كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ وَلَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَغَا ، وَلَهُ الْعَفْوُ بَعْدَهُ عَلَيْهَا ، وَلَوْ عَفَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ ثَبَتَ إنْ قَبِلَ الْجَانِي ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ ،

( لَوْ أَطْلَقَ ) الْوَلِيُّ ( الْعَفْوَ ) عَنْ الْقَوَدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ ( فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ ثَابِتٍ ، لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ .
وَالثَّانِي تَجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } أَيْ اتِّبَاعُ الْمَالِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِوُجُوبِهِ بِالْعَفْوِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى مَا إذَا عَفَا عَلَى الدِّيَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ ، وَهِيَ لَوْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا إلَخْ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ قَيَّدَتْ الْعَفْوَ بِالْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِيهِ لَا بِقَيْدٍ فَهِيَ أَعَمُّ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ ثُبُوتُ الْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ قَتَلَ أَحَدُ عَبْدَيْ شَخْصٍ عَبْدَهُ الْآخَرَ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ وَأَنْ يَعْفُوَ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ ، فَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ بَعْدَ الْعِتْقِ مُطْلَقًا لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ جَزْمًا ، أَوْ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا آخِرَ الْبَابِ ، وَنَفْيُ الْمُصَنِّفِ الدِّيَةَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الدِّيَةَ عَقِبَ عَفْوِهِ الْمُطْلَقِ لَمْ تَجِبْ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وُجُوبُهَا وَيَكُونُ اخْتِيَارُهَا بَعْدَ الْعَفْوِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْعَفْوِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَاخَى اخْتِيَارُهُ لَهَا عَنْ الْعَفْوِ فَلَا تَجِبُ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ، وَلَمْ يُفَرِّعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ لِطُولِهِ وَعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ ( وَلَوْ عَفَا ) الْوَلِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ( عَنْ الدِّيَةِ لَغَا ) عَفْوُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَمَّا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا لَهُ ( وَلَهُ الْعَفْوُ ) عَنْ الْقِصَاصِ ( بَعْدَهُ عَلَيْهَا ) وَإِنْ تَرَاخَى ؛ لِأَنَّ اللَّاغِيَ كَالْمَعْدُومِ ( وَلَوْ

عَفَا ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَنْ الْقَوَدِ ( عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ ) أَوْ صَالَحَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ ( ثَبَتَ ) ذَلِكَ الْغَيْرُ أَوْ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ ( إنْ قَبِلَ الْجَانِي ) أَوْ الْمُصَالِحُ ذَلِكَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ الْجَانِي أَوْ الْمُصَالِحُ ذَلِكَ ( فَلَا ) يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ فَاشْتُرِطَ رِضَاهُمَا كَعِوَضِ الْخُلْعِ ( وَلَا يَسْقُطُ ) عَنْهُ ( الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ عَلَى عِوَضٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ، وَلَيْسَ كَالصُّلْحِ عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الْجَانِيَ هُنَاكَ قَبِلَ وَالْتَزَمَ ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِرِضَاهُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ ، وَعَلَى هَذَا هَلْ تَثْبُتُ الدِّيَةُ ؟ قَالَ الْبَغَوِيّ : هُوَ كَمَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا وَأَقَرَّاهُ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ .
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : هَذِهِ مُعْضِلَةٌ أَسْهَرَتْ الْجِلَّةَ ا هـ .
وَالْجِلَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ : الطَّاعِنُونَ فِي السِّنِّ .
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ .
وَقَالَ غَيْرُ الْقَاضِي : هُوَ كَعَفْوٍ عَنْ الْقَوَدِ وَنِصْفِ الدِّيَةِ .
كَذَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَمَا نَقَلَاهُ عَنْ غَيْرِ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَيْضًا فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ .

وَلَيْسَ لِمَحْجُورِ فَلَسٍ عَفْوٌ عَنْ مَالٍ إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمْ ، وَإِلَّا فَإِنْ عَفَا عَلَى الدِّيَةِ ثَبَتَتْ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَمَا سَبَقَ ، وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، وَالْمُبَذِّرُ فِي الدِّيَةِ كَمُفْلِسٍ ، وَقِيلَ كَصَبِيٍّ .

( وَلَيْسَ لِمَحْجُورِ فَلَسٍ ) أَوْ نَحْوِهِ كَوَارِثِ الْمَدْيُونِ اسْتَحَقَّ قِصَاصًا ( عَفْوٌ عَنْ مَالٍ إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمْ ) لَا بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَيْنًا ( فَإِنْ عَفَا ) مَنْ ذُكِرَ عَنْهُ ( عَلَى الدِّيَةِ ثَبَتَتْ ) قَطْعًا كَغَيْرِهِ ( وَإِنْ أَطْلَقَ ) الْعَفْوَ ( فَكَمَا سَبَقَ ) مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا دِيَةَ ( وَإِنْ عَفَا ) مَنْ ذُكِرَ ( عَلَى أَنْ لَا مَالِ ) أَصْلًا ( فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ) لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْ الْمَالَ ، وَلَوْ كَلَّفْنَا الْمُفْلِسَ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ كَانَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا بِأَنْ يَكْتَسِبَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ ، وَقِيلَ : تَجِبُ الدِّيَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْعَفْوِ يُوجِبُهَا .
تَنْبِيهٌ : جَرَى الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى طَرِيقَةِ الْخِلَافِ ؛ لَكِنَّهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى مَالٍ أَمْ لَا ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ : وَيَصِحُّ اقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ ، وَاحْتُرِزَ بِمَحْجُورٍ عَنْ الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمُوسِرٍ ، وَبِمُفْلِسٍ عَنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَلْبِ عِبَارَتِهِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَعَفْوُهُمَا لَغْوٌ ( وَالْمُبَذِّرُ ) بِمُعْجَمَةٍ حُكْمُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِالتَّبْذِيرِ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ وَاسْتِيفَائِهِ كَرَشِيدٍ ، وَعَنْهُمَا اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ( فِي الدِّيَةِ ) فَهُوَ فِيهَا ( كَمُفْلِسٍ ) أَيْ كَمَحْجُورِ فَلَسٍ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي صُورَتَيْ عَفْوِهِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ( وَقِيلَ ) الْمُبَذِّرُ ( كَصَبِيٍّ ) فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ بِحَالٍ ، وَهَذَا مَا قَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي السِّيَرِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَنْ الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ ، أَمَّا مَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ثَانِيًا

فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالرَّشِيدِ ، وَلَوْ كَانَ السَّفِيهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَصَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ نَفَذَ وَلَا حَجْرَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْجِزْيَةِ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لَا يَعْفُو إلَّا بِزِيَادَةٍ وَلَمْ يُجِبْ السَّفِيهُ وَأَجَابَ الْوَلِيُّ .
قَالَ الْإِمَامُ : اتَّبِعْ رَأْيَ مَنْ يَرْغَبُ فِي الْحَقْنِ .

فَرْعٌ : عَفْوُ الْمُكَاتَبِ عَنْ الدِّيَةِ تَبَرُّعٌ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَبِإِذْنِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ .

وَلَوْ تَصَالَحَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ،
( وَلَوْ تَصَالَحَا ) أَيْ الْوَلِيُّ وَالْجَانِي ( عَنْ الْقَوَدِ عَلَى ) أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى ( مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا ) هَذَا الصُّلْحُ ( إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا ) لَا بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الصُّلْحِ مِنْ مِائَةٍ عَلَى مِائَتَيْنِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَيْنًا وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عَنْهُ ( فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ) لِأَنَّهُ مَالٌ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْتِزَامِ الْجَانِي فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ كَبَدَلِ الْخُلْعِ .
وَالثَّانِي الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ خَلَفُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى إبِلٍ بِالصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ صِفَتِهَا إمَّا مُعَيَّنَةٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ فِيهَا بِالصِّحَّةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ جَزَمَ فِي آخِرِ الْبَابِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ بِالْجَوَازِ ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَلَوْ زَادَ عَلَى الدِّيَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَلَوْ تَصَالَحَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي .

وَلَوْ قَالَ رَشِيدٌ : اقْطَعْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ ، فَإِنْ سَرَى أَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَهَدَرٌ وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ .
( وَلَوْ قَالَ ) حُرٌّ مُكَلَّفٌ ( رَشِيدٌ ) أَوْ سَفِيهٌ لِآخَرَ ( اقْطَعْنِي ) أَيْ يَدِي مَثَلًا ( فَفَعَلَ فَهَدَرٌ ) لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ لِلْإِذْنِ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ السَّفِيهَ لَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ كَالرَّشِيدِ .
الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ إذْنَ الرَّقِيقِ يُسْقِطُ الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ مَعَ أَنَّ إذْنَهُ لَا يُسْقِطُهُ ، وَفِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِإِذْنِهِ وَجْهَانِ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِمَا مَعَ تَرْجِيحِ الْبُلْقِينِيُّ السُّقُوطَ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ : الْمَالِكُ لِأَمْرِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرُّ الْكَامِلُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا لِيَخْرُجَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ ، هَذَا إنْ وَقَفَ الْقَطْعُ ( فَإِنْ سَرَى ) لِلنَّفْسِ ( أَوْ قَالَ ) لَهُ ابْتِدَاءً ( اُقْتُلْنِي ) فَقَتَلَهُ ( فَهَدَرٌ ) فِي الْأَظْهَرِ لِلْإِذْنِ ( وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ ) الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ ثَبَتَتْ لِلْمَيِّتِ ابْتِدَاءً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ ثُمَّ يَتَلَقَّاهَا الْوَارِثُ ، أَوْ ثَبَتَتْ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً عَقِبَ هَلَاكِ الْمَقْتُولِ ، إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ تَجِبْ ، وَإِلَّا وَجَبَتْ .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ وُجُوبَ الدِّيَةِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ اُقْتُلْنِي .
وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْقَطْعِ فَالْوَاجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْحَادِثُ بِالسِّرَايَةِ ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَقَوْلُهُ : فَهَدَرٌ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْإِذْنُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا .

وَلَوْ قُطِعَ فَعَفَا عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْرِ فَلَا شَيْءَ ، وَإِنْ سَرَى فَلَا قِصَاصَ .
( وَلَوْ قُطِعَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عُضْوٌ مِنْ شَخْصٍ يَجِبُ فِيهِ قَوَدٌ ( فَعَفَا ) الْمَقْطُوعُ ( عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْرِ ) الْقَطْعُ بِأَنْ انْدَمَلَ ( فَلَا شَيْءَ ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ أَرْشٍ لِإِسْقَاطِهِ الْحَقَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ .
تَنْبِيهٌ : تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا عَفَا عَنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَزِدْ كَانَ عَفْوًا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى النَّصِّ أَيْ وَفِي الْأَرْشِ الْخِلَافُ الْمَارُّ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ، وَلَوْ قُطِعَ عَمَّا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِجُرْحٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْجَائِفَةِ فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ الْقِصَاصِ فِيهَا ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى نَفْسِهِ فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ الْقَوَدِ فِيمَا لَا قَوَدَ فِيهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْعَفْوُ ، وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ ثُمَّ أَبْدَى فِيهِ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ ( وَإِنْ سَرَى ) لِلنَّفْسِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( فَلَا قِصَاصَ ) فِي نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَوَلَّدَتْ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فَصَارَتْ شُبْهَةً دَافِعَةً لِلْقِصَاصِ .
أَمَّا إذَا سَرَى إلَى عُضْوٍ آخَرَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ .

وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ فَإِنْ جَرَى لَفْظُ وَصِيَّةٍ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَوَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ ، أَوْ لَفْظُ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ ، أَوْ عَفْوٌ سَقَطَ ، وَقِيلَ وَصِيَّةٌ ، وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ ، وَفِي قَوْلٍ إنْ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ .

( وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ ) فِي صُورَةِ سِرَايَةِ الْقَطْعِ لِلنَّفْسِ ( فَإِنْ جَرَى ) مِنْ الْمَقْطُوعِ فِي لَفْظِ الْعَفْوِ عَنْ الْجَانِي ( لَفْظُ وَصِيَّةٍ كَ ) أَنْ قَالَ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْ الْقَوَدِ : ( أَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَوَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ ) وَالْأَظْهَرُ صِحَّتُهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ الْأَرْشُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ ( أَوْ ) جَرَى ( لَفْظُ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ ، أَوْ ) جَرَى ( عَفْوٌ ) عَنْ الْجِنَايَةِ ( سَقَطَ ) الْأَرْشُ قَطْعًا ( وَقِيلَ ) مَا جَرَى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ( وَصِيَّةٌ ) لِاعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَيَأْتِي فِيهَا خِلَافُ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ ، وَدُفِعَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إسْقَاطُ نَاجِزٍ ، وَالْوَصِيَّةُ مَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ .
تَنْبِيهٌ : مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا هُوَ نَصُّ الْأُمِّ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْحَقُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُ : وَفِي قَوْلٍ : وَصِيَّةٌ ( وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ أَرْشُ الْعُضْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ إنْ كَانَ ( إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ ) لِلسِّرَايَةِ سَوَاءٌ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَمْ لَا ( وَفِي قَوْلٍ : إنْ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ ) عَنْ الْجِنَايَةِ ( لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ ) تِلْكَ الزِّيَادَةُ ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ السُّقُوطِ ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ .
نَعَمْ إنْ قَالَهُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ ، وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا ، أَوْ يَسْرِي إلَيْهِ بُنِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ ، وَيَأْتِي جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي أَرْشِ الْعُضْوِ .

فَلَوْ سَرَى إلَى عُضْوٍ آخَرَ فَانْدَمَلَ ضَمِنَ دِيَةَ السِّرَايَةِ فِي الْأَصَحِّ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْأَرْشِ إذَا كَانَ دُونَ الدِّيَةِ .
أَمَّا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ مَثَلًا فَعَفَا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ الدِّيَةُ بِكَمَالِهَا فِي الْأَظْهَرِ إنْ وَفَى بِهَا الثُّلُثَ سَوَاءٌ أَصَحَّحْنَا الْإِبْرَاءَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْيَدَيْنِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَلَا يُزَادُ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ ( فَلَوْ سَرَى ) قَطْعُ الْعُضْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ كَأُصْبُعٍ ( إلَى عُضْوٍ آخَرَ ) كَبَاقِي الْكَفِّ ( فَانْدَمَلَ ) الْقَطْعُ السَّارِي إلَى مَا ذُكِرَ ( ضَمِنَ دِيَةَ السِّرَايَةِ ) فَقَطْ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْ مُوجِبِ جِنَايَةٍ مَوْجُودَةٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا .
وَالثَّانِي الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهَا تَوَلَّدَتْ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ .
أَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ وَدِيَتُهُ فَسَاقِطَانِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعُضْوِ الَّذِي سَرَى إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي الْأَجْسَامِ بِالسِّرَايَةِ ، وَيُفْهِمُ أَيْضًا أَنَّهُ يَضْمَنُ دِيَةَ السِّرَايَةِ وَإِنْ تَعَرَّضَ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقِ .

فَرْعٌ : لَوْ عَفَا شَخْصٌ عَنْ عَبْدٍ تَعَلَّقَ بِهِ قِصَاصٌ لَهُ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً صَحَّ الْعَفْوُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ ، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ مَالٌ لَهُ بِجِنَايَةٍ وَأَطْلَقَ الْعَفْوَ أَوْ أَضَافَهُ إلَى السَّيِّدِ صَحَّ الْعَفْوُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ حَقٍّ لَزِمَ السَّيِّدَ فِي غَيْرِ مَالِهِ ، وَإِنْ أَضَافَ الْعَفْوَ إلَى الْعَبْدِ لَغَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ عَلَيْهِ .

وَلَوْ عَفَا الْوَارِثُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ عَنْ الدِّيَةِ أَوْ عَنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْجَانِي لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ عَلَيْهِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الدِّيَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَحَّ الْعَفْوُ كَأَنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَعَاقِلَتُهُ مُسْلِمِينَ أَوْ حَرْبِيِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ .

وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ نَفْسٍ بِسِرَايَةِ طَرَفٍ لَوْ عَفَا عَنْ النَّفْسِ فَلَا قَطْعَ لَهُ ، أَوْ عَنْ الطَّرَفِ فَلَهُ حَزُّ الرَّقَبَةِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ نَفْسٍ بِسِرَايَةِ ) قَطْعِ ( طَرَفٍ ) كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ بِسِرَايَةٍ ( لَوْ عَفَا ) وَلِيُّهُ ( عَنْ النَّفْسِ فَلَا قَطْعَ لَهُ ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ طَرِيقُهُ وَقَدْ عَفَا عَنْهُ ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، وَجُزِمَ بِهِ فِي الْبَسِيطِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ( أَوْ ) عَفَا وَلِيُّهُ ( عَنْ الطَّرَفِ فَلَهُ حَزُّ الرَّقَبَةِ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقُّهُ وَالثَّانِي الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِالْقَطْعِ السَّارِي وَقَدْ عَفَا عَنْهُ ، وَخَرَجَ بِالسِّرَايَةِ الْمُبَاشَرَةُ : كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَالْقِصَاصُ مُسْتَحَقٌّ فِيهِمَا أَصَالَةً ، فَلَوْ عَفَا عَنْ النَّفْسِ لَمْ يَسْقُطْ قِصَاصُ الطَّرَفِ وَبِالْعَكْسِ .
أَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ غَيْرَ مُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ رَقِيقٍ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَقِصَاصُ النَّفْسِ لِوَرَثَةِ الْعَتِيقِ ، وَقِصَاصُ الْيَدِ لِلسَّيِّدِ وَلَا شَكَّ حِينَئِذٍ أَنَّ عَفْوَ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْآخَرِ .

وَلَوْ قَطَعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْ النَّفْسِ مَجَّانًا ، فَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ .
( وَلَوْ قَطَعَهُ ) الْوَلِيُّ ( ثُمَّ عَفَا عَنْ النَّفْسِ مَجَّانًا ) أَوْ بِعِوَضٍ ( فَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ ) إلَى النَّفْسِ ( بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ ) وَوَقَعَتْ السِّرَايَةُ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ قَبْلَ الْعَفْوِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْعَفْوُ فَإِنْ قِيلَ : فَمَا فَائِدَةُ بُطْلَانِ الْعَفْوِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ لَمْ يَلْزَمْ ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ : مَجَّانًا لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّرْتُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَسْرِ قَطْعُ الْوَلِيِّ بَلْ وَقَفَ ( فَيَصِحُّ ) عَفْوُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ وَيَسْتَقِرُّ الْعِوَضُ الْمَعْفُوُّ عَلَيْهِ ، إذْ لَمْ يَسْتَوْفِ بِالْقَطْعِ تَمَامَ الدِّيَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ بِقَطْعِ الْيَدِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ فَعَلَهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِجُمْلَتِهِ الَّتِي الْمَقْطُوعُ بَعْضُهَا فَهُوَ مُسْتَوْفٍ لِبَعْضِ حَقِّهِ ، وَعَفْوُهُ مُنْصَبٌّ عَلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ الْقَطْعِ وَقَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَهُ مُتَعَدِّيًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْ مُبَاحٍ لَهُ دَمُهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ : وَلَوْ قَطَعَهُ إلَخْ مِنْ تَمَامِ حُكْمِ قَوْلِهِ : وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ النَّفْسِ بِسِرَايَةِ طَرَفٍ فَإِنَّهُ تَارَةً يَعْفُو وَتَارَةً يَقْطَعُ فَذَكَرَ الْأَوَّلَ ثُمَّ الثَّانِيَ .

وَلَوْ وَكَّلَ ثُمَّ عَفَا فَاقْتَصَّ الْوَكِيلُ جَاهِلًا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ دِيَةٍ ، وَأَنَّهَا عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْعَافِي .

( وَلَوْ وَكَّلَ ) الْوَلِيُّ غَيْرَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ( ثُمَّ عَفَا ) عَنْ الْقِصَاصِ ( فَاقْتَصَّ الْوَكِيلُ جَاهِلًا ) بِذَلِكَ ( فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ) لِعُذْرِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ مُسْلِمًا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ هُنَاكَ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ( وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ دِيَةٍ ) لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَالثَّانِي لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ عَفَا بَعْدَ خُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ فَوَقَعَ لَغْوًا ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ الْأَظْهَرُ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ ( أَنَّهَا عَلَيْهِ ) أَيْ الْوَكِيلِ حَالَةٌ مُغَلَّظَةٌ لِوَرَثَةِ الْجَانِي لَا لِلْمُوَكِّلِ ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ ، وَلِسُقُوطِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْقَتْلِ ( لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ) لِأَنَّهُ عَامِدٌ فِي فِعْلِهِ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ .
وَالثَّانِي عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ ( وَالْأَصَحُّ ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْوَكِيلَ ( لَا يَرْجِعُ بِهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ( عَلَى الْعَافِي ) أَمْكَنَ الْمُوَكِّلُ إعْلَامَ الْوَكِيلِ بِالْعَفْوِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ وَ { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } وَالثَّانِي يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ حَيْثُ نَسَبَ الْمُوَكِّلَ إلَى تَقْصِيرٍ بِأَنْ أَمْكَنَهُ إعْلَامُهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِانْتِفَاعِهِ بِالْوَطْءِ .
أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : جَاهِلًا عَمَّا إذَا عَلِمَ بِالْعَفْوِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ : قَتَلْتُهُ بِشَهْوَةِ نَفْسِي لَا مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَانْتَقَلَ حَقُّ الْمُوَكِّلِ إلَى التَّرِكَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ

، وَلَوْ عَزَلَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ ثُمَّ اقْتَصَّ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَزْلِهِ جَرَى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ .

وَلَوْ وَجَبَ قِصَاصٌ عَلَيْهَا فَنَكَحَهَا عَلَيْهِ جَازَ وَسَقَطَ ، فَإِنْ فَارَقَ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْأَرْشِ ، وَفِي قَوْلٍ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلٍ .
( وَلَوْ وَجَبَ ) لِرَجُلٍ ( قِصَاص عَلَيْهَا ) أَيْ امْرَأَةٍ ( فَنَكَحَهَا عَلَيْهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ بِأَنْ جَعَلَهُ صَدَاقًا لَهَا ( جَازَ ) أَيْ صَحَّ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ أَمَّا النِّكَاحُ فَوَاضِحٌ .
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ عِوَضٌ مَقْصُودٌ ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ مِثْلٍ ( وَسَقَطَ ) الْقِصَاصُ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْعَفْوَ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ قِصَاصَ نَفْسِهَا ( فَإِنْ فَارَقَ ) هَا ( قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ ) عَلَيْهَا ( بِنِصْفِ الْأَرْشِ ) لِتِلْكَ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ كَمَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فَعَلَّمَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ ( وَفِي قَوْلٍ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا ( بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلٍ ) بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَجَبَ قِصَاصٌ عَمَّا إذَا أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا كَالْخَطَأِ فَنَكَحَهَا عَلَى الْأَرْشِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ دُونَ الصَّدَاقِ لِلْجَهْلِ بِالدِّيَةِ .

خَاتِمَةٌ : لَوْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا فَصَالَحَ عَنْ قِيمَتِهِ الْمَعْلُومَةِ عَلَى عَيْنٍ وَاسْتُحِقَّتْ ، أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ ، أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ رَجَعَ السَّيِّدُ بِالْأَرْشِ قَطْعًا ، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي فِيمَا ذُكِرَ عَبْدًا فَالسَّيِّدُ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ بِالصُّلْحِ وَلَيْسَ بِمُخْتَارٍ لَهُ إنْ صَالَحَ عَلَى رَقَبَتِهِ وَاسْتُحِقَّتْ أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ حِينَئِذٍ بِهَا كَمَا كَانَ حَتَّى لَوْ مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .

وَلَوْ قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ الْحُرِّ فَاشْتَرَاهُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْوَاجِبُ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْجَهْلِ بِوَصْفِ الْإِبِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْقِصَاصَ سَقَطَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِلْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِغَيْرِ الْأَرْشِ لَمْ يَسْقُطْ ، كَمَا لَوْ قَطَعَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى عَيْنٍ فَاسْتُحِقَّتْ ، أَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ ، أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ بِالصُّلْحِ .
.

كِتَابُ الدِّيَاتِ فِي قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ مُثَلَّثَةٌ فِي الْعَمْدِ : ثَلَاثُونَ حِقَّةً ، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً ، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً : أَيْ حَامِلًا ، وَمُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ : عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَنُو لَبُونٍ وَحِقَاقٌ ، وَجِذَاعٌ .

كِتَابُ الدِّيَاتِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْقِصَاصِ عَقَّبَهُ بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ ، أَوْ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ ، وَمُفْرَدُهَا دِيَةٌ ، وَهِيَ الْمَالُ الْوَاجِبُ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا .
وَأَصْلُهَا وِدْيَةٌ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ ، وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنْ فَاءِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ وَاوٌ ، إذْ أَصْلُهَا وَدْيَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْيِ ، وَهُوَ دَفْعُ الدِّيَةِ كَالْعِدَةِ مِنْ الْوَعْدِ ، تَقُولُ : وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ وَدْيًا وَدِيَةً أَيْ أَدَّيْت دِيَتَهُ .
وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ } وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ ، وَتَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ لِبَيَانِ الْحُكُومَةِ وَضَمَانِ الرَّقِيقِ ، وَبَدَأَ بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ لَهَا فَقَالَ ( فِي قَتْلِ ) الذَّكَرِ ( الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ) الْمَحْقُونِ الدَّمِ غَيْرِ جَنِينٍ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا وَالْقَاتِلُ لَهُ لَا رِقَّ فِيهِ ( مِائَةُ بَعِيرٍ ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ دِيَةً ، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ : { فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَنَّهَا مِائَةً عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، وَقِيلَ أَبُو سَيَّارَةَ الَّذِي أَجَارَ الْحُجَّاجَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى وَجَاءَتْ الشَّرِيعَةُ مُقَرِّرَةً لَهَا ، وَالْبَعِيرُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا تَخْتَلِفُ الدِّيَةُ بِالْفَضَائِلِ وَالرَّذَائِلِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالْأَدْيَانِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ

فَإِنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ الْمُخْتَلِفَةَ .
أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْلِمٌ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأُمَّ وَلَدٍ فَالْوَاجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدِّيَةُ ، وَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ لِجِهَةِ الْحُرِّيَّةِ الْقَدْرُ الَّذِي يُنَاسِبُهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ مَثَلًا ، وَلِجِهَةِ الرَّقَبَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْحِصَّةِ مِنْ الدِّيَةِ وَالْحِصَّةِ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلدِّيَةِ مَا يُغَلِّظُهَا ، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ خَمْسَةٍ : كَوْنُ الْقَتْلِ عَمْدًا ، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ، أَوْ فِي الْحَرَمِ ، أَوْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا يُنْقِصُهَا ، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ : الْأُنُوثَةُ ، وَالرِّقُّ ، وَقَتْلُ الْجَنِينِ ، وَالْكُفْرُ ، فَالْأَوَّلُ يَرُدُّهَا إلَى الشَّطْرِ ، وَالثَّانِي إلَى الْقِيمَةِ ، وَالثَّالِثُ إلَى الْغُرَّةِ ، وَالرَّابِعُ إلَى الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ ، وَكَوْنُ الثَّانِي أَنْقَصَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَزِيدُ الْقِيمَةُ عَلَى الدِّيَةِ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ( مُثَلَّثَةٌ فِي ) قَتْلِ ( الْعَمْدِ ) سَوَاءٌ أَوَجَبَ فِيهِ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عَنْهُ أَمْ لَا كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالْمُرَادُ بِتَثْلِيثِهَا جَعْلُهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَزْيَدَ مِنْ بَعْضٍ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( ثَلَاثُونَ حِقَّةً ، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً ، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً أَيْ حَامِلًا ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِذَلِكَ ، فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : كَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي ، وَحَالَّةٌ ، وَمِنْ جِهَةِ السِّنِّ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِدِيَةِ النَّفْسِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ بِثُلُثِ الْمُقَدَّرِ فِي الْعَمْدِ فِي غَيْرِ النَّفْسِ كَالطَّرَفِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ

عَلَيْهِ ، وَالْخَلِفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، بَلْ مِنْ مَعْنَاهَا وَهُوَ مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَابْنُ سِيدَهْ خَلِفَاتٌ .
( وَمُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ : عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ ، وَبَنُو لَبُونٍ ، وَحِقَاقٌ ، وَجِذَاعٌ ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ إجْزَاءَ عِشْرِينَ حِقًّا وَعِشْرِينَ جَذَعًا وَلَا قَائِلَ بِهِ ، فَإِنَّ الْحِقَاقَ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، فَإِنَّ الْجِذَاعَ مُخْتَصَّةٌ بِالذُّكُورِ ، وَجَمْعُ الْجَذَعَةِ جَذَعَاتٌ ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَمُؤَجَّلَةً ، وَمِنْ جِهَةِ التَّخْمِيسِ .

فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ
وَيَغْلُظُ الْخَطَأُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ ) فَإِنَّهَا تُثَلَّثُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَمْنِ بِدَلِيلِ إيجَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِيهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ ، أَمْ أُصِيبُ الْمَقْتُولُ فِيهِ وَرُمِيَ مِنْ خَارِجِهِ ، أَمْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا بِالْحِلِّ ، أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَاتِلِ أَوْ الْمَقْتُولِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْإِلْحَاقِ بِالصَّيْدِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ .
نَعَمْ الْكَافِرُ لَا تُغَلَّظُ دِيَتُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ ، فَلَوْ دَخَلَهُ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ فَهَلْ تُغَلَّظُ بِهِ أَوْ يُقَالُ هَذَا نَادِرٌ ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي ، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ ، وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .

أَوْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ : ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ .
وَثَانِيهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) قَتَلَ فِي ( الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ : ذِي الْقَعْدَةِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ ( وَذِي الْحِجَّةِ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا ، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْأَوَّلِ ، وَلِوُقُوعِ الْحَجِّ فِي الثَّانِي ( وَالْمُحَرَّمِ ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ ، وَقِيلَ لِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ فِيهِ عَلَى إبْلِيسَ ، حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ وَدَخَلَتْهُ اللَّامُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا فَعَرَّفُوهُ كَأَنَّهُ قِيلَ : هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَكُونُ ابْتِدَاءً أَوَّلُ السَّنَةِ ( وَرَجَبٍ ) وَيُجْمَعُ عَلَى أَرَاجِبَ وَرَجَائِبَ وَرُجُوبٍ وَرَجَبَاتٍ ، وَيُقَالُ لَهُ الْأَصَمُّ وَالْأَصَبُّ ، وَفِي رَوْضَةِ الْفُقَهَاءِ : لَمْ يُعَذِّبْ اللَّهُ أُمَّةً فِي شَهْرِ رَجَبٍ .
وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْرَقَ قَوْمَ نُوحٍ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ ، فَمُثَلَّثَةٌ دِيَةُ هَذَا الْمَقْتُولِ ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَدَدِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَجَعْلُهَا مِنْ سَنَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَعَدَّهَا الْكُوفِيُّونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالُوا الْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبٌ ، وَذُو الْقَعْدَةِ ، وَذُو الْحِجَّةِ .
قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ : وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا نُذِرَ صِيَامُهَا أَيْ مُرَتَّبَةً ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْدَأُ بِذِي الْقَعْدَةِ ، وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُحَرَّمِ ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ رَمَى فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَأَصَابَ فِي غَيْرِهِ أَوْ عَكْسُهُ ، أَوْ جَرَحَهُ فِيهَا وَمَاتَ فِي غَيْرِهَا أَوْ عَكْسُهُ أَنْ تُغَلَّظَ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ .

أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ فَمُثَلَّثَةٌ .
وَثَالِثُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) قَتَلَ شَخْصٌ قَرِيبًا لَهُ ( مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ ) كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ السَّابِقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( فَمُثَلَّثَةٌ ) أَيْ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَمَا تَقَرَّرَ ؛ لِأَنَّ الْعَبَادِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ غَلَّظُوا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَهَذَا لَا يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالتَّوْقِيفِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ عَنْ صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا مَا إذَا انْفَرَدَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ عَنْ الرَّحِمِ كَمَا فِي الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ فَلَا يَغْلُظُ بِهَا الْقَتْلُ قَطْعًا .
ثَانِيَتُهَا أَنْ تَنْفَرِدَ الرَّحِمِيَّةُ عَنْ الْمَحْرَمِيَّةِ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ فَلَا تَغْلُظُ فِيهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْقَرَابَةِ ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِذِي الرَّحِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا .

تَنْبِيهٌ : يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَتَلَ ابْنَ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ ، أَوْ بِنْتَ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ ، مَعَ أَنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ تَقْيِيدَ الْمَحْرَمِيَّةِ بِذَلِكَ ، وَيَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عِصْمَةٌ ، وَقَطْعِ الطَّرَفِ ، وَفِي دِيَةِ الْجُرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ النَّفْسِ ، وَلَا يَدْخُلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَغْلِيظٌ وَلَا تَخْفِيفٌ بَلْ الْوَاجِبُ قِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ عَلَى قِيَاسِ سَائِرِ قِيَمِ الْمُتَقَوِّمَاتِ ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ بِالْحَرَمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى النَّصِّ خِلَافَهُ ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي الْحُكُومَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَهُ ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلَ بِالْخَطَأِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يَتَضَاعَفُ بِالتَّغْلِيظِ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا انْتَهَى بِنِهَايَتِهِ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ ، وَنَظِيرُهُ الْمُكَبَّرُ لَا يُكَبَّرُ كَعَدَمِ التَّثْلِيثِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ ، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ .

فَرْعٌ : الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَوْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ وَقَتَلَا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لَمْ أَرَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمَا بِالتَّثْلِيثِ نَقْلًا ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَغْلُظَ ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ يُلْحِقُ الْخَطَأَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ ، وَلَيْسَ لَهُمَا شِبْهُ عَمْدٍ ، فَالْمُلْتَحَقُ أَوْلَى بِالْعَدَمِ ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَقَوْلُهُ : لَيْسَ لَهُمَا شِبْهُ عَمْدٍ ، مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا قَصَدَا الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ .

وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ .
( وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ ) كَمَا سَبَقَ ( فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ) دِيَتُهُ ( مُؤَجَّلَةٌ ) عَلَيْهَا ، وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُثَلَّثَةٌ فَغَيْرُ الْمُثَلَّثَةِ أَوْلَى ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعَاقِلَةِ وَالتَّأْجِيلِ وَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي بَابٍ عَقِبَ هَذَا .

وَالْعَمْدُ عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةٌ .
( وَالْعَمْدُ ) دِيَتُهُ ( عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةٌ ) عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ أَبْدَالِ الْمُتْلَفَاتِ .

وَشِبْهُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ .
( وَشِبْهُ الْعَمْدِ ) دِيَتُهُ ( مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ ) فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ، مُغَلَّظَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ التَّثْلِيثُ ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ } وَأَمَّا كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمُؤَجَّلَةً فَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا ، وَلَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ أُعْطِيَ حُكْمَ هَذَا مِنْ وَجْهٍ .

وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبٌ وَمَرِيضٌ إلَّا بِرِضَاهُ ، وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ بِأَهْلِ خِبْرَةٍ ، وَالْأَصَحُّ إجْزَاؤُهَا قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ ، وَمَنْ لَزِمَتْهُ وَلَهُ إبِلٌ فَمِنْهَا ، وَقِيلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ ، وَإِلَّا فَغَالِبِ قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ ، وَإِلَّا فَأَقْرَبِ بِلَادٍ ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى نَوْعٍ وَقِيمَةٍ إلَّا بِتَرَاضٍ ، وَلَوْ عُدِمَتْ فَالْقَدِيمُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ .

تَنْبِيهٌ : يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ : مُعَجَّلَةٌ وَمُؤَجَّلَةٌ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ ( وَلَا يُقْبَلُ ) فِي إبِلِ الدِّيَةِ ( مَعِيبٌ ) بِمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْعَيْبِ ( وَ ) لَا ( مَرِيضٌ ) وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ مَعِيبَةً ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَهَا فَاقْتَضَتْ السَّلَامَةَ ، وَخَالَفَ ذَلِكَ الزَّكَاةَ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ .
تَنْبِيهٌ : عَطْفُ الْمَرِيضِ عَلَى الْمَعِيبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ، أَوْ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أَخْذِهِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ : وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ وَلَا مَعِيبَةٌ إلَّا عَنْ مِثْلِهِمَا ( إلَّا بِرِضَاهُ ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ .
( وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ ) الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الدِّيَةِ ( بِأَهْلِ خِبْرَةٍ ) بِذَلِكَ أَيْ بِعَدْلَيْنِ مِنْهُمْ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْتَحِقِّ حَمْلَهَا إلْحَاقًا لَهُ بِالتَّقْوِيمِ ، وَإِذَا أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِمَا أَوْ بِتَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى حَمْلِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَ الْمُسْتَحِقِّ وَشَقَّ جَوْفَهَا فَبَانَتْ حَائِلًا غَرِمَهَا وَأَخَذَ بَدَلَهَا حَامِلًا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْحَمْلِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَقَبْلَ شَقِّ جَوْفِهَا شُقَّ لِيُعْرَفَ ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ إسْقَاطَ الْحَمْلِ ، كَأَنْ قَالَ : أُسْقِطَتْ عِنْدَك ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ : لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ وَأَمْكَنَ الْإِسْقَاطُ صُدِّقَ الدَّافِعُ إنْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ خَبِيرَيْنِ لِتَأَيُّدِ قَوْلِهِ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَ وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأُولَى ، وَبِيَمِينٍ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (

وَالْأَصَحُّ ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ ( إجْزَاؤُهَا ) أَيْ الْخَلِفَةِ ( قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ النَّاقَةَ لَا تَحْمِلُ قَبْلَهَا ، وَالثَّانِي اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا ، فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهَا جَازَ قَطْعًا ( وَمَنْ لَزِمَتْهُ ) دِيَةٌ مِنْ جَانٍ أَوْ عَاقِلَةٍ ( وَلَهُ إبِلٌ فَمِنْهَا ) تُؤْخَذُ الدِّيَةُ وَلَا يُكَلَّفُ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَكَانَتْ مِمَّا عِنْدَهُ كَمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نَوْعِ النِّصَابِ ( وَقِيلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ ) أَوْ قَبِيلَتِهِ إنْ كَانَتْ إبِلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا عِوَضُ مُتْلَفٍ ، وَاعْتِبَارُهُ بِمِلْكِ الْمُتْلِفِ بَعِيدٌ ، وَرَجَّحَ هَذَا الْإِمَامُ ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مِنْ الْغَالِبِ أُخِذَتْ مِنْهَا قَطْعًا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ ( فَغَالِبِ ) أَيْ فَتُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ ( قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ ) لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَوَجَبَ فِيهَا الْبَدَلُ الْغَالِبُ كَمَا فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ إبِلٌ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ ( فَأَقْرَبِ ) أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ أَقْرَبِ ( بِلَادٍ ) أَيْ أَقْرَبِ قَبَائِلَ إلَى مَوْضِعِ الْمُؤَدِّي فَيَلْزَمُهُ نَقْلُهَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا لَمْ تَبْلُغْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مَعَ قِيمَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِبَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةِ الْعَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ حِينَئِذٍ نَقْلُهَا ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الضَّبْطِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ( وَ ) إذَا وَجَبَ نَوْعٌ مِنْ الْإِبِلِ ( لَا يَعْدِلُ ) عَنْهُ ( إلَى نَوْعٍ ) مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ ( وَ ) لَا إلَى ( قِيمَةٍ ) عَنْهُ ( إلَّا بِتَرَاضٍ ) مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُسْتَحِقِّ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ إلَى نَوْعٍ مِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا أَوْ فَوْقِهَا ، وَهُوَ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَقِيلَ : يُجْبَرُ عَلَى الْأَعْلَى

وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ بِالتَّرَاضِي لِجَهَالَتِهَا ، وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتَهَا ، وَهُوَ حَسَنٌ ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ إبِلِهِ هُوَ مَا فِي الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ أَصْلُهَا عَنْ التَّهْذِيبِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا ، وَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَوْجَهُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ ، وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ إبِلَهُ لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ نَوْعُ إبِلِهِ سَلِيمًا كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِهِ أَخَذَ مِنْ الْأَكْثَرِ ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِ مَحَلِّهِ ( وَلَوْ عُدِمَتْ ) إبِلُ الدِّيَةِ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا مِنْهُ ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا ( فَالْقَدِيمُ ) الْوَاجِبُ ( أَلْفُ دِينَارٍ ) عَلَى أَهْلِ الدَّنَانِيرِ ( أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ) فِضَّةٍ عَلَى أَهْلِ الدَّرَاهِمِ لِحَدِيثِ { عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ } صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَخْيِيرُ الْجَانِي بَيْنَ الذَّهَبِ وَالدَّرَاهِمِ ، وَهُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ .

وَالْجَدِيدُ قِيمَتُهَا بِنَقْدِ بَلَدِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ دِيَةً مُغَلَّظَةً كَأَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ عَمْدًا هَلْ يُزَادُ لَهُ التَّغْلِيظُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ إنَّمَا وَرَدَ بِالسِّنِّ وَالصِّفَةِ لَا بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَهَذَا أَحَدُ مَا اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ ( وَالْجَدِيدُ ) الْوَاجِبُ ( قِيمَتُهَا ) أَيْ الْإِبِلِ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَيَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهَا عِنْدَ إعْوَازِ أَصْلِهِ وَتُقَوَّمُ ( بِنَقْدِ بَلَدِهِ ) الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَضْبَطُ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ لَا غَالِبَ فِيهِمَا تَخَيَّرَ الْجَانِي بَيْنَهُمَا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بِنَقْدِ بَلَدِهِ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : لَمْ أَدْرِ أَيَّ بَلَدٍ هُوَ ، أَبَلَدُ الْجَانِي أَمْ بَلَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَمْ الْوَلِيِّ الْقَابِضِ أَمْ الَّذِي يَجِبُ التَّحْصِيلُ مِنْهُ ؟ لَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِشَيْءٍ مِنْهُ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بَلَدُ مَنْ لَزِمَتْهُ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ : وَإِلَّا فَغَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَالْمُرَادُ هُنَا بَلَدُ الْعَدَمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ : وَلَوْ عُدِمَتْ ا هـ .
وَالْمُرَادُ الْمَحَلُّ الَّذِي يَجِبُ التَّحْصِيلُ مِنْهُ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ ، وَيُرَاعَى صِفَتُهَا فِي التَّغْلِيظِ .

وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ أُخِذَ وَقِيمَةُ الْبَاقِي ، وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ نَفْسًا وَجُرْحًا .
( وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ ) مِنْ الْإِبِلِ الْوَاجِبَةِ ( أُخِذَ ) الْمَوْجُودُ مِنْهَا ( وَقِيمَةُ الْبَاقِي ) كَمَا لَوْ وَجَبَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ مِثْلٌ وَوَجَدَ بَعْضَ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ وَقِيمَةَ الْبَاقِي .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يُمْهِلْ الْمُسْتَحِقُّ ، فَإِنْ قَالَ : أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى تُوجَدَ الْإِبِلُ لَزِمَ الدَّافِعَ امْتِثَالُهُ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ ، فَإِنْ أُخِذَتْ الْقِيمَةُ ثُمَّ وُجِدَتْ الْإِبِلُ وَأَرَادَ رَدَّ الْقِيمَةِ لِيَأْخُذَ الْإِبِلَ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وُجِدَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْإِبِلَ تَتَعَيَّنُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِنَصِّ الْمُخْتَصَرِ ( وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى ) الْمُشْكِلُ الْحُرَّانِ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ ( كَنِصْفِ ) دِيَةِ ( رَجُلٍ ) حُرٍّ مِمَّنْ هُمَا عَلَى دِينِهِ ( نَفْسًا وَجُرْحًا ) بِضَمِّ الْجِيمِ .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُغَلَّظَاتِ الدِّيَةِ شَرَعَ فِي مُنْقِصَاتِهَا .
فَمِنْهَا الْأُنُوثَةُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ { دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ } وَأَلْحَقَ بِنَفْسِهَا جُرْحَهَا ، وَبِهَا الْخُنْثَى ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهَا ، فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ الْخُنْثَى خَطَأً عَشْرُ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَهَكَذَا ، وَفِي قَتْلِهَا أَوْ قَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ حِقَّةً ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ خَلِفَةً .
تَنْبِيهٌ : اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ بِإِلْحَاقِهِ بِالْأُنْثَى عَلَى النَّفْسِ وَالْجُرْحِ ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْأَطْرَافَ ، وَلَعَلَّ حَذْفَ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ أَنَّ الْخُنْثَى لَا يُلْتَحَقُ بِالْأُنْثَى فِي الْأَطْرَافِ مُطْلَقًا ، فَإِنَّ فِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتَهَا ، وَفِي حَلَمَتَيْهِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْحُكُومَةِ ، وَشُفْرَيْهِ كَذَلِكَ بِخِلَافِهَا .

وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ ثُلُثُ مُسْلِمٍ .
( وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ ) وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إذَا كَانَ مَعْصُومًا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ ( ثُلُثُ ) دِيَةِ ( مُسْلِمٍ ) نَفْسًا وَغَيْرَهَا ، أَمَّا فِي النَّفْسِ فَرُوِيَ مَرْفُوعًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ : قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُعْقَلُ بِلَا تَوْقِيفٍ .
فَفِي قَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ عَشْرُ حِقَاقٍ وَعَشْرُ جَذَعَاتٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلِفَةً وَثُلُثٌ ، وَفِي قَتْلِهِ خَطَأً لَمْ تَغْلُظْ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ مِنْ كُلٍّ مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَبَنِي اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ وَالْجِذَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : دِيَةُ مُسْلِمٍ وَقَالَ مَالِكٌ : نِصْفُهَا .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إنْ قَتَلَ عَمْدًا فَدِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ خَطَأً فَنِصْفُهَا أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ وَمَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ وَأَمَّا الْأَطْرَافُ وَالْجِرَاحُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى النَّفْسِ .

وَمَجُوسِيٌّ ثُلُثَا عُشْرِ مُسْلِمٍ ، وَكَذَا وَثَنِيٌّ لَهُ أَمَانٌ .

تَنْبِيهٌ : السَّامِرَةُ كَالْيَهُودِ ، وَالصَّابِئَةُ كَالنَّصَارَى إنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمَا أَهْلُ مِلَّتِهِمَا ، وَإِلَّا فَكَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ ( وَمَجُوسِيٌّ ) لَهُ أَمَانٌ دِيَتُهُ أَخَسُّ الدِّيَاتِ ، وَهِيَ ( ثُلُثَا عُشْرِ ) دِيَةِ ( مُسْلِمٍ ) كَمَا قَالَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَفِيهِ عِنْدَ التَّغْلِيظِ حِقَّتَانِ وَجَذَعَتَانِ وَخِلْفَتَانِ وَثُلُثَا خَلِفَةٍ ، وَعِنْدَ التَّخْفِيفِ بَعِيرٌ وَثُلُثٌ مِنْ كُلِّ سِنٍّ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ خَمْسَ فَضَائِلَ ، وَهِيَ حُصُولُ كِتَابٍ وَدِينٍ كَانَ حَقًّا بِالْإِجْمَاعِ ، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ ، وَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمَجُوسِيِّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ إلَّا التَّقْرِيرُ بِالْجِزْيَةِ ، فَكَانَتْ دِيَتُهُ مِنْ الْخُمْسِ مِنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : ثُلُثَا عُشْرٍ أَوْلَى مِنْهُ ثُلُثُ خُمْسٍ ؛ لِأَنَّ فِي الثُّلُثَيْنِ تَكْرِيرًا ، وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَصْوِيبِ أَهْلِ الْحِسَابِ لِكَوْنِهِ أَخَصْرَ ( وَكَذَا وَثَنِيٌّ ) وَنَحْوُهُ ، كَعَابِدِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَزِنْدِيقٍ ، وَهُوَ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا مِمَّنْ ( لَهُ أَمَانٌ ) كَدُخُولِهِ لَنَا رَسُولًا ، أَمَّا مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَهَدَرٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ دِيَةِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ مَثَلًا ، وَهِيَ دِيَةُ الْكِتَابِيِّ اعْتِبَارًا بِالْأَشْرَفِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَبًا أَمْ أُمًّا ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا ، وَالضَّمَانُ يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ التَّغْلِيظِ ، وَيَحْرُمُ قَتْلُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ لِأَمَانِهِ ، وَدِيَةُ نِسَاءِ وَخَنَاثَى مَنْ ذُكِرَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ ، وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى إلَى هُنَا لَشَمِلَ الْجَمِيعَ ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ .
وَالْوَثَنُ : هُوَ الصَّنَمُ ، وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ وَثَنٌ إلَّا لِمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَخْرَةٍ كَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ .

وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ دِينِهِ ، وَإِلَّا فَكَمَجُوسِيٍّ

( وَالْمَذْهَبُ ) الْمَنْصُوصُ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ ( أَنَّ مَنْ ) قَتَلَ مَعْصُومًا ، وَ ( لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ ) أَيْ دَعْوَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ ) أَهْلِ ( دِينِهِ ) دِيَتُهُ ، فَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَدِيَةُ كِتَابِيٍّ ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ ، وَقِيلَ : دِيَةُ مُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ عِنَادٌ .
وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِدِينٍ مَنْسُوخٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ ثَبَتَ لَهُ نَوْعُ عِصْمَةٍ ، فَأُلْحِقَ بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ ، فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ وَجَبَ فِيهِ أَخَسُّ الدِّيَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ أَوْ لَا فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ ، وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : الضَّمَانُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَخَسُّ الدِّيَاتِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ بُدِّلَ ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُخَالِفُهُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ أَصْلًا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الطُّرُقُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَكَانَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَذْهَبِ نَظَرًا لِمَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ ، فَلِذَا قَالَ ( فَكَمَجُوسِيٍّ ) دِيَتُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبُ الْخِلَافِ ، وَقِيلَ تَجِبُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ حَقٍّ وَلَا عَهْدَ لَهُ وَلَا ذِمَّةَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجِبُ فِيمَنْ تَمَسَّكَ الْآنَ بِالْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ التَّبْدِيلُ ا هـ .
أَيْ إذَا لَمْ تَحِلَّ مُنَاكَحَتُهُمْ .
تَتِمَّةٌ : لَا يَجُوزُ

قَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَيُقْتَصُّ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ مِنْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ .

فَصْلٌ فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ، وَهَاشِمَةٍ مَعَ إيضَاحٍ عَشَرَةٌ ، وَدُونَهُ خَمْسَةٌ ، وَقِيلَ حُكُومَةٌ .

( فَصْلٌ ) فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : جُرْحٌ ، وَإِبَانَةُ طَرَفٍ ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ .
وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ الْجُرْحُ ، فَقَالَ وَ ( فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ ) وَلَوْ لِلْعَظْمِ الثَّانِي خَلْفَ الْأُذُنِ ( أَوْ الْوَجْهِ ) وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ لِمَا تَحْتَ الْمُقْبِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَفِيهَا ( لِحُرٍّ ) ذَكَرٍ ( مُسْلِمٍ ) غَيْرِ جَنِينٍ ، ( خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ { فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ } فَتُرَاعَى هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، فَفِي مُوضِحَةِ الْكِتَابِيِّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ ، وَفِي مُوضِحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَنَحْوِهِ ثُلُثُ بَعِيرٍ ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرْتُهُ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْهَاشِمَةِ ، وَخَرَجَ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَا عَدَاهُمَا كَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ فَإِنَّ فِيهِمَا الْحُكُومَةَ كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) فِي ( هَاشِمَةٍ مَعَ إيضَاحٍ ) أَوْ احْتِيَاجٍ إلَيْهِ بِشَقٍّ لِإِخْرَاجِ عَظْمٍ أَوْ تَقْوِيمِهِ أَوْ سَرَتْ إلَيْهِ ( عَشَرَةٌ ) مِنْ أَبْعِرَةٍ وَهِيَ عُشْرُ دِيَةِ الْكَامِلِ بِالْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الصُّوَرَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَبْلَ هَذَا .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوْجَبَ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ زَيْدٍ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ( وَ ) هَاشِمَةٍ ( دُونَهُ ) أَيْ الْإِيضَاحِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ ( خَمْسَةٌ ) مِنْ أَبْعِرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ خَمْسَةٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْهَشْمِ فَوَجَبَتْ عِنْدَ انْفِرَادِهِ ( وَقِيلَ ) فِي الْهَشْمِ إذَا خَلَا عَمَّا ذُكِرَ (

حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهُ كَسْرُ عَظْمٍ بِلَا إيضَاحٍ فَأَشْبَهَ كَسْرَ سَائِرِ الْعِظَامِ .

( وَمُنَقِّلَةٍ ) مَعَ إيضَاحٍ وَهَشْمٍ كَمَا صَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ ( خَمْسَةَ عَشَرَ ) بَعِيرًا ، رَوَى النَّسَائِيُّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَلَ فِي الْأُمِّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ، وَكَذَا ابْنُ الْمُنْذِرِ .

وَمُنَقِّلَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ .
( وَ ) فِي ( مَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ : إجْمَاعٌ ، وَفِي الدَّامِغَةِ مَا فِي الْمَأْمُومَةِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ، وَقِيلَ : تُزَادُ حُكُومَةٌ لِخَرْقِ غِشَاءِ الدِّمَاغِ .
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي خَرْقِ الْأَمْعَاءِ فِي الْجَائِفَةِ ، وَقِيلَ : يَجِبُ تَمَامُ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا تُذَفِّفُ وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَأْمُومَةِ وَمَا قَبْلَهَا مَا ذُكِرَ إنْ اتَّحَدَ الْجَانِي ، فَلَوْ تَعَدَّدَ فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ .

وَلَوْ أَوْضَحَ فَهَشَمَ آخَرُ ، وَنَقَّلَ ثَالِثٌ ، وَأَمَّ رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ ، وَالرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ .
( وَلَوْ أَوْضَحَ ) وَاحِدٌ ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا ( فَهَشَمَ آخَرُ ) بَعْدَ الْإِيضَاحِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَيْسَ تَعْقِيبُ الْهَشْمِ لِلْإِيضَاحِ بِشَرْطٍ ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ ( وَنَقَّلَ ثَالِثٌ وَأَمَّ رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ ) مِنْ الْإِبِلِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِسَبَبِ الْإِيضَاحِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا مِنْ دِيَةِ الْهَاشِمَةِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ الزَّائِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ دِيَةِ الْمُنَقِّلَةِ ( وَ ) عَلَى ( الرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ ) وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَهْشِمَ الْآخَرُ فِي مَحَلِّ الْإِيضَاحِ كَمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : مَا أَطْلَقَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْعَفْوِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ الْبَاقِينَ مُكِّنَ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ مِمَّا ذُكِرَ ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْجُرْحِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ .
قَالَهُ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِهِ .

وَالشِّجَاجُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ كَجُرْحِ سَائِرِ الْبَدَنِ .
( وَالشِّجَاجُ ) الْخَمْسُ الَّتِي ( قَبْلَ الْمُوضِحَةِ ) مِنْ حَارِصَةٍ وَدَامِيَةٍ وَبَاضِعَةٍ وَمُتَلَاحِمَةٍ وَسِمْحَاقٍ ( إنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا ) أَيْ الْمُوضِحَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مُوضِحَةٌ إذَا قِيسَ بِهَا الْبَاضِعَةُ مَثَلًا عُرِفَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ ثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ فِي عُمْقِ اللَّحْمِ ( وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا ) بِالنِّسْبَةِ ، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْحُكُومَةِ وَالْقِسْطِ مِنْ الْمُوضِحَةِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ مِنْهَا ( فَحُكُومَةٌ ) لَا تَبْلُغُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ ( كَجُرْحِ سَائِرِ ) أَيْ بَاقِي ( الْبَدَنِ ) كَالْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ فَإِنَّ فِيهِ الْحُكُومَةَ فَقَطْ لِأَنَّ أَدِلَّةَ مَا مَرَّ فِي الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ لَمْ يَشْمَلْهُ لِاخْتِصَاصِ أَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا لِزِيَادَةِ الْخَطَرِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا وَأَيْضًا فَأَرْشُ نَفْسِ الْعُضْوِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ ، وَلَيْسَ فِي الْأُنْمُلَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٌ ، فَكَيْفَ نُوجِبُ فِي إيضَاحِ عَظْمِهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ .

وَفِي جَائِفَةٍ ثُلُثُ دِيَةٍ ، وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ إلَى جَوْفٍ كَبَطْنٍ وَصَدْرٍ ، وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَجَبِينٍ وَخَاصِرَةٍ .

( وَفِي جَائِفَةٍ ) وَإِنْ صَغُرَتْ ( ثُلُثُ دِيَةٍ ) لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ إذْ لَا جُرْحَ فِي الْبَدَنِ يُقَدَّرُ غَيْرَهَا ( وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ يَصِلُ ( إلَى جَوْفٍ ) فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( كَبَطْنٍ ) أَيْ كَدَاخِلِهِ ( وَ ) دَاخِلِ ( صَدْرٍ ، وَ ) دَاخِلِ ( ثُغْرَةِ نَحْرٍ ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ، وَهِيَ نُقْرَةٌ بَيْنَ التَّرْقُوَتَيْنِ ( وَ ) دَاخِلِ ( جَبِينٍ ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ جِيمٍ وَهُوَ أَحَدُ جَانِبَيْ الْجَبْهَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ جِيمٍ تَثْنِيَةُ جَنْبٍ ، وَبِهِ عَبَّرَ الْمُحَرَّرُ وَالرَّوْضَةُ وَأَصْلُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ عَلَمٌ مِنْ التَّمْثِيلِ بِالْبَطْنِ ( وَ ) دَاخِلِ ( خَاصِرَةٍ ) مِنْ الْخَصْرِ ، وَهُوَ وَسَطُ الْإِنْسَانِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيفَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ ، وَخَرَجَ بِالْجَوْفِ الْمَذْكُورِ غَيْرُهُ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْجَفْنِ وَالْعَيْنِ وَمَمَرِّ الْبَوْلِ إذْ لَا يَعْظُمُ فِيهَا الْخَطَرُ كَالْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ الْأَجْوَافِ بَلْ فِيهَا حُكُومَةٌ ، فَلَوْ وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى الْفَمِ أَوْ دَاخِلِ الْأَنْفِ بِإِيضَاحٍ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ بِكَسْرِ قَصَبَةِ الْأَنْفِ ، فَأَرْشُ مُوضِحَةٍ فِي الْأُولَى أَوْ أَرْشُ هَاشِمَةٍ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ حُكُومَةٍ فِيهِمَا لِلنُّفُوذِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أُخْرَى ، وَإِنْ حَزَّ بِسِكِّينٍ مِنْ كَتِفٍ أَوْ فَخِذٍ إلَى الْبَطْنِ فَأَجَافَهُ فَوَاجِبُهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ وَحُكُومَةٌ لِجِرَاحَةِ الْكَتِفِ أَوْ الْفَخِذِ ؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجَائِفَةِ أَوْ حَزَّ بِهَا مِنْ الصَّدْرِ إلَى الْبَطْنِ أَوْ النَّحْرِ فَأَرْشُ جَائِفَةٍ بِلَا حُكُومَةٍ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَحَلُّ الْجَائِفَةِ ، وَلَوْ أَجَافَهُ حَتَّى لَذَعَ كَبِدَهُ أَوْ طِحَالَهُ لَزِمَهُ مَعَ دِيَةِ الْجَائِفَةِ حُكُومَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَلَوْ كَسَرَ ضِلْعَهُ كَانَتْ

حُكُومَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِنُفُوذِ الْجَائِفَةِ ، فَإِنْ نَفَذَتْ فِي غَيْرِ الضِّلْعِ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ مَعَ الدِّيَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ إلَّا بِكَسْرِهِ دَخَلَتْ حُكُومَةُ كَسْرِهِ فِي دِيَةِ الْجَائِفَةِ .
تَنْبِيهٌ : سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ نَفَذَ الطَّعْنُ إلَى الْبَطْنِ وَخَرَجَ مِنْ الظَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ جَائِفَتَيْنِ ، فَفِيهِ إطْلَاقُ الْجَائِفَةِ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ جَوْفٍ ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ هُنَا تَقْيِيدَ الْجَائِفَةِ بِمَا دَخَلَ الْجَوْفَ .

( وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ بِكِبَرِهَا ) وَلَا صِغَرِهَا لِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَالْأَطْرَافِ وَلَا بِكَوْنِهَا بَارِزَةً أَوْ مَسْتُورَةً بِالشَّعْرِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمُوضِحَةِ بَلْ الْجَائِفَةُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ غَرَزَ فِيهِ إبْرَةً فَوَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ فَهِيَ جَائِفَةٌ ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ الشِّجَاجِ فَهُوَ عَلَى الْأَسْمَاءِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَعَدَّدُ صُورَةً وَحُكْمًا وَمَحَلًّا وَفَاعِلًا وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ ، وَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فِي قَوْلِهِ .

وَلَوْ أَوْضَحَ مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ قِيلَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَمُوضِحَتَانِ .
( وَلَوْ أَوْضَحَ ) الْجَانِي مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ ( مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ ) مَعًا سَوَاءٌ أَوْضَحَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا ( قِيلَ أَوْ ) بَيْنَهُمَا ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ لَحْمٌ فَقَطْ أَوْ جِلْدٌ فَقَطْ ( فَمُوضِحَتَانِ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِاخْتِلَافِ الصُّورَةِ مَعَ قُوَّةِ الْحَاجِزِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَجْهُ الْقَائِلِ بِالتَّعَدُّدِ وُجُودُ حَاجِزٍ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَتَتْ عَلَى الْمَوْضِعِ كُلِّهِ كَاسْتِيعَابِهِ بِالْإِيضَاحِ ، وَلَوْ رَفَعَ الْجَانِي الْحَاجِزَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَهُمَا أَوْ تَأَكَّلَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ عَادَ الْأَرْشَانِ إلَى وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَانَ كَمَا لَوْ أَوْضَحَ فِي الِابْتِدَاءِ مُوضِحَةً وَاسِعَةً ، وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَدِيدَةَ وَنَفَّذَهَا مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فِي الدَّاخِلِ ثُمَّ سَلَّهَا فَفِي تَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا عَدَمُ التَّعَدُّدِ ، وَلَوْ كَثُرَتْ الْمُوضِحَاتُ تَعَدَّدَ الْأَرْشُ بِحَسَبِهَا وَلَا ضَبْطَ ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِيمَا لَوْ اسْتَوْعَبَ الْأَسْنَانَ قَلْعًا .

الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ قِصَاصًا وَعُدْوَانًا فَمُوضِحَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ .

وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً أَوْ شَمِلَتْ رَأْسًا وَوَجْهًا فَمُوضِحَتَانِ ، وَقِيلَ مُوضِحَةٌ ، وَلَوْ وَسَّعَ مُوضِحَتَهُ فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ
الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ شَمِلَتْ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْأَصَحِّ ( رَأْسًا وَوَجْهًا فَمُوضِحَتَانِ ) عَلَى الصَّحِيحِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ ، فَقَوْلُهُ فَمُوضِحَتَانِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ ( وَقِيلَ مُوضِحَةٌ ) نَظَرًا لِلصُّورَةِ .
تَنْبِيهٌ : نَصْبُ " عَمْدًا وَخَطَأً " إمَّا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ أَيْ مُوضِحَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ رَأْسًا وَوَجْهًا عَنْ شُمُولِهَا رَأْسًا وَقَفًا فَيَلْزَمُهُ مَعَ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ حُكُومَةُ الْقَفَا وَعَنْ شُمُولِهَا الْجَبْهَةَ وَالْوَجْهَ فَالْمَذْهَبُ الِاتِّحَادُ ، وَقَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ شُمُولَ الْمُوضِحَةِ لِكُلٍّ مِنْ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَوْضَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَبَعْضَ الْوَجْهِ ( وَلَوْ وَسَّعَ ) الْجَانِي ( مُوضِحَتَهُ ) مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ ( فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) كَمَا لَوْ أَوْضَحَ أَوَّلًا كَذَلِكَ ، وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهٌ مَنْقُولٌ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ التَّوْسِعَةَ إيضَاحٌ ثَانٍ ، أَمَّا مَعَ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَتَتَعَدَّدُ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ : وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً .

أَوْ غَيْرُهُ فَثِنْتَانِ .
الرَّابِعُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ غَيْرُهُ فَثِنْتَانِ ) لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَحَزَّ آخَرُ رَقَبَتَهُ ، فَإِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جِنَايَتُهُ ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُوَسِّعُ مَأْمُورًا لِلْمُوضِحِ أَوَّلًا وَكَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ هُنَا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ أَيْ وَسَّعَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَنُقِلَ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فَالْكَسْرُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي مُوضِحَتِهِ : أَيْ وَسَّعَ مُوضِحَةَ غَيْرِهِ فَحُذِفَ وَبَقِيَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُهُ ابْنُ مَالِكٍ تَبَعًا لِلْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي الْعَطْفِ عَلَى مَجْرُورٍ إعَادَةُ الْجَارِّ خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّينَ وَالْفَتْحُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِعْطَاءِ إعْرَابِهِ الْمُضَافَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } أَيْ أَهْلَهَا .

وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ .
فَرْعٌ : لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي مُوضِحَةٍ وَعَفَا عَلَى مَالٍ هَلْ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَرْشٌ كَامِلٌ أَوْ عَلَيْهِمَا أَرْشٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ النَّفْسِ ، فَإِنَّ عَلَيْهِمَا دِيَةً وَاحِدَةً ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ أَوْضَحَا مُوضِحَتَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِيهِمَا ثُمَّ رَفَعَ أَحَدُهُمَا الْحَاجِزَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ ، فَإِنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَّحِدُ فِي حَقِّهِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَعَلَى الرَّافِعِ أَرْشٌ كَامِلٌ وَعَلَى غَيْرِهِ أَرْشَانِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ لَزِمَ الرَّافِعَ نِصْفُ أَرْشٍ وَلَزِمَ صَاحِبَهُ أَرْشٌ كَامِلٌ وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي ( وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي ) الِاتِّحَادِ وَفِي ( التَّعَدُّدِ ) الْمُتَقَدِّمِ صُورَةً وَحُكْمًا وَمَحَلًّا وَفَاعِلًا وَفِي رَفْعِ الْحَاجِزِ بَيْنَ الْجَائِفَتَيْنِ ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ أَرْشِ الْجَائِفَةِ عَلَى مَنْ وَسَّعَ جَائِفَةَ غَيْرِهِ أَنْ يُوَسِّعَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ فِي ذَلِكَ ، فَلَوْ أَدْخَلَ سِكِّينًا فِي جَائِفَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ وَيُعَزَّرُ ، وَإِنْ زَادَ فِي غَوْرِهَا وَكَانَ قَدْ ظَهَرَ عُضْوٌ بَاطِنٌ كَالْكَبِدِ فَغَوَّرَ السِّكِّينَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْحُكُومَةُ ، وَإِنْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْ جَانِبِ بَعْضِ الظَّاهِرِ وَمِنْ جَانِبِ بَعْضِ الْبَاطِنِ فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ثَخَانَةِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ وَيُقَسَّطُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَقَدْ يَقْتَضِي التَّقْسِيطُ تَمَامَ الْأَرْشِ بِأَنْ يَقْطَعَ نِصْفَ الظَّاهِرِ مِنْ جَانِبٍ وَنِصْفَ الْبَاطِنِ مِنْ جَانِبٍ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ .

وَلَوْ نَفَذَتْ فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ فَجَائِفَتَانِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ سِنَانًا لَهُ طَرَفَانِ فَثِنْتَانِ .
( وَلَوْ ) طَعَنَهُ بِآلَةٍ طَعْنَةً ( نَفَذَتْ فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ ) أَوْ عَكْسُهُ أَوْ نَفَذَتْ مِنْ جَنْبٍ وَخَرَجَتْ مِنْ جَنْبٍ ( فَجَائِفَتَانِ فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ اعْتِبَارًا لِلْخَارِجَةِ بِالدَّاخِلَةِ ، وَقَدْ قَضَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَنْفَذَهُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فَكَانَ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَالثَّانِي فِي الْخَارِجَةِ حُكُومَةٌ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ حَقِيقَتُهُمَا ، لَا كُلُّ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ لِمَا مَرَّ فِي الْفَمِ وَالذَّكَرِ وَغَيْرِهِمَا ( وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ ) بِالْخَرْقِ ( سِنَانًا ) هُوَ طَرَفُ الرُّمْحِ ( لَهُ طَرَفَانِ فَثِنْتَانِ ) إنْ سَلِمَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَجَافَهُ بِاثْنَيْنِ ، فَإِنْ خَرَجَا مِنْ ظَهْرِهِ فَأَرْبَعُ جَوَائِفَ .
تَنْبِيهٌ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَإِنَّهَا قَدْ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُ فِي الْمُوضِحَةِ أَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ فِي مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ تَعَدَّدَ الْأَرْشُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : وَلَوْ طَعَنَ جَوْفَهُ بَدَلَ أَوْصَلَ ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَصْدُقُ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ بِأَنْ يُوصِلَهُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ كَحَلْقِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى جَائِفَةً .

وَلَا يَسْقُطُ أَرْشٌ بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ .
( وَلَا يَسْقُطُ أَرْشٌ ) بِانْدِمَالٍ وَلَا ( بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ ) لِأَنَّ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ وَقَدْ وُجِدَ ، وَسَوَاءٌ أَبَقِيَ شَيْءٌ أَمْ لَا .

وَالْمَذْهَبُ أَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ دِيَةً لَا حُكُومَةً ، وَبَعْضٌ بِقِسْطِهِ ، وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا فَدِيَةٌ ، وَفِي قَوْلٍ حُكُومَةٌ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إبَانَةُ الطَّرَفِ ، وَمُقَدَّرُ الْبَدَلِ مِنْ الْأَعْضَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ عُضْوًا ، وَأَنَا أَسْرُدُهَا لَكَ : أُذُنٌ ، عَيْنٌ ، جَفْنٌ ، أَنْفٌ ، شَفَةٌ ، لِسَانٌ ، سِنٌّ ، لَحْيٌ ، يَدٌ ، رِجْلٌ ، حَلَمَةٌ ، ذَكَرٌ ، أُنْثَيَانِ ، أَلْيَانِ ، شَفْرَانِ ، جِلْدٌ ، ثُمَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ مِنْهَا وَهُوَ ثُنَائِيٌّ كَالْيَدَيْنِ ، فَفِي الْوَاحِدِ مِنْهُ نِصْفُهَا ، أَوْ ثُلَاثِيٌّ كَالْأَنْفِ فَثُلُثُهَا ، أَوْ رُبَاعِيٌّ كَالْأَجْفَانِ فَرُبْعُهَا وَلَا زِيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَفِي الْبَعْضِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا بِقِسْطِهِ ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ .
الْعُضْوُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَالْمَذْهَبُ ) الْمَنْصُوصُ ( أَنَّ فِي ) قَطْعِ أَوْ قَلْعِ ( الْأُذُنَيْنِ ) مِنْ أَصْلِهِمَا بِغَيْرِ إيضَاحٍ ( دِيَةً ) بِالنَّصْبِ اسْمُ أَنَّ سَوَاءٌ أَكَانَ سَمِيعًا أَمْ أَصَمَّ ( لَا حُكُومَةً ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { فِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ ؛ وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِيهِمَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الدِّيَةُ كَالْيَدَيْنِ ، وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ مُخَرَّجٍ تَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةٌ كَالشُّعُورِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالدِّيَةِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ نَظَائِرِهِ دِيَةُ مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ إيضَاحٌ وَجَبَ مَعَ الدِّيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ الْإِيضَاحِ ( وَبَعْضٌ ) بِالرَّفْعِ مِنْ الْأُذُنَيْنِ ( بِقِسْطِهِ ) أَيْ الْمَقْطُوعِ لِمَا مَرَّ وَيُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ قَوْلُهُ : بَعْضٌ مَا قَطَعَ إحْدَاهُمَا وَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَعْضَ مِنْ إحْدَاهُمَا وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ : وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُحَرَّرُ ( وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا ) بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَتَا لَمْ تَتَحَرَّكَا ( فَدِيَةٌ ) كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ ( وَفِي قَوْلٍ حُكُومَةٌ ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَهِيَ جَمْعُ الصَّوْتِ لِيَتَمَادَى إلَى

مَحَلِّ السَّمَاعِ بِخِلَافِ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ ، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهَا بَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِيهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْأُخْرَى وَهِيَ دَفْعُ الْهَوَامِّ بِالْإِحْسَاسِ قَدْ بَطَلَتْ ، وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ .

وَلَوْ قَطَعَ يَابِسَتَيْنِ فَحُكُومَةٌ ، وَفِي قَوْلٍ دِيَةٌ .
( وَلَوْ قَطَعَ ) أُذُنَيْنِ ( يَابِسَتَيْنِ ) بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ فِيهِمَا فِي الْأَظْهَرِ ( وَفِي قَوْلٍ ) فِيهِمَا ( دِيَةٌ ) تَلْزَمُهُ ، الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّ الْأُذُنَ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالْمُسْتَحْشِفَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا وَعَدَمِ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَبْلُغَ بِالْحُكُومَتَيْنِ مِقْدَارَ الدِّيَةِ حَتَّى لَا نَكُونَ قَدْ أَسْقَطْنَا الدِّيَةَ فِيهِمَا أَوْ لَا ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ ، أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمَاوَرْدِيُّ : أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي .

وَفِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ ، وَلَوْ عَيْنُ أَحْوَلَ وَأَعْمَشَ وَأَعْوَرَ ، وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ ، فَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطٌ ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ .

الْعُضْوُ الثَّانِي هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) قَلْعِ ( كُلِّ عَيْنٍ ) وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ : اسْمٌ لِحَاسَّةِ الْبَصَرِ مِنْ إنْسَانٍ وَغَيْرِهِ ( نِصْفُ دِيَةٍ ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَوَارِحِ نَفْعًا ، فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيجَابِ الدِّيَةِ ( وَلَوْ ) هِيَ ( عَيْنُ أَحْوَلَ ) وَهُوَ مَنْ فِي عَيْنِهِ خَلَلٌ دُونَ بَصَرِهِ ( وَ ) عَيْنُ ( أَعْمَشَ ) وَهُوَ مَنْ يَسِيلُ دَمْعُهُ غَالِبًا مَعَ ضَعْفِ رُؤْيَتِهِ ( وَ ) عَيْنُ ( أَعْوَرَ ) وَهُوَ ذَاهِبُ حِسِّ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ مَعَ بَقَاءِ بَصَرِهِ ، وَعَيْنُ أَخْفَشَ وَهُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ الْمُبْصِرَةِ ، وَعَيْنُ أَعْشَى وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ بِأَعْيُنِ مَنْ ذُكِرَ ، وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْعَيْنَ الْعَوْرَاءَ فِيهَا نِصْفُ دِيَةٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْعَيْنِ الْأُخْرَى ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّنْ يَقُولُ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ كُلُّ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ بَصَرَ الذَّاهِبَةِ انْتَقَلَ إلَيْهَا ( وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ ) عَلَى بَيَاضِهَا أَوْ سَوَادِهَا أَوْ نَاظِرِهَا وَهُوَ رَقِيقٌ ( لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ ) الَّذِي فِيهَا يَجِبُ فِي قَلْعِهَا نِصْفُ دِيَةٍ لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ نَقَصَ ) الضَّوْءُ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ النَّقْصِ بِالِاعْتِبَارِ بِالصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا بَيَاضَ فِيهَا ( فَقِسْطُ ) مَا نَقَصَ يَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ ) أَيْ النَّقْصُ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَيْنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْبَيَاضَ يُنْقِصُ الضَّوْءَ الَّذِي كَانَ فِي أَصْلِ الْحَدَقَةِ ، وَعَيْنُ الْأَعْمَشِ لَمْ يَنْقُصْ ضَوْءُهَا عَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ .
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْعَمَشَ لَوْ تَوَلَّدَ مِنْ آفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تَكْمُلُ فِيهِ الدِّيَةُ .

وَفِي كُلِّ جَفْنٍ رُبْعُ دِيَةٍ ، وَلَوْ لِأَعْمَى .
الْعُضْوُ الثَّالِثُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) قَطْعِ ( كُلِّ جَفْنٍ ) بِفَتْحِ جِيمِهِ وَكَسْرِهَا ، وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْفَتْحِ ، وَهُوَ غِطَاءُ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ ( رُبْعُ دِيَةٍ ) سَوَاءٌ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ ، فَفِي الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( لِأَعْمَى ) وَبِلَا هُدْبٍ ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً .
وَقَدْ اخْتَصَّتْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ بِكَوْنِهَا رُبَاعِيَّةً وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ فِي دِيَةِ الْأَجْفَانِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْأَهْدَابُ ، فَإِنَّ فِيهَا حُكُومَةً إذَا فَسَدَ مَنْبَتُهَا كَسَائِرِ الشُّعُورِ ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِقَطْعِهَا الزِّينَةُ وَالْجَمَالُ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ ، وَفِي قَطْعِ الْجَفْنِ الْمُسْتَفْحِشِ حُكُومَةٌ ، وَفِي أَحْشَافِ الْجَفْنِ الصَّحِيحِ رُبْعُ دِيَةٍ جَزْمًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأُذُنِ ، فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا تَزُولُ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَاكَ ، وَفِي بَعْضِ الْجَفْنِ الْوَاحِدِ قِسْطُهُ مِنْ الرُّبْعِ ، فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُ فَتَقَلَّصَ بَاقِيهِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ .

وَمَارِنٍ دِيَةٌ ، وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْحَاجِزِ ثُلُثٌ ، وَقِيلَ فِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ ، وَفِيهِمَا دِيَةٌ .
الْعُضْوُ الرَّابِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) فِي قَطْعِ ( مَارِنٍ ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَخَلَا مِنْ الْعَظْمِ ( دِيَةٌ ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الطَّرَفَيْنِ الْمُسَمَّيَانِ بِالْمَنْخَرَيْنِ ، وَعَلَى الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا وَتَنْدَرِجُ حُكُومَةُ قَصَبَتِهِ فِي دِيَتِهِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقِيلَ فِيهَا حُكُومَةٌ مَعَ دِيَتِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَخْشَمِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِيهِ ( وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْحَاجِزِ ثُلُثٌ ) تَوْزِيعًا لِلدِّيَةِ عَلَيْهِمَا ( وَقِيلَ فِي الْحَاجِزِ ) بَيْنَهُمَا ( حُكُومَةٌ ) فَقَطْ ( وَفِيهِمَا ) أَيْ الطَّرَفَيْنِ ( دِيَةٌ ) لِأَنَّ الْجَمَالَ وَكَمَالَ الْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا دُونَ الْحَاجِزِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ قَوْلَانِ ، وَلَا تَصْرِيحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِتَرْجِيحٍ وَفِي قَطْعِ بَاقِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الْمَارِنِ بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ بِجُذَامٍ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ بِالْمِسَاحَةِ ، وَفِي إشْلَالِ الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَفِي شَقِّهِ إذَا لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ شَيْءٌ حُكُومَةٌ وَإِنْ لَمْ يَلْتَئِمْ ، فَإِنْ تَأَكَّلَ بِالشَّقِّ بِأَنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ وَجَبَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ، وَفِي قَطْعِ الْقَصَبَةِ وَحْدَهَا دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ .

وَفِي كُلِّ شَفَةٍ نِصْفُ دِيَةٍ .
الْعُضْوُ الْخَامِسُ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) قَطْعِ ( كُلِّ شَفَةٍ ) وَهِيَ فِي عَرْضِ الْوَجْهِ إلَى الشِّدْقَيْنِ وَفِي طُولِهِ مَا يَسْتُرُ اللِّثَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ وَفِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ ذَكَرَ هَذَا ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِ ( نِصْفُ دِيَةٍ ) عُلْوِيًّا أَوْ سُفْلِيًّا رَقَّتْ أَوْ غَلُظَتْ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ ، فَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ } وَلِمَا فِيهِمَا مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ ، إذْ الْكَلَامُ يَتَمَيَّزُ بِهِمَا وَيُمْسِكَانِ الرِّيقَ وَالطَّعَامَ ، وَالْإِشْلَالُ كَالْقَطْعِ ، وَفِي شَقِّهِمَا بِلَا إبَانَةٍ حُكُومَةٌ ، وَلَوْ قَطَعَ شَفَةً مَشْقُوقَةً وَجَبَتْ دِيَتُهَا إلَّا حُكُومَةَ الشَّقِّ ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَتَقَلَّصَ الْبَعْضَانِ الْبَاقِيَانِ وَبَقِيَا كَمَقْطُوعِ الْجَمِيعِ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَالْبَاقِي كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَهَلْ تَسْقُطُ مَعَ قَطْعِهِمَا حُكُومَةُ الشَّارِبِ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْأَهْدَابِ مَعَ الْأَجْفَانِ .

وَلِسَانٍ وَلَوْ لِأَلْكَنَ وَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ وَطِفْلٍ دِيَةٌ ، وَقِيلَ شَرْطُ الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ ، وَلِأَخْرَسَ حُكُومَةٌ .

الْعُضْوُ السَّادِسُ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) فِي قَطْعِ ( لِسَانٍ ) لِنَاطِقٍ سَلِيمِ الذَّوْقِ ( وَلَوْ ) كَانَ اللِّسَانُ ( لِأَلْكَنَ ) وَهُوَ مَنْ فِي لِسَانِهِ لُكْنَةٌ أَوْ عُجْمَةٌ ( وَ ) لَوْ لِسَانَ ( أَرَتَّ ) بِمُثَنَّاةٍ ( وَ ) لَوْ ( أَلْثَغَ ) بِمُثَلَّثَةٍ ، وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ( وَ ) لَوْ لِسَانَ ( طِفْلٍ ) وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ ، وَقَوْلُهُ ( دِيَةٌ ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَلْسِنَةِ الْمَذْكُورَةِ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ } صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ، وَنَقَلَ فِي الْأُمِّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً يَتَمَيَّزُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهَائِمِ فِي الْبَيَانِ وَالْعِبَارَةِ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ ، وَفِيهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ : الْكَلَامُ ، وَالذَّوْقُ ، وَالِاعْتِمَادُ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ وَإِدَارَتُهُ فِي اللَّهَوَاتِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ طَحْنَهُ بِالْأَضْرَاسِ ( وَقِيلَ شَرْطُ ) الدِّيَةِ فِي قَطْعِ لِسَانِ ( الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ ) أَيْ اللِّسَانِ ( لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ ) لِلثَّدْيِ ؛ لِأَنَّهَا أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى سَلَامَةِ اللِّسَانِ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَحُكُومَةٌ ؛ لِأَنَّ سَلَامَتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَلَغَ الطِّفْلُ أَوَانَ النُّطْقِ وَالتَّحْرِيكِ وَلَمْ يُوجَدَا مِنْهُ فَحُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ لِإِشْعَارِ الْحَالِ بِعَجْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ النُّطْقِ فَدِيَةٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَخَذًا بِظَاهِرِ السَّلَامَةِ كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ بَطْشٌ وَلَا مَشْيٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أُخِذَتْ دِيَةُ اللِّسَانِ فَنَبَتَ لَمْ تُسْتَرَدَّ ، وَفَارَقَ عَوْدُ الْمَعَانِي كَمَا يَأْتِي بِأَنَّ ذَهَابَهَا كَانَ مَظْنُونًا ، وَقَطْعُ اللِّسَانِ مُحَقَّقٌ ، وَالْعَائِدُ غَيْرُهُ ، وَهُوَ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ ، وَلَوْ أُخِذَتْ الْحُكُومَةُ لِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانِهِ لِأَمْرٍ اقْتَضَى إيجَابَهَا ثُمَّ نَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ

وَعَرَفْنَا سَلَامَةَ لِسَانِهِ وَجَبَ تَمَامُ قِسْطِ دِيَتِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ اللِّسَانُ عَدِيمَ الذَّوْقِ فَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ فِيهِ حُكُومَةً كَالْأَخْرَسِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الذَّوْقَ فِي اللِّسَانِ ، وَقَدْ يُنَازِعُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ لَزِمَهُ دِيَتَانِ ا هـ .
وَاللِّسَانُ ذُو الطَّرَفَيْنِ إنْ اسْتَوَيَا خِلْقَةً فَلِسَانٌ مَشْقُوقٌ فَتَجِبُ بِقَطْعِهِمَا الدِّيَةُ وَبِقَطْعِ أَحَدِهِمَا قِسْطُهُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا ، فَفِي قَطْعِ الْأَصْلِيِّ الدِّيَةُ ، وَفِي قَطْعِ الزَّائِدِ حُكُومَةٌ ( وَ ) فِي لِسَانِ ( الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ ) وَلَوْ كَانَ خَرَسُهُ عَارِضًا كَمَا فِي قَطْعِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : هَذَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِقَطْعِهِ الذَّوْقُ أَوْ كَانَ ذَاهِبَ الذَّوْقِ .
فَأَمَّا إذَا قَطَعَ لِسَانَ أَخْرَسَ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِلذَّوْقِ ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ : إنَّ فِي الذَّوْقِ الدِّيَةَ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ : وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وُلِدَ أَصَمَّ فَقَطَعَ لِسَانَهُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ أَمَارَةُ النُّطْقِ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي اللِّسَانِ النُّطْقُ ، وَهُوَ مَأْيُوسٌ مِنْ الْأَصَمِّ وَالصَّغِيرُ إنَّمَا يَنْطِقُ بِمَا يَسْمَعُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ لَمْ يَنْطِقْ ، وَفِي قَطْعِ اللَّهَاةِ حُكُومَةٌ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَهِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبِقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ .

وَكُلِّ سِنٍّ لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ سَوَاءٌ أَكَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ أَوْ قَلَعَهَا بِهِ .

الْعُضْوُ السَّابِعُ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) فِي قَلْعِ ( كُلِّ سِنٍّ ) أَصْلِيَّةٍ تَامَّةٍ مَثْغُورَةٍ غَيْرِ مُقَلْقَلَةٍ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاء نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا ، فَفِيهَا ( لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ وَالضِّرْسِ وَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهَا بِاسْمٍ كَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ فِي الْأَصَابِعِ وَفِيهَا لِأُنْثَى حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ ، وَلِذِمِّيٍّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ ، وَلِمَجُوسِيٍّ ثُلُثُ بَعِيرٍ ، وَلِرَقِيقٍ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ ، وَلَوْ قَالَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَشَمِلَ جَمِيعَ هَذِهِ الصُّوَرِ ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا : لَوْ انْتَهَى صِغَرُ السِّنِّ إلَى أَنْ لَا يَصْلُحَ لِلْمَضْغِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا حُكُومَةٌ .
الثَّانِيَةُ أَنَّ الْغَالِبَ طُولُ الثَّنَايَا عَلَى الرُّبَاعِيَّاتِ فَلَوْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَقْصَرَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخَمْسُ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهَا بِحَسَبِ نُقْصَانِهَا ، ثُمَّ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ ( سَوَاءٌ أَكَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَإِعْجَامِ الْخَاءِ ، وَيُقَالُ بِالْجِيمِ أَصْلُهَا الْمُسْتَتِرُ بِاللَّحْمِ ( أَوْ قَلَعَهَا بِهِ ) أَيْ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي دِيَتِهَا بَيْنَ حَالَةِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا كَالْقَلْعِ أَوْ لَا كَالْكَسْرِ لِأَنَّ النَّسْخَ تَابِعٌ ، فَأَشْبَهَ الْكَفَّ مَعَ الْأَصَابِعِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَ مَنْفَعَةَ السِّنِّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ .
قَالَ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ مَنَافِعِهَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي خِلْقَةً

.
أَمَّا لَوْ ظَهَرَ بَعْضُ السِّنْخِ لِخَلَلٍ أَصَابَ اللِّثَةَ لَمْ يُلْحَقْ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ بَلْ يُكَمِّلُ الدِّيَةَ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْأَصْلِ ، وَقِيلَ تَجِبُ لِلسِّنْخِ حُكُومَةٌ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْقَالِعُ لَهَا وَاحِدًا وَقَلَعَهُمَا مَعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ ، فَلَوْ قَلَعَ الظَّاهِرَ ثُمَّ السِّنْخَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، أَوْ قَلَعَ وَاحِدٌ السِّنَّ وَآخَرُ السِّنْخَ وَجَبَ لِلسِّنْخِ حُكُومَةٌ جَزْمًا ، وَلَوْ قَلَعَ السِّنَّ فَبَقِيَتْ مُعَلَّقَةً بِعُرُوقِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالْإِبَانَةِ وَلَمْ تُوجَدْ ، وَإِنْ كَسَرَ سِنًّا مَكْسُورَةً وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ الْفَائِتِ صُدِّقَ صَاحِبُهَا فِي قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَوَاتِ الزَّائِدِ ، وَإِنْ كَسَرَ مِنْهُ صَحِيحَةً وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ مَا كَسَرَ مِنْهَا صُدِّقَ الْجَانِي فِي قَدْرِ مَا كَسَرَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ .

وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ حُكُومَةٌ ، وَحَرَكَةُ السِّنِّ إنْ قَلَّتْ فَكَصَحِيحَةٍ وَإِنْ بَطَلَتْ الْمَنْفَعَةُ فَحُكُومَةٌ ، أَوْ نَقَصَتْ فَالْأَصَحُّ كَصَحِيحَةٍ .
( وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ ) وَهِيَ الْخَارِجَةُ عَنْ سَمْتِ الْأَسْنَانِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُخَالِفَةِ نَبَاتَهَا ( حُكُومَةٌ ) كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالشَّاغِيَةِ كَالْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تَشْمَلُ الزَّائِدَ عَلَى الْغَالِبِ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَسْنَانِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ فِيهَا أَرْشًا ، وَيُعَزَّرُ قَالِعُ سِنٍّ اُتُّخِذَتْ مِنْ نَحْوِ ذَهَبٍ كَفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَلَا حُكُومَةٍ وَإِنْ تَشَبَّثَتْ بِاللَّحْمِ وَاسْتَعَدَّتْ لِلْمَضْغِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ الشَّخْصِ ( وَحَرَكَةُ السِّنِّ ) لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ ( إنْ قَلَّتْ ) بِحَيْثُ لَا تُؤْذِي الْقِلَّةُ لِنَقْصِ مَنْفَعَتِهَا مِنْ مَضْغٍ وَغَيْرِهِ ( فَكَصَحِيحَةٍ ) حُكْمُهَا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ ( وَإِنْ بَطَلَتْ الْمَنْفَعَةُ ) مِنْهَا لِشِدَّةِ حَرَكَتِهَا ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ فِيهَا لِلشَّيْنِ الْحَاصِلِ بِزَوَالِ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْجَمَالِ وَحَبْسَ الطَّعَامِ وَالرِّيقِ مَوْجُودَةٌ ( أَوْ نَقَصَتْ ) تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ ( فَالْأَصَحُّ ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا ( كَصَحِيحَةٍ ) فَيَجِبُ الْأَرْشُ لِوُجُودِ أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمَضْغِ وَحِفْظِ الطَّعَامِ وَرَدِّ الرِّيقِ وَلَا أَثَرَ لِضَعْفِهَا كَضَعْفِ الْبَطْشِ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ تَزَلْزَلَتْ سِنٌّ صَحِيحَةٌ بِجِنَايَةٍ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ ، وَإِنْ ثَبَتَتْ وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْجِرَاحَةِ نَقْصٌ وَلَا شَيْنٌ ، وَإِنْ عَادَتْ نَاقِصَةَ الْمَنْفَعَةِ فَفِيهَا أَرْشٌ ، كَذَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي فِي الْأَنْوَارِ لَزِمَتْهُ الْحُكُومَةُ لَا الْأَرْشُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا يَجِبُ بِقَلْعِهِمَا كَمَا مَرَّ .
قَالَ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَزَلَّةُ الْقَدَمِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ا هـ .
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَقْصِ الْمَنْفَعَةِ ذَهَابُهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ .

وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ فَلَمْ تَعُدْ وَبَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَجَبَ الْأَرْشُ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَا شَيْءَ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ ، وَلَوْ قُلِعَتْ الْأَسْنَانُ فَبِحِسَابِهِ ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ إنْ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ .

( وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ ) أَوْ غَيْرِهِ ( لَمْ يُثْغَرْ ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ لَمْ تَسْقُطْ أَسْنَانُهُ ، وَهِيَ رَوَاضِعُهُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا غَالِبًا عَوْدُهَا بَعْدَ سُقُوطِهَا ( فَلَمْ تَعُدْ ) وَقْتَ أَوَانِ عَوْدِهَا ( وَبَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ ) مِنْهَا ( وَجَبَ ) الْقِصَاصُ فِيهَا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ أَوْ ( الْأَرْشُ ) تَامًّا ، فَإِنْ عَادَتْ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ ، وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إنْ بَقِيَ شَيْنٌ ، وَإِلَّا فَلَا ( وَالْأَظْهَرُ ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ ) لِحَالِ طُلُوعِهَا وَعَدَمِهِ ( فَلَا شَيْءَ ) عَلَى الْجَانِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَعَادَتْ ، وَالثَّانِي يَجِبُ الْأَرْشُ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَوْدِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ عَلَيْهِ ، لَكِنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وُجُوبَهَا ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِهَا أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الْحُكُومَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِسْطِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ تَكْمُلْ ، وَلَوْ قَلَعَهَا قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِهَا آخَرُ اُنْتُظِرَتْ ، فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَالدِّيَةُ عَلَى الْآخَرِ ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ أَكْثُرُ مِنْ الْحُكُومَةِ الْأُولَى ، وَإِنْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ غَيْرِ الْمَثْغُورَةِ آخَرُ بَعْدَ قَلْعِ غَيْرِهِ لَهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ رَجَّحَهُ فِي الْبَيَانِ ، وَإِنْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ شَخْصٌ مَنْبَتَهَا لَزِمَهُ حُكُومَةٌ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْلَعْ سِنًّا ( وَ ) الْأَظْهَرُ ( أَنَّهُ لَوْ قَلَعَ ) شَخْصٌ ( سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ ) تِلْكَ الْمَقْلُوعَةُ ( لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ ) لِأَنَّ الْعَوْدَ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ كَمُوضِحَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ

الْتَحَمَتْ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالْتِحَامِهَا الْقِصَاصُ ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِأَنَّ الْعَائِدَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ تَعُدْ وَجَبَ الْأَرْش جَزْمًا ( وَلَوْ قُلِعَتْ الْأَسْنَانُ ) كُلُّهَا ، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فِي غَالِبِ الْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ ؛ أَرْبَعُ ثَنَايَا ، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ ، ثُمَّ أَرْبَعُ رُبَاعِيَّاتٍ : ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ ، ثُمَّ أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ ، ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ وَاثْنَا عَشَرَ ضِرْسًا ، وَتُسَمَّى الطَّوَاحِينَ ، قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَإِنْ قِيلَ : قَضِيَّتُهُ أَنَّ النَّوَاجِذَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ آخِرُهَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ قَضِيَّتَهُ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِثُمَّ ، ثُمَّ عَطَفَ النَّوَاجِذَ وَالْأَضْرَاسَ بِالْوَاوِ ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا .
وَأَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ } فَالْمُرَادُ ضَوَاحِكُهُ ؛ لِأَنَّ ضَحِكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَبَسُّمًا ( فَبِحِسَابِهِ ) فَفِيهَا مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا ، سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا مَعًا أَمْ مُرَتِّبًا لِمَا مَرَّ أَنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ ( وَفِي قَوْلٍ ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا ( لَا يَزِيدُ ) أَرْشُ جَمِيعِ الْأَسْنَانِ ( عَلَى دِيَةٍ إنْ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ ) عَلَيْهَا كَأَنْ أَسْقَطَهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرَبَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ انْدِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ جِنْسٌ مُتَعَدِّدٌ ، فَأَشْبَهَ الْأَصَابِعَ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْأَسْنَانَ فِي أَنْفُسِهَا وَإِنْ زَادَ أَرْشُهَا عَلَى الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَخْتَلِفُ نَبَاتُهَا وَيَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ ، فَاحْتِيجَ إلَى اعْتِبَارِهَا فِي أَنْفُسِهَا ، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ مُتَفَقِّهٌ فِي النَّبَاتِ فَقُسِّطَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهَا ،

فَإِنْ تَخَلَّلَ الِانْدِمَالُ بَيْنَ كُلِّ سِنٍّ وَأُخْرَى أَوْ تَعَدَّدَ الْجَانِي فَإِنَّهَا تُزَادُ قَطْعًا تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ الْأَسْنَانُ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَجِبُ لِكُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ : وَفِي سِنٍّ زَائِدٍ حُكُومَةٌ ، هَذَا كُلُّهُ إنْ خُلِقَتْ مُفَرَّقَةً كَمَا هُوَ الْعَادَةُ ، فَإِنْ خُلِقَتْ صَفِيحَتَانِ كَانَ فِيهِمَا دِيَةٌ فَقَطْ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ ، وَذَكَرَ هُنَا فَائِدَتَيْنِ الْأُولَى قَالَ : جَزَمَ فِي الْجَوَاهِرِ تَبَعًا لِابْنِ سِيدَهْ أَنَّ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ وَالْكَوْسَجُ : لَا تَكْمُلُ أَسْنَانُهُ الْعِدَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ .
الثَّانِيَةُ : قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْأَمِيرُ مَاتَ بِأَسْنَانِهِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا وَلَمْ يُثْغِرْ ، وَكَانَتْ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَسْفَلِ ، وَقِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَعْلَى ، وَعَاشَ نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ سَنَةً .

وَكُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ .

الْعُضْوُ الثَّامِنُ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) فِي ( كُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ ) وَهُوَ بِفَتْحِ لَامِهِ وَكَسْرِهَا وَاحِدُ اللَّحْيَيْنِ بِالْفَتْحِ ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً فَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا كَالْأُذُنَيْنِ ، وَهُمَا عَظْمَاتُ تَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى ، وَمُلْتَقَاهُمَا الذَّقَنُ .
أَمَّا الْعُلْيَا فَمَنْبَتُهَا عَظْمُ الرَّأْسِ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَشْكَلَ الْمُتَوَلِّي إيجَابَ الدِّيَةِ فِي اللَّحْيَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا خَبَرٌ ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعِظَامِ الدَّاخِلَةِ فَيُشْبِهَانِ التَّرْقُوَةَ وَالضِّلْعَ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ فِي السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ ، وَهِيَ عِظَامٌ فِيهَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مِنْ الْوَجْهِ كَانَا أَشْرَفَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَةُ ( وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ ) فَكِّ ( اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ ، وَلَهُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ وَاسْمٌ يَخُصُّهُ ، فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ كَالْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ ، وَالثَّانِي يَدْخُلُ كَمَا تَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَشْمَلُ الْكَفَّ وَالْأَصَابِعَ ، وَلَا يَشْمَلُ اللَّحْيَانِ الْأَسْنَانَ ، وَبِأَنَّ اللَّحْيَيْنِ كَامِلَا الْخَلْقِ قَبْلَ الْأَسْنَانِ بِدَلِيلِ الطِّفْلِ ، بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سِنَّ الْمَثْغُورِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَيُتَصَوَّرُ إفْرَادُ اللَّحْيَيْنِ عَنْ الْأَسْنَانِ فِي صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ بِهَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَوْ فَكَّهُمَا أَوْ ضَرَبَهُمَا فَيَبِسَا لَزِمَهُ دِيَتُهُمَا ، فَإِنْ تَعَطَّلَ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى اللَّحْيَيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ

.
الْعُضْوُ التَّاسِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ .

وَكُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ إنْ قُطِعَ مِنْ كَفٍّ ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِهِ فَحُكُومَةٌ أَيْضًا .

( وَ ) فِي ( كُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْيَدِ : الْكَفُّ مَعَ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ ، هَذَا ( إنْ قُطِعَ ) الْيَدُ بِتَأْوِيلِهَا بِالْعُضْوِ ( مِنْ ) مَفْصِلِ ( كَفٍّ ) وَهُوَ الْكُوعُ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُهُ : إنْ قُطِعَ مِنْ الْكَفِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ النِّصْفُ إذَا قُطِعَ الْأَصَابِعُ وَبَقِيَ الْكَفُّ ، لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ بِقَوْلِهِ بَعْدُ : وَكُلِّ إصْبَعٍ عَشَرَةٌ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْيَدِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ احْتِمَالِ إيجَابِ الْحُكُومَةِ لِأَجْلِ الْكَفِّ لَا لِلنَّقْصِ إنْ قُطِعَ مِنْ دُونِهِ ، وَهَذَا إذَا حَزَّهُ مِنْ الْكَفِّ ، فَإِنْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ ثُمَّ قَطَعَ الْكَفَّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ كَمَا فِي السِّنْخِ مَعَ السِّنِّ .
وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَكَفُّهَا أَقْصَرَ مِنْ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْقَصِيرَةِ نِصْفُ دِيَةٍ كَامِلَةٍ بَلْ يَجِبُ نِصْفُ دِيَةٍ نَاقِصَةِ حُكُومَةٍ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ ( فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِهِ ) أَيْ الْكَفِّ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ( أَيْضًا ) مَعَ دِيَةِ الْكَفِّ ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْكَفِّ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَطْعِهِمَا فِي السَّرِقَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } .
تَنْبِيهٌ : قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : قَدْ يَجِبُ فِي الْيَدِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ يَمِينَ آخَرَ حَالَ صِيَالِهِ ثُمَّ يَسَارَهُ حَالَ تَوَلِّيهِ عَنْهُ ، ثُمَّ رِجْلَيْهِ حَالَ صِيَالِهِ عَلَيْهِ ثَانِيًا ، فَمَاتَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِلْيَدِ الْيُسْرَى ا هـ .
وَهَذَا مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ أَنَّ النَّفْسَ فَاتَتْ بِثَلَاثِ جِرَاحَاتٍ فَوُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّ الْيَدَ وَجَبَ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ .
ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَدَيْنِ بَعْضُ الدِّيَةِ

كَأَنْ سَلَخَ جِلْدَ شَخْصٍ فَبَادَرَ آخَرُ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَ يَدَيْهِ ، فَالسَّالِخُ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ وَقَاطِعُ الْيَدَيْنِ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ يُنْقَصُ مِنْهَا مَا يَخُصُّ الْجِلْدَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْيَدَيْنِ ا هـ .
وَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّا أَوْجَبْنَا فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ بِتَمَامِهَا ، وَإِنَّمَا نَقَّصْنَا مِنْهَا شَيْئًا لِأَجْلِ مَا فَاتَ مِنْ الْيَدَيْنِ ، لَا أَنَّا أَوْجَبْنَا دُونَ الدِّيَةِ فِي يَدَيْنِ تَامَّتَيْنِ .

وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ ، وَأُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ ، وَأُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا .
( وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ ) أَصْلِيَّةٍ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُ دِيَةِ صَاحِبِهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى ، فَفِيهَا لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ ( عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ .
أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ ( وَ ) فِي كُلِّ ( أُنْمُلَةٍ ) مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ ( ثُلُثُ الْعَشَرَةِ ) لِأَنَّ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثَ أَنَامِلَ إلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهُ أُنْمُلَتَانِ كَمَا قَالَهُ ( وَ ) فِي ( أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا ) عَمَلًا بِقِسْطِ وَاجِبِ الْأُصْبُعِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ انْقَسَمَتْ أُصْبُعٌ أَرْبَعَ أَنَامِلَ مُتَسَاوِيَةً فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعُ الْعُشْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَيُقَاسُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّاقِصَةُ عَنْ الثَّلَاثِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ .
ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يَقْسِمُوا دِيَةَ الْأَصَابِعِ عَلَيْهَا إذَا زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَمَا فِي الْأَنَامِلِ ، بَلْ أَوْجَبُوا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً .
قُلْنَا : الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ مِنْ الْأَصَابِعِ مُتَمَيِّزَةٌ وَمِنْ الْأَنَامِلِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَلِذَلِكَ اشْتَرَكَتْ الْأَنَامِلُ وَتَفَرَّقَتْ الْأَصَابِعُ ، وَأَيْضًا أَنَّ الْأَنَامِلَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ ، وَلَمَّا لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَصَابِعُ فِي الْخِلْقَةِ الْمَعْهُودَةِ فَارَقَهَا حُكْمُ الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِأُصْبُعِهِ أَنَامِلُ فَفِيهِ دِيَةٌ تَنْقُصُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الِانْثِنَاءَ إذَا زَالَ سَقَطَ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْيَدِ .

وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ .
الْعُضْوُ الْعَاشِرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَالرِّجْلَانِ ) فِي قَطْعِهِمَا وَأَصَابِعِهِمَا وَأَنَامِلِهِمَا ( كَالْيَدَيْنِ ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهِمَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ ، وَالْقَدَمُ كَالْكَفِّ .
وَالسَّاقُ كَالسَّاعِدِ ، وَالْفَخِذُ كَالْعَضُدِ ، وَالْأَعْرَجُ كَالسَّلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْعُضْوِ ، وَإِنَّمَا الْعَرَجُ نَقْصٌ فِي الْفَخِذِ ، وَالشَّلَلُ فِي الرِّجْلِ كَمَا فِي الْيَدِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ .

وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا ، وَحَلَمَتَيْهِ حُكُومَةٌ ، وَفِي قَوْلٍ دِيَتُهُ .
الْعُضْوُ الْحَادِيَ عَشَرَ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي حَلَمَتَيْهَا ) أَيْ الْأُنْثَى ( دِيَتُهَا ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِرْضَاعِ وَجَمَالَ الثَّدْيِ بِهِمَا كَمَنْفَعَةِ الْيَدَيْنِ وَجَمَالِهِمَا بِالْأَصَابِعِ ، سَوَاءٌ أَذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْإِرْضَاعِ أَمْ لَا ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا ، وَالْحَلَمَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْمُجْتَمَعِ النَّاتِئِ عَلَى رَأْسِ الثَّدْيِ ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ صَادِقٌ بِحَلَمَةِ الرَّجُلِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَوْنُ الْحَلَمَةِ يُخَالِفُ لَوْنَ الثَّدْيِ غَالِبًا ، وَحَوَالَيْهِ دَائِرَةٌ عَلَى لَوْنِهَا ، وَهِيَ مِنْ الثَّدْيِ لَا مِنْهَا ، وَلَوْ قَطَعَ بَاقِيَ الثَّدْيِ أَوْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ ، وَإِنْ قَطَعَهُ مَعَ الْحَلَمَةِ دَخَلَتْ حُكُومَتُهُ فِي دِيَتِهَا فِي الْأَصَحِّ كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ ، فَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعَ جِلْدَةِ الصَّدْرِ وَجَبَتْ حُكُومَةُ الْجِلْدَةِ مَعَ الدِّيَةِ ، فَإِنْ وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ الْبَاطِنَ وَجَبَ أَرْشُ الْجَائِفَةِ مَعَ الدِّيَةِ ( وَ ) فِي ( حَلَمَتَيْهِ ) أَيْ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى ( حُكُومَةٌ ) إذْ لَيْسَ فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ جَمَالٍ ( وَفِي قَوْلٍ دِيَتُهُ ) أَيْ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ ، فَالْخُنْثَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُلْحَقُ بِالْأُنْثَى كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا : وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ .
تَنْبِيهٌ : يَجِبُ لِلْحَلَمَةِ الَّتِي تَحْتَ حَلَمَةِ الرَّجُلِ أَوْ الْخُنْثَى حُكُومَةٌ أُخْرَى وَلَا يَتَدَاخَلَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ مِنْهُ عُضْوَانِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ ثَدْيٌ ، وَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةُ لَحْمٍ مِنْ صَدْرِهِ .

فَرْعٌ : لَوْ ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فَشَلَّ بِفَتْحِ الشِّينِ وَجَبَتْ دِيَتُهُ ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ فَحُكُومَةٌ ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ جَمَالٍ وَإِنْ ضَرَبَ ثَدْيَ خُنْثَى فَاسْتَرْسَلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ حُكُومَةٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ امْرَأَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِالِاسْتِرْسَالِ وَلَا يَفُوتُهُ جَمَالٌ فَإِذَا تَبَيَّنَ امْرَأَةً وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ .

وَفِي أُنْثَيَيْنِ دِيَةٌ .
الْعُضْوُ الثَّانِيَ عَشَرَ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي أُنْثَيَيْنِ ) مِنْ الذَّكَرِ ( دِيَةٌ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَمَحَلُّ التَّنَاسُلِ ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا ، سَوَاءٌ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَلَوْ مِنْ عِنِّينٍ وَمَجْبُوبٍ وَطِفْلٍ وَغَيْرِهِمْ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْأُنْثَيَيْنِ الْبَيْضَتَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ .
وَأَمَّا الْخُصْيَتَانِ فَالْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ .

وَكَذَا ذَكَرٌ وَلَوْ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ .
الْعُضْوُ الثَّالِثَ عَشَرَ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكَذَا ذَكَرٌ ) سَلِيمٌ فِي قَطْعِهِ دِيَةٌ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ ( وَلَوْ ) كَانَ ( لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ ) وَخَصِيٍّ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ؛ وَلِأَنَّ ذَكَرَ الْخَصِيِّ سَلِيمٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيلَاجِ ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ الْإِيلَادُ ، وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الذَّكَرِ ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْقَلْبِ ، وَالْمَنِيَّ فِي الصُّلْبِ ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ بِمَحَلٍّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْأَشَلِّ .

وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ ، وَبَعْضُهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا وَقِيلَ مِنْ الذَّكَرِ ، وَكَذَا حُكْمُ بَعْضِ مَارِنٍ ، وَحَلَمَةٍ .
( وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ ) فَيَجِبُ فِي قَطْعِهَا وَحْدَهَا الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مِنْ الذَّكَرِ كَالتَّابِعِ لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِ الذَّكَرِ وَهُوَ لَذَّةُ الْمُبَاشَرَةِ تَتَعَلَّقُ بِهَا ، وَأَحْكَامُ الْوَطْءِ تَدُورُ عَلَيْهَا ( وَبَعْضُهَا ) أَيْ قَطْعُهُ يَجِبُ ( بِقِسْطِهِ ) أَيْ الذَّكَرِ ( مِنْهَا ) أَيْ الْحَشَفَةِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ بِقَطْعِهَا فَقُسِّطَتْ عَلَى أَبْعَاضِهَا ( وَقِيلَ ) يَجِبُ بِقِسْطِهِ ( مِنْ ) كُلِّ ( الذَّكَرِ ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ ، وَهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْأُمِّ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ مَجْرَى الْبَوْلِ ، فَإِنْ اخْتَلَّ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِسْطِ الدِّيَةِ وَحُكُومَةِ فَسَادِ الْمَجْرَى كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ ، وَلَوْ قَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ بَعْدَ قَطْعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَهُ مَعَهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، فَإِنْ شَقَّ الذَّكَرَ طُولًا فَأَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ وَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ : كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ فَأَشَلَّهُ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِضَرْبِهِ الْجِمَاعُ بِهِ ، لَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَحُكُومَةٌ ؛ لِأَنَّهُ وَمَنْفَعَتَهُ بَاقِيَانِ وَالْخَلَلُ فِي غَيْرِهِمَا ، فَلَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصِ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَمَّا الذَّكَرُ الْأَشَلُّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ ( وَكَذَا حُكْمُ ) قَطْعِ ( بَعْضِ مَارِنٍ ، وَ ) قَطْعِ بَعْضِ ( حَلَمَةٍ ) مِنْ الْمَرْأَةِ هَلْ يُنْسَبُ الْمَقْطُوعُ إلَى الْمَارِنِ وَالْحَلَمَةِ ، أَوْ إلَى الْأَنْفِ وَالثَّدْيِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ، وَالْأَصَحُّ التَّوْزِيعُ عَلَى الْحَلَمَةِ وَالْمَارِنِ فَقَطْ .

الْعُضْوُ الرَّابِعَ عَشَرَ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي الْأَلْيَيْنِ ) وَهُمَا النَّاتِئَانِ عَنْ الْبَدَنِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ ( الدِّيَةُ ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي الرُّكُوبِ وَالْقُعُودِ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا ، وَفِي بَعْضٍ بِقِسْطِهِ إنْ عُرِفَ قَدْرُهُ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْبَدَنِ النَّاتِئِ ، وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ بُلُوغُ الْحَدِيدِ إلَى الْعَظْمِ ، وَلَوْ نَبَتَ مَا قُطِعَ لَمْ تَسْقُطْ الدِّيَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ .

تَنْبِيهٌ : اللَّحْمُ النَّاتِئُ عَلَى الظَّهْرِ فِي جَانِبَيْ السِّلْسِلَةِ فِيهِ حُكُومَةٌ ، وَجَرَى فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ فِيهِ دِيَةً ، قِيلَ : وَلَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ .

وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ وَكَذَا شُفْرَاهَا
الْعُضْوُ الْخَامِسَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكَذَا شُفْرَاهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ بِضَمِّ الشِّينِ ، وَهُمَا اللَّحْمَانِ الْمُحِيطَانِ بِحَرْفَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ إحَاطَةَ الشَّفَتَيْنِ بِالْفَمِ فَفِي قَطْعِهِمَا وَإِشْلَالِهِمَا دِيَتُهَا ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ، إذْ بِهِمَا يَقَعُ الِالْتِذَاذُ بِالْجِمَاعِ ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ فِيهِمَا لَيْسَ فِي الشُّفْرَيْنِ بَلْ فِي دَاخِلِ الْفَرْجِ ، وَلَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهَا ؛ فَلَوْ زَالَتْ بِقَطْعِهِمَا الْبَكَارَةُ وَجَبَ أَرْشُهَا مَعَ الدِّيَةِ ، وَإِنْ قَطَعَ الْعَانَةَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ الذَّكَرِ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ ، وَلَوْ قَطَعَهُمَا فَجَرَحَ مَوْضِعَهُمَا آخَرُ بِقَطْعِ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَ الثَّانِيَ حُكُومَةٌ .

وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ ، إنْ بَقِيَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، وَحَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ .

الْعُضْوُ السَّادِسَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ ) فِيهِ دِيَةُ الْمَسْلُوخِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَنْبُتْ ؛ لِأَنَّ فِي الْجِلْدِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ : ( إنْ بَقِيَ ) فِيهِ ( حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ) إلَّا أَنَّ إيجَابَ الدِّيَةِ فِيهِ إنَّمَا يَظْهَرُ إنْ فُرِضَتْ الْحَيَاةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ سَلْخِهِ ا هـ .
( وَ ) مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ السَّلْخِ كَأَنْ ( حَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ ) بَعْدَ السَّلْخِ فَيَجِبُ عَلَى الْجَانِي الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ أَزْهَقَ رُوحَهُ وَعَلَى السَّالِخِ الدِّيَةُ ، وَمِثْلُ حَزِّ غَيْرِ السَّالِخِ مَا لَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِ حَائِطٌ أَوْ نَحْوُهُ ، فَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ السَّلْخِ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ حَزَّ السَّالِخُ رَقَبَتَهُ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ دِيَةُ النَّفْسِ إنْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَزُّ الرَّقَبَةِ إلَّا مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ عَمْدًا وَالْأُخْرَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَا يَتَدَاخَلَانِ .
تَتِمَّةٌ : فِي كَسْرِ التَّرْقُوَةِ ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ : الْعَظْمُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَثُغْرَةِ النَّحْرِ حُكُومَةٌ كَسَائِرِ الْعِظَامِ ، وَقِيلَ الْوَاجِبُ فِيهَا جَمَلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ ، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْحُكُومَةَ كَانَتْ فِي الْوَاقِعَةِ قَدْرَ جَمَلٍ ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ تَرْقُوَتَانِ ، وَالْجَمْعُ تَرَاقٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { كَلًّا إذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ } وَالضَّمِيرُ فِي بَلَغَتْ لِلنَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ حَاتِمٌ : لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنْ الْفَتَى إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ فَائِدَةٌ : رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اُحْتُضِرَ جَلَسَتْ ابْنَتُهُ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ تَبْكِيهِ وَتُكَرِّرُ هَذَا الْبَيْتَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ ، وَقَالَ لَا تَقُولِي هَكَذَا وَلَكِنْ قَوْلِي : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ

الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } وَكَذَلِكَ يَقْرَأُ الْآيَةَ ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ .

[ فَرْعٌ ] فِي الْعَقْلِ دِيَةٌ

.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ : إزَالَةُ الْمَنَافِعِ بِالْجِنَايَةِ وَتَرْجَمَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ : فَرْعٌ : وَتَرْجَمَ فِي الْمُحَرَّرِ بِفَصْلٍ وَهُوَ أَوْلَى ، وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا ، وَأَنَا أَسْرُدُهَا لَكَ : عَقْلٌ ، سَمْعٌ ، بَصَرٌ ، شَمٌّ ، نُطْقٌ ، صَوْتٌ ، ذَوْقٌ ، مَضْغٌ ، إمْنَاءٌ ، إحْبَالٌ ، جِمَاعٌ ، إفْضَاءٌ ، بَطْشٌ ، مَشْيٌ .
الشَّيْءُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فِي الْعَقْلِ ) أَيْ إزَالَتِهِ إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةٍ يُظَنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا ( دِيَةٌ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي ، وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ ، فَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اُنْتُظِرَ ، فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي سِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ ، وَفِي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ بِالْقِسْطِ إنْ ضُبِطَ بِزَمَانٍ كَأَنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا أَوْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَابَلَ صَوَابُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ بِالْمُخْتَلِّ مِنْهُمَا وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ ، فَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ عَوْدُهُ فِيهَا وَجَبَتْ دِيَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي : فَإِنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ فَيَتَوَقَّفُ فِي الدِّيَةِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِقَامَةِ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ : كَمَا لَوْ قُلِعَ سِنُّ مَثْغُورٍ فَمَاتَ قَبْلَ عَوْدِهَا ، وَقَوْلُهُ : سِنُّ مَثْغُورٍ صَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : سِنُّ غَيْرِ مَثْغُورٍ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَإِنْ كَانَ

الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ : أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَا عَبَّرَ بِهِ ، فَالْمُشَاحَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى الْمُتَوَلِّي ، لَا فِي الْحُكْمِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدِّيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ ، فَقِيلَ الْقَلْبُ ، وَقِيلَ الدِّمَاغُ ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ مَسْكَنُهُ الدِّمَاغُ وَتَدْبِيرُهُ فِي الْقَلْبِ .
وَيُسَمَّى عَقْلًا ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنْ التَّوَرُّطِ فِي الْمَهَالِكِ ، وَلَا يُزَادُ شَيْءٌ عَلَى دِيَةِ الْعَقْلِ إنْ زَالَ بِمَا لَا أَرْشَ لَهُ كَأَنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ أَوْ لَطَمَهُ لَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ .

فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا ، وَفِي قَوْلٍ يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ .
( فَإِنْ زَالَ ) الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ ( بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ ) مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ ( أَوْ حُكُومَةٌ ) كَالْبَاضِعَةِ ( وَجَبَا ) أَيْ الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ أَوْ هِيَ وَالْحُكُومَةُ ، وَلَا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً غَيْرَ حَالَّةٍ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ، فَكَانَتْ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ ، وَكَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْجِنَايَةُ عَنْ زَوَالِ الْعَقْلِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ لَزِمَهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ ( وَفِي قَوْلٍ ) قَدِيمٍ ( يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ ) فَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْعَقْلِ أَكْثَرَ كَأَنْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهِ دِيَةُ الْعَقْلِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ تَسَاوَيَا كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالتَّدَاخُلِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ التَّدَاخُلُ أَيْضًا .

وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ .
( وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ ) أَيْ الْعَقْلِ وَأَنْكَرَ الْجَانِي وَنَسَبَهُ إلَى التَّجَانُنِ اُخْتُبِرَ فِي غَفَلَاتِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ .
فَإِنْ قِيلَ : يُسْتَدَلُّ بِحَلِفِهِ عَلَى عَقْلِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي انْتِظَامُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ ، أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ ، فَإِنْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ حَلَفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ اتِّفَاقًا أَوْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ ، وَالِاخْتِبَارُ لَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ بَلْ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ ، وَلَا بُدَّ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الزَّوَالِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ تَحْتَمِلُ زَوَالَ الْعَقْلِ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى وَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَحُصُولِ الْمَوْتِ بِصَعْقَةٍ خَفِيفَةٍ تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ : أَيْ ادَّعَى ذَلِكَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الدَّعْوَى مِنْ وَلِيٍّ أَوْ مَنْصُوبِ حَاكِمٍ ، وَالشَّارِحُ قَدَّرَ بَعْدُ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَدَّرَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ أَيْضًا ، إذْ كَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْنُونِ ، لَكِنَّ الشَّارِحَ قَالَ فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ : وَاسْتُشْكِلَ سَمَاعُ دَعْوَاهُ لِتَضَمُّنِهِ زَوَالَ عَقْلِهِ ، وَأُوِّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ادَّعَى وَلِيُّهُ ، وَمِنْهُ مَنْصُوبُ الْحَاكِمِ ا هـ .
وَلَوْ قَدَّرَ هَذَا أَوَّلًا كَانَ أَوْلَى ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يُقْرَأُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَيُقَدَّرُ بِمَا ذُكِرَ .

وَفِي السَّمْعِ دِيَةٌ ، وَمِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ ، وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ .
الشَّيْءُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي السَّمْعِ ) أَيْ إزَالَتِهِ ( دِيَةٌ ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { فِي السَّمْعِ الدِّيَةُ } وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الْفَهْمَ وَيُدْرِكُ مِنْ الْجِهَاتِ السِّتِّ ، وَفِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ ، وَلَا يُدْرِكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرَكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتُ ، وَالْبَصَرُ يُدْرِكُ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ ، فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاتُهُ أَكَثَرَ كَانَ أَشْرَفَ .
تَنْبِيهٌ : لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ ، فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ : يَعُودُ وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ ، فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ قَالُوا : لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ فِي مَقَرِّهَا وَلَكِنْ انْسَدَّ مَنْفَذُ السَّمْعِ وَالسَّمْعُ بَاقٍ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ فَتْقُهُ لَا دِيَةٌ لِبَقَاءِ السَّمْعِ ، فَإِنْ رُجِيَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ( وَ ) فِي إزَالَتِهِ ( مِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ ) مِنْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ ، إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ ، بَلْ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ ) مِنْهُ مِنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مَا نَقَصَ مِنْ السَّمْعِ بِحَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى مَا سَيَأْتِي .

وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ فَدِيَتَانِ .
( وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ ) ( فَدِيَتَانِ ) لِأَنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ غَيْرُ مَحَلِّ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَعَمِيَ .
فَائِدَةٌ : السَّمْعُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي الصِّمَاخِ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ : خَرْقُ الْأُذُنِ يُدْرَكُ بِهَا الصَّوْتُ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْوُصُولَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى خَلْقِ اللَّهِ الْإِدْرَاكَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ ذَلِكَ الْوُصُولِ .

وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَكَاذِبٌ ، وَإِلَّا حُلِّفَ وَأَخَذَ دِيَةً .
( وَلَوْ ) ( ادَّعَى ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( زَوَالَهُ ) أَيْ السَّمْعِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَكَذَّبَهُ الْجَانِي ( وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ ) ( فَكَاذِبٌ ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّصَنُّعِ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ بِكَاذِبٍ أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَحْلِفُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِهِ أَنَّ سَمْعَهُ لَبَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْزِعَاجُهُ اتِّفَاقًا ، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْزِعَاجُ بِالصِّيَاحِ ، بَلْ الرَّعْدِ وَطَرْحِ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ مِنْ عُلُوٍّ كَذَلِكَ ، وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتٍ وَفِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالُ السَّمْعِ بِهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَنْزَعِجْ بِالصِّيَاحِ وَنَحْوِهِ فَصَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ وَ ( حُلِّفَ ) حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ ( وَأَخَذَ دِيَةً ) لِسَمْعِهِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا بُدَّ فِي يَمِينِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِذَهَابِ سَمْعِهِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي لِجَوَازِ ذَهَابِهِ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ زَوَالٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : يُرَاجَعُ عُدُولُ الْأَطِبَّاءِ ، فَإِنْ نَفَوْا عَوْدَهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ جَوَّزُوا عَوْدَهُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَعِيشُ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ ، فَإِنْ عَادَ فِيهَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ وَإِلَّا وَجَبَتْ .

وَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطُهُ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ فِي صِحَّتِهِ ، وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ ادَّعَى الزَّوَالَ مِنْ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ حُشِيَتْ السَّلِيمَةُ وَامْتُحِنَ فِي الْأُخْرَى عَلَى مَا سَبَقَ ( وَإِنْ نَقَصَ ) سَمْعُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( فَقِسْطُهُ ) أَيْ النَّقْصِ مِنْ الدِّيَةِ ( إنْ عُرِفَ ) قَدْرُ مَا ذَهَبَ بِأَنْ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ مَكَانِ كَذَا فَصَارَ يَسْمَعُ مِنْ قَدْرِ نِصْفِهِ مَثَلًا ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُحَدِّثَهُ شَخْصٌ وَيَتَبَاعَدَ إلَى أَنْ يَقُولَ : لَا أَسْمَعُ فَيُعَلِّيَ الصَّوْتَ قَلِيلًا ، فَإِنْ قَالَ : أَسْمَعُ عُرِفَ صِدْقُهُ ثُمَّ يَعْمَلَ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْمَسَافَتَانِ ظَهَرَ صِدْقُهُ ، ثُمَّ يُحْسَبُ ذَلِكَ مِنْ مَسَافَةِ سَمَاعِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ إنْ عُرِفَ وَيَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّيَةِ ، فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ نِصْفًا وَجَبَتْ الدِّيَةُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهُ بِالنِّسْبَةِ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ فِيهِ ( بِاجْتِهَادِ قَاضٍ ) فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ ( وَقِيلَ يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ : مَنْ لَهُ مِثْلُ سِنِّهِ ( فِي صِحَّتِهِ ) كَأَنْ يَجْلِسَ الْقَرْنُ بِجَنْبِهِ وَيُنَادِيَهُمَا رَفِيعُ الصَّوْتِ مِنْ مَسَافَةٍ لَا يَسْمَعُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، ثُمَّ يَقْرُبُ الْمُنَادِي شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ يَقُولَ قَرْنُهُ سَمِعْت ، ثُمَّ يَضْبِطَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ، ثُمَّ يَرْفَعَ صَوْتَهُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَقُولَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ سَمِعْتُ ( وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ ) بَيْنَ سَمْعَيْهِمَا وَيُؤْخَذُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ ، فَلَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ : أَنَا أَعْرِفُ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْ سَمْعِي .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَالْحَيْضِ ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَأَمَّا الْقِرْنُ بِكَسْرِ الْقَافِ فَهُوَ الْكُفْءُ .

وَإِنْ نَقَصَ مِنْ أُذُنٍ سُدَّتْ وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ .
( وَإِنْ نَقَصَ ) سَمْعُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( مِنْ أُذُنٍ ) وَاحِدَةٍ ( سُدَّتْ ) هَذِهِ النَّاقِصَةُ ( وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ ) بِأَنْ تُسَدَّ الصَّحِيحَةُ وَيُضْبَطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ النَّاقِصَةِ ( وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ ) وَيُؤْخَذُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَسَافَةِ السَّمِيعَةِ وَالْأُخْرَى النِّصْفُ فَلَهُ رُبْعُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ رُبْعَ سَمْعِهِ ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ عَلَيْهِ سُدُسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : بِالِاتِّفَاقِ .

وَفِي ضَوْءِ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ فَلَوْ فَقَأَهَا لَمْ يَزِدْ .
الشَّيْءُ الثَّالِثُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) إذْهَابِ ( ضَوْءِ ) أَيْ بَصَرِ ( كُلِّ عَيْنٍ ) صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ ، حَادَّةٍ أَوْ كَالَّةٍ ، صَحِيحَةٍ أَوْ عَلِيلَةٍ ، عَمْشَاءَ أَوْ حَوْلَاءَ مِنْ شَيْخٍ أَوْ طِفْلٍ حَيْثُ الْبَصَرُ سَلِيمٌ ( نِصْفُ دِيَةٍ ) وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ لِخَبَرِ مُعَاذٍ { فِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ } وَهُوَ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ .
فَائِدَةٌ : الْبَصَرُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ الْخَارِجَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ ثُمَّ تَنْعَطِفُ الْعَصَبَةُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى إلَى الْجِهَةِ الْيُسْرَى ، وَاَلَّتِي مِنْ الْيُسْرَى إلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَتَلَاقَيَا ، ثُمَّ تَأْخُذُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى يَمِينًا ، وَاَلَّتِي مِنْ جِهَةِ الْيُسْرَى يَسَارًا حَتَّى تَصِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى عَيْنٍ تُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الْأَلْوَانَ وَغَيْرَهَا .
وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِدْرَاكُ مَا ذُكِرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْقُوَّةِ ( فَلَوْ فَقَأَهَا لَمْ يَزِدْ ) عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ بِخِلَافِ إزَالَةِ الْأُذُنِ مَعَ السَّمْعِ لِمَا مَرَّ .

وَإِنْ ادَّعَى زَوَالَهُ سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ ، أَوْ يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ مِنْ عَيْنِهِ بَغْتَةً ، وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ ؟

( وَإِنْ ادَّعَى ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( زَوَالَهُ ) أَيْ الضَّوْءِ وَأَنْكَرَ الْجَانِي ( سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ ) بِذَلِكَ : أَيْ عَدْلَانِ مِنْهُمْ مُطْلَقًا ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إنْ كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ وَنَظَرُوا فِي عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ أَوْ مَوْجُودٌ ، بِخِلَافِ السَّمْعِ لَا يُرَاجَعُونَ فِيهِ ، إذْ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَيْهِ ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ فِي مَعْرِفَةِ زَوَالِهِ بِقَوْلِهِ ( أَوْ يُمْتَحَنُ ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ ) مُحْمَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( مِنْ عَيْنَيْهِ بَغْتَةً وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ ) أَوْ لَا ؟ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ ، وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَجَعَلَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ خِلَافًا فَقَالَ : وَجْهَانِ .
أَحَدُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ : يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إلَخْ .
وَالثَّانِي : يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ إلَخْ وَرَتَّبَ فِي الْكِفَايَةِ فَقَالَ يُسْأَلُونَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ اُمْتُحِنَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَإِذَا جُعِلَتْ " أَوْ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ : أَيْ إذَا عَجَزَ عَنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَيُنْقَلُ إلَى الِامْتِحَانِ وَافَقَ ذَلِكَ ، ثُمَّ إنْ قَالُوا : يَعُودُ وَقَدَّرُوا مُدَّةً اُنْتُظِرَ كَالسَّمْعِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ عَوْدِهِ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِهِ لَوْ عَاشَ ، وَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ ، وَصَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الثَّانِي لِلشُّبْهَةِ ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي عَوْدَهُ

قَبْلَ الْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ .

وَإِنْ نَقَصَ فَكَالسَّمْعِ .

( وَإِنْ نَقَصَ ) ضَوْءُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( فَكَالسَّمْعِ ) أَيْ فَحُكْمُهُ كَنَقْصِ السَّمْعِ فَإِنْ عَرَفَ قَدْرَ النَّقْصِ بِأَنْ كَانَ يَرَى الشَّخْصَ مِنْ مَسَافَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا مِنْ نِصْفِهَا مَثَلًا فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ ، فَإِنْ نَقَصَ بَعْضُ ضَوْءِ عَيْنِهِ عُصِبَتْ وَوَقَفَ شَخْصٌ فِي مَوْضِعٍ يَرَاهُ وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَبَاعَدَ حَتَّى يَقُولَ : لَا أَرَاهُ ، فَتُعْرَفُ الْمَسَافَةُ ثُمَّ تُعْصَبُ الصَّحِيحَةُ وَتُطْلَقُ الْعَلِيلَةُ وَيُؤْمَرُ الشَّخْصُ بِأَنْ يَقْرَبَ رَاجِعًا إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيُضْبَطَ مَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ وَيَجِبَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ، فَإِنْ أَبْصَرَ بِالصَّحِيحَةِ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ مَثَلًا وَبِالْأُخْرَى مِنْ مِائَةٍ فَالنِّصْفُ .
نَعَمْ لَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ : إنَّ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ تَحْتَاجُ إلَى مِثْلِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى لِقُرْبِ الْأُولَى وَبُعْدِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ ثُلُثَا دِيَةِ الْعَلِيلَةِ ، وَإِنْ أَعْشَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةٍ ، وَفِي إزَالَةِ عَيْنِ الْأَعْشَى بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الدِّيَةُ ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ وُجُوبُ نِصْفِهَا مُوَزَّعًا عَلَى إبْصَارِهَا بِالنَّهَارِ وَعَدَمِ إبْصَارِهَا بِاللَّيْلِ ، وَإِنْ أَعْمَشَهُ أَوْ أَخْفَشَهُ أَوْ أَحْوَلَهُ أَوْ أَشْخَصَ بَصَرَهُ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ ، وَإِنْ أَذْهَبَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ الضَّوْءَ وَالْآخَرُ الْحَدَقَةَ وَاخْتَلَفَا فِي عَوْدِ الضَّوْءِ صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ .
حَادِثَةٌ : سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَرْمَدَ أَتَى امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ تَدَّعِي الطِّبَّ لِتُدَاوِيَ عَيْنَهُ ، فَكَحَّلَتْهُ فَتَلِفَتْ عَيْنُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهَا ضَمَانُهَا ؟ فَأَجَابَ : إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَهَابَ عَيْنِهِ بِتَدَاوِيهَا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا ضَمَانُهَا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَيْهَا فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْمَدُ أَذِنَ لَهَا فِي الْمُدَاوَاةِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَضْمَنُ .
قَالَ :

وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَذِنَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فِي قَطْعِ سِلْعَتِهِ أَوْ فَصْدِهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إذْنُهُ مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ .

الشَّيْءُ الرَّابِعُ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) إزَالَةِ ( الشَّمِّ ) مِنْ الْمَنْخَرَيْنِ بِجِنَايَةٍ عَلَى رَأْسٍ وَغَيْرِهِ ( دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ النَّافِعَةِ فَكَمُلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ .
وَالثَّانِي : لَا بَلْ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ ضَعِيفُ النَّفْعِ ، إذْ مَنْفَعَتُهُ إدْرَاكُ الرَّوَائِحِ وَالْأَنْتَانِ أَكْثَرَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَيَكُونُ التَّأَذِّي أَكْثَرَ مِنْ التَّلَذُّذِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَفِي إزَالَةِ شَمِّ كُلِّ مَنْخَرٍ نِصْفُ دِيَةٍ ، وَلَوْ نَقَصَ الشَّمُّ وَجَبَ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ ، وَإِنْ نَقَصَ شَمُّ أَحَدِ الْمَنْخَرَيْنِ اُعْتُبِرَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ كَمَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَهُ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غُفْلَانِهِ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ ، فَإِنْ هَشَّ لِلطِّيبِ وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ حُلِّفَ الْجَانِي لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا حُلِّفَ هُوَ لِظُهُورِ صِدْقِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ ، وَلَوْ وَضَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ لَهُ الْجَانِي : فَعَلْتُ ذَلِكَ لِعَوْدِ شَمِّك ، فَقَالَ : بَلْ فَعَلْتُهُ اتِّفَاقًا أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَامْتِخَاطٍ وَرُعَافٍ وَتَفَكُّرٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ ، فَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَدِيَتَانِ كَمَا فِي السَّمْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ .
فَائِدَةٌ : الشَّمُّ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّاتِئَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيَيْنِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الثَّقْبِ يُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِدْرَاكَ

الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى : يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي الشَّخْصِ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْقُوَّةَ .

وَفِي الشَّمِّ دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَفِي الْكَلَامِ الدِّيَةُ ، وَفِي بَعْضِ الْحُرُوفِ قِسْطُهُ ، وَالْمُوَزَّعُ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ، وَقِيلَ لَا يُوَزَّعُ عَلَى الشَّفَهِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ .

الشَّيْءُ الْخَامِسُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ ( وَفِي ) إبْطَالِ ( الْكَلَامِ ) بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ ( الدِّيَةُ ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إنْ مُنِعَ الْكَلَامُ } .
وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ : مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ ، فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَعُودُ كَلَامُهُ ، قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : أَيْ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً يَعِيشُ إلَيْهَا أَوْ لَا ، فَإِنْ أُخِذَتْ ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ ، وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَ نُطْقِهِ اُمْتُحِنَ بِأَنْ يُرَوَّعَ فِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ وَيُنْظَرَ هَلْ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ حُلِّفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَمَا يُحَلَّفُ الْأَخْرَسُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ، هَذَا فِي إبْطَالِ نُطْقِهِ بِكُلِّ الْحُرُوفِ ( وَ ) أَمَّا ( فِي ) إبْطَالِ ( بَعْضِ الْحُرُوفِ ) فَيُعْتَبَرُ ( قِسْطُهُ ) مِنْ الدِّيَةِ ، هَذَا إذَا بَقِيَ لَهُ كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ مَفْهُومٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ( وَ ) الْحُرُوفُ ( الْمُوَزَّعُ ) أَيْ الَّتِي تُوَزَّعُ ( عَلَيْهَا ) الدِّيَةُ ( ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ) أَيْ مَنْ كَانَتْ لُغَتَهُ ، بِحَذْفِ كَلِمَةِ لَا ؛ لِأَنَّهَا لَامٌ أَلِفٌ وَهُمَا مَعْدُودَتَانِ ، فَفِي إبْطَالِ نِصْفِ الْحُرُوفِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَفِي إبْطَالِ حَرْفٍ مِنْهَا رُبْعُ سُبْعِهَا ، وَعَدَّهَا الْمَاوَرْدِيُّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِإِثْبَاتِ كَلِمَةِ لَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ عَدُّوهَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِالْأَلِفِ وَالْهَمْزَةِ ، وَأَسْقَطَ الْمُبَرِّدُ الْهَمْزَةَ وَجَعَلَهَا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ، وَمَنْ أَطْلَقَ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فَهُوَ إمَّا سَهْوٌ وَإِمَّا تَسَامُحٌ فِي الْعِبَارَةِ بِإِطْلَاقِ الْأَلِفِ عَلَى أَعَمَّ مِنْ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ السَّاكِنَةِ ، وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ جَوَازُ

إطْلَاقِ الْأَلِفِ عَلَى الْهَمْزَةِ تَجَوُّزًا ا هـ .
وَاحْتُرِزَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ عَنْ غَيْرِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ لُغَتُهُ غَيْرَهَا وُزِّعَ عَلَى حُرُوفِ لُغَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ حُرُوفًا ، وَقَدْ انْفَرَدَتْ لُغَةُ الْعَرَبِ بِحَرْفِ الضَّادِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا ، وَفِي اللُّغَاتِ حُرُوفٌ لَيْسَتْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَالْحَرْفِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْجِيمِ وَالسِّينِ ، وَالْحُرُوفُ الْمَذْكُورَةُ تُسَمَّى حُرُوفَ الْهِجَاءِ وَالتَّهَجِّي الَّتِي أَوَّلُهَا فِي الْعَدِّ عَادَةً أَلِفٌ : أَيْ هَمْزَةٌ ، بَاءٌ ، تَاءٌ إلَى آخِرِهَا فَالْبَاءُ اسْمٌ وَمُسَمَّاهُ بِهِ وَهَكَذَا إلَخْ .
تَنْبِيهٌ : حُرُوفُ اللُّغَاتِ مُخْتَلِفَةٌ ، بَعْضُهَا أَحَدَ عَشَرَ ، وَبَعْضُهَا أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ ، فَلَوْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ وَحُرُوفُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَى أَكْثَرِهِمَا حُرُوفًا أَوْ عَلَى أَقَلِّهِمَا ؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَقِينُ ، وَلَا فَرْقَ فِي تَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَى الْحُرُوفِ بَيْنَ اللِّسَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ ( وَقِيلَ لَا يُوَزَّعُ عَلَى ) غَيْرِ اللِّسَانِيَّةِ مِنْ ( الشَّفَهِيَّةِ ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : الْبَاءُ وَالْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ نِسْبَةً لِلشَّفَةِ عَلَى أَصْلِهَا فِي الْأَصَحِّ ، وَهُوَ شَفَهَةٌ ، وَلَكَ أَنْ تَنْسُبَهَا عَلَى اللَّفْظِ فَتَقُولَ شُفَيٌّ .
وَقِيلَ : أَصْلُ شَفَةٍ شَفْوَةٌ فَحُذِفَتْ الْوَاوُ ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ الشَّفَوِيَّةُ ( وَ ) مِنْ ( الْحَلْقِيَّةِ ) أَيْ الْمَنْسُوبَةِ لِلْحَلْقِ وَهِيَ سِتَّةٌ : الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ الْمُهْمَلَتَانِ ، وَالْغَيْنُ وَالْخَاءُ الْمُعْجَمَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى اللِّسَانِ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى الْحُرُوفِ الْخَارِجِ مِنْهُ ، وَهِيَ مَا عَدَا الْمَذْكُورَاتِ ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُوَزَّعُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ اللِّسَانِ النُّطْقُ بِهَا

فَتَكْمُلُ الدِّيَةُ فِيهَا وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُرُوفَ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْمَخَارِجِ الِاعْتِمَادُ فِي جَمِيعِهَا عَلَى اللِّسَانِ ، وَبِهِ يَسْتَقِيمُ النُّطْقُ وَيَكْمُلُ .

وَلَوْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَدِيَةٌ ، وَقِيلَ قِسْطٌ أَوْ بِجِنَايَةٍ فَالْمَذْهَبُ لَا تَكْمُلُ دِيَةٌ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ وَالْبَاءُ فَهَلْ يَجِبُ أَرْشُهُمَا مَعَ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ أَوْ لَا ؟ .
وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ ، وَيَضْمَنُ أَرْشَ حَرْفٍ فَوَّتَتْهُ ضَرْبَةٌ أَفَادَتْهُ حُرُوفًا لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ النُّطْقِ بِهَا وَلَا يَنْجَبِرُ الْفَائِتُ بِمَا حَدَثَ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ ، وَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَى الْحُرُوفِ وَفِيهَا الْحُرُوفُ الْمُفَادَةُ أَوْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ ؟ قَالَ الْإِمَامُ : هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الثَّانِي ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ ( وَلَوْ عَجَزَ ) الْمَجْنِيُّ عَلَى لِسَانِهِ ( عَنْ بَعْضِهَا ) أَيْ الْحُرُوفِ ( خِلْقَةً ) كَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ ، وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ ( أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَدِيَةٌ ) كَامِلَةٌ فِي إبْطَالِ كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ نَاطِقٌ وَلَهُ كَلَامٌ مَفْهُومٌ ، إلَّا أَنَّ فِي نُطْقِهِ ضَعْفًا ، وَضَعْفُ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ لَا يَقْدَحُ فِي كَمَالِ الدِّيَةِ كَضَعْفِ الْبَطْشِ وَالْبَصَرِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَبْطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضَ الْحُرُوفِ ، فَالتَّوْزِيعُ عَلَى مَا يُحْسِنُهُ لَا عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ ( وَقِيلَ قِسْطٌ ) مِنْ الدِّيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْحُرُوفِ .
أَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً وَكَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ كَالْفَارِسِيِّ الَّذِي لَا ضَادَ فِي لُغَتِهِ ، فَالْمَعْرُوفُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَطْعُ بِالتَّكْمِيلِ ( أَوْ ) عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا ( بِجِنَايَةٍ فَالْمَذْهَبُ لَا تَكْمُلُ دِيَةٌ ) فِي إبْطَالِ كَلَامِهِ ، لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَخْصِيصُ التَّصْوِيرِ بِجِنَايَةِ مَنْ تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ حَتَّى تَكُونَ جِنَايَةُ الْحَرْبِيِّ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا أَحْسَبُهُ كَذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُهُ بِالْمَذْهَبِ يَقْتَضِي إثْبَاتَ طَرِيقَيْنِ ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا غَيْرُ خِلَافٍ مُرَتَّبٍ

عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَيْ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْطِ هُنَاكَ فَهُنَا أَوْلَى ، أَوْ بِالتَّكْمِيلِ هُنَاكَ فَهُنَا فِيهِ وَجْهَانِ .
وَحَاصِلُهُ طَرِيقَانِ : قَاطِعَةٌ وَحَاكِيَةٌ لِخِلَافٍ ، وَلَوْ أَبْطَلَ بَعْضَ مَا يُحْسِنُهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَجَبَ قِسْطُهُ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ .

وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكْسٌ فَنِصْفُ دِيَةٍ .
( وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( فَذَهَبَ ) حُرُوفٌ هِيَ ( رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكْسٌ ) بِأَنْ قَطَعَ رُبْعَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ حُرُوفٌ هِيَ نِصْفُ كَلَامِهِ ( فَنِصْفُ دِيَةٍ ) تَجِبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ اللِّسَانَ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ وَكَذَا الْكَلَامُ ، وَلَوْ لَمْ تُؤَثِّرْ الْجِنَايَةُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا لَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ، فَإِذَا أَثَّرَتْ فِيهِمَا وَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَ قِسْطُهُ ، وَلَوْ قَطَعَ فِي الصُّورَتَيْنِ آخَرُ الْبَاقِيَ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ ، وَقَطَعَ فِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ اللِّسَانِ وَفِيهِمَا قُوَّةُ الْكَلَامِ وَلَوْ تَسَاوَتْ نِسْبَةُ الْجِرْمِ وَالْكَلَامِ بِأَنْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَلَا يَقْتَصُّ مَقْطُوعُ نِصْفٍ ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ مِنْ مَقْطُوعِ نِصْفٍ ذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ إذَا قَطَعَ الثَّانِي الْبَاقِيَ مِنْ لِسَانِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ أَجْرَيْنَا الْقِصَاصَ فِي بَعْضِ اللِّسَانِ لِنَقْصِ الْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي ، وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ لِسَانٍ وَبَقِيَ نُطْقُهُ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ لَا قِسْطٌ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ ، إذْ لَوْ وَجَبَ لَلَزِمَ إيجَابُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ ، وَلَوْ قَطَعَ لِسَانًا ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ مَثَلًا بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْهُ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ قَطَعَ جَمِيعَ اللِّسَانِ مَعَ بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَاقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي فَلَمْ يَذْهَبْ إلَّا رُبْعُ كَلَامِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ لِيَتِمَّ حَقُّهُ ، فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ فَذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَلَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْقِصَاصِ مُهْدَرَةٌ .

وَفِي الصَّوْتِ دِيَةٌ .
الشَّيْءُ السَّادِسُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) إبْطَالِ ( الصَّوْتِ ) مَعَ إبْقَاءِ اللِّسَانِ عَلَى اعْتِدَالِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ ( دِيَةٌ ) لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ " مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الصَّوْتِ إذَا انْقَطَعَ الدِّيَةُ " وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ : مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ فِي غَرَضِ الْإِعْلَامِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي الصَّوْتِ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ، وَحُمِلَ كَلَامُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَلَى الْكَلَامِ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ .

فَإِنْ أَبْطَلَ مَعَهُ حَرَكَةَ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ ، وَقِيلَ دِيَةٌ .
( فَإِنْ أَبْطَلَ مَعَهُ ) أَيْ الصَّوْتِ ( حَرَكَةَ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ ) لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَتْ بِالتَّفْوِيتِ كَمَالُ الدِّيَةِ ( وَقِيلَ دِيَةٌ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكَلَامُ لَكِنَّهُ يَفُوتُ تَارَةً بِبُطْلَانِ الصَّوْتِ ، وَأُخْرَى بِعَجْزِ اللِّسَانِ عَنْ الْحَرَكَةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا مُقْتَضَى ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَذْهَبَ بِإِبْطَالِ الصَّوْتِ النُّطْقَ وَاللِّسَانُ سَلِيمُ الْحَرَكَةِ وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعْطِيلَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَ كَإِبْطَالِهَا ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إيجَابُ حُكُومَةٍ لِتَعْطِيلِ النُّطْقِ .

وَفِي الذَّوْقِ دِيَةٌ ، وَيُدْرَكُ بِهِ حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ ، وَتُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ ، فَإِنْ نَقَصَ فَحُكُومَةٌ .

الشَّيْءُ السَّابِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) إبْطَالِ ( الذَّوْقِ ) بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ ( دِيَةٌ ) لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ فَأَشْبَهَ الشَّمَّ .
تَنْبِيهٌ : اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ هَلْ هُوَ فِي طَرَفِ الْحُلْقُومِ أَوْ فِي اللِّسَانِ ؟ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي قَطْعِ لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَذْهَبْ الذَّوْقُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي اللِّسَانِ ذَهَبَ وَلَا بُدَّ ، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالثَّانِي ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ شَارِحُ الْمِفْتَاحِ ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ : هُوَ قُوَّةٌ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جِرْمِ اللِّسَانِ يُدْرَكُ بِهَا الطُّعُومُ بِمُخَالَطَةِ اللُّعَابِيَّةِ الَّتِي فِي الْفَمِ بِالْمَطْعُومِ وَوُصُولِهَا لِلْعَصَبِ ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِدْرَاكَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْمُخَالَطَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكُونَ كَالنُّطْقِ مَعَ اللِّسَانِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِّسَانِ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْوَاعَ الطُّعُومِ وَاقْتَصَرَ كَالْأَصْحَابِ مِنْهَا عَلَى خَمْسَةٍ ، فَقَالَ ( وَيُدْرَكُ بِهِ ) أَيْ الذَّوْقِ ( حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَفَرَّعَهَا أَهْلُ الطِّبِّ إلَى ثَمَانِيَةٍ ، وَلَا تَعْتَبِرُهَا فِي الْأَحْكَامِ لِدُخُولِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ كَالْحَرَافَةِ مَعَ الْمَرَارَةِ ( وَتُوَزَّعُ ) الدِّيَةُ ( عَلَيْهِنَّ ) أَيْ الْخَمْسَةِ ، فَإِذَا أَبْطَلَ إدْرَاكَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَجَبَ فِيهَا خُمْسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا ( فَإِنْ نَقَصَ ) الْإِدْرَاكُ نَقْصًا لَا يَتَقَدَّرُ بِأَنْ يَحِسَّ بِمَذَاقِ الْخَمْسِ لَكِنْ لَا يُدْرِكُهَا عَلَى كَمَالِهَا ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ فِي ذَلِكَ النَّقْصِ وَتَخْتَلِفُ بِقُوَّةِ النُّقْصَانِ وَضَعْفِهِ ، فَإِنْ عُرِفَ

قَدْرُهُ فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ اُمْتُحِنَ بِالْأَشْيَاءِ الْمُرَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْحَامِضَةِ الْحَادَّةِ بِأَنْ يُلْقِيَهَا لَهُ غَيْرُهُ مُعَافَصَةً ، فَإِنْ لَمْ يَعْبِسْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَالْجَانِي بِيَمِينِهِ .

وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْمَضْغِ .
الشَّيْءُ الثَّامِنُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ) إبْطَالِ ( الْمَضْغِ ) كَأَنْ يَجْنِيَ عَلَى أَسْنَانِهِ فَتَخَدَّرَ وَتَبْطُلُ صَلَاحِيَّتُهَا لِلْمَضْغِ لِأَنَّهُ الْمَنْفَعَةُ الْعُظْمَى لِلْأَسْنَانِ وَفِيهَا الدِّيَةُ ، فَكَذَا مَنْفَعَتُهَا كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالْبَطْشِ مَعَ الْيَدِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ، وَإِنَّمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَتَبِعَهُمَا مَنْ بَعْدَهُمَا .

وَقُوَّةِ إمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ .
الشَّيْءُ التَّاسِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إبْطَالِ ( قُوَّةِ إمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ النَّسْلُ ، بِخِلَافِ انْقِطَاعِ اللَّبَنِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الثَّدْيِ ، فَإِنَّ فِيهِ حُكُومَةً فَقَطْ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَاسْتِعْدَادُ الطَّبِيعَةِ لِلْإِمْنَاءِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْفُحُولِ ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ : الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْإِمْنَاءَ الْإِنْزَالُ ، فَإِذَا أَبْطَلَ قُوَّتَهُ وَلَمْ يَذْهَبْ الْمَنِيُّ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ لَا الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْزَالُ بِمَا يَسُدُّ طَرِيقَهُ فَيُشْبِهُ ارْتِتَاقَ الْأُذُنِ ا هـ .
وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ .
وَالصُّلْبُ الظَّهْرُ ، وَيُقَالُ الصَّلَبُ بِفَتْحَتَيْنِ كَفَرَسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ .
.

الشَّيْءُ الْعَاشِرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إبْطَالِ ( قُوَّةِ حَبَلٍ ) مِنْ الْمَرْأَةِ لِفَوَاتِ النَّسْلِ فَيَكْمُلُ فِيهِ دِيَتُهَا لِانْقِطَاعِ النَّسْلِ : كَذَا صَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَيُحْتَمَلُ تَصْوِيرُهُ بِإِذْهَابِهِ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَى صُلْبِهِ فَيَصِيرَ مَنِيُّهُ لَا يُحْبِلُ فَتَجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ .
قَالَ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا جَنَى عَلَى الْأُنْثَيَيْنِ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ إنَّهُمَا مَحَلُّ انْعِقَادِ الْمَنِيِّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ بِإِذْهَابِ الْإِحْبَالِ فِي غَيْرِ مَنْ ظَهَرَ لِلْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ عَقِيمٌ ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ .

الشَّيْءُ الْحَادِيَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي ( ذَهَابِ جِمَاعٍ ) مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ عَلَى صُلْبِهِ مَعَ بَقَاءِ مَائِهِ وَسَلَامَةِ ذَكَرِهِ فَيَبْطُلُ التَّلَذُّذُ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ فِيهِ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَهَابَهُ وَأَنْكَرَ الْجَانِي صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ كَمَا إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ : حِضْتُ ، وَلَوْ أَبْطَلَ إمْنَاءَهُ أَوْ لَذَّةَ جِمَاعِهِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَبَ دِيَتَانِ كَمَا فِي إذْهَابِ الصَّوْتِ مَعَ اللِّسَانِ .

وَقُوَّةِ حَبَلٍ وَذَهَابِ جِمَاعٍ ، وَفِي إفْضَائِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ وَهُوَ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ ، وَقِيلَ ذَكَرٍ وَبَوْلٍ .

الشَّيْءُ الثَّانِيَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي إفْضَائِهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً بِوَطْءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ( مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ ) أَيْ دِيَتُهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَلِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ أَوْ اخْتِلَالِهَا ، وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَقْطَعُ التَّنَاسُلَ ؛ لِأَنَّ النُّطْفَةَ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَحَلِّ الْعُلُوقِ لِامْتِزَاجِهَا فِي الْبَوْلِ فَأَشْبَهَ قَطْعَ الذَّكَرِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ لِأَنَّ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي الْإِهْدَارَ فِي الزَّانِيَةِ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكْرَهَةُ وَالْمُطَاوِعَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُطَاوِعَةَ لَا تَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي الْإِفْضَاءِ ، وَأَصْلُ الْإِفْضَاءِ مِنْ الْفَضَاءِ ، وَهِيَ الْبَرِيَّةُ الْوَاسِعَةُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِفْضَاءُ ( رَفْعُ مَا ) أَيْ حَاجِزٍ ( بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ ) فَيَصِيرُ سَبِيلُ جِمَاعِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدًا ، إذْ بِهِ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَقِيلَ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ ، فَقَالَا : الْإِفْضَاءُ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ( ذَكَرٍ وَ ) مَخْرَجِ ( بَوْلٍ ) فَيَصِيرُ سَبِيلُ جِمَاعِهَا وَبَوْلِهَا وَاحِدًا لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ قَوِيٌّ لَا يَرْفَعُهُ الذَّكَرُ وَبَيْنَهُمَا عَظْمٌ لَا يَتَأَتَّى كَسْرُهُ إلَّا بِحَدِيدَةٍ وَنَحْوِهَا ، فَلَا يُحْمَلُ الْإِفْضَاءُ عَلَيْهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَالْأَصَحُّ هُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا ، وَأَمَّا الَّذِي فِي الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ فَاقْتَصَرَا فِيهِ عَلَى تَفْسِيرِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَتْبَاعِهِ ، وَإِذَا قُلْنَا بِالثَّانِي فَصَارَ بَوْلُهَا لَا يُسْتَمْسَكُ لَزِمَ الْجَانِيَ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةٌ صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَقِيَاسُهُ إيجَابُ الْحُكُومَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُسْتَمْسَكْ الْغَائِطُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إفْضَاءٌ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ لِأَنَّ

التَّمَتُّعَ يَخْتَلُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، فَلَوْ أَزَالَ الْحَاجِزَيْنِ لَزِمَهُ دِيَتَانِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ ، فَإِنْ الْتَحَمَ سَقَطَتْ دِيَتُهُ وَتَجِبُ حُكُومَةٌ إنْ بَقِيَ أَثَرٌ كَمَا لَوْ عَادَ ضَوْءُ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْجَائِفَةِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَزِمَتْ ثَمَّ بِالِاسْمِ ، وَهُنَا بِفَقْدِ الْحَائِلِ وَقَدْ سَلِمَ فَلَا مَعْنَى لِلدِّيَةِ .

فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوَطْءُ إلَّا بِإِفْضَاءٍ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ .
( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوَطْءُ ) لِلزَّوْجَةِ ( إلَّا بِإِفْضَاءٍ ) مِنْ زَوْجِهَا : إمَّا لِكِبَرِ آلَتِهِ أَوْ ضِيقِ مَنْفَذِهَا ( فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ ) وَطْؤُهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْإِفْضَاءِ الْمُحَرَّمِ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ بِكِبَرِ آلَتِهِ ، أَوْ لَهُ الْفَسْخُ بِضِيقِ مَنْفَذِهَا ؟ تَقَدَّمَ فِي بَابِ خِيَارِ النِّكَاحِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ .

وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ افْتِضَاضَهَا فَأَزَالَ الْبَكَارَةَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشُهَا ، أَوْ بِذَكَرٍ لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ ، وَقِيلَ مَهْرُ بِكْرٍ ، وَمُسْتَحِقُّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ إنْ أَزَالَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشٌ .

( وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ افْتِضَاضَهَا ) أَيْ الْبِكْرِ ( فَأَزَالَ الْبَكَارَةَ ) مِنْهَا ( بِغَيْرِ ذَكَرٍ ) كَأُصْبُعٍ وَخَشَبَةٍ ( فَأَرْشُهَا ) يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْحُكُومَةُ بِتَقْدِيرِ الرِّقِّ كَمَا سَيَأْتِي .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : فَأَرْشُهَا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ تُزِيلَ بِكْرٌ بَكَارَةَ أُخْرَى فَيُفْتَضَّ مِنْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَلَوْ كَانَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْقَوَدَ فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعٍ وَنَحْوِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( أَوْ ) أَزَالَهَا ( بِذَكَرٍ ) وَلَوْ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ ( لِشُبْهَةٍ ) كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ( أَوْ ) كَانَتْ ( مُكْرَهَةً ) عَلَى ذَلِكَ أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا ) يَلْزَمُهُ ( وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ ) زَائِدًا عَلَيْهِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ لِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ ، وَالْأَرْشُ يَجِبُ لِإِزَالَةِ تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَهُمَا جِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ ( وَقِيلَ ) : يَلْزَمُهُ ( مَهْرُ بِكْرٍ ) وَلَا أَرْشَ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ الِاسْتِمْتَاعُ ، فَإِزَالَةُ تِلْكَ الْجِلْدَةِ تَحْصُلُ ضِمْنَ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَفْضَاهَا دَخَلَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا لِلْإِتْلَافِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ ، فَإِنَّ الْمَهْرَ لِلتَّمَتُّعِ وَالْأَرْشَ لِإِزَالَةِ الْجِلْدَةِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً عَمَّا لَوْ أَزَالَهَا بِزِنًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَهَدَرٌ ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَجَبَ الْأَرْشُ ، إنْ قُلْنَا : يُفْرَدُ عَنْ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ ، وَقَدَّمْتُ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَابِ الْغَصْبِ ، وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَفِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ إذَا طَاوَعَتْهُ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِالْحَالِ وَجْهَانِ :

رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْوُجُوبَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الْأَمَةِ الْمَهْرُ الْمُتَمَحِّضُ لِلْوَطْءِ ، أَمَّا ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ فَلَا .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَرْأَةِ ، أَمَّا الْخُنْثَى إذَا أُزِيلَتْ بَكَارَةُ فَرْجِهِ وَجَبَتْ حُكُومَةُ الْجِرَاحَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ جِرَاحَةٌ ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْبَكَارَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فَرْجًا ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ( وَمُسْتَحِقُّهُ ) أَيْ افْتِضَاضِهَا وَهُوَ زَوْجُهَا ( لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) فِي إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ شَرْعًا فَلَا يَضُرُّهُ الْخَطَأُ فِي طَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ ( وَقِيلَ إنْ أَزَالَ ) بَكَارَتَهَا ( بِغَيْرِ ذَكَرٍ ) كَأُصْبُعٍ ( فَأَرْشٌ ) يَلْزَمُهُ لِعُدُولِهِ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ .

الشَّيْءُ الثَّالِثَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفِي ) إبْطَالِ ( الْبَطْشِ ) مِنْ يَدَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِمَا فَشُلَّتَا ( دِيَةٌ ) لِزَوَالِ مَنْفَعَتِهِمَا .

وَفِي الْبَطْشِ دِيَةٌ وَكَذَا الْمَشْيُ ، وَنَقْصِهِمَا : حُكُومَةٌ .
الشَّيْءُ الرَّابِعَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكَذَا الْمَشْيُ ) أَيْ إبْطَالُهُ مِنْ الرِّجْلَيْنِ بِجِنَايَةٍ عَلَى صُلْبٍ فِيهِ دِيَةٌ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا ، وَفِي إبْطَالِ بَطْشٍ أَوْ مَسِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ دِيَتُهَا ، وَلَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ حَتَّى يَنْدَمِلَ ، فَإِنْ انْجَبَرَ وَعَادَ بَطْشُهُ أَوْ مَسُّهُ كَمَا كَانَ فَلَا دِيَةَ ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْنٌ فَحُكُومَةٌ ( وَ ) فِي ( نَقْصِهِمَا ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ إنْ لَمْ يَنْضَبِطْ ( حُكُومَةٌ ) لِمَا فَاتَ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ النَّقْصِ قِلَّةً وَكَثْرَةً ، سَوَاءٌ احْتَاجَ فِي مَشْيِهِ لِعَصًا أَمْ لَا ، فَإِنْ انْضَبَطَ وَجَبَ الْقِسْطُ كَالسَّمْعِ .

وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَجِمَاعُهُ أَوْ وَمَنِيُّهُ فَدِيَتَانِ ، وَقِيلَ دِيَةٌ .
( وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( فَذَهَبَ ) مَعَ سَلَامَةِ الرِّجْلِ وَالذَّكَرِ ( مَشْيُهُ وَجِمَاعُهُ أَوْ ) مَشْيُهُ ( وَمَنِيُّهُ فَدِيَتَانِ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ( وَقِيلَ دِيَةٌ ) لِأَنَّ الصُّلْبَ مَحَلُّ الْمَنِيِّ ، وَمِنْهُ يُبْتَدَأُ الْمَشْيُ وَيُنْشَأُ الْجِمَاعُ ، وَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ يَقْتَضِي اتِّحَادَ الدِّيَةِ وَمَنَعَ الْأَوَّلُ مَحَلِّيَّةَ الصُّلْبِ لِمَا ذُكِرَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَلَّتْ رِجْلَاهُ أَيْضًا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ دِيَاتٍ ، وَإِنْ شَلَّ ذَكَرُهُ أَيْضًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِيَاتٍ ، قَالَهُ فِي الْكَافِي .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُفْرَدُ كَسْرُ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الذَّكَرُ وَالرِّجْلَانِ سَلِيمَيْنِ ، فَإِنْ شَلَّا وَجَبَ مَعَ الدِّيَةِ الْحُكُومَةُ لِأَنَّ الْمَشْيَ مَنْفَعَةٌ فِي الرِّجْلِ ، فَإِذَا شَلَّتْ فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ لِشَلَلِهَا فَأُفْرِدَ كَسْرُ الصُّلْبِ بِالْحُكُومَةِ ، وَإِذَا كَانَتْ سَلِيمَةً فَفَوَاتُ الْمَشْيِ لِخَلَلِ الصُّلْبِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكُومَةِ ، وَيُمْتَحَنُ مَنْ ادَّعَى ذَهَابَ مَشْيِهِ بِأَنْ يُفَاجَأَ بِمُهْلِكٍ كَسَيْفٍ ، فَإِنْ مَشَى عَلِمْنَا كَذِبَهُ ، وَإِلَّا حَلَفَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ .

فَرْعٌ : اجْتِمَاعُ دِيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي شَخْصٍ بِجِرَاحَاتٍ بِقَطْعِ أَطْرَافٍ وَإِبْطَالِ مَنَافِعَ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَهِيَ تَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ دِيَةً .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا سَبَقَ وَجَدْتهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَسَرَدَ مَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ تُضَافُ إلَيْهَا الْمَوَاضِحُ وَسَائِرُ الشِّجَاجِ وَالْجَوَائِفُ وَالْحُكُومَاتُ فَيَجْتَمِعُ شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا يَنْحَصِرُ ، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعُ دِيَتَانِ لِلْيَدَيْنِ وَلِلْبَطْشِ ، وَدِيَتَانِ لِلرِّجْلَيْنِ وَلِلْمَشْيِ ، وَدِيَةٌ لِلَّحْيَيْنِ ، وَدِيَةٌ لِلْمَضْغِ ، وَثَلَاثُ دِيَاتٍ لِلِّسَانِ وَالنُّطْقِ وَالصَّوْتِ ، وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِالْفَرْعِ لِتَفَرُّعِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْمَذْكُورَاتِ .

[ فَرْعٌ ] أَزَالَ أَطْرَافًا وَلَطَائِفَ تَقْتَضِي دِيَاتٍ فَمَاتَ سِرَايَةً فَدِيَةٌ .
إذَا ( أَزَالَ ) الْجَانِي ( أَطْرَافًا ) تَقْتَضِي دِيَاتٍ كَقَطْعِ أُذُنَيْنِ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ ( وَلَطَائِفُ تَقْتَضِي دِيَاتٍ ) كَإِبْطَالِ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ ( فَمَاتَ سِرَايَةً ) مِنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَكَذَا مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْدَمِلْ الْبَعْضُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ ( فَدِيَةٌ ) وَاحِدَةٌ وَسَقَطَ بَدَلُ مَا ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا .
أَمَّا إذَا مَاتَ بِسِرَايَةِ بَعْضِهَا بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَدْخُلْ مَا انْدَمَلَ فِي دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لَا مَدْخَلَ لِلسِّرَايَةِ فِيهِ ثُمَّ أَجَافَهُ فَمَاتَ بِسِرَايَةِ الْجَائِفَةِ قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَلَا يَدْخُلُ أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَمَّا مَا لَا يُقَدَّرُ بِالدِّيَةِ فَيَدْخُلُ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ بِالْأَوْلَى .

وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي قَبْلَ انْدِمَالِهِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي ) أَيْ قَطَعَ عُنُقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( قَبْلَ انْدِمَالِهِ ) مِنْ الْجِرَاحَةِ يَلْزَمُهُ لِلنَّفْسِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَجَبَتْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا عَدَاهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهُ كَالسِّرَايَةِ .
وَالثَّانِي : تَجِبُ دِيَاتُ مَا تَقَدَّمَهَا ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْقَتْلِ فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَهَا بِالِانْدِمَالِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَطَعَ أَطْرَافَ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ أَوْ عَادَ وَقَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تَدْخُلْ قِيمَةُ أَطْرَافِهِ فِي قِيمَتِهِ ، بَلْ أَوْجَبُوا قِيمَتَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ ، فَهَلَّا كَانَ كَمَا هُنَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ مَضْمُونٌ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ ، وَالْآدَمِيُّ مَضْمُونٌ بِمُقَدَّرٍ ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الْغَائِبَ فِي ضَمَانِهِ التَّعَبُّدُ ، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ ، وَمَا سَبَقَ هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْفِعْلِ الْمَجْنِيِّ بِهِ .

فَإِنْ حَزَّ عَمْدًا وَالْجِنَايَاتُ خَطَأٌ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا تَدَاخُلَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ حَزَّ غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ .
( فَإِنْ ) كَانَ مُخْتَلِفًا كَأَنْ ( حَزَّ ) الرَّقَبَةَ ( عَمْدًا وَالْجِنَايَاتُ ) الْحَاصِلَةُ قَبْلَ الْحَزِّ ( خَطَأٌ ) أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ ( أَوْ عَكْسُهُ ) كَأَنْ حَزَّهُ خَطَأً وَالْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( فَلَا تَدَاخُلَ ) لِشَيْءٍ دُونَ النَّفْسِ فِيهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) بَلْ يُسْتَحَقُّ الطَّرَفُ وَالنَّفْسُ لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ عَمْدًا ، أَوْ قَطَعَ هَذِهِ الْأَطْرَافَ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ الرَّقَبَةَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَعَفَا الْأَوَّلُ فِي الْعَمْدِ عَلَى دِيَتِهِ وَجَبَتْ فِي الْأُولَى دِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَدِيَةُ عَمْدٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ دِيَتَا عَمْدٍ وَدِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ .
وَالثَّانِي تَسْقُطُ الدِّيَاتُ فِيهِمَا .

( وَلَوْ حَزَّ ) الرَّقَبَةَ ( غَيْرُهُ ) أَيْ الْجَانِي الْمُتَقَدِّمِ ( تَعَدَّدَتْ ) أَيْ الدِّيَةُ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يَدْخُلُ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ .

[ فَصْلٌ ] تَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيمَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ ، وَهِيَ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ ، وَقِيلَ إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ .

وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ شَرَعَ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي لَا تَقْدِيرَ لِأَرْشِهَا فِيهِ وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ : [ فَصْلٌ ] ( تَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيمَا ) أَيْ شَيْءٍ يُوجِبُ مَالًا لِيَخْرُجَ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا فَقَطْ كَقَلْعِ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ ، وَقَوْلُهُ ( لَا مُقَدَّرَ فِيهِ ) أَيْ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ مِنْ مُقَدَّرٍ ، فَإِنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهُ مِنْهُ كَأَنْ كَانَ بِقُرْبِ مُوضِحَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِ وَحُكُومَةٌ كَمَا مَرَّ .
قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ : وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى حُكُومَةً فَإِنَّهَا الَّتِي يُقَدَّرُ الْحُرُّ فِيهَا رَقِيقًا ، وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ فِي أَوَّلِ بَابِ الدِّيَاتِ : وَالشِّجَاجُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إنْ عَرَفْتَ نِسْبَتَهَا مِنْهَا وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ قِسْطِهِ وَمِنْ الْحُكُومَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُقَدَّرَ رَقِيقًا حَتَّى يُعْرَفَ الْأَكْثَرُ ، وَسُمِّيَتْ حُكُومَةً لِاسْتِقْرَارِهَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، حَتَّى لَوْ اجْتَهَدَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْحُكُومَةُ بَعْدَ الْمُقَدَّرَاتِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي ، وَالْغَزَالِيُّ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَذِكْرُهَا هُنَا أَحْسَنُ لِيَتِمَّ الْكَلَامُ عَلَى الِانْتِظَامِ ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهَا هُنَا ( وَهِيَ جُزْءٌ ) مِنْ الدِّيَةِ ( نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ ) فِي الْأَصَحِّ .
( وَقِيلَ ) نِسْبَتُهُ ( إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ ( مِنْ قِيمَتِهِ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ ) الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا .
مِثَالُهُ جَرَحَ يَدَهُ فَيُقَالُ : كَمْ قِيمَةُ

الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَوْ كَانَ رَقِيقًا ، فَإِذَا قِيلَ : مِائَةٌ فَيُقَالُ : كَمْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ؟ فَإِذَا قِيلَ : تِسْعُونَ فَالتَّفَاوُتُ الْعَشْرُ ، فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ ، وَهُوَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا ذَكَرًا مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تُنْسَبَ إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ لَا إلَى دِيَةِ النَّفْسِ فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ الْيَدِ ، وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُصْبُعٍ وَجَبَ بَعِيرٌ ، أَوْ عَلَى أُنْمُلَةٍ وَجَبَ ثُلُثُ بَعِيرٍ فِي غَيْرِ الْإِبْهَامِ ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ وَلِلْحَاجَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ إلَى تَقْدِيرِ الرِّقِّ .
قَالَ الْأَئِمَّةُ : الْعَبْدُ أَصْلُ الْحُرِّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا : كَمَا أَنَّ الْحُرَّ أَصْلُ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا ، وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إبِلًا كَالدِّيَةِ لَا نَقْدًا .
وَأَمَّا التَّقْوِيمُ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِبِلِ فَقَالَ : فِي إذْهَابِ الْعُذْرَةِ فَيُقَالُ : لَوْ كَانَتْ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ ؟ فَإِنْ قِيلَ : الْعُشْرُ وَجَبَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ، وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ ، حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يُوصِلُ إلَى الْغَرَضِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى عُضْوٍ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الصَّدْرِ أَوْ الْفَخِذِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ اُعْتُبِرَتْ الْحُكُومَةُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا ، وَتُقَدَّرُ

لِحْيَةُ امْرَأَةٍ أُزِيلَتْ فَفَسَدَ مَنْبَتُهَا لِحْيَةَ عَبْدٍ كَبِيرٍ يَتَزَيَّنُ بِهَا ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى ، وَلَوْ قَلَعَ سِنًّا أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَلَمْ يَنْقُصْ بِذَلِكَ شَيْءٌ قُدِّرَتْ زَائِدَةً لَا أَصْلِيَّةً خَلْفَهَا وَيُقَوَّمُ لَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ ، ثُمَّ يُقَوَّمُ مَقْطُوعُ الزَّائِدِ فَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ تَشُدُّ الْوَجْهَ وَيَحْصُلُ بِهَا نَوْعُ جَمَالٍ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ النِّسْبَةِ لَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفٌ زَائِدٌ فَيَجِبُ فِيهَا مَعَ دِيَةِ أُنْمُلَةٍ حُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَوِّمَ لَهُ الزَّائِدَةَ بِلَا أَصْلِيَّةٍ ثُمَّ يُقَوِّمَ دُونَهَا كَمَا فُعِلَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ ، أَوْ يُعْتَبَرَ بِأَصْلِيَّةٍ كَمَا اُعْتُبِرَتْ لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ بِلِحْيَةِ الرَّجُلِ ، وَلِحْيَتُهَا كَالْأَعْضَاءِ الزَّائِدَةِ ، وَلِحْيَتُهُ كَالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ .
وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا مَا ذُكِرَ لَزَادَ زِيَادَةً تَضُرُّ بِالْجَانِي ؛ لِأَنَّ أَرْشَهَا يَكْثُرُ بِذَلِكَ .

فَإِنْ كَانَتْ بِطَرَفٍ لَهُ مُقَدَّرٌ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا تَبْلُغَ مُقَدَّرَهُ فَإِنْ بَلَغَتْهُ نَقَّصَ الْقَاضِي شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ ، أَوْ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ كَفَخِذٍ فَأَنْ لَا تَبْلُغَ دِيَةَ نَفْسٍ ، وَيُقَوَّمُ بَعْدَ انْدِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ نَقْصٌ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ ، وَقِيلَ يُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ ، وَقِيلَ لَا غُرْمَ .

( فَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الْحُكُومَةُ ( بِطَرَفٍ ) أَيْ لِأَجْلِهِ ( لَهُ ) أَرْشٌ ( مُقَدَّرٌ ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ ( اُشْتُرِطَ أَنْ لَا تَبْلُغَ ) تِلْكَ الْحُكُومَةُ ( مُقَدَّرَهُ ) أَيْ الطَّرَفِ لِئَلَّا تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعُضْوِ مَعَ بَقَائِهِ مَضْمُونَةً بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الْعُضْوُ نَفْسُهُ فَيُنْقِصَ حُكُومَةَ الْأُنْمُلَةِ بِجُرْحِهَا أَوْ قَطْعِ ظُفْرِهَا عَنْ يَدِهَا ، وَحُكُومَةَ جِرَاحَةِ الْأُصْبُعِ بِطُولِهِ عَنْ دِيَتِهِ ، وَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ مَا دُونَ الْجَائِفَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ عَلَى الْبَطْنِ أَوْ نَحْوِهِ أَرْشَ الْجَائِفَةِ ( فَإِنْ بَلَغَتْهُ نَقَّصَ الْقَاضِي ) مِنْهُ ( شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ ، وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ أَقَلُّهُ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا أَوْ صَدَاقًا أَيْ فَيَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ ( أَوْ ) كَانَتْ لِطَرَفٍ ( لَا تَقْدِيرَ فِيهِ ) وَلَا يَتْبَعُ مُقَدَّرًا ( كَفَخِذٍ ) وَسَاعِدٍ وَظَهْرٍ وَكَفٍّ ( فَأَنْ ) أَيْ فَالشَّرْطُ أَنْ ( لَا تَبْلُغَ ) حُكُومَتُهُ ( دِيَةَ نَفْسٍ ) وَهُوَ مَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَكْثَرُ مِنْ الْجُزْءِ ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَصِيرَ بُلُوغُهَا أَرْشَ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهَا دِيَةَ الْعُضْوِ ، فَإِنْ تَبِعَ مُقَدَّرًا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهَا دِيَةَ الْعُضْوِ ، فَإِنْ تَبِعَ مُقَدَّرًا كَالْكَفِّ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصَابِعَ ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَبْلُغَ ذَلِكَ دِيَةَ الْمُقَدَّرِ ، إنْ بَلَغَ بِحُكُومَةِ الْكَفِّ دِيَةَ أُصْبُعٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا دَفْعًا وَاحْتِوَاشًا تَزِيدُ عَلَى مَنْفَعَةِ أُصْبُعٍ ، كَمَا أَنَّ حُكُومَةَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ الْيَدِ وَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ دِيَةَ أُصْبُعٍ وَأَنْ

تَزِيدَ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ السَّاعِدَ كَالْكَفِّ حَتَّى لَا يَبْلُغَ بِحُكُومَةِ جُرْحِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْأَصَابِعَ دُونَ السَّاعِدِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي لَقْطِ الْأَصَابِعِ ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْ الْمَرْفِقِ لَزِمَهُ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةُ السَّاعِدِ ( وَيُقَوَّمُ ) لِمَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِفَرْضِ رِقِّهِ ، لَكِنْ ( بَعْدَ انْدِمَالِهِ ) لَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ قَدْ تَسْرِي إلَى النَّفْسِ ، أَوْ إلَى مَا يَكُونُ وَاجِبُهُ مُقَدَّرًا فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ لَا الْحُكُومَةُ ( فَإِنْ لَمْ يَبْقَ ) بَعْدَ انْدِمَالِهِ ( نَقْصٌ ) فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالِ وَلَا تَأَثَّرَتْ بِهِ الْقِيمَةُ ( اُعْتُبِرَ ) فِيهِ ( أَقْرَبُ نَقْصٍ ) مِنْ حَالَاتِ نَقْصٍ فِيهِ ( إلَى الِانْدِمَالِ ) وَهَكَذَا لِئَلَّا تُحِيطَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَعْصُومِ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ النَّقْصُ إلَّا حَالَ سَيَلَانِ الدَّمِ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ وَاعْتَبَرْنَا الْجِرَاحَةَ دَامِيَةً .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى اعْتِبَارِهِ أَقْرَبَ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَقْصٌ كَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ وَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَفِيفَةً لَا تُؤَثِّرُ فِي حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ عُزِّرَ فَقَطْ إلْحَاقًا لَهَا كَمَا فِي الْوَسِيطِ بِاللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لِلضَّرُورَةِ لِانْسِدَادِ بَابِ التَّقْوِيمِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْحُكُومَةِ ، وَفِي التَّتِمَّةِ : الْحَاكِمُ يُوجِبُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَقِيلَ يُقَدِّرُهُ ) أَيْ يُقَدِّرُ النَّقْصَ الْمَذْكُورَ ( قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ ) لِئَلَّا تَخْلُوَ الْجِنَايَةُ عَنْ غُرْمٍ ( وَقِيلَ لَا غُرْمَ ) حِينَئِذٍ ، بَلْ الْوَاجِبُ التَّعْزِيرُ كَالضَّرْبَةِ وَالصَّفْعَةِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ ، وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ الْقِيَاسُ .
.

وَالْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ كَمُوضِحَةٍ يَتْبَعُهُ الشَّيْنُ حَوَالَيْهِ .
( وَالْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ ) أَرْشُهُ ( كَمُوضِحَةٍ ) وَمَأْمُومَةٍ ( يَتْبَعُهُ الشَّيْنُ ) الْكَائِنُ ( حَوَالَيْهِ ) وَلَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَ بِالْإِيضَاحِ جَمِيعَ مَوْضِعِ الشَّيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَرْشُ مُوضِحَةٍ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا كَانَ الشَّيْنُ فِي مَحَلِّ الْإِيضَاحِ ، فَإِنْ تَعَدَّى شَيْنُ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ عَنْ مَحَلِّهِ إلَى الْقَفَا أَوْ الْوَجْهِ لَمْ يَتْبَعْهُ ، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ، وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ لِتَعَدِّيهِ مَحَلَّ الْإِيضَاحِ ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُشِيرُ إلَيْهِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاسْتِتْبَاعِ مَا لَوْ أَوْضَحَ جَبِينَهُ فَأَزَالَ حَاجِبَهُ فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ وَحُكُومَةِ الشَّيْنِ وَإِزَالَةِ الْحَاجِبِ ، حَكَيَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ ، وَلَوْ جَرَحَهُ عَلَى بَدَنِهِ جِرَاحَةً وَبِقُرْبِهَا جَائِفَةٌ قُدِّرَتْ بِهَا وَلَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْقِسْطِ وَالْحُكُومَةِ كَمَا لَوْ كَانَ بِقُرْبِهَا مُوضِحَةٌ .

وَمَا لَا يَتَقَدَّرُ يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ فِي الْأَصَحِّ .
( وَمَا ) أَيْ وَالْجُرْحُ الَّذِي ( لَا يَتَقَدَّرُ ) أَرْشُهُ كَدَامِيَةٍ ( يُفْرَدُ ) الشَّيْنُ حَوَالَيْهِ ( بِحُكُومَةٍ ) عَنْ حُكُومَةِ الْجُرْحِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِضَعْفِ الْحُكُومَةِ عَنْ الِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ .
وَالثَّانِي تَتْبَعُ الْجُرْحَ كَمَا فِي الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ .
تَنْبِيهٌ : أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُتَلَاحِمَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً ، وَهِيَ كَالْمُوضِحَةِ فِي اسْتِتْبَاعِ الشَّيْنِ إذَا قَدَّرْنَا أَرْشَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُوضِحَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا .

فُرُوعٌ : لَوْ ضَرَبَهُ أَوْ لَطَمَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ بِذَلِكَ شَيْنٌ فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْنٌ كَأَنْ اسْوَدَّ مَحَلُّ ذَلِكَ أَوْ اخْضَرَّ وَبَقِيَ الْأَثَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ ، وَالْعَظْمُ الْمَكْسُورُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ إذَا انْجَبَرَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرٌ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ وَهُوَ الْغَالِبُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ ، وَلَوْ انْجَبَرَ مُعْوَجًّا فَكَسَرَهُ الْجَانِي لِيَسْتَقِيمَ وَلَيْسَ لَهُ كَسْرُهُ لِذَلِكَ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ جَدِيدَةٌ ، وَفِي إفْسَادِ مَنْبَتِ الشُّعُورِ حُكُومَةٌ إذَا كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ .
أَمَّا مَا الْجَمَالُ فِي إزَالَتِهِ كَشَعْرِ الْإِبِطِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ التَّعْزِيرُ وَاجِبًا لِلتَّعَدِّي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِيهِ وُجُوبَ الْحُكُومَةِ أَيْضًا .
أَمَّا إذَا لَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهَا فَإِنَّهُ لَا حُكُومَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا ، وَضَابِطُ مَا يُوجِبُ الْحُكُومَةَ وَمَا لَا يُوجِبُهَا إنْ بَقِيَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ شَيْنٍ أَوْجَبَ الْحُكُومَةَ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْأَصَحِّ ، بِأَنْ يُعْتَبَرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِغَيْرِ جُرْحٍ وَلَا كَسْرٍ كَإِزَالَةِ الشُّعُورِ وَاللَّطْمَةِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
ثُمَّ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ الْحُكُومَةَ بِبَيَانِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَمْرٍ تَقْدِيرِيٍّ وَإِنْ كَانَ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى ضَمَانِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِأَبْسَطِ مِمَّا هُنَا ، إلَّا أَنَّهُ أَعَادَ الْكَلَامَ فِيهِ هُنَا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ تَارَةً تَكُونُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْغَصْبِ وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُنَا .

وَفِي نَفْسِ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ ، وَفِي غَيْرِهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ فِي الْحُرِّ ، وَإِلَّا فَنِسْبَتُهُ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَفِي قَوْلٍ مَا نَقَصَ .

فَقَالَ ( وَ ) تَجِبُ ( فِي ) الْجِنَايَةِ عَلَى ( نَفْسِ الرَّقِيقِ ) الْمَعْصُومِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ( قِيمَتُهُ ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتْلَفَةِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي قِيمَتِهِ التَّغْلِيظُ .
أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا ضَمَانَ فِي إتْلَافِهِ .
قَالَ فِي الْبَيَانِ : وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا يَجِبُ فِي إتْلَافِهِ شَيْءٌ سِوَاهُ ( وَ ) يَجِبُ ( فِي ) إتْلَافِ ( غَيْرِهَا ) أَيْ نَفْسِ الرَّقِيقِ مِنْ أَطْرَافِهِ وَلَطَائِفِهِ ( مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ) سَلِيمًا ( إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ ) ذَلِكَ الْغَيْرُ ( فِي الْحُرِّ ) وَلَمْ يُتْبَعْ مُقَدَّرًا وَلَا يَبْلُغُ بِالْحُكُومَةِ قِيمَةَ جُمْلَةِ الرَّقِيقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ قِيمَةَ عُضْوِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحُرِّ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قُدِّرَتْ فِي الْحُرِّ كَمُوضِحَةٍ وَقَطْعِ عُضْوٍ ( فَنِسْبَتُهُ ) أَيْ فَيَجِبُ مِثْلُ نِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ ( مِنْ قِيمَتِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ لِأَنَّا نُشَبِّهُ الْحُرَّ بِالرَّقِيقِ فِي الْحُكُومَةِ لِيُعْرَفَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ لِيُرْجَعَ بِهِ ، فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحُرَّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ التَّكْلِيفِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ فِي التَّقَادِيرِ ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ، وَفِي يَدَيْهِ قِيمَتُهُ ، وَفِي أُصْبُعِهِ عُشْرُهَا ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِهَا ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَنِسْبَتُهُ مِنْ قِيمَتِهِ ، مَحَلُّهُ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ جِنَايَتَيْنِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْأُولَى ، فَإِنْ لَمْ تَنْدَمِلْ الْأُولَى كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّا نُغَرِّمُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ ، فَإِذَا قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ الْأُخْرَى قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمَا لَا نُغَرِّمُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ بَلْ نِصْفَ مَا أَوْجَبْنَاهُ عَلَى

الْأَوَّلِ ، وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى لَمْ تَسْتَقِرَّ حَتَّى يُضْبَطَ النُّقْصَانُ ، وَقَدْ أَوْجَبْنَا بِهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَنْقَصَ نِصْفَهَا ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَا يُقَوَّمُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ مَا بَقِيَ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ بِحَزِّ رَقَبَتِهِ ( وَفِي قَوْلٍ ) نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَصْبِ لِلْقَدِيمِ : يَجِبُ ( مَا نَقَصَ ) مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ كَالْبَهِيمَةِ .

وَلَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَاهُ فَفِي الْأَظْهَرِ قِيمَتَانِ ، وَالثَّانِي مَا نَقَصَ ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ فَلَا شَيْءَ
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا قَوْلَهُ ( وَلَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَاهُ ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَجِبُ لِلْحُرِّ فِيهِ دِيَتَانِ ( فَفِي الْأَظْهَرِ ) يَجِبُ بِقَطْعِهِمَا ( قِيمَتَانِ ) كَمَا يَجِبُ فِيهِمَا مِنْ الْحُرِّ دِيَتَانِ ( وَ ) فِي ( الثَّانِي ) يَجِبُ ( مَا نَقَصَ ) مِنْ قِيمَتِهِ كَالْبَهِيمَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ ) عَنْهَا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا لِرَغْبَةٍ فِيهِ بِكَوْنِهِ خَصِيًّا ( فَلَا شَيْءَ ) يَجِبُ بِقَطْعِهِمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِعَدَمِ النَّقْصِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَهُوَ قَدِيمٌ أَمْ مُخَرَّجٌ ؟ وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْجَدِيدِ .
خَاتِمَةٌ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَجِبُ فِي طَرَفِهِ نِصْفُ دِيَةِ طَرَفِ الْحُرِّ ، وَنِصْفُ مَا فِي طَرَفِ الْعَبْدِ فَفِي يَدِهِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَرُبْعُ الْقِيمَةِ ، وَفِي أُصْبُعِهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فِيمَا زَادَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ أَوْ نَقَصَ .

بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ .
صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ فَوَقَعَ بِذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ .

بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ غَيْرَ مَا مَرَّ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ ابْتِدَاءً : كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ ، وَكَصُوَرِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ ( وَ ) بَابُ ( الْعَاقِلَةِ ) وَجِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْغُرَّةِ ( وَالْكَفَّارَةِ ) لِلْقَتْلِ بِعَطْفِ الْجَمِيعِ عَلَى مُوجِبَاتِ ، وَالْعَاقِلَةُ جَمْعُ عَاقِلٍ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ دَارِ الْقَتِيلِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنْهُ ، وَالْعَقْلُ : الْمَنْعُ ، وَقِيلَ لِإِعْطَائِهَا الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ الدِّيَةُ ، وَالْكَفَّارَةُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِهَا ، وَأَرَادَ بِالْكَفَّارَةِ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ كَمَا قَدَّرْتُهُ ، وَلَوْ زَادَ مَا زِدْتُهُ مِنْ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْغُرَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا مِنْ فُصُولِ الْبَابِ .
إذَا ( صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ ) أَصْلًا أَوْ ضَعِيفِ التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى بَالِغٍ مَجْنُونٍ أَوْ امْرَأَةٍ ضَعِيفَةِ الْعَقْلِ ، وَكُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ كَائِنٌ ( عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ ) أَوْ شَفِيرِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ صَيْحَةً مُنْكَرَةً ( فَوَقَعَ بِذَلِكَ ) الصِّيَاحِ بِأَنْ ارْتَعَدَ بِهِ ( فَمَاتَ ) مِنْهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْأَلَمِ ( فَدِيَةٌ ) أَيْ فَفِيهِ دِيَةٌ ( مُغَلَّظَةٌ ) بِالتَّثْلِيثِ السَّابِقِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ ( عَلَى الْعَاقِلَةِ ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَتَأَثَّرُونَ بِذَلِكَ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَجِبُ فِيمَا ذُكِرَ ( قِصَاصٌ ) لِأَنَّ التَّأْثِيرَ بِهِ غَالِبٌ ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ غَلَبَتَهُ وَيَجْعَلُ مُؤَثِّرَهُ شِبْهَ عَمْدٍ ، سَوَاءٌ أَغَافَصَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَمْ وَاجَهَهُ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مِلْكِ الصَّائِحِ أَمْ لَا .
تَنْبِيهٌ : التَّقْيِيدُ بِالِارْتِعَادِ عِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَالتَّقْيِيدُ بِهِ كَأَنَّهُ لُوحِظَ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ السُّقُوطِ بِالصِّيَاحِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَعَلَّ الِارْتِعَادَ مُلَازِمٌ

لِهَذِهِ الْحَالَةِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : فَمَاتَ مِنْهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ا هـ .
وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ وَحَذَفَهُ مِنْ الْكِتَابِ ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ بَلْ اخْتَلَّ بَعْضُ أَعْضَائِهِ ضَمِنَ أَيْضًا ، وَخَرَجَ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ : مَا لَوْ صَاحَ عَلَى غَيْرِهِ فَوَقَعَ مِنْ الصِّيَاحِ فَهَلْ يَكُونُ هَدَرًا أَوْ كَمَا لَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْأَقْرَبُ الثَّانِي ، وَمَا لَوْ صَاحَ بِدَابَّةِ الْغَيْرِ أَوْ هَيَّجَهَا بِوَثْبَةٍ فَسَقَطَتْ فِي مَاءٍ أَوْ وَهْدَةٍ فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا كَالصَّبِيِّ ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ قُبَيْلَ السِّيَرِ ، وَبِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ الْمُمَيِّزُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِوُقُوعِهِ .
لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ كَالْبَالِغِ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُرَاهِقِ لَيْسَ كَالْبَالِغِ ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَبِطَرَفِ سَطْحٍ مَا لَوْ كَانَ عَلَى وَسَطِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْأَرْضِ ، لَكِنَّ عِبَارَةَ غَيْرِهِ عَلَى سَطْحٍ ، وَهِيَ أَعَمُّ .

وَلَوْ كَانَ بِأَرْضٍ ، أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ بِطَرَفِ سَطْحٍ فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ كَانَ ) الْمَصِيحُ عَلَيْهِ مِمَّنْ ذُكِرَ سَابِقًا ( بِأَرْضٍ ) مُسْتَوِيَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ مِنْهَا فَمَاتَ مِنْ الصَّيْحَةِ ( أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ ) عَاقِلٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ كَائِنٍ ( بِطَرَفِ سَطْحٍ ) فَسَقَطَ وَمَاتَ ( فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا لِنُدْرَةِ الْمَوْتِ بِذَلِكَ .
وَالثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ لِأَنَّ الصِّيَاحَ حَصَلَ بِهِ فِي الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ الْمَوْتُ ، وَفِي الْبَالِغِ عَدَمُ التَّمَاسُكِ الْمُفْضِي إلَيْهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَوْتَ الصَّبِيِّ بِمُجَرَّدِ الصِّيَاحِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ، وَعَدَمُ تَمَاسُكِ الْبَالِغِ بِهِ خِلَافُ الْغَالِبِ مِنْ حَالِهِ فَيَكُونُ مَوْتُهُمَا مُوَافَقَةَ قَدَرٍ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقِصَاصِ قَطْعًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْبَالِغِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ : فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيهِ .
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَمَنْ يَعْتَرِيهِ وَسْوَاسٌ ، وَالنَّائِمُ وَالْمَرْأَةُ الضَّعِيفَةُ فَكَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَغِيرٍ فَزَالَ عَقْلُهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَلَا .

( وَشَهْرُ ) أَيْ سَلُّ ( سِلَاحٍ ) لِبَصِيرٍ يَرَاهُ أَوْ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ ( كَصِيَاحٍ ) فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ ( وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ ) لَيْسَ كَصَبِيٍّ بَلْ هُوَ ( كَبَالِغٍ ) فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِذَلِكَ غَالِبًا .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مُتَدَافِعٌ ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَالْمُرَاهِقِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَاهِقَ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَدَخَلَ فِي هَذَا الْمُمَيِّزُ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ : إنْ كَانَ ضَعِيفَ التَّمْيِيزِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ ، وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ التَّمْيِيزِ فَهُوَ كَالْمُرَاهِقِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الْأَمْرُ مَنُوطٌ بِالتَّمْيِيزِ وَعَدَمِهِ لَا بِالْبُلُوغِ ، وَالْمُرَاهَقَةِ وَعَدَمِهَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ مُرَاهِقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عَقْلُهُ .

وَشَهْرُ سِلَاحٍ كَصِيَاحٍ ، وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ كَبَالِغٍ وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَاضْطَرَبَ صَبِيٌّ وَسَقَطَ فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ .
( وَلَوْ ) لَمْ يَقْصِدْ الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ ذُكِرَ ، بَلْ ( صَاحَ ) شَخْصٌ ( عَلَى ) نَحْوِ ( صَيْدٍ ) وَلَوْ كَانَ الصَّائِحُ عَلَى الصَّيْدِ مُحْرِمًا أَوْ فِي الْحَرَمِ ( فَاضْطَرَبَ ) بِهِ ( صَبِيٌّ ) لَا يُمَيِّزُ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ سَبَقَ ، وَهُوَ كَانَ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ ( وَسَقَطَ ) وَمَاتَ مِنْهُ ( فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الشَّخْصَ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ : أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضْطَرِبْ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ اشْتِرَاطِ اضْطِرَابِ الصَّبِيِّ مُشْعِرٌ بِاشْتِرَاطِهِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الصِّيَاحِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ .

وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ ذُكِرَتْ بِسُوءٍ فَأُجْهِضَتْ ضُمِنَ الْجَنِينُ .

( وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ ) أَيْ امْرَأَةً ( ذُكِرَتْ ) عِنْدَهُ ( بِسُوءٍ ) وَأَمَرَ بِإِحْضَارِهَا ( فَأُجْهِضَتْ ) أَيْ أَلْقَتْ جَنِينًا فَزَعًا مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِهِ ( ضُمِنَ الْجَنِينُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ : أَيْ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِغُرَّةٍ عَلَى عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : أَسْقَطَتْ لِأَنَّ الْإِجْهَاضَ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ ، وَتَصْوِيرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِطَلَبِ السُّلْطَانِ قَدْ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِ الطَّالِبِ مَرْهُوبًا ؛ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْهُوبٍ فَلَا ضَمَانَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَالْأَظْهَرُ لُحُوقُ الْقَاضِي ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَهُ سَطْوَةٌ فِي ذَلِكَ بِالْإِمَامِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : بِسُوءٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، بَلْ لَوْ كَذَبَ شَخْصٌ وَأَمَرَهَا بِالْحُضُورِ عَلَى لِسَانِ الْإِمَامِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَكَذَا لَوْ تَهَدَّدَهَا بِلَا طَلَبٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَذَا لَوْ طَلَبَهَا فِي دَيْنٍ فَأَسْقَطَتْ ضُمِنَ إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً لِتَعَدِّيهِ ، أَوْ غَيْرَ مُخَدَّرَةٍ ، لَكِنَّهَا تَخَافُ مِنْ سَطْوَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ تَخَفْ مِنْ سَطْوَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ مُخَدَّرَةٍ ، فَلَا ضَمَانَ ، وَطَلَبُهَا أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ ، بَلْ لَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ رَجُلًا عِنْدَهَا فَأُجْهِضَتْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى النَّصِّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى السُّلْطَانِ ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْغُرَّةَ إنَّمَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ ، وَلِذَا قَيَّدْتُ كَلَامَهُ بِذَلِكَ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ هِيَ حَامِلٌ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا ؟ وَلَمْ أَرَ مَنْ يَفْعَلُهُ ، وَهُوَ حَسَنٌ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : أُجْهِضَتْ عَمَّا لَوْ مَاتَتْ فَزَعًا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ .
نَعَمْ لَوْ مَاتَتْ بِالْإِجْهَاضِ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهَا ؛ لِأَنَّ الْإِجْهَاضَ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ مَوْتُ الْأُمِّ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَوْ فَزَّعَ إنْسَانًا فَأَحْدَثَ فِي ثِيَابِهِ فَأَفْسَدَهَا فَلَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقِصْهُ جَمَالًا وَلَا مَنْفَعَةً .

وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا فِي مَسْبَعَةٍ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ ضَمِنَ .

( وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا ) حُرًّا كَمَا قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ كَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرُهُ ( فِي مَسْبَعَةٍ ) بِمِيمٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ : اسْمٌ لِأَرْضٍ كَثِيرَةِ السِّبَاعِ ، وَجَوَّزَ فِي الْمُحْكَمِ ضَمَّ الْمِيمِ وَكَسْرَ الْمُوَحَّدَةِ ( فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَيْسَ بِإِهْلَاكٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُلْجِئُ السَّبُعَ ، بَلْ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَنْفِرُ مِنْ الْإِنْسَانِ فِي الْمَكَانَ الْوَاسِعِ ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ أَمْ لَا ( وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ ) عَنْهُ ( ضَمِنَ ) لِأَنَّ الْوَضْعَ - وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ - يُعَدُّ إهْلَاكًا عُرْفًا ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَنْتَقِلْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَطْعًا ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ كَمَا لَوْ فَتَحَ عِرْقَهُ فَلَمْ يَعْصِبْهُ حَتَّى مَاتَ ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَاحْتَرَزَ بِمَسْبَعَةٍ عَنْ وَضْعِ صَبِيٍّ بِمَضْيَعَةٍ لَا سِبَاعَ فِيهَا فَاتَّفَقَ افْتِرَاسُ سَبُعٍ لَهُ فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَ الصَّبِيَّ أَوْ الْبَالِغَ فِي زَرِيبَةِ السَّبُعِ وَهُوَ فِيهَا ، أَوْ أَلْقَى السَّبُعَ عَلَى أَحَدِهِمَا ، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَى السَّبُعِ فِي مَضِيقٍ ، أَوْ حَبَسَهُ مَعَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَذَفَهُ لَهُ حَتَّى اضْطَرَّ إلَى قَتْلِهِ ، وَالسَّبُعُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ فَقَتَلَهُ فِي الْحَالِ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ السَّبُعَ إلَى قَتْلِهِ ، فَإِنْ كَانَ جُرْحُهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ عَلَى حَيَّةٍ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَيْهِ أَوْ قَيَّدَهُ وَطَرَحَهُ فِي مَكَان فِيهِ حَيَّاتٌ وَلَوْ ضَيِّقًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ .
فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي إلْقَاءِ الْحَيَّةِ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَالْمُتَّسِعِ كَمَا فِي السَّبُعِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا تَنْفِرُ بِطَبْعِهَا مِنْ

الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ يَثِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَضِيقِ دُونَ الْمُتَّسِعِ ، فَإِنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ فِيهِ مِنْ الْآدَمِيِّ كَمَا مَرَّ ، وَالْمَجْنُونُ الضَّارِي كَالسَّبُعِ الْمُغْرِي فِي الْمَضِيقِ ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيْ السَّبُعِ فِي مَكَانٍ مُتَّسِعٍ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ ، وَلَوْ أَلْسَعَهُ حَيَّةً مَثَلًا فَقَتَلَتْهُ ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ ، وَإِلَّا فَشِبْهُهُ .

وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ فَلَا ضَمَانَ ، فَلَوْ وَقَعَ جَاهِلًا لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ ضَمِنَ ، وَكَذَا لَوْ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ ) أَوْ نَحْوِهِ مُكَلَّفًا بَصِيرًا أَوْ مُمَيِّزًا ( هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ كَبِئْرٍ ( أَوْ مِنْ سَطْحٍ ) عَالٍ أَوْ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ فَمَاتَ أَوْ لَقِيَهُ لِصٌّ فِي طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ أَوْ سَبُعٌ فَافْتَرَسَهُ وَلَمْ يُلْجِئْهُ إلَيْهِ بِمَضِيقٍ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى ( فَلَا ضَمَانَ ) لَهُ عَلَى التَّابِعِ ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَتَيْنِ بَاشَرَ هَلَاكَ نَفْسِهِ قَصْدًا ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَجَاءَ آخَرُ وَرَدَى نَفْسَهُ فِيهَا ، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ التَّابِعِ إهْلَاكٌ ، وَمُبَاشَرَةُ السَّبُعِ أَوْ اللِّصِّ الْعَارِضَةُ كَعُرُوضِ الْقَتْلِ عَلَى إمْسَاكِ الْمُمْسِكِ .
أَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمَا تَمْيِيزٌ فَإِنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ ( فَلَوْ وَقَعَ ) الْهَارِبُ فِيمَا ذُكِرَ ( جَاهِلًا ) بِهِ ( لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ ) فِي نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ أَوْ لِتَغْطِيَةِ بِئْرٍ ( ضَمِنَ ) التَّابِعُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَ نَفْسِهِ وَقَدْ أَلْجَأَهُ الْمُتَّبِعُ إلَى الْهَرَبِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ ( وَكَذَا لَوْ انْخَسَفَ بِهِ ) أَيْ الْهَارِبِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا ( سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ ) وَمَاتَ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ التَّابِعُ أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْهَرَبِ وَأَلْجَأَهُ إلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ مُغَطَّاةٍ ، وَالثَّانِي لَا ، لِعَدَمِ شُعُورِهِ بِالْمُهْلِكِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُ الِانْخِسَافِ ضَعْفُ السَّقْفِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمَطْلُوبُ ، أَمَّا لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى السَّقْفِ مِنْ عُلُوٍّ فَانْخَسَفَ لِثِقَلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ التَّابِعُ قَطْعًا لِأَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ أَلْقَى

نَفْسَهُ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ ، وَأَمَّا مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَصْلًا لِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ فَمَضْمُونٌ ، إذْ عَمْدُهُ خَطَأٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ .

وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ وَجَبَتْ دِيَتُهُ .

( وَلَوْ سُلِّمَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ ) السِّبَاحَةَ ، وَهِيَ الْعَوْمُ ( فَغَرِقَ ) بِتَعْلِيمِهِ أَوْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ ( وَجَبَتْ دِيَتُهُ ) عَلَى عَاقِلَةِ السَّابِحِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِإِهْمَالِهِ وَقَدْ الْتَزَمَ بِحِفْظِهِ ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ شِبْهَ عَمْدٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ هَلَكَ الصَّبِيُّ بِضَرْبِ الْمُعَلِّمِ تَأْدِيبًا ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ : وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى السَّابِحِ .
أُوِّلَ عَلَى أَنَّهَا تُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً ، وَسَوَاءٌ أَخَذَهُ السَّابِحُ بِيَدِهِ وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ عَلَى الشَّطَّ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِدُخُولِ الْمَاءِ فَدَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ وَغَرِقَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَحْثِ الْبَسِيطِ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ مِنْ تَصْحِيحِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَسْبَعَةٍ لَمْ يَضْمَنْ مَعَ أَنَّ الْخَطَرَ فِيهَا أَكْثَرُ ، وَهُنَا الْخَطَرُ قَلِيلٌ ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ مُهْلِكٌ ، فَالتَّفْرِيطُ مِنْ السَّبَّاحِ ، وَلَيْسَتْ الْمَسْبَعَةُ بِنَفْسِهَا مُهْلِكَةً لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ وُجُوبِ الدِّيَةِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ السَّبَّاحِ تَقْصِيرٌ ، فَلَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ عَمْدًا فَغَرِقَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ : سُلِّمَ بِأَنَّ السَّبَّاحَ لَوْ تَسَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ لَا ضَمَانَ ، وَقَوْلُهُ إلَى سَبَّاحٍ بِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُعَلِّمَ لِلسِّبَاحَةِ فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْأَصَحُّ فِيهِمَا الضَّمَانُ ، وَأَشْعَرَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسَلِّمِ لِلصَّبِيِّ وَلِيَّهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، لَكِنْ فِي تَسْلِيمِ الْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ هُوَ وَالسَّبَّاحُ شَرِيكَيْنِ ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ ، فَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ هُدِرَ لِاسْتِقْلَالِهِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلَا

يَغْتَرَّ بِقَوْلِ السَّبَّاحِ .
فَائِدَةٌ : اُخْتُلِفَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا } فَقِيلَ النُّجُومُ لِأَنَّهَا تَسْبَحُ فِي الْفَلَكِ ، وَقِيلَ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَجِيءُ وَتَذْهَبُ ، وَقِيلَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَقِيلَ السَّحَابُ لِأَنَّهَا كَالْقَائِمَةِ فِي الْهَوَاءِ ، وَقِيلَ الْمَنَايَا تَسْبَحُ فِي نُفُوسِ الْحَيَوَانِ ، وَقِيلَ : جَمَاعَةُ الْخَيْلِ ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْفَرَسِ سَابِحٌ ، وَقِيلَ حِيتَانُ الْبَحْرِ وَهِيَ مِنْ عَظِيمِ الْمَخْلُوقَاتِ .
فَيُرْوَى " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَثَّ فِي الدُّنْيَا أَلْفَ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ : مِنْهَا أَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ ، وسِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ .

وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ ، لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ .

( وَيَضْمَنُ ) الشَّخْصُ ( بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ ) كَحَفْرِهَا بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، أَوْ فِي مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، أَوْ فِي شَارِعٍ ضَيِّقٍ أَوْ وَاسِعٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِيهَا مِنْ آدَمِيٍّ حُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، لَكِنَّ الْآدَمِيَّ يُضْمَنُ بِالدِّيَةِ إنْ كَانَ حُرًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ رَقِيقًا عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا ، وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ كَبَهِيمَةٍ أَوْ مَالِ آخَرَ فَيُضْمَنُ بِالْغُرْمِ فِي مَالِ الْحَافِرِ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الضَّمَانِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ .
تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْعُدْوَانُ إلَى السُّقُوطِ فِيهَا ، فَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهَا زَالَ الضَّمَانُ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ الْبُقْعَةَ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُوجَدَ هُنَاكَ مُبَاشَرَةٌ بِأَنْ رَدَّاهُ فِي الْبِئْرِ غَيْرُ حَافِرِهَا ، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُرَدِيِّ لَا الْحَافِرِ ، وَأَنْ يَتَجَرَّدَ التَّرَدِّي لِلْإِهْلَاكِ ، فَلَوْ تَرَدَّتْ بَهِيمَةٌ فِي بِئْرٍ وَلَمْ تَتَأَثَّرْ بِالصَّدْمَةِ وَبَقِيَتْ فِيهَا أَيَّامًا ، ثُمَّ مَاتَتْ جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَضْمِينِ الْحَافِرِ بَيْنَ الْمُتَرَدِّي فِيهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَسِيطِ عَنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ ، وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالتَّرَدِّي نَهَارًا ، وَقَوْلُهُ عُدْوَانٍ هُوَ بِالْجَرِّ صِفَةُ حَفْرٍ ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ ، وَلَوْ تَرَدَّى شَخْصٌ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ الْمَالِكُ : حَفَرَ بِإِذْنِي لَمْ يُصَدَّقْ ، وَاحْتَاجَ الْحَافِرُ إلَى بَيِّنَةٍ بِإِذْنِهِ ، وَلَوْ تَعَدَّى الدَّاخِلُ بِدُخُولِهِ فَوَقَعَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْحَافِرُ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لِتَعَدِّيهِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي دُخُولِهَا ، فَإِنْ عَرَّفَهُ بِالْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ ، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَالِكِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ

بِعَدَمِ إعْلَامِهِ ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَعَلَى الْحَافِرِ ، وَ ( لَا ) يَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ ( فِي مِلْكِهِ ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَمَحَلُّهُ إذَا عَرَّفَهُ الْمَالِكُ أَنَّ هُنَاكَ بِئْرًا أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَالدَّاخِلُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحَرُّزِ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ وَالدَّاخِلُ أَعْمَى ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ ، وَمَا إذَا لَمْ يُوَسِّعْ حَفْرَهَا ، فَإِنْ وَسَّعَهُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ أَوْ قَرَّبَهَا مِنْ جِدَارِ جَارِهِ خِلَافَ الْعَادَةِ أَوْ وَضَعَ فِي أَصْلِ جِدَارِ غَيْرِهِ سِرْجِينًا أَوْ لَمْ يَطْوِ بِئْرَهُ ، وَمِثْلُ أَرْضِهَا يَنْهَارُ إذَا لَمْ يُطْوَ ضَمِنَ فِي الْجَمِيعِ مَا هَلَكَ بِذَلِكَ لِتَقْصِيرِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ نَارٍ أَوْقَدَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ إلَّا إذَا أَوْقَدَهَا وَأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ ، أَوْ فِي رِيحٍ شَدِيدٍ فَيَضْمَنُ ، لَا إنْ اشْتَدَّ الرِّيحُ بَعْدَ الْإِيقَادِ فَلَا يَضْمَنُ لِعُذْرِهِ إلَّا إنْ أَمْكَنَهُ إطْفَاؤُهَا فَتَرَكَهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَفِي تَضْمِينِهِ نَظَرٌ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَضْمِينِهِ كَمَا لَوْ بَنَى جِدَارَهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ وَأَمْكَنَهُ إصْلَاحُهُ وَلَمْ يُصْلِحْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَكَالْمَالِكِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتَهُ أَبَدًا بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَ ) لَا يَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي ( مَوَاتٍ ) لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ ، فَإِنَّهُ كَالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ مُسْلِمٍ { الْبِئْرُ جُرْحُهَا جُبَارٌ } أَيْ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، فَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي الْمَوَاتِ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ تَمَلُّكٌ وَلَا ارْتِفَاقٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَفَرَهَا لِلِارْتِفَاقِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ جَائِزٌ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا عُدْوَانَ فِيهِ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ ، أَوْ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ

عُدْوَانًا ، وَيَرِدُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ مَا إذَا حَفَرَ حُفْرَةً وَاسِعَةً فِي مِلْكِهِ قَرِيبًا مِنْ أَرْضِ جَارِهِ بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى إضْرَارِ أَرْضِ جَارِهِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لِمَنْ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ التَّعَدِّي كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَيَرِدُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَا لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ الْمَرْهُونِ الْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، أَوْ فِي مِلْكِهِ الَّذِي أَجَّرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً فَهُوَ حَفْرُ عُدْوَانٍ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ لَوْ سَقَطَ فِيهِ إنْسَانٌ غَيْرَ مُتَعَدٍّ كَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ حَفَرَ بِالْحَرَمِ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الصَّيْدَ الْوَاقِعَ فِيهِ فِي الْحَرَمِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ .

فُرُوعٌ : لَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْ حَجَرٍ فَأَهْلَكَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ ، إلَّا إنْ سَقَى فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ عَلِمَ بِالْحَجَرِ وَلَمْ يَحْتَطْ فَيَضْمَنْ لِتَقْصِيرِهِ ، وَلَوْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ فَسَقَطَتْ بِرِيحٍ أَوْ هَدْمٍ لِمَحَلِّهَا فَأَهْلَكَتْ شَيْئًا أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي مِلْكِهِ فَرَفَسَتْ شَخْصًا فَأَهْلَكَتْهُ ، وَلَوْ خَارِجَ مِلْكِهِ أَوْ نَجَّسَتْ ثَوْبَهُ أَوْ كَسَرَ حَطَبًا فِي مِلْكِهِ فَتَطَايَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَهْلَكَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فِي الْمَعْنَى مِمَّا سَبَقَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ .

وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا فَسَقَطَ فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ ، أَوْ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلَا إذْنٍ فَمَضْمُونٌ .
( وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ ) بِكَسْرِ الدَّالِ ( بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا ) إلَى الدِّهْلِيزِ أَوْ إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا وَكَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهَا فَأَجَابَهُ ( فَسَقَطَ ) فِيهَا جَاهِلًا بِهَا لِنَحْوُ ظُلْمَةٍ كَتَغْطِيَةٍ أَوْ كَانَ أَعْمَى فَمَاتَ ( فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ ) لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ هُوَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ فَإِحَالَتُهُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ أَوْلَى ، وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ فَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِإِهْلَاكِ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الدِّيَةُ ، وَهِيَ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ .
أَمَّا الْقِصَاصُ فَلَا يَجِبُ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْجِرَاحِ ، وَخَرَجَ بِدَعَاهُ مَا لَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَسَقَطَ فِيهَا وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِيمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الدُّخُولِ ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ رَجُلًا اعْتِبَارَ التَّكْلِيفِ فِي الدَّاخِلِ .
أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ فَيَجِيءُ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الضِّيَافَةِ بِطَعَامٍ مَسْمُومٍ ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ ضَمِنَهُ قَطْعًا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ التَّكَافُؤِ ( أَوْ ) حَفَرَ ( بِمِلْكِ غَيْرِهِ ) بِلَا إذْنِهِ ( أَوْ ) بِمِلْكٍ ( مُشْتَرَكٍ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ شَرِيكِهِ ( فَمَضْمُونٌ ) حَفْرُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِتَعَدِّيهِ ، وَلَوْ ذَكَرَ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ سَابِقًا : وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مِثَالٌ لَهُ ، وَقَدْ مَثَّلْتُ لَهُ بِهِ .

أَوْ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَكَذَا ، أَوْ لَا يَضُرُّ وَأَذِنَ الْإِمَامُ فَلَا ضَمَانَ ، وَإِلَّا فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ فَالضَّمَانُ ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ ، وَمَسْجِدٌ كَطَرِيقٍ .

( أَوْ ) حَفَرَ ( بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَكَذَا ) يَجِبُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا ، وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ ، إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا يَضُرُّ ( أَوْ لَا يَضُرُّ ) الْمَارَّةَ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ أَوْ لِانْحِرَافِ الْبِئْرِ عَنْ الْجَادَّةِ ( وَأَذِنَ الْإِمَامُ ) فِي الْحَفْرِ ( فَلَا ضَمَانَ ) فِيهِ إنْ حَفَرَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَكَذَا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ التَّعَدِّي تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ إذْنِ الْإِمَامِ قَبْلَ الْحَفْرِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَوْ حَفَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ حَفَرَهُ ابْتِدَاءً بِإِذْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِذْنَ خَاصٌّ بِالْإِمَامِ ، لَكِنْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّ لِلْقَاضِي الْإِذْنَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَاِتِّخَاذِ سِقَايَةٍ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْحَفْرِ بَلْ اسْتَقَلَّ هُوَ بِهِ ( فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ ) هُوَ فَقَطْ ( فَالضَّمَانُ ) إنْ لَمْ يُقِرَّهُ الْإِمَامُ كَمَا مَرَّ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ ( أَوْ ) حَفَرَهُ ( لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ ) كَالْحَفْرِ لِلِاسْتِقَاءِ أَوْ لِاجْتِمَاعِ مَاءِ الْمَطَرِ ( فَلَا ) ضَمَانَ فِيهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، وَقَدْ تَعْسُرُ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ فِي مِثْلِهِ ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ إذْ النَّظَرُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلْإِمَامِ ، وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا أَحْكَمَ رَأْسَهَا فَإِنْ لَمْ يُحْكِمْهَا وَتَرَكَهَا مَفْتُوحَةً ضَمِنَ مُطْلَقًا ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يُقَصِّرْ ، فَإِنْ نَهَاهُ ، فَحَفَرَ ضَمِنَ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ حِينَئِذٍ ، أَوْ قَصَّرَ كَأَنْ كَانَ الْحَفْرُ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ وَلَمْ يَطْوِهَا ، وَمِثْلُهَا يَنْهَارُ إذَا لَمْ يُطْوَ ، أَوْ خَالَفَ

الْعَادَةَ فِي سَعَتِهَا ضَمِنَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْلَاكِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ وَقَعَ شَخْصٌ فِي بِئْرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ عَمْدًا بِغَيْرِ جَذْبٍ فَقَتَلَهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ قَتَلَ مِثْلُهُ مِثْلَهُ غَالِبًا لِضَخَامَتِهِ أَوْ عُمْقِ الْبِئْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرِهِ فَقَتَلَهُ ، فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ مِثْلُهُ مِثْلَهُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَإِنْ يَسْقُطْ عَلَيْهِ خَطَأً بِأَنْ لَمْ يَخْتَرْ الْوُقُوعَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ الْأَوَّلِ وَمَاتَ بِثِقَلِهِ عَلَيْهِ وَبِانْصِدَامِهِ بِالْبِئْرِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ إنْ كَانَ الْحَفْرُ عُدْوَانًا لِأَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَبِوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَفْرُ عُدْوَانًا هُدِرَ ، وَإِذَا غَرَّمَ عَاقِلَةَ الثَّانِي فِي صُورَةِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا رَجَعُوا بِمَا غَرِمُوا عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُخْتَارٍ فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهِ ، بَلْ أَلْجَأَهُ الْحَافِرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ لَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ بَلْ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَوْ نَزَلَ الْأَوَّلُ الْبِئْرَ وَلَمْ يَنْصَدِمْ وَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ فَكُلُّ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ الْمُتَعَدِّي بِحَفْرِهِ ، لَا إنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ عَمْدًا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ ( وَمَسْجِدٌ ) فِي الْحَفْرِ فِيهِ ( كَطَرِيقٍ ) فِي حَفْرِ بِئْرٍ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ جَزْمًا وَخِلَافًا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ بِئْرًا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ ، فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ نَقْلًا عَنْ

الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ ، وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ فِيهِ ، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الضَّمَانَ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَفْرُ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ إمَّا لِسَعَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهَا ، وَأَنْ لَا يَتَشَوَّشَ الدَّاخِلُونَ إلَى الْمَسْجِدِ بِسَبَبِ الِاسْتِقَاءِ ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ بِهِ لِلْمَسْجِدِ ضَرَرٌ .

وَلَوْ بَنَى سَقْفَ الْمَسْجِدِ أَوْ نَصَبَ فِيهِ عَمُودًا أَوْ طَيَّنَ جِدَارَهُ أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مَالٍ فَأَهْلَكَهُ أَوْ فَرَشَ فِيهِ حَصِيرًا أَوْ حَشِيشًا فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ أَوْ دَخَلَتْ شَوْكَةٌ مِنْهُ فِي عَيْنِهِ فَذَهَبَ بِهَا بَصَرُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ .

وَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ فَهَلَكَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ أَوْ سَقَطَ جِدَارُهُ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مَالٍ فَلَا ضَمَانَ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ ، وَبِنَاءُ سِقَايَةٍ عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي الشَّارِعِ لِشُرْبِ النَّاسِ مِنْهَا كَالْحَفْرِ فِي الشَّارِعِ .

وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ إلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ .

( وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ ) بِفَتْحِ جِيمِهِ وَهُوَ الْبَارِزُ عَنْ سَمْتِ الْجِدَارِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ ( إلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ ) سَوَاءٌ أَكَانَ يَضُرُّ أَمْ لَا ، أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ، وَلَوْ تَنَاهَى فِي الِاحْتِيَاطِ فَجَرَتْ حَادِثَةٌ لَا تُتَوَقَّعُ أَوْ صَاعِقَةٌ سَقَطَ بِهَا وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ : لَسْت أَرَى إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْوِلَايَةَ عَلَى الشَّارِعِ فَكَانَ إذْنُهُ مُعْتَبَرًا حَيْثُ لَا ضَرَرَ ، بِخِلَافِ الْهَوَاءِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ إذْنُهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ ، وَالدِّيَةُ فِي الْحُرِّ وَالْقِيمَةُ فِي الرَّقِيقِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ تَلِفَا بِذَلِكَ ، وَإِنْ تَلِفَ بِهِ مَالُ غَيْرِ رَقِيقٍ فَفِي مَالِ الْمُبْرِزِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمِيزَابِ فَيَضْمَنُ الْكُلَّ بِالْخَارِجِ فَقَطْ وَالنِّصْفَ بِالْجَمِيعِ .
وَقَوْلُهُ فَمَضْمُونٌ يَقْتَضِي الضَّمَانَ ، وَلَوْ تَوَلَّدَ التَّلَفُ مِنْهُ بِغَيْرِ سُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ بَعْضِهِ كَمَا إذَا صَدَمَهُ رَاكِبٌ عَلَى شَيْءٍ عَالٍ أَوْ سَقَطَ مِنْهُ حَيَوَانٌ كَفَأْرَةٍ فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْقِيَاسُ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ا هـ .
وَخَرَجَ بِالشَّارِعِ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ لِمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ جَزْمًا لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ ، أَوْ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ لَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ ، أَوْ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَوْ الْمَالِكِ فَالضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ عَالِيًا لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِهِ بِالْإِذْنِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُخْرِجِ ، أَمَّا إذَا كَانَ مَسْجِدًا وَنَحْوَهُ فَهُوَ كَالشَّارِعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ

وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ أَشْرَعَهُ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ سَبَّلَ مَا تَحْتَهُ شَارِعًا اسْتَمَرَّ عَدَمُ الضَّمَانِ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ سَبَّلَ أَرْضَهُ الْمُجَاوِرَةَ لِدَارِهِ شَارِعًا ، وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ الْإِشْرَاعَ لَهَا ثُمَّ أَشْرَعَ لَهَا ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ لَا ضَمَانَ .

وَيَحِلُّ إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى شَارِعٍ ، وَالتَّالِفُ بِهَا مَضْمُونٌ فِي الْجَدِيدِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ فَسَقَطَ الْخَارِجُ فَكُلُّ الضَّمَانِ ، وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ فَنِصْفُهُ فِي الْأَصَحِّ .

( وَيَحِلُّ ) لِلْمُسْلِمِ ( إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ ) الْعَالِيَةِ الَّتِي لَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ( إلَى شَارِعٍ ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ كَالْجَنَاحِ لِلْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ إلَيْهَا ، وَلِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ " أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ تَحْتَ مِيزَابِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَطَرَتْ عَلَيْهِ قَطَرَاتٍ ، فَأَمَرَ بِقَلْعِهِ فَقُلِعَ فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ ، فَقَالَ : أَتَقْلَعُ مِيزَابًا نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ : وَاَللَّهِ لَا يَنْصِبُهُ إلَّا مَنْ يَرْقَى عَلَى ظَهْرِي ، وَانْحَنَى لِلْعَبَّاسِ حَتَّى رَقِيَ إلَيْهِ فَأَعَادَهُ إلَى مَوْضِعِهِ " أَمَّا الذِّمِّيُّ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يُمْنَعُ كَمَا يُمْنَعُ إخْرَاجُ الْجَنَاحِ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْجَنَاحَ يَمْشِي عَلَيْهِ وَيَقْعُدُ وَيَنَامُ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ عَلَاءِ بِنَائِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ ، وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
تَنْبِيهٌ : جَرَى الْمُصَنِّفُ فِي جَمْعِ الْمَيَازِيبِ عَلَى لُغَةِ تَرْكِ الْهَمْزِ فِي مُفْرَدِهِ وَهُوَ مِيزَابٌ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَالْأَفْصَحُ فِي جَمْعِهِ مَأْزَبٌ بِهَمْزَةٍ وَمَدٍّ جَمْعُ مِئْزَابٍ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ ، وَيُقَالُ فِيهِ مِرْزَابٌ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ وَعَكْسِهِ ، فَلُغَاتُهُ حِينَئِذٍ أَرْبَعٌ ( وَالتَّالِفُ بِهَا ) أَوْ بِمَا سَالَ مِنْ مَائِهَا ( مَضْمُونٌ فِي الْجَدِيدِ ) لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِالشَّارِعِ فَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَالْجَنَاحِ ، وَكَمَا لَوْ طَرَحَ تُرَابًا بِالطَّرِيقِ لِيُطَيِّنَ بِهِ سَطْحَهُ فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَهُ ، وَالْقَدِيمُ لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِتَصَرُّفِ الْمِيَاهِ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ لِاتِّسَاعِ الْمَنْفَعَةِ ، وَمَنَعَ الْجَدِيدُ كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا ، إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لِمَاءِ السَّطْحِ بِئْرًا أَوْ يَجْرِيَ الْمَاءَ فِي أُخْدُودِ الْجِدَارِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِ شَيْءٍ ( فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ ) أَيْ الْمِيزَابِ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْجَنَاحِ أَيْضًا بِتَأْوِيلِ مَا ذُكِرَ ( فِي

الْجِدَارِ ) وَبَعْضُهُ خَارِجًا عَنْهُ ( فَسَقَطَ الْخَارِجُ ) مِنْهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَأَتْلَفَ شَيْئًا ( فَكُلُّ الضَّمَانِ ) يَجِبُ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ خَاصَّةً ( وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ ) أَيْ الْمِيزَابِ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ بِأَنْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ ( فَنِصْفُهُ ) أَيْ الضَّمَانِ يَجِبُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِالدَّاخِلِ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَبِالْخَارِجِ وَهُوَ مَضْمُونٌ فَوُزِّعَ عَلَى النَّوْعَيْنِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِصَابَةُ بِالدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ أَمْ لَا ، اسْتَوَيَا فِي الْقَدْرِ أَمْ لَا .
وَالثَّانِي يُوَزَّعُ عَلَى الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ فَيَجِبُ قِسْطُ الْخَارِجِ وَيَكُونُ التَّوَزُّعُ بِالْوَزْنِ .
وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ .
تَنْبِيهٌ : يُلْغَزُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَيُقَالُ : رَجُلٌ إنْ قَتَلَ إنْسَانًا بِخَشَبَةٍ لَزِمَهُ بَعْضُ دِيَتِهِ ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِبَعْضِهَا لَزِمَهُ تَمَامُ دِيَتِهِ ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ خَارِجَ الْجِدَارِ كَأَنْ سُمِّرَ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِسُقُوطِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ، وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ فِي الْجِدَارِ فَلَا ضَمَانَ بِوُقُوعِهِ كَالْجِدَارِ ، وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ سَقَطَ كُلُّ الْخَارِجِ وَبَعْضُ الدَّاخِلِ أَوْ عَكْسُهُ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَسُقُوطِهِ كُلِّهِ ، وَمَا لَوْ سَقَطَ كُلُّهُ وَانْكَسَرَ نِصْفَيْنِ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَصَابَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ أَصَابَ بِمَا كَانَ فِي الْجِدَارِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بِالْخَارِجِ ضَمِنَ الْكُلَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَلَوْ أَصَابَ الْمَاءُ النَّازِلُ مِنْ الْمِيزَابِ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ نِصْفَهَا إنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ وَبَعْضُهُ خَارِجًا ، وَلَوْ اتَّصَلَ مَاؤُهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ قَالَ الْبَغَوِيّ : فَالْقِيَاسُ التَّضْمِينُ أَيْضًا .

وَإِنْ بَنَى جِدَارَهُ مَائِلًا إلَى شَارِعٍ فَكَجَنَاحٍ .

( وَإِنْ بَنَى ) شَخْصٌ ( جِدَارَهُ ) كُلَّهُ ( مَائِلًا إلَى شَارِعٍ ) أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( فَكَجَنَاحٍ ) فِي ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ عَلَى مَا مَرَّ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : إلَى شَارِعٍ مَا لَوْ كَانَ مَائِلًا إلَى مِلْكِهِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ كَانَ كَمَا لَوْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْهَوَاءِ تَابِعَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْقَرَارِ ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالظَّاهِرُ فِي هَذِهِ عَدَمُ الضَّمَانِ كَمَا مَرَّ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ الْمُسْتَأْجَرِ ، ثُمَّ رَأَيْتُ هَذَا الْبَحْثَ لِشَيْخِي .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ : إلَى شَارِعٍ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ ، فَإِنْ بَنَى بَعْضَ الْجِدَارِ مَائِلًا وَالْبَعْضَ الْآخَرَ مُسْتَوِيًا فَسَقَطَ الْمَائِلُ فَقَطْ ضَمِنَ الْكُلَّ ، أَوْ سَقَطَ الْكُلُّ ضَمِنَ النِّصْفَ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْمَيْلُ إلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ إنْ كَانَ فِيهَا مَسْجِدٌ أَوْ بِئْرٌ مُسَبَّلٌ فَكَالشَّارِعِ ، وَإِلَّا فَمِلْكٌ لِغَيْرٍ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَيْلِ لِلشَّارِعِ ، وَلَا يَبْرَأُ نَاصِبُ الْمِيزَابِ أَوْ الْجَنَاحِ أَوْ بَانِي الْجِدَارِ الْمَائِلِ مِنْ الضَّمَانِ بِبَيْعِ الدَّارِ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ بِهَا إنْسَانٌ ضَمِنَتْهُ عَاقِلَةُ الْبَائِعِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ .
نَعَمْ لَوْ بَنَى الْجِدَارَ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْرَأَ بِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ إذَا حَفَرَهُ عُدْوَانًا ثُمَّ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَائِهَا فَإِنَّ الْحَافِرَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَصَحُّ عِنْدِي لُزُومُهُ الْمَالِكَ أَوْ عَاقِلَتَهُ حَالَةَ التَّلَفِ .
قَالَ : وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالْوَاضِعِ أَوْ بِعَاقِلَتِهِ كَمَا

قَالَهُ الْبَغَوِيّ لَتَعَلَّقَ بِالصَّانِعِ لَهُ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْمَالِكِ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالْمِيزَابِ ؟ .
قُلْتُ : الْفَرْقُ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ هُنَا هُوَ الْعُدْوَانُ وَقَدْ زَالَ ، وَثَمَّ لَمْ يَزُلْ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ، فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ غَيْرَهَا يَوْمَ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ نَصْبِ الْمِيزَابِ أَوْ مَيْلِ الْجِدَارِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ .

أَوْ مُسْتَوِيًا فَمَالَ وَسَقَطَ فَلَا ضَمَانَ ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ ضَمِنَ ، وَلَوْ سَقَطَ بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ تَلِفَ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ .
( أَوْ ) بَنَى جِدَارَهُ ( مُسْتَوِيًا فَمَالَ ) إلَى شَارِعٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ ( وَسَقَطَ ) عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ( فَلَا ضَمَانَ ) بِهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ ، وَالْمَيْلُ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا سَقَطَ بِلَا مَيْلٍ ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ أَمْ لَا ( وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ ضَمِنَ ) لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ وَالْإِصْلَاحِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اخْتَلَّ جِدَارُهُ فَصَعَدَ السَّطْحَ فَدَقَّهُ لِلْإِصْلَاحِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ : إنْ سَقَطَ وَقْتَ الدَّقِّ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ ( وَلَوْ سَقَطَ ) مَا بَنَاهُ مُسْتَوِيًا بَعْدَ مَيْلِهِ ( بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ ) فَمَاتَ ( أَوْ تَلِفَ ) بِهِ ( مَالٌ فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ بَنَى فِي مِلْكِهِ بِلَا مَيْلٍ ، وَالسُّقُوطُ لَمْ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ ، سَوَاءٌ أَقَصَّرَ فِي رَفْعِهِ أَمْ لَا ، وَالثَّانِي عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ رَفْعِ مَا سَقَطَ الْمُمْكِنُ لَهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ : لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُطَالَبَ بِالنَّقْضِ أَوْ لَا ، وَلَوْ اسْتُهْدِمَ الْجِدَارُ وَلَمْ يَمِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَلَا ضَمَانُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مِلْكَهُ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ إذَا مَالَ لَزِمَهُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ مُطَالَبَةُ مَنْ مَالَ جِدَارُهُ إلَى مِلْكِهِ بِالنَّقْضِ كَأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ تَنْتَشِرُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَتِهَا ، لَكِنْ لَوْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ مَالِكُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ ، نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ .

وَلَوْ طَرَحَ قُمَامَاتٍ وَقُشُورَ بِطِّيخٍ بِطَرِيقٍ فَمَضْمُونٌ عَلَى الصَّحِيحِ
( وَلَوْ طَرَحَ ) شَخْصٌ ( قُمَامَاتٍ ) جَمْعُ قُمَامَةٍ بِضَمِّ الْقَافِ : أَيْ كُنَاسَةً ( وَقُشُورَ بِطِّيخٍ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( بِطَرِيقٍ ) فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ ( فَمَضْمُونٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، سَوَاءٌ أَطَرَحَهُ فِي مَتْنِ الطَّرِيقِ أَمْ طَرَفِهِ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَالسِّكِّينِ ، وَالثَّانِي لَا ضَمَانَ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ مَعَ الْحَاجَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي طَرْحِهَا فِي غَيْرِ الْمَزَابِلِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ الْقَطْعَ بِنَفْيِ الضَّمَانِ ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْمُتَعَثِّرُ بِهَا جَاهِلًا ، فَإِنْ مَشَى عَلَيْهَا قَصْدًا فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا لَوْ نَزَلَ الْبِئْرَ فَسَقَطَ ، وَخَرَجَ بِطَرْحِهَا مَا لَوْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا بِرِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا ضَمَانَ .
قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ : إلَّا أَنْ قَصَّرَ فِي رَفْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا بَحْثٌ .
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الضَّمَانِ أَيْضًا كَمَا لَوْ مَالَ جِدَارُهُ وَسَقَطَ وَأَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ ، وَلَوْ طَرَحَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ أَوْ أَلْقَى الْقُمَامَةَ فِي سُبَاطَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَا ضَمَانَ .

فُرُوعٌ : يَضْمَنُ بِرَشِّ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ مَا تَلِفَ بِهِ ، لَا بِرَشِّهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كَدَفْعِ الْغُبَارِ عَنْ الْمَارَّةِ ، وَذَلِكَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، هَذَا إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ كَبَلِّ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ وَلِتَقْصِيرِهِ .
نَعَمْ إنْ مَشَى عَلَى مَوْضِعِ الرَّشِّ قَصْدًا فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَضِيَّتُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَكِنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : إنَّهُ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ ؛ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ غَرَضِهِ مَصْلَحَةُ نَفْسِهِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِالْغُبَارِ ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ قَرَصَ أَوْ ضَرَبَ رَجُلًا حَامِلًا لِشَيْءٍ فَتَحَرَّكَ وَسَقَطَ مَا هُوَ حَامِلُهُ فَكَإِكْرَاهِهِ عَلَى إلْقَائِهِ فَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا ، وَلَوْ تَعَدَّى بِإِسْنَادِ خَشَبَةٍ إلَى جِدَارِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ الْجِدَارَ وَمَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ السُّقُوطُ عَنْ الْإِسْنَادِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ حَيْثُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ طَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ وَطَيَرَانِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الطَّائِرَ مُخْتَارٌ ، وَالْجَمَادُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ ، وَإِنْ أَسْنَدَهَا إلَى جِدَارِهِ أَوْ جِدَارِ غَيْرِهِ بِلَا تَعَدٍّ فَسَقَطَ أَوْ مَالَ ثُمَّ سَقَطَ بَعْدَ حِينٍ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ جِدَارًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ حِينٍ فَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ وَلَوْ بَنَى دَكَّةً عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ لَا فِي طَرَفِ حَانُوتِهِ ضَمِنَ مَا تَعَثَّرَ وَتَلِفَ بِهِ لِمَا مَرَّ ؛

وَلِأَنَّهُ بَنَى الدَّكَّةَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِمَا وَضَعَهُ بِطَرَفِ حَانُوتِهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ ، وَلَوْ اغْتَسَلَ شَخْصٌ فِي الْحَمَّامِ وَتَرَكَ الصَّابُونَ وَالسِّدْرَ الْمُزْلِقَيْنِ بِأَرْضِهِ أَوْ رَمَى فِيهَا نُخَامَةً ، فَزَلَقَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ فَمَاتَ أَوْ انْكَسَرَ قَالَ الرَّافِعِيُّ : فَإِنْ أَلْقَى النُّخَامَةَ عَلَى الْمَمَرِّ ضَمِنَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَيُقَاسُ بِالنُّخَامَةِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ : إنَّهُ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يَظْهَرُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَالضَّمَانُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ تَارِكِهِ وَالْحَمَّامِيِّ ، إذْ عَلَى الْحَمَّامِيِّ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ ، وَالْوَجْهُ إيجَابُهُ عَلَى تَارِكِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، وَعَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، إذْ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ كُلَّ يَوْمٍ مُعْتَادٌ .
وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ : إنْ نَهَى الْحَمَّامِيُّ عَنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ وَلَا نَهَى فَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ ، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ وَاسْتَكْثَرَ مِنْهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ تَنْقِيَةِ الْحَمَّامِ عَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْعَادَةِ لَا عَلَى الْمُغْتَسِلِ ، ثُمَّ مَا سَبَقَ حَيْثُ الْمُهْلِكُ سَبَبٌ وَاحِدٌ .
.

وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ بِأَنْ حَفَرَ وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا عُدْوَانًا فَعُثِرَ بِهِ وَوَقَعَ الْعَاثِرُ بِهَا فَعَلَى الْوَاضِعِ الضَّمَانُ ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ فَالْمَنْقُولُ تَضْمِينُ الْحَافِرِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ ، فَقَالَ ( وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ ) بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ مُهْلِكًا ( فَعَلَى الْأَوَّلِ ) مِنْهُمَا فِي التَّلَفِ لَا الْوُجُودِ بِحَالِ الْهَلَاكِ إذَا تَرَجَّحَ بِالْقُوَّةِ ، وَذَلِكَ ( بِأَنْ حَفَرَ ) شَخْصٌ بِئْرًا ( وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا ) مَثَلًا عَلَى طَرَفِ الْبِئْرِ حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْحَفْرِ وَالْوَضْعِ ( عُدْوَانًا ) كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ بَعْضِهِمْ الْعُدْوَانَ حَالًا مِنْ الْوَضْعِ فَقَطْ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَضْعُ قَبْلَ الْحَفْرِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ .
وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ ( فَعُثِرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِهِ ) أَيْ الْحَجَرِ ( وَوَقَعَ الْعَاثِرُ ) بِغَيْرِ قَصْدٍ ( بِهَا ) أَيْ الْبِئْرِ فَهَلَكَ ( فَعَلَى الْوَاضِعِ الضَّمَانُ ) لِأَنَّ التَّعَثُّرَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ إلَى الْوُقُوعِ فِيهَا الْمُهْلِكِ لَهُ فَوَضْعُ الْحَجَرِ سَبَبٌ أَوَّلٌ لِلْهَلَاكِ ، وَقَدْ تَرَجَّحَ بِمَا ذُكِرَ ، وَحَفْرُ الْبِئْرِ سَبَبٌ ثَانٍ لَهُ ، فَلَوْ تَرَجَّحَ الْحَفْرُ بِالْقُوَّةِ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَوَضَعَ آخَرُ سِكِّينًا فِيهَا وَمَاتَ الْمُتَرَدِّي بِالسِّكِّينِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ أَقْوَى السَّبَبَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهُ إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْحَافِرُ كَأَنْ كَانَ مَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا .
أَمَّا الْمَالِكُ : فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْآخَرُ : فَلِأَنَّ السُّقُوطَ فِي الْبِئْرِ هُوَ الَّذِي أَفْضَى إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ ، فَكَانَ الْحَافِرُ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ ، بَلْ هُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ كَمَا سَيَأْتِي ، فَإِنْ اسْتَوَى السَّبَبَانِ كَأَنْ حَفَرَ شَخْصٌ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْعُمْقِ فَعَمَّقَهَا غَيْرُهُ فَضَمَانُ مَنْ تَرَدَّى فِيهَا عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَلَوْ تَفَاضَلَا فِي الْحَفْرِ : كَأَنْ حَفَرَ أَحَدُهُمَا ذِرَاعًا وَالْآخَرُ ذِرَاعَيْنِ كَالْجِرَاحَاتِ ، وَلَوْ طُمَّتْ بِئْرٌ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَنَبَشَهَا

آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ بِالطَّمِّ ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّامُّ الْحَافِرَ أَمْ غَيْرَهُ .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَاضِعَ ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ ، فَلَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَوَضَعَ حَرْبِيٌّ أَوْ سَبُعٌ الْحَجَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا : بِغَيْرِ قَصْدٍ مَا لَوْ رَأَى الْعَاثِرُ الْحَجَرَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ ( فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ ) لِلْحَجَرِ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ ( فَالْمَنْقُولُ ) كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ( تَضْمِينُ الْحَافِرِ ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ الْوَاضِعِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَافِرِ وَالْوَاضِعِ ضَمَانٌ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا وَوَضَعَ السَّيْلُ أَوْ سَبُعٌ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ فَهُوَ هَدَرٌ عَلَى الصَّحِيحِ .
قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَالَ : لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا وَنَصَبَ غَيْرُهُ فِيهَا حَدِيدَةً فَوَقَعَ رَجُلٌ فِي الْبِئْرِ فَجَرَحَتْهُ الْحَدِيدَةُ وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
أَمَّا الْحَافِرُ : فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْآخَرُ : فَلِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الْبِئْرِ هُوَ الَّذِي أَفْضَى فِي الْوُقُوعِ عَلَى الْحَدِيدَةِ فَكَانَ حَافِرُ الْبِئْرِ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ ا هـ .
وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْوَضْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِعْلُ مَنْ يَقْبَلُ الضَّمَانَ ، فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ مُهَيَّئًا لِلضَّمَانِ أَصْلًا فَسَقَطَ الضَّمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ ا هـ .
وَأَمَّا الْمُسْتَدَلُّ بِهِ فَيُحْمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ مُتَعَدِّيًا بِمُرُورِهِ أَوْ كَانَ النَّاصِبُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ ، فَإِنْ لَمْ

يَتَعَدَّ الْحَافِرُ أَيْضًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
تَنْبِيهٌ : لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلًا عَبَّرَ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِالْمَنْقُولِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمَا : الْمَنْقُولُ يَقْتَضِي أَنْ لَا نَقْلَ يُخَالِفُ ذَلِكَ ، وَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي يُخَالِفُهُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمَا : الْمَنْقُولُ عَلَى الْمَشْهُورِ .

فُرُوعٌ : لَوْ كَانَ بِيَدِ شَخْصٍ سِكِّينٌ فَأَلْقَى رَجُلٌ رَجُلًا عَلَيْهَا فَهَلَكَ ضَمِنَ الْمُلْقِي ، لَا صَاحِبُ السِّكِّينِ إلَّا أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا فَيَضْمَنُ ، وَلَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ فَأَرْسَلَ رَجُلٌ حَبْلًا فَشَدَّهُ الْعَبْدُ فِي وَسَطِهِ وَجَرَّهُ الرَّجُلُ فَسَقَطَ الْعَبْدُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ، وَلَوْ وَقَفَ اثْنَانِ عَلَى بِئْرٍ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمَّا هَوَى جَذَبَ مَعَهُ الدَّافِعَ فَسَقَطَا فَمَاتَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ : فَإِنْ جَذَبَهُ طَمَعًا فِي التَّخَلُّصِ وَكَانَتْ الْحَالَةُ تُوجِبُ ذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ ، وَلَا ضَمَانَ لِلْآخَرِ كَمَا لَوْ تَجَارَحَا .

وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا وَآخَرَانِ حَجَرًا فَعُثِرَ بِهِمَا فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ ، وَقِيلَ نِصْفَانِ .
( وَلَوْ وَضَعَ ) شَخْصٌ ( حَجَرًا ) فِي طَرِيقٍ عُدْوَانًا ( وَآخَرَانِ حَجَرًا ) كَذَلِكَ ( فَعَثَرَ بِهِمَا ) آخَرُ فَمَاتَ ( فَالضَّمَانُ ) عَلَيْهِمْ لِلْعَاثِرِ ( أَثْلَاثٌ ) وَإِنْ تَفَاوَتَ فِعْلُهُمْ نَظَرًا إلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْجُنَاةِ كَمَا لَوْ مَاتَ بِجِرَاحَةِ ثَلَاثَةٍ وَاخْتَلَفَتْ الْجِرَاحَاتُ ( وَقِيلَ ) الضَّمَانُ ( نِصْفَانِ ) عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفٌ ، وَعَلَى الْآخَرَيْنِ نِصْفٌ نَظَرًا إلَى عَدَدِ الْمَوْضُوعِ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، إذْ لَيْسَ هَذَا كَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَهَا نِكَايَةٌ فِي الْبَاطِنِ بَلْ هُوَ إلَى صُورَةُ الضَّرَبَاتِ أَقْرَبُ بَلْ أَوْلَى فِي الْحُكْمِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَجَرِ الْآخَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِجَنْبِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا ، لَكِنَّ الْمُحَرَّرَ وَالرَّوْضَةَ وَأَصْلَهَا قَيَّدُوهُ بِكَوْنِهِ بِجَنْبِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ عَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ .

وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ ضَمِنَهُ الْمُدَحْرِجُ ، وَلَوْ عَثَرَ بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِالطَّرِيقِ وَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا ضَمَانَ إنْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ ، وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ إهْدَارُ قَاعِدٍ وَنَائِمٍ ، لَا عَاثِرٍ بِهِمَا وَضَمَانُ وَاقِفٍ لَا عَاثِرٍ بِهِ .

( وَلَوْ وَضَعَ ) شَخْصٌ ( حَجَرًا ) فِي طَرِيقٍ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَعَدِّيًا أَمْ لَا ( فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ ) فَمَاتَ ( ضَمِنَهُ الْمُدَحْرِجُ ) وَهُوَ الْعَاثِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَجَرَ إنَّمَا حَصَلَ ثَمَّ بِفِعْلِهِ ( وَلَوْ عَثَرَ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَشْهَرِ ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا ، مَاشٍ ( بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِالطَّرِيقِ وَمَاتَا ) أَيْ الْعَاثِرُ وَالْمَعْثُورُ بِهِ ( أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا ضَمَانَ ) عَلَى أَحَدِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ بَلْ يُهْدَرَانِ ، وَهَذَا ( إنْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ ، وَالْعَاثِرُ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ .
تَنْبِيهٌ : تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ الْمُحَرَّرُ وَظَاهِرُهُ إهْدَارُ الْعَاثِرِ وَالْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ وَالْوَاقِفِ ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا لِغَيْرِ الْمُحَرَّرِ ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ إهْدَارُ الْعَاثِرِ وَأَنَّ عَاقِلَتَهُ تَضْمَنُ دِيَةَ الْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ وَالْوَاقِفِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا ضَمَانَ : يَعْنِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ وَالْوَاقِفِ لِيُوَافِقَ الْمَنْقُولَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعَسُّفٌ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْقَاعِدُ أَوْ الْوَاقِفُ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى كَمَا لَوْ قَصَدَ قَتْلَ مَنْ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَمْ يَحْتَرِزْ حَتَّى قَتَلَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ ضَاقَ الطَّرِيقُ ( فَالْمَذْهَبُ إهْدَارُ قَاعِدٍ وَنَائِمٍ ) لِأَنَّ الطَّرِيقَ لِلطُّرُوقِ ، وَهُمَا بِالْقُعُودِ وَالنَّوْمِ مُقَصِّرَانِ ( لَا عَاثِرٍ بِهِمَا ) فَلَا يُهْدَرُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ، بَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا دِيَتُهُ ( وَضَمَانُ وَاقِفٍ ) لِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْوُقُوفِ لِتَعَبٍ أَوْ سَمَاعِ كَلَامٍ أَوْ انْتِظَارِ رَفِيقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالْوُقُوفُ مِنْ مَرَافِقِ الطَّرِيقِ ( لَا عَاثِرٍ بِهِ ) فَلَا يَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ضَمَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَالثَّالِثُ ضَمَانُ الْعَاثِرِ وَإِهْدَارُ الْمَعْثُورِ بِهِ ، وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51