كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

وَالْأُتْرُجَّةَ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
ثُمَّ قَالَا : وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَعَ حَيَوَانُ غَيْرِهِ جَوْهَرَةً ، فَإِنَّهُ لَا يَذْبَحُ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً .

وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا مَعًا فَلَهُ الْيَدُ وَإِلَّا فَلَهُمَا ، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ ، وَإِلَّا حَلَفَا ، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ ، وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا ، أَوْ لَا فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ .

( وَلَوْ تَنَازَعَا ) أَيْ : اثْنَانِ ( جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا ، فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا ) كَأَنْ دَخَلَ نِصْفٌ لَبِنَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ أَوْ بَنَى الْجِدَارَ عَلَى خَشَبَةٍ طَرْفُهَا فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ ، أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَزَجُّ وَهُوَ الْعَقْدُ قَدْ أُمِيلَ مِنْ مُبْتَدَأِ ارْتِفَاعِهِ عَنْ الْأَرْضِ ( فَلَهُ الْيَدُ ) عَلَيْهِ ، وَعَلَى الْخَشَبَةِ الْمَذْكُورَةِ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ مَبْنِيًّا عَلَى تَرْبِيعِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ بِجِدَارِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ ، ذُكِرَ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُمَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ : لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى جُمْلَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ حَيْثُ هُنَا مُضَافَةٌ إلَى يُعْلَمُ ، وَأَنَّ إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْعِلْمِ تَكُونُ مَفْتُوحَةً ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الِاتِّصَالُ الْمَذْكُورُ بِأَنْ كُلًّا مُنْفَصِلًا مِنْ جِدَارِهِمَا أَوْ مُتَّصِلًا بِهِمَا اتِّصَالًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ ، أَوْ مُتَّصِلًا بِأَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بِأَنْ وُجِدَ الِاتِّصَالُ فِي بَعْضِهِ .
أَوْ أُمِيلَ الْأَزَجُّ الَّذِي عَلَيْهِ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ ، أَوْ بُنِيَ الْجِدَارُ عَلَى خَشَبَةٍ طَرَفَاهَا فِي مِلْكَيْهِمَا ( فَلَهُمَا ) الْيَدُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا : فَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّرْجِيحُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَرْجِيحَ بِالنَّقْشِ بِظَاهِرِ الْجِدَارِ كَالصُّوَرِ وَالْكِتَابَاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَا بِالْجُذُوعِ كَمَا

سَيَأْتِي ، وَلَا بِتَوْجِيهِ الْبِنَاءِ وَهُوَ جَعْلُ إحْدَى جَانِبَيْهِ وَجْهًا كَأَنْ يَبْنِيَ بِلَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ ، وَيَجْعَلَ الْأَطْرَافَ الصِّحَاحَ إلَى جَانِبٍ وَمَوَاضِعَ الْكَسْرِ إلَى جَانِبٍ ، وَلَا بِمَعَاقِدِ الْقِمْطِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِضَمِّهِمَا ، لَكِنَّهُ بِضَمِّهِمَا جَمْعُ قِمَاطٍ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى قِمْطٍ ، وَهُوَ حَبْلٌ رَقِيقٌ يُشَدُّ بِهِ الْجَرِيدُ وَنَحْوُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَامَةً قَوِيَّةً فِي الِاشْتِرَاكِ ، فَلَا يُغَيَّرُ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ مُعْظَمُ الْقَصْدِ بِهَا الزِّينَةُ كَالتَّجْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ ( فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً ) أَنَّهُ لَهُ ( قُضِيَ لَهُ ) بِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْيَدِ ، وَتَكُونُ الْعَرْصَةُ تَبَعًا عَلَى الْأَصَحِّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَامَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا ( حَلَفَا ) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِهِ لِلنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِإِثْبَاتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ النِّصْفَ الَّذِي بِيَدِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ وَيَدُهُ عَلَى النِّصْفِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ كَالْعَيْنِ الْكَامِلَةِ .
وَقِيلَ : يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ ( فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا ) عَنْ الْيَمِينِ ( جُعِلَ ) الْجِدَارُ ( بَيْنَهُمَا ) بِظَاهِرِ الْيَدِ فَيَنْتَفِعُ كُلٌّ بِهِ مِمَّا يَلِيهِ عَلَى الْعَادَةِ .
( وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا ) ، وَنَكَلَ الْآخَرُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( قُضِيَ لَهُ ) بِالْكُلِّ ، وَتَتَّضِحُ مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ مَنْ بَدَأَ الْقَاضِي بِتَحْلِيفِهِ وَنَكَلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لِيَقْضِيَ لَهُ بِالْجَمِيعِ ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ

يَمِينُ النَّفْيِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ ، وَيَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ ، فَهَلْ تَكْفِيهِ الْآنَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ لِلنَّفْيِ وَأُخْرَى لِلْإِثْبَاتِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ فَيَحْلِفُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُ وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِيهِ ، أَوْ يَقُولُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِي ( وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ ) بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْأَمْتِعَةَ فِيمَا لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا بِيَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا أَمْتِعَةٌ ، فَإِذَا تَحَالَفَا بَقِيَتْ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِاحْتِمَالِ ، أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ مِنْ إعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ يَرَى الْإِجْبَارَ عَلَى الْوَضْعِ ، وَاَلَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الْإِعَارَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْأَسْبَابِ ، فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ أَوْ الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ ( وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ ) أَيْ الشَّخْصِ ( وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ ) بِنَاءِ ( الْعُلْوِ ) بِأَنْ يَكُونَ السَّقْفُ عَالِيًا فَيُثْقَبُ وَسَطُ الْجِدَارِ وَيُوضَعُ رَأْسُ الْجُذُوعِ فِي الثُّقْبِ وَيُسَقَّفُ فَيَصِيرُ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ بَيْتَيْنِ ( فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ ، فَإِنَّهُ سَاتِرٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَأَرْضٌ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ ( أَوْ لَا ) يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْعُلْوِ كَالْأَزَجِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ عَقْدُهُ عَلَى وَسَطِ الْجِدَارِ بَعْدَ امْتِدَادِهِ فِي الْعُلْوِ ( فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ ) يَكُونُ لِاتِّصَالِهِ بِبِنَائِهِ ؟ .

خَاتِمَةٌ : لَوْ كَانَ السُّفْلُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعُلْوُ لِآخَرَ وَتَنَازَعَا فِي الدِّهْلِيزِ أَوْ الْعَرْصَةِ ، فَمِنْ الْبَابِ إلَى الْمَرْقَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدًا وَتَصَرُّفًا بِالِاسْتِطْرَاقِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالْبَاقِي لِلْأَسْفَلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ يَدًا وَتَصَرُّفًا ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْمَرْقَى الدَّاخِلِ وَهُوَ مَنْقُولٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَهُوَ فِي يَدِهِ ، أَوْ فِي غُرْفَةٍ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فَهُوَ فِي يَدِهِ ، أَوْ مَنْصُوبًا فِي مَوْضِعِ الرُّقِيِّ فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانِ .
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إنَّهُ الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى مُثَبَّتًا فِي مَوْضِعِهِ كَالسُّلَّمِ الْمُسَمَّرِ فَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ ، لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَبْنِيًّا وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ شَيْءٌ ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَيْتٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ السُّقُوفِ أَوْ مَوْضِعُ جَرَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا ، فَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مَعَ ضَعْفِ مَنْفَعَةِ الْأَسْفَلِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي حِيطَانِ السُّفْلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْغُرْفَةُ فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ السُّفْلِ فَإِنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي حِيطَانِ الْغُرْفَةِ ، فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ الْعُلْوِ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ .

بَابُ الْحَوَالَةِ
بَابُ الْحَوَالَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا ، وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ : الِانْتِقَالُ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : حَالَ عَنْ الْعَهْدِ : إذَا انْتَقَلَ عَنْهُ وَتَغَيَّرَ .
وَفِي الشَّرْعِ : عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ ، وَيُطْلَقُ عَلَى انْتِقَالِهِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى ، وَالْأَوَّلُ هُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أَتْبَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلِيَتْبَعْ } بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ : أَيْ فَلِيَحْتَلْ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ .
وَيُسَنُّ قَبُولُهَا عَلَى مَلِيءٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَخَبَرُ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَلِيءُ وَافِيًا وَلَا شُبْهَةَ فِي مَالِهِ ، وَالْمَلِيءُ بِالْهَمْزَةِ : الْغَنِيُّ ، وَالْمَطْلُ إطَالَةُ الْمُدَافَعَةِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ رِبَوِيَّيْنِ ، فَهُوَ بَيْعٌ لِأَنَّهَا إبْدَالُ مَالٍ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَلَكَ بِهَا مَا لَمْ يَمْلِكْ ، فَكَأَنَّ الْمُحِيلَ بَاعَ الْمُحْتَالَ مَا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا لِلْمُحْتَالِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَقِيلَ اسْتِيفَاءٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ، فَكَأَنَّ الْمُحْتَالَ اسْتَوْفَى مَا عَلَى الْمُحِيلِ ، وَأَقْرَضَهُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ : وَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ الْبَيْعِ لَمْ أَرَهُ مُسْتَمِرًّا .
وَأَرْكَانُهَا سِتَّةٌ : مُحِيلٌ ، وَمُحْتَالٌ ، وَمُحَالٌ عَلَيْهِ ، وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ ، وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَصِيغَةٌ ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي ، وَإِنْ سُمِّيَ بَعْضُهَا شَرْطًا كَمَا قَالَ .

يُشْتَرَطُ لَهَا رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ ، لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ .
( يُشْتَرَطُ لَهَا ) لِتَصِحَّ ( رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ ) ؛ لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ إيفَاءَ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ شَاءَ ، فَلَا يَلْزَمُ بِجِهَةٍ ، وَحَقُّ الْمُحْتَالِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَتَفَاوَتُ وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا مَرَّ ، وَقِيلَ : لِلْإِبَاحَةِ ، وَطَرِيقُ الْوُقُوفِ عَلَى تَرَاضِيهِمَا إنَّمَا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ ، وَعَبَّرَ كَغَيْرِهِ هُنَا بِالرِّضَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَالِ الرِّضَا بِالْحَوَالَةِ ، وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ : ( لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ) فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ وَالتَّصَرُّفِ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِغَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَوَالَةِ ، بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَنَقَلْت حَقَّكَ إلَى فُلَانٍ ، أَوْ جَعَلْتُ مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَى فُلَانٍ لَك ، أَوْ مَلَّكْتُكَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بِحَقِّكَ ، وَقَوْلُهُ : أَحِلْنِي كَبِعْنِي فِي الْبَيْعِ ، فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ ، وَقِيلَ : تَنْعَقِدُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى كَالْبَيْعِ بِلَفْظِ السَّلَمِ ، وَلَوْ قَالَ : أَحَلْتُكَ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَرَدْتُ بِقَوْلِي أَحَلْتُكَ الْوَكَالَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي : إنَّهُ صَرِيحٌ ، لَكِنْ يَقْبَلُ الصَّرْفَ كَغَيْرِهِ مِنْ الصَّرَائِحِ الَّتِي تَقْبَلُهُ

وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ تَصِحُّ بِرِضَاهُ وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ ، عَلَيْهِ ، وَالْمِثْلِيِّ وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ فِي الْأَصَحِّ ، وَبِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، وَعَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا بَيْعٌ ، إذْ لَيْسَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِجَعْلِهِ عِوَضًا عَنْ حَقِّ الْمُحْتَالِ ( وَقِيلَ : تَصِحُّ بِرِضَاهُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ إلَخْ ، فَقَبُولُهُ ضَمَانٌ لَا يَبْرَأُ بِهِ الْمُحِيلُ ، وَقِيلَ : يَبْرَأُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَطَوَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ كَانَ قَاضِيًا دَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزٌ ( وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ ) وَهُوَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجُوزَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالثَّمَنِ بَعْدَ زَمَنِ الْخِيَارِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَالْمَوْتِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى ثَالِثٍ ( وَعَلَيْهِ ) كَذَلِكَ بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ غَيْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ أَمْ اخْتَلَفَا ، كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَالْآخَرُ قَرْضًا أَوْ أُجْرَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ، وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا ، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمُسْتَحَقِّ بِالزَّكَاةِ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَكْسِهِ .
وَإِنْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا ؛ وَتَصِحُّ عَلَى الْمَيِّتِ ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَلَيْهِ مَعَ خَرَابِ ذِمَّتِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ : أَيْ لَا تَقْبَلُ ذِمَّتُهُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِلَّا فَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى التَّرِكَةِ لِعَدَمِ الشَّخْصِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ( وَ ) تَصِحُّ بِالدَّيْنِ ( الْمِثْلِيِّ ) كَالنُّقُودِ وَالْحُبُوبِ ( وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِثُبُوتِهِ فِي

الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَلُزُومِهِ ، وَالثَّانِي : لَا ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَوَالَةِ إيصَالُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمِثْلَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ قِيلَ : إنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْأَثْمَانِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ( وَ ) تَصِحُّ ( بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ) بِأَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى إنْسَانٍ ( وَعَلَيْهِ ) بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ إنْسَانًا عَلَى الْمُشْتَرِي ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ ، وَالْجَوَازُ عَارِضٌ فِيهِ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحَّانِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ الْآنَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ لِتَرَاضِي عَاقِدِيهَا ؛ وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ فَلَوْ بَقِيَ الْخِيَارُ فَاتَ مُقْتَضَاهَا ، وَفِي الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِرِضَاهُ بِهَا لَا فِي حَقِّ مُشْتَرٍ لَمْ يَرْضَ ، فَإِنْ رَضِيَ بِهَا بَطَلَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَطَلَتْ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِعُمُومِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الثَّمَنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَسْخِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ مُسْتَثْنَى وَلَا بَعْدُ كَمَا قَالَ شَيْخِي فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مُزَلْزَلٌ .
فَإِنْ قِيلَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ زَمَنَ الْخِيَارِ مُشْكِلٌ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا ، لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَحَالَ فَقَدْ أَجَازَ فَوَقَعَتْ الْحَوَالَةُ مُقَارِنَةً لِلْمِلْكِ وَذَلِكَ كَافٍ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لَهُ ، أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ .

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ .
( وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ ) لِوُجُودِ اللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ فَيَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْهَا ، وَلِصِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا فِي قَوْلٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ السَّلَمِ بِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فَوَاضِحٌ ، وَإِلَّا فَمَالُ الْمُكَاتَبِ قَدْ صَارَ بِالتَّعْجِيزِ لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ دَيْنِ السَّلَمِ قَدْ يَنْقَطِعُ الْمُسْلَمُ فِيهِ ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَصِلَ الْمُحْتَالُ إلَى حَقِّهِ ( دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ ) غَيْرَهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَصِحُّ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُحْتَالُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَإِلْزَامِهِ وَالثَّانِي يَصِحَّانِ .
أَمَّا الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَلِمَا مَرَّ .
وَأَمَّا عَلَيْهِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ ، وَالثَّالِثُ : لَا يَصِحَّانِ .
أَمَّا عَلَيْهِ فَلِمَا مَرَّ .
وَأَمَّا مِنْهُ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالنُّجُومِ عَمَّا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ وَأَحَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى سُقُوطِهِ بِالتَّعْجِيزِ ، لِأَنَّ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ لَازِمٌ فِي الْجُمْلَةِ وَسُقُوطُهُ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ ، وَلَا تَصِحُّ بِجُعْلِ الْجِعَالَةِ وَلَا عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ ، وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنِهَا حِينَئِذٍ ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَامِ .

وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا ، وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَقَدْرًا ، وَكَذَا حُلُولًا وَأَجَلًا ، وَصِحَّةً وَكَسْرًا فِي الْأَصَحِّ .

( وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ ) أَيْ عِلْمُ كُلٍّ مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ ( بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا ) كَمِائَةٍ ( وَصِفَةً ) مُعْتَبَرَةً فِي السَّلَمِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إنْ قُلْنَا : إنَّهَا بَيْعٌ ، وَلَا اسْتِيفَاؤُهُ إنْ قُلْنَا : إنَّهَا اسْتِيفَاءٌ ، وَسَكَتَ عَنْ الْجِنْسِ ، لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِالصِّفَةِ لِتَنَاوُلِهَا لَهُ لُغَةً ( وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا ) وَالْأَظْهَرُ .
الْمَنْعُ لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهَا ، وَصَوَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ كَأَنْ يَجْنِيَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مُوضِحَةً ، ثُمَّ يَجْنِي الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى آخَرَ مُوضِحَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ، فَيُحِيلُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ الْجَانِي ثَانِيًا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْجَانِي أَوَّلًا بِالْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ ( وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا ) أَيْ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ ( جِنْسًا ) فَلَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَعَكْسِهِ ( وَقَدْرًا ) فَلَا تَصِحُّ بِخَمْسَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ وَعَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُعَاوَضَةُ ارْتِفَاقٍ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الِاتِّفَاقُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْقَرْضِ ( وَكَذَا حُلُولًا وَأَجَلًا ) وَقَدْرَ الْأَجَلِ ( وَصِحَّةً وَكَسْرًا ) وَجَوْدَةً وَرَدَاءَةً ( فِي الْأَصَحِّ ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ إلْحَاقًا لِتَفَاوُتِ الْوَصْفِ بِتَفَاوُتِ الْقَدْرِ وَالثَّانِي : إنْ كَانَ النَّفْعُ فِيهِ لِلْمُحْتَالِ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا ، فَيَحِلُّ بِالْمُؤَجَّلِ وَالْمُكَسَّرِ عَلَى الْحَالِ وَالصَّحِيحِ ، وَبِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ عَلَى الْأَقْرَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فِي الْجَمِيعِ وَكَأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالزِّيَادَةِ ، وَانْقَلَبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ بَعْضُ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ فَقَالَ بِالصَّحِيحِ عَلَى الْمُكَسَّرِ ، وَبِالْجَيِّدِ عَلَى الرَّدِيءِ وَنُسِبَ لِلسَّهْوِ ، وَلَوْ أَحَالَ بِمُؤَجَّلٍ عَلَى مُؤَجَّلٍ حَلَّتْ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَلَا تَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ

لِبَرَاءَتِهِ بِالْحَوَالَةِ .

وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ ، وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِفَلَسٍ أَوْ جَحْدٍ وَحَلِفٍ وَنَحْوِهِمَا : لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ

تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا فِي الرَّهْنِ وَلَا فِي الضَّمَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، بَلْ لَوْ أَحَالَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَلَى دَيْنٍ بِهِ رَهْنٌ أَوْ ضَامِنٌ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الضَّامِنُ ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ ، وَالزَّوْجَةُ فِيمَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَوْ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ ، وَيُفَارِقُ الْمُحْتَالُ الْوَارِثَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَاقِدُ فِي الْحَوَالَةِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا ؟ رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ ، وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِي ، وَحَمَلَ شَيْخِي الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ وَهُوَ بَعِيدٌ ، إذْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعَقْدِ ، فَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ ، وَلَا يَثْبُتُ فِي عِقْدِهَا خِيَارُ شَرْطٍ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ قُلْنَا : إنَّهَا مُعَاوَضَةٌ ، لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ .
وَقِيلَ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْخِيَارِ ( وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ) أَيْ يَصِيرُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَمَعْنَى صَيْرُورَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ .
وَلَكِنْ تَغَيَّرَ مَحَلُّهُ إنْ قُلْنَا : الْحَوَالَةُ اسْتِيفَاءٌ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَتْنِ ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَزِمَ الذِّمَّةَ وَيَكُونُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُحْتَالُ غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُ إنْ قُلْنَا : إنَّهَا بَيْعٌ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَمَا ذُكِرَ هُوَ فَائِدَةُ الْحَوَالَةِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) أَخَذَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ( بِفَلَسٍ ) طَرَأَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ (

أَوْ جَحْدٍ ) مِنْهُ لِلدَّيْنِ أَوْ لِلْحَوَالَةِ ( وَحَلِفٍ ) وَقَوْلُهُ : ( وَنَحْوِهِمَا ) مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى كُتُبِ الرَّافِعِيِّ وَعَلَى الرَّوْضَةِ ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى التَّعَذُّرِ بِامْتِنَاعِهِ لِشَوْكَتِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ مُوسِرًا بَعْدَ مَوْتِ الْبَيِّنَةِ ( لَمْ يَرْجِعْ ) أَيْ الْمُحْتَالُ ( عَلَى الْمُحِيلِ ) كَمَا لَوْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ الدَّيْنِ وَتَلَفَ فِي يَدِهِ ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ فِي أَحَدِ أَوْجُهٍ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِاقْتِرَانِهَا بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا .

تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالْإِنْكَارِ لَكَانَ أَعَمَّ ، لِأَنَّ الْجُحُودَ لُغَةً : الْإِنْكَارُ مَعَ الْعِلْمِ .
وَهَلْ يَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ الْإِقَالَةُ حَتَّى لَوْ صَدَرَ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ تَقَايُلٌ فِي الْحَوَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ يَبْنِي عَلَى صِحَّةِ الْإِقَالَةِ فِي الْحَوَالَةِ ، وَالنَّقْلُ فِيهَا عَزِيزٌ ، وَقَدْ نَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ كَشَفَ عَنْ ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً فَلَمْ يَجِدْ التَّصْرِيحَ بِهَا ، وَأَنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ الْجَوَازُ ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا بَيْعٌ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ فِيهَا ، فَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْحَوَالَةِ ذَكَر ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ التَّفْلِيسِ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قَبْلَ وَفَاءِ الثَّمَنِ .
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : الْحَوَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ ، وَلَوْ فُسِخَتْ لَا تَنْفَسِخُ .

فَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ ، وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شُرِطَ يَسَارُهُ .
( فَلَوْ كَانَ ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ ( مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْبَحْثِ ، فَأَشْبَهَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا هُوَ مَغْبُونٌ فِيهِ ( وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شُرِطَ يَسَارُهُ ) لَا خِلَافَ الشَّرْطِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْعَبْدِ كَاتِبًا فَأَخْلَفَ ، وَرَدَّ بِأَنَّ فَوَاتَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ نَقْصًا ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِهِ ، بَلْ هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَالْإِعْسَارُ نَقْصٌ كَالْعَيْبِ ، فَلَوْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الشَّرْطِ لَثَبَتَ عِنْدَ عَدَمِهِ ، ( وَلَوْ بَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَبْدًا لِغَيْرِ الْمُحِيلِ ) لَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ أَيْضًا ، بَلْ يُطَالِبُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ ، أَوْ عَبْدًا لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ ، وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا وَمَأْذُونًا لَهُ ، وَكَانَ لِسَيِّدِهِ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ قَبْلَ مِلْكِهِ لِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِمِلْكِهِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَوْ قَبِلَ الْمُحْتَالُ الْحَوَالَةَ بِغَيْرِ اعْتِرَافٍ بِالدَّيْنِ كَانَ قَبُولُهَا مُتَضَمِّنًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ ، فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ .

وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ ، أَوْ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ فَوُجِدَ الرَّدُّ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ .

( وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي ) الْبَائِعَ ( بِالثَّمَنِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ ) أَوْ نَحْوِهِ كَتَحَالُفٍ أَوْ إقَالَةٍ ( بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ ) لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي : لَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الثَّمَنِ ثَوْبًا ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ، وَسَوَاءٌ فِي الْخِلَافِ أَكَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَمَالِ الْحَوَالَةِ أَمْ قَبْلَهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَيَرُدُّهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ وَهُوَ بَاقٍ ، أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ وَلَا يَرُدُّهُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ الْبَائِعُ بِإِذْنِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَنْ الْبَائِعِ يَقَعُ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ حَتَّى لَا يَجُوزَ إبْدَالُهُ إنْ بَقِيَتْ عَيْنُهُ ، ( وَإِبْرَاءُ الْبَائِعِ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الْفَسْخِ ) كَقَبْضِهِ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ ، فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ الْمُحَالِ بِهِ ( أَوْ ) أَحَالَ ( الْبَائِعَ ) شَخْصًا ( بِالثَّمَنِ ) عَلَى الْمُشْتَرِي ( فَوُجِدَ الرَّدُّ ) لِلْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا مَرَّ ( لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ ) سَوَاءٌ أَقَبَضَ الْمُحْتَالُ الْمَالَ أَمْ لَا ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ هُنَاكَ بِثَالِثٍ وَهُوَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِفَسْخِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ ، ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْبٍ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَبْطُلُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْبَائِعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ أَحَالَ عَلَى مَنْ أُحِيلَ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ

الْحَوَالَةُ كَالْقَبْضِ لِأَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا ، لَكِنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِطَلَبِ الْقَبْضِ مِنْهُ لِيَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ .

وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ .

فَرْعٌ : لَوْ أَحَالَهَا زَوْجُهَا بِصَدَاقِهَا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَهُ بِرِدَّتِهَا أَوْ بِعَيْبٍ أَوْ بِخَلْفِ شَرْطٍ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الصَّدَاقِ إنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ، وَبِنِصْفِهِ إنْ طَلَّقَ .
فَإِنْ قِيلَ : الْحَقُّ هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِثَالِثٍ ، فَكَانَ يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّدَاقَ أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا إلَّا بِرِضَاهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ( وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ ) عَلَى الْمُشْتَرِي ( ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ ) يُقِيمُهَا الْعَبْدُ أَوْ شَهِدَتْ حِسْبَةٌ ( بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ) لِأَنَّهُ بَانَ أَنْ لَا ثَمَنَ حَتَّى يُحَالَ بِهِ ، فَيَرُدَّ الْمُحْتَالُ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى حَقُّهُ كَمَا كَانَ ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا ، وَمَحِلُّ إقَامَةِ الْعَبْدِ الْبَيِّنَةُ إذَا تَصَادَقَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِآخَرَ ، كَمَا صَوَّرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهُ لَهَا قَبْلَ بَيْعِهِ ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِتَصَادُقِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُحْتَالُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ، وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِالْحُرِّيَّةِ الْمُتَبَايِعَانِ ، لِأَنَّهُمَا كَذَّبَاهَا بِالْبَيْعِ كَذَا قَالَاهُ هُنَا ، وَذَكَرَ فِي آخَرِ كِتَابِ الدَّعْوَى ( أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقْفًا عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ ، ثُمَّ مَلَكَهُ ) إنْ قَالَ حِينَ بَاعَ : هُوَ مِلْكِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ سُمِعَتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
قَالَ

الْعِرَاقِيُّونَ : وَغَلَّطَ الرُّويَانِيُّ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ ا هـ .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَائِعُ تَأْوِيلًا ، فَإِنْ ذَكَرَهُ كَأَنْ قَالَ : كُنْت أَعْتَقْته وَنَسِيت أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيَّ سُمِعَتْ قَطْعًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ : لَا شَيْءَ لِي عَلَى زَيْدٍ ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا .

وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا صِحَّةٌ بِخِلَافِ الْبُطْلَانِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّهُ بِطَرِيقِ الِانْفِسَاخِ ( وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ ) فِي الْحُرِّيَّةِ ( وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ) بِهَا ، لِأَنَّ هَذِهِ قَاعِدَةُ الْحَلِفِ عَلَى النَّفْيِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَيَقُولُ : وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ ، وَعِبَارَتُهُ قَدْ تُوهِمُ تَوَقُّفَ الْحَلِفِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا ، وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ ، أَنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ اسْتَحْلَفَهُ مِنْهُمَا .
أَمَّا الْبَائِعُ فَلِغَرَضِ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الثَّمَنِ .
وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِغَرَضِ رَفْعِ الْمُطَالَبَةِ .
لَكِنَّهُ إذَا حَلَّفَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يُحَلِّفْهُ الثَّانِي : كَمَا قَالَ شَيْخِي : إنَّهُ الْأَوْجَهُ ، لِأَنَّ خُصُومَتَهُمَا وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( ثُمَّ ) بَعْدَ حَلِفِهِ ( يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي ) لِبَقَاءِ الْحَوَالَةِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ ، وَرَجَّحَ الْبَغَوِيّ الْوَجْهَ الْآخَرَ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَلَمَنِي الْمُحْتَالُ بِمَا أَخَذَهُ ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى ظَالِمِهِ ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُحْتَالُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا جَعَلْنَاهَا كَالْبَيِّنَةِ فَلَا ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .

وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي ، وَقَالَ الْمُسْتَحَقُّ ، أَحَلْتنِي ، أَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ بَلْ أَرَدْت الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ .

( وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ ) لِلْمُسْتَحِقِّ : ( وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي ) دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ ( وَقَالَ الْمُسْتَحَقُّ : أَحَلْتنِي ) بِهِ ( أَوْ قَالَ ) الْأَوَّلُ : ( أَرَدْت بِقَوْلِي : أَحَلْتُك ) بِهِ ( الْوَكَالَةَ وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ : بَلْ أَرَدْت ) بِذَلِكَ ( الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ " أَحَلْتُك " فِيمَا يُذْكَرُ كِنَايَةٌ وَقَدْ قَدَّمْت مَا فِيهِ ، وَعَلَى كَلَامِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ فَلَا حَوَالَةَ وَلَا وَكَالَةَ ( وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ ) بِتَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ : أَحَلْتُك بِمِائَةٍ عَلَى زَيْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا قَالَ : أَحَلْتُك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِالْمِائَةِ الَّتِي لِي عَلَى زَيْدٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَحِقِّ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْحَوَالَةِ تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : الْمُسْتَحِقُّ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الدَّيْنِ ، فَلَوْ أَنْكَرَ مُدَّعِي الْوَكَالَةَ الدَّيْنَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَطْعًا ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ انْدَفَعَتْ الْحَوَالَةُ ، وَبِإِنْكَارِ الْآخَرِ الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضٌ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الْمَالَ قَبْلَ الْحَلِفِ بَرِيءَ الدَّافِعُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَالٌ أَوْ وَكِيلٌ وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ لِلْحَالِفِ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا وَحَقُّهُ عَلَيْهِ بَاقٍ ، فَإِنْ خَشِيَ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ مِنْ تَسْلِيمِ حَقِّهِ لَهُ كَانَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ أَخْذُ الْمَالِ ، وَجَحَدَ الْحَالِفُ ؛ لِأَنَّهُ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْحَالِفِ وَهُوَ ظَالِمُهُ ، ( وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ مَعَ الْقَابِضِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ ) لَمْ يُطَالِبْهُ

الْحَالِفُ لِزَعْمِهِ الْوَكَالَةَ ، وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ ، وَلَمْ يُطَالِبْ هُوَ الْحَالِفَ لِزَعْمِهِ الِاسْتِيفَاءَ ، أَوْ تَلِفَ مَعَهُ بِتَفْرِيطِ طَالِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا ، وَبَطَلَ حَقُّهُ لِزَعْمِهِ اسْتِيفَاءَهُ .

وَإِنْ قَالَ أَحَلْتُك فَقَالَ وَكَّلْتَنِي صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ .

( وَإِنْ قَالَ ) الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ : ( أَحَلْتُك فَقَالَ ) الْمُسْتَحِقُّ : ( وَكَّلْتَنِي ) أَوْ قَالَ : أَرَدْت بِقَوْلِك : أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ ( صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ ) فِي الْأُولَى جَزْمًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ وَفِي الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ فَائِدَةِ هَذَا الْخِلَافِ عِنْدَ إفْلَاسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الصُّورَتَيْنِ انْدَفَعَتْ الْحَوَالَةُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الْآخَرِ ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْآخَرُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِاخْتِيَارِ ابْنِ كَجٍّ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ بِحَقِّهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَهُوَ أَمِينٌ أَوْ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ وَتَقَاصَّا .
خَاتِمَةٌ : لِلْمُحْتَالِ أَنْ يُحِيلَ غَيْرَهُ وَأَنْ يَحْتَالَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَدِينِهِ ، وَلَوْ أَجَرَ جُنْدِيٌّ إقْطَاعَهُ وَأَحَالَ بِبَعْضِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، ثُمَّ مَاتَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ فِيمَا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الْمُدَّةِ ، وَبُطْلَانُ الْحَوَالَةِ فِيمَا يُقَابِلُهُ ، وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِقَدْرِهَا ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْرَأُ الْمُحِيلُ مِنْهُ ، وَلَوْ أَقْرَضَ شَخْصٌ اثْنَيْنِ مِائَةً مَثَلًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ ، وَتَضَامَنَا فَأَحَالَ بِهَا شَخْصًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِالْحَوَالَةِ زِيَادَةَ صِفَةٍ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْقَدْرِ وَلَا فِي الصِّفَةِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَوْ أَحَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِخَمْسِينَ فَهَلْ تَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تُوَزَّعُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى إرَادَةِ الْمُحِيلِ ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا صَرَفَهُ بِنِيَّتِهِ فِيهِ

نَظَرٌ ، وَفَائِدَتُهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ الَّذِي يَأْخُذُهُ : أَيْ بِخَمْسِينَ ا هـ .
وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ غَرِيمَهُ الدَّائِنَ أَحَالَ عَلَيْهِ فُلَانًا الْغَائِبَ سُمِعَتْ وَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً صُدِّقَ غَرِيمُهُ بِيَمِينِهِ ، وَلَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ بِأَنْ تَثْبُتَ بِهَا الْحَوَالَةُ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ إنْ قَدِمَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ ، إذْ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُقْضَى بِهَا وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ ، لِأَنَّهُ إذْ قَدِمَ يَدَّعِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، لَا الْمُحِيلِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ .

بَابُ الضَّمَانِ
بَابُ الضَّمَانِ هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ ، وَشَرْعًا : يُقَالُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ ، أَوْ إحْضَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ، أَوْ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ ، وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ ، وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ ، وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ ، وَالزَّعِيمَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ ، وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ .
وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُتِيَ بِجِنَازَةٍ ، فَقَالَ : هَلْ تَرَكَ شَيْئًا ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ قَالُوا : ثَلَاثُ دَنَانِيرَ ، فَقَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ } .
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ " وَذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ ، وَإِنَّمَا لِمَ أَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } لِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ خَمْسَةٌ : ضَامِنٌ ، وَمَضْمُونٌ لَهُ ، وَمَضْمُونٌ عَنْهُ ، وَمَضْمُونٌ بِهِ ، وَصِيغَةٌ ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا سَتَرَاهُ .

بَابُ الضَّمَانِ شَرْطُ الضَّامِنِ : الرُّشْدُ ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ .

وَبَدَأَ بِشَرْطِ الضَّامِنِ ، فَقَالَ : ( شَرْطُ الضَّامِنِ ) لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ ( الرُّشْدُ ) وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لِعَدَمِ رُشْدِهِمْ .
تَنْبِيهٌ : يَرِدْ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُكْرَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَلَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ ، وَالنَّائِمُ فَإِنَّهُمْ رُشَدَاءُ ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ ، وَعَلَى عَكْسِهَا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ ، وَمَنْ سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ، وَالْفَاسِقُ فَإِنَّهُمْ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ وَلَيْسُوا بِرُشَدَاءَ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِأَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ وَالِاخْتِيَارِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ أَيْضًا فَإِنَّهُ وَصَفَ الصِّبْيَانَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بِالرُّشْدِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّشْدِ هُنَا صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا مَرَّ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِطْلَاقُ الرُّشْدِ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَجَازٌ .
وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ ، ثُمَّ قَالَ : كُنْت وَقْتَ الضَّمَانِ صَبِيًّا وَكَانَ فِي سِنٍّ مُحْتَمِلٍ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : كُنْت مَجْنُونًا وَعُرِفَ لَهُ جُنُونٌ سَابِقٌ صُدِّقَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ، ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ ، لِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ يُحْتَاطُ فِيهَا غَالِبًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقَعُ بِشُرُوطِهَا ، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَجْهَلُ الشُّرُوطَ ، وَالْغَالِبُ عَلَى الْعُقُودِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْعَامَّةُ الِاخْتِلَالُ ( وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ ) فِي ذِمَّتِهِ ( كَشِرَائِهِ ) بِثَمَنٍ فِيهَا ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ كَمَا سَبَقَ ، وَيُطَالَبُ بِمَا ضَمِنَهُ إذَا انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ وَأَيْسَرَ .

وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ قَضَى مِنْهُ .

( وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ) مَأْذُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ .
نَعَمْ إنْ ضَمِنَ سَيِّدُهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مِلْكُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا مَعَ أَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُلْعِ لِسُوءِ عِشْرَةِ الزَّوْجِ ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّمَانِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ وَيُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَأَيْسَرَ ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ ( وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ ) حَتَّى عَنْ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لَحِقَهُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ ، وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمَتْنِ عَلَى الصِّحَّةِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ، لِأَنَّهُ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ قَدْرَ الدَّيْنِ ؟ فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْمُتَّجَهُ اشْتِرَاطُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمَالِ السَّيِّدِ لَا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ ا هـ .
أَمَّا سَيِّدُهُ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَقِيقِهِ لَهُ ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ .
وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِذَا أَدَّى الرَّقِيقُ مَا ضَمِنَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْإِذْنِ مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ قَبْلَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لِسَيِّدِهِ أَوْ أَدَّى مَا ضَمِنَهُ عَنْ السَّيِّدِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ ، وَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّقِيقِ فِيهَا وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا حَالَ رِقِّهِ

كَمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِهَا فِي تِلْكَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ ، فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ( فَإِنْ عَيَّنَ ) السَّيِّدُ ( لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ ) مِنْ أَمْوَالِ السَّيِّدِ ( قَضَى مِنْهُ ) لِتَصْرِيحِهِ بِذَلِكَ : .

وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ ، وَإِلَّا فَبِمَا يَكْسِبُهُ .

نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ : اضْمَنْ فِي مَالٍ التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَحَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُؤَدِّ مِمَّا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ سَابِقٌ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْفَاضِلِ عَنْ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اقْتَصَرَ لَهُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ ) غَرِمَ الضَّمَانَ ( بِمَا فِي يَدِهِ ) وَقْتَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ ( وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ ) لَهُ فِي الضَّمَانِ كَمَا فِي الْمَهْرِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ اعْتَبَرُوا فِي الْكَسْبِ هُنَا حُدُوثَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ ، وَثَمَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ فَتَعَلَّقَ بِمَا بَعْدَ الْإِذْنِ ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ( فَبِمَا ) أَيْ فَيَتَعَلَّقُ غُرْمُ الضَّمَانِ بِمَا ( يَكْسِبُهُ ) بَعْدَ إذْنٍ فِيهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَالثَّالِثُ : فِي الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ فَقَطْ .
وَالرَّابِعُ : يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَبِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ فَقَطْ .
وَالثَّالِثُ : فِي الثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ ، وَالْمُبَعَّضِ إذَا لَمْ تَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ ، أَوْ جَرَتْ وَضَمِنَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ فِيمَا ذُكِرَ .
أَمَّا إذَا جَرَتْ مُهَايَأَةٌ فِي الْمُبَعَّضِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ إذَا ضَمِنَ فِي نَوْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا بِدُونِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ .
وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ سَيِّدَهُ صَحَّ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : يَنْبَغِي أَنْ

يُجْزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ .
قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَالْقِنِّ ، لَكِنْ هَلْ الْمُعْتَبَرُ إذْنُ مَالِكِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الْقِنِّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِكَسْبِهِ ؟ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّعَلُّقِ بِكَسْبِهِ بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ بِمُفْرَدِهِ ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا يَصِحُّ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَ شَيْخِي : اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ وَهِيَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ اعْتِبَارُ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ بِنَاءً عَلَى الشَّقِّ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْمَطْلَبِ ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا .

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ ،

.
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ لَهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي فَقَالَ : ( وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ كَمَعْرِفَتِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ ، وَجَرَى بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ مُحَاوَرَاتٌ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الطَّلَبِ ، فَيَكُونُ الْمُوَكِّلُ أَسْهَلَ فِي ذَلِكَ غَالِبًا .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَى الْمُعَامَلَةِ لِلْأَيْتَامِ وَالْمَحْجُورِينَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفهُمْ الْمَدِينُ بِحَالٍ ، وَالْمُمَارَاةُ فِيهِ جُمُودٌ لَا يَلِيقُ بِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَنْ دُونَهُ ا هـ .
وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ ضَمِنَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْهُ هَلْ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ : أَيْ مَعْرِفَةِ الضَّامِنِ الْمَضْمُونَ لَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي ، فَأَضَافَ الْمَصْدَرَ إلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ قَلِيلٌ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَالْمُرَادُ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْنِ لَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا الْمُعَامَلَةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ ( وَ ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ ( أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ ) لِلضَّمَانِ ( وَ ) لَا ( رِضَاهُ ) لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ الرِّضَا ، ثُمَّ الْقَبُولُ لَفْظًا .
وَالثَّالِثُ : يُشْتَرَطُ الرِّضَا دُونَ الْقَبُولِ لَفْظًا تَنْبِيهٌ : لَوْ زَادَ لَا قَبْلَ رِضَاهُ كَمَا قَدَّرْتهَا تَبَعًا

لِلْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَمَعَ حَذْفِهَا لَا يُسْتَفَادُ إلَّا نَفْي الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَصْدُقُ الْكَلَامُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ .

وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ .
، ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ ، فَقَالَ ( وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ ) وَهُوَ الْمَدِينُ ( قَطْعًا ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى ، وَكَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً ( وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ ) قِيَاسًا عَلَى رِضَاهُ ، إذْ لَيْسَ ثَمَّ مُعَامَلَةٌ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ لِيَعْرِفَ هَلْ هُوَ مُوسِرٌ أَوْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ يَسْتَحِقُّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ أَوْ لَا ، وَرَدَّ بِأَنَّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ لِأَهْلِهِ وَلِغَيْرِ أَهْلِهِ مَعْرُوفٌ .

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ ، فَقَالَ : ( وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ ) وَهُوَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ ( كَوْنُهُ ) حَقًّا ( ثَابِتًا ) حَالَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ ، سَوَاءٌ أَجَرَى سَبَبَ وُجُوبِهِ : كَنَفَقَةِ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَخَادِمهَا أَمْ لَا كَضَمَانِ مَا سَيُقْرِضُهُ لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَثِيقَةُ الْحَقِّ فَلَا يَسْبِقُهُ كَالشَّهَادَةِ ، فَيَصِحُّ بِنَفَقَةِ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَمَا قَبْلَهُ لِثُبُوتِهِ لَا بِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمُسْتَقْبَلٍ كَمَا مَرَّ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَفِي يَوْمِهِ وَجْهَانِ : صَحَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا الْمَنْعَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا سَبِيلَ الدُّيُونِ ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَضِيَافَةِ الْغَيْرِ ، وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ اعْتِرَافُ الضَّامِنِ لَا ثُبُوتُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ : لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مِائَةٌ ، وَأَنَا ضَامِنُهُ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو فَلِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الْقَائِلِ فِي الْأَصَحِّ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : ثَابِتًا صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ : أَيْ حَقًّا ثَابِتًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فَيَشْمَلُ الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ أَيْضًا ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَمْ عَمَلًا فِي الذِّمَّةِ بِالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَعْيَانِ صَرَّحَ فِيهِ بِالدَّيْنِ .

وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ .

فَقَالَ هُنَاكَ : وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا ( وَصَحَّحَ ) فِي ( الْقَدِيمِ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ ) كَثَمَنِ مَا سَيَبِيعُهُ أَوْ مَا سَيُقْرِضُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ ( وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا ، وَهُوَ التَّبِعَةُ : أَيْ الْمُطَالَبَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ ثَابِتٌ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُعَامَلَةِ الْغَرِيبِ وَيَخَافُ أَنْ يُخْرِجَ مَا يَبِيعُهُ مُسْتَحَقًّا وَلَا يُظْفَرُ بِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّوَثُّقِ بِهِ ، وَيُسَمَّى أَيْضًا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ لِالْتِزَامِ الضَّامِنِ مَا فِي عُهْدَةِ الْبَائِعِ رَدُّهُ ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّكِّ الْمَكْتُوبِ فِيهِ الثَّمَنُ ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْعُهْدَةِ مَجَازًا ، تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ ( بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ ، وَخَرَجَ بِبَعْدِ قَبْضِ الثَّمَنِ مَا لَوْ ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَبَاعَ الْحَاكِمُ عَقَارَهُ مِنْ الْمُدَّعِي بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ لَهُ الدَّرَكَ شَخْصٌ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِعَدَمِ الْقَبْضِ ، وَنَحْوُهُ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ : لَوْ أَجَرَ الْمَدْيُونُ وَقْفًا عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ ضَمَانَ الدَّرَكِ .
ثُمَّ بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ أُجْرَةٌ بِحَالِهِ فَلَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ( وَهُوَ ) أَيْ ضَمَانُ الدَّرَكِ ( أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا ) أَوْ إنْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ ( أَوْ مَعِيبًا ) وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي ( أَوْ نَاقِصًا ) إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ ( لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ ) الَّتِي وُزِنَ بِهَا ، وَهِيَ بِفَتْحِ الصَّادِ فَارِسِيَّةٌ وَعُرِّبَتْ وَالْجَمْعُ

صِنَجٌ ، وَيُقَالُ : سِنْجَةٌ بِالسِّينِ خِلَافًا لِابْنِ السِّكِّيتِ ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ مَا سَيَجِبُ ، وَوَجْهُ صِحَّتِهِ مَا مَرَّ ، وَفِي قَوْلٍ هُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ ، وَرَدَّ بِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ كَمَا ذُكِرَ تَبَيَّنَ وُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الضَّامِنِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ ، فَإِنْ جَهِلَهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَيْفِيَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي : ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ الثَّمَنِ أَوْ دَرَكَهُ أَوْ خَلَاصَك مِنْهُ ، فَإِنْ قَالَ : ضَمِنْت لَك خَلَاصَ الْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَخْلِيصِهِ إذَا اسْتَحَقَّ ، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَفِيلًا بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ ضَمِنَ دَرَكَ الثَّمَنِ وَخَلَاصَ الْمَبِيعِ مَعًا صَحَّ ضَمَانُ الدَّرَكِ دُونَ ضَمَانِ خَلَاصِ الْمَبِيعِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ ، وَلَا يَخْتَصُّ ضَمَانُ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ ، بَلْ يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ ، وَلَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ فَسَادِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عُهْدَةَ الْعَيْبِ أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ صَحَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ بِأَنْ يَقُولَ : ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ أَوْ دَرَكَ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَوْ خَصَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ بِنَوْعٍ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا لَمْ يُطَالَبْ بِجِهَةٍ أُخْرَى ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا طُولِبَ الضَّامِنُ بِقِسْطِ الْمُسْتَحِقِّ .

تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الصِّحَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ أَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ إنْ اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِ إنْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا ؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا اسْتِحْقَاقَ فِيهِ يُتَصَوَّرُ ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَقْبُوضِ .

فَرْعٌ : لَوْ اخْتَلَفَ الضَّامِنُ وَالْبَائِعُ فِي نَقْصِ الصَّنْجَةِ صُدِّقَ الضَّامِنُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مَشْغُولَةً بِخِلَافِ الضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالنَّقْصِ لَا الضَّامِنَ إلَّا إنْ اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَالْمَضْمُونُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ قِيمَتُهُ عِنْدَ التَّلَفِ ، بَلْ الْمَضْمُونُ مَالِيَّتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ .
قَالَ : وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي ، وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا .

وَكَوْنُهُ لَازِمًا ، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ .
فَائِدَةٌ : قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : لَا يَضْمَنُ دَرَكَ الْمَبِيعِ إلَّا أَحْمَقُ ، وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ لِصٌّ ، وَأَرَادَ بِهِ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْمَضْمُونُ دَيْنًا ( لَازِمًا ) غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَدَيْنِ السَّلَمِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَثُّقِ ، لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى الِاسْتِقْرَارِ ( لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ ) ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهَا بِالْفَسْخِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَثُّقِ عَلَيْهِ ، وَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِهَا لِأَجْنَبِيٍّ لَا لِلسَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا يَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْمُكَاتَبِ بِعَجْزِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ مِنْ السَّيِّدِ عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ يُتَوَسَّعُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ .

وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ ، فَأُلْحِقَ بِاللَّازِمِ ، وَالثَّانِي : لَا ، لِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي الْحَالِ ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ .
أَمَّا إذَا مَنَعَهُ فَهُوَ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَّجَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْحَوَالَةَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ .

وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ .
( وَضَمَانُ الْجُعْلِ ) فِي الْجِعَالَةِ ( كَالرَّهْنِ بِهِ ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَطْعًا ، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَصَحِّ ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي ، فَلَهُ دِينَارٌ فَضَمِنَهُ عَنْهُ ضَامِنٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ؛ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ إلَى اللُّزُومِ إلَّا بِالْعَمَلِ ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ .

وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ .
( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْمَضْمُونِ ( مَعْلُومًا ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا ( فِي الْجَدِيدِ ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ وَلَا غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ ، وَالْقَدِيمُ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ ، مِثْلُ : أَنَا ضَامِنٌ مَا بِعْت مِنْ زَيْدٍ ، كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، فَإِنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْهُ بَطَلَ جَزْمًا .

تَنْبِيهٌ : جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ ثَلَاثَةٌ : كَوْنُهُ ثَابِتًا لَازِمًا مَعْلُومًا .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَبَقِيَ لِلْمَضْمُونِ شَرْطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَهْمَلَهُ الشَّيْخَانِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَابِلًا ؛ لَأَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ ، فَيَخْرُجُ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ا هـ .
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : وَحَقُّ الشُّفْعَةِ ا هـ وَهَذَا الشَّرْطُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ حَقُّ الْقَسْمِ لِلْمَظْلُومَةِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِلْمَرْأَةِ ، وَعَلَى عَكْسِهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ ضَمَانُهُ ، وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ لِلْمَرِيضِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ .

تَتِمَّةٌ : يَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ كَمَغْصُوبَةٍ وَمُسْتَعَارَةٍ وَمُسْتَامَةٍ وَمَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ كَمَا يَصِحُّ بِالْبَدَنِ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ ، وَيَبْرَأُ الضَّامِنُ بِرَدِّهَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَيَبْرَأُ أَيْضًا بِتَلَفِهَا ، فَلَا يَلْزَمهُ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ ، وَلَوْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِيمَةِ ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَيْنِ إذَا أَذِنَ فِيهِ وَاضِعُ الْيَدِ أَوْ كَانَ الضَّامِنُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ نَقَلَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ .

وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ
( وَالْإِبْرَاءُ ) مِنْ الْعَيْنِ بَاطِلٌ جَزْمًا وَكَذَا ( مِنْ ) الدَّيْنِ ( الْمَجْهُولِ ) جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً ( بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ ) ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الرِّضَا وَلَا يَعْقِلُ مَعَ الْجَهَالَةِ ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالْإِعْتَاقِ ، وَمَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ أَوْ إسْقَاطٌ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمُبْرَأِ مِنْهُ ، وَعَلَى الثَّانِي : لَا فَيَصِحُّ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ ، بَلْ يَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَضَعْفِهِ .
ا هـ .
وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقٍ اُشْتُرِطَ عِلْمُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَإِلَّا فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُبَرِّئِ إسْقَاطٌ عَنْ الْمُبْرَأِ عَنْهُ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَطَرِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ أَنَّهُ يَذْكُرُ عَدَدًا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ هَلْ لَهُ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فَيُبَرِّئُهُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا .

إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ ، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ .
( إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ ) فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِهَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَيُغْتَفَرُ فِي الْإِبْرَاءِ تَبَعًا لَهُ ( وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ ) كَالْإِبْرَاءِ ؛ وَلِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ السِّنِّ وَالْعَدَدِ وَيَرْجِعُ فِي صِفَتِهَا إلَى غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ ، وَالثَّانِي : لَا لِجَهَالَةِ وَصْفِهَا ، وَالْإِبْرَاءُ مَطْلُوبٌ فَوُسِّعَ فِيهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ ، فَالْوَجْهَانِ عَلَى الْجَدِيدِ ، وَيَصِحُّ عَلَى الْقَدِيمِ جَزْمًا ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ ضَامِنُهَا إذَا ضَمِنَهَا بِالْإِذْنِ وَغَرِمَهَا بِمِثْلِهَا لَا بِقِيمَتِهَا كَالْقَرْضِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي .
وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ بَعْدُ ، وَلَوْ سَلَّمَ ثُبُوتَهَا فَلَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا آيِلَةً إلَى اللُّزُومِ عَنْ قُرْبٍ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ .

فُرُوعٌ : لَوْ مَلَّكَهُ مَدِينُهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بَرِيءَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ كَالْإِبْرَاءِ وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدَ خَصْمَيْهِ مُبْهِمًا لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ أَبْرَأَ وَارِثٌ عَنْ دَيْنِ مُوَرِّثِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ صَحَّ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْهُ زَكَاتَهُ صَحَّ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ ، وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ ، إذَا ضَمِنَ عَنْ حَيٍّ ، فَإِنْ ضَمِنَ عَنْ مَيِّتٍ جَازَ الْأَدَاءُ عَنْهُ .
وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ .

وَلَوْ قَالَ : ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ .
قُلْتُ : الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ اسْتَحَلَّ مِنْهُ مِنْ غِيبَةٍ اغْتَابَهَا وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَهُ فَأَحَلَّهُ مِنْهَا فَهَلْ يَبْرَأُ مِنْهَا أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : نَعَمْ ، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ عَبْدٍ ، ثُمَّ عَفَا سَيِّدُهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَقْطُوعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رِضَاهُ وَلَا يُمْكِنُ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ وَيُفَارِقُ الْقِصَاصَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ بِخِلَافِ إسْقَاطِ الْمَظَالِمِ ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ .
قَالَ : لِأَنَّهُ قَدْ يُسَامِحُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ ، وَزَعَمَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِهِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ( وَلَوْ قَالَ : ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ بِذِكْرِ الْغَايَةِ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمِقْدَارِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ ( وَ ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ ( أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ ) إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ فِي الِالْتِزَامِ .
( قُلْتُ : الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إدْخَالًا لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ ، وَقِيلَ لِثَمَانِيَةٍ إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وُقُوعَ الثَّلَاثِ ، وَقِيَاسُهُ تَعَيُّنُ الْعَشَرَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ آسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ ، وَلَوْ ضَمِنَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَقَالَ : ضَمِنْت دَرَاهِمَك الَّتِي عَلَى فُلَانٍ صَحَّ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي التَّفْوِيضِ فِي الصَّدَاقِ لِدُخُولِهَا فِي

اللَّفْظِ بِكُلِّ حَالٍ .

فَصْلٌ الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ .
فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ، وَمَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى .

فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ ، وَتُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةَ الْوَجْهِ ( الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ ) فِي الْجُمْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي مَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهِيَ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا ، وَاسْتُؤْنِسَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لِتَأْتُنَّنِي بِهِ } وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ .
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَفَالَةُ الْبَدَنِ ضَعِيفَةٌ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ ( فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِالْبَدَنِ لَا بِالْمَالِ ( وَ ) لَكِنْ ( يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمَالِ ( مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ ) فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ الْمُكَاتَبِ لِلنُّجُومِ الَّتِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا كَمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : كَأَصْلِهِ : مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يُوهِمُ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ تَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَشْمَلُهُ الضَّابِطُ الْآتِي ( وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ) وَتَعْزِيرٍ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ فَأَشْبَهَ الْمَالَ ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّفْعِ فَتُقْطَعُ الذَّرَائِعُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى تَوْسِيعِهَا .
وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي ( وَ ) الْمَذْهَبُ ( مَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ) كَحَدِّ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ؛ لِأَنَّهَا يَسْعَى فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهُمَا الصِّحَّةُ كَحُدُودِ الْآدَمِيِّينَ ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ مَحَلُّ الْمَنْعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَتَحَتَّمْ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ ، فَإِنْ

تَحَتَّمَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالصِّحَّةِ ضَعِيفٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .

وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ .

تَنْبِيهٌ الضَّابِطُ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ وُقُوعُهَا بِإِذْنٍ مِنْ الْمَكْفُولِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْكَفِيلِ لَهُ بِبَدَنِ مَنْ لَزِمَهُ إجَابَةٌ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِعْدَاءِ لِلْحَقِّ كَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ يَدَّعِي رَجُلٌ زَوْجِيَّتَهَا ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا ، أَوْ بِبَدَنِ رَجُلٍ تَدْعِي آمْرَأَةٌ زَوْجِيَّتَهُ ، أَوْ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ لِمَنْ ثَبَتَتْ زَوْجِيَّتُهُ ، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ، وَكَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُوَلِّيًا ( وَتَصِحُّ ) الْكَفَالَةُ ( بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) بِإِذْنِ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إحْضَارَهُمَا لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِمَا فِي الْإِتْلَافَاتِ وَغَيْرِهَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفُوا اسْمَهُمَا وَنَسَبَهُمَا ، وَيُطَالِبُ الْكَفِيلُ وَلِيَّهُمَا بِإِحْضَارِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، فَإِنْ صَدَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَكَالْكِفَالَةِ بِبَدَنِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كَفَالَةِ بَدَنِ السَّفِيهِ إذْنُ وَلِيِّهِ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ( وَ ) بِبَدَنِ ( مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ ) بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي عُمُومِ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مُتَوَقَّعٌ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ فِي الْحَالِ كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُعْسِرِ الْمَالَ .
وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ أَذِنَ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ بِهَا حَاكِمٌ ، أَوْ إلَى فَوْقِ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَوَقَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّتْ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ مَعَهُ لِأَجْلِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ ، بَلْ لَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي ( وَ ) بِبَدَنِ ( مَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيَشْهَدَ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ ( عَلَى صُورَتِهِ ) إذَا تَحَمَّلَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ .
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَحَلَّ

ذَلِكَ قَبْلَ دَفْنِهِ وَقَبْلَ تَغَيُّرِهِ ، وَلَا نُقِلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِ الْوَارِثِ إذَا اشْتَرَطْنَا إذْنَ الْمَكْفُولِ .
ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ ، لَكِنْ مَحَلُّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ إذْنُ وَلِيِّهِ ، وَدَخَلَ فِي الْوَارِثِ بَيْتُ الْمَالِ ، وَبَقِيَ مَا لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَانْتَقَلَ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .

ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَكَان التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَمَكَانُهَا ، وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ ، وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَيَقُولَ سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ .

( ثُمَّ إنْ عَيَّنَ ) الْكَفِيلُ فِي الْكَفَالَةِ ( مَكَانٍ التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ ) تَبَعًا لِشَرْطِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُعَيَّنْ مَكَانًا ( فَمَكَانُهَا ) أَيْ الْكَفَالَةُ يَتَعَيَّنُ كَمَا فِي السَّلَمِ فِيهِمَا ، وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ مَوْضِعُ التَّكَفُّلِ كَاللُّجَّةِ ، أَوْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ .
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِمَفْهُومِ كَلَامِهِمْ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالتَّكَفُّلُ مَحْضُ الْتِزَامٍ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ ( وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ ) أَوْ بِتَسْلِيمِ وَكِيلِهِ ( فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ ) الْمَذْكُورِ ( بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ ) يَمْنَعُ الْمَكْفُولَ لَهُ عَنْهُ لِقِيَامِهِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ مَعَ وُجُودِ الْحَائِلِ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِتَسْلِيمِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ غَرَضٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَفَوْتِ حَاكِمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ ، وَإِنْ امْتَنَعَ لَا لِغَرَضٍ تَسَلَّمَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ التَّسَلُّمَ حِينَئِذٍ لَازِمٌ لَهُ ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَيْنِ وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالْحَقِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِ حَقٍّ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ ( وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ ) فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ ( وَيَقُولَ ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ ( سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ ) كَمَا يَبْرَأُ الضَّامِنُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ الدَّيْنَ ، وَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفِيلِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَشْهَدَ الْمَكْفُولُ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ

كَفَالَةِ فُلَانٍ وَبَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهَا ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ ، ثُمَّ الْإِشْهَادُ .
تَنْبِيهٌ : إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُسَلِّمَانِ أَنْفُسَهُمَا عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ وَقْفَةٌ ، إذْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَ حَصَلَ التَّسْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا .
ا هـ .
وَهُوَ حَسَنٌ .
( وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ ) مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ : سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ وَلَا أَحَدٍ عَنْ جِهَتِهِ ، فَلَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ بِإِذْنِهِ بَرِيءَ ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ ، فَإِنْ قَبِلَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ بَرِيءَ الْكَفِيلُ ، وَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ ، إنْ قَالَ سَلَّمْته عَنْ صَاحِبِي كَانَ كَمَا لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنَانِ فَانْفَكَّ أَحَدُهُمَا لَا يَنْفَكُّ الْآخَرُ ، وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ ، وَلَوْ تَكَافَلَ كَفِيلَانِ ، ثُمَّ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا الْمَكْفُولَ بِهِ بَرِيءَ مُحْضِرُهُ مِنْ الْكَفَالَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، وَبَرِئَ الْآخَرُ مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كَفِيلَهُ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ هُوَ وَلَا أَحَدٌ عَنْ جِهَتِهِ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ مِنْ حَقِّهِ بَرِيءَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَا حَقَّ لِي عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ قِبَلَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْأَقْرَبُ كَمَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ بِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ .

فَإِنْ غَابَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ .
( فَإِنْ غَابَ ) الْمَكْفُولُ ( لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ ) لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَأَشْبَهَ الْمُعْسِرَ بِالدَّيْنِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ : إنَّهُ لَا يَعْلَمُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ عَلِمَ مَكَانَهُ ( فَيَلْزَمُهُ ) إحْضَارُهُ ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَغَيْبَةِ مَالِ الْمَدْيُونِ إلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عِنْد الْكَفَالَةِ كَمَا مَرَّ أَوْ غَابَ بَعْدَهَا بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ ، وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى مَنْ يَمْنَعُهُ ، وَمَا يَغْرَمُهُ الْكَفِيلُ مِنْ مُؤْنَةِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي مَالِهِ ( وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ ) عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَتَجْهِيزِ الْمَكْفُولِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهَا .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ إمْهَالُهُ عِنْدَ الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ لِانْتِظَارِ رُفْقَةٍ يَأْمَنُ بِهِمْ وَعِنْدَ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ الشَّدِيدَةِ وَالْأَوْحَالِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي لَا تُسْلَكُ عَادَةً ، وَلَا يُحْبَسُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ .
ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ

فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ ، وَقِيلَ : إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ .

( فَإِنْ مَضَتْ ) أَيْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ ( وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ ) : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنْ لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فَلَوْ أَدَّاهُ ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَهُ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْأَقْرَبُ عَدَمُ اسْتِرْدَادِهِ ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْأَدَاءِ لِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ .
ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَبَرِّعًا ، وَإِنَّمَا غَرِمَهُ لِلْفُرْقَةِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي : أَنْ يُلْحَقَ بِقُدُومِهِ تَعَذُّرُ حُضُورِهِ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ ، وَإِذَا حُبِسَ أُدِيمَ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَتَعَذَّرَ إحْضَارُ الْغَائِبِ بِمَوْتٍ أَوْ جَهْلٍ بِمَوْضِعِهِ أَوْ إقَامَةٍ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ( وَقِيلَ : إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) فَأَكْثَرَ ( لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ ) كَالْوَلِيِّ وَشَاهِدِ الْأَصِيلِ ، فَإِنَّ غَيْبَتَهُمَا إلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ كَالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ .
( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ ) أَوْ لَمْ يُدْفَنْ أَوْ هَرَبَ أَوْ تَوَارَى ( لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ النَّفْسَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إحْضَارِهَا ، وَالثَّانِي : يُطَالَبُ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْإِحْضَارِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ هَذِهِ الْوَثِيقَةِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يُخَلِّفَ الْمَكْفُولُ وَفَاءً أَمْ لَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُخَلِّفْ ذَلِكَ .
ا هـ .
وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا جَزْمًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ بِالدَّفْنِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ تَكَلَّم فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَيَسْتَوِي فِيهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ .
ا هـ .
وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ أَوْ لَمْ يُدْفَنْ وَقَبْلَ الدَّفْنِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى إحْضَارِهِ

لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ أَحْضَرَهُ الْكَفِيلُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ رَقِيقٍ فَمَاتَ أَوْ زَوْجَةٍ فَمَاتَتْ .

وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بَطَلَتْ .
( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ ) كَقَوْلِهِ كَفَلْت بَدَنَهُ بِشَرْطِ الْغُرْمِ أَوْ عَلَى أَنِّي أَغْرَمُ ( بَطَلَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا بَطَلَ الشَّرْطُ فَقَطْ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ بِشَرْطِ رَدِّ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ أَوْ لِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ بِشَرْطِ الْحُلُولِ بِجَامِعِ أَنَّهُ زَادَ خَيْرًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي تِلْكَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ ، وَفِي هَذِهِ أَصْلٌ يُفْرَدُ بِعَقْدٍ .
وَالتَّابِعُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ ، وَلَوْ قَالَ : كَفَلْت بَدَنَهُ ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيَّ الْمَالُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ ، وَبَطَلَ الْتِزَامُ الْمَالِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْطُ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ .

وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ

( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ ) الَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهُ أَوْ الْوَلِيِّ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَغْرَمُ الْمَالَ عِنْدَ الْعَجْزِ فَلَا فَائِدَةَ إلَّا حُضُورُ الْمَكْفُولِ ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ مَعَ الْكَفِيلِ حِينَئِذٍ .
وَالثَّانِي : تَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إحْضَارِهِ .
تَنْبِيهٌ : عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ لَهُ ، فَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَةُ الْكَفِيلِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ مُطَالَبَتُهُ ، وَإِنْ طَالَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنٍ إلَّا إنْ سَأَلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ إحْضَارَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ : أَحْضِرْهُ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ إذَا أَحْضَرَهُ بِاسْتِدْعَاءِ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ ، بَلْ لِأَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْحَقِّ ، وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الدَّعْوَى ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ اسْتِدْعَاءُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَوْ طَلَبَ إحْضَارَ خَصْمِهِ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ مَعَهُ ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْكَفِيلُ مِنْ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَمْ يُحْبَسْ .
أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ فَإِنَّهُ حُبِسَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ : وَهِيَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ : أَحْضِرْهُ إلَى الْقَاضِي فَلِأَنَّهُ وَكِيلٌ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَالٌ كَمَا مَرَّ وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيَبْقَى الْحَقُّ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ ، فَلَوْ خَلَّفَ وَرَثَةً وَغُرَمَاءَ وَأَوْصِيَاءَ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ

إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْجَمِيعِ ، وَيَكْفِي التَّسْلِيمُ إلَى الْمُوصَى لَهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَصِيِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : أَيْ إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مَحْصُورًا لَا كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ .

فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ كَضَمِنْتُ دَيْنَك عَلَيْهِ أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ ، أَوْ أَنَا بِالْمَالِ أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ .

فَصْلٌ فِي بَيَانِ الصِّيغَةِ ، وَهِيَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ لِلضَّمَانِ الشَّامِلِ لِلْكَفَالَةِ مُعَبِّرًا عَنْ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ فَقَالَ : ( يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ ) لِلْمَالِ ( وَالْكَفَالَةِ ) لِلْبَدَنِ صِيغَةٌ لِتَدُلَّ عَلَى الرِّضَا ، وَهِيَ ( لَفْظٌ ) صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ ( يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ ، وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَةُ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٌ ( كَضَمِنْتُ ) لَك ( دَيْنَك عَلَيْهِ ) أَيْ فُلَانٍ ( أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته ) أَوْ الْتَزَمْته ( أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ أَوْ أَنَا بِالْمَالِ ) الَّذِي عَلَى زَيْدٍ ( أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ ) أَوْ قَبِيلٌ أَوْ عَلَيَّ مَا عَلَى فُلَانٍ لِثُبُوتِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ مَعَ اشْتِهَارِ لَفْظِ الْكَفَالَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرَائِحُ ، وَمِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ خَلِّ عَنْ فُلَانٍ ، وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ عِنْدِي ، أَوْ دَيْنُ فُلَانٍ إلَيَّ ، وَلَوْ تَكَفَّلَ فَأَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ ، ثُمَّ وَجَدَهُ مُلَازِمًا لِلْخَصْمِ ، فَقَالَ : خَلِّهِ وَأَنَا عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَالَةِ صَارَ كَفِيلًا ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُبْتَدِئٌ بِالْكَفَالَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ مُخْبِرٌ بِهِ عَنْ كَفَالَةٍ وَاقِعَةٍ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَهُ بَعْدَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ : أَقْرَرْتُك عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ تَعُدْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ غَرَرٍ وَغَبْنٍ ، فَيَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا ، وَلَوْ قَالَ : تَكَفَّلْت بِجِسْمِهِ أَوْ رُوحِهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ : تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ أَوْ مَا لَا يَبْقَ الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالرَّأْسِ وَالرُّوحِ وَالدِّمَاغِ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ ، وَلَيْسَ

فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ تَصْرِيحٌ بِتَصْحِيحٍ أَمَّا مَا يَبْقَى الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَلَا يَكْفِي ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ عَنْ قَوْلِهِمْ : كُلُّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ كَالطَّلَاقِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْجُزْءِ ، وَمَا لَا كَالْبَيْعِ فَلَا وَالْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا كَمَا سَيَأْتِي وَيَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى الْجُزْءِ .

وَلَوْ قَالَ : أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِشَرْطٍ وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ .
تَنْبِيهٌ : ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ لَفْظَةَ لَكَ بَعْدَ ضَمِنْت كَمَا قَدَّرْتهَا فِي كَلَامِهِ ، فَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الظَّاهِرُ ( وَلَوْ قَالَ : أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ ) بِالِالْتِزَامِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إلَّا إنْ صَحِبَتْهُ قَرِينَةُ الِالْتِزَامِ فَيَلْزَمُ .
( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا ) أَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ ( بِشَرْطٍ ) كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ ضَمِنْت مَا عَلَى فُلَانٍ أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ فَلَا يَقْبَلَانِ التَّعْلِيقَ كَالْبَيْعِ وَالثَّانِي : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا كَالطَّلَاقِ ، وَالثَّالِثُ : يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ دُونَ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَاجَةِ .
( وَ ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ ( لَا ) يَجُوزُ ( تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ ) كَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ إلَى شَهْرٍ وَبَعْدَهُ أَنَا بَرِيءٌ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَسْلِيمِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْمَالِ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأَدَاءُ ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَأْقِيتُ الضَّمَانِ قَطْعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ .

وَلَوْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ شَهْرًا جَازَ ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا .

وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الضَّمَانِ لِلضَّامِنِ وَلَا فِي الْكَفَالَةِ لِلْكَفِيلِ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ فِيهِمَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْغَرَرِ .
أَمَّا شَرْطُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالطَّلَبِ إلَيْهِ أَبَدًا ، وَشَرْطُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ كَشَرْطِهِ لِلضَّامِنِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ خِيَارٍ مُفْسِدٍ أَوْ قَالَ الضَّامِنُ أَوْ الْكَفِيلُ : لَا حَقَّ عَلَى مَنْ ضَمِنْت أَوْ تَكَفَّلْت بِهِ أَوْ قَالَ الْكَفِيلُ : بَرِئَ الْمَكْفُولُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَا وَبَرِئَا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَالْمَكْفُولِ بِهِ ، وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ بِشَرْطِ إعْطَاءِ مَالٍ لَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ ، وَتَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِقَوْلِهِ كَفَلْت زَيْدًا أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا ، وَبِقَوْلِهِ : تَكَفَّلْت بِزَيْدٍ فَإِنْ أَحْضَرْتَهُ وَإِلَّا فَبِعَمْرٍو ، وَبِقَوْلِهِ : أُبَرِّئُ الْكَفِيلَ وَأَنَا كَفِيلُ الْمَكْفُولِ ( وَلَوْ نَجَّزَهَا ) أَيْ الْكَفَالَةَ ( وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ ) بِمَعْلُومٍ كَأَنْ جَعَلَهُ ( شَهْرًا جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ مُؤَجَّلًا كَالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ نَجَّزَهَا عَنْ تَأْجِيلِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ جَوَازُ تَأْجِيلِهَا فَهُوَ مُتَجَوِّزٌ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ شَرَطُ تَأْخِيرِ الْإِحْضَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَبِقَوْلِهِ شَهْرًا عَنْ التَّأْجِيلِ بِمَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَكَمَا سَبَقَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شَرَطَ التَّسْلِيمَ فِيهِ .
( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ فَصُحِّحَ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ ، وَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ إلَّا كَمَا الْتَزَمَ ، وَلَا نَقُولُ الْتَحَقَ الْأَجَلُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَإِنَّمَا

يَثْبُتُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يُؤَجَّلُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ : الْأُولَى إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُطَالَبَ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ ، وَيُعْمَلُ بِهَا .
الثَّانِيَةُ : إذَا نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَصْحِيحُهُ .
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ : وَالْأَصَحُّ مَا فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ وَالْمِنْهَاجِ .
ا هـ .
وَلَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا .

وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ .
تَنْبِيهٌ : شَمَلَ قَوْلُهُ : ضَمَانُ الْحَالِّ مَنْ تَكَفَّلَ كَفَالَةً شَرَطَ فِيهَا تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ بِبَدَنِ مَنْ تَكَفَّلَ بِغَيْرِهِ كَفَالَةً لَمْ يَشْرُطْ فِيهَا ذَلِكَ وَلِهَذَا كَانَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ضَمَانُ الْمَالِ الْحَالِّ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ التَّعْجِيلِ فَصَحَّ كَأَصْلِ الضَّمَانِ ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِمَا مَرَّ ( وَ ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ ( أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ ) كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ الْأَصِيلُ ، وَالثَّانِي : يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ لَزِمَ فَلَزِمَتْهُ الصِّفَةُ كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا لِقَضَاءِ حَقِّ الْمُشَابَهَةِ ؟ وَجْهَانِ : وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ فِي حَقِّهِ تَابِعًا حَلَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَضْمُونُ لَهُ ، وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ .
فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ تَصْحِيحُ ضَمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا وَعَكْسُهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا لَوْ رَهَنَ عَلَى الدَّيْنِ الْحَالِّ ، وَشَرَطَ فِي الرَّهْنِ أَجَلًا ، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ كِلَاهُمَا وَثِيقَةٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْمَرْهُونِ إذَا كَانَ يَنْفَعُ الرَّاهِنَ وَيَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ ، وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ لِلرَّاهِنِ إمَّا بِحَبْسِ الْمَرْهُونِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ وَإِمَّا بِبَيْعِهِ فِي الْحَالِ قَبْلَ حُلُولِهِ .

وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ .
( وَلِلْمُسْتَحِقِّ ) أَيْ الْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ وَارِثِهِ ( مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ ) بِالدَّيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا أَوْ يُطَالَبُ أَحَدُهُمَا بِبَعْضِهِ وَالْآخَرُ بِبَاقِيهِ .
أَمَّا الضَّامِنُ فَلِحَدِيثِ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } .
وَأَمَّا الْأَصِيلُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ : يَلْزَمُ مِنْ مُطَالَبَتِهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ أَنَّهُ يُطَالِبُ بِمِائَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِمِائَةٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ لَيْسَ فِي الْمُطَالَبَةِ ، إنَّمَا الْمَمْنُوعُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَخْذُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ أَحَدِهِمَا .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الضَّامِنِ ، هُوَ الَّذِي عَلَى الْأَصِيلِ لَا غَيْرِهِ وَالذِّمَّتَانِ مَشْغُولَتَانِ بِهِ كَالرَّهْنَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ أَفْلَسَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ ، فَقَالَ الضَّامِنُ لِلْحَاكِمِ بِعْ أَوَّلًا مَالَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ، وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ : أُرِيدُ أَبِيعُ مَالَ أَيِّكُمَا شِئْت قَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِالْإِذْنِ أُجِيبَ الضَّامِنُ وَإِلَّا فَالْمَضْمُونُ لَهُ ، وَإِذَا رَهَنَ رَهْنًا ، وَأَقَامَ ضَامِنًا خُيِّرَ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ بَيْعِ الرَّهْنِ وَمُطَالَبَةِ الضَّامِنِ عَلَى الصَّحِيحِ .

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ .

تَنْبِيهٌ : قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ : أَنَّهُ لَوْ قَالَ : رَجُلَانِ لِآخَرَ ضَمَنَّا مَا لَك عَلَى زَيْدٍ ، وَهُوَ أَلْفٌ مَثَلًا أَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا هَذَا وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا لَوْ قَالَا : رَهَنَّا عَبْدَنَا هَذَا بِالْأَلْفِ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا بِالنِّصْفِ فَقَطْ ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ كَمَا لَوْ قَالَا : اشْتَرَيْنَا عَبْدَك بِأَلْفٍ ، وَصَوَّبَ الْأَوَّلَ السُّبْكِيُّ وَقَالَ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَوْثِقَةٌ كَالرَّهْنِ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَيُخَالِفُ الشِّرَاءَ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمِلْكِ فَبِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمِلْكِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْقَلْبُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَشُغْلُ ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّائِدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ .
ا هـ .
وَاخْتَلَفَ أَيْضًا عُلَمَاءُ عَصْرِنَا فِي الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُسْتَحِقِّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ ، وَالرَّوْضَةِ بِالْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْوَارِثَ كَمَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُحْتَالُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ بَرِئْت بِالْحَوَالَةِ ، وَلَوْ ضَمَّنَ الضَّامِنُ آخَرَ وَالْآخَرُ آخَرَ ، وَهَكَذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ .
( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ) الضَّمَانُ ( بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ ) لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ لِمُقْتَضَى الضَّمَانِ ، وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ ضَامِنٍ قَبْلَهُ أَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ كَافِلٍ قَبْلَهُ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ الضَّمَانُ وَالشَّرْطُ لِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لِلْمَيِّتِ قَالَ " فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { هُمَا عَلَيْك وَفِي مَالِكَ

وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ فَقَالَ : نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ } .
قَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : بَرِيءٌ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
وَالثَّالِثُ : يَصِحُّ الضَّمَانُ فَقَطْ ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا .

وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ بَرِئَ الضَّامِنُ ، وَلَا عَكْسَ .
( وَلَوْ أَبْرَأَ ) الْمُسْتَحِقُّ ( الْأَصِيلَ ) مِنْ الدَّيْنِ ( بَرِيءَ الضَّامِنُ ) مِنْهُ لِسُقُوطِهِ ( وَلَا عَكْسَ ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ وَثِيقَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الدَّيْنُ كَفَكِّ الرَّهْنِ .
نَعَمْ يَبْرَأُ مَعَهُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُلْتَزِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ فَرَّعَهُ فَيَبْرَأُ بِبَرَاءَتِهِ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ .
تَنْبِيهٌ : فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ أَدَاءُ الدَّيْنِ وَالِاعْتِيَاضُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ : لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بَرِيءٌ كَانَ أَشْمَلَ : لَمْ يَصِحَّ فِي قَوْلِهِ ، وَلَا عَكْسَ فَإِنَّهُ لَوْ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالْأَدَاءِ بَرِئَ الْأَصِيلُ ، فَالْإِبْرَاءُ فِي الثَّانِيَةِ مُتَعَيَّنٌ .

وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ .
( وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ) وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ( حَلَّ عَلَيْهِ ) لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُرِقَّ ( دُونَ الْآخَرِ ) فَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْأَجَلِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْأَصِيلَ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَحِقَّ بِأَخْذِ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ إبْرَائِهِ هُوَ ، لِأَنَّ التَّرِكَةَ قَدْ تَهْلِكُ فَلَا يَجِدُ مُرَجِّعًا إذَا غَرِمَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الضَّامِنُ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ الْآذِنِ فِي الضَّمَانِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ الضَّمَانُ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً كَمَا لَوْ أَعَارَهُ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَمَاتَ الْمُعِيرُ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ : وَإِنَّمَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ ، وَهَذَا فِي عَيْنٍ فَزَالَ الْمَحْذُورُ .

وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ .

( وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ ) بِالدَّيْنِ ( فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ ) لِلدَّيْنِ الْمَضْمُونِ لَهُ لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ .
هَذَا ( إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ كَمَا أَنَّهُ يَغْرَمُهُ إذَا غَرِمَ ، وَمَعْنَى التَّخْلِيصِ : أَنَّهُ يُؤَدِّي دَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ .
أَمَّا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَلَوْ كَانَ الْأَصِيلُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ فَلِلضَّامِنِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ طُولِبَ طَلَبَ الْوَلِيُّ بِتَخْلِيصِهِ مَا لَمْ يَزُلْ الْحَجْرُ ، فَإِنْ زَالَ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، وَيُقَاسُ بِالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الضَّامِنُ بِإِذْنِهِمَا قَبْلَ الْجُنُونِ وَالْحَجْرِ أَمْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ : أَنَّ الضَّامِنَ إذَا حُبِسَ لَا يُحْبَسُ الْأَصِيلُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ شَيْءٌ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَلَا مُلَازَمَتُهُ ، وَصَحَّحَ السُّبْكِيُّ جَوَازَ الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ لَا يُعْطِي شَيْئًا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى لِتَجْوِيزِ الْمُطَالَبَةِ فَائِدَةٌ .
( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ ) بِتَخْلِيصِهِ ( قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ ) هُوَ بِالدَّيْنِ كَمَا لَا يَغْرَمُهُ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ .
وَالثَّانِي يُطَالَبُ بِتَخْلِيصِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَيْنًا لِلرَّهْنِ وَرَهَنَهَا فَإِنَّ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَتَهُ بِفَكِّهَا ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الضَّامِنِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ : أَنْ يَقُولَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إمَّا أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْحَقِّ وَإِمَّا أَنْ تُطَالِبَنِي بِهِ ؛ لِأُطَالِبَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ : وَمَحَلُّ الْخِلَافِ ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، وَإِلَّا

فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ قَطْعًا ، وَلَا يُطَالِبُ الضَّامِنُ بِالْإِذْنِ الْأَصِيلَ بِالْمَالِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَصِيلُ الْمَالَ بِلَا مُطَالَبَةٍ ، وَقُلْنَا : لَا يَمْلِكُهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ ، وَيَضْمَنُهُ إنْ تَلَفَ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ ، فَلَوْ قَالَ لَهُ : اقْضِ بِهِ مَا ضَمِنْت عَنِّي فَهُوَ وَكِيلٌ ، وَالْمَالُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنُ الْأَصِيلَ أَوْ صَالَحَ عَمَّا سَيَغْرَمُ فِي مَالِهِ أَوْ رَهَنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا بِمَا ضَمِنَهُ أَوْ أَقَامَ بِهِ كَفِيلًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ لَا يَثْبُت لَهُ حَقٌّ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ ، وَلَوْ شَرَطَ الضَّامِنُ فِي ابْتِدَاءِ الضَّمَانِ أَنْ يُرْهِنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا أَوْ يُقِيمَ لَهُ بِهِ ضَامِنًا فَسَدَ الضَّمَانُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ .

وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ ، وَإِنْ انْتَفَى فِيهِمَا فَلَا ، وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ

( وَلِلضَّامِنِ ) الْغَارِمِ ( الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَرْفُ مَالِهِ إلَى مَنْفَعَةِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ ، هَذَا إنْ أَدَّى مِنْ مَالِهِ .
أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ ، فَأَدَّى بِهِ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي ( وَإِنْ انْتَفَى ) إذْنُهُ ( فِيهِمَا ) أَيْ الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ ( فَلَا ) رُجُوعَ لِتَبَرُّعِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَيِّتِ بِضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ ( وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ ) وَسَكَتَ عَنْ الْأَدَاءِ ( رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِ الْأَدَاءِ .
وَالثَّانِي : لَا يَرْجِعُ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الرُّجُوعُ مَا إذَا ثَبَتَ الضَّمَانُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ كَأَنْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ وَغَائِبٍ أَلْفًا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَمِنَ مَا عَلَى الْآخَرِ بِإِذْنِهِ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَغَرَّمَهُ لَمْ يَرْجِعْ زَيْدٌ عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّصْفِ لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ فَهُوَ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ ، وَمَا لَوْ ضَمِنَ عَبْدٌ مَا فِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَأَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْأَصَحِّ ، وَمَا لَوْ قَالَ الضَّامِنُ بِالْإِذْنِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُؤَدِّيَ دَيْنَ فُلَانٍ وَلَا أَرْجِعُ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ ( وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ ) أَيْ لَا رُجُوعَ فِيمَا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ .
وَالثَّانِي : يَرْجِعُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ بِإِذْنِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الرُّجُوعِ مَا لَوْ أَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَغَيْرِ الضَّامِنِ وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ حَتَّى يَرْجِعَ فِي

الْمُتَقَوِّمِ بِمِثْلِهِ صُورَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ( وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بَدَّلَهُ .
وَالثَّانِي : يَرْجِعُ بِالصِّحَاحِ وَالْمِائَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، وَالنُّقْصَانُ جَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ مُسَامَحَةً لِلضَّامِنِ ، وَلَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ بِمِائَةٍ وَتَقَاصَّا ، أَوْ قَالَ : بِعْتُك الثَّوْبَ بِمَا ضَمِنْته لَك عَنْ فُلَانٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِمَا ضَمِنَهُ ، وَلَوْ صَالَحَ الضَّامِنُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ أَدَّى إلَيْهِ الْبَعْضَ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ بِمَا أَدَّى وَبَرِئَ فِيهِمَا وَبَرِئَ الْأَصِيلُ عَنْ الْبَاقِي فِي صُورَةِ الصُّلْحِ دُونَ صُورَةِ الْبَرَاءَةِ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ ، وَبَرَاءَةُ الضَّامِنِ إنَّمَا تَقَعُ عَنْ الْوَثِيقَةِ .

.
فُرُوعٌ : لَوْ أَحَالَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الضَّامِنِ ، ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ هَلْ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ لَا ؟ رَجَّحَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ إذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَ وَهَذَا لَمْ يَغْرَمْ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَهَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَهُ مِنْهُ ، ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ، وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ مُسْلِمٍ دَيْنًا فَصَالَحَ صَاحِبَهُ عَلَى خَمْرٍ لَغَا الصُّلْحُ فَلَا يَبْرَأُ الْمُسْلِمُ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْخَمْرَ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِهِ وَأَدَّى الدَّيْنَ لِلْمُسْتَحِقِّ رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْأَصِيلِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ إذْنِهِ وَلَا الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا .

وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ ، وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ .

( وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ ) لَهُ عَلَيْهِ لِتَبَرُّعِهِ ، وَفَارَقَ مَا لَوْ أَوْجَرَ طَعَامَهُ مُضْطَرًّا قَهْرًا أَوْ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَبَرِّعًا ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ خَلَاصُهُ مِنْ الْهَلَاكِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَدَّى الْوَلِيُّ دَيْنَ مَحْجُورِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ ضَمِنَ عَنْهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَمَا لَوْ صَارَ الدَّيْنُ إرْثًا لِلضَّامِنِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ بِغَيْرِ إذْنٍ ( وَإِنْ أَذِنَ ) لَهُ فِي الْأَدَاءِ ( بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ ) عَلَيْهِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ ( وَكَذَا إنْ أَذِنَ ) لَهُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ ( فِي الْأَصَحِّ ) إذَا أَدَّى بِقَصْدِ الرُّجُوعِ لِلْعُرْفِ وَالثَّانِي لَا ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِذْنِ الرُّجُوعُ ، وَفِي مَعْنَى الْإِذْنِ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاجِحِ لِتَضَمُّنِ التَّوْكِيلِ إذْنُهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتَهُ بِالثَّمَنِ وَالْعُهْدَةِ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ الضَّمَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ ، وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَدِّ دَيْنِي فَأَدَّاهُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ ) أَيْ الْمَأْذُونِ ( عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ ) ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْآذِنِ حُصُولُ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ .
وَالثَّانِي : تَمْنَعُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي الْأَدَاءِ دُونَ الْمُصَالَحَةِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ بِمَ يَرْجِعُ ، وَهُوَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ وَقِيمَةِ الْمُؤَدَّى ، فَلَوْ صَالَحَ بِالْإِذْنِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَنْ

خَمْسَةٍ عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِخَمْسَةٍ .

ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ .
( ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي ) بِالْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ ( إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ) لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِذَلِكَ ، وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّاهِدِ الْعَدَالَةُ .
نَعَمْ لَوْ أَشْهَدَ مَسْتُورَيْنِ فَبَانَا فَاسِقَيْنِ كَفَى عَلَى الْأَصَحِّ لِإِتْيَانِهِ بِحُجَّةٍ وَلِتَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْبَاطِنِ فَكَانَ مَعْذُورًا ( وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ ) إذْ الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ حُجَّةٌ وَالثَّانِي : لَا لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَرَافَعَانِ إلَى حَنَفِيٍّ لَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ التَّقْصِيرِ وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ إشْهَادَ مَنْ يَتَّفِقُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُولِهِ .
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ : لِيَحْلِفَ مَعَهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعَزْمِ عَلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْإِشْهَادِ ، فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ مَعَهُ رَجَعَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عِنْدَ الْإِشْهَادِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ قِيلَ : إنْ كَانَ حَاكِمُ الْبَلَدِ حِينَ الدَّفْعِ وَالْإِشْهَادِ حَنَفِيًّا فَهُوَ مُقَصِّرٌ لَمْ يَبْعُدْ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَلَا يَكْفِي إشْهَادُ مَنْ يُسَافِرُ قَرِيبًا إذْ لَا يُفْضِي إلَى الْمَقْصُودِ .

فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ .

( فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ) أَيْ : الضَّامِنُ بِالْأَدَاءِ وَأَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ سَكَتَ ( فَلَا رُجُوعَ ) لَهُ ( إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ ( وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِأَدَائِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ .
وَالثَّانِي : يَرْجِعُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ بِإِذْنِهِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ ، إذْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَصِيلُ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِتَرْكِهِ ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ جَزْمًا أَوْ بِتَرْكِهِ رَجَعَ جَزْمًا كَمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ : وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ ، ثُمَّ أَدَّى ثَانِيًا وَأَشْهَدَ هَلْ يَرْجِعُ بِالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبْرِئُ لِلذِّمَّةِ أَوْ بِالثَّانِي لِأَنَّهُ الْمُسْقِطُ لِلضَّمَانِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صِحَاحًا وَالْآخَرُ مُكَسَّرًا مَثَلًا .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِأَقَلِّهِمَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِزَعْمِهِ مَظْلُومٌ بِالثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمُبْرِئُ لِكَوْنِهِ أَشْهَدَ بِهِ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مِنْ الزَّائِدِ ( فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ ) وَكَذَّبَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَلَا بَيِّنَةَ ( أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ ) مَعَ تَكْذِيبِ الْمَضْمُونِ لَهُ ( رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ ) أَيْ الرَّاجِحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِسُقُوطِ الطَّلَبِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلِمَ الْأَصِيلُ بِالْأَدَاءِ فِي الثَّانِيَةِ .
وَالثَّانِي : فِي الْأُولَى يَقُولُ تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى الْأَصِيلِ وَتَصْدِيقُ وَرَثَةِ رَبِّ الدَّيْنِ الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ كَتَصْدِيقِهِ وَهَلْ تَصْدِيقُ الْإِمَامِ حَيْثُ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَتَصْدِيقِ الْوُرَّاثِ الْخَاصِّ أَوْ تَصْدِيقِ غُرَمَاءِ مَنْ مَاتَ مُفْلِسًا كَتَصْدِيقِ رَبِّ الدَّيْنِ ؟ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ

الْإِلْحَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَقُولُ : لَمْ يَنْتَفِعْ الْأَصِيلُ بِالْأَدَاءِ لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادَ ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِعَدَمِ تَوْفِيَتِهِ بِالشَّرْطِ ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ فِي الضَّامِنِ الْمُؤَدِّي فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ .

خَاتِمَةٌ : لَوْ قَالَ أَشْهَدْتُ بِالْأَدَاءِ شُهُودًا وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا أَوْ طَرَأَ فِسْقُهُمْ فَكَذَّبَهُ الْأَصِيلُ فِي الْإِشْهَادِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصِيلِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ الْإِشْهَادِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الشُّهُودُ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُشْهِدْ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ فَكَذَّبَاهَا لَا يَقْدَحُ فِي إقْرَارِهَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا ثَمَّ أَقَرَّتْ بِحَقٍّ عَلَيْهَا فَلَمْ يُلْغَ بِإِنْكَارِهِمَا ، وَهَذَا هُنَا يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ حَقًّا ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي ، وَرُبَّمَا نَسِينَا لَا رُجُوعَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ دَعْوَاهُ مَوْتَ الشَّاهِدِ ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْئًا وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِلْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَرَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي حِسْبَتِهِ يَمْنَعُ أَهْلَ سُوقِ الرَّقِيقِ مِنْ الْبَيْعِ مُسَلَّمًا ، وَمَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ مِنْ الدَّلَالَةِ وَغَيْرِهَا .
قَالَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالرَّقِيقِ ، وَهَذَا إنْ كَانَ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَلَا وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِلْآخَرِ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّهُ هُنَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْرًا آخَرَ ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ كَذَا إلَى جِهَةِ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا مُطْلَقًا .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ

كِتَابُ الشِّرْكَةِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ، وَحُكِيَ فَتْحُ الشِّينِ وَسُكُون الرَّاءِ وَكَسْرِهَا ، وَشِرْكٌ بِلَا هَاءٍ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ } أَيْ نَصِيبٍ وَهِيَ لُغَةً الِاخْتِلَاطُ ، وَشَرْعًا ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ .
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } الْآيَةَ ، وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ زَيْدٍ " كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ " وَخَبَرُ " { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصُحِّحَ إسْنَادُهُمَا .
وَالْمَعْنَى : أَنَا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ ، فَأَمُدُّهُمَا بِالْمَعُونَةِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَأُنْزِلُ الْبَرَكَةَ فِي تِجَارَتِهِمَا ، فَإِذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْخِيَانَةُ رَفَعْت الْبَرَكَةَ وَالْإِعَانَةَ عَنْهُمْ ، وَهُوَ مَعْنَى خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا ، وَمَقْصُودُ الْبَابِ شَرِكَةٌ تَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ بِقَصْدِ التَّصَرُّفِ وَتَحْصِيلِ الرِّبْحِ ، وَلَيْسَتْ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا ، بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَالَةٌ وَتَوْكِيلٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي .

هِيَ أَنْوَاعُ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ ، وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوْ اخْتِلَافِهَا .
وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ .
وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ لَهُمَا ، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ .

( هِيَ ) أَيْ الشَّرِكَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ ( أَنْوَاعٌ ) أَرْبَعَةٌ : الْأَوَّلُ ( شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ ) كَالْخَيَّاطِينَ وَالنَّجَّارِينَ وَالدَّلَّالِينَ ( لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا ) بِحِرْفَتَيْهِمَا ( مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ ) كَنَجَّارٍ وَنَجَّارٍ ( أَوْ اخْتِلَافِهَا ) كَخَيَّاطٍ وَنَجَّارٍ .
( وَ ) الثَّانِي : ( شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ بِأَنْ يَشْتَرِكَا ( لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا ) قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ : بِأَمْوَالِهِمَا وَأَبْدَانِهِمَا ( وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ( مِنْ غُرْمٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِغَصْبٍ أَمْ بِإِتْلَافٍ أَمْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ ، وَسُمِّيَتْ مُفَاوَضَةً مِنْ تَفَاوَضَا فِي الْحَدِيثِ شَرَعَا فِيهِ جَمِيعًا .
وَقِيلَ : مِنْ قَوْلِهِمْ : قَوْمٌ فَوْضَى بِفَتْحِ الْفَاءِ : أَيْ مُسْتَوُونَ .
( وَ ) الثَّالِثُ : ( شَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ ) عِنْدَ النَّاسِ ( لِيَبْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ ) وَيَكُونُ الْمُبْتَاعُ ( لَهُمَا ، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ ) الْمُبْتَاعِ بِهَا ( بَيْنَهُمَا ) أَوْ أَنْ يَتَّفِقَ وَجِيهٌ وَخَامِلٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَجِيهُ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ الْخَامِلُ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْوَجِيهُ وَالْمَالُ لِلْخَامِلِ وَهُوَ فِي يَدِهِ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَنْ يَدْفَعَ خَامِلٌ مَالًا إلَى وَجِيهٍ لِيَبِيعَهُ بِزِيَادَةٍ وَيَكُونُ لَهُ بَعْضُ الرِّبْحِ ، وَأَشْهَرُ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ ( وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ) الثَّلَاثَةُ ( بَاطِلَةٌ ) .
أَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهِيَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ فَلِعَدَمِ الْمَالِ فِيهَا وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ إذْ لَا يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لَا ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَمَنَافِعِهِ فَيَخْتَصُّ بِفَوَائِدِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي مَاشِيَتِهِمَا وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ

، وَيَكُونُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ بَيْنَهُمَا وَقِيَاسًا عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ .
وَأَمَّا الثَّانِي : وَهِيَ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْغَرَرِ ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ فَلَا بَاطِلَ أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا ، أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ فِيهَا .
نَعَمْ إنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ ، كَأَنْ قَالَا تَفَاوَضْنَا أَوْ اشْتَرَكْنَا شَرِكَةَ عِنَانٍ جَازَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ : وَهِيَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَلِعَدَمِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ، ثُمَّ مَا يَشْتَرِيه أَحَدُهُمَا فِي التَّصْوِيرِ الْأَوَّلِ .
وَالثَّانِي مَلَكَهُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خُسْرَانُهُ وَفِي التَّصْوِيرِ الثَّالِثِ قِرَاضٌ فَاسِدٌ لِاسْتِبْدَادِ الْمَالِكِ بِالْيَدِ .
نَعَمْ إنْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا ، وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ لَهُمَا فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الْعَيْنِ الْمَأْذُونِ فِيهَا ، وَلَوْ حَصَلَ شَيْءٌ فِي النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ اكْتِسَابِ الْمُشْتَرِكَيْنِ لَهُ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأَوَّلِ ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الثَّانِي .

وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ .
( وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ ) بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي مَالٍ لَهُمْ لِيَتَّجِرَا فِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْعِنَانُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ ظَهَرَ ، إمَّا لِأَنَّهَا أَظْهَرُ الْأَنْوَاعِ ، أَوْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَالُ الْآخَرِ ، أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
وَإِمَّا لِاسْتِوَاءِ الشَّرِيكَيْنِ فِي وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَسْخِ وَاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ كَاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ الْعِنَانِ ، أَوْ لِمَنْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ التَّصَرُّفَ كَمَا شَاءَ كَمَنْعِ الْعِنَانِ الدَّابَّةَ ، أَوْ لِمَنْعِ الشَّرِيكِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ كَمَنْعِ الْأَخْذِ لِعِنَانِ الدَّابَّةِ إحْدَى يَدَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا كَيْفَ شَاءَ وَيَدُهُ الْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا كَيْفَ شَاءَ وَقِيلَ : مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ عَرَضَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ عَرَضَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْآخَرَ .
وَقِيلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ : أَيْ سَحَابِهِ ؛ لِأَنَّهَا عَلَتْ كَالسَّحَابِ بِصِحَّتِهَا وَشُهْرَتِهَا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّتِهَا كَمَا مَرَّ .
وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهَا بِالْفَتْحِ أَيْضًا مِنْ عَنَّ إذَا ظَهَرَ ،

وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ فَلَوْ اقْتَصَرَا عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ : .

وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ : صِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ وَمَالٌ .
وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا وَهُوَ الْعَمَلُ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالصِّيغَةِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ : ( وَيُشْتَرَطُ فِيهَا ) أَيْ شَرِكَةِ الْعِنَانِ صِيغَةٌ وَهِيَ ( لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ( فِي التَّصَرُّفِ ) لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ، وَلَا يُعْرَفُ الْإِذْنُ إلَّا بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : فِي مَعْنَى اللَّفْظِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ ، فَلَوْ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ لَكَانَ أَوْلَى ، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : اتَّجِرْ أَوْ تَصَرَّفْ اتَّجَرَ فِي الْجَمِيعِ فِيمَا شَاءَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِيمَا شِئْت كَالْقِرَاضِ ، وَلَا يَتَصَرَّفُ الْقَائِلُ ، إلَّا فِي نَصِيبِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ ، وَمَتَى عَيَّنَ لَهُ جِنْسًا أَوْ نَوْعًا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي غَيْرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا عَيَّنَهُ أَنْ يَعُمَّ وُجُودُهُ ، وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِرَاضِ حُصُولُ الرِّبْحِ حَتَّى لَا يَضِيعَ عَمَلُ الْعَامِلِ ، وَالرِّبْحُ لَا يَحْصُلُ فِيمَا لَا يَعُمُّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشَّرِكَةِ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ فَأَشْبَهَتْ الْوَكَالَةَ ( فَلَوْ اقْتَصَرَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ ) فِي الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَلَا يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا ، إلَّا فِي نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ حُصُولِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ شَرِكَةً .
وَالثَّانِي : يَكْفِي لِفَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عُرْفًا نَعَمْ

عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ نَوَيَا بِذَلِكَ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ كَانَ إذْنًا كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ .

وَفِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا الرُّكْنُ الثَّانِي ، فَقَالَ : ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ ) فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِالْمِلْكِ وَفِي مَالِ الْآخَرِ بِالْإِذْنِ ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إذَا أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ فِي الْآذِنِ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ ، وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَعْمَى دُونَ الثَّانِي .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الشَّرِكَةِ لِلْوَلِيِّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْقِرَاضِ ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ جُزْءٍ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ رَشِيدٍ وَرَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّرِكَةِ اسْتَدَامَهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَعَلَى الْجَوَازِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُشَارِكَ فَاسِقًا ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ بِحَيْثُ يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْمَحْجُورِ عِنْدَهُ .
ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفَ دُونَ مَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ الْمُتَصَرِّفَ ، وَيُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الْكَافِرِ ، وَمَنْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الرِّبَا وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ مُشَارِكَهُمَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ لِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا مِنْ الشُّبْهَةِ ، وَلَوْ شَارَكَ الْمُكَاتَبُ غَيْرَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنْ كَانَ هُوَ الْمَأْذُونَ لَهُ : أَيْ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّعِ بِعَمَلِهِ ، وَيَصِحُّ إنْ كَانَ هُوَ الْآذِنَ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَحَّ مُطْلَقًا .

وَتَصِحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ الْمُتَقَوِّمِ ، وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَالِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ فَقَالَ : ( وَتَصِحُّ ) الشَّرِكَةُ ( فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ ) أَمَّا النَّقْدُ الْخَالِصُ فَبِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ جَوَازُهُ إنْ اسْتَمَرَّ رَوَاجُهُ .
وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْحَدِيدِ فَعَلَى الْأَظْهَرِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ بِجِنْسِهِ ارْتَفَعَ التَّمْيِيزُ فَأَشْبَهَ النَّقْدَيْنِ ، وَمِنْ الْمِثْلِيِّ تِبْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ فَمَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا مِنْ مَنْعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْن الْحُلِيِّ وَالسَّبَائِكِ فِي ذَلِكَ ( دُونَ الْمُتَقَوِّمِ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ ، إذْ لَا يُمْكِنُ الْخَلْطُ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ ، وَحِينَئِذٍ قَدْ يَتْلَفُ مَالُ أَحَدِهِمَا أَوْ يَنْقُصُ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا ( وَقِيلَ : تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ ) الْخَالِصِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَالْقِرَاضِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ يُسَمَّى نَقْدًا وَلَيْسَ مُرَادًا .

وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ ، وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسٍ ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ هَذَا إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا ، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ ، وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ .

( وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ ) لِمَا مَرَّ فِي امْتِنَاعِ الْمُتَقَوِّمِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْخَلْطِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لَمْ يَكْفِ جَزْمًا ، إذْ لَا اشْتِرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ فَيُعَادُ الْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ ( وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ ) إمْكَانِ التَّمْيِيزِ بِنَحْوِ ( اخْتِلَافِ جِنْسٍ ) كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ( أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ ) وَحِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ وَحِنْطَةٍ عَتِيقَةٍ ، أَوْ بَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ ، أَوْ بَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ ، فَإِنْ خَلَطَ حِينَئِذٍ وَتَلِفَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا تَلِفَ عَلَيْهِ فَقَطْ وَتَعَذَّرَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْبَاقِي .
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمِثْلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَوْ خَلَطَ قَفِيزًا مُقَوَّمًا بِمِائَةٍ بِقَفِيزٍ مُقَوَّمٍ بِخَمْسِينَ صَحَّ وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ أَثْلَاثًا بِنَاءً عَلَى قَطْعِ النَّظَرِ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا الْقَفِيزُ مِثْلًا لِذَلِكَ الْقَفِيزِ ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فِي نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَا لَهُ بِعَلَامَةٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّمْيِيزِ هَلْ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ نَظَرًا إلَى حَالِ النَّاسِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى حَالِهِمَا ؟ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ( هَذَا ) أَيْ اشْتِرَاطُ الْخَلْطِ ( إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَ فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا ) مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ أَوَّلًا كَالْعُرُوضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ ( بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ ( وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي )

بَاقِي ( الْعُرُوضِ ) مِنْ الْمُتَقَوِّمِ كَالثِّيَابِ ( أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ ) سَوَاءٌ أَتَجَانَسَ الْعِوَضَانِ أَمْ اخْتَلَفَا أَوْ يَبِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَ عَرْضِهِ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَتَقَاصَّا ( وَيَأْذَنُ لَهُ ) بَعْدَ التَّقَابُضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ ( فِي التَّصَرُّفِ ) فِيهِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبْلَغُ فِي الِاشْتِرَاكِ أَيْ مِنْ خَلْطِ الْمَالَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ هُنَا إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، وَهُنَاكَ وَإِنْ وُجِدَ الْخَلْطُ فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْتَازٌ عَنْ مَالِ الْآخَرِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْلِكَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ بِيعَ نِصْفٌ بِنِصْفٍ ، وَإِنْ بِيعَ ثُلُثٌ بِثُلُثَيْنِ أَوْ رُبْعٌ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ لِأَجْلِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْقِيمَةِ مَلَكَاهُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ أَيْضًا ، هَذَا إذَا لَمْ يَشْرُطَا فِي التَّبَايُعِ الشَّرِكَةَ فَإِنْ شَرَطَاهَا فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِقِيمَةِ الْعِوَضَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمِنْ الْحِيلَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا ذَكَرْته بَعْدَ كَلَامِهِ ، وَأَنْ يَقُولَ فِي بَاقِي الْعُرُوضِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي الْمَنْقُولَاتِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ جَائِزَةٌ بِالْخَلْطِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْعُرُوضِ ، إذْ الْعَرَضُ مَا عَدَا النَّقْدِ ، وَأَنْ يَقُولَ ثُمَّ يَأْذَنُ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْإِذْنِ عَنْ الْبَيْعِ لِيَقَعَ الْإِذْنُ بَعْدَ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ ، وَأَنْ يَحْذِفَ لَفْظَةَ كُلِّ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَتَقَاصَّا حَصَلَ الْغَرَضُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْبَدَلِ ، وَقَالَ الشَّارِحُ : كُلُّ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْإِذْنِ وَنِسْبَةُ الْبَيْعِ إلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُشْتَرِي بِتَأْوِيلِ أَنَّهُ بَائِعٌ لِلثَّمَنِ .

وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ .
( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي الشَّرِكَةِ ( تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَدْرِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، بَلْ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا عَلَى نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ ، إذْ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا ) أَيْ بِقَدْرِ كُلٍّ مِنْ الْمَالَيْنِ أَهُوَ النِّصْفُ أَمْ غَيْرُهُ ( عِنْدَ الْعَقْدِ ) إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ بَعْدُ بِمُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أَوْ وَكِيلٍ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَقَدْ تَرَاضَيَا ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ وَإِلَّا يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا أَذِنَ فِيهِ وَبِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَالٌ مُشْتَرَكٌ كُلٌّ مِنْهُمَا جَاهِلٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ مِنْهُ يَصِحُّ الْإِذْنُ فِي الْأَصَحِّ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا كَالْمُثَمَّنِ ، وَلَوْ جَهِلَا الْقَدْرَ وَعَلِمَا النِّسْبَةَ بِأَنْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا الدَّرَاهِمَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوَضَعَ الْآخَرُ بِإِزَائِهَا مِثْلَهَا صَحَّ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ اشْتَبَهَ ثَوْبَاهُمْ لَمْ يَكْفِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ ثَوْبَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ .

وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلَا ضَرَرٍ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْعِضُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ .

( وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ ) إذَا وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ( بِلَا ضَرَرٍ ) كَالْوَكِيلِ ( فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً ) لِلْغَرَرِ ( وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا ) يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي ( بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ) كَالْوَكِيلِ ، فَلَوْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَيَصِحُّ فِي نَفْسِهِ فَتَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ فِي الْمُشْتَرَى أَوْ فِي الْمَبِيعِ وَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَالشَّرِيكِ ، فَإِنْ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ فِي الذِّمَّةِ اُخْتُصَّ الشِّرَاءُ بِهِ فَيُزَنْ الثَّمَنُ مِنْ مَالِهِ ( وَلَا يُسَافِرُ بِهِ ) أَيْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لِمَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْخَطَرِ ، فَإِنْ سَافَرَ ضَمِنَ ، فَإِنْ بَاعَ صَحَّ الْبَيْعُ ، وَإِنْ كَانَ ضَامِنًا .
نَعَمْ إنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ بِمَفَازَةٍ لَمْ يَضْمَنْ بِالسَّفَرِ إلَى مَقْصِدِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ قَاضِيَةٌ لَهُ بِذَلِكَ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا لَوْ جَلَى أَهْلُ بَلَدٍ لِقَحْطٍ أَوْ عَدُوٍّ وَلَمْ تُمْكِنُهُ مُرَاجَعَةُ الشَّرِيكِ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِالْمَالِ ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ .
( وَلَا يُبْعِضُهُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَسُكُون الْمُوَحَّدَةِ : أَيْ يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ يَدِهِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ ، هَذَا كُلُّهُ إنْ فَعَلَهُ ( بِغَيْرِ إذْنٍ ) مِنْ شَرِيكِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ ذِكْرُهُ جَازَ ، نَعَمْ لَا يَسْتَفِيدُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِي السَّفَرِ رُكُوبَ الْبَحْرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ كَنَظِيرِهِ فِي الْقِرَاضِ وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ : بِعْ بِكَمْ شِئْت أَنَّ لَهُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، وَلَا يَجُوزُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ قَالَ : بِعْ بِمَا شِئْت فَلَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ لَا بِالنَّسِيئَةِ وَلَوْ قَالَ : كَيْفَ شِئْت فَلَهُ الْبَيْعُ

بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ لَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ، فَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا .

وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ ، وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا ، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ .
، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِقَوْلِهِ : ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ ) كَالْوَكَالَةِ ( وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ ) جَمِيعًا ( بِفَسْخِهِمَا ) أَيْ بِفَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( فَإِنْ ) لَمْ يَفْسَخَا وَلَا أَحَدُهُمَا ، وَلَكِنْ ( قَالَ أَحَدُهُمَا ) لِلْآخَرِ : ( عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي ) انْعَزَلَ الْمُخَاطَبُ ، وَ ( لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ ) فَيَتَصَرَّفُ فِي نَصِيبِ الْمَعْزُولِ ؛ لِأَنَّ الْعَازِلَ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ بِخِلَافِ الْمُخَاطَبِ ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُخَاطَبُ عَزْلَهُ فَلِيَعْزِلَهُ .

وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ .
( وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ ) ، كَالْوَكَالَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُولَى عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَفَاقَ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ إنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا ، وَاسْتُثْنِيَ فِي الْبَحْرِ إغْمَاءٌ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ فَلَا فَسْخَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ ، وَعَلَى وَلِيِّ الْوَارِثِ غَيْرِ الرَّشِيدِ فِي الْأُولَى وَالْمَجْنُونِ فِي الثَّانِيَةِ : اسْتِئْنَافُهَا لَهُمَا وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ عِنْدَ الْغِبْطَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَفَتْ الْغِبْطَةُ فَعَلَيْهِ الْقِسْمَة .
أَمَّا إذَا كَانَ الْوَارِثُ رَشِيدًا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِوَلِيِّ غَيْرِ الرَّشِيدِ اسْتِئْنَافُهَا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ كَالْمَرْهُونِ ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْمَرْهُونِ بَاطِلَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ فَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ رَشِيدًا أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ ، وَتَنْفَسِخُ أَيْضًا بِطُرُوِّ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ وَالْفَلَسِ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا كَنَظِيرِهِ فِي الْوَكَالَةِ ، وَتَنْفَسِخُ بِطُرُوِّ الِاسْتِرْقَاقِ وَالرَّهْنِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ .

وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا ، فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ ، وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ .

( وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ ) بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا الْأَجْزَاءِ شَرَطَا ذَلِكَ أَوْ لَا ( تَسَاوَيَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ ( فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَتُهُمَا ، فَكَانَ عَلَى قَدْرِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ ، فَأَثْمَرَتْ أَوْ شَاةٌ فَنَتَجَتْ ( فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ ) ، بِأَنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالَيْنِ ، أَوْ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ ( فَسَدَ الْعَقْدُ ) لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ ، وَلَوْ شَرَطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ لِلْأَكْثَرِ مِنْهُمَا عَمَلًا بَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الْخُسْرَانِ ( فَيَرْجِعُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ ) أَيْ : الْآخَرِ كَالْقِرَاضِ إذَا فَسَدَ ، وَكَذَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ .
تَنْبِيهٌ : يَرُدَّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَتَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ ، وَشَرَطَ الْأَقَلَّ لِلْأَكْثَرِ عَمَلًا لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي أُجْرَةِ الْعَمَلِ وَقَعَ التَّقَاصُّ فِي الْجَمِيعِ ، إنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ أَيْضًا وَفِي بَعْضِهِ إنْ تَفَاوَتَا فِيهِ ، وَلَوْ تَسَاوَيَا مَالًا لَا عَمَلًا وَشَرَطَ زِيَادَةً لِمَنْ عَمِلَ مِنْهُمَا أَكْثَرَ قَاصَّ صَاحِبَهُ بِرُبْعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ وَهُوَ رُبْعُهَا ، وَلَوْ شُرِطَتْ الزِّيَادَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ زَادَ عَمَلُهُ فَزَادَ عَمَلُ الْآخَرِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ لِتَبَرُّعِهِ بِمَا زَادَ مِنْ عَمَلِهِ ( وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ ) مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ ( وَالرِّبْحُ ) بَيْنَهُمَا ( عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْهُمَا ، وَقَدْ أَبْطَلْنَا الشَّرِكَةَ فَرَجَعَ إلَى الْأَصْلِ ( وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ ) كَالْمُودَعِ

وَالْوَكِيلِ ( فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ) أَيْ فِي رَدِّ نَصِيب الشَّرِيكِ .
.

وَالْخُسْرَانِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ .
أَمَّا لَوْ ادَّعَى رَدّ الْكُلِّ وَأَرَادَ طَلَبَ نَصِيبَهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي طَلَبِهِ .
( وَ ) فِي ( الْخُسْرَانِ وَ ) فِي ( التَّلَفِ ) إنْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ ( فَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ التَّلَفَ ( بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ ) كَحَرِيقٍ وَجَهْلٍ ( طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ ، ثُمَّ ) بَعْدَ إقَامَتِهَا ( يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ ) بِيَمِينِهِ ، فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ دُونَ عُمُومِهِ بِيَمِينِهِ أَوْ وَعُمُومُهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخَرِ بَابِ الْوَدِيعَةِ .

وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ هُوَ لِي ، وَقَالَ الْآخَرُ مُشْتَرَكٌ أَوْ بِالْعَكْسِ صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ ، وَلَوْ قَالَ اقْتَسَمْنَا وَصَارَ لِي صُدِّقَ الْمُنْكِرُ .
( وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( هُوَ لِي ، وَقَالَ الْآخَرُ ) : هُوَ ( مُشْتَرَكٌ أَوْ ) قَالَا ( بِالْعَكْسِ ) أَيْ قَالَ : مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ ؛ هُوَ مُشْتَرَكٌ وَقَالَ الْآخَرُ : هُوَ لِي ( صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ، وَقَدْ ادَّعَى صَاحِبُهَا جَمِيعَ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنِصْفَهُ فِي الثَّانِيَةِ ( وَلَوْ قَالَ ) صَاحِبُهُ : ( اقْتَسَمْنَا وَصَارَ ) مَا فِي يَدِي ( لِي ) وَقَالَ الْآخَرُ : لَا ، بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ ( صُدِّقَ الْمُنْكِرُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَلَكَ هَذَا الرَّقِيقَ مَثَلًا بِالْقِسْمَةِ وَحَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ مُشْتَرَكًا ، وَإِلَّا فَلِلْحَالِفِ .

وَلَوْ اشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْته لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَر صُدِّقَ الْمُشْتَرِي .
( وَلَوْ اشْتَرَى ) أَحَدُهُمَا شَيْئًا ( وَقَالَ : اشْتَرَيْته لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَر ) ، بِأَنْ عَكَسَ مَا قَالَهُ ( صُدِّقَ الْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ وَسَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِالشَّرِكَةِ أَوْ نَوَاهَا .
وَالْغَالِبُ : أَنَّ الْأَوَّلَ يَقَعُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخُسْرَانِ وَالثَّانِي عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَظَهَرَ كَوْنُهُ مَعِيبًا فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ لِلشَّرِكَةِ لِيَرُدَّ حِصَّتَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْعِمْرَانِيُّ .

خَاتِمَةٌ : لَوْ أَخَذَ شَخْصٌ جَمَلًا لِرَجُلٍ مَثَلًا وَرَاوِيَةً لِآخَرَ لِيَسْقِيَ الْمَاءَ بِاتِّفَاقِهِمْ ، وَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمْ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ أَشْيَاءَ مُتَمَيِّزَةٍ وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ بِالِاسْتِقَاءِ لِلْمُسْتَقِي إنْ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ مُبَاحًا وَقَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ وَعَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَالِهِ ، فَإِنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ بِالِاسْتِقَاءِ فِي الْمُبَاحِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ لِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ أَمْثَالِهِمْ لِحُصُولِهِ بِمَنَافِعَ مُخْتَلِفَةٍ بِلَا تَرْجِيحٍ بَيْنَهُمْ .

وَلَوْ اشْتَرَكَ مَالِكُ أَرْضٍ وَمَالِكُ بَذْرٍ وَمَالِكُ آلَةِ حَرْثٍ مَعَ رَابِعٍ يَعْمَلُ عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ شَرِكَةً لِعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ ، وَلَا إجَارَةً لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةِ ، وَلَا قِرَاضًا ، إذْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسُ مَالٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ ، وَلَهُمْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ حَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ فَإِنْ قِيلَ : الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مُطْلَقًا حَصَلَ رِبْحٌ أَوْ لَا ، وَالْمَعْنَى الَّذِي هُنَا مَوْجُودٌ ثَمَّ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِيهِ صُورَةُ الْقِرَاضِ ، وَمَا هُنَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ ، وَلَا صُورَةُ شَرِكَةٍ وَلَا إجَارَةٍ ، بَلْ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ بِهِ الْجَعَالَةُ الْفَاسِدَةُ ، وَالْعَامِلُ فِيهَا إنَّمَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إذَا وُجِدَ فِيهَا الْغَرَضُ ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : سَمِّنْ هَذِهِ الشَّاةَ مَثَلًا وَلَك نِصْفُهَا أَوْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَك إحْدَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلنِّصْفِ الَّذِي سَمَّنَهُ لِلْمَالِكِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فِي قُرَى مَصْرَ فِي الْفَرَارِيجِ يَدْفَعُ كَاشِفُ النَّاحِيَةِ أَوْ مُلْتَزِمُ الْبَلَدِ إلَى بَعْضِ الْبُيُوتِ الْمِائَةَ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ الْأَقَلَّ وَيَقُولُ : رَبُّوهَا وَلَكُمْ نِصْفُهَا فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَظِيمًا .

كِتَابُ الْوَكَالَةِ شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ فِيهِ بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ .
كِتَابُ الْوَكَالَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَةً : التَّفْوِيضُ ، يُقَالُ وَكَّلَ أَمَرَهُ إلَى فُلَانٍ : فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَى بِهِ وَمِنْهُ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ .
وَشَرْعًا : تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ إلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى : { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ } وَقَوْلُهُ : { اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا } فَهَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا ، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ ، وَمِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ } .
وَمِنْهَا { تَوْكِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي نِكَاحِ أُمِّ حَبِيبَةَ } .
وَمِنْهَا { تَوْكِيلُهُ أَبَا رَافِعٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ } وَمِنْهَا { تَوْكِيلُهُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ } وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا ، فَإِنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ قِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ كُلِّهَا ، بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ : إنَّ قَبُولَهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَلِخَبَرِ { وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ } وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ : مُوَكِّلٌ ، وَوَكِيلٌ ، وَمُوَكَّلٌ فِيهِ ، وَصِيغَةٌ .
وَقَدْ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ .
فَقَالَ : ( شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ ( فِيهِ ) وَهُوَ التَّصَرُّفُ الْمَأْذُونُ فِيهِ ( بِمِلْكٍ ) كَتَوْكِيلِ نَافِذِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ( أَوْ وِلَايَةٍ ) كَتَوْكِيلِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ .

فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ
( فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ ) وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ وَلَا نَائِمٍ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلَا فَاسِقٍ فِي نِكَاحِ ابْنَتِهِ ، إذْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُمْ لِذَلِكَ ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ الْأَصْلُ عَلَى تَعَاطِي الشَّيْءِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقْدِرَ ، وَاحْتَرَزَ بِالْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُوَكِّلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَلِيٍّ .

وَلَا الْمَرْأَةِ وَالْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ .
( وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ ( الْمَرْأَةِ ) أَجْنَبِيًّا ( وَ ) لَا ( الْمُحْرِمِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ حَلَالًا فِي النِّكَاحِ ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَلَا تُوَكِّلُ فِيهِ .
أَمَّا لَوْ أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ بِصِيغَةِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ .
وَصُورَةُ تَوْكِيلِهِ أَنْ يُوَكِّلَ لِيَعْقِدَ لَهُ أَوْ لِمُوَلِّيهِ حَالَ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَعْقِدَ لَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِيمَا لَوْ وَكَّلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْخَمْرَ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حَلَالًا بِالتَّزْوِيجِ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ ، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ .

وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ .
( وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ ) وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ ( فِي حَقِّ الطِّفْلِ ) فِي النِّكَاحِ وَالْمَالِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي الْمَالِ ، فَيُوَكَّلُ الْوَلِيُّ عَنْ الطِّفْلِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْهُمَا مَعًا ، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْ الطِّفْلِ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا لَمْ يَنْعَزِلْ الْوَكِيلُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا عَنْ الْوَلِيِّ : وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمْ ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الطِّفْلَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ هَؤُلَاءِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَوْكِيلِ الْوَصِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَا يُوَكَّلُ ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ : أَيْ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى ذَلِكَ ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْإِطْلَاقُ ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ وَالْعَبْدِ فِيمَا يَسْتَقِلُّونَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَسْتَقِلُّونَ بِهِ إلَّا بَعْدَ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْغَرِيمِ وَالسَّيِّدِ ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ فِي قَبْضِهَا لَهُمْ .
قَالَ فِي الْخَادِمِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ .

وَيُسْتَثْنَى تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِحُّ .
( وَيُسْتَثْنَى ) مِنْ هَذَا الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ طَرْدًا وَعَكْسًا صُوَرٌ .
فَمِنْ صُوَرِ الثَّانِي ، وَهُوَ مَنْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ ( تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ( فَيَصِحُّ ) ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ لِلضَّرُورَةِ ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِقَطْعِ طَرَفٍ أَوْ لَحَدِّ قَذْفٍ ، فَيَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَائِهِ مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاؤُهُ ، وَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ مَنْ يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَمَا لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَا عَنْهَا بَلْ عَنْهُ أَوْ مُطْلَقًا فِي نِكَاحِ مُوَلِّيَتِهِ فَيَصِحُّ فَإِنْ كَانَتْ الْمُوَكِّلَةُ هِيَ الْمُوَلِّيَةَ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، رَجَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي .

وَمَا لَوْ وَكَّلَتْ مَالِكَةُ الْأَمَةِ وَلِيَّهَا فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَإِنْ لَمْ تَمْلِكُ هِيَ تَزْوِيجَهَا ، وَمِنْ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّتْ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ بِالْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ صَحَّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ : الْوَلِيُّ غَيْرُ الْمُجْبَرِ إذَا أَذِنَتْ لَهُ مُوَلِّيَتُهُ فِي النِّكَاحِ وَنَهَتْهُ عَنْ التَّوْكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُوَكِّلُ ، وَمَا إذَا جَوَّزْنَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَكْسِرَ الْبَابَ وَيَأْخُذَ مَا يَجِدُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَيَحْتَمِلُ جَوَازُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ ، وَمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ إحْدَى رَقِيقَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يُوَكِّلُ فِي التَّعْيِينِ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ ، إذَا عَيَّنَ لِلْوَكِيلِ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْمُخْتَارَ ، فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ ، وَالْأَصَحُّ فِيهَا الصِّحَّةُ كَمَا سَيَأْتِي فَيَصِحُّ ، وَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمُسْلِمُ قِصَاصًا مِنْ مُسْلِمٍ لَا يُوَكِّلُ فِي اسْتِيفَائِهِ كَافِرًا ، وَالسَّفِيهُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ ، فَإِنَّ حِجْرَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ إلَّا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ ، وَالْوَكِيلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّوْكِيلِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ مُمْتَنِعٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَفِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّدِّ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ كَافِرًا فِي نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ .

وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ ، لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي : وَهُوَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَ : ( وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ ) الْمَأْذُونَ فِيهِ ( لِنَفْسِهِ ) وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ تَوَكُّلُهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِهِ لِغَيْرِهِ ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَقْوَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَضْعَفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مُغْمًى عَلَيْهِ ، وَ ( لَا صَبِيٍّ وَ ) لَا ( مَجْنُونٍ ) وَلَا نَائِمٍ وَلَا مَعْتُوهٍ لِسَلْبِ وِلَايَتِهِمْ ( وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ ( فِي ) عَقْدِ ( النِّكَاحِ ) إيجَابًا وَقَبُولًا لِسَلْبِ عِبَارَتِهِمَا فِيهِ ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ لِلنِّكَاحِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ لِلْفِرَاقِ إلَّا إذَا عَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ مَنْ يَخْتَارُهَا أَوْ يُفَارِقُهَا ، وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ فِي أَحْكَام الْخَنَاثَى ، وَذَكَرُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَفَقُّهًا قَالَ وَلَوْ بَانَ ذَكَرًا فَعَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا ( لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ ) مُمَيِّزٍ مَأْمُونٍ ( فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ ) لِتَسَامُحِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْ جِهَةِ الْآذِنِ وَالْمُهْدِي ، وَالثَّانِي لَا كَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَحْتَفَّ بِخَبَرِهِ قَرِينَةٌ ، فَإِنْ احْتَفَّتْ بِهِ وَأَفَادَتْ الْعِلْمَ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِهِ جَزْمًا ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ لَا بِخَبَرِهِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي إخْبَارِهِ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ ، وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ ، بَلْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : لَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِ

اعْتِمَادِهِمَا خِلَافًا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الصَّبِيِّ فِيمَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ ، فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ وَفِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لِذَلِكَ .

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ .
( وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ ( وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ ) ، وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُزَوِّجْ بِنْتَ نَفْسِهِ فَبِنْتُ غَيْرِهِ أَوْلَى .
وَالثَّانِي : صِحَّتُهُ فِيهِمَا .
وَالثَّالِثُ : مَنْعُهُ فِيهِمَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِمَادَ قَوْلِ الصَّبِيِّ فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ وَتَوْكِيلِ الْعَبْدِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مُسْتَثْنَى مِنْ عَكْسِ الضَّابِطِ ، وَهُوَ مَنْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى اسْتِثْنَائِهَا بِقَوْلِهِ : لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْرَاكِ ، وَيُسْتَثْنَى مَعَهَا مَسَائِلُ أَيْضًا : مِنْهَا تَوْكِيلُ الشَّخْصِ فِي نِكَاحِ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَكَذَا مَنْ تَحْتَهُ أَرْبَعٌ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُهُ فِي نِكَاحِ مُحَرَّمَةٍ كَأُخْتِهِ ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُوسِرِ فِي قَبُولِ نِكَاحِ أَمَةٍ ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ السَّفِيهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي شِرَاءِ مُسْلِمٍ ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا .

وَمِنْهَا الْمُرْتَدُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ ، وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مَا إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّاهُ .
وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ لِغَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فَمَوْقُوفٌ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمَا ، وَكَذَا انْقِطَاعُ التَّوْكِيلِ ، إذَا وَكَّلَ ثُمَّ ارْتَدَّ ، وَهَذَا كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الْوَقْفُ هُنَا عَلَى الْقَدِيمِ الْقَائِل بِوَقْفِ الْعُقُودِ ، وَجَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّ رِدَّةَ الْمُوَكِّلِ عَزْلٌ دُونَ رِدَّةِ الْوَكِيلِ ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَزْلٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي طَلَاقِ الْمُسْلِمَةِ ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ طَلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ ، بِأَنْ تُسْلِمَ أَوَّلًا وَيَتَخَلَّفَ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ يُسْلِمُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَإِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا .

تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيلِ أَيْضًا تَعْيِينُهُ ، فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ : وَكَّلْت أَحَدَكُمَا فِي بَيْعِ دَارِي مَثَلًا ، أَوْ قَالَ : أَذِنْت لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دَارِي ، أَنْ يَبِيعَهَا لَمْ يَصِحَّ .
نَعَمْ لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ كَذَا مَثَلًا وَكُلَّ مُسْلِمٍ صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا .
قَالَ : وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ، وَيُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ الْقَاضِي : أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ، وَفِي وَكِيلِ الْوَلِيِّ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُوَلِّي عَدَمُ الْفِسْقِ ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّكْرَانِ بِمُحَرَّمٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ بِمُبَاحٍ كَدَوَاءٍ ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُفْلِسِ ، وَلَوْ لَزِمَتْهُ عُهْدَةٌ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ كَمَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ .

مُهِمَّةٌ : هَلْ الْمُرَادُ فِي شَرْطِ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ فِي جِنْسِ مَا وَكَّلَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ فِي عَيْنِهِ ؟ خِلَافٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ لِذَلِكَ الْجِنْسِ وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ فَيَسْقُطُ اسْتِثْنَاءُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ الْأَعْمَى مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ ، فَإِنَّ الْأَعْمَى يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ السَّلَم ، وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ مَالِكٌ لِمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْكُلِّ لِأَمْرٍ خَارِجٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَصِيرَ لَوْ وَرِثَ عَيْنًا غَائِبَةً ، فَوَكَّلَ فِي بَيْعِهَا جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْبَيْعُ .

وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ : فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعٍ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ ، وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ بَدَأَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْهَا ، فَقَالَ : ( وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ ) حِينَ التَّوْكِيلِ ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ كَيْفَ يَأْذَنُ فِيهِ ؟ تَنْبِيهٌ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هَذَا فِيمَنْ يُوَكِّلُ فِي مَالِ نَفْسِهِ ، وَإِلَّا فَالْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ وَكُلُّ مَنْ جَوَّزْنَا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَمْلِكُونَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ عَنْهُ .
قَالَ الْغَزِّيُّ : وَهُوَ عَجِيبٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّصَرُّفُ الْمُوَكَّلُ فِيهِ لَا مَحَلُّ التَّصَرُّفِ ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : بَلْ مَا قَالَهُ هُوَ الْعَجِيبُ بَلْ الْمُرَادُ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ بِلَا شَكٍّ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي ، وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ ، فَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ( فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعٍ ) أَوْ إعْتَاقِ ( عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا ) وَتَزْوِيجِ بِنْتِهِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ، وَقَضَاءِ دَيْنٍ سَيَلْزَمُهُ ( بَطَلَ ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَالَ التَّوْكِيلِ فَكَيْفَ يَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ ؟ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ وَيُكْتَفَى بِحُصُولِ الْمِلْكِ عِنْدَ التَّصَرُّفِ .
تَنْبِيهٌ : صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُفْرِدَ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُهُ ، فَإِنْ جَعَلَهُ تَبَعًا لِحَاضِرٍ كَبَيْعِ مَمْلُوكٍ ، وَمَا سَيَمْلِكُهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلرَّافِعِيِّ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ الْمَوْجُودِ ، وَمَا سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَيْنٍ يَمْلِكُهَا ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِثَمَنِهَا كَذَا فَأَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ بِطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا تَبَعًا لِمَنْكُوحَتِهِ ،

وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِ ثَمَرَةٍ قَبْلَ إثْمَارِهَا ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِأَصْلِهَا ، وَأَفْتَى بِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ دَخَلَ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ .

وَأَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ ، فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ إلَّا الْحَجَّ وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ ، وَذَبْحَ أُضْحِيَّةٍ ، وَلَا فِي شَهَادَةٍ وَإِيلَاءٍ وَلِعَانٍ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ ، وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ .

( وَ ) الشَّرْطُ الثَّانِي : ( أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إنَابَةٌ فَمَا لَا يَقْبَلُهَا كَاسْتِيفَاءِ حَقِّ الْقَسْمِ بَيْن الزَّوْجَاتِ لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ ( فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِإِتْعَابِ النَّفْسِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّوْكِيلِ ( إلَّا الْحَجَّ ) وَالْعُمْرَةَ عِنْد الْعَجْزِ ( وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ ) وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ ( صَدَقَةٍ ( وَذَبْحَ ) هَدْيٍ وَجُبْرَانَ وَعَقِيقَةٍ وَ وَأُضْحِيَّةٍ ) وَشَاةِ وَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَدِلَّةٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الرَّمْيُ بِمِنًى وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ تَبَعًا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، فَلَوْ أَفْرَدَهُمَا بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَصِحَّ ، وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ الْمُتَطَهِّرِ وَالْمُتَيَمِّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَيَمِّمَ حَقِيقَةً هُوَ الْعَاجِزُ وَصَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ، وَاعْتَذَرَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَقْفِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهَا .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْجَوَازُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِالْعِبَادَةِ التَّوْكِيلُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَلَا ) يَصِحُّ ( فِي شَهَادَةٍ ) ؛ لِأَنَّا احْتَطْنَا فِيهَا وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُ لَفْظِهَا مَقَامَهَا فَأُلْحِقَتْ بِالْعِبَادَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِعِلْمِ الشَّاهِدِ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ لِلْوَكِيلِ .
فَإِنْ قِيلَ : الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاسْتِرْعَاءٍ وَنَحْوِهِ جَائِزَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ

بِتَوْكِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ، بَلْ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ جَعَلَتْ شَهَادَةَ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ .
( وَ ) لَا فِي ( إيلَاءٍ ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَالْيَمِينُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ ( وَ ) لَا فِي ( لِعَانٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَصِحُّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَ ) لَا فِي ( سَائِرِ ) أَيْ بَاقِي ( الْأَيْمَانِ ) ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْعِبَادَةَ لِتَعَلُّقِهَا بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا فِي النَّذْرِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْيَمِينِ ( وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَلْفَاظٍ وَخَصَائِصَ كَالْيَمِينِ .
وَالثَّانِي : يَلْحَقُهُ بِالطَّلَاقِ ، وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ عَلَى مُوَكَّلِي كَظَهْرِ أُمِّهِ ، أَوْ جَعَلْت مُوَكَّلِي مُظَاهِرًا مِنْك ، وَلَا فِي الْمَعَاصِي كَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَخْتَصُّ بِمُرْتَكِبِهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَقْصُودٌ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهَا .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي الظِّهَارِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ ، بَلْ تَرَتُّبُ الْكَفَّارَةِ وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ قَهْرًا كَالتَّوْكِيلِ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ ، وَلِذَلِكَ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيمَا يُحَرَّمُ وَيُوصَفُ بِالصِّحَّةِ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ ، وَالْبَيْعُ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا فِي مُلَازَمَةِ مَجْلِسِ الْخِيَارِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ فِي الْعَقْدِ مَنُوطٌ بِمُلَازَمَةِ الْعَاقِدِ .

وَيَصِحُّ فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ ، وَهِبَةٍ ، وَسَلَمٍ ، وَرَهْنٍ ، وَنِكَاحٍ ، وَطَلَاقٍ ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ، وَقَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا وَالدَّعْوَى وَالْجَوَابِ .

( وَيَصِحُّ ) التَّوْكِيلُ ( فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَسَلَمٍ وَرَهْنٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ ) مُنْجَزٍ ( وَسَائِرُ الْعُقُودِ ) كَالضَّمَانِ وَالصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ وَالشَّرِكَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ .
أَمَّا النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ فَبِالنَّصِّ .
وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ ( وَالْفُسُوخِ ) الْمُتَرَاخِيَةِ كَالْإِيدَاعِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجَعَالَةِ وَالضَّمَانِ وَالشَّرِكَةِ وَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّوْكِيلِ فِي الْفُسُوخِ التَّوْكِيلُ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الزَّوَائِدِ عَلَى أَرْبَعٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ .
أَمَّا الْفَسْخُ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ فَيُنْظَرُ فِيهِ إنْ حَصَلَ عُذْرٌ لَا يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا بِالتَّوْكِيلِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ لِلتَّقْصِيرِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَصِيغَةُ الضَّمَانِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْوَكَالَةِ : جَعَلْت مُوَكَّلِي ضَامِنًا لَك كَذَا ، أَوْ أَحَلْتُك بِمَا لَكَ عَلَى مُوَكَّلِي مِنْ كَذَا بِنَظِيرِهِ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ مُوصِيًا لَك بِكَذَا .
( وَ ) فِي ( قَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا ) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ .
أَمَّا الْأَعْيَانُ ، فَتَارَةً يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِهَا وَإِقْبَاضِهَا كَالزَّكَاةِ ، فَلِلْأَصْنَافِ أَنْ يُوَكِّلُوا فِي قَبْضِهَا لَهُمْ ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا لَهُمْ ، وَتَارَةً يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِهَا دُونَ إقْبَاضِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا كَالْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا ؛ فَلَوْ سَلَّمَهَا لِوَكِيلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا كَانَ مُفَرِّطًا ، لَكِنَّهَا إذَا وَصَلَتْ إلَى مَالِكِهَا خَرَجَ الْمُوَكَّلُ عَنْ عُهْدَتِهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَعَنْ الْجَوْجَرِيِّ مَا يَقْتَضِي اسْتِثْنَاءَ الْعِيَالِ كَالِابْنِ وَغَيْرِهِ .
ا هـ .
وَهُوَ حَسَنٌ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ .
تَنْبِيهٌ : إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الدُّيُونَ يَشْمَلُ الْمُؤَجَّلَ

.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ ، وَلَا شَكَّ فِي الصِّحَّةِ لَوْ جَعَلْنَاهُ تَابِعًا لِلْحَالِ .
( وَ ) فِي ( الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالٍ أَمْ فِي غَيْرِهِ إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي .

وَكَذَا فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ ، لَا فِي الْإِقْرَارِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَكَذَا ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ( فِي تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ ، فَيَحْصُلُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ إذَا قَصَدَهُ الْوَكِيلُ بِهِ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا الْخِلَافُ مُخَرَّجٌ ، فَتَارَةً يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْقَوْلَيْنِ كَمَا هُنَا .
وَتَارَةً بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الِالْتِقَاطِ كَمَا فِي الِاغْتِنَامِ ، فَلَوْ وُكِّلَ فِيهِ فَالْتَقَطَهُ كَانَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْوِلَايَةِ لَا لِشَائِبَةِ الِاكْتِسَابِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( فِي الْإِقْرَارِ فِي الْأَصَحِّ ) بِأَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَيَقُولُ الْوَكِيلُ أَقْرَرْت عَنْهُ بِكَذَا ، أَوْ جَعَلْتُهُ مُقِرًّا بِكَذَا ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالشَّهَادَةِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِبْرَاءِ لَيْسَ بِإِبْرَاءٍ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ وَكَّلْتُكَ لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا كَمَا مَثَّلْتُهُ ، فَلَوْ قَالَ أَقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ لَهُ عَلَيَّ كَانَ إقْرَارًا قَطْعًا ، وَلَوْ قَالَ : أَقِرَّ لَهُ عَلَيَّ بِأَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا قَطْعًا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ .

وَيَصِحُّ فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ، وَقِيل لَا يَجُوزُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ .
( وَيَصِحُّ ) التَّوْكِيلُ ( فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، بَلْ قَدْ يَجِبُ التَّوْكِيلُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ ، وَكَذَا فِي قَطْعِ الطَّرَفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ الْمَنْعَ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ { اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ } وَفِي غَيْرِهَا { وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } وَكَذَا مِنْ السَّيِّدِ فِي حَدِّ رَقِيقِهِ ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهَا لِبِنَائِهَا عَلَى الدَّرْءِ .
نَعَمْ قَدْ يَقَعُ إثْبَاتُهَا بِالْوَكَالَةِ تَبَعًا بِأَنْ يَقْذِفَ شَخْصٌ آخَرَ فَيُطَالِبُهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ، فَلَهُ أَنْ يَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ زِنَاهُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ بِدُونِهَا ، فَإِذَا ثَبَتَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَحَلُّ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا وَكَّلَهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ ، فَإِنْ وَكَّلَهُ قَبْلَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ ( وَقِيل لَا يَجُوزُ ) اسْتِيفَاؤُهَا ( إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ ) لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ بِالْغَيْبَةِ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَرُدَّ بِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ كَاحْتِمَالِ رُجُوعِ الشُّهُودِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ فِي غَيْبَتِهِمْ .

وَلْيَكُنْ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ .
تَنْبِيهٌ : الْمَحْكِيُّ بِقِيلَ قَوْلٌ مِنْ طَرِيقَةٍ ، وَالثَّانِيَةُ : الْقَطْعُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ : الْقَطْعُ بِمُقَابِلِهِ ، وَالثَّالِثُ : مِنْ الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْكِيلُ بِوَجْهٍ مَا ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَلْيَكُنْ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ) حَيْثُ يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ) ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فِيهِ فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ وَجْهٍ يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ لِلْوَكِيلِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَثُرَ ( فَلَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ ) لِي أَوْ مِنْ أُمُورِي ( أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي ، أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ ) أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فَتَصَرَّفْ كَيْف شِئْت ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ ( لَمْ يَصِحَّ ) التَّوْكِيلُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، إذْ يَدْخُلُ فِي هَذَا أُمُورٌ لَوْ عَرَضَ تَفْصِيلَهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ كَطَلَاقِ زَوْجَاتِهِ ، وَعِتْقِ أَرِقَّائِهِ ، وَالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَاسْتَنْكَرَهُ وَقَدْ مَنَعَ الشَّارِعُ بَيْعَ الْغَرَرِ وَهُوَ أَخَفُّ خَطَرًا مِنْ هَذَا ، وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِيمَا يَصِحُّ تَبَعًا .

وَإِنْ قَالَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِي وَعِتْقِ أَرِقَّائِي صَحَّ .
( وَإِنْ قَالَ ) وَكَّلْتُك ( فِي بَيْعِ أَمْوَالِي ) وَقَبْضِ دُيُونِي وَاسْتِيفَائِهَا ( وَعِتْقِ أَرِقَّائِي ) وَرَدِّ وَدَائِعِي وَمُخَاصَمَةِ خُصَمَائِي وَنَحْوِ ذَلِكَ ( صَحَّ ) وَإِنْ جَهِلَ الْأَمْوَالَ وَالدُّيُونَ وَمَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَالْأَرِقَّاءَ وَالْوَدَائِعَ وَمَنْ هِيَ عِنْدَهُ ، وَالْخُصُومَ وَمَا فِيهِ الْخُصُومَةُ ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِيهِ قَلِيلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : بِعْ بَعْضَ مَالِي أَوْ طَائِفَةً أَوْ سَهْمًا مِنْهُ ، أَوْ بِعْ هَذَا أَوْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْ أَوْ هَبْ مِنْ مَالِي ، أَوْ اقْضِ مِنْ دُيُونِي مَا شِئْت ، أَوْ أَعْتِقْ أَوْ بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْت ، صَحَّ فِي الْبَعْضِ لَا فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَأْتِي الْوَكِيلُ بِالْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ : طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ مَنْ شَاءَتْ الطَّلَاقَ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي هَذِهِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ فَلَا تُصَدَّقُ مَشِيئَةُ وَاحِدَةٍ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى أَيِّ امْرَأَةٍ شَاءَتْ مِنْهُنَّ الطَّلَاقَ طَلِّقْهَا بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَصُدِّقَتْ مَشِيئَتُهُ فِيمَا لَا يَسْتَوْعِبُ الْجَمِيعَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَشِيئَتِهِ فِيمَا يَسْتَوْعِبُهُ احْتِيَاطًا ، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْ لِي مَنْ شِئْت صَحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْ مِنْ مَالِي مَا شِئْت ، وَلَوْ قَالَ : أَبْرِئْ فُلَانًا عَمَّا شِئْت مِنْ مَالِي صَحَّ وَلْيُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا ، أَوْ عَنْ الْجَمِيعِ ، فَأَبْرَأَهُ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ صَحَّ ، أَوْ أَبْرِئْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ أَبْرَأَهُ عَنْ أَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِالْإِبْرَاءِ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ جَهِلَهُ الْوَكِيلُ وَالْمَدْيُونُ .

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ ، أَوْ دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحَلَّةِ وَالسِّكَّةِ ، لَا قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ .

( وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ ) كَتُرْكِيٍّ أَوْ هِنْدِيٍّ ، وَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ كَعَبْدٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَإِنْ تَبَايَنَتْ أَصْنَافُ نَوْعٍ وَجَبَ بَيَانُ الصِّنْفِ كَخَطَابِيٍّ وَقَفْجَاقِيٍّ ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِيفَاءُ أَوْصَافِ السَّلَمِ وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْهَا اتِّفَاقًا ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ رَقِيقٍ وَجَبَ مَعَ بَيَانِ النَّوْعِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي عَبْدًا كَمَا تَشَاءُ لَمْ يَصِحَّ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ ( أَوْ ) فِي ( دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحَلَّةِ ) أَيْ الْحَارَةِ ( وَالسِّكَّةِ ) بِكَسْرِ السِّينِ : أَيْ الزُّقَاقِ ، وَالْعِلْمُ بِالْبَلَدِ وَنَحْوِهَا مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ ، وَفِي شِرَاءِ الْحَانُوت يُبَيِّنُ السُّوقَ لِيَقِلَّ الْغَرَرُ ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ نَوْعٍ وَلَا غَيْرِهِ ، بَلْ يَكْفِي اشْتَرِ مَا شِئْت مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ مَا فِيهِ حَظٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءٍ عَبْدٍ لَمْ يَصِفْهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى فَرْدٍ ، فَلَا تَنَاقُضَ فِي عِبَارَتِهِ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ ، وَ ( لَا ) يَجِبُ بَيَانُ ( قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ ) فِيمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ نَفِيسًا كَانَ أَوْ خَسِيسًا .
وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ : يَكُونُ إذْنًا فِي أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنْهُ .
وَالثَّانِي : يَجِبُ بَيَانُ قَدْرِهِ كَمِائَةٍ أَوْ غَايَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ مِنْ مِائَةٍ إلَى

أَلْفٍ لِظُهُورِ التَّفَاوُتِ .

وَيُشْتَرَطُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ يَقْتَضِي رِضَاهُ كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ ، فَلَوْ قَالَ بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ : ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي الصِّيغَةِ ( مِنْ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ ) وَلَوْ كِنَايَةٌ ( يَقْتَضِ رِضَاهُ ) وَفِي مَعْنَاهَا مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ ( كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ ) أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي ، أَوْ أَنَبْتُك ، كَمَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ ( فَلَوْ قَالَ : بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِمَّا سَبَقَ ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُسَمَّى إيجَابًا وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : حَصَلَ الْإِذْنُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ ) مِنْ الْوَكِيلِ ( لَفْظًا ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إبَاحَةٌ وَرَفْعُ حَجْرٍ فَأَشْبَهَ إبَاحَةَ الطَّعَامِ ، وَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِهَا ، فَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْلِ عِلْمِهِ فَكَبَيْعِ مَالِ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا ( وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ) فِيهِ كَغَيْرِهِ ( وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ ) إلْحَاقًا لِصِيَغِ الْعَقْدِ بِالْعُقُودِ وَالْأَمْرِ بِالْإِبَاحَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَوَّلِ الْقَبُولُ لَفْظًا فِيمَا لَوْ كَانَ لِإِنْسَانٍ عَيْنٌ مُعَارَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ فَوَهَبَهَا لِآخَرَ فَقَبِلَهَا ، وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَكَّلَ فِي قَبْضِهَا الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ الْغَاصِبَ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ لَفْظًا ، وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِمَا سَبَقَ ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الرِّضَا بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَيْرِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَفْظًا عَنْ الْقَبُولِ مَعْنًى فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الرِّضَا فَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ ، أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ كَمَا قَالَهُ

الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ ، أَوْ بِمَعْنَى عَدَمِ الرَّدِّ فَيُشْتَرَطُ جَزْمًا ، فَلَوْ قَالَ : لَا أَقْبَلُ أَوْ لَا أَفْعَلُ بَطَلَتْ ، فَإِنْ نَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ جُدِّدَتْ لَهُ ، وَمَرَّ أَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ ، وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ فِي الْوَكَالَةِ .

وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ ) مِنْ صِفَةٍ أَوْ وَقْتٍ كَقَوْلِهِ : إذَا قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ وَكَّلْتُك بِكَذَا ، أَوْ فَأَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ الْجَهَالَةَ فَتَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ ، وَيَنْفُذُ أَيْضًا تَصَرُّفٌ صَادَفَ الْإِذْنَ حَيْثُ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ فَاسِدًا كَقَوْلِهِ : وَكَّلْت مَنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِي فَلَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .

فَإِنْ نَجَّزَهَا ، وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ ، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا ، وَيَجْرِيَانِ فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ .

تَنْبِيهٌ هَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ ( فَإِنْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ ) كَوَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي وَبِعْهُ بَعْدَ شَهْرٍ ، فَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ ، وَيَصِحُّ تَأْقِيتُهَا كَوَكَّلْتُكَ شَهْرًا ، فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ امْتَنَعَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ ( وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى ) أَوْ إذَا أَوْ مَهْمَا ( عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي ) فِيهِ أَوْ قَدْ وَكَّلْتُك ( صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ .
وَالثَّانِي : لَا تَصِحُّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى شَرْطِ التَّأْبِيدِ وَهُوَ الْتِزَامُ الْعَقْدِ الْجَائِزِ .
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ التَّأْبِيدِ بِمَا ذُكِرَ كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( فِي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوَكَالَةَ ثَانِيًا عَلَى الْعَزْلِ ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فَسَادُ التَّعْلِيقِ .
وَالثَّانِي : تَعُودُ الْوَكَالَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِلْإِذْنِ كَمَا مَرَّ ، فَطَرِيقُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ أَنْ يُكَرِّرَ عَزْلَهُ فَيَقُولُ : عَزَلْتُك عَزَلْتُك ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِكُلَّمَا تَكَرَّرَ الْعَوْدُ بِتَكَرُّرِ الْعَزْلِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ ، وَطَرِيقُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي عَزْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ عَزَلَ نَفْسَهُ إلَّا إنْ كَانَ قَدْ قَالَ : إنْ عَزَلْتُك أَوْ عَزَلَك أَحَدٌ عَنِّي فَلَا يَكْفِي التَّوْكِيلُ بِالْعَزْلِ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا عُدْت وَكِيلِي ، فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَيَمْتَنِع تَصَرُّفُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا تَعْلِيقٌ لِلْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَهُوَ تَعْلِيقٌ قَبْلَ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ

عَنْ الْوَكَالَةِ الَّتِي لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْت فُلَانَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَهُوَ بَاطِلٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَزْلَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ السَّابِقَةِ عَلَى لَفْظٍ ، لَا فِيمَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ ، إذْ لَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْعُقُودِ قَبْلَ عَقْدِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا مَعَ فَسَادِ الْوَكَالَةِ فَمَا فَائِدَةُ صِحَّتِهَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذَلِكَ اسْتِقْرَارُ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ، وَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي النِّكَاحِ يُفْسِدُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى ، وَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ .
( وَيَجْرِيَانِ ) أَيْ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ ( فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ ) كَقَوْلِهِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ .
أَصَحُّهُمَا عَدَمُ صِحَّتِهِ أَخْذًا مِنْ تَصْحِيحِهِ فِي تَعْلِيقِهَا .
لَكِنْ الْعَزْلُ أَوْلَى بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ مِنْ الْوَكَالَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا : لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولٌ قَطْعًا ، وَعَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْمَنْعِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ .
كَمَا أَنَّ التَّصَرُّفَ يَنْفُذُ فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ .

فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ، وَلَا بِنَسِيئَةٍ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا ، فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ، وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَ .

فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ بِالْبَيْعِ لِأَجَلٍ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْوَكَالَةِ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ : الْأَوَّلُ الْمُوَافَقَةُ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ الصَّادِرِ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْقَرِينَةِ ، كَمَا قَالَ ( الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ) أَيْ تَوْكِيلًا لَمْ يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ ( لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِأَغْلَبِهِمَا ، فَإِنَّ اسْتَوَيَا فَبِأَنْفَعِهِمَا لِلْمُوَكِّلِ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تُخُيِّرَ ، فَإِنْ بَاعَ بِهِمَا وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ جَاز كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْبَلَدِ بَلَدُ الْبَيْعِ لَا بَلَدُ التَّوْكِيلِ ، لَكِنْ لَوْ سَافَرَ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ إلَى بَلَدٍ بِغَيْرِ إذْنٍ وَبَاعَهُ فِيهَا اُعْتُبِرَ نَقْدُ بَلَدِ حَقِّهِ أَنْ يَبِيعَ فِيهَا ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ فَإِنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ : وَكَّلْتُك لِتَبِيعَ بِكَذَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِبَلَدٍ وَلَا أَجَلٍ وَلَا نَقْدٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ لِتَقْيِيدِ الْبَيْعِ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْبَيْعُ لَا بِقَيْدٍ ( وَلَا ) يَبِيعُ ( بِنَسِيئَةٍ ) ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ الْحُلُولُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ غَالِبًا ( وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا ) بِخِلَافِ الْيَسِيرِ ، وَهُوَ مَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَدِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ ، وَيَخْتَلِفُ الْمُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ ، فَلَا تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : وَالْعَشَرَةُ إنْ تُسُومِحَ بِهَا فِي الْمِائَةِ فَلَا يَتَسَامَحُ بِالْمِائَةِ فِي الْأَلْفِ وَلَا بِالْأَلْفِ فِي

الْعَشَرَةِ آلَافٍ ، فَالصَّوَابُ الرُّجُوعُ لِلْعَادَةِ ، وَلَوْ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَثَمَّ رَاغِبٌ مَوْثُوقٌ بِهِ بِزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ ، وَلَوْ وُجِدَ الرَّاغِبُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسْخُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ انْفَسَخَ كَمَا مَرَّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي عَدْلِ الرَّهْنِ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاغِبُ مُمَاطِلًا وَلَا مُتَجَوِّهًا وَلَا مَالَهُ أَوْ كَسْبَهُ حَرَامٌ .
فَائِدَةٌ : ثَمَنُ الْمِثْلِ نِهَايَةُ رَغَبَاتِ الْمُشْتَرِي ( فَلَوْ ) خَالَفَ ، وَ ( بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ) لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ ( وَ ) إذَا ( سَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَ ) لِتَعَدِّيهِ ، وَيَسْتَرِدُّهُ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا غَرَّمَ الْمُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلِ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلِيًّا أَمْ مُتَقَوِّمًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَإِنْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِذَا اسْتَرَدَّهُ فَلَهُ بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ السَّابِقِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَدْلِ الرَّهْنَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَا يَبِيعُهُ ثَانِيًا بِالْإِذْنِ السَّابِقِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فِي الْأَوَّلِ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فِي الثَّانِي وَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ .
أَمَّا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ هَذَيَانٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : لَمْ يَصِحَّ وَضَمِنَ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّمَانِ عَدَمُ الصِّحَّةِ .

فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ الْأَجَلَ فَذَاكَ .
وَلَوْ قَالَ لَهُ : بِعْ بِكَمْ شِئْت صَحَّ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، وَلَا يَصِحُّ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمَا شِئْت أَوْ بِمَا تَيَسَّرَ صَحَّ بَيْعُهُ بِالْعُرُوضِ ، وَلَا يَصِحُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ ، أَوْ كَيْفَ شِئْت صَحَّ بَيْعُهُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَصِحُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمَا عَزَّ وَهَانَ صَحَّ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَبِالْعُرُوضِ وَلَا يَصِحُّ بِالنَّسِيئَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَمْ لِلْعَدَدِ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ ، وَمَا لِلْجِنْسِ فَشَمِلَ النَّقْدَ وَالْعَرَضَ .
لَكِنَّهُ فِي الْأَخِيرَةِ لَمَّا قَرَنَ بِعَزَّ وَهَانَ شَمِلَ عُرْفًا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ أَيْضًا ، وَكَيْفَ لِلْحَالِ فَشَمِلَ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ .
( فَإِنْ وَكَّلَهُ ) فِي الصَّيْفِ فِي شِرَاءِ جَمْدٍ لَمْ يَشْتَرِهِ فِي الشِّتَاءِ وَلَا فِي الصَّيْفِ بَعْدَهُ أَوْ ( لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ الْأَجَلَ فَذَاكَ ) ظَاهِرٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ بَاعَ حَالًّا صَحَّ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ضَرَرٌ مِنْ نَقْصِ ثَمَنٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ مُؤْنَةِ حِفْظٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَغْرَاضِ .
نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُشْتَرِي فَيَظْهَرُ ، كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْمَنْعُ لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ .

وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبِيعُ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ الْبَالِغِ .

( وَإِنْ أَطْلَقَ ) الْأَجَلَ ( صَحَّ ) التَّوْكِيلُ ( فِي الْأَصَحِّ ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ ) حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمَعْهُودِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النُّقُودِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ رَاعَى الْأَنْفَعَ لِلْمُوَكِّلِ وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَيُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ قِيَاسًا عَلَى عَامِلِ الْقِرَاضِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِتَفَاوُتِ الْأَجَلِ طُولًا وَقِصَرًا ، وَقِيلَ : يَصِحُّ وَلَا يَزِيدُ عَلَى سَنَةٍ لِتَقْدِيرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِهَا شَرْعًا كَالْجِزْيَةِ وَالدِّيَةِ ، فَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ فِي الْأَصَحِّ إلَى بَعْدِ قَوْلِهِ وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ لَعُلِمَ مِنْهُ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا ( وَ ) الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُطْلَقًا ( لَا يَبِيعُ ) وَلَا يَشْتَرِي ( لِنَفْسِهِ وَ ) لَا ( لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ) وَنَحْوِهِ مِنْ مَحَاجِيرِهِ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ لِتَضَادِّ غَرَضَيْ الِاسْتِرْخَاصِ لَهُمْ وَالِاسْتِقْصَاءِ لِلْمُوَكِّلِ ، وَكَذَا لَوْ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ وَنَهَاهُ عَنْ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ اتِّحَادِ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ وَإِنْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ لِيَهَبَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ لِاتِّحَادِ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي هِبَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ اسْتِيفَاءِ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ دَيْنٍ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ لِذَلِكَ ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعُ تَوْكِيلِ السَّارِقِ فِي الْقَطْعِ ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا ، لَكِنْ صَرَّحُوا فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِخِلَافِهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي طَرَفَيْ عَقْدٍ وَنَحْوِهِ كَمُخَاصَمَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا لِمَا مَرَّ وَلَه اخْتِيَارُ طَرَفٍ مِنْهُمَا ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي إبْرَاءِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي الْإِبْرَاءِ ، وَفِي إعْتَاقِهَا وَالْعَفْوِ عَنْهَا مِنْ قِصَاصٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ

.
( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ( يَبِيعُ لِأَبِيهِ ) وَسَائِرِ أُصُولِهِ ( وَابْنِهِ الْبَالِغِ ) وَسَائِرِ فُرُوعِهِ الْمُسْتَقِلِّينَ ، لِأَنَّهُ بَاعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَوْ بَاعَ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ لَصَحَّ فَلَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ صَدِيقِهِ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْمَيْلِ إلَيْهِمْ كَمَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ مَنْ شَاءَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيضُهُ إلَى أُصُولِهِ وَلَا فُرُوعِهِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ لَنَا هُنَا مَرَدًّا ظَاهِرًا وَهُوَ ثَمَنُ الْمِثْلِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَزْكِيَةً لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ .

وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ ، وَلَا يُسَلِّمُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ ، فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ .

( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ ) الْحَالِّ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ قَبْضِهِ ( وَ ) لَهُ ( تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ ) إنْ كَانَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ .
وَالثَّانِي : لَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِمَا ، وَقَدْ يَرْضَاهُ لِلْبَيْعِ دُونَ الْقَبْضِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَبْضُ شَرْطًا ، فَإِنْ كَانَ كَالصَّرْفِ وَنَحْوِهِ فَلَهُ الْقَبْضُ وَالْإِقْبَاضُ قَطْعًا .
أَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا ، وَلَوْ حَلَّ أَوْ حَالًّا وَنَهَاهُ عَنْ قَبْضِهِ لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَهُ قَطْعًا ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : امْنَعْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ إثْبَاتَ يَدِهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْإِذْنِ ، وَإِنْ قَالَ : لَا تُسَلِّمُ الْمَبِيعَ لَهُ لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَصْلِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بَلْ مِنْ تَسْلِيمِهِ بِنَفْسِهِ ، وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا فَيُسَلِّمُ الْمُوَكِّلُ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي عَنْ الْوَكِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَخَرَجَ بِالْبَيْعِ الْهِبَةُ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِيهَا التَّسْلِيمُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَقَعُ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ، وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَلَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ ، وَلَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إنْ كَانَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ تَسْلِيمِهِ ( وَلَا يُسَلِّمُهُ ) أَيْ : وَكِيلُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ ( حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ ) لِمَا فِي التَّسْلِيمِ قَبْلَهُ مِنْ الْخَطَرِ ( فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ ) لِتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقْتَ التَّسْلِيمِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي غُرْمِ الْقِيمَةِ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَيْلُولَةِ ، فَإِذَا غَرِمَهَا ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ دَفَعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَاسْتَرَدَّ الْمَغْرُومَ .
هَذَا إذَا سَلَّمَهُ مُخْتَارًا ، فَإِنْ

أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَفِي الْبَحْرِ : الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ، وَهُوَ حَسَنٌ .

وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ إنْ جَهِلَ الْعَيْبَ ، وَإِنْ عَلِمَهُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهْ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إنْ عَلِمَهُ ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِذَا وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرَّدُّ .

( وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ ) شَيْءٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ ( لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا ) أَيْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ بِخِلَافِ عَامِلِ الْقِرَاضِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّبْحُ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَعِيبِ .
( فَإِنْ اشْتَرَاهُ ) أَيْ الْمَعِيبَ ( فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَعَ ) الشِّرَاءُ ( عَنْ الْمُوَكِّلِ إنْ جَهِلَ ) الْمُشْتَرِي ( الْعَيْبَ ) ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِكِ لِتَخْيِيرِهِ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ لِجَهْلِهِ وَلَا خَلَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لِإِطْلَاقِهِ .
نَعَمْ لَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى السَّلِيمِ ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : فِي الذِّمَّةِ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا يَقَعُ لَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَقَعُ لَهُ لَكِنْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْقِلَابُ الْعَقْدِ لَهُ بِحَالٍ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ ، فَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ أَوَّلًا بِالذِّمَّةِ إخْرَاجُ الْمَذْكُورِ آخِرًا وَهُوَ رَدُّ الْوَكِيلِ ، فَلَوْ قَيَّدَ الْأَخِيرَ فَقَطْ فَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ : الرَّدُّ ، وَكَذَا لِلْوَكِيلِ : إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ أَوْلَى ( وَإِنْ عَلِمَهُ فَلَا ) يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ ، سَوَاءٌ أَسَاوَى مَا اشْتَرَاهُ أَمْ زَادَ وَالثَّانِي : يَقَعُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مُطْلَقَةٌ وَلَا نَقْصَ فِي الْمَالِيَّةِ ( وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهْ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( إنْ عَلِمَهُ ) أَيْ الْوَكِيلُ لِتَقْصِيرِهِ وَقَدْ يَهْرَبُ الْبَائِعُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُوَكِّلُ مِنْ الرَّدِّ فَيَتَضَرَّرُ ( وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ ) عَلَى الْمُوَكِّلِ ( فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ جَاهِلًا ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ يَمْنَعُ الْوُقُوعَ عَنْهُ مَعَ السَّلَامَةِ فَعِنْدَ الْعَيْبِ أَوْلَى .

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي الْمَعِيبِ فَلَا ضَرَرَ بِخِلَافِ الْغَبْنِ .
( وَإِذَا وَقَعَ ) الشِّرَاءُ ( لِلْمُوَكِّلِ ) فِي صُورَتَيْ الْجَهْلِ ( فَلِكُلٍّ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرَّدُّ ) بِالْعَيْبِ ، أَمَّا الْمُوَكِّلُ فَلِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَالضَّرَرُ لَاحِقٌ بِهِ ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ ، فَلِأَنَّهُ نَائِبُهُ ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَهُ لَكَانَ الْمَالِكُ رُبَّمَا لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَعَذَّرُ الرَّدُّ لِكَوْنِهِ فَوْرِيًّا وَيَبْقَى لِلْوَكِيلِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ .
أَمَّا إذَا قُلْنَا : إنَّهُ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ فَيَرُدُّهُ الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ، وَالْعَيْبُ الطَّارِئُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمُقَارِنِ فِي جَوَازِ الرَّدِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ ، وَلَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ الْمُوَكِّلُ أَوْ قَصَّرَ فِي الرَّدِّ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَرُدَّهُ الْوَكِيلُ ، إذْ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْفَسْخِ ، بِخِلَافِ عَامِلِ الْقِرَاضِ لَحْظَةً فِي الرِّبْحِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ أَوْ قَصَّرَ فِي الرَّدِّ رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ ، هَذَا إذَا سَمَّاهُ الْوَكِيلُ فِي الشِّرَاءِ أَوْ نَوَاهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ ، وَإِلَّا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمُوَكِّلُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، وَيَقَعُ الشِّرَاءُ فِي صُورَتَيْ الْعِلْمِ لِلْوَكِيلِ أَيْضًا .
أَمَّا إذَا عَلِمَهُ وَاشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَصِحَّ .

فَرْعٌ : لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْوَكِيلِ : أَخِّرْ الرَّدَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ ، وَإِنْ أَخَّرَ فَلَا رَدَّ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ ، وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْوَكِيلِ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ وَاحْتَمَلَ رِضَاهُ بِهِ بِاحْتِمَالِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ ، فَإِنْ حَلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ رُدَّ ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْبَائِعُ لَمْ يُرَدَّ لِتَقْصِيرِهِ بِالنُّكُولِ ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَصَدَّقَ الْبَائِعُ فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ مِنْهُ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَصَدَّقَ الْبَائِعَ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَهُ الرَّدُّ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ رِضَاهُ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَى الْبَائِعِ .

وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ إنْ تَأَتَّيْ مِنْهُ مَا وَكَّلَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ ، وَلَوْ كَثُرَ وَعَجَزَ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِكُلِّهِ ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ .

( وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ إنْ تَأَتَّى مِنْهُ مَا وَكَّلَ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ .
وَلَا ضَرُورَةَ كَالْمُودَعِ وَلَا يُودِعُ .
( وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ ) مِنْهُ ذَلِكَ ( لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ ) ، إذْ تَفْوِيضُ مِثْلِ ذَلِكَ إلَيْهِ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الِاسْتِنَابَةُ ، وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ التَّوْكِيلِ عِنْدَ جَهْلِ الْمُوَكِّلِ بِحَالِهِ أَوْ اعْتِقَادِهِ خِلَافَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ظَاهِرٌ ( وَلَوْ كَثُرَ ) الْمُوَكَّلُ فِيهِ ( وَعَجَزَ ) الْوَكِيلُ ( عَنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّهِ ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ ) غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ بِخِلَافِ الْمُمْكِنِ ، وَقِيلَ يُوَكِّلُ فِي الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَعْضِ فَيُوَكِّلُ فِي الْكُلِّ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ .
وَالثَّانِي : لَا يُوَكِّلُ فِي الْمُمْكِنِ وَفِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ .
وَالثَّالِثَةُ : فِي الْكُلِّ وَجْهَانِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ عَادَةً وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ لِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ ، فَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ عِلْمِهِ بِسَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ، وَإِنْ طَرَأَ الْعَجْزُ فَلَا خِلَافًا لِلْجُوَيْنِيِّ قَالَهُ فِي ، الْمَطْلَبِ وَكَطُرُوِّ الْعَجْزِ مَا لَوْ جَهِلَ الْمُوَكِّلُ حَالَ تَوْكِيلِهِ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْإِسْنَوِيِّ .
تَنْبِيهٌ : هَلْ الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ الْقِيَامُ بِالْجَمِيعِ مَعَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي : كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامٍ مُجَلَّى فِي الذَّخَائِرِ ، وَحَيْثُ وَكَّلَهُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَإِنَّمَا يُوَكَّلُ عَنْ مُوَكِّلِهِ فَإِنْ وَكَّلَ عَنْ نَفْسِهِ فَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْمَنْعُ .

وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّوْكِيلِ وَقَالَ : وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ .
( وَلَوْ أَذِنَ ) الْمُوَكِّلُ ( فِي التَّوْكِيلِ قَالَ ) لِلْوَكِيلِ ( وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ ) عَمَلًا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ ، وَقِيلَ : إنَّهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : أَقِمْ غَيْرَك مَقَامَك ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ ) أَيْ الثَّانِي : ( بِعَزْلِهِ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( وَانْعِزَالِهِ ) بِمَوْتِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ عَزْلِ مُوَكِّلِهِ لَهُ ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُوَكِّلِ أَيْضًا عَزْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ فَرْعُ الْفَرْعِ كَمَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ .
تَنْبِيهٌ : جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ وَحِكَايَتُهُ وَجْهَيْنِ مَعَ ذَلِكَ فِي انْعِزَالِهِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ ، وَانْعِزَالُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْمَعْنَى وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي الْبِنَاءِ ، وَبِنَاءُ الْعَزْلِ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ .

وَإِنْ قَالَ وَكِّلْ عَنِّي فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ .
( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ ( وَكِّلْ عَنِّي ) فَفَعَلَ ( فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِذْنِ ( وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ قَالَ : وَكِّلْ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَا عَنْك ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْأَوَّلِ لَهُ تَصَرُّفٌ وَقَعَ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَيَقَعُ عَنْهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ وَكِيلُ الْوَكِيلِ ، وَكَأَنَّهُ قَصَدَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي لِنَائِبِهِ : اسْتَنِبْ فَاسْتَنَابَ ، فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ لَا عَنْ مُنِيبِهِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَلِّي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْوَكِيلُ نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ ( قُلْت : وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ) وَهُمَا مَا إذَا قَالَ : عَنِّي أَوْ أَطْلَقَ ( لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ ) فَإِنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ ، فَفِي الْأُولَى جَزْمًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ وَلَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا لَفُهِمَ مِنْ التَّفْرِيعِ ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ زِيَادَةَ الْإِيضَاحِ ا هـ وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ أَيِّهِمَا شَاءَ .

وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ ، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفُسِّقَ لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ ) عَنْهُ أَوْ عَنْ الْمُوَكِّلِ ( يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا ) رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْمُوَكِّلِ .
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْأَمِينِ ، وَلَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ ، لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ عَنْ الْغَيْرِ ( إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ ) أَيْ الْأَمِينِ فَيَتْبَعُ تَعْيِينَهُ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ لِإِذْنِهِ فِيهِ ، وَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ فِسْقَ الْمُعَيَّنِ دُونَ الْمُوَكِّلِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا إذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ ، فَاطَّلَعَ الْوَكِيلُ عَلَى عَيْبِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهِ ، فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كَلَامِهِ ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ فَاسِقًا فَزَادَ فِسْقُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ تَوْكِيلُهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَنَظِيرِهِ ، فِيمَا لَوْ زَادَ فِسْقُ عَدْلِ الرَّهْنِ ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ وَكَّلَ عَنْ نَفْسِهِ ، أَمَّا الْمُوَكِّلُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ فَلَا يَجُوزُ لِمُوَكِّلِهِ أَنْ يُوَكِّلَهُ وَلَا غَيْرَهُ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِالتَّعْيِينِ : أَنَّهُ إذَا عَمَّمَ ، فَقَالَ : وَكِّلْ مَنْ شِئْت لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْأَمِينِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قَالُوا فِي النِّكَاحِ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَالَتْ : زَوِّجْنِي مِمَّنْ شِئْت جَازَ تَزْوِيجُهَا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَقِيَاسُهُ الْجَوَازُ هُنَا ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ يَصِحُّ وَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَهُنَا يُسْتَدْرَكُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ فَاسِقًا فَبَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يَصِحُّ أَوْ اشْتَرَى مُعَيَّنًا ثَبَتَ الْخِيَارُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّوْكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ حِفْظُهَا وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْمُوَكِّلِ فِيهَا ، وَهَذَا يُنَافِيهِ تَوْكِيلُ الْفَاسِقِ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وَقَدْ تُسَامِحُ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهَا لِحَاجَةِ الْقُوتِ أَوْ

غَيْرِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرُ الْكُفْءِ أَصْلَحَ لَهَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَا إنَّمَا قَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ بِشَرْطِ النَّظَرِ لَهُ بِالْمَصْلَحَةِ ( وَلَوْ وَكَّلَ ) الْوَكِيلُ ( أَمِينًا ) فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ ( فَفُسِّقَ لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ دُونَ الْعَزْلِ .
وَالثَّانِي : يَمْلِكُ عَزْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التَّوْكِيلِ يَقْتَضِي تَوْكِيلَ الْأُمَنَاءِ ، فَإِذَا فُسِّقَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ فَيَجُوزُ عَزْلُهُ .

فَصْلٌ قَالَ : بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي زَمَنٍ أَوْ مَكَان مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ ، وَفِي الْمَكَانِ وَجْهٌ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ .

فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَمَا يَتْبَعُهَا لَوْ ( قَالَ : بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ ) كَزَيْدٍ ( أَوْ فِي زَمَنٍ ) مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ( أَوْ مَكَان مُعَيَّنٍ ) كَسُوقِ كَذَا ( تَعَيَّنَ ) ذَلِكَ أَمَّا الشَّخْصُ ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ تَخْصِيصَهُ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ ، وَرُبَّمَا كَانَ مَالُهُ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ نَعَمْ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الرِّبْحِ ، وَأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي التَّعْيِينِ إلَّا ذَلِكَ ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ .
وَأَمَّا الزَّمَانُ ، فَلِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى الْبَيْعِ قَدْ يَكُونُ فِيهِ خَاصَّةً ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ ، وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ ، فَلَوْ قَالَ لَهُ بِعْ أَوْ أَعْتِقْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَهُ ، وَلَا بَعْدَهُ ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ انْحِصَارُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الَّذِي يَلِيهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي مِثْلِهِ مِنْ جُمُعَةٍ أُخْرَى .
وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَوْ وَكَّلَ بِهِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّن فَطَلَّقَ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعْ أَوْ بَعْدَهُ فَكَذَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مُرَاعَاةً لِتَخْصِيصِ الْمُوَكِّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ نَقْلًا عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الدَّارَكِيِّ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِيهِ مُطَلَّقَةٌ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ ، وَمَا قَالَهُ الدَّارَكِيُّ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ .
وَأَمَّا الْمَكَانُ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ الْغَرَضُ فِي تَعْيِينِهِ لِكَوْنِ الرَّاغِبِينَ فِيهِ أَكْثَرَ أَوْ النَّقْدِ فِيهِ أَجْوَدَ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَتَعْيِينُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : ( وَفِي الْمَكَانِ وَجْهٌ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ )

صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمْعٌ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ ، فَإِنْ قَدَّرَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَكَانُ إلَّا إنْ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ فِي غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فِيهِ ، وَإِنْ عَيَّنَ لِلْبَيْعِ بَلَدًا أَوْ سُوقًا فَنَقَلَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ ضَمِنَ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ ، وَإِنْ قَبَضَهُ وَعَادَ بِهِ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْقِرَاضِ لِلْمُخَالَفَةِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : بَلْ لَوْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَيْعِ فِي بَلَدٍ فَلْيَبِعْ فِيهِ ، فَإِنْ نَقَلَهُ ضَمِنَ .
تَنْبِيهٌ : فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَاهُلٌ ، فَإِنْ كَانَ يَحْكِي بِهَا لَفْظَ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُعَيَّنٍ مِنْ تَتِمَّةِ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ فَمَدْلُولُهُ بِعْ مِنْ مُعَيَّنٍ لَا مُبْهَمٍ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَثَّلْتُ بِهِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ قَالَ : بِعْ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ كَذَا أَوْ عَيَّنَ مَكَانًا ، وَهُوَ تَعْبِيرٌ حَسَنٌ .

وَإِنْ قَالَ بِعْ بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ وَكَانَ فُلَانٌ قَدْ بَاعَهُ فَلِلْوَكِيلِ شِرَاؤُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ قَالَ : طَلِّقْ زَوْجَتِي ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَلِلْوَكِيلِ طَلَاقُهَا أَيْضًا فِي الْعِدَّةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ لَيْلًا فَإِنْ كَانَ الرَّاغِبُونَ فِيهِ مِثْلَ النَّهَارِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ ، وَلَوْ قَالَ بِعْ مِنْ زَيْدٍ فَبَاعَ لِوَكِيلِهِ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَقْلَ الْمِلْكِ ، وَالْبَيْعُ يَقْبَلُهُ ، وَقِيَاسُهُ عَدَمُهُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْ مِنْ وَكِيلِ زَيْدٍ فَبَاعَ مِنْ زَيْدٍ ( وَإِنْ قَالَ بِعْ ) هَذَا ( بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ ) مِنْهَا وَلَوْ يَسِيرًا وَإِنْ كَانَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِذْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّقْصِ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِمَا يَتَغَابَنُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى ثَمَنَ الْمِثْلِ بِخِلَافِ دُونَ الْمِائَةِ لَا يُسَمَّى مِائَةً .
( وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ ) عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ عُرْفًا إنَّمَا هُوَ مَنْعُ النَّقْصِ ، وَقِيلَ لَا يَزِيدُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رُبَّمَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي إبْرَارِ قَسَمٍ ، وَكَمَا لَوْ زَادَ فِي الصِّفَةِ : بِأَنْ قَالَ : بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُكَسَّرَةٍ فَبَاعَ بِمِائَةٍ صَحِيحَةٍ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : لَهُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ بِالْمِائَةِ وَهُنَاكَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْغِبْطَةِ ، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَار لَزِمَهُ الْفَسْخُ ، فَلَوْ لَمْ يَفْسَخْ انْفَسَخَ الْمَبِيعُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ ( إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ ) عَنْ الزِّيَادَةِ فَتَمْتَنِعُ ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ أَبْطَلَ حَقَّ الْعُرْفِ .
تَنْبِيهٌ : يَرُدُّ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْ قَالَ : بِعْ لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الزِّيَادَةُ قَطْعًا ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ إرْفَاقَهُ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ

وَكَّلَهُ بِالْخُلْعِ بِمِائَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ يَقَعُ غَالِبًا عَنْ شِقَاقٍ ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَنْعَ فِي الْأُولَى بِمَا إذَا كَانَتْ الْمِائَةُ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ ثَمَنَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ زَيْدٍ بِمِائَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ مُمْكِنًا مِنْ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ كَانَ تَعْيِينُهُ ظَاهِرًا فِي قَصْدِ إرْفَاقِهِ وَشِرَاءُ الْعَيْنِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ ضَعُفَ احْتِمَالُ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ فَظَهَرَ قَصْدُ التَّعْرِيفِ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ لَهُ : بِعْ الْعَبْدَ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ وَثَوْبٍ أَوْ دِينَارٍ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ غَرَضُهُ وَزَادَ خَيْرًا ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : بِعْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ ، إذْ الْمَأْتِيُّ بِهِ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ وَلَا مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرِ بِمِائَةٍ لَا بِخَمْسِينَ جَازَ الشِّرَاءُ بِالْمِائَةِ وَبِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْسِينَ لَا بِمَا عَدَا ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ بِعْ بِمِائَةٍ لَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لَمْ يَجُزْ النَّقْصُ عَنْ الْمِائَةِ وَلَا اسْتِكْمَالُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ مَا عَدَاهُ ، وَلَوْ قَالَ لَا تَبِعْ أَوْ لَا تَشْتَرِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ مَثَلًا فَاشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ مِائَةٌ أَوْ دُونَهَا لَا أَكْثَرُ جَازَ لِإِتْيَانِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ .

وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ ، فَإِنْ لَمْ تُسَاوِ وَاحِدَةٌ دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ ، وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ .

( وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا ) بِصِفَةٍ ( فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ ) الْمَشْرُوطَةِ ( فَإِنْ لَمْ تُسَاوِي وَاحِدَةٌ ) مِنْهُمَا ( دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ ) ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا عَلَى الدِّينَارِ لِفَوَاتِ مَا وَكَّلَ فِيهِ ( وَإِنْ سَاوَتْهُ ) أَوْ زَادَتْ عَلَيْهِ ( كُلُّ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُمَا ( فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ ) لِلشِّرَاءِ ( وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ ) لِحَدِيثِ عُرْوَةَ السَّابِقِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ غَرَضُهُ وَزَادَ خَيْرًا كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ ، فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ مِنْهَا ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا وَلَوْ بِدِينَارٍ لِيَأْتِيَ بِهِ وَبِالْأُخْرَى إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ فَعَلَ عُرْوَةُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ .
وَأَمَّا عُرْوَةُ فَلَعَلَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِ مَا رَآهُ مَصْلَحَةً مِنْ مَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْوَكَالَةُ فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ تَبَعًا لِبَيْعِ مَا هُوَ مَالِكُهُ صَحِيحَةٌ كَمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : يَقُولُ : إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَلِلْمُوَكِّلِ وَاحِدَةٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالْأُخْرَى لِلْوَكِيلِ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ نِصْفُ دِينَارٍ ، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الدِّينَارِ فَقَدْ اشْتَرَى شَاةً بِإِذْنٍ وَشَاةً بِغَيْرٍ إذْنٍ فَيَبْطُلُ فِي شَاةٍ ، وَيَصِحُّ فِي شَاةٍ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ هُوَ طَرِيقَةٌ ، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ مُسَاوِيَةً لِلدِّينَارِ وَلَوْ لَمْ تُسَاوِهْ الْأُخْرَى .
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : وَوَصَفَهَا عَمَّا إذَا لَمْ يَصِفْهَا ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ لَمْ يَصِحَّ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْوَصْفِ مَا سَبَقَ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ وَاضِحٌ .

وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمُعَيَّنٍ ) أَيْ بِعَيْنِ مَالِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ ) لِمُخَالَفَتِهِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ فَأَتَى بِمَا لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا وَيُطَالِبُ بِغَيْرِهِ وَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسِّفَارَةِ وَكَذَا إنْ صَرَّحَ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَكَذَا ) لَا يَصِحُّ ( عَكْسُهُ ) وَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِ فِي الذِّمَّةِ وَادْفَعْ هَذَا فِي ثَمَنِهِ فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ لَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِمُخَالَفَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ فَأَتَى بِمَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا ، وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ تَحْصِيلَ الْمَبِيعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى هَذَا لَا يَقَعُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَالثَّانِي : يَقَعُ لَهُ ، لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْ ذِمَّتُهُ شَيْئًا ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا وَقَالَ : اشْتَرِ لِي كَذَا وَأَطْلَقَ تَخَيَّرَ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ وَفِي الذِّمَّةِ لِتَنَاوُلِ الشِّرَاءِ لَهُمَا ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرِ بِهَذَا تَخَيَّرَ أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَقَالَا يَتَعَيَّنُ الشِّرَاءُ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الشَّاةِ حَيْثُ فَرَّقُوا عَلَى مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِعَيْنِ الدِّينَارِ وَالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ .

وَمَتَى خَالَفَ الْمُوَكِّلَ فِي بَيْعِ مَالِهِ أَوْ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ .
( وَمَتَى خَالَفَ ) الْوَكِيلُ ( الْمُوَكِّلَ فِي بَيْعِ مَالِهِ ) بِأَنْ بَاعَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ( أَوْ ) فِي ( الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ ) بِأَنْ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ ( فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ مِلْكِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَشِرَائِهِ بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ .

وَلَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ ، بِعْتُ فَقَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَك زَيْدًا فَقَالَ اشْتَرَيْت لَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ .
( وَلَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ) غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ ( وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَقَعَ ) الشِّرَاءُ ( لِلْوَكِيلِ ) ، وَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلَ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ بِالنِّيَّةِ إلَى الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِإِذْنِهِ ، فَإِنْ خَالَفَ لَغَتْ نِيَّتُهُ ( وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ فَقَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ فَكَذَا ) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَتَلْغُو تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الشِّرَاءِ ، فَإِذَا سَمَّاهُ وَلَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهَا إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ .
وَالثَّانِي : يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَقَدْ امْتَنَعَ إيقَاعُهُ لَهُ فَأُلْغِيَ ( وَإِنْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَك زَيْدًا ، فَقَالَ اشْتَرَيْت لَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ ) أَيْ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُخَاطَبَةٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا أَصْلِهَا بِمُقَابِلِ الْمَذْهَبِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مُوَافِقِ الْإِذْنِ ، وَفِي الْكِفَايَةِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَفِي الْمَطْلَبِ : لَوْ قَالَ : بِعْتُك لِمُوَكِّلِك فُلَانٍ ، فَقَالَ : قَبِلْت لَهُ صَحَّ جَزْمًا أَوْ بِعْتُك لِنَفْسِك ، وَإِنْ كُنْت تَشْتَرِيهِ لِلْغَيْرِ ، فَلَا أَبِيعُهُ لَك فَاشْتَرَاهُ لِلْغَيْرِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ الْبَائِعُ بِلَفْظِ الْمُوَكِّلِ ، بَلْ بِاسْمِهِ .
فَقَالَ بِعْت زَيْدًا ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْت لَهُ وَنَوَيَاهُ فَكَالتَّعْبِيرِ بِالْمُوَكِّلِ .

تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ .
مِنْهَا مَا إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ عَبْدًا أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَقُولَ : اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك لِمُوَكِّلِي لِأَنَّ قَوْلَهُ : اشْتَرَيْت نَفْسِي صَرِيحٌ فِي اقْتِضَاءِ الْعِتْقِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ .
وَمِنْهَا مَا إذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ أَجْنَبِيًّا فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَصْرِيحُهُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ ، فَلَوْ أَطْلَقَ وَنَوَى وَقَعَ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ لَا يَرْضَى بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ الْإِعْتَاقَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِي هَذَا مَثَلًا فَفَعَلَ وَمِنْهَا وَكِيلُ الْمُتَّهِبِ يَجِبُ أَنْ يُسَمِّيَهُ فِي الْقَبُولِ وَإِلَّا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ لِجَرَيَانِ الْخِطَابِ مَعَهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَكِّلِهِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَسْمَحُ بِالتَّبَرُّعِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ نَعَمْ إنْ نَوَاهُ الْوَاهِبُ أَيْضًا وَقَعَ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا عِوَضَ فِيهِ .
ا هـ .
وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِيمَا لَا عِوَضَ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ .
وَمِنْهَا وَكِيلُ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ .

وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ فَقَالَ : ( وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ ) لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فَكَانَتْ يَدُهُ كَيَدِهِ ، وَأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَمَعُونَةٍ وَالضَّمَانُ مُنَافٍ لِذَلِكَ وَمُنَفِّرٌ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلَفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ .

فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْأَصَحِّ .

( فَإِنْ تَعَدَّى ) فِي الْعَيْنِ بِلُبْسٍ أَوْ رُكُوبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( ضَمِنَ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ فِيهِمَا ، وَمِنْ التَّعَدِّي أَنْ يَضِيعَ مِنْهُ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ ضَاعَ ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعٍ ، ثُمَّ نَسِيَهُ ، وَهَلْ يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الضَّمَانِ ( وَلَا يَنْعَزِلُ ) بِالتَّعَدِّي ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ ، وَالْأَمَانَةُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِهَا ارْتِفَاعُ أَصْلِهَا كَالرَّهْنِ .
وَالثَّانِي : يَنْعَزِلُ كَالْمُودَعِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ ائْتِمَانٌ مَحْضٌ نَعَمْ إنْ كَانَ وَكِيلًا لِوَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ انْعِزَالُهُ كَالْوَصِيِّ يُفَسَّقُ ، إذْ لَا يَجُوزُ إبْقَاءُ مَالِهِ بِيَدِ غَيْرِ عَدْلٍ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْوَكَالَةَ وَإِنْ مَنَعَ الْوِلَايَةَ وَلَكِنَّ الْمَمْنُوعَ إبْقَاءُ الْمَالِ بِيَدِهِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَرْدُودُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فِيمَا الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْوَجْهِ الثَّانِي : إذَا تَعَدَّى بِالْفِعْلِ ، فَإِنْ تَعَدَّى بِالْقَوْلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَا يَنْعَزِلُ جَزْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ بَاعَ وَسَلَّمَ بِالْمَبِيعِ زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهَا ، وَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ ، وَلَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ عَادَ الضَّمَانُ لِعَوْدِ الْيَدِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا : إنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَعُودُ الضَّمَانُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ

عَوْدُ الضَّمَانِ وَالْفَسْخِ وَإِنْ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ أَصْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِسَفَرِهِ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ وَبَاعَهُ فِيهِ ضَمِنَ ثَمَنَهُ وَإِنْ تَسَلَّمَهُ وَعَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنَى مِمَّا مَرَّ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْمَالِ ضَمِنَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ كَالْمُودَعِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ : كَكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِطَعَامٍ لَمْ يَضْمَنْ .

وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ يَشْتَرِطُ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ ، وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ ، وَإِلَّا فَلَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ طَالَبَهُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ وَهُوَ الْعُهْدَةُ ، فَقَالَ ( وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ ، فَيُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ يَشْتَرِطُ ) كَالرِّبَوِيِّ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ( الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَلَهُ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ ، وَكَذَا بِالْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَحْدَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِبَقَائِهِ ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الْمَعِيبِ مِنْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا رَضِيَ بِهِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ ، وَلَيْسَ مَنُوطًا بِاسْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا نِيطَ بِهِ كُلُّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ لِخَبَرِ { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ بِالْقِيَاسِ عَلَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ ثَمَّ قَدْ تَمَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا ( وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ ) لِلْعُرْفِ سَوَاءٌ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ وَلِتَعَلُّقِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ ( وَإِلَّا ) ؛ بِأَنَّ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ ( فَلَا ) يُطَالِبُهُ ( إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ وَحَقُّ الْبَائِعِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ ( وَإِنْ كَانَ ) الثَّمَنُ ( فِي الذِّمَّةِ طَالَبَهُ ) بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ .

إنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُهَا ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا طَالَبَهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلِ ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَضَامِنٍ وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ ، وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فِي الْأَصَحِّ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ قُلْت : وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( إنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُهَا ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ وَالْعَقْدُ وَقَعَ مَعَهُ .
تَنْبِيهٌ : مَسْأَلَةُ عَدَمِ الْعِلْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ ( وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا طَالَبَهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَضَامِنٍ وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ ) لِأَنَّ الْعَقْدَ ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ ، لَكِنَّ الْوَكِيلَ فَرْعُهُ وَنَائِبُهُ وَوَقَعَ الْعَقْدُ مَعَهُ فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا مُطَالَبَتَهُمَا ، فَإِذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ .
وَالثَّانِي : لَا يُطَالِبُ الْوَكِيلَ بَلْ الْمُوَكِّلَ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ وَالْوَكِيلُ سَفِيرٌ مَحْضٌ .
وَالثَّالِثُ : لَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلَ بَلْ الْوَكِيلُ فَقَطْ ، لِأَنَّ الِالْتِزَامَ وُجِدَ مَعَهُ ( وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ ) حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ ( وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي ) بِبَدَلِ الثَّمَنِ ( وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فِي الْأَصَحِّ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ .
وَالثَّانِي : يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ مَحْضٌ ( ثُمَّ ) عَلَى الْأَوَّلِ إذَا غَرِمَ الْوَكِيلُ ( يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ) بِمَا غَرِمَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مَنْصُوبًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْحَاكِمِ وَالْحَاكِمُ لَا يُطَالَبُ فَكَذَا نَائِبُهُ ( قُلْت وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً ) أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَتِهِ وَيَدُهُ كَيَدِهِ ، وَإِذَا غَرِمَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدِ الْوَكِيلِ ، وَقَدْ بَانَ فَسَادُ الْوَكَالَةِ ، وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ تَحْتَ يَدِ الْمُوَكِّلِ ، وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ فَفِي مُطَالَبَةِ الْوَكِيلِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51