كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

إلَى الْمُفْلِسِ ، فَإِنْ حَضَرَ وَظَهَرَ لَهُ زِيَادَةٌ فَهُوَ كَظُهُورِ غَرِيمٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَلَوْ تَلِفَ بِيَدِ الْحَاكِمِ مَا أَفْرَزَهُ لِلْغَائِبِ بَعْدَ أَخْذِ الْحَاضِرِ .
حِصَّتَهُ أَوْ إفْرَازِهَا فَعَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُزَاحِمُ مَنْ قَبَضَ ( وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ ) الْمُفْلِسُ ( قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ ) الْمَقْبُوضُ ( تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ ) سَوَاءٌ أَتَلِفَ قَبْلَ الْحَجْرِ أَمْ بَعْدَهُ لِثُبُوتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : وَالثَّمَنُ تَالِفٌ مَا إذَا كَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ .
فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ : فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ لَا مَعْنَى لِلْكَافِ بَلْ هُوَ دَيْنٌ ظَهَرَ حَقِيقَةً .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهَا مِثْلُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَمِثْلُ الدَّيْنِ اللَّازِمِ دَيْنٌ ظَهَرَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فَيُشَارِكُ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ أَوْ مَعَ نَقْضِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الْبَدَلُ لِيَشْمَلَ الْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ .

وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ، وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ .
( وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ ) أَوْ أَمِينُهُ وَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ تَالِفٌ ( قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ) أَيْ بِمِثْلِهِ عَلَى بَاقِي الْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ شِرَاءِ مَالِ الْمُفْلِسِ ، فَكَانَ التَّقْدِيمُ مِنْ مَصَالِحِ الْحَجْرِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُؤَنِ ( وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ ) بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ ، وَلَيْسَ الْحَاكِمُ وَلَا أَمِينُهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ .

وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْسِمَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ ، وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ وَمِكْعَبٌ وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً ، وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ .

( وَيُنْفِقُ ) الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ عَلَيْهِ وَ ( عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ) مِنْ زَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَخَادِمٍ ( حَتَّى يُقَسِّمَ مَالَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ مَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَمَحَلُّهُ فِي الزَّوْجَةِ الَّتِي نَكَحَهَا قَبْلَ الْحَجْرِ .
أَمَّا الْمَنْكُوحَةُ بَعْدَهُ فَلَا ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمُتَجَدِّدِ لَهُ ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فِي الْوَلَدِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ بَعْدَ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْغُرَمَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَقَرَّ السَّفِيهُ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلَّا كَانَ الْمُفْلِسُ كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ إقْرَارَ السَّفِيهِ بِالْمَالِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ لَا يُقْبَلُ .
بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَغَايَتُهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَإِقْرَارُهُ بِهِ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ أَدَاؤُهُ .
فَبِالْأَوْلَى وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَبَعًا : كَثُبُوتِ النَّسَبِ تَبَعًا لِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ .
فَإِنْ قِيلَ هَلَّا كَانَ إقْرَارُهُ كَتَجْدِيدِ الزَّوْجَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَكُونُ الْآخَرُ وَاجِبًا بِأَنْ ظَلَمَهَا فِي الْقَسْمِ وَطَلَّقَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ تُسَامِحَهُ مِنْ حَقِّهَا وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَوْلَدَهَا وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ ، فَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَفَارَقَتْ الزَّوْجَةُ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَيُنْفِقُ عَلَى الزَّوْجَةِ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمُوَافِقِ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ .
وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ

لَمَا أَنْفَقَ عَلَى الْقَرِيبِ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ ، لِأَنَّ الْمُوسِرَ فِي نَفَقَتِهِ مَنْ يَفْضُلُ مَالُهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ ، وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مَنْ يَكُونُ دَخْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَرْجِهِ وَبِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ انْتِفَاءَ الثَّانِي .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي وَلِيِّ الصَّبِيِّ ؛ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَلْيَكُنْ هُنَا مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ .
تَنْبِيهٌ : : لَوْ عَبَّرَ : بِيَمُونُ بَدَلَ يُنْفِقُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْإِسْكَانَ وَالْإِخْدَامَ وَتَكْفِينَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِ ( إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ ) الْمُفْلِسُ ( بِكَسْبٍ ) لَائِقٍ بِهِ فَلَا يُنْفِقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ بَلْ مِنْ كَسْبِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ كَمَّلَ مِنْ مَالِهِ أَوْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُضِيفَ إلَى الْمَالِ .
أَمَّا غَيْرُ اللَّائِقِ فَكَالْعَدِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَكَتُوا عَنْهُ هُنَا ، وَلَوْ رَضِيَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَفَانَا مُؤْنَتَهُ وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ اللَّائِقِ بِهِ ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَالْمَطْلَبِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ بِكَسْبِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي خِلَافُهُ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ ، وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ وَبَيْنَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَبْعُدْ ( وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ ) وَمَرْكُوبُهُ ( فِي

الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ( وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ ) وَمَرْكُوبٍ ( لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ ) ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُمَا بِالْكِرَاءِ يَسْهُلُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَالثَّانِي : يَبْقَيَانِ لِلْمُحْتَاجِ إذَا كَانَا لَائِقَيْنِ بِهِ دُونَ النَّفِيسَيْنِ ، وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ نَصِّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ أَيْضًا ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ أَضْيَقُ ، وَلَا بَدَلَ لَهَا ، وَتُبَاعُ الْبُسُطُ وَالْفُرُشُ ، وَيُسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلِبْدٍ قَلِيلَيْ الْقِيمَةِ ( وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ ) حَالَ فَلَسِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَإِلَّا اشْتَرَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكِسْوَةِ كَالْحَاجَةِ إلَى النَّفَقَةِ ، فَلَوْ كَانَ يَلْبَسُ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ رُدَّ إلَى اللَّائِقِ أَوْ دُونَ اللَّائِقِ تَقْتِيرًا لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : الضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ مَنْ الْمَذْكُورِ فِي النَّفَقَةِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَفْسُهُ وَعِيَالُهُ ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ ( وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ ) وَمِنْدِيلٌ ( وَعِمَامَةٌ وَمِكْعَبٌ ) أَيْ مَدَاسٌ ( وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً ) مَحْشُوَّةً ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا كَفَرْوَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ ، وَلَا يُؤْجَرُ غَالِبًا ، وَيُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا طَيْلَسَانٌ وَخُفٌّ وَدُرَّاعَةٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ يَلْبَسُهَا فَوْقَ الْقَمِيصِ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَلِيقُ إنْ لَاقَ بِهِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَحْصُلَ الِازْدِرَاءُ بِمَنْصِبِهِ ، وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَا ، وَسَكَتُوا عَمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَيُقَالُ لِمَا تَحْتَهَا الْقَلَنْسُوَةُ ، وَمِثْلُهَا تِكَّةُ اللِّبَاسِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْعَبَّادِيُّ : يُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ ، وَقَالَ تَفَقُّهًا يُتْرَكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ

خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا ، بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ أَوْلَى لَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهَا .
أَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَتِهِ ، وَيَسْهُلُ السُّؤَالُ عَنْ الْغَلَطِ مِنْ الْحَفَظَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الْعِلْمِ .
قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْفَتَاوَى : وَيَبِيعُ الْقَاضِي آلَاتِ حِرْفَتِهِ إنْ كَانَ مَجْنُونًا ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ إنْ كَانَ عَاقِلًا ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ خِلَافُهُ .
وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَأَظُنُّ أَنَّ مُرَادَهُ الْيَسِيرُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ .
أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا إلَّا بِرِضَاهُمْ ( وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ ) وَسُكْنَاهُ كَمَا فِي الْوَجِيزِ ( لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْمُرَادُ الْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَارْتَضَاهُ ا هـ .
فَإِنْ قَسَمَ لَيْلًا فَيُلْحِقُ بِهِ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهُ قِيَاسًا عَلَى اللَّيْلَةِ ، وَيُتْرَكُ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ قَبْلَهُ مُقَدَّمًا بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ مَالِهِ خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقٍّ لِمُعَيَّنٍ ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ كَالْمَرْهُونِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عِيَالِهِ مِنْهُ .

وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ .

( وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } أَمَرَ بِانْتِظَارِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ ، { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ مُعَاذٍ لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ } وَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَرَقِيقِهِ بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ .
نَعَمْ إنْ وَجَبَ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ عَصَى بِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ ، وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الرَّدِّ ، بَلْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي بَابِ التَّوْبَةِ مِنْ الْإِحْيَاءِ : أَنَّ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَعَ الْإِفْلَاسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ مِنْ الْحَلَالِ قَدْرَ الزَّادِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ لِيُصْرَفَ إلَيْهِ مَنْ الزَّكَاةِ أَوْ الصَّدَقَةِ مَا يَحُجُّ بِهِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ مَاتَ عَاصِيًا فَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ ، فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لَيْسَ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ بَلْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَجِبُ الِاكْتِسَابُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِهِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ مِثْلَهَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ يَسِيرٌ وَالدَّيْنُ لَا يَنْضَبِطُ قَدْرُهُ ، وَأَيْضًا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ فِيهَا إحْيَاءُ بَعْضِهِ فَلَزِمَهُ الِاكْتِسَابُ لَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : هَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ .

وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ .

أَمَّا الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا قَسَمَ مَا بِيَدِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقُلْنَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِكَسْبِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَزِمَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ لِلْفَاضِلِ ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَلَا يُمْكِنُ الْمُفْلِسُ مِنْ تَفْوِيتِ حَاصِلٍ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ الْحَجْرِ ، فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِوَارِثِهِ الْعَفْوُ عَنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ بِجِنَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْحَاصِلِ ( وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ ) مَثَلًا لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا كَالْأَعْيَانِ ، وَلِهَذَا يَضْمَنَانِ بِفَوْتِهِمَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ مَنَافِعِ الْحُرِّ فَيَصْرِفُ بَدَلَهُمَا إلَى الدَّيْنِ وَيُؤَجِّرَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى الْبَرَاءَةِ ، فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَا نِهَايَةَ لَهَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَمُقْتَضَى هَذَا إدَامَةُ الْحَجْرِ إلَى الْبَرَاءَةِ وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَيْسَ هَذَا مُقْتَضَاهُ وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَنْفَكَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَيَبْقَى فِيهِمَا وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُمَا مَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَمُونُهُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُمَا يُقَدَّمَانِ فِي الْمَالِ الْحَاصِلِ فَالْمُنَزَّلُ مَنْزِلَتُهُ أَوْلَى ا هـ .
لَكِنْ إنَّمَا تُقَدَّمُ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ مَنْ يَمُونُهُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ .
وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ : يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَمُونُهُ مِنْ أُجْرَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُؤَجِّرَ .
وَالثَّانِي : لَا تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُعَدُّ مَالًا حَاصِلًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لَهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْمَوْقُوفِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إجَارَةِ الْمَوْقُوفِ أَيْ بِأُجْرَةٍ

مُعَجَّلَةٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَفَاوُتُهُ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ فِي غَرَضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ ا هـ .
وَمِثْلُهُ الْمُسْتَوْلَدَةُ ، وَمَحَلُّهُ فِي الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي إجَارَتِهِ شَرْطًا فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا اُتُّبِعَ ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ فِي فَتَاوِيهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ .

وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ .
( وَإِذَا ادَّعَى ) الْمَدِينُ ( أَنَّهُ مُعْسِرٌ ، أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا ) مَا زَعَمَهُ ( فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ) بِإِعْسَارِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُعَامَلَةُ ، وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ مَا يَبْقَى .
أَمَّا مَا لَا يَبْقَى كَاللَّحْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْقِسْمِ الْآتِي .

وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِعْسَارَ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَرِيمِهِ عِلْمَهُ بِإِفْلَاسِهِ أَوْ تَلَفِ مَالُهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَثَبَتَ إفْلَاسُهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي بِإِعْسَارِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ .
قَالَ : لِأَنَّهُ ظَنٌّ لَا عِلْمٌ ، لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هُوَ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ لَا مَدْلُولُهُ الْحَقِيقِيُّ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ هُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ ( فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ ) سَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ أَمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَرَامَةِ مُتْلَفٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ : فَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ حُبِسَ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إعْسَارِهِ .
وَالثَّانِي : لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحُرِّ أَنَّهُ يَمْلِكُ شَيْئًا ، كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ .
وَاعْتَرَضَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا قَسَمَ مَالَهُ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ قَدْ تَحَقَّقَ وَعَمِلَ بِهِ .
وَالثَّالِثُ : إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَمَحَلُّ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْمَلَاءَةِ ، فَلَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِذَهَابِ مَالِهِ .

وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي الْحَالِ ، وَشَرْطُ شَاهِدٍ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ ، وَلْيَقُلْ هُوَ مُعْسِرٌ ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ، وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ .

فَرْعٌ : لَوْ حَلَفَ أَنْ يُوَفِّيَ زَيْدًا دَيْنَهُ فِي وَقْتِ كَذَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ قَبْلُ لِأَجَلِ عَدَمِ الْحِنْثِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لَهُ مَالٌ كَذَا أَجَابَنِي بِهِ شَيْخِي .
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ ( وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ ) وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالنَّفْيِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ كَالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنْ لَا وَارِثَ سِوَى هَؤُلَاءِ ( فِي الْحَالِ ) قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا ( وَشَرْطُ شَاهِدٍ ) لِيُقْبَلَ وَهُوَ اثْنَانِ ( خِبْرَةُ بَاطِنِهِ ) أَيْ الْمُعْسِرِ لِطُولِ جِوَارٍ ، أَوْ مُخَالَطَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمَالَ يَخْفَى فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ ، فَإِنْ عَرَفَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِهِ : إنَّهُ بِهَا ، كَذَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ صَرَّحَ بِنَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الْأَئِمَّةِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّزْكِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْمُزَكِّيَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ، أَوْ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ عَدَالَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلُهُ ا هـ .
.
وَهُوَ ظَاهِرٌ ، هَذَا فِي الشَّاهِدِ بِالْإِعْسَارِ .
أَمَّا الشَّاهِدُ بِالتَّلَفِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ ، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي إعْسَارِهِ ( وَلْيَقُلْ ) أَيْ شَاهِدُ الْإِعْسَارِ وَهُوَ اثْنَانِ كَمَا مَرَّ ( هُوَ مُعْسِرٌ ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ فَيَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ هُوَ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالِكًا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ ، وَلِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْكَسْبِ ، وَثِيَابَ بَدَنِهِ قَدْ تَزِيدُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ

فَالطَّرِيقُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ الْعَجْزَ الشَّرْعِيَّ عَنْ وَفَاءِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ، ذَلِكَ ا هـ .
وَهُوَ حَسَنٌ وَأَفَادَ التَّعْبِيرُ بِالشَّاهِدَيْنِ ( أَنَّهُ لَا يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا رَجُلٌ وَيَمِينٌ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِمَنْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ جَائِحَةً أَصَابَتْ مَالَهُ وَسَأَلَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ تَحْلِيفِهِ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَجِبُ تَحْلِيفُهُ عَلَى إعْسَارِهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْخَصْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي الْبَاطِنِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ التَّحْلِيفُ عَلَى الطَّلَبِ ، وَإِنَّمَا يُحَلِّفُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ ، وَلَا يَحْلِفُ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْبَيِّنَةِ ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إعْسَارَهُ إذَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ حَلَفُوا حُبِسَ ، فَإِنْ ادَّعَى ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا أَنَّهُ بَانَ لَهُمْ إعْسَارُهُ حَلَفُوا حَتَّى يَظْهَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ قَصْدَهُ الْإِيذَاءُ ، وَلَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فَادَّعَوْا بَعْدَ أَيَّامٍ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا وَبَيَّنُوا الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَفَادَ مِنْهَا فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُمْ قَصْدُ الْإِيذَاءِ ، وَإِذَا شَهِدَ عَلَى مُفْلِسٍ بِالْغِنَى فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْدَامَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ كَذَلِكَ الْغِنَى ، قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَلَوْ وُجِدَ فِي يَدِ الْمُعْسِرِ مَالٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ وَصَدَّقَهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ ،

وَلَا يَحْلِفُ الْمُعْسِرُ أَنَّهُ مَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إقْرَارِهِ بِهِ لِآخَرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ انْتَظَرَ قُدُومَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لِمَجْهُولٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ كَالْغَائِبِ .
نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ فَلَا انْتِظَارَ ، وَلَوْ تَعَارَضَ بَيِّنَتَا إعْسَارٍ وَمَلَاءَةٍ كُلَّمَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا جَاءَتْ الْأُخْرَى فَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ أَبَدًا وَيُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ ؟ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ إذَا لَمْ يَنْشَأْ مِنْ تَكْرَارِهَا رِيبَةٌ ، وَلَا تَكَادُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تَخْلُو عَنْ رِيبَةٍ إذَا تَكَرَّرَتْ ( وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ ) عِنْدَ الْقَاضِي ( لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ فَيَجُوزُ حَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ .

نَعَمْ ( الْأَصْلُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ عَلَا لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَلَدِ ) كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ زَمِنًا ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ ، وَلَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِالنُّجُومِ وَلَا الْمُسْتَأْجِرِ عَيْنَهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُرْتَهِنِ ، فَإِنْ خِيفَ هَرَبُهُ اسْتَوْثَقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ اسْتَعْدَى عَلَى مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَيْنُهُ وَكَانَ حُضُورُهُ لِلتَّحَاكُمِ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْضُرَ وَلَا يَعْتَرِضَ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى إحْضَارِ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَحَبْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً ؛ لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ إنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَإِلَّا فَكَالزَّوْجَةِ .

فُرُوعٌ : لَا يُحْبَسُ الْمَرِيضُ وَلَا الْمُخَدَّرَةُ وَلَا ابْنُ السَّبِيلِ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِمْ وَلَا الصَّبِيُّ وَلَا الْمَجْنُونُ وَلَا أَبُو الطِّفْلِ وَالْوَكِيلُ وَالْقَيِّمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ وَتُحْبَسُ الْأُمَنَاءُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ ، وَلَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ الْجَانِي وَلَا سَيِّدُهُ لِيُؤَدِّيَ أَوْ يَبِيعَ بَلْ يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ رَاغِبٌ وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ ، وَعَلَى الْمُوسِرِ الْأَدَاءُ فَوْرًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ إنْ طُولِبَ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } إذْ لَا يُقَالُ : مَطَلَهُ إلَّا إذَا طَالَبَهُ فَدَافَعَهُ ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وُفِّيَ مِنْهُ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَمُولِيُّ أَوْ أَكْرَهَهُ مَعَ التَّعْزِيرِ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْبَيْعِ .
أَمَّا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ مَعْصِيَةً ، وَلَا يُنَافِيهِ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُجُوبِ لِلْحُلُولِ ، وَلَوْ الْتَمَسَ غَرِيمُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْأَدَاءِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ .
أُجِيبَ لِئَلَّا يَتْلَفَ مَالُهُ ، فَإِنْ أَخْفَاهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَطَلَبَ غَرِيمُهُ حَبْسَهُ حُبِسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا حَتَّى يُظْهِرَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يُعَزِّرُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ وَلَوْ ذِمِّيًّا مَنْعُ الْمَدْيُونِ الْمُوسِرِ بِالطَّلَبِ مِنْ السَّفَرِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَشْغَلَهُ عَنْهُ بِرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَتِهِ حَتَّى يُوفِيَهُ دَيْنَهُ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضُ عَيْنٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ .
نَعَمْ إنْ اسْتَنَابَ مَنْ يُوَفِّيهِ مِنْ مَالِ

الْحَاضِرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ .
أَمَّا صَاحِبُ الْمُؤَجَّلِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ ، وَلَوْ كَانَ مَخُوفًا كَجِهَادٍ أَوْ الْأَجَلُ قَرِيبًا إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِ ، ( وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ عَلَيْهِ الْمُؤَجَّلُ رَهْنًا وَلَا كَفِيلًا وَلَا إشْهَادًا ) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُقَصِّرُ حَيْثُ رَضِيَ بِالتَّأْجِيلِ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَلَهُ السَّفَرُ صُحْبَتَهُ لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَازِمَهُ مُلَازَمَةَ الرَّقِيبِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ .

وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ .

( وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ ) وُجُوبًا ( مَنْ يَبْحَثُ ) أَيْ اثْنَانِ يَبْحَثَانِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ ( عَنْ حَالِهِ ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ ) لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي فَصْلِ التَّزْكِيَةِ يَقْتَضِيهِ .
لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا هُنَا أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَهُ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ ، وَيَدُلُّ لِهَذَا التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ ، وَلَا يَأْثَمُ الْمَحْبُوسُ الْمُعْسِرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِلْقَاضِي مَنْعُ الْمَحْبُوسِ مِنْهَا إنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَمُحَادَثَةِ الْأَصْدِقَاءِ لَا مِنْ دُخُولِهَا لِحَاجَةٍ كَحَمْلِ طَعَامٍ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ شَمِّ الرَّيَاحِينِ لِلتَّرَفُّهِ لَا لِحَاجَةٍ كَمَرَضٍ لَا مَنْعُهُ مِنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ فِي الْحَبْسِ ، وَإِنْ كَانَ مُمَاطِلًا وَنَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ ، وَلَوْ حُبِسَتْ امْرَأَةٌ فِي دَيْنٍ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا مُدَّةَ الْحَبْسِ وَلَوْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَاعْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَوْ لَزِمَهُ حَقٌّ آخَرُ حُبِسَ بِهِمَا وَلَمْ يُطَلِّقْ بِقَضَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَيَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ مِنْ الْحَبْسِ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ مِنْ الْحَبْسِ مُطْلَقًا وَالْمَرِيضُ إنْ لَمْ يَجِدْ مُمَرِّضًا فَإِنْ وَجَدَهُ فَلَا ، وَإِنْ كَانَ يُحْبَسُ ابْتِدَاءً ، وَمَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ أُخْرِجَ وَلَوْ بِغَيْرِ

إذْنِ الْغَرِيمِ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي .

فَصْلٌ مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ .

فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ ( مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ ) أَيْ بِسَبَبِ إفْلَاسِهِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ عِنْدَهُ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ ( فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } وَكَوْنُ الثَّمَنِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارِهِ فِي الْحَدِيثِ ، وَقَوْلُ الرَّاوِي : فِيهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ شَكٌّ مِنْهُ ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بَلْ يَفْسَخُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِ الْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَإِنْ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ بِنَقْضِهِ وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ التَّصَرُّفُ بِالْغِبْطَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا أَوْ وَلِيًّا ، وَالْغِبْطَةُ فِي الْفَسْخِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
أَمَّا مَنْ أَفْلَسَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ فَلَا رُجُوعَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا امْتِنَاعَ الْفَسْخِ بِالْبَيْعِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْحَجْرِ : أَيْ لِغَيْرِ الْجَاهِلِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ الْمُرَادُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ .
وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ .
أَمَّا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ ، وَقَوْلُهُ : وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ قَدْ يُوهِمُ مَنْعَ اسْتِرْدَادِ بَعْضِهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْغُرَمَاءِ كَمَا يَرْجِعُ الْوَالِدُ فِي بَعْضِ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ وَمِلْكُ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ ، وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعَ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ ضَرَرٌ بِالتَّشْقِيصِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( وَالْأَصَحُّ

أَنَّ خِيَارَهُ ) أَيْ الْفَسْخِ ( عَلَى الْفَوْرِ ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالثَّانِي : كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِحُصُولِ الضَّرَرِ هُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ كَانَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا يَخْفَى عَلَى غَالِبِ النَّاسِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ ) لِلْأَمَةِ ( وَالْإِعْتَاقِ ) لِلرَّقِيقِ ( وَالْبَيْعِ ) وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَتَلْغُو هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهَا فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ ، وَالثَّانِي : يَحْصُلُ كَالْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَمَّ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ فَجَازَ الْفَسْخُ بِمَا ذَكَرَ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا نَوَى بِالْوَطْءِ الْفَسْخَ .
وَقُلْنَا هَذَا الْفَسْخُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَاكِمٍ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ بِهِ قَطْعًا وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ بِفَسَخْت الْبَيْعَ وَنَقَضْته وَرَفَعْته ، وَكَذَا بِقَوْلِهِ رَدَدْت الثَّمَنَ أَوْ فَسَخْت الْبَيْعَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ .

وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَلَهُ شُرُوطٌ : مِنْهَا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا ، وَأَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِالْإِفْلَاسِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَهُ الرُّجُوعُ ) فِي عَيْنِ مَالِهِ بِالْفَسْخِ ( فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ ) الَّتِي ( كَالْبَيْعِ ) وَهِيَ الْمَحْضَةُ كَالْإِجَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالسَّلَمِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ ، فَإِذَا أَجَّرَهُ دَارًا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى حُجِرَ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الدَّارِ بِالْفَسْخِ تَنْزِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ سَلَمَهُ دَرَاهِمَ قَرْضًا أَوْ رَأْسَ مَالٍ سَلَمٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَحَلَّ ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَالدَّرَاهِمُ بَاقِيَةٌ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْفَسْخِ ، وَخَرَجَ بِالْمُعَارَضَةِ غَيْرُهَا كَالْهِبَةِ ، وَبِالْمَحْضَةِ غَيْرُهَا كَالنِّكَاحِ ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ فِي الْبَقِيَّةِ .
وَأَمَّا فَسْخُ الزَّوْجَةِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْحَجْرِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلرُّجُوعِ فِي الْبَيْعِ ( شُرُوطٌ : مِنْهَا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا ) عِنْدَ الرُّجُوعِ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعٌ حَالَ وُجُودِ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يُطَالَبُ بِهِ ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُسْتَحَقُّ فِيهَا أُجْرَةُ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ مُضِيِّهِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْفَسْخُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لِعَدَمِ الْحُلُولِ وَلَا بَعْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ .
نَعَمْ لَوْ أَجَّرَ شَيْئًا بِأُجْرَةٍ بَعْضُهَا حَالٌّ وَبَعْضُهَا مُؤَجَّلٌ ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُفْسَخُ فِي الْحَالِّ بِالْقِسْطِ .
تَنْبِيهٌ : يَنْدَرِجُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِالْحَالِّ ، وَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ وَحَلَّ قَبْلَ الْحَجْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَمَا لَوْ حَلَّ بَعْدَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْوَجِيزِ وَسَكَتَ

عَلَيْهِ ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْكَبِيرِ ( وَ ) مِنْهَا ( أَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ ) أَيْ الثَّمَنِ ( بِالْإِفْلَاسِ ) أَيْ بِسَبَبِهِ ( فَلَوْ ) انْتَفَى الْإِفْلَاسُ وَ ( امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ ) عَطْفٌ عَلَى امْتَنَعَ أَوْ مَاتَ مَلِيئًا وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ مِنْ التَّسْلِيمِ ( فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ مُمْكِنٌ .
فَإِنْ فُرِضَ عَجْزٌ فَنَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَالثَّانِي : يَثْبُتُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ حَالًا وَتَوَقُّعِهِ مَآلًا فَأَشْبَهَ الْمُفْلِسَ ، وَاحْتَرَزَ أَيْضًا بِالْإِفْلَاسِ عَمَّا إذَا تَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِانْقِطَاعِ جِنْسِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي فَوَاتِ الْمَبِيعِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ إتْلَافَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْتَضِيَ التَّخْيِيرَ ، وَإِذَا جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ عَيْنِهِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَى جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَلِفَوَاتِ الْجِنْسِ أَوْلَى .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ هَهُنَا قَوِيٌّ إذْ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ فَبَعْدَ الْفَسْخِ ، وَهُنَاكَ الْمِلْكُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ ، وَأَنَّهُ فَاتَ بِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَاغَ الْفَسْخُ ، بَلْ فِيهَا قَوْلٌ إنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ .

وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ .
تَنْبِيهٌ : يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالثَّمَنِ ضَامِنٌ مُقِرٌّ مَلِيءٌ لَمْ يَرْجِعْ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ بِلَا إذْنٍ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ مِنْ الضَّامِنِ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعَذُّرُ بِالْإِفْلَاسِ ، فَلَوْ كَانَ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ مُعْسِرًا رَجَعَ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ بِالْإِفْلَاسِ ، وَكَذَا لَا يَرْجِعُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلَوْ مُسْتَعَارًا لِمَا مَرَّ ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ مَا بَقِيَ لَهُ ( وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ ) أَيْ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ أَوْ قَالَ وَارِثُهُ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ ( لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ ) لِمَا فِي التَّقْدِيمِ مِنْ الْمِنَّةِ وَخَوْفِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ .

وَكَوْنُ الْمَبِيعِ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ فَاتَ أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ فَلَا رُجُوعَ .

تَنْبِيهٌ : وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ خُذْ أُجْرَتَك وَدَعْنَا نَكُنْ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْبَائِعِ إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا التَّنْبِيهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَهْمٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ مِنْ الشَّرْحِ وَهُوَ فِي غَيْرِهَا عَلَى الصَّوَابِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَدَّمُوهُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ ، فَإِنْ قَدَّمُوهُ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ فَلَهُ الْفَسْخُ قَطْعًا ، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَقَالَ الْوَارِثُ : لَا تَفْسَخْ وَأُقَدِّمُك مِنْ التَّرِكَةِ فَكَالْغُرَمَاءِ أَوْ مِنْ مَالِي فَوَجْهَانِ ، وَالْأَقْرَبُ إجَابَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَالُ الْمُورِثِ فَأَشْبَهَ فَكَّ الْمَرْهُونِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمُورِثِ فَلَهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِالثَّمَنِ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ أَجْنَبِيٌّ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ وَإِسْقَاطِ حَقِّهِ ، فَإِنْ أَجَابَ الْمُتَبَرِّعُ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ فِيهِ لَكِنْ ضِمْنًا ، وَحُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا دَخَلَ مِلْكُهُ أَصَالَةً .
أَمَّا لَوْ أَجَابَ غَيْرُ الْمُتَبَرِّعِ فَلِلَّذِي ظَهَرَ أَنْ يُزَاحِمَهُ .
ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً لَمْ يَرْجِعْ فِيمَا يُقَابِلُ مَا زُوحِمَ بِهِ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ أَخَّرَ حَقَّ الرُّجُوعِ مَعَ احْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ يُزَاحِمُهُ ( وَ ) مِنْهَا ( كَوْنُ الْمَبِيعِ ) أَوْ نَحْوِهِ ( بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( فَلَوْ فَاتَ ) مِلْكُهُ عَنْهُ حِسًّا كَالْمَوْتِ أَوْ حُكْمًا كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ( أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ ) أَوْ الْأَمَةَ كِتَابَةً صَحِيحَةً (

فَلَا رُجُوعَ ) لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فِي الْفَوَاتِ ، وَفِي الْكِتَابَةِ هُوَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ كَانَ ثَابِتًا حِينَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا حِينَ تَصَرَّفَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِفْلَاسِ وَالْحَجْرِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ عَادَ لَا رُجُوعَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَمَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الرُّجُوعَ ، وَأَشْعَرَ بِرُجْحَانِهِ كَلَامُ الْكَبِيرِ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الْأَصَحُّ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ الْمِلْكُ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُوَفِّ الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ الثَّانِي فَهَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِ حَقِّهِ أَوْ الثَّانِي لِقُرْبِ حَقِّهِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ وَيُضَارِبُ كُلٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ رَجَّحَ مِنْهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِيَ ، وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُمَا ، وَالِاسْتِيلَادُ كَالْكِتَابَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاقِلِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الِاسْتِيلَادِ ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْمَبِيعِ حَقٌّ لَازِمٌ : كَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا مُعَلَّقًا بِالرَّقَبَةِ ، فَلَوْ زَالَ التَّعَلُّقُ جَازَ الرُّجُوعُ ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُرْتَهِنِ : أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك حَقَّك وَآخُذُ عَيْنَ مَالِي فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ طَرْدُهُمَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ أَوْ بَاعَهُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ

فِي زَمَنِ الْخِيَارِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْمُشْتَرِي .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ لِوَلَدِهِ وَأَقْبَضَهُ لَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْوَاهِبِ لَهُ .
قَالَ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَا وَحُجِرَ عَلَيْهِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَلَا بُعْدَ فِي الْتِزَامِهِ ا هـ .
هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الْقَرْضِ وَلَا فِي الْهِبَةِ لِوَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ .

وَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ .

وَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَكَذَا لَا رُجُوعَ لَوْ كَانَ الْعِوَضُ صَيْدًا فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِتَمَلُّكِهِ حِينَئِذٍ .
وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّصْحِيحِ لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ مُحْرِمًا ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ قِيَاسُ الْفِقْهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ كَافِرٌ رَجَعَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مِنْ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا كَانَ الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِقُرْبِ زَوَالِ الْمَانِعِ فِي تِلْكَ بِخِلَافِ هَذِهِ ، وَبِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ وَلَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ قَطْعًا ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ مَعَ الْمُحْرِمِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرُّجُوعِ ( وَلَا يَمْنَعُ ) الرُّجُوعُ ( التَّزْوِيجَ ) وَلَا التَّدْبِيرَ وَلَا تَعْلِيقَ الْعِتْقِ وَلَا الْإِجَارَةَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجَّرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، فَيَأْخُذُهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ إنْ شَاءَ ، وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا يُفْهِمُهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ شُرُوطَ الرُّجُوعِ تِسْعَةٌ : الْأَوَّلُ : كَوْنُهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ كَالْبَيْعِ .
الثَّانِي : أَنْ يَرْجِعَ عَقِبَ الْعِلْمِ بِالْحَجْرِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ بِقَوْلِهِ : فَسَخْت الْبَيْعَ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ .
الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ شَيْئًا مِنْهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ الْبَاقِيَ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ لِأَجْلِ الْإِفْلَاسِ .
السَّادِسُ : كَوْنُ الْعِوَضِ دَيْنًا ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا قَدَّمَ بِهَا عَلَى

الْغُرَمَاءِ .
السَّابِعُ : حُلُولُ الدَّيْنِ .
الثَّامِنُ : كَوْنُهُ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ .
التَّاسِعُ : أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ : كَرَهْنٍ ، .

وَلَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ أَخَذَهُ نَاقِصًا ، أَوْ ضَارَبَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ الْبَائِعِ فَلَهُ أَخْذُهُ ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ ، وَجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَخَذَ الْبَاقِي وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ

وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ حَتَّى أَفْلَسَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ ، لَا الْبَائِعُ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَثَمَنُهُ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ ( وَلَوْ تَعَيَّبَ ) الْمَبِيعُ بِأَنْ حَصَلَ فِيهِ نَقْصٌ لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ ( بِآفَةٍ ) سَمَاوِيَّةٍ ، سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ حِسِّيًّا كَسُقُوطِ يَدٍ أَمْ لَا كَنِسْيَانِ حِرْفَةٍ ( أَخَذَهُ ) الْبَائِعُ ( نَاقِصًا أَوْ ضَارَبَ ) الْغُرَمَاءَ ( بِالثَّمَنِ ) ، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَهُ نَاقِصًا أَوْ تَرْكَهُ وَكَالْأَبِ إذَا رَجَعَ فِي الْمَوْهُوبِ لِوَلَدِهِ وَقَدْ نَقَصَ ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَا ضُمِنَ كُلُّهُ ضُمِنَ بَعْضُهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّاةُ الْمُعَجَّلَةُ فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَدَهَا تَالِفَةً يَضْمَنُهَا أَوْ نَاقِصَةً يَأْخُذُهَا بِلَا أَرْشٍ ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالْمُفْلِسِ ، وَقَدْ يَضْمَنُ الْبَعْضَ وَلَا يَضْمَنُ الْكُلَّ ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ إنْ قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ قَطَعَ عُضْوَهُ ضَمِنَهُ ( أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ ) تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ ( أَوْ الْبَائِعِ ) بَعْدَ الْقَبْضِ ( فَلَهُ أَخْذُهُ ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ ) وَإِنْ كَانَ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ ، فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الرَّقِيقِ مَثَلًا مَعَ قَطْعِ الْيَدَيْنِ مِائَةً وَبِدُونِهِ مِائَتَيْنِ فَيَأْخُذُهُ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ .
أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ كَالْحَرْبِيِّ فَجِنَايَتُهُ كَالْآفَةِ ، وَكَذَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ( وَجِنَايَةُ الْمُشْتَرِي ) فِيهَا طَرِيقَانِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا كَجِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَفِيهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهَا ( كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ ) وَالثَّانِي : أَنَّهَا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالثَّانِي ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ (

وَلَوْ تَلِفَ ) مَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ كَأَنْ تَلِفَ ( أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ) أَوْ الثَّوْبَيْنِ ( ثُمَّ أَفْلَسَ ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ ( أَخَذَ الْبَاقِيَ وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ، بَلْ لَوْ كَانَا بَاقِيَيْنِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِي أَحَدِهِمَا مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ .

فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ ، وَفِي قَوْلٍ يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ .
.
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : ثُمَّ أَفْلَسَ غَيْرُ قَيْدٍ ، فَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ فَلَسِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ( فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ سَبَبٌ يَعُودُ بِهِ كُلُّ الْعَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَعُودَ بِهِ بَعْضُهَا كَالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَعُودُ بِهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ إلَى الزَّوْجِ تَارَةً وَبَعْضُهُ أُخْرَى ( فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ ) وَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّالِفِ ، كَمَا لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَخَذَ خَمْسِينَ وَتَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ كَانَ الْبَاقِي مَرْهُونًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ ( وَفِي قَوْلٍ ) مُخَرَّجٍ ( يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ ) وَهُوَ رُبُعُ الثَّمَنِ وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ فِي مُقَابَلَةِ نِصْفِ التَّالِفِ وَنِصْفِ الْبَاقِي ، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ ، وَالْقَدِيمُ لَا يَرْجِعُ بِهِ بَلْ يُضَارِبُ بِبَاقِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ { فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : وَلَوْ بِالْوَاوِ وَحَذَفَ كَانَ لِئَلَّا يُفْهَمَ التَّصْوِيرُ بِالتَّلَفِ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَلَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ جَرَى الْقَوْلَانِ ، فَعَلَى الْجَدِيدِ يَرْجِعُ فِي الْمَبِيعِ بِقِسْطِ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ ، فَلَوْ قَبَضَ نِصْفَهُ رَجَعَ فِي النِّصْفِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَعَلَى الْقَدِيمِ يُضَارِبُ .

وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَصَنْعَةٍ فَازَ الْبَائِعُ بِهَا ، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ ، وَالْوَلَدِ لِلْمُشْتَرِي ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ ، وَإِلَّا فَيُبَاعَانِ ، وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ ، وَقِيلَ لَا رُجُوعَ ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسُهُ فَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ ، وَاسْتِتَارِ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ وَظُهُورِهِ بِالتَّأْبِيرِ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ وَأَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ

( وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَ ) تَعَلُّمِ ( صَنْعَةٍ ) وَكِبَرِ شَجَرَةٍ ( فَازَ الْبَائِعُ بِهَا ) مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لَهَا فَيَرْجِعُ فِيهَا مَعَ الْأَصْلِ ، وَكَذَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا الصَّدَاقَ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ الزَّائِدِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْمَبِيعِ كَأَنْ زَرَعَ الْحَبَّ فَنَبَتَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَالْأَصَحُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ ( وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ ) الْمُؤَبَّرَةِ ( وَالْوَلَدِ ) الْحَادِثَيْنِ بَعْدَ الْبَيْعِ ( لِلْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْمِلْكَ بِدَلِيلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ( وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ ) دُونَهَا ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَثْبَتَ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ ( فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ) أَيْ وَلَدُ الْأَمَةِ ( صَغِيرًا ) لَمْ يُمَيِّزْ ( وَبَذَلَ ) بِالْمُعْجَمَةِ ( الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ ) ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مُمْتَنِعٌ وَمَالُ الْمُفْلِسِ كُلُّهُ مَبِيعٌ فَأُجِيبُ الْبَائِعُ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : هَلْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَأْخُذُ الْوَلَدَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَتِهِمْ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ التَّمَلُّكَ : أَيْ لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْأُمِّ رُجُوعُهُ فِي الْوَلَدِ أَيْضًا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ أَمْ يَكْفِي اشْتِرَاطُهُ ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؟ الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ أَيْضًا .
وَعَلَى الثَّانِي لَوْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ الشَّرْطِ ، وَالِاتِّفَاقِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُنْقَضُ الرُّجُوعُ أَوْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانَهُ ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْهَا ( فَيُبَاعَانِ ) مَعًا ( وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ

الْأُمِّ ) مِنْ الثَّمَنِ وَحِصَّةُ الْوَلَدِ لِلْغُرَمَاءِ فِرَارًا مِنْ التَّفْرِيقِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ ، وَفِيهِ إيصَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ ، وَكَيْفِيَّةُ التَّقْسِيطِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ ذَاتُ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ بِهِ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِيهَا نَاقِصَةً ثُمَّ يُقَوَّمُ الْوَلَدُ وَيُضَمُّ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا إلَى قِيمَةِ الْآخَرِ وَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا ، وَقِيلَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ لِلضَّرُورَةِ ( وَقِيلَ : لَا رُجُوعَ ) إذَا لَمْ يَبْذُلْ الْقِيمَةَ بَلْ يُضَارِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِيقِ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ إلَى الْبَيْعِ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَلِقَةٌ ، وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْذُلْ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْوَلَدِ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ تُبَاعُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ مَعًا وَيُصْرَفُ مَا يَخُصُّ الْوَلَدَ إلَى الْمُفْلِسِ وَمَا يَخُصُّ الْأُمَّ إلَى الْبَائِعِ .
وَالثَّانِي : لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ بَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ وَيُضَارِبُ بِالثَّمَنِ ( فَإِنْ كَانَتْ ) الدَّابَّةُ الْمَبِيعَةُ ( حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسَهُ ) بِالنَّصْبِ : أَيْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ دُونَ الرُّجُوعِ بِأَنْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ قَبْلَهُ ( فَالْأَصَحُّ ) وَفِي الرَّوْضَةِ : فَالْأَظْهَرُ ( تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ ) وَجْهُ الْأَصَحِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى : أَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الرُّجُوعِ ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ : أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَرْجِعُ فِيمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْبَيْعِ وَالْحَمْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَرْجِعُ فِي الْأُمِّ فَقَطْ .
قَالَ الْجُوَيْنِيُّ : قَبْلَ الْوَضْعِ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَغَيْرُهُ بَعْدَ الْوَضْعِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ .
فَإِنْ قِيلَ : الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي الْهِبَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِنَقْلِهِ الْمِلْكَ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ

وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَتِهِ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ هُنَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ الْمُفْلِسِ فَلَمْ تُرَاعَ جِهَتُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ .
وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَالْخِلَافُ فِيهَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ ، فَكَأَنَّهُ بَاعَ عَيْنَيْنِ فَيَرْجِعُ فِيهِمَا ، أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصَحُّ الْعِلْمَ كَانَ الْأَصَحُّ الرُّجُوعَ ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَهُمَا رَجَعَ فِيهَا حَامِلًا قَطْعًا ، وَلَوْ حَدَثَ بَيْنَهُمَا وَانْفَصَلَ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ لِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ تَضَعْ شَيْئًا أَوْ يُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ ، وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا مَعَ بَقَاءِ حَمْلِ الْجَنِينِ أَوْ لَا فَرْقَ ؟ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ .
قَالَ شَيْخِي : وَقَدْ رَجَّحَ الشَّيْخَانِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : قِيَاسُ الْبَابِ مَعَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ عَلَى تَمَامِ انْفِصَالِ التَّوْأَمَيْنِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ، وَهَلْ يُقَالُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي تَأْبِيرِ الْبَعْضِ ، أَوْ أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ ؟ يَنْبَغِي اعْتِمَادُ الثَّانِي ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِشِدَّةِ اتِّصَالِ الْحَمْلِ ، وَأَيْضًا صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَتْبَعُ الْمُؤَبَّرَ ( وَاسْتِتَارُ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ ) بِكَسْرِ الْكَافِ ، وَهُوَ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ ( وَظُهُورُهُ بِالتَّأْبِيرِ ) أَيْ تَشَقُّقِ الطَّلْعِ ( قَرِيبٌ مِنْ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ ) فَإِذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى النَّخْلِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَيْعِ غَيْرَ

مُؤَبَّرَةٍ ، وَعِنْدَ الرُّجُوعِ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ كَالْحَمْلِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ الرُّجُوعِ فَيَتَعَدَّى الرُّجُوعُ إلَيْهَا عَلَى الرَّاجِحِ ( وَ ) هِيَ ( أَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ ) إلَيْهَا مِنْ الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ مَوْثُوقٌ بِهَا بِخِلَافِهِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالرُّجُوعِ فِيهَا ، وَلَوْ حَدَثَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ عِنْدَ الرُّجُوعِ رَجَعَ فِيهَا عَلَى الرَّاجِحِ لَمَا مَرَّ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَمْلِ .
قَالَ الشَّارِحُ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَتَنَاوَلُهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ا هـ .
وَدَفَعَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ أَوْلَى بِعَدَمِ تَعَدِّي الرُّجُوعِ ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ رَجَعَ فِيهَا جَزْمًا ، وَلَوْ حَدَثَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهِيَ عِنْدَ الرُّجُوعِ مُؤَبَّرَةٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي ، وَمَتَى رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ فَلِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ تَرْكُهُ إلَى وَقْتِ الْجِدَادِ بِلَا أُجْرَةٍ .

وَلَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا فَعَلُوا وَأَخَذَهَا ، وَإِنْ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا ، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَمْتَلِكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا ، وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ ، أَوْ بِأَجْوَدَ فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ طَحَنَهَا أَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ رَجَعَ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ ، وَإِنْ زَادَتْ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ ، وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ .

( وَلَوْ غَرَسَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْأَرْضَ ) الْمَبِيعَةَ لَهُ ( أَوْ بَنَى ) فِيهَا ثُمَّ أَفْلَسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَاخْتَارَ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ ( فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا ) مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ ( فَعَلُوا ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ ، وَتَجِبُ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ وَغَرَامَةُ أَرْشِ النَّقْصِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إنْ نَقَصَتْ بِالْقَلْعِ ، وَهَلْ يُقَدِّمُ الْبَائِعُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ أَوْ يُضَارِبُ بِهِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؟ وَجْهَانِ : الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ ، وَأَنْكَرَ عَلَى الرَّافِعِيِّ حِكَايَةَ خِلَافٍ فِيهِ ( وَأَخَذَهَا ) يَعْنِي الْبَائِعَ بِرُجُوعِهِ ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِأَخْذِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَتَمَلَّكَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ سَلِمَ لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ لِمَ رَجَعَ بِأَرْشِ النَّقْصِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا بَلْ يَرْجِعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْصَ هُنَا حَصَلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ ( وَإِنْ امْتَنَعُوا ) مِنْ الْقَلْعِ ( لَمْ يُجْبَرُوا ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ بَنَى وَغَرَسَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بَلْ وَضَعَهُ بِحَقٍّ فَيُحْتَرَمُ ( بَلْ لَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ ( أَنْ ) يُضَارِبَ بِالثَّمَنِ ، وَلَهُ أَنْ ( يَرْجِعَ ) فِي الْأَرْضِ ( وَيَتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ ) أَيْ لَهُ جَمِيعُ الْأَمْرَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي ( وَلَهُ ) بَدَلُ تَمَلُّكِ مَا ذُكِرَ ( أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ وَالضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ ، .
فَأُجِيبَ الْبَائِعُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ زَرْعِهِ الْأَرْضَ وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمَلُّكِ الزَّرْعِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ لَهُ

أَمَدًا يُنْتَظَرُ فَسَهُلَ احْتِمَالُهُ ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِأَنْ طَلَبَ الْمُفْلِسُ الْقَلْعَ وَالْغُرَمَاءُ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِيَتَمَلَّكَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ ، أَوْ وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ وَبَعْضُهُمْ الْقِيمَةَ مِنْ الْبَائِعِ عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِنَقْصِ قِيمَتِهِمَا فَإِنَّ الْغِرَاسَ بِلَا أَرْشٍ وَالْبِنَاءَ بِلَا مَقَرٍّ وَلَا مَمَرٍّ نَاقِصُ الْقِيمَةِ وَالرُّجُوعُ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَا يُزَالُ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِضَرَرِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ ، فَعَلَى هَذَا يُضَارِبُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ أَوْ يَعُودُ إلَى بَذْلِ قِيمَتِهِمَا أَوْ قَلْعِهِمَا مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَكَتَبَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ يَعُودُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُكِّنَ .
وَالثَّانِي : لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ دُونَ الصَّبْغِ وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا مَعَهُ بِالصَّبْغِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّبْغَ كَالصِّفَةِ التَّابِعَةِ لِلثَّوْبِ ( وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ) لَهُ مِثْلِيًّا كَأَنْ كَانَ ( حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ ) أَيْ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ ( أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ ) أَمَّا فِي الْخَلْطِ بِالْمِثْلِ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا فِي الدُّونِ فَيَكُونُ مُسَامِحًا كَنَقْصِ الْعَيْبِ ، وَلَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ وَقِسْمَةَ الثَّمَنِ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْبَيْعِ ، هَذَا إذَا خَلَطَهُ الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ خَلَطَهُ أَجْنَبِيٌّ : أَيْ يَضْمَنُ ضَارَبَ الْبَائِعُ بِنَقْصِ الْخَلْطِ كَمَا فِي الْعَيْبِ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( أَوْ ) خَلَطَهَا ( بِأَجْوَدَ ) مِنْهَا ( فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ ) بَلْ

يُضَارِبُ بِالثَّمَنِ فَقَطْ ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَ إلَى أَخْذِهِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ مُتَعَذِّرٌ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهَا بِإِعْطَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُفْلِسِ وَلَا بِإِعْطَاءِ مَا يُسَاوِي حَقَّهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ رِبًا .
وَالثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ وَيُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَلَّ الْأَجْوَدُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ بِهِ زِيَادَةٌ فِي الْحِسِّ وَيَقَعُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ .
تَنْبِيهٌ : حُكْمُ سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ حُكْمُ الْحِنْطَةِ فِيمَا مَرَّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُخْتَلَطُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ فَلَا رُجُوعَ لِعَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ لِانْتِفَاءِ التَّمَاثُلِ فَهُوَ كَالتَّالِفِ ( وَلَوْ طَحَنَهَا ) أَيْ الْحِنْطَةَ الْمَبِيعَةَ لَهُ ( أَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ ) الْمَبِيعَ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ ( فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ ) بِمَا فَعَلَهُ بِأَنْ سَاوَتْ أَوْ نَقَصَتْ ( رَجَعَ ) الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ ( وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَوْجُودٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِنْ نَقَصَتْ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ غَيْرُهُ ( وَإِنْ زَادَتْ ) عَلَيْهَا ( فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ ( يُبَاعُ ) وَيَصِيرُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ بِفِعْلٍ مُحْتَرَمٍ مُتَقَوِّمٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضَيَّعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ ( وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ ) بِالْعَمَلِ ، مِثَالُهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةٌ وَبَلَغَ بِالْقِصَارَةِ سِتَّةً فَلِلْمُفْلِسِ سُدُسُ الثَّمَنِ ، وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ لِنَفْسِهِ وَإِعْطَاءُ الْمُفْلِسِ حِصَّةَ الزِّيَادَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ .
وَالثَّانِي : لَا شَرِكَةَ لِلْمُفْلِسِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ كَسِمَنِ الدَّابَّةِ بِالْعَلَفِ ، وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ بِالسَّقْيِ وَالتَّعَهُّدِ

، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الطَّحْنَ أَوْ الْقِصَارَةَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّمَنِ وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ ، فَإِنَّ الْعَلَفَ وَالسَّقْيَ يُوجَدَانِ كَثِيرًا وَلَا يَحْصُلُ السِّمَنُ وَالْكِبَرُ فَكَأَنَّ الْأَثَرَ فِيهِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى فِعْلِهِ ، بَلْ مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَكْبِيرِ الشَّجَرَةِ وَتَسْمِينِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالطَّحْنِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ وَدَفْعَ الزِّيَادَةِ لِلْمُفْلِسِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ ، فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُبَاعُ وَقَالَ : فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْمُفْلِسِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ لَأَفْهَمَ ذَلِكَ ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّحْنِ وَالْقَصْرِ إلَى ضَابِطِ صُوَرِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ صُنْعُ مَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيهِ كَخَبْزِ الدَّقِيقِ وَذَبْحِ الشَّاةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَضَرْبِ اللَّبِنِ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ ، وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ ، وَتَعْلِيمِ الرَّقِيقِ الْقُرْآنَ أَوْ حِرْفَةً ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الظُّهُورَ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدَّابَّةِ وَسِيَاسَتَهَا يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِسَبَبِهِ أَثَرٌ عَلَى الدَّابَّةِ .

وَلَوْ صَبَغَهُ بِصِبْغَةٍ فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ رَجَعَ ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ أَوْ أَقَلَّ فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ ، أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصَّبْغَ وَالثَّوْبَ وَرَجَعَ فِيهِمَا إلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَيَكُونَ فَاقِدًا لِلصَّبْغِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ ، وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالزِّيَادَةِ .

( وَلَوْ صَبَغَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ( بِصِبْغَةٍ ) ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ ) بِسَبَبِ الصِّبْغِ ( قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ ) كَأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَبْيَضَ أَرْبَعَةً وَالصِّبْغِ دِرْهَمَيْنِ فَصَارَ بَعْدَ الصِّبْغِ يُسَاوِي سِتَّةً ( رَجَعَ ) الْبَائِعُ فِي الثَّوْبِ ( وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصِّبْغِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الثَّوْبُ خَاصَّةً فَيُبَاعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَصَحُّهُمَا كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْغَصْبِ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّ كُلَّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلَّ الصِّبْغِ لِلْمُفْلِسِ ، كَمَا لَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ : وَالثَّانِي : يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي خَلْطِ الزَّيْتِ .
أَمَّا إذَا زَادَتْ بِارْتِفَاعِ سُوقِ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِمَنْ ارْتَفَعَ سِعْرُ سِلْعَتِهِ ، فَلَوْ زَادَتْ بِارْتِفَاعِ سُوقِهِمَا وُزِّعَتْ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ ، وَهَكَذَا فِي صُورَةِ الْقِصَارَةِ وَالطَّحْنِ ، فَلَوْ حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ ارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ لَا بِسَبَبِهِمَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ مَعَهُ ، وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَتْ مِنْ الْعَمَلِ .
وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الثَّوْبِ وَبَذْلُ مَا لِلْمُفْلِسِ مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَالْقِصَارَةِ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْفَصْلِ كَمَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ إنَّهُ شَرِيكٌ ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُفْلِسِ تُبَاعُ إمَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ ( أَوْ ) زَادَتْ الْقِيمَةُ ( أَقَلَّ ) مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَسِعْرُ الثَّوْبِ بِحَالِهِ كَأَنْ صَارَتْ خَمْسَةً ( فَالنَّقْصُ عَلَى الصِّبْغِ ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ تَتَفَرَّقُ وَتَنْقُصُ وَالثَّوْبُ قَائِمٌ بِحَالِهِ فَيُبَاعُ وَلِلْبَائِعِ مَعَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ ، وَلِلْمُفْلِسِ خَمْسَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الثَّوْبُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ

قِيمَةُ الثَّوْبِ فَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مَعَهُ ( أَوْ ) زَادَتْ ( أَكْثَرَ ) مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ كَأَنْ صَارَتْ تُسَاوِي فِي مِثَالِنَا ثَمَانِيَةً ( فَ الْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ ) كُلَّهَا ( لِلْمُفْلِسِ ) ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ فَيُبَاعُ الثَّوْبُ وَلَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا لِلْبَائِعِ كَالسِّمَنِ فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَلِلْمُفْلِسِ رُبُعُهُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ ثُلُثَا الثَّمَنِ وَلِلْمُفْلِسِ ثُلُثُهُ ( وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصِّبْغَ ) وَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الصِّبْغِ فَيَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ ، فَإِنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَنْ ثَمَنِ الصِّبْغِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِالْجَمِيعِ أَوْ اشْتَرَى الصِّبْغَ ( وَالثَّوْبَ ) مِنْ وَاحِدٍ وَصَبَغَهُ بِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ ( رَجَعَ ) الْبَائِعُ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الثَّوْبِ بِصَبْغِهِ لِأَنَّهُمَا عَيْنُ مَالِهِ ( إلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ ) قَبْلَ الصَّبْغِ بِأَنْ سَاوَتْهَا أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا ( فَيَكُونُ فَاقِدًا لِلصِّبْغِ ) لِاسْتِهْلَاكِهِ كَمَا مَرَّ فَيُضَارِبُ بِثَمَنِهِ مَعَ الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَتْ وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَهُوَ مَحَلُّ الرُّجُوعِ فِيهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ : لَا شَيْءَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُضَارِبْ بِالْبَاقِي أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِصَارَةِ ، بَلْ إنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ .
( وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا ) أَيْ الثَّوْبَ وَالصِّبْغَ ( مِنْ اثْنَيْنِ ) الثَّوْبَ مِنْ وَاحِدٍ وَالصِّبْغَ مِنْ آخَرَ وَصَبَغَهُ بِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الْبَائِعَانِ الرُّجُوعَ ( فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ ) قَبْلَ الصَّبْغِ بِأَنْ سَاوَتْ أَوْ

نَقَصَتْ ( فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ ) لَهُ فَضَارَبَ بِثَمَنِهِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ وَاجِدٌ لَهُ ، فَيَرْجِعُ فِيهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي صُورَةِ النَّقْصِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْقِصَارَةِ ( وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا ) فِي الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ : فَلَهُمَا الرُّجُوعُ وَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ مَا مَرَّ ( وَإِنْ زَادَتْ ) وَلَمْ تَفِ بِقِيمَتِهِمَا فَالصِّبْغُ نَاقِصٌ ، فَإِنْ شَاءَ بَائِعُهُ قَنَعَ بِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ أَوْ زَادَتْ ( عَلَى قِيمَتِهِمَا ) أَيْ : الثَّوْبَ وَالصِّبْغَ جَمِيعًا ( فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا ) أَيْ الْبَائِعَيْنِ ( بِالزِّيَادَةِ ) عَلَى قِيمَتِهِمَا ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَرْبَعَةً مَثَلًا وَالصِّبْغِ دِرْهَمَيْنِ وَصَارَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا ثَمَانِيَةً ، فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالرُّبُعِ .
وَالثَّانِي : لَا شَيْءَ لَهُ وَالزِّيَادَةُ لَهُمَا بِنِسْبَةِ مَالِهِمَا .
تَنْبِيهٌ : لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ قَلْعُ الصِّبْغِ إنْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَيَغْرَمُونَ نَقْصَ الثَّوْبِ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ، وَلِصَاحِبِ الصِّبْغِ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُفْلِسُ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ نَقْصَ الثَّوْبِ ، وَلِمَالِكِ الثَّوْبِ قَلْعُهُ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الصِّبْغِ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُونَ مِنْهُ ، نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي الْأُولَى وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخِيرَتَانِ .
خَاتِمَةٌ : أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ فِي رَجُلٍ ثَبَتَ إعْسَارُهُ ثُمَّ كُتِبَ عَلَيْهِ مَسْطُورٌ بِدَيْنٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلِيءٌ بِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ يَسَارُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ صَرْفِ مَا اسْتَدَانَهُ ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمَلَاءِ بِهِ يَسْرِي إلَى كُلِّ دَيْنٍ ، وَلَوْ أَخْفَى شَخْصٌ بَعْضَ مَالِهِ فَنَقَصَ الْمَوْجُودُ عَنْ دَيْنِهِ فَحُجِرَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَتَصَرَّفَ الْقَاضِي فِي بَاقِي

مَالِهِ بِبَيْعِهِ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يَنْقُضْ تَصَرُّفَهُ إذْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَصَرْفُهُ فِي دَيْنِهِ ، وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ لِامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَقَدْ حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَيَنْقُضُ تَصَرُّفَهُ .

بَابُ الْحَجْرِ مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَهَا أَبْوَابٌ : وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ ، فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ ، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ ، وَيَرْتَفِعُ بِالْإِفَاقَةِ ، وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا ، وَالْبُلُوغُ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ، أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعَ سِنِينَ ، وَنَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ ، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةَ حَيْضًا وَحَبَلًا وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ .

بَابُ الْحَجْرِ هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ ، وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } الْآيَةَ ، وقَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا } الْآيَةَ ، وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ ، وَالْكَبِيرَ بِالْمُخْتَلِّ ، وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ يَنُوبُ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ ، وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ ، وَ ( مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ ) أَيْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ ( لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ ) فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ ( وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ ) فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَيْثُ لَا دَيْنَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ : وَفِي الْجَمِيعِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ وَفَّى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَلَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ إنْ وَفَّى الْمَالُ جَمِيعَ الدُّيُونِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُوَفِّ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقِيلَ لَهُمْ مُزَاحَمَتُهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِتَقْدِيمِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ ، فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى هَذَا ( وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ) وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى ( وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ ) أَيْ لِحَقِّهِمْ ( وَلَهَا أَبْوَابٌ ) تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا يَأْتِي ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مِنْهُ إنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنْوَاعَ الْحَجْرِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ثَلَاثِينَ نَوْعًا غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ ، وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ

عَلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ ) بِالْمُعْجَمَةِ ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ ، وَحَجْرُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ نَوْعًا ثَالِثًا ، وَهُوَ مَا شُرِعَ لِلْأَمْرَيْنِ يَعْنِي مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ ، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ ( فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ ) الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ كَالْإِيصَاءِ وَالْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَأَمْرُ غَيْرِهِ أَوْلَى .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ عَبَّرَ بِالِانْسِلَابِ دُونَ الِامْتِنَاعِ هَلْ لِذَلِكَ مِنْ فَائِدَةٍ ؟ .
أُجِيبَ بِنَعَمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَا يُفِيدُ السَّلْبَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا يَسْلُبُ ، وَلِهَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ دُونَ الْأَبْعَدِ ( وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ ) لَهُ وَعَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالْإِسْلَامِ وَالْمُعَامَلَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَفْعَالِ .
فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إرْضَاعِهِ وَالْتِقَاطِهِ وَاحْتِطَابِهِ وَاصْطِيَادِهِ وَعَمْدُهُ عَمْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ : أَيْ حَيْثُ كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ .
وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ ثُمَّ جُنَّ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ جَزَاؤُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ، وَالصَّبِيُّ كَالْمَجْنُونِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي إذْنِ الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ، وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ ، وَلَهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ .
قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ

فِي بَابِ الْغَصْبِ .
وَأَمَّا إسْلَامُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَكَانَ الْحُكْمُ إذْ ذَاكَ مَنُوطًا بِالتَّمْيِيزِ ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ .
وَأَمَّا الْأَخْرَسُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ أَحَدٍ مَقَامَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَاكِمُ ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِهِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فَلَا وَلِيَّ لَهُ مُطْلَقًا ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى نَائِمٍ أَحْوَجَ طُولُ نَوْمِهِ إلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِيقَاظُ يَضُرُّهُ مَثَلًا ( وَيَرْتَفِعُ ) حَجْرُ الْمَجْنُونِ ( بِالْإِفَاقَةِ ) مِنْ الْجُنُونِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى فَكٍّ ، وَقَضِيَّتُهُ عَوْدُ الْوِلَايَاتِ وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ .
نَعَمْ لَا تَعُودُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَنَحْوُهُ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ ( وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } الْآيَةَ وَالِابْتِلَاءُ : الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ ، وَالرُّشْدُ ، ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد { لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ } وَالْمُرَادُ مِنْ إينَاسِ الرُّشْدِ الْعِلْمُ بِهِ ، وَأَصْلُ الْإِينَاسِ الْإِبْصَارُ ، وَمِنْهُ - آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا - : أَيْ أَبْصَرَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : رَشِيدًا عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُلُوغِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا ، وَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ ا هـ .
قَالَ

الْإِسْنَوِيُّ : كَلَامُ الْكِتَابِ لَا يَسْتَقِيمُ إنْ قُرِئَ بِلَفْظِ الصِّبَا بِكَسْرِ الصَّادِ ، وَإِنْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا اسْتَقَامَ .
لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ كَلَامِهِ ا هـ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَالْمَحْفُوظُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِهَا وَلَا بُعْدَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ا هـ .
وَلَوْ بَلَغَ وَادَّعَى الرُّشْدَ وَأَنْكَرَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَلَا يُحَلِّفُ الْوَلِيَّ الْقَاضِي وَالْقَيِّمُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ ؛ وَلِأَنَّ الرُّشْدَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ ( وَالْبُلُوغُ ) يَحْصُلُ إمَّا ( بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ) قَمَرِيَّةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ تَحْدِيدِيَّةً كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ وَالضَّوَابِطِ ، وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ { عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت ، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً : أَيْ طَعَنْت فِيهَا ، وَبِقَوْلِهِ : وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً : أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا ؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ ، وَالْخَنْدَقِ كَانَ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ .
فَائِدَةٌ : قَالَ الْقَمُولِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : { رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا .
ثُمَّ عُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ

فَأَجَازَهُمْ .
مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَابْنُ عُمَرَ } ( أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ ) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا } وَلِخَبَرِ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ } وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ ، وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقِظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَقِيلَ : لَا يَكُونُ فِي النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُهُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالِاحْتِلَامِ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ .
وَأُجِيبَ عَنْ أَصْلِهِ بِأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ لَفْظَ الْحَدِيثِ ، وَبِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ الْمُرَادُ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ ، فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ صَبِيٍّ يُمْكِنُ بُلُوغُهُ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْبُلُوغَ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ ، وَعَلَى هَذَا لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ إذَا وَطِئَ أَمَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ صَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ ثُبُوتَهُ وَالْحُكْمَ بِبُلُوغِهِ .
وَحَكَى النَّجُورِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي : يَكُونُ بِهِ بَالِغًا وَأَجْرَاهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِرُّ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ أَوْ لَا ؟ ( وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ ) قَمَرِيَّةٍ بِالِاسْتِقْرَاءِ .
وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ اسْتِكْمَالَ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَقْرِيبِيَّةٌ كَالْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضُبِطَ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ ، فَالزَّمَنُ الَّذِي لَا يَسَعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَقِيلَ وَقْتُهُ فِي الذَّكَرِ

نِصْفُ الْعَاشِرَةِ ، وَقِيلَ تَمَامُهَا ، وَقِيلَ وَقْتُهُ فِي الْأُنْثَى أَوَّلُ التَّاسِعَةِ ، وَقِيلَ نِصْفُهَا ( وَنَبَاتُ ) شَعْرِ ( الْعَانَةِ ) الْخَشِنِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ لِنَحْوِ حَلْقٍ ( يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ ) وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ لِخَبَرِ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ " كُنْت فِي سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ ، فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تَنْبُتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ " رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بُلُوغًا حَقِيقَةً بَلْ دَلِيلٌ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّ عُمْرَهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : يُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا وَوَقْتُ إمْكَانِ نَبَاتِ الْعَانَةِ وَقْتُ الِاحْتِلَامِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ ، وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ مَنْ احْتَجْنَا إلَى مَعْرِفَةِ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْحَدِيثِ ، وَقِيلَ يُمَسُّ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ ، وَقِيلَ يُدْفَعُ إلَيْهِ شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ فَيُلْصِقَهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : نَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَانَةَ هِيَ الْمُنْبِتُ لَا النَّابِتُ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ ، وَخَرَجَ بِهَا شَعْرُ الْإِبْطِ وَاللِّحْيَةِ ، فَلَيْسَ دَلِيلًا لِلْبُلُوغِ لِنُدُورِهِمَا دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ؛ وَلِأَنَّ إنْبَاتَهُمَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْبُلُوغِ لَمَا كَشَفُوا الْعَانَةَ فِي وَقْعَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ ، وَفِي مَعْنَاهُمَا الشَّارِبُ وَثِقْلُ الصَّوْتِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ وَنَتْفُ طَرَفِ الْحُلْقُومِ وَانْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ وَنَحْوُ

ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : وَلَدِ الْكَافِرِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَلَامَةً فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَامَةً فِي حَقِّ النِّسَاءِ ، لِأَنَّهُنَّ لَا يَقْتُلْنَ ، وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ أَنْ يَنْبُتَ عَلَى فَرْجَيْهِ مَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ ) ، فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى بُلُوغِهِ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَةِ آبَائِهِ وَأَقَارِبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَرُبَّمَا اسْتَعْجَلَ الْإِنْبَاتَ بِالْمُعَالَجَةِ دَفْعًا لِلْحَجْرِ وَتَشَوُّفًا لِلْوِلَايَاتِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِهِ إلَى الْقَتْلِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالطِّفْلُ الَّذِي تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ ، وَمَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِمَا ذُكِرَ مَعَ فِقْدَانِ الْعِلَّةِ ، فَقَدْ جَرَوْا فِي تَعْلِيلِهِمْ عَلَى الْغَالِبِ ( وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ حَيْضًا ) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ السِّنِّ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَنَبَاتِ الْعَانَةِ الشَّامِلِ لَهَا كَمَا مَرَّ ( وَحَبَلًا ) كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَزَيَّفَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْإِنْزَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ الْمَاءَيْنِ ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْمَرْأَةُ حَكَمْنَا بِحُصُولِ الْبُلُوغِ قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَةٍ ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ ، فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُلْحَقُ بِالزَّوْجِ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِلَحْظَةٍ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ .
وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ بِفَرْجِهِ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ وَجَدَ

أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يُعَارِضُهُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ : يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهُوَ الْحَقُّ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ، فَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِأَنَّ احْتِمَالَ ذُكُورَتِهِ مُسَاوٍ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ ، فَإِذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ مَنِيٍّ بِهِ أَوْ حَيْضٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَهُ مُحَقَّقَةً تُنْتَظَرُ ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّبَا فَلَا نُبْطِلُهُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ مَا يَقْدَحُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ لَنَا غَايَةً تُنْتَظَرُ ، وَهِيَ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ ، فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَبْقَى مَعَهَا الْحَيَاةُ ظَاهِرٌ ، لَكِنْ إذَا حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ أَثَرَهُ مِنْ الْقَتْلِ بِقَوَدٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ فِي الْبُلُوغِ ، وَفِيهِ بُعْدٌ ا هـ .
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : إنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ حَكَمْنَا بِهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : الِاسْتِدْلَال بِالْحَيْضِ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَبِالْمَنِيِّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الذُّكُورَةِ شَرْطُهُ التَّكْرَارُ ، وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ اسْتَنَدَا فِي تَصْوِيبِ الْأَخْذِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْأَخْذِ بِالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ ، فَعُلِمَ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي التَّكْرَارِ أَيْضًا ا هـ .
فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ

كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي .
فَإِنْ قِيلَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا ( وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ ) جَمِيعًا كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَاحُ الْمَالِ فَقَطْ فَإِنْ قِيلَ الرُّشْدُ الْوَاقِعُ فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ ، وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا يَعُمُّ ، وَلِذَلِكَ مَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى هَذَا الْوَجْهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ الْوَاقِعَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْكَافِرَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ ، ثُمَّ بَيَّنَ صَلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ ( فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ ) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُحَرَّمِ عَمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ ، كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ ، لِأَنَّ الْإِخْلَالَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : ثَالِثُهَا : إنْ كَانَ يَحْمِلُ شَهَادَةً حُرِّمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَعَنْ التَّجْرِيدِ وَالِاسْتِذْكَارِ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ أَوْ تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ .

وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ فِي الصَّدَقَةِ ، وَوُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ .

، وَإِصْلَاحُ الْمَالِ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ ) وَنَحْوِهَا ، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ : كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْمُعَامَلَةِ ، أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّ الزَّائِدَ صَدَقَةٌ خَفِيَّةٌ مَحْمُودَةٌ ( أَوْ رَمْيِهِ ) أَيْ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ ( فِي بَحْرٍ ) أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ .
تَنْبِيهٌ : التَّبْذِيرُ : الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ ، وَالسَّرَفُ : الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آدَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِضَاعَةِ أَوْ الْغَرَامَةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْإِنْفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيمَا أُخْرِجَ فِي الطَّاعَةِ ، وَيُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ : ضَيَّعَ وَخَسِرَ وَغَرِمَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ ( و الْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ ) أَيْ الْمَالَ وَإِنْ كَثُرَ ( فِي الصَّدَقَةِ ، وَ ) بَاقِي ( وُجُوهِ الْخَيْرِ ) كَالْعِتْقِ ( وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لَهُ فِي الصَّرْفِ فِي الْخَيْرِ غَرَضًا وَهُوَ الثَّوَابُ ، فَإِنَّهُ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ ، وَحَقِيقَةُ السَّرَفِ : مَا لَا يُكْسِبُ حَمْدًا فِي الْعَاجِلِ وَلَا أَجْرًا فِي الْآجِلِ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَكُونُ مُبَذِّرًا إنْ بَلَغَ مُفَرِّطًا فِي الْإِنْفَاقِ ، فَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُقْتَصِدًا فَلَا ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَيُلْتَذَّ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَكُونُ تَبْذِيرًا عَادَةً .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَوْنِ الصَّرْفِ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا

تَلِيقُ بِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْغَارِمِ .
وَإِذَا كَانَ غُرْمُهُ فِي مَعْصِيَةٍ كَالْخَمْرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ لَمْ يُعْطَ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا .
أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَلَا يُحْرَمُ ، وَالْمَذْكُورُ هُنَاكَ فِي الِاقْتِرَاضِ مِنْ النَّاسِ وَيَتَبَسَّطُ فِيهَا وَهُوَ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ حَرَامٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَرِضَ مَالَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا لَهُ مَا يُوَفِّيه مِنْهُ .

وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ وَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا ، وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَوَامِ بِهَا ، وَالْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ ، وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا ، يُشْتَرَطُ تَكَرُّرِ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ ، وَقِيلَ بَعْدَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ ، بَلْ يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ .

( وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ ) فِي الدِّينِ وَالْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } أَيْ اخْتَبِرُوهُمْ .
أَمَّا فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمَحْظُورَاتِ وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ ، وَمُخَالَطَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْثَى كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ الْمَرْأَةَ بَعْدُ ( وَ ) أَمَّا فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ ( يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرَاتِبِ ، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ) عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِيهِمَا ( وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا ) وَهُوَ طَلَبُ النُّقْصَانِ عَمَّا طَلَبَهُ الْبَائِعُ وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَبْذُلُهُ الْمُشْتَرِي ، وَإِذَا اُخْتُبِرَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَفَى وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاخْتِبَارِ فِي جَمِيعِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَوَلَدُ السُّوقَةِ كَوَلَدِ التَّاجِرِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ وَلَدِ التَّاجِرِ ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ( وَ ) يُخْتَبَرُ ( وَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَوَامِ بِهَا ) أَيْ إعْطَاؤُهُمْ الْأُجْرَةَ وَهُمْ الَّذِينَ اُسْتُؤْجِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ : كَالْحَرْثِ وَالْحَصْدِ وَالْحِفْظِ ( وَ ) يُخْتَبَرُ ( الْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ ) أَيْ حِرْفَةِ أَبِيهِ وَأَقَارِبِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي ، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ الْخَيَّاطِ مَثَلًا : بِتَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ وَوَلَدُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ يُعْطَى شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِيُنْفِقَهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ فِي خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَمَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ نَفَقَةَ يَوْمٍ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ ثُمَّ نَفَقَةَ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَفَقَةَ شَهْرٍ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ ا هـ .
وَقَدْ

يُقَالُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِذَلِكَ ، فَإِنْ أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ كَمَا سَيَأْتِي .
تَنْبِيهٌ : الْحِرْفَةُ الصَّنْعَةُ ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا ، وَيُخْتَبَرُ مَنْ لَا حِرْفَةَ لِأَبِيهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَنْ لَهُ وَلَدٌ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا ( وَ ) تُخْتَبَرُ ( الْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ ) مِنْ حِفْظٍ وَغَيْرِهِ ، وَالْغَزْلُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّدْرِ وَعَلَى الْمَغْزُولِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَرَادَ الْمَصْدَرَ : يَعْنِي أَنَّهَا هَلْ تَجْتَهِدُ فِيهِ أَوْ لَا ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : قَوْلُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ : أَيْ فِي بَيْتِهَا إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً ، وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً فَفِي بَيْعِ الْغَزْلِ وَشِرَاءِ الْقُطْنِ ا هـ .
وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرْته أَوَّلًا ، وَهَذَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ يَلِيقُ بِهَا الْغَزْلُ وَالْقُطْنُ .
أَمَّا بَنَاتُ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا تُخْتَبَرُ بِذَلِكَ بَلْ بِمَا يَعْمَلُهُ أَمْثَالُهَا ( وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ ) وَهِيَ الْأُنْثَى ، وَالذَّكَرُ هِرٌّ ، وَتُجْمَعُ الْأُنْثَى عَلَى هِرَرٍ ، كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ ، وَالذَّكَرُ عَلَى هِرَرَةٍ كَقِرْدٍ وَقِرَدَةٍ ( وَنَحْوِهَا ) كَالْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ الضَّبْطُ وَحِفْظُ الْمَالِ وَعَدَمُ الِانْخِدَاعِ ، وَذَلِكَ قَوَامُ الرُّشْدِ ، وَقِيلَ : إنَّ الْمُتَبَذِّلَةَ كَالرَّجُلِ فِي الِاخْتِبَارِ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ ، وَالْخُنْثَى تُخْتَبَرُ بِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالرُّشْدِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسْلِمِ ( وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرِ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ) بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ فَلَا يَكْفِي مَرَّةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِيهَا اتِّفَاقًا ( وَوَقْتُهُ ) أَيْ الِاخْتِبَارِ ( قَبْلَ الْبُلُوغِ ) لِآيَةِ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } ، وَالْيَتِيمُ إنَّمَا

يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ : الزَّمَنُ الْقَرِيبُ لِلْبُلُوغِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ رُشْدُهُ لِيُسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ ( وَقِيلَ بَعْدَهُ ) لِيَصِحَّ تَصَرُّفُهُ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَالْمُخَاطَبُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ وَلِيٍّ ، وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ ، وَالثَّانِي : الْحَاكِمُ فَقَطْ ، وَنَسَبَ الْجَوْزِيُّ الْأَوَّلَ إلَى عَامَّةِ الْأَصْحَابِ ، وَالثَّانِي إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ ، وَيَخْتَبِرُ الْمَرْأَةَ النِّسَاءُ وَالْمَحَارِمُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ ) بِالرَّفْعِ ( أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ ) لِمَا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ ( بَلْ ) يُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَالُ وَ ( يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ ) لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ عَقْدُهُ لِلْحَاجَةِ ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُمْتَحِنِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ .

فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ دَامَ الْحَجْرُ ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالَهُ ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي ، فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ .

وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَبَرَ السَّفِيهُ أَيْضًا ، فَإِذَا ظَهَرَ رُشْدُهُ عَقَدَ ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ ( فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ ) لِاخْتِلَالِ صَلَاحِ الدِّينِ أَوْ الْمَالِ ( دَامَ الْحَجْرُ ) عَلَيْهِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَقَوْلُهُ : دَامَ الْحَجْرُ : أَيْ الْجِنْسُ لَا حَجْرُ الصِّبَا لِانْقِطَاعِهِ بِالْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ ( وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ ) الْحَجْرُ عَنْهُ ( بِنَفْسِ الْبُلُوغِ ) أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ فَبِنَفْسِ الرُّشْدِ ( وَأُعْطِيَ مَالَهُ ) وَلَوْ امْرَأَةً فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهَا حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الزَّوْجِ ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد { لَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا } فَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى ضَعْفِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى ( وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي ) لِأَنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِغَيْرِ حَاكِمٍ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ زَوَالُهُ عَلَى إزَالَةِ الْحَاكِمِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الِانْفِكَاكِ وَإِعْطَاءِ الْمَالِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يُسَلَّمُ الْمَالُ إلَى الْمَرْأَةِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ يُدْفَعُ إلَيْهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، وَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَا لَمْ تَصِرْ عَجُوزًا ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقَتْ بِثُلُثِ مَالِهَا ثُمَّ بِثُلُثِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ بِثُلُثِ الْبَاقِي هَلْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إنْ جَوَّزْت سُلْطَتَهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ بِالتَّبَرُّعِ وَإِنْ مَنَعْت مَنَعْت الْحُرَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ مِنْ مَالِهِ ، وَلَا وَجْهَ لَهُ ( فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا ( حُجِرَ ) أَيْ حَجَرَ الْقَاضِي ( عَلَيْهِ ) لَا غَيْرُهُ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِآيَةِ { وَلَا تُؤْتُوا

السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } أَيْ أَمْوَالَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ } وَلِخَبَرِ { خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَهُ إلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ .
وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ وَإِنْ رَأَى النِّدَاءَ عَلَيْهِ لِيُتَجَنَّبَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَعَلَ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ رَشِيدًا لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَجْرُ إلَّا بِرَفْعِ الْقَاضِي لَهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ ( وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ ) كَالْجُنُونِ وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا هُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ ، فَالْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ ، وَلَا حَجْرَ بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ { قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَالَ لَهُ : إنَّهُ يُخْدَعُ فِي بَعْضِ الْبُيُوعِ : مَنْ بَايَعْت فَقُلْ : لَا خِلَابَةَ } وَلَا حَجْرَ بِالشِّحَّةِ عَلَى النَّفْسِ مَعَ الْيَسَارِ لِيُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ، وَقِيلَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالْقَائِلُ بِهِ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ إخْفَاءَ مَالِهِ لِشِدَّةِ شُحِّهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَشَدُّ مِنْ التَّبْذِيرِ .

وَلَوْ فُسِّقَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ طَرَأَ ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي ، وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ ، وَقِيلَ الْقَاضِي ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا إعْتَاقٌ وَهِبَةٌ وَنِكَاحٌ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ، فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مِنْ عَامِلِهِ أَوْ جَهِلَ ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ ، لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَيَصِحُّ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ ، وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ ، وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجِّ فَرْضٍ أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ ، وَإِنْ أَحْرَمَ

( وَلَوْ فَسَقَ ) مَعَ صَلَاحِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا ( لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ .
وَالثَّانِي : يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالِاسْتِدَامَةِ وَكَمَا لَوْ بَذَّرَ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَ اسْتِدَامَتِهِ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ ، وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجْرِ بِعَوْدِ التَّبْذِيرِ بِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا عَدَمُ إتْلَافِهِ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ ( وَ ) عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي فِي عَوْدِ التَّبْذِيرِ ( مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ ) أَيْ سُوءِ تَصَرُّفٍ ( طَرَأَ ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعِيدُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ ، إذْ وِلَايَةُ الْأَبِ وَنَحْوِهِ قَدْ زَالَتْ فَيُنْظَرُ مَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ ( وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ ) كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا : يَعُودُ الْحَجْرُ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْظُرْ إلَّا الْقَاضِي قَطْعًا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ ، وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِسَفَهِ رَجُلٍ وَفَسَّرَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا حِسْبَةً ( وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ ) وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ( وَقِيلَ ) وَلِيُّهُ ( الْقَاضِي ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ أَنَّ السَّفَهَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَاحْتَاجَ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ ( وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ ) وَلَوْ بِغِبْطَةٍ ( وَلَا شِرَاءٌ ) وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ لِمُنَافَاةِ الْحَجْرِ .
( وَلَا إعْتَاقٌ ) فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَالْكِتَابَةِ لِمَا مَرَّ .
أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ فَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَلَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ صَامَ كَمُعْسِرٍ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ .
وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ فَالصَّحِيحُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْوَلِيَّ يُعْتِقُ عَنْهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا فِعْلٌ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ

الدَّفْعَ ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ ، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَكُلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُخَيَّرَةِ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ إلَّا بِالصَّوْمِ ، وَمَا كَانَ مُرَتَّبًا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ : أَيْ مَعَ تَرَتُّبِهِ ، وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ سَبَبُهُ فِعْلٌ أَيْضًا ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا : ( وَ ) لَا ( هِبَةٌ ) مِنْهُ .
أَمَّا الْهِبَةُ لَهُ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ صِحَّتُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيتٍ بَلْ تَحْصِيلٌ ، وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ ، وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ بِالصِّحَّةِ لِقَبُولِ الْهِبَةِ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي : أَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ تَمَلُّكٌ ، بِخِلَافِ قَبُولِ الْهِبَةِ ، وَأَيْضًا قَبُولُ الْهِبَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفَوْرُ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَتَفُوتُ ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِذَا صَحَّحْنَا قَبُولَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ وَالْمُوصَى بِهِ إلَيْهِ ، فَإِنْ سَلَّمَهُمَا إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْمَوْهُوبِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ بِقَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ ( وَ ) لَا ( نِكَاحٌ ) يَقْبَلُهُ لِنَفْسِهِ ( بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلْمَالِ ، أَوْ مَظِنَّةُ إتْلَافِهِ ، وَقَوْلُهُ : بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ .
قَالَ الشَّارِحُ : قَيَّدَ فِي الْجَمِيعِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : يَعُودُ إلَى النِّكَاحِ فَقَطْ فَإِنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ بِالْإِذْنِ دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِحُ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْآتِي وَإِلَّا فَكَلَامُ غَيْرِهِ أَنْسَبُ .
أَمَّا قَبُولُ النِّكَاحِ بِالْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي

الْوَكَالَةِ وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لَا أَصَالَةً وَلَا وَكَالَةً أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا ( فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ ) مِنْ رَشِيدٍ ( وَقَبَضَ ) بِإِذْنِهِ أَوْ إقْبَاضِهِ ( وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ ) قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَهُ بِرَدِّهِ ( أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ عَامَلَهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ بِإِقْبَاضِهِ إيَّاهُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ قَبْلَ مُعَامَلَتِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ آنْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ ، أَوْ مِنْ رَشِيدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِقْبَاضِهِ ، أَوْ تَلِفَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا نَقَلَ الْقَطْعَ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الثَّالِثَةِ وِفَاقًا لِتَصْرِيحِ الصَّيْدَلَانِيِّ ، وَلَا مَعْنَى لِاقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ لَوْ نَكَحَ بِلَا إذْنٍ وَوَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ ، وَلَوْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ حَتَّى صَارَ رَشِيدًا وَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا ثُمَّ تَلِفَتْ وَلَمْ يَرُدَّهَا ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ اسْتَقَلَّ بِإِتْلَافِهَا ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهُوَ ظَاهِرٌ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : لُغَةٌ شَاذَّةٌ ، وَالْمَعْرُوفُ أَعَلِمَ أَمْ جَهِلَ بِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ مَعَ عَلِمَ وَبِأَمْ مَوْضِعَ أَوْ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ سُمِعَ : سَوَاءٌ عَلَيَّ قُمْت أَوْ قَعَدْت ( وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ ) عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ

النِّكَاحِ ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ بِشُرُوطِهَا ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مَسْلُوبَةٌ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِصَبِيٍّ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ كَالنِّكَاحِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ حِفْظُ الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ ، وَمَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ إذَا عَيَّنَ لَهُ الْوَلِيُّ قَدْرَ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا ، وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ ، فَإِنْ كَانَ خَالِيًا عَنْهُ كَعِتْقٍ وَهِبَةٍ لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ إطْلَاقِهِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَصَالَحَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ عَلَى الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ .
وَمِنْهَا عَقْدُ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ بِدِينَارٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَلِيُّ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْوَلِيِّ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَالَحَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ بِأَنَّ صِيَانَةَ الرُّوحِ عَنْ الْقِصَاصِ قَدْ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ إعْطَاءِ الدِّينَارِ ، وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ كَالْجِزْيَةِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ فَإِنَّ لَهُ الْعَفْوَ عَلَى مَالٍ وَكَذَا مَجَّانًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ : مَنْ رَدَّ عَلَيَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِعَالَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَسْتَحِقُّهُ ، فَالْبَالِغُ السَّفِيهُ أَوْلَى .
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَبَضَ دَيْنَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : اعْتَدَّ بِهِ فِي أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَّاطِي .
وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَعَ فِي أَسْرٍ فَفَدَى نَفْسَهُ بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ عَقْدُ

الْجِزْيَةِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ فَتَحْنَا بَلَدًا لِلسُّفَهَاءِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَنَا وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَالْجِزْيَةِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِمَالِهِ التَّبَرُّعُ بِهِ مِنْ مَنَافِعِهِ ، وَهُوَ مَا لَيْسَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ انْتَهَى الْأَمْرُ فِي الْمَطَاعِمِ إلَى الضَّرُورَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : الْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِتَجْوِيزِ تَصَرُّفَاتِهِ ( وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ) بِالنِّكَاحِ كَمَا لَا يَصِحُّ نُشُوءُهُ ، وَلَا ( بِدَيْنٍ ) فِي مُعَامَلَةٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا ( قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ ) إلَى مَا ( بَعْدَهُ ) كَالصَّبِيِّ ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ ( وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ ) أَوْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ ( فِي الْأَظْهَرِ ) كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ .
وَالثَّانِي : يُقْبَلُ ، لِأَنَّهُ إذَا بَاشَرَ الْإِتْلَافَ يَضْمَنُ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلُ .
وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ جَزْمًا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَ فَكِّهِ ، وَمَحَلُّهُ فِي الظَّاهِرِ .
وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ أَدَاؤُهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي إقْرَارِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ رُشْدِهِ أَنَّهُ كَانَ أَتْلَفَ مَالًا لَزِمَهُ الْآنَ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ ( وَيَصِحُّ ) إقْرَارُهُ ( بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ وَلِبُعْدِ التُّهْمَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَدُّ سَرِقَةً قُطِعَ .
وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَا بِإِقْرَارِهِ ( وَ ) يَصِحُّ ( طَلَاقُهُ ) وَرَجْعَتُهُ ( وَخُلْعُهُ ) زَوْجَتَهُ بِمِثْلِ الْمَهْرِ وَبِدُونِهِ ( وَ ) يَصِحُّ ( ظِهَارُهُ ) وَإِيلَاؤُهُ وَإِيلَادُهُ (

وَنَفْيُهُ النَّسَبَ ) لِمَا وَلَدَتْهُ زَوْجَتُهُ ( بِلِعَانٍ ) وَلِمَا وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ بِحَلِفٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَا عَدَا الْخُلْعَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ .
وَأَمَّا الْخُلْعُ ، فَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ طَلَاقُهُ مَجَّانًا فَبِعِوَضٍ أَوْلَى ، إلَّا أَنَّ الْمَالَ يُسَلَّمُ إلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ كَمَا تَقَرَّرَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُهُ فِي النِّكَاحِ تُسُرِّيَ جَارِيَةً إنْ احْتَاجَ إلَى الْوَطْءِ فَإِنْ كَرِهَهَا أُبْدِلَتْ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ بِلِعَانٍ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَعَمَّ لِشُمُولِهِ نَفْيَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ أَمَتِهِ ، فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يُلَاعِنُ بَلْ يَحْلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا مَرَّ ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِيلَادِ أَمَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ا هـ .
نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ فِرَاشٌ لَهُ وَوَلَدَتْ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ ( وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ ) الْوَاجِبَةِ مُطْلَقًا وَالْمَنْدُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ ( كَالرَّشِيدِ ) لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ .
أَمَّا الْمَنْدُوبَةُ الْمَالِيَّةُ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَلَيْسَ هُوَ فِيهَا كَالرَّشِيدِ ( لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌّ .
نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ لَهُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ صَحَّ صَرْفُهُ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ ، وَكَمَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْلِفُ الْمَالَ إذَا خَلَا بِهِ ، أَوْ يَدَّعِي صَرْفَهُ كَاذِبًا ، وَكَالزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا ، وَيَصِحُّ نَذْرُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْمَالِ لَا بِعَيْنِ

مَالِهِ ، وَالْمُرَادُ بِصِحَّةِ نَذْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ ( وَإِذَا أَحْرَمَ ) حَالَ الْحَجْرِ ( بِحَجٍّ فَرْضٍ ) أَصْلِيٍّ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ مَنْذُورٍ قَبْلَ الْحَجْرِ وَكَذَا بَعْدَهُ إذَا سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ ) وَلَوْ بِأُجْرَةٍ ، أَوْ يَخْرُجُ الْوَلِيُّ مَعَهُ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ خَوْفًا مِنْ تَفْرِيطِهِ فِيهِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ لِلْإِحْرَامِ ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ ، وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ الْمَفْرُوضَ بِالْجِمَاعِ فِي حَالِ سَفَهِهِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ وَيُعْطِيهِ الْوَلِيُّ نَفَقَةَ الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَى أَدَائِهِ لَهُ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ اللَّامِ مِنْ الثِّقَةِ ؛ لِأَنَّ أَعْطَى يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ .

بِتَطَوُّعٍ وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ قُلْت : وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَإِنْ أَحْرَمَ ) حَالَ الْحَجْرِ ( بِتَطَوُّعٍ ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ، أَوْ بِنَذْرٍ بَعْدَ الْحَجْرِ وَسَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ وَهُوَ الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ ( وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ ) لِإِتْمَامِ النُّسُكِ ، أَوْ إتْيَانِهِ بِهِ ( عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ ) فِي الْحَضَرِ ( فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ ) مِنْ الْإِتْمَامِ أَوْ الْإِتْيَانِ بِهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ نَظَرٌ وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بَيْنَهُمَا بِاسْتِقْلَالِ السَّفِيهِ ( وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُضِيِّ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا هَذَا .
وَالثَّانِي : لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِلِقَاءِ الْبَيْتِ كَمَنْ فَقَدْ زَادَهُ وَرَاحِلَتَهُ ( قُلْت : وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجِّ ؛ ( لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ ) أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا بَدَلَ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمُحْصَرِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ ؛ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ السَّفِيهِ أَيْضًا ( وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِلْمَالِ مُمْكِنٌ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا بِالْأُجْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا حَاصِلًا ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ مَعَ غِنَاهُ بِخِلَافِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْوَلِيِّ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيُّ كِلَاهُمَا عَجِيبٌ ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَسْبُ فِي طَرِيقِهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ .
أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ قَبْلَ الْحَجْرِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ

قَبْلَ إتْمَامِهِ فَإِنَّهُ كَالْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْحَجِّ .

فَصْلٌ وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ وَصِيُّهُمَا ثُمَّ الْقَاضِي ، وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ .

فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ ( وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ ) بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالصَّغِيرِ لَكَانَ أَوْلَى .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : إنَّ الصَّبِيَّ يَشْمَلُ الصَّبِيَّةَ ، كَمَا قَالَ : إنَّ الْعَبْدَ يَشْمَلُ الْأَمَةَ ( ثُمَّ جَدُّهُ ) أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ، وَتَكْفِي عَدَالَتُهُمَا الظَّاهِرَةُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا فَإِنْ فَسَقَا نَزَعَ الْقَاضِي الْمَالَ مِنْهُمَا ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، وَهَلْ يَنْعَزِلَانِ بِالْفِسْقِ ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ ، وَيَنْبَغِي الِانْعِزَالُ ، وَعَلَيْهِ لَوْ فَسَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ اللُّزُومِ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا ، فَإِنَّ الْكَافِرَ يَلِي وَلَدَهُ الْكَافِرَ .
لَكِنْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ نُقِرَّهُمْ وَنَلِي نَحْنُ أَمْرَهُمْ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ الْأَمَانَةُ ، وَهِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ أَقْوَى ، وَالْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ النِّكَاحِ الْمُوَالَاةُ ، وَهِيَ فِي الْكَافِرِ أَقْوَى ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( ثُمَّ وَصِيُّهُمَا ) أَيْ وَصِيُّ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ ( ثُمَّ الْقَاضِي ) أَوْ أَمِينُهُ لِخَبَرِ { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَرَ فَالْوَلِيُّ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ كَمَالِ الْغَائِبِينَ ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ بِمَا يَقْتَضِيه الْحَالُ مَعَ الْغِبْطَةِ اللَّائِقَةِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ أَمَّا تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالتِّجَارَةِ

وَالِاسْتِنْمَاءِ فَالْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِقَاضِي بَلَدِ الْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فِي النِّكَاحِ فَكَذَا فِي الْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ عَزْوُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَاحْذَرْهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَعَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَلِقَاضِي بَلَدِهِ الْعَدْلِ الْأَمِينِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ قَاضِي بَلَدِ مَالِهِ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ لَهُ فِيهِ ، وَلْيَتَّجِرْ لَهُ فِيهِ ثَمَّ ، أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ عَقَارًا ، وَيَجِبُ عَلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إسْعَافُهُ بِذَلِكَ ، وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَكَذَا مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمَذْكُورِينَ عَلَى مَالِ الْأَجِنَّةِ وَصَرَّحَا بِهِ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مِيرَاثِ الْحَمْلِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاكِمِ فَقَطْ ، وَمِثْلُهُ الْبَقِيَّةُ .
قَالَ الْجُرْجَانِيِّ : وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ فِي حَالِ مَحْجُورِهِمْ وَتَوَلِّي حِفْظَ مَالِهِ ( وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ ) كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ .
وَالثَّانِي : تَلِي بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَتُقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِمَا لِكَمَالِ شَفَقَتِهَا ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِسَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ .
نَعَمْ لَهُمْ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَسُومِحَ بِهِ ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ ا هـ .
أَمَّا السَّفِيهُ فَوَاضِحٌ .
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَفِيهِ نَظَرٌ .
نَعَمْ إنْ حُمِلَ عَلَى مَنْ لَهُ نَوْعٌ تَمْيِيزٍ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ .

وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ ، وَيَبْنِي دُورَهُ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ لَا اللَّبِنِ وَالْجِصِّ .

( وَيَتَصَرَّفُ ) لَهُ ( الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وقَوْله تَعَالَى { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ } وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا شَرَّ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ حِفْظُ مَالِ الصَّبِيِّ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَاسْتِنْمَاؤُهُ قَدْرَ مَا تَأْكُلُهُ الْمُؤَنُ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا إنْ أَمْكَنَ ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ ، وَلَوْ خَافَ الْوَلِيُّ اسْتِيلَاءَ ظَالِمٍ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ ، فَلَهُ بَذْلُ بَعْضِهِ لِتَخْلِيصِهِ وُجُوبًا ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِخَرْقِ السَّيِّدِ الْخَضِرِ السَّفِينَةَ ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ السَّفِيهِ كَسْبٌ : أَيْ يَلِيقُ بِهِ أَجْبَرَهُ الْوَلِيُّ عَلَى الِاكْتِسَابِ لِيَرْتَفِقَ بِهِ فِي ذَلِكَ ، وَنُدِبَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الْعَقَارَ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا حَصَلَ مِنْ رِيعِهِ الْكِفَايَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ جَوْرًا مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ خَرَابًا لِلْعَقَارِ وَلَمْ يَجِدْ بِهِ نَقْلَ خَرَاجٍ ، وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقْتَ الْأَمْنِ ، وَالتَّسْفِيرُ بِهِ مَعَ ثِقَةٍ وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ مِنْ نَحْوِ حَرِيقٍ أَوْ نَهْبٍ ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ لَا فِي نَحْوِ بَحْرٍ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَا يَرْكَبُ بِالصَّبِيِّ الْبَحْرَ وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ كَمَالِهِ ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُرُمَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِهِ هُوَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْكِبَهُ الْبَحْرَ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ ، كَمَا يَجُوزُ إرْكَابُ نَفْسِهِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ ، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ تَحْرِيمِ إرْكَابِ

الْبَهَائِمِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْحَامِلِ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي الْجَمِيعِ ( وَيَبْنِي دُورَهُ ) وَمَسَاكِنَهُ ( بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ ) أَيْ الطُّوبِ الْمُحْرَقِ ؛ لِأَنَّ الطِّينَ قَلِيلُ الْمُؤْنَةِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ النَّقْضِ وَالْآجُرُّ يَبْقَى ( لَا اللَّبِنِ ) أَيْ الطُّوبِ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ ( وَالْجِصِّ ) أَيْ الْجِبْسِ ؛ لِأَنَّ اللَّبِنَ قَلِيلُ الْبَقَاءِ وَيَتَكَسَّرُ عِنْدَ النَّقْضِ وَالْجِبْسَ كَثِيرُ الْمُؤَنِ ، وَلَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ عِنْدَ النَّقْضِ بَلْ يَلْصَقُ بِالطُّوبِ فَيُفْسِدُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : " وَالْجِصِّ " بِالْوَاوِ هِيَ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَعِبَارَةُ الْكَبِيرِ أَوْ الْجِصِّ بِأَوْ ، وَهِيَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي اللَّبِنِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ الطِّينِ أَمْ الْجِصِّ ، وَعَلَى الِامْتِنَاعِ فِي الْجِصِّ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ اللَّبِنِ أَمْ الْآجُرِّ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَيُفْهَمُ الْمَنْعُ فِيمَا عَدَاهُمَا ، وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْبِنَاءِ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ جَوَازَ الْبِنَاءِ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ كَيْفَ كَانَ ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّاشِيُّ ، وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ ، وَفِي الْبَيَانِ بَعْدَمَا نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ : وَهَذَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَعِزُّ فِيهَا وُجُودُ الْحِجَارَةِ ، فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ تُوجَدُ فِيهِ الْحِجَارَةُ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْآجُرِّ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ بَقَاءً وَأَقَلُّ مُؤْنَةً ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْبِنَاءِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنْ يُسَاوِيَ كُلْفَتَهُ ، وَقِيلَ : هَذَا قَلَّ أَنْ يُوجَدَ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ مَنْعٌ لِلْبِنَاءِ ، وَقَوْلُهُ : وَيَبْنِي دُورَهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ لَهُ بِنَاءَ الْعَقَارِ وَلَيْسَ مُرَادًا .
وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ : إنَّمَا

يَبْنِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ أَحَظَّ .
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ : وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ .

وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ .

( وَلَا ) يَشْتَرِي لَهُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَإِنْ كَانَ مُرِيحًا ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَا ( يَبِيعُ عَقَارَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ أَسْلَمُ وَأَنْفَعُ مِمَّا عَدَاهُ ( إلَّا لِحَاجَةٍ ) كَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ بِأَنْ لَمْ تَفِ غَلَّةُ الْعَقَارِ بِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ ، أَوْ لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي الِاقْتِرَاضِ ، أَوْ خَافَ خَرَابَهُ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَكَذَا لَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَعَقَارُهُ فِي آخَرَ وَيَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي تَوْجِيهِ مَنْ يَجْمَعُ الْغَلَّةَ فَيَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِبَلَدِ الْيَتِيمِ ، أَوْ يَبْنِي فِيهِ مِثْلَهُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَظْهَرُ أَيْضًا جَوَازُ بَيْعِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ دَفْعًا لِرُجُوعِ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ ( أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ ) كَأَنْ يَرْغَبَ فِيهِ شَرِيكٌ أَوْ جَارٌ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ ، أَوْ يَكُونَ ثَقِيلَ الْخَرَاجِ : أَيْ الْمَغَارِمِ مَعَ قِلَّةِ رِيعِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : " ظَاهِرَةٍ " مِنْ زِيَادَةِ الْمِنْهَاجِ عَلَى بَقِيَّةِ كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَضَابِطُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أَنْ لَا يَسْتَهِينَ بِهَا الْعُقَلَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شِرَاءِ الْعَقَارِ ، وَكَالْعَقَارِ فِيمَا ذُكِرَ آنِيَةُ الْقُنْيَةِ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ .
قَالَ : وَمَا عَدَاهُمَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا إلَّا لِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ لَكِنْ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ يَسِيرَةٍ وَرِبْحٍ قَلِيلٍ لَائِقٍ بِخِلَافِهِمَا .
وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ ، بَلْ لَوْ رَأَى الْبَيْعَ بِأَقَلَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِيَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا هُوَ مَظِنَّةً لِلرِّبْحِ جَازَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلَوْ طَلَبَ مَالَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَجَبَ بَيْعُهُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَقَارًا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ كِفَايَتُهُ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ عِمَارَةَ

عَقَارِ مَحْجُورِهِ حَتَّى خَرِبَ مَعَ الْقُدْرَةِ أَثِمَ ، وَهَلْ يَضْمَنُ كَمَا فِي تَرْكِ عَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا كَمَا فِي تَرْكِ التَّلْقِيحِ ؟ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ إيجَارَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ الضَّمَانِ فِيهِمَا وَيُفَارِقُ تَرْكَ الْعَلَفِ بِأَنَّ فِيهِ إتْلَافُ رَوْحٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا .
قَالَ الْقَفَّالُ : وَيَضْمَنُ وَرَقَ الْفِرْصَادِ إذَا تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ : أَيْ تَلِفَ ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ مَالِهِ لِتَوَقُّعِ زِيَادَةٍ فَتَلِفَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ .
قَالَ الْعَبَّادِيُّ : وَلَوْ أَجَّرَ بَيَاضَ أَرْضِ بُسْتَانِهِ بِأُجْرَةٍ وَافِيَةٍ بِمِقْدَارِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الثَّمَرِ ثُمَّ سَاقَى عَلَى شَجَرِهِ عَلَى سَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ لِلْيَتِيمِ ؛ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ : الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ شَيْئًا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَحَرِيقٍ وَنَهْبٍ ، أَوْ أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ .
أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ وَلَا يُقْرِضُهُ إلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ ، وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَإِلَّا تَرَكَهُ ، وَلَا يُودِعُهُ أَمِينًا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ إقْرَاضِهِ .

وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ وَارْتَهَنَ بِهِ ، وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ، وَيُزَكِّي مَالَهُ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ .

( وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ ) الَّتِي يَرَاهَا فِيهِمَا ، كَأَنْ يَكُونَ فِي الْأَوَّلِ رِبْحٌ وَفِي الثَّانِي زِيَادَةٌ لَائِقَةٌ ، أَوْ خَافَ عَلَيْهِ مِنْ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ ( وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ ) عَلَى الْبَيْعِ وُجُوبًا ( وَارْتَهَنَ بِهِ ) أَيْ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَافِيًا بِهِ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا ثِقَةً وَالْأَجَلُ قَصِيرًا عُرْفًا احْتِيَاطًا لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ضَمِنَ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَبَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ .
قَالَ : وَقَالَ الْإِمَامُ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيئًا ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ ، وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْكَفِيلُ عَنْ الِارْتِهَانِ .
نَعَمْ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ الِارْتِهَانُ مِنْ نَفْسِهِمَا لَهُ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا بِأَنْ بَاعَا مَالَهُ لِأَنْفُسِهِمَا نَسِيئَةً ؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ فِي حَقِّهِ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِصِحَّةِ بَيْعِهِمَا مَالَ وَلَدِهِمَا إذَا رَفَعَاهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتَا أَنَّ بَيْعَهُمَا وَقَعَ بِالْمَصْلَحَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ فِي حَقِّ وَلَدِهِمَا وَفِي وُجُوبِ إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ بِالْعَدَالَةِ لِيُسَجِّلَ لَهُمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الِاكْتِفَاءُ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ كَشُهُودِ النِّكَاحِ وَالثَّانِي : نَعَمْ كَمَا يَجِبُ إثْبَاتُ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ .
وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي جَوَازِ تَرْكِ الْحُكْمِ لَهُمَا عَلَى الْوِلَايَةِ ، وَهَذَا فِيمَا إذَا طَلَبَا مِنْهُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُمَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إقَامَتُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالْمَصْلَحَةِ وَبِعَدَالَتِهِمَا ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَمَالِ أَنَّهُمَا بَاعَا مَالَهُ وَلَوْ غَيْرَ عَقَارٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ فَيَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ ، بَلْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ

لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا وَلَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ مَالَ الطِّفْلِ أَوْ الْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ نَفْسِهِ لَهُ ، وَلَا يَقْتَصُّ لَهُ وَلِيٌّ وَلَوْ أَبًا ، وَلَا يَعْفُو عَنْ الْقِصَاصِ .
نَعَمْ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الْأَرْشِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجِنَايَاتِ ؛ لِأَنَّ الصِّبَا لَهُ غَايَةٌ تُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ ، وَلَا يُعْتِقُ رَقِيقَهُ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ ، وَلَا يُكَاتِبُهُ ، وَلَا يُدَبِّرُهُ ، وَلَا يُعَلِّقُ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ، وَلَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ لِخَبَرِ { إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَلَا يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْمُسَابَقَةِ ، وَلَا يَشْتَرِي لَهُ إلَّا مِنْ ثِقَةٍ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَا يَظْهَرُ جَوَازُ شِرَاءِ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ لِغَرَرِ الْهَلَاكِ ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ لَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ( وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ) الَّتِي رَآهَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهَا ، فَيَجِبُ الْأَخْذُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ ، وَيَحْرُمُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْكِهِ ، فَلَوْ اسْتَوَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْأَخْذُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يَتَخَيَّرُ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ .
وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ هُنَا : وَالنَّصُّ يُفْهِمُهُ ، وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَهُ : أَيْ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لِوُرُودِهَا بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ ، وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ مَعَ الْغِبْطَةِ فِيهِ ثُمَّ كَمُلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَلِيِّ حِينَئِذٍ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَلَا يَفُوتُ

بِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْغِبْطَةِ وَلَوْ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مَعًا كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ أَخَذَ الْوَلِيُّ مَعَ الْغِبْطَةِ ثُمَّ كَمُلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الرَّدَّ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّ الْوَلِيَّ تَرَكَ الْأَخْذَ مَعَ الْغِبْطَةِ ، وَيَلْزَمُ لِوَلِيِّ الْبَيِّنَةِ إلَّا عَلَى أَبٍ أَوْ جَدٍّ قَالَ : إنِّي تَرَكْتُهَا لِغِبْطَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ ( وَيُزَكِّي مَالَهُ ) وُجُوبًا ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ ( وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ ) فِي طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فِي إعْسَارِهِ وَيَسَارِهِ ، فَإِنْ قَتَّرَ أَثِمَ وَإِنْ أَسْرَفَ أَثِمَ وَضَمِنَ وَيُخْرِجُ عَنْهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ ذَلِكَ مِنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : الدَّيْنُ الْحَالُّ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ دَيْنٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِيَارِ فَتَوَقَّفَ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَى طَلَبِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا ، وَيُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ تَوَقُّفِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الطَّلَبِ لَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ مَجْنُونًا أَوْ طِفْلًا أَوْ زَمِنًا يَعْجِزُ عَنْ الْإِرْسَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ خَاصٌّ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ طَلَبِهِ ، وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْوَلِيِّ وَلَا نَفَقَةَ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَشُغِلَ بِسَبَبِهِ عَنْ الِاكْتِسَابِ أَخَذَ الْأَقَلَّ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ .
قَالَ تَعَالَى { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } وَكَالْأَكْلِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ ، وَإِنَّمَا

خُصَّ بِالذَّكَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ وَلَوْ نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً عَنْ نَفَقَتِهِ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ فَقِيرًا تَمَّمَهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ بِلَا عَمَلٍ فَمَعَهُ أَوْلَى ، وَإِذَا أَخَذَ لِفَقْرِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْبَدَلِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلِيِّ غَيْرِ الْحَاكِمِ .
أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ وِلَايَتِهِ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى أَمِينِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ ، وَلِلْوَلِيِّ خَلْطُ مَالِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَمُوَاكِلَتُهُ لِلِارْتِفَاقِ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ حَظٌّ .
قَالَ تَعَالَى { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } وَإِلَّا امْتَنَعَ .
قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَيُسَنُّ لِلْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَكْلِ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَرَدَتْ فِيهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمُوَلِّيهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ قَدَّمَ نَفْسَهُ وَإِنْ تَضَجَّرَ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ بِهَا بِنَفْسِهِ .

فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ .

( فَإِذَا ادَّعَى ) الصَّغِيرُ ( بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا ) لِمَالِهِ .
وَلَوْ عَقَارًا ( بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَبُولُ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً ، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهَا كَأُمَّهَاتِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ ( وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ ) أَيْ مَنْصُوبِ الْقَاضِي ( صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ ) لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّهِمَا ، وَقِيلَ : يُصَدَّقُ الْوَلِيُّ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ ، وَقِيلَ : لَا يُصَدَّقُ مُطْلَقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ ، وَقِيلَ : يُصَدَّقُ الْأَبُ وَالْجَدُّ مُطْلَقًا وَغَيْرُهُمَا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهِ ، وَإِذَا قُلْنَا : لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ فَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ .
أَمَّا فِيهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَبُولُ قَوْلِهِمَا لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا فِيهَا ، وَدَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلِيِّ كَدَعْوَاهُ عَلَى الْوَلِيِّ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إنْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا إنْ اشْتَرَى مِنْهُمَا ، وَلَوْ أَقَامَ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ حُكِمَ لَهُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْحَلِفِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدَّعْوَى عَلَى الْقَاضِي ، وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بِهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ حُكْمِهِ وَتَوَقَّفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَعْزُولًا ، ثُمَّ اُعْتُمِدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ مُطْلَقًا ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ .
خَاتِمَةٌ : سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ يَتِيمٍ تَحْتَ حَجْرِ الشَّرْعِ لَهُ مَالٌ يُعَامِلُ فِيهِ نَاظِرُ الْأَيْتَامِ

بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ثُمَّ إنَّ الْيَتِيمَ سَكَنَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْقُدْسِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ يَتَحَقَّقُ فِيهَا بُلُوغُهُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ لَا هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْمُعَامَلَةُ فِي مَالِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْبُلُوغِ الْمَذْكُورَةِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَا ؟ فَقَالَ : لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي مَالِهِ وَلَا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ ، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ : إنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَجَّرَ الصَّبِيَّ مُدَّةً يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْبُلُوغِ ، وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ سَفِيهَةٍ تَحْتَ الْحَجْرِ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِرُشْدِهَا ثُمَّ حَضَرَ وَلِيُّهَا ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِسَفَهِهَا أَيُّهُمَا تُقَدَّمُ ؟ فَقَالَ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ السَّفَهِ ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَتَشْهَدَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ ، بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَشْرَبُ الْخَمْرَ مَثَلًا .
أَمَّا إذَا أَطْلَقَتْ فَالْوَجْهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الرُّشْدِ .

بَابُ الصُّلْحِ وَهُوَ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ، وَهُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ ، فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ فَهُوَ بَيْعٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنْ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا ، أَوْ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا ، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ .

بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فِيهَا ، هُوَ لُغَةً : قَطْعُ النِّزَاعِ ، وَشَرْعًا : عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ : صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ .
وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ ، وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } وَخَبَرُ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ ، وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا ، وَالصُّلْحُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ، وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ : أَنْ يُصَالِحَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ ، وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ غَالِبًا ( وَهُوَ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ، وَهُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ ، فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا وَصَالَحَهُ عَنْهَا بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ ( فَهُوَ بَيْعٌ ) لِلْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِلَفْظِ الصُّلْحِ ) وَيُسَمَّى صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ ( تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ ) أَيْ الْبَيْعِ ( كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ ) فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ ( قَبْلَ قَبْضِهِ وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنْ اتَّفَقَا ) أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ ( فِي عِلَّةِ الرِّبَا ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ كَاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي إذَا كَانَا جِنْسًا رِبَوِيًّا وَاشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَفَسَادُهُ بِالْغَرَرِ وَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْجَهْلِ ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ

يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى دَيْنٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مَثَلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ ، وَلَوْ أَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ عَيْنَ بِغَيْرٍ لَدَخَلَ ذَلِكَ ، لَكِنْ لَا يَنْعَقِدُ السَّلَمُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ ( أَوْ ) جَرَى الصُّلْحُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ ( عَلَى مَنْفَعَةٍ ) لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً ( فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا ) أَيْ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْإِجَارَةِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ ، فَإِنَّهَا إعَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا ، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً فَإِعَارَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَإِلَّا فَمُطْلَقَةٌ ( أَوْ ) جَرَى الصُّلْحُ ( عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ ) كَرُبُعِهَا ( فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا ) الْبَاقِي ( لِصَاحِبِ الْيَدِ ) عَلَيْهَا ( فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا ) أَيْ الْهِبَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي بَابِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَغَيْرِهِ لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَى ذَلِكَ فَتَصِحُّ فِي الْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِمَا ( وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ) لَهُ لِعَدَمِ الثَّمَنِ ( وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ ) كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى رُبُعِهَا ؛ لِأَنَّ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَفْظُ الصُّلْحِ : هِيَ سَبْقُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَتَضَمَّنُ الْمُعَاوَضَةَ وَلَا عِوَضَ هُنَاكَ لِلْمَتْرُوكِ ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقَابِلَ الْإِنْسَانُ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ .
وَحَمْلُهُ الْأَوَّلُ عَلَى الْهِبَةِ تَنْزِيلًا لِهَذَا اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ كَلَفْظِ التَّمْلِيكِ ، وَيُسَمَّى هَذَا صُلْحُ الْحَطِيطَةِ .

وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ صَالِحْنِي عَنْ دَارِك بِكَذَا فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ .
( وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ صَالِحْنِي عَنْ دَارِك ) مَثَلًا ( بِكَذَا ) فَأَجَابَهُ ( فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ الْخُصُومَةِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَمْ لَا ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ، فَأَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَاهُ وَنَوَيَا الْبَيْعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كِنَايَةً بِلَا شَكٍّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَإِنْ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ .

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ صَحَّ .
( وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ ) يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ( عَلَى ) غَيْرِهِ ( عَيْنٍ ) أَوْ دَيْنٍ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : أَوْ مَنْفَعَةٍ ( صَحَّ ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ، سَوَاءٌ أَعَقَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْإِجَارَةِ .
أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : عَلَى عَيْنٍ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِغَيْرِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ لَفْظَةِ عَيْنٍ تُنَافِي كَمَا قَالَ الْفَزَارِيّ تَفْصِيلَهُ الْآتِي بِقَوْلِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا إلَى قَوْلِهِ أَوْ دَيْنًا .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ عَلَى عِوَضٍ وَهُوَ الصَّوَابُ لِتَقْسِيمِهِ إيَّاهُ بَعْدُ إلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ ا هـ .
وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ

فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ ، أَوْ دَيْنًا اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ فَهُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا .

( فَإِنْ تَوَافَقَا ) أَيْ الدَّيْنُ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْعِوَضُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ ( فِي عِلَّةِ الرِّبَا ) كَالصُّلْحِ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ ( اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ ) حَذَرًا مِنْ الرِّبَا ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَإِلَّا ) قَالَ الشَّارِحُ : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقْ الْمُصَالَحُ مِنْهُ الدَّيْنُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فَجَعَلَهُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ : كَالصُّلْحِ عَنْ فِضَّةٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ ثَوْبٍ ( فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنٌ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ( أَوْ ) كَانَ الْعِوَضُ ( دَيْنًا ) كَصَالَحْتُك عَنْ دَرَاهِمِي الَّتِي عَلَيْك بِكَذَا ( اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ ) لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ( وَفِي قَبْضِهِ ) فِي الْمَجْلِسِ ( الْوَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَا رِبَوِيَّيْنِ اُشْتُرِطَ لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ ، وَلَوْ أَحَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً قَبَضَهَا بِقَبْضِ مَحِلِّهَا فِيهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُ اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ ( وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ ) كَرُبُعِهِ ( فَهُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الدَّيْنِ يَنْقَسِمُ إلَى مُعَاوَضَةٍ وَحَطِيطَةٍ كَالْعَيْنِ ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْبَاقِي فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْعَقْدَ مُعَاوَضَةً ، بَلْ إبْرَاءً ، وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ إذَا امْتَنَعَ الْمُبْرَأُ مِنْ أَدَاءِ الْبَاقِي أَمْ لَا ؟

وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْعَوْدِ ( وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا ) كَالْوَضْعِ وَالْإِسْقَاطِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : طَلَبَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا وَنَادَى : يَا كَعْبُ ، فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ ، فَقَالَ قَدْ فَعَلْت ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُمْ فَاقْضِهِ } .

وَبِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ .
وَإِذَا جَرَى ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْإِبْرَاءِ : كَأَبْرَأْتُكَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ : كَوَضَعْتهَا أَوْ أَسْقَطْتهَا عَنْك لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ ( وَ ) يَصِحُّ ( بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ ) كَصَالَحْتُكَ عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ، وَالْخِلَافُ كَالْخِلَافِ فِي الصُّلْحِ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى بَعْضِهَا : بِلَفْظِ الصُّلْحِ ، فَيُؤْخَذُ تَوْجِيهُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ مُدْرِكُهُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى ، وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطُهُ ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْمُصَالَحِ بِهَا مُعَيَّنَةً وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا عِوَضًا فَيَصِيرُ بَائِعًا الْأَلْفَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْخُوَارِزْمِيّ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ .

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ أَوْ عَكَسَ لَغَا ، فَإِنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ .
( وَلَوْ صَالَحَ مِنْ ) دَيْنٍ ( حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً ( أَوْ عَكَسَ ) أَيْ صَالَحَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى حَالٍّ مِثْلِهِ كَذَلِكَ ( لَغَا ) الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ فِي الْأُولَى مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ ، وَصِفَةُ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَعْدٌ مِنْ الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ ، وَالصِّحَّةُ وَالتَّكْسِيرُ كَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ ( فَإِنْ عَجَّلَ ) الدَّيْنَ ( الْمُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ ) وَسَقَطَ الْأَجَلُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ أَهْلِهِمَا .
نَعَمْ إنْ ظَنَّ الْمُؤَدِّي صِحَّةَ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ الْأَجَلُ وَاسْتَرَدَّ مَا عَجَّلَهُ ، كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَدَّاهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ قَطْعًا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ قَاعِدَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ ، وَهِيَ إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعًا فِي بَيْعٍ فَفَعَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ جَاهِلًا بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الْمَشْرُوطِ ، كَأَنْ أَتَى بِالْبَيْعِ الثَّانِي ، فَهَلْ يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ أَوْ لَا لِكَوْنِهِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، وَقَدْ اضْطَرَبَ التَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ .
ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ تَظَافَرَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْبُطْلَانِ ، فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا عَدَاهُ .

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ ، وَلَوْ عَكَسَ لَغَا .
( وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ سَامَحَ بِحَطِّ الْبَعْضِ وَوَعَدَ بِتَأْجِيلِ الْبَاقِي ، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ ، وَالْحَطُّ صَحِيحٌ ( وَلَوْ عَكَسَ ) بِأَنْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ حَالَّةٍ ( لَغَا ) الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا ، وَالْخَمْسَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَرَكَهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْحُلُولُ لَا يَصِحُّ التَّرْكُ ، وَالصِّحَّةُ وَالتَّكْسِيرُ كَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ .

النَّوْعُ الثَّانِي : الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ ، فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعِي .

تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ أَقْسَامَ الصُّلْحِ سِتَّةٌ : الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالسَّلَمُ وَالْإِبْرَاءُ وَبَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ أُخَرُ مِنْهَا الْخُلْعُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً .
وَمِنْهَا الْمُعَاوَضَةُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ كَصَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ مِنْ قِصَاصٍ .
وَمِنْهَا الْجِعَالَةُ كَصَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى رَدِّ عَبْدِي .
وَمِنْهَا الْفِدَاءُ كَقَوْلِهِ لِلْحَرْبِيِّ صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى إطْلَاقِ هَذَا الْأَسِيرِ .
وَمِنْهَا الْفَسْخُ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهَا كَغَيْرِهِ لِأَخْذِهَا مِمَّا ذُكِرَ ( النَّوْعُ الثَّانِي الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ ) أَوْ السُّكُوتِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَنْكَرَهُ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ صَالَحَ عَنْهُ ( فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى ) كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ دَارًا فَيُصَالِحَهُ عَلَيْهَا بِأَنْ يَجْعَلَهَا لِلْمُدَّعِي أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا يَصْدُقُ بِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ، وَكِلَا الصُّورَتَيْنِ بَاطِلٌ ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى ، كَأَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ الدَّارِ بِثَوْبٍ أَوْ دَيْنٍ .
قَالَ الشَّارِحُ : وَكَأَنَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُحَرَّرِ عَيْنٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّفْسِ وَلَمْ يُلَاحِظْ مُوَافَقَةَ مَا فِي الشَّرْحِ ، فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ ا هـ .
وَيُرِيدُ بِذَلِكَ دَفْعَ اعْتِرَاضِ الْمُصَحِّحِ فَإِنَّهُ قَالَ : الصَّوَابُ التَّعْبِيرُ بِالْغَيْرِ .
وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ : عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ غَيْرُ وَكَأَنَّ الرَّاءَ تَصَحَّفَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِالنُّونِ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّفْسِ .
فَإِنْ قِيلَ التَّعْبِيرُ بِالنَّفْسِ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ عَلَى وَالْبَاءَ يَدْخُلَانِ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَمِنْ وَعَنْ عَلَى الْمَتْرُوكِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَبِأَنَّ

الْمُدَّعَى الْمَذْكُورَ مَأْخُوذٌ وَمَتْرُوكٌ بِاعْتِبَارَيْنِ ، غَايَتُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ وَلِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِاتِّحَادِ الْعِوَضَيْنِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَنْكَرَ الْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ كَاذِبًا ، فَقَدْ اسْتَحَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالَهُ وَهُوَ حَرَامٌ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَالَهُ الْحَلَالَ ، فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } فَإِنْ قِيلَ : الصُّلْحُ لَمْ يُحَرِّمْ الْحَلَالَ وَلَمْ يُحَلِّلْ الْحَرَامَ ، بَلْ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الْمُجَوِّزُ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ .
وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَسَيَأْتِي .

، وَلَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ جَازَ الصُّلْحُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ كَلُزُومِهِ بِالْإِقْرَارِ ، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ أَنْكَرَ جَازَ الصُّلْحُ ، وَإِذَا تَصَالَحَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُمَا تَصَالَحَا عَلَى إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ ، فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ تَنَازَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا مَرَّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ ، وَالْغَالِبَ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ .

.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ : رَدَدْتهَا عَلَيْك ثُمَّ صَالَحَهُ .
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فَيَكُونُ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَقَوْلُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَقَدْ أَقَرَّ بِالضَّمَانِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ ، وَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا فَيَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْخُذَ مَا يَبْذُلُ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَفِيهِ فَرْضُ كَلَامِهِ .

وَكَذَا إنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ فِي الْأَصَحِّ .

وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى فَفِيهِ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، قَالَ : وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ثُمَّ أَقَرَّ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
فَإِنْ قِيلَ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُصَالَحِ حَالَ الصُّلْحِ ، فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ فِي عِلْمِهِمَا أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مُنْتَفٍ حَالَ الْعَقْدِ ، وَيَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُنْكِرِ وَلَوْ بَعْدَ التَّحْلِيفِ ، وَلَوْ تَصَالَحَا بَعْدَ التَّحْلِيفِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَصَالَحَا قَبْلَهُ ( وَكَذَا ) يَبْطُلُ الصُّلْحُ ( إنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ فِي الْأَصَحِّ ) أَيْ الْمُدَّعَى كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُدَّعِي وَلَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَتَصَالَحَا عَنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ جَزْمًا ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ الْهِبَةِ وَإِيرَادُ الْهِبَةِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مُمْتَنِعٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ مَسَائِلُ : مِنْهَا اصْطِلَاحُ الْوَرَثَةِ فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي إذَا لَمْ يَبْذُلْ أَحَدٌ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ وَوُقِفَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ فَاصْطَلَحْنَ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ تَدَاعَيَا وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ : لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ ، أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا ، فَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً ثُمَّ اصْطَلَحَا .

وَقَوْلُهُ : صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إقْرَارًا فِي الْأَصَحِّ .
( وَقَوْلُهُ ) بَعْدَ إنْكَارِهِ ( صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ ) مَثَلًا ( الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إقْرَارًا فِي الْأَصَحِّ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ قَطْعَ الْخُصُومَةِ لَا غَيْرُ ، وَالثَّانِي : إقْرَارٌ لِتَضَمُّنِهِ الِاعْتِرَافَ كَمَا لَوْ قَالَ : مَلِّكْنِي وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الصُّلْحُ بَعْدَ هَذَا الِالْتِمَاسِ صُلْحَ إنْكَارٍ .
أَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً قَبْلَ إنْكَارِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ جَزْمًا ، وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي الْعَيْنَ الَّتِي تَدَّعِيهَا أَوْ هَبْنِيهَا أَوْ زَوِّجْنِي هَذِهِ الْأَمَةَ أَوْ أَبْرِئْنِي مِمَّا تَدَّعِيهِ ، فَإِقْرَارٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْتِمَاسِ التَّمَلُّكِ أَوْ قَالَ : أَعِرْنِي أَوْ أَجِّرْنِي لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : تَرْجِيحُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَعِيرُ مِلْكَهُ وَيَسْتَأْجِرُهُ مِنْ مُسْتَأْجِرِهِ وَلَكِنْ يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ ، وَلَوْ قَالَ صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ جَزْمًا .

الْقِسْمُ الثَّانِي : يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْأَجْنَبِيِّ : فَإِنْ قَالَ ، وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك صَحَّ .
( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مِنْ الصُّلْحِ ( يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْأَجْنَبِيِّ .
فَإِنْ قَالَ ) الْأَجْنَبِيُّ ( وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ ) عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ ( وَهُوَ مُقِرٌّ لَك ) بِهِ فِي الظَّاهِرِ أَوْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَالِكِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِالْقِسْمَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ ( صَحَّ ) الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِنْسَانِ الْوَكَالَةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولَةٌ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ ، فَإِنْ ادَّعَاهُ كَانَ عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ .
ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا وَصَالَحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ وَصَارَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِلْكًا لِلْمُوَكِّلِ لَهُ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ صَادِقًا فِي الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ ، وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ، وَيُرَدُّ عَلَى إطْلَاقِ اعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ مَا لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ وَكِّلْنِي فِي الْمُصَالَحَةِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَك ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَوْ قَالَ هُوَ مُنْكَرٌ وَلَكِنَّهُ مُبْطِلٌ فَصَالِحْنِي لَهُ عَلَى عَبْدِي هَذَا لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا وَكَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَإِنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ الصُّلْحِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُ الْغَيْرِ عَيْنَ مَالٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيُمْكِنُ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .

وَلَوْ صَالَحَ الْوَكِيلُ عَلَى عَيْنِ مَالٍ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَقَعَ لِلْإِذْنِ وَيَرْجِعُ الْمَأْذُونُ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَرْضٌ لَا هِبَةٌ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَّلَنِي إلَخْ مَا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ ، وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ : صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارًا .

وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ : وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُصَالَحَتِك عَلَى نِصْفِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَصَالَحَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ عَلَى ثَوْبِي هَذَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِدَيْنِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : يُرَدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اعْتِبَارَ التَّوْكِيلِ مَا لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ : صَالِحْنِي عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ سَوَاءٌ أَكَانَ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا ، لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ ، قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .

وَلَوْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ صَحَّ وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مُنْكَرًا وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ مُبْطِلٌ فِي إنْكَارِهِ فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ لَغَا الصُّلْحُ .

( وَلَوْ صَالَحَ ) الْأَجْنَبِيَّ عَنْ الْعَيْنِ ( لِنَفْسِهِ ) بِعَيْنِ مَالِهِ أَوْ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ ( وَالْحَالَةُ هَذِهِ ) أَيْ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ قَائِلٌ ، بِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَك بِالْمُدَّعَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ ( صَحَّ ) الصُّلْحُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ مَعَهُ خُصُومَةٌ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ تَرَتَّبَ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ خِلَافًا لِلْجُوَيْنِيِّ فِي قَوْلِهِ : يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ صَالِحْنِي ( وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ) بِلَفْظِ الشِّرَاءِ .
أَمَّا إذَا صَالَحَ الْأَجْنَبِيَّ عَنْ الدَّيْنِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ : صَالِحْنِي عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ صَحَّ ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ لِجَوَازِ الِاسْتِقْلَالِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْغَيْرِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ إلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَهُ .
فَلَوْ كَانَ مَبِيعًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ : وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَلَا مَعْنَى لِلتَّشْبِيهِ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي كِلَا الْعِبَارَتَيْنِ ، فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى ( وَإِنْ كَانَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( مُنْكِرًا وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ مُبْطِلٌ فِي إنْكَارِهِ ) ؛ لِأَنَّك صَادِقٌ عِنْدِي فَصَالِحْنِي لِنَفْسِي ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا ( فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ ) فَيَصِحُّ ( وَعَدَمِهَا ) فَلَا يَصِحُّ ، وَيَكْفِي لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ : أَنَا قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ .
أَمَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ عَنْهُ كَأَنْ قَالَ : صَالِحْنِي لَهُ بِعَبْدِي هَذَا صَحَّ

الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ لَا عَنْ الْعَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُمَلِّكَ غَيْرَهُ عَيْنًا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ ) مَعَ قَوْلِهِ هُوَ مُنْكِرٌ وَصَالَحَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لَغَا الصُّلْحُ ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُ لَهُ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ كَلَامُهُ امْتِنَاعَ ثَلَاثِ صُوَرٍ : إحْدَاهَا : أَنْ يَقُولَ هُوَ مُحِقٌّ .
الثَّانِيَةُ : لَا أَعْلَمُ .
الثَّالِثَةُ : لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَا فِي أَصْلِهَا .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّ الْأَمْرَ فِيهَا كَمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ .

وَلَوْ وَقَفَ مَكَانًا وَأَقَرَّ بِهِ لِمُدَّعٍ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ لِإِحَالَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِوَقْفِهِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَصَالَحَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي قُرْبَةٍ .

وَلَوْ صَالَحَ مُتْلِفُ الْعَيْنِ مَالِكَهَا نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَوْ بِمُؤَجَّلٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ حَالَّةً فَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَا عَلَى مُؤَجَّلٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّبَا ؛ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ بِغَيْرِ جِنْسِهَا جَازَ لِفَقْدِ الْمَانِعِ .

، وَلَوْ أَقَرَّ بِمَحْمَلٍ فَصَالَحَ عَنْهُ وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَحَدٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك الشَّيْءَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ .

وَلَوْ وَكَّلَ الْمُنْكِرُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ أَجْنَبِيًّا جَازَ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، لِأَنَّ الْإِنْكَارَ حَرَامٌ لِلْكَذِبِ وَالْإِضْرَارِ ، فَإِنْ أَرَادَ إزَالَةَ الضَّرَرِ جَازَ كَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبَيْنِ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَكَالْوَارِثِ يَجْهَلُ أَمْرَ التَّرِكَةِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الصُّلْحِ لِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْهُ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ وَجَرَى عَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ ، لِأَنَّهُ مَعَ الْإِنْكَارِ أُلْجِئَ إلَى بَيْعِهِ مِنْهُ ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْجِئَ غَيْرَهُ إلَى بَيْعِ مَالِهِ ، وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ ، فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ بِالْمُدَّعَى فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِبِنَائِهِ عَلَى فَاسِدٍ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ وَبَذْلُهُ لِذَلِكَ وَأَخْذُهُ حَرَامٌ ، وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ .

فَصْلٌ الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ ، بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا ، وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ .

فَصْلٌ : فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ ( الطَّرِيقُ النَّافِذُ ) بِمُعْجَمَةٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ ، وَقِيلَ : بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا ، وَالطَّرِيقُ يَكُونُ بِبُنْيَانٍ ، وَصَحْرَاءَ ، وَنَافِذًا ، وَغَيْرَ نَافِذٍ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ( لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ ) فِي مُرُورِهِمْ فِيهِ ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا يَضُرُّ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ بِمَا يُبْطِلُ الْمُرُورَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الْمُرُورَ ضَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدَّقَائِقِ ( وَ ) عَلَى هَذَا ( لَا يُشْرَعُ ) أَيْ يُخْرَجُ ( فِيهِ جَنَاحٌ ) أَيْ رَوْشَنٌ ( وَلَا سَابَاطٌ ) أَيْ : سَقِيفَةٌ عَلَى حَائِطَيْنِ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا ( يَضُرُّهُمْ ) أَيْ : كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ لِمَا تَقَدَّمَ ( بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ ) الْمَاشِي ( مُنْتَصِبًا ) مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ ؛ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِظْلَامِ الْخَفِيفِ ، وَلَوْ أَحْوَجَ الْإِشْرَاعَ إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ عَلَى كَتِفِ الرَّاكِبِ ، بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ ( وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ ( عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ فَوْقَ الْمَحْمِلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا .
وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ { أَنَّهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ فِي جَانِبَيْ الشَّارِعِ ، فَحَفَرَ تَحْتَ الطَّرِيقِ سِرْدَابًا مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَأَحْكَمَ أَزَجَهُ ، بِحَيْثُ يُؤْمَنُ الِانْهِيَارُ لَمْ يُمْنَعْ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَفِقَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَوْ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمَارِّينَ ، بِخِلَافِ الْمُفْسِدِ الْمَمْلُوكِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي وَضْعِ الْجَنَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ مَا مُنِعَ مِنْهُ أُزِيلَ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ حَسَنٌ ، وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ .
لَكِنْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ .
تَنْبِيهٌ : مَا أَفْهَمَهُ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ غَيْرِ الْمُضِرِّ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ .
أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِشْرَاعُ إلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ جَازَ اسْتِطْرَاقُهُ لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْمَنْعِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَسُلُوكُ أَهْلِ الذِّمَّةِ طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ بَلْ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَا يَبْذُلُونَهُ مِنْ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا : إنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ سُكْنَى الدَّارِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي آبَارِ حُشُوشِهِمْ إذَا أَرَادُوا حَفْرَهَا فِي أَفْنِيَةِ دُورِهِمْ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَلَا مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ إخْرَاجِ

الْجَنَاحِ إلَى الطَّرِيقِ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ صَاحِبِهِ إذْ لَا ضَرَرَ وَفَوْقَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَى جَنَاحِ صَاحِبِهِ أَوْ مُقَابِلَهُ إنْ لَمْ يُبْطِلْ انْتِفَاعَ صَاحِبِهِ ، وَكَذَا مَوْضِعُهُ أَيْضًا إذَا انْهَدَمَ أَوْ هَدَمَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ إعَادَتِهِ وَلَوْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ إعَادَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَعَدَ لِاسْتِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاقُ بِهِ وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : قِيَاسُ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ فِي الْقُعُودِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ بَقَاءُ حَقِّهِ هُنَا إذَا عَادَ إلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِاسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ وَعِنْدَ سُقُوطِ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ ثَابِتٌ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَلِذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ لِمُشَارَكَتِهِ فِي السَّبَبِ ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَقَاعِدِ لَيْسَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ ؛ فَلِذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ ، وَبِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَا تَدُومُ بَلْ الِانْتِقَالُ عَنْهَا ، ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا ضَرُورِيٌّ فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ .
نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى دَارًا فِي مَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لَهَا جَنَاحًا ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا تُحَاذِيهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ ، وَإِنْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْإِحْيَاءِ ، وَمَنْ سَبَقَ إلَى أَكْثَرِ الْهَوَاءِ بِأَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ ، وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ غَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ ، وَالطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ طَرِيقًا أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ

بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ .
أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَصِيرُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَبْدَأِ جَعْلِهِ طَرِيقًا ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يُجْعَلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ } .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ ، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ .
أَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً يُسْبِلُهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ تَوْسِيعُهَا .

وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ .
( وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ ) أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ الْإِمَامَ ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْقَرَارَ كَالْحَمْلِ مِنْ الْأُمِّ وَلِأَنَّهُ إنْ ضَرَّ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَالْمُخْرِجُ مُسْتَحِقُّهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمُرُورِ .

وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً ، أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يَضُرَّ جَازَ .

( وَ ) يَحْرُمُ ( أَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً ) بِفَتْحِ الدَّالِ : أَيْ مِصْطَبَةً أَوْ غَيْرَهَا ( أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً ) وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِ الطُّرُوقِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهِمَا عِنْدَ الِازْدِحَامِ ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْإِمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا ، وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ .
وَالثَّانِي : بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى ضَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ .
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَعَنْ الثَّانِي : بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ ، فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ ( وَقِيلَ إنْ لَمْ يَضُرَّ ) ذَلِكَ الْمَارَّ ( جَازَ ) كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ دَكَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ بِجَوَازِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ ، وَلَا يَضُرُّ عَجْنُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ ، وَمِثْلُهُ إلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا أَوْ رَبْطُ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ .
وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ رَبْطِ دَوَابِّ الْعَلَّافِينَ فِي الشَّوَارِعِ لِلْكِرَاءِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ مِرَارًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ رَفَعَ التُّرَابَ مِنْ الشَّارِعِ وَضَرَبَ

مِنْهُ اللَّبِنَ وَغَيْرَهُ وَبَاعَهُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي .

وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ .
( وَ ) الطَّرِيقُ ( غَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ ) لِلْجَنَاحِ ( إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ ) بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ فَأَشْبَهَ الْإِشْرَاعَ إلَى الدُّورِ .

وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ ، وَأَهْلُهُ مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ ، وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .

( وَكَذَا ) يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ ( لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ ) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ أَمْ لَا ( إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ ) فَيَجُوزُ ضَرَّ أَمْ لَا .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ إنْ لَمْ يَضُرَّ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِقَرَارِهِ فَيَجُوزُ بِهَوَائِهِ كَالشَّارِعِ ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِهِ بِمَالٍ لِمَا مَرَّ ، وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ ، وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَوْ رَضِيَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِذَلِكَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَا إلَى قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَهُوَ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ ، وَلَا إلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا مَرَّ ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَوْ كَانَ فِيمَا لَا حَقَّ لِلْمُخْرِجِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ بَابِ دَارِهِ وَصَدْرِ السِّكَّةِ كَانَ لِمَنْ رَضِيَ الرُّجُوعُ لِيَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحَقِّينَ لَكَانَ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا لِيَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُشَرِّعُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ فِيهَا بِالْبَاقِينَ .
الثَّانِي : لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اعْتِبَارُ إذْنِ مَنْ بَابُهُ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِ السِّكَّةِ لِمَنْ بَابُهُ أَبْعَدُ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ إلَى بَابِهِ لَا إلَى آخِرِ الدَّرْبِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي ( وَأَهْلُهُ ) أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ ( مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ ) مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابِهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ فَهُمْ الْمُلَّاكُ دُونَ غَيْرِهِمْ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْمُرُورُ فِيهِ إلَى مِلْكِهِ

لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ فُرْنٌ أَوْ حَانُوتٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ( وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا ) أَيْ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ ( لِكُلِّهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا احْتَاجُوا إلَى التَّرَدُّدِ وَالِارْتِفَاقِ بِكُلِّهِ لِطَرْحِ الْقُمَامَاتِ عِنْدَ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ ( أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ ) وَهُوَ عَرَبِيٌّ ، وَقِيلَ : مُعَرَّبٌ ( وَبَابِ دَارِهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدِهِ وَمُرُورِهِ وَمَا عَدَاهُ هُوَ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ السِّكَّةِ وَلِأَهْلِ الدَّرْبِ الْمَذْكُورِ قِسْمَةُ صَحْنِهِ كَسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ .

وَلَوْ أَرَادَ الْأَسْفَلُونَ لَا الْأَعْلَوْنَ سَدَّ مَا بَيْنَهُمْ أَوْ قِسْمَتَهُ جَازَ ، بِخِلَافِ الْأَعْلَيْنَ ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى سَدِّ رَأْسِ السِّكَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ وَلَمْ يَفْتَحْهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ .
نَعَمْ إنْ سَدَّهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَهُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ، وَلَوْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ سَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ ذَلِكَ .

وَلَوْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ وُجِدَ ثَمَّ مَسْجِدٌ شَارَكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُرُورِ إلَيْهِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ السَّدِّ وَالْقِسْمَةِ ، وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ عِنْدَ الضَّرَرِ وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ السِّكَّةِ لِحَقِّ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَجُوزُ الْإِشْرَاعُ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهُ ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُ الدَّرْبِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذُكِرَ مَا سُبِّلَ وَوُقِفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ : كَبِئْرٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي كُلِّهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى غَيْرِ النَّافِذِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ ، وَقَدْ أَتَى فِي الْمُحَرَّرِ بِجَمِيعِ الضَّمَائِرِ مُؤَنَّثَةً لِكَوْنِهِ عَبَّرَ أَوَّلًا بِالسِّكَّةِ ، وَلَمَّا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِ النَّافِذِ عَدَلَ عَنْ تَأْنِيثِ الضَّمَائِرِ إلَى تَذْكِيرِهَا إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةِ ، وَقَوْلُهُ : لِكُلِّهِمْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ : فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي اسْتِحْقَاقِ كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ : أَيْ لِمَجْمُوعِهِمْ فَإِنَّ الْكُلَّ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ وَالْكُلِّ التَّفْصِيلِيِّ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُمْ خَاصَّةً فَلِمَ جَازَ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ الْإِبَاحَةِ مِنْهُ وَمِنْ وَلِيِّهِ ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الشَّيْخُ عَزُّ الدِّينِ فِي مَسَائِلَ قَرِيبَةٍ مِنْ ذَلِكَ : كَالشُّرْبِ مِنْ أَنْهَارِهِمْ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ خِلَافَهُ ، وَمِنْ

ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَصِرْ طَرِيقًا لِلنَّاسِ .
قَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ : وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِالْمُرُورِ فِيهِ ، وَقَدْ قِيلَ : إنَّ السُّلْطَانَ مَحْمُودًا لِمَا قَدْ مَرَّ وَاسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ وَفِيهِمْ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَالْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ الْعَامِرِيُّ : أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ السُّلْطَانِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ وَازْدَحَمُوا ، فَتَعَدَّى فَرَسُ الْقَفَّالِ عَنْ الطَّرِيقِ إلَى أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِإِنْسَانٍ ، فَقَالَ السُّلْطَانُ لِلْعَامِرِيِّ : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَطَرَّقَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؟ فَقَالَ لَهُ : سَلْ الشَّيْخَ فَإِنَّهُ إمَامٌ لَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَسَمِعَ الْقَفَّالُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَجُوزُ السَّعْيُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَخْشَ أَنْ يَتَّخِذَ بِذَلِكَ طَرِيقًا وَلَا عَادَ ضَرَرُهُ عَلَى الْمَالِكِ بِوَجْهٍ آخَرَ كَالنَّظَرِ فِي مِرْآةِ الْغَيْرِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِهِ .

وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ ، وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ
( وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ ) إلَّا بِإِذْنِهِمْ لِتَضَرُّرِهِمْ ، فَإِنْ أَذِنُوا جَازَ وَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ كَالْعَارِيَّةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْفَرْقِ ، وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بَيْنَهُمَا بِمَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْأَوْلَى مَا فَرَّقَ بِهِ شَيْخُنَا مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ وَهُوَ خَسَارَةٌ .
فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا ، بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ ، وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تُرَتَّبُ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ ( وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ ) بِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ جِدَارِهِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى .
وَالثَّانِي : لَا ، لِأَنَّ فَتْحَهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ .
وَمَا صَحَّحَهُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : إنَّ الْأَفْقَهَ الْمَنْعُ ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ ، فَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ سَمَّرَهُ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ ، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا إذَا فَتَحَهُ لِلِاسْتِضَاءَةِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَا أَدْخُلُ مِنْهُ وَلَا أَخْرُجُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ .
نَعَمْ لَوْ رَكَّبَ عَلَى الْمَفْتُوحِ لِلِاسْتِضَاءَةِ شُبَّاكًا أَوْ نَحْوَهُ جَازَ جَزْمًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمْعٍ .

وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ .
( وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ ) أَوْ مِيزَابٌ ( فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ ) مِنْ بَابِهِ الْأَصْلِيِّ ( فَلِشُرَكَائِهِ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ( مَنْعُهُ ) إذَا كَانَ بَابُهُ أَبْعَدَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ ، سَوَاءٌ أَسَدَّ الْأَوَّلَ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ الدَّرْبِ أَوْ مُقَابِلَ الْمَفْتُوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ : أَيْ الْمَفْتُوحُ الْقَدِيمُ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفَهِمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْجَدِيدُ ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْمَفْتُوحِ مُشَارِكٌ فِي الْقَدْرِ الْمَفْتُوحِ فِيهِ فَلَهُ الْمَنْعُ ( فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ ) أَيْ لِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ لِأَنَّ انْضِمَامَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ يُورِثُ زَحْمَةً وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَضَعَّفَ التَّوْجِيهَ بِالزَّحْمَةِ بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ لَهُ جَعْلُ دَارِهِ حَمَّامًا وَحَانُوتًا مَعَ أَنَّ الزَّحْمَةَ وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي السِّكَّةِ وَطَرْحَ الْأَثْقَالِ بِكَثْرَةٍ أَضْعَافَ مَا عَسَاهُ يَقَعُ نَادِرًا فِي فَتْحِ بَابٍ آخَرَ لِلدَّارِ ا هـ .
وَرُبَّمَا يُجَابُ بِأَنَّ مَوْضِعَ فَتْحِ الْبَابِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ ، بِخِلَافِ جَعْلِ دَارِهِ مَا ذُكِرَ ( وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ ) لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ .

وَيَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ تَقْدِيمُ بَابِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَجَعْلُ مَا بَيْنَ الدَّارِ وَآخِرِ الدَّرْبِ دِهْلِيزًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ بِوَسَطِ السِّكَّةِ وَأُخْرَى بِآخِرِهَا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْجَمِيعِ لَكِنْ شَرِكَتُهُ سَبَبُهَا إنَّمَا هُوَ إلَيْهَا خَاصَّةً ، وَقَدْ يَبِيعُ لِغَيْرِهِ فَيَسْتَفِيدُ زِيَادَةَ الِاسْتِطْرَاقِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي السِّكَّةِ قِطْعَةُ أَرْضٍ فَبَنَاهَا دُورًا وَفَتَحَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَابًا جَازَ ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .

وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ إلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ ، أَوْ مَسْدُودٍ ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ ، وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ .

( وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ ) بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَوَّلَهُ ( إلَى دَرْبَيْنِ ) مَمْلُوكَيْنِ ( مَسْدُودَيْنِ ، أَوْ ) دَرْبٍ مَمْلُوكٍ ( مَسْدُودٍ ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرُورَ فِي الدَّرْبِ ، وَرَفْعُ الْحَائِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ حَقَّهُ ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْبَغَوِيّ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ الْجُمْهُورِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْأُولَى يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الدَّارَيْنِ اسْتِطْرَاقًا فِي الدَّرْبِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ، وَفِي الثَّانِيَةِ : يَثْبُتُ لِلْمُلَاصِقَةِ لِلشَّارِعِ حَقًّا فِي الْمَسْدُودِ لَمْ يَكُنْ لَهَا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَ الْبَابَيْنِ عَلَى حَالِهِمَا أَوْ يَسُدَّ أَحَدَهُمَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَصَّهُ الرَّافِعِيُّ بِمَا إذَا سُدَّ بَابُ أَحَدِهِمَا وَفُتِحَ الْبَابُ لِغَرَضِ الِاسْتِطْرَاقِ ، وَقَوْلُهُ : مَسْدُودَيْنِ أَوْ مَسْدُودٍ وَشَارِعٍ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مَمْلُوكٍ وَشَارِعٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ السَّدِّ الْمِلْكُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ فِي أَقْصَاهُ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا مَرَّ ، وَقَوْلُهُ تَفْتَحَانِ هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فِي أَوَّلِهِ لِأَنَّ الدَّارَ مُؤَنَّثَةٌ ، وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ كَانَ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا لِغَائِبَتَيْنِ ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ .
قَالَ أَبُو حَيَّانَ : وَبِهِ وَرَدَ السَّمَاعُ .
قَالَ تَعَالَى { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } وَقَالَ { أَنْ تَزُولَا } وَقَالَ { امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ } وَجَوَّزَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ الْيَاءَ مِنْ تَحْتُ ( وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْأَرْضِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَذْلُ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ

الْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ ، هَذَا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى الِاسْتِطْرَاقِ .

أَمَّا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفَتْحِ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا ، ثُمَّ إنْ قَدَّرُوا لِلِاسْتِطْرَاقِ مُدَّةً فَهُوَ إجَارَةٌ ، وَإِنْ أَطْلَقُوا أَوْ شَرَطُوا التَّأْبِيدَ فَهُوَ بَيْعُ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الدَّرْبِ لَهُ ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَحَدِهِمْ : كَمَا لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى مَالٍ لِيُجْرِيَ فِي أَرْضِهِ مَاءُ النَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِمَكَانِ النَّهْرِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَهُ بِمَالٍ عَلَى فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارِهِ ، أَوْ أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى سَطْحِهِ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ وَالسَّطْحِ ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ لَا تُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَإِثْبَاتُهُ فِيهَا يَكُونُ نَقْلًا لِلْمِلْكِ .
وَأَمَّا الدَّارُ وَالسَّطْحُ فَلَا يُقْصَدُ بِهِمَا الِاسْتِطْرَاقُ وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ .
وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالدَّرْبِ مَسْجِدٌ وَنَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذْ الْبَيْعُ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ .
قَالَ : وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ .

وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الدَّرْبِ لِإِنْسَانٍ فِي حَفْرِ سِرْدَابٍ تَحْتَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ ، قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ .

وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ ، وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ ، فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ إعَارَةٌ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ ، وَلَوْ : رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ فَهُوَ إجَارَةٌ وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْته حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ .

( وَيَجُوزُ ) لِلْمَالِكِ ( فَتْحُ الْكَوَّاتِ ) فِي جِدَارِهِ فِي الدَّرْبِ النَّافِذِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلِاسْتِضَاءَةِ أَمْ لَا أَذِنُوا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ إزَالَةَ جِدَارِهِ وَجَعْلَ شُبَّاكٍ مَكَانَهُ ، وَالْكَوَّاتُ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ : الطَّاقَةُ ، وَفِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ بِضَمِّهَا وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا وَجَمَعَهَا الْمُصَنِّفُ جَمْعَ تَصْحِيحٍ ، وَفِي كَافِهِ اللُّغَتَانِ ، وَيُجْمَعُ جَمْعَ تَكْسِيرٍ فَتُجْمَعُ الْمَفْتُوحَةُ عَلَى كِوَاءٍ بِالْكَسْرِ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ ، وَالْمَضْمُومَةُ عَلَى كُوًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ .
تَنْبِيهٌ : غَالِبُ مَا تُفْتَحُ الْكَوَّاتُ لِلِاسْتِضَاءَةِ ، وَلَهُ نَصْبُ شُبَّاكٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ غِطَاؤُهُ كَانَ كَالْجَنَاحِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا ، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُعْمَلَ فِي الطَّاقَاتِ أَبْوَابٌ تُخْرِجُ فَيُمْنَعُ مِنْ هَوَاءِ الدَّرْبِ ، هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْفَتْحُ لِلِاسْتِطْرَاقِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ مِنْ أَبْوَابِ الطَّاقَاتِ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ كَوْنِ الْكَوَّةِ عَالِيَةً أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَهُ الْجُرْجَانِيِّ بِمَا إذَا كَانَتْ عَالِيَةً لَا يَقَعُ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى دَارِ جَارِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِجَوَازِ فَتْحِ كَوَّةٍ فِي مِلْكِهِ مُشْرِفَةً عَلَى جَارِهِ وَعَلَى حَرِيمِهِ ، وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ، فَإِذَا رَفَعَ بَعْضَهُ لَمْ يُمْنَعْ ( وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ ) لِبِنَاءَيْنِ ( قَدْ يَخْتَصُّ ) أَيْ يَنْفَرِدُ ( بِهِ أَحَدُهُمَا ) وَيَكُونُ سَائِرًا لِلْآخَرِ ( وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ ) بِهِ أَحَدُهُمَا ( لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَشَبِهِ ( عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ ) لَهُ إنْ

امْتَنَعَ مِنْ وَضْعِهَا لِخَبَرِ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ .
وَلِخَبَرِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } قَالَ الْمُصَنِّفُ : حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَمْوَالِهِ ، وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَالْقَدِيمُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ { لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ } ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا : أَيْ عَنْ السُّنَّةِ مُعْرِضِينَ ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ : أَيْ بَيْنَكُمْ ، وَرُوِيَ بِالنُّونِ ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا بَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْكَنَفَ هُوَ الْجَانِبُ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَلَمْ نَجِدْ فِي السُّنَّةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَلَا تَصِحُّ مُعَارَضَتُهُ بِالْعُمُومَاتِ .
وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارَضَةِ ، وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِصَاحِبِ الْخَشَبِ : أَيْ لَا يَمْنَعُ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَنَحْوِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يَقْتَضِي التَّعْبِيرُ بِالْجَدِيدِ أَنَّ مُقَابِلَهُ قَدِيمٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا ، حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ الْجَدِيدِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَهُ شُرُوطٌ : أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْمَالِكُ إلَى وَضْعِ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ

فِي ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ ، وَأَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَزَجًا ، وَأَنْ لَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا لَا يَحْمِلُهُ الْجِدَارُ وَلَا يَضُرَّ بِهِ ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْجَارُ شَيْئًا مِنْ جِدَارِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا جِدَارًا وَاحِدًا ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْوَضْعِ اخْتِصَاصُ الْخِلَافِ بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْجُذُوعِ فِي الْحَائِطِ قَطْعًا وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِ أَيْضًا ، وَفَرْضُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ يُخْرِجُ السَّابَاطَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ ، وَأَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْجُذُوعِ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّضَا قَطْعًا ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجِدَارَ لَيْسَ بَيْنَ مَالِكَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ مُرَادًا فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْلَى .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْجَدِيدِ ( فَلَوْ رَضِيَ ) الْمَالِكُ بِالْوَضْعِ ( بِلَا عِوَضٍ ) وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ ( فَهُوَ إعَارَةٌ ) لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ فَيَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْوَضْعَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ رَفَعَ جُذُوعَهُ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا ، أَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ فَبَنَاهُ صَاحِبُهُ بِتِلْكَ الْآلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَضْعُ ثَانِيًا فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَرَّةً فَقَطْ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمَالِكِ ( الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ ) قَطْعًا ( وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ ) كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ .
وَالثَّانِي : لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعَوَارِيِّ يُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ كَالْإِعَارَةِ لِدَفْنِ الْمَيِّتِ ( وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ ) أَيْ الْمَوْضُوعَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ ( بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ ) ذَلِكَ ( وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ ) وَهُوَ مَا

بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ ، وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ لِذَلِكَ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ ، فَإِنَّ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَجَازَ أَنْ تُسْتَتْبَعَ وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يُسْتَتْبَعُ ( وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ يَضُرُّ الْمُسْتَعِيرَ ؛ لِأَنَّ الْجُذُوعَ إذَا ارْتَفَعَتْ أَطْرَافُهَا عَنْ جِدَارٍ لَا تَسْتَمْسِكُ عَلَى الْجِدَارِ الْآخَرِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ ( وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ ) عَلَى قَوْلِ مَنْعِ الْإِجْبَارِ ( فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ ) عَلَيْهَا ( فَهُوَ إجَارَةٌ ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُسْتَأْجَرُ لِلْمَنَافِعِ ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى دَوَامِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَالنِّكَاحِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِيهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِ وَأَجَّرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ قَطْعًا ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ( وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ ، أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ ) الْوَاقِعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ( فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ ) لِكَوْنِهِ مُؤَبَّدًا ( وَ ) شَوْبُ ( إجَارَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مَنْفَعَةٌ فَقَطْ إذْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ عَيْنًا ، فَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاشْتَرَطْنَا تَأْقِيتَهَا أَوْ بَيْعًا مَحْضًا لَكَانَ رَأْسُ الْجِدَارِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ بَيْعٌ يَمْلِكُ بِهِ مَوَاضِعَ رُءُوسِ الْجُذُوعِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ إجَارَةٌ

مُؤَبَّدَةٌ لِلْحَاجَةِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ عَمَّا إذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَطْعًا وَيَنْتَفِعُ بِهِ بِمَا عَدَا الْبِنَاءِ مِنْ مُكْثٍ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَحُكْمُ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ السَّقْفِ أَوْ الْجِدَارِ بِلَا جُذُوعٍ كَذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ شَوْبٌ .
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ : إنَّهُ الصَّوَابُ ، وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ شَائِبَةٌ مَحْضُ تَصْحِيفٍ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : لَا يَظْهَرُ لِي وَجْهُ التَّصْحِيفِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّوْبَ الْخَلْطَ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوطِ بِهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَالشَّائِبَةُ يُشَابُ بِهَا ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا صَوَابٌ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : التَّعْبِيرُ بِالتَّصْحِيفِ هُنَا لَا مَدْخَلَ لَهُ .
بَلْ صَوَابُهُ التَّحْرِيفُ .

فَإِذَا بَنَى فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ .
( فَإِذَا بَنَى ) بَعْدَ قَوْلِهِ : بِعْته لِلْبِنَاءِ أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ وَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ ( فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ ) أَيْ نَقْضُ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي ( بِحَالٍ ) أَيْ لَا مَجَّانًا وَلَا مَعَ إعْطَاءِ أَرْشِ نَقْصِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الدَّوَامَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ .
نَعَمْ إنْ اشْتَرَى مَالِكُ الْجِدَارِ حَقَّ الْبِنَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ ، وَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَوَّزْنَاهُمَا لَوْ أَعَارَ لِزَوَالِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِ الْجُذُوعِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ تَمْكِينِ الْبَائِعِ مِنْ هَدْمِ حَائِطِ نَفْسِهِ وَمِنْ مَنْعِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَنَى ، وَلَا شَكَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُمَا ، وَلَوْ وَجَدْنَا الْجُذُوعَ مَوْضُوعَةً عَلَى الْجِدَارِ وَلَمْ نَعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَتْ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ فَلَا تُنْقَضُ وَيُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِهَا دَائِمًا ، فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَتُهَا بِلَا خِلَافٍ ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَشَكَكْنَا فِي الْمُجَوِّزِ لِلرُّجُوعِ وَلِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْدَمًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .

وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ فَلِلْمُشْتَرِي إعَادَةُ الْبِنَاءِ .
( وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ ) بَعْدَ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي أَوْ قَبْلَهُ ( فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ ) بِاخْتِيَارِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ ( فَلِلْمُشْتَرِي ) أَوْلَى مِنْهُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ ( إعَادَةُ الْبِنَاءِ ) فِي الْأَوْلَى وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّانِيَةِ بِتِلْكَ الْآلَاتِ وَبِمِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَبْنِهِ الْمَالِكُ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ إعَادَتَهُ مِنْ مَالِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَفُهِمَ مِمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِعَارِضِ هَدْمٍ أَوْ انْهِدَامٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِالْتِحَاقِهِ بِالْبُيُوعِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلِلْمُشْتَرِي اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، فَأَمَّا إذَا أَجَّرَهُ إجَارَةً مُؤَقَّتَةً فَيَجْرِي فِي انْفِسَاخِهَا الْخِلَافُ فِي انْهِدَامِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ، وَخَرَجَ بِانْهِدَامٍ مَا لَوْ هَدَمَهُ شَخْصٌ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُ بِقِيمَةِ حَقِّ وَضْعِ بِنَائِهِ عَلَى الْجِدَارِ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ سَوَاءٌ أَبَنَى أَمْ لَا مَعَ غُرْمِ أَرْشِ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ ، فَإِنْ أُعِيدَ الْجِدَارُ اُسْتُعِيدَتْ الْقِيمَةُ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ ، وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى وَإِعَادَتُهُ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى .

وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا ، وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا .

تَنْبِيهٌ : لَا يَغْرَمُ الْهَادِمُ أُجْرَةَ الْبِنَاءِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَا لَا يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ عَمَّا لَا يَتَنَاهَى .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ ، وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْجِدَارِ عَلَى مَالِكِهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إنْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ ابْتِدَاءً عُدْوَانًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ ، وَإِنْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَالِكُهُ وَقَدْ اسْتُهْدِمَ لَمْ تَجِبْ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَيَغْرَمُ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمَالِكِ أَرْشَ الْجِدَارِ مَسْلُوبَ مَنْفَعَةِ رَأْسِهِ ، وَإِذَا أَعَادَهُ الْمَالِكُ اسْتَرَدَّ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا أَخَذَهُ فِي نَظِيرِهَا ( وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ ) فِي وَضْعِ الْبِنَاءِ عَلَى غَيْرِ أَرْضٍ ( بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا ) وَبَيَانِ مَحَلِّهِ ( وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ ) بِفَتْحِ السِّينِ ( وَكَيْفِيَّتِهَا ) أَيْ : الْجُدْرَانِ أَهِيَ مُجَوَّفَةٌ أَوْ مُنَضَّدَةٌ ؟ وَهِيَ مَا الْتَصَقَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا ) أَهُوَ مِنْ أَزَجٍ ، وَهُوَ الْعَقْدُ الْمُسَمَّى بِالْقَبْوِ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِوَزْنِ الْآلَةِ فِي الْأَصَحِّ ، وَتُغْنِي مُشَاهَدَةُ الْآلَةِ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ .
فَائِدَةٌ : ارْتِفَاعُ الْجِدَارِ مِنْ الْأَرْضِ سَمْكٌ بِفَتْحِ السِّينِ ، وَالْمَنْزُولُ مِنْهُ إلَيْهَا عُمْقٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ، لَا طُولٌ وَعَرْضٌ ، بَلْ طُولُهُ امْتِدَادُهُ مِنْ زَاوِيَةِ الْبَيْتِ مَثَلًا إلَى زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى ،

وَعَرْضُهُ هُوَ الْبُعْدُ النَّافِذُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْهِ إلَى الْآخَرِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ هَمْزَةً قَبْلَ كَانَ وَيَأْتِيَ بِأَمْ عِوَضًا عَنْ أَوْ ، وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ مِثْلُ هَذَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ .

وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ ، وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّةً إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ وَيُسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ

( وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ إلَّا بِقَدْرِ مَكَانِ الْبِنَاءِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : بَيَانُ قَدْرِ حَفْرِ الْأَسَاسِ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ .
فَإِنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَحْفِرُ سِرْدَابًا أَوْ غَيْرَهُ تَحْتَ الْبِنَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ ، وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُزَاحَمَةُ تَعْمِيقِ الْأَسَاسِ ( وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ ) بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا ( فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ ) مِنْ الْآخَرِ ( فِي الْجَدِيدِ ) وَالْقَدِيمِ لَهُ ذَلِكَ كَالْقَدِيمِ فِي الْجَارِ ، وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا ، وَهُوَ هُنَا أَوْلَى ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ أَحَدِهِمَا ( أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا ) بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا فِي الثَّانِي ( أَوْ يَفْتَحَ ) فِيهِ ( كَوَّةً ) أَوْ يُتَرِّبَ كِتَابَهُ مِنْهُ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً ( إلَّا بِإِذْنِهِ ) أَوْ عِلْمِهِ بِرِضَاهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ ، وَأَفْهَمَ جَوَازُ الْفَتْحِ وَغَيْرُهُ بِالْإِذْنِ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْفَتْحِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا عَلَى الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَإِذَا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ لَهُ السَّدُّ إلَّا بِالْإِذْنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ( وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ ، وَ ) أَنْ ( يَسْنُدَ ) إلَيْهِ ( مَتَاعًا ) بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( لَا يَضُرُّ ، وَلَهُ ) وَلِغَيْرِهِ ( ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِكِ فَلَا يُضَايَقُ فِيهِ بَلْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ عِنَادٌ مَحْضٌ بَلْ ادَّعَى الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ، فَإِنْ قِيلَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إلَى جِدَارِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِنَادٍ يَضُرُّ وَلِلشَّرِيكَيْنِ

قِسْمَةُ الْجِدَارِ عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ ، وَهَذِهِ صُورَتُهُ وَطُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ : وَهَذِهِ صُورَتُهُ لَكِنْ بِالتَّرَاضِي لَا بِالْجَبْرِ : فَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ لِاقْتِضَاءِ الْإِجْبَارِ الْقُرْعَةَ : وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ هُنَا ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَخْرَجَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَضُرُّ الْآخَرَ فِي انْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ ، وَكَيْفَ يُقْسَمُ الْجِدَارُ : هَلْ يُشَقُّ بِالْمِنْشَارِ أَوْ يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ كَخَطٍّ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : جَوَازُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَا نَظَرَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ شِقَّ الْجِدَارِ إتْلَافٌ لَهُ وَتَضْيِيعٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يُبَاشِرَانِ الْقِسْمَةَ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ هَدَمَاهُ وَاقْتَسَمَا النَّقْضَ ، وَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ عَرْصَةِ الْجِدَارِ ، وَلَوْ كَانَ عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ لِيَخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يَلِيهِ ، فَلَا يَقْتَسِمَانِهَا بِالْقُرْعَةِ لِئَلَّا يَخْرُجَ بِهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَلِي الْآخَرَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَسَمَاهَا طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ ، وَفَارَقَ مَا ذُكِرَ فِي عَرْصَةِ الْجِدَارِ مَا مَرَّ فِيهِ بِأَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَتَتَيَسَّرُ قِسْمَتُهَا غَالِبًا بِخِلَافِهِ ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْقِسْمَةِ .

لَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ .
( وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ ) وَلَوْ بِهَدْمِ الشَّرِيكَيْنِ لِلْمُشْتَرَكِ لِاسْتِهْدَامٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يُجْبِرُهُ عَلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ .
نَعَمْ يُجْبَرُ فِي الْأَرْضِ عَلَى إجَارَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ الْقَدِيمُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ الْإِجْبَارُ صِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنْ التَّعَطُّلِ ، وَأَفْتَى بِهَذَا ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقِيلَ : إنَّ الْقَاضِيَ يُلَاحِظُ أَحْوَالَ الْمُتَخَاصِمِينَ ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ لَمْ يُجْبِرْهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عِنَادٌ أَجْبَرَهُ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاِتِّخَاذِ سُتْرَةٍ بَيْنَ سَطْحَيْهِمَا وَإِصْلَاحِ دُولَابٍ بَيْنَهُمَا تُشَعَّثُ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ التَّنْقِيَةِ أَوْ الْعِمَارَةِ ، وَلَوْ هَدَمَ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لَزِمَهُ أَرْشُ النَّقْصِ لَا إعَادَةُ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ مِثْلِيًّا ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِنْ نَصَّ فِي غَيْرِهِ عَلَى لُزُومِ الْإِعَادَةِ ، وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى سَقْيِ النَّابِتِ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِلنَّجُورِيِّ ، وَلَا إعَادَةُ السُّفْلِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ .

فَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ ، وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ ، وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ ، وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ ، وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ ، وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ .

فَلَوْ كَانَ عُلْوُ الدَّارِ لِوَاحِدٍ وَسُفْلُهَا لِآخَرَ وَانْهَدَمَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إجْبَارُ الثَّانِي عَلَى إعَادَةِ السُّفْلِ ، وَلَا لِلثَّانِي إجْبَارُ الْأَوَّلِ عَلَى مُعَاوَنَتِهِ فِي إعَادَتِهِ وَالسُّفْلُ وَالْعُلْوُ بِضَمِّ أَوَّلِهَا وَكَسْرِهِ ( فَإِنْ أَرَادَ ) الشَّرِيكُ ( إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ ) لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ بِذَلِكَ ، وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِذَلِكَ ، فَقَالَا : أَسَاسُ الْجِدَارِ مُشْتَرَكٌ فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ بِنَاءَهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ ، وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ؟ وَقَالَ السُّبْكِيُّ : الْعَرْصَةُ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا حَقَّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الِاسْتِبْدَادِ بِهَا ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُمْكِنُهُ الْمُقَاسَمَةُ ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْمُقَاسَمَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ ا هـ .
وَصَوَّرَ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْأَسَاسُ لِلْبَانِي وَحْدَهُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَارِزِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَالْمَنْقُولُ مَا فِي الْمَتْنِ .
وَأُجِيبَ عَمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ فَكَانَ لَهُ إعَادَةُ الْجِدَارِ لِأَجْلِهِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِنَاءٌ وَلَا جُذُوعٌ لَا يَكُونُ لَهُ إعَادَتُهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا ( وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ ) ؛ لِأَنَّهُ بِآلَتِهِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ جِذْعٌ خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ تَمْكِينِ الشَّرِيكِ مِنْ إعَادَتِهِ وَنَقْضِ بِنَائِهِ لِيَبْنِيَ مَعَهُ الْآخَرُ وَيُعِيدُ جِذْعَهُ ( وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ : لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي ) أَيْ قِيمَةَ مَا يَخُصُّنِي ( لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ ) عَلَى الْجَدِيدِ كَابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ .
أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ لُزُومُ الْعِمَارَةِ فَعَلَيْهِ إجَابَتُهُ ، وَلَوْ عَمَّرَ الْبِئْرَ أَوْ النَّهْرَ لَمْ

يَمْنَعْ شَرِيكَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدُّولَابِ وَالْآلَاتِ الَّتِي أَحْدَثَهَا ( وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَنْعِ .
وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ بِلَا شَكٍّ ، وَالنِّقْضُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا ، وَجَمْعُهُ أَنْقَاضُ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ ( وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ ) بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا ( بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ ) قَبْلَ إعَادَتِهِ ، فَلَوْ شَرَطَا زِيَادَةً لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ شَرْطُ عِوَضٍ مِنْ غَيْرِ مُعَوَّضٍ ( وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابِلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ) وَقَدْ صَوَّرَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِصُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا ، وَهِيَ الْأَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ فَيَصِيرُ لَهُ الثُّلُثَانِ وَيَكُونُ السُّدُسُ فِي مُقَابِلَةِ عَمَلِهِ ، وَمَحَلُّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ الزِّيَادَةَ مِنْ النَّقْضِ وَالْعَرْصَةِ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ شَرَطَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ ، لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِآلَتِهِ ، فَإِذَا شَرَطَ لَهُ الْآخَرُ السُّدُسَ كَمَا مَرَّ فَقَدْ قَابَلَ ثُلُثَ الْآلَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَعَمَلُهُ بِسُدُسِ الْعَرْصَةِ الْمُبْنَى عَلَيْهَا ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْآلَاتِ وَبِصِفَاتِ الْجُدْرَانِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ .
تَتِمَّةٌ : لِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاءُ السُّفْلِ بِمَالِهِ وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ ، وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ السُّكْنَى فِي الْمُعَادِ ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ مِلْكُهُ ، وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ وَتِدٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَكَذَا

لِلْأَسْفَلِ إنْ بَنَاهُ الْأَعْلَى قَبْلَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْبِنَاءِ مَا لَمْ يَبْنِ الْأَعْلَى عُلْوَهُ ، فَإِنْ بَنَاهُ فَلِلْأَسْفَلِ تَمَلُّكُ السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ وَلَيْسَ لَهُ هَدْمُهُ .
أَمَّا إذَا بَنَى السُّفْلَ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ وَلَا هَدْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ ، سَوَاءٌ أَبَنَى الْأَعْلَى عُلْوَهُ أَمْ لَا .
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ لَهُ الْبِنَاءَ بِآلَةِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَسْفَلُ مِنْهُ ، وَمِثْلُهُ الشَّرِيكُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ وَضْعُ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَادَةِ عَلَى السَّقْفِ الْمَمْلُوكِ لِلْآخَرِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ، وَلِلْآخَرِ الِاسْتِكْنَانُ بِهِ وَالتَّعْلِيقُ الْمُعْتَادُ بِهِ كَثَوْبٍ وَلَوْ بِوَتَدٍ يَتِدُهُ ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ ذَلِكَ لَعَظُمَ الضَّرَرُ وَتَعَطَّلَتْ الْمَنَافِعُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِمَا يُضَايِقُ فِيهِ عَادَةً ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَعْلَى ثَبَتَ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَطْعًا فَثَبَتَ لِلْأَسْفَلِ ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا وَفِي الْجِدَارِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْآخَرِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا ، وَيَجُوزُ غَرْزُ الْوَتَدِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فِيمَا يَلِيهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ .
قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ الظَّاهِرُ .

وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ .

( وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ ، وَ ) عَلَى ( إلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ ) أَيْ : الْمَصَالِحَ مَعَهُ ( عَلَى مَالٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ فِي الْمَاءِ الْمَجْلُوبِ مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ إلَى أَرْضِهِ .
وَالْحَاصِلُ إلَى سَطْحِهِ مِنْ الْمَطَرِ .
أَمَّا غَسَّالَةُ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى إجْرَائِهَا عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ : إنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ .
وَشَرْطُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ : أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَصْرِفٌ إلَى الطَّرِيقِ إلَّا بِمُرُورِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَمَحِلُّ الْجَوَازِ فِي الثَّلْجِ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَا فِي سَطْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي مِنْهُ الْمَاءُ ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَقِلُّ بِصِغَرِهِ وَيَكْثُرُ بِكِبَرِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي إلَيْهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَحَمَّلُ قَلِيلَ الْمَاءِ دُونَ كَثِيرِهِ ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِقَدْرِ مَاءِ الْمَطَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ، ثُمَّ إنْ عُقِدَ عَلَى الْأَوَّلِ بِصِيغَةِ الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْإِجْرَاءِ وَبَيَانِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ وَقَدْرِ الْمُدَّةِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِهَا ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ مَحْفُورًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَمْلِكُ الْحَفْرَ وَإِنْ عُقِدَ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ : بِعْتُك مَسِيلَ الْمَاءِ وَجَبَ بَيَانُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ لَا بَيَانَ الْعُمْقِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْقَرَارَ أَوْ بِعْتُك حَقَّ مَسِيلِ الْمَاءِ فَكَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ

حَقِّ الْبِنَاءِ ، وَإِنْ عَقَدَ بِصِيغَةِ الصُّلْحِ انْعَقَدَ بَيْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكِفَايَةِ ، وَلَا حَاجَةَ فِي الْعَارِيَّةِ إلَى بَيَانٍ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَالْأَرْضُ تَحْمِلُ مَا تَحْمِلُ بِخِلَافِ السَّقْفِ كَمَا مَرَّ ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا دُخُولُ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا لِتَنْقِيَةِ النَّهْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَرْضِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ النَّهْرِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ لِمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إجْرَاءِ الْمَطَرِ عَلَى السَّطْحِ أَنْ يَطْرَحَ الثَّلْجَ عَلَيْهِ ، وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الثَّلْجَ حَتَّى يَذُوبَ وَيَسِيلَ إلَيْهِ ، وَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إلْقَاءِ الثَّلْجِ لَا يُجْرِي الْمَطَرَ وَلَا غَيْرَهُ

وَلَوْ كَانَ مَجْرَى مَاءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : إجْرَاءُ الْمَاءِ عَنْ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ جَارٍ فَصَالَحَهُ إنْسَانٌ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ زَرْعَهُ مِنْهُ بِسَاقِيَةٍ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالْمَمْلُوكُ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ دُونَ مَا يَنْبُعُ ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ يَبِيعَ قَدْرًا مِنْ النَّهْرِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مِلْكِهِ أَنَّهُ قَيْدٌ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ هُنَا التَّأْقِيتُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا ، وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَاقِيَّةٌ ، إذْ لَيْسَ لَهُ إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ أَبَدًا .
فَرْعَانِ : الْأَوَّلُ : الْمُصَالَحَةُ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ ، وَطَرْحِ الْكُنَاسَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى مَالٍ عُقِدَ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ، وَكَذَا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْمَبِيتِ عَلَى سَقْفِ غَيْرِهِ .
الثَّانِي : لِلشَّخْصِ تَحْوِيلُ أَغْصَانِ شَجَرَةٍ لِغَيْرِهِ مَالَتْ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ الْخَالِصِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ امْتَنَعَ مَالِكُهَا مِنْ تَحْوِيلِهَا ، وَلَهُ قَطْعُهَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْوِيلُهَا ، وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى بَقَاءِ الْأَغْصَانِ بِمَالٍ ، فَإِنْ اعْتَمَدَتْ عَلَى الْجُدْرَانِ صَحَّ الصُّلْحُ عَنْهَا يَابِسَةً لَا رَطْبَةً لِزِيَادَتِهَا فَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا وَثِقَلُهَا وَانْتِشَارُ الْعُرُوقِ فِي أَرْضِهِ كَانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ ، وَكَذَا مَيْلُ الْجِدَارِ إلَى هَوَاءِ الدَّارِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَلَيْسَ لَهُ إذَا تَوَلَّى الْقَطْعَ وَالْهَدْمَ بِنَفْسِهِ طَلَبُ أُجْرَةٍ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ : وَلَوْ دَخَلَ الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فِي بَرْنِيَّةِ وَنَبَتَ فِيهَا أُتْرُجَّةٌ وَكَبُرَتْ قَطَعَ الْغُصْنَ ،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51