَمْ تَمْنَعْهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَمِّهَا ابْنَهَا ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُتَصَوَّرُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَبِنِكَاحِ الْمَجُوسِ ، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا بِأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا ، وَيَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ فَيُزَوِّجُهَا بِالْمِلْكِ ( فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ رَجُلٌ ( نَسِيبٌ زَوَّجَ الْمُعْتِقُ ) الرَّجُلُ ( ثُمَّ عَصَبَتُهُ ) بِحَقِّ الْوَلَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقِ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً وَالتَّرْتِيبُ هَذَا ( كَالْإِرْثِ ) فِي تَرْتِيبِهِ وَمَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ فَيُقَدَّمُ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا لِحَدِيثِ : { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } وَلِأَنَّ الْمُعْتِقَ أَخْرَجَهَا مِنْ الرِّقِّ إلَى الْحُرِّيَّةِ فَأَشْبَهَ الْأَبَ فِي إخْرَاجِهِ لَهَا إلَى الْوُجُودِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ مَسَائِلُ : الْأُولَى : أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ أَوْلَى مِنْ جَدِّهِ ، وَفِي النَّسَبِ يُقَدَّمُ الْجَدُّ .
الثَّانِيَةِ : أَنَّ ابْنَ الْمُعْتِقِ يُزَوِّجُ وَيُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّ التَّعْصِيبَ لَهُ ، وَفِي النَّسَبِ لَا يُزَوِّجُهَا ابْنُهَا بِالْبُنُوَّةِ .
الثَّالِثَةُ : أَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ وَالِدِهِ .
الرَّابِعَةُ : الْعَمُّ

يُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْجَدِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِخِلَافِ النَّسَبِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : الْمُعْتِقُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ فَلَوْ تَزَوَّجَ عَتِيقٌ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ وَأَتَتْ بِابْنَةٍ لَا يُزَوِّجُهَا مَوَالِي الْأَبِ ، وَكَلَامُ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ التَّزْوِيجُ لِمَوَالِي الْأَبِ ، ثُمَّ أَشَارَ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ ضَابِطِ مَنْ يُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ : ( وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ ) إذَا فُقِدَ وَلِيُّ الْعَتِيقَةِ مِنْ النَّسَبِ كُلُّ ( مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتِقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً ) بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا تَبَعًا لِلْوِلَايَةِ عَلَى الْمُعْتِقَةِ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَا مَرَّ فِي تَرْتِيبِهِمْ بِرِضَا الْعَتِيقَةِ ، وَيَكْفِي سُكُوتُ الْبِكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَكْمِلَتِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي دِيبَاجِهِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَتِيقَةَ كَافِرَةً وَالْمُعْتِقَةُ مُسْلِمَةً وَوَلِيُّهَا كَافِرٌ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمُعْتِقَةُ وَوَلِيُّهَا كَافِرَيْنِ وَالْعَتِيقَةُ مُسْلِمَةً أَنْ يُزَوِّجَهَا ، وَلَيْسَ مُرَادًا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَلَوْ قَالَ يُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي حَالِ مَوْتِهَا لَاسْتَقَامَ ، وَلَكِنْ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ اخْتِلَافِ الدِّينِ الْآتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ ( وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتِقَةِ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا إجْبَارَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ .
وَالثَّانِي : يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا وَالْعَصَبَةُ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِدْلَائِهِمْ بِهَا فَلَا أَقَلَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا .
تَنْبِيهٌ : حُكْمُ أَمَةِ الْمَرْأَةِ حُكْمُ عَتِيقَتِهَا فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يُزَوِّجُ سَيِّدَتَهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ ، لَكِنْ إذَا كَانَتْ السَّيِّدَةُ كَامِلَةً اُشْتُرِطَ إذْنُهَا وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا إذْ لَا

تَسْتَحِي ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ثَيِّبًا امْتَنَعَ عَلَى الْأَبِ تَزْوِيجُ أَمَتِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً وَلَيْسَ لِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ شَخْصٌ جَارِيَةً ثُمَّ أَعْتَقَتْ هَذِهِ الْعَتِيقَةُ جَارِيَةً وَلَلْمُعْتَقَةِ ابْنٌ فَوَلَاءُ الثَّانِيَةِ لِمُعْتِقِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْوَلِيِّ ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ ( فَإِذَا مَاتَتْ ) أَيْ الْمُعْتِقَةُ ( زَوَّجَ ) الْعَتِيقَةَ ( مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ ) عَلَى الْمُعْتِقَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهَا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ ، إذْ تَبَعِيَّةُ الْوَلَاءِ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا اثْنَانِ اُعْتُبِرَ رِضَاهُمَا فَيُوَكِّلَانِ ، أَوْ يُوَكِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، أَوْ يُبَاشِرَانِ مَعًا وَيُزَوِّجُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ مَعَ السُّلْطَانِ وَإِنْ مَاتَا اُشْتُرِطَ فِي تَزْوِيجِهَا اثْنَانِ مِنْ عَصَبَتِهِمَا ، وَاحِدٌ مِنْ عَصَبَةِ أَحَدِهِمَا ، وَآخَرُ مِنْ عَصَبَةِ الْآخَرِ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَفَى مُوَافَقَةُ أَحَدِ عَصَبَتِهِ لِلْآخَرِ ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَرِثَهُ الْآخَرُ اسْتَقَلَّ بِتَزْوِيجِهَا ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَدَدٌ مِنْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ فِي دَرَجَةٍ كَبَنِينَ وَإِخْوَةٍ كَانُوا كَالْإِخْوَةِ فِي النَّسَبِ ، فَإِذَا زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَاهَا صَحَّ ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْآخَرِينَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَ عَتِيقَتَهُ أَبَاهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ بِتَرْتِيبِهِمْ لَكِنْ بِإِذْنِهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ فَيَكُونُ قَدْ زَوَّجَهَا وَكِيلُهُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ وَوَلِيُّهَا بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي وَالْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِمَا وُجُوبُ إذْنِهِ .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ ، وَالْخُنْثَى كَالْمَفْقُودِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِإِذْنِهِ ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ : فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا أَبُوهُ بِإِذْنِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ

وَأَحْوَطُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَ السُّلْطَانُ ، وَلَوْ عَقَدَ الْخُنْثَى فَبَانَ ذَكَرًا صَحَّ كَمَا مَرَّ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُبَعَّضَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْمَالِكُ مَعَ وَلِيِّهَا الْقَرِيبِ ثُمَّ مَعَ مُعْتِقِ الْبَعْضِ ، ثُمَّ مَعَ عَصَبَتِهِ ، ثُمَّ مَعَ السُّلْطَانِ .
وَأَمَّا أَمَةُ السَّيِّدَةِ الْمُبَعَّضَةِ فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ الْمُبَعَّضَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا حُرَّةً بِإِذْنِهَا ( فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ ) الْمَرْأَةَ الَّتِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِخَبَرِ : { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ رَضِيَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ .
وَقَالَ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ .
وَقَالَ الْغَزِّيُّ : وَالْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِمَا حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ، فَقِيَاسُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ .
ا هـ .
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَاطِبِ فَلَمْ يَكُنْ حُضُورُهُ مُؤَثِّرًا فِي جَوَازِ الْحُكْمِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حَاضِرٌ وَالْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ( وَكَذَا يُزَوِّجُ ) السُّلْطَانُ ( إذَا عَضَلَ ) النَّسِيبُ ( الْقَرِيبُ ) وَلَوْ مُجْبِرًا ، أَيْ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا هُوَ ( وَالْمُعْتِقُ ) وَعَصَبَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ وَفَائِهِ وَفَّاهُ الْحَاكِمُ ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ جَزْمًا ، وَهَذَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ .
فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِلَّا فَلَا يُفَسَّقُ بِذَلِكَ ، وَهَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَاهُ هُنَا بِالْمَرَّاتِ

الثَّلَاثِ الْأَنْكِحَةُ ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ الْحَاكِمِ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ ؟ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : فِيهِ نَظَرٌ ا هـ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي ، وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَضْلَ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخُطَّةِ حَاكِمٌ .
وَقِيلَ : وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا إذَا جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ لِشُمُولِهِ لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ كَمَا زِدْتُهُ ، وَهَلْ السُّلْطَانُ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوْ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ غَابَ عَنْهَا وَلِيُّهَا إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ زَوَّجَهَا أَحَدُ نُوَّابِهِ أَوْ قَاضٍ آخَرَ أَوْ بِالنِّيَابَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ وَالْأَقْرَبُ غَائِبٌ إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ أَوْ بِالنِّيَابَةِ فَلَا ، وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِالْأَوَّلِ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ لِلْغَيْبَةِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ ، وَهَذَا أَوْجَهُ .
تَنْبِيهٌ : اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ عَلَى صُورَتَيْنِ وَذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يُزَوِّجَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِحْرَامِهِ وَإِرَادَتِهِ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا مُسَاوٍ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ ، وَالْمَجْنُونَةُ وَالْبَالِغَةُ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْبِرِ ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ : وَتُزَوِّجُ الْحُكَّامُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ وَكَذَاكَ غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ وَكَذَاكَ إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ

عَضْلِهِ إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهِيَ لِكَافِرِ فَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ عِنْدَ إغْمَاءِ الْوَلِيِّ ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ ( وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ ) مِنْ الْوَلِيِّ ( إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ ) رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ سَفِيهَةً ( إلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ ) الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ كُفْءٍ ، فَإِنْ دَعَتْهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَوْ دَعَتْ إلَى عِنِّينٍ أَوْ مَجْبُوبٍ بِالْبَاءِ لَزِمَهُ إجَابَتُهَا ، فَإِنْ امْتَنَعَ كَانَ عَاضِلًا ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَعَتْهُ إلَى أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مَجْنُونٍ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ لِنُقْصَانِ الْمَهْرِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَحْضُ حَقِّهَا ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ نِكَاحِهَا فِي تَزْوِيجِ التَّحْلِيلِ ، فَعَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ أَوْ لِقُوَّةِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِ عِنْدَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ، بَلْ يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَفِي تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ بِامْتِنَاعِهِ لَا يُعَدُّ عَاضِلًا .
ا هـ .
.
وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ : لَوْ طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ بِرَجُلٍ وَادَّعَتْ كَفَاءَتَهُ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ رُفِعَ لِلْقَاضِي ، فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ أَلْزَمَهُ تَزْوِيجُهَا ، فَإِنْ امْتَنَعَ زَوَّجَهَا بِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ فَلَا ، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَضْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُزَوِّجَ بِأَنْ يُحْضِرَ الْوَلِيَّ وَالْخَاطِبَ وَالْمَرْأَةَ فَيَأْمُرَ الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ بِالتَّزْوِيجِ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ أَوْ يَسْكُتُ أَوْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لِتَوَارٍ أَوْ تَعَزُّزٍ أَوْ غَيْبَةٍ لَا يُزَوِّجُ فِيهَا الْقَاضِي .
تَنْبِيهٌ : إذَا ظَهَرَتْ حَاجَةُ الْمَجْنُونَةِ إلَى النِّكَاحِ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ

مِنْ تَزْوِيجِهَا كَانَ عَاضِلًا فَتَرِدُ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفُ الْعَضْل فِيمَا ذَكَرَهُ ( وَلَوْ عَيَّنَتْ ) مُجْبَرَةٌ ( كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ ) أَوْ الْجَدُّ الْمُجْبِرُ كُفْئًا ( غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ إجَابَتُهَا إعْفَافًا لَهَا ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَنْ عَيَّنَتْهُ جَزْمًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ تَزْوِيجِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهَا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا لَوْ عَيَّنَتْ كُفْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَزَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ آخَرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ، وَحَكَاهُ عَنْهُ فِي الْكِفَايَةِ .

فَصْلٌ لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ ، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ ، وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ يَدُومُ أَيَّامًا اُنْتُظِرَ ، وَقِيلَ لِلْأَبْعَدِ .

فَصْلٌ فِي مَوَانِعِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ ( لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ ) قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مُبَعَّضٍ لِنَقْصِهِ فَأَمَةُ الْمُبَعَّضِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا إذْنِ مَالِكِ بَعْضِهِ لَا يَجُوزُ ، وَبَابُ التَّزْوِيجِ مُنْسَدٌّ عَلَيْهِ لِرِقِّهِ ، وَلَوْ جَازَ التَّزْوِيجُ بِإِذْنِهِ لِكَوْنِهَا لِمَنْ يَمْلِكُ بَعْضَهُ لَجَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا ، وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ زَوَّجَهَا بِهِ .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ نَفْيُهُ الْوِلَايَةَ جَوَازَ كَوْنِ الرَّقِيقِ وَكِيلًا ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ ( وَ ) لَا ( صَبِيٍّ ) لِسَلْبِ وِلَايَتِهِ ( وَ ) لَا ( مَجْنُونٍ ) فِي حَالَةِ جُنُونِهِ الْمُطْبِقِ ، وَكَذَا إنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْوِلَايَةَ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ ، وَتَغْلِيبًا لِزَمَنِ الْجُنُونِ فِي الْمُتَقَطِّعِ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ فِي زَمَنِ جُنُونِ الْأَقْرَبِ دُونَ إفَاقَتِهِ ، وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَبَقِيَ آثَارُ الْخَبَلِ كَحِدَّةِ خُلُقٍ لَمْ تُعَدْ وِلَايَتُهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : لَعَلَّهُ الْأَصَحُّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ جِدًّا فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ، أَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْجُنُونِ كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ لَمْ تُنْقَلْ الْوِلَايَةُ ، بَلْ يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ كَالْإِغْمَاءِ ( وَ ) لَا ( مُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ ) وَهُوَ كِبَرُ السِّنِّ ( أَوْ خَبَلٍ ) بِتَحْرِيكِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِهَا ، وَهُوَ فَسَادٌ فِي الْعَقْلِ ، وَقِيلَ : إنَّهُ بِالْإِسْكَانِ مَصْدَرٌ ، وَلَا فَرْقَ فِي الْخَبَلِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ لِعَجْزِهِ عَنْ اخْتِيَارِ

الْأَكْفَاءِ ، وَفِي مَعْنَاهُ : مَنْ شَغَلَتْهُ الْأَسْقَامُ وَالْآلَامُ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : سُكُونُ الْأَلَمِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ إفَاقَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ، فَإِذَا اُنْتُظِرَتْ الْإِفَاقَةُ فِي الْإِغْمَاءِ وَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ السُّكُونُ هُنَا ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْتِظَارِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ كَمَا فِي صُورَةِ الْغَيْبَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بَاقِيَةٌ وَشِدَّةُ الْأَلَمِ الْمَانِعَةُ مِنْ النَّظَرِ كَالْغَيْبَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَهُ أَمَدٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَجُعِلَ مُرَادًا ، بِخِلَافِ سُكُونِ الْأَلَمِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ زَوَالُهُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى صُورَةِ الْغَيْبَةِ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى التَّزْوِيجِ مَعَهَا ، وَلَا كَذَلِكَ مَعَ دَوَامِ الْأَلَمِ الْمَذْكُورِ ( وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ) بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَوْ بَذَّرَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لَا وِلَايَةَ لَهُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : هَذَا ، وَالثَّانِي : يَلِي ؛ لِأَنَّهُ كَامِلُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ : فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ وِلَايَتُهُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالرَّوْضَةِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالزَّوَالِ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَتَوْكِيلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فِي النِّكَاحِ كَتَوْكِيلِ الرَّقِيقِ فَيَصِحُّ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ ، وَخَرَجَ بِالسَّفَهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يَلِي لِكَمَالِ نَظَرِهِ ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ ( وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ) الْمَانِعَةِ لِلْوِلَايَةِ ( فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ ) لِخُرُوجِ الْأَقْرَبِ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَأَشْبَهَ الْمَعْدُومَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ

بَيْنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ شَخْصٌ أَمَةً وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ وَأَخٍ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إنَّهَا فِي الْوَلَاءِ لِلْحَاكِمِ .
فَقَدْ نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ عَادَتْ الْوِلَايَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظَةُ مَتَى ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هَذَا عَنْ ذِكْرِهِ الْفِسْقَ وَاخْتِلَافَ الدِّينِ لِيَعُودَ إلَيْهِمَا أَيْضًا ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ فِيهِمَا إلَى الْأَبْعَدِ ، وَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ فَادَّعَى الْأَقْرَبُ أَنَّهُ زَوَّجَ بَعْدَ تَأَهُّلِهِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمَا ، وَالرُّجُوعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ الزَّوْجَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ غَيْرِهِمَا ، وَجَزَمَ فِيمَا لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَأَهُّلِ الْأَقْرَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْهُ ( وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا ) كَالْحَاصِلِ بِهَيَجَانِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ ( اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ ) قَطْعًا كَالنَّائِمِ ( وَإِنْ كَانَ يَدُومُ ) يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ( أَيَّامًا اُنْتُظِرَ ) أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبُ الزَّوَالِ كَالنَّوْمِ ( وَقِيلَ ) لَا تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ ( لِلْأَبْعَدِ ) كَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ بِلَا تَعَدٍّ فِي مَعْنَى الْإِغْمَاءِ ، فَإِنْ دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ فِي زَمَنِ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُزَوِّجُهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُزَوِّجُهَا .

وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى ) فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَحْثِ وَالسَّمَاعِ ، وَالثَّانِي : يَقْدَحُ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الصِّغَرَ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ شَهَادَتَهُ إنَّمَا رُدَّتْ لِتَعَذُّرِ التَّحَمُّلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ فِيمَا تَحَمَّلَ قَبْلَ الْعَمَى إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهَا ، وَيَجِيءُ خِلَافُ الْأَعْمَى فِي الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمِ لِغَيْرِهِ مُرَادَهُ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُونَ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إنْ كَانَ كَاتِبًا تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ فَيُوَكِّلُ بِهَا مَنْ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ أَوْ يُزَوِّجُهُ ، وَهَذَا مُرَادُ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ وَالْكِتَابَةِ ، وَأَسْقَطَهَا ابْنُ الْمُقْرِي نَظَرًا إلَى تَزْوِيجِهِ لَا إلَى وِلَايَتِهِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ .

وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ .

( وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ ) غَيْرَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُجْبِرًا كَانَ أَوْ لَا ، فُسِّقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ لَا ، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَوْ لَا ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ لِحَدِيثِ : { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ .
وَنَقَلَ ابْنُ دَاوُد عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ : الْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ فِي الْحَدِيثِ الْعَدْلُ ، وَلِأَنَّهُ نَقْصٌ يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ فَيَمْنَعُ الْوِلَايَةَ كَالرِّقِّ ، وَلَا يُرَدُّ سَيِّدُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ كَمَا مَرَّ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ طَرِيقَةً ، أَشْهَرُهَا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَلِي ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَاتٌ ؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ التَّزْوِيجِ فِي عَصْرِ الْأَوَّلِينَ ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبْعِيَّ أَقْوَى مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وُلِّيَ وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ : وَلَا سَبِيلَ إلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ ، إذْ الْفِسْقُ قَدْ عَمَّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالنَّصِّ وَالْحَدِيثِ ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الْحَاكِمِ الْمَرْضِيِّ الْعَالِمِ الْأَهْلِ .
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْجَهَلَةِ وَالْفُسَّاقِ فَكَالْعَدِمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْوَدِيعَةِ وَفِي غَيْرِهَا .
ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ

يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ ، وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ .
أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ ، فَعَلَيْهِ إنَّمَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهُ كَبَنَاتِ غَيْرِهِ ، وَيُزَوِّجُ الْفَاسِقُ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَضُرَّ بِهَا ، وَيُحْتَمَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَالْفِسْقُ يَتَحَقَّقُ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ ، وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا لِأَنَّ بَيْنهمَا وَاسِطَةً ، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى ، وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ ، وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْمَلَكَةُ لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي ، وَأَثْبَتَ غَيْرُهُمَا فِيهِ خِلَافًا ، وَأَصْحَابُ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يَلُونَ كَمَا رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ انْقَطَعَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَةِ وَجْهَيْنِ ، وَحَيْثُ مَنَعْنَا وِلَايَةَ الْفَاسِقِ ، فَقَالَ الْبَغَوِيّ : إذَا تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ ، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ نَحْوَهُ فِي الْعَضْلِ ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وَلِيِّ النِّكَاحِ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرِ فِيهَا الْعَدَالَةُ الْمُتَقَدِّمُ تَعْرِيفُهَا ، وَالِاسْتِبْرَاءُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ بِالتَّزْوِيجِ فِي الْعَضْلِ زَالَ مَا لِأَجْلِهِ عَصَى وَفُسِّقَ قَطْعًا وَبِتَوْبَتِهِ عَنْ فِسْقٍ آخَرَ صَارَ مَسْتُورَ الْعَدَالَةِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي : لَا يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ .

وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ .

( وَيَلِي ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ( الْكَافِرُ ) الْأَصْلِيُّ ( الْكَافِرَةَ ) الْأَصْلِيَّةَ وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا ، فَيُزَوِّجُ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً ، وَالنَّصْرَانِيُّ يَهُودِيَّةً كَالْإِرْثِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [ الْأَنْفَال ] .
وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى ذِمِّيَّةٍ وَبِالْعَكْسِ ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسِّقِ فِي دِينِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْكَافِرَةِ كَالْفَاسِقِ عِنْدَنَا فَلَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَيُزَوِّجُهَا كَمَا تَقَرَّرَ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ وِلَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحْضُ وِلَايَةٍ عَلَى الْغَيْرِ ، فَلَا يُؤَهَّلُ لَهَا الْكَافِرُ وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ كَمَا يُرَاعِي حَظَّ مُوَلِّيَتِهِ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ أَيْضًا فِي تَحْصِينِهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ ، وَصُورَةُ وِلَايَةِ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ : أَنْ يَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ يَهُودِيَّةً فَيَجِيءُ لَهُ مِنْهَا بِنْتٌ ، فَإِذَا بَلَغَتْ خُيِّرَتْ بَيْنَ دَيْنِ أَبِيهَا وَبَيْنَ دَيْنِ أُمِّهَا فَتَخْتَارُ دَيْنَ أُمِّهَا .
تَنْبِيهٌ : : ظَاهِرُ كَلَامِهِ : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْكَافِرَةِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ وَإِنْ صَدَرَ مِنْ قَاضِيهِمْ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَلِي مُطْلَقًا لَا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَا مُرْتَدَّةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَلَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِمِلْكٍ كَمَا لَا يَتَزَوَّجُ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي مُسْلِمَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ كَافِرٍ ، وَلَا مُسْلِمٌ كَافِرَةً ،

وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا .
نَعَمْ لِوَلِيِّ السَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ كَالسَّيِّدِ الْآتِي بَيَانُ حُكْمِهِ ، وَلِلْقَاضِي تَزْوِيجُ الْكَافِرَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ ، وَلِلْمُسْلِمِ تَوْكِيلُ نَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فِي قَبُولِ نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ نِكَاحَهَا لِأَنْفُسِهِمَا لَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُمَا نِكَاحُهَا بِحَالٍ بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِمَا فِي طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا طَلَاقُهَا .
وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِإِسْلَامِهَا وَلَا طَلَاقَ ، وَلِلنَّصْرَانِيِّ وَنَحْوِهِ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ فِي نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ لَا فِي نِكَاحِ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا بِحَالٍ ، وَلِلْمُعْسِرِ تَوْكِيلُ الْمُوسِرِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْمُوسِرَ مِنْ أَهْلِ نِكَاحِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الْحَالِ لِمَعْنًى فِيهِ فَهُوَ كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَكَّلَهُ رَجُلٌ لِيَقْبَلَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ قَدْ مَرَّ أَكْثَرُهَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ .

وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ الزَّوْجَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ ، وَلَا يَنْقُلُ الْوِلَايَةَ فِي الْأَصَحِّ ، فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ ، لَا الْأَبْعَدُ .

( وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ ) مَنْ وُلِّيَ وَلَوْ حَاكِمًا أَوْ زَوْجٌ أَوْ وَكِيلٌ عَنْ أَحَدِهِمَا ( أَوْ الزَّوْجَةِ ) بِنُسُكٍ وَلَوْ فَاسِدًا ( يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ ) لِحَدِيثِ : { الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَالْكَافُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومَةً فِي الثَّانِي ( وَلَا يَنْقُلُ ) الْإِحْرَامُ ( الْوِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ ) لِأَنَّهُ لَا يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ كَمَا يَمْنَعُهُ إحْرَامُ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ ، وَقَوْلُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) يَرْجِعُ لِنَقْلِ الْوِلَايَةِ فَقَطْ ، وَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا ( فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ لَا الْأَبْعَدُ ) لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِحْرَامِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ مَعَ بَقَاءِ الْوِلَايَةِ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ ، وَالثَّانِي يَنْقُلُ لِلْأَبْعَدِ كَالْجُنُونِ ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ .
تَنْبِيهٌ : : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ طُولِهَا وَقِصَرِهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي طَوِيلِهَا كَمَا فِي الْغَيْبَةِ ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْحَلَالِ فِي النِّكَاحِ وَلَا إذْنُ الْمُحْرِمَةِ لِعَبْدِهَا فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كُلَّ مُحْرِمٍ حَتَّى الْإِمَامَ وَالْقَاضِيَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ أَنْ يَصِحَّ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِمَا ، وَيَجُوزُ أَنْ تُزَفَّ إلَى الْمُحْرِمِ زَوْجَتُهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ إحْرَامِهِ ، وَأَنْ تُزَفَّ الْمُحْرِمَةُ إلَى زَوْجِهَا الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ ، وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْمُحْرِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ كَالْإِمْسَاكِ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ : أَوْ الزَّوْجَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ

يَقُولَ أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ الْحَلَالِ ، أَوْ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الْحَلَالِ فَعَقَدَ عَلَى ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ جَبْرًا حَيْثُ نَوَاهُ ، أَوْ بِإِذْنٍ سَابِقٍ لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ .

قُلْت : وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قُلْت ) أَخَذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ ) بَعْدَ تَوْكِيلِهِ فِي التَّزْوِيجِ ( فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ ) الْعَقْدُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ فَفَرْعُهُ أَوْلَى ، وَأَيْضًا الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ ، فَكَأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْمُوَكِّلُ ، وَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِإِحْرَامِ مُوَكِّلِهِ فَيَعْقِدُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ ، وَلَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ وَاخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ هَلْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ ، وَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي تَزْوِيجِهِ ، أَوْ أَذِنَتْ مُحْرِمَةٌ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا صَحَّ ، سَوَاءٌ أَقَالَ وَكِّلْ لِتُزَوَّجَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَمْ أَطْلَقَ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ ، وَإِنْ شَرَطَ صُدُورَ الْعَقْدِ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَلَا الْإِذْنُ ، وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حَلَالًا فِي التَّزْوِيجِ صَحَّ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ وَكِّلْ عَنْ نَفْسِك فَإِنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرُوا مِثْلَهُ فِيمَا إذَا وَكَّلَ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةَ لِتُوَكِّلَ عَنْ نَفْسِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا .
قَالَ شَيْخُنَا : وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ .
ا هـ .
لَكِنَّ كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ مُطْلَقٌ ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ التَّزْوِيجَ بِحَالِ الْإِحْرَامِ فَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ صَحِيحٌ ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِحَالِ الْإِحْرَامِ فَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُحْرِمُ لِلْحَلَالِ زَوِّجْنِي حَالَ إحْرَامِي فَلَمْ يَتَحَرَّرْ بَيْنَهُمَا مَحَلُّ النِّزَاعِ .
فَائِدَةٌ : لَوْ تَزَوَّجَ نَاسِيًا

لِلصَّلَاةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَنِكَاحُهُ ، بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ لَوْ تَزَوَّجَ نَاسِيًا لِلْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَعِبَارَةَ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ .

وَلَوْ غَابَ الْأَقْرَبُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ ، وَدُونَهُمَا لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلِلْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَيَحْتَاطُ الْوَكِيلُ فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ ، وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ إنْ قَالَتْ لَهُ وَكِّلْ وَكَّلَ ، وَإِنْ نَهَتْهُ فَلَا ، وَإِنْ قَالَتْ زَوِّجْنِي فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ وَكَّلَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ ، وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا ، فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ .

( وَلَوْ غَابَ ) الْوَلِيُّ ( الْأَقْرَبُ ) نَسَبًا أَوْ وَلَاءً ( إلَى مَرْحَلَتَيْنِ ) وَلَا وَكِيلَ لَهُ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ ، أَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( زَوَّجَ السُّلْطَانُ ) أَيْ سُلْطَانُ بَلَدِهَا أَوْ نَائِبُهُ لَا سُلْطَانُ غَيْرِ بَلَدِهَا وَلَا الْأَبْعَدُ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ وَلِيٌّ وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهُ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ ، وَقِيلَ : يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ كَالْجُنُونِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَالْأَوْلَى : لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ أَوْ يَسْتَأْذِنَهُ فَيُزَوِّجَ الْقَاضِي لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ( وَدُونَهُمَا ) أَيْ الْمَرْحَلَتَيْنِ ( لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ ) لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ فَيُرَاجَعُ فَيَحْضُرُ أَوْ يُوَكِّلُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا .
وَالثَّانِي : يُزَوِّجُ لِئَلَّا تَتَضَرَّرَ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ كَالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ جَازَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ فِي سِجْنِ السُّلْطَانِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ ، وَيُزَوِّجُ الْقَاضِي أَيْضًا عَنْ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ ، لِتَعَذُّرِ نِكَاحِهَا مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا عَضَلَ ، هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ وَإِلَّا زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ ، وَلِلْقَاضِي التَّعْوِيلُ عَلَى دَعْوَاهَا غَيْبَةَ وَلِيِّهَا ، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا شَهَادَةُ مُطَّلِعٍ عَلَى بَاطِنِ أَحْوَالِهَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ اسْتِحْبَابَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَلَحَّتْ فِي الْمُطَالَبَةِ وَرَأَى الْقَاضِي التَّأْخِيرَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا لَهُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا

لِلْأَنْكِحَةِ ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا أَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ لِلْغَائِبِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنٍ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُزَوِّجْهَا فِي الْغَيْبَةِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْيَمِينِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِدَعْوَى هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ ؟ وَجْهَانِ وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ وَلِيِّهِ ثُمَّ قَدِمَ وَقَالَ : كُنْتُ زَوَّجْتُهَا فِي الْغَيْبَةِ قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ ، وَيُفَارَقُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْغَائِبِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَقَدِمَ وَادَّعَى بَيْعَهُ حَيْثُ يُقَدَّمُ بَيْعُ الْمَالِكِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِي النِّكَاحِ كَوَلِيٍّ آخَرَ ، وَلَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى سَبْقَهُ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُوَكِّلُ سَبْقَهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي النِّهَايَةِ ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَلِيُّ بَيِّنَةً بِسَبْقِهِ قَدَّمَ نِكَاحَهُ .
وَسَيَأْتِي بَقِيَّةَ التَّفْصِيلِ فِي الْوَلِيَّيْنِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا ( وَلِلْمُجْبِرِ ) لِمُوَلِّيَتِهِ ( التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ ) مِنْهَا ( بِغَيْرِ إذْنِهَا ) كَمَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا ، لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهَا وَيَكْفِي سُكُوتُهَا ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي جَوَازِ تَوْكِيلِ الْمُجْبِرِ ( تَعْيِينُ الزَّوْجِ ) لِلْوَكِيلِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْيِينَ فِي التَّوْكِيلِ فَيَمْلِكُ الْإِطْلَاقَ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ شَفَقَةٌ تَدْعُوهُ إلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ شَفَقَةَ الْوَلِيِّ تَدْعُوهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِنَظَرِهِ وَاخْتِيَارِهِ ( وَيَحْتَاطُ ) حَتْمًا ( الْوَكِيلُ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِالْكُفْءِ ، وَلَا كُفْءَ مَعَ طَلَبِ أَكْفَأَ مِنْهُ ، فَإِنْ زَوَّجَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ ( وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ ) لِكَوْنِهِ

غَيْرَ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا ( إنْ قَالَتْ لَهُ : وَكِّلْ وَكَّلَ ) يَتَنَاوَلُ كَلَامُهُ ثَلَاثَ صُوَرٍ : الْأُولَى : قَالَتْ لَهُ : زَوِّجْ وَوَكِّلْ فَلَهُ الْأَمْرَانِ جَزْمًا .
الثَّانِيَةُ : قَالَتْ لَهُ : وَكِّلْ وَسَكَتَتْ عَنْ التَّزْوِيجِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ جَزْمًا ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَهُ ذَلِكَ .
الثَّالِثَةُ : أَذِنَتْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ وَنَهَتْهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِنَفْسِهِ ، ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْإِذْنِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْإِذْنُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ الْوَلِيَّ وَرَدَّتْ التَّزْوِيجَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فَأَشْبَهَ التَّفْوِيضَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً ( وَإِنْ ) أَذِنَتْ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ ، وَ ( نَهَتْهُ ) عَنْ التَّوْكِيلِ ( فَلَا ) يُوَكِّلُ ، وَنَفَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ عَمَلًا بِإِذْنِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَوَّجُ بِالْإِذْنِ وَلَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِ الْوَكِيلِ بَلْ نَهَتْ عَنْهُ ( وَإِنْ قَالَتْ ) لَهُ ( زَوِّجْنِي ) سَاكِتَةً عَنْ التَّوْكِيلِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ ( فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ مُتَصَرِّفٌ بِالْوِلَايَةِ فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّ وَالْقَيِّمَ وَهُمَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ إذْنٍ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ وَهُوَ وِلَايَتُهُ أَصْلِيَّةٌ بِالشَّرْعِ ، وَإِذْنُهَا فِي التَّزْوِيجِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقَدْ حَصَلَ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ فَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ كَالْوَكِيلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ لِلْوَكِيلِ ، فَإِنْ عَيَّنَتْ فِي إذْنِهَا لِلْوَلِيِّ شَخْصًا وَجَبَ تَعْيِينُهُ لِلْوَكِيلِ فِي التَّوْكِيلِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ، وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمُعَيَّنِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ التَّفْوِيضَ الْمُطْلَقَ مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مُعَيَّنٌ فَاسِدٌ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الطِّفْلِ لِلْوَكِيلِ بِعْ مَالَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِفَسَادِ صِيغَةِ

التَّفْوِيضِ ( وَلَوْ وَكَّلَ ) غَيْرُ الْمُجْبِرِ ( قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ ) التَّوْكِيلُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي تَزْوِيجَهَا بِشَرْطِ الْإِذْنِ فَلَهُ تَفْوِيضُ مَالِهِ لِغَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ إذْنِهَا ؛ لِأَنَّ اسْتِئْذَانَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَوْ أَذِنَتْ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَوَكَّلَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةُ ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْفُضُولِيُّ وَكَانَ وَكِيلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ سِوَى الْحَاكِمِ وَأَمَرَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا قَبْلَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا صَحَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِنَابَةَ الْحَاكِمِ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةٍ تَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِخْلَافِ ، وَلَوْ قَالَتْ لِلْقَاضِي : أَذِنْت لِأَخِي أَنْ يَزَوَّجَنِي ، فَإِنْ عَضَلَ فَزَوِّجْنِي هَلْ يَصِحُّ الْإِذْنُ أَوْ لَا ؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْبُطْلَانُ ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُجْبِرُ رَجُلًا ثُمَّ زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ قَبْلَ التَّزْوِيجِ هَلْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَوْ لَا ؟ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنٍ ، الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي النِّكَاحِ : تَزَوَّجْ لِي فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَكَانَ فُلَانٌ وَلِيَّهَا لِفِسْقِ أَبِيهَا ثُمَّ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ ، أَوْ قَالَ لَهُ زَوِّجْنِيهَا مِنْ أَبِيهَا فَمَاتَ الْأَبُ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ مَثَلًا هَلْ لِلْوَكِيلِ تَزْوِيجُهَا مِمَّنْ صَارَ وَلِيًّا ؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَنْعُ ( وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ ) لِلزَّوْجِ ( زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ ) أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا فَيُقْبَلُ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِنْتَ فُلَانٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى اسْمِ الْأَبِ ، وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَتْ مُمَيَّزَةً بِذِكْرِ الْأَبِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ

أَنْ يَذْكُرَ صِفَتَهَا وَيَرْفَعَ نَسَبَهَا إلَى أَنْ يَنْتَفِيَ الِاشْتِرَاكُ كَمَا يُؤْخَذْ مِنْ كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ ( وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا ) أَيْ مُوَكِّلَهُ ( فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ ) فَإِنْ تَرَكَ لَفْظَةَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ : قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَحَلُّ الِاكْتِفَاءُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ وَالزَّوْجُ الْوَكَالَةَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ إذَا عَلِمَهَا الشُّهُودُ وَالْوَلِيُّ وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى التَّصْرِيحِ فِيهِمَا .
تَنْبِيهٌ : : قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فَيَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ كَقَوْلِ وَكِيلِ الزَّوْجِ : قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْكَ لِفُلَانٍ فَيَقُولُ الْوَلِيُّ زَوَّجْتُهَا لَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْجَوَازُ وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ .
.

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَقَالَ : قَبِلْت نِكَاحَهَا لِمُوَكِّلِي لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ ، فَإِنْ قَالَ : قَبِلْت نِكَاحَهَا وَسَكَتَ انْعَقَدَ لَهُ ، وَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ هُنَا بِمَثَابَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلَ لِلْمُوَكِّلِ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ عَلَى الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ ، وَإِنْكَارُ الْمُوَكِّلِ فِي نِكَاحِهِ لِلْوَكَالَةِ يُبْطِلُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِوُقُوعِهِ لِلْوَكِيلِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ، وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ : زَوَّجْت فُلَانَةَ فُلَانًا ، فَيَقُولُ وَكِيلُ الزَّوْجِ : قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ وَلَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ : قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْك لِفُلَانٍ .
فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ : زَوَّجْتُهَا فُلَانًا صَحَّ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ اقْتَصَرَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ عَلَى قَوْلِهِ : زَوَّجْتهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْقَبُولِ ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِابْنِهِ بِالْوِلَايَةِ فَلْيَقُلْ لَهُ الْوَلِيُّ : زَوَّجْت فُلَانَةَ بِابْنِك ، فَيَقُولُ الْأَبُ : قَبِلْت نِكَاحَهَا لِابْنِي ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْكِيلِ بِقَبُولِ النِّكَاحِ أَوْ إيجَابِهِ ذِكْرُ الْمَهْرِ ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّوْجُ فَيَعْقِدُ لَهُ وَكِيلُهُ عَلَى مَنْ يُكَافِئُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَا دُونَهُ ، فَإِنْ عَقَدَ بِمَا فَوْقَهُ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرِهِ فِي الْخُلْعِ ، خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ جَزْمِهِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ، وَإِنْ عَقَدَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ بِدُونِ مَا قَدَّرَ لَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ ، وَإِنْ عَقَدَ وَكِيلُ

الزَّوْجِ بِأَكْثَرِ مِمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الزَّوْجُ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْجَزْمِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ : زَوِّجْهَا بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ بِالْمَهْرِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ لَمْ يَنْعَقِدْ تَزْوِيجُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : زَوِّجْهَا بِكَذَا وَخُذْ بِهِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا فَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَيْعِ فِيهِمَا .

وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَرْأَةَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ لَمْ يَصِفْهُ بَلْ أَوْلَى ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : زَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ عَامٌّ ، وَمَا ذَكَرَ مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى فَرْدٍ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ لِمَا فِي إلْزَامِ الزَّوْجِ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا كَذَلِكَ هِيَ ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِعَبْدِك هَذَا مَثَلًا فَفَعَلَ صَحَّ وَمَلَكَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ قَرْضٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا .

وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ ، لَا صَغِيرَةٍ وَصَغِيرٍ .

( وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ ) وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ بِنَصْبِ الْمُجْبِرِ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا ( تَزْوِيجُ ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ ( مَجْنُونَةٍ ) أَطْبَقَ جُنُونُهَا ( بَالِغَةٍ ) مُحْتَاجَةٍ وَلَوْ ثَيِّبًا لِاكْتِسَابِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ ، وَرُبَّمَا كَانَ جُنُونُهَا لِشِدَّةِ الشَّبَقِ ( وَمَجْنُونٍ ) بَالِغٍ أَطْبَقَ جُنُونُهُ وَ ( ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ ) لِلنِّكَاحِ بِظُهُورِ رَغْبَتِهِ فِيهِ ، إمَّا بِدَوَرَانِهِ حَوْلَ النِّسَاءِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ أَوْ بِتَوَقُّعِ شِفَائِهِ بِالْوَطْءِ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا لَمْ يُزَوِّجْهُمَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْبِكْرِ وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ يُزَوَّجَانِ بِكِبَرٍ لِحَاجَةٍ لَكَانَ أَوْلَى ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَهَا يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَتَزْوِيجَهُ يُغْرِمُهُ إيَّاهُمَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ إذْ وُجُودُ الْحَاجَةِ كَافٍ فِيهِمَا ، وَلِذَا عَبَّرَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ بِمَا قُلْتُهُ ، وَاعْتَذَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْبُلُوغَ مَظِنَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمَجْنُونَ بِالْبُلُوغِ لِدَلَالَةِ الْحَاجَةِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالِاحْتِبَاكِ وَهُوَ أَنْ يُحْذَفْ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ مَا أُثْبِتَ آخِرَهُ وَعَكْسُهُ فَحَذَفَ ظُهُورَ الْحَاجَةِ فِي الْمَجْنُونَةِ وَأَثْبَتَ الْبُلُوغَ فِيهَا وَحَذَفَ الْبُلُوغَ فِي الْمَجْنُونِ وَذَكَرَ الْحَاجَةَ فِيهِ ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى : { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أَيْ مُؤْمِنَةٌ ، { وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } أَيْ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ وَجَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ لِأَنَّ

ذَلِكَ فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ لَهُ وَهَذَا فِي لُزُومِهِ وَلَوْ احْتَاجَ مَجْنُونٌ إلَى مَنْ يَخْدِمَهُ وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَقُومُ بِخِدْمَتِهِ ، وَمُؤَنُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ شِرَاءِ أَمَةٍ وَمُؤْنَتِهَا فَإِنَّهُ يُزَوَّجُ نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قِيلَ : الزَّوْجَةُ لَا يَلْزَمُهَا خِدْمَةُ زَوْجِهَا وَإِنْ وَعَدَتْ رُبَّمَا لَا تَفِي .
أُجِيبَ بِأَنَّ طَبْعَهَا يَدْعُوهَا إلَى خِدْمَتِهِ وَالْوَازِعُ الطَّبَعِيُّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَ ( لَا ) يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ ( صَغِيرَةٍ وَ ) لَا ( صَغِيرٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَا عَاقِلَيْنِ أَمْ مَجْنُونَيْنِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فِي الْحَالِ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَازِ ، وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الثَّيِّبَ الْعَاقِلَةَ لَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ كَمَا مَرَّ .

وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ وَغَيْرَهُ إنْ تَعَيَّنَ إجَابَةُ مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَإِخْوَةٍ فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ ( وَغَيْرُهُ إنْ تَعَيَّنَ ) كَأَخٍ وَاحِدٍ أَوْ عَمٍّ ( إجَابَةُ ) بِالرَّفْعِ ( مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ ) الْبَالِغَةِ إنْ دَعَتْ إلَى كُفْءٍ تَحْصِينًا لَهَا ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَثِمَ كَالْقَاضِي أَوْ الشَّاهِدِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَوْ الشَّهَادَةُ وَامْتَنَعَ ، وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَلَا يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِتَزْوِيجِ الْحَاكِمِ ( فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) غَيْرُ الْمُجْبِرِ ( كَإِخْوَةٍ ) أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ ( فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ ) التَّزْوِيجَ ( لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ ) إلَيْهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ فَلَا يَعْفُوهَا ، وَالثَّانِي : الْمَنْعُ لِإِمْكَانِهِ بِغَيْرِهِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الشُّهُودِ إذَا طُلِبَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ ، وَقَضِيَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ عَاضِلًا فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يُزَوِّجُ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ آخَرَ فِي دَرَجَةِ الْمُمْتَنِعِ ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ هُنَا بِإِذْنِهِمْ ، وَيَنْبَغِي ضَبْطُ مُدَّةُ الْمُرَاجَعَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ .
ا هـ .
وَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِلرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ إنَّمَا يُزَوِّجُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْجَمِيعِ وَتَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ الْعَضْلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ .

وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ بِرِضَاهُمْ فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ ، فَلَوْ زَوَّجَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ زَيْدًا وَآخَرُ عَمْرًا ، فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ فَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ فَبَاطِلَانِ ، وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ، فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ حُلِّفَتْ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَسَمَاعُ دَعْوَى الْآخَرِ ، وَتَحْلِيفُهَا لَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَالَ : هَذَا لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو إنْ قُلْنَا نَعَمْ ، فَنَعَمْ .

( وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ ) مِنْ النَّسَبِ ( فِي دَرَجَةٍ ) وَرُتْبَةٍ كَإِخْوَةٍ أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ أَعْمَامٍ كَذَلِكَ وَأَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ ، أَوْ قَالَتْ : أَذِنْت فِي فُلَانٍ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُزَوِّجْنِي مِنْهُ ( اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ ) بِبَابِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِشَرَائِطِهِ وَبَعْدَهُ أَوْرَعُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ وَأَحْرَصُ عَلَى طَلَبِ الْحَظِّ ( وَ ) بَعْدَهُ ( أَسَنُّهُمْ ) لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ ( بِرِضَاهُمْ ) أَيْ رِضَا الْبَاقِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ لِلْمَصْلَحَةِ لِتَجْتَمِعَ الْآرَاءُ وَلَا يَتَشَوَّشُ بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْثَارِ بَعْضٍ ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْمَفْضُولُ بِرِضَاهَا بِكُفْءٍ صَحَّ وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْبَاقِينَ أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَجْتَمِعُوا ، وَلَوْ عَيَّنَتْ بَعْدَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ وَاحِدًا لَمْ يَنْعَزِلْ الْبَاقُونَ ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ لَمْ يُزَوِّجْ غَيْرُهُ ، وَلَوْ قَالَتْ : زَوِّجُونِي اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْأَصَحِّ ، أَمَّا أَوْلِيَاءُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ بِوَكَالَةٍ ، نَعَمْ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ كَالْأَقَارِبِ ( فَإِنْ تَشَاحُّوا ) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ : أَنَا أُزَوِّجُ وَلَمْ يَرْضَوْا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَاتَّحَدَ الْخَاطِبُ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمْ وُجُوبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ زَوَّجَ وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ ، أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْخَاطِبُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْجَمِيعِ أَمَرَ الْقَاضِي بِتَزْوِيجِهَا مِنْ الْأَصْلَحِ لَهَا مِنْهُمْ أَيْ بَعْدَ تَعْيِينِهِ ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْقُضَاةِ عَلَى أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمْ بِتَزْوِيجِهَا فَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يُزَوِّجُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الِانْفِرَادِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ فَلْيُبَادِرْ إلَى التَّصَرُّفِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّ

الَّذِي يُقْرِعُ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ السُّلْطَانُ .
وَقَالَ ابْنُ دَاوُد : يُنْدَبُ أَنْ يُقْرِعَ السُّلْطَانُ ، فَإِنْ أَقْرَعَ غَيْرُهُ جَازَ وَهَذَا أَوْجَهُ ( فَلَوْ زَوَّجَ ) هَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ ( غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ) أَنْ يُزَوِّجَهَا ( صَحَّ ) تَزْوِيجُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِلْإِذْنِ فِيهِ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِيَكُونَ لِلْقُرْعَةِ فَائِدَةٌ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا قَطْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ لَا سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ لَمْ تَخْرُجْ لَهُ ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لِأَحَدِهِمْ مَا لَوْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَزَوَّجَ مَعَ التَّنَازُعِ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا بِلَا كَرَاهَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُمَيِّزُ حَقَّ الْوِلَايَةِ بِغَيْرِهِ ، وَبِقَوْلِهِ : وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا لَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ فَزَوَّجَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا كَمَا مَرَّ ( وَلَوْ ) أَذِنَتْ لَهُمْ فِي التَّزْوِيجِ وَ ( زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ ) أَيْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ ( زَيْدًا ) وَهُوَ كُفْءٌ ( وَآخَرُ عَمْرًا ) كَذَلِكَ أَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ زَيْدٍ ، وَالْآخَرُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ عَمْرٍو فَزَوَّجَاهَا أَوْ وَكَّلَ الْمُجْبِرُ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِزَيْدٍ ، وَالْوَكِيلُ عَمْرًا أَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فَزَوَّجَاهَا مِنْ كُفْأَيْنِ ، فَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ ، شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ : ( فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ تَصَادُقٍ مُعْتَبَرٍ ( فَهُوَ الصَّحِيحُ ) وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الْمَسْبُوقُ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ثَانِيهَا بِقَوْلِهِ : ( وَإِنْ وَقَعَا ) أَيْ التَّزْوِيجَانِ ( مَعًا ) وَتَعَدَّدَ الْخَاطِبُ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ ( أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ ) فِيهِمَا ( فَبَاطِلَانِ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْتَنِعٌ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُهُمَا ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُمَا إنْ

وَقَعَا مَعًا تَدَافَعَا أَوْ مُرَتَّبًا فَلَا اطِّلَاعَ عَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إمْضَاءُ الْعَقْدِ لَغَا ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ ، فَإِنْ اتَّحَدَ الْخَاطِبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِأَنْ أَوْجَبَ كُلٌّ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ لَهُ مَعًا صَحَّ وَيُقْبَلُ كُلٌّ مِنْ الْإِيجَابَيْنِ ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي : فَسَخْت السَّابِقَ مِنْهُمَا أَوْ يَأْمُرُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا بِالتَّطْلِيقِ لِيَكُونَ نِكَاحُهَا بَعْدُ عَلَى يَقِينِ الصِّحَّةِ ، وَيُثْبِتُ لِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ .
قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي رَابِعِهَا بِقَوْلِهِ ( وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ : التَّزْوِيجَيْنِ ( وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ) بِأَنْ آيِسَ مِنْ تَعْيِينِهِ وَلَمْ تُرْجَ مَعْرِفَتُهُ فَبَاطِلَانِ أَيْضًا ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) أَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ .
أَحَدُهُمَا : هَذَا ، وَالثَّانِي مَخْرَجٌ مِنْ نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمُعَتَيْنِ : أَنَّهُ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فَإِنْ رُجِيَ مَعْرِفَتُهُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النِّكَاحَيْنِ يَبْطُلَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِيمَا إذَا عُلِمَ السَّبْقُ دُونَ السَّابِقِ وَعِنْدَ جَهْلِ السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : الْأَصَحُّ إنْ جَرَى فَسْخٌ مِنْ الْحَاكِمِ فُسِخَ بَاطِنًا وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْعِوَضُ عَادَ إلَيْهَا الْمُعَوَّضُ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخِ الْحَاكِمِ مِلْكًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، ثُمَّ شَرَعَ فِي خَامِسِهَا بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ ) بِالْآخَرِ ( وَجَبَ التَّوَقُّفُ

حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) السَّابِقُ لِجَوَازِ التَّذَكُّرِ ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ فَيَمْتَنِعَانِ مِنْهَا ، فَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا ، وَلَا تَنْكِحُ غَيْرَهُمَا إلَّا بِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُمَا بِأَنْ يُطَلِّقَاهَا أَوْ يَمُوتَا أَوْ يُطَلِّقَهَا أَحَدُهُمَا وَيَمُوتَ الْآخَرُ ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ مَوْتِ آخِرِهِمَا ، وَلَا يُبَالَى بِطُولِ ضَرَرِهَا كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ ، وَاَلَّذِي انْقَطَعَ دَمُهَا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ مَعَ الضَّرَرِ ، وَلَهَا طَلَبُ فَسْخِ نِكَاحِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَضَرُّرِهَا بِسَبَبِ التَّوَقُّفِ لِلْإِشْكَالِ كَالْعَيْبِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَا كُفْأَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ ، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ كُفْأَيْنِ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ أَوْ أَحَدُهُمَا كُفْئًا فَنِكَاحُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ تَأَخَّرَ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرْضَوْا بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فَمَاتَ فِي مُدَّتِهِ أَحَدُهُمَا وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ مِيرَاثُ زَوْجَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَإِلَّا فَحِصَّتُهَا مِنْ الرُّبْعِ أَوْ الثُّمُنِ أَوْ مَاتَتْ هِيَ وُقِفَ مِيرَاثُ زَوْجٍ إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ ، وَلَا يُطَالِبُ أَحَدُهُمَا بِالْمَهْرِ لِلْإِشْكَالِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْزَامِ مَهْرَيْنِ وَلَا إلَى قِسْمَةِ مَهْرٍ عَلَيْهِمَا ، وَفِي مُطَالَبَتِهَا بِالنَّفَقَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ لَا ، لِعَدَمِ التَّمْكِينِ ، وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ ، وَحَبْسُهَا لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِمَا ، وَعِنْدَ ابْنِ كَجٍّ وَغَيْرِهِ نَعَمْ لِصُورَةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ النُّشُوزِ مَعَ حَبْسِهَا ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ ، وَعَلَى الْوُجُوبِ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَعَيَّنَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَقَدْ اتَّفَقَا لَمْ يَرْجِعْ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا

أَنْفَقَ إلَّا إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ ، وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي ، وَوَجَّهَهُ شَيْخِي بِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ ، وَاللَّازِمُ لِلشَّخْصِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ، وَمَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ عِنْدَ اعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِشْكَالِ ( فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ ) مِنْهُمَا عَلَيْهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ ، وَكُلٌّ كُفْءٌ كَمَا مَرَّ أَوْ عِنْدَ إسْقَاطِ الْكَفَاءَةِ ( عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ ) أَيْ سَبْقِ نِكَاحِهِ مُعَيَّنًا ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى ( سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ حَقَّاهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا لَمْ تُسْمَعْ ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِسَبْقِهِ : أَيْ سَبْقِ نِكَاحِهِ مَا إذَا ادَّعَيَا عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ سَبْقَ أَحَدِ النِّكَاحَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ أَيْضًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّعِي .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُسْمَعُ لِلْحَاجَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ أَيْ عَلَيْهَا كَمَا قَدَّرْته ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَيُفْهِمُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ عِلْمَهَا ، وَخَرَجَ بِهِ دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا تُسْمَعُ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ ، فَلَيْسَ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ ، وَذِكْرُ الْحُرَّةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالزَّوْجَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ مُطْلَقًا ، وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا الدَّعْوَى عَلَى الْوَلِيِّ ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ مُجْبِرًا سُمِعَتْ ، وَيَحْلِفُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ ، ثُمَّ إنْ

حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي مِنْهُمَا تَحْلِيفُ الثَّيِّبِ أَيْضًا بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهَا ، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَثَبَتَ نِكَاحُهُ ، وَكَذَا إنْ أَقَرَّتْ لَهُ ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا حَلِفُ الْوَلِيِّ ( فَإِنْ أَنْكَرَتْ ) عِلْمَهَا بِهِ ( حُلِّفَتْ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهَا يَمِينٌ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمَا قَالَهُ الْجُورِيُّ عَنْ النَّصِّ .
وَأَمَّا إقْرَارُ الْخَرْسَاءِ فَسَيَأْتِي .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءِ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينٌ وَإِنْ رَضِيَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ ، وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ ، وَلَوْ حَلَّفَهَا الْحَاضِرُ فَهَلْ لِلْغَائِبِ تَحْلِيفُهَا لِتَمَيُّزِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ وَاحِدَةٌ ، وَجْهَانِ ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرْجِيحِ مَا مَرَّ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا حَلَفَتْ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ وَلَا تَارِيخَ الْعَقْدَيْنِ ، فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ تَعَيَّنَ الْحَلِفُ لِلثَّانِي وَأَجْرَى هَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ خَصْمَيْنِ يَدَّعِيَانِ شَيْئًا وَاحِدًا ، وَإِذَا حَلَفَتْ لَهُمَا بَقِيَ الْإِشْكَالُ ، وَفِي بَقَاءِ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ .
أَحَدُهُمَا : لَا ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ كَمَا حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَرَّحَ كَغَيْرِهِ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ النِّكَاحَيْنِ ، وَثَانِيهِمَا : نَعَمْ ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا حَلَفَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي جَرَيَانَ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ ، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ رَبْطِ الدَّعْوَى بِهَا ، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخِي

أَوْجَهُ ، فَإِنْ رَدَّتْ عَلَيْهِمَا الْيَمِينَ فَحَلَفَا أَوْ نَكَلَا بَقِيَ الْإِشْكَالُ ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنْ يُقَالَ : فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا كَمَا لَوْ اعْتَرَفَا بِالْإِشْكَالِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبَهْجَةِ .
وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ نِكَاحُهُ ، وَيَحْلِفَانِ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّهُمَا يَحْلِفَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ ( وَ ) عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا ( إنْ أَقَرَّتْ ) بِالسَّبْقِ ( لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ ) مِنْهَا بِإِقْرَارِهَا ، وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْخَرْسَاءِ وَشَبَهِهَا بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ بِسَبْقِ نِكَاحِ أَحَدِهِمَا ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا ، وَالْحَالُ حَالُ الْإِشْكَالِ ( وَ ) أَمَّا ( سَمَاعُ دَعْوَى ) الزَّوْجِ ( الْآخَرِ ) عَلَيْهَا ( وَتَحْلِيفُهَا لَهُ ) فَإِنَّهُ ( يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ ) السَّابِقَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ ( فِيمَنْ ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ ( قَالَ ) فِي إقْرَارِهِ ( هَذَا ) الْمَالُ ( لِزَيْدٍ ) لَا ( بَلْ ) هُوَ ( لِعَمْرٍو ، هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو ) وَهُوَ مَنْ وَضَعَ الْمُظْهَرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ ( إنْ قُلْنَا نَعَمْ ) أَيْ يَغْرَمُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ هُنَاكَ ( فَنَعَمْ ) أَيْ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى ، وَلَهُ التَّحْلِيفُ رَجَاءَ أَنْ تُقِرَّ فَيُغَرِّمُهَا مَهْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزَّوْجِيَّةُ ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ غَرِمَتْ لَهُ مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا غُرْمَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لَهُمَا مَعًا فَهُوَ لَغْوٌ .
فَرْعَانِ : أَحَدُهُمَا : قَوْلُهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَسْبِقْ نِكَاحَك إقْرَارٌ مِنْهَا لِلْآخَرِ إنْ اعْتَرَفَتْ قَبْلَهُ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَا مَعًا ، فَلَا تَكُونُ مُقِرَّةً بِسَبْقِ الْعَقْدِ الْآخَرِ .
ثَانِيهُمَا : إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسَّبْقِ وَلَا لِعِلْمِهَا بِهِ وَادَّعَيَا عَلَيْهَا

الزَّوْجِيَّةَ وَفَصَّلَا الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لَزِمَهَا الْحَلِفُ الْجَازِمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ تَحْلِفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ ، وَلَا يَكْفِيهَا الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ ، وَيَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إنْ لَمْ تَعْلَمْ سَبْقَهُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ يُجَوِّزُ لَهَا الْحَلِفَ الْجَازِمَ .
.

وَلَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الْجَدُّ عَنْ الْأَبِ ، فَقَالَ : ( وَلَوْ تَوَلَّى ) جَدٌّ ( طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ) لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ كَالْبَيْعِ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْإِنْسَانِ مَعَ نَفْسِهِ لَا يَنْتَظِمُ ، وَلِخَبَرِ : { كُلُّ نِكَاحٍ لَا يَحْضُرُهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ .
تَنْبِيهٌ : : لِلْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ شُرُوطٌ : الْأَوَّلُ : أَنْ لَا يَكُونَ أَبُو الْوَلَدِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ ، وَأَنْ يَكُونَ ابْنُ الِابْنِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، وَأَنْ تَكُونَ بِنْتُ الِابْنِ بِكْرًا أَوْ مَجْنُونَةً ، فَاسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ مُجْبِرًا ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَا يَجُوزُ فِي بِنْتِ ابْنِهِ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى .
وَقِيلَ : يَكْفِي الْإِيجَابُ ، وَشَرَطَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَابْنُ مَعِينٍ فِي التَّنْقِيبِ أَنْ يَقُولَ وَقَبِلْت بِالْوَاوِ نِكَاحَهَا ، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَصِحَّ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ .
ا هـ .
وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي رَأْيٌ مَرْجُوحٌ .
.

فُرُوعٌ : مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إلَّا الْحَاكِمُ إذَا زَوَّجَهَا لِمَجْنُونٍ وَنَصَبَ مَنْ يَقْبَلُ وَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَفِي الْبَحْرِ : لَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَزْوِيجَ مَجْنُونَةٍ بِمَجْنُونٍ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَلَا يُحْتَمَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ غَيْرُهُ ، وَلِلْعَمِّ تَزْوِيجُ بِنْتِ أَخِيهِ بِابْنِهِ الْبَالِغِ ، وَلِابْنِ الْعَمِّ تَزْوِيجُ بِنْتِ عَمِّهِ بِابْنِهِ الْبَالِغِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ ، فَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا بِابْنِهِ الطِّفْلِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ ، وَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ الْجُدُودَةِ ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الصَّبْرُ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَيُقْبَلُ بَلْ يَقْبَلُ لَهُ أَبُوهُ وَالْحَاكِمُ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ كَالْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ ، وَلَوْ تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي تَزْوِيجِ عَبْدِهِ بِأَمَتِهِ إنْ قِيلَ لَهُ إجْبَارُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَالْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .

وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ نَفْسَهُ بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ فِي دَرَجَتِهِ ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْقَاضِي ، فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي ، نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ خَلِيفَتُهُ ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكَّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ ) وَنَحْوُهُ كَمُعْتِقٍ وَعَصَبَتِهِ ( نَفْسَهُ ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ ( بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ ) لَهُ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ ( فِي دَرَجَتِهِ ) بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهَا ، فَإِذَا كَانَ ابْنُ الْعَمِّ شَقِيقًا وَلَهُ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا شَقِيقٌ وَالْآخَرُ لِأَبٍ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْأَوَّلُ ، هَذَا إنْ وُجِدَ ( فَإِنْ فُقِدَ ) مَنْ فِي دَرَجَتِهِ حِسًّا أَوْ حُكْمًا كَأَنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ شَقِيقًا وَمَعَهُ آخَرُ لِأَبٍ ( فَالْقَاضِي ) أَيْ قَاضِي بَلَدِهَا لَا قَاضِي بَلَدِهِ يُزَوِّجُهُ فِي الْأَصَحِّ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ ، وَلَوْ قَالَتْ لِابْنِ عَمِّهَا أَوْ لِمُعْتَقِهَا : زَوِّجْنِي مِنْ نَفْسِك زَوَّجَهُ الْقَاضِي بِهَذَا الْإِذْنِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، لَا إنْ قَالَتْ : زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت أَوْ زَوِّجْنِي ( فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ) مُخْتَصًّا بِهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَلِّيهِ بِقَبُولِهِ لَهُ ( زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ ) كَالسُّلْطَانِ أَوْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ( مِنْ الْوُلَاةِ ) فِي بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي عَمَلِ ذَلِكَ الْقَاضِي ( أَوْ خَلِيفَتِهِ ) لِأَنَّ حُكْمَهُ نَافِذٌ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ نُقِلَ عَنْ ابْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ ، وَفَعَلَهُ حِينَ كَانَ قَاضِيًا بِدِمَشْقَ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِهِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَزْوِيجِ الْقَاضِي الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَمَحْجُورَهُ فَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ كَمَا يُزَوَّجُ خَلِيفَةُ الْقَاضِي مِنْ الْقَاضِي ( وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ ) غَيْرِ الْجَدِّ ( تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا ) وَيَتَوَلَّى الطَّرَفُ الْآخَرِ ( أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا ) أَيْ وَاحِدٍ فِي الْإِيجَابِ وَآخَرَ فِي الْقَبُولِ فَيَتَوَلَّيَاهُ لَمْ يَجُزْ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ خَلِيفَةِ الْقَاضِي

لَهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوِلَايَةِ ، وَالثَّانِي : يَجُوزُ لِانْعِقَادِهِ بِأَرْبَعَةٍ تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ الْجَدَّ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُ تَعَاطِيَهُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَنْعُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ فِعْلِ الشَّخْصِ لِشَيْءٍ جَوَازُ تَوْكِيلِهِ فِيهِ .
نَعَمْ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ صَحَّ .

فَصْلٌ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ صَحَّ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ لَمْ يَصِحَّ ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ ، وَلَهُمْ الْفَسْخُ ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَفِي الْأَظْهَرِ بَاطِلٌ ، وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ ، وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ ، وَلِلصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ ، وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ .

فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّكَاحِ دَفْعًا لِلْعَارِ ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ ، بَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ فَلَهُمَا إسْقَاطُهَا ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا ( زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ ) الْمُنْفَرِدُ كَأَبٍ أَوْ عَمٍّ ( غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ ) زَوَّجَهَا ( بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ ) كَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ ( بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ ) مِمَّنْ فِي دَرَجَتِهِ غَيْرَ كُفْءٍ ( صَحَّ ) التَّزْوِيجُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّهَا وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ ، وَاحْتَجَّ لَهُ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ بَنَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا أَحَدَ يُكَافِئُهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : إلَّا أَنْ يُقَالَ : إنَّ ذَلِكَ جَازَ لِلضَّرُورَةِ لِأَجْلِ نَسْلِهِنَّ وَمَا حَصَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ كَمَا جَازَ لِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزْوِيجُ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ .
ا هـ .
{ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهِيَ هَالَةُ كَانَتْ تَحْتَ بِلَالٍ ، وَهُوَ مَوْلًى لِلصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : " أَنَّ الْمِقْدَادَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَزَوَّجَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ قُرَشِيَّةً " وَالْمِقْدَادُ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ ، وَفِيهِمَا أَيْضًا : " أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ زَوَّجَ سَالِمًا مَوْلَاهُ لِابْنَةِ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ " .
فَإِنْ قِيلَ : مَوَالِي قُرَيْشٍ أَكْفَاءٌ لَهُمْ .
أُجِيب بِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْمَنْعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .
تَنْبِيهٌ : شَمَلَ قَوْلُهُ بِرِضَاهَا مَا إذَا كَانَتْ مُجْبَرَةً وَاسْتُؤْذِنَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّشِيدَةُ وَالسَّفِيهَةُ كَمَا صَرَّحَ

بِهِ فِي الْوَسِيطِ ، فَإِذَا رَضِيَتْ السَّفِيهَةُ بِغَيْرِ كُفْءٍ صَحَّ ، وَإِنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا هُوَ الْمَالُ خَاصَّةً فَلَا يَظْهَرُ لِسَفَهِهَا أَثَرٌ هُنَا ، وَاسْتَثْنَى شَارِحُ التَّعْجِيزِ كَفَاءَةَ الْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ بِالرِّضَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } [ الْبَقَرَةُ ] وَيُكْرَهُ التَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ الْفَاسِقِ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ مِنْ فَاحِشَةٍ أَوْ رِيبَةٍ ، وَقَوْلُهُ : الْمُسْتَوِينَ مِنْ زِيَادَةِ بَيَانٍ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَبْعَدَ لَا يَكُونُ وَلِيًّا مَعَ الْأَقْرَبِ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ ) غَيْرَ كُفْءٍ ( بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ ) ؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ الْآنَ فِي التَّزْوِيجِ ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ : لَوْ قِيلَ : إنَّهُ وَلِيٌّ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ إلَّا أَنَّ الْأَقْرَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَبْعُدْ ، وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْمُسْتَوِينَ لِيَخْرُجَ الْأَبْعَدُ .
فَإِنْ قِيلَ : الْأَبْعَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ لَكِنَّهُ يَلْحَقُهُ عَارٌ لِنَسَبِهِ فَلِمَ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَنْتَشِرُ كَثِيرًا فَيَشُقُّ اعْتِبَارُ رِضَاهُمْ ، وَلَا ضَابِطَ يُوقَفُ عِنْدَهُ ، فَالْوَجْهُ قَصْرُهُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ ( وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ ( بِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْكُفْءِ ( بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ ) أَيْ بَاقِي الْمُسْتَوِينَ ( لَمْ يَصِحَّ ) التَّزْوِيجُ بِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُمْ كَرِضَا الْمَرْأَةِ .
تَنْبِيهٌ : : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا بِمَنْ بِهِ جَبٌّ أَوْ عُنَّةٌ بِرِضَاهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْبَاقِينَ بِذَلِكَ ، وَمَا لَوْ رَضُوا بِتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ خَالَفَهَا

الزَّوْجُ ثُمَّ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَا الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِرِضَاهُمْ بِهِ أَوَّلًا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَفِي مَعْنَى الْمُخْتَلِعِ الْفَاسِخُ وَالْمُطَلِّقُ رَجْعِيًّا إذَا أَعَادَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُطَلِّقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ( وَفِي قَوْلٍ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ ( يَصِحُّ وَلَهُمْ الْفَسْخُ ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَقْتَضِي الْخِيَارَ لَا الْبُطْلَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا ( وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ ) أَوْ الْجَدِّ ( بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ ) وَقَوْلُهُ ( بِغَيْرِ رِضَاهَا ) قَيْدٌ فِي الْبَالِغَةِ ( فَفِي الْأَظْهَرِ ) التَّزْوِيجُ الْمَذْكُورُ ( بَاطِلٌ ) لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْغِبْطَةِ ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ الْغِبْطَةِ فَوَلِيُّ الْبُضْعِ أَوْلَى ( وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ ، وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ ) فِي الْحَالِ ( وَلِلصَّغِيرَةِ ) أَيْضًا ( إذَا بَلَغَتْ ) كَمَا مَرَّ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَزْوِيجِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ إذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا ( وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ) خَاصًّا ( أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ ) أَوْ نَائِبُهُ ( بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ ) تَزْوِيجُهُ بِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ حَظٌّ فِي الْكَفَاءَةِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ كَالْوَلِيِّ الْخَاصِّ ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : إنَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ ، وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ شَاهِدٌ لَهُ وَلَا وَجْهٌ لَهُ ، فَإِنْ قِيلَ : يَدُلُّ لِذَلِكَ خَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ السَّابِقُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَهَا أُسَامَةَ بَلْ أَشَارَ عَلَيْهَا بِهِ وَلَا يَدْرِي مَنْ زَوَّجَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ بِرِضَاهَا ، وَلَوْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَلَكِنْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ

عَضْلِهِ أَوْ إحْرَامِهِ فَلَا تُزَوَّجُ إلَّا مِنْ كُفْءٍ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا وَفِيهِ مَانِعٌ مِنْ فِسْقٍ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ بَعْدَهُ إلَّا السُّلْطَانُ فَزَوَّجَ السُّلْطَانُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٌ بِرِضَاهَا فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ .

وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ : سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ وَحُرِّيَّةٌ ، فَالرَّقِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ ، وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ ، وَنَسَبٌ ، فَالْعَجَمِيُّ لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ ، وَلَا غَيْرُ قُرَشِيٍّ قُرَشِيَّةً ، وَلَا غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ لَهُمَا ، وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ ، وَعِفَّةٌ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ ، وَحِرْفَةٌ فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ ، لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ ، فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ ، وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ ، وَلَا هُمَا بِنْتَ عَالِمٍ وَقَاضٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ ، وَأَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ ، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً ، وَكَذَا مَعِيبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيَجُوزُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ فِي الْأَصَحِّ .

وَلَمَّا اعْتَبَرَ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ ، وَهِيَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزَةُ لُغَةً : التَّسَاوِي وَالتَّعَادُلُ ، وَشَرْعًا أَمْرٌ يُوجِبُ عَدَمُهُ عَارًا شَرَعَ فِي بَيَانِهَا ، فَقَالَ : ( وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ ) أَيْ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهَا لِيُعْتَبَرَ مِثْلُهَا فِي الزَّوْجِ خَمْسَةٌ : أَوَّلُهَا ( سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ ) فِي النِّكَاحِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ ، فَمَنْ بِهِ بَعْضُهَا كَجُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسَّلِيمَةِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ مَنْ بِهِ بَعْضُهَا وَيَخْتَلُّ بِهَا مَقْصُودُ النِّكَاحِ ، وَلَوْ كَانَ بِهَا عَيْبٌ أَيْضًا فَلَا كَفَاءَةَ اخْتَلَفَ الْعَيْبَانِ كَرَتْقَاءَ وَمَجْبُوبٍ أَوْ اتَّفَقَا كَأَبْرَصَ وَبَرْصَاءَ وَإِنْ كَانَ مَا بِهَا أَكْثَرُ وَأَفْحَشُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُهُ مِنْ نَفْسِهِ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْعُنَّةَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهَا فِي الْكَفَاءَةِ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا ، وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحَقُّقِ ، وَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلِيِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ لَا الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ ، وَأَلْحَقَ الرُّويَانِيُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْعُيُوبَ الْمُنْفَرِدَةَ كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهُ الصُّورَةِ ، وَقَالَ : هِيَ تَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ عِنْدِي ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ، وَاخْتَارَهُ الصَّيْمَرِيُّ ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالتَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ خَاصَّةً دُونَ آبَائِهِمَا

فَابْنُ الْأَبْرَصِ كُفْءٌ لِمَنْ أَبُوهَا سَلِيمٌ .
ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْإِشْرَافِ ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْئًا لَهَا لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ ( وَ ) ثَانِيهَا ( حُرِّيَّةٌ فَالرَّقِيقُ ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ مُكَاتَبًا ( لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ ) وَلَوْ عَتِيقَةً لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ وَتَتَضَرَّرُ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ ، وَلِهَذَا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ لَمَّا عَتَقَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا وَكَانَ عَبْدًا كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ كُفْئًا لِمُبَعَّضَةٍ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الذَّخَائِرِ ، وَهَلْ الْمُبَعَّضُ كُفْءٌ لَهَا ؟ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : إنْ اسْتَوَيَا أَوْ زَادَتْ حُرِّيَّتُهُ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا ( وَالْعَتِيقُ ) كُفْءٌ لِعَتِيقَةٍ وَ ( لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ ) لِنَقْصِهِ عَنْهَا ، وَلَيْسَ مَنْ مَسَّ الرِّقُّ أَحَدَ آبَائِهِ أَوْ أَبًا أَقْرَبَ كُفْئًا لِخِلَافِهِ ، وَالرِّقُّ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّأْثِيرِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْعَتِيقِ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ لَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ عُرْفٌ وَلَا دَلِيلٌ فَيَبْقَى التَّوَقُّفُ فِيهِ ، وَقَدْ رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ مَنْ مَسَّهُ الرِّقُّ أَوْ مَسَّ أَحَدَ آبَائِهِ أَمِيرًا كَبِيرًا أَوْ مَلِكًا كَبِيرًا وَالْمَرْأَةُ دُونَهُ بِكَثِيرٍ بِحَيْثُ تَفْتَخِرُ بِهِ وَهِيَ حُرَّةُ الْأَصْلِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَ ) ثَالِثُهَا ( نَسَبٌ ) بِأَنْ تُنْسَبَ الْمَرْأَةُ إلَى مَنْ تَشْرُفُ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ يُنْسَبُ الزَّوْجُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْتَخِرُ بِأَنْسَابِهَا أَتَمَّ الِافْتِخَارِ وَالِاعْتِبَارُ فِي النَّسَبِ بِالْآبَاءِ ( فَالْعَجَمِيُّ ) أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً ( لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ ) أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا أَعْجَمِيَّةً ، لِأَنَّ اللَّهَ اصْطَفَى الْعَرَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ ( وَلَا ) أَيْ

وَلَيْسَ ( غَيْرُ قُرَشِيِّ ) مِنْ الْعَرَبِ مُكَافِئًا ( قُرَشِيَّةً ) لِخَبَرِ : { قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا ( وَلَا ) أَيْ وَلَيْسَ ( غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ ) كُفْئًا ( لَهُمَا ) كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ لِهَاشِمٍ ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ الْعَرَبِ كِنَانَةَ ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ } .
تَنْبِيهٌ : اقْتَضَى كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُطَّلِبِيَّ كُفْءٌ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَعَكْسُهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ : { نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ } ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ شَرِيفَةً .
أَمَّا الشَّرِيفَةُ فَلَا يُكَافِئُهَا إلَّا شَرِيفٌ ، وَالشَّرَفُ مُخْتَصٌّ بِأَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَعَنْ أَبَوَيْهِمَا ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ ظَهِيرَةَ ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ ، فَلَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ أَمَةً فَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ أُمِّهَا فَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ .
وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَمُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ ، فَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ بِأَنَّهُمْ أَكْفَاءُ ، وَالْبَغْدَادِيُّونَ يَقُولُونَ بِالتَّفَاضُلِ فَتَفْضُلُ مُضَرُ عَلَى رَبِيعَةَ ، وَعَدْنَانُ عَلَى قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَوْجَهُ ؛ إذْ أَقَلُّ مَرَاتِبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونُوا كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَالْعَجَمِ .
قَالَ الْفَارِقِيُّ : وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِ مَنْ

يُنْسَبُ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْحَضَرِ فَمَنْ ضَبَطَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ فَكَالْعَرَبِ وَإِلَّا فَكَالْعَجَمِ ( وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ ) الشَّرَفِ ( النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ ) قِيَاسًا عَلَيْهِمْ ، فَالْفُرْسُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : { لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ } وَبَنُو إسْرَائِيلَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِسَلَفِهِمْ وَكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ .
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالثَّانِي : لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَنُونَ بِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَلَا يُدَوِّنُونَهَا بِخِلَافِ الْعَرَبِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنًى وَبَسَطَ ذَلِكَ ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَثَرَ لِلْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً ، وَلَا يُكَافِئُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ الْأَقْرَبِينَ أَقْدَمَ مِنْهُ فِي الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا ثَلَاثَةُ آبَاءٍ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِبَنَاتِ التَّابِعِينَ ، وَهَذَا زَلَلٌ ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لَهُنَّ ، وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْآبَاءِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ غَيْرِ الشَّرِيفِ أَفْضَلَ مِنْ ابْنِ الشَّرِيفِ ، وَلَيْسَ كُفْئًا لَهُ ( وَ ) رَابِعُهَا ( عِفَّةٌ ) وَهِيَ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَالْكَفُّ عَمَّا لَا يَحِلُّ ( فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ ) لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ .
قَالَ تَعَالَى : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ } [ السَّجْدَةَ ] ، وَقَالَ تَعَالَى : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً } [

النُّورُ ] الْآيَةَ ، هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأُولَى فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ ، وَالثَّانِيَةَ مَنْسُوخَةٌ ، وَالْمُبْتَدِعُ مَعَ السُّنِّيَّةِ كَالْفَاسِقِ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ .
تَنْبِيهٌ : : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أُمُورًا : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْكَافِرُ الْفَاسِقُ فِي دِينِهِ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ فِي دِينِهَا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
ثَانِيهَا : أَنَّ الْفَاسِقَ كُفْءٌ لِلْفَاسِقَةِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : الَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدَ زِيَادَةِ الْفِسْقِ وَاخْتِلَافِ نَوْعِهِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا فِي الْعُيُوبِ .
قَالَ : وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِسْقَ بِالْقَتْلِ وَالسُّكْرِ لَيْسَ فِي تَعَدِّي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّفْرَةِ كَالْعُقُوقِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا .
ثَالِثُهَا : أَنَّ غَيْرَ الْفَاسِقِ كُفْءٌ لَهَا سَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَسْتُورُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ .
رَابِعُهَا : أَنَّ الْفِسْقَ وَالْعَفَافَ يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ لَا فِي آبَائِهِمَا ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ ( وَ ) خَامِسُهَا ( حِرْفَةٌ ) وَهِيَ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي فَائِقِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ : صِنَاعَةٌ يُرْتَزَقُ مِنْهَا ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا ( فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ ) بِالْهَمْزَةِ مِنْ الدَّنَاءَةِ ، وَضَبَطَهَا الْإِمَامُ بِمَا دَلَّتْ مُلَابَسَتُهَا عَلَى انْحِطَاطِ الْمُرُوءَةِ وَسُقُوطِ النَّفْسِ كَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ ( لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ ) وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } [ النَّحْلُ ] أَيْ فِي سَبَبِهِ فَبَعْضُهُمْ يَصِلُ إلَيْهِ بِعِزٍّ وَرَاحَةٍ ، وَبَعْضُهُمْ بِذُلٍّ وَمَشَقَّةٍ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ } [ الشُّعَرَاء ] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : كَانُوا حَاكَةً وَلَمْ يُنْكِرْ

عَلَيْهِمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ ( فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ ) وَنَحْوُهُمْ كَحَائِكٍ ( لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْفَاءٌ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ( وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ ) بِنْتَ ( بَزَّازٍ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كُفْءٌ لِلْآخَرِ وَلَمْ أَرَ أَيْضًا مَنْ ذَكَرَهُ ( وَلَا هُمَا ) أَيْ التَّاجِرُ وَالْبَزَّازُ ( بِنْتَ عَالِمٍ وَ ) بِنْتَ ( قَاضٍ ) نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مَنْ أَبُوهَا بَزَّازٌ أَوْ عَطَّارٌ لَا يُكَافِئُهَا مَنْ أَبُوهُ حَجَّامٌ أَوْ بَيْطَارٌ أَوْ دَبَّاغٌ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَإِذَا نَظَرْت إلَى حِرْفَةِ الْأَبِ فَقِيَاسُهُ النَّظَرُ إلَى حِرْفَةِ الْأُمِّ أَيْضًا ، فَإِنَّ ابْنَ الْمُغَنِّيَةِ أَوْ الْحَمَّامِيَّةِ وَنَحْوِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفْئًا لِمَنْ لَيْسَتْ أُمُّهَا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْعُرْفِ وَعَارٌ .
ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ النَّظَرِ إلَى الْأُمِّ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ تُرَاعَى الْعَادَةُ فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ ، فَإِنَّ الزِّرَاعَةَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْعَكْسِ .
ا هـ .
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَحْوَهُ أَيْضًا ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَخْذُ بِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبْرَةُ بِالْعَالِمِ الصَّالِحِ أَوْ الْمَسْتُورِ دُونَ الْفَاسِقِ .
وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ أَهْلًا فَعَالِمٌ وَزِيَادَةٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ كَمَا هُوَ كَثِيرٌ وَغَالِبٌ فِي الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَفِي النَّظَرِ إلَيْهِ نَظَرٌ .
ا هـ .
بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَوَقَّفَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ .
قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : وَإِذَا شُكَّ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ أَوْ الشَّرِيفِ وَالْأَشْرَفِ ، أَوْ الدَّنِيءِ وَالْأَدْنَى ، فَالْمَرْجِعُ عَادَةُ الْبَلَدِ ،

وَالْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ وَالْفِسْقُ فِي الْآبَاءِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَالُ مَنْ كَانَ أَبُوهُ صَاحِبَ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ أَوْ مَشْهُورًا بِالْفِسْقِ مَعَ مَنْ أَبُوهَا عَدْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مَعَ مَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالْحَقُّ أَنْ يُجْعَلَ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْآبَاءِ دِينًا وَسِيرَةً وَحِرْفَةً مِنْ خَيْرِ النَّسَبِ .
فَإِنَّ تَفَاخُرَ الْآبَاءِ هِيَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا أَمْرُ النَّسَبِ ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْهَرَوِيُّ فِي أَشْرَافِهِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمَا ذَكَرَ كَوَلَدِ الْأَبْرَصِ ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَلَدِ الْأَبْرَصِ أَيْضًا ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُعَدُّ الرَّعْيُ مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِمْ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ صِفَةَ مَدْحٍ لِغَيْرِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ فَقْدَ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُعْجِزَةٌ فَتَكُونُ صِفَةَ مَدْحٍ فِي حَقِّهِ ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ جَزْمًا .
وَأَشَارَ لِمَا فِيهِ الْخِلَافُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ ) فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ ظِلٌّ زَائِلٌ ، وَحَالٌ حَائِلٌ ، وَمَالٌ مَائِلٌ ، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ .
وَالثَّانِي : يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُنْفِقْ عَلَى الْوَلَدِ وَتَتَضَرَّرُ هِيَ بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ } .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَنَقْلًا وَبَسَطَ ذَلِكَ ، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ بِالْإِجْبَارِ مُعْسِرًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَصِحَّ التَّزْوِيجُ كَمَا مَرَّتْ

الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْيَسَارِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا فَهُوَ كَتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا الْجَمَالُ وَالْبَلَدُ وَلَا السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ آخَرَ مُنَفِّرٍ كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهُ الصُّورَةِ ، وَإِنْ اعْتَبَرَهَا الرُّويَانِيُّ ، وَصَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَوْنَ الْجَاهِلِ كُفْئًا لِلْعَالِمَةِ ، وَرَجَّحَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَرَدَّ عَلَى تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفُ يَرَى اعْتِبَارَ الْعِلْمِ فِي الْأَبِ فَاعْتِبَارُهُ فِي نَفْسِ الْمَرْأَةِ أَوْلَى .
ا هـ .
وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَ ابْنُ الْمُقْرِي مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ رَوْضِهِ .
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : وَلَيْسَ الْبُخْلُ وَالْكَرَمُ وَالطُّولُ وَالْقِصَرُ مُعْتَبَرًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيمَا إذَا أَفْرَطَ الْقِصَرُ فِي الرَّجُلِ نَظَرٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ تُعَيَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ .
ا هـ .
فَائِدَةٌ : قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ : شَرَفُ النَّسَبِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ : إحْدَاهَا : الِانْتِهَاءُ إلَى شَجَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُعَادِلَهُ شَيْءٌ .
الثَّانِيَةِ : الِانْتِمَاءُ إلَى الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ ، وَبِهِمْ رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ .
وَالثَّالِثَةُ : الِانْتِمَاءُ إلَى أَهْلِ الصَّلَاحِ الْمَشْهُورِ وَالتَّقْوَى .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [ الْكَهْفُ ] قَالَا : وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِسَابِ إلَى عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَالظَّلَمَةِ الْمُسْتَوْلِينَ عَلَى الرِّقَابِ ، وَإِنْ تَفَاخَرَ النَّاسُ بِهِمْ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكَلَامُ النَّقَلَةِ لَا يُسَاعِدُهُمَا عَلَيْهِ فِي عُظَمَاءِ الدُّنْيَا .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَكَيْفُ لَا يُعْتَبَرُ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ ، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ

الْإِمْرَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا أَنْ تَكُونَ كَالْحِرْفَةِ ، وَذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لَا يُكَافِئُ النَّفِيسَةَ .
فَرْعٌ : الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ هَلْ هُوَ كُفْءٌ لِلرَّشِيدَةِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ غَالِبًا بِالْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجِ ، فِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي .
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ خِصَالَ الْكَفَاءَةِ فِي بَيْتٍ فَقَالَ : نَسَبٌ وَدِينٌ صَنْعَةٌ حُرِّيَّةٌ فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدُ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ ( لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ ) أَيْ لَا تُجْبَرُ نَقِيصَةٌ بِفَضِيلَةٍ فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ عَجَمِيَّةٌ بِرَقِيقٍ عَرَبِيٍّ ، وَلَا سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ ، وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَبْدٍ عَفِيفٍ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْأَبِ ( تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً ) لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْعَنَتِ الْمُعْتَبَرِ فِي نِكَاحِهَا بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِهَا بِشَرْطِهِ ( وَكَذَا مَعِيبَةً ) بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْبَرْصَاءِ لَا يُزَوِّجُهُ بِهَا ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ ، وَفِي قَوْلٍ : يَصِحُّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ فِي تَزْوِيجِهِ الرَّتْقَاءَ وَالْقَرْنَاءَ ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا فِي بُضْعٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ مَجْبُوبًا ، وَإِنْ زُوِّجَ الْمَجْنُونُ ، أَوْ الصَّغِيرُ عَجُوزًا ، أَوْ عَمْيَاءَ ، أَوْ قُطَعَاءَ ، أَوْ الصَّغِيرَةُ بِهَرِمٍ ، أَوْ أَعْمَى أَوْ أَقْطَعَ فَوَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوِّجُهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْكَفَاءَةِ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهَا إنَّمَا يُزَوِّجُهَا بِالْإِجْبَارِ مِنْ الْكُفْءِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ

كُفْءٌ فَالْمَأْخَذُ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا مُخْتَلِفٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِهِ ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي شُرُوطِ الْإِجْبَارِ ( وَيَجُوزُ ) لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَ ( مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ كَنَسَبٍ وَحِرْفَةٍ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعَيَّرُ بِافْتِرَاشِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ ، نَعَمْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَدْ صَرَّحَا بِهِ أَوَّلَ الْخِيَارِ حَيْثُ قَالَا : وَلَوْ زُوِّجَ الصَّغِيرُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ وَصَحَّحْنَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ غِبْطَةٌ .

فَصْلٌ لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ صَغِيرٌ وَكَذَا كَبِيرٌ إلَّا لِحَاجَةٍ فَوَاحِدَةً ، وَلَهُ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ وَسَوَاءٌ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَجَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا ، فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ ، لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَعَيَّنَ امْرَأَةً لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا ، وَيَنْكِحْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ ، فَإِنْ زَادَ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْمُسَمَّى ، وَلَوْ قَالَ انْكِحْ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ، وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَنْ تَلِيقُ بِهِ ، فَإِنْ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَقْبَلُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ ، فَإِنْ زَادَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ .

فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ( لَا يُزَوَّجُ ) عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ ( مَجْنُونٌ ) وَلَا مُخْتَلٌّ وَهُوَ مَنْ فِي عَقْلِهِ خَلَلٌ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا مُبَرْسَمٌ ( صَغِيرٌ ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَدْرِي كَيْفَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ حَاجَتُهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ( وَكَذَا ) لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ وَمُخْتَلٌّ مُبَرْسَمٌ ( كَبِيرٌ ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلَهُ ( إلَّا لِحَاجَةٍ ) لِلنِّكَاحِ حَاصِلَةٍ حَالًا كَأَنْ تَظْهَرَ رَغْبَتُهُ فِي النِّسَاءِ بِدَوَرَانِهِ حَوْلَهُنَّ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ أَوْ مَآلًا كَتَوَقُّعِ شِفَائِهِ بِاسْتِفْرَاغِ مَائِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ بِذَلِكَ أَوْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَتَعَهَّدُهُ وَلَا يَجِدُ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَحْصُلَ بِهِ ذَلِكَ ، وَتَكُونُ مُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفَّ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ ، وَتَقَدَّمَ اسْتِشْكَالُ الرَّافِعِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ ( فَوَاحِدَةً ) بِالنَّصْبِ أَيْ يُزَوِّجُهُ الْأَبُ ، ثُمَّ الْجَدُّ ، ثُمَّ السُّلْطَانُ دُونَ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ وَاحِدَةً ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ فَوَاحِدَةٌ يَتَزَوَّجُهَا تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُزَوِّجُهُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُعَضِّدُهُ نَصُّ الْأُمِّ ، لَكِنْ فِي الشَّامِلِ فِي الْوَصَايَا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ وَالسَّفِيهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمَا .
قَالَ : وَهُوَ الْأَقْرَبُ فِي الْفِقْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْمَالِ ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا ، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ زِيدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْفَافُ ، كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّفِيهِ ، وَقَدْ لَا تَكْفِي الْوَاحِدَةُ أَيْضًا لِلْخِدْمَةِ فَيُزَادُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، هَذَا إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ، فَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ جُنَّ بُنِيَ

عَلَى عَوْدِ الْوِلَايَةِ إلَى الْأَبِ إنْ قُلْنَا : تَعُودُ وَهُوَ الْأَصَحُّ زَوَّجَهُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ ، فَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا لَمْ يُزَوَّجْ حَتَّى يُفِيقَ وَيَأْذَنَ ، وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ ، فَلَوْ جُنَّ قَبْلَهُ بَطَلَ إذْنُهُ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الْأَقْرَبِ فِي تَزْوِيجِ السُّلْطَانِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْمَجْنُونَةِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ مَعَ مَزِيدِ بَيَانٍ ( وَلَهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَا وَصِيٍّ وَقَاضٍ ( تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ ) غَيْرِ مَمْسُوحٍ ( أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ) وَلَوْ أَرْبَعًا إنْ رَآهُ الْوَلِيُّ مَصْلَحَةً ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ .
أَمَّا الصَّغِيرُ الْمَمْسُوحُ فَفِي تَزْوِيجِهِ الْخِلَافُ فِي الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ ( وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ ) لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى لَهَا حَالَةٌ تُسْتَأْذَنُ فِيهَا وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ فِي الْجُمْلَةِ ( إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ ) فِي تَزْوِيجِهَا ( وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ ) قَطْعًا لِإِفَادَتِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ ( وَسَوَاءٌ ) فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ ( صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ ) جُنَّتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا مَرَّ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ مُحْتَاجَةٍ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) لِلْمَجْنُونَةِ ( أَبٌ أَوْ جَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا ) ؛ إذْ لَا إجْبَارَ لِغَيْرِهِمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا فِي الْحَالِ ( فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ كَمَا يَلِي مِنْ مَالِهَا لَكِنْ بِمُرَاجَعَةِ أَقَارِبِهَا نَدْبًا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَصْلَحَتِهَا ، وَمِنْ هَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي : يُرَاجِعُ الْجَمِيعَ حَتَّى الْأَخَ وَالْعَمَّ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ ، وَقِيلَ : تَجِبُ

الْمُرَاجَعَةُ .
قَالَ : وَعَلَيْهِ يُرَاجِعُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَوْ لَمْ يَكُنْ جُنُونٌ ، وَالثَّانِي : يُزَوِّجُهَا الْقَرِيبُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ إذْنِهَا وَتُزَوَّجُ ( لِلْحَاجَةِ ) لِلنِّكَاحِ بِظُهُورِ عَلَامَةِ شَهْوَتِهَا أَوْ تَوَقُّعِ شِفَائِهَا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا يَقَعُ إجْبَارًا ، وَغَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ ( لَا لِمَصْلَحَةٍ ) كَتَوَفُّرِ الْمُؤَنِ فَلَا يُزَوِّجُهَا لِذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : نَعَمْ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَإِذَا أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا لَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَهَا كَالْحُكْمِ لَهَا وَعَلَيْهَا ( وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ ) حِسًّا ( بِسَفَهٍ ) بِأَنْ بَذَّرَ فِي مَالِهِ ، أَوْ حُكْمًا كَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ، وَهُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ ( لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ ) لِئَلَّا يَفْنَى مَالُهُ فِي مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْوَلِيِّ كَمَا قَالَ ( بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَالِهِ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِذْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَهَلْ كَانَ نِكَاحُهُ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجْرِ حِفْظُ مَالِهِ دُونَ نِكَاحِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ إزَالَةُ مِلْكِهِ فِي الْأَمْوَالِ بِإِذْنٍ وَلَا بِغَيْرِ إذْنٍ بِالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ ، وَيَصِحُّ مِنْهُ إزَالَةُ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ .
أَمَّا مَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ حَاكِمٍ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُسَمَّى أَيْضًا سَفِيهًا مُهْمَلًا ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ظُهُورُ الْأَمَارَةِ لَا قَوْلُهُ أَنَا مُحْتَاجٌ ( أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ ) بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ

وَالْإِذْنِ ، وَلَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوَّجُ لِحَاجَةِ النِّكَاحِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ زِيدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْفَافُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَجْنُونِ ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ إنْ بَلَغَ سَفِيهًا ، وَالْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبَهُ إنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ طَرَأَ السَّفَهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَةِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَلِي التَّزْوِيجَ ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ ، لَكِنْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصَايَا بِأَنَّهُ يَلِي التَّزْوِيجَ بَعْدَ الْجَدِّ قَبْلَ الْحَاكِمِ ، وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ ثَمَّ ، وَصَحَّحَ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ .
قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ : وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ نَصٍّ بَلْ نَصُّهُ عَلَى أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ مَحْمُولٌ عَلَى وَصِيٍّ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّزْوِيجُ ( فَإِنْ أَذِنَ ) لَهُ الْوَلِيُّ ( وَعَيَّنَ امْرَأَةً ) بِشَخْصِهَا أَوْ نَوْعِهَا كَتَزَوَّجْ فُلَانَةَ أَوْ مِنْ بَنِي فُلَانٍ ( لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَلَا يَنْكِحُ غَيْرَهَا وَإِنْ سَاوَتْهَا فِي الْمَهْرِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا .
قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَحِقَهُ مَغَارِمُ فِيهَا .
أَمَّا لَوْ كَانَتْ خَيْرًا مِنْ الْمُعَيَّنَةِ نَسَبًا وَجَمَالًا وَدِينًا وَدُونَهَا مَهْرًا وَنَفَقَةً ، فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ قَطْعًا ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ مَهْرًا فَنَكَحَ بِدُونِهِ .
ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ( وَ ) ل ( يَنْكِحُهَا ) أَيْ الْمُعَيَّنَةَ ( بِمَهْرِ الْمِثْلِ ) أَيْ بِقَدْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا ( أَوْ أَقَلَّ ) لِأَنَّهُ حَصَلَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا ( فَإِنْ زَادَ ) عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ( فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ ) لِأَنَّ خَلَلَ الصَّدَاقِ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ مُخْرَجٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ( بِمَهْرِ الْمِثْلِ ) أَيْ بِقَدْرِهِ ( مِنْ الْمُسَمَّى )

الْمُعَيَّنِ مِمَّا عَيَّنَهُ الْوَلِيُّ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَمْهِرْ مِنْ هَذَا فَأَمْهَرَ مِنْهُ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ سَفِيهٍ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ : أَيْ فِي الذِّمَّةِ .
ا هـ .
وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ الطِّفْلُ بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ بِدُونِهِ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ فَقَصَرَ الْإِلْغَاءُ عَلَى الزَّائِدِ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ ( وَلَوْ قَالَ ) لَهُ الْوَلِيُّ ( انْكِحْ بِأَلْفٍ ) فَقَطْ ( وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً ) وَلَا قَبِيلَةً ( نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ مَهْرِ الْمَنْكُوحَةِ مَمْنُوعَةٌ ، فَإِذَا نَكَحَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَغَا الزَّائِدُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ وَتَبَرُّعُهُ لَا يَصِحُّ ، فَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي رَشِيدَةٍ رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى دُونَ غَيْرِهَا ، وَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ بَطَلَ إنْ كَانَ الْأَلْفُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا إذْ لَا إذْنَ فِي الزَّائِدِ وَالرَّدُّ لِلْقَدْرِ يَضُرُّ بِهَا ، وَالْأَصَحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ نَكَحَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ نُظِرَتْ إنْ كَانَ الْأَلْفُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ صَحَّ بِالْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَإِلَّا فَبِالْمُسَمَّى ( وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ ) بِأَنْ قَالَ : انْكِحْ وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً وَلَا قَدْرًا ( فَالْأَصَحُّ ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ( صِحَّتُهُ ) كَمَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةِ

وَالْقَبِيلَةِ ، وَإِلَّا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَنْكِحَ شَرِيفَةً فَيَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ ، وَدَفَعَ هَذَا بِقَوْلِهِ ( وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ) فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ ( مَنْ تَلِيقُ بِهِ ) فَلَوْ نَكَحَ شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَهَلْ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ يَسْتَغْرِقُ مَهْرُهَا مَالَهُ ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي أَوَائِلِ الصَّدَاقِ : وَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ .
ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْمَجْنُونِ لِاسْتِوَائِهِ مَعَ السَّفِيهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُزَوَّجُ لِلْحَاجَةِ ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِدُونِ الشَّرِيفَةِ .
وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يُزَوَّجُ الْمَصْلَحَةَ وَلِهَذَا يُزَوَّجُ ثَلَاثًا وَأَرْبَعًا ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ ، فَحَيْثُ رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِهِ الشَّرِيفَةَ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِذَلِكَ لَهُ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ ، وَهِيَ مَا إذَا عَيَّنَ امْرَأَةً فَقَطْ ، أَوْ مَهْرًا فَقَطْ ، أَوْ أَطْلَقَ ، وَأَهْمَلَ .
رَابِعًا وَهُوَ مَا إذَا عَيَّنَ الْمَرْأَةَ وَقَدَّرَ الْمَهْرَ بِأَنْ قَالَ : انْكِحْ فُلَانَةَ بِأَلْفٍ ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْهُ بَطَلَ الْإِذْنُ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ : الْقِيَاسُ صِحَّتُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ قَبِلَ لَهُ الْوَلِيُّ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَر مِنْهُ صَحَّ الْإِذْنُ ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَر مِنْهُ أَيْضًا بَطَلَ النِّكَاحُ أَوْ نَكَحَ بِالْأَلْفِ صَحَّ بِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ صَحَّ بِالْأَلْفِ وَسَقَطَتْ

الزِّيَادَةُ ، أَوْ بِمَا دُونَهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِهِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ : انْكِحْ مَنْ شِئْت بِمَا شِئْت لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْحَجْرِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِنْ أَذِنَ لِلسَّفِيهِ فِي النِّكَاحِ لَمْ يُفِدْهُ ذَلِكَ جَوَازَ التَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ الْحَجْرَ إلَّا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ ، وَإِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلِيُّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْإِنْشَاءِ ، وَيُفَارِقُ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّ إقْرَارَهُ يَفُوتُ مَالًا ، وَإِقْرَارَهَا يُحَصِّلَهُ ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرَ الطَّلَاقِ شَرَى جَارِيَةً لِأَنَّهُ أَصْلَحُ لَهُ ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فَإِنْ تَبَرَّمَ بِهَا أُبْدِلَتْ ، وَإِكْثَارُ الطَّلَاقِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهُنَّ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي ، أَوْ ثِنْتَيْنِ فَيُطَلِّقُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ ، وَفَهِمَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَةِ لَيْسَ مُرَادًا ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : يُطَلِّقُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
وَالثَّانِي : وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ ، وَالْأَوْجَهُ مِنْ وَجْهَيْهِ الْأَوَّلُ فَيَكْتَفِي بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَلَوْ مِنْ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْرِي ابْتِدَاءً ، وَيَنْبَغِي كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا فِي الْإِعْفَافِ وَيَتَعَيَّنُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ ( فَإِنْ قَبِلَ لَهُ ) أَيْ لِلسَّفِيهِ ( وَلِيُّهُ ) أَيْ النِّكَاحَ ( اُشْتُرِطَ إذْنُهُ ) أَيْ السَّفِيهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ .
وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ، وَعَلَى الْوَلِيِّ رِعَايَتُهَا ، فَإِذَا عَرَفَ حَاجَتَهُ زَوَّجَهُ كَمَا يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ ( وَ ) إنَّمَا ( يَقْبَلُ ) لَهُ الْوَلِيُّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ تَلِيقُ بِهِ ( بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ ، فَإِنْ زَادَ ) عَلَيْهِ ( صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ) وَتَسْقُطُ الزِّيَادَةُ لِتَبَرُّعِهِ بِهَا ( وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ

الْمِثْلِ .

وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِلَا إذْنٍ فَبَاطِلٌ ، فَإِنْ وَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلٍ ، وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ .

( وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ وَلِيِّهِ ، أَوْ الْحَاكِمِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْوَلِيِّ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ ( فَبَاطِلٌ ) كَمَا لَوْ عَضَلَهُ الْوَلِيُّ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ السُّلْطَانِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى خَوْفِ الْعَنَتِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ فِي الْمَفَازَةِ لَا تَجِدُ وَلِيًّا ( فَإِنْ ) قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ ، وَ ( وَطِئَ ) فِيهِ رَشِيدَةً ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) أَمَّا الْحَدُّ فَبِلَا خِلَافٍ لِلشُّبْهَةِ ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَعَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ ؛ لِأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ عَلَى بُضْعِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهَا بِحَالِهِ لِتَمْكِينِهَا نَفْسَهَا مَعَ تَقَدُّمِ إذْنِهَا لِتَفْرِيطِهَا بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْمَهْرِ إذَا وَطِئَهَا مُخْتَارَةً كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ ، فَلَوْ وَطِئَهَا نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُجُوبُهُ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمُكْرَهَةِ ، وَخَرَجَ بِرَشِيدَةٍ الَّتِي قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ أَوْ صِبًا أَوْ جُنُونٍ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِتَمْكِينِهَا ، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ مِثْلِهِ وَأَتْلَفَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ ، وَمِثْلُهَا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ سَفِيهٌ لِآخَرَ : اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ الْبَدَنِيَّةِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنِّي لَمْ أَرَ هَذَا التَّقْيِيدَ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ ، وَأَحْسَبُهُ مِنْ

تَصَرُّفِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبُضْعَ مَحَلُّ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ ، فَكَانَ إذْنُهَا فِي إتْلَافِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ : يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُزَوَّجَةُ بِالْإِجْبَارِ كَالسَّفِيهَةِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ ، وَالتَّمْكِينُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا مَمْنُوعٌ ؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ حِينَئِذٍ ( وَقِيلَ ) يَلْزَمُهُ ( مَهْرُ مِثْلٍ ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ ( وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ ) لِأَنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ الْخُلُوُّ الْمَذْكُورُ .

وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ يَصِحُّ نِكَاحُهُ ، وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي كَسْبِهِ ، لَا فِيمَا مَعَهُ .
( وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ يَصِحُّ نِكَاحُهُ ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَذِمَّتِهِ ، وَهَذَا وَإِنْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْفَلَسِ ، لَكِنَّهُ قَصَدَ هُنَا بَيَانَ مُؤَنِهِ فَقَالَ : ( وَمُؤَنُ النِّكَاحِ ) الْمُتَجَدِّدِ عَلَى الْحَجْرِ مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا ( فِي كَسْبِهِ ) بَعْدَ الْحَجْرِ وَبَعْدَ النِّكَاحِ ( لَا فِيمَا مَعَهُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَفِي ذِمَّتِهِ إلَى فَكِّ الْحَجْرِ ، أَمَّا النِّكَاحُ السَّابِقُ عَلَى الْحَجْرِ فَمُؤَنُهُ فِيمَا مَعَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِالْكَسْبِ ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَاسْتَوْلَدَهَا فَهِيَ كَالزَّوْجَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .

وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ ، وَبِإِذْنِهِ صَحِيحٌ ، وَلَهُ إطْلَاقُ الْإِذْنِ ، وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ ، وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا عَكْسُهُ ، وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ ، فَإِنْ طَلَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا ، وَقِيلَ إنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ ، وَإِذَا زَوَّجَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ وَفَاسِقٌ وَمُكَاتَبٌ ، وَلَا يُزَوِّجُ وَلِيٌّ عَبْدًا صَبِيًّا وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ .

( وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا ( بَاطِلٌ ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْن الْمُبَعَّضِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعَلَّقِ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ وَغَيْرِهِمْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيُّ مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ } ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
قَالَ فِي الْأُمِّ : وَلَا أَعْلَمُ مِنْ أَحَدٍ لَقِيتُهُ وَلَا حَكَى لِي عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ .
ا هـ .
وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ لَا أَعْلَمُ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفُ بَاطِلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَطِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالسَّفِيهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بَلْ يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَ سَيِّدَهُ فَمَنَعَهُ فَرَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى إجْبَارَ السَّيِّدِ فَأَمَرَهُ بِهِ فَامْتَنَعَ فَأَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ زَوَّجَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَضَلَ الْوَلِيُّ ( وَبِإِذْنِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ إنْ كَانَ مُعْتَبَرَ الْإِذْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ ( صَحِيحٌ ) وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا كَمَا مَرَّ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ( وَلَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( إطْلَاقُ الْإِذْنِ ) لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ جَزْمًا وَيُنْكِحُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَكِنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهَا ( وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ ) مُعَيَّنَةٍ ( أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ ) لِأَنَّ مَا يَصِحُّ مُطْلَقًا يَصِحُّ مُقَيَّدًا ( وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ ) لَهُ ( فِيهِ ) مُرَاعَاةً لَهُ ، فَإِنْ عَدَلَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ، وَإِنْ

قَدَّرَ لَهُ السَّيِّدُ مَهْرًا فَزَادَ عَلَيْهِ أَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ تَعْيِينِ الْمَهْرِ ، فَالزَّائِدُ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ ، فَإِنْ صَرَّحَ لَهُ بِأَنْ لَا يَنْكِحَ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ قَالَ الْإِمَامُ : فَالرَّأْيُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ كَمَا فِي السَّفِيهِ ، وَإِنْ نَقَصَ عَمَّا عَيَّنَهُ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَازَ ، وَلَوْ نَكَحَ صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَنْكِحْ ثَانِيًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَحَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْإِذْنِ ، وَلَوْ نَكَحَ بِالْمُسَمَّى مِنْ مَهْرِهَا دُونَهُ صَحَّ بِهِ وَرُجُوعُ السَّيِّدِ فِي الْإِذْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ ) غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُبَعَّضِ وَلَوْ صَغِيرًا وَخَالَفَهُ فِي الدِّينِ ( عَلَى النِّكَاحِ ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ .
وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَلْزَمُهُ ذِمَّةُ الْعَبْدِ مَالًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ .
وَالثَّانِي : لَهُ إجْبَارُهُ كَالْأَمَةِ .
وَقِيلَ : يُجْبَرُ الصَّغِيرُ قَطْعًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَلِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلِاقْتِضَاءِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ التَّحْلِيلِ وَالرَّضَاعِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَلِمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ : وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ إلَخْ ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ فَلَا يُجْبِرُهَا قَطْعًا ( وَلَا عَكْسِهِ ) بِالْجَرِّ وَالرَّفْعِ أَيْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْبَالِغِ إجْبَارُ سَيِّدِهِ عَلَى النِّكَاحِ إذَا طَلَبَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ وَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ مَقَاصِدَ الْمِلْكِ وَفَوَائِدَهُ كَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ .
وَالثَّانِي : يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يُوقِعُهُ فِي الْفُجُورِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ

تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُجْبَرُ قَطْعًا ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ هَلْ لِسَيِّدَيْهِ إجْبَارُهُ وَعَلَيْهِمَا إجَابَتُهُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الطَّرَفَيْنِ ، وَلَوْ أَجَابَهُ أَحَدُهُمَا إلَى النِّكَاحِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا إجَابَةَ لَهُ ( وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ ) غَيْرِ الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ عَلَى النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَرِدُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْعَبْدَ فَيُزَوِّجُهَا بِرَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهَا قُرَشِيًّا كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهَا لَا نَسَبَ لَهَا لَا بِمَعِيبٍ كَأَجْذَمَ وَأَبْرَصَ وَمَجْنُونٍ ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْهُ وَإِنْ كَرِهَتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مِنْ الْبَيْعِ الِاسْتِمْتَاعَ غَالِبًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَيَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَلَوْ أَجْبَرَهَا السَّيِّدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ ، وَقَوْلُهُ ( بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ ) تَعْمِيمٌ فِي صِفَةِ الْأَمَةِ مِنْ بَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَصِغَرٍ وَكِبَرٍ وَعَقْلٍ وَجُنُونٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ فَلَا يُجْبِرُهُمَا وَلَا أَمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْمَرْهُونَةِ بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَيُلْحِقُ بِهَا الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهَا مَالًا بِلَا إذْنِ الْمُسْتَحِقِّ إنْ كَانَ مُعْسِرًا ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَكَانَ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ .
وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْقِرَاضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَلَهُ تَزْوِيجُ أَمَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِلَّا فَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِ الْعَبْدِ وَالْغُرَمَاءِ ، فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا أَوْ إذْنِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ

لِتَضَرُّرِهِمَا بِهِ ، فَلَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ فَإِنْ قِيلَ : قَالُوا فِي مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ إنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَهْرِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ الْمَأْذُونَةِ ، وَهَذَا فِي أَمَتِهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ إنْ أَحْبَلَهَا ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَ مُعْسِرًا بَلْ تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا ، وَكَذَا حُكْمُ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ عَنْ مَدْيُونٍ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْحَالِ وَجَبَ قِيمَةُ وَلَدِ أَمَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ دُونَ قِيمَةِ وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَرَبِّ الدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمَةَ الْمَوْرُوثَةَ كَأَمَةِ الْمَأْذُونِ ، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَإِعْتَاقُ أَمَةِ الْمَدْيُونِ وَالْمَوْرُوثَةِ كَإِعْتَاقِ الْجَانِي ( فَإِنْ طَلَبَتْ ) مِنْ السَّيِّدِ التَّزْوِيجَ ( لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا ) وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ وَتَفْوِيتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ ( وَقِيلَ : إنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ) تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ، أَوْ كَانَتْ بَالِغَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ تَائِقَةً خَائِفَةً الزِّنَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( لَزِمَهُ ) إذْ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ قَضَاءُ شَهْوَةٍ ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعْفَافِهَا .
أَمَّا إذَا كَانَ التَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ كَأَنْ مُلِكَ لِامْرَأَةٍ .
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي إجْبَارِهَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا ( وَإِذَا

زَوَّجَهَا ) أَيْ السَّيِّدُ أَمَتَهُ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيمَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ ، وَنَقْلُهُ إلَى الْغَيْرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَاسْتِيفَاءِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ وَنَقْلُهَا بِالْإِجَارَةِ .
وَالثَّانِي : بِالْوِلَايَةِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةَ الْحَظِّ ، وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُهَا مِنْ مَعِيبٍ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَتَأَتَّى فِي تَزْوِيجِ الْعَبْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : إلَّا إذَا قُلْنَا لِلسَّيِّدِ إجْبَارُهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ صَحِيحٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ ( فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ ) بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ ، إذْ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا أَصْلًا ، بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ فِيمَا سِوَى إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا وَكِتَابَتِهَا ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فِي الْكَافِرَةِ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ فِي الْوِلَايَةِ آكَدُ ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْكَافِرَاتِ بِالْجِهَةِ الْعَامَّةِ ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْكِتَابِيَّةِ ، فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْكَافِرَةِ فَشَمَلَ الْمُرْتَدَّةَ وَلَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ وَالْوَثَنِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَفِيهِمَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ، وَجَزَمَ بِهِ شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ ، لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا وَعَدَمُ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِهَا الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْبَغَوِيّ جَزْمَهُ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا فِي أَمَتِهِ الْمَحْرَمِ كَأُخْتِهِ ( وَ ) يُزَوِّجُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا ( فَاسِقٌ ) أَمَتَهُ ( وَمُكَاتَبٌ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِالْمِلْكِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ وَلَيْسَ

مُرَادًا لِضَعْفِ مِلْكِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُزَوِّج وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَنْ ذَكَرْت ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلِي الْكَافِرَةَ ، وَالْفِسْقَ يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ ، وَالرِّقَّ يَمْنَعُهَا كَمَا مَرَّ ، وَإِذَا مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَمَةً .
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : لَا يُزَوِّجُهَا وَلَا تُزَوَّجُ بِإِذْنِهِ ، وَهَذَا فَرَّعَهُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمُبَعَّضِ كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ( وَلَا يُزَوِّجُ وَلِيٌّ عَبْدًا ) مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ ( صَبِيٍّ ) وَصَبِيَّةٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ لِمَا فِيهِ مِنْ انْقِطَاعِ أَكْسَابِهِ وَفَوَائِدِهِ عَنْهُمْ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ فِي الدَّقَائِقِ : وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَلَا يُجْبِرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ إجْبَارِهِ مَنْعُ تَزْوِيجِهِ بِرِضَاهُ وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ .
ا هـ .
وَمَعَ هَذَا لَوْ عَبَّرَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّرْته لَكَانَ أَوْلَى ( وَيُزَوِّجُ ) وَلِيُّ الصَّبِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ ( أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ ) إذَا ظَهَرَتْ الْغِبْطَةُ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اكْتِسَابًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ .
وَالثَّانِي : لَا يُزَوِّجُهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا ، وَقَدْ تَحْبَلُ فَتَهْلِكُ ، وَأَمَةُ غَيْرِ الصَّبِيِّ مِمَّنْ ذُكِرَ مَعَهُ كَأَمَتِهِ ، لَكِنْ لَا تُزَوَّجُ أَمَةُ السَّفِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ : يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ حَاجَتُهُ إلَى النِّكَاحِ ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ لَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ مَمْنُوعٌ ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَالسُّلْطَانُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي أَمَةِ مَنْ بِهِ سَفَهٌ أَوْ جُنُونٌ لِأَنَّهُ

يَلِي مَالَ مَالِكِهِ ، وَنِكَاحَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الصَّغِيرِ ، وَالصَّغِيرَةُ لَا يُزَوِّجُهَا وَإِنْ وَلِيَ مَالَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الصَّغِيرُ كَافِرًا وَأَمَتُهُ مُسْلِمَةً لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ تَزْوِيجُهَا ، وَيُزَوِّجُ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا أَمَةَ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ مَالِكِهَا وَنِكَاحَهَا ، بِخِلَافِ أَمَةِ الثَّيِّبِ الْعَاقِلَةِ الصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَ مَالِكِهَا ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَلِي النِّكَاحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ .

خَاتِمَةٌ : أَمَةُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا يُزَوِّجُهَا وَلِيُّ السَّيِّدَةِ تَبَعًا لِوِلَايَتِهِ عَلَى سَيِّدَتِهَا بِإِذْنِ السَّيِّدَةِ وُجُوبًا ؛ لِأَنَّهَا الْمَالِكَةُ لَهَا نُطْقًا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَةً وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَبُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ صَحَّ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهَا ظَاهِرًا فَلَا يُمْنَعُ الْعَقْدُ بِالِاحْتِمَالِ ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ وَخَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا وَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ ظُهُورُ دَيْنٍ عَلَيْهِ يُمْنَعُ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ ، لَكِنْ إذَا مَاتَ وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَرَقَّ بَعْضُهَا بِأَنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ ، وَإِنْ زَوَّجَهَا السَّيِّدُ بِمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ كَانَ هُوَ الْوَلِيَّ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ تَخْرُجْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ خُرُوجِهَا فِي الْأُولَى مَالِكٌ مَا لَمْ يَعْتِقْ وَنَائِبُ وَلِيٍّ مَا عَتَقَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَالِكُ ذَاكَ وَوَلِيُّ هَذَا .

بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَتْك أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ فَهِيَ أُمُّك ، وَالْبَنَاتُ ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا فَبِنْتُك .
قُلْت : وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا مِنْ زِنًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ، وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ ، وَكُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَكَ فَعَمَّتُك ، أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك فَخَالَتُك .

بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ التَّحْرِيمُ يُطْلَقُ فِي الْعَقْدِ بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّبْوِيبِ ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْمَخْطُوبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ ، وَمُرَادُهُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ ذِكْرُ مَوَانِعِ النِّكَاحِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَهِيَ قِسْمَانِ : مُؤَبَّدٌ ، وَغَيْرُ مُؤَبَّدٍ ، وَمِنْ الْأَوَّلِ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ - اخْتِلَافُ الْجِنْسِ ، فَلَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ جِنِّيَّةٍ كَمَا قَالَهُ الْعِمَادُ بْنُ يُونُسَ ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ .
قَالَ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [ الْأَعْرَاف ] وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [ النِّسَاء ] .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا : { نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ } وَالْمُؤَبَّدُ غَيْرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ : قَرَابَةٌ ، وَرَضَاعٌ ، وَمُصَاهَرَةٌ ، وَلِضَابِطِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ ، وَالرَّضَاعِ ضَابِطَانِ : الْأَوَّلُ : تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا مَنْ دَخَلَتْ تَحْتَ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أَوْ وَلَدِ الْخُؤُولَةِ .
وَالثَّانِي : يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولَهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ ، فَالْأُصُولُ : الْأُمَّهَاتُ ، وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ ، وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ .
وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ : الْعَمَّاتُ ، وَالْخَالَاتُ .
وَالضَّابِطُ الثَّانِي لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ، وَالْأَوَّلُ لِتِلْمِيذِهِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهُوَ أَرْجَحُ لِإِيجَازِهِ وَنَصِّهِ عَلَى الْإِنَاثِ ، بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِمَجِيئِهِ عَلَى نَمَطِ قَوْله تَعَالَى : { إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ

اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ } [ الْأَحْزَاب ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُنَّ مِنْ الْأَقَارِبِ مَمْنُوعٌ .
وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَيَحْرُمُ بِهَا سَبْعٌ .
وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا ، فَقَالَ : ( تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ أُمٍّ ، وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَمْعُ أُمَّهَةٍ أَصْلُ أُمٍّ فَقَدْ تَسَمَّحَ ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى الشَّارِحِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ وَقَعَ لَهُ عِبَارَتَانِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : يُقَالُ فِيهِمَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي النَّاسِ ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ فِي غَيْرِهِمْ ، وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ .
وَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي ( وَ ) ضَابِطُ الْأُمِّ هُوَ ( كُلُّ مَنْ وَلَدَتْك ) فَهِيَ أُمُّك حَقِيقَةً ( أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، كَأُمِّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ وَأُمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ ( فَهِيَ أُمُّك ) مَجَازًا ، وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْهَا نَسَبُك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأُمَّهَاتِ بِالنَّسَبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِالْأُمُومَةِ لَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَذَلِكَ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُمَّهَاتِ وَفِي بَقِيَّةِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } [ النِّسَاء ] الْآيَةَ ( وَ ) الثَّانِي ( الْبَنَاتُ ) جَمْعُ بِنْتٍ ( وَ ) ضَابِطُهَا هُوَ ( كُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا ) فَبِنْتُك حَقِيقَةً ( أَوْ

وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ ، وَبِنْتِ بِنْتٍ وَإِنْ نَزَلَتْ ( فَبِنْتُك ) مَجَازًا ، وَإِنْ شِئْت قُلْت : كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْكَ نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا بِنْتُ الزَّانِي فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ دُفِعَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِقَوْلِهِ ( قُلْت : وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ ) مَاءِ ( زِنَاهُ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا مُطَاوِعَةً أَمْ لَا ، سَوَاءٌ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أَمْ لَا ( تَحِلُّ لَهُ ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ ؛ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا ، فَلَا تَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ كَمَا يَقُولُ بِهِ الْخَصْمُ ، فَإِنَّ مَنْعَ الْإِرْثِ بِإِجْمَاعٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيِّ ، وَقِيلَ : تَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : تَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ نَبِيٌّ ، كَأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا .
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ ، فَقِيلَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْهُ ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ بِلَبَنِ الزَّانِي صَغِيرَةً فَكَبِنْتِهِ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ( وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ ) وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا ( وَلَدُهَا مِنْ زِنًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهَا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ كَالْعُضْوِ مِنْهَا وَانْفَصَلَ مِنْهَا إنْسَانًا وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ الَّتِي خُلِقَتْ مِنْهَا الْبِنْتُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ ، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى نَافِيهَا وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا ؛ لِأَنَّهَا

لَا تَنْتَفِي عَنْهُ قَطْعًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهَا بِهِ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ ، وَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَتَتَعَدَّى حُرْمَتُهَا إلَى سَائِرِ مَحَارِمِهِ ، وَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ لَهَا ، وَالْحَدِّ بِقَذْفِهِ لَهَا ، وَالْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهَا ، وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ لَهَا وَجْهَانِ ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي لَا كَمَا يَقْتَضِي كَلَامُ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ ، وَإِنْ قِيلَ : إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَلْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهَا وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا أَوْ لَا ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كَمَا فِي الْمُلَاعَنَةِ ، وَأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ حُرْمَةُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا احْتِيَاطًا ، وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهَا لِلشَّكِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْتُهُ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ وَلَدُ إنْسَانٍ بِلَقِيطَةٍ أَوْ مَجْهُولَةِ نَسَبٍ فَادَّعَى أَبُوهُ بُنُوَّةَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِقْرَارِ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ وَالزَّوْجَةُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْأَبِ ثَبَتَ نَسَبُهَا وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ .
قَالَ الْمُزَنِيّ : وَفِيهِ وَحْشَةٌ .
قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ : وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَطَأُ أُخْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا هَذَا ، وَقِيسَ بِهِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْهُولِ النَّسَبِ فَاسْتَلْحَقَهُ أَبُوهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الزَّوْجَةُ ، وَإِنْ أَقَامَ الْأَبُ بَيِّنَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ثَبَتَ النَّسَبُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحُكْمُ الْمَهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَصَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ فَقَطْ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِحَقِّ

الزَّوْجِ ، لَكِنْ لَوْ أَبَانَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا ؛ لِأَنَّ إذْنَهَا شَرْطٌ وَقَدْ اعْتَرَفَتْ بِالتَّحْرِيمِ .
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا تُنْكِرُهُ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْمُسَمَّى أَوْ بَعْدَهُ فَكُلُّهُ .
وَحُكْمُهَا فِي قَبْضِهِ كَمَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ ، فَلَوْ وَقَعَ الِاسْتِلْحَاقُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ لَمْ يَجُزْ لِلِابْنِ نِكَاحُهَا ( وَ ) الثَّالِثُ ( الْأَخَوَاتُ ) جَمْعُ أُخْتٍ .
وَضَابِطُهَا كُلُّ مَنْ وَلَدَهَا أَبَوَاك أَوْ أَحَدُهُمَا فَأُخْتُك ( وَ ) الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ ( بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَ ) بَنَاتُ ( الْأَخَوَاتِ ) مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلْنَ .
تَنْبِيهٌ : : كَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ عَنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ تَأَسِّيًا بِالْقُرْآنِ ( وَ ) السَّادِسُ ( الْعَمَّاتُ ) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، سَوَاءٌ كُنَّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَمْ لَا ( وَ ) السَّابِعُ ( الْخَالَاتُ ) كَذَلِكَ ( وَ ) أَشَارَ لِضَابِطِ الْعَمَّةِ بِقَوْلِهِ : ( كُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَكَ ) بِلَا وَاسِطَةٍ فَعَمَّتُك حَقِيقَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَعَمَّةِ أَبِيكَ ( فَعَمَّتُك ) مَجَازًا ، وَقَدْ تَكُونُ الْعَمَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُخْتِ أَبِي الْأُمِّ ، وَأَشَارَ لِضَابِطِ الْخَالَةِ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) أَيْ وَكُلُّ مَنْ هِيَ ( أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك ) بِلَا وَاسِطَةٍ فَخَالَتُك حَقِيقَةً ، أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَخَالَةِ أُمِّك ( فَخَالَتُك ) مَجَازًا ، وَقَدْ تَكُونُ الْخَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُخْتِ أُمِّ الْأَبِ .

وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعُ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا ، وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ مَنْ وَلَدَكَ أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك أَوْ ذَا لَبَنِهَا فَأُمُّ رَضَاعٍ ، وَقِسْ الْبَاقِي وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاك وَنَافِلَتَك ، وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَبِنْتُهَا وَلَا أُخْتُ أَخِيك : مِنْ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ وَهِيَ أُخْتُ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ وَعَكْسُهُ ، وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ أَوْ وَلَدَكَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِك مِنْهُمَا وَكَذَا بَنَاتُهَا إنْ دَخَلْتَ بِهَا ، وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِمِلْكٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ ، وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ ، قِيلَ أَوْ لَا حَقِّهَا ، الْمَزْنِيِّ بِهَا ، وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةً بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ وَلَوْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ نَكَحَ مِنْهُنَّ ، لَا بِمَحْصُورَاتٍ ، وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبَّدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ قَطَعَهُ كَوَطْءِ زَوْجَةَ ابْنِهِ بِشُبْهَةٍ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي ، وَهُوَ الرَّضَاعُ ، فَقَالَ ( وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعُ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا ) لِلْآيَةِ ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } وَفِي رِوَايَةٍ : " مِنْ النَّسَبِ " وَفِي أُخْرَى : { حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } ( وَ ) ضَابِطُ أُمِّكَ مِنْ الرَّضَاعِ هُوَ ( كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك ) أَوْ صَاحِبَ اللَّبَنِ ( أَوْ ) أَرْضَعَتْ ( مَنْ وَلَدَكَ ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ ) وَلَدَتْ ( ذَا ) أَيْ صَاحِبَ ( لَبَنِهَا ) وَهُوَ الْفَحْلُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( فَأُمُّ رَضَاعٍ ) فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ ( وَقِسْ ) عَلَى ذَلِكَ ( الْبَاقِي ) مِنْ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ مِمَّا ذُكِرَ ، فَضَابِطُ بِنْتِ الرَّضَاعِ : هُوَ كُلُّ امْرَأَةٍ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِك أَوْ لَبَنِ مَنْ وَلَدْتَهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ وَلَدْتَهَا بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَكَذَا بَنَاتُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَإِنْ سَفَلْنَ ، وَضَابِطُ أُخْتِ الرَّضَاعِ : هُوَ كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهَا أُمُّك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَبِيك أَوْ وَلَدَتْهَا مُرْضِعَتُك أَوْ وَلَدُك الْفَحْلُ .
وَضَابِطُ عَمَّةِ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُخْتٍ لِلْفَحْلِ أَوْ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَ الْفَحْلَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، وَضَابِطُ خَالَةِ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُخْتٍ لِلْمُرْضِعَةِ أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْ الْمُرْضِعَةَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ .
وَضَابِطُ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ ، وَكَذَا كُلُّ أُنْثَى أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك وَبَنَاتِهَا وَبَنَاتِ أَوْلَادِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ( وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاك ) أَوْ أُخْتَك ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ النَّسَبِ حَرُمَتْ ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أُمٌّ أَوْ

مَوْطُوءَةُ أَبٍ ( وَ ) لَا مَنْ أَرْضَعَتْ ( نَافِلَتَك ) وَهُوَ وَلَدُ وَلَدِك ، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ حَرُمَتْ عَلَيْك لِأَنَّهَا بِنْتُك أَوْ مَوْطُوءَةُ ابْنِك ( وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَ ) لَا ( بِنْتُهَا ) أَيْ بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ نَسَبٍ كَانَتْ مَوْطُوءَتَك فَتَحْرُمُ أُمُّهَا عَلَيْك وَبِنْتُهَا ، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ وَلَا يَحْرُمْنَ فِي الرَّضَاعِ ، فَاسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَاعِدَةِ : يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ .
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الضَّابِطِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَثْنِهَا الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَلَا اُسْتُثْنِيَتْ فِي الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْأَخِ لَمْ تَحْرُمْ لِكَوْنِهَا أُمَّ أَخٍ ، وَإِنَّمَا حَرُمَتْ لِكَوْنِهَا أُمًّا أَوْ حَلِيلَةَ أَبٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَاقِيهِنَّ .
ا هـ .
وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَحْوَهُ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ : { قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِقَوَاعِدِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ ، وَلَا يُغَادِرُ مِنْهَا شَيْئًا ، وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَأْوِيلٌ ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى تَتِمَّةٍ بِتَصَرُّفٍ قَائِسٍ .
قَالَ : وَهَذَا مُسْتَمِرٌّ لَا قُصُورَ فِيهِ وَلَا اسْتِثْنَاءَ مِنْهُ ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ، فَقَالَ : أَرْبَعٌ هُنَّ فِي الرَّضَاعِ حَلَالٌ وَإِذَا مَا نَسَبْتَهُنَّ حَرَامُ جَدَّةُ ابْنٍ وَأُخْتُهُ ثُمَّ أُمٌّ لِأَخِيهِ وَحَافِدٌ وَالسَّلَامُ وَزَادَ الْجُرْجَانِيِّ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ : أُمُّ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ ، وَأُمُّ الْخَالِ وَالْخَالَةِ ، وَأَخُو الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ ، وَصُورَةُ الْأَخِيرَةِ فِي امْرَأَةٍ لَهَا ابْنٌ ثُمَّ إنَّ ابْنَهَا ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَهَا

ابْنٌ ، فَذَلِكَ الِابْنُ أَخُو ابْنِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَذَا الَّذِي هُوَ أَخٌ لِابْنِهَا ( وَلَا ) يَحْرُمُ عَلَيْك ( أُخْتُ أَخِيكَ ) وَقَوْلُهُ ( مِنْ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِأُخْتٍ لَا بِأَخٍ ( وَهِيَ ) فِي النَّسَبِ ( أُخْتُ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ ) أَيْ الْأَخِ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَخٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَك مِنْ الْأُمِّ ، وَصُورَتُهُ فِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَك امْرَأَةٌ وَتُرْضِعَ صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْكَ فَلِأَخِيك نِكَاحُهَا ( وَعَكْسُهُ ) فِي النَّسَبِ أُخْتُ أَخِيك لِأُمِّك لِأَبِيهِ ، بِأَنْ كَانَ لِأَبِي أَخِيك بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّك فَيَجُوزُ لَكَ نِكَاحُهَا ، وَفِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةٌ أَخَاكَ وَتُرْضِعَ مَعَهُ صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْكَ فَيَجُوزُ لَكَ نِكَاحُهَا .
تَنْبِيهٌ : صُورَةُ الْعَكْسُ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُصَاهَرَةُ ، فَقَالَ : ( وَتَحْرُمُ ) عَلَيْك ( زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُك بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } [ النِّسَاء ] ( أَوْ ) زَوْجَةُ مَنْ ( وَلَدَكَ ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَبًا أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَالِدُك بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } [ النِّسَاء ] .
قَالَ فِي الْأُمِّ : يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ عِلْمِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ ( مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ) هُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا مَعًا .
أَمَّا النَّسَبُ فَلِلْآيَةِ .
وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } [ النِّسَاء ] فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَنْطُوقٌ ، وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا

مَنْطُوقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } .
فَإِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْآيَةِ حِينَئِذٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ إخْرَاجُ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنِّي فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنٍ لَهُ حَقِيقَةً ( وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِك ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا ( مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، سَوَاءٌ أَدَخَلَ بِهَا أَمْ لَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } [ النِّسَاء ] ( وَكَذَا بَنَاتُهَا ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( إنْ دَخَلْتَ بِهَا ) فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى : { وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [ النِّسَاء ] وَذِكْرُ الْحُجُورِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَ أُعِيدَ الْوَصْفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُعَدْ إلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } [ النِّسَاء ] مَعَ أَنَّ الصِّفَاتِ عَقِبَ الْجُمَلِ تَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ نِسَائِكُمْ الثَّانِي مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَنِسَائِكُمْ الْأَوَّلَ مَجْرُورٌ بِالْمُضَافِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ لَمْ يَجُزْ الْإِتْبَاعُ وَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ الْجَرُّ وَهُوَ أَحَدٌ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرَ فِي الدُّخُولِ أَنْ يَقَعَ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَحْرُمْ بِنْتُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا الدُّخُولَ فِي تَحْرِيمِ أُصُولِ الْبِنْتِ وَاعْتَبَرُوا فِي تَحْرِيمِهَا الدُّخُولَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لِتَرْتِيبِ أُمُورِهِ فَحُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بِنْتِهَا ،

وَتَقْيِيدُ التَّحْرِيمِ بِالدُّخُولِ يُفْهِمُ تَحْرِيمَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ بِشَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِلُّ الْمَنْكُوحَةِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ حَرُمَ بِالْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَالرَّبِيبَةِ ، وَمَنْ حَرُمَ بِالْعَقْدِ وَهِيَ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، نَعَمْ لَوْ وُطِئَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ حَرُمَ بِالْوَطْءِ فِيهِ لَا بِالْعَقْدِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ بِاسْتِدْخَالِ أُمِّهَا مَاءَ الزَّوْجِ وَلَيْسَ مُرَادًا ؛ إذْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْجَزْمُ بِأَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَاءِ يُثْبِتُ الْمُصَاهَرَةَ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا بِأَنْ كَانَ مَاءَ زَوْجِهَا وَمُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ الرَّبِيبَةِ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا حِلُّ الْبِنْتِ الْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّهَا بِنْتُ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا بِنْتًا لَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا ، لِأَنَّهَا لَا تَنْتَفِي عَنْهُ قَطْعًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ تَحْرِيمِ بِنْتِ زَوْجِ الْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ أَوْ أُمِّهِ ، وَعَدَمُ تَحْرِيمِ أُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ ، أَوْ الِابْنِ أَوْ بِنْتِهَا ، أَوْ زَوْجَةِ الرَّبِيبِ ، أَوْ الرَّابِّ لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْمَذْكُورَاتِ ( وَ ) كُلُّ ( مَنْ وَطِئَ ) فِي الْحَيَاةِ وَهُوَ وَاضِحٌ ( امْرَأَةً بِمِلْكٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ أَمْ لَا ( حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ ) ( هِيَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ ) تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ ( وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ ) الْحَيَّةُ ( بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ ) كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ وَطِئَ بِفَاسِدِ شِرَاءٍ

أَوْ نِكَاحٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا ، وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ ، وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ أَمْ لَا ( قِيلَ أَوْ حَقِّهَا ) بِأَنْ ظَنَّتْهُ كَمَا ظَنَّ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ .
وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقِيَامِ الشُّبْهَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، أَمَّا الْمَيِّتَةُ فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّضَاعِ ، وَأَمَّا الْخُنْثَى فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعُضْوِ زَائِدًا .
قَالَهُ أَبُو الْفُتُوحِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُشْعِرُ تَشْبِيهُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ التَّحْرِيمُ فَقَطْ فَلَا يَحِلُّ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّظَرُ إلَى أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتِهَا ، وَلَا الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بِهِمَا ، وَلَا مَسُّهُمَا كَالْمَوْطُوءَةِ بَلْ أَوْلَى ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَ بِهَا ثَبَتَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَمَا صَحَّحَهُ مِنْ عَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي حَقِّهَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْرِيمِ لَا الْمَهْرِ وَتَحْقِيقُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شُبْهَةَ الْوَاطِئِ فَقَطْ تُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَالنَّسَبِ وَالْعِدَّةِ لَا الْمَهْرَ وَشُبْهَةُ الْمَوْطُوءَةِ فَقَطْ تُوجِبُ الْمَهْرَ فَقَطْ لَا الْمُصَاهَرَةَ وَالْعِدَّةَ وَالنَّسَبَ ، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي حَقِّهِ صُورَتَانِ : الشُّبْهَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مَعًا ، وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ فَقَطْ ، وَخَرَجَ عَنْهُ صُورَتَانِ شُبْهَتُهَا فَقَطْ وَعَدَمُ شُبْهَتِهِ ( لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا ) فَلَا يَثْبُتُ بِزِنَاهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَلِلزَّانِي نِكَاحُ أُمِّ مَنْ زَنَى بِهَا وَبِنْتِهَا وَلِابْنِهِ وَأَبِيهِ نِكَاحُهَا هِيَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَا كَالنَّسَبِ .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُثْنِيَ زِنَا

الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمُصَاهَرَةُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْمَجْنُونِ صُورَةُ زِنًا لَا زِنًا حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إثْمٌ وَلَا حَدٌّ ، وَلَوْ لَاطَ شَخْصٌ بِغُلَامٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْفَاعِلِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ ( وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ ) كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ ( بِشَهْوَةٍ ) فِي زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ ، لَكِنْ بِشُبْهَةٍ كَمَا لَوْ مَسَّ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ( كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَذَا لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ ، وَالثَّانِي : أَنَّهَا كَالْوَطْءِ بِجَامِعِ التَّلَذُّذِ بِالْمَرْأَةِ ، وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمَحْرَمِ فَكَانَ كَالْوَطْءِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُ الشَّهْوَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ .
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ : وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَمَّا اللَّمْسُ بِغَيْرِهَا فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَمْسُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِمَا لَهُ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِهِ أَيْ فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ بِخِلَافِ لَمْسِ الزَّوْجَةِ ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَتَثْبُتُ الْعِدَّةُ وَالْمُصَاهَرَةُ وَالنَّسَبُ فَقَطْ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زَوْجٍ ، وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَيِّدٌ بِشُبْهَةٍ دُونَ الْإِحْصَانِ وَالتَّحْلِيلِ وَتَقْرِيرُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُهُ لِلْمُفَوَّضَةِ وَالْغُسْلُ وَالْمَهْرُ فِي صُورَةِ الشُّبْهَةِ ، وَاخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ بِذَلِكَ ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا تَبَعًا لِأَصْلِهِ عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِجَزْمِهِمَا بِثُبُوتِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ .
قَالَ : وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمِ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ الزَّوْجِ وُجُودُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَ الْإِنْزَالِ

وَالِاسْتِدْخَالِ ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَاءِ الْأَجْنَبِيِّ قِيَامُ الشُّبْهَةِ فِي الْحَالَيْنِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُحْتَرَمًا فِيهِمَا ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُهُ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زِنَا الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ ، وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ يَثْبُتُ جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَزْنِي بِهَا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِي زَوْجَتِهِ بِظَنِّهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ زِنًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا ( وَلَوْ اخْتَلَطَتْ ) امْرَأَةٌ ( مَحْرَمٌ ) لِشَخْصٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِلِعَانٍ أَوْ نَفْيٍ أَوْ تَوَثُّنٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ ( بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ ) غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ ( نَكَحَ مِنْهُنَّ ) جَوَازًا بِاجْتِهَادٍ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ لَتَضَرَّرَ بِالسَّفَرِ ، وَرُبَّمَا انْحَسَمَ عَلَيْهِ بَابُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ يُؤْمَنْ مُسَافَرَتُهَا إلَيْهَا وَهَذَا كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ صَيْدُ مَمْلُوكٍ بِصُيُودٍ مُبَاحَةٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ لَا يَحْرُمُ الِاصْطِيَادُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ قَوْلِهِ نَكَحَ مِنْهُنَّ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ الْجَمِيعَ ، وَبِهِ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ ، وَهَلْ يَنْكِحُ إلَى أَنْ تَبْقَى وَاحِدَةٌ أَوْ إلَى أَنْ يَبْقَى عَدَدٌ مَحْصُورٌ ؟ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ .
وَقَالَ : الْأَقْيَسُ عِنْدِي الثَّانِي .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَوَانِي مِنْ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ بِمَظْنُونِ الطَّهَارَةِ وَحِلِّ تَنَاوُلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مُتَيَقِّنِهَا أَيْ فِي مَحْصُورٍ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ، وَقَوْلُهُ : مَحْرَمُ الدَّائِرِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِالضَّمِّ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ كَمَا مَرَّتْ

الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، فَإِنْ مَنْ حَرُمَتْ بِالْجَمْعِ أَوْ بِالْعِدَّةِ كَذَلِكَ ( لَا بِمَحْصُورَاتٍ ) فَإِنَّهُ لَا يَنْكِحُ مِنْهُنَّ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ بِاجْتِنَابِهِنَّ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ لِمَنْعِنَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ إذْ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا سَبَقَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا حَلَالٌ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الصُّورَةِ الْأُولَى بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الزَّوْجِ هَلْ هُوَ مَالِكٌ أَوْ لَا وَهُوَ لَا يَضُرُّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالِكٌ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَخٌ خُنْثَى أُخْتَهُ وَتَبَيَّنَتْ ذُكُورَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَرَى ذَلِكَ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ صَحَّ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَرَادَ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا ، قَالَ الْإِمَامُ : وَالْمَحْصُورُ مَا سَهُلَ عَلَى الْآحَادِ عَدُّهُ دُونَ الْوُلَاةِ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ : غَيْرُ الْمَحْصُورِ كُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ لَعَسُرَ عَلَى النَّاظِرِ عَدُّهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَأَلْفٍ وَمَا سَهُلَ كَالْعِشْرِينَ فَمَحْصُورٌ .
قَالَ : وَمَا بَيْنَهُمَا يَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِالظَّنِّ وَمَا شَكَّ فِيهِ اسْتَفْتَى فِيهِ الْقَلْبَ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ عِنْدَ الشَّكِّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، وَخَرَجَ بِمَحْرَمٍ مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ .
فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُطْلَقًا وَلَوْ بِاجْتِهَادٍ ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يُبَاحُ بِالْعَقْدِ لَا بِالِاجْتِهَادِ ( وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبِّدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ قَطَعَهُ ) أَيْ مَنَعَ دَوَامَهُ ( كَوَطْءِ ) الْوَاضِحِ ( زَوْجَةِ ابْنِهِ ) بِنُونٍ أَوْ

بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بِخَطِّهِ حَيْثُ كَتَبَ كَلِمَةَ مَعًا عَلَى ابْنِهِ أَوْ أُمِّ زَوْجَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِنْتِهَا ( بِشُبْهَةٍ ) فَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا ، كَمَا يُمْنَعُ انْعِقَادَهُ ابْتِدَاءً سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مَحْرَمًا لِلْوَاطِئِ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَبِنْتِ أَخِيهِ أَمْ لَا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالشِّقِّ الثَّانِي .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ بِطُرُوئِهِ عَلَى النِّكَاحِ عَمَّا إذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ أَبَدًا ، وَلَا يَنْقَطِعُ عَلَى الِابْنِ مِلْكُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَبِ إحْبَالٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَحْرِيمِهَا ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدِ الْحِلِّ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُتَقَوَّمٍ ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ ، أَمَّا الْخُنْثَى فَلَا يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ النِّكَاحُ .
.

فَرْعٌ : لَوْ عَقَدَ شَخْصٌ عَلَى امْرَأَةٍ وَابْنُهُ عَلَى بِنْتِهَا وَزُفَّتَا إلَيْهِمَا بِأَنْ زُفَّتْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَوَطِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى غَلَطًا انْفَسَخَ النِّكَاحَانِ ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ مَوْطُوءَةُ ابْنِهِ وَأُمُّ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ ، وَزَوْجَةَ الِابْنِ مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ وَبِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا لِمَوْطُوءَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَعَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا بِالْوَطْءِ لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَفَعَ نِكَاحَهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَهَلْ يَلْزَمُ الثَّانِيَ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِزَوْجَتِهِ أَوْ لَا ؟ أَوْجُهٌ : أَحَدُهَا : لَا ، إذْ لَا صُنْعَ لَهُ .
وَثَانِيهَا : نَعَمْ ؛ إذْ لَا صُنْعَ لَهَا .
وَثَالِثُهَا : وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : الْأَوْجَهُ يَجِبُ لِصَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ وَمُكْرَهَةٍ وَنَائِمَةٍ ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا فَكَانَ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا ، وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ ، وَيُرْجَعُ عَلَى السَّابِقِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِمَا غَرِمَ كَمَا فِي الرَّضَاعِ ، وَلَا يَجِبُ لِعَاقِلَةٍ مُطَاوَعَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَوْ غَلَطًا كَمَا لَوْ اشْتَرَتْ حُرَّةٌ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَإِنْ وَطِئَا مَعًا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى ، وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي تَرْجِيحُهُ بِنِصْفِ مَا كَانَ يَرْجِعُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ ، وَيُهْدَرُ نِصْفُهُ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ بِفِعْلِهِمَا كَنَظِيرِهِ فِي الِاصْطِدَامِ ، وَلَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ وَلَا مَعِيَّةٌ وَجَبَ لِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَانْفَسَخَ النِّكَاحَانِ ، وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَلِزَوْجَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى ، وَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ .

وَلَوْ نَكَحَ الشَّخْصُ جَاهِلًا امْرَأَةً وَبِنْتَهَا مُرَتِّبًا فَالنِّكَاحُ الثَّانِي بَاطِلٌ ، وَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَنِكَاحُ الْأُولَى بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزِّنَا لَا أَثَرَ لَهُ أَوْ جَاهِلًا بِهِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنْتُهَا ، وَلَزِمَهُ لِلْأُولَى نِصْفُ الْمُسَمَّى ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا لِمَا مَرَّ ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ مِثْلٍ ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا إنْ كَانَتْ هِيَ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ فَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ امْرَأَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ .

وَيَحْرُمُ جَمْعُ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ فَإِنْ جَمَعَ بِعَقْدٍ بَطَلَ ، أَوْ مُرَتَّبًا فَالثَّانِي وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ ، لَا مِلْكُهُمَا فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً حَرُمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى كَبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ لَا حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ ، وَكَذَا رَهْنٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا أَوْ عَكَسَ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ دُونَهَا .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهُ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ ( وَيَحْرُمُ ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا ( جَمْعُ ) امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَوْ رَضَاعٌ لَوْ فَرَضَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا كَجَمْعِ ( الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ ) وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } [ النِّسَاء ] ، وَلِخَبَرِ : { لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى } ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِيَّةِ الرَّحِمِ ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَّعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ } كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ ) خَالَفَ وَ ( جَمَعَ ) بَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَأُخْتَيْنِ ( بِعَقْدٍ بَطَلَ ) نِكَاحُهُمَا إذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى ( أَوْ مُرَتَّبًا فَ ) الْأَوَّلُ صَحِيحٌ .
وَالثَّانِي بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهِ ، هَذَا إذَا عَلِمَ عَيْنَ السَّابِقِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَطَلَا ، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا فِي نِكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ ، فَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ ، وَخَرَجَ بِالرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ الْجَمْعُ بِالْمُصَاهَرَةِ فَجَمْعُ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ بِنْتِهِ مِنْ أُخْرَى لَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَصَلَتْ بِفَرْضِ أُمِّ الزَّوْجِ ذَكَرًا فِي الْأُولَى وَبِفَرْضِ بِنْتِهِ ذَكَرًا فِي الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ وَلَا

رَضَاعٌ بَلْ مُصَاهَرَةٌ ، وَلَيْسَ فِيهَا رَحِمٌ يُحْذَرُ قَطْعُهَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ قَيْدِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ بِأَنْ يُقَالَ : يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا قُدِّرَتْ ذَكَرًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى ، فَإِنَّ أُمَّ الزَّوْجِ وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهَا زَوْجَةُ الِابْنِ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَكِنَّ زَوْجَةَ الِابْنِ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى بَلْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرِدُ عَلَى هَذَا السَّيِّدَةُ وَأَمَتُهَا لِصِدْقِ الضَّابِطِ بِهِمَا مَعَ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعَبْدٍ ، وَكَذَا الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً بِشُرُوطِهِ ثُمَّ نَكَحَ حُرَّةً عَلَيْهَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ مِنْ التَّحْرِيمِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ الْمُقْتَضِي لِمَنْعِ النِّكَاحِ فَتَخْرُجُ هَذِهِ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا قَدْ يَزُولُ ، وَبِأَنَّ السَّيِّدَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَلَّ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ بِالْمِلْكِ ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتِ الرَّجُلِ وَرَبِيبَتِهِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَرَبِيبَةِ زَوْجِهَا مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَبَيْنَ أُخْتِ الرَّجُلِ مِنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ مِنْ أَبِيهِ إذْ لَا تَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَةِ إحْدَاهُمَا ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِرَاشَ قَدْ انْقَطَعَ ( وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ ) جَمْعُهُمَا أَيْضًا ( فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ ) أَوْ مِلْكٍ وَنِكَاحٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ ، لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ الْعَقْدُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى ( لَا مِلْكُهُمَا ) أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ كَشِرَاءِ أُخْتَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْوَطْءِ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهُ وَنَحْوَهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ ( فَإِنْ وَطِئَ ) طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا ( وَاحِدَةً ) مِنْهُمَا وَلَوْ فِي

الدُّبُرِ أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ جَاهِلَةً ( حَرُمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى ) بِمُحَرِّمٍ ( كَبَيْعٍ ) وَعِتْقٍ لِكُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا ( أَوْ نِكَاحٍ ) أَيْ تَزْوِيجِهَا ( أَوْ كِتَابَةٍ ) صَحِيحَةٍ لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، فَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُولَى أَثِمَ وَلَمْ تَحْرُمْ الْأُولَى إذْ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الثَّانِيَةَ لِئَلَّا يَجْمَعَ الْمَاءَ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ ( لَا حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ ) وَرِدَّةٍ فَإِنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ ( وَكَذَا رَهْنٌ ) مَقْبُوضٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَطْءَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَالثَّانِي : يَكْفِي الرَّهْنُ كَالتَّزْوِيجِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ لَمْ تَحِلَّ الثَّانِيَةُ جَزْمًا ، فَلَوْ عَادَ الْحِلُّ بِرَدِّ الْمَبِيعَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ وَعَجْزِ الْمُكَاتَبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ الثَّانِيَةَ بَعْدُ فَلَهُ الْآنَ وَطْءُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا لَمْ يَطَأْ الْعَائِدَ حَتَّى تَحْرُمَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأُولَى تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَاحَةً عَلَى انْفِرَادِهَا ، فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا كَمَحْرَمٍ فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى .
نَعَمْ لَوْ مَلَكَ أُمًّا وَبِنْتَهَا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا حَرُمَتْ الْأُخْرَى مُؤَبَّدًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَلَوْ بَاعَ الْمَوْطُوءَةَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : فَحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى ، وَحَيْثُ لَا فَوَجْهَانِ : وَقَالَ الْإِمَامُ : الْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِالْحِلِّ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ مَلَكَ شَخْصٌ أَمَةً وَخُنْثَى أَخَوَيْنِ فَوَطِئَهُ جَازَ لَهُ عَقِبَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَادَّعَيَا أَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً بِالرَّضَاعِ ، فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْتَمِدَهُمَا ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ

أَقَرَّتْ الْأَمَةُ أَنَّ سَيِّدَهَا أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ بَعْدَ التَّمْكِينِ ، وَفِيمَا قَبْلَهُ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي الرَّضَاعِ ، وَقِيَاسُ الزَّوْجَةِ فِي دَعْوَاهَا ذَلِكَ أَنَّهَا تُقْبَلُ ( وَلَوْ مَلَكَهَا ) أَيْ الْأَمَةَ وَطِئَهَا أَمْ لَا ( ثُمَّ نَكَحَ ) مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَأَنْ نَكَحَ ( أُخْتَهَا ) الْحُرَّةَ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا ( أَوْ عَكَسَ ) أَيْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ مَلَكَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأَنْ مَلَكَ أُخْتَهَا ( حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( دُونَهَا ) أَيْ الْمَمْلُوكَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ الْمِلْكِ ، وَلَا يُجَامِعُ النِّكَاحُ حِلَّهَا لِغَيْرِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَلَا يَنْدَفِعُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ بَلْ يَدْفَعُهُ .

وَلِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ .
( وَ ) يَحِلُّ ( لِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ ) فَقَطْ لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ نَقَلَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِيهِ .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَلِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْفَضَائِلِ فَلَمْ يَلْحَقْ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْحُرِّ كَمَا لَمْ يَلْحَقْ الْحُرُّ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ ، وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا .

وَلِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ ، فَإِنْ نَكَحَ خَمْسًا مَعًا بَطَلْنَ أَوْ مُرَتَّبًا فَالْخَامِسَةُ .

( وَ ) يَحِلُّ ( لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } [ النِّسَاء ] ، { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلَانَ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نُسْوَةٍ : أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحُوهُ ، وَإِذَا امْتَنَعَ فِي الدَّوَامِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى .
فَائِدَةٌ : ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ ، وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ ، وَرَاعَتْ شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَصْلَحَةَ النَّوْعَيْنِ ، وَقَدْ تَتَعَيَّنُ الْوَاحِدَةُ لِلْحُرِّ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ نِكَاحٍ تَوَقَّفَ عَلَى الْحَاجَةِ كَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ وَالْحُرِّ النَّاكِحِ الْأَمَةَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تِسْعٍ : مَثْنَى بِاثْنَيْنِ ، وَثُلَاثَ بِثَلَاثٍ ، وَرُبَاع بِأَرْبَعٍ ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ تِسْعٌ ، وَبَعْضٌ مِنْهُمْ تَدُلُّ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ : مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً ، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ ، وَهَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ ( فَإِنْ نَكَحَ ) الْحُرُّ ( خَمْسًا ) مَثَلًا ( مَعًا ) أَيْ بِعَقْدٍ ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَوْ الْعَبْدُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ ( بَطَلْنَ ) إذْ لَيْسَ إبْطَالُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَبَطَلَ الْجَمِيعُ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ أَوْ فِي سِتٍّ لِلْحُرِّ وَأَرْبَعٍ لِلرَّقِيقِ أُخْتَانِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِيهِمَا ، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَإِنَّمَا بَطَلَ فِيهِمَا مَعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، فَإِنْ

كَانَتَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ كَانَتَا فِي سَبْعٍ لِلْحُرِّ أَوْ خَمْسٍ لِلْعَبْدِ بَطَلَ الْجَمِيعُ ، وَفِي مَعْنَى الْأُخْتَيْنِ مَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَمُحَرَّمَةٍ وَمُلَاعَنَةٍ وَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ ( أَوْ ) نَكَحَهُنَّ ( مُرَتَّبًا ، فَالْخَامِسَةُ ) لِلْحُرِّ ، وَالثَّالِثَةُ : لِلْعَبْدِ بَطَلَ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ حَصَلَ بِهَا .
.

وَتَحِلُّ الْأُخْتُ ، وَالْخَامِسَةُ فِي عِدَّةِ بَائِنٍ لَا رَجْعِيَّةٍ .

فَرْعٌ : لَوْ عَقَدَ عَلَى سِتٍّ عَلَى ثَلَاثٍ مَعًا وَثِنْتَيْنِ مَعًا وَوَاحِدَةٍ وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْ الْعُقُودِ فَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا أُولَى أَوْ ثَالِثَةً أَوْ رَابِعَةً ، فَإِنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْعَقْدَيْنِ كَانَ ثَانِيهُمَا بَاطِلًا فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا .
قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ : وَنِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ عَقْدَيْ الْفَرِيقَيْنِ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الصِّحَّةِ ، وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ، فَقَالَ : أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ ، وَهُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا ، وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ ، فَيَتَوَقَّفُ نِكَاحُ الْخَمْسِ ، وَيُؤَاخَذُ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهِنَّ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ ؛ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِأَجْلِهِ وَيُسْأَلُ عَنْ الْبَيَانِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي : هُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ عَقْدَانِ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بَطَلَ الْعَقْدَانِ ، وَهُنَا قَدْ أَشْكَلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ثَمَّ وَاحِدَةٌ ، وَالزَّوْجُ مُتَعَدِّدٌ وَلَمْ يُعْهَدْ جَوَازُهُ أَصْلًا بَلْ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ، وَهُنَا بِالْعَكْسِ وَقَدْ عُهِدَ جَوَازُهُ ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي ذَلِكَ ( وَتَحِلُّ الْأُخْتُ ) وَنَحْوُهَا كَالْعَمَّةِ ( وَ ) الزَّائِدَةُ ( الْخَامِسَةُ ) أَوْ غَيْرُهَا ( فِي عِدَّةِ بَائِنٍ ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ ( لَا رَجْعِيَّةٍ ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَفِي مَعْنَاهَا الْمُتَخَلِّفَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُرْتَدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِمَا مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَنْكَرَتْ وَأَمْكَنَ انْقِضَاؤُهَا فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا لِزَعْمِهِ انْقِضَاءَهَا ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ نَفَقَتِهَا وَلَوْ

وَطِئَهَا حُدَّ لِمَا ذُكِرَ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ لِذَلِكَ .

وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا أَوْ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ ، وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا حَشَفَتُهُ أَوْ قَدْرُهَا ، بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ ، وَصِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَكَوْنِهِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ لَا طِفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِنَّ ، وَلَوْ نَكَحَ بِشَرْطِ إذَا وَطِئَ طَلَّقَ أَوْ بَانَتْ أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَطَلَ ، وَفِي التَّطْلِيقِ قَوْلٌ .

( وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا ) سَوَاءٌ أَوْقَعَهُنَّ مَعًا أَمْ لَا ، مُعَلَّقًا كَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ لَا ( أَوْ الْعَبْدُ ) أَوْ الْمُبَعَّضُ ( طَلْقَتَيْنِ ) كَذَلِكَ ( لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ ) زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ مَجْنُونًا ( وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا ) لَا فِي غَيْرِهِ كَدُبُرِهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْصِينُ ( حَشَفَتُهُ ) وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِلٌ كَأَنْ لَفَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَإِنَّهُ يَكْفِي تَغْيِيبُهَا كَمَا يَكْفِي فِي تَحْصِينِهَا ( أَوْ قَدْرُهَا ) مِنْ فَاقِدِهَا ، سَوَاءٌ أَوْلَجَ هُوَ أَمْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ أَوْلَجَ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْقُبُلِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَالْمُعْتَبَرُ الْحَشَفَةُ الَّتِي كَانَتْ لِهَذَا الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ ( بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ ) لِلْآلَةِ وَإِنْ ضَعُفَ الِانْتِشَارُ وَاسْتَعَانَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ أُصْبُعِهَا لِيَحْصُلَ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ الْآتِي فِي الْخَبَرِ ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَنْتَشِرْ لِشَلَلٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، فَالْمُعْتَبَرُ الِانْتِشَارُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ ، حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ السَّلِيمُ ذَكَرَهُ بِأُصْبُعِهِ بِلَا انْتِشَارٍ لَمْ يَحِلَّ كَالطِّفْلِ ، فَمَا قِيلَ : إنَّ الِانْتِشَارَ بِالْفِعْلِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ( وَ ) لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ ( صِحَّةِ النِّكَاحِ ) فَلَا يُحَلَّلُ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا وَطْءِ الشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الْحِلَّ بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ لَا يَحْنَثُ بِمَا ذَكَرَ ( وَكَوْنِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ ، لَا طِفْلًا ) لَا

يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يَتَأَتَّى مِنْهُ وَهُوَ رَقِيقٌ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْإِجْبَارِ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ ( عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِنَّ ) وَفِي وَجْهِ قَوْلٍ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِلَا انْتِشَارٍ لِشَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحُصُولِ صُورَةِ الْوَطْءِ وَأَحْكَامِهِ ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَيَكْفِي الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَتَنَاوَلُهُ ، وَفِي وَجْهٍ نَقَلَ الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاعُ يُحَلِّلُ ، وَإِنَّمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ تَنْفِيرًا مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } [ الْبَقَرَة ] أَيْ الثَّالِثَةَ : { فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [ الْبَقَرَةَ ] مَعَ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا : { جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ ، فَقَالَ : أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ } وَالْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ : اللَّذَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالْوَطْءِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْوَطْءُ نَفْسُهُ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْعَسَلِ بِجَامِعِ اللَّذَّةِ ، وَقِيسَ بِالْحُرِّ غَيْرُهُ بِجَامِعِ اسْتِيفَاءِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الطَّلَاقِ .
تَنْبِيهٌ : : قَوْلُهُ : لَا طِفْلًا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ ذَلِكَ ، بَلْ وَطْؤُهَا مُحَلِّلٌ وَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَجَزَمَ فِي الذَّخَائِرِ بِالْمَنْعِ كَالطِّفْلِ ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَوَّبَهُ ، وَالْمَعْنَى يَدْفَعُهُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ

التَّنْفِيرُ كَمَا مَرَّ ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ غَيْبُوبَةِ حَشَفَةِ الطِّفْلِ ، وَيَكْفِي وَطْءُ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ وَخَصِيٍّ وَلَوْ كَانَ صَائِمًا أَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُظَاهَرًا مِنْهَا أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي نِكَاحِ الْمُحَلَّلِ أَوْ مُحْرِمَةً بِنُسُكٍ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَلَا يَكْفِي جِمَاعُ رَجْعِيَّةٍ وَإِنْ رَاجَعَهَا ، وَلَا مُعْتَدَّةٍ لِرِدَّةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ فِي الْعِدَّةِ ، وَتُتَصَوَّرُ الْعِدَّةُ بِلَا وَطْءٍ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ اسْتَدْخَلَتْهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ وَطِئَهَا ، فَهَذَا الْوَطْءُ لَا يُحَلِّلُ لِوُجُودِهِ فِي حَالِ ضَعْفِ النِّكَاحِ .
وَيُشْتَرَطُ فِي تَحْلِيلِ الْبِكْرِ الِافْتِضَاضُ كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ .
وَحَكَى عَنْ النَّصِّ وَإِنْ أَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ ، وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ لِمُسْلِمٍ بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ فِي نِكَاحٍ نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ تَرَافُعِهِمْ إلَيْنَا ( وَلَوْ نَكَحَ ) الزَّوْجُ الثَّانِي ( بِشَرْطِ ) أَنَّهُ ( إذَا وَطِئَ طَلَّقَ ) هَا قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ ( أَوْ بَانَتْ ) مِنْهُ ( أَوْ فَلَا نِكَاحَ ) بَيْنَهُمَا وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ( بَطَلَ ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ التَّأْقِيتَ ، فَإِنْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ أُبْطِلَ إذَا أُضْمِرَ كُرِهَ ، وَمِثْلُهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِلَا شَرْطٍ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا وَطِئَهَا ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا لِلْأَوَّلِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ الْفُرْقَةَ بَلْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
فَإِنْ نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يَطَأَهَا إلَّا نَهَارًا أَوْ إلَّا مَرَّةً مَثَلًا بَطَلَ النِّكَاحُ أَيْ لَمْ يَصِحَّ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ جِهَتِهَا

لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ وَقَعَ الشَّرْطُ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ ، وَالتَّمَكُّنُ حَقٌّ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُهُ ، وَلِلرَّافِعِيِّ هُنَا إشْكَالٌ ذَكَرْتُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ ( وَفِي التَّطْلِيقِ قَوْلٌ ) إنْ شَرَطَهُ لَا يَبْطُلُ ، وَلَكِنْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْمُسَمَّى ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِإِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَلِلتَّنَاقُضِ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ وَأَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ فَكَشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا ، وَإِنْ أَرَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ .
تَتِمَّةٌ : يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي التَّحْلِيلِ بِيَمِينِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِنْ أَكْذَبَهَا الثَّانِي مِنْ وَطْئِهِ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى فَرْجِهَا ، وَالْوَطْءُ مِمَّا يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
نَعَمْ إنْ حَلَفَ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا أَيْضًا بِيَمِينِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، وَلِلْأَوَّلِ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ ظَنَّ كَذِبَهَا ، لَكِنْ يُكْرَهُ .
فَإِنْ قَالَ : هِيَ كَاذِبَةٌ مُنِعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا إلَّا إنْ قَالَ بَعْدَهُ تَبَيَّنَ لِي صِدْقُهَا ، وَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ بِإِزَالَةِ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ التَّحْلِيلِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ .

فَصْلٌ لَا يَنْكِحُ مَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا ، وَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا بَطَلَ نِكَاحُهُ ، وَلَا تَنْكِحُ مَنْ تَمْلِكُهُ أَوْ بَعْضَهُ .
فَصْلٌ فِيمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ مِنْ الرِّقِّ ( لَا يَنْكِحُ ) الرَّجُلُ ( مَنْ يَمْلِكُهَا ) كُلَّهَا ( أَوْ بَعْضَهَا ) وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَمُكَاتَبَةً لِتَنَاقُضِ أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ ، إذْ الْمِلْكُ لَا يُوجِبُ الْقَسَمَ وَلَا يَقْتَضِي الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ، وَعِنْدَ التَّنَاقُضِ يَثْبُتُ الْأَقْوَى وَيَسْقُطُ الْأَضْعَفُ ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى ( وَ ) عَلَى هَذَا ( لَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا ) مِلْكًا تَامًّا ( بَطَلَ نِكَاحُهُ ) أَيْ انْفَسَخَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَمْلِكُ بِهِ إلَّا ضَرْبًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا ثُمَّ مَلَكَهَا فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ ( وَلَا تَنْكِحُ ) الْمَرْأَةُ ( مَنْ تَمْلِكُهُ ) كُلَّهُ ( أَوْ بَعْضَهُ ) لِتَضَادِّ الْأَحْكَامِ أَيْضًا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ مِلْكًا تَامًّا انْفَسَخَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِالسَّفَرِ إلَى الشَّرْقِ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا وَهُوَ يُطَالِبُهَا بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى الْغَرْبِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، وَإِذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ بِحَقِّ النِّكَاحِ بَعَثَتْهُ فِي أَشْغَالِهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ رَفَعَ الْأَقْوَى الْأَضْعَفَ كَمَا تَقَدَّمَ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ تَامًّا ، بِأَنْ ابْتَاعَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ابْتَاعَتْهُ كَذَلِكَ ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ بِالتَّامِّ كَمَا قَدَّرْتُهُ لِتَخْرُجَ هَذِهِ الصُّورَةُ .

وَلَا الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ : أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ ، قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ ، وَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ تَصْلُحُ ، قِيلَ أَوْ لَا تَصْلُحُ ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَائِبَةٍ حَلَّتْ لَهُ أَمَةٌ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ ، وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالْأَصَحُّ حِلُّ أَمَةٍ فِي الْأُولَى ، دُونَ الثَّانِيَةِ ، وَأَنْ يَخَافَ زِنًا ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ تَسَرٍّ فَلَا خَوْفَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِسْلَامُهَا وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، لَا لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي الْمَشْهُورِ ، وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ كَرَقِيقَةٍ .

( وَلَا ) يَنْكِحُ ( الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ ) أَرْبَعَةٍ : ثَلَاثَةٌ فِي النَّاكِحِ ، وَوَاحِدٌ فِي الْأَمَةِ ، وَهُوَ يَعُمُّ الْحُرَّ وَغَيْرَهُ ، وَيَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ ( أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ) وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ، ثُمَّ وَصَفَ الْحُرَّةَ بِكَوْنِهَا ( تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ ) بِهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ ، وَلِأَنَّ وُجُودَهَا أَعْظَمُ مِنْ اسْتِطَاعَةِ طَوْلِهَا ، وَاسْتِطَاعَةُ الطَّوْلِ وَعَدَمُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ مَانِعَانِ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ، فَهَذَا الشَّرْطُ مَعَ شَرْطِ خَوْفِ الزِّنَا مُتَّحِدَانِ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ أَمِنَ مِنْ الْعَنَتِ ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَنَتِ بِلَا وُجُودِ حُرَّةٍ مَانِعًا فَلَأَنْ يَكُونَ مَعَ وُجُودِهَا أَوْلَى ، فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الشَّرْطِ ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ : ( قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ ) لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَأَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ رَتْقَاءَ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ فِي خَبَرِ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا ، وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى حُرَّةٍ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ تَنْبِيهٌ : جَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَحْوَطَ ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ أَصَحُّ ، وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحٍ ، لَكِنْ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْجَوَازُ أَكْثَرُ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : فَتَصْحِيحُ الْكِتَابِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ عَجِيبٌ .
وَقَالَ الْغَزِّيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحَرَّرَ إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ : الْأَحْوَطَ إلَى تَرْجِيحِهِ ، وَكَيْفَ يَقْتَصِرُ فِي كِتَابٍ الْتَزَمَ فِيهِ التَّنْصِيصَ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مُقَابِلِهِ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ ،

وَالتَّعْبِيرُ بِالْحُرَّةِ أَيْضًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الْحُرَّةَ وَالرَّقِيقَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْكُوحَةِ لَشَمَلَهَا .
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَنْكِحُ أَمَتَيْنِ ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ : أَمَةَ غَيْرِهِ أَمَةُ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبُهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْإِعْفَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مُعْسِرًا .
وَأَمَّا أَمَةُ مُكَاتَبِهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا ، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهَا ، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ : الْعَبْدُ وَلَوْ مُبَعَّضًا ، فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) ثَانِي الشُّرُوطِ ( أَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً ( تَصْلُحُ ) لِلِاسْتِمْتَاعِ لِفَقْدِهَا أَوْ فَقْدِ صَدَاقِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ بِنِكَاحِهِ لِقُصُورِ نَسَبِهِ وَنَحْوِهِ .
تَنْبِيهٌ : : جُعِلَ الْعَجْزُ عَنْ الْحُرَّةِ دُونَ صَدَاقِهَا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَجِدْ خَلِيَّةً مِنْ زَوْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ إذَا لَمْ تَرْضَ الْحُرَّةُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مَا لَوْ وَجَدَ أَمَةً وَحُرَّةً وَكَانَ صَدَاقُ الْأَمَةِ الَّتِي لَا يَرْضَى سَيِّدُهَا إلَّا بِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الْحُرَّةِ الْمَوْجُودَةِ وَلَمْ تَرْضَ الْحُرَّةُ أَيْضًا إلَّا بِمَا طَلَبَ سَيِّدُ الْأَمَةِ ، فَمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَنْكِحَ بِصَدَاقِهَا حُرَّةً وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْحُرَّةِ ، وَجُمْلَةُ : " تَصْلُحُ " صِفَةُ حُرَّةٍ أَيْ تَصْلُحُ تِلْكَ الْحُرَّةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ ( قِيلَ أَوْ لَا تَصْلُحُ ) لَهُ كَصَغِيرَةٍ ، وَأَحَالَ فِي الْمُحَرَّرِ الْخِلَافَ هُنَا

عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ ، لَكِنْ صَحَّحَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا اشْتِرَاطَ صَلَاحِيَّتِهَا ( فَلَوْ قَدَرَ عَلَى ) حُرَّةٍ ( غَائِبَةٍ ) عَنْ بَلَدِهِ ( حَلَّتْ لَهُ أَمَةٌ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا ) وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَشَقَّةَ بِأَنْ يُنْسَبَ مُتَحَمِّلُهَا فِي طَلَبِ الزَّوْجَةِ إلَى الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ ( أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ ) أَيْ قَصْدِ الْحُرَّةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ وَوُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ ، وَيَجِبُ السَّفَرُ لِلْحُرَّةِ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إذَا أَمْكَنَ انْتِقَالُهَا مَعَهُ إلَى وَطَنِهِ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمُقَامَ مَعَهَا هُنَاكَ مِنْ التَّغَرُّبِ ، وَالرُّخَصُ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّضْيِيقَ ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ بِبَيْعِ مَسْكَنِهِ أَوْ خَادِمِهِ حَلَّتْ الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَمَةٌ غَيْرُ مُبَاحَةٍ ، فَإِنْ وَفَّتْ قِيمَتُهَا بِمَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ يَتَسَرَّى بِهَا لَمْ يَنْكِحْ الْأَمَةَ وَإِلَّا فَيَنْكِحُهَا ، وَحُمِلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِلْخِدْمَةِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ، وَلَا يَمْنَعُ مَالُهُ الْغَائِبُ نِكَاحَهُ الْأَمَةَ كَمَا لَا يُمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ الزَّكَاةَ ( وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً ) تَرْضَى ( بِمُؤَجَّلٍ ) وَلَمْ يَجِدْ الْمَهْرَ وَهُوَ يَتَوَقَّعُ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ ( أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ ) وَهُوَ وَاجِدُهُ ( فَالْأَصَحُّ حِلُّ أَمَةٍ ) وَاحِدَةٍ ( فِي ) الصُّورَةِ ( الْأُولَى ) لِأَنَّ ذِمَّتَهُ تَصِيرُ مَشْغُولَةً فِي الْحَالِ ، وَقَدْ لَا يَصْدُقُ رَجَاؤُهُ عِنْدَ تَوَجُّهِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : لَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ ، وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ ، وَهُوَ قَدْرُ مَهْرِهَا ، أَوْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ

بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ ، أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ ، أَوْ مَنْ يَهَبُ لَهُ مَالًا أَوْ أَمَةً .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّيَمُّمِ وُجُوبَ شِرَاءِ الْمَاءِ بِمُؤَجَّلٍ بِأَجَلٍ يَمْتَدُّ إلَى وُصُولِهِ بَلَدَ مَالِهِ ، وَرِضَاهَا بِالْمُؤَجَّلِ أَوْلَى مِنْ رِضَا رَبِّ الْمَاءِ بِتَأْجِيلِ ثَمَنِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تُمْهَرُ غَالِبًا بِالْمَهْرِ الْحَالِّ بِخِلَافِ رَبِّ الدَّيْنِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الزَّوْجَةِ كُلْفَةً أُخْرَى وَهِيَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ فَإِنَّهُمَا يَجِبَانِ بِمُجَرَّدِ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَاءِ ( دُونَ ) الصُّورَةِ ( الثَّانِيَةِ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ .
وَالثَّانِي : لَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمِنَّةَ فِيهِ قَلِيلَةً لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْمُهُورِ ، وَلَوْ رَضِيَتْ حُرَّةٌ بِلَا مَهْرٍ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ لِوُجُوبِ مَهْرِهَا بِالْوَطْءِ ، وَلِأَنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْفَرْضِ فِي الْحَالِ ، فَتَشْتَغِلُ ذِمَّتُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مُوسِرٌ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ وَلَدِهِ لِوُجُوبِ إعْفَافِهِ عَلَيْهِ ( وَ ) ثَالِثُ الشُّرُوطِ ( أَنْ يَخَافَ زِنًا ) بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ وَتَضْعُفَ تَقْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ الزِّنَا أَوْ قَوِيَتْ شَهْوَتُهُ لَا عَلَى نُدُورٍ ، فَمَنْ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ وَلَهُ تَقْوَى أَوْ مُرُوءَةٌ أَوْ حَيَاءٌ يَسْتَقْبِحُ مَعَهُ الزِّنَا ، أَوْ قَوِيَتْ شَهْوَتُهُ وَتَقْوَاهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الزِّنَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِقَّ وَلَدَهُ لِقَضَاءِ وَطَرٍ أَوْ كَسْرِ شَهْوَةٍ .
وَأَصْلُ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ ، سُمِّيَ بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَبُهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْأُخْرَى .
وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ : {

ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } [ النِّسَاء ] وَالطَّوْلُ السَّعَةُ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَبِالْعَنَتِ عُمُومُهُ لَا خُصُوصُهُ حَتَّى لَوْ خَافَ الْعَنَتَ مِنْ أَمَةٍ بِعَيْنِهَا لِقُوَّةِ مَيْلِهِ إلَيْهَا وَحُبِّهِ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ هُنَا ؛ لِأَنَّ هَذَا تَهْيِيجٌ مِنْ الْبَطَالَةِ وَإِطَالَةِ الْفِكْرِ ، وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ اُبْتُلِيَ بِهِ وَسَلَاهُ تَنْبِيهٌ : : لَوْ حَذَفَ الرُّويَانِيُّ : وَاجِدًا لِلطَّوْلِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ نِكَاحِهَا عِنْدَ فَقْدِ الطَّوْلِ فَيُفَوِّتُ اعْتِبَارَ عُمُومِ الْعَنَتِ ، مَعَ أَنَّ وُجُودَ الطَّوْلِ كَافٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِهَا ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَجْبُوبَ ذَكَرُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَا وَإِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ : لَهُ وَلِلْخَصِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْمُؤَثِّمِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : يَنْبَغِي جَوَازُهُ لِلْمَمْسُوحِ مُطْلَقًا ؛ لِانْتِفَاءِ مَحْذُورِ رِقِّ الْوَلَدِ ، وَلَوْ وَجَدَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا ، وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ وَادَّعَى الزَّوْجُ حُدُوثَ الْجَبِّ بَعْدَ النِّكَاحِ ، وَأَمْكَنَ حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهَا بُطْلَانُ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُهُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مُنْدَمِلًا وَقَدْ عُقِدَ النِّكَاحُ أَمْسِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ ( فَلَوْ أَمْكَنَهُ ) أَيْ مَنْ خَافَ زِنًا ( تَسَرٍّ ) بِأَمَةٍ صَالِحَةٍ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِأَنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ ، أَوْ أَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَكَانَ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ لَا يَكْفِي لِلتَّزَوُّجِ بَلْ لِلتَّسَرِّي ( فَلَا خَوْفَ ) حِينَئِذٍ مِنْ الزِّنَا قَطْعًا فَلَا يَنْكِحُ الْأَمَةَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَمْنِهِ الْعَنَتَ مَعَ وُجُودِهَا فَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى إرْقَاقِ وَلَدِهِ .
وَالثَّانِي : تَحِلُّ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا دُونَ

الْحُرَّةِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُحَرَّرِ لَمْ يَنْكِحْ الْأَمَةَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ لَا فِي الْخَوْفِ لِلْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ ( وَ ) رَابِعُ الشُّرُوطِ ( إسْلَامُهَا ) أَيْ الْأَمَةِ الَّتِي يَنْكِحُهَا الْحُرُّ ، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } [ النِّسَاءَ ] وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا نُقْصَانٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَثَّرَ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ وَهُمَا الْكُفْرُ وَالرِّقُّ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ لِاجْتِمَاعِ نَقْصَيْ الْكَافِرِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ .
تَنْبِيهٌ : سُكُوتُهُ عَنْ اعْتِبَارِ إسْلَامِ سَيِّدِهَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْكُوحَةِ .
وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إرْقَاقِ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ ( وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدِّينِ ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَمَا لَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ تَنْبِيهٌ : لَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ فِي الْحُرِّ الْكِتَابِيِّ بِاشْتِرَاطِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَفَقْدِ طَوْلِ الْحُرَّةِ ، وَاَلَّذِي فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ اشْتِرَاطُهُمَا كَالْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِثْلَهُ إلَّا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْرَارِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَنِكَاحُ الْحُرِّ الْمَجُوسِيِّ أَوْ الْوَثَنِيِّ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْوَثَنِيَّةَ كَنِكَاحِ الْكِتَابِيِّ الْكِتَابِيَّةَ ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا طَلَبُوا مِنْ قَاضِينَا ذَلِكَ وَإِلَّا فَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ ( لَا ) أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ ( لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ ( فِي الْمَشْهُورِ ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نِكَاحِهَا كُفْرُهَا فَسَاوَى الْحُرَّ كَالْمُرْتَدَّةِ

وَالْمَجُوسِيَّةِ .
وَالثَّانِي : لَهُ نِكَاحُهَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّقِّ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى النَّاكِحِ وَلَا مُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهَا ( وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ ) وَبَاقِيهَا حُرٌّ حُكْمُهُ ( كَرَقِيقَةٍ ) كُلِّهَا فَلَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ إلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ مَحْذُورٌ .
تَنْبِيهٌ : إطْلَاقُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى مُبَعَّضَةٍ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَهْوَنُ مِنْ إرْقَاقِ كُلِّهِ ، وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ اُقْتُصِرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ؛ لِأَنَّ تَخْفِيفَ الرِّقِّ مَطْلُوبٌ ، وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضَةِ يَنْعَقِدُ مُبَعَّضًا وَهُوَ الرَّاجِحُ أَيْضًا .
أَمَّا إذَا قُلْنَا يَنْعَقِدُ حُرًّا كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ امْتَنَعَ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَطْعًا ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ لِرِقِّ أَوْلَادِهَا .
نَعَمْ الْمَمْسُوحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي ، وَكَذَا مَنْ أَوْصَى لَهُ بِأَوْلَادِهَا فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ .
وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ كَالرَّقِيقِ فَيَنْكِحُ الْأَمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ، كَمَا أَنَّ الْمُبَعَّضَةَ كَالْأَمَةِ كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ .

وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً لَمْ تَنْفَسِخْ الْأَمَةُ ، وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ بَطَلَتْ الْأَمَةُ ، لَا الْحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ .

ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى فَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةِ : يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَالَ ( وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ ) أَيْ شُرُوطِ نِكَاحِ الْأَمَةِ ( ثُمَّ أَيْسَرَ ) وَلَمْ يَنْكِحْ ( أَوْ نَكَحَ حُرَّةً ) بَعْدَ يَسَارِهِ ( لَمْ تَنْفَسِخْ الْأَمَةُ ) أَيْ نِكَاحُهَا لِقُوَّةِ الدَّوَامِ وَلِهَذَا الْإِحْرَامِ الْعِدَّةُ وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ دُونَ دَوَامِهِ ( وَلَوْ جَمَعَ مَنْ ) أَيْ شَخْصٌ ( لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ ) بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ نِكَاحِهَا السَّابِقَةُ ( حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ ) كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ قَالَ لَهُ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَأَمَتِي قَبِلْت نِكَاحَهُمَا ( بَطَلَتْ الْأَمَةُ ) أَيْ نِكَاحُهَا قَطْعًا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ نِكَاحِهَا فَقْدُ الْحُرَّةِ ( لَا الْحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ ) مِنْ قَوْلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : بِعَقْدٍ مَا لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ وَزَوَّجْتُك أَمَتِي بِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْبِنْتَ ثُمَّ الْأَمَةَ ، أَوْ قَبِلَ الْبِنْتَ فَقَطْ صَحَّتْ الْبِنْتُ جَزْمًا فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَلَوْ قُدِّمَتْ الْأَمَةُ فِي تَفْصِيلِهَا إيجَابًا وَقَبُولًا صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِيمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إنْ قَبِلَ الْحُرَّةَ بَعْدَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ ، وَلَوْ فَصَّلَ الْوَلِيُّ الْإِيجَابَ وَجَمَعَ الزَّوْجُ الْقَبُولَ أَوْ عَكْسَهُ فَكَتَفْصِيلِهَا فِي الْأَصَحِّ .
أَمَّا لَوْ جَمَعَهُمَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِعَقْدٍ كَأَنْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْجِيلِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْأَمَةِ قَطْعًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَارِنُ الْحُرَّةَ كَمَا لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا .
وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَفِيهَا طَرِيقَانِ : أَرْجَحُهُمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ .
وَالثَّانِي : الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَكَانَتَا كَالْأُخْتَيْنِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ

أَقْوَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ، وَالْأُخْتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا أَقْوَى ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ ، وَغَيْرَهُ فِيمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ ، فَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ لِذَلِكَ ، وَأَيْضًا مَنْ تَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ حُرٍّ صَحَّ نِكَاحُهُمَا وَإِلَّا فَكَالْحُرَّةِ ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ فِي عَقْدٍ بَيْنَ أُخْتَيْنِ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ وَالْأُخْرَى أَمَةٌ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مُسْلِمَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا صَحَّ فِي الْمُسْلِمَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ ، أَوْ خَلِيَّةٍ وَمُعْتَدَّةٍ ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَوْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا قَطْعًا كَالْأُخْتَيْنِ .
تَتِمَّةٌ : وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ رَقِيقٌ لِمَالِكِهَا تَبَعًا لَهَا وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْحُرُّ عَرَبِيًّا ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ شُبْهَةٍ لَا تَقْتَضِي حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ زِنًا ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِأُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَوَلَدُهُ مِنْهَا كَالْأُمِّ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ وَلَدَ الْمُسْتَوْلَدَةِ يَكُونُ حُرًّا فَيَكُونُ حُرًّا كَمَا فِي الْأَنْوَارِ ، وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ .

فَصْلٌ يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ .
فَصْلٌ فِي نِكَاحِ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ ، وَهُنَّ ثَلَاثُ فِرَقٍ : الْأُولَى : مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَابِدَةِ شَمْسٍ أَوْ صُورَةٍ كَصَنَمٍ ، وَكَذَا الْمُعْتَقِدَةُ لِمَذْهَبِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَكُلُّ مَذْهَبٍ يَكْفُرُ مُعْتَقِدُهُ .
الثَّانِيَةُ : مَنْ لَهَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَمَجُوسِيَّةٍ .
الثَّالِثَةُ : مَنْ لَهَا كِتَابٌ مُحَقَّقٌ كَيَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيَّةٍ ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفِرْقَةِ الْأُولَى فَقَالَ : ( يَحْرُمُ ) عَلَى الْمُسْلِمِ ( نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا ) أَصْلًا ( كَوَثَنِيَّةٍ ) وَهِيَ عَابِدَةُ الْوَثَنِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عَابِدَةُ الصَّنَمِ إذَا قُلْنَا بِتَرَادُفِهِمَا ، وَقِيلَ : الصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا ، وَالْوَثَنُ مَا كَانَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ ، أَوْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُصَوَّرِ وَغَيْرِ الْمُصَوَّرِ ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ صَنَمٍ وَثَنٌ وَلَا عَكْسَ ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ .
أَمَّا الْحُكْمُ فَلَا يَخْتَلِفُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ : ( وَمَجُوسِيَّةٍ ) وَهِيَ عَابِدَةُ النَّارِ إذْ لَا كِتَابَ بِأَيْدِي قَوْمِهَا الْآنَ وَلَمْ نَتَيَقَّنْهُ مِنْ قَبْلُ فَتَحْتَاطُ ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ وَمَجُوسِيَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا لَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى وَثَنِيَّةٍ حَتَّى يَقْتَضِيَ أَنَّهُ لَا كِتَابَ لَهَا أَصْلًا فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ : ( وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ ) أَيْ نِكَاحُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [ النِّسَاءَ ] أَيْ حِلٌّ لَكُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } [ الْبَقَرَةَ ] نَعَمْ يُسْتَثْنَى نِكَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ ؛ لِأَنَّهَا تُكْرَهُ صُحْبَتَهُ ، وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الْأَحْزَابَ ] وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّسَرِّي بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا حِلُّ التَّسَرِّي لَهُ بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ ، وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَطَأُ صَفِيَّةَ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ } .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : تَسَرَّى بِرَيْحَانَةَ وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ .
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ أَصَالَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ لَهُ ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فِيهِمَا .

وَفِي تَحْرِيمِ الْوَثَنِيَّةِ عَلَى الْكِتَابِيِّ وَجْهَانِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّحْرِيمُ وَهَلْ تَحْرُمُ الْوَثَنِيَّةُ عَلَى الْوَثَنِيِّ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : يَنْبَغِي إنْ قُلْنَا : إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا حِلَّ وَلَا حُرْمَةَ .

وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَالْكِتَابِيَّةُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ وَغَيْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا إنْ عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ ، وَقِيلَ يَكْفِي قَبْلَ نَسْخِهِ .

وَلَا فَرْقَ فِي حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ لِلْمُسْلِمِ بَيْنَ الْحَرْبِيَّةِ وَالذِّمِّيَّةِ ( لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ ) لَيْسَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ قَهْرِنَا وَقَدْ تُسْتَرَقُّ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَلَا تُصَدَّقُ فِي أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَلِمَا فِي الْمَيْلِ إلَيْهَا مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ ( وَكَذَا ) تُكْرَهُ ( ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) لِمَا مَرَّ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ ، لَكِنَّ الْحَرْبِيَّةَ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْهَا ، وَالثَّانِي : لَا تُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ إهَانَةٌ وَالْكَافِرَةُ جَدِيرَةٌ بِذَلِكَ ، هَذَا إذَا وَجَدَ مُسْلِمَةً ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ : وَقَدْ يُقَالُ بِاسْتِحْبَابِ نِكَاحِهَا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهَا ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَفَّالُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إبَاحَةِ الْكِتَابِيَّةِ مَا يُرْجَى مِنْ مَيْلِهَا إلَى دِينِ زَوْجِهَا فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ الْمَيْلُ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَإِيثَارِهِنَّ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ، وَلِهَذَا حَرُمَتْ الْمُسْلِمَةُ عَلَى الْمُشْرِكِ ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالتَّسَرِّي هُنَاكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ ( وَالْكِتَابِيَّةُ : يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَنْ تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا } [ الْأَعْرَافَ ] وَالْأُولَى : اُشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ يَهُودِ بْنِ يَعْقُوبَ .
وَالثَّانِيَةُ : مِنْ نَاصِرَةَ قَرْيَةٍ بِالشَّامِ كَانَ مَبْدَأُ دِينِ النَّصَارَى مِنْهَا ( لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ ، وَهُوَ كِتَابُ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( وَغَيْرِهِ ) كَصُحُفِ شِيثٍ وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ فَلَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْجِزْيَةِ ،

وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ ، فَقِيلَ : لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ وَيُتْلَى ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِمْ مَعَانِيهَا .
وَقِيلَ : لِأَنَّهَا حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ لَا أَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ ، وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ فِيهَا نَقْصًا وَاحِدًا وَهُوَ كُفْرُهَا وَغَيْرُهَا فِيهَا نُقْصَانُ الْكُفْرِ وَفَسَادُ الدِّينِ ( فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهُوَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلْ كَانَتْ مِنْ الرُّومِ وَنَحْوِهِ .
فَائِدَةٌ : إسْرَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ عَبْدٌ وَإِيَّلُ اسْمُ اللَّهِ ( فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا ) لِلْمُسْلِمِ ( إنْ عَلِمَ دُخُولَ قَوْمِهَا ) أَيْ آبَائِهَا أَيْ أَوَّلِهِمْ أَيْ أَوَّلِ مَنْ تَدَيَّنَ مِنْهُمْ ( فِي ذَلِكَ الدِّينِ ) أَيْ دِينِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ ) لِتَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ الدِّينِ حِينَ كَانَ حَقًّا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا كَمَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ قَطْعًا ، وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِفَقْدِ النَّسَبِ ( وَقِيلَ يَكْفِي ) دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ ( قَبْلَ نَسْخِهِ ) وَلَوْ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ تَزَوَّجُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إنْ دَخَلُوا فِيهِ بَعْدَ التَّحْرِيفِ ، فَإِنْ تَمَسَّكُوا بِغَيْرِ الْمُحَرَّفِ فَكَمَا قَبْلَ التَّحْرِيفِ فَتَحِلُّ فِي الْأَظْهَرِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ التَّحْرِيمُ إذَا شَكَّ هَلْ دَخَلُوا قَبْلَ التَّحْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَكَذَا تَحْرُمُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَكِنْ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ ، أَمَّا مَنْ دَخَلَ أَوَّلُ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَحِلُّ ، وَكَذَا مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ

إسْرَائِيلِيَّةً عَمَّا إذَا كَانَتْ إسْرَائِيلِيَّةً نِسْبَةً إلَى إسْرَائِيلَ ، وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ لَا يَعْلَمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ بَعْثَةٍ تَنْسَخُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَذَلِكَ بِأَنْ عَلِمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَوْ شَكَّ ، وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ فِيهِ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ أَوْ بَعْدَ بَعْثَةٍ لَا تَنْسَخُهُ كَبَعْثَةِ مَنْ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى فَإِنَّهُ يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِشَرَفِ نَسَبِهَا .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْيَهُودِ وَإِلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ، وَأَنَّ آبَاءَهُمْ دَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَبْدِيلِهِ أَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَقَبْلَ النَّسْخِ أَيْ وَاجْتَنَبُوا الْمُبَدَّلَ .
قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ : إنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِدَعْوَاهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْقَبُولِ .
قَالَ : وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِالتَّشَوُّفِ إلَى حَقْنِ الدِّمَاءِ بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ ، فَإِنَّهُ يُحْتَاطُ لَهَا قَالَ : وَعَلَى هَذَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ الْيَوْمَ ا هـ .
وَاعْتَمَدَ الْفَرْقَ الْأَذْرَعِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : وَحِينَئِذٍ فَنِكَاحُ الذِّمِّيَّاتِ فِي وَقْتِنَا مُمْتَنِعٌ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَيَشْهَدَانِ بِصِحَّةِ مَا يُوَافِقُ دَعْوَاهُمْ ، أَمَّا بَعْدَ النَّسْخِ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تُفَارِقُ فِيهِ الْإِسْرَائِيلِيَّة غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ ؛ لِسُقُوطِ فَضِيلَةِ النَّسَبِ بِالنَّسْخِ ، وَأَمَّا مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : لَا ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، هَلْ نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى أَوْ خَصَّصَتْهَا ، وَالنَّاسِخُ شَرِيعَتُنَا ، وَفِيهِ خِلَافٌ ، قِيلَ : خَصَّصَتْهَا ؛ لِأَنَّ

عِيسَى مُقَرِّرٌ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ ، وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ نَسَخَتْ الَّتِي قَبْلَهَا كَشَرِيعَةِ عِيسَى نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى ، وَشَرِيعَتِنَا نَسَخَتْ سَائِرَ الشَّرَائِعِ ا هـ .

وَحُكْمُ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيمَنْ ذُكِرَ حُكْمُ النِّكَاحِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي وَطْءِ السَّبَايَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا عَسُرَ فِيمَا يَظْهَرُ .

وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ ، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَكَذَا جَنَابَةٌ ، وَتَرْكِ أَكْلِ خِنْزِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ ، وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا .

( وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ ) وَغَيْرِهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ التَّوَارُثِ كَمَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الْقَذْفِ ، فَإِنَّ فِي قَذْفِهَا التَّعْزِيرَ كَمَا سَيَأْتِي وَلَهُ دَفْعُهَا بِاللِّعَانِ ، وَفِي أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا ( وَتُجْبَرُ ) الزَّوْجَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَذَا الْأَمَةُ ( عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ ) أَيْ لِلْحَلِيلِ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ إذَا ظَهَرَتْ لِتَوَقُّفِ حِلِّ الْوَطْءِ عَلَيْهِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : لَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِاسْتِمْتَاعِ لَا أَصْلُهُ عَلَى عَقِيدَتِهِ فَهُوَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَيَسْتَبِيحُ بِهَذَا الْغُسْلِ الْوَطْءَ وَإِنْ لَمْ تَتَوَضَّأْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمُسْلِمَةِ الْمَجْنُونَةِ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ( وَكَذَا جَنَابَةٌ ) أَيْ تُجْبَرُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ ( وَ ) عَلَى ( تَرْكِ أَكْلِ ) لَحْمِ ( خِنْزِيرٍ ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ كَمَالُ التَّمَتُّعِ عَلَى زَوَالِهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) كَمَا تُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ .
وَالثَّانِي : لَا إجْبَارَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ تَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالذِّمِّيَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ تُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَطْعًا وَهُوَ مَا جَارَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيَّ وَقَيَّدَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بِمَا إذَا حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي بَالِغَةٍ .
قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ صَلَاةً فَفِي إجْبَارِهَا الْقَوْلَانِ ، وَالْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ حَقَّ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِمْتَاعِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّلَاةِ ، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَوْجَهُ ،

وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إجْبَارِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى مَنْعِ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ حِلَّهُ كَالنَّصْرَانِيَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ تَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَالْيَهُودِيَّةِ مَنَعَهَا مِنْهُ قَطْعًا ( وَ ) الْكِتَابِيَّةُ ( تُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَمَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالتَّنْجِيسِ ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِعُضْوٍ نَجِسٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ يُتَوَلَّدُ مِنْهُ تَنْجِيسٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَفِي قَدْرِ مَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْغَسْلِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا : سَبْعًا كَوُلُوغِهِ .
وَالثَّانِي : مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ ا هـ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ .
تَنْبِيهٌ : تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَعْضَاءِ قَدْ يُخْرِجُ الثَّوْبَ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ مَا كَانَ نَجِسًا قَطْعًا ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دِبَاغِهِ ، وَلُبْسِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَلَهُ إجْبَارُهَا أَيْضًا عَلَى التَّنْظِيفِ بِالِاسْتِحْدَادِ وَقَلْمِ الْأَظَافِرِ وَإِزَالَةِ شَعْرِ الْإِبِطِ وَالْأَوْسَاخِ إذَا تَفَاحَشَ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ كَبَصَلٍ وَثُومٍ ، وَمِنْ أَكْلِ مَا يُخَافُ مِنْهُ حُدُوثُ الْمَرَضِ ، وَلَهُ مَنْعُ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ شُرْبِ مَا يُسْكِرُ ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ كَمَا يَمْنَعَ الْمُسْلِمَةَ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسسْكِرُ ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ وَكَالزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ السَّيِّدُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ، وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْوَثَنِيَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَفَادَهَا

الْأَمَانَ مِنْ الْقَتْلِ .

وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَةُ الْيَهُودَ وَالصَّابِئُونَ النَّصَارَى فِي أَصْلِ دِينِهِمْ حَرُمْنَ ، وَإِلَّا فَلَا .

( وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ ) أَوْ مَجُوسِيٍّ ( وَكِتَابِيَّةٍ ) جَزْمًا ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَهُوَ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ ( وَكَذَا عَكْسُهُ ) أَيْ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ ( فِي الْأَظْهَرِ ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ .
وَالثَّانِي : تَحِلُّ ؛ لِأَنَّهَا تُنْسَبُ لِلْأَبِ ، وَهَذَا فِي صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ ، فَإِنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةً ثُمَّ تَبِعَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا لَحِقَتْ بِهِ فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهَا شُعْبَةٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّا غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ مَا دَامَتْ تَابِعَةً لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاسْتَقَلَّتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ قَوِيَتْ تِلْكَ الشُّعْبَةُ ، وَقِيلَ لَا تَلْحَقُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا كَالْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنَ مَجُوسِيِّينَ ، وَتَأَوَّلَ قَائِلُهُ النَّصَّ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا فَبَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ أَحَدِهِمَا ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَتَأْوِيلُ النَّصِّ بِمَا ذُكِرَ عَجِيبٌ فَقَدْ صَوَّرَهَا فِي الْأُمِّ بِأَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهَا نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرَ مَجُوسِيٌّ ا هـ .
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : النَّصُّ هُنَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَرَجَّحُوهُ ( وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَةُ ) وَهِيَ طَائِفَةٌ تُعَدُّ مِنْ الْيَهُودِ ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا إلَى أَصْلِهَا السَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ ( الْيَهُودَ ، وَالصَّابِئُونَ ) ، وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّصَارَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ .
قِيلَ : لِنِسْبَتِهَا إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقِيلَ : لِخُرُوجِهَا مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يُسَمُّونَ الصَّحَابَةَ صَابِئَةً لِخُرُوجِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ ( النَّصَارَى فِي أَصْلِ ) أَيْ أُصُولِ ( دِينِهِمْ حَرُمْنَ ) لِكُفْرِهِمْ بِكِتَابِهِمْ وَإِنْ وَافَقُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ

( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ عَلِمْنَا بِهِ ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ ( فَلَا ) يَحْرُمْنَ لِأَنَّهُمْ مُبْتَدِعَةٌ كَمَا فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَإِطْلَاقُ الصَّابِئَةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ هُوَ الْمُرَادُ ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى قَوْمٍ أَقْدَمَ مِنْ النَّصَارَى كَانُوا فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ : إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : إنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ ، وَيَقُولُونَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُدَبِّرَةُ فَيُضِيفُونَ الْآثَارَ إلَيْهَا وَيَنْفُونَ الصَّانِعَ الْمُخْتَارَ ، وَوُجِدُوا فِي زَمَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَأَفْتَيَا بِقَتْلِهِمْ لَمَّا اسْتَفْتَى الْقَاهِرُ الْفُقَهَاءَ فِيهِمْ ، فَبَذَلُوا لَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَتَرَكَهُمْ ، فَالْبَلَاءُ قَدِيمٌ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا شَكَكْنَا أَيُخَالِفُونَهُمْ فِي الْأُصُولِ أَمْ الْفُرُوعِ ؟ وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ لَا يُنَاكَحُونَ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51