كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

كِتَابُ الْقِرَاضِ الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ أَنْ يَدْفَعَ : إلَيْهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ .

كِتَابُ الْقِرَاضِ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ ، مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ ، وَهُوَ الْقَطْعُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَقْطَعُ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا ، وَقِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ أَوْ مِنْ الْمُقَارَضَةِ ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّبْحِ ، أَوْ لِأَنَّ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ ، وَالْعَمَلَ مِنْ الْعَامِلِ ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ الْمُضَارَبَةَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ ، وَلِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ السَّفَرِ ، وَالسَّفَرُ يُسَمَّى ضَرْبًا ، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ : الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَالِكَ النَّخِيلِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهُ ، وَمَنْ يُحْسِنُ الْعَمَلَ قَدْ لَا يَمْلِكُ مَا يَعْمَلُ فِيهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِرَاضِ ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى خِلَافِ تَرْتِيبِ الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ كَمَا قِيلَ : رُخْصَةٌ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الْإِجَارَاتِ ، كَمَا خَرَجَتْ الْمُسَاقَاةُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ ، وَالْحَوَالَةُ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ، وَالْعَرَايَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } ، وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ ، وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ } ، .
وَأَمَّا ( الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ ) وَالْمُقَارَضَةُ شَرْعًا فَهُوَ ( أَنْ يَدْفَعَ ) أَيْ الْمَالِكُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْعَامِلِ ( مَالًا لِيَتَّجِرَ ) أَيْ الْعَامِلُ ( فِيهِ ، وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ ) بَيْنَهُمَا ، فَخَرَجَ بِيَدْفَعَ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى الدَّارِ ، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ عَلَى دَيْنٍ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْعَامِلِ أَمْ غَيْرِهِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : " وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ " الْوَكِيلُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ .

تَنْبِيهٌ : قَالَ السُّبْكِيُّ : قَدْ يُشَاحِحُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ : أَنْ يَدْفَعَ ، وَيُقَالُ : الْقِرَاضُ الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلدَّفْعِ ، لَا نَفْسُ الدَّفْعِ ا هـ .

وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةً ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحُلِيٍّ مَغْشُوشٍ وَعُرُوضٍ وَمَعْلُومًا مُعَيَّنًا ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ ، وَمُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ ، وَلَا عَمَلِهِ مَعَهُ ، وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ .

وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ : مَالٌ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : ( وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ ) فِيهِ ( دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ خَالِصَةٌ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْجُوَيْنِيُّ .
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ : بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، ( فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ ضَرْبِهِمَا .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : لَا يُقَالُ : تِبْرٌ إلَّا لِلذَّهَبِ ، ( وَ ) لَا عَلَى ( حُلِيٍّ وَمَغْشُوشٍ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَإِنْ رُوجِعَتْ وَعُلِمَ قَدْرُ غِشِّهَا وَجَوَّزْنَا التَّعَامُلَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ الَّذِي فِيهَا عَرَضٌ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ ، فَقَالَ : يَقْوَى عِنْدِي أَنْ أُفْتِيَ بِالْجَوَازِ ، وَأَنْ أَحْكُمَ بِهِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - ، ( وَ ) لَا عَلَى ( عُرُوضٍ ) مِثْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَقَوِّمَةً وَلَوْ فُلُوسًا ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدُ غَرَرٍ إذْ الْعَمَلُ فِيهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ ، وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ غَالِبًا ، وَيَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ ، وَهُوَ الْأَثْمَانُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مَعًا ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ : وَيَكُونُ نَقْدًا ، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَالْأَشْبَهُ صِحَّةُ الْقِرَاضِ عَلَى نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا عَزَّ وُجُودُهُ ، أَوْ خِيفَ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ( وَ ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ ( مَعْلُومًا ) ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَجْهُولِ الْقَدْرِ دَفْعًا لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ ، بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِهِ ، وَلَا عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ ، وَمِثْلُهَا الْجِنْسُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَى غَيْرِ الْمَرْئِيِّ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ .
وَأَنْ يَكُونَ ( مُعَيَّنًا ) ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ ذِمَّةِ غَيْرِهِ

، كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ .
( وَقِيلَ : يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ ) الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ ، فَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَيَتَعَيَّنُ الْقِرَاضُ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مَعْلُومًا ، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ، ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ ، كَمَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلُهَا كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ فِي إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ عُيِّنَتْ فِي الْمَجْلِسِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الصِّحَّةَ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ مَا لَوْ خَلَطَ أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : قَارَضْتُكَ عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَشَارَكْتُك فِي الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ أَلْفِ الْقِرَاضِ ، وَيَنْفَرِدُ الْعَامِلُ بِالتَّصَرُّفِ فِي أَلْفِ الْقِرَاضِ ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي بَاقِي الْمَالِ ، وَلَا يُخْرِجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَمْعِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّوْكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ .
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَرَاهِمُ مُشْتَرَكَةٌ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : قَارَضْتُكَ عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا صَحَّ ، وَلَوْ قَارَضَ الْمُودِعُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ ، أَوْ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ - صَحَّ ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَغْصُوبِ لِمَنْ يُعَامِلُ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ ، وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْقِرَاضِ .
وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ : اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ ، فَإِذَا قَبَضْته فَقَدْ قَارَضْتُكَ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ لِتَعْلِيقِهِ .
وَلَوْ قَالَ : اعْزِلْ

مَالِي الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ فَعَزَلَهُ ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ ، ثُمَّ قَارَضَهُ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا عَزَلَهُ بِغَيْرِ قَبْضٍ .
وَلَوْ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ بِإِذْنِهِ ، وَالرِّبْحُ لِلْآمِرِ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ .
( وَ ) أَنْ يَكُونَ ( مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ ) ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَلِهَذَا قَالَ : ( فَلَا يَجُوزُ ) ، وَلَا يَصِحُّ الْإِتْيَانُ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ ، وَهُوَ ( شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ ) أَوْ غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ ، وَلَا شَرْطِ مُرَاجَعَتِهِ فِي التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، ( وَلَا ) شَرْطِ ( عَمَلِهِ ) أَيْ الْمَالِكِ ( مَعَهُ ) أَيْ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ التَّصَرُّفِ يُفْضِي إلَى انْقِسَامِ الْيَدِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا مِنْ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ : مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ آخَرُ ، وَهُوَ اسْتِقْلَالُ الْعَامِلِ بِالتَّصَرُّفِ ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : وَأَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِهِ مَعَهُ ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَالِ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُشْرِفٌ مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ غَيْرٍ تَوَقُّفٍ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ لَمْ يَصِحَّ أَخْذًا مِنْ التَّعْدِيلِ السَّابِقِ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ .
( وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ ) أَيْ عَبْدِ ( الْمَالِكِ مَعَهُ ) مُعِينًا لَهُ لَا شَرِيكًا لَهُ فِي الرَّأْيِ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) كَشَرْطِ إعْطَاءِ بَهِيمَةٍ لَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا .
وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ كَشَرْطِ عَمَلِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ يَدَ عَبْدِهِ يَدُهُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ : بِأَنَّ عَبْدَهُ وَبَهِيمَتَهُ مَالٌ ، فَجُعِلَ عَمَلُهُمَا تَبَعًا لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ

الْمَالِكِ ، وَبِخِلَافِ عَبْدِهِ إذَا جَعَلَهُ شَرِيكًا فِي الرَّأْيِ لِمَا مَرَّ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْبَهِيمَةُ مَعْلُومَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِغُلَامِهِ يَشْمَلُ أَجِيرَهُ الْحُرَّ ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : أَنَّهُ كَعَبْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مِثْلَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ ، وَإِنَّمَا جَعَلْتُ الْغُلَامَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَوْ شَرَطَ لِعَبْدِهِ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَمَلَهُ مَعَهُ لِرُجُوعِ مَا شَرَطَ لِعَبْدِهِ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ بَيَانِ نَوْعِ مَا يَتَّجِرُ فِيهِ الْعَامِلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ، وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْعُرْفِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ بِاشْتِرَاطِهِ .

وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا ، فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنَ وَيَخْبِزَ ، أَوْ غَزْلًا يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ فَسَدَ الْقِرَاضُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَمَلُ ، فَقَالَ : ( وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ ) وَهِيَ الِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
فَائِدَةٌ : الْوَظِيفَةُ - بِظَاءٍ مُشَالَةٍ - مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ ، ( وَ ) كَذَا ( تَوَابِعُهَا ) مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ ( كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا ) وَذَرْعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي ، وَمِنْهُ أَنَّ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ فِعْلُهُ - إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، وَخَرَجَ بِالتِّجَارَةِ اسْتِخْرَاجُ الْعَامِلِ الرِّبْحَ بِاحْتِرَافٍ ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ : ( فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً ) مَثَلًا ( فَيَطْحَنَ ) وَيَعْجِنَ ( وَيَخْبِزَ ) وَيَبِيعَ ذَلِكَ ، ( أَوْ ) يَشْتَرِيَ ( غَزْلًا ) مَثَلًا ( يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ ) وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا - ( فَسَدَ الْقِرَاضُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ شُرِعَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ مَضْبُوطَةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَشْمَلْهَا الرُّخْصَةُ ، وَالْعَامِلُ فِيهَا لَيْسَ مُتَّجِرًا ، بَلْ مُحْتَرِفًا فَلَيْسَتْ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَامِلِ ، فَلَوْ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ وَطَحَنَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ الْقِرَاضُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ إنْ طَحَنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ ، وَيَصِيرُ ضَامِنًا ، وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا نَقَصَ بِالطَّحْنِ ، فَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ فِيهِ ، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، وَحَظُّ الْعَامِلِ التَّصَرُّفُ فَقَطْ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : يَظْهَرُ الْجَوَازُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ .
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : لَوْ قَارَضَهُ

عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَيُخَزِّنَهَا مُدَّةً ، فَإِذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهَا بَاعَهَا - لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَيْسَ حَاصِلًا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ .
وَفِي الْبَحْرِ نَحْوُهُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
بَلْ لَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَتَبِيعَهَا فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ .
وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ فِي التَّصَرُّفِ ، ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ ) - بِالْمَدِّ بِخَطِّهِ - ( مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ ) كَهَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذَا الثَّوْبِ ، ( أَوْ ) شِرَاءَ ( نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ ) كَالْخَيْلِ الْبُلْقِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْخَزِّ الْأَدْكَنِ ، ( أَوْ ) شَرَطَ عَلَيْهِ ( مُعَامَلَةَ شَخْصٍ ) بِعَيْنِهِ كَلَا تَبِعْ إلَّا لِزَيْدٍ ، أَوْ لَا تَشْتَرِ إلَّا مِنْهُ ، لِإِخْلَالِهِ بِالْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يَرْبَحُ ، وَالنَّادِرُ قَدْ لَا يَجِدُهُ ، وَالشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يُعَامِلُهُ ، وَقَدْ لَا يَجِدُ عِنْدَهُ مَا يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ رِبْحًا .
قَالَ فِي الْحَاوِي : وَيَضُرُّ تَعْيِينُ الْحَانُوتِ دُونَ السُّوقِ ؛ لِأَنَّ السُّوقَ كَالنَّوْعِ الْعَامِّ ، وَالْحَانُوتَ كَالْعَرْضِ الْمُعَيَّنِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّوْعَ إذَا لَمْ يَنْدُرْ وُجُودُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَلَوْ كَانَ يَنْقَطِعُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّضْيِيقِ ، وَكَذَا إنْ نَدَرَ ، وَكَانَ بِمَكَانٍ يُوجَدُ فِيهِ غَالِبًا ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ شِرَاءُ غَيْرِ هَذِهِ السِّلْعَةِ ، وَالشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يُصَارِفَ مَعَ الصَّيَارِفَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُونَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فَتَفْسُدُ الْمُصَارَفَةُ مَعَ غَيْرِهِمْ أَوْ لَا ؟ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفَهُ صَرْفًا لَا مَعَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ ، وَجْهَانِ : أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ ، وَإِلَّا فَالثَّانِي .

وَلَا يَشْتَرِطُ تَعْيِينَ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْعَامِلِ حَظًّا يَحْمِلُهُ عَلَى بَذْلِ الْمَجْهُودِ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ، وَعَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لِمَا عَيَّنَهُ إنْ عَيَّنَ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْإِذْنِ ، فَالْإِذْنُ فِي الْبَزِّ يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ الْمَنْسُوجِ لَا الْأَكْسِيَةِ وَنَحْوِهَا كَالْبُسُطِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ ؛ لِأَنَّ بَائِعَهَا لَا يُسَمَّى بَزَّازًا .
.

وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهَا فَسَدَ ، وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ ) بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقِرَاضِ ، وَهُوَ الرِّبْحُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى فَسْخِ الْقِرَاضِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ ، وَلَوْ قَالَ : قَارَضْتُك مَا شِئْتُ أَوْ مَا شِئْتَ جَازَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُعْقَدَ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ كَأَنْ قَالَ : إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدَ قَارَضْتُك ، أَوْ عَلَّقَ تَصَرُّفَهُ كَأَنْ قَالَ : قَارَضْتُكَ الْآنَ ، وَلَا تَتَصَرَّفْ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ لَمْ يَصِحَّ .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا وَلَا تَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ : إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قِرَاضًا ، عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ ، وَلِأَنَّ الْقِرَاضَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لَوْ صَحَّ ، ( فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً ) كَشَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ لِإِخْلَالِ التَّأْقِيتِ بِمَقْصُودِ الْقِرَاضِ ، فَقَدْ لَا يَرْبَحُ فِي الْمُدَّةِ ، وَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً كَشَهْرٍ ( وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ ) أَوْ الْبَيْعَ - كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ - ( بَعْدَهَا فَسَدَ ) الْعَقْدُ لِمَا مَرَّ .
( وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ ) فَقَطْ كَأَنْ قَالَ : لَا تَشْتَرِ ( بَعْدَهَا ) ، وَلَك الْبَيْعُ ( فَلَا ) يَفْسُدُ الْبَيْعُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِحُصُولِ الِاسْتِرْبَاحِ بِالْبَيْعِ الَّذِي لَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِشَهْرٍ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ : يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاءُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِخِلَافِ نَحْوِ سَاعَةٍ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - كَغَيْرِهِ - أَنَّهُ أَقَّتَ الْقِرَاضَ بِمُدَّةٍ وَمَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَأْقِيتًا أَصْلًا كَقَوْلِهِ : قَارَضْتُك وَلَا تَتَصَرَّفْ

بِالشِّرَاءِ بَعْدَ شَهْرٍ ، فَإِنَّ الْقِرَاضَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَصِحُّ ، سَوَاءٌ أَمَنَعَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ التَّصَرُّفَ أَمْ الْبَيْعَ - كَمَا مَرَّ - أَمْ سَكَتَ أَمْ الشِّرَاءَ ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً كَمُدَّةِ إقَامَةِ الْعَسْكَرِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فِيهِ وَجْهَانِ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ .

وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ ، وَقِيلَ قِرَاضٌ صَحِيحٌ وَإِنْ قَالَ كُلُّهُ لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ ، وَقِيلَ : إبْضَاعٌ ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ فَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّ لَك فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا فَسَدَ ، أَوْ بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ، وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ : لِي النِّصْفُ فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ قَالَ : لَك النِّصْفُ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ فَسَدَ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ : وَهُوَ الرِّبْحُ ، فَقَالَ : ( وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ ) ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ مِنْهُ لِثَالِثٍ إلَّا عَبْدَ الْمَالِكِ - كَمَا مَرَّ - ، أَوْ عَبْدَ الْعَامِلِ ، فَإِنَّ مَا شُرِطَ لَهُ يُضَمُّ إلَى مَا شُرِطَ لِسَيِّدِهِ .
تَنْبِيهٌ : جَرَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ خِلَافَ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا : يُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُ الرِّبْحِ بِهِمَا ، ( وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ ) ؛ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ بِمِلْكِهِ وَالْعَامِلُ بِعَمَلِهِ ، فَلَا يُخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا .
تَنْبِيهٌ : لَا يُغْنِي الشَّرْطُ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا صَدَقَ عَلَيْهِ اخْتِصَاصُهُمَا بِهِ إذَا لَمْ يُشْرَطُ فِيهِ شَيْءٌ لِثَالِثٍ .
( فَلَوْ قَالَ : قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ ) فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا لِلَّفْظِ ، ( وَقِيلَ : قِرَاضٌ صَحِيحٌ ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى .
( وَإِنْ قَالَ ) الْمَالِكُ : ( كُلُّهُ ) أَيْ الرِّبْحُ ( لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ ) فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ ، فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْأُولَى أُجْرَةَ عَمَلِهِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِمَا ، كَمَا سَيَأْتِي ، ( وَقِيلَ ) هُوَ ( إبْضَاعٌ ) أَيْ تَوْكِيلٌ بِلَا جُعْلٍ لِمَا مَرَّ أَيْضًا ، وَالْإِبْضَاعُ بَعْثُ مَالٍ مَعَ مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا ، وَالْبِضَاعَةُ الْمَالُ الْمَبْعُوثُ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ : أَبْضَعْتُكَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَك أَوْ كُلَّهُ لَك هَلْ هُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ أَوْ إبْضَاعٌ ؟ .
وَلَوْ قَالَ : خُذْهُ وَتَصَرَّفْ فِيهِ ، وَالرِّبْحُ كَذَلِكَ فَقَرْضٌ صَحِيحٌ ، أَوْ كُلُّهُ فَإِبْضَاعٌ ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهَا صَرِيحٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ .
وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : أَبْضَعْتُكَ كَانَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ : تَصَرَّفْ وَالرِّبْحُ

كُلُّهُ لِي فَيَكُونُ إبْضَاعًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَكَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ : اتَّجِرْ فِيهَا لِنَفْسِك حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قَرْضٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ : يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ .
وَلَوْ قَالَ : خُذْ الْمَالَ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ مَثَلًا صَحَّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ : أَرَدْت أَنَّ النِّصْفَ لِي فَيَكُونُ فَاسِدًا ، أَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ ، قَالَهُ سَلِيمٌ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْإِشْرَاكِ فِي الرِّبْحِ ( مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ ) كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مَعْلُومًا بِقَوْلِهِ : ( فَلَوْ قَالَ ) : قَارَضْتُك ( عَلَى أَنَّ لَك ) أَوْ لِي ( فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا ) أَوْ جُزْءًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ ، أَوْ عَلَى أَنْ تَخُصَّنِي بِدَابَّةٍ تَشْتَرِيهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، أَوْ تَخُصَّنِي بِرُكُوبِهَا أَوْ بِرِبْحِ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ مَثَلًا ، وَلَوْ كَانَا مَخْلُوطَيْنِ ، أَوْ عَلَى أَنَّك إنْ رَبِحْت أَلْفًا ، فَلَكَ نِصْفُهُ ، أَوْ أَلْفَيْنِ فَلَكَ رُبْعُهُ ( فَسَدَ ) الْقِرَاضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الرِّبْحِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ ، وَبِعَيْنِهِ فِي الْأَخِيرَةِ ، وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ فِي صُورَتِهَا الثَّانِيَةِ رُبَّمَا تَنْقُصُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَتَعَذَّرُ التَّصَرُّفُ فِيهَا ، وَلِأَنَّهُ خُصِّصَ الْعَامِلُ فِي الَّتِي تَلِيهَا ، وَفِي صُورَتِهَا الْأُولَى بِرِبْحِ بَعْضِ الْمَالِ ، ( أَوْ ) أَنَّ الرِّبْحَ ( بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ ) ، كَمَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْمُنَاصَفَةِ ، فَلَا يَكُونُ الْجُزْءُ مَعْلُومًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك

بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ، وَلَوْ قَالَ : قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا لَمْ يَصِحَّ ، كَمَا فِي الْأَنْوَارِ لِلْجَهْلِ بِمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ ، وَلَوْ قَالَ : قَارَضْتُك كَقِرَاضِ فُلَانٍ ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ قَالَ : قَارَضْتُك وَلَك رُبْعُ سُدُسِ الْعُشْرِ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً وَجَهِلَا حَالَ الْعَقْدِ حِسَابَهُ .
( وَلَوْ قَالَ : لِي النِّصْفُ ) مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِ الْعَامِلِ ( فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةُ الْمَالِ فَيَكُونُ لِلْمَالِكِ ؛ إلَّا أَنْ يُنْسَبَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْعَامِلِ ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ شَيْءٌ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلْعَامِلِ .
( وَإِنْ قَالَ : لَك النِّصْفُ ) مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِهِ ( صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ لِلْمَالِكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ : لَك النِّصْفُ وَلِيَ النِّصْفُ ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ كَالَّتِي قَبْلَهَا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ ، فَقَالَ : ( وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا ) مَالِكٍ أَوْ عَامِلٍ ( عَشَرَةً ) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالشِّينِ بِالنَّصْبِ - بِخَطِّهِ مِنْ الرِّبْحِ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ ، أَوْ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، ( أَوْ ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا ( رِبْحَ صِنْفٍ ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، أَوْ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ وَدِينَارًا مِثْلًا ، أَوْ إلَّا دِينَارًا ( فَسَدَ ) الْقِرَاضُ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ قَدْ يَنْحَصِرُ فِيمَا قَدَّرَهُ ، أَوْ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ ، وَهُوَ خِلَافُ وَضْعِ الْقِرَاضِ .
وَلَوْ قَالَ : قَارَضْتُك وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرِّبْحِ فَسَدَ الْقِرَاضُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ وَضْعِهِ .
.

فَصْلٌ : يُشْتَرَطُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ ، وَقِيلَ يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ ، وَهُوَ الصِّيغَةُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ : فَصْلٌ : يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ صِيغَةٌ ، وَهِيَ ( إيجَابٌ ) كَقَارَضْتُكَ أَوْ ضَارَبْتُك أَوْ عَامَلْتُك أَوْ بِعْ وَاشْتَرِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ ، فَلَوْ قَالَ : اشْتَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ ، ( وَقَبُولٌ ) مُتَّصِلٌ بِالْإِيجَابِ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ ، وَلَوْ فِي قَوْلِهِ : خُذْهُ وَاتَّجِرْ فِيهِ ، أَوْ اعْمَلْ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ .
تَنْبِيهٌ : تَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي إطْلَاقِ الشَّرْطِ عَلَى الصِّيغَةِ ، فَإِنَّهَا رُكْنٌ كَمَا مَرَّ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا بُدَّ فِي الْقِرَاضِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهِيَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ ؛ لِدَلَالَةِ كَلِمَةِ فِي عَلَى دُخُولِهِمَا فِي مَاهِيَّةِ الْقِرَاضِ ، وَتَقَدَّمَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُسَاوٍ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ ، ( وَقِيلَ : يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْجَعَالَةِ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْإِيجَابِ لَفْظَ أَمْرٍ كَخُذْ ، فَيَكْفِي أَخْذُ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا ، فَلَوْ كَانَتْ لَفْظَ عَقْدٍ كَقَارَضْتُكَ فَلَا بُدَّ فِي الْقَبُولِ مِنْ اللَّفْظِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ إلَخْ ، فَلَا يُشْبِهُ الْوَكَالَةَ ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ إذْنٍ ، وَلَا الْجَعَالَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ .

وَشَرْطُهُمَا كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ ، وَهُوَ الْعَاقِدَانِ ذَاكِرًا لِشَرْطِهِمَا فَقَالَ : ( وَشَرْطُهُمَا ) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ ( كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ ) فِي شَرْطِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ بِعِوَضٍ ، فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ فِي الْمَالِكِ ، وَأَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ فِي الْعَامِلِ ، فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَفِيهًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا رَقِيقًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَلِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ أَنْ يُقَارِضَ مَنْ يَجُوزُ إيدَاعُهُ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَمْ جَدًّا أَمْ وَصِيًّا أَمْ حَاكِمًا أَمْ أَمِينَهُ .
نَعَمْ إنْ تَضَمَّنَ الْعَقْدُ الْإِذْنَ فِي السَّفَرِ اتَّجَهَ - كَمَا فِي الْمَطْلَبِ - كَوْنُهُ كَإِرَادَةِ الْوَلِيِّ السَّفَرَ بِنَفْسِهِ .
وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِضَ ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا .
وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ مِنْ الْمَرِيضِ ، وَلَا يُحْسَبُ مَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ مِنْهُ مَا يَفُوتُهُ مِنْ مَالِهِ ، وَالرِّبْحُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ حَتَّى يَفُوتَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ ، وَإِذَا حَصَلَ حَصَلَ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ ، بِخِلَافِ مُسَاقَاتِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ بِخِلَافِهِ

وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسِدٌ ، فَإِنْ تَصَرَّفَ الثَّانِي فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ ، وَقِيلَ هُوَ لِلثَّانِي وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَبَاطِلٌ

( وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ ) شَخْصًا ( آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ ) ؛ ذَلِكَ الْآخَرُ ( فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَمَوْضُوعُهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ مَالِكًا لَا عَمَل لَهُ ، وَالْآخَرُ عَامِلًا ، وَلَوْ مُتَعَدِّدًا لَا مِلْكَ لَهُ ، وَهَذَا يَدُورُ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُقَارِضَ شَخْصَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ : إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ ، وَرُدَّ بِمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ عَنْ إذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ لِيَنْسَلِخَ هُوَ مِنْ الْقِرَاضِ ، وَيَكُونَ فِيهِ وَكِيلًا عَنْ الْمَالِكِ ، وَالْعَامِلُ هُوَ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا ، كَمَا لَوْ قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ ، وَمَحَلُّهُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - إذَا كَانَ الْمَالُ مِمَّا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْقِرَاضُ ، فَلَوْ دَفَعَ ذَلِكَ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ وَصَيْرُورَتِهِ عَرَضًا لَمْ يَجُزْ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ أَنْ يُقَارِضَ إلَّا أَمِينًا ، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ إنْ ابْتَدَأَهُ الْمَالِكُ بِهِ ، لَا إنْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَهُ فِيهِ ، ( وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسِدٌ ) مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْمُشَارَكَةَ فِي عَمَلٍ وَرِبْحٍ أَمْ رِبْحٍ فَقَطْ أَمْ قَصَدَ الِانْسِلَاخَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ، وَلَمْ يَأْتَمِنْ عَلَى الْمَالِ غَيْرَهُ ، كَمَا لَوْ أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يُنْزِلَ وَصِيًّا مَنْزِلَتَهُ فِي حَيَاتِهِ يُقِيمُهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مَنُوطٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَوْ أَرَادَ نَاظِرَ وَقْفٍ - شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ - إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ ، وَإِخْرَاجَ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ كَمَا مَرَّ فِي الْوَصِيِّ .
قَالَ : وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى ، وَلَمْ أَتَرَدَّدْ فِي أَنَّ ذَلِكَ

مَمْنُوعٌ .
( فَإِنْ تَصَرَّفَ ) الْعَامِلُ ( الثَّانِي ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ( فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ ) تَصَرُّفُهُ ، فَيَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ صَدَرَ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَكِيلٍ .
( فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ) وَسَلَّمَ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَرَبِحَ ، ( وَقُلْنَا : بِالْجَدِيدِ ) ، وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْغَاصِبِ ( فَالرِّبْحُ ) هُنَا جَمِيعُهُ ( لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ ، وَالتَّسْلِيمَ فَاسِدٌ ، فَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الَّذِي سَلَّمَهُ ، وَيُسَلِّمُ لَهُ الرِّبْحَ ، سَوَاءٌ أُعْلِمَ بِالْحَالِ أَمْ لَا ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَلِيمٌ الرَّازِيّ ، وَقَوْلُهُ : ( وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ ) مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ إذْ لَوْ جَعَلْنَاهُ لِلْغَاصِبِ لَاِتَّخَذَهُ النَّاسُ ذَرِيعَةً إلَى الْغَصْبِ فَالْأَصَحُّ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافٍ مُنْتَشِرٍ أَنَّ الرِّبْحَ نِصْفُهُ لِلْمَالِكِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ سَوَاءٌ ( وَقِيلَ : هُوَ ) أَيْ الرِّبْحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ( لِلثَّانِي ) مِنْ الْعَامِلَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا الْجَدِيدُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْكِتَابِ ، فَلَا تَحْسُنُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا بِمَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْجَدِيدِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وَهُوَ حَسَنٌ ، فَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْغَاصِبِ وَهِيَ أَصْلٌ لِمَا ذَكَرَهُ فَاخْتَلَّ ، وَإِنَّمَا أَحَالَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهِ لَهُ هُنَا لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَدِيمِ .
( وَإِنْ اشْتَرَى ) هَذَا الثَّانِي ( بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَبَاطِلٌ ) شِرَاؤُهُ عَلَى الْجَدِيدِ الْقَائِلِ بِبُطْلَانِ شِرَاءِ

الْفُضُولِيِّ .
وَأَمَّا الْقَدِيمُ الْمُقَابِلُ لَهُ ، فَقَائِلٌ بِالْوَقْفِ ، هَذَا كُلُّهُ إنْ بَقِيَ الْمَالُ ، فَإِنْ تَلَفَ فِي يَدِ الْعَامِلِ الثَّانِي وَعَلِمَ بِالْحَالِ فَغَاصِبٌ ، فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ جَهِلَ فَعَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا ، وَالِاثْنَانِ وَاحِدًا وَالرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَالِ ، وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ وَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إلَّا إذَا قَالَ : قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا لَا بِغَبْنٍ وَلَا نَسِيئَةٍ بِلَا إذْنٍ .

( وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ ) فِي الِابْتِدَاءِ الْمَالِكُ ( الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ ) كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو ( مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا ) فِيمَا شَرَطَ لَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ ، فَيَشْتَرِطُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ الرِّبْحِ ، وَلِعَمْرٍو سُدُسَهُ ، أَوْ يَشْرِطُ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ اثْنَيْنِ كَعَقْدَيْنِ ، وَعِنْدَ التَّفَاضُلِ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيَّنَ مُسْتَحَقُّ الْأَكْثَرِ كَمَا مَثَّلْنَا .
هَذَا إذَا أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مُرَاجَعَةَ الْآخَرِ قَالَ الْإِمَامُ : لَمْ يَجُزْ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَمْ أَرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَصْحَابُ يُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِهِ ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِرَاضِ الِاسْتِقْلَالُ بِالتَّصَرُّفِ ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
( وَ ) يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَارِضَ ( الِاثْنَانِ ) عَامِلًا ( وَاحِدًا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَعَقْدٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ إنْ تَسَاوَيَا فِيمَا شَرَطَ فَذَاكَ ، وَإِنْ تَفَاوَتَا كَأَنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ وَالْآخَرُ الرُّبْعَ فَإِنْ أَبْهَمَا لَمْ يَجُزْ ، أَوْ عَيَّنَا جَازَ إنْ عَلِمَ بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، ( وَ ) يَكُونُ ( الرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمَالِكَيْنِ ( بِحَسَبِ الْمَالِ ) ، فَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَلْفَيْنِ ، وَالْآخَرِ أَلْفًا ، وَشُرِطَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الرِّبْحِ اقْتَسَمَا نِصْفَهُ الْآخَرَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى نِسْبَةِ مَالَيْهِمَا ، فَإِنْ شَرَطَا غَيْرَ مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَرْطِ الرِّبْحِ لِمَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا عَامِلٍ ، ( وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ ) لِلْإِذْنِ فِيهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ فَسَدَ الْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ ، وَلَا مِلْكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، هَذَا إذَا

قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِمَالِهِ .
أَمَّا إذَا قَارَضَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، ( وَالرِّبْحُ ) كُلُّهُ حِينَ الْفَسَادِ ( لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ ، وَعَلَيْهِ الْخُسْرَانُ أَيْضًا ، ( وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى ، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الْأُجْرَةُ ، وَقِيلَ : لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ الصَّحِيحَ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْفَسَادِ أَمْ لَا .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ أُذِنَ أَنْ يَعْمَلَ بِعِوَضٍ ، فَلَا يُحْبَطُ عَمَلُهُ ( إلَّا إذَا قَالَ ) الْمَالِكُ : ( قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي ) وَقَبِلَ الْعَامِلُ ، ( فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَجَّانًا غَيْرَ طَامِعٍ فِي شَيْءٍ .
وَالثَّانِي : لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
( وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا ) فِي تَصَرُّفِهِ كَالْوَكِيلِ ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الْحَالَّ ، وَ ( لَا ) يَتَصَرَّفُ ( بِغَبْنٍ ) فَاحِشٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ ، ( وَلَا نَسِيئَةٍ ) فِي ذَلِكَ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْمَالِكِ فِي الْغَبْنِ وَالنَّسِيئَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَبْنِ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ ، وَفِي النَّسِيئَةِ رُبَّمَا هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ فَتَبْقَى الْعُهْدَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَالِكِ فَيَتَضَرَّرُ أَيْضًا ، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ ، وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ الِاكْتِفَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَبِمَسْتُورٍ ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ ضَمِنَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ ثِقَةٍ مَلِيءٍ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ

الْمَحْجُورِ ، وَفِي الثَّمَنِ الْحَالِّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْبَيْعِ الْحَالِّ ، وَيُحْبَسُ الْمَبِيعُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ .
فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ لِلْإِذْنِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِالنَّسِيئَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ سَلَمًا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ أَكْثَرُ غَرَرًا .
نَعَمْ ، إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ سَلَمًا جَازَ ، أَوْ فِي الْبَيْعِ سَلَمًا لَمْ يَجُزْ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِوُجُودِ الْحَظِّ غَالِبًا فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ ، .
وَالْأَوْجَهُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - جَوَازُهُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ لَا يَرْجُو حُصُولَ رِبْحٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْتَضِيهِ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَا يَشْتَرِي بِغَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ دُونَ الْحَالِ فَسَدَ الْعَقْدُ .

وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ ، وَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ ، فَإِنْ اقْتَضَتْ الْإِمْسَاكَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ ، وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ ، وَلَا يُعَامِلُ الْمَالِكَ .

( وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الرِّبْحُ ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ .
وَأَمَّا الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ : مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ نَقْدَ غَيْرِ الْبَلَدِ لَا يَرُوجُ فِيهَا فَيَتَعَطَّلُ الرِّبْحُ بِخِلَافِ الْعَرْضِ ، وَلَهُ شِرَاءُ الْمَعِيبِ وَلَوْ بِقِيمَتِهِ مَعِيبًا عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْمَالِكِ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ ، ( وَلَهُ ) أَيْ الْعَامِلِ عِنْدَ الْجَهْلِ ( الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ ) أَيْ الرَّدَّ ( مَصْلَحَةٌ ) وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِي الْمَالِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ رِضَا الْمَالِكِ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَالِ .
تَنْبِيهٌ : اُعْتُرِضَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ ، بِأَنَّ جُمْلَةَ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا تَصْلُحُ كَوْنُهَا صِفَةً لِلرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ وَلَا كَوْنُهَا حَالًا مِنْ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ، وَلَا يَجِيءُ الْحَالُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَلَا حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الرَّدِّ الْمُسْتَتِرِ فِي الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ ، وَلَا يَتَحَمَّلُ حِينَئِذٍ ضَمِيرًا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ .
أُجِيبَ إمَّا بِجَعْلِ لَامِ الرَّدِّ لِلْجِنْسِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِجُمْلَةِ تَقْتَضِيهِ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الْجُمْلَةِ صِفَةَ عَيْبٍ ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَيْبٍ يَقْتَضِي الرَّدُّ بِهِ مَصْلَحَةً ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ تُوصَفْ النَّكِرَةُ إلَّا بِنَكِرَةٍ ، وَإِمَّا بِصِحَّةِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي كِتَابٍ لَهُ يُسَمَّى : سَبْكَ الْمَنْظُومِ تَبَعًا لِسِيبَوَيْهِ ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الرَّدِّ فَاعِلًا بِالظَّرْفِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ مَنْعَهُ سِيبَوَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مَجِيءُ

الْحَالِ مِنْهُ ، وَالشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ ، ( فَإِنْ اقْتَضَتْ ) الْمَصْلَحَةُ ( الْإِمْسَاكَ ) لِلْمَعِيبِ ( فَلَا ) يَرُدَّهُ الْعَامِلُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِإِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ .
وَالثَّانِي : لَهُ الرَّدُّ كَالْوَكِيلِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ شِرَاءُ الْمَعِيبِ بِخِلَافِ الْعَامِلِ إذَا رَأَى فِيهِ رِبْحًا كَمَا مَرَّ ، فَلَا يُرَدُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ، فَإِنْ اسْتَوَى الرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ .
وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالْغِبْطَةِ ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِيمَةِ زِيَادَةً لَهَا بَالٌ ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ ، ( وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ ) لِمَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ مَعِيبًا حَيْثُ جَازَ لِلْعَامِلِ الرَّدُّ ، وَهُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَصْلِ ، ( فَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ ( عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ ) فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ .
قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ : وَيَتَوَلَّى الْحَاكِمُ ذَلِكَ ، فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : يَرْجِعُ إلَى الْعَامِلِ إنْ جَوَّزْنَا لَهُ شِرَاءَ الْمَعِيبِ بِقِيمَتِهِ : أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ فِيمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ يَنْقَلِبُ لِلْعَامِلِ هُنَا ، ( وَلَا يُعَامِلُ ) الْعَامِلُ ( الْمَالِكَ ) بِمَالِ الْقِرَاضِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَالِهِ بِمَالِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا ، فَإِنْ عَامَلَهُ بِغَيْرِهِ صَحَّ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَامِلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِمَالٍ ، فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ أَصَحُّهُمَا لَا .

وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَكَذَا زَوْجُهُ فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) وَرِبْحِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَشْغَلَ الْعَامِلُ ذِمَّتَهُ إلَّا بِذَلِكَ ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ الزَّائِدُ لِجِهَةِ الْقِرَاضِ ، فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِبْحِهِ مِائَةً فَاشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ بِعَيْنِ الْمِائَةِ فَالثَّانِي بَاطِلٌ ، سَوَاءٌ اشْتَرَى الْأَوَّلَ بِالْعَيْنِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ فَقَطْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَقَدَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةَ الصَّرْفِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، إنْ اشْتَرَى الثَّانِي فِي الذِّمَّةِ ، وَقَعَ لِلْعَامِلِ حَيْثُ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ إذَا خَالَفَ ، ( وَلَا ) يَشْتَرِي ( مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ ) لِكَوْنِهِ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ أَوْ كَانَ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ، أَوْ كَانَ أَمَةً مُسْتَوْلَدَةً لَهُ وَبِيعَتْ لِكَوْنِهَا مَرْهُونَةً ، هَذَا إذَا كَانَ ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَقْدِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ ، وَهَذَا خُسْرَانٌ كُلُّهُ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْمُوَكِّلِ مَنْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمُوَكَّلِ لِقَرِينَةِ قَصْدِ الرِّبْحِ هُنَا .
أَمَّا بِإِذْنِهِ فَيَصِحُّ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ، وَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ ، وَإِلَّا ارْتَفَعَ الْقِرَاضُ ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ ، وَيَغْرَمُ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ عَبْدًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الثَّانِيَةِ ، وَهُوَ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهُ إلَى الَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ

بِالْعَيْنِ صَحَّ وَلَا عِتْقَ ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ لِلْقِرَاضِ فَحَيْثُ صَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْقِرَاضِ ، وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ هُنَاكَ أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْعَامِلِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لِلْقِرَاضِ صَحَّ أَيْضًا ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ وَلَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِكِتَابَةِ عَبْدِ الْقِرَاضِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ ، فَإِنْ كَاتَبَاهُ صَحَّ وَالنُّجُومُ قِرَاضٌ ، فَإِنْ عَتَقَ وَثَمَّ رِبْحٌ شَارَكَ الْعَامِلُ الْمَالِكَ فِي الْوَلَاءِ بِقَدْرِ مَالِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، ( وَكَذَا زَوْجُهُ ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، وَلَا يَشْتَرِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِلضَّرَرِ بِالْمَالِكِ بِسَبَبِ انْفِسَاخِ نِكَاحِهِ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ إذْ قَدْ يَكُونُ مُرْبِحًا ، وَأَمَّا الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ فَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ لِفَوَاتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : زَوْجُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ زَوْجَتُهُ بِالتَّاءِ قَبْلَ الْهَاءِ لِمَا مَرَّ .

وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ لِلْمَالِكِ وَيَقَعُ لِلْعَامِلِ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ بِلَا إذْنٍ ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا ، وَكَذَا سَفَرًا فِي الْأَظْهَرِ ، وَعَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُعْتَادُ كَطَيِّ الثَّوْبِ وَوَزْنِ الْخَفِيفِ كَذَهَبٍ وَمِسْكٍ لَا الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ ، وَنَحْوِهِ ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ لَا بِالظُّهُورِ ، وَثِمَارُ الشَّجَرِ وَالنِّتَاجُ وَكَسْبُ الرَّقِيقِ وَالْمَهْرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ ، وَقِيلَ مَالُ قِرَاضٍ .

( وَلَوْ فَعَلَ ) الْعَامِلُ مَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَشِرَاءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَشِرَاءِ زَوْجِ الْمَالِكِ - ( لَمْ يَقَعْ ) ذَلِكَ الشِّرَاءُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ( لِلْمَالِكِ ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ ، ( وَيَقَعُ ) الشِّرَاءُ ( لِلْعَامِلِ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ) لِمَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ .
هَذَا إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسِّفَارَةِ لِلْقِرَاضِ ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِهِ ، فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ضَمِنَهُ ، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ .
( وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ ) ، وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا وَالطَّرِيقُ آمِنًا وَلَا مُؤْنَةَ فِي السَّفَرِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْخَطَرِ .
نَعَمْ لَوْ قَارَضَهُ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ كَالْمَفَازَةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ إلَى مَقْصِدِهِ الْمَعْلُومِ لَهُمَا .
ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُحْدِثَ سَفَرًا إلَى غَيْرِ مَحَلِّ إقَامَتِهِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ بِحَسَبِ الْإِذْنِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ سَافَرَ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْبِلَادِ الْمَأْمُونَةِ ، فَإِنْ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ خَالَفَ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ضَمِنَ وَلَوْ عَادَ مِنْ السَّفَرِ .
ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَتَاعُ بِالْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ أَكْثَرَ قِيمَةً أَوْ تَسَاوَتْ الْقِيمَتَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِالسَّفَرِ ، وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ مَالَ الْقِرَاضِ فِي سَفَرِهِ وَإِنْ عَادَ الثَّمَنُ مِنْ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ ، وَهُوَ السَّفَرُ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ .
وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ قَدْرًا يُتَغَابَنُ بِهِ .
وَلَا يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إلَّا إنْ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكْفِي فِيهِ

الْإِذْنُ فِي السَّفَرِ لِخَطَرِهِ .
[ نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ بَلَدًا وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الْبَحْرُ كَسَاكِنِ الْجَزَائِرِ الَّتِي يُحِيطُ بِهَا الْبَحْرُ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ، وَالْإِذْنُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمِلْحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا .
ا هـ .
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : إنْ زَادَ خَطَرُهَا عَلَى خَطَرِ الْبَرِّ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ ] ، ( وَ ) لَا يَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَوْ بِكِسْرَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ ، وَ ( لَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا ) جَزْمًا ، ( وَكَذَا سَفَرًا فِي الْأَظْهَرِ ) كَمَا فِي الْحَضَرِ ؛ لِأَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْ تَكُونُ قَدْرَ الرِّبْحِ ، فَيُؤَدِّي إلَى انْفِرَادِهِ بِهِ ، وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْخُذَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ ، فَلَوْ شَرَطَ لَهُ النَّفَقَةَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ .
وَالثَّانِي : يُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَزِيدُ بِسَبَبِ السَّفَرِ كَالْإِدَاوَةِ وَالْخُفِّ وَالسُّفْرَةِ وَالْكِرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهُ عَنْ الْكَسْبِ وَالسَّفَرِ لِأَجْلِ الْقِرَاضِ ، فَأَشْبَهَ حَبْسَ الزَّوْجَةِ ، بِخِلَافِ الْحَضَرِ ، وَيَحْسِبُ هَذَا مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خُسْرَانٌ لَحِقَ الْمَالَ ، وَمَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ وَالْخَفِيرُ يُحْسَبُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا كَأَخْذِ الْمَكْسَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْعَامِلِ ( فِعْلُ مَا يُعْتَادُ ) فِعْلُهُ مِنْ أَمْثَالِهِ مِنْ عُمَّالِ الْقِرَاضِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ ( كَطَيِّ الثَّوْبِ ) وَنَشْرِهِ ، وَسَبَقَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ : وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ إلَخْ .
( وَ ) عَلَيْهِ أَيْضًا ذَرْعُ الثَّوْبِ وَإِدْرَاجُهُ فِي الصُّنْدُوقِ ،

وَ ( وَزْنُ الْخَفِيفِ : كَذَهَبٍ ) وَفِضَّةٍ ( وَمِسْكٍ ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ ، ( لَا الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ ) فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَزْنُهَا ، ( وَ ) لَا ( نَحْوُهُ ) - بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ - : أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَحْوُ وَزْنِهَا كَحَمْلِهَا وَنَقْلِهَا مِنْ الْخَانِ مَثَلًا لِلسُّوقِ وَعَكْسِهِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِالِاسْتِئْجَارِ لِذَلِكَ ، ( وَمَا لَا يَلْزَمُهُ ) كَأُجْرَةِ كَيْلٍ وَحِفْظٍ ( لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التِّجَارَةِ وَمَصَالِحِهَا ، وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً ، وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ لَوْ اكْتَرَى عَلَيْهِ مَنْ فَعَلَهُ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ الْقِرَاضِ ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمَالِكِ الِاسْتِئْجَارَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ ، ( وَالْأَظْهَرُ ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ ) الْحَاصِلِ بِعَمَلِهِ ( بِالْقِسْمَةِ ) لِلْمَالِ ( لَا بِالظُّهُورِ ) لِلرِّبْحِ ، إذْ لَوْ مَلَكَ بِهِ لَكَانَ شَرِيكًا فِي الْمَالِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ هَلَكَ مِنْ الْمَالَيْنِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الرِّبْحُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ .
وَالثَّانِي : يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ قِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ ، بِخِلَافِ نَصِيبِ الْعَامِلِ مِنْ الثِّمَارِ لَا يُجْبَرُ بِهِ نَقْصُ النَّخْلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ يُورَثُ عَنْهُ ، وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ ، وَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ ، وَيَغْرَمُهُ لَهُ الْمَالِكُ بِإِتْلَافِهِ الْمَالَ أَوْ اسْتِرْدَادِهِ تَنْبِيهٌ : لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْعَامِلِ بِالْقِسْمَةِ ، بَلْ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بِتَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ وَفَسْخِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْفَسْخِ مَعَ عَدَمِ تَنْضِيضِ الْمَالِ ، حَتَّى لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ نَقْصٌ جُبِرَ بِالرِّبْحِ الْمَقْسُومِ ، أَوْ

تَنْضِيضِ الْمَالِ وَالْفَسْخِ بِلَا قِسْمَةِ الْمَالِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ وَالْوُثُوقِ بِحُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ ، أَوْ تَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ وَاقْتِسَامِ الْبَاقِي مَعَ أَخْذِ الْمَالِكِ رَأْسَ الْمَالِ ، وَكَالْأَخَذِ الْفَسْخُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي .
( وَثِمَارُ الشَّجَرِ ، وَالنِّتَاجُ ) لِأَمَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ ، ( وَكَسْبُ الرَّقِيقِ ) مِنْ صَيْدٍ وَاحْتِطَابٍ ، وَقَبُولِ وَصِيَّةٍ ، وَالْهِبَةُ ( وَالْمَهْرُ ) وَأُجْرَةُ الْأَرَاضِي وَالدَّوَابِّ ( الْحَاصِلَةُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ) الْمُشْتَرَى بِهِ شَجَرٌ وَرَقِيقٌ وَأَرْضٌ وَحَيَوَانٌ لِلتِّجَارَةِ ، إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِبَيْعِ كُلٍّ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ ( يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ ) فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَوَائِدِ التِّجَارَةِ .
أَمَّا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا حَامِلًا فَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الْفَلَسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِمَا ، ( وَقِيلَ : مَالُ قِرَاضٍ ) ؛ لِأَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الْفَوَائِدِ بِسَبَبِ شِرَاءِ الْعَامِلِ الْأَصْلَ .
تَنْبِيهٌ : إطْلَاقُهُ الْمَهْرَ أَحْسَنُ مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ ، إذْ التَّقْيِيدُ بِهِ لَيْسَ مُرَادًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، بَلْ يَجْرِي فِي الْوَطْءِ بِالزِّنَا مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً - وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ مُطَاوَعَتُهَا - أَوْ بِالنِّكَاحِ .

وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ وَطْءُ جَارِيَةِ الْقِرَاضِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا ، إذْ لَا يَتَحَقَّقُ انْتِفَاءُ الرِّبْحِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ إلَّا بِالتَّنْضِيضِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ وَطِئَ وَلَا رِبْحَ أَنَّهُ يُحَدُّ إنْ كَانَ عَالِمًا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعَدَمِ الْحَدِّ عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ ، إنَّمَا هُوَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ الرِّبْحِ .
وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَزْوِيجُهَا ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا فَيَضُرُّ بِالْآخَرِ ، وَلَيْسَ وَطْءُ الْمَالِكِ فَسْخًا لِلْقِرَاضِ وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا وَلَا حَدًّا ، وَاسْتِيلَادُهُ كَإِعْتَاقِهِ فَيَنْفُذُ ، وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِنْ وَطِئَ الْعَامِلُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَا رِبْحَ حُدَّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ ، وَإِلَّا فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَيُجْعَلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْإِمَاءِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا مَرَّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ وَطْءَ الْعَامِلِ كَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ ، فَالْمَهْرُ كَالرِّبْحِ ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْأَجْنَبِيِّ

وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ بِالرُّخْصِ مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ وَمَجْبُورٌ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ

وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ ( بِالرُّخْصِ ) أَوْ الْعَيْبِ أَوْ الْمَرَضِ الْحَادِثَيْنِ ( مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ ) الْحِسَابُ مِنْهُ ، ( وَمَجْبُورٌ ) ذَلِكَ النَّقْضُ ( بِهِ ) ، أَيْ الرِّبْحِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ : بِالرُّخْصِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته ، ( وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ ) أَيْ مَالُ الْقِرَاضِ ( بِآفَةٍ ) سَمَاوِيَّةٍ كَحَرْقٍ وَغَرَقٍ ( أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ ) وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ أَوْ أَخْذُ بَدَلِهِ ( بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ ) فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ ( فِي الْأَصَحِّ ) قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ وَتِجَارَتِهِ ، بِخِلَافِ الْحَاصِلِ بِالرُّخْصِ ، وَلَيْسَ نَاشِئًا مِنْ نَفْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ ، وَالْعَيْبِ ، ( وَإِنْ تَلِفَ ) بِمَا ذُكِرَ ( قَبْلَ تَصَرُّفِهِ ) فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ ( فَمِنْ ) أَيٍّ ، فَيُحْسَبُ مَا تَلِفَ مِنْ ( رَأْسِ الْمَالِ ) لَا مِنْ الرِّبْحِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَلِ ، وَالثَّانِي : مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِ الْعَامِلِ صَارَ مَالَ قِرَاضٍ .
تَنْبِيهٌ : اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ عَنْ تَلَفِ كُلِّهِ ، فَإِنَّ الْقِرَاضَ يَرْتَفِعُ ، سَوَاءٌ أُتْلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَمْ بِإِتْلَافِ الْمَالِكِ أَمْ الْعَامِلِ أَمْ أَجْنَبِيٍّ ، لَكِنْ يَسْتَقِرُّ نَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ ، وَيَبْقَى الْقِرَاضُ فِي الْبَدَلِ إنْ أَخَذَهُ فِي الرَّابِعَةِ ، وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الْمَالِكُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ، وَالْمَالِكُ وَالْعَامِلُ إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ ، وَبَحَثَ الشَّيْخَانِ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ نَقْلِهِمَا فِيهَا مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ : أَنَّ الْعَامِلَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ قَالَ بِمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّ

لَهُ الْفَسْخَ ، فَجُعِلَ إتْلَافُهُ فَسْخًا كَالْمَالِكِ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مَنْقُوضٌ بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخَ الْبَيْعِ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ إتْلَافُهُ فَسْخًا .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ وَضْعَ الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ ، فَلَمْ يَكُنْ إتْلَافُ الْمَبِيعِ فَسْخًا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ .
وَلَوْ قُتِلَ عَبْدُ الْقِرَاضِ وَقَدْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَالْقِصَاصُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ ، فَإِنْ عَفَا الْعَامِلُ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ ، كَمَا لَوْ عَفَا الْمَالِكُ .
وَيَسْتَمِرُّ الْقِرَاضُ فِي بَدَلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ ، لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهِ ثَبَتَ لَهُ بِهِ فِي الْمَالِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ كَمَا مَرَّ ، وَالْقِصَاصُ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلِلْمَالِكِ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ مَجَّانًا ، وَإِنْ تَلِفَ مَالُ قِرَاضٍ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا قَبْلَ تَسْلِيمِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَالْقِرَاضُ ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَتَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ انْقَلَبَ الشِّرَاءُ لِلْعَامِلِ فَيَرْتَفِعُ الْقِرَاضُ ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَعَ لِلْمَالِكِ ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِائَةً وَتَلِفَ لَزِمَهُ مِائَةٌ أُخْرَى .

فَصْلٌ لِكُلٍّ فَسْخُهُ .
فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ، وَحُكْمُ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا .
( لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( فَسْخُهُ ) أَيْ عَقْدِ الْقِرَاضِ مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْآخَرِ وَرِضَاهُ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ فِي ابْتِدَائِهِ وَكَالَةٌ ، وَفِي انْتِهَائِهِ إمَّا شَرِكَةٌ وَإِمَّا جَعَالَةٌ ، وَكُلُّهَا عُقُودٌ جَائِزَةٌ ، وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ بِقَوْلِهِ : فَسَخْت عَقْدَ الْقِرَاضِ أَوْ رَفَعْتُهُ أَوْ أَبْطَلْتُهُ أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ بَعْدَ هَذَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِاسْتِرْجَاعِ الْمَالِ ، فَإِنْ اسْتَرْجَعَ بَعْضَهُ انْفَسَخَ فِيهِ وَبَقِيَ فِي الْبَاقِي ، وَبِإِعْتَاقِهِ وَاسْتِيلَادِهِ لَهُ كَالْوَكَالَةِ .
وَلَوْ حَبَسَ الْعَامِلَ وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ ، أَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لَهُ لِعَدَمِ دَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْفَسْخِ ، بَلْ يَبِيعُهُ إعَانَةً لِلْعَامِلِ ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُوَكِّلِ مَا وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ ، وَإِنْكَارُ الْمَالِكِ الْقِرَاضَ عَزْلٌ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَإِنْكَارِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ لِغَرَضٍ أَوْ لَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفِقْهَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا الْمَالِكَ فَيُنْكِرَهَا ، وَصُورَتُهُ فِي الْقِرَاضِ : أَنْ يُنْكِرَهُ ابْتِدَاءً ، حَتَّى لَوْ عُكِسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ ، وَلِلْعَامِلِ بَعْدَ الْفَسْخِ بَيْعُ مَالِ الْقِرَاضِ إذَا تَوَقَّعَ فِيهِ رِبْحًا ، كَأَنْ ظَفِرَ بِسُوقٍ أَوْ رَاغِبٍ فَلَا يَشْتَرِي لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مَعَ كَوْنِهِ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ .
.

وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْفَسَخَ .

( وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْفَسَخَ ) عَقْدُ الْقِرَاضِ كَالْوَكَالَةِ ، وَلِلْعَامِلِ إذَا مَاتَ الْمَالِكُ أَوْ جُنَّ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّنْضِيضُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ فِي الْأُولَى ، وَالْوَلِيِّ فِي الثَّانِيَةِ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الْعَاقِدِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ ، وَكَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَامِلُ ، فَإِنَّ وَرَثَتَهُ لَا تَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِمْ ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ تَوَلَّاهُ أَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ ، وَلَا تُقَرِّرُ وَرَثَةُ الْمَالِكِ الْعَامِلَ عَلَى الْقِرَاضِ كَمَا لَا يُقَرِّرُ الْمَالِكُ وَرَثَةَ الْعَامِلِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ قِرَاضٍ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ عَلَى الْعَرْضِ ، فَإِنْ نَضَّ الْمَالُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ جَازَ تَقْرِيرُ الْجَمِيعِ ، فَيَكْفِي أَنْ تَقُولَ وَرَثَةُ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ قَرَّرْنَاكَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِ ، أَوْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ قَرَّرْتُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مُوَرِّثُكُمْ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِمْ لِفَهْمِ الْمَعْنَى ، وَكَالْوَرَثَةِ وَلِيُّهُمْ ، وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ ، فَيُقَرِّرُ الْمَالِكُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْهَا ، وَوَلِيُّ الْمَجْنُونِ مِثْلُهُ قَبْلَ الْإِفَاقَةِ ، وَيَجُوزُ التَّقْرِيرُ عَلَى الْمَالِ النَّاجِزِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِجَوَازِ الْقِرَاضِ عَلَى الْمُشَاعِ ، فَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِرِبْحِ نَصِيبِهِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي رِبْحِ نَصِيبِ الْآخَرِ ، مِثَالُهُ : الْمَالُ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَتَانِ مُنَاصَفَةً وَقُرِّرَ الْعَقْدُ مُنَاصَفَةً ، فَالْعَامِلُ شَرِيكُ الْوَارِثِ بِمِائَةٍ ، فَإِذَا بِيعَ مَالُ الْقِرَاضِ بِسِتِّمِائَةٍ ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَثُمِائَةٍ ، إذْ لِلْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ الْقَدِيمِ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَةٌ ، وَرَأْسُ الْمَالِ فِي التَّقْرِيرِ مِائَتَانِ لِلْوَارِثِ وَرِبْحُهُمَا مِائَتَانِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ

لِلْمُشْتَرِي : قَرَّرْتُك عَلَى الْبَيْعِ صَحَّ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي .

وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الِاسْتِيفَاءُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا ، وَتَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ عَرْضًا ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ التَّنْضِيضُ إذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ .

تَنْبِيهٌ : تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ عِنْدَ الْفَسْخِ عَرْضًا وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَنْضِيضَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا ( وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الِاسْتِيفَاءُ ) لِدَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ ( إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا ) أَوْ هُمَا أَوْ انْفَسَخَ ، كَأَنْ بَاعَ بِنَقْدٍ ثُمَّ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ قَبْلَ تَوْفِيرِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ نَاقِصٌ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ مِلْكًا تَامًّا فَلِيَرُدَّ كَمَا أَخَذَ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ الِاسْتِيفَاءُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاءُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ مَعًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاءُ رَأْسِ الْمَالِ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ ، فَإِنْ قِيلَ : يَدُلُّ لِهَذَا تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ فِي الْعُرُوضِ لَا يَلْزَمُهُ ، إلَّا تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِرَاضَ مُسْتَلْزِمٌ لِشِرَاءِ الْعُرُوضِ ، وَالْمَالِيَّةُ فِيهِ مُحَقَّقَةٌ ، فَاكْتَفَى بِتَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ بِخِلَافِ الدَّيْنِ ، وَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ جَازَ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِيفَاءُ إذَا انْفَسَخَ كَانَ أَوْلَى ، لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ .
( وَ ) يَلْزَمُ الْعَامِلَ أَيْضًا ( تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ ) عِنْدَ الْفَسْخِ ( عَرْضًا ) ، وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَنْضِيضَهُ ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا ؟ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَ الْفَسْخِ نَاضًّا لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ ، أَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِ كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فَكَالْعُرُوضِ .
وَلَوْ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ النَّقْدَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرْضٌ رُدَّ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، وَقِيلَ : مِنْ الْحَادِثِ ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَالِكُ التَّنْضِيضَ لَمْ يَجِبْ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ ، وَحَظُّهُ

فِي التَّنْضِيضِ فَيَجِبُ ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ : لَا تَبِعْ وَنَقْسِمُ الْعُرُوضَ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ ، أَوْ قَالَ : أُعْطِيكَ نَصِيبَك مِنْ الرِّبْحِ نَاضًّا أُجِيبَ .
وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِأَخْذِ الْعُرُوضِ مِنْ الْعَامِلِ بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَزِدْ رَاغِبٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، فَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ غَلَاءٌ لَمْ يُؤَثِّرْ .
وَخَرَجَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ الزَّائِدُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَنْضِيضُهُ ، بَلْ هُوَ عَرْضٌ اشْتَرَكَ فِيهِ اثْنَانِ لَا يُكَلَّفُ أَحَدُهُمَا بَيْعَهُ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ بَيْعُ بَعْضِهِ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ كَالْعَبْدِ لَزِمَهُ تَنْضِيضُ الْكُلِّ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، ( وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْعَامِلَ ( التَّنْضِيضُ إذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ فِي عَهْدِهِ أَنْ يَرُدَّ كَمَا أَخَذَ كَمَا مَرَّ .

وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ إلَى الْبَاقِي ، وَإِنْ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الرِّبْحِ فَالْمُسْتَرَدُّ شَائِعٌ رِبْحًا ، وَرَأْسَ مَالٍ مِثَالُهُ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ وَاسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ سُدُسُ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ سُدُسَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ وَبَاقِيهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .

( وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ ) ، أَيْ مَالَ الْقِرَاضِ ( قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ ) فِيهِ ( رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ إلَى ) ذَلِكَ ( الْبَاقِي ) بَعْدَ الْمُسْتَرَدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ فِي يَدِهِ غَيْرَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى إعْطَائِهِ لَهُ ، ( وَإِنْ اسْتَرَدَّ ) الْمَالِكُ بِغَيْرِ رِضَا الْعَامِلِ ( بَعْدَ ) ظُهُورِ ( الرِّبْحِ فَالْمُسْتَرَدُّ ) مِنْهُ ( شَائِعٌ ، رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ ) عَلَى النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جُمْلَةِ الرِّبْحِ وَرَأْسُ الْمَالِ ، لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الْبَاقِي لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْعَامِلِ عَلَى مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ النَّقْصِ بَعْدُ .
أَمَّا إذَا كَانَ الِاسْتِرْدَادُ بِرِضَا الْعَامِلِ فَإِنْ قَصَدَ هُوَ وَالْمَالِكُ الْأَخْذَ مِنْ الْأَصْلِ اُخْتُصَّ بِهِ ، أَوْ مِنْ الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ ، لَكِنْ يَمْلِكُ الْعَامِلُ مِمَّا بِيَدِهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ عَلَى الْإِشَاعَةِ ، وَإِنْ أَطْلَقَا حُمِلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ ، وَحِينَئِذٍ الْأَشْبَهُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ الْعَامِلِ قَرْضًا ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَقَرَّهُ .
ثُمَّ قَالَ : وَإِذَا كَانَ الِاسْتِرْدَادُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالظُّهُورِ ، ( مِثَالُهُ : رَأْسُ الْمَالِ مِائَةٌ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ ، ( وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ ) مِنْهَا ، ( وَاسْتَرَدَّ ) الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ ( عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ ) فِي هَذَا الْمِثَالِ ( سُدُسُ ) جَمِيعِ ( الْمَالِ ) ، وَحِينَئِذٍ ( فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ سُدُسُهُ - بِالرَّفْعِ بِحَظِّهِ - وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ ، يُحْسَبُ ( مِنْ الرِّبْحِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ ) وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ إنْ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ ، ( وَبَاقِيهِ ) أَيْ الْمُسْتَرَدِّ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ ( مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) فَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٍ ، فَلَوْ عَادَ مَا فِي يَدِهِ إلَى ثَمَانِينَ لَمْ يَسْقُطْ مَا اسْتَقَرَّ لَهُ ، بَلْ يَأْخُذُ

مِنْهَا دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ .
تَنْبِيهٌ : كَوْنُ الْعَامِلِ يَأْخُذُ مِمَّا فِي يَدِهِ خَارِجًا عَنْ الْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْمُسْتَرَدَّ شَائِعًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْعَامِلِ فِي عَيْنِ الْمَالِ الْمُسْتَرَدِّ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَفِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ إنْ كَانَ تَالِفًا ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الْبَاقِي إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ، حَتَّى لَوْ أَفْلَسَ لَمْ يَتَقَدَّمْ بِهِ بَلْ يُضَارِبْ .

وَإِنْ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الْخُسْرَانِ فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ لَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ ، مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَالْخُسْرَانُ عِشْرُونَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَرُبْعُ الْعِشْرِينَ حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ ، وَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ ، وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَرْبَحْ ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا ، أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا لِلْقِرَاضِ أَوْ لِي ، أَوْ لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا ، وَفِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَدَعْوَى التَّلَفِ ، وَكَذَا دَعْوَى الرَّدِّ فِي الْأَصَحِّ .

( وَإِنْ اسْتَرَدَّ ) الْمَالِكُ بَعْضَهُ ( بَعْدَ ) ظُهُورِ ( الْخُسْرَانِ فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي ) بَعْدَهُ ، وَحِينَئِذٍ ( فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ ) وَهُوَ عِشْرُونَ ( لَوْ رَبِحَ ) الْمَالَ ( بَعْدَ ذَلِكَ ، مِثَالُهُ : الْمَالُ ) ، أَيْ رَأْسُ الْمَالِ ( مِائَةٌ وَالْخُسْرَانُ ) الْحَاصِلُ فِيهِ ( عِشْرُونَ ، ثُمَّ اسْتَرَدَّ ) الْمَالِكُ ( عِشْرِينَ ، فَرُبْعُ الْعِشْرِينَ ) الَّتِي هِيَ جَمِيعُ الْخُسْرَانِ ( حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ ) مِنْهَا خَمْسَةٌ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، ( وَيَعُودُ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( رَأْسُ الْمَالِ ) الْبَاقِي بَعْدَ الْمُسْتَرَدِّ ، وَبَعْدَ حِصَّتِهِ مِنْ الْخُسْرَانِ ( إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ ) ؛ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ إذَا وَزَّعْنَاهُ عَلَى الثَّمَانِينَ خَصَّ كُلَّ عِشْرِينَ خَمْسَةٌ ، وَالْعِشْرُونَ الْمُسْتَرَدَّةُ حِصَّتُهَا خَمْسَةٌ فَيَبْقَى مَا ذَكَرَهُ ، فَلَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا رِبْحًا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَاهُ ، ( وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَرْبَحْ ) شَيْئًا ، ( أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا ، وَلَوْ أَقَرَّ بِرِبْحٍ ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ كَذِبًا ، ثُمَّ قَالَ : غَلِطْت فِي الْحِسَابِ ، أَوْ كَذَبْت فِيمَا قُلْت خَوْفًا مِنْ انْتِزَاعِ الْمَالِ مِنْ يَدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ أَذَكَرَ شُبْهَةً أَمْ لَا ؟ فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ ذِكْرِ الْكَذِبِ أَوْ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالرِّبْحِ خَسَارَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ ، مِثْلٌ أَنْ يَعْرِضَ فِي الْأَسْوَاقِ كَسَادَهُ ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ لَمْ يُقْبَلْ وَيَصَدَّقُ أَيْضًا فِيمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ، ( أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا ) الشَّيْءَ ( لِلْقِرَاضِ ) وَإِنْ كَانَ خَاسِرًا ( أَوْ لِي ) ، وَإِنْ كَانَ رَابِحًا ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَهُوَ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي يَدِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ قَبُولِ

قَوْلِهِ إنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهِ عَلَى النِّيَّةِ .
أَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَأَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ ، فَهَلْ يُحْكَمُ بِهِ لِلْقِرَاضِ أَوْ لَا فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْهُمَا الثَّانِي ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْقِرَاضِ عُدْوَانًا ، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ : وَكُلُّ شِرَاءٍ وَقَعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ لَهُ ، وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْعَامِلِ : أَيْ لِإِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الشِّرَاءِ .
وَالثَّانِي : أَوْجَهُ ، كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي ، ( أَوْ ) قَالَ الْعَامِلُ : ( لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا ) كَالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ ، ( وَ ) يُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَيْضًا ( فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دَفْعِ الزِّيَادَةِ ، وَهَذَا حَيْثُ لَا رِبْحَ ، فَإِنْ كَانَ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَوْ الْمَالِكُ أَوْ يَتَحَالَفَانِ ؟ أَوْجُهٌ ، أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَارَضَ اثْنَيْنِ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَهُ وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ، فَرَبِحَا وَأَحْضَرَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ ، فَقَالَ الْمَالِكُ : رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ ، وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ أَنَّهُ أَلْفٌ فَلَهُ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهَا نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ ، وَلِلْمَالِكِ أَلْفَانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِاتِّفَاقِهِ مَعَ الْمُعْتَرَفِ عَلَيْهِ ، وَلَهُ ثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الرِّبْحِ ، وَالْبَاقِي لِلْمُقِرِّ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مِنْ الرِّبْحِ مِثْلُ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْ الْعَامِلَيْنِ ، وَمَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ كَالتَّالِفِ ، وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ

أَوْ صِفَتِهِ ، ( وَ ) فِي ( دَعْوَى التَّلَفِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ فَهُوَ كَالْمُودِعِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ .
( وَكَذَا ) يُصَدَّقُ فِي ( دَعْوَى الرَّدِّ ) لِمَالِ الْقِرَاضِ عَلَى الْمَالِكِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ كَالْوَكِيلِ .
وَالثَّانِي : كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ ، وَانْتِفَاعُهُ هُوَ بِالْعَمَلِ فِيهَا لَا بِهَا ، بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ .
فَائِدَةٌ : كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ .
.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ تَحَالَفَا ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
( وَلَوْ اخْتَلَفَا ) فِي أَنَّ الْعَامِلَ وَكِيلٌ أَوْ مُقَارِضٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ ، أَوْ ( فِي ) الْقَدْرِ ( الْمَشْرُوطِ لَهُ ) أَيْ الْعَامِلِ ، كَأَنْ قَالَ : شَرَطْتَ النِّصْفَ فَقَالَ الْمَالِكُ : بَلْ الثُّلُثَ - ( تَحَالَفَا ) كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ بَلْ يَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَيَانِ ، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يُفْسَخُ بِمُجَرَّدِ التَّحَالُفِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ ( وَلَهُ ) أَيْ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) لِعَمَلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِتَعَذُّرِ رُجُوعِ عَمَلِهِ إلَيْهِ ، فَوَجَبَ لَهُ قِيمَتُهُ وَهُوَ الْأُجْرَةُ ، وَلَوْ كَانَ الْقِرَاضُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَمُدَّعَى الْعَامِلِ دُونَ الْأُجْرَةِ - فَلَا تَحَالُفَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّدَاقِ .
.

خَاتِمَةٌ : لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ وَلَوْ ذِمِّيًّا خَمْرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ ، وَسَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ - وَلَوْ جَاهِلًا - ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ .
وَلَوْ قَارَضَهُ الْمَالِكُ لِيَجْلِبَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ زَائِدٌ عَلَى التِّجَارَةِ .
وَإِنْ قَارَضَهُ عَلَى مَالَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ فِي الْمَالِ ، بَلْ إنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ ضُمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَسَدَ الْقِرَاضُ فِي الثَّانِي وَامْتَنَعَ الْخَلْطُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ رِبْحًا وَخُسْرَانًا ، وَإِنْ شَرَطَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ صَحَّ وَجَازَ الْخَلْطُ ، وَكَأَنَّهُ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ مَعًا .
نَعَمْ ، إنْ شَرَطَ الرِّبْحَ فِيهِمَا مُخْتَلِفًا امْتَنَعَ الْخَلْطُ .
وَيَضْمَنُ الْعَامِلُ أَيْضًا لَوْ خَلَطَ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَالِهِ ، أَوْ قَارَضَهُ اثْنَانِ فَخَلَطَ مَالَ أَحَدِهِمَا بِمَالِ الْآخَرِ ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ .
وَإِذَا اشْتَرَى بِأَلْفَيْنِ لِمُقَارِضَيْنِ لَهُ عَبْدَيْنِ ، فَاشْتَبَهَا عَلَيْهِ وَقَعَا لَهُ ، وَغَرِمَ لَهُمَا الْأَلْفَيْنِ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِفْرَادِ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ مَالًا وَقَالَ : إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فِيهِ قِرَاضًا عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ مَثَلًا لَغَا ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ ، وَلَوْ صَحَّ لَبَطَلَ بِالْمَوْتِ .
وَلَوْ جَنَى عَبْدُ الْقِرَاضِ فَدَاهُ الْمَالِكُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، كَمَا لَوْ أَبَقَ فَإِنَّ نَفَقَةَ رَدِّهِ عَلَى الْمَالِكِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالظُّهُورِ فَعَلَيْهِمَا الْفِدَاءُ .

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ لَمَّا شَابَهَتْ الْقِرَاضَ فِي الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ بِبَعْضِ نَمَائِهِ وَجَهَالَةِ الْعِوَضِ ، وَالْإِجَارَةَ فِي اللُّزُومِ وَالتَّأْقِيتِ جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّقْيِ - بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ - الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا غَالِبًا ، لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ ، فَإِنَّهُمْ يَسْقُونَ مِنْ الْآبَارِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ أَعْمَالِهَا وَأَكْثَرُهَا مُؤْنَةً .
وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ عَلَى نَخْلٍ أَوْ شَجَرِ عِنَبٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ لَهُمَا .
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ ، وَفِي رِوَايَةٍ دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَهَا وَأَرْضَهَا بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ } ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَشْجَارِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا ، أَوْ لَا يَتَفَرَّغُ لَهُ ، وَمَنْ يُحْسِنُ وَيَتَفَرَّغُ قَدْ لَا يَمْلِكُ الْأَشْجَارَ ، فَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا إلَى الْعَمَلِ ، وَلَوْ اكْتَرَى الْمَالِكُ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثِّمَارِ ، وَيَتَهَاوَنُ الْعَامِلُ ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِهَا .

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ، وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِالْوِلَايَةِ .
وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ : عَاقِدَانِ ، وَمَوْرِدُ الْعَمَلِ ، وَالثِّمَارُ ، وَالْعَمَلُ ، وَالصِّيغَةُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : ( تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ) لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ عَلَى الْمَالِ كَالْقِرَاضِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : إنَّمَا تَصِحُّ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ الْحَصْرَ ، ( وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) وَسَفِيهٍ ( بِالْوِلَايَةِ ) عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْصَرَ لِشُمُولِهِ مَا قَدَّرْته ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْعَامِلِ ، وَفِي مَعْنَى الْوَلِيِّ نَاظِرُ الْوَقْفِ ، وَكَذَا الْإِمَامُ فِي بَسَاتِينِ بَيْتِ الْمَالِ ، وَمَا لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ ، وَكَذَا بَسَاتِينُ الْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، قَالَ : وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ الْمُسَاقَاةُ ، فَإِنْ عَمَلَهُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الْمُسَاقِي .

وَمَوْرِدُهَا النَّخْلُ وَالْعِنَبُ ، وَجَوَّزَهَا الْقَدِيمُ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي ، وَهُوَ مَوْرِدُ الْعَمَلِ فَقَالَ : ( وَمَوْرِدُهَا ) أَصَالَةً : أَيْ مَا تَرِدُ صِيغَةُ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ ( النَّخْلُ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَلَوْ ذُكُورًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْخَفَّافُ ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا مُعَيَّنًا مَرْئِيًّا ، ( وَ ) مِثْلُهُ ( الْعِنَبُ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّخْلِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَأَتِّي الْخَرْصِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْكَرْمُ بَدَلَ الْعِنَبِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِهِ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا ، إنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قِيلَ : سُمِّيَ كَرْمًا مِنْ الْكَرَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْهُ تُحْمَلُ عَلَيْهِ ، فَكُرِهَ أَنْ يُسَمَّى بِهِ ، وَجَعَلَ الْمُؤْمِنَ أَحَقَّ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْكَرَمِ .
يُقَال : رَجُلٌ كَرْمٌ - بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا - : أَيْ كَرِيمٌ .
وَثَمَرَاتُ النَّخْلِ وَالْأَعْنَابِ أَفْضَلُ الثِّمَارِ ، وَشَجَرُهُمَا أَفْضَلُ الشَّجَرِ بِالِاتِّفَاقِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ { أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ النَّخْلَ الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمَحَلِّ ، وَأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينَةِ آدَمَ } ، وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ ، وَمَرَّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ ، وَشَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ وَأَنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا ، وَإِذَا قُطِعَ مَاتَتْ ، وَيُنْتَفَعُ بِأَجْزَائِهَا ، وَهِيَ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ ، فَكَانَتْ أَفْضَلَ ، وَلَيْسَ فِي الشَّجَرِ شَجَرٌ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى يَحْتَاجُ الْأُنْثَى فِيهِ إلَى الذَّكَرِ سِوَاهُ ، وَشَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَ الدَّجَّالِ بِحَبَّةِ الْعِنَبِ ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرَةِ ، وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ ، ( وَجَوَّزَهَا الْقَدِيمُ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ

) كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ لِلْحَاجَةِ ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَالْجَدِيدُ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ فَتَخْتَصُّ بِمَوْرِدِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي ثَمَرِهَا فَأَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُثْمِرَةِ ، وَلِأَنَّهَا تَنْمُو مِنْ غَيْرِ تَعَهُّدٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ ، وَعَلَى الْمَنْعِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْجَارُ بَيْنَ النَّخْلِ أَوْ الْعِنَبِ فَسَاقَى عَلَيْهَا مَعَهُ تَبَعًا جَازَ ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ قَيَّدَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بِالْقَلِيلَةِ ، كَمَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَشْجَارِ ، وَهِيَ مَا لَهَا سَاقٌ عَمَّا لَا سَاقَ لَهُ كَالْبِطِّيخِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ ، وَبِالْمُثْمِرَةِ عَنْ غَيْرِهَا كَالتُّوتِ الذَّكَرِ ، وَمَا لَا يُقْصَدُ ثَمَرُهُ كَالصَّنَوْبَرِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَعَلَى الْجَدِيدِ لَا تَجُوزُ عَلَى الْمُقِلِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قُلْتُمْ : غَيْرُ الشَّجَرِ هُوَ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ } .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا كَانَتْ شَجَرَةً عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْقَرْعِ ، مُعْجِزَةً لِسَيِّدِنَا يُونُسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ وَعْلَةٌ صَبَاحًا وَمَسَاءً يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا حَتَّى قَوِيَ .
.

وَلَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ عَمَلُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ ، وَلَا الْمُزَارَعَةُ ، وَهِيَ : هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ ، وَالْبَذْرَ مِنْ الْمَالِكِ .
( وَلَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ ، وَهِيَ عَمَلُ ) الْعَامِلِ فِي ( الْأَرْضِ ) أَيْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَامِلِ فَلَا يُفَسَّرُ الْعَقْدُ بِهِ ( بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ) كَنِصْفٍ ( وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ ، وَلَا ) تَصِحُّ ( الْمُزَارَعَةُ وَهِيَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ ) أَيْ الْمُخَابَرَةُ ، ( وَ ) لَكِنَّ ( الْبَذْرَ ) فِيهَا يَكُونُ ( مِنْ الْمَالِكِ ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأُولَى فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ فِي مُسْلِمٍ ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَنْعِ فِيهِمَا أَنَّ تَحْصِيلَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مُمْكِنَةٌ بِالْإِجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَالْمَوَاشِي ، بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ لِلْحَاجَةِ ، وَاخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَهُمَا مُطْلَقًا تَبَعًا لِابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا إذَا شُرِطَ لِوَاحِدٍ زَرْعُ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ أُخْرَى ، وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَا تَصِحُّ الْمُشَاطَرَةُ الْمُسَمَّاةُ أَيْضًا بِالْمُنَاصَبَةِ - بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ صَادٍ مُهْمَلَةٍ - كَاَلَّتِي تُفْعَلُ بِالشَّامِ ، وَهِيَ أَنْ يُسَلِّمَ أَرْضًا لِيَغْرِسَهَا مِنْ عِنْدِهِ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْحَاصِلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْعَامِلِ ، وَلِمَالِكِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ ، وَمَنْ زَارَعَ عَلَى أَرْضٍ بِجُزْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ فَعَطَّلَ بَعْضَ الْأَرْضِ : أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا عَطَّلَ مِنْهَا ، وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ ، وَقَالَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ ، وَهُوَ أَوْجَهُ .

فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ بَيَاضٌ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَامِلِ وَعُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ ، وَالْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يُقَدِّمَ الْمُزَارَعَةَ ، وَأَنَّ كَثِيرَ الْبَيَاضِ كَقَلِيلِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَابَرَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ .

( فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ ) أَوْ الْعِنَبِ ( بَيَاضٌ ) وَهُوَ أَرْضٌ لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ ( صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ ) ، أَوْ الْعِنَبِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ وَتَعَسُّرِ الْإِفْرَادِ ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَوَّلَ الْبَابِ .
تَنْبِيهٌ : اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَلَى ذِكْرِ النَّخْلِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذِكْرَ الْعِنَبِ مَعَهُ كَمَا قَدَّرْته ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ : إنَّهُ الصَّوَابُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ ( بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَامِلِ ) فِيهِمَا ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَاقِيَ وَاحِدًا وَيُزَارِعَ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ وَاحِدًا ، بَلْ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْ سَاقَاهُ غَيْرَ مَنْ زَارَعَهُ ، فَلَوْ سَاقَى جَمَاعَةً ، وَزَارَعَهُمْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ .
( وَ ) بِشَرْطِ ( عُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ ، وَ ) عُسْرِ إفْرَادِ ( الْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ ) وَهِيَ الزِّرَاعَةُ لِانْتِفَاعِ النَّخْلِ بِسَقْيِ الْأَرْضِ وَتَقْلِيبِهَا ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّعَذُّرِ ، وَمُرَادُهُ التَّعَسُّرُ كَمَا هُنَا ، فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الْمُزَارَعَةُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ بَيَاضٌ بِحَيْثُ تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ ، وَكَانَ فِيهِ زَرْعٌ مَوْجُودٌ فَفِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ ، فَحِينَئِذٍ لَا اخْتِصَاصَ لِلتَّعْبِيرِ بِالْبَيَاضِ الْمُجَرَّدِ ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ وَالْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ الرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ذِكْرُ عُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ وَالْعَمَلِ ، وَاقْتَصَرَ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ عَلَى عُسْرِ إفْرَادِ الْبَيَاضِ الْمُتَخَلِّلِ بِالْعِمَارَةِ ، وَمَا

قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْجَهُ ، ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ) فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ ( أَنْ لَا يُفْصَلَ ) - بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ بِخَطِّهِ - : أَيْ لَا يَفْصِلَ الْعَاقِدَانِ ( بَيْنَهُمَا ) ، بَلْ يُؤْتَى بِهِمَا عَلَى الِاتِّصَالِ لِتَحْصُلَ التَّبَعِيَّةُ ، فَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا فَقَبِلَ ، ثُمَّ زَارَعَهُ عَلَى الْبَيَاضِ لَمْ تَصِحَّ الْمُزَارَعَةُ ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْعَقْدِ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا لِحُصُولِهِمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ حَيْثُ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْمُزَارَعَةُ ، وَإِلَّا امْتَنَعَ جَزْمًا ، ( وَ ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ( أَنْ لَا يُقَدِّمَ الْمُزَارَعَةَ ) عَلَى الْمُسَاقَاةِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ وَالتَّابِعُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً : إنْ سَاقَاهُ بَعْدَهَا بَانَ صِحَّتُهَا وَإِلَّا فَلَا ، وَفُهِمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُغْنِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ .
وَلَكِنْ لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَشْمَلُهُمَا كَعَامَلْتُكَ عَلَى النَّخْلِ وَالْبَيَاضِ بِالنِّصْفِ فِيهِمَا كَفَى ، بَلْ حَكَى فِيهِ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ .
قَالَ الدَّارِمِيُّ : وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا بَيَانُ مَا يَزْرَعُهُ ، بِخِلَافِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ شَرِيكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِهِ ، بِخِلَافِ الْآخَرِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الزَّرْعِ ، وَالْأَصَحُّ ( أَنَّ كَثِيرَ الْبَيَاضِ كَقَلِيلِهِ ) فِي صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ عُسْرُ الْإِفْرَادِ ، وَالْحَاجَةُ لَا تَخْتَلِفُ .
وَالثَّانِي : لَا لِأَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَكُونُ تَابِعًا .
تَنْبِيهٌ : النَّظَرُ فِي الْكَثْرَةِ إلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ وَمَغَارِسِ الشَّجَرِ لَا إلَى زِيَادَةِ النَّمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الثَّمَرِ ) فِي الْمُسَاقَاةِ ، ( وَالزَّرْعِ ) فِي الْمُزَارَعَةِ ، بَلْ

يَجُوزُ أَنْ يُشْرَطَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الثَّمَرِ وَرُبْعُ الزَّرْعِ مَثَلًا .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ ، وَصَحَّحَ هَذَا الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ ، ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَابَرَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ ) لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ ذَلِكَ كَالْمُزَارَعَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ فِي مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ فِيهَا إلَّا الْعَمَلُ ، بِخِلَافِ الْمُخَابَرَةِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْبَذْرُ .

فَإِنْ أُفْرِدَتْ أَرْضٌ بِالْمُزَارَعَةِ فَالْمُغَلُّ لِلْمَالِكِ ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَدَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ .
( فَإِنْ أُفْرِدَتْ أَرْضٌ ) قَرَاحٌ أَوْ بَيَاضٌ مُتَخَلِّلٌ بَيْنَ النَّخْلِ أَوْ الْعِنَبِ بِالْمُخَابَرَةِ فَالْمُغَلُّ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَتْبَعُ الْبَذْرَ ، وَعَلَيْهِ لِلْمَالِكِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ ، أَوْ ( بِالْمُزَارَعَةِ فَالْمُغَلُّ لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ ( وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ ) مِثْلِ ( عَمَلِهِ ، وَ ) عَمَلِ ( دَوَابِّهِ ، وَ ) عَمَلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ( آلَاتِهِ ) كَالْبَقَرِ إنْ كَانَتْ لَهُ ، سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ أَمْ لَا ، أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْقِرَاضِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبُطْلَانِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا لِيَحْصُلَ لَهُ بَعْضُ الزَّرْعِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَانْصَرَفَ كُلُّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُتَوَلِّي فِي نَظِيرِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ فِيمَا إذَا أُتْلِفُ الزَّرْعُ بِآفَةٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَالِكِ شَيْءٌ ، وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ هُنَا أَشْبَهُ بِهِ فِي الْقِرَاضِ مِنْ الشَّرِكَةِ ، عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي : لَا يَخْفَى عُدُولُهُ عَنْ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَالْغَلَّةُ لَهُمَا ، وَلِكُلٍّ عَلَى الْآخَرِ أُجْرَةُ مَا انْصَرَفَ مِنْ مَنَافِعِهِ عَلَى حِصَّةِ صَاحِبِهِ .

وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا ، وَلَا أُجْرَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْأَرْضِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي حِيلَةٍ تُسْقِطُ الْأُجْرَةَ وَتَجْعَلُ الْغَلَّةَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ ، فَقَالَ : ( وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا ) فِي صُورَةِ إفْرَادِ الْأَرْضِ بِالْمُزَارَعَةِ ( وَلَا أُجْرَةَ ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تَحْصُلُ بِصُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : ( أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ ) أَيْ الْمَالِكُ الْعَامِلَ ( بِنِصْفِ الْبَذْرِ ) شَائِعًا ( لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ ) فِي الْأَرْضِ ، ( وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ ) شَائِعًا ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ جَوَازُ إعَارَةِ الْمُشَاعِ الْمُفِيدَةِ إسْقَاطَ الْأُجْرَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعِرْهُ نِصْفَهَا ، وَاسْتَأْجَرَهُ لِزِرَاعَةِ نِصْفِ الْبَذْرِ ، فَزَرَعَ جَمِيعَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ نِصْفِ الْأَرْضِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ : ( أَوْ يَسْتَأْجِرُهُ ) أَيْ الْعَامِلَ ( بِنِصْفِ الْبَذْرِ ) شَائِعًا ، ( وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ) كَذَلِكَ ( لِيَزْرَعَ ) لَهُ ( النِّصْفَ الْآخَرَ ) مِنْ الْبَذْرِ ( فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا عَلَى مَعْنَى الْمُتَأَخِّرِ - ( مِنْ الْأَرْضِ ) فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الزَّرْعِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ ، وَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ ، وَالْمَالِكَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ الْأُجْرَةَ عَيْنًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً ، وَفِي الْأُولَى مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ ، وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَتَمَكَّنُ ، وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَوْ فَسَدَ مَنْبَتُ الْأَرْضِ فِي الْمُدَّةِ لَزِمَهُ قِيمَةُ نِصْفِهَا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِيَ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ الْحَصْرَ فِي الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقْرِضَ الْمَالِكُ

الْعَامِلَ نِصْفَ الْبَذْرِ وَيُؤَجِّرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ عَمَلِهِ وَنِصْفِ مَنَافِعِ دَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ ، وَمِنْهُ أَنْ يُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْهُمَا ثُمَّ يَعْمَلُ الْعَامِلُ ، فَالْمُغَلُّ بَيْنَهُمَا وَلَا تَرَاجُعَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُتَطَوِّعٌ ، لَكِنَّ الْبَذْرَ فِي هَذَا لَيْسَ كُلُّهُ مِنْ الْمَالِكِ .
وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا فِي الْمُخَابَرَةِ وَلَا أُجْرَةَ : أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ عَمَلِهِ وَمَنَافِعِ دَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ ، أَوْ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَيَتَبَرَّعُ بِالْعَمَلِ وَالْمَنَافِعِ ، وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْإِجَارَاتِ مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ وَتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ .

فَصْلٌ يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا ، وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ ، وَالْعِلْمُ بِالنَّصِيبَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالْقِرَاضِ ، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ لَكِنْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الثِّمَارُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ ، فَقَالَ : فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ .
( يُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا ) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ بَعْضِهِ لِغَيْرِهِمَا ، ( وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ ) ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كُلِّ الثَّمَرَةِ لِأَحَدِهِمَا ، ( وَالْعِلْمُ ) أَيْ عِلْمُهُمَا ( بِالنَّصِيبَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ ) ، وَإِنْ قَلَّ كَجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ ( كَالْقِرَاضِ ) فِي جَمِيع مَا سَبَقَ ، وَمِمَّا سَبَقَ الصِّحَّةُ فِيمَا إذَا قَالَ : بَيْنَنَا ، وَفِيمَا إذَا قَالَ : عَلَيَّ أَنَّ لَك النِّصْفَ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْجُزْئِيَّةِ قَدْ يُوهِمُ الْفَسَادَ هُنَا ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ بِالنِّصْفِ وَآخَرَ بِالثُّلُثِ صَحَّ الْعَقْدُ إنْ عَرَفَا قَدْرَ كُلٍّ مِنْ النَّوْعَيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْأَقَلُّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ وَإِنْ جَهِلَا قَدْرَهُمَا ، وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْجَرِيدُ وَالْكِرْنَافُ وَاللِّيفُ ؛ فَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ .
قَالَ : وَلَوْ شُرِطَ جَعْلُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَاهُ فِي الثَّمَرِ فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ ، وَلَوْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ بَطَلَ قَطْعًا ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ الْعِوَضِ غَيْرَ الثَّمَرِ ، فَلَوْ سَاقَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُسَاقَاةً وَلَا إجَارَةً إلَّا إذَا فَصَّلَ الْأَعْمَالَ ، وَكَانَتْ مَعْلُومَةً ، وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى آخَرَ بِالثُّلُثِ فَسَدَ الْأَوَّلُ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ عَقَدَهُ جَاهِلًا بِفَسَادِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ .
تَنْبِيهٌ : لَا قَلْبَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ

أَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ : يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُهُمَا بِالثَّمَرِ ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى هُنَا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ ، وَمَشَى فِي بَابِ الْقِرَاضِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ : وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى الِاسْتِعْمَالَيْنِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ ، فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : { إيَّاكَ نَعْبُدُ } : مَعْنَاهُ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ ، وَلَوْ قِيلَ : نَخُصُّ الْعِبَادَةَ بِك كَانَ اسْتِعْمَالًا عُرْفِيًّا ، ( وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَرَرِ لِلْوُثُوقِ بِالثَّمَرِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ .
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ ، ( لَكِنَّ ) مَحَلَّ الصِّحَّةِ ( قَبْل بُدُوِّ الصَّلَاحِ ) إذَا جَعَلَ عِوَضَ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ الْعَمَلِ ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا ، وَكَذَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَى النَّخْلِ الْمُثْمِرِ وَعَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ ثَمَرِ الْعَامِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ : أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا كَمَا مَرَّ .

وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ الْمُسَاقَاةِ لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسًا وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ عَلَى الْعَمَلِ - فَإِنْ قُدِّرَ لَهُ مُدَّةٌ يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ : إنْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ صَحَّ .

( وَ ) عَلَى هَذَا ( لَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ ) ، وَهُوَ - بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَدَالٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ - صِغَارُ النَّخْلِ ( لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ ) ، إذَا لَمْ تَرِدْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ ، وَهِيَ رُخْصَةٌ فَلَا تَتَعَدَّى مَوْرِدَهَا ، وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ ، فَأَشْبَهَ ضَمَّ غَيْرِ التِّجَارَةِ إلَى عَمَلِ الْقِرَاضِ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ الشَّجَرُ بِقَيْدٍ ، فَلَوْ قَالَ : وَلَك نِصْفُ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا ، وَإِذَا عَمِلَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمَالِكِ إنْ تُوُقِّعَتْ الثَّمَرَةُ فِي الْمُدَّةِ ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْعَامِلِ ، وَالْأَرْضُ لِلْمَالِكِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ ، ( وَلَوْ كَانَ ) الْوَدِيُّ ( مَغْرُوسًا ) وَسَاقَاهُ عَلَيْهِ ، ( وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ عَلَى الْعَمَلِ فَإِنْ قُدِّرَ ) فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ ( مُدَّةٌ يُثْمِرُ ) الْوَدِيُّ ( فِيهَا غَالِبًا ) كَخَمْسِ سِنِينَ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ لَا ثَمَرَ فِيهَا ، كَمَا لَوْ سَاقَاهُ خَمْسَ سِنِينَ ، وَالثَّمَرَةُ يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي الْخَامِسَةِ خَاصَّةً ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُثْمِرْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا ، كَمَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَى النَّخِيلِ الْمُثْمِرَةِ فَلَمْ تُثْمِرْ ، ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ قُدِّرَ مُدَّةٌ لَا يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا ( فَلَا ) تَصِحُّ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعَمِلَ الْعَامِلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُثْمِرُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، وَإِلَّا اسْتَحَقَّ ، وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالشَّجَرِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ .
( وَقِيلَ : إنْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ ) فِي الْإِثْمَارِ وَعَدَمِهِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ ( صَحَّ )

الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ مَرْجُوٌّ كَالْقِرَاضِ ، فَإِنَّ الرِّبْحَ مَرْجُوُّ الْحُصُولِ ، فَإِنْ أَثْمَرَتْ اسْتَحَقَّ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ وَلَا الظَّاهِرُ وُجُودُهُ ، فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِيمَا لَا يُوجَدُ غَالِبًا ، وَعَلَى هَذَا فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا .

وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ .

( وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إذَا ) اسْتَقَلَّ الشَّرِيكُ بِالْعَمَلِ فِيهَا وَ ( شَرَطَ ) الْمَالِكُ ( لَهُ ) أَيْ الشَّرِيكِ ( زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ ) ، كَأَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَشْرِطُ لَهُ ثُلُثَيْ الثَّمَرَةِ لِيَكُونَ السُّدُسُ عِوَضَ عَمَلِهِ ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ أَوْ دُونَهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ إذْ لَا عِوَضَ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ ، بَلْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا دُونَ نَصِيبِهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ ثَمَرَتِهِ أَيْضًا ، فَإِنْ عَمِلَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ ، وَإِنْ شَرَطَ لَهُ كُلَّ الثَّمَرَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ ، لَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا ، وَقَيَّدَهُ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ تَفَقُّهًا بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْفَسَادَ ، وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ أَوْجَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ الشَّرِيكُ بِالْعَمَلِ بِأَنْ شَرَطَ مُعَاوَنَتَهُ لَهُ فِي الْعَمَلِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ ، كَمَا لَوْ سَاقَى أَجْنَبِيًّا بِهَذَا الشَّرْطِ ، فَإِنْ عَاوَنَهُ وَاسْتَوَى عَمَلُهُمَا فَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَكَذَا لَا أُجْرَةَ لِلْمُعَاوِنِ إذَا زَادَ عَمَلُهُ ، بِخِلَافِ الْآخَرِ إذَا زَادَ عَمَلُهُ فَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِالْحِصَّةِ عَلَى الْمُعَاوِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا .
وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ يَجِبُ كَوْنُهُ فِي خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ .
قَالَ : وَالْخَلَاصُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ : صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ : سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي ، حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَمَلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَاقِعًا فِي الْمُشْتَرَكِ ، وَبِهَذَا صَوَّرَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَسْأَلَةَ تَبَعًا لِمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُزَنِيِّ ، لَكِنَّ كَلَامَ غَيْرِهِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْكِتَابِ .
ا هـ .
وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إنْ قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى كُلِّ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ ، أَوْ قَالَ : سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ ،

وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : صِحَّةُ مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ أَجْنَبِيًّا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الْآخَرِ ، وَلَوْ سَاقَى الشَّرِيكَانِ ثَالِثًا لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا إنْ تَفَاوَتَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ ، فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا .

وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا .
( وَيُشْتَرَطُ ) لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ ( أَنْ لَا يَشْرِطَ ) الْمَالِكُ فِي عَقْدِهَا ( عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا ) الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ الْعَامِلِ بِهَا كَحَفْرِ بِئْرٍ ، فَإِنْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ وَاشْتِرَاطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانَ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ لِيَعْرِفَ أَنَّ شَرْطَ غَيْرِهَا مُفْسِدٌ ، كَمَا جَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ : وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ كَذَا .
ثُمَّ قَالَ : فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً إلَخْ .
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْعَقْدِ مَا عَلَى الْعَامِلِ ، كَذَا قَالَاهُ ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمَالِكِ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ .

وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ وَبِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ ، وَمَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ ، وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْعَمَلُ ، فَقَالَ : ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ يَنْفَرِدَ ) الْعَامِلُ ( بِالْعَمَلِ ) ، فَلَوْ شَرَطَ عَمَلَ الْمَالِكِ مَعَهُ فَسَدَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَا عَمَلَ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ بِلَا شَرْطِ يَدٍ وَلَا مُشَارَكَةٍ فِي تَدْبِيرٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، وَإِنْ شُرِطَتْ فِي الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ جُزْءٍ مَعْلُومٍ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ مَا يَبْقَى يَكُونُ مَجْهُولًا ، أَوْ شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ وَقُدِّرَتْ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ ، وَهُوَ كَاسْتِئْجَارِ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ صَحَّ أَيْضًا ، وَالْعُرْفُ كَافٍ ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَ الْغُلَامِ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ ، أَوْ اسْتِئْجَارِ مُعَاوِنٍ لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ مَالِ الْمَالِكِ - لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ تَكُونَ الْأَعْمَالُ وَمُؤَنُهَا عَلَى الْعَامِلِ .
أَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَنْفَرِدَ ( بِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ أَوْ بِيَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ .
فَائِدَةٌ : الْحَدِيقَةُ : أَرْضٌ ذَاتُ شَجَرٍ .
قَالَهُ اللَّيْثُ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : هِيَ الْحَائِطُ : أَيْ الْبُسْتَانُ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ : إنَّمَا يُقَالُ حَدِيقَةٌ لِلْبُسْتَانِ عَلَيْهِ حَائِطٌ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ ) جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ : ( بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ : كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ ) إلَى مُدَّةٍ تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا لِلِاسْتِغْلَالِ ، فَلَا تَصِحُّ مُطْلَقَةً وَلَا مُؤَبَّدَةً ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ

فَأَشْبَهَتْ الْإِجَارَةَ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ أَقَلُّ مُدَّتِهَا مَا يَطْلُعُ فِيهَا الثَّمَرُ وَيَسْتَغْنِي عَنْ الْعَمَلِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ السُّنَّةَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا خِلَافٌ ، فَإِذَا سَاقَاهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ سَنَةٍ ، فَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَ السِّنِينَ لَمْ يَضُرَّ ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَصِحَّ ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ .
وَإِنْ شَرَطَ ثَمَرَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَالْأَشْجَارِ بِحَيْثُ تُثْمِرُ كُلَّ سَنَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ .
وَإِنْ سَاقَاهُ عَشْرَ سِنِينَ مَثَلًا لِتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ تُتَوَقَّعْ إلَّا فِي الْعَاشِرَةِ صَحَّ ، وَتَكُونُ السُّنُونَ بِمَثَابَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ شُرِطَ لَهُ فِيهَا سَهْمٌ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ ، فَإِنْ أَثْمَرَ قَبْلَ الْعَاشِرَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ .
تَنْبِيهٌ : السَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي التَّأْجِيلِ عَرَبِيَّةٌ ، فَإِنْ شَرَطَا رُومِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا وَعَرَّفَا صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ، وَعَلَى النَّخِيلِ طَلْعٌ أَوْ بَلَحٌ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ ، وَعَلَى الْمَالِكِ التَّعَهُّدُ إلَى الْجِدَادِ ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُرْشِدِ : إنَّ التَّعَهُّدَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أُجْرَةٌ لِتَبْقِيَةِ حِصَّتِهِ عَلَى الشَّجَرِ إلَى حِينِ الْإِدْرَاك ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا ثَمَرَةً مُدْرَكَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ أَدْرَكَ الثَّمَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَعْمَلَ الْبَقِيَّةَ بِلَا أُجْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ الثَّمَرُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ .
( وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ ) لِمُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ ( بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ ) لِجَهَالَتِهِ بِالتَّقَدُّمِ تَارَةً وَالتَّأَخُّرِ أُخْرَى .

وَالثَّانِي : يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ .
وَالْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْجِدَادُ .
.

وَصِيغَتُهَا : سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ بِكَذَا أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ ، وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ .

ثَمّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الصِّيغَةُ ، فَقَالَ : ( وَصِيغَتُهَا ) أَيْ الْمُسَاقَاةِ ( سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ ) أَوْ الْعِنَبِ ( بِكَذَا ) مِنْ ثَمَرِهِ كَنِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لَهَا ، ( أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ ) ، أَوْ اعْمَلْ فِي نَخِيلِي أَوْ تَعْهَدْ نَخِيلِي بِكَذَا لِأَدَائِهِ مَعْنَاهُ ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً ، وَأَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا .
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ الْأَوَّلُ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : الْأَشْبَهُ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ : بِكَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ ، فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ .
وَلَوْ سَاقَاهُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، قَالُوا : لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ صَرِيحٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ فِي مَحَلِّهِ نَفَذَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَتَصْحِيحُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ مُشْكِلٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي بَابِهِ إنَّمَا يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَلَا تَطْلُقُ ، وَيَقَعُ الظِّهَارُ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ ، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ ذَلِكَ .
ا هـ .
وَلَمَّا كَانَ الْإِشْكَالُ قَوِيًّا قُلْت تَبَعًا لِشَيْخِنَا : قَالُوا : فَإِنْ وُجِدَتْ الْإِجَارَةُ بِشُرُوطِهَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ أَوْ كُلِّهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ، وَكَذَا قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ، وَلَمْ يَكُنْ النِّصْفُ شَائِعًا كَأَنْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَةً مُعَيَّنَةً صَحَّ ، وَلَوْ

قَالَ : سَاقَيْتُك بِالنِّصْفِ مَثَلًا لِيَكُونَ أُجْرَةً لَك لَمْ يَضُرَّ لِسَبْقِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ .
( وَيُشْتَرَطُ ) فِيهَا ( الْقَبُولُ ) لَفْظًا مِنْ النَّاطِقِ لِلُزُومِهَا كَإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَتَصِحُّ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَكِتَابَتِهِ ( دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ ) فِيهَا ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْعَقْدِ ، ( وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ ) فِيهَا فِي الْعَمَلِ ، إذْ الْمَرْجِعُ فِي مِثْلِهِ إلَى الْعُرْفِ ، هَذَا إذَا عَرَفَاهُ ، فَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَجَبَ التَّفْصِيلُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي وَإِنْ عُقِدَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي إلَّا فِي لَفْظِهَا .

وَعَلَى الْعَامِلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَسَقْيٍ وَتَنْقِيَةِ نَهْرٍ وَإِصْلَاحِ الْأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْمَاءُ وَتَلْقِيحٍ وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَقُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ ، وَتَعْرِيشٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ وَكَذَا حِفْظُ الثَّمَرِ وَجِذَاذُهُ وَتَجْفِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ وَمَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ فَعَلَى الْمَالِكِ .

( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى الْعَامِلِ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( مَا ) أَيْ عَمَلٌ ( يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ ) فِي الْعَمَلِ ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ ، ( كَسَقْيٍ ) إنْ لَمْ يَشْرَبْ بِعُرُوقِهِ ، وَيَدْخُلُ فِي السَّقْيِ تَوَابِعُهُ مِنْ إصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ ، وَفَتْحِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ وَسَدِّهَا عِنْدَ السَّقْيِ ، فَلَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمَالِكِ فَقِيلَ : يَجُوزُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ عَلَى النَّخْلِ الْبَعْلِيِّ ، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ .
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَا عَلَى الْعَامِلِ إذَا شُرِطَ عَلَى الْمَالِكِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ .
وَأَمَّا مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ سَقْيَهَا عَلَى الْعَامِلِ .
وَالثَّانِي : عَلَى الْمَالِكِ .
وَالثَّالِثُ : أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى الْعَامِلِ ، فَإِنْ أُطْلِقَ صَحَّ وَيَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ .
( وَتَنْقِيَةُ ) بِئْرٍ وَ ( نَهْرٍ ) أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ مِنْ الطِّينِ وَنَحْوِهِ ، ( وَإِصْلَاحُ الْأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْمَاءُ ) وَهِيَ الْحُفَرُ حَوْلَ الشَّجَرِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَهُ ، شُبِّهَتْ بِالْأَجَاجِينِ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا ، ( وَتَلْقِيحٌ ) لِلنَّخْلِ ، وَهُوَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ طَلْعِ الذُّكُورِ فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ ، وَقَدْ يَسْتَغْنِي بَعْضُ النَّخِيلِ عَنْ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهَا تَحْتَ رِيحِ الذُّكُورِ فَيَحْمِلُ الْهَوَاءُ رِيحَ الذُّكُورِ إلَيْهَا ، ( وَتَنْحِيَةُ ) ، أَيْ إزَالَةُ ( حَشِيشٍ ) مُضِرٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْكَلَأِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ يَقَعُ عَلَى الْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ ، وَالْحَشِيشُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْيَابِسِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، ( وَ ) تَنْحِيَةُ ( قُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ ) بِالشَّجَرِ ، وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَصَرْفُهُ عَنْ وُجُوهِ الْعَنَاقِيدِ لِتُصِيبَهَا الشَّمْسُ وَيَتَيَسَّرُ قَطْفُهَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ ، وَتَقْلِيبُ الْأَرْضِ بِالْمَسَاحِي

وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَهُ بِعَمَلٍ لِيَخْرُجَ الطَّلْعُ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ ، وَالْقَوْصَرَّةُ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الْعَنَاقِيدُ حِفْظًا عَنْ الطُّيُورِ وَالزَّنَابِيرِ ، وَالْمِنْجَلُ وَالْمِعْوَلُ - بِكَسْرِ مِيمَيْهِمَا - وَالثَّوْرُ وَآلَتُهُ مِنْ الْمِحْرَاثِ وَغَيْرِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ ، وَإِنَّمَا يُكَلَّفُ الْعَامِلُ الْعَمَلَ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّكْرَارُ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسَاقَاةِ ، وَتَكْلِيفُهُ الْعَامِلَ إجْحَافٌ بِهِ ، ( وَ ) عَلَيْهِ أَيْضًا ( تَعْرِيشٌ ) أَيْ إصْلَاحُ الْعَرِيشِ الَّتِي ( جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ ) لِتِلْكَ الْبَلَدِ الَّتِي يُطْرَحُ الْكُرُومُ فِيهَا عَلَى الْعَرِيشِ ، وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ أَعْوَادًا وَيُظَلِّلَهَا وَيَرْفَعَ الْعِنَبَ عَلَيْهَا .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَنَصْبُ الْأَقْصَابِ فِيمَا يَكُونُ عَلَى الْقَصَبِ ، ( وَكَذَا ) عَلَيْهِ ( حِفْظُ الثَّمَرِ ) عَلَى الشَّجَرِ مِنْ السُّرَّاقِ وَمِنْ الطُّيُورِ وَالزَّنَابِيرِ بِجَعْلِ كُلِّ عُنْقُودٍ فِي وِعَاءٍ يُهَيِّئُهُ الْمَالِكُ ، كَقَوْصَرَّةٍ ، وَعَنْ الْمُشْمِسِ بِجَعْلِ حَشِيشٍ أَوْ نَحْوِهِ فَوْقَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، ( وَ ) عَلَيْهِ ( جِدَادُهُ ) أَيْ قَطْعُهُ وَحِفْظُهُ فِي الْجَرِينِ مِنْ السُّرَّاقِ وَنَحْوِهِمْ ، ( وَتَجْفِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَصَالِحِهِ ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ، لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِالصَّحِيحِ .
وَالثَّانِي : لَيْسَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ خَارِجٌ عَنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ ، وَكَذَا الْجِدَادُ وَالتَّجْفِيفُ ؛ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الثَّمَرِ .
تَنْبِيهٌ : قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْوُجُوبَ فِي التَّجْفِيفِ عَلَى الْعَامِلِ بِمَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَوْ شَرَطَاهُ ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ ، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالتَّجْفِيفِ فِي ذَلِكَ الْحِفْظَ وَالْجِدَادَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَإِذَا لَزِمَ

التَّجْفِيفُ وَجَبَ تَسْوِيَةُ الْجَرِينِ وَنَقْلُهُ إلَيْهِ وَتَقْلِيبُهَا فِي الشَّمْسِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ كَانَ لَهُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ فَعَلَهُ الْعَامِلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ إذْنَهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا كَأَمْرِهِ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ ، ( وَ ) كُلُّ ( مَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ ) أَيْ أَصْلِ الثَّمَرِ وَهُوَ الشَّجَرُ ( وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ ) لِلْبُسْتَانِ ، ( وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ ) لَهُ وَإِصْلَاحِ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ وَنَصْبِ الدُّولَابِ وَالْأَبْوَابِ ( فَعَلَى الْمَالِكِ ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا خَرَاجُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ وَضْعَ الشَّوْكِ عَلَى الْجِدَارِ وَالتَّرْقِيعَ الْيَسِيرَ الَّذِي يُفْتَقُ فِي الْجِدَارِ لَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، وَتَعْبِيرُهُ بِجَدِيدٍ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ هُوَ عَلَى الْمَالِكِ ، وَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ عَلَى الْمَالِكِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ كَوْنِهِمَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ .

وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ .
( وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ ) أَيْ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِجَارَةِ ، بِجَامِعِ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا فِي أَعْيَانٍ تَبْقَى بِحَالِهَا ، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ لَا تَبْقَى أَعْيَانُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ .
فَإِنْ قِيلَ : الْقَوْلُ بِلُزُومِهَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَرَدَتْ عَلَى الذِّمَّةِ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ دَيْنٌ عَلَى الْعَامِلِ ، وَالثَّمَرَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا إلَّا إنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى لُزُومِهَا ، وَكُنْت أَوَدُّ لَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا حَتَّى كُنْت أُوَافِقُهُ .
.
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قَدْ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ ، وَهَذِهِ أَوْلَى لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ، وَعَنْ الثَّانِي بِمَا مَرَّ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِجَارَةِ ، وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ فِيهَا حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ ، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ وِقَايَةٌ لَرَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ .
نَعَمْ .
إنْ عُقِدَتْ الْمُسَاقَاةُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ ، وَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ قَطَعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ كَانَ مُتَعَدِّيًا ، قَالَ : وَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَالْأَوَّلُ : ظَاهِرٌ ، وَالثَّانِي : لَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ

فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ مُتَبَرِّعًا بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ ، وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَنْ يُتِمُّهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ فَلْيُشْهِدْ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ .

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اللُّزُومِ قَوْلَهُ ( فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ ) أَوْ مَرِضَ أَوْ عَجَزَ بِغَيْرِ ذَلِكَ ( قَبْلَ الْفَرَاغِ ) مِنْ عَمَلِهَا ، ( وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ ) بِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ ( مُتَبَرِّعًا ) بِالْعَمَلِ أَوْ بِمُؤْنَتِهِ عَنْ الْعَامِلِ ( بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ ) كَتَبَرُّعِ الْأَجْنَبِيِّ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِالْهَرَبِ ، بَلْ لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِحُضُورِهِ كَانَ كَذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، بَلْ لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ كَانَ كَذَلِكَ ، وَالْمَالِكُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ ، فَلَوْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا عَنْ الْعَامِلِ فَكَذَلِكَ ، سَوَاءٌ أَجَهِلَهُ الْمَالِكُ أَمْ عَلِمَهُ ؟ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إجَابَةُ الْأَجْنَبِيِّ الْمُتَطَوِّعِ ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَيْدِ التَّبَرُّعِ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَالِكِ كَمَا فِي الْجَعَالَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : يَسْتَحِقُّ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَعَالَةِ بِاللُّزُومِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ، ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ ( اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ) بَعْدَ رَفْعِ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَهَرَبِ الْعَامِلِ وَتَعَذُّرِ طَلَبِهِ ، كَأَنْ لَمْ يُعْرَفْ مَكَانُهُ ( مَنْ يُتِمُّهُ ) مِنْ مَالِ الْعَامِلِ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ عَقَارًا ، وَهَلْ تُجْعَلُ نَفْسُ الْأَرْضِ أَوْ بَعْضُهَا أُجْرَةً ، أَوْ تُبَاعُ وَيُجْعَلُ مِنْهَا أُجْرَةٌ ؟ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بَاعَ نَصِيبَ الْعَامِلِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَاسْتَأْجَرَ بِثَمَنِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ سَوَاءٌ أَظْهَرَتْ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا ؟ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِكِ ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ

يَجِدْ مَنْ يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ مُدَّةَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِ بَعْضِهِ وَحْدَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى شَرْطِ قَطْعِهِ وَتَعَذُّرِهِ فِي الشَّائِعِ وَاسْتَأْجَرَ بِمَا اقْتَرَضَهُ ، وَيَقْضِيهِ الْعَامِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ ، أَوْ يَقْضِيهِ الْحَاكِمُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ، فَإِنْ وُجِدَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ الِاقْتِرَاضِ وَحَصَلَ الْغَرَضُ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ الْمَالِكَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ فَأَنْفَقَ لِيَرْجِعَ - رَجَعَ كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ ، وَمَتَى تَعَذَّرَ الِاقْتِرَاضُ وَغَيْرُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ وَبَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَمْ يَفْسَخْ الْمَالِكُ ؛ لِأَجْلِ الشَّرِكَةِ ، وَلَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهَا لِلشُّيُوعِ إلَّا إنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ هُنَا : وَأَنْ يَشْتَرِيَ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْعَامِلِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ ضَعِيفٌ ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : مَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا سَبْقُ قَلَمٍ .
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ فَلَهُ الْفَسْخُ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ .
تَنْبِيهٌ : يَسْتَأْجِرُ الْحَاكِمُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْعَامِلُ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ الْيَمَنِيُّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ وَارِدَةً عَلَى الْعَيْنِ ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُعِينِ الْيَمَنِيُّ وَالنَّشَائِيُّ الْمَنْعُ فِي الْوَارِدَةِ عَلَى الْعَيْنِ لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الْفَسْخِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
وَقَوْلُهُمْ : اسْتَقْرَضَ وَاكْتَرَى عَنْهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، ( فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ) أَيْ الْمَالِكُ ( عَلَى ) مُرَاجَعَةِ ( الْحَاكِمِ ) إمَّا لِكَوْنِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ حَاضِرًا وَلَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا الْتَمَسَهُ (

فَلْيُشْهِدْ عَلَى ) الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ أَوْ ( الْإِنْفَاقِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ ) بِمَا يَعْمَلُهُ أَوْ يُنْفِقُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ حَالَ الْعُذْرِ كَالْحُكْمِ ، وَيُصَرِّحُ فِي الْإِشْهَادِ بِإِرَادَةِ الرُّجُوعِ ، فَإِنْ لِمَ يُشْهِدْ كَمَا ذُكِرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ .
تَنْبِيهٌ : مَتَى أَنْفَقَ وَأَشْهَدَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ ، رَجَّحَ السُّبْكِيُّ مِنْهُمَا قَوْلَ الْمَالِكِ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ بِالْمَسْأَلَةِ ، وَكَلَامُهُمَا فِي هَرَبَ الْجِمَالِ يَقْتَضِي تَصْدِيقَ الْعَامِلِ ، فَإِنَّهُمَا رَجَّحَا قَبُولَ قَوْلِ الْجَمَّالِ ، وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّ الْمُنْفِقَ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى ائْتِمَانٍ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ .
.

وَلَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَتَمَّ الْوَارِثُ الْعَمَلَ مِنْهَا ، وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ .
( وَلَوْ مَاتَ ) الْعَامِلُ الْمُسَاقَى فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ ( وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَتَمَّ الْوَارِثُ الْعَمَلَ مِنْهَا ) بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى مُوَرِّثِهِ فَيُؤَدِّي مِنْ تَرِكَتِهِ كَغَيْرِهِ ، وَفِي مَعْنَى التَّرِكَةِ نَصِيبُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، ( وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ ) - إنْ اخْتَارَ - وَيَسْتَحِقَّ الْمَشْرُوطَ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ ، وَعَلَى الْمَالِكِ تَمْكِينُهُ إنْ كَانَ عَارِفًا بِعَمَلِ الْمُسَاقَاةِ أَمِينًا ، وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ مِنْ التَّرِكَةِ .
فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً لَمْ يُقْتَرَضْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ بِخِلَافِ الْحَيِّ .
أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِ الْعَامِلِ ، فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ ، بَلْ يُتِمُّ الْعَامِلُ ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ ، وَلَوْ سَاقَى الْبَطْنُ الْأَوَّلُ الْبَطْنَ الثَّانِيَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ ، وَكَانَ الْوَقْفُ وَقْفَ تَرْتِيبٍ - فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْفَسِخَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ .
قَالَ : وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ : مُسَاقَاةٌ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ أَيْ الْمَالِكِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْوَارِثَ : أَيْ إذَا سَاقَى الْمُوَرِّثُ مَنْ يَرِثُهُ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ لِمَا مَرَّ .

وَلَوْ ثَبَتَ خِيَانَةُ عَامِلٍ ضُمَّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ .
( وَلَوْ ثَبَتَ خِيَانَةُ عَامِلٍ ) فِيهَا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ ( ضُمَّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ ) إلَى أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ ، وَلَا تُزَالُ يَدُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حَقٌّ عَلَيْهِ ، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، فَتَعَيَّنَ سُلُوكُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ، وَأُجْرَةُ الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ .
نَعَمْ ، لَوْ لَمْ تَثْبُتْ الْخِيَانَةُ وَلَكِنْ ارْتَابَ الْمَالِكُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ وَأُجْرَتُهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ ، ( فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ ) أَيْ الْمُشْرِفِ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَ ( اُسْتُؤْجِرَ ) عَلَيْهِ ( مِنْ مَالِ الْعَامِلِ ) مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ .
نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ ، كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ لَا يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ .

وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ مُسْتَحَقًّا فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
( وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ ) بَعْدَ الْعَمَلِ ( مُسْتَحَقًّا ) لِغَيْرِ الْمُسَاقِي ، كَأَنْ أَوْصَى بِثَمَنِ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ ، أَوْ خَرَجَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا ( فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) لِعَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ فَيَرْجِعُ بِبَدَلِهَا ، هَذَا إذَا عَمِلَ جَاهِلًا بِالْحَالِ ، فَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْعَمَلِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا ، أَوْ لَهُمَا بَيِّنَتَانِ وَسَقَطَتَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْقِرَاضِ ، وَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمَالِكِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ إنْ فُسِخَ الْعَقْدُ بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ الشَّجَرُ ، وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ .
وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ بِهَا ، وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ : فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا الْعَامِلُ .

خَاتِمَةٌ : بَيْعُ الْمَالِكِ شَجَرَ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِيهَا ، فَكَأَنَّ الْمَالِكَ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا .
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَصَحِيحٌ ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَعَ الْمُشْتَرِي ، كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهِ لِشُيُوعِهِ ، وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ : إذَا شَرَطَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ أَعْمَالًا تَلْزَمُهُ ، فَأَثْمَرَتْ الْأَشْجَارُ وَالْعَامِلُ لَمْ يَعْمَلْ بَعْضَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ اسْتَحَقَّ مِنْ الثَّمَرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ ، فَإِنْ عَمِلَ نِصْفَ مَا لَزِمَهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا شُرِطَ لَهُ ، مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَيْسَ بِشَرِيكٍ ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ شَرِيكٌ ، فَيَسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخِي ، وَلِمُسَاقِي الْمَالِكِ فِي ذِمَّتِهِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ ، ثُمَّ إنْ شَرَطَ لَهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ أَوْ دُونَهُ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ ، أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ الْعَقْدُ فِيمَا يُقَابِلُ قَدْرَ نَصِيبِهِ دُونَ الزَّائِدِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ ، وَلَزِمَهُ لِلزَّائِدِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
فَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ وَعَامَلَ غَيْرَهُ انْفَسَخَتْ بِتَرْكِهِ الْعَمَلَ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ، وَكَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْمَالِكِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ ، وَلِلثَّانِي عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ يَتَعَهَّدَهَا ، وَفَوَائِدُهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُمْكِنُهُ إيجَارُ الدَّابَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهَا فِيهِ غَرَرٌ ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوَائِدُ لَا تُحَصَّلُ بِعَمَلِهِ .
وَلَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَعْلِفَهَا مِنْ عِنْدِهِ بِنِصْفِ دَرِّهَا فَفَعَلَ ضَمِنَ لَهُ الْمَالِكُ الْعَلَفَ ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ : بَدَلُ النِّصْفِ نُسِبَ إلَى سَبْقِ الْقَلَمِ ، وَضَمِنَ الْآخَرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الدَّرِّ ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِحُصُولِهِ

بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ ، وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بِعِوَضٍ ، فَإِنْ قَالَ : لِتَعْلِفَهَا بِنِصْفِهَا فَفَعَلَ ؛ فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَالِفِ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ .

كِتَابُ الْإِجَارَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الْمَشْهُورِ .
وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ ضَمَّهَا ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ فَتْحَهَا ، وَهِيَ لُغَةً : اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ .
ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ فِي الْعَقْدِ .
وَشَرْعًا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مَعْلُومَةٍ قَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ ، فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةٍ الْعَيْنُ ، وَبِمَقْصُودَةٍ التَّافِهَةُ ، كَاسْتِئْجَارِ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ ، وَبِمَعْلُومَةٍ الْقِرَاضُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ ، وَبِقَابِلَةٍ لِمَا ذَكَرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُسَمَّى إجَارَةً .
فَإِنْ قِيلَ : مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَمْ تَدْخُلْ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهَا ، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ ، وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ ، فَلِهَذَا أُخْرِجَتْ بِقَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ ، وَبِعِوَضٍ هِبَةُ الْمَنَافِعِ وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَالشَّرِكَةُ وَالْإِعَارَةُ ، وَبِمَعْلُومٍ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ كَالْحَجِّ بِالرِّزْقِ ، وَدَلَالَةِ الْكَافِرِ لَنَا عَلَى قَلْعَةٍ يُحَارِبُهُمْ مِنْهَا ، نَعَمْ ، يَرُدُّ عَلَيْهِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوُهُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ .
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِرْضَاعَ بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعٌ لَا يُوجِبُ أُجْرَةً ، وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا ظَاهِرُ الْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ } ، وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ } ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ } ، وَخَبَرُ ابْنِ مَاجَهْ

وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ } ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ فَاسْتَقَى لَهُ : كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ حَتَّى بَلَغَ بِضْعًا وَأَرْبَعِينَ دَلْوًا ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا ، إذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ ، فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كَمَا جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَارِ .

كِتَابُ الْإِجَارَةِ شَرْطُهُمَا كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ .
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ : عَاقِدَانِ وَصِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ .
وَقَدْ بَدَأَ بِشَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : ( شَرْطُهُمَا ) أَيْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ - وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِمَا - ( كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ ) فِي شَرْطِهِمَا ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ثَمَّ نَعَمْ ، إسْلَامُ الْمُشْتَرِي شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا مُسْلِمًا ، وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ ، فَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ - كَمَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إجَارَةَ ذِمَّةٍ ، وَكَذَا إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُسْلِمٍ ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبَائِعٍ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَكُونُ مُؤَجِّرًا وَإِنْ جَازَ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ .
تَنْبِيهٌ : يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ السَّفِيهَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ عَمَلِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالْعَمَلِ ؛ فَأَوْلَى بِعِوَضٍ ، بِخِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ عَمَلِ مِثْلِهِ ، وَيُرَدُّ عَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ أَجَّرَ السَّيِّدُ عَبْدَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَبِيعَهُ نَفْسَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ .
وَالشَّرِيكَانِ فِي الْعَقَارِ إذَا تَنَازَعَا الْمُهَايَأَةَ أَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا ، وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ .

وَالصِّيغَةُ آجَرْتُك هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا فَيَقُولُ : قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت ، وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ : آجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا ، وَمَنْعُهَا بِقَوْلِهِ : بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي ، فَقَالَ : ( وَالصِّيغَةُ ) نَحْوُ قَوْلِ الْمُؤَجِّرِ ( آجَرْتُك هَذَا ) الثَّوْبَ مَثَلًا ، ( وَأَكْرَيْتُكَ ) إيَّاهُ ، ( أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا ) ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ كَمَا سَيَأْتِي ( فَيَقُولُ ) : الْمُسْتَأْجِرُ - فَوْرًا - ( قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت ) أَوْ اسْتَكْرَيْتُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَالصِّيغَةُ مُبْتَدَأٌ لَا مَعْطُوفٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : آجَرْتُك هَذَا إلَخْ ، وَمَعْنَى آجَرْتُك سَنَةً : أَيْ مَنَافِعَ سَنَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةٍ ظَرْفًا : أَيْ مَفْعُولًا فِيهِ لَآجَرْتُكَ ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ زَمَنُهُ يَسِيرٌ ، بَلْ الْمَعْنَى آجَرْتُكَ وَاسْتَمِرَّ أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ سَنَةً ، كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ } إنَّ الْمَعْنَى فَأَمَاتَهُ اللَّهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مِائَةَ عَامٍ ، وَإِلَّا فَزَمَنُ الْإِمَاتَةِ يَسِيرٌ .
وَأَمَّا نَحْوُ أَجَرْتُك الدَّارَ سَنَةً ، فَالدَّارُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَسَنَةً ظَرْفٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَأْخُوذٍ مِنْ أَجَرْتُك : أَيْ لِتَنْتَفِعَ بِهَا سَنَةً ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةً مَفْعُولًا ؛ لِأَنَّ أَجَرَ لَا يَتَعَدَّى إلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ ، وَوَزْنُ آجَرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَاعَلَ كَضَارَبَ لَا أَفْعَلَ كَأَكْرَمَ ، وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْقَابِلِ ، وَلَوْ بِقَبِلْت كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْبَيْعِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ ، وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَبِالْكِنَايَةِ كَالْبَيْعِ ، وَمِنْ الْكِنَايَاتِ هُنَا اُسْكُنْ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا ، أَوْ جَعَلْت لَك مَنْفَعَتَهَا بِكَذَا ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ جَارٍ هُنَا ، وَفِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَآخَرِينَ ، قَالَ فِي التَّوْشِيحِ : وَلَا أَدْرِي هَلْ يَخْتَارُ النَّوَوِيُّ صِحَّةَ الْمُعَاطَاةِ فِيهَا ، كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا ؟ وَالْأَظْهَرُ لَا ، فَإِنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ .

تَنْبِيهٌ : اعْلَمْ أَنَّ مَقْصُودَ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ ، وَهِيَ مَوْرِدُ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ مَوْرِدُهَا الْعَيْنَ لَامْتَنَعَ رَهْنُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَرْهُونَةِ وَقِيلَ : مَوْرِدُهَا الْعَيْنُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي لَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْعَيْنَ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ كَمَا تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْعَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا : أَنَّ حُلِيَّ الذَّهَبِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالذَّهَبِ ، وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالْفِضَّةِ ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا عَلَى التَّخْرِيجِ بِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ الْعَيْنُ فَقَدْ صَارَ خِلَافًا مُحَقَّقًا ، وَنَشَأَ عَنْهُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَرْعِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ : تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ قُلْنَا : مَوْرِدُ الْعَقْدِ الْعَيْنُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ ، وَإِلَّا فَسَدَتْ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ ، ( وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا ) أَيْ الْإِجَارَةِ ( بِقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُؤَجِّرِ لِدَارٍ مَثَلًا : ( آجَرْتُك ) أَوْ أَكْرَيْتُكَ ( مَنْفَعَتَهَا ) سَنَةً مَثَلًا بِكَذَا ؛ فَيَقْبَلُ الْمُسْتَأْجِرُ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ آجَرْتُكَهَا ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ تَأْكِيدًا كَقَوْلِ الْبَائِعِ : بِعْتُك عَيْنَ هَذِهِ الدَّارِ وَرَقَبَتَهَا .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ وُضِعَ مُضَافًا لِلْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْعَقْدُ إلَيْهَا ؟ ، وَجَعَلَ فِي الْمَطْلَبِ هَذَا مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَوْرِدَهَا الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ ، ( وَ ) الْأَصَحُّ ( مَنْعُهَا ) أَيْ مَنْعُ انْعِقَادِهَا ( بِقَوْلِهِ : بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْأَعْيَانِ ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي

الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ ، وَكَلَفْظِ الْبَيْعِ لَفْظُ الشِّرَاءِ ، وَالثَّانِي يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ .
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ ، وَجَزَمَ بِهِ التَّنْبِيهُ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي أَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ هَلْ الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ ؟ وَالصِّحَّةُ عَلَى قَوْلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْعُ عَلَى قَوْلِ الْمَنْفَعَةِ ، وَعَلَيْهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ كِنَايَةً فِيهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ بِعْتُك يُنَافِي قَوْلَهُ سَنَةً فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ .
هَذَا كُلُّهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ .
أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَكْفِي فِيهَا أَلْزَمْت ذِمَّتَك بِكَذَا عَنْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا ، فَيَقُولُ : قَبِلْت كَمَا فِي الْكَافِي أَوْ الْتَزَمْت .

وَهِيَ قِسْمَانِ : وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ ، وَعَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً .
( وَهِيَ ) أَيْ الْإِجَارَةُ ( قِسْمَانِ : ) أَحَدُهُمَا : إجَارَةٌ ( وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ ) أَيْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِعَيْنٍ ، ( كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ ) ، وَقَوْلُهُ : ( مُعَيَّنَيْنِ ) صِفَةُ دَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ غَلَبَ فِيهِ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَلَوْ قَالَ : مُعَيَّنٌ بِالْإِفْرَادِ لَوَافَقَ الْمَعْرُوفَ لُغَةً مِنْ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ يَقْتَضِي الْإِفْرَادَ ، وَلِهَذَا .
أُجِيبَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : { إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا } بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْوِيعُ ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَبْوَابِ .
( وَ ) الْقِسْمُ الثَّانِي : إجَارَةٌ وَارِدَةٌ ( عَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ ) لَحَمْلٍ مَثَلًا ، ( وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ ) أَيْ الشَّخْصِ عَمَلًا ( خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً ) أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَيَقُولَ الْآخَرُ : قَبِلْت أَوْ اكْتَرَيْت .
وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْعَقَارَ مِنْ قِسْمِ الْوَارِدَةِ عَلَى عَيْنٍ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْأَمْرَانِ .
وَالسُّفُنُ هَلْ تَلْحَقُ بِالدَّوَابِّ أَوْ بِالْعَقَارِ ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ، وَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُهَا بِالدَّوَابِّ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ .
تَنْبِيهٌ : تَقْسِيمُ الْإِجَارَةِ إلَى وَارِدَةٍ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٍ عَلَى الذِّمَّةِ لَا يُنَافِي تَصْحِيحَهُمْ أَنَّ مَوْرِدَهَا الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَةَ ، وَهُنَا مَا يُقَابِلُ الذِّمَّةَ ، وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ .

وَلَوْ قَالَ : اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ ، وَقِيلَ ذِمَّةٍ .
( وَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ لِآخَرَ : ( اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ ) لِي ( كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ ) فِي الْأَصَحِّ لِلْإِضَافَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ ، كَقَوْلِهِ : اسْتَأْجَرْتُك لِهَذِهِ الدَّابَّةِ ، ( وَقِيلَ ) : إجَارَةُ ( ذِمَّةٍ ) نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعَمَلِ مِنْ جِهَةِ الْمُخَاطَبِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : اسْتَحْقَيْتُ كَذَا عَلَيْك فَلَهُ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَفْظُ الذِّمَّةِ وَلَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ ، وَقَدْ قَطَعُوا بِالْأَوَّلِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَمَثَّلُوا اسْتِئْجَارَ عَيْنِ الشَّخْصِ لِلْحَجِّ بِاسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي ، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ الْخِلَافَ .

وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهَا ، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتَّأْجِيلُ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَعَجَّلَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً مُلِكَتْ فِي الْحَالِ .

( وَيُشْتَرَطُ فِي ) صِحَّةِ ( إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ ) قَطْعًا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ السَّلَمِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ ، وَكَذَا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَلَا الْحَوَالَةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَا الْإِبْرَاءُ مِنْهَا .
تَنْبِيهٌ : لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ وُجُوبُ كَوْنِ الْأُجْرَةِ حَالَّةً وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَبْضِ الْحُلُولُ ، ( وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّتِهَا ( ذَلِكَ ) أَيْ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ ( فِيهَا ) فِي الْمَجْلِسِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ .
ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ مَكَانًا تَعَيَّنَ ، وَإِلَّا فَمَوْضِعُ الْعَقْدِ كَمَا نَقَلَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ ، ( وَيَجُوزُ ) فِي الْأُجْرَةِ ( فِيهَا ) أَيْ إجَارَةِ الْعَيْنِ ( التَّعْجِيلُ ) لِلْأُجْرَةِ ( وَالتَّأْجِيلُ ) فِيهَا ( إنْ كَانَتْ ) تِلْكَ الْأُجْرَةُ ( فِي الذِّمَّةِ ) كَالثَّمَنِ ، وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَالْحَوَالَةُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ التَّأْجِيلُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ ، ( وَإِنْ أُطْلِقَتْ ) تِلْكَ الْإِجَارَةُ ( تَعَجَّلَتْ ) فَتَكُونُ حَالَّةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ ، ( وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً ) أَوْ مُطْلَقَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ( مُلِكَتْ فِي الْحَالِ ) بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُرَاعًى ، بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ عَلَى السَّلَامَةِ بَانَ أَنَّ الْمُؤَجَّرَ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ .
أَمَّا اسْتِقْرَارُ جَمِيعِهَا فَبِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِتَفْوِيتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ آخِرَ الْبَابِ ، وَلَوْ ذَكَرَهُ

هُنَا كَانَ أَوْلَى .
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَكَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ : لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ .
تَنْبِيهٌ : كَمَا يَمْلِكُ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا ، وَتَحْدُثُ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلَوْ أَجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ دَفْعُ جَمِيعِهَا لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا يُعْطَى بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ ، فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَاتَ الْآخِذُ ضَمِنَ النَّاظِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي .
قَالَهُ الْقَفَّالُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ الْأُجْرَةِ لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ بِمَوْتِهِ .
ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ .
أَمَّا إذَا قَصُرَتْ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ .
أَمَّا صَرْفُهَا فِي الْعِمَارَةِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ .

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ وَلَا لِيَسْلُخَ بِالْجِلْدِ وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِث ذَاكِرًا لِشَرْطِهِ ، فَقَالَ : ( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ ) الَّتِي فِي الذِّمَّةِ ( مَعْلُومَةً ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِهَا صِحَّةُ الْحَجِّ بِالرِّزْقِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ أَنَّ الرِّزْقَ مَجْهُولٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ ، بَلْ نَوْعُ جَعَالَةٍ يُغْتَفَرُ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْجَعْلِ .
وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ ( فَلَا تَصِحُّ ) اسْتِئْجَارُ الدَّارِ مَثَلًا ( بِالْعِمَارَةِ ) ، كَأَجَّرْتُكَهَا بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عِمَارَةٍ أَوْ بِدِينَارٍ مَثَلًا تَعْمُرُهَا بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بَعْضُ الْأُجْرَةِ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً ، فَإِنْ أَجَرَهُ الدَّارَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِلَا شَرْطٍ وَأَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا فِي الْعِمَارَةِ صَحَّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا ، وَإِذَا أَنْفَقَ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ الْمُنْفَقِ صُدِّقَ الْمُنْفِقُ بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَى قَدْرًا مُحْتَمَلًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ ، ( وَ ) لَا يَصِحُّ أَيْضًا إجَارَةُ دَابَّةٍ شَهْرًا مَثَلًا بِنَحْوِ ( الْعَلْفِ ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ .
الْأَوَّلُ : مَصْدَرٌ ، وَالثَّانِي : اسْمٌ لِمَا يُعْلَفُ بِهِ كَرِيَاضَتِهَا لِلْجَهَالَةِ ، ( وَلَا ) يَصِحُّ أَيْضًا اسْتِئْجَارُ سَلَّاخٍ ( لِيَسْلُخَ ) الشَّاةَ ( بِالْجِلْدِ ) الَّذِي عَلَيْهَا ، ( وَلَا ) طَحَّانٍ عَلَى أَنْ ( يَطْحَنَ ) الْبُرَّ مَثَلًا ( بِبَعْضِ الدَّقِيقِ ) مِنْهُ كَرُبْعِهِ ( أَوْ بِالنُّخَالَةِ ) مِنْهُ لِلْجَهْلِ بِثَخَانَةِ الْجِلْدِ وَبِقَدْرِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ ، وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُجْرَةِ حَالًا ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ

قَفِيزِ الطِّحَانِ } ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الطَّحْنِ قَفِيزًا مَطْحُونًا ، وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ شَيْئًا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَمِنْهُ مَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ جَعْلِ أُجْرَةِ الْجَابِي الْعُشْرَ مِمَّا يَسْتَخْرِجُهُ .
قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : لَك نَظِيرُ الْعُشْرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا ، وَفِي صِحَّتِهِ جَعَالَةً نَظَرٌ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ فِيهَا الْبُطْلَانُ لِلْجَهْلِ بِالْجَعْلِ .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الطَّحْنَ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ : لِتَطْحَنْ الْكُلَّ أَوْ يُطْلِقَ .
فَإِنْ قَالَ لِتَطْحَنْ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ الْمَجْعُولِ أُجْرَةً صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، ( وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ ( لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ ) كَرُبُعِهِ ( فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ ) ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ عَمَلِهَا يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمُسَاقَاةِ شَرِيكِهِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً مِنْ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ أَجِيرًا عَلَى شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ .
ا هـ .
وَالتَّحْقِيقُ مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَجُزْ ، وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ ، كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ : اكْتَرَيْتُكَ لِتَطْحَنَ لِي هَذِهِ الْوَيْبَةَ بِرُبْعِهَا ، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي حِصَّتِي ، أَوْ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ جَارٍ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ : اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَهَا ، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَ حِصَّتِي مِنْهَا ، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ .

وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ ، وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ ، وَكَلْبٌ لِلصَّيْدِ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ - وَلَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ - مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِ الشُّرُوطِ ، فَقَالَ : ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً ) ، لَمْ يُرِدْ بِالْمُتَقَوِّمَةِ هُنَا مُقَابِلَةَ الْمِثْلِيَّةِ ، بَلْ مَا لَهَا قِيمَةٌ لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا ، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى ، وَالْمِسْكِ وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إمَّا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لِخِسَّتِهَا أَوْ قِلَّتِهَا يَكُونُ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا سَفَهًا وَتَبْذِيرًا ، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعْلُومَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ .
وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ كُلُّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعْلُومَةً مَقْصُودَةً تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَتُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ .
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ تَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ قَوْلَهُ : ( فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ) تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ ؛ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لَا تُقْصَدُ لَهُ فَهِيَ كَحَبَّةِ بُرٍّ فِي الْبَيْعِ ، فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ ، وَلَا اسْتِئْجَارُ ( بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ ) قَائِلَهَا ( وَإِنْ ) كَانَتْ إيجَابًا وَقَبُولًا وَ ( رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ ) ، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا .
لَكِنْ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يُتْعَبْ بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
فَإِنْ قِيلَ : ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَادَةً نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ .
أَمَّا مَا يَحْصُل فِيهِ التَّعَبُ مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَهُ آيَةً لَا تَعَبَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ نَظَرَ } ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ

فِي الصَّدَاقِ ، وَكَذَا عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا ، بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّ فِيهِ كُلْفَةَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَيْسَتْ صَافِيَةً مِنْ الْإِشْكَالِ ، وَتَقْوَى الصِّحَّةُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْأَذَانِ ، وَفِي الْإِحْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا طَبِيبٌ بِدَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ بِمَعْرِفَتِهِ ، إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَفَ الصَّيْقَلُ الْمَاهِرُ إزَالَةَ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الْعِوَضِ وَإِنْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِنَاعَاتٌ يَتْعَبُ فِي تَعْلِيمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَبَ ، وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لَهُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ، ( وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ ) لِلْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا ، ( وَكَلْبٌ ) مُعَلَّمٌ ( لِلصَّيْدِ ) وَنَحْوِهِ كَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ دَرْبٍ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) فِي الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّزْيِينِ بِالنَّقْدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تُقَابَلُ بِمَالٍ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِلزِّينَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا ، وَالْكَلْبُ لَا قِيمَةَ لِعَيْنِهِ فَكَذَا لِمَنْفَعَتِهِ .
وَالثَّانِي : يُنَازِعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ التَّزْيِينِ فِي ذَلِكَ الضَّرْبُ عَلَى سِكَّتِهَا وَالْوَزْنُ بِهَا ، أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّزْيِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ جَزْمًا ، وَخَرَجَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا ، وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَخَرَجَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحُلِيُّ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَجَرَةً لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أَوْ الرَّبْطِ بِهَا ، أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أَوْ لَوْنِهِ كَالطَّاوُسِ صَحَّ ؛

لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ فِي الْهِرَّةِ لِدَفْعِ الْفَأْرِ ، وَالشَّبَكَةِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي لِلصَّيْدِ ؛ لِأَنَّ لِمَنَافِعِهَا قِيمَةً .

وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَأَعْمَى لِلْحِفْظِ ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ ، وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ ، وَيَجُوزُ إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ ، وَكَذَا إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ ، وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي فَقَالَ : ( وَ ) يُشْتَرَطُ فِي الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا ( كَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهَا ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ تَشْمَلُ مِلْكَ الْأَصْلِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ الْمُسْتَأْجِرُ ، فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ ، وَكَذَا لِلْمُقْطَعِ أَيْضًا إجَارَةُ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ فَأَفْتَوْا بِالْبُطْلَانِ ، فَإِنَّ الْمُقْطَعَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِيجَارِ أَوْ يَجْرِيَ عُرْفٌ عَامٌّ كَدِيَارِ مِصْرَ فَيَصِحُّ وَإِلَّا فَيُمْتَنَعُ ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ ( فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ ) لِغَيْرِ مَنْ هُمَا فِي يَدِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ .
أَمَّا الْغَاصِبُ أَوْ الْقَادِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ أَوْ مَنْ وَقَعَ الْآبِقُ فِي يَدِهِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ مِنْهُ .
تَنْبِيهٌ : يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ أَوْ الْمَشْرُوطِ عِتْقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ ، ( وَ ) لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( أَعْمَى ) إجَارَةَ عَيْنٍ ( لِلْحِفْظِ ) فِيمَا يَحْتَاجُ لِلنَّظَرِ وَلَا أَخْرَسَ لِلتَّعْلِيمِ .
أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِحِفْظِ شَيْءٍ بِيَدِهِ أَوْ جُلُوسِهِ خَلْفَ بَابٍ لِلْحِرَاسَةِ لَيْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ .
وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ ، وَعَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ، وَلَا اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْقَارِئِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي

إجَارَةِ الْعَيْنِ ، وَلَوْ اتَّسَعَتْ الْمُدَّةُ لِيُعَلِّمَهُ قَبْلَ تَعْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ مِنْ عَيْنِهِ وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِهَا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ ، ( وَ ) لَا اسْتِئْجَارُ ( أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ ) أَيْ مُسْتَمِرٌّ ( وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ ) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ كَثَلْجٍ وَنَدَاوَةٍ ، وَلَا تُسْقَى بِمَاءٍ غَالِبِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ لَا يَكْفِي كَإِمْكَانِ عَوْدِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ .
نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُكْرَى : أَنَا أَحْفِرُ لَك بِئْرًا وَأَسْقِي أَرْضَك مِنْهَا ، أَوْ أَسُوقُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ .
أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لَهَا كَالْمَفَازَةِ ، ( وَيَجُوزُ ) اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ ( إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ وَلَوْ صَغِيرًا ، ( وَكَذَا ) يَجُوزُ ( إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ ) فِي نَحْوِ جَبَلٍ ، ( وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حُصُولُ الْغَالِبِ .
وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِحُصُولِ مَا ذُكِرَ ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أَرَاضِي مِصْرٍ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ رَيِّهَا بِالزِّيَادَةِ ، وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ كَانَتْ تُرْوَى مِنْ الزِّيَادَةِ الْغَالِبَةِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَمَا دُونَهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : وَمَا يُرْوَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ كَالْمَوْثُوقِ بِهِ عَادَةً ، وَمَا يُرْوَى مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ غَالِبُ الْحُصُولِ ، وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ مُتَطَرِّقًا إلَى السِّتَّةَ عَشَرَ قَلِيلًا وَإِلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ كَثِيرًا .
ا هـ .
بَلْ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا وُصُولُ الزِّيَادَةِ إلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ

وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ انْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهَا وَإِنْ سَتَرَهَا عَنْ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا كَاسْتِتَارِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْقِشْرِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي عَدَمُ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ عَقِبَ الْعَقْدِ شَرْطٌ وَالْمَاءُ يَمْنَعْهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ وَبِأَنَّ صَرْفَهُ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ يَنْصَبُّ إلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الزَّرْعِ حَالًا ، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ لَا أُجْرَةَ لَهُ ، هَذَا إنْ وُثِقَ بِانْحِسَارِهِ وَقْتَ الزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْرِقُهَا وَتَنْهَارُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِيهَا شِرْبُهَا إنْ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ بِعُرْفٍ مُطَّرِدٍ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ : النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ .
بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا لَا يَدْخُلُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ أَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ ، فَإِنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ فِيهِ أَوْ اسْتَثْنَى الشِّرْبَ وَلَمْ يُوجَدْ شِرْبٌ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلِاضْطِرَابِ فِي الْأَوَّلِ ، وَكَمَا لَوْ اسْتَثْنَى ، مَمَرَّ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فِي الثَّانِي ، فَإِنْ وُجِدَ شِرْبُ غَيْرِهِ صَحَّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالِاغْتِنَاءِ عَنْ شِرْبِهَا ، ( وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ ) لِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ ( كَالْحِسِّيِّ ) فِي حُكْمِهِ .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُثْنِيَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ : مِنْهَا مَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فِي صَلَاتِهِ الَّتِي تُسْقِطُ الْقَضَاءَ ، ثُمَّ تَلِفَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّنَفُّلُ بَعْدَ السَّلَامِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مَعَ أَنَّهُ رَآهُ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ كَمَا لَوْ

رَآهُ وَثَمَّ مَانِعٌ مِنْهُ حِسِّيٌّ كَسَبُعٍ وَعَدُوٍّ .
وَمِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِيلَاءِ أَنَّ الْمَانِعَ إذَا قَامَ بِالْمَرْأَةِ إنْ كَانَ حِسِّيًّا مَنَعَ مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ ، أَوْ شَرْعِيًّا فَلَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ .
وَمِنْهَا الْإِقَالَةُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ بَيْعِ الْمَبِيعِ أَوْ إجَارَتِهِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ فَقَدَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الْأُخْرَى ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَهُ ، وَلَوْ كَانَتْ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا تُغْسَلُ لَمْ يَمْسَحْ خُفَّ الْأُخْرَى عَلَى الصَّحِيحِ .

فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ .
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلَهُ : ( فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ ) لِحُرْمَةِ قَلْعِهَا ، وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ عُضْوٍ سَلِيمٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ قِصَاصٍ .
أَمَّا الْعَلِيلَةُ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِقَلْعِهَا إنْ صَعُبَ الْأَلَمُ ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ : إنَّ قَلْعَهَا يُزِيلُ الْأَلَمَ .
وَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ قَلْعَهَا فِي قِصَاصٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ فِي الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ جَائِزٌ ، وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ إذَا لَمْ يَنْصِبْ الْإِمَامُ جَلَّادًا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقُهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ ، وَلَوْ كَانَ السِّنُّ صَحِيحًا وَلَكِنْ انْصَبَّ تَحْتَهُ مَادَّةٌ مِنْ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ : لَا تَزُولُ الْمَادَّةُ إلَّا بِقَلْعِهَا فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازُ الْقَلْعِ لِلضَّرُورَةِ ، وَالْيَدُ الْمُتَأَكِّلَةُ كَالسِّنِّ الْوَجِعَةِ ، وَكَذَا الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْبَيَّاعِ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَصْدَ وَنَحْوَهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ سِنٍّ وَجِعَةٍ فَبَرِئَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِتَعَذُّرِ الْقَلْعِ .
فَإِنْ لَمْ تَبْرَأْ وَمَنَعَهُ مِنْ قَلْعِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَمُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْعَمَلِ ، لَكِنَّهَا تَكُونُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ ، حَتَّى لَوْ سَقَطَتْ رَدَّ الْأُجْرَةَ كَمَنْ مَكَّنَتْ الزَّوْجَ فَلَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ فَارَقَ ، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ مُدَّةَ إمْكَانِ السَّيْرِ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ .

وَلَا حَائِضٍ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ ، وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ .

تَنْبِيهٌ : كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا ( وَ ) لَا اسْتِئْجَارُ مُسْلِمَةٍ ( حَائِضٍ ) أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُسْتَحَاضَةٍ إجَارَةِ عَيْنٍ ( لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ ) ، وَإِنْ أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ ، وَجَوَّزْنَا الْعُبُورَ لِاقْتِضَاءِ الْخِدْمَةِ الْمُكْثَ أَوْ التَّرَدُّدَ ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ .
أَمَّا الْكَافِرَةُ إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ تَمْكِينِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ مِنْ الْمُكْثِ بِالْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَكَنَسَتْ عَصَتْ وَلَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً ، وَفِي مَعْنَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ ، وَفِي مَعْنَى الْحَائِضِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ نَضَّاحَةٌ إذَا لَمْ يَأْمَنْ التَّلْوِيثَ .
وَأَمَّا إجَارَةُ مَنْ ذُكِرَ فِي الذِّمَّةِ فَتَصِحُّ ، وَلَا اسْتِئْجَارٌ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالسِّحْرِ وَالْفُحْشِ وَالنُّجُومِ وَالرَّمْلِ ، وَلَا لِخِتَانِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ ، وَلَا لِخِتَانِ الْكَبِيرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ، وَلَا لِتَثْقِيبِ الْأُذُنِ وَلَوْ لِأُنْثَى وَلَا لِلزَّمْرِ وَالنِّيَاحَةِ وَحَمْلِ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لَا لِلْإِرَاقَةِ ، وَلَا لِتَصْوِيرِ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَجَعَلَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْغِنَاءَ ، وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ .
أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ حَمْلِ الْمُحْتَرَمَةِ فَجَائِزٌ كَنَقْلِ الْمَيْتَةِ إلَى الْمَزْبَلَةِ ، وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَكِّ الْأَسِيرِ ، وَإِعْطَاءِ الشَّاعِرِ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ ، وَالظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ ، وَالْحَاكِمِ

لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ ، فَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ عَلَيْهَا ، ( وَكَذَا ) حُرَّةٌ ( مَنْكُوحَةٌ ) لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ تَمْلِكُ مَنَافِعَ نَفْسِهَا ، وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا إجَارَةَ عَيْنٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ ( لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ) مِمَّا لَا يُؤَدِّي لِخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ ( بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَهَا مُسْتَغْرِقَةٌ بِحَقِّهِ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّكَاحِ ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي لَبَنِهَا وَخِدْمَتِهَا ؛ لَكِنْ لَهُ فَسْخُهَا حِفْظًا لِحَقِّهِ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً ، أَوْ كَانَ طِفْلًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ : إنَّ هَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَنَافِعَ ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ أَنْ يَنْتَفِعَ ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ .
وَخَرَجَ بِالْحُرَّةِ الْأَمَةُ فَإِنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا نَهَارًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهَا .
نَعَمْ الْمُكَاتَبَةُ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا ، وَالْعَتِيقَةُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا أَبَدًا لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الزَّوْجِ فِي إيجَارِهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَبِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْكُوحَةُ لَهُ ، فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُهَا وَلَوْ لِوَلَدِهِ مِنْهَا ، وَبِتَمَلُّكِ مَنَافِعِهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا قَطْعًا .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاسْتِئْجَارِ الْعَكَّامِينَ لِلْحَجِّ ، وَقَدْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِمَنْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ لِلْعَكْمِ فَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ أَعْمَالِ الْحَجِّ

وَالْعَكْمِ إذْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْعَكْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْأَزْمِنَةَ .
وَبِإِجَارَتِهَا إجَارَةَ عَيْنٍ مَا لَوْ الْتَزَمَتْ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهَا ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ مَا لَوْ أَذِنَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ ، وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا فِي أَوْقَاتِ فَرَاغِهَا خَوْفَ الْحَبَلِ وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : قِيَاسُ مَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا قَالَ بِهِ الرُّويَانِيُّ ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُ مَنَافِعَ الْأَمَةِ ، وَقَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرَّهْنِ ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ .

وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا .
( وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ( فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ .
فَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ حَالًّا .
وَقَوْلُهُ : ( كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ ) لِكَذَا ( إلَى مَكَّةَ ) مَثَلًا ( أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا ) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَأْجِيلٌ صَحِيحٌ .
وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي السَّلَمِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ .
فَلَوْ مَثَّلَ كَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِغُرَّةِ شَهْرِ كَذَا لَكَانَ أَوْلَى .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَوَّلِ الْمُسْتَهِلَّ فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِلتَّمْثِيلِ بِالْغُرَّةِ .

وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ، فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ ، وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ أَوْ رَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا ، وَذَا أَيَّامًا وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ .

( وَلَا يَجُوزُ ) ؛ وَلَا يَصِحُّ ( إجَارَةِ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ) ، كَإِجَارَةِ الدَّارِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَوْ سَنَةً أَوَّلُهَا مِنْ الْغَدِ .
وَاحْتُرِزَ بِالْعَيْنِ عَنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى الْكِتَابِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا يُعْمَلُ إلَّا بِالنَّهَارِ وَعَقَدَ الْإِجَارَةَ لَيْلًا وَأُطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْعَمَلِ ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فِي وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْمُبَادَرَةُ فِيهِ إلَى زِرَاعَتِهَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ : وَلَا يَجُوزُ إلَخْ مَسْأَلَتَيْنِ : أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ : ( فَلَوْ أَجَّرَ ) الْمَالِكُ ( السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ ) ذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِاتِّصَالِ الْمُدَّتَيْنِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِنْهُ السَّنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، فَإِنْ قِيلَ : إنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ يَنْفَسِخُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّصَالُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ ظُهُورُهُ فَلَا يَقْدَحُ عُرُوضُ الِانْفِسَاخِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا لِغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا عَمَّا لَوْ قَالَ : أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً ، فَإِذَا انْقَضَتْ فَقَدْ أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً أُخْرَى ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : لِمُسْتَحِقِّ مَنْفَعَةِ السَّنَةِ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ صُورَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ إحْدَاهُمَا : الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةً يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً ثَانِيَةً قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا .
الثَّانِيَةُ : الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلسُّكْنَى بِدَارٍ تَصِحُّ إجَارَتُهَا لَهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ مُدَّةً

مُسْتَقْبَلَةً ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ الدَّارُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا السَّنَةَ الْأُخْرَى مِنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ الْآنَ لِلْمَنْفَعَةِ ، لَا مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ تَرْجِيحِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَيَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ فَرَاغِ الْأُولَى لِاتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ ، خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي ، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَ الْوَارِثُ مَا أَجَّرَهُ مُوَرِّثُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُ لِمَا مَرَّ .
هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فَصْلٌ بَيْنَ السَّنَتَيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ قَطْعًا ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْمُطْلَقَ وَالْوَقْفَ إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ سَنَةً فِي عَقْدٍ ، ثُمَّ سَنَةً فِي عَقْدٍ آخَرَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ الصِّحَّةَ ، وَلَوْ أَجَّرَ عَيْنًا فَأَجَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ - صَحَّتْ الْإِقَالَةُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، وَلَمْ تَنْفَسِخْ الثَّانِيَةُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْبَيْعِ بِانْقِطَاعِ عُلْقَتِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ، وَلَوْ أَجَرَهُ حَانُوتًا أَوْ نَحْوَهُ ، مِمَّا يَسْتَمِرُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَادَةً أَيَّامَ شَهْرٍ لَا لَيَالِيِهِ أَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الِانْتِفَاعِ لَمْ يَتَّصِلْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْإِجَارَةِ يُرَفَّهَانِ فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُطِيقَانِ الْعَمَلَ دَائِمًا ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ

بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ : ( وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ جَمْعُ عُقْبَةٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهِيَ النَّوْبَةُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْقُبُ صَاحِبَهُ وَيَرْكَبُ مَوْضِعَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي ( أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا ) مَثَلًا ( لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ ) يَعْنِي كَنِصْفِهِ أَوْ رُبْعِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَالْمُؤَجِّرُ الْبَعْضَ الْآخَرَ تَنَاوُبًا مَعَ عَدَمِ شَرْطِ الْبُدَاءَةِ بِالْمُؤَجِّرِ ، سَوَاءٌ أَشَرَطَاهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ أَطْلَقَا أَوْ قَالَا لِيَرْكَبْ أَحَدُنَا ، وَسَوَاءٌ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ حَالًا ، وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ .
أَمَّا إذَا اشْتَرَطَا أَنْ يَرْكَبَهَا الْمُؤَجِّرُ أَوَّلًا فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِتَأْخِيرِ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَتَعَلُّقِ الْإِجَارَةِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ، ( أَوْ ) يُؤَجِّرَهَا ( رَجُلَيْنِ ) مَثَلًا ( لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا ) مَعْلُومَةً ( وَذَا أَيَّامًا ) كَذَلِكَ تَنَاوُبًا ، ( وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَادَةً مَضْبُوطَةً بِزَمَانٍ أَوْ مَسَافَةٍ اُتُّبِعَتْ ، ( ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي الْأُولَى ، وَالْمُكْتَرِيَانِ فِي الثَّانِيَةِ : الرُّكُوبَ بِالتَّرَاضِي عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُعْتَادِ ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ أُقْرِعَ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْمَنْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةُ أَزْمَانٍ مُنْقَطِعَةٌ .
وَالثَّانِي : تَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِ زَمَنِ الْإِجَارَةِ فِيهَا دُونَ الْأُولَى .
وَالثَّالِثُ : تَصِحُّ فِيهِمَا إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا تَصِحُّ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ : أَيَّامًا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ جَوَازُ كَوْنِ النَّوْبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ ، وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا : لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا طَلَبُ الرُّكُوبِ ثَلَاثًا وَالْمَشْيَ

ثَلَاثًا لِلْمَشَقَّةِ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشَارِطَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ عَلَى يَوْمٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ ثَلَاثٍ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : كَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ يَوْمًا .
ا هـ .
فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِلْمَاشِي وَلَا لِلدَّابَّةِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْبَيَانِ وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى ، وَالزَّمَانُ الْمَحْسُوسُ فِي الْمُبَادَرَةِ زَمَنُ السَّيْرِ دُونَ النُّزُولِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، حَتَّى لَوْ نَزَلَ أَحَدُهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لِعَلَفِ الدَّابَّةِ لَمْ يُحْسَبْ زَمَنُ النُّزُولِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الزَّمَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ دَابَّةً لَا تَحْمِلُهُمَا حُمِلَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى التَّعَاقُبِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْمِلُهُمَا رَكِبَاهَا جَمِيعًا ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ مُتَوَالِيًا صَحَّ قَطْعًا ، أَوْ أَطْلَقَ ، أَوْ اسْتَأْجَرَ نِصْفَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ مُشَاعَةً كَبَيْعِ الْمُشَاعِ ، وَيَقْتَسِمَانِ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَسَافَةِ ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : يُضَافُ إلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مَسَائِلُ : الْأُولَى : مَا لَوْ أَجَّرَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ إجَارَةِ عَيْنٍ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَتَأَتَّ تَأْدِيَتُهُ مِنْ بَلَدِ الْعَقْدِ إلَّا بِالسَّيْرِ قَبْلَهُ ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِلْخُرُوجِ عَقِبَهُ .
الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَثَلًا بِبَلَدٍ آخَرَ ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ .
الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا يُقَابَلُ

بِأُجْرَةٍ الرَّابِعَةُ : مَا سَبَقَ مِنْ صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ ، وَعَلَيْهَا الْمَاءُ قَبْلَ انْحِسَارِهِ .

فَرْعٌ : اسْتِئْجَارُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي الْحَالِ كَجَحْشٍ صَغِيرٍ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ ، بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا لَا يُثْمِرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُثْمِرُ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الثِّمَارِ يُحْتَمَلُ فِي كُلِّ مُسَاقَاةٍ .

فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً ، ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ كَدَارٍ سَنَةً ، وَتَارَةً بِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ إلَى مَكَّةَ وَكَخَيَّاطَةِ ذَا الثَّوْبِ ، فَلَوْ جَمَعَهُمَا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ ، فَقَالَ : فَصْلٌ : يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ فِيمَا لَهُ مَنَافِعُ كَدَارٍ ( كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ( مَعْلُومَةً ) عَيْنًا وَصِفَةً وَقَدْرًا ، وَلَمْ يَقُلْ : وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً كَمَا قَالَ سَابِقًا ، وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِكَثْرَةِ أَبْحَاثِ هَذَا الشَّرْطِ ، فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ أَحَدِ عَبْدَيْهِ ، وَلَا إجَارَةُ الْغَائِبِ وَلَا إجَارَةُ مُدَّةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ مَعَ اخْتِلَافِ حَالِ الدَّاخِلِينَ فِي الْمُكْثِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ الْمَاءُ وَالْإِزَارِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ .
أَمَّا الْمَاءُ فَغَيْرُ مَضْبُوطٍ عَلَى الدَّاخِلِ ، وَالْحَمَّامِيُّ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
وَقِيلَ : إنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ ثَمَنُ الْمَاءِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ .
ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ سِوَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبِسَاطِ لِلْفُرُشِ حُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنَافِعُ كَالْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ وَجَبَ الْبَيَانُ كَمَا قَالَ : ( ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ ) الْمَنْفَعَةُ ( بِزَمَانٍ ) فَقَطْ ( كَدَارٍ ) أَيْ كَإِجَارَةِ دَارٍ وَثَوْبٍ وَإِنَاءٍ ( سَنَةً ) مُعَيَّنَةً مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَيَقُولُ : أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِالسُّكْنَى سَنَةً .
فَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ ، وَلَوْ أَجَّرَهُ شَهْرًا مَثَلًا ، وَأَطْلَقَ صَحَّ وَجَعَلَ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ الْمُتَعَارَفُ .
وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْآنَ ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةِ شَهْرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَبَقِيَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ

لِلْإِبْهَامِ .
فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُهُ صَحَّ ، وَقَوْلُهُ أَجَّرْتُك مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا مُدَّةً .
فَإِنْ قَالَ : أَجَرْتُك هَذِهِ السَّنَةَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى جَمِيعِ السَّنَةِ بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ .
وَلَوْ قَالَ : أَجَّرْتُك هَذَا الشَّهْرَ بِدِينَارٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَكِنْ إذَا أَجَّرَهُ شَهْرًا مُعَيَّنًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ فَجَاءَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَطَلَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ تِسْعِينَ مَثَلًا .
( وَتَارَةً ) تُقَدَّرُ ( بِعَمَلٍ ) أَيْ مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ ( كَدَابَّةٍ ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ لِلرُّكُوبِ ( إلَى مَكَّةَ ) مَثَلًا ، ( وَكَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْبِ ) الْمُعَيَّنِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَعْلُومَةٌ فِي أَنْفُسِهَا فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ تَعَيُّنَ التَّقْدِيرِ بِالْعَمَلِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيرُهُ بِالزَّمَنِ أَيْضًا فَيَقُولُ : أَجِّرْنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ لِأَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا ، أَوْ لِأَرْكَبَهَا شَهْرًا ، أَوْ أَجِّرْنِي عَبْدَك لِيَحْفَظَ لِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ يَخِيطَ لِي شَهْرًا .
وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ : مِنْ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَنَافِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْمُدَّةِ كَالْعَقَارِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَقَارِ وَتَقْدِيرَ اللَّبَنِ إنَّمَا يَنْضَبِطُ بِالزَّمَانِ ، وَسُمْكُ التَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ لَا يَنْضَبِطُ رِقَّةً وَثَخَانَةً .
وَكَمَا فِي الِاكْتِحَالِ فَإِنَّ قَدْرَ الدَّوَاءِ

لَا يَنْضَبِطُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَتُقَدَّرُ الْمُدَاوَاةُ بِالْمُدَّةِ لَا بِالْبُرْءِ وَالْعَمَلِ .
فَإِنْ بَرِيءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْبَاقِي .
وَقِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَبَيْعِ الثَّوْبِ وَالْحَجِّ وَقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ فُلَانٍ .
وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ كَالدَّابَّةِ وَالْخِيَاطَةِ .
هَذَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، فَلَوْ قَالَ : أَلْزَمْت ذِمَّتَك الْخِيَاطَةَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عَامِلًا يَخِيطُ وَلَا مَحَلًّا لِلْخِيَاطَةِ ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ الثَّوْبَ وَمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ ، وَأَنْ يُبَيِّنَ الْخِيَاطَةَ أَهِيَ رُومِيَّةٌ أَوْ فَارِسِيَّةٌ ؟ إلَّا أَنْ تَطَّرِدَ عَادَةً بِنَوْعٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : الرُّومِيُّ بِغُرْزَتَيْنِ وَالْفَارِسِيُّ بِغُرْزَةٍ ، فَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا وَقَالَ : إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَنِصْفُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْإِبْهَامِ ، فَإِنْ خَاطَهُ كَيْفَ اتَّفَقَ كَانَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
تَنْبِيهٌ : تَارَةً نُصِبَتْ عَلَى الْمَصْدَرِ ، وَمَعْنَاهَا الْوَقْتُ وَالْحِينُ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مُقَدَّرٌ وَيُجْمَعُ عَلَى تَارَاتٍ كَسَاعَةٍ وَسَاعَاتٍ ، وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بِالْمَرَّةِ ، ( فَلَوْ جَمَعَهُمَا ) أَيْ الزَّمَانَ وَالْعَمَلَ ( فَاسْتَأْجَرَهُ ) أَيْ شَخْصًا ( لِيَخِيطَهُ ) أَيْ الثَّوْبَ ( بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ ) لِلْغَرَرِ ؛ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلُ أَوْ يَتَأَخَّرُ ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيزٍ حِنْطَةً بِشَرْطِ كَوْنِ وَزْنِهِ كَذَا لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا يُقْطَعُ بِفَرَاغِهِ فِي الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ وَذَكَرَ الْيَوْمَ : أَيْ شَرَطَهُ لِلتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ إذْ الْمُدَّةُ مَذْكُورَةٌ

لِلتَّعْجِيلِ فَلَا تُورِثُ الْفَسَادَ ، وَهَذَا بَحْثُ السُّبْكِيّ ، .

وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ ، أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ .

( وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ ) كَشَهْرٍ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ شَهْرًا ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي سُهُولَةِ الْحِفْظِ وَصُعُوبَتِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الِاسْتِئْجَارِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ أَوْ لِبَعْضِهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يُسَمَّى قُرْآنًا .
أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً لِجَمِيعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْعَمَلِ ، وَحِينَئِذٍ كَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ : تَعْلِيمُ قُرْآنٍ بِالتَّنْكِيرِ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ : عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ .
فَإِذَا قُدِّرَ التَّعْلِيمُ بِمُدَّةٍ كَشَهْرٍ هَلْ يَدْخُلُ الْجَمِيعُ أَوْ لَا ؟ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ أَيَّامَ السُّبُوتِ مُسْتَثْنَاةٌ فِي اسْتِئْجَارِ الْيَهُودِيِّ شَهْرًا لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْأَحَدُ لِلنَّصَارَى ، وَالْجُمَعُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ .
( أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ ) أَوْ سُورَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ كَذَا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا لِلتَّفَاوُتِ فِي ذَلِكَ ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى تَعْلِيمِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ وَكَّلَا مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَفْتَحَ الْمُصْحَفَ وَيَقُولَ تُعَلِّمُنِي مِنْ هُنَا إلَى هُنَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ أَوْ صُعُوبَةٍ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ قِرَاءَةَ نَافِعٍ وَنَحْوِهِ إذْ الْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ الْقِرَاءَاتِ .
لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى ذَلِكَ : يُعَلِّمُهُ الْأَغْلَبَ مِنْ قِرَاءَةِ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَالِبُ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ : أَيْ فَإِنْ لَمْ

يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا أَوْجَهُ ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ قِرَاءَةً تَعَيَّنَتْ ، فَإِنْ أَقْرَأَهُ غَيْرَهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُتَعَلِّمِ وَلَا اخْتِبَارُ حِفْظِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُسَابَقَةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ حَالِ الْفَرَسِ .
نَعَمْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ ، فَلَوْ وَجَدَ ذِهْنَهُ فِي الْحِفْظِ خَارِجًا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةَ ، وَلَوْ كَانَ يَنْسَى فَهَلْ عَلَى الْأَجِيرِ إعَادَةُ تَعْلِيمِهِ أَوْ لَا ؟ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ غَالِبٌ فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ مَا دُونَ الْآيَةِ ، فَإِذَا عَلَّمَهُ بَعْضَهَا فَنَسِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ بَاقِيهَا لَزِمَ الْأَجِيرَ إعَادَةُ تَعْلِيمِهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْرَأُ فِيهِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ يُرْجَى إسْلَامُهُ ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ لَمْ يُعَلَّمْ كَمَا لَا يُبَاعُ الْمُصْحَفُ مِنْ الْكَافِرِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْقِيَاسِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكَافِرِ إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا .
فَرْعٌ الْإِجَارَةُ لِلْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا جَائِزَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِنُزُولِ الرَّحْمَةِ حَيْثُ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَالْحَيِّ الْحَاضِرِ ، سَوَاءٌ أَعْقَبَ الْقُرْآنَ بِالدُّعَاءِ أَمْ جَعَلَ أَجْرَ قِرَاءَتِهِ لَهُ أَمْ لَا ، فَتَعُودُ مَنْفَعَةُ الْقُرْآنِ إلَى الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلْحَقُهُ وَهُوَ بَعْدَهَا أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَأَكْثَرُ بَرَكَةً ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ أُجْرَةَ الْحَاصِلِ بِقِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ دُعَاءٌ بِحُصُولِ الْأَجْرِ لَهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ ، فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : إنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْصُلُ لَهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ .

وَفِي الْبِنَاءِ يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالسَّمْكَ وَمَا يُبْنَى بِهِ إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ .
( وَفِي الْبِنَاءِ ) أَيْ الِاسْتِئْجَارِ لَهُ عَلَى أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا كَسَقْفٍ ( يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ ) لِلْجِدَارِ ، ( وَالطُّولَ ) وَهُوَ الِامْتِدَادُ مِنْ إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى ، ( وَالْعَرْضَ ) وَهُوَ مَا بَيْنَ وَجْهَيْ الْجِدَارِ ، ( وَالسَّمْكَ ) وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ : الِارْتِفَاعُ ، ( وَ ) يُبَيِّنُ أَيْضًا ( مَا يُبْنَى بِهِ ) الْجِدَارُ مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِهِ ، فَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَا يُبْنَى بِهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ ، وَمَحَلُّ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُبْنَى بِهِ حَاضِرًا ، وَإِلَّا فَمُشَاهَدَتُهُ تُغْنِي عَنْ تَبْيِينِهِ ، وَيُبَيَّنُ فِي النِّسَاخَةِ عَدَدُ الْأَوْرَاقِ وَأَسْطُرُ الصَّفْحَةِ وَقَدْرُ الْقِطَعِ وَالْحَوَاشِي ، وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْمُدَّةِ .
وَيُبَيَّنُ فِي الرَّعْيِ الْمُدَّةُ وَجِنْسُ الْحَيَوَانِ وَنَوْعُهُ ، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ وَعَلَى قَطِيعٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَوْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ الْعَدَدُ اكْتَفَى بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي .
وَيُبَيَّنُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِضَرْبِ اللَّبِنِ إذَا قُدِّرَ بِالْعَمَلِ الْعَدَدُ وَالْقَالَبُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - طُولًا وَعَرْضًا وَسَمْكًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبْيِينِ ، وَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ .

وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ قَالَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ .

( وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا ( لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ ) أَوْ لِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ( اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِاخْتِلَافِ مَنَافِعِ هَذِهِ الْجِهَاتِ ، فَإِنْ أُطْلِقَ لَمْ يَصِحَّ .
أَمَّا إذَا لَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهَا كَأَرَاضِي الْأَحْكَارِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهَا الْبِنَاءُ ، وَبَعْضِ الْبَسَاتِينِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ الْغِرَاسُ ، ( وَيَكْفِي ) فِي أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزَرْعٍ ( تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ ) فِيهَا كَقَوْلِهِ : أَجَّرْتُكَهَا لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا فَيَصِحُّ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ لِلْإِطْلَاقِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ ، وَمَا بَحَثَهُ حَكَاهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَجْهًا .
وَالثَّانِي : لَا يَكْفِي ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ مُخْتَلِفٌ ، وَيَجْرِي فِي قَوْلِهِ لِتَبْنِيَ أَوْ لِتَغْرِسَ لِتَفَاوُتِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ .
نَعَمْ إنْ أَجَّرَ عَلَى غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَغَيْرِهَا كَذَلِكَ ، ( وَلَوْ قَالَ : لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ ) فِي الْأَصَحِّ ، وَيَصْنَعُ مَا شَاءَ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِضْرَارِ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ : فَعَلَيْهِ أَنْ يُرِيحَ الْمَأْجُورَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَمَا فِي إرَاحَةِ الدَّابَّةِ ، ( وَكَذَا ) يَصِحُّ ( لَوْ قَالَ ) لَهُ : ( إنْ شِئْت فَازْرَعْ ) أَيْ الْأَرْضَ ( وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ ) وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْغِرَاسِ ، وَالزَّرْعُ أَهْوَنُ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِلْإِبْهَامِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : لَا بُدَّ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ زِيَادَةِ مَا شِئْت فَيَقُولُ : إنْ شِئْت فَازْرَعْ مَا شِئْت أَوْ

اغْرِسْ مَا شِئْت ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ مَا ذَكَرَ عَادَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ تَعْيِينِ مَا يَزْرَعُ .
ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ قَالَ : أَجَرْتُكَهَا لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ أَوْ فَازْرَعْ وَاغْرِسْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ ، أَوْ لِتَزْرَعَ نِصْفًا وَتَغْرِسَ نِصْفًا ، وَلَمْ يَخُصَّ كُلَّ نِصْفٍ بِنَوْعٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْإِبْهَامِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ لَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ ، حَتَّى لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ كَمَا نُقِلَ عَنْ التَّقْرِيبِ فَتَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يَزْرَعُ وَكَمْ يَغْرِسُ ؟ وَفِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَغْرُوسَ وَالْمَزْرُوعَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ .

وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي الْوَصْفُ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ ، وَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ مُطْلَقًا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يُسْتَحَقَّ ، وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ تَعْيِينُ الدَّابَّةِ ، وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ عَلَيْهَا .

( وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ ( مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَتِهِ ) لَهُ ( أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ ) لِجُثَّتِهِ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ التَّامِّ ، فَقِيلَ بِأَنْ يَصِفَهُ بِالضَّخَامَةِ أَوْ الثَّخَانَةِ لِيَعْرِفَ وَزْنَهُ تَخْمِينًا ، وَقِيلَ : يَصِفُهُ بِالْوَزْنِ وَلَمْ يُرَجِّحَا شَيْئًا ، وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ كَمَا رَجَّحَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ ، ( وَقِيلَ : لَا يَكْفِي الْوَصْفُ ) فِيهِ وَتَتَعَيَّنُ الْمُشَاهَدَةُ ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ ، ( وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ ( وَغَيْرِهِ ) مِنْ نَحْوِ زَامِلَةٍ ( إنْ كَانَ لَهُ ) أَيْ الْمُكْتَرِي ، وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ عُرْفٌ ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِمُشَاهَدَتِهِ أَوْ وَصْفِهِ التَّامِّ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَمَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ مُجَرَّدًا لَيْسَ لَهُ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ وَيُرْكِبُهُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ نَحْوِ سَرْجٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالدَّابَّةِ ، فَإِنْ اطَّرَدَ فِيهِ عُرْفٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ يَطْلُبُ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ : إنَّ الْأَصَحَّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ ، بَلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ زَامِلَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَلَا وَجْهَ لِإِهْمَالِ الْمُصَنِّفِ لَهُ ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْوِطَاءِ ، وَهُوَ الَّذِي يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ أَوْ وَصْفُهُ ، وَالْغِطَاءُ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ وَيَتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْمَطَرِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَحْتَاجُ إلَى شَرْطِهِ ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ أَوْ وَصْفُهُ إلَّا إذَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفٌ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ ،

وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْوِطَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْمِلِ طَرَفٌ فَكَالْغِطَاءِ ، ( وَلَوْ شَرَطَ ) فِي الْإِجَارَةِ ( حَمْلَ الْمَعَالِيقِ ) جَمْعُ مُعْلُوقٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْبَعِيرِ كَسُفْرَةٍ وَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ ( مُطْلَقًا ) أَيْ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا وَصْفٍ ( فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ ) ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا ، فَرُبَّمَا قَلَّتْ وَرُبَّمَا كَثُرَتْ .
وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَادِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَعَالِيقِ إذَا كَانَتْ فَارِغَةً .
فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ فَكَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ ، ( وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ ) أَيْ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ ( لَمْ يُسْتَحَقَّ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَمْلُهَا فِي الْأَصَحِّ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ .
وَقِيلَ : يُسْتَحَقُّ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِيهِ ، قَالَ الْإِمَامُ : وَالْمَعَالِيقُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرْكُوبِ ، فَمَعَالِيقُ الْحِمَارِ دُونَ مَعَالِيقِ الْبَعِيرِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دَابَّةٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِسَرْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَمْلَهَا قَطْعًا ( وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ ) الدَّابَّةِ إجَارَةِ ( الْعَيْنِ ) لِرُكُوبٍ ( تَعْيِينُ الدَّابَّةِ ) ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إحْدَى هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ لِلْإِبْهَامِ ( وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ ) ، وَالْأَظْهَرُ الِاشْتِرَاطُ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يُحْتَرَزْ بِالتَّعْيِينِ عَنْ الْوَصْفِ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْعَيْنِ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ أَرَادَ بِالتَّعْيِينِ مُقَابِلَ الْإِبْهَامِ لِتَخْرُجَ الصُّورَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ كَافِيَةٌ ، ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ) لِرُكُوبِ دَابَّةٍ ( ذِكْرُ الْجِنْسِ ) لَهَا كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ ( وَالنَّوْعِ ) كَبَخَاتِيٍّ وَعِرَابٍ ( وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ )

لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ ، فَإِنَّ الْأُنْثَى أَسْهَلُ سَيْرًا ، وَالذَّكَرَ أَقْوَى ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ السَّيْرِ كَبَحْرٍ أَوْ قَطُوفٍ أَوْ مُهَمْلِجٍ ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ السَّيْرِ .
وَالْبَحْرُ : الْوَاسِعُ الْمَشْيِ .
وَالْقَطُوفُ بِفَتْحِ الْقَافِ : الْبَطِيءُ السَّيْرِ ، وَالْمُهَمْلِجُ بِكَسْرِ اللَّامِ : حَسَنُ السَّيْرِ فِي سُرْعَةٍ ، ( وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا ) أَيْ إجَارَتَيْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ ( بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ ) ، إنْ كَانَ قَدْرًا تُطِيقُهُ الدَّابَّةُ غَالِبًا ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً ، وَبِالْأَوْقَاتِ كَزَمَنِ وَحْلٍ أَوْ ثَلْجٍ أَوْ مَطَرٍ ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِمَا بَيَانُ وَقْتِ السَّيْرِ أَهُوَ اللَّيْلُ أَوْ النَّهَارُ ؟ وَالنُّزُولِ فِي الْقُرَى أَوْ الصَّحْرَاءِ ، ( إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ ) قَدْرَ السَّيْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( عَلَيْهَا ) فَإِنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ اُتُّبِعَ ، فَإِنْ زَادَ فِي يَوْمٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا يُجْبَرَانِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ ، بَلْ يَسِيرَانِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا لِخَوْفٍ .
أُجِيبَ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ ، أَوْ لِغَصْبٍ أَوْ لِخَوْفٍ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ فَلَا يُجَابُ .

وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَحْمُولَ ، فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ ، وَإِنْ غَابَ قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ ، وَجِنْسُهُ لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ ، وَصِفَتَهَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا وَنَحْوَهُ .

( وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ ( أَنْ يَعْرِفَ ) مُؤَجِّرُ الدَّابَّةِ ( الْمَحْمُولَ ) ، لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ وَضَرَرِهِ ، ( فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ظَرْفٍ ، ( وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ ) تَخْمِينًا لِوَزْنِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ امْتِحَانُهُ بِالْيَدِ كَفَتْ الرُّؤْيَةُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْحَالَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ يُوهِمُ أَنَّ مَا يَسْتَغْنِي عَنْ الظَّرْفِ كَالْأَحْجَارِ وَالْأَخْشَابِ لَا يُمْتَحَنُ بِالْيَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَلَوْ قَالَ : وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ أَمْكَنَ لَكَانَ أَوْلَى ، ( وَإِنْ غَابَ ) الْمَحْمُولُ ( قُدِّرَ بِكَيْلٍ ) فِي مَكِيلٍ ( أَوْ وَزْنٍ ) فِي مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ ، فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْلَى وَأَحْصَرُ ، ( وَ ) أَنْ يَعْرِفَ ( جِنْسَهُ ) أَيْ الْمَحْمُولِ الْغَائِبِ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ فِي الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيدِ وَالْقُطْنِ ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَثْقُلُ فِي مَحَلٍّ أَقَلَّ مِنْ الْقُطْنِ ، وَالْقُطْنُ يَعُمُّهَا وَيَتَثَاقَلُ بِالرِّيحِ ، فَلَوْ قَالَ : مِائَةَ رِطْلٍ مِمَّا شِئْت صَحَّ ، بَلْ وَبِدُونِ مِمَّا شِئْت كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ قَطْعِ الْأَصْحَابِ ، وَيَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِأَضَرِّ الْأَجْنَاسِ .
هَذَا فِي التَّقْدِيرِ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ .
أَمَّا إذَا قُدِّرَ بِالْكَيْلِ ، فَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ : عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ مِمَّا شِئْت عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْكَيْلِ وَقِلَّتِهِ فِي الْوَزْنِ ، وَأَيْنَ ثِقَلُ الْمِلْحِ مِنْ ثِقَلِ الذُّرَةِ ، وَيُحْسَبُ مِنْ الْمِائَةِ الظَّرْفُ إنْ ذَكَرَهُ كَقَوْلِهِ : مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً بِظَرْفِهَا .
فَإِنْ قَالَ : مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً أَوْ مِائَةُ قَفِيزٍ حِنْطَةً لَمْ يُحْسَبْ الظَّرْفُ فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ مَعْرِفَتُهُ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَرَائِرُ مُتَمَاثِلَةٌ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهَا حُمِلَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا .
فَإِنْ قَالَ : لِتَحْمِلْ عَلَيْهَا مَا شِئْت لَمْ يَصِحَّ لِلْإِضْرَارِ بِهَا ،

بِخِلَافِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُطِيقُ كُلَّ مَا تَحْمِلُ ، ( لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ وَ ) لَا ( صِفَتَهَا ) فَلَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لَحَمْلٍ ( إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ ) بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الرُّكُوبِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَحْصِيلُ الْمَتَاعِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِ حَامِلِهِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا ) بِتَثْلِيثِ الزَّايِ ( وَنَحْوِهِ ) كَخَزَفٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِ الدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُ ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ وَحْلٌ أَوْ طِينٌ .
أَمَّا إجَارَةُ عَيْنِ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ فَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهَا وَتَعْيِينُهَا كَمَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِلرُّكُوبِ .

فَصْلٌ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ إلَّا حَجٌّ وَتَفْرِقَةُ زَكَاةٍ ، وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ .

فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ ، وَهُوَ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ .
وَالْقُرَبُ عَلَى قِسْمَيْنِ : مَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي إنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا ، وَقَدْ شَرَعَ فِيمَا هُوَ شَائِعٌ فِي الْأَصْلِ ، فَقَالَ : ( لَا تَصِحُّ ) مِنْ إمَامٍ وَغَيْرِهِ ( إجَارَةُ مُسْلِمٍ ) وَلَوْ عَبْدًا ( لِجِهَادٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُسْلِمِ عَنْ الذِّمِّيِّ ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ ، أَمَّا الْآحَادُ فَيُمْتَنَعُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ ، فَقَالَ : ( وَلَا عِبَادَةٍ ) أَيْ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِعِبَادَةٍ ( تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، إذْ الْقَصْدُ مِنْهَا امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ بِكَسْرِ نَفْسِهِ بِفِعْلِهَا ، وَلَا يَقُومُ الْأَجِيرُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ ؟ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ أُجْرَةً لِلْعَمَلِ وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْأُجْرَةِ عُدِمَ الِاسْتِحْقَاقُ ، ( إلَّا ) الِاسْتِئْجَارَ لِقُرْبَةٍ مِنْ ( حَجٍّ ) أَوْ عُمْرَةٍ ، وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ تَبَعًا لَهُمَا عَنْ مَيِّتٍ أَوْ عَاجِزٍ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِهِ ، ( وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ ) وَصَوْمٍ عَنْ مَيِّتٍ وَذَبْحِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ .
وَضَابِطُ هَذَا : أَنَّ كُلَّ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْعِبَادَةِ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ، وَمَا لَا فَلَا .
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ غَيْرُ شَائِعٍ فِي الْأَصْلِ ، فَقَالَ : ( وَتَصِحُّ ) الْإِجَارَةُ ( لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ ) كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ( وَدَفْنِهِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ) أَوْ بَعْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَلَيْسَ بِشَائِعٍ فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ

تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ فِي الْأَصَحِّ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِفِعْلِهِ حَتَّى يَقَعَ عَنْهُ ، وَلَا يَضُرُّ عُرُوضٌ تُعَيِّنُهُ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُ مَعَ تَغْرِيمِهِ الْبَدَلَ .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ { إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ } .
وَمَعْنَى عَدَمِ شُيُوعِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي الْأَصْلِ فِي تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ أَنَّ تَجْهِيزَ الْمَيِّتِ يَخْتَصُّ بِالتَّرِكَةِ ، ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا ، وَفِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَنَّ التَّعْلِيمَ بِالْمُؤَنِ يَخْتَصُّ بِمَالِ الْمُتَعَلِّمِ ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا .
تَنْبِيهٌ : احْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِعَامِلِ الصَّدَقَةِ ، فَإِنَّهَا أُجْرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَذِكْرُ الدَّفْنِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِدُخُولِهِ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْته ، وَلَا تَكْرَارَ فِي ذِكْرِ التَّعْلِيمِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِبَادَةٌ ، وَفِيمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيرُ ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْرِيفِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي تَنْكِيرُهُ ، فَإِنَّ بَعْضَهُ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، وَتَقْيِيدُهُ التَّعْلِيمَ بِالْقُرْآنِ قَدْ يُفْهِمُ امْتِنَاعَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ .
نَعَمْ إنْ عَيَّنَ أَشْخَاصًا وَمَسَائِلَ مَضْبُوطَةً يُعَلِّمُهَا لَهُمْ جَازَ ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ .
وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقَضَاءِ ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِشِعَارٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَالْآذَانِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ مَعَ زِيَادَةٍ ، وَالْأُجْرَةُ تُؤْخَذُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ ، وَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْقَاقُهَا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -

كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، لَا عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ ، وَلَا عَلَى رِعَايَةِ الْوَقْتِ ، وَلَا عَلَى الْحَيْعَلَتَيْنِ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْإِمَامَةِ وَلَوْ نَافِلَةً : كَالتَّرَاوِيحِ ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا مِنْ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَا تَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ لِلْأَجِيرِ ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيْتٍ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ .
وَصُورَتُهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِلصَّلَاةِ .
أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَجْعَلَهُ مَسْجِدًا فَلَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ .

وَلِحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ مَعًا ، وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، وَالْحَضَانَةُ حِفْظُ صَبِيٍّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ .

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ فِي الْمَنْفَعَةِ : أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا ، فَاسْتِئْجَارُ الْبُسْتَانِ لِثَمَرَتِهِ ، وَالشَّاةِ لِصُوفِهَا أَوْ نِتَاجِهَا أَوْ لَبَنِهَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَهَا تَبَعًا لِلضَّرُورَةِ أَوْ حَاجَةٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ : ( وَ ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ كَمَا سَبَقَ ( لِحَضَانَةٍ ) أَيْ حَضَانَةِ امْرَأَةٍ لِوَلَدٍ ( وَإِرْضَاعٍ ) لَهُ ( مَعًا ) ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا ، ( وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ ) .
أَمَّا الْحَضَانَةُ فَلِأَنَّهَا نَوْعُ خِدْمَةٍ ، وَهِيَ نَوْعَانِ : صُغْرَى وَكُبْرَى ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا .
وَأَمَّا الْإِرْضَاعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } الْآيَةَ ، وَإِذَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ ، فَلَهُ مَعَ الْحَضَانَةِ أَوْلَى ، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ .
وَمَرَّ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْإِرْضَاعِ يُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ فَقَطْ .
وَيَجِبُ تَعْيِينُ الرَّضِيعِ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ : أَيْ أَوْ بِالْوَصْفِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَاوِي لِاخْتِلَافِ شُرْبِهِ بِاخْتِلَافِ سِنِّهِ .
وَتَعْيِينُ مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أَوْ بَيْتُهَا ؟ لِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ أَشَدُّ تَوَثُّقًا بِهِ ، وَفِي بَيْتِهَا أَسْهَلُ عَلَيْهَا ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ كُلَّ مَا يَكْثُرُ بِهِ اللَّبَنُ ، وَلِلْمُكْتَرِي تَكْلِيفُهَا بِذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ : أَيْ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَضُرُّ بِلَبَنِهَا .
ا هـ .
وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ فِي النَّفَقَاتِ : لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَضُرُّ بِهَا ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الرَّضِيعُ ثَدْيَهَا فَفِي انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ ، فَفِي

الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَنَّ الطِّفْلَ إذَا لَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا لِقِلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَهُوَ عَيْبٌ يُثْبِتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخَ ، وَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ غَيْرِهَا اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ ، وَإِلَّا فَلَا .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى إرْضَاعِ اللِّبَأِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ إرْضَاعُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأُمِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ النَّفَقَاتِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ .
وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ لِلرَّضَاعِ بُلُوغُ الْمُرْضِعَةِ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا فِي الْبَيَانِ ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الْبَهِيمَةُ كَاسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ أَوْ طِفْلٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى وَالْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ ، قَالَ : بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ) فِي الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ ، وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَنْعِ .
وَالثَّانِي : نَعَمْ لِلْعَادَةِ بِتَلَازُمِهِمَا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَضَانَةِ ، فَقَالَ : ( وَالْحَضَانَةُ ) الْكُبْرَى ( حِفْظُ صَبِيٍّ ) أَيْ جِنْسِهِ الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، ( وَتَعْهَدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ ) وَتَطْهِيرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ ، ( وَدَهْنِهِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ .
وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ ، فَإِنْ جَرَى عُرْفُ الْبَلَدِ بِخِلَافِهِ فَوَجْهَانِ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا اتِّبَاعُ الْعُرْفِ ، ( وَكَحْلِهِ ) وَإِضْجَاعِهِ ( وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ ) وَهُوَ سَرِيرُ الرَّضِيعِ ( وَتَحْرِيكِهِ ) عَلَى الْعَادَةِ ( لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا ) مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّضِيعُ ؛ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ ؛ وَلِحَاجَةِ الرَّضِيعِ إلَيْهَا .
وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ .
وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ وَمَا يَلِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحَاضِنَةَ تَجْعَلُ

الْوَلَدَ هُنَالِكَ .
وَالْإِرْضَاعُ وَيُسَمَّى الْحَضَانَةَ الصُّغْرَى : أَنْ تُلْقِمَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي حِجْرِهَا مَثَلًا الثَّدْيَ وَتَعْصِرَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ .
تَنْبِيهٌ : إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ ، وَقِيلَ : اللَّبَنُ وَالْحَضَانَةُ تَابِعَةٌ ، وَقِيلَ : عَكْسُهُ ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِلرَّضَاعِ فَقَطْ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحَضَانَةُ الصُّغْرَى ، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، عَلَّقَ الْأُجْرَةَ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ لَا بِاللَّبَنِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا الْأَعْيَانُ تَبَعٌ لِلضَّرُورَةِ ، ( وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا ) أَيْ الْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ ( فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ ) ، وَيَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ ( دُونَ الْحَضَانَةِ ) ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَلَوْ أَتَى بِاللَّبَنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يَتَضَرَّرْ الْوَلَدُ جَازَ .

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ .
قُلْت : صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ ، فَإِنْ اضْطَرَبَتْ وَجَبَ الْبَيَانُ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْقَنَاةِ وَهِيَ الْجَدْوَلُ الْمَحْفُورُ لِلزِّرَاعَةِ بِمَائِهَا الْجَارِي إلَيْهَا مِنْ النَّهْرِ لِلْحَاجَةِ ، لَا اسْتِئْجَارُ قَرَارِهَا دُونَ الْمَاءِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَكُونَ أَحَقَّ بِمَائِهَا الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِيهَا بِالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَجْرِيَ فِيهَا الْمَاءُ أَوْ لِيَحْبِسَ الْمَاءَ فِيهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا السَّمَكُ ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْبِئْرِ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ مَائِهَا لِلْحَاجَةِ ، لَا اسْتِئْجَارُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ( وَالْأَصَحُّ ) وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْمَشْهُورِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِالْمَذْهَبِ ( أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ - اسْمٌ لِلْمِدَادِ ( وَ ) لَا ( خَيْطٌ وَ ) لَا ( كُحْلٌ ) وَلَا ذَرُورٌ وَلَا صِبْغٌ وَلَا طَلْعُ نَخْلٍ ( عَلَى وَرَّاقٍ ) أَيْ نَاسِخٍ ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ الَّذِي يُورِقُ وَيَكْتُبُ .
أَمَّا بَيَّاعُ الْوَرِقِ فَيُقَالُ لَهُ كَاغَدِيٌّ ( وَ ) لَا عَلَى ( خَيَّاطٍ وَ ) لَا ( كَحَّالٍ ) وَصَبَّاغٍ وَمُلَقِّحٍ فِي اسْتِئْجَارِهِمْ لِذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ ، وَالْأَعْيَانُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ ، وَأَمْرُ اللَّبَنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ ، ( قُلْت : صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ ) أَيْ الْمَذْكُورِ ( إلَى الْعَادَةِ ) لِلنَّاسِ ، إذْ لَا ضَبْطَ فِي الشَّرْعِ ، وَلَا فِي اللُّغَةِ ، وَلَمْ يُعَبِّرْ الرَّافِعِيُّ بِالْأَصَحِّ بَلْ بِالْأَشْبَهِ ، ثُمَّ قَالَ ( فَإِنْ اضْطَرَبَتْ ) أَوْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ كَمَا فَهِمَ بِالْأُولَى ( وَجَبَ الْبَيَانُ ، وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ ( فَتَبْطُلُ ) أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ ( الْإِجَارَةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ تَرَدُّدِ الْعَادَةِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ يَلْتَحِقُ بِالْمُجْمَلَاتِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى

الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ نَفْسِ الْعَمَلِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ تَرْجِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ نَقَلَ اخْتِلَافَ تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : إنَّ إيرَادَ كَلَامِ الشَّرْحِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْرَاكِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَقَدْ يُقَالُ بِتَرْجِيحِ مَا فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِمَا فِي الشَّرْحِ لَمْ يُرَجِّحْهُ ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْحِبْرَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْوَرَّاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ تَقْدِيرُهُ ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَشُرِطَ عَلَيْهِ فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ قَلَمُ النُّسَّاخِ وَمِرْوَدُ الْكَحَّالِ وَإِبْرَةُ الْخَيَّاطِ .
وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى عَمَلِ النِّعَالِ ، فَإِنْ ابْتَاعَ النَّعْلَيْنِ وَالشِّرَاكَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى الْعَمَلِ - صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِاطِّرَادِ الْعَادَةِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ .

فَصْلٌ يَجِبُ تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي ، وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ ، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا ، وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ ، وَكَسْحُ الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ، وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي .

فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ : ( يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي ) إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ ، وَلَا يَأْثَمُ الْمُكْرِي بِالْمَنْعِ مِنْ التَّسْلِيمِ لِمَا سَيَأْتِي ، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي ، وَإِذَا تَسَلَّمَهُ الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَفْرِيطٍ ، وَإِذَا ضَاعَ مِنْهُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَمْ يُبَدِّلْهُ الْمُكْرِي لَهُ ثَبَتَ لَهُ الْفَسْخُ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُكْرِي عَلَى الْإِبْدَالِ ، هَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ مُثْبَتٍ .
أَمَّا الْقُفْلُ الْمَنْقُولُ وَمِفْتَاحُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكْتَرِي وَإِنْ اُعْتِيدَ ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِمَنْعِهِ مِنْهُمَا خِيَارٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِ الْمَنْقُولِ فِي الْعَقْدِ الْوَاقِعِ عَلَى الْعَقَارِ ، وَالْمِفْتَاحُ تَابِعٌ لِلْغَلْقِ ، ( وَ ) لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ( عِمَارَتُهَا ) بَلْ هِيَ ( عَلَى الْمُؤَجِّرِ ) سَوَاءٌ أَقَارَنَ الْخَلَلُ الْعَقْدَ كَدَارٍ لَا بَابَ لَهَا أَمْ عَرَضَ لَهَا دَوَامًا ؟ وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَا يُحْتَاجُ لَعَيْنٍ زَائِدَةٍ كَإِقَامَةِ مَائِلٍ أَمْ يُحْتَاجُ : كَبِنَاءٍ وَتَطْيِينٍ ؟ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : ( فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا ) بِالْعِمَارَةِ فَذَاكَ ، ( وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ ) إنْ نَقَصَتْ الْمَنْفَعَةُ لِتَضَرُّرِهِ ، فَإِذَا وَكَفَ الْبَيْتُ : أَيْ قَطَرَ سَقْفُهُ فِي الْمَطَرِ لِتَرْكِ التَّطْيِينِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ زَالَ الْخِيَارُ ، إلَّا إذَا حَصَلَ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ وَهَذَا فِي الْخَلَلِ الْحَادِثِ .
أَمَّا الْمُقَارِنُ لِلْعَقْدِ إذَا عَلِمَ بِهِ فَلَا خِيَارَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْعِمَارَةِ فِي الْمُطْلَقِ .
أَمَّا الْوَقْفُ فَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ

عِمَارَتَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ رِيعٌ كَمَا أَوْضَحُوهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمُتَصَرِّفُ بِالِاحْتِيَاطِ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ وَتَضَرَّرَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْأُجْرَةِ إنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ ، وَإِذَا سَقَطَتْ الدَّارُ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُؤَجِّرَ ضَمَانُهُ وَلَا أُجْرَةُ تَخْلِيصِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ ، وَلَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ وَقَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى انْتِزَاعِهَا لَزِمَهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا ، وَلَكِنْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ هُنَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ آخِرَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا كَمَا مَرَّ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِيمَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَوْ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ أَوْ لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْحَالَيْنِ ، ( وَكَسْحُ ) أَيْ رَفْعُ ( الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ ) فِي دَوَامِ الْإِجَارَةِ ( عَلَى الْمُؤَجِّرِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَعِمَارَةِ الدَّارِ ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَحَدَث بِهِ عَيْبٌ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي دَارٍ لَا يَنْتَفِعُ سَاكِنُهَا بِسَطْحِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ جَمَلُونَاتٌ ، وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْعَرْصَةِ ، ( وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ ) وَهِيَ بُقْعَةٌ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ ، وَجَمْعُهَا عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٍ ( عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي ) ، إنْ حَصَلَا فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ .
أَمَّا الْكُنَاسَةُ ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْقُشُورِ وَنَحْوِهِ فَلِحُصُولِهَا

بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ التُّرَابِ الَّذِي يَجْتَمِعُ لِهُبُوبِ الرِّيحِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرُ .
وَأَمَّا الثَّلْجُ ؛ فَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِانْتِفَاعِ لَا أَصْلُهُ ، وَهُوَ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِنَقْلِهِ عُرْفًا .
نَعَمْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أُجْبِرَ عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ ، دُونَ الثَّلْجِ ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ أَوْ الرَّمَادُ أَوْ الثَّلْجُ الْخَفِيفُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ إزَالَتَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ، إذْ يَحْصُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ التَّامُّ ، وَنَقْلُ رَمَادِ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْتِهَاءِ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ ، وَتَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَمُنْتَقَعِ الْحَمَّامِ وَالْحَشِّ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الدَّوَامِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ ، وَعَلَى الْمَالِكِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ .
وَفَارَقَ حُكْمُ الِانْتِهَاءِ هُنَا حُكْمَهُ فِيمَا قَبْلَهُ : بِأَنَّ الْحَادِثَ هُنَا مَعَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِهِ ثَمَّ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ بِئْرِ الْحَشِّ وَالْبَالُوعَةِ وَهُمَا فَارِغَانِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ ، بَلْ إنَّهُ مِنْ وَظِيفَتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي بَعْض الصُّوَرِ ، حَتَّى إذَا تَرَكَ الْمُؤَجِّرُ مَا عَلَيْهِ ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مَا عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ لَا خِيَارَ لَهُ ، وَيُمْنَعُ مُسْتَأْجِرُ دَارٍ لِلسُّكْنَى مِنْ طَرْحِ الرَّمَادِ وَالتُّرَابِ فِي أَصْلِ حَائِطِ الدَّارِ ، وَمِنْ رَبْطِ الدَّابَّةِ فِيهَا إلَّا إنْ اُعْتِيدَ رَبْطُهَا فِيهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ .

وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ وَبَرْذَعَةٌ وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبُرَةٌ وَخِطَامٌ ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ وَمِظَلَّةٌ وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ وَتَوَابِعُهَا ، وَالْأَصَحُّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ ، وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ لِتَعَهُّدِهَا ، وَإِعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَرَفْعُ الْمَحْمِلِ وَحَطُّهُ ، وَشَدُّ الْمَحْمِلِ وَحَلُّهُ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي ، فَقَالَ : ( وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ وَأَطْلَقَ ( فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ ) وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا بِغَيْرِ الْبَرْذَعَةِ لِقَوْلِهِ : وَبَرْذَعَةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ .
وَحُكِيَ إهْمَالُهَا .
وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بِالْحِلْسِ الَّذِي يُلْقَى تَحْتَ الرَّحْلِ ، وَمَنْ يُفَسِّرُ الْإِكَافَ بِالْبَرْذَعَةِ كَصَاحِبِ الْفَصِيحِ يَشْكُلُ عَلَيْهِ عَطْفُ الْمُصَنِّفِ الْبَرْذَعَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَطْفِ التَّفْسِيرِ ، ( وَحِزَامٌ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ : مَا يُشَدُّ بِهِ الْإِكَافُ ( وَثَفَرٌ ) بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بِخَطِّهِ : مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُجَاوَرَتِهِ ثَفْرَ الدَّابَّةِ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا ، ( وَبُرَةٌ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ : حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ ، ( وَخِطَامٌ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ : خَيْطٌ يُشَدُّ فِي الْبُرَةِ ثُمَّ يُشَدُّ فِي طَرَفِ الْمِقْوَدِ بِكَسْرِ الْمِيمِ ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ ، وَالْعُرْفُ مُطَّرِدٌ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا تَجِبُ هَذِهِ الْأُمُورُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ ، وَإِنْ شَرَطَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ شَرَطَ عَدَمَ ذَلِكَ كَأَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ عُرْيًا بِلَا حِزَامٍ وَلَا إكَافٍ وَلَا غَيْرِهِمَا اُتُّبِعَ الشَّرْطُ ، ( وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ ) وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ( وَمِظَلَّةٌ ) يُظَلَّلُ بِهَا عَلَى الْمَحْمِلِ ، وَمَرَّ ضَبْطُهَا فِي بَابِ الصُّلْحِ ، ( وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا مَمْدُودَيْنِ .
وَالْأَوَّلُ : مَا يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ ، وَالثَّانِي مَا يُغَطَّى بِهِ ، ( وَتَوَابِعُهَا ) كَالْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ ، أَوْ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ

الْأُمُورَ تُرَادُ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْإِجَارَةِ ، ( وَالْأَصَحُّ ) وَفِي الْمُحَرَّرِ الْأَشْبَهُ ( فِي السَّرْجِ ) لِلْفَرَسِ الْمُؤَجَّرِ ( اتِّبَاعُ الْعُرْفِ ) فِي مَوْضِعِ الْإِجَارَةِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ .
وَالثَّانِي : عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَالْإِكَافِ ، ( وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ ) الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ إجَارَةَ ( الذِّمَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ فَلْيُهَيِّئْ أَسْبَابَهُ ، وَالْعَادَةُ مُؤَيِّدَةٌ لَهُ ، ( وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ بِالْإِكَافِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي ، ( وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ( لِتَعَهُّدِهَا ) وَصَوْنِهَا ، ( وَ ) عَلَيْهِ أَيْضًا ( إعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ ) الدَّابَّةَ ( وَنُزُولِهِ ) عَنْهَا ( بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ) ، وَتُرَاعَى الْعَادَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَانَةِ فَيُنِيخُ الْبَعِيرَ لِامْرَأَةٍ وَضَعِيفٍ بِمَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ سِمَنٍ مُفْرِطٍ وَنَحْوِهَا ، وَيُقَرِّبُ الْحِمَارَ وَالْبَغْلَ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ وَالتَّبْلِيغَ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ إنَاخَةُ الْبَعِيرِ لِقَوِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَعِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِرُكُوبِهِ تَعَلَّقَ بِهِ وَرَكِبَ وَإِلَّا شَبَّكَ الْجَمَّالُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِيَرْقَى عَلَيْهَا وَيَرْكَبَ ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَالَةِ الرُّكُوبِ لَا بِحَالَةِ الْعَقْدِ ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُقُوفُ لِيَنْزِلَ الرَّاكِبُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ ، وَانْتِظَارُ فَرَاغِهِ مِنْهَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّخْفِيفِ وَلَا الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ ، وَلَيْسَ لَهُ التَّطْوِيلُ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ طَوَّلَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا النُّزُولُ لِمَا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ

كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَافِلَةٍ ، وَلَهُ النَّوْمُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي وَقْتِ الْعَادَةِ دُونَ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ ، وَفِي لُزُومِ الرَّجُلِ الْقَوِيِّ النُّزُولَ الْمُعْتَادَ لِلْإِرَاحَةِ ، وَفِي الْعَقَبَاتِ وَجْهَانِ : قَالَ الْمُصَنِّفُ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ وُجُوبَهُ فِي الْعَقَبَةِ فَقَطْ ، وَلَا يَجِبُ النُّزُولُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ ظَاهِرَةٌ وَشُهْرَةٌ يَحِلُّ مُرُوءَتُهُ فِي الْعَادَةِ الْمَشْيُ ، ( وَ ) عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْمَذْكُورِ ( رَفْعُ الْمَحْمِلِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ ( وَحَطُّهُ ) عَلَى ظَهْرِهَا ، وَقَوْلُهُ : ( وَشَدُّ الْمَحْمِلِ ) بِكَسْرِ الْمِيم بِخَطِّهِ يَصْدُقُ بِشَدِّ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، ( وَحَلُّهُ ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ ، ( وَ ) الْمُؤَجِّرُ ( لَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ ) دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ إجَارَةُ ( الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ ) لَا إعَانَتُهُ فِي رُكُوبٍ وَلَا حَمْلٍ وَنَحْوِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْلِيَةِ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ قَبْضَهَا بِالتَّخْلِيَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ قَبْضَ الْمَبِيعِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي قَبْضِ الدَّابَّةِ سَوْقُهَا أَوْ قَوْدُهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ .
تَنْبِيهٌ : مُؤْنَةُ الدَّلِيلِ وَسَائِقُ الدَّابَّةِ وَأُجْرَةُ الْخَفِيرِ وَحِفْظُ الْمَتَاعِ فِي الْمَنْزِلِ وَالدَّلْوُ وَالرِّشَا فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلِاسْتِقَاءِ كَالظَّرْفِ فِيمَا مَرَّ .
وَأَمَّا حِفْظُ الدَّابَّةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا وَحْدَهُ فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ صِيَانَةً لَهَا ، لَا بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَوَصَلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ ، بَلْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51