كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُقَرَّ فِي الْأَظْهَرِ ، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ ، فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ تَوَثَّنَ لَمْ يُقَرَّ ، وَفِيمَا يُقْبَلُ الْقَوْلَانِ ، وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ .

( وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ ( لَمْ يُقَرَّ ) بِالْجِزْيَةِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } وَقَدْ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلًا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِهِ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ .
وَالثَّانِي : يُقَرُّ لِتَسَاوِيهِمَا فِي التَّقْرِيرِ بِالْجِزْيَةِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافُ الْحَقِّ ، وَلَيْسَ كَالْمُسْلِمِ يَرْتَدُّ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الدِّينَ الْحَقَّ ، وَصَرَّحَ بِتَرْجِيحِ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلَهُ : ( فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً ) نَصْرَانِيَّةً تَهَوَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ ( لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تُقَرُّ كَالْمُسْلِمَةِ ( فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ ) أَيْ الْمُسْلِمِ ( فَكَرِدَّةِ ) أَيْ فَتَهَوُّدُهَا أَوْ تَنَصُّرُهَا كَرِدَّةِ ( مُسْلِمَةٍ ) تَحْتَهُ ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ رِدَّتِهَا قَرِيبًا ( وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ ) لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِمَا مَرَّ ( وَفِي قَوْلٍ ) يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِسْلَامُ ( أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ ) لِأَنَّهُ كَانَ مُقَرًّا عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِأَحَدِهِمَا إذْ الْبَاطِلُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّا لَا نَأْمُرُهُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ عَيْنًا ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ وَعَادَ إلَى دِينِهِ الْأَوَّلِ تُرِكَ ، فَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الثَّانِي أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَأْمَنٌ كَمَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ حَرْبِيٌّ إنْ ظَفِرْنَا بِهِ قَتَلْنَاهُ فَإِنْ قِيلَ : مَنْ فَعَلَ مَا يَنْتَقِضُ بِهِ عَهْدُهُ مِنْ قِتَالٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَبْلُغْ الْمَأْمَنَ بَلْ يُقْتَلُ فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِتَعَدِّي ضَرَرِ مَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ بِمَا ذُكِرَ إلَيْنَا بِخِلَافِ الْمُنْتَقِلِ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ

كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، أَمَّا لَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَنَا وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ لِمَصْلَحَةِ قَبُولِهَا ( وَلَوْ تَوَثَّنَ ) يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ ( لَمْ يُقَرَّ ) بِالْجِزْيَةِ قَطْعًا لِمَا مَرَّ ( وَفِيمَا يُقْبَلُ ) مِنْهُ ( الْقَوْلَانِ ) السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا الْإِسْلَامُ فَقَطْ .
وَالثَّانِي هُوَ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ ، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ فِيمَا يَأْتِي ( وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ ) بِالْجِزْيَةِ ( وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ ) فِي حَقِّهِ ( كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ ) فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْإِسْلَامُ ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ حَالُهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الِانْتِقَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُ بِذَلِكَ .

وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ ، وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ ، أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ مِنْ الرِّدَّةِ ، وُقِفَتْ ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ ، وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي التَّوَقُّفِ وَلَا حَدَّ .

( وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ ) لَا لِمُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تُقَرُّ وَلَا لِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا لِمُرْتَدٍّ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الدَّوَامُ ، وَالْمُرْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ ( وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجَانِ ) مَعًا ( أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ ) حَيْثُ لَا عِدَّةَ بِاسْتِدْخَالِ مَنِيِّ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ ( تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ ) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ( أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ بِمَا ذُكِرَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا ( فَالْفُرْقَةُ ) بَيْنَهُمَا تَتَبَيَّنُ ( مِنْ ) حِينِ ( الرِّدَّةِ ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا .
مَعْنَاهُ ( وُقِفَتْ ) تِلْكَ الْفُرْقَةُ ، وَحِينَئِذٍ ( فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ ) بَيْنَهُمَا لِتَأَكُّدِهِ لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ دِينٍ بَعْدَ الْمَسِيسِ ، فَلَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فِي الْحَالِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ ( وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي ) مُدَّةِ ( التَّوَقُّفِ ) لِاحْتِمَالِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ فَيَتَبَيَّنُ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ ، وَحُصُولُ الْوَطْءِ فِي الْبَيْنُونَةِ ( وَ ) لَكِنْ لَوْ وَطِئَ ( لَا حَدَّ ) عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَهِيَ بَقَاءُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْهُ ، وَهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلٍ ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ فَالنَّصُّ هُنَا السُّقُوطُ ، وَفِي الرَّجْعِيَّةِ إذَا وَطِئَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ تَسْقُطْ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ شَعَثَ الرِّدَّةِ زَالَ بِالْإِسْلَامِ ، وَرَجَعَ النِّكَاحُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ لِنُقْصَانِ عَدَدِ الطَّلَاقِ .
تَتِمَّةٌ : إذَا طَلَّقَهَا فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا تَبَيَّنَّا صِحَّتَهَا

وَإِلَّا فَلَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا ، وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ ، وَلَا أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً لِاحْتِمَالِ إسْلَامِهَا ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ أَوْ خَالَعَهَا جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ ، وَإِلَّا فَبِالطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ .

خَاتِمَةٌ : فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ ، أَنَّهُ إذَا كَانَ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَذِمِّيَّةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَقَالَ لِلْمُسْلِمَةِ ارْتَدَدْت .
وَقَالَ لِلذِّمِّيَّةِ أَسْلَمْت فَأَنْكَرَتَا ارْتَفَعَ نِكَاحُهُمَا بِزَعْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ ارْتَدَّتْ وَحَرُمَتْ ، وَأَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَسْلَمَتْ وَأَنْكَرَتْ ، فَصَارَتْ مُرْتَدَّةً بِإِنْكَارِهَا وَحَرُمَتْ ، أَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَيُوقَفُ النِّكَاحُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .

بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَسْلَمَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ دَامَ نِكَاحُهُ أَوْ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ فَتَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ ، أَوْ بَعْدَهُ وَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ دَامَ نِكَاحُهُ ، وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ مِنْ إسْلَامِهِ ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَأَصَرَّ فَكَعَكْسِهِ .

بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ وَهُوَ الْكَافِرُ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ كِتَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْكِتَابِيَّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ } [ الْبَيِّنَةَ ] وَلِذَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّ الْمُشْرِكَ وَالْكِتَابِيَّ كَمَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ اخْتَلَفَ مَدْلُولُهُمَا ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا تَنَاوَلَ الْآخَرَ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُطْلَقُ عَلَى الْكِتَابِيِّ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ يَعْبُدُ مَنْ لَمْ يَبْعَثْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، وَمِنْ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ : ( أَسْلَمَ ) كَافِرٌ ( كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ ) كَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ ( وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ ) حُرَّةٌ أَوْ ثِنْتَانِ فِي عَبْدٍ أَوْ أَرْبَعٌ فِي حُرٍّ يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ ( دَامَ نِكَاحُهُ ) بِالْإِجْمَاعِ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ لِمَنْ ذُكِرَ ( أَوْ ) أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ( وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ ) أَوْ كِتَابِيَّةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ الَّتِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهَا ( فَتَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ ) بِهَا ، وَاسْتَدْخَلَ مَنِيَّ مُحْتَرَمٍ ( تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ ) بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَبِينُ بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ ( أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ دُخُولٍ بِهَا ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا مَرَّ ( وَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ ) وَلَوْ تَبَعًا ( دَامَ نِكَاحُهُ ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : { أَنَّ امْرَأَةً أَسْلَمَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا .
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنِّي

كُنْتُ أَسْلَمْتُ وَعَلِمْت بِإِسْلَامِي فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا وَرَدَّهَا إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ } ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَصَرَّتْ إلَى انْقِضَائِهَا ( فَالْفُرْقَةُ ) بَيْنَهُمَا حَاصِلَةٌ ( مِنْ ) حِينِ ( إسْلَامِهِ ) أَمَّا الْأَمَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا ( وَلَوْ أَسْلَمَتْ ) زَوْجَتُهُ ( وَأَصَرَّ ) الزَّوْجُ عَلَى كُفْرِهِ ( فَكَعَكْسِهِ ) هُوَ مَا لَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ هِيَ ، وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ قَبْلَهُ ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَهَا بِنَحْوِ شَهْرٍ ، وَاسْتَقَرُّوا عَلَى النِّكَاحِ ، قَالَ : وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي .
تَنْبِيهٌ : لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ .

وَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا دَامَ النِّكَاحُ ، وَالْمَعِيَّةُ بِآخِرِ اللَّفْظِ .
( وَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا ) عَلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ( دَامَ النِّكَاحُ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ دِينُهُمَا فِي الْكُفْرِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ ( وَالْمَعِيَّةُ ) فِي الْإِسْلَامِ ( بِآخِرِ اللَّفْظِ ) الَّذِي يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا بِأَنْ يَقْتَرِنَ آخِرُ كَلِمَةٍ مِنْ إسْلَامِهِ بِآخِرِ كَلِمَةٍ مِنْ إسْلَامِهَا سَوَاءٌ أَوْقَعَ أَوَّلَ حَرْفٍ مِنْ لَفْظِهِمَا مَعًا أَمْ لَا ، وَإِسْلَامُ أَبَوَيْ الزَّوْجَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ أَوْ الْمَجْنُونَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَإِسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ الْبَالِغَةُ وَأَبُو زَوْجِهَا الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ مَعًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَطَلَ نِكَاحُهُ ، كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ لِتَرَتُّبِ إسْلَامِهِ عَلَى إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَدْ سَبَقَتْهُ بِالْإِسْلَامِ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ عَقِبَ إسْلَامِ الْأَبِ وَلَمْ يَدْخُلْ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَجْنُونُ بِهَا بَطَلَ النِّكَاحُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ يَحْصُلُ حُكْمًا ، وَإِسْلَامَهَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ ، وَالْحُكْمِيُّ يَكُونُ سَابِقًا لِلْقَوْلِيِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ إسْلَامُهُمَا مَعًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ قَالَهُ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيّ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي ذَلِكَ هُوَ الْفِقْهُ .

وَحَيْثُ أَدَمْنَا لَا تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْعَقْدِ لِمُفْسِدٍ هُوَ زَائِلٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الْآنَ ، وَإِنْ بَقِيَ الْمُفْسِدُ فَلَا نِكَاحَ فَيُقَرُّ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ ، وَفِي عِدَّةٍ هِيَ مُنْقَضِيَةٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ ، وَمُؤَقَّتٍ ، إنْ اعْتَقَدُوهُ مُؤَبَّدًا ، وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الْإِسْلَامَ عِدَّةُ شُبْهَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ، لَا نِكَاحُ مَحْرَمٍ .

( وَحَيْثُ أَدَمْنَا ) أَيْ حَكَمْنَا بِدَوَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا ( لَا تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْعَقْدِ ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ الْوَاقِعِ فِي الْكُفْرِ ( لِمُفْسِدٍ هُوَ زَائِلٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ ) وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ ( وَكَانَتْ ) تِلْكَ الزَّوْجَةُ ( بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الْآنَ ) لَوْ ابْتَدَأَ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا تُعْتَبَرُ حَالَ نِكَاحِ الْكَافِرِ فَلْتُعْتَبَرْ حَالَ الِالْتِزَامِ بِالْإِسْلَامِ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعَقْدُ عَنْ شُرُوطِهِ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا ، وَيَكْفِي الْحِلُّ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيِّ ، فَإِنْ اعْتَقَدُوا فَسَادَهُ وَانْقِطَاعَهُ فَلَا تَقْرِيرَ بَلْ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالِاسْتِمْرَارِ مَعَ اقْتِرَانِ الْمُفْسِدِ بِالْعَقْدِ تَخْفِيفًا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ ( وَإِنْ بَقِيَ الْمُفْسِدُ ) الْمَذْكُورُ عِنْدَ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ الْآنَ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ زَالَ عِنْدَهُ وَاعْتَقَدُوا فَسَادَهُ كَمَا مَرَّ ( فَلَا نِكَاحَ ) يَدُومُ بَيْنَهُمَا ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ الطَّارِئَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَضُرُّ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي رَضَاعٍ أَوْ جِمَاعٍ رَافِعَيْنِ لِلنِّكَاحِ .
ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُفْسِدِ الزَّائِلِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ : ( فَيُقَرُّ ) تَخْفِيفًا ( فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَ ) لَا ( شُهُودٍ ) وَبِلَا إذْنِ ثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ ، وَالْوَلِيُّ غَيْرُ أَبٍ أَوْ جَدٍّ ، إذْ لَا مُفْسِدَ عِنْدَ الْإِسْلَامِ ، وَنِكَاحُهَا الْآنَ جَائِزٌ ( وَ ) يُقَرُّ أَيْضًا فِي نِكَاحٍ وَقَعَ ( فِي عِدَّةٍ ) لِلْغَيْرِ وَلَوْ بِشُبْهَةٍ ، وَ ( هِيَ مُنْقَضِيَةٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ ) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا ، وَخَرَجَ بِالْمُنْقَضِيَةِ مَا إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ لِبَقَاءِ الْمُفْسِدِ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ رَاجَعَهَا فِي الْقُرْءِ الرَّابِعِ وَاعْتَقَدُوهُ صَحِيحًا أُقِرَّ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ ( وَ ) عَلَى نِكَاحٍ ( مُؤَقَّتٍ إنْ اعْتَقَدُوهُ

مُؤَبَّدًا ) وَيَكُونُ ذِكْرُ الْوَقْتِ لَغْوًا ، وَهَذَا كَاعْتِقَادِنَا مُؤَقَّتَ الطَّلَاقِ مُؤَبَّدًا .
أَمَّا إذَا اعْتَقَدُوهُ مُؤَقَّتًا فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا بَاطِلٌ ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ حَمْلًا عَلَى اعْتِقَادِهِمْ وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَأْبِيدَهُ ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَا قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْمُدَّةِ يَعْتَقِدُونَهُ مُؤَقَّتًا ، وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ ، وَبَعْدَهَا لَا نِكَاحَ فِي اعْتِقَادِهِمْ ، وَلَوْ غَصَبَ كَافِرٌ غَيْرُ ذِمِّيٍّ امْرَأَةً كَافِرَةً غَيْرَ ذِمِّيَّةٍ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ غَصْبَهَا نِكَاحًا أُقِرَّ إقَامَةً لِلْفِعْلِ مَقَامَ الْقَوْلِ ، وَإِنْ غَصَبَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً وَاِتَّخَذَهَا زَوْجَةً فَإِنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ وَإِنْ اعْتَقَدُوهُ نِكَاحًا ؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ دَفْعَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَوَطَّنْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ ، إذْ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ حِينَئِذٍ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً أَوْ الذِّمِّيُّ حَرْبِيَّةً وَاعْتَقَدُوهُ نِكَاحًا أَنَّهُ يُقَرُّ فِي الثَّانِيَةِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ دُونَ الْأُولَى ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ ؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَكْسَ ، وَكَالْغَصْبِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُطَاوَعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ ( وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الْإِسْلَامَ عِدَّةُ شُبْهَةٍ ) بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ وَقَعَتْ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ كَأَنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ فَوُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ زَمَنَ التَّوَقُّفِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّبْهَةِ لَا تَقْطَعُ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ ، فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ مَا لَا

يُحْتَمَلُ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ .
أَمَّا الشُّبْهَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْعَقْدِ كَأَنْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا يُقَرُّ النِّكَاحُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ قَائِمٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ ، وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الرَّقْمِ أَنَّهُ يُقَرُّ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَمْنَعُ الدَّوَامَ مَعَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ ، بِخِلَافِ عِدَّةِ النِّكَاحِ .
قَالَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْفَرْقِ ، وَأَطْلَقُوا اعْتِبَارَ التَّقْرِيرِ بِالِابْتِدَاءِ ا هـ .
أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ وَالنِّكَاحِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
فَإِنْ قُلْت : كَيْفَ تُتَصَوَّرُ الشُّبْهَةُ بَيْنَ الْإِسْلَامِيِّينَ فَإِنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَ شَرَعَتْ الزَّوْجَةُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ .
وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عِدَّةِ الشُّبْهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ حَمْلٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَدِ ، فَإِسْلَامُ الْآخَرِ يَكُونُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ لَا فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِكَوْنِهَا عِدَّةَ نِكَاحٍ لِجَوَازِ أَنْ يُسْلِمَ الْمُتَخَلِّفُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَاضِيَ مِنْهَا لَيْسَ عِدَّةَ نِكَاحٍ بَلْ عِدَّةَ شُبْهَةٍ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا كَانَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ النِّكَاحَ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ ( لَا نِكَاحُ مَحْرَمٍ ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ .

وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ مُحْرِمٌ أُقِرَّ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَلَوْ أَسْلَمَ ) الزَّوْجُ ( ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ) فِي الْعِدَّةِ ( وَهُوَ مُحْرِمٌ ) أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَحْرَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ ( أُقِرَّ ) النِّكَاحُ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّ طُرُوَّ الْإِحْرَامِ لَا يُؤَثِّرُ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ فَهَذَا أَوْلَى ، وَفِي قَوْلٍ قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ : لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ ، وَخَرَجَ بِهَذَا التَّصْوِيرِ مَا لَوْ أَسْلَمَا مَعًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ جَزْمًا ، وَلَوْ قَارَنَ إحْرَامُهُ إسْلَامَهَا هَلْ يُقَرُّ جَزْمًا أَوْ عَلَى الْخِلَافِ ؟ قَالَ السُّبْكِيُّ : لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي .

وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً وَأَمَةً وَأَسْلَمُوا تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً ) صَالِحَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ ( وَأَمَةً ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ( وَأَسْلَمُوا ) أَيْ الزَّوْجُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ مَعًا ( تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ ) لِلنِّكَاحِ ( وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مَعَ وُجُودِ حُرَّةٍ تَحْتَهُ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي : لَا تَنْدَفِعُ الْأَمَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ كَاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ لَا كَابْتِدَائِهِ .
أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْحُرَّةُ صَالِحَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ فَكَالْعَدِمِ ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فَقَطْ مَعَ الزَّوْجِ تَعَيَّنَتْ أَيْضًا وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ .

وَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَقِيلَ فَاسِدٌ ، وَقِيلَ إنْ أَسْلَمَ وَقُرِّرَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهُ ، وَإِلَّا فَلَا .
( وَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ } [ الْقَصَصَ ] { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } [ الْمَسَدَ ] ، وَلِحَدِيثِ غَيْلَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ نِسْوَةٍ فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِمْسَاكِ ، وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ شَرَائِطِ النِّكَاحِ ، فَلَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ شَرَائِطِ أَنْكِحَتِهِمْ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ نُبْطِلْهُ قَطْعًا ، وَلَوْ أَسْلَمُوا أَقْرَرْنَاهُ ( وَقِيلَ فَاسِدٌ ) لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِمْ الشُّرُوطَ ، لَكِنْ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا رِعَايَةً لِلْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ ، وَنُقِرُّهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ رُخْصَةً وَخَشْيَةً مِنْ التَّنْفِيرِ ( وَقِيلَ ) مَوْقُوفٌ ( إنْ أَسْلَمَ وَقُرِّرَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّرْ تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَعْبِيرِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالصِّحَّةِ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَنِعِمَّا هِيَ ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِيهَا أَنَّهَا إنْ وَقَعَتْ عَلَى حُكْمٍ وَفْقَ الشَّرْعِ فَصَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَمَحْكُومٌ لَهَا بِالصِّحَّةِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْإِسْلَامِ رُخْصَةً ، وَعَفْوًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَا كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا أَرَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا ، بَلْ يُقْطَعُ بِصِحَّتِهِ لِوُجُودِ شُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَحُكْمُ اللَّهِ وَاحِدٌ ا هـ .
وَالصَّوَابُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِالْعُقُودِ الَّتِي يُحْكَمُ بِفَسَادِ مِثْلِهَا فِي الْإِسْلَامِ لَا فِي كُلِّ عُقُودِهِمْ ، فَلَوْ عَقَدُوا عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ .

فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَحِلَّ بِمُحَلِّلٍ .
ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَوْلَهُ ( فَعَلَى الصَّحِيحِ ) مِنْهُ ، وَهُوَ صِحَّةُ أَنْكِحَتِهِمْ ( لَوْ طَلَّقَ ) الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ ( ثَلَاثًا ) فِي الْكُفْرِ ( ثُمَّ أَسْلَمَا ) مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ ( لَمْ تَحِلَّ ) لَهُ الْآنَ ( إلَّا بِمُحَلِّلٍ ) سَوَاءٌ اعْتَقَدُوا وُقُوعَ الطَّلَاقِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ .
أَمَّا إذَا تَحَلَّلَتْ فِي الْكُفْرِ فَيَكْفِي فِي الْحِلِّ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الشِّرْكِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَكَحَهَا فِي الشِّرْكِ مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى قَوْلِ الْفَسَادِ وَالْوَقْفِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ فَقَدْ أَطَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْكَلَامَ فِيهِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُلِّ عَقْدٍ يُقِرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَلَوْ طَلَّقَ الْكَافِرُ أُخْتَيْنِ أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمُوا لَمْ يَنْكِحْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ ، وَإِنْ أَسْلَمُوا مَعًا أَوْ سَبَقَ إسْلَامُهُ أَوْ إسْلَامُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لَمْ يَنْكِحْ مُخْتَارَةَ الْأُخْتَيْنِ وَلَا الْحُرَّةَ إلَّا بِمُحَلِّلٍ .

وَمَنْ قُرِّرَتْ فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ .
وَأَمَّا الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَا شَيْءَ لَهَا ، وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلٍ ، وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ .

( وَمَنْ قُرِّرَتْ ) عَلَى النِّكَاحِ ( فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ ) هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّفْرِيعِ السَّابِقِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كَمَا تَثْبُتُ الصِّحَّةُ لِلنِّكَاحِ تَثْبُتُ لِلْمُسَمَّى ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ الصِّحَّةِ وَالْوَقْفِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْفَسَادِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَذَلِكَ ، وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ ( وَأَمَّا ) الْمُسَمَّى ( الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ ( فَإِنْ قَبَضَتْهُ ) أَوْ قَبَضَهُ وَلِيُّهَا وَهِيَ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا ( قَبْلَ الْإِسْلَامِ ) وَلَوْ بِإِجْبَارِ قَاضِيهمْ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( فَلَا شَيْءَ لَهَا ) لِخَبَرِ : { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ } وَلِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا وَانْقِطَاعِ الْمُطَالَبَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ جَرَيَانُ هَذَا فِي كُلِّ فَاسِدٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا حُرًّا مُسْلِمًا أَسَرُوهُ وَاسْتَرَقُّوهُ ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهَا وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي : لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لَحِقَ الْمُسْلِمَ ، وَفِي نَحْوِ الْخَمْرِ لَحِقَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَأَيْضًا لِأَنَّا نُقِرُّهُمْ حَالَ الْكُفْرِ عَلَى نَحْوِ الْخَمْرِ دُونَ أَسْرِ الْمُسْلِمِ ، وَأُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ عَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ ، بَلْ يُلْحَقُ بِهِ سَائِرُ مَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ الْمَعْصُومِ ، وَهَلْ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ الْخَمْرَ يَمْلِكُ ثَمَنَهُ حَتَّى إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَدَفَعَ لَهُ ثَمَنَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ أَمْ لَا ؟ أَجَابَ بِالْأَوَّلِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ الثَّانِيَ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَصْلًا أَوْ قَبَضَتْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا أَمْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا كَمَا نَصَّ

عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( فَمَهْرُ مِثْلٍ ) لَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ إلَّا بِالْمَهْرِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْخَمْرِ فِي الْإِسْلَامِ مُمْتَنِعَةٌ فَرَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ الْمُسْلِمُ عَلَى خَمْرٍ ( وَإِنْ قَبَضَتْ ) قَبْلَ الْإِسْلَامِ ( بَعْضَهُ ) أَيْ الْمُسَمَّى الْفَاسِدَ مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا ( فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ ) لَا مَا بَقِيَ مِنْ الْمُسَمَّى لِتَعَذُّرِهِ بِالْإِسْلَامِ إلْحَاقًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فِي الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ كَيْفِيَّةَ التَّقْسِيطِ ، وَقَدْ بَيَّنَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ ، فَقَالَ : وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَقْسِيطِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مِثْلِيٌّ لَوْ فُرِضَ مَالًا : الْكَيْلُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الزِّقُّ ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا زِقَّيْ خَمْرٍ فَقَبَضَتْ أَحَدَهُمَا اُعْتُبِرَ فِي التَّقْسِيطِ الْكَيْلُ لَا الْوَزْنُ وَلَا الْعَدَدُ وَلَا الْقِيمَةُ .
نَعَمْ إنْ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ قِيمَةً لِزِيَادَةِ وَصْفٍ فِيهِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْكِلَابِ وَنَحْوِهَا الْقِيمَةُ بِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ لَهَا قِيمَةً لَا الْعَدَدُ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا كَلْبٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لَا الْقِيمَةُ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ ، فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا جِنْسَيْنِ فَأَكْثَرَ كَزِقَّيْ خَمْرٍ وَكَلْبَيْنِ وَسَلَّمَ لَهَا الْبَعْضَ فِي الْكُفْرِ ، فَالْمُعْتَبَرُ هُنَا الْقِيمَةُ بِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ فِي الْجَمِيعِ كَتَقْدِيرِ الْحُرِّ عَبْدًا فِي الْحُكُومَةِ ، لَكِنْ لَوْ تَعَدَّدَ الْجِنْسُ وَكَانَ مِثْلِيًّا كَزِقِّ خَمْرٍ وَزِقِّ بَوْلٍ وَقَبَضَتْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السُّوَاءِ ، فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ، وَلَوْ نَكَحَ الْكَافِرُ عَلَى صُورَةِ التَّفْوِيضِ وَاعْتَقَدُوا أَنْ لَا

مَهْرَ لِمَفُوضَتِهِ بِحَالٍ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْأَهَا بِلَا مَهْرٍ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قَالُوا فِي بَابِ الصَّدَاقِ : إنَّهُ لَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً تَفْوِيضًا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا لَهَا بِالْمَهْرِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْحَرْبِيِّينَ وَفِيمَا إذَا اعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ بِحَالٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فِيهِمَا .

وَمَنْ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ بَعْدَ دُخُولٍ فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إنْ صُحِّحَ نِكَاحُهُمْ ، وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلٍ أَوْ قَبْلَهُ وَصُحِّحَ ، فَإِنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا ، وَبِإِسْلَامِهِ فَنِصْفُ مُسَمًّى إنْ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ .

( وَمَنْ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ ) مِنْهَا أَوْ مِنْ زَوْجِهَا ( بَعْدَ دُخُولٍ ) بِهَا بِأَنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ ( فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إنْ صُحِّحَ نِكَاحُهُمْ ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ نَكَحَ أُمًّا وَبِنْتَهَا ثُمَّ دَخَلَ بِالْأُمِّ فَقَطْ فَإِنَّ الْبِنْتَ تَحْرُمُ أَبَدًا ، وَكَذَا الْأُمُّ عَلَى الْمَذْهَبِ .
قَالُوا : وَلِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَهَذِهِ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى ا هـ .
وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا ، فَإِذًا لَا اسْتِثْنَاءَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ ، أَوْ كَانَ زَوْجُهَا قَدْ سَمَّى لَهَا فَاسِدًا ( فَمَهْرُ مِثْلٍ ) لَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ ( أَوْ ) لَمْ تَنْدَفِعْ بَعْدَ دُخُولٍ بَلْ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ ( وَصُحِّحَ ) أَيْ وَفَرَّعْنَا عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ ( فَإِنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا ) عَلَى الْمَشْهُورِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِهَا ، وَقِيلَ قَوْلَانِ .
ثَانِيهِمَا لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهَا أَحْسَنَتْ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّخَلُّفُ مِنْهُ .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُهُ بِالصِّحَّةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ لَا مَهْرَ لَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، إذْ الْمَهْرُ لَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِالدُّخُولِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ قَيْدًا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ ، وَأَنَّ الْأَوْلَى طَرْحُهُ لِيُفْهَمَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ ، وَيَنْتَفِيَ إيهَامُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ ، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ : ( أَوْ ) أَيْ انْدَفَعَ ( بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ وَصُحِّحَ نِكَاحُهُمْ ( فَنِصْفُ مُسَمًّى ) يَجِبُ لَهَا ( إنْ كَانَ صَحِيحًا ) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ

صَحِيحًا كَخَمْرٍ ( فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ ) عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ فِي التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَجَبَتْ مُتْعَةٌ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُصَحَّحْ نِكَاحُهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهَا لِمَا مَرَّ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ التَّقْيِيدَ بِالصِّحَّةِ هُنَا فَسَبَقَ قَلَمُهُ إلَى مَا فِي قَلْبِهِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَحْرَمَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهَا وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِيمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي الْمَجُوسِيِّ إذَا مَاتَ وَتَحْتَهُ مَحْرَمٌ لَمْ نُوَرِّثْهَا ، وَجَرَى عَلَى الثَّانِي الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهَا وَغَيْرُهُمْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ .
قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ا هـ .
قِيلَ : وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ لَا مَهْرَ لَهُنَّ إذَا انْدَفَعَ نِكَاحُهُنَّ بِاخْتِيَارِ أَرْبَعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ .
قَالَ شَيْخِي : وَهَذَا أَحَدُ النُّصُوصِ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ .

وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ وَجَبَ الْحُكْمُ ، أَوْ ذِمِّيَّانِ وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَنُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّ لَوْ أَسْلَمُوا ، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ .

( وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا ) فِي نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ ( ذِمِّيٌّ ) أَوْ مُعَاهَدٌ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ ( وَمُسْلِمٌ وَجَبَ الْحُكْمُ ) بَيْنَهُمَا أَيْ الْمُسْلِمِ وَمَنْ ذُكِرَ بِشَرْعِنَا قَطْعًا ، طَالِبًا كَانَ الْمُسْلِمُ أَوْ مَطْلُوبًا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ رَفْعُ الظُّلْمِ عَنْ الْمُسْلِمِ ، وَالْمُسْلِمُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ إلَى حَاكِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا تَرْكُهُمَا مُتَنَازِعَيْنِ فَرَدَدْنَا مَنْ مَعَ الْمُسْلِمِ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُوَ وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُهُ بِالتَّرَافُعِ اعْتِبَارَ رِضَا الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ ، وَلَكِنَّ عَامَّةَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى اعْتِبَارِ رِضَا وَاحِدٍ إذَا اسْتَعْدَى عَلَى خَصْمِهِ ( أَوْ ) تَرَافَعَ إلَيْنَا ( ذِمِّيَّانِ ) وَاتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا كَنَصْرَانِيَّيْنِ وَلَمْ نَشْتَرِطْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمَا الْتِزَامَ أَحْكَامِنَا ( وَجَبَ ) عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُ الظُّلْمِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ .
وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ ؛ لَا يَجِبُ بَلْ يَتَخَيَّرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْأُولَى ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ الْأُولَى عَلَى الذِّمِّيِّينَ وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ ، وَلِهَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالذِّمِّيِّينَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَاهَدِينَ لَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا وَلَمْ نَلْتَزِمْ دَفْعَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ ، وَالذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّينَ ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْءٌ اسْتَوْفَيْنَاهُ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ ، فَلَوْ

أَقَرَّهُ ذِمِّيٌّ بِزِنًا أَوْ سَرِقَةِ مَالٍ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ حَدَّدْنَاهُ .
أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ ، أَوْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمَا الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ بَيْنَهُمَا جَزْمًا .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَرْضَى مِلَّةَ الْآخَرِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَعَمَلًا بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْحُكْمَ وَجَبَ الْإِعْدَاءُ وَالْحُضُورُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبَانِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ ، وَيُفْهَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الْحُكْمُ بَيْنَ حَرْبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَمُعَاهَدٍ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ عُقِدَتْ الذِّمَّةُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ كَالْمُعَاهَدِينَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ فَكَذَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ضَابِطٍ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ صُوَرِهِ بِقَوْلِهِ ( وَنُقِرُّهُمْ ) فِي كُلِّ مَا تَرَافَعُوا فِيهِ إلَيْنَا ( عَلَى مَا نُقِرُّ ) هُمْ عَلَيْهِ ( لَوْ أَسْلَمُوا ، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ ) وَنُوجِبُ النَّفَقَةَ فِي نِكَاحِ مَنْ قَرَّرْنَاهُ ، فَلَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا قَرَّرْنَا النِّكَاحَ وَحَكَمْنَا بِالنَّفَقَةِ ، وَإِنْ نَكَحَ الْمَجُوسِيُّ مَحْرَمًا لَهُ وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا لَمْ نَعْتَرِضْ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَرَفُوا مِنْ حَالِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ الْمَحَارِمَ وَلَمْ يَعْتَرِضُوهُمْ ، فَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا فِي النَّفَقَةِ أَبْطَلْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَا نَفَقَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا بِالتَّرَافُعِ أَظْهَرَا مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَظْهَرَ الذِّمِّيُّ الْخَمْرَ ، وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا كَافِرٌ تَحْتَهُ أُخْتَانِ وَطَلَبُوا

فَرْضَ النَّفَقَةِ أَعْرَضْنَا عَنْهُمْ مَا لَوْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ ، فَإِنْ رَضُوا بِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ بِأَنْ نَأْمُرَهُ بِاخْتِيَارِ إحْدَاهُمَا .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ فِي نِكَاحِ الْمَحْرَمِ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا فِي الْأُخْتَيْنِ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْرَمَ أَشَدُّ حُرْمَةً ؛ لِأَنَّ مَنْعَ نِكَاحِهَا لِذَاتِهَا ، وَإِنَّمَا مُنِعَ فِي الْأُخْتَيْنِ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَيُزَوِّجُ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ بِشُهُودٍ مِنْهُمْ ذِمِّيًّا بِكِتَابِيَّةٍ لَا وَلِيَّ لَهَا خَاصٌّ بِالْتِمَاسِهِمْ ذَلِكَ .

فَصْلٌ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ ، وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ ، وَإِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ تَعَيَّنَ .

فَصْلٌ فِي حُكْمِ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ الزَّائِدَاتِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ ، لَوْ ( أَسْلَمَ ) الْكَافِرُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ ( وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ ) مِنْ الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ ( وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ) عَلَى أَيِّ دِينٍ يَكُنَّ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ( أَوْ ) تَخَلَّفْنَ وَهُنَّ مَدْخُولٌ بِهِنَّ وَكُنَّ غَيْرَ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَهُ ( فِي الْعِدَّةِ ) وَهِيَ مِنْ حِينِ إسْلَامِهِ ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ فِي الْعِدَّةِ ( أَوْ ) لَمْ يُسْلِمْنَ أَصْلًا بَلْ ( كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ ) يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِنَّ ( لَزِمَهُ ) حَالَ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلِاخْتِيَارِ وَلَوْ سَكْرَانَ ( اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ ) مِنْهُنَّ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَةِ الْإِرْثِ ، وَيَرِثُ مِنْ الْمَيِّتَاتِ الْمُخْتَارَاتِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ ( وَيَنْدَفِعُ ) بَعْدَ اخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ نِكَاحُ ( مَنْ زَادَ ) لِأَنَّ { غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ، وَسَوَاءٌ نَكَحَهُنَّ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا ، اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ ، وَحَمْلُ الْخَصْمِ لَهُ عَلَى الْأَوَائِلِ بَعِيدٌ يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ : { أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا ، فَعَمِدْتُ إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٌ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا } وَحَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى تَجْدِيدِ

الْعَقْدِ أَبْعَدُ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ ، فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ .
فَائِدَةٌ : قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : أَسْلَمَ سِتَّةٌ مِنْ ثَقِيفٍ كُلٌّ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَامِرٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَغَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِلُزُومِ اخْتِيَارِ أَرْبَعٍ يُوهِمُ إيجَابَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْلَ الِاخْتِيَارِ وَاجِبٌ لِئَلَّا يَسْتَدِيمَ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ .
وَأَمَّا إمْسَاكُ أَرْبَعٍ فَجَائِزٌ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ابْنُ شُهْبَةَ وَابْنُ قَاسِمٍ وَالدِّمْيَاطِيُّ ، وَقَدْ سَلِمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَا اخْتَارَ أَرْبَعًا ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ اللُّزُومُ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ يَحْمِلُ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ دَفْعَ الْمُفَارَقَاتِ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ ، وَكَذَا الْعِدَّةُ وَهُوَ انْدِفَاعُ بَيْنُونَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
أَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ ثِنْتَيْنِ كَيْفَ شَاءَ حُرَّتَيْنِ أَوْ لَا .
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ عَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ النِّكَاحَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ ، وَلَا لِلْوَلِيِّ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُهُ لِيَخْتَارَ ، وَنَفَقَتُهُنَّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ لِحَبْسِهِنَّ لِأَجْلِهِ ، وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْكُفْرِ زَوْجَيْنِ وَأَسْلَمُوا فَإِنْ نَكَحَتْهُمَا مَعًا أَبْطَلْنَا النِّكَاحَ ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أَوْ مُرَتَّبًا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ ، فَإِنْ مَاتَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَ الثَّانِي وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّزْوِيجَ بِزَوْجَيْنِ قَرَّرْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا

وَلَوْ أَسْلَمَا دُونَهَا أَوْ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً ( وَإِنْ أَسْلَمَ ) مِنْهُنَّ ( مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ ) بَعْدَهُ ( فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ ) أَوْ أَقَلُّ ( تَعَيَّنَ ) لِلنِّكَاحِ وَانْدَفَعَ نِكَاحُ مَنْ زَادَ لِتَأَخُّرِ إسْلَامِهِنَّ عَنْ إسْلَامِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَعَنْ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ مِنْ وَقْتِ إسْلَامِ الزَّوْجِ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْ الْأُولَيَاتِ أَوْ الْأَخِيرَاتِ كَيْفَ شَاءَ ، فَإِنْ مَاتَ الْأُولَيَاتُ أَوْ بَعْضُهُنَّ جَازَ لَهُ اخْتِيَارُ الْمَيِّتَاتِ وَيَرِثُ مِنْهُنَّ ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ مِنْ ثَمَانٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ، أَوْ مُتْنَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ فِي عِدَّتِهِنَّ تَعَيَّنَتْ الْأَخِيرَاتُ .

وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا كِتَابِيَّتَانِ أَوْ أَسْلَمَتَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا ، أَوْ لَا بِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ ، أَوْ بِالْبِنْتِ تَعَيَّنَتْ ، أَوْ بِالْأُمِّ حَرُمَتَا أَبَدًا ، وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ .

( وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا ) نَكَحَهُمَا مَعًا أَمْ لَا وَهُمَا ( كِتَابِيَّتَانِ أَوْ ) غَيْرُ كِتَابِيَّتَيْنِ وَ ( أَسْلَمَتَا ) مَعَ الزَّوْجِ كَانَ لِلْمُسْلِمَةِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ : الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِشُبْهَةٍ يُحَرِّمُ الْأُخْرَى فَبِنِكَاحٍ أَوْلَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مُسَمَّاهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ .
الْحَالُ الثَّانِي : مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ( بِوَاحِدَةٍ ) مِنْهُمَا ( تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ ) وَانْدَفَعَتْ الْأُمُّ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَا يَنْعَكِسُ ، وَاسْتَحَقَّتْ الْأُمُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِلَّا فَنِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ لِانْدِفَاعِ نِكَاحِهَا بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : لَا شَيْءَ لَهَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ ( وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ ) بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ .
الْحَالُ الثَّالِثُ : مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) دَخَلَ ( بِالْبِنْتِ ) فَقَطْ ( تَعَيَّنَتْ ) وَحَرُمَتْ الْأُمُّ أَبَدًا ، وَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا وَإِلَّا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى .
الْحَالُ الرَّابِعُ : مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ : ( أَوْ ) دَخَلَ ( بِالْأُمِّ ) فَقَطْ ( حَرُمَتَا أَبَدًا ) أَمَّا الْبِنْتُ فَلِلدُّخُولِ بِالْأُمِّ .
وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِلْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ ، وَلِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى

فَاسِدًا وَإِلَّا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى ، وَاعْتَذَرَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّ كِلَاهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَكَحَ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَيَجِبُ لِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ نِسْوَةً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ ( وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ ) وَتَنْدَفِعُ الْبِنْتُ بِوَطْءِ الْأُمِّ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ .
الْحَالُ الْخَامِسُ : لَوْ شَكَّ هَلْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لَا ؟ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، لَكِنَّ الْوَرَعَ تَحْرِيمُهُمَا .
الْحَالُ السَّادِسُ : لَوْ شَكَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا لِتَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، وَلَا بُدَّ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ مِنْ تَيَقُّنِ حِلِّ الْمَنْكُوحَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .

، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أُخْتٍ اخْتَارَ وَاحِدَةً .

أَوْ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ أُقِرَّ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ ، وَإِنْ تَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ ، أَوْ إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ أَمَةً إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ ، وَإِلَّا انْدَفَعْنَ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَوْ أَكْثَرُ ، فَقَالَ ( أَوْ ) أَسْلَمَ ( وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ( أَوْ ) أَسْلَمَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ ( فِي الْعِدَّةِ ) أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ ( أُقِرَّ ) النِّكَاحُ ( إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ ) حِينَئِذٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ حُرٍّ أَوْ حُرًّا مُعْسِرًا خَائِفًا الْعَنَتَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ أُقِرَّ عَلَى نِكَاحِهَا ( وَإِنْ تَخَلَّفَتْ ) عَنْ إسْلَامِهِ أَوْ هُوَ عَنْ إسْلَامِهَا ( قَبْلَ دُخُولٍ ) أَوْ بَعْدَ دُخُولٍ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا إسْلَامٌ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تَحِلَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ ( تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ ) كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا ( أَوْ ) أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ( إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ ) ( مَعَهُ ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ بَعْدَ إسْلَامِهِنَّ ( أَوْ ) هُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ( فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ ) الْحُرُّ مِنْهُنَّ ( أَمَةً ) وَاحِدَةً فَقَطْ ( إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً نِكَاحُ الْأَمَةِ ، فَجَازَ لَهُ اخْتِيَارُهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ ( انْدَفَعْنَ ) جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُهَا كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ .
فَائِدَةٌ : الْمُفْسِدُ لِلنِّكَاحِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاسْتَمَرَّ كَالْعِدَّةِ كَفَى فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ اقْتِرَانُهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ طَارِئًا كَالْيَسَارِ وَأَمْنِ الْعَنَتِ فِي الْأَمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهِ بِإِسْلَامِهِمَا ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى ثَلَاثِ إمَاءٍ فَأَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ فِي عِدَّتِهَا وَهُوَ مُوسِرٌ ، ثُمَّ الثَّالِثَةُ كَذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ انْدَفَعَتْ الْوُسْطَى ، وَيُخَيَّرُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ

الْفَسَادَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي انْدِفَاعِ النِّكَاحِ إذَا اقْتَرَنَ بِإِسْلَامِهِمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَحَهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ لَمْ يَدُمْ النِّكَاحُ لِمَا مَرَّ .

أَوْ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ وَانْدَفَعْنَ ، وَإِنْ أَصَرَّتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا .

وَلَوْ أَسْلَمَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ عَلَى أَمَةٍ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( أَوْ ) أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ ( حُرَّةٌ ) تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا ( وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ ) أَيْ الْحُرَّةُ وَالْإِمَاءُ ( مَعَهُ ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ( أَوْ ) كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ( فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ ) أَيْ الْحُرَّةُ لِلنِّكَاحِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهَا عَنْ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ الْإِمَاءِ ( وَانْدَفَعْنَ ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَمَةً مَعَ وُجُودِ حُرَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا .
أَمَّا إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّ لَهُ اخْتِيَارَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ( وَإِنْ أَصَرَّتْ ) تِلْكَ الْحُرَّةُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً يَحِلُّ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا ( فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ حُرَّةً لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا بَانَتْ بِإِسْلَامِهِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ أَمَةٍ فِي تَخَلُّفِ الْحُرَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَإِنْ اخْتَارَ أَمَةً وَأَصَرَّتْ الْحُرَّةُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ مَاتَتْ وَجَبَ تَحْدِيدُ الِاخْتِيَارِ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ ( وَلَوْ أَسْلَمَتْ ) أَيْ الْحُرَّةُ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ ( وَعَتَقْنَ ) أَيْ الْإِمَاءُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ ( ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ ) أَصْلِيَّاتٍ حُكْمُهُنَّ ، وَحِينَئِذٍ ( فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا ) مِنْهُنَّ وَلَوْ دُونَ الْحُرَّةِ لِالْتِحَاقِهِنَّ بِالْحَرَائِرِ الْأَصْلِيَّاتِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ ، بَلْ الضَّابِطُ الشَّامِلُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا أَنْ يَطْرَأَ الْعِتْقُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِنَّ وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ

فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِصُورَةِ الْمَتْنِ وَبِمَا إذَا أَسْلَمْنَ ثُمَّ عَتَقْنَ ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ .
أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ عِتْقُهُنَّ عَنْ إسْلَامِهِنَّ بِأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ أَوْ عَكْسُهُ ثُمَّ عَتَقْنَ اسْتَمَرَّ حُكْمُ الْإِمَاءِ عَلَيْهِنَّ ، فَتَتَعَيَّنُ الْحُرَّةُ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا اخْتَارَ أَمَةً مِنْ الْإِمَاءِ بِشَرْطِهِ .

فَرْعٌ : لَوْ أَسْلَمَ مِنْ إمَاءٍ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ عَتَقَتْ الْبَاقِيَاتُ ثُمَّ أَسْلَمْنَ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِنَّ عَلَى إسْلَامِهِنَّ ، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ الْأُولَى لِرِقِّهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا ، فَتَنْدَفِعُ بِالْمُعْتَقَاتِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ ، وَمُقَارَنَةُ الْعِتْقِ لِإِسْلَامِهِنَّ كَتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ ، فَعَتَقَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْأُخْرَيَانِ انْدَفَعَتَا دُونَ الرَّقِيقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَخْتَارُهَا أَوْ صَاحِبَتَهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ ، وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ سَهْوٌ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : الْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لِاقْتِرَانِ حُرِّيَّةِ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بِإِسْلَامِهِمَا ، وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِمَا ، وَلَا نَقُولُ بِانْدِفَاعِهِمَا بِمُجَرَّدِ عِتْقِ تِلْكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتِقَا ثُمَّ يُسْلِمَا ، وَإِنَّمَا تَنْدَفِعَانِ إذَا أَسْلَمَتَا عَلَى الرِّقِّ ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ .
أَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ فَلَهُ اخْتِيَارُ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ ، إذْ الْأَمَةُ فِي حَقِّهِ كَالْحُرَّةِ ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْحُرِّ ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ إسْلَامِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ أَوَّلًا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فَلَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ .

وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ خِيَارٌ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِرِقِّهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهَا عِتْقٌ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : سَوَاءٌ أَسْلَمَتْ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : تَسْوِيَتُهُ بَيْنَ أَنْ تُسْلِمَ وَأَنْ لَا تُسْلِمَ غَلَطٌ لِاقْتِضَاءِ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ .

وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ ، وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ ، لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ وَلَا فَسْخٍ .

وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ وَكَانَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ شَرَعَ فِي أَلْفَاظِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : ( وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ : كَحَبَسْتُكِ أَوْ نِكَاحُكِ أَوْ عَقْدُكِ أَوْ حَبَسْتُكِ عَلَى النِّكَاحِ لِمَجِيءِ الِاخْتِيَارِ وَالْإِمْسَاكِ فِي الْحَدِيثِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ صَرِيحٌ ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ : اخْتَرْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلنِّكَاحِ كِنَايَةً ا هـ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمِثْلُهَا ثَبَّتُّكِ ، وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ الِاخْتِيَارِ بِالْكِنَايَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَقَالَ : إنَّهُ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَنْبَغِي إذَا جُعِلَ كَاسْتِدَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْكِنَايَةِ ، وَلَوْ أَسْلَمَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ ثَمَانٍ فَفَسَخَ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ كَقَوْلِهِ : فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ ، وَلَمْ يُرِدْ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ اسْتَقَرَّ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّف عَنْ أَلْفَاظِ الْفَسْخِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَيَصِحُّ بِالصَّرِيحِ ، كَفَسَخْتُ نِكَاحَهَا أَوْ رَفَعْتُهُ أَوْ أَزَلْتُهُ ، وَبِالْكِنَايَةِ : كَصَرَفْتُهَا ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ ( وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ ) لِلنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطِبُ بِهِ الْمَنْكُوحَةَ ، وَسَوَاءٌ الْمُعَلَّقُ وَالْمُنَجَّزُ فَإِنْ طَلَّقَ أَرْبَعًا حَرُمَ الْجَمِيعُ ، أَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ فَلِمَا مَرَّ ، وَأَمَّا الْبَاقِيَاتُ فَلِانْدِفَاعِهِنَّ بِالشَّرْعِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ .
نَعَمْ لَفْظُ الْفِرَاقِ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ هُنَا فَسْخٌ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الطَّلَاقِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ

لَفْظَ الْفِرَاقِ صَرِيحٌ فِي الْفَسْخِ أَيْضًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَفِي الطَّلَاقِ وَيَتَعَيَّنُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقَرِينَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ : أُرِيدُكُنَّ حَصَلَ التَّعْيِينُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَعَهُ لِلْبَاقِيَاتِ لَا أُرِيدُكُنَّ ( لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ ) فَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارٍ لِلنِّكَاحِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الظِّهَارَ وَصْفٌ بِالتَّحْرِيمِ ، وَالْإِيلَاءَ حَلِفٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ ، وَهُمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَلْيَقُ ، وَالثَّانِي هُمَا تَعْيِينٌ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اخْتَارَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى لِلنِّكَاحِ صَحَّ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ ، وَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَيَصِيرُ فِي الظِّهَارِ عَائِدًا إنْ لَمْ يُفَارِقْهَا فِي الْحَالِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ : الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " الْأَصَحِّ " رَاجِعٌ إلَى الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ فَقَطْ ، وَجَعَلَهُ فِي الْغُنْيَةِ رَاجِعًا إلَيْهِمَا وَإِلَى الطَّلَاقِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ إمَّا كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ أَوْ كَاسْتِدَامَتِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَالرَّجْعَةِ ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا إنْ اخْتَارَ غَيْرَهَا ( وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ ) اسْتِقْلَالِيٍّ ( وَلَا ) تَعْلِيقُ ( فَسْخٍ ) لَمْ يَنُبْهُ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْت نِكَاحَك أَوْ فَسَخْتُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَعْيِينٌ ، وَلَا تَعْيِينَ مَعَ التَّعْلِيقِ ، وَخَرَجَ بِاسْتِقْلَالِيٍّ تَعْلِيقُ الِاخْتِيَارِ الضِّمْنِيِّ كَمَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلُقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَحَصَلَ الِاخْتِيَارُ لَهَا ضِمْنًا ، فَإِنْ نَوَى بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَيَحْصُلُ الِاخْتِيَارُ بِهِ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي

الْمُسْتَقِلِّ .

وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ انْدَفَعَ مَنْ زَادَ ، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَنَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَخْتَارَ ، فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ فِي النِّكَاحِ حُبِسَ .

( وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ ) أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِسْوَةٍ أَسْلَمَ عَنْهُنَّ صَحَّ وَ ( انْدَفَعَ مَنْ زَادَ ) عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا تَامًّا ( وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ ) التَّامُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا فِي دُونِ الْخَمْسِ لِحَبْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُنَّ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ أَوْ مُفَارَقَةٌ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ ، بَلْ يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا ، لَكِنْ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَمِلَ بِخَطِّهِ فَاصِلَةً قَبْلَهُ ، وَفِي قَوْلِهِ : ( وَ ) عَلَيْهِ ( نَفَقَتُهُنَّ ) أَيْ الْخَمْسِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ أَيْضًا .
وَالثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ نَفَقَتِهِنَّ ( حَتَّى يَخْتَارَ ) مِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا .
قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ : فَأَقَلُّ أَيْ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِحُكْمِ النِّكَاحِ ( فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ حُبِسَ ) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ وَاجِبٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ ، فَإِنْ سَأَلَ الِانْتِظَارَ فِي الِاخْتِيَارِ لِيَتَفَكَّرَ فِي الْأَحَظِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ : أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُ .
وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ : يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِإِمْهَالِهِ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ التَّرَوِّي شَرْعًا .
أَمَّا النَّفَقَةُ فَلَا يُمْهَلُ بِهَا لِتَضَرُّرِهِنَّ بِتَرْكِهَا ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يُفِدْهُ عُزِّرَ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَدَرَ عَلَى أَدَائِهِ وَامْتَنَعَ وَأَصَرَّ وَلَمْ يَنْجَحْ فِيهِ الْحَبْسُ وَرَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْحَبْسِ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَيُعَزَّرُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتَارَ بِشَرْطِ تَخَلُّلِ مُدَّةٍ يَبْرَأُ فِيهَا عَنْ أَلَمِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَا يُفْضِيَ

ذَلِكَ إلَى هَلَاكِهِ ، وَلَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ رَجَعْتُ عَمَّا اخْتَرْت لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَلَا يَخْتَارُ الْحَاكِمُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ وَلَا يَدْرِي الْقَاضِي إلَى أَيَّتِهِنَّ أَمْيَلُ ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ الِاخْتِيَارِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : الْأَصْحَابُ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ غَيْلَانَ حَامِلِينَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَاَلَّذِي أَفْهَمُهُ مِنْهُ إنْ أَمْسَكَ لِلْإِبَاحَةِ وَفَارَقَ لِلْوُجُوبِ لِحَقِّهِنَّ فِي رَفْعِ الْحَبْسِ عَنْهُنَّ ، وَلِرَفْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَشَرَةِ ، فَإِنَّ الْحَرَامَ الْوَاجِبَ ضِدُّهُ وَالسُّكُوتُ مَعَ الْكَفِّ عَنْ الْكُلِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إذَا طَلَبْنَ إزَالَةَ الْحَبْسِ فَيَجِبُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَوْلُهُ أَمْسِكْ أَرْبَعًا لِلْإِبَاحَةِ لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ ، وَقَوْلُهُ : إنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ مَوْضِعُ تَوَقُّفٍ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ يَلْزَمُ مِنْهُ إمْسَاكُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مَحْذُورٌ ا هـ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ .

فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ ، وَذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ، وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ، وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ .

( فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ ) أَيْ الِاخْتِيَارِ ( اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ ) أَيْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ ؛ لِأَنَّ بِوَضْعِهِ تَنْقَضِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْفِرَاقِ ( وَ ) اعْتَدَّتْ ( ذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ) احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الزَّوْجِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُنَّ ( وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ ) الَّذِي بَقِيَ مِنْ ( الْأَقْرَاءِ وَ ) مِنْ ( أَرْبَعَةٍ ) مِنْ أَشْهُرٍ ( وَعَشْرٍ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ ، أَوْ مُفَارَقَةً فِي الْحَيَاةِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ لِتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ بِيَقِينٍ ، فَفِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ إنْ مَضَتْ الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَكْمَلَتْهَا وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَوْتِ ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعَشْرُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَقْرَاءِ أَتَمَّتْ الْأَقْرَاءَ ، وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ إسْلَامِهِمَا إنْ أَسْلَمَا مَعًا ، وَإِلَّا فَمِنْ حِينِ إسْلَامِ السَّابِقِ مِنْهُمَا .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَمْرٍ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حُسِبَتْ الْأَقْرَاءُ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ لُزُومُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ عَلَى مَعْنَى مُقَابَلَةِ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ ، إذْ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يَتَبَاعَدُ حَيْضُهَا حَتَّى مَضَى بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ قُرْءَانِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَمَضَى حَقُّ الْقُرْءِ الْآخَرِ فِي شَهْرَيْنِ مَثَلًا فَلَا نَقُولُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا حِينَئِذٍ ، وَإِنَّ الْأَكْثَرَ الْأَقْرَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْمُوعِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَقْرَاءِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ا هـ .
وَلِذَلِكَ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ ) مُسْلِمَاتٍ مِنْ رُبُعٍ أَوْ ثُمُنٍ عَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَا يُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ ؛

لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِنَّ زَوْجَاتٍ وَقَدْ جَهِلْنَا عَيْنَهُنَّ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُقِرُّ نِكَاحَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَيُزِيلُ نِكَاحَ الْبَوَاقِي فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ ( حَتَّى يَصْطَلِحْنَ ) فَيُقَسَّمُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُنَّ مِنْ تَفَاضُلٍ أَوْ تَسَاوٍ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهِنَّ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ كَالثُّمُنِ إذَا كُنَّ ثَمَانِيَةً ، أَوْ السُّدُسِ إذَا كُنَّ سِتَّةً ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْحَظِّ ، وَقَبْلَ الِاصْطِلَاحِ يُعْطَيْنَ الْيَقِينَ ، فَفِي ثَمَانٍ طَلَبَ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُعْطَيْنَ ، فَإِنْ طَلَبَ خَمْسٌ دُفِعَ لَهُنَّ رُبُعُ الْمَوْقُوفِ ، أَوْ سِتٌّ فَنِصْفُهُ ، أَوْ سَبْعٌ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَلَهُنَّ قِسْمَةُ مَا أَخَذْنَهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ ، وَلَا يَنْقَطِعُ بِمَا أَخَذْنَهُ تَمَامُ حَقِّهِنَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِنَّ أَنْ يَبْرَئْنَ عَنْ الْبَاقِي ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ فِيهِنَّ مَنْ تَسْتَحِقُّ الْمَدْفُوعَ فَكَيْفَ يُكَلَّفْنَ بِدَفْعِ الْحَقِّ إلَيْهِنَّ إسْقَاطَ حَقٍّ آخَرَ إنْ كَانَ .
أَمَّا الزَّوْجَاتُ الْكَافِرَاتُ فَلَا يُوقَفُ لَهُنَّ شَيْءٌ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إرْثُ الْمُسْلِمَاتِ ، كَمَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ ، أَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ وَأَرْبَعُ وَثَنِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ الْوَثَنِيَّاتُ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَا يُوقَفُ لِلزَّوْجَاتِ شَيْءٌ ، بَلْ تُقَسَّمُ كُلُّ التَّرِكَةِ بَيْنَ بَاقِي الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَاتِ الْإِرْثَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُنَّ الْكِتَابِيَّاتُ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ .

فَصْلٌ أَسْلَمَا مَعًا اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ فِي الْجَدِيدِ .
فَصْلٌ فِي حُكْمِ مُؤَنِ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ ، أَوْ ارْتَدَّتْ مَعَ زَوْجِهَا ، أَوْ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ ، إذَا ( أَسْلَمَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( مَعًا ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ( اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ ) وَغَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ لِدَوَامِ النِّكَاحِ وَالتَّمْكِينِ ( وَلَوْ أَسْلَمَ ) هُوَ ( وَأَصَرَّتْ ) وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ( حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا ) نَفَقَةَ لَهَا وَلَا شَيْءَ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ لِإِسَاءَتِهَا بِتَخَلُّفِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ ، فَهِيَ كَنَاشِزَةٍ .
وَقِيلَ : تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَجَّ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ فَرْضٌ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ .
أَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ قَطْعًا إذَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا ، وَإِلَّا فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ ( وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ ( لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ ) شَيْئًا ( فِي الْجَدِيدِ ) لِمَا مَرَّ ، وَالْقَدِيمُ الْوُجُوبُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْآخَرِ أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً وَهِيَ لَمْ تُحْدِثْ شَيْئًا وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي بَدَّلَ الدِّينَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّخَلُّفِ لِعُذْرٍ أَمْ لَا ، وَيَنْبَغِي إذَا تَخَلَّفَتْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ عَقِبَ زَوَالِ الْمَانِعِ أَنْ تَسْتَحِقَّ ، وَتَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَيْهِ ا هـ .
وَرُدَّ هَذَا الْبَحْثُ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إلَيْهِ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُشُوزٌ وَلَا تَقْصِيرٌ مِنْ الزَّوْجَةِ كَمَا تَسْقُطُ بِحَبْسِهَا ظُلْمًا .

وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوَّلًا فَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَصَرَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَبْقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ الزَّوْجُ : أَسْلَمْتُ أَوَّلًا فَلَا نَفَقَةَ لَك ، وَقَالَتْ : بَلْ أَسْلَمْتُ أَوَّلًا فَلِي النَّفَقَةُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً فَهُوَ يَدَّعِي مُسْقِطًا ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهَا النُّشُوزَ وَهِيَ تُنْكِرُهُ ( وَلَوْ أَسْلَمَتْ ) هِيَ ( أَوَّلًا فَأَسْلَمَ ) هُوَ ( فِي الْعِدَّةِ ) فَلَهَا نَفَقَةُ مُدَّةِ تَخَلُّفِهِ ( أَوْ أَصَرَّ ) إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا أَدَّتْ فَرْضًا مُضَيَّقًا عَلَيْهَا فَلَا يَمْنَعُ النَّفَقَةَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا أَحْسَنَتْ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَقْرِيرِ النِّكَاحِ بِأَنْ يُسْلِمَ فَجُعِلَتْ كَالرَّجْعِيَّةِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا عَدَمُ اسْتِمْرَارِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِيمَا لَوْ تَخَلَّفَ إسْلَامُهُ لِعُذْرٍ مِنْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَدَامَ بِهِ الْمَانِعُ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَهُوَ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ ، وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ تَعْلِيلُهُمْ بِذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ .
وَالثَّانِي : لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِمَا ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى دِينِهِ ، وَهِيَ الَّتِي أَحْدَثَتْ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ أَطَاعَتْ بِهِ كَالْحَجِّ ، وَرَدَّتْ بِأَنَّ الْحَجَّ مُوَسِّعٌ وَالْإِسْلَامَ مُضَيِّقٌ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا بَائِنٌ حَائِلٌ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا سَبَقَتْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَيْثُ يَسْقُطُ مَهْرُهَا مَعَ إحْسَانِهَا بِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضُ الْعَقْدِ فَسَقَطَ بِتَفْوِيتِ الْعَاقِدِ مُعَوِّضَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَأَكْلِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ مُضْطَرًّا وَالنَّفَقَةَ لِلتَّمْكِينِ ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ لِلتَّعَدِّي وَلَا تَعَدِّيَ هُنَا .

وَإِنْ ارْتَدَّتْ فَلَا نَفَقَةَ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِنْ ارْتَدَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ .
( وَإِنْ ارْتَدَّتْ ) زَوْجَةٌ وَحْدَهَا ( فَلَا نَفَقَةَ ) لَهَا زَمَنَ الرِّدَّةِ ( وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ ) لِأَنَّهَا كَالنَّاشِزَةِ بِالرِّدَّةِ ، بَلْ أَوْلَى وَتَسْتَحِقُّ مِنْ وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِدَّةِ ( وَإِنْ ارْتَدَّ ) الزَّوْجُ وَحْدَهُ ( فَلَهَا ) عَلَيْهِ ( نَفَقَةُ الْعِدَّةِ ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِمَا مَرَّ ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي تَشْطِيرِ الْمَهْرِ بِرِدَّتِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ فَغَابَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ غَائِبٌ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ مِنْ حِينِ إسْلَامِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : الرِّدَّةُ أَوْلَى مِنْ النُّشُوزِ كَمَا مَرَّ ، وَهِيَ لَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ حَتَّى يَصِلَ الْخَبْرُ إلَيْهِ وَيَمْضِي زَمَانٌ لَوْ سَافَرَ إلَيْهَا لَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِالرِّدَّةِ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَسُقُوطَهَا بِالنُّشُوزِ لِلْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْخُرُوجِ مِنْ قَبْضَتِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَزُولُ مَعَ الْغَيْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ .

خَاتِمَةٌ : لَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَادَّعَتْ سَبْقَ الزَّوْجِ بِهِ لِيَثْبُتَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَعَكَسَ هُوَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ نِصْفِ الْمَهْرِ ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ سَبْقَهَا فَقَالَتْ : لَا أَعْرِفُ السَّابِقَ مِنَّا لَمْ نُطَالِبْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ ، فَإِنْ ادَّعَتْ بَعْدَ قَوْلِهَا ذَلِكَ عِلْمَهَا بِسَبْقِ إسْلَامِهِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَأَخَذَتْ النِّصْفَ وَإِنْ جُعِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ بِاعْتِرَافِهِمَا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ، وَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَعَاقُبِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُطَالَبُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهَا ، وَلَا يَسْتَرِدُّهُ هُوَ مِنْهَا إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهِ فَيُقَرُّ النِّصْفُ فِي يَدِهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ ، وَلَوْ أَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا حِينَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ يَوْمَ كَذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَاسْتَمَرَّ النِّكَاحُ أَوْ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا يَوْمَ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ يَتَنَاوَلُ حَالَ تَمَامِهِ وَهِيَ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالْمَعِيَّةُ لِلطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ تَتَنَاوَلُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا مُقَارِنًا لِطُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ أَوْ غُرُوبِهِ ، وَإِسْلَامُ الْآخَرِ مُقَارِنًا لِطُلُوعِ آخِرِهِ أَوْ غُرُوبِهِ .

بَابُ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ جُنُونًا أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا ، أَوْ وَجَدَهَا رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ .

بَابُ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ ( وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ ) وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا .
وَأَسْبَابُ الْخِيَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ ، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ أَرْبَعَةً ، فَجَعَلَ الْعُنَّةَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا ، وَالْأَوْجَهُ دُخُولُهَا فِي الْعُيُوبِ .
وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَكَالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ ، وَكَأَنْ يَجِدَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ رَقِيقًا أَوْ يَجِدَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ إلَّا بِالْإِفْضَاءِ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ .
الْأَوَّلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْعُيُوبِ ، وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَقِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ ، وَقِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعُيُوبِ ، فَقَالَ إذَا ( وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ جُنُونًا ) وَإِنْ تَقَطَّعَ أَوْ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَالْجُنُونُ زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ ، وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مِنْ الْمُتَقَطِّعِ الْخَفِيفَ الَّذِي يَطْرَأُ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ .
أَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ ، أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَكَذَا إنْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ الْمَرَضِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْجُنُونِ ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ ، وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ( أَوْ ) وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ ( جُذَامًا ) وَهُوَ عِلَّةٌ يَحْمَرُّ مِنْهَا الْعُضْوُ ثُمَّ يَسْوَدُّ ثُمَّ يَتَقَطَّعُ وَيَتَنَاثَرُ ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عُضْوٍ لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ ( أَوْ بَرَصًا ) وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ يُبَقِّعُ الْجِلْدَ وَيُذْهِبُ دَمَوِيَّتَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ

كَمَا مَرَّ .
هَذَا إذَا كَانَا مُسْتَحْكِمَيْنِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَوَائِلِ الْجُذَامِ ، وَالْبَرَصِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ قَالَ : وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْجُذَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيهِ وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ ، وَحَكَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْجُنُونَ يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الزَّوْجِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ فَسْخُ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ التَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ شَرْطٌ فِي الْكَفَاءَةِ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا عُدِمَ التَّكَافُؤُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ قِسْمٍ آخَرَ ، وَهُوَ مَا إذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ فَإِذَا هُوَ مَعِيبٌ ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ ، فَقَالَ ( أَوْ وَجَدَهَا ) الزَّوْجُ ( رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ ) بِأَنْ انْسَدَّ مَحَلُّ الْجِمَاعِ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ بِلَحْمٍ وَبِالثَّانِي بِعَظْمٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ بِلَحْمٍ وَعَلَيْهِ فَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَاحِدٌ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إجْبَارُ الرَّتْقَاءِ عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ وَإِنْ شَقَّتْهُ وَأَمْكَنَ الْوَطْءُ فَلَا خِيَارَ ، وَلَا تُمَكَّنُ الْأَمَةُ مِنْ الشَّقِّ قَطْعًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ .

أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا أَوْ مَجْنُونًا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ ، فَقَالَ : ( أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ خَاصَّةً ، قِيلَ : سُمِّيَ عِنِّينًا لِلِينِ ذَكَرِهِ وَانْعِطَافِهِ .
مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ لِلِينِهِ ( أَوْ مَجْبُوبًا ) وَهُوَ مَقْطُوعُ جَمِيعِ الذَّكَرِ أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ .
أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهُ مَا يُولِجُ قَدْرَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَجَوَابُ إذَا الْمُقَدَّرَةِ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ قَوْلُهُ ( ثَبَتَ ) لِوَاجِدِ الْعَيْبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ ( الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ) كَمَا تَقَرَّرَ .
لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ، وَهِيَ الْمُشْتَرِكَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ، وَفِي الصَّحِيحِ : { فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ } قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ : وَأَمَّا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَإِنَّهُ : أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْدِي الزَّوْجَ وَيُعْدِي الْوَلَدَ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ مِمَّا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهُ يُعْدِي كَثِيرًا ، وَهُوَ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ أَنْ تَطِيبَ أَنْ يُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ ، وَالْوَلَدُ قَلَّ مَا يَسْلَمُ مِنْهُ ، فَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يُعْدِي وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ لَا عَدْوَى ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُعْدِي بِفِعْلِ اللَّهِ لَا بِنَفْسِهِ ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ رَدًّا لِمَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نِسْبَةِ الْفِعْلِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مُخَالَطَةَ الصَّحِيحِ لِمَنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ سَبَبٌ لِحُدُوثِ ذَلِكَ الدَّاءِ ، وَلِأَنَّ مُعْظَمَ النِّكَاحِ هُوَ الْوَطْءُ ، وَالْقَرَنُ وَالرَّتَقُ مَانِعَانِ

مِنْهُ فَيَتَعَذَّرُ مَقْصُودُهُ ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ .

تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَمَا لَوْ عُلِمَ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْأَصَحُّ لَا خِيَارَ فِيهِمَا ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَجَدَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا خِيَارَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ، بَلْ لَوْ عَلِمَتْ بِعُنَّتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَهَا الْخِيَارُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ تَحْصُلُ فِي حَقِّ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى وَفِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ ، وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ بِالْعُنَّةِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى جِمَاعِ غَيْرِهَا .

وَقِيلَ إنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ فَلَا .
وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ مِثْلَ مَا بِهِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ لَا ( وَقِيلَ : إنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ ) مِنْ الْجُذَامِ أَوْ الْبَرَصِ قَدْرًا وَفُحْشًا ( فَلَا ) خِيَارَ لَهُ لِتَسَاوِيهِمَا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ .
أَمَّا الْمَجْنُونَانِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَيَتَعَذَّرُ الْخِيَارُ لَهُمَا لِانْتِفَاءِ الْخِيَارِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِثْلَ عَيْبِهِ احْتِرَازٌ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ أَوْ أَفْحَشَ أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ قَطْعًا .
نَعَمْ إنْ كَانَ مَجْبُوبًا بِالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ رَتْقَاءُ ، فَطَرِيقَانِ : قِيلَ : كَالْجِنْسِ ، وَقِيلَ : لَا خِيَارَ قَطْعًا ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ هَلْ هُوَ عَيْبٌ كَبَيَاضٍ هَلْ هُوَ بَرَصٌ أَوْ لَا ؟ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ

وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ جُمْلَةَ الْعُيُوبِ سَبْعَةٌ ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ خَمْسَةٌ ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْعُيُوبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيمَا عَدَاهَا .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَلَا خِيَارَ بِالْبَخَرِ ، وَالصُّنَانِ ، وَالِاسْتِحَاضَةِ ، وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ ، وَالْعَمَى ، وَالزَّمَانَةِ ، وَالْبَلَهِ ، وَالْخِصَاءِ ، وَالْإِفْضَاءِ ، وَلَا بِكَوْنِهِ يَتَغَوَّطُ عِنْدَ الْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُفَوِّتُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ ( وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا ) بِأَنْ زَالَ إشْكَالُهُ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ ( فَلَا ) خِيَارَ لَهُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) سَوَاءٌ أَوْضَحَ بِعَلَامَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَمْ ظَنِّيَّةٍ أَوْ بِإِخْبَارِهِ ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ مِنْ ثُقْبَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ زَائِدَةٍ لَا يُفَوِّتُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ ، وَالثَّانِي : لَهُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ لِنُفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْهُ .
أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ .

وَلَوْ وَجَدَهَا مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ نَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ الْعَمَلِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَنَقَلَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إنْ جَهِلَ ، وَلَا يَسْقُطُ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ بِالِاسْتِمْتَاعِ نَهَارًا ، وَيَلْحَقُ بِالْمَرْأَةِ الرَّتْقَاءِ ضَيِّقَةُ الْمَنْفَذِ إنْ كَانَ يَحْصُلُ إفْضَاؤُهَا بِالْوَطْءِ مِنْ كُلِّ وَاطِئٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الدِّيَاتِ ، وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ بِالْعِنِّينِ كَبِيرُ الْآلَةِ بِحَيْثُ لَا تَسَعُ حَشَفَتَهُ امْرَأَةٌ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الدِّيَاتِ ، وَأَغْرَبَ الْخَفَّافُ فَعَدَّ فِي عُيُوبِ الرَّجُلِ كَوْنَهُ مُشْعِرَ الْإِحْلِيلِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِهِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ خَشِنَةَ الْمَدْخَلِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى الْمُدْخِلُ .

وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ تَخَيَّرَتْ إلَّا عُنَّةً بَعْدَ دُخُولٍ ، أَوْ بِهَا تَخَيَّرَ فِي الْجَدِيدِ .

( وَلَوْ حَدَثَ بِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ ( عَيْبٌ ) كَأَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ ( تَخَيَّرَتْ ) قَبْلَ الدُّخُولِ جَزْمًا ، وَبَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهَا كَالْمُقَارِنِ مَعَ أَنَّهُ لَا خَلَاصَ لَهَا إلَّا بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ الْإِطْلَاقُ مَا لَوْ جَبَّتْ ذَكَرَ زَوْجِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا عَيَّبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّهَا بِالْجَبِّ لَا تَصِيرُ قَابِضَةً لِحَقِّهَا ، فَهِيَ كَالْمُسْتَأْجِرِ إذَا عَيَّبَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ ، وَالْمُشْتَرِي بِالتَّعْيِيبِ قَابِضٌ لِحَقِّهِ ( إلَّا عُنَّةً ) حَدَثَتْ ( بَعْدَ دُخُولٍ ) لِحُصُولِ مَقْصُودِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ الْحَضَانَةِ ، وَقَدْ عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا مِنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : الْجَبُّ كَذَلِكَ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَبَّ حَصَلَ بِهِ الْيَأْسُ بِخِلَافِ الْعُنَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْوَطْءُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ دَائِمًا لَا خِيَارَ لَهَا وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ بَعْضَهُنَّ وَيَتْرُكَ بَعْضَهُنَّ ، فَقَوْلُهُمْ : إنَّهَا اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا حَقًّا فِي ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا دَامَتْ مُتَرَجِّيَةً لِلْوَطْءِ فَإِنَّ دَاعِيَةَ الزَّوْجِ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ ، فَإِذَا أَيِسَتْ مِنْهُ أَثْبَتُوا لَهَا الْخِيَارَ لِتَضَرُّرِهَا ( أَوْ ) حَدَثَ ( بِهَا ) عَيْبٌ ( تَخَيَّرَ ) الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ( فِي الْجَدِيدِ ) كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهِ ، وَالْقَدِيمُ لَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخَلَاصِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِهَا ، وَرُدَّ بِتَضَرُّرِهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَا يَبْعُدُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ بَعْدَ الْوَطْءِ كَحُدُوثِ الْجَبِّ فِي الْخِلَافِ ا هـ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي النَّفَقَاتِ .

فَرْعٌ : لَوْ حَدَثَ بِهِ جَبٌّ فَرَضِيَتْ ثُمَّ حَدَثَ بِهَا رَتَقٌ أَوْ قَرَنٌ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَمْ لَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ ثُبُوتُهُ .

وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ بِحَادِثٍ ، وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ ، وَيَتَخَيَّرُ بِمُقَارِنِ جُنُونٍ ، وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ ) بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَسَيِّدٍ ( بِحَادِثٍ ) مِنْ الْعَيْبِ بِالزَّوْجِ ، إذْ لَا عَارَ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِهِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَلِهَذَا لَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَرَضِيَتْ بِهِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ ابْتِدَاءً مِنْ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ( وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ ) لِلْعَقْدِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالضَّرَرِ وَلَا عَارَ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْعُنَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَكَيْفَ صُورَتُهَا ؟ .
أُجِيبَ بِتَصْوِيرِهِ بِمَا إذَا تَزَوَّجَهَا وَعَرَفَ الْوَلِيُّ عُنَّتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَرَادَ تَجْدِيدَ نِكَاحِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ قَدْ يُعَنُّ فِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِمْرَارُ ( وَيَتَخَيَّرُ ) الْوَلِيُّ ( بِمُقَارِنِ جُنُونٍ ) لِلزَّوْجِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ لِتُعَيِّرَهُ بِذَلِكَ ( وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ ) مُقَارِنَانِ يَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِلْعَارِ وَخَوْفِ الْعَدْوَى لِلنَّسْلِ ، وَالثَّانِي : الْمَنْعُ لِاخْتِصَاصِ الضَّرَرِ بِالْمَرْأَةِ ، فَإِذَا فَسَخَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ ظَنَّهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ بَطَلَ الْفَسْخُ .

وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْفَسْخُ قَبْلَ دُخُولٍ يُسْقِطُ الْمَهْرَ وَبَعْدَهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ فُسِخَ بِمُقَارِنٍ أَوْ بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ ، وَالْمُسَمَّى إنْ حَدَثَ بَعْدَ وَطْءٍ .

( وَالْخِيَارُ ) فِي الْفَسْخِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ إذَا ثَبَتَ يَكُونُ ( عَلَى الْفَوْرِ ) لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَالْمَعْنَى بِكَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ وَالرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ يَكُونَانِ عَلَى الْفَوْرِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ ضَرْبَ الْمُدَّةِ فِي الْعُنَّةِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى الْفَسْخِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَيْبِ وَلَوْ ادَّعَى جَهْلَ الْفَوْرِ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا : عَلِمْتُ بِعَيْبِ صَاحِبِي وَجَهِلْت الْخِيَارَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا ( وَالْفَسْخُ ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا بِعَيْبٍ فِيهَا أَوْ فِيهِ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ أَوْ حَادِثٍ ( قَبْلَ دُخُولٍ يَسْقُطُ الْمَهْرَ ) وَلَا مُتْعَةَ لَهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهِ فَهِيَ الْفَاسِخَةُ فَلَا شَيْءَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ بِهَا فَسَبَبُ الْفَسْخِ مَعْنًى وُجِدَ فِيهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ ( وَ ) الْفَسْخُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَهُ ( الْأَصَحُّ ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ ( أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ فُسِخَ ) النِّكَاحُ ( بِمُقَارِنٍ ) لِلْعَقْدِ ( أَوْ ) فُسِخَ ( بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ ) إنْ كَانَ بِالْمَوْطُوءَةِ وَجَهِلَتْهُ هِيَ إنْ كَانَ بِالْوَاطِئِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَمْتَعَ بِمَعِيبَةٍ ، وَهُوَ إنَّمَا بَذَلَ الْمُسَمَّى عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ ، فَكَأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى فِي الْأَوَّلِ بِلَا تَسْمِيَةٍ ، وَيُجْعَلُ اقْتِرَانُهُ بِالْوَطْءِ الْمُقَارِنِ لِلْمَهْرِ فِي الثَّانِي كَالِاقْتِرَانِ بِالْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ أَيْضًا جَرَى بِلَا تَسْمِيَةٍ ، وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْفَسْخِ رُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ أَوْ إلَى بَدَلٍ إنْ تَلِفَ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى وَالزَّوْجَةُ إلَى بَدَلِ حَقِّهَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَوَاتِ حَقِّهَا

بِالدُّخُولِ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ صَيَّرَ التَّسْمِيَةَ كَالْعَدَمِ سَقَطَ مَا قِيلَ : الْفَسْخُ إنْ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ حِينِهِ فَالْمُسَمَّى كَذَلِكَ .
وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ عَمَّا قِيلَ بِأَنَّ الَّذِي يَخْتَارُهُ هُنَا وَفِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِ حُدُوثِ سَبَبِهِ لَا مِنْ أَصْلِ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ حِينِ الْفَسْخِ ، وَعَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّفْصِيلُ ، وَالنِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِمَا الْمَنَافِعُ ، وَهِيَ لَا تُقْبَضُ حَقِيقَةً إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ مُقَرَّرٌ .
وَأَمَّا الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَالْإِعْسَارِ ، فَمِنْ حِينِهِ قَطْعًا ، وَكَذَا الْخُلْعُ ا هـ .
وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ( وَ ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ ( الْمُسَمَّى إنْ حَدَثَ ) الْعَيْبُ ( بَعْدَ وَطْءٍ ) لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الْخِيَارِ فَلَا يُغَيَّرُ .
وَالثَّانِي هُوَ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ يَجِبُ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ .
وَالثَّالِثُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ فِي الْمُقَارِنِ : إنْ فَسَخَ بِعَيْبِهَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ فَسَخَتْ بِعَيْبِهِ فَالْمُسَمَّى .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَطْءَ مَضْمُونٌ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَابِلٍ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هُوَ يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرٌ لِمِثْلٍ .
فَإِنْ قِيلَ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِعَيْبٍ وَطْؤُهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ فِي النِّكَاحِ فَوَجَبَ بَذْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَالْوَطْءُ فِي الْمَبِيعِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا الْعَقْدُ عَلَى الرَّقَبَةِ ، وَالْوَطْءُ مَنْفَعَةُ مِلْكِهِ فَلَمْ يُقَابِلْهُ عِوَضٌ .
فَرْعٌ : لَوْ فُسِخَ بِمُقَارِنٍ لِلْوَطْءِ كَانَ كَالْفَسْخِ بِحَادِثٍ قَبْلَهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا

الْمُسَمَّى .

فَرْعٌ : لَا نَفَقَةَ لِلْمَفْسُوخِ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِالْفَسْخِ ، وَلَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ .

وَلَوْ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ بَعْدَ وَطْءٍ فَالْمُسَمَّى .
( وَلَوْ انْفَسَخَ ) النِّكَاحُ ( بِرِدَّةٍ ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا ( بَعْدَ وَطْءٍ ) بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْهَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ ( فَالْمُسَمَّى ) هُوَ الْوَاجِبُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَرَّرَ الْمُسَمَّى قَبْلَ وُجُودِهَا ، وَالرِّدَّةُ لَا تُسْنَدُ إلَى مَا تَقَدَّمَ .

وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي الْجَدِيدِ .
( وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ ) الْفَاسِخُ ( بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ ) الَّذِي غَرِمَهُ ( عَلَى مَنْ غَرَّهُ ) مِنْ وَلِيٍّ أَوْ زَوْجَةٍ بِالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ ( فِي الْجَدِيدِ ) لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ ، وَالْقَدِيمُ يَرْجِعُ بِهِ لِلتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ بِإِخْفَاءِ الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ .
أَمَّا الْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا فُسِخَ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ ، وَصَوَّرَ فِي التَّتِمَّةِ التَّغْرِيرَ مِنْهَا بِأَنْ تَسْكُتَ عَنْ عَيْبِهَا وَتُظْهِرَ لِلْوَلِيِّ مَعْرِفَةَ الْخَاطِبِ بِهِ ، وَصَوَّرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ، الزازي بِأَنْ تَعْقِدَ بِنَفْسِهَا وَيَحْكُمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ ، وَلَوْ أَجَازَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِّ جَزْمًا .

وَيُشْتَرَطُ فِي الْعُنَّةِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُيُوبِ فِي الْأَصَحِّ ، وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ ، وَكَذَا بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِذَا ثَبَتَتْ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً ، بِطَلَبِهَا ، فَإِذَا تَمَّتْ رَفَعَتْهُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ وَطِئْتُ حَلَفَ ، فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ أَوْ أَقَرَّ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ ، وَقِيلَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي أَوْ فَسْخِهِ ، وَلَوْ اعْتَزَلَتْهُ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ حُبِسَتْ فِي الْمُدَّةِ لَمْ تُحْسَبْ ، وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا بِهِ بَطَلَ حَقُّهَا ، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ .

( وَيُشْتَرَطُ فِي ) الْفَسْخِ بِعَيْبٍ ( الْعُنَّةِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ ) جَزْمًا لِيَفْعَلَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا ( وَكَذَا سَائِرُ ) أَيْ بَاقِي ( الْعُيُوبِ ) السَّابِقَةِ يُشْتَرَطُ فِي الْفَسْخِ بِكُلٍّ مِنْهَا الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ ، فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ ، وَالثَّانِي : لَا ، بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالْفَسْخِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِالْفَسْخِ مِمَّا يَجُوزُ الْفَسْخُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ ( أَوْ بَيِّنَةٍ ) تُقَامُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ( عَلَى إقْرَارِهِ ) وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَّلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا ، يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ دَعْوَى امْرَأَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْعُنَّةَ عَلَيْهِمَا لَا تُسْمَعُ لِسُقُوطِ قَوْلِهِمَا ( وَكَذَا ) تَثْبُتُ الْعُنَّةُ ( بِيَمِينِهَا ) الْمَرْدُودَةِ ( بَعْدَ ) إنْكَارِهِ الْعُنَّةَ ، وَ ( نُكُولِهِ ) عَنْ الْيَمِينِ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا الْحَلِفُ ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْمُمَارَسَةِ كَمَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِهَا ، إذْ لَا يَعْرِفُ الشُّهُودُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَعْرِفُهُ هِيَ .
وَالثَّانِي : لَا يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَيُقْضَى بِنُكُولِهِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالتَّعْنِينِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْحَظِيرَةُ الْمُعَدَّةُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ .
قَالَ : وَمَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعُنَّةُ ، وَيُرِيدُونَ بِهِ التَّعْنِينَ فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ ا هـ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي مُثَلَّثَتِهِ : الْعُنَّةُ بِالضَّمِّ : الْعَجْزُ عَنْ الْجِمَاعِ .
وَقَالَ أَبُو

عُبَيْدَةَ : يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تُرِيدُ الرِّجَالَ عِنِّينَةٌ ( وَإِذَا ثَبَتَتْ ) عُنَّةُ الزَّوْجِ ( ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً ) كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اتِّبَاعِ قَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَاعِدَةِ الْبَابِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ مُضِيُّ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْجِمَاعِ قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَتَزُولُ فِي الشِّتَاءِ ، أَوْ بُرُودَةٍ فَتَزُولُ فِي الصَّيْفِ ، أَوْ يُبُوسَةٍ فَتَزُولُ فِي الرَّبِيعِ ، أَوْ رُطُوبَةٍ فَتَزُولُ فِي الْخَرِيفِ ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَا إصَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَجْزٌ خُلُقِيٌّ .
تَنْبِيهٌ : ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي ، لَا مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا ، بِخِلَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ لِلنَّصِّ .
وَتُعْتَبَرُ السَّنَةُ بِالْأَهِلَّةِ ، فَإِنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ كَمُلَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثَ عَشَرَ ثَلَاثِينَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ فِي ضَرْبِ السَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مَارَسْتُ نَفْسِي وَأَنَا عِنِّينٌ فَلَا تَضْرِبُوا لِي مُدَّةً أَمْ لَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ لِأَمْرٍ جِبِلِّيٍّ ، فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ وَالرَّضَاعَ ، فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي كَوْنِ الْمُدَّةِ سَنَةً ، وَإِنَّمَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ( بِطَلَبِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا ، وَيَكْفِي قَوْلُهَا : أَنَا طَالِبَةٌ حَقِّي بِمُوجَبِ الشَّرْعِ وَإِنْ جَهِلَتْ بِتَفْصِيلِ الْحُكْمِ ، فَإِنْ سَكَتَتْ لَمْ تُضْرَبْ .
نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ سُكُوتَهَا لِجَهْلٍ أَوْ دَهْشَةٍ أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِتَنْبِيهِهَا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ : بِطَلَبِهَا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَنُوبَ عَنْهَا فِي ذَلِكَ عَاقِلَةً كَانَتْ أَوْ مَجْنُونَةً ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلَيْسَ

لِلرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ دَعْوَى الْعُنَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْخِصَالِ ، وَلَا لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ نِكَاحِهَا كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ ؛ لِأَنَّ الْعِنِّينَ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ ادَّعَتْ عَنْهُ مُقَارَنَةً لِلْعَقْدِ ، وَإِلَّا فَتُسْمَعُ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ ( فَإِذَا تَمَّتْ ) تِلْكَ السَّنَةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلزَّوْجِ وَلَمْ يَطَأْ عَلَى مَا يَأْتِي وَلَمْ تَعْتَزِلْهُ فِيهَا ( رَفَعَتْهُ ) ثَانِيًا ( إلَيْهِ ) أَيْ الْقَاضِي ، فَلَا تَفْسَخُ بِلَا رَفْعٍ ، إذْ مَدَارُ الْبَابِ عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ فَيُحْتَاجُ إلَى نَظَرِ الْقَاضِي وَاجْتِهَادِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ ، بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الرَّفْعَ ثَانِيًا بَعْدَ السَّنَةِ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( فَإِنْ قَالَ : وَطِئْتُ حَلَفَ ) بَعْدَ طَلَبِهَا أَنَّهُ وَطِئَ كَمَا ذَكَرَ ، وَإِنَّمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ لِعُسْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةِ الْجِمَاعِ وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَدَوَامُ النِّكَاحِ ، هَذَا فِي الثَّيِّبِ .
أَمَّا الْبِكْرُ إذَا شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِلظَّاهِرِ ، وَهَلْ تَحْلِفُ أَوْ لَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ رَجَحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ، وَعَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهَا لَا تَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ الزَّوْجُ يَمِينَهَا ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِيَ ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ عَوْدَ الْبَكَارَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ شَهَادَتِهِنَّ : أَصَبْتهَا وَلَمْ أُبَالِغْ فَعَادَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلَبَ يَمِينَهَا حَلَفَتْ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٍ مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي

الْإِصَابَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ النَّافِي أَخْذًا بِالْأَصْلِ .
الْمَوْضِعُ الثَّانِي الْمُولِي ، وَهُوَ كَالْعِنِّينِ فِي أَكْثَرِ مَا ذُكِرَ ، وَإِذَا طَلَّقَ عِنِّينٌ أَوْ مُولٍ قَبْلَ الْوَطْءِ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ حَلَفَا عَلَى الْوَطْءِ فَلَيْسَ لَهُمَا رَجْعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ بِيَمِينِهَا فِي إنْكَارِهَا الْوَطْءَ لِدَفْعِ رَجْعَتِهَا وَإِنْ صُدِّقَ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الْعُنَّةِ ، وَالثَّانِي لِدَفْعِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْدِيقِ الشَّخْصِ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ تَصْدِيقُهُ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ ، إذْ الْيَمِينُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ ، وَنَظَرُوا ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ : الْأُولَى : إذَا صَدَّقْنَا الْوَدِيعَ فِي تَلَفِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةٌ وَغَرَّمَهُ مُسْتَحِقُّهَا بَدَلَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُودِعِ إنْ حَلَفَ الْمُودِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ فَيَمِينُ الْوَدِيعِ دَافِعَةٌ عَنْهُ الْغُرْمَ غَيْرُ مُثْبِتَةٍ لَهُ الرُّجُوعَ .
الثَّانِيَةُ : دَارٌ فِي يَدِ اثْنَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا ، وَقَالَ الْآخَرُ : بَلْ هِيَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ ، فَإِذَا بَاعَ مُدَّعِي الْكُلِّ نَصِيبَهُ مِنْ ثَالِثٍ لَيْسَ لِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ رَفَعَتْ الْأَخْذَ مِنْهُ فَلَا تَكُونُ مُثْبِتَةً لَهُ حَقًّا .
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ : مُطَلَّقَةٌ ادَّعَتْ الْوَطْءَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِتَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ وَأَنْكَرَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِزَمَانٍ يَلْحَقُهُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إنْ لَمْ يَنْفِهِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِهَا بِالْوَلَدِ ، كَذَا نَقَلَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ ، وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِمَا مَسَائِلَ : الْأُولَى : إذَا ادَّعَتْ الْبَكَارَةَ الْمَشْرُوطَةَ وَأَنَّهَا زَالَتْ بِوَطْئِهِ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَنَّ الْمُحَلِّلِ وَطِئَهَا وَفَارَقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ ، فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لَا لِتَغْرِيمِ

مَهْرِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَيِّنَةُ الْوَطْءِ مُتَعَذِّرَةٌ .
الثَّالِثَةُ : إذَا قَالَ لَهَا وَهِيَ طَاهِرٌ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ ادَّعَى وَطْأَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ لِيَدْفَعَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَتْهُ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ .
الرَّابِعَةُ : إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ ثُمَّ اخْتَلَفَا كَذَلِكَ فَهُوَ فِي الْمُصَدَّقِ لِمَا ذُكِرَ ، وَبِهِ أَجَابَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ : الظَّاهِرُ الْوُقُوعُ ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( حَلَفَتْ ) هِيَ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا ( فَإِنْ حَلَفَتْ ) عَلَى ذَلِكَ ( أَوْ أَقَرَّ ) هُوَ بِذَلِكَ ( اسْتَقَلَّتْ ) هِيَ ( بِالْفَسْخِ ) كَمَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا ، لَكِنْ إنَّمَا تَفْسَخُ بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي لَهَا : ثَبَتَتْ الْعُنَّةُ أَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَاخْتَارِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
نَعَمْ قَوْلُهُ فَاخْتَارِي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ بَادَرَتْ وَفَسَخَتْ قَبْلَهُ نَفَذَ فَسْخُهَا ، وَيُؤَيِّدُهُ حَذْفُ الرَّافِعِيِّ لَهُ مِنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( وَقِيلَ : يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي ) لَهَا بِالْفَسْخِ ( أَوْ ) إلَى ( فَسْخِهِ ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَيَتَعَاطَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْذَنُ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَحَّحَا هَذَا فِي الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ خِيَارَ الْعُنَّةِ خُصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَخِيَارُهَا عَلَى الْفَوْرِ ، وَضَرْبُ الْقَاضِي الْمُدَّةَ وَالثُّبُوتَ بَعْدَهَا إنَّمَا شُرِعَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ ، فَإِنْ تَحَقَّقَ السَّبَبُ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ

الْفَوْرِيَّةِ ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّ خِيَارَهَا عَلَى التَّرَاخِي ، وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِإِعْسَارِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ ( وَلَوْ اعْتَزَلَتْهُ ) كَأَنْ اُسْتُحِيضَتْ ( أَوْ مَرِضَتْ أَوْ حُبِسَتْ فِي الْمُدَّةِ ) كُلِّهَا ( لَمْ تُحْسَبْ ) هَذِهِ السَّنَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَطْءِ حِينَئِذٍ يُضَافُ إلَيْهَا وَتَسْتَأْنِفُ سَنَةً أُخْرَى وَلَوْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ قَالَ الشَّيْخَانِ : فَالْقِيَاسُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ أُخْرَى ، أَوْ تَنْتَظِرُ مُضِيَّ مِثْلِ ذَلِكَ الْفَصْلِ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى .
فَإِنْ قِيلَ : يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِئْنَافُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَصْلَ إنَّمَا يَأْتِي فِي سَنَةٍ أُخْرَى .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ انْعِزَالُهَا عَنْهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْفَصْلِ مِنْ قَابِلٍ بِخِلَافِ الِاسْتِئْنَافِ ، وَلَا يَمْنَعُ حُسْبَانُ الْمُدَّةِ حَيْضَهَا إذْ لَا تَخْلُو السَّنَةُ عَنْهُ غَالِبًا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِهَا أَنَّ حَبْسَهُ وَمَرَضَهُ لَا يَمْنَعُ حُسْبَانَ الْمُدَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ ، وَسَفَرُهَا كَحَبْسِهَا وَنِفَاسُهَا كَحَيْضِهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَسَفَرُهُ كَحَبْسِهِ ، وَلَوْ ادَّعَى امْتِنَاعَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يَضْرِبُ الْقَاضِي مُدَّةً أُخْرَى وَيُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ ثِقَاتٍ وَيَعْتَمِدُ قَوْلَهُمْ ( وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا ) أَيْ انْقِضَاءِ جَمِيعِ الْمُدَّةِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ ( بَطَلَ حَقُّهَا ) مِنْ الْفَسْخِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْإِيلَاءُ وَالْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ وَالْإِجَارَةِ إذَا تَهَدَّمَتْ الدَّارُ لَهَا الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ رَضِيَتْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ضَرَرَ هَذِهِ الْأُمُورِ يَتَجَدَّدُ ، وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ وَاحِدٌ إذَا تَحَقَّقَ لَا تُتَوَقَّعُ إزَالَتُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ بَعْدَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ خَرَجَ بِهَا

مَا إذَا رَضِيَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ قَبْلَ ضَرْبِهَا فَإِنَّ حَقَّهَا لَا يَبْطُلُ ، وَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا قَبْلَ ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ أَنْ رَضِيَتْ بِهِ وَيُتَصَوَّرُ بِاسْتِدْخَالِهَا مَاءَهُ وَبِوَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَعُدْ حَقَّ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ وَاحِدٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَانَتْ وَجُدِّدَ نِكَاحُهَا فَإِنَّ طَلَبَهَا لَمْ يَسْقُطْ ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ ذَلِكَ النِّكَاحِ ( وَكَذَا ) يَبْطُلُ حَقُّهَا ( لَوْ أَجَّلَتْهُ ) بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مُدَّةً أُخْرَى كَشَهْرٍ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالتَّأْجِيلُ مُفَوِّتٌ لَهُ .
وَالثَّانِي : لَا يَبْطُلُ لِإِحْسَانِهَا بِالتَّأْجِيلِ وَلَا يَلْزَمُهَا ، فَلَهَا الْفَسْخُ مَتَى شَاءَ .

وَلَوْ نَكَحَ وَشُرِطَ فِيهَا إسْلَامٌ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا ، فَأُخْلِفَ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ ، ثُمَّ إنْ بَانَ خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ فَلَا خِيَارَ ، وَإِنْ بَانَ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ ، وَكَذَا لَهُ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ قِسْمَانِ : خُلْفُ شَرْطٍ ، وَخُلْفُ ظَنٍّ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ ( وَلَوْ نَكَحَ ) امْرَأَةً ( وَشُرِطَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( فِيهَا ) فِي الْعَقْدِ ( إسْلَامٌ أَوْ ) شُرِطَ ( فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ ( نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا ) مِمَّا لَا يَمْنَعُ عَدَمُهُ صِحَّةَ النِّكَاحِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَبَكَارَةٍ وَشَبَابٍ ، أَوْ النَّقْصِ كَضِدِّ ذَلِكَ أَوَّلًا وَلَا كَطُولٍ وَبَيَاضٍ وَسُمْرَةٍ ( فَأُخْلِفَ ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - الْمَشْرُوطُ ( فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ ) لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ مَعَ تَأَثُّرِهِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، فَالنِّكَاحُ أَوْلَى .
وَالثَّانِي يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَعْتَمِدُ الصِّفَاتِ فَتَبَدُّلُهَا كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : مَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شُرِطَتْ حُرِّيَّتُهُ فَبَانَ عَبْدًا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا لِعَدَمِ الْإِذْنِ ، وَفِيمَا إذَا شَرَطَ حُرِّيَّتَهَا فَبَانَتْ أَمَةً إذَا نُكِحَتْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَكَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا ، وَفِيمَا إذَا شُرِطَ فِيهَا إسْلَامٌ فَأَخْلَفَ أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهَا كِتَابِيَّةً يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ إنْ وُجِدَتْ شَرَائِطُ الصِّحَّةِ لِفَهْمِ ذَلِكَ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يُتَصَوَّرُ فِي الْكِتَابِيَّةِ .
أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِي الْخِيَارِ ( ثُمَّ ) عَلَى الصِّحَّةِ ( إنْ بَانَ ) الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ ( خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ ) فِيهِ كَشَرْطِ كَوْنِهَا كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ ثَيِّبًا فَبَانَتْ مُسْلِمَةً فِي الْأُولَى ، أَوْ حُرَّةً فِي الثَّانِيَةِ ، أَوْ بِكْرًا فِي الثَّالِثَةِ ، أَوْ فِي الزَّوْجِ أَنَّهُ عَبْدٌ فَبَانَ حُرًّا ( فَلَا

خِيَارَ ) فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّا شُرِطَ ( وَإِنْ بَانَ دُونَهُ ) أَيْ الْمَشْرُوطِ كَأَنْ شُرِطَ فِيهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ فَبَانَتْ أَمَةً ، وَهُوَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا ، وَقَدْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي نِكَاحِهَا أَوْ فِيهِ أَنَّهُ حُرٌّ فَبَانَ عَبْدًا وَالزَّوْجَةُ حُرَّةً وَقَدْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي النِّكَاحِ ( فَلَهَا الْخِيَارُ ) لِلْخُلْفِ ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلِأَوْلِيَائِهَا الْخِيَارُ إنْ كَانَ الْخُلْفُ فِي النَّسَبِ لِفَوَاتِ الْكَفَاءَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا فِي النَّسَبِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَّحَهُ فِي خُلْفِ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجِ ، وَمِثْلُهُ خُلْفُ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجَةِ ، وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَضِيَّةِ مَا فِي الْكَبِيرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا سَاوَاهَا فِي النَّسَبِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْمَشْرُوطِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَجَعَلَ الْعِفَّةَ كَالنَّسَبِ : أَيْ وَالْحُرِّيَّةُ كَذَلِكَ ( وَكَذَا لَهُ ) الْخِيَارُ ( فِي الْأَصَحِّ ) أَيْ إذَا لَمْ يَزِدْ نَسَبُهَا عَلَى نَسَبِهِ وَلَمْ يُسَاوِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَانِبِهِ لِلْغَرَرِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ وَلَوْ بِغَيْرِ قَاضٍ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَإِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ كَعَيْبِ النِّكَاحِ .
وَالثَّانِي : لَا خِيَارَ لَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالطَّلَاقِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَبْدًا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ لِتَكَافُئِهِمَا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي الثَّانِيَةِ أَمَةً ثُبُوتُ الْخِيَارِ ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلتَّغْرِيرِ ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ لَا خِيَارَ كَنَظِيرِهِ فِي شَرْطِ حُرِّيَّتِهَا .

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ الْمُرَجَّحُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِسَيِّدِهَا دُونَهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُيُوبِ ؛ لِأَنَّ لَهُ إجْبَارَهَا عَلَى نِكَاحِ عَبْدٍ لَا مَعِيبٍ .

وَلَوْ ظَنَّهَا مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فَلَا خِيَارَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْئًا فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ وَحِرْفَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا .
قُلْتُ : وَلَوْ بَانَ مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ خُلْفُ الظَّنِّ الَّذِي لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إلَّا فِيمَا يُسْتَثْنَى ، فَقَالَ ( وَلَوْ ظَنَّهَا ) بِلَا شَرْطٍ ( مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً ) فِي الْأُولَى بِشَرْطِهِ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ظَنِّ ذَلِكَ ( أَوْ أَمَةً ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فَلَا خِيَارَ ) لَهُ فِيهِمَا ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ الظَّنَّ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ أَوْ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ كَاتِبًا فَلَمْ يَكُنْ ، وَالثَّانِي لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّارِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ ، فَإِذَا خَالَفَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ ، وَلَوْ ظَنَّ حُرِّيَّتَهَا فَخَرَجَتْ مُبَعَّضَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا أَمَةً كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَلَوْ أَذِنَتْ ) لِوَلِيِّهَا ( فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْئًا ) لَهَا ( فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ وَحِرْفَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا ) وَلَا لِوَلِيِّهَا ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهَا وَمِنْهُ حَيْثُ لَمْ يَبْحَثَا وَلَمْ يَشْرُطَا ( قُلْتُ : وَلَوْ بَانَ ) الزَّوْجُ ( مَعِيبًا أَوْ ) بَانَ ( عَبْدًا ) وَهِيَ حُرَّةٌ وَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي النِّكَاحِ ( فَلَهَا الْخِيَارُ ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِمُوَافَقَةِ مَا ظَنَّتْهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ لِلْغَالِبِ فِي النَّاسِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ تَرْكَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، فَإِنَّ الْأُولَى مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا مَرَّ فِي الْعُيُوبِ ، وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِمَا : وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْحُرِّيَّةَ وَلَا غَيْرَهَا ، فَقَالَتْ : ظَنَنْتُك حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَقِيلَ : لَهَا الْخِيَارُ ، وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ النَّصَّ ، وَقَالَ : إنَّهُ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهَا قَصَّرَتْ بِتَرْكِ الْبَحْثِ ا هـ .
وَهَذَا

هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ كَالْغَزَالِيِّ .

وَمَتَى فُسِخَ بِخُلْفٍ فَحُكْمُ الْمَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارِّ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ ، وَالْمُؤَثِّرُ تَغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ ، وَلَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَصَحَّحْنَاهُ فَالْوَلَدُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُرٌّ ، وَعَلَى الْمَغْرُورِ ، قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَارِّ ، وَالتَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا بَلْ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا ، وَلَوْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ .

( وَمَتَى فُسِخَ ) النِّكَاحُ ( بِخُلْفِ ) الشَّرْطِ ( فَحُكْمُ الْمَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارِّ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ ) أَيْ الْفَسْخِ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ أَوْ بَعْدَهُ فَمَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْفَسْخُ مَعَ الدُّخُولِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَارِّ فِي الْأَظْهَرِ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يُوهِمُ أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هِيَ كَذَلِكَ ( وَ ) التَّغْرِيرُ ( الْمُؤَثِّرُ ) فِي الْفَسْخِ بِخُلْفِ الشَّرْطِ ( تَغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ ) بِوُقُوعِهِ فِي صُلْبِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ : زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْبِكْرَ أَوْ هَذِهِ الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْحُرَّةَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَارَنَهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ أَوْ سَبْقِ الْعَقْدِ .
أَمَّا الْمُؤَثِّرُ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ فَيَكْفِي فِيهِ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْعَقْدِ مُطْلَقًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الرُّجُوعِ بِالْمَهْرِ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ عَلَى قَصْدِ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ : وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الِاتِّصَالَ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ أَوْسَعُ بَابًا .
قَالَ شَيْخُنَا : وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اتِّحَادَ التَّغْرِيرَيْنِ ، فَجَعَلَ الْمُتَّصِلَ بِالْعَقْدِ قَبْلَهُ كَالْمَذْكُورِ فِيهِ فِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْفَسْخِ فَاحْذَرْهُ ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ مَعَ أَنَّهُ شَيْخُهُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ إظْهَارُ الْحَقِّ ( وَلَوْ غُرَّ ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ( بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ ) نَكَحَهَا وَشَرَطَ لَهُ الْعَقْدُ حُرِّيَّتَهَا ( وَصَحَّحْنَاهُ ) أَيْ نِكَاحَ الْمَغْرُورِ ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ وَحَصَلَ مِنْهُ وَلَدٌ (

فَالْوَلَدُ ) الْحَاصِلُ ( قَبْلَ الْعِلْمِ ) بِأَنَّهَا أَمَةٌ ( حُرٌّ ) أَيْ يَنْعَقِدُ حُرًّا سَوَاءٌ فَسَخَ الْعَقْدَ أَمْ أَجَازَهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُ ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا حُرَّةٌ ، وَوَلَدُ الْحُرَّةِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا حُرًّا ، فَاعْتُبِرَ ظَنُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ ( وَعَلَى الْمَغْرُورِ قِيمَتُهُ ) يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ تَقْوِيمِهِ ، وَهِيَ فِي ذِمَّةِ الْحُرِّ ، وَكَذَا الْعَبْدُ فِي الْأَصَحِّ يُتْبَعُ بِهَا إذَا عَتَقَ ، وَقِيلَ فِي كَسْبِهِ ، وَقِيلَ فِي رَقَبَتِهِ ( لِسَيِّدِهَا ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ التَّابِعَ لِرِقِّهَا بِظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا .
نَعَمْ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا لِسَيِّدِهَا لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى رَقِيقِهِ دَيْنٌ ( وَيَرْجِعُ ) الْمَغْرُورُ ( بِهَا ) أَيْ قِيمَةِ الْوَلَدِ ( عَلَى الْغَارِّ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُوقِعُ لَهُ فِي غَرَامَتِهَا وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُغَرِّمَهَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَلَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ كَالضَّامِنِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ وَصَحَّحْنَاهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ ، فَإِنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذُكِرَ إنْ أَبْطَلْنَاهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ ، وَكَذَا إذَا بَطَلَ لِكَوْنِ الزَّوْجِ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِشُبْهَةِ التَّغْرِيرِ ، وَخَرَجَ بِقَبْلِ الْعِلْمِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ فَهُوَ رَقِيقٌ ، وَلَوْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَرَبِيًّا فَهُوَ رَقِيقٌ ، وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْمَهْرِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمَغْرُورُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهُ ، وَالْمَهْرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ بِوَطْئِهِ إنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ الْمُسَمَّى فَبِكَسْبِهِ ( وَالتَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا ) لِأَنَّهُ إذَا قَالَ : زَوَّجْتُك هَذِهِ الْحُرَّةَ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَتَقَتْ ( بَلْ ) يُتَصَوَّرُ ( مِنْ وَكِيلِهِ ) فِي

تَزْوِيجِهَا كَأَنْ يَقُولَ وَكِيلُهُ : زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْحُرَّةَ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ مِنْ وَلِيِّ السَّيِّدِ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، وَالْفَوَاتُ فِي ذَلِكَ بِخُلْفِ الشَّرْطِ تَارَةً وَالظَّنِّ أُخْرَى ( أَوْ مِنْهَا ) وَالْفَوَاتُ فِيهِ بِخُلْفِ الظَّنِّ فَقَطْ .
تَنْبِيهٌ : مَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَنْعِ التَّصَوُّرِ مِنْ سَيِّدِهَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ صُوَرًا : مِنْهَا مَا لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا الْمُعْسِرُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ زَوَّجَ السَّفِيهُ أَوْ الْمُفْلِسُ أَوْ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي الْأُولَى أَوْ الْغُرَمَاءِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ السَّيِّدِ فِي الثَّالِثَةِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ اسْمُهَا حُرَّةً ( فَإِنْ كَانَ ) التَّغْرِيرُ ( مِنْهَا ) فَقَطْ ( تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا ) فَتُطَالِبُ بِهِ إذَا عَتَقَتْ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا وَلَا بِكَسْبِهَا ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَلَهُ مُطَالَبَتُهَا فِي الْحَالِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ كَجِنَايَتِهَا ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَكِيلِ فَقَطْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَيْضًا وَيُطَالَبُ بِهِ حَالًا ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا وَمِنْ الْوَكِيلِ بِأَنْ ذَكَرَاهُ مَعًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْغُرْمِ ، فَإِنْ غَرَّتْ الْوَكِيلَ بِالْحُرِّيَّةِ فَذَكَرَهَا الزَّوْجُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ الْوَكِيلُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ ذَكَرَتْهُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ ذَكَرَتْهُ لِلزَّوْجِ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الْوَكِيلُ لِلزَّوْجِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شَافَهَتْ الزَّوْجَ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَسَطِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّيِّدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِتَغْرِيرِ مَنْ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا انْفَصَلَ الْوَلَدُ فِي صُورَةِ التَّغْرِيرِ حَيًّا ( وَ ) أَمَّا ( لَوْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيْتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ ) لِأَنَّ حَيَاتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ

بِخِلَافِ مَا إذَا انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ فَفِيهِ - لِانْعِقَادِهِ حُرًّا - غُرَّةٌ لِوَارِثِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ سَيِّدَ الْأَمَةِ أَوْ الْمَغْرُورَ ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْغُرَّةُ بِرَقَبَتِهِ ، وَيَضْمَنُهُ الْمَغْرُورُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَضْمَنُ بِهِ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إلَّا مَا يَضْمَنُ بِهِ الرَّقِيقَ .
وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ مِنْ الْغُرَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ الْأَبِ الْحُرِّ غَيْرِ الْجَانِي إلَّا أُمُّ الْأُمِّ الْحُرَّةُ ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي الْغُرَّةِ فِي آخِرِ بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ .

وَمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، فَإِنْ قَالَتْ جَهِلْت الْعِتْقَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ : بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَائِبًا ، وَكَذَا إنْ قَالَتْ جَهِلْت الْخِيَارَ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ ، فَإِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَلَا مَهْرَ ، وَبَعْدَهُ بِعِتْقٍ بَعْدَهُ وَجَبَ الْمُسَمَّى ، أَوْ قَبْلَهُ فَمَهْرُ مِثْلٍ ، وَقِيلَ الْمُسَمَّى ، وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ لِلْخِيَارِ وَهُوَ الْعِتْقُ .
فَقَالَ ( وَمَنْ عَتَقَتْ ) كُلُّهَا وَلَوْ كَافِرَةً وَمُكَاتَبَةً ( تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ ) تَحْتَ ( مَنْ فِيهِ رِقٌّ ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ( تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ) وَعَدَمِهِ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ { عِتْقُ بَرِيرَةَ تَحْتَ زَوْجِهَا مُغِيثٍ ، وَكَانَ عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُفَارَقَةِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْمُبَعَّضُ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الرِّقِّ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : تَحْتَ رَقِيقٍ مَا إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَا إذَا عَتَقَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا ، وَسَيَأْتِي بَاقِي الْمُحْتَرَزَاتِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُوهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الزَّوْجُ بَعْدَهَا أَوْ مَاتَ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا الْفَسْخَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ سَقَطَ خِيَارُهَا لِزَوَالِ الضَّرَرِ ، وَلَوْ فَسَخَتْ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ رِقِّهِ فَبَانَ خِلَافُهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِ مَوْتِ السَّيِّدِ ، وَكَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِمَهْرِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَسَخَتْ لَسَقَطَ الْمَهْرُ فَيَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ الْوَفَاءِ بِعِتْقِهَا فَلَا تَعْتِقُ كُلُّهَا فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي هَذَا الْفَسْخِ لِحَاكِمٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ سَيِّدَهَا أَعْتَقَهَا فَأَنْكَرَ ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ ، وَإِنْ صَدَّقَهَا ثَبَتَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ) أَيْ خِيَارَ الْعِتْقِ ( عَلَى الْفَوْرِ ) كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ .
وَالثَّانِي : يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا

مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ فَتَتَرَوَّى فِيهَا ، وَقِيلَ : تَبْقَى مَا لَمْ يَمَسَّهَا مُخْتَارَةً أَوْ تُصَرِّحُ بِإِسْقَاطِهِ ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالسُّبْكِيُّ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُكَلَّفَةِ .
أَمَّا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى تَكْلِيفِهَا جَزْمًا وَلَا يَخْتَارُ الْوَلِيُّ شَيْئًا ، وَفِي غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا .
أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ عَتَقَتْ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِنَّ لَهَا الْفَسْخَ فِي الْحَالِ وَلَهَا التَّأْخِيرُ ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فَقَدْ لَا يُرَاجِعُهَا فَتَبِينُ بِالطَّلَاقِ ( فَإِنْ قَالَتْ : جَهِلْت الْعِتْقَ ) بَعْدَ تَأْخِيرِهَا الْفَسْخَ وَهِيَ مُرِيدَةٌ لَهُ ( صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ ) دَعْوَى جَهْلِهَا ذَلِكَ ( بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَائِبًا ) وَقْتَ الْعِتْقِ أَوْ كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى عَنْ الْبَلَدِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهَا ، وَظَاهِرُ الْحَالِ يُصَدِّقُهَا ، فَإِنْ كَذَّبَهَا ظَاهِرُ الْحَالِ كَأَنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ فَالْمُصَدَّقُ الزَّوْجُ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالرَّوْضَةِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ لَمْ يُكَذِّبْهَا ظَاهِرُ الْحَالِ ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ ، وَذَكَرَ الْمُحَرَّرُ حُكْمَ الطَّرَفَيْنِ حَيْثُ قَالَ : وَإِلَّا فَالْمُصَدَّقُ الزَّوْجُ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحَدَهُمَا وَاكْتَفَى بِمَفْهُومِهِ عَنْ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الِاخْتِصَارِ ( وَكَذَا ) تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا ( إنْ قَالَتْ جَهِلْت الْخِيَارَ بِهِ ) أَيْ الْعِتْقِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى غَالِبِ النَّاسِ ، وَالثَّانِي يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُبْطِلُ خِيَارَهَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَنْ يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا وَكَذِبُهَا .
أَمَّا مَنْ عُلِمَ صِدْقُهَا كَالْعَجَمِيَّةِ فَقَوْلُهَا مَقْبُولٌ قَطْعًا أَوْ عُلِمَ كَذِبُهَا بِأَنْ كَانَتْ تُخَالِطُ الْفُقَهَاءَ وَتَعْرِفُ مِنْهُمْ ذَلِكَ فَقَوْلُهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ قَطْعًا ، وَلَوْ عَلِمَتْ أَصْلَ الْخِيَارِ وَادَّعَتْ الْجَهْلَ

بِفَوْرِيَّتِهِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَوْ لَا ؟ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَدِيمَةَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ عَرَفَ الْخِيَارَ عَلِمَ فَوْرِيَّتَهُ ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَبُولُهَا فِي ذَلِكَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مِمَّا أَشْكَلَ عَلَى الْعُلَمَاءِ ، فَعَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَوْلَى ( فَإِنْ فَسَخَتْ ) مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ النِّكَاحَ ( قَبْلَ وَطْءٍ فَلَا مَهْرَ ) وَلَا مُتْعَةَ ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ جِهَتِهَا ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْفَسْخِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ مَعَ الْبَقَاءِ أَوْ فَسَخَتْ ( بَعْدَهُ بِعِتْقٍ بَعْدَهُ ) أَيْ الْوَطْءِ السَّابِقِ عِتْقَهَا ( وَجَبَ الْمُسَمَّى ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ ( أَوْ ) بِعِتْقٍ ( قَبْلَهُ ) بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ بِعِتْقِهَا إلَّا بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنْ وَطْئِهَا ( فَمَهْرُ مِثْلٍ ) لِاسْتِنَادِ الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ وُجُوبِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ السَّابِقُ لِلْوَطْءِ فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ( وَقِيلَ ) يَجِبُ ( الْمُسَمَّى ) لِتَقَرُّرِهِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ ، فَإِنْ عَتَقَتْ مَعَ الْوَطْءِ أَوْ فَسَخَتْ مَعَهُ بِعِتْقٍ قَبْلَهُ ، فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ .
تَنْبِيهٌ : مَهْرُهَا لِسَيِّدِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَمَّى أَمْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَسَخَتْ أَوْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ ، وَجَرَى فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً بِأَنْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا كَذَلِكَ نُظِرَتْ ، فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِيهِمَا فَالْمَهْرُ لَهَا ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمُفَوِّضَةِ يَجِبُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ

، وَإِنْ وَطِئَهَا أَوْ فَرَضَ لَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْوَطْءِ أَوْ الْفَرْضِ قَبْلَ عِتْقِهَا وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَالْوَطْءِ وَالْفَرْضِ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَاقِي الْمُحْتَرَزَاتِ ، فَقَالَ ( وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ ) أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِصِفَةٍ أَوْ دُبِّرَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ .
وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِكَمَالِ الرِّقِّ وَصُورَةُ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنْ يُعْتِقَ حِصَّةً فِي أَمَةٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ ، وَإِلَّا عَتَقَ جَمِيعُهَا ( أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ ) لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِ النَّاقِصَةِ ، وَيُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ، وَلِلزَّوْجِ وَطْءُ الْعَتِيقَةِ مَا لَمْ يَفْسَخْ ، وَكَذَا زَوْجُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ الْعَتِيقَتَيْنِ مَا لَمْ يَفْسَخَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .

فَصْلٌ يَلْزَمُ الْوَلَدَ إعْفَافُ الْأَبِ وَالْأَجْدَادِ عَلَى الْمَشْهُورِ : بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَهْرَ حُرَّةٍ ، أَوْ يَقُولَ انْكِحْ وَأُعْطِيَكَ الْمَهْرَ ، أَوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإِذْنِهِ وَيُمْهِرَ أَوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً أَوْ ثَمَنَهَا ثُمَّ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمَا .

فَصْلٌ فِي الْإِعْفَافِ وَمَنْ يَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهِ ( وَعَلَيْهِ لَزْمُ الْوَلَدَ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى إذَا كَانَ حُرًّا مُوسِرًا وَلَوْ كَافِرًا ( إعْفَافُ الْأَبِ ) الْحُرِّ الْمُعْسِرِ وَلَوْ كَافِرًا مَعْصُومًا ( وَ ) إعْفَافُ ( الْأَجْدَادِ ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ إذَا كَانُوا بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ( عَلَى الْمَشْهُورِ ) لِأَنَّهُ مِنْ وُجُوهِ حَاجَاتِهِمْ الْمُهِمَّةِ كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ، وَلِئَلَّا يُعَرِّضَهُمْ لِلزِّنَا الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ .
وَلَيْسَ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَلِأَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ لِإِبْقَاءِ الْأَصْلِ فَوَاتُ نَفْسِ الْفَرْعِ كَمَا فِي الْقُعُودِ ، فَفَوَاتُ مَالِهِ أَوْلَى .
وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُخْرَجٌ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْأَصْلَ إعْفَافُ الْفَرْعِ ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا إعْفَافُ الْأَبِ ، وَلَا مُوسِرًا إعْفَافُ غَيْرِ أَصْلٍ وَلَا أَصْلٍ غَيْرِ ذَكَرٍ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنَّ الْغُرْمَ فِي إعْفَافِ الذَّكَرِ عَلَيْهِ فَيَحْمِلُهُ الْفَرْعُ ، وَالْحَقُّ فِي تَزْوِيجِ الْأُنْثَى لَهَا لَا عَلَيْهَا .
وَلَا غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلَا مُوسِرًا بِمَا يَعِفُّ بِهِ نَفْسَهُ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ جَدَّانِ لَزِمَهُ إعْفَافُهُمَا إنْ اتَّسَعَ مَالُ الْفَرْعِ وَإِلَّا فَأَبٌ الْأَبِ أَوْلَى ، وَإِنْ بَعُدَ لِلْعُصُوبَةِ كَأَبِي أَبِي أَبٍ مَعَ أَبِي أُمٍّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عُصُوبَةٌ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا كَأَبِي أُمِّ الْأَبِ وَأَبِي أَبِي أُمٍّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ بِدُونِ رَفْعٍ إلَى حَاكِمٍ ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْفَرْعُ وَكَانَ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ كَانَ الْإِعْفَافُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَيْهِنَّ بِالسَّوِيَّةِ ، أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا كَانَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِرْثِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْإِعْفَافُ ( بِأَنْ يُعْطِيَهُ ) أَيْ الْأَصْلَ ( مَهْرَ حُرَّةٍ ) تُعِفُّهُ ، وَلَوْ كِتَابِيَّةً ( أَوْ يَقُولَ ) لَهُ ( انْكِحْ وَ ) أَنَا (

أُعْطِيَكَ الْمَهْرَ ) أَيْ مَهْرَ مِثْلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ مِنْهُ ، فَإِنْ نَكَحَ الْأَبُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ كَانَ الزَّائِدُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ ( أَوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإِذْنِهِ ) حُرَّةً ( وَيُمْهِرَ ) هَا ( أَوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً ) تَحِلُّ لَهُ ( أَوْ ثَمَنَهَا ) لِأَنَّ غَرَضَ الْإِعْفَافِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ ، وَلِلِابْنِ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ الْمَهْرَ أَوْ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ الشِّرَاءِ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ وَلَا يُمَلِّكُهُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ أَوْ مَعِيبَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعِفُّهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ طَعَامًا فَاسِدًا لَا يَنْسَاغُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ فَرْعِهِ ، نَعَمْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ الْفَرْعُ إلَّا عَلَى مَهْرِ أَمَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَرْعِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفُ .
أَمَّا غَيْرُهُ فَعَلَى وَلِيِّهِ أَنْ لَا يَبْذُلَ إلَّا أَقَلَّ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهُ بِغَيْرِهِ ، وَلَوْ أَيْسَرَ الْأَصْلُ بَعْدَ أَنْ مَلَّكَهُ فَرْعُهُ الْجَارِيَةَ أَوْ ثَمَنَهَا أَوْ الْمَهْرَ لَمْ يَسْتَرِدَّ الْفَرْعُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَنَفَقَةٍ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى أَيْسَرَ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ : إنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُمَلِّكْهَا لَهُ مَنْ لَزِمَتْهُ ( ثُمَّ عَلَيْهِ ) أَيْ الْوَلَدِ ( مُؤْنَتُهُمَا ) بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ بِخَطِّهِ أَيْ الْأَبِ ، وَمَنْ أَعَفَّهُ بِهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُؤْنَتُهَا أَيْ مُؤْنَةُ الَّتِي أَعَفَّهُ بِهَا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْأَبِ تُؤْخَذُ مِنْ بَابِهَا أَيْ وَأَمَّا مُؤْنَتُهَا فَلِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْإِعْفَافِ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ : بَلْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إعْفَافِ

الْأَبِ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ لِإِمْكَانِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ النِّكَاحِ ، وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الْأَصْلِ لَازِمَةٌ لِلْفَرْعِ وَإِنْ لَمْ يُعِفَّهُ ا هـ .
وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ فِي ذَلِكَ إفْرَادَ الضَّمِيرِ لَكِنْ وَقَعَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ تَثْنِيَتُهُ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْنَةِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ ، وَاسْتَثْنَى الْبَغَوِيّ أُدْمَهَا وَنَفَقَةَ الْخَادِمِ قَالَ : لِأَنَّ فَقْدَهُمَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقِيَاسُ قَوْلِنَا أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ بِمَا لَزِمَ الْأَبَ وُجُوبُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَلْزَمَانِ الْأَبَ مَعَ إعْسَارِهِ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَصْلِ مَنْ لَا تُعِفُّهُ كَعَجُوزٍ وَصَغِيرَةٍ لَزِمَ الْفَرْعَ إعْفَافُهُ ، فَلَوْ أَعَفَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا نَفَقَتَانِ ، وَقَدْ قَالُوا فِي بَابِ النَّفَقَةِ : لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُوَزِّعُهَا الْأَبُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِلْجَدِيدَةِ لِئَلَّا تَفْسَخَ بِنَقْصِ مَا يَخُصُّهَا عَنْ الْمُدِّ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ .

وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْيِينُ النِّكَاحِ دُونَ التَّسَرِّي وَلَا رَفِيعَةٍ ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى مَهْرٍ فَتَعْيِينُهَا لِلْأَبِ .
( وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْيِينُ النِّكَاحِ دُونَ التَّسَرِّي ) وَلَا عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَفْعُ الْحَاجَةِ ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( وَلَا ) تَعْيِينُ نِكَاحِ ( رَفِيعَةٍ ) بِجَمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ كَشَرَفٍ لِلنِّكَاحِ أَوْ الشِّرَاءِ ، بَلْ التَّعْيِينُ فِي ذَلِكَ لِلْوَلَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُجْحِفُ بِالْوَلَدِ وَالْغَرَضُ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ أَنْ يُطْعِمَهُ الْأَطْعِمَةَ الْفَاخِرَةَ ( وَلَوْ اتَّفَقَا ) أَيْ الْأَبُ وَالْوَلَدُ ( عَلَى مَهْرٍ ) أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ ( فَتَعْيِينُهَا لِلْأَبِ ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إعْفَافِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْوَلَدِ .

وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ إذَا مَاتَتْ أَوْ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ أَوْ فَسَخَهُ بِعَيْبٍ ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَ بِعُذْرٍ فِي الْأَصَحِّ .

( وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ ) لِلْإِعْفَافِ ( إذَا مَاتَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْأَمَةُ ( أَوْ انْفَسَخَ ) النِّكَاحُ ( بِرِدَّةٍ ) أَيْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمَوْتِ أَمَّا الْفَسْخُ بِرِدَّتِهِ فَهُوَ كَطَلَاقِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَكَرِدَّتِهِ رِدَّتُهُمَا مَعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( أَوْ فَسَخَهُ ) أَيْ الزَّوْجُ النِّكَاحَ ( بِعَيْبٍ ) فِي الزَّوْجَةِ لِمَا مَرَّ ، وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ فَسْخُهَا بِعَيْبِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : أَوْ فُسِخَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِيَعُمَّ فَسْخَ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَكَالرِّدَّةِ الْفَسْخُ بِرَضَاعٍ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَأَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الَّتِي أُعِفَّ بِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ ( وَكَذَا إنْ طَلَّقَ ) أَوْ أَعْتَقَ ( بِعُذْرٍ ) كَشِقَاقٍ أَوْ رِيبَةٍ يَجِبُ التَّجْدِيدُ لَهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا فِي الْمَوْتِ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ، فَإِنَّ الْأَبَ قَصَدَ قَطْعَ النِّكَاحِ .
أَمَّا إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ فَإِنَّهُ الْمُفَوِّتُ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُعْتِقُ لِلْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَاسْتِبْدَالُهَا بِغَيْرِهَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ بِأُمِّ الْوَلَدِ .
أَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي إعْتَاقِهَا ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقَ ، وَحَيْثُ وَجَبَ التَّجْدِيدُ فَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّجْدِيدُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مِطْلَاقًا ، فَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا لَمْ يَجِبْ لَهُ التَّجْدِيدُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ إتْلَافُ النَّفَقَةِ ، وَتَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ السَّفِيهِ تَعْرِيفُهُ ، بَلْ يُسَرِّيهِ جَارِيَةً ، وَيَسْأَلُ الْقَاضِيَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي الْإِعْتَاقِ قَالَهُ الْقَمُولِيُّ .

وَإِنَّمَا يَجِبُ إعْفَافُ فَاقِدِ مَهْرٍ مُحْتَاجٍ إلَى نِكَاحٍ وَيُصَدَّقُ إذَا ظَهَرَتْ الْحَاجَةُ بِلَا يَمِينٍ .

( وَإِنَّمَا يَجِبُ ) عَلَى الْوَلَدِ ( إعْفَافُ ) الْأَصْلِ بِشَرْطَيْنِ .
الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَاقِدِ مَهْرٍ ) أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْوَلَدِ ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بِالْكَسْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ إعْفَافُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْكَبِيرِ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّفَقَةِ : أَيْ فَلَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ فِيهَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَمَا هُنَا أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ عَلَى الْأَصْلِ الْكَسْبُ لَهَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ أَوْ ثَمَنِ الْأَمَةِ ، وَلِأَنَّ الْبِنْيَةَ لَا تَقُومُ بِدُونِ النَّفَقَةِ ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهَا لَمْ يَجِبْ إعْفَافُهُ ، وَلَوْ نَكَحَ فِي يَسَارِهِ بِمَهْرٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَعْسَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَامْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ حَتَّى تَقْبِضَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ دَفْعُهُ لِحُصُولِ الْإِعْفَافِ بِذَلِكَ ، وَالصَّرْفُ لِلْمَوْجُودَةِ أَوْلَى مِنْ السَّعْيِ فِي أُخْرَى .
قَالَ : وَعَلَيْهِ لَوْ نَكَحَ فِي إعْسَارِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ وَلَدَهُ بِالْإِعْفَافِ ، ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ وَلَدَهُ الْقِيَامُ بِهِ لَا سِيَّمَا إذَا جَهِلَتْ الْإِعْسَارَ وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ ا هـ .
وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِ مَنْ يَلِيقُ بِهِ .
الشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( مُحْتَاجٍ إلَى نِكَاحٍ ) بِأَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ زِنًا أَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ لَا تُعِفُّهُ كَصَغِيرَةٍ وَعَجُوزٍ شَوْهَاءَ ، وَيَحْرُمُ طَلَبُ مَنْ لَمْ تُصَدَّقْ شَهْوَتُهُ بِأَنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ التَّعَزُّبُ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ ، نَعَمْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ احْتَاجَ لِلنِّكَاحِ لَا لِلتَّمَتُّعِ بَلْ لِلْخِدْمَةِ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَجَبَ إعْفَافُهُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ

صَحِيحٌ إذَا تَعَيَّنَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ، لَكِنْ لَا يُسَمَّى إعْفَافًا ، وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لِنَحْوِ عُنَّةٍ كَجَبٍّ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ ذَلِكَ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَيُصَدَّقُ ) الْأَصْلُ ( إذَا ظَهَرَتْ ) مِنْهُ ( الْحَاجَةُ ) لِلنِّكَاحِ ( بِلَا يَمِينٍ ) لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَلِيقُ بِحُرْمَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ ظَاهِرُ الْحَالِ يُكَذِّبُهُ كَذِي فَالِجٍ شَدِيدٍ أَوْ اسْتِرْخَاءٍ ، فَيُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا يُجَابَ أَوْ يُحَلَّفَ .

وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ أَمَةِ وَلَدِهِ ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَهْرٍ لَا حَدٍّ ، فَإِنْ أَحْبَلَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ ، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَصِيرُ ، وَأَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا مَعَ مَهْرٍ ، لَا قِيمَةَ وَلَدٍ فِي الْأَصَحِّ .

( وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ( وَطْءُ أَمَةِ وَلَدِهِ ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ الْمُؤْمِنُونَ ] وَلَيْسَتْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَلَدُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ابْنُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ ( وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَهْرٍ ) أَيْ مَهْرِ مِثْلٍ لِلْوَلَدِ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَطْءِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ أَمْ لَا ، مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ أَمْ لَا وَلَوْ بِطَوْعِهَا لِلشُّبْهَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ فَيَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ كَوَطْءِ أَمَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِشُبْهَةٍ ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى يَسَارِهِ ، وَيَجِبُ أَيْضًا أَرْشُ بَكَارَتِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( لَا ) وُجُوبُ ( حَدٍّ ) لِمَا لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ مِنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ ، فَفِي خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ لِسَرِقَةِ مَالِهِ ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ ، وَلِشُبْهَةِ الْإِعْفَافِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا فَعَلَهُ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ قَدْ يُفْهِمُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي ارْتِكَابِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْوَلَدِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ ، وَإِنْ خَفِيَ فَلَا حَدَّ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَيَسْتَمِرُّ مِلْكُ الِابْنِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَبِ إحْبَالٌ ، وَلَا يَغْرَمُ الْأَبُ لَهُ بِتَحْرِيمِهِ لَهَا عَلَيْهِ بِوَطْئِهِ قِيمَتَهَا وَإِنْ

كَانَ كَافِرًا .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا وَطِئَ الشَّخْصُ زَوْجَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بِشُبْهَةٍ يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ فِي الْأَمَةِ بَاقِيَةٌ ، وَالْفَائِتُ عَلَى الْوَلَدِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الْحِلِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَخَرَجَتْ أُخْتَهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ ، وَالْحِلُّ الْفَائِتُ فِي الزَّوْجِيَّةِ هُوَ الْمَقْصُودُ فَيُقَوَّمُ ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَهَا ، وَعَلَى مَا ذُكِرَ لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَةَ أَخِيهِ فَوَطِئَهَا أَبُوهُمَا لَزِمَهُ مَهْرَانِ : مَهْرٌ لِمَالِكِهَا ، وَمَهْرٌ لِزَوْجِهَا ( فَإِنْ أَحْبَلَ ) الْأَبُ الْحُرُّ الْكُلِّ بِوَطْئِهِ أَمَةَ وَلَدِهِ ( فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ ) لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا أَوْ مُبَعَّضًا ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا فَكَذَلِكَ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضِ رَقِيقٌ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الرَّاجِحُ ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرِّيَّتِهِ فِي ذِمَّةِ مَنْ ذُكِرَ ، إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي انْعِقَادِهِ حُرًّا ، وَيُطَالَبُ الْمُبَعَّضُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ .
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ أَكْرَهَهَا الرَّقِيقُ عَلَى الْوَطْءِ فَفِي رَقَبَتِهِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ( فَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ أَمَةُ الِابْنِ ( مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ ) لِأَنَّهَا

لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ ، فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً لِلِابْنِ فَهَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَرَجَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ ، وَقَطَعَ الْهَرَوِيُّ بِالثَّانِي ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ ( فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَصِيرُ ) مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ الْحُرِّ الْكُلِّ وَلَوْ مُعْسِرًا لِشُبْهَةِ الْإِعْفَافِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ ، أَوْ مُدَبَّرَةً ، أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهَا بِصِفَةٍ ، أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهَا أَوْ لَا ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْوَلَدِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ، أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ ، أَوْ مُوَافِقًا لِلْأَبِ فِي دِينِهِ أَوْ لَا ، وَإِذَا أَوْلَدَ أَمَةَ وَلَدِهِ الْمُزَوَّجَةَ نَفَذَ إيلَادُهُ كَإِيلَادِ السَّيِّدِ لَهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْحَمْلِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حُرَّ الْكُلِّ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ ، وَالْمُكَاتَبَ إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فَأَمَةُ وَلَدِهِ أَوْلَى .
وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ قَالَ شَيْخُنَا فَكَذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الْكِتَابِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي أَمَةِ وَلَدِهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ .
وَأَمَّا أَمَتُهُ فَمِلْكُهُ تَامٌّ عَلَيْهَا ( وَ ) إذَا صَارَتْ أَمَةُ الْوَلَدِ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ فَالْأَظْهَرُ ( أَنَّ عَلَيْهِ ) أَيْ الْأَبِ ( قِيمَتَهَا ) لِلِابْنِ ( مَعَ مَهْرٍ ) لِأَنَّهُمَا وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَالْمَهْرُ لِلْإِيلَاجِ ، وَالْقِيمَةُ لِلِاسْتِيلَادِ .
تَنْبِيهٌ : قِيمَتُهَا لَازِمَةٌ لَهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ قَبْلَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ أَمْ بَعْدَهُ لِمَا ذُكِرَ .
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَمَحَلُّ وُجُوبِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ إذَا تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ

الْحَشَفَةِ ، فَإِنْ حَصَلَ مَعَ تَغْيِيبِهَا فَقَدْ اقْتَرَنَ مُوجِبُ الْمَهْرِ بِالْعُلُوقِ فَيُنَزَّلُ الْمَهْرُ مَنْزِلَةَ قِيمَةِ الْوَلَدِ ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لَا تَلْزَمُ الْأَبَ كَمَا قَالَ ( لَا قِيمَةَ وَلَدٍ ) فَلَيْسَتْ عَلَى الْأَبِ ( فِي الْأَصَحِّ ) إنْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ حَيًّا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ قِيمَتَهَا وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا ، وَقَدْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهَا قُبَيْلَ الْعُلُوقِ فَلَمْ تَعْلَقْ بِهِ إلَّا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ .
وَالثَّانِي : تَجِبُ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بَعْدَ الْعُلُوقِ .
أَمَّا إذَا انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيِّتًا فَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ جَزْمًا ، نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الْمَغْرُورِ .

تَنْبِيهٌ : وَطْءُ الِابْنِ جَارِيَةَ الْأَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ كَأَنْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْأَبِ ، أَوْ زَوْجَتَهُ الرَّقِيقَةَ انْعَقَدَ الْوَلَدُ رَقِيقًا ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ حُدَّ لِانْتِفَاءِ شُبْهَتَيْ الْإِعْفَافِ وَالْمِلْكِ ، وَلَيْسَ كَالسَّرِقَةِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ بِهَا لِشُبْهَةِ النَّفَقَةِ ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إنْ أُكْرِهَتْ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا مَهْرَ لِبَغِيٍّ } وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَكْرَهَ أَمَتَهُ عَلَى الزِّنَا اُسْتُحِقَّ الْمَهْرُ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ رَقِيقٍ نَسِيبٍ عَتَقَ عَلَى الْجَدِّ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ الِابْنَ قِيمَتُهُ لِانْعِقَادِهِ رَقِيقًا .

( وَيَحْرُمُ ) عَلَى الْأَبِ الْحُرِّ الْكُلِّ ( نِكَاحُهَا ) أَيْ أَمَةِ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهَا كَأَمَتِهِ لِمَا لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ مِنْ شُبْهَةِ الْإِعْفَافِ وَالنَّفَقَةِ .
أَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ الْكُلِّ فَلَهُ نِكَاحُهَا ، إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إعْفَافُهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ الرَّضَاعِ لِمَا ذُكِرَ ، وَيَجُوزُ لِلْوَلَدِ الْحُرِّ الْكُلِّ نِكَاحُ جَارِيَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ جَزْمًا إذَا وُجِدَ فِيهِ شُرُوطُ نِكَاحِ الْأَمَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعْفَافِ .

وَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا ، فَلَوْ مَلَكَ زَوْجَةَ وَالِدِهِ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ .
( فَلَوْ مَلَكَ ) الْوَلَدُ ( زَوْجَةَ وَالِدِهِ ) الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ ( الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ ) الَّتِي اشْتَرَاهَا الِابْنُ بَعْدَ نِكَاحِ أَبِيهِ لَهَا بِشَرْطِهِ حِينَ الْمِلْكِ كَأَنْ أَيْسَرَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِيَسْرَةِ وَلَدِهِ ( لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الثَّابِتِ الدَّوَامُ ، وَلِلدَّوَامِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِلِابْتِدَاءِ كَمَا مَرَّ أَنَّ الْيَسَارَ الطَّارِئَ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ لَا يَرْفَعُهُ .
وَالثَّانِي : يَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ مَلَكَ زَوْجَةَ نَفْسِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مِلْكِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ : لَوْ أَحْبَلَ الْأَبُ الْأَمَةَ بَعْدَ مِلْكِ وَلَدِهِ لَهَا هَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا مَرَّ أَوْ لَا تَصِيرُ ؟ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ الْوَطْءِ النِّكَاحُ الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ لِكَوْنِ الْوَالِدِ رَقِيقًا ، أَوْ لِكَوْنِ الْوَلَدِ مُعْسِرًا لَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ فَطَرَيَانُ مِلْكِ الْوَلَدِ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ قَطْعًا إذْ لَمْ يَطْرَأْ مَا يُنَافِي النِّكَاحَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ .

وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ ، فَإِنْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ قَطْعًا ( نِكَاحُ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِمَا لَهُ فِي رَقَبَتِهِ وَمَا لَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ ، وَلِهَذَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِإِيلَادِهِ ( فَإِنْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا لَوْ مَلَكَهَا سَيِّدُهُ لِمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : يَلْحَقُهُ بِمِلْكِ الْوَلَدِ زَوْجَةُ أَبِيهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ السَّيِّدِ بِمَالِ الْمُكَاتَبِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَبِ بِمَالِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مِلْكُ السَّيِّدِ عَلَى رَأْيٍ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ أَصْلَ سَيِّدِهِ أَوْ فَرْعَهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْزِلُوهُ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَرَابَةِ ، وَالْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ لَا يَجْتَمِعَانِ .

فَصْلٌ السَّيِّدُ بِإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لَا يَضْمَنُ مَهْرًا وَنَفَقَةً فِي الْجَدِيدِ ، وَهُمَا فِي كَسْبِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ الْمُعْتَادِ وَالنَّادِرِ ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي تِجَارَةٍ فَفِيمَا بِيَدِهِ مِنْ رِبْحٍ وَكَذَا رَأْسُ مَالٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا وَلَا مَأْذُونًا لَهُ فَفِي ذِمَّتِهِ ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى السَّيِّدِ .

فَصْلٌ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ( السَّيِّدُ بِإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لَا يَضْمَنُ ) لَهُ ( مَهْرًا وَ ) لَا ( نَفَقَةً فِي الْجَدِيدِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُمَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ ، وَلَوْ ضَمِنَ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحَّ فِي الْمَهْرِ الْمَعْلُومِ ، وَلَا يَصِحُّ فِي النَّفَقَةِ ، وَالْقَدِيمُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَقْتَضِي الِالْتِزَامَ .
فَرْعٌ : لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، وَإِنْ أَتَى الْعَبْدُ مِنْهَا بِأَوْلَادٍ فَإِنْ أَعْتَقَهَا السَّيِّدُ وَأَوْلَادَهَا فَنَفَقَتُهَا فِي كَسْبِ الْعَبْدِ وَنَفَقَةُ أَوْلَادِهَا عَلَيْهَا ، فَإِنْ أَعْسَرَتْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ دُونَهَا فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْعَبْدِ كَحُرٍّ تَزَوَّجَ أَمَةً ، وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَضْمَنُ بِإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَتَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ ، فَهُوَ نَفْيٌ لِكَوْنِ الْإِذْنِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلَةٌ لِهَذَا ، وَمُحْتَمِلَةٌ أَيْضًا لِكَوْنِ الْإِذْنِ سَبَبًا لِنَفْيِ الضَّمَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ } [ الْقَصَصُ ] وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ ( وَهُمَا ) أَيْ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ ( فِي كَسْبِهِ ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ أَقْرَبُ شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ( بَعْدَ النِّكَاحِ ) وَبَعْدَ وُجُوبِ دَفْعِهِمَا وَهُوَ فِي مَهْرِ الْمُفَوَّضَةِ بِوَطْءٍ أَوْ قَرْضٍ صَحِيحٍ وَفِي مَهْرِ غَيْرِهَا الْمُؤَجَّلِ بِالْحُلُولِ وَالْحَالِّ بِالنِّكَاحِ وَفِي غَيْرِ الْمَهْرِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُؤَنِ النِّكَاحِ بِالتَّمْكِينِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الْكَسْبِ بَيْنَ ( الْمُعْتَادِ ) كَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَمَا حَصَلَ بِحِرْفَةٍ (

وَالنَّادِرُ ) ، كَالْحَاصِلِ بِلُقَطَةٍ أَوْ هِبَةٍ .
أَمَّا الْكَسْبُ قَبْلَ وُجُوبِ الدَّفْعِ فَيَخْتَصُّ بِهِ السَّيِّدُ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ مَعَ أَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ اعْتَبَرُوا فِي الضَّمَانِ الْكَسْبَ الْحَاصِلَ بَعْدَ الْإِذْنِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَهُوَ الضَّمَانُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ ثَمَّ ثَابِتٌ حَالَةَ الْإِذْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ لَا يَتَعَلَّقَانِ مَعَ الْكَسْبِ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ التَّعَلُّقُ ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يُصْرَفُ كَسْبُهُ كُلَّ يَوْمٍ لِلنَّفَقَةِ ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْمَهْرِ ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلسَّيِّدِ ، وَلَا يُدَّخَرُ شَيْءٌ لِلنَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْعَبْدُ ( مَأْذُونًا لَهُ فِي تِجَارَةٍ فَفِيمَا بِيَدِهِ ) أَيْضًا ( مِنْ رِبْحٍ ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ كَسْبِهِ ، وَسَوَاءٌ الْحَاصِلُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْكَسْبِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّبْحَ يَدُهُ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَيْهِ تَبَعًا لِرَأْسِ الْمَالِ ، فَكَانَ كَرَأْسِ الْمَالِ ، وَسَيَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَسْبُ الْحَاصِلُ قَبْلَ النِّكَاحِ ( وَكَذَا رَأْسُ مَالٍ ) بِيَدِهِ يَجِبَانِ فِيهِ أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ مَأْذُونٍ فِيهِ ، فَكَانَ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ ، وَالثَّانِي : الْمَنْعُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ مُكْتَسَبًا فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِكَسْبِهِ أَيْضًا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِأَنْ لَا يَفِيَ مَالُ التِّجَارَةِ وَرِبْحُهُ بِهِمَا فَيُكَمَّلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذَلِكَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اقْتَصَرَ الْعَبْدُ عَلَى مَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ ، فَإِنْ زَادَ

عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ فِي ذِمَّتِهِ فَقَطْ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) أَيْ الْعَبْدُ ( مُكْتَسِبًا ) إمَّا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لِكَوْنِهِ مُحْتَرِفًا مَحْرُومًا ( وَلَا ) كَانَ ( مَأْذُونًا لَهُ ) فِي التِّجَارَةِ ( فَفِي ) أَيْ فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ يَجِبَانِ فِي ( ذِمَّتِهِ ) فَقَطْ يُطَالَبُ بِهِمَا بَعْدَ عِتْقِهِ إنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ كَبَدَلِ الْقَرْضِ ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ، إذْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ ( وَفِي قَوْلٍ ) هُمَا ( عَلَى السَّيِّدِ ) لِأَنَّ الْإِذْنَ لِمَنْ هَذَا حَالُهُ الْتِزَامٌ لِلْمُؤَنِ ، وَفِي قَوْلٍ يَتَعَلَّقَانِ بِرَقَبَتِهِ إلْحَاقًا لَهُمَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ مُكْتَسِبًا حَالَ الْعَقْدِ ثُمَّ طَرَأَ مَا يَمْنَعُهُ ، وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ .

وَلَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهِ وَيَفُوتُ الِاسْتِمْتَاعُ ، وَإِذَا لَمْ يُسَافِرْ لَزِمَهُ تَخْلِيَتُهُ لَيْلًا لِلِاسْتِمْتَاعِ .

( وَلَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( الْمُسَافَرَةُ بِهِ ) أَيْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَفَّلْ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَنَفَقَتِهَا مَعَ الْمَهْرِ ( وَيَفُوتُ ) عَلَيْهِ ( الِاسْتِمْتَاعُ ) لَيْلًا وَنَهَارًا ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ ، فَقُدِّمَ حَقُّهُ كَمَا لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِأَمَتِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُهُ : بِيَفُوتُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَصْحِبُ زَوْجَتَهُ مَعَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ، وَهِيَ : وَإِنْ فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِيَفُوتُ ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَفَرِهِ مَعَ السَّيِّدِ تَفْوِيتُ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَا مَرَّ أَنَّ لِلْعَبْدِ صُحْبَةَ زَوْجَتِهِ سَفَرًا ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكِرَاءُ فِي كَسْبِهِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَعَلَيْهِ تَخْلِيَتُهُ حِينَئِذٍ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَالْحَضَرِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِمُتَعَيَّنٍ ، بَلْ الْمُرَادُ أَوْقَاتُ الِاسْتِرَاحَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَالُ السَّفَرِ ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مَعَهُ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَنَعَهَا السَّيِّدُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهَا الزَّوْجُ بِالْخُرُوجِ فَالنَّفَقَةُ بِحَالِهَا ( وَإِذَا لَمْ يُسَافِرْ ) السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ ( لَزِمَهُ تَخْلِيَتُهُ لَيْلًا لِلِاسْتِمْتَاعِ ) بِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِرَاحَةِ ، إذْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ، وَقَيَّدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ لُزُومَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الزَّوْجَةُ بِمَنْزِلِ سَيِّدِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَخْلِيَتُهُ بِاللَّيْلِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ يَخْدِمُ سَيِّدَهُ نَهَارًا فِي مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ يَلِجُ كُلَّ وَقْتٍ عَلَى زَوْجَتِهِ .
أَمَّا لَوْ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ فِي زَرْعِهِ أَوْ سُوقِهِ أَوْ رَعْيِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي

مَنْزِلِ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ مَحَلُّ التَّخْلِيَةِ حَتَّى يَجِبَ مِنْ الْغُرُوبِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخِدْمَةِ أَوَّلَ اللَّيْلِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمَةِ .

وَيَسْتَخْدِمُهُ نَهَارًا إنْ تَكَفَّلَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَإِلَّا فَيُخْلِيهِ لِكَسْبِهِمَا وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ بِلَا تَكَفُّلٍ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ وَكُلِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ .

( وَيَسْتَخْدِمُهُ ) السَّيِّدُ ( نَهَارًا إنْ تَكَفَّلَ ) وَهُوَ مُوسِرٌ ( الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ ) أَيْ الْتَزَمَهُمَا لَا حَقِيقَةَ ضَمَانِ الدَّيْنِ ( وَإِلَّا فَيُخْلِيهِ لِكَسْبِهِمَا ) لِأَنَّهُ أَحَالَ حُقُوقَ النِّكَاحِ عَلَى كَسْبِهِ ، فَإِذَا فَوَّتَهُ طُولِبَ بِهَا مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ .
تَنْبِيهٌ : خَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ اسْتِخْدَامُ السَّيِّدِ نَهَارًا ، فَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ كَالْحَارِسِ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ لَيْلًا وَسَلَّمَهُ لِلِاسْتِمْتَاعِ نَهَارًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي الْقَسَمِ ، أَمَّا تَكَفُّلُ الْمُعْسِرِ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْتِزَامَهُ لَا يُفِيدُ لِتَفْوِيتِهِ حَقَّهَا ( وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ ) السَّيِّدُ نَهَارًا أَوْ حَبَسَهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ( بِلَا تَكَفُّلٍ ) لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ( لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ ) لِتِلْكَ الْمُدَّةِ ( وَ ) مِنْ ( كُلِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ) لِتِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا فِي فِدَاءِ الْجَانِي بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَلِأَنَّ أُجْرَتَهُ إنْ زَادَتْ كَانَ لَهُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُ النَّفَقَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا اسْتَخْدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ حَبَسَهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَقَطْ ، فَهَلَّا كَانَ السَّيِّدُ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ وَالسَّيِّدُ سَبَقَ مِنْهُ الْإِذْنُ الْمُقْتَضِي لِالْتِزَامِ مَا وَجَبَ فِي الْكَسْبِ ، وَخَرَجَ بِ " نَهَارًا " الْمُقَيَّدِ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَخْدَمَهُ لَيْلًا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي اسْتِمْتَاعِهِ لَيْلًا لَا بَدَلَ لَهُ ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ زَمَنَ نَهَارِهِ دُونَ لَيْلِهِ ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ ) أَيْ السَّيِّدَ ( الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ ) ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَسَبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا يَفِي بِالْجَمِيعِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ بَعْضُهُمْ : جَمِيعُ

مَا سَبَقَ فِي عَبْدٍ كَسُوبٍ .
أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ جُمْلَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ السَّفَرَ بِهِ وَاسْتِخْدَامَهُ حَضَرًا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ شَيْءٍ ا هـ .
وَهَذَا بَحْثٌ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ : يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ إلَخْ .

وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَوَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ فِي ذِمَّتِهِ ، وَفِي قَوْلٍ فِي رَقَبَتِهِ .
( وَلَوْ نَكَحَ ) الْعَبْدُ ( فَاسِدًا ) لِعَدَمِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ لِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ( وَوَطِئَ ) فِي هَذَا النِّكَاحِ زَوْجَتَهُ ( فَمَهْرُ مِثْلٍ ) يَجِبُ عَلَيْهِ ( فِي ذِمَّتِهِ ) فَقَطْ لِلُزُومِهِ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَالْقَرْضِ الَّذِي أَتْلَفَهُ .
نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ فَسَدَ الْمَهْرُ دُونَ النِّكَاحِ تَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ لِوُجُودِ إذْنِ سَيِّدِهِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْمَهْرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَسْبِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ الْمُعَيَّنِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَأَطْلَقَ فَنَكَحَ فَاسِدًا ، فَإِنَّ الْمَهْرَ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ فَقَطْ وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ أَوْ مُخَرَّجٍ تَجِبُ ( فِي رَقَبَتِهِ ) كَغَيْرِ الْوَطْءِ مِنْ الْإِتْلَافِ وَلَا حَدَّ إنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ لِلشُّبْهَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَبِيرَةٍ عَاقِلَةٍ حُرَّةٍ مَكَّنَتْهُ بِرِضَاهَا ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً طِفْلَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ وُطِئَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّعَلُّقُ بِرَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ مَحْضَةٌ ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْمَهْرُ عَلَى السَّفِيهِ ، وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً وَسَلَّمَهَا سَيِّدُهَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَوَطِئَ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ أَمَةً أَوْ حُرَّةً عَلَى الزِّنَا أَوْ بِذِمَّتِهِ ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِمَامِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ .

فُرُوعٌ : لَوْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ فَادَّعَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى السَّيِّدِ أَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقٌّ لِي بِمَهْرِي وَنَفَقَتِي سُمِعَتْ دَعْوَاهَا ، وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ : أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَخْلِيَتُهُ لِيَكْتَسِبَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ لِسَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَتْ الْمُبَعَّضَةُ أَوْ الْمُبَعَّضُ زَوْجَهُ بِخَالِصِ مِلْكِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْأُولَى وَجُزْءٍ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ حِينَئِذٍ ، وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ .

وَإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا وَسَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ حِينَئِذٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ أَخْلَى فِي دَارِهِ بَيْتًا وَقَالَ لِلزَّوْجِ تَخْلُو بِهَا فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلِلسَّيِّدِ السَّفَرُ بِهَا وَلِلزَّوْجِ صُحْبَتُهَا .

( وَإِذَا زَوَّجَ ) السَّيِّدُ ( أَمَتَهُ ) غَيْرَ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ ( اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا ) أَيْ لَهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ ( وَسَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مِنْ أَمَتِهِ مَنْفَعَتَيْنِ : مَنْفَعَةَ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَمَنْفَعَةَ الِاسْتِخْدَامِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْأُولَى لِلزَّوْجِ فَتَبْقَى لَهُ الْأُخْرَى يَسْتَوْفِيهَا فِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِ خَلْوَتِهِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهَا وَلَا بِتَحْرِيمِ نَظَرِهِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ ، وَلَوْ كَانَتْ مُحْتَرِفَةً وَقَالَ الزَّوْجُ : تَحْتَرِفُ لِلسَّيِّدِ عِنْدِي لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو لَهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْحِرْفَةِ وَاسْتِخْدَامِهَا .
أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ أَمْرَهَا .
وَأَمَّا الْمُبَعَّضَةُ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مُهَايَأَةٌ فَهِيَ فِي نَوْبَتِهَا كَالْحُرَّةِ ، وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهَا كَالْقِنَّةِ ، وَإِلَّا فَكَالْقِنَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَكْسُ الْأَمَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ سَيِّدَهَا تَسْلِيمُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الْخِدْمَةِ عَادَةً لِيَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا الْأُخْرَى ، وَالْمُسْتَأْجَرَة لِلْإِرْضَاعِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا .
تَنْبِيهٌ : اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ أَحَدَهُمَا : أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ تَسْلِيمَهَا نَهَارًا بَدَلًا عَنْ اللَّيْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ؛ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حِرْفَةُ الزَّوْجِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ يُقَالُ : يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ نَهَارَهُ كَلَيْلِ غَيْرِهِ ، فَامْتِنَاعُهُ عِنَادٌ .
الْأَمْرُ الثَّانِي : أَنْ يُسَلِّمَهَا مِنْ الْغُرُوبِ ، وَنَقَلَ ابْنُ

الرِّفْعَةِ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ : أَنَّهُ بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ هُنَا يُسَلِّمُهَا إذَا فَرَغَتْ مِنْ الْخِدْمَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ ؛ وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ حَسَنٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ ( وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ حِينَئِذٍ ) أَيْ وَقْتَ تَسْلِيمِهَا لَيْلًا فَقَطْ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِعَدَمِ التَّمْكِينِ التَّامِّ ؛ وَالثَّانِي : تَجِبُ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ ، وَالثَّالِثُ : يَجِبُ شَطْرُهَا تَوْزِيعًا لَهَا عَلَى الزَّمَانِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ : أَحَدَهُمَا : أَنَّهُ لَوْ سَامَحَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَنَّهُ يَجِبُ جَمِيعُ النَّفَقَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ .
الْأَمْرُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ بِتَسْلِيمِهَا لَيْلًا فَقَطْ ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الَّذِي يُتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ قَدْ حَصَلَ ( وَلَوْ أَخْلَى ) سَيِّدُهَا ( فِي دَارِهِ بَيْتًا ) لَهَا ( وَقَالَ لِلزَّوْجِ : تَخْلُو بِهَا فِيهِ ) وَلَا أُخْرِجُهَا مِنْ دَارِي ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) إجَابَتُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ دُخُولِهَا ؛ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَالثَّانِي : يُجَابُ السَّيِّدُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ مِنْ إدَامَةِ يَدِ السَّيِّدِ وَتَمْكِينِ الزَّوْجِ ( وَلِلسَّيِّدِ السَّفَرُ بِهَا ) حَيْثُ لَا يَخْلُو بِهَا وَإِنْ مَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَيُقَدَّمُ حَقُّهُ : نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُكْتَرَاةً أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ مُكَاتَبَةً كِتَابَةً صَحِيحَةً لَمْ يَجُزْ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إلَّا بِرِضَا الْمُكْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْجَانِيَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهَا مَالٌ كَالْمَرْهُونَةِ ، كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ السَّيِّدُ الْفِدَاءَ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَافِرَ

بِهَا مُنْفَرِدًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْلُولَةِ الْقَوِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَيِّدِهَا ( وَلِلزَّوْجِ صُحْبَتُهَا ) لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا فِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَصُحْبَتِهَا وَلَا إلْزَامُهُ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا لَمْ يُلْزِمْهُ نَفَقَتَهَا جَزْمًا ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ اسْتَقَرَّ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ ؛ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهُ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا سَلَّمَهُ ظَانًّا وُجُوبَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ لَمْ يَسْتَرِدَّ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ .

وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَتَلَهَا أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ دُخُولٍ سَقَطَ مَهْرُهَا ، وَأَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا ، أَوْ قَتَلَ الْأَمَةَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَاتَتْ فَلَا ، كَمَا لَوْ هَلَكَتَا بَعْدَ دُخُولٍ .

( وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَتَلَهَا ) أَيْ أَمَتَهُ وَلَوْ خَطَأً أَوْ زَوَّجَهَا لِوَلَدِهِ ، ثُمَّ قَتَلَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ( أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا ) هُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ أَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ قَتَلَتْ زَوْجَهَا ( قَبْلَ دُخُولٍ سَقَطَ مَهْرُهَا ) الْوَاجِبُ لَهَا عَلَى النَّصِّ لِتَفْوِيتِهِ مَحِلَّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ ، وَتَفْوِيتُهَا كَتَفْوِيتِهِ ( وَ ) الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ ( أَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا ) أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ دُخُولٍ لَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا ( أَوْ قَتَلَ الْأَمَةَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَاتَتْ ) قَبْلَ دُخُولٍ ( فَلَا ) يَسْقُطُ مَهْرُهَا ، وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( كَمَا لَوْ هَلَكَتَا ) أَيْ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ ( بَعْدَ دُخُولٍ ) ، فَإِنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ جَزْمًا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا مَجْزُومًا بِهِ فِي الْغَالِبِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَتْلِ الْحُرَّةِ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِيهَا عَكْسَ الْمَنْصُوصِ السَّابِقِ فِي قَتْلِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْحُرَّةَ كَالْمُسَلَّمَةِ إلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ ، إذْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ ، وَأَيْضًا الْحُرَّةُ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا غَنِمَ زَوْجُهَا مِنْ مِيرَاثِهَا ، فَجَازَ أَنْ يَغْرَمَ مَهْرَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ ، وَأَيْضًا الْغَرَضُ مِنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْأُلْفَةُ وَالْمُوَاصَلَةُ دُونَ الْوَطْءِ وَقَدْ وُجِدَا بِالْعَقْدِ ، وَالْغَرَضُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْوَطْءُ ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ خَوْفُ الْعَنَتِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ : أَشْهَرُهُمَا فِي كُلٍّ قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ : أَرْجَحُهُمَا الْمَنْصُوصُ فِيهِمَا .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْمَنْصُوصِ فِيهِمَا ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ قَتْلَ الْأَمَةِ نَفْسَهَا لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُسْتَحِقَّةَ لَهُ ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ قَتْلَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ مَوْتَهَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ

كَفَوَاتِ مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ ، وَلَوْ قَتَلَ الْحُرَّةَ الزَّوْجُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَسْقُطُ قَطْعًا .

فَرْعٌ : لَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَسْتَقِرُّ مَهْرُهَا أَوْ يَسْقُطُ ؟ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ السُّقُوطُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي ، وَتَوْجِيهُهُ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ قَتْلِ الْأَمَةِ وَمِنْ فَسْخِ الْحُرَّةِ بِعَيْبِ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّ مَوْتَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ قَتْلُ الْأَمَةِ .

وَلَوْ بَاعَ مُزَوَّجَةً فَالْمَهْرُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ دُخُولٍ فَنِصْفُهُ لَهُ .
( وَلَوْ بَاعَ ) السَّيِّدُ أَمَةً لَهُ ( مُزَوَّجَةً ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ ( فَالْمَهْرُ ) الْمُسَمَّى أَوْ بَدَلُهُ إنْ كَانَ فَاسِدًا بَعْدَ الْوَطْءِ ( لِلْبَائِعِ ) لِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ الْوَاقِعِ فِي مِلْكِهِ .
أَمَّا إذَا وَجَبَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ لَهُ بِأَنْ كَانَ النِّكَاحُ تَفْوِيضًا أَوْ فَاسِدًا وَوَقَعَ الْوَطْءُ فِيهِمَا أَوْ الْقَرْضُ أَوْ الْمَوْتُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْفِرَاقِ لِلْمُشْتَرِي لِوُجُوبِهَا فِي مِلْكِهِ ( فَإِنْ طَلُقَتْ ) غَيْرُ الْمُفَوَّضَةِ بَعْدَ بَيْعِهَا ( قَبْلَ دُخُولٍ ) بِهَا ( فَنِصْفُهُ لَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ لِمَا مَرَّ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِمَّا قَبْلَهَا .

وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ .

( وَلَوْ زَوَّجَ ) سَيِّدٌ ( أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ) وَلَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا وَلَا مُبَعَّضًا ( لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ ) وَلَا نِصْفُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَهَلْ وَجَبَ الْمَهْرُ ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّف الثَّانِي ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ بِهَا وَفَوَّضَ بُضْعَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَمَا أَعْتَقَهُ ، فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ وَجَبَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْوَطْءِ وَهُوَ حُرٌّ ، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَهْرَهَا مِنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَهْرِ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِيهِ حَقٌّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَبْدَهُ وَهَلْ هَذَا الشِّرَاءُ أَسْقَطَ الْمَهْرَ أَوْ مَنَعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمَهْرِ فِيهِ وَجْهَانِ ، أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ بَاعَهُ هَلْ يُطَالِبُ أَوْ لَا ، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِقِسْطِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِعَبْدِهِ لُغَةُ تَمِيمٍ ، وَاللُّغَةُ الْفُصْحَى زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ بَاءٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ .
خَاتِمَةٌ : قَدْ يَخْلُو النِّكَاحُ عَنْ الْمَهْرِ أَيْضًا فِي صُوَرٍ : مِنْهَا السَّفِيهُ إذَا نَكَحَ فَاسِدًا وَوَطِئَ ، وَمِنْهَا إذَا وُطِئَتْ الْمُفَوَّضَةُ فِي الْكُفْرِ وَاعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ ثُمَّ أَسْلَمُوا ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ الْعَبْدُ

سَيِّدَتَهُ أَوْ أَمَةَ سَيِّدِهِ بِشُبْهَةٍ ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ وَطَاوَعَتْهُ ، وَقِيَاسُهُ يَأْتِي فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِمَا وَمِنْهَا إذَا وُطِئَتْ حَرْبِيَّةٌ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بُضْعَهَا كَمَا لَا يَضْمَنُ مَالَهَا ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ مُرْتَدَّةً بِشُبْهَةٍ وَمَاتَتْ عَلَى الرِّدَّةِ وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ غَيْرَ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْوَطْأَةِ الْأُولَى ، إذْ هِيَ الْمُقَابَلَةُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ مَيِّتَةً بِشُبْهَةٍ ، وَمِنْهَا إذَا اسْتَرَقَّ الْكَافِرُ حُرًّا مُسْلِمًا وَجَعَلَهُ صَدَاقًا لِامْرَأَتِهِ وَأَقْبَضَهَا إيَّاهُ ثُمَّ أَسْلَمَا عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَةً هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا بِمُسَمًّى فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَا مَهْرٍ إنْ لَمْ يَجْرِ دُخُولٌ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ يَثْبُتُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا يُرَقَّ بِهِ بَعْضُهَا لِعَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ ، فَإِثْبَاتُهُ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِهِ فَيَسْقُطُ ، أَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فَيُنْظَرُ فَإِنْ عَفَتْ عَنْ الْمَهْرِ سَقَطَ وَإِنْ لَمْ تَعْفُ عَنْهُ بَطَلَ الْعِتْقُ فِي الْبَعْضِ وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ النِّكَاحِ وَاسْتَحَقَّتْ مِنْ الْمَهْرِ بِقِسْطِ مَا عَتَقَ مِنْهَا وَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ ، فَيُقَالُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَمَهْرُهَا خَمْسِينَ عَتَقَ مِنْهَا شَيْءٌ وَبِالْمَهْرِ لَهَا نِصْفُ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ إلَّا شَيْئًا وَنِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلَانِ شَيْئَيْنِ ، وَهُمَا مَثَلًا مَا فَاتَ بِالْعِتْقِ فَبَعْدَ الْجَبْرِ ثَلَاثُمِائَةٍ تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ شَيْئًا ، وَسُدُسَ شَيْءٍ تَبْسُطُهَا أَسْدَاسًا وَتَقْلِبُ الِاسْمَ ، فَالشَّيْءُ سِتَّةٌ وَالْمِائَةُ سَبْعَةٌ ، فَالشَّيْءُ سِتَّةُ أَسْبَاعِ الْأَمَةِ ، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ

الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ .

كِتَابُ الصَّدَاقِ يُسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ ، وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ .

كِتَابُ الصَّدَاقِ هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا : مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا كَرَضَاعٍ وَرُجُوعِ شُهُودٍ ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهِ بِصِدْقِ رَغْبَةِ بَاذِلِهِ فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي إيجَابِ الْمَهْرِ ، وَيُجْمَعُ جَمْعَ قِلَّةٍ عَلَى أَصْدِقَةٍ ، وَجَمْعَ كَثْرَةٍ عَلَى صُدُقٍ ، وَلَهُ ثَمَانِيَةُ أَسْمَاءٍ مَجْمُوعَةٍ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ : صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ عَلَائِقُ " الطَّوِيلُ " وَزَادَ بَعْضُهُمْ الطَّوْلَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ : مَهْرٌ صَدَاقٌ نِحْلَةٌ فَرِيضَةٌ طَوْلٌ حِبَاءٌ عُقْرُ أَجْرٍ عَلَائِقُ " الْكَامِلُ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } [ النِّسَاءُ ] وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَاشِرًا وَهُوَ النِّكَاحُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا } [ النِّسَاءُ ] وَقِيلَ الصَّدَاقُ مَا وَجَبَ بِتَسْمِيَةٍ فِي الْعَقْدِ ، وَالْمَهْرُ مَا وَجَبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [ النِّسَاءُ ] أَيْ عَطِيَّةً مِنْ اللَّهِ مُبْتَدَأَةً ، وَالْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الْأَزْوَاجُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ : الْأَوْلِيَاءُ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْخُذُونَهُ وَيُسَمُّونَهُ نِحْلَةً ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَمْتِعُ بِالزَّوْجِ كَاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَكَأَنَّهَا تَأْخُذُ الصَّدَاقَ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ ، وقَوْله تَعَالَى : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ النِّسَاءُ ] { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( يُسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَلِّ نِكَاحًا عَنْهُ ، وَلِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْخُصُومَةِ ، وَلِئَلَّا يُشْبِهَ نِكَاحَ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَنَّ السَّيِّدَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ الْمَهْرِ وَهُوَ مَا

فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَسُنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَهْرُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ كَأَصْدِقَةِ بَنَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجَاتِهِ ، وَأَمَّا إصْدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ أَرْبَعَمِائَةٍ دِينَارٍ فَكَانَ مِنْ النَّجَاشِيِّ إكْرَامًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ ( وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ ) بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهَا أَيْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ الْمَهْرِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مُسْتَثْنَاةٍ قَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا تَخْلُو مِنْهُ التَّسْمِيَةُ ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ : وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَقَدْ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ لِعَارِضٍ فِي صُوَرٍ : الْأُولَى : إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ أَوْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا كَانَتْ جَائِزَةَ التَّصَرُّفِ وَأَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَمْ تُفَوِّضْ فَزَوَّجَهَا هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ .
الثَّالِثَةُ : إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الزَّوْجَةِ وَفِيمَا عَدَاهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ تَسْمِيَتُهُ بِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ .

وَمَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا .

( وَ ) لَا تَتَقَدَّرُ صِحَّةُ الصَّدَاقِ بِشَيْءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } [ النِّسَاءُ ] فَلَمْ يُقَدِّرْهُ ، { وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ } بَلْ ضَابِطُهُ كُلُّ ( مَا صَحَّ ) كَوْنُهُ ( مَبِيعًا ) عِوَضًا أَوْ مُعَوَّضًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا مَا لَمْ يَنْتَهِ فِي الْقِلَّةِ إلَى حَدٍّ لَا يُتَمَوَّلُ ( صَحَّ ) كَوْنُهُ ( صَدَاقًا ) وَمَالًا فَلَا ، فَإِنْ عُقِدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَرَجَعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمَثَّلَ لَهُ الصَّيْمَرِيُّ بِالنَّوَاةِ وَالْحَصَاةِ وَقِشْرَةِ الْبَصَلَةِ وَقُمْعِ الْبَاذِنْجَانَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : يُسْتَثْنَى مِنْ الضَّابِطِ مَا لَوْ جَعَلَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ ، وَمَا لَوْ جَعَلَ أُمَّ الْوَلَدِ صَدَاقًا عَنْ الْوَلَدِ ، وَمَا لَوْ جَعَلَ أَحَدَ أَبَوَيْ الصَّغِيرَةِ صَدَاقًا لَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا صَدَاقًا بَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ قَارَنَهُ مَا يُضَادُّهُ ، وَفِي الْبَاقِي يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
أُجِيبَ بِصِحَّةِ جَعْلِهَا صَدَاقًا فِي الْجُمْلَةِ ، وَالْغَرَضُ بَيَانُ مَا يَصِحُّ إصْدَاقُهُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِيهَا لِعَارِضٍ ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا مَا لَوْ أَصْدَقَهَا دَيْنًا لَهُ عَلَى غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى النَّصِّ مَعَ صِحَّةِ بَيْعِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ بَيْعَهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بَاطِلٌ ، أَمَّا مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ مِنْ صِحَّتِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ كَوْنُهُ صَدَاقًا ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا مَا لَوْ جَعَلَ ثَوْبًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ صَدَاقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِهِ ، وَهَذَا مَرْدُودٌ ، فَإِنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ السَّتْرُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا جَعْلُهُ صَدَاقًا وَإِلَّا صَحَّ كُلٌّ

مِنْهُمَا ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا الْجَوَاهِرُ وَالْقِسِيُّ ، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ قَالَ : لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا كَمَا لَا يَجُوزُ جَعْلُهَا صَدَاقًا ، وَهَذَا مَرْدُودٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا إصْدَاقُهَا ، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِصْدَاقُهَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَالضَّابِطُ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ عَكْسِ الضَّابِطِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى عَبْدِهَا مِنْ قِصَاصٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ .

وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ ، وَفِي قَوْلٍ ضَمَانَ يَدٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ .

( وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا ) يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا كَعَبْدٍ مَوْصُوفٍ ( فَتَلِفَتْ ) تِلْكَ الْعَيْنُ ( فِي يَدِهِ ) قَبْلَ الْقَبْضِ ( ضَمِنَهَا ) وَإِنْ عَرَضَهَا عَلَيْهَا وَامْتَنَعَتْ مِنْ قَبْضِهَا ( ضَمَانَ عَقْدٍ ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَتْ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ( وَفِي قَوْلٍ ضَمَانَ يَدٍ ) كَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَامِ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالتَّلَفِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَقْوِيمُ عَيْنِ الصَّدَاقِ فَهُوَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ قَطْعًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْفَاسِدَ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ ، قَالَا فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا فَرَضَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْخِلَافَ فِي الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانَيْ الْعَقْدِ وَالْيَدِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَضْمَنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَعَلَى الثَّانِي بِالْبَدَلِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا .
ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلَ .
فَقَالَ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا غَيْرُ الْبَيْعِ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُمْتَنِعَةِ ثَمَّ ( قَبْلَ قَبْضِهِ ) كَالْمَبِيعِ ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ ، وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِقَالَةُ فَيَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْته ، وَمَعَ هَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ دَيْنًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ( وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِانْفِسَاخِ عَقْدِ الصَّدَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ رَقِيقًا لَزِمَهُ

تَجْهِيزُهُ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخُ فَيَتْلَفُ عَلَى مِلْكِهَا فَيَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهُ ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَيُعْتَبَرُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْإِصْدَاقِ إلَّا التَّلَفَ لِاسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ طَالَبَتْهُ بِالتَّسْلِيمِ فَامْتَنَعَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى ضَمَانِ الْيَدِ كَمَا صَحَّحَاهُ ، وَقِيلَ : يَنْتَقِلُ وَنَسَبَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَى نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ .

وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ فَقَابِضَةٌ ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ تَخَيَّرَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَإِنْ فَسَخَتْ الصَّدَاقَ أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلٍ وَإِلَّا غَرَّمَتْ الْمُتْلِفَ ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ الزَّوْجُ ، فَكَتَلَفِهِ وَقِيلَ كَأَجْنَبِيٍّ ، وَلَوْ أَصْدَقَ عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ فِيهِ لَا فِي الْبَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَهَا الْخِيَارُ ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ ، وَإِلَّا فَحِصَّةُ التَّالِفِ مِنْهُ .

( وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( فَقَابِضَةٌ ) لِحَقِّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ إذَا كَانَتْ أَهْلًا ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ حَقَّهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَلَا ؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الْمُشْتَرِي لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ ( وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ ) يَضْمَنُ الْإِتْلَافَ ( تَخَيَّرَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) بَيْنَ فَسْخِ الصَّدَاقِ وَإِبْقَائِهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْبَيْعِ ( فَإِنْ فَسَخَتْ الصَّدَاقَ أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلٍ ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَبَدَلَ الصَّدَاقِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ عَلَى الثَّانِي وَيَأْخُذُ الزَّوْجُ الْغُرْمَ مِنْ الْمُتْلِفِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَفْسَخْهُ ( غَرَّمَتْ الْمُتْلِفَ ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ ، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَهَا تَغْرِيمُهُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَتَخَيَّرُ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَنُوزِعَ الْمُصَنِّفُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ طَرِيقَيْنِ ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ قَوْلَانِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْأَجْنَبِيُّ بِالْإِتْلَافِ كَحَرْبِيٍّ أَوْ مُسْتَحِقِّ قِصَاصٍ عَلَى الرَّقِيقِ الَّذِي جُعِلَ صَدَاقًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَإِتْلَافِ الْإِمَامِ لَهُ لِحِرَابَةٍ فَكَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ ( وَإِنْ أَتْلَفَهُ الزَّوْجُ فَكَتَلَفِهِ ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ( وَقِيلَ كَأَجْنَبِيٍّ ) أَيْ كَإِتْلَافِهِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُمَا ( وَلَوْ أَصْدَقَ ) هَا ( عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِإِتْلَافِ الزَّوْجِ ( قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ ) عَقْدُ الصَّدَاقِ ( فِيهِ ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ( لَا فِي الْبَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ ) مِنْ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْمُتَقَدِّمِ قُبَيْلَ بَابِ الْخِيَارِ ( وَلَهَا الْخِيَارُ ) فِيهِ لِعَدَمِ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ فَسَخَتْ ) عَقْدَ الصَّدَاقِ

( فَمَهْرُ مِثْلٍ ) لَهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَجَازَتْ ( فَحِصَّةُ التَّالِفِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ الْبَاقِي ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخُ عَقْدَا الصَّدَاقِ وَالْخِيَارِ ، فَإِنْ فَسَخَتْ رَجَعَتْ لِقِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ ، وَإِنْ أَجَازَتْ فِي الْبَاقِي رَجَعَتْ لِقِيمَةِ التَّالِفِ ، أَمَّا إذَا أَتْلَفَتْهُ الزَّوْجَةُ فَقَابِضَةٌ لِقِسْطِهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَتَتَخَيَّرُ ، فَإِنْ فَسَخَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ أَجَازَتْ طَالَبَتْ الْأَجْنَبِيَّ بِالْبَدَلِ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ .

وَلَوْ تَغَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهِ تَخَيَّرَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَالْمَنَافِعُ الْفَائِتَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُهَا ، وَإِنْ طَلَبَتْ التَّسْلِيمَ فَامْتَنَعَ ضَمِنَ ضَمَانَ الْعَقْدِ ، وَكَذَا الَّتِي اسْتَوْفَاهَا بِرُكُوبٍ وَنَحْوِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ .

( وَلَوْ تَغَيَّبَ ) الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ فِي يَدِ الزَّوْجِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَعَمَى الْعَبْدِ أَوْ بِجِنَايَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ كَقَطْعِ يَدِهِ ( قَبْلَ قَبْضِهِ تَخَيَّرَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) بَيْنَ فَسْخِ الصَّدَاقِ وَإِبْقَائِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَمَانِ الْعَقْدِ ، وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَقُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ( فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ وَإِلَّا ) بِأَنْ أَجَازَتْ ( فَلَا شَيْءَ لَهَا ) غَيْرَ الْمَعِيبِ كَالْمُشْتَرِي يَرْضَى بِالْعَيْبِ مُخْتَصٍّ بِضَمَانِ الْعَقْدِ ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَهَا - إنْ فَسَخَتْ - بَذْلُ الصَّدَاقِ ، وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا أَرْشُ الْعَيْبِ ، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَهَا الْأَرْشُ أَيْضًا فِيمَا إذَا عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ ، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَهَا مُطَالَبَتُهُ ( وَالْمَنَافِعُ الْفَائِتَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ طَلَبَتْ ) مِنْهُ الزَّوْجَةُ ( التَّسْلِيمَ ) لِلصَّدَاقِ ( فَامْتَنَعَ ) مِنْهُ ( ضَمِنَ ) عَلَى قَوْلٍ ( ضَمَانَ الْعَقْدِ ) كَمَا لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ ، فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَالصَّوَابُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّسْلِيمِ التَّضْمِينُ - مَمْنُوعٌ ، وَأَمَّا عَلَى ضَمَانِ الْيَدِ فَيَضْمَنُهَا مِنْ وَقْتِ الِامْتِنَاعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، فَحَيْثُ لَا امْتِنَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ( وَكَذَا ) الْمَنَافِعُ ( الَّتِي اسْتَوْفَاهَا ) الزَّوْجُ ( بِرُكُوبِ ) الدَّابَّةِ أَصْدَقَهَا ( وَنَحْوِهِ ) كَلُبْسِ ثَوْبٍ أَوْ اسْتِخْدَامِ رَقِيقٍ أَصْدَقَهُ لَا يَضْمَنُهَا ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِنَاءً عَلَى ضَمَانِ الْيَدِ ، وَإِنْ زَادَ الصَّدَاقُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَهِيَ

مِلْكٌ لِلزَّوْجَةِ .

وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَقْبِضَ الْمَهْرَ الْمُعَيَّنَ وَالْحَالَّ لَا الْمُؤَجَّلَ ، فَلَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا حَبْسَ فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ( لِتَقْبِضَ الْمَهْرَ الْمُعَيَّنَ وَالْحَالَّ ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ الْفَرْضِ الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي دَفْعًا لِضَرَرِ فَوَاتِ الْبُضْعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ دُيُونِهِ صَدَاقُ زَوْجَتِهِ } { وَقَالَ : مَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ فِي صَدَاقِهَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ } .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْمُفَوَّضَةَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي وَفَرَضَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي الْمَالِكَةِ لِأَمْرِهَا .
وَأَمَّا غَيْرُهَا لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ فَحَبْسُهَا لِوَلِيِّهَا ، فَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي التَّرْكِ فَعَلَهُ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَحَبْسُهَا لِسَيِّدِهَا أَوْ وَلِيِّهِ ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً صَحِيحَةً ، وَأَمَّا هِيَ فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ فِي مَنْعِ سَيِّدِهَا خِلَافٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَبَرُّعَاتِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ قَطْعًا ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ .
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ لَا حَبْسَ فِيهَا : الْأُولَى : إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ وَأَوْصَى لَهَا بِصَدَاقِهَا فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا بِالْوَصِيَّةِ لَا بِالنِّكَاحِ .
الثَّانِيَةُ : أُمُّ الْوَلَدِ إذَا زَوَّجَهَا السَّيِّدُ ثُمَّ مَاتَ وَعَتَقَتْ وَصَارَ الصَّدَاقُ لِلْوَارِثِ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا ، إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَلَا لَهَا ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ لَهَا .
الثَّالِثَةُ : الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ إذَا بَاعَهَا السَّيِّدُ أَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لِصَدَاقِهَا فَالْمَهْرُ لَهُ وَلَا حَبْسَ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ ( لَا الْمُؤَجَّلَ ) فَلَا تَحْبِسُ نَفْسَهَا بِسَبَبِهِ لِرِضَاهَا بِالتَّأْجِيلِ ( فَلَوْ حَلَّ ) الْأَجَلُ ( قَبْلَ التَّسْلِيمِ ) لِنَفْسِهَا لِلزَّوْجِ ( فَلَا حَبْسَ فِي الْأَصَحِّ ) لِوُجُوبِ تَسْلِيمِهَا

نَفْسَهَا قَبْلَ الْحُلُولِ ، فَلَا يَرْتَفِعُ لِحُلُولِ الْحَقِّ ، وَهَذَا مَا حَكَاهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَالثَّانِي : لَهَا الْحَبْسُ كَمَا لَوْ كَانَ حَالًّا ابْتِدَاءً ، وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَقَالَ : إنَّ الْأَوَّلَ غَلَطٌ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَا ، وَفِي الْبَيْعِ اعْتِمَادًا عَلَى نَصٍّ نَقَلَهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ رَاجَعْت كَلَامَ الْمُزَنِيِّ فَوَجَدْته مِنْ تَفَقُّهِهِ ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ .

وَلَوْ قَالَ كُلٌّ لَا أُسَلِّمُ حَتَّى تُسَلِّمَ فَفِي قَوْلٍ يُجْبَرُ هُوَ وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ ، وَالْأَظْهَرُ يُجْبَرَانِ فَيُؤْمَرُ بِوَضْعِهِ عِنْدَ عَدْلٍ ، وَتُؤْمَرُ بِالتَّمْكِينِ فَإِذَا سَلَّمَتْ أَعْطَاهَا الْعَدْلُ الْمَهْرَ .

( وَلَوْ ) تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ كَأَنْ ( قَالَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ( لَا أُسَلِّمُ حَتَّى تُسَلِّمَ ) أَيْ قَالَ الزَّوْجُ لَا أُسَلِّمُ الْمَهْرَ حَتَّى تُسَلِّمِي نَفْسَك ، وَقَالَتْ هِيَ : لَا أُسَلِّمُهَا حَتَّى تُسَلِّمَ إلَيَّ الْمَهْرَ فَفِي قَوْلٍ يُجْبَرُ هُوَ عَلَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَهُ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْبُضْعِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَا كَمَرِيضَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِهَذَا الْقَوْلِ ، بَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ حَتَّى لَوْ بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَبِهَا مَانِعٌ مِنْ إحْرَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُجْبَرْ صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ ( وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَحِينَئِذٍ ( فَمَنْ ) بَادَرَ وَ ( سَلَّمَ ) مِنْهُمَا ( أُجْبِرَ صَاحِبُهُ ) عَلَى التَّسْلِيمِ ( وَالْأَظْهَرُ يُجْبَرَانِ فَيُؤْمَرُ ) الزَّوْجُ ( بِوَضْعِهِ ) أَيْ الْمَهْرِ ( عِنْدَ عَدْلٍ وَتُؤْمَرُ ) الزَّوْجَةُ ( بِالتَّمْكِينِ ، فَإِذَا سَلَّمَتْ ) نَفْسًا ( أَعْطَاهَا الْعَدْلُ الْمَهْرَ ) لِمَا فِيهِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : فَلَوْ هَمَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَتْ الْمَهْرَ فَامْتَنَعَتْ فَالْوَجْهُ اسْتِرْدَادُهُ .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَجِيءُ قَوْلٌ بِإِجْبَارِ الزَّوْجَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ لِفَوَاتِ الْبُضْعِ عَلَيْهَا بِالتَّسْلِيمِ .
وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الْمُرَجَّحَ بِالْوَضْعِ عِنْدَ عَدْلٍ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَائِبًا عَنْ الزَّوْجَةِ فَالْمُجْبَرُ الزَّوْجُ ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَائِبَهَا فَقَدْ أُجْبِرَتْ أَوَّلًا ، وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا مَرَّ .
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهَا كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ إلَيْهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ

مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَبْلَ التَّمْكِينِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ قَبْضِهِ .
وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُمَا ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ ، وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُ ، وَلَا مَحْظُورَ فِي إجْبَارِهِ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ إجْبَارِهَا ، وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا أَوْلَى .
فَرْعٌ : يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا بِقَوْلِهَا : إذَا سَلَّمَ الْمَهْرَ مَكَّنْت .
لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُمَكِّنَةٌ .

وَلَوْ بَادَرَتْ فَمَكَّنَتْ طَالَبَتْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ امْتَنَعَتْ حَتَّى يُسَلِّمَ ، وَإِنْ وَطِئَ فَلَا .
( وَلَوْ بَادَرَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( فَمَكَّنَتْ ) أَيْ الزَّوْجَ ( طَالَبَتْهُ ) بِالْمَهْرِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ لِأَنَّهَا بَذَلَتْ مَا فِي وُسْعِهَا ، وَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ ( فَإِنْ لَمْ يَطَأْ امْتَنَعَتْ ) أَيْ جَازَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَمْكِينِهِ ( حَتَّى يُسَلِّمَ ) الْمَهْرَ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي النِّكَاحِ بِالْوَطْءِ دُونَ التَّسْلِيمِ ( وَإِنْ وَطِئَهَا ) بِتَمْكِينِهَا مِنْهُ مُخْتَارَةً مُكَلَّفَةً وَلَوْ فِي الدُّبُرِ ( فَلَا ) كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ لِيَحْبِسَهُ .
أَمَّا إذَا وُطِئَتْ مُكْرَهَةً أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِتَسْلِيمِهَا .
نَعَمْ لَوْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ الْمَجْنُونَةَ أَوْ الصَّغِيرَةَ لِمَصْلَحَةٍ فَيَنْبَغِي كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهَا وَإِنْ كَمُلَتْ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الشُّفْعَةَ لِمَصْلَحَةٍ لَيْسَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَهَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ ، بَلْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِسَفَهٍ لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا وَرَأَى الْوَلِيُّ خِلَافَهُ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ وُطِئَتْ .

وَلَوْ بَادَرَ فَسَلَّمَ فَلْتُمَكِّنْ ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ بِلَا عُذْرٍ اسْتَرَدَّ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يُجْبَرُ .
( وَلَوْ بَادَرَ ) الزَّوْجُ ( فَسَلَّمَ ) الْمَهْرَ ( فَلْتُمَكِّنْ ) زَوْجَهَا وُجُوبًا إذَا طَلَبَهُ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ ( فَإِنْ امْتَنَعَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَمْكِينِ زَوْجِهَا ( بِلَا عُذْرٍ ) مِنْهَا ( اسْتَرَدَّ ) الْمَهْرَ مِنْهَا ( إنْ قُلْنَا ) بِالْمَرْجُوحِ ( أَنَّهُ يُجْبَرُ ) عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّعْ .
أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالرَّاجِحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَرِدَّ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْمُبَادَرَةِ ، فَكَانَ كَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ .

تَنْبِيهٌ : أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مَنْزِلُ الزَّوْجِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ ، فَإِنْ انْتَقَلَ عَنْ بَلَدِ الْعَقْدِ فَزَائِدُ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ ، فَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِغَزَّةَ امْرَأَةً بِالشَّامِ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِغَزَّةَ اعْتِبَارًا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ ، فَإِنْ طَلَبَهَا إلَى مِصْرَ فَنَفَقَتُهَا مِنْ الشَّامِ إلَى غَزَّةَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ مِنْ غَزَّةَ إلَى مِصْرَ عَلَيْهِ ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الطَّرِيقِ مِنْ الشَّامِ إلَى غَزَّةَ أَمْ لَا ؟ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ : نَعَمْ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدَهُمَا : نَعَمْ ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِأَمْرِهِ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَزَّةَ .
قَالَ : وَهَذَا أَقْيَسُ .
وَأَمَّا مِنْ غَزَّةَ إلَى مِصْرَ فَعَلَيْهِ .

وَلَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ تَسْلِيمَهَا فَادَّعَى الْوَلِيُّ مَوْتَهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ حَتَّى لَا يُسَلِّمَهُ الْمَهْرَ ، وَيُكَلَّفُ الْوَلِيُّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِمَوْتِهَا ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ .

وَلَوْ اُسْتُمْهِلَتْ لِتَنَظُّفٍ وَنَحْوِهِ أُمْهِلَتْ مَا يَرَاهُ قَاضٍ ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا لِيَنْقَطِعَ حَيْضٌ .
( وَلَوْ اُسْتُمْهِلَتْ ) هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا ( لِتَنَظُّفٍ وَنَحْوِهِ ) كَإِزَالَةِ وَسَخٍ وَشَعْرِ عَانَةٍ وَشَعْرِ إبْطٍ ( أُمْهِلَتْ ) وُجُوبًا عَلَى الْأَظْهَرِ وَلَوْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ ، وَقِيلَ قَطْعًا ( مَا يَرَاهُ قَاضٍ ) كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ طَاهِرًا أَمْ حَائِضًا أَمْ نُفَسَاءَ ( وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) بِلَيَالِيِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِيهَا ، وَلِأَنَّهَا أَقَلُّ الْكَثِيرِ وَأَكْثَرُ الْقَلِيلِ ( لَا لِيَنْقَطِعَ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ فَلَا تُمْهَلُ لِذَلِكَ ) ، بَلْ تُسَلَّمُ لِلزَّوْجِ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ لِأَنَّهَا مَحِلٌّ لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ نَوْعٌ مِنْهُ كَالْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : إلَّا إذَا عَلِمَتْ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَغْشَاهَا فِي الْحَيْضِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ مُضَاجَعَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ لَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْإِمْهَالِ لِلتَّنْظِيفِ وَنَحْوِهِ أُمْهِلَتْ كَمَا قَالَ فِي التَّتِمَّةِ .

وَلَا تُسَلَّمُ صَغِيرَةٌ وَلَا مَرِيضَةٌ حَتَّى يَزُولَ مَانِعُ وَطْءٍ .

( وَلَا تُسَلَّمُ صَغِيرَةٌ ) لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ ( وَلَا مَرِيضَةٌ ) وَلَا مَنْ بِهَا هُزَالٌ تَتَضَرَّرُ بِالْوَطْءِ مَعَهُ ( حَتَّى يَزُولَ مَانِعُ وَطْءٍ ) لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ فَرْطُ الشَّهْوَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَتَتَضَرَّرُ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ : سَلِّمُوهَا لِي وَلَا أَطَؤُهَا حَتَّى تَحْتَمِلَهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَإِنْ كَانَ ثِقَةً إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ هَيَجَانِ الشَّهْوَةِ .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ : يُجَابُ الثِّقَةُ فِي الْمَرِيضَةِ دُونَ الصَّغِيرَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّسْلِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الصَّغِيرَةِ وَمِثْلُهَا الْمَرِيضَةُ ، وَيَحْرُمُ وَطْءُ مَنْ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ هُزَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِتَضَرُّرِهَا بِهِ ، وَتُمْهَلُ حَتَّى تُطِيقَ ، فَلَوْ سُلِّمَتْ لَهُ صَغِيرَةً لَا تُوطَأُ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسَلُّمُهَا ؛ لِأَنَّهُ نَكَحَ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا لِلْحَضَانَةِ ، وَإِذَا تَسَلَّمَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ كَالنَّفَقَةِ ، وَإِنْ سَلَّمَهُ عَالِمًا بِحَالِهَا أَوْ جَاهِلًا فَفِي اسْتِرْدَادِهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَوْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ الْمَرِيضَةُ أَوْ النَّحِيفَةُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِامْتِنَاعُ ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهِ إذَا مَرِضَتْ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ، فَإِنْ خَافَتْ النَّحِيفَةُ الْإِفْضَاءَ لَوْ وُطِئَتْ لِعَبَالَةِ الزَّوْجِ لَمْ يَلْزَمْهَا التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ فَيَتَمَتَّعُ بِغَيْرِهِ أَوْ يُطَلِّقُ وَلَا فَسْخَ لَهُ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ الرَّتَقِ أَوْ الْقَرَنِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مُطْلَقًا ، وَالنَّحَافَةُ لَا تَمْنَعُ وَطْءَ نَحِيفٍ مِثْلِهَا ، وَلَيْسَتْ بِعَيْبٍ أَيْضًا .
نَعَمْ إنْ أَفْضَاهَا كُلُّ أَحَدٍ فَلَهُ الْفَسْخُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالرَّتَقِ ، وَمَنْ أَفْضَى امْرَأَةً بِوَطْءٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ حَتَّى

تَبْرَأَ ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْبُرْءَ وَأَنْكَرَتْ أَوْ قَالَ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ عُرِضَتْ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ فِيهِمَا ، أَوْ رَجُلَيْنِ مَحْرَمَيْنِ لِلصَّغِيرَةِ ، أَوْ مَمْسُوحَيْنِ ، وَلَوْ ادَّعَتْ النَّحِيفَةُ بَقَاءَ أَلَمٍ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهَا .

وَيَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ بِوَطْءٍ ، وَإِنْ حَرُمَ كَحَائِضٍ .
( وَيَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ ) عَلَى الزَّوْجِ ( بِوَطْءٍ ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا سَوَاءٌ أَوَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ فَرْضٍ كَمَا فِي الْمُفَوَّضَةِ ( وَإِنْ حُرِّمَ ) الْوَطْءُ ( كَحَائِضٍ ) لِاسْتِيفَاءِ مُقَابِلِهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ بِيَمِينِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا بُدَّ فِي الِاسْتِقْرَارِ مَعَ الْوَطْءِ مِنْ قَبْضِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الصَّدَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ كَالْمَبِيعِ ، فَكَمَا قَالُوا : إنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ قُبِضَ فَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ هُنَا الْأَمْنُ مِنْ سُقُوطِ كُلِّ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ بِالتَّشْطِيرِ ، وَفِي الْبَيْعِ الْأَمْنُ مِنْ الِانْفِسَاخِ ، وَالْمَبِيعُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ، وَالصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ ، بَلْ يَجِبُ بَدَلُ الْبُضْعِ ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى ضَمَانِ الْعَقْدِ وَبَدَلُ الْعَيْنِ عَلَى ضَمَانِ الْيَدِ فَافْتَرَقَ الْبَابَانِ وَشَمِلَ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى وَمَهْرَ الْمِثْلِ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِتَقْرِيرِ الْمُسَمَّى بِالْوَطْءِ أَنْ لَا يَحْصُلَ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْوَطْءِ ، فَلَوْ فُسِخَ بِعَيْبٍ سَابِقٍ عَلَى الْوَطْءِ سَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .

فَرْعٌ : قَدْ يَسْقُطُ الْمَهْرُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ : كَمَا لَوْ اشْتَرَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَالصَّدَاقُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ ابْتِدَاءً ، لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْهُ .

وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لَا بِخَلْوَةٍ فِي الْجَدِيدِ .
( وَ ) يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ أَيْضًا ( بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) قَبْلَ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ وَإِنَّمَا هُوَ نِهَايَةٌ لَهُ ، وَنِهَايَةُ الْعَقْدِ كَاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ الْإِجَارَةِ .
تَنْبِيهٌ : دَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا ، أَوْ قَتَلَهَا سَيِّدُهَا ، أَوْ قَتَلَتْ الْأَمَةُ أَوْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَسْتَقِرَّ الْمَهْرُ ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ ، وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ وَالْمَوْتِ غَيْرُهُمَا فَلَا يَسْتَقِرُّ بِمُبَاشَرَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ، وَلَا بِاسْتِدْخَالِ مَنِيٍّ ، وَلَا بِإِزَالَةِ بَكَارَةٍ بِغَيْرِ آلَةِ الْجِمَاعِ ، وَ ( لَا بِخَلْوَةٍ فِي الْجَدِيدِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } [ الْبَقَرَةُ ] الْآيَةَ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْجِمَاعُ ، وَكَمَا لَا يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِالْوَطْءِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ حَدٍّ وَغُسْلٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَالْقَدِيمُ يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَرَتَقٍ ، وَلَا شَرْعِيٍّ كَحَيْضٍ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَظِنَّةُ الْوَطْءِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ قَالَ : قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ زُرَارَةَ لَمْ يُدْرِكْ الْخُلَفَاءَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
أَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ فَلَا يَسْتَقِرُّ بِهَا قَطْعًا .

فَرْعٌ : لَوْ أَعْتَقَ مَرِيضٌ أَمَتَهُ الَّتِي لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ ، قَالَهُ فِي الْبَيَانِ ، وَبَيَّنْت وَجْهَهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .

فَصْلٌ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَغْصُوبٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ أَوْ بِمَمْلُوكٍ وَمَغْصُوبٍ بَطَلَ فِيهِ ، وَصَحَّ فِي الْمَمْلُوكِ فِي الْأَظْهَرِ وَتَتَخَيَّرُ ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُمَا ، وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا مَعَ الْمَمْلُوكِ حِصَّةُ الْمَغْصُوبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا ، وَفِي قَوْلٍ تَقْنَعُ بِهِ .

فَصْلٌ فِي الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ ، لَوْ ( نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَغْصُوبٍ ) سَوَاءٌ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يَصِفْهُ كَأَصْدَقْتُك هَذَا أَوْ لَمْ يُشِرْ وَوَصَفَهُ بِمَا ذُكِرَ أَوْ بِغَيْرِهِ كَعَصِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ مَمْلُوكٍ لَهُ ( وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ) فِي الْأَظْهَرِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مَالًا فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَمِلْكًا لِلزَّوْجِ فِي الثَّالِثِ ( وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ ) أَيْ قِيمَةُ مَا ذُكِرَ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْخَمْرُ عَصِيرًا ، لَكِنْ يَجِبُ مِثْلُهُ ، وَالْحُرُّ رَقِيقًا ، وَالْمَغْصُوبُ مَمْلُوكًا ، لَكِنَّ الْمَغْصُوبَ الْمِثْلِيَّ يَجِبُ مِثْلُهُ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَدَلِ كَانَ أَوْلَى ، لَكِنَّهُ تَبِعَ الْمُحَرَّرَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَنْكَرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ التَّعْبِيرَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّرِ .
أَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ الْوَصْفِ كَأَصْدَقْتُك هَذَا الْحُرَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا فِي أَنْكِحَتِنَا .
أَمَّا أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ فَكُلُّ مَا اعْتَقَدُوا صِحَّةَ إصْدَاقِهِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ وَتَصْوِيرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِالْخَمْرِ وَالْحُرِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا يُقْصَدُ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُقْصَدْ كَالدَّمِ وَالْحَشَرَاتِ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِيهِ ، بَلْ تَكُونُ كَالْمُفَوَّضَةِ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا عَلَى ذَلِكَ يَقَعُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِحَالٍ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ ، لَكِنْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ ، وَفُرِّقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الْوَطْءُ ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْمَهْرِ ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْفُرْقَةُ ، وَهِيَ تَحْصُلُ غَالِبًا بِدُونِ عِوَضٍ ( أَوْ ) نَكَحَهَا ( بِمَمْلُوكٍ وَمَغْصُوبٍ ) مَثَلًا ( بَطَلَ فِيهِ ، وَصَحَّ فِي الْمَمْلُوكِ فِي الْأَظْهَرِ ) هُمَا قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَسَبَقَ فِي الْبَيْعِ الْكَلَامُ

عَلَيْهِمَا ( وَتَتَخَيَّرُ ) الزَّوْجَةُ إذَا كَانَتْ جَاهِلَةً بَيْنَ فَسْخِ الصَّدَاقِ وَإِجَازَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى بِتَمَامِهِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا ( فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ ) يَجِبُ لَهَا ( وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُمَا ) هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَارَّانِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " بَدَلُهُمَا " لِمَا مَرَّ ( وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا مَعَ الْمَمْلُوكِ حِصَّةُ الْمَغْصُوبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ ) لَهَا ( بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا ) عَمَلًا بِالتَّوْزِيعِ ، فَلَوْ كَانَتْ مَثَلًا مِائَةً بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَخَذَتْ نِصْفَ مَهْرِ مِثْلٍ عَنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ ( وَفِي قَوْلٍ تَقْنَعُ بِهِ ) أَيْ الْمَمْلُوكِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مَعَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجِيزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا .

وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك ثَوْبَهَا بِهَذَا الْعَبْدِ صَحَّ النِّكَاحُ وَكَذَا الْمَهْرُ وَالْبَيْعُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَيُوَزَّعُ الْعَبْدُ عَلَى الثَّوْبِ وَمَهْرِ مِثْلٍ .
( وَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ ( زَوَّجْتُك بِنْتِي ) فُلَانَةَ ( وَبِعْتُك ثَوْبَهَا ) هَذَا مَثَلًا وَهُوَ وَلِيُّ مَالِهَا ، أَوْ أَذِنْت لَهُ ( بِهَذَا الْعَبْدِ صَحَّ النِّكَاحُ ) جَزْمًا ، وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ( وَكَذَا الْمَهْرُ وَالْبَيْعُ فِي الْأَظْهَرِ ) هُمَا الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعَبْدِ ثَمَنٌ وَبَعْضَهُ صَدَاقٌ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي آخِرِ بَابِ الْمَنَاهِي فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَهِيَ إفَادَةُ تَصْوِيرِ جَمْعِ الصَّفْقَةِ بَيْعًا وَنِكَاحًا ( وَيُوَزَّعُ الْعَبْدُ ) الْمَذْكُورُ أَيْ قِيمَتُهُ ( عَلَى ) قِيمَةِ ( الثَّوْبِ وَمَهْرِ مِثْلٍ ) فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مِائَةً مَثَلًا وَقِيمَةُ الثَّوْبِ كَذَلِكَ فَنِصْفُ الْعَبْدِ صَدَاقٌ وَنِصْفُهُ ثَمَنُ الثَّوْبِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ ، وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّوْزِيعِ كَوْنُ حِصَّةِ النِّكَاحِ مَهْرَ مِثْلٍ ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ جَزْمًا ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ بُطْلَانُهُمَا وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ بِقَوْلِهِ : ثَوْبُهَا إلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ مِلْكِ الصَّدَاقِ وَمَا مَعَهُ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ .
فَإِنْ قَالَ : زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك ثَوْبِي هَذَا بِهَذَا الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَلَا الصَّدَاقُ كَبَيْعِ عَبِيدٍ جَمْعٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .

فَرْعٌ : قَالَ فِي الْأُمِّ : لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُك بِنْتِي وَمَلَّكْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ مِنْ مَالِهَا بِهَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَك ، فَالْبَيْعُ وَالصَّدَاقُ بَاطِلَانِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ صَحَّا ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ صَدَاقٍ وَصَرْفِهِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ .

وَلَوْ نَكَحَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا فَالْمَذْهَبُ فَسَادُ الصَّدَاقِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ .
( وَلَوْ نَكَحَ ) امْرَأَةً ( بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا ) أَلْفًا ( أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا فَالْمَذْهَبُ فَسَادُ الصَّدَاقِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ مَا الْتَزَمَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ ( وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ ) فِيهِمَا لِفَسَادِ الْمُسَمَّى وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فَسَادُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى لِلْأَبِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا قُرِئَ يُعْطِيَهُ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ أَيْ يُعْطِي الزَّوْجُ أَبَاهَا أَلْفًا .
فَإِنْ قُرِئَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ أَيْ تُعْطِي الْمَرْأَةُ أَبَاهَا أَلْفًا فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ مِنْهَا لِأَبِيهَا .

وَلَوْ شَرَطَ خِيَارًا فِي النِّكَاحِ بَطَلَ النِّكَاحُ ، أَوْ فِي الْمَهْرِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ لَا الْمَهْرِ ، وَسَائِرُ الشُّرُوطِ إنْ وَافَقَ مُقْتَضَى النِّكَاحِ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ لَغَا ، وَصَحَّ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ .
( وَلَوْ شَرَطَ ) أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ( خِيَارًا فِي النِّكَاحِ بَطَلَ النِّكَاحُ ) لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنَاهُ عَلَى اللُّزُومِ فَشَرْطُ مَا يُخَالِفُ قَضِيَّتَهُ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَيْبٍ مُثْبِتٍ لِلْخِيَارِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ا هـ .
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ( أَوْ ) شَرَطَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ خِيَارًا ( فِي الْمَهْرِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ ) لِأَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ ( لَا الْمَهْرِ ) فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَظْهَرِ بَلْ يَفْسُدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَتَمَحَّضُ عِوَضًا ، بَلْ فِيهِ مَعْنَى النِّحْلَةِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ الْخِيَارُ ، وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا بِالْخِيَارِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ الْمَهْرُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ كَالْبَيْعِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ .
وَالثَّالِثُ : يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِفَسَادِ الْمَهْرِ أَيْضًا ( وَسَائِرُ ) أَيْ بَاقِي ( الشُّرُوطِ ) الْوَاقِعَةِ فِي النِّكَاحِ ( إنْ وَافَقَ ) الشَّرْطُ فِيهَا ( مُقْتَضَى ) عَقْدِ ( النِّكَاحِ ) كَشَرْطِ النَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ ( أَوْ ) لَمْ يُوَافِقْ مُقْتَضَى النِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ ( لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ ) كَشَرْطِ أَنْ لَا تَأْكُلَ إلَّا كَذَا ( لَغَا ) هَذَا الشَّرْطُ أَيْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ ( وَصَحَّ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ ) كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ .

وَإِنْ خَالَفَ وَلَمْ يُخِلَّ بِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَفَسَدَ الشَّرْطُ ، وَالْمَهْرُ .
( وَإِنْ خَالَفَ ) الشَّرْطُ مُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ ( وَلَمْ يُخِلَّ بِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ ) وَهُوَ الْوَطْءُ ( كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ ) أَنْ ( لَا نَفَقَةَ لَهَا صَحَّ النِّكَاحُ ) لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ ( وَفَسَدَ الشَّرْطُ ) سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَيْهَا كَالْمِثَالِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ } ( وَ ) فَسَدَ ( الْمَهْرُ ) أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إنْ كَانَ لَهَا فَلَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى وَحْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِبَدَلِ الْمُسَمَّى إلَّا عِنْدَ سَلَامَةِ مَا شَرَطَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهَا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ .

وَإِنْ أَخَلَّ كَأَنْ لَا يَطَأَ أَوْ يُطَلِّقَ بَطَلَ النِّكَاحُ .

( وَإِنْ أَخَلَّ ) الشَّرْطُ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ الْأَصْلِيِّ ( كَأَنْ ) شَرَطَ أَنْ ( لَا يَطَأَهَا ) الزَّوْجُ أَصْلًا ، وَأَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً مَثَلًا فِي السَّنَةِ أَوْ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا لَيْلًا فَقَطْ أَوْ إلَّا نَهَارًا فَقَطْ ( أَوْ ) أَنْ ( يُطَلِّقَ ) هَا وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ ( بَطَلَ النِّكَاحُ ) لِأَنَّهُ يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ ، وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَ مُكَرَّرَةً فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّحْلِيلِ ، وَلَوْ شَرَطَ هُوَ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا أَوْ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ أَوْ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ بَطَلَ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الصِّحَّةَ وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ .
تَنْبِيهٌ : مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ الْوَطْءِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَصْحِيحُ التَّنْبِيهِ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ الزَّوْجُ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ وَالتَّمْكِينُ عَلَيْهَا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، فَإِنْ قِيلَ : إنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا شَرْطًا ، فَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ ، وَإِنْ سَاعَدَهُ فَالزَّوْجُ بِالْمُسَاعَدَةِ تَارِكٌ لِحَقِّهِ فَهَلَّا كَانَتْ مُسَاعَدَتُهُ كَشَرْطِهِ وَهِيَ بِالْمُسَاعَدَةِ مَانِعَةٌ حَقَّهُ فَهَلَّا كَانَتْ مُسَاعَدَتُهَا كَشَرْطِهَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّا إذَا جَعَلْنَاهُ كَالِابْتِدَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَدْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَمَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ ، وَرَجَحَ جَانِبُ الْمُبْتَدِئِ لِقُوَّةِ الِابْتِدَاءِ وَبِنَاءِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ ، وَأُحِيلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَقَطْ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْبُطْلَانِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ الْمَأْنُوسِ مِنْ

احْتِمَالِهَا الْجِمَاعُ ، فَإِنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضِيَّتِهِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْتَمِلْهُ فِي الْحَالِ فَشَرَطَ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَى الِاحْتِمَالِ ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَطْعًا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلْيُنْظَرْ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَحَرَّمْنَا وَطْأَهَا وَشَرَطَتْ تَرْكَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِفَسَادِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الشِّفَاءَ مُتَوَقَّعٌ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُزْمِنَةَ إذَا طَالَتْ دَامَتْ ا هـ وَهَذَا أَظْهَرُ .

وَلَوْ نَكَحَ نِسْوَةً بِمَهْرٍ فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الْمَهْرِ ، وَلِكُلٍّ مَهْرُ مِثْلٍ .
( وَلَوْ نَكَحَ ) شَخْصٌ ( نِسْوَةً ) أَوْ امْرَأَتَيْنِ مَعًا ( بِمَهْرٍ ) كَأَنْ زَوَّجَهُ بِهِنَّ جَدُّهُنَّ أَوْ مُعْتِقُهُنَّ أَوْ وَكِيلٌ عَنْ أَوْلِيَائِهِنَّ أَوْ اخْتَلَعْنَ عَلَى عِوَضٍ وَاحِدٍ ( فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الْمَهْرِ ) وَالْعِوَضُ لِلْجَهْلِ بِمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي الْحَالِ ( وَلِكُلٍّ مَهْرُ مِثْلٍ ) لِمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ وَيُوَزَّعُ عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ أَمَّا النِّكَاحُ وَالْبَيْنُونَةُ فَيَصِحَّانِ بِلَا خِلَافٍ .
تَنْبِيهٌ : يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ : وَلِكُلٍّ مَهْرُ مِثْلٍ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَتَيْهِ مِنْ عَبْدٍ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِي نِكَاحِ أَمَتَيْنِ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ مُتَّحِدٌ .

وَلَوْ نَكَحَ لِطِفْلٍ بِفَوْقِ مَهْرِ مِثْلٍ أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ بِدُونِهِ فَسَدَ الْمُسَمَّى ، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ مِثْلٍ .

( وَلَوْ نَكَحَ ) الْوَلِيُّ ( لِطِفْلٍ ) أَوْ مَجْنُونٍ ( بِفَوْقِ مَهْرِ مِثْلٍ ) مِنْ مَالِ الطِّفْلِ أَوْ الْمَجْنُونِ ( أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا ) بِمُوَحَّدَةٍ أَوَّلَهُ فَنُونٍ سَاكِنَةٍ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بِخَطِّهِ ( لَا ) بِنْتًا ( رَشِيدَةً ) كَالْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالسَّفِيهَةِ ( أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ ) فِي النَّقْصِ عَنْ مَهْرٍ ( بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِلَا إذْنٍ مِنْهَا لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبِكْرِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ فِي إنْكَاحِهَا إلَى إذْنٍ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَنْ يُحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا فِي النِّكَاحِ ( فَسَدَ ) كُلُّ ( الْمُسَمَّى ) لِأَنَّ الْوَلِيَّ مَأْمُورٌ بِالْحَظِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ ، إذْ الزِّيَادَةُ فِي الْأُولَى وَالنَّقْصُ فِي الثَّانِيَةِ خِلَافُ الْمَصْلَحَةِ ( وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ مِثْلٍ ) كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِفَسَادِ الْمَهْرِ بِمَا ذُكِرَ ، وَمَحَلُّ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا يَلِيقُ بِهِ ، فَلَوْ نَكَحَ شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَا لَهُ فَقِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ فِي السَّفِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ .
تَنْبِيهٌ : مَا جَزَمَا بِهِ هُنَا مِنْ فَسَادِ الْمُسَمَّى جَمِيعِهِ لَا يُنَافِي مَا رَجَّحْنَاهُ فِي نِكَاحِ السَّفِيهِ مِنْ فَسَادِ الزَّائِدِ مِنْهُ دُونَ جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ فَقُصِرَ الْفَسَادُ عَلَى الزَّائِدِ ، وَالْوَلِيُّ مُتَصَرِّفٌ عَلَى غَيْرِهِ فَفَسَدَ جَمِيعُهُ ، أَمَّا إذَا عَقَدَ الْوَلِيُّ لِمُوَلِّيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْمُسَمَّى عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا ؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ صَدَاقًا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِلِابْنِ حَتَّى يَفُوتَ عَلَيْهِ ، وَالتَّبَرُّعُ بِهِ إنَّمَا حَصَلَ فِي ضِمْنِ تَبَرُّعِ الْأَبِ ، فَلَوْ أَلْغَى فَاتَ عَلَى الِابْنِ وَلَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلٍ فِي مَالِهِ وَهَذَا مَا قَطَعَ بِهِ

الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا رَجَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ فَسَادِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِ الِابْنِ ، ثُمَّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالزَّائِدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ ، وَلَا يَصِيرُ الْأَبُ بِالْعَقْدِ لِمُوَلِّيهِ ضَامِنًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ، فَإِنْ قِيلَ تَرْكِيبُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ، فَإِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ " لَا " إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُفْرَدٍ وَهُوَ صِفَةٌ لِسَابِقٍ وَجَبَ تَكْرَارُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ } [ الْبَقَرَةُ ] وقَوْله تَعَالَى : { زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ } [ النُّورُ ] .
أُجِيبَ بِأَنَّ لَا هُنَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرِ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِ ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ .

وَلَوْ تَوَافَقُوا عَلَى مَهْرٍ كَانَ سِرًّا وَأَعْلَنُوا زِيَادَةً فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَا عُقِدَ بِهِ .
( وَلَوْ تَوَافَقُوا ) أَيْ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً ، وَقَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَى مُوَافَقَتِهَا ، أَوْ تَكُونُ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْوَلِيَّ وَالزَّوْجَ ( عَلَى مَهْرٍ ) كَمِائَةٍ ( كَانَ سِرًّا ) وَهُوَ لُغَةً مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ ( وَأَعْلَنُوا زِيَادَةً ) كَمِائَتَيْنِ ( فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَا عُقِدَ بِهِ ) اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ بِالْأَقَلِّ أَمْ بِالْأَكْثَرِ ، وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ حَمَلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ السِّرِّ ، وَفِي آخَرَ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَحْكِي قَوْلَيْنِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ فِي كُلٍّ مِنْهَا خِلَافٌ : الْأُولَى : الِاصْطِلَاحُ الْخَاصُّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ ؟ وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ الْإِبْهَامَ فِي الشُّرُوطِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِيهَا ؟ وَالثَّالِثَةُ : أَنَّ الشَّرْطَ قَبْلَ الْعَقْدِ هَلْ يَلْحَقُهُ وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ بِأَلْفَيْنِ ، فَإِنْ عَبَّرُوا بِهِمَا عَنْهَا وَعَقَدُوا بِهِمَا لَزِمَا لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِمَا أَوْ عَقَدُوا بِهِمَا عَلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ إلَّا أَلْفٌ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ .

وَلَوْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ بَطَلَ النِّكَاحُ ، فَلَوْ أَطْلَقَتْ فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ بَطَلَ ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ .
قُلْت : الْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَوْ قَالَتْ ) رَشِيدَةٌ ( لِوَلِيِّهَا ) غَيْرِ الْمُجْبِرِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ ( زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ بَطَلَ النِّكَاحُ ) لِلْمُخَالَفَةِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَأَفْهَمَ الْبُطْلَانُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ سَكَتَ عَنْ الْمَهْرِ سَوَاءٌ أَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَمْ بِوَكِيلِهِ ( فَلَوْ أَطْلَقَتْ ) بِأَنْ سَكَتَتْ عَنْ الْمَهْرِ ( فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ بَطَلَ ) النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ نَقَصَ عَنْهُ ( وَفِي قَوْلٍ : يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ ) إذْ لَيْسَتْ الْمُخَالَفَةُ صَرِيحَةً ( قُلْت : الْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ ) الْمَذْكُورَتَيْنِ ( بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ ، وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً وَسَمَّى دُونَ تَسْمِيَتِهَا ، وَلَكِنَّهُ كَانَ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ : فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُضَيِّعَ الزَّائِدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَوْ طُرِدَ فِي الرَّشِيدَةِ لَمْ يَبْعُدْ ا هـ .
لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الرُّجُوعِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ .
تَنْبِيهٌ : جَرَتْ عَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ بِتَزْوِيجِ الصِّغَارِ بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةُ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ لِتَحْصِيلِ كُفْءٍ ، وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُهَا حَتَّى يَأْخُذَ عَلَى الصَّدَاقِ رَهْنًا كَيْ لَا تَفُوتَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ بِلَا مُقَابِلٍ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِعَرْضٍ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ .
قَالَ فِي الْبَيَانِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ : إنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا وَهِيَ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ صَحَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَهْرَ مِثْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْبِرٍ وَغَيْرَ حَاكِمٍ ، أَوْ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الْمَهْرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهَا ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ وَرَأَى أَنْ يُزَوِّجَهَا بِشَيْءٍ مِنْ

الْعَرْضِ وَقِيمَتُهُ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ ذَلِكَ .

فَصْلٌ قَالَتْ رَشِيدَةٌ : زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ .

فَصْلٌ فِي التَّفْوِيضِ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ ، وَهُوَ جَعْلُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ ، وَيُقَالُ الْإِهْمَالُ ، وَمِنْهُ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى ، وَهُوَ قِسْمَانِ : تَفْوِيضُ مَهْرٍ ، كَقَوْلِهَا لِلْوَلِيِّ : زَوِّجْنِي بِمَا شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ .
وَتَفْوِيضُ بُضْعٍ ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَسُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ مُفَوِّضَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَفْوِيضِهَا أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ بِلَا مَهْرٍ أَوْ لِأَنَّهَا أَهْمَلَتْ الْمَهْرَ ، وَمُفَوَّضَةً بِفَتْحِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ .
إذَا ( قَالَتْ رَشِيدَةٌ ) بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ لِوَلِيِّهَا ( زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ ) هَا الْوَلِيُّ ( وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ ) عَنْهُ ( فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّفْوِيضِ شَرْعًا : إخْلَاءُ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ وَقَدْ وُجِدَ ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ زَوِّجْنِي وَسَكَتَتْ عَنْ الْمَهْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ .
وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ .
وَنَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ بِالْمَهْرِ غَالِبًا فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْإِذْنِ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : إنَّهُ تَفْوِيضٌ وَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ نَصًّا قَاطِعًا ا هـ .
وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى ، وَالنَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ قَاطِعًا ، بَلْ مُحْتَمَلٌ جِدًّا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ نَفْيَ الْمَهْرِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ : زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فِي الْحَالِ ، وَلَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا غَيْرِهِ يَكُونُ تَفْوِيضًا صَحِيحًا ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إيرَادُ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ الْمَذْهَبُ ا هـ .
وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمُطْلَقَةِ التَّصَرُّفِ لَكَانَ أَوْلَى ، إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَوْ سَفِهَتْ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهَا كَانَتْ كَرَشِيدَةٍ فِي التَّصَرُّفِ .

فَرْعٌ : لَوْ زَوَّجَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَقَدْ أَذِنَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلَا مَهْرٍ صَحَّ الْمُسَمَّى ، أَوْ زَوَّجَهَا بِدُونِهَا أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَهُوَ تَفْوِيضٌ كَمَا فِي الْحَاوِي ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ عَجِيبٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .

وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ ، وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ .
، وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَيُعْطِيَ زَوْجَهَا أَلْفًا وَقَدْ أَذِنَتْ بِذَلِكَ فَمُفَوِّضَةٌ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ نَازَعَ الزَّرْكَشِيُّ الشَّيْخَيْنِ فِي ذَلِكَ ، وَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ ( وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ ) غَيْرِ مُكَاتَبَةٍ ( زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ ) فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَهْرِ فَأَشْبَهَ الرَّشِيدَةَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ لَا يَكُونُ تَفْوِيضًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيضٌ ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ فِي الْعَقْدِ يُشْعِرُ بِرِضَاهُ بِدُونِهِ ، بِخِلَافِ إذْنِ الْمَرْأَةِ لِلْوَلِيِّ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَالشَّرْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَهَا بِالْمَصْلَحَةِ .
أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَحُكْمُهَا مَعَ السَّيِّدِ فِي التَّفْوِيضِ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ ) لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ .
نَعَمْ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوَلِيُّ مِنْ السَّفِيهَةِ الْإِذْنَ فِي تَزْوِيجِهَا .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51