كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

وَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَعْيِينٌ ، وَكَذَا إنْ قَالَ : جَعَلْتُهَا أُضْحِيَّةً فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ نَوَى عِنْدَ إعْطَاءِ الْوَكِيلِ أَوْ ذَبْحِهِ .

النَّوْعُ الثَّالِثُ حُكْمُ ضَلَالُ الْمَنْذُورَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ ضَلَّتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ ، فَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ ذَبَحَهَا فِي الْحَالِ قَضَاءً وَصَرَفَهَا مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهَا ، وَعَلَيْهِ طَلَبُهَا إلَّا إنْ كَانَ بِمُؤْنَةٍ ، وَإِنْ قَصَّرَ حَتَّى ضَلَّتْ لَزِمَهُ طَلَبُهَا وَلَوْ بِمُؤْنَةٍ ، قَالَا : وَمِنْ التَّقْصِيرِ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا عُذْرٍ ، وَخُرُوجُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ كَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُوسَعِ لَا يَأْثَمُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ وَلَمْ يَذْبَحْ حَتَّى تَلِفَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَحْوَهُ ، وَقَالَ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ قَالَ شَيْخُنَا : وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ إثْمِ مَنْ مَاتَ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ ا هـ .
وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الضَّلَالِ وَالْإِتْلَافِ فَإِنَّهَا فِي الضَّلَالِ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا ، بِخِلَافِهَا فِيمَا مَضَى لَا تُجْزِئُ .
وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الضَّلَالِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ ، ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرَهَا مَعَ وُجُودِهَا فَفِي إجْزَائِهَا خِلَافٌ ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ .
وَلَوْ ضَلَّتْ هَذِهِ الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَذَبَحَ غَيْرَهَا أَجْزَأَتْهُ ، فَإِنْ وَجَدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا ، بَلْ يَتَمَلَّكُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ ) لِلتَّضْحِيَةِ ( عِنْدَ الذَّبْحِ ) لِلْأُضْحِيَّةٍ ( إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَعْيِينٌ ) أَمَّا اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُهَا عِنْدَ الذَّبْحِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْفِعْلِ ، وَهَذَا وَجْهٌ .
وَالْأَصَحُّ فِي

الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ جَوَازُ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ صُدُورُ النِّيَّةِ بَعْدَ تَعْيِينِ الْمَذْبُوحِ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ حَيْثُ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ بَعْدَ إفْرَازِ الْمَالِ وَقَبْلَ الدَّفْعِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ دُخُولُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ لَا فَرْقَ ؟ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ( وَكَذَا إنْ ) عَيَّنَ كَأَنْ ( قَالَ : جَعَلْتُهَا ) أَيْ الشَّاةَ مَثَلًا ( أُضْحِيَّةً ) يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ ذَبْحِهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) وَلَا يَكْفِي تَعْيِينُهَا ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِيهَا .
وَالثَّانِي قَالَ : يَكْفِي تَعْيِينُهَا .
تَنْبِيهٌ : مَا رَجَّحَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَعْيِينٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الْمُعَيَّنَةِ إذَا جَوَّزْنَا التَّقْدِيمَ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ .
تَنْبِيهٌ : لَا يُشْكَلُ عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا سَبَقَ مِنْ التَّعْيِينِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ أَوْ الْهَدْيَ الْمُعَيَّنَ فُضُولِيٌّ فِي الْوَقْتِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْمَالِكُ اللَّحْمَ وَفَرَّقَهُ عَلَى مُسْتَحَقِّيهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ ، وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ، فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَ كَإِزَالَةِ الْخَبَثِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِي التَّعْيِينِ بِالنَّذْرِ ، وَهُنَا فِي التَّعْيِينِ بِالْجَعْلِ ، وَهِيَ صِيغَةٌ مُنْحَطَّةٌ عَنْ صِيغَةِ النَّذْرِ ( وَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ نَوَى عِنْدَ إعْطَاءِ الْوَكِيلِ ) مَا يُضَحِّي بِهِ ( أَوْ ) عِنْدَ ( ذَبْحِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ

فَصَارَ كَالْوَكِيلِ فِي تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ وَكَّلَ كَافِرًا فِي الذَّبْحِ فَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ فِي الظَّاهِرِ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الذَّبْحِ ، وَقَدْ صَحَّحَ خِلَافَهُ فِيمَا مَضَى ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ ، وَقَدْ يُوهِمُ أَيْضًا عَدَمَ جَوَازِ النِّيَّةِ مِنْ الْوَكِيلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ .
أَمَّا إذَا وَكَّلَ مُسْلِمًا مُمَيِّزًا وَفَوَّضَ إلَيْهِ النِّيَّةَ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِصِحَّتِهَا مِنْهُ .
.

وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ ، وَإِطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ ، لَا تَمْلِيكُهُمْ ، وَيَأْكُلُ ثُلُثًا ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفًا ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهَا ، وَالْأَفْضَلُ بِكُلِّهَا إلَّا لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا .

النَّوْعُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ ، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ بِقَوْلِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُضَحِّي ( الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ ) ضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قِيَاسًا عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } أَيْ الشَّدِيدَ الْفَقْرِ ، وَفِي الْبَيْهَقِيّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ } وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا قِيلَ بِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } فَجَعَلَهَا لَنَا ، وَمَا جُعِلَ لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِهِ وَأَكْلِهِ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَنْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ كَمَيِّتٍ بِشَرْطِهِ الْآتِي فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهَا ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ ، فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ ، وَالْأُضْحِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا غَرِمَ بَدَلَهُ ( وَ ) لَهُ ( إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ ) الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } قَالَ مَالِكٌ : أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ : أَنَّ الْقَانِعَ الْفَقِيرُ ، وَالْمُعْتَرَّ الزَّائِرُ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَانِعَ السَّائِلُ ، وَالْمُعْتَرَّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَيَحُومُ حَوْلَهُ ، وَقِيلَ الْقَانِعُ الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَسْأَلُ ، يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا بِفَتْحِ عَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ إذَا رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ .
قَالَهُ الشَّاعِرُ : الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنِعْ وَالْحُرُّ عَبْدٌ إنْ طَمَعْ فَاقْنَعْ وَلَا تَطْمَعْ فَمَا شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ ( لَا تَمْلِيكُهُمْ ) مِنْهَا

شَيْئًا ، فَلَا يَجُوزُ بَلْ يُرْسَلُ إلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أُضْحِيَّةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَمْلِكُ الْأَغْنِيَاءُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْهَا .
أَمَّا الْفُقَرَاءُ فَيَجُوزُ تَمْلِيكُهُمْ مِنْهَا وَيَتَصَرَّفُونَ فِيمَا مَلَكُوهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ( وَيَأْكُلُ ثُلُثًا ) عَلَى الْجَدِيدِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } وَأَمَّا الثُّلُثَانِ ، فَقِيلَ يَتَصَدَّقُ بِهِمَا .
وَقِيلَ : وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ : يُهْدِي لِلْأَغْنِيَاءِ ثُلُثًا وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِثُلُثٍ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا شَيْئًا ( وَفِي قَوْلٍ ) قَدِيمٍ يَأْكُلُ ( نِصْفًا ) وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } فَجَعَلَهَا عَلَى قِسْمَيْنِ تَنْبِيهٌ : مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ : أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى الْجَدِيدِ ، وَلَا عَلَى النِّصْفِ عَلَى الْقَدِيمِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَكْلُ هَذَا الْقَلِيلِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَكْلِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ تَضْحِيَةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهَا ) وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ لَحْمِهَا بِحَيْثُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، وَلَوْ وَاحِدًا بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ، وَيُشْتَرَطُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يَكُونَ نِيئًا لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ ، فَلَا يَكْفِي جَعْلُهُ طَعَامًا وَدُعَاءُ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ

حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ لَا فِي أَكْلِهِ ، وَلَا تَمْلِيكُهُمْ لَهُ مَطْبُوخًا ، وَلَا تَمْلِيكُهُمْ غَيْرَ اللَّحْمِ مِنْ جِلْدٍ وَكِرْشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَنَحْوِهَا ، وَلَا الْهَدِيَّةُ عَنْ التَّصَدُّقِ ، وَلَا الْقَدْرُ التَّافِهُ مِنْ اللَّحْمِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا كَوْنُهُ قَدِيدًا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَأَكَلَ وَلَدَهَا كُلَّهُ جَازَ ، وَلَوْ أَعْطَى الْمُكَاتَبَ جَازَ كَالْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ ، وَخَصَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِغَيْرِ سَيِّدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَرَفَهُ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهِ .
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ ، وَيَكْفِي فِي الثَّوَابِ إرَاقَةُ الدَّمِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَكَلَهَا غَرِمَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى شِقْصِ أُضْحِيَّةٍ أَمْ يَكْفِي صَرْفُهُ إلَى اللَّحْمِ وَتَفْرِقَتِهِ ؟ وَجْهَانِ : فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي ، وَجَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَنْ الْوَقْتِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْوَاجِبِ ( وَالْأَفْضَلُ ) التَّصَدُّقُ ( بِكُلِّهَا ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقْوَى وَأَبْعَدُ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ ( إلَّا ) لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ ( لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، وَلِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْأَكْلَ ، وَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ وَتَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْكُلِّ ، وَالتَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ .
.

تَنْبِيهٌ : لَا يُكْرَهُ الِادِّخَارُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ، وَيُنْدَبُ إذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ثُلُثِ الْأَكْلِ ، وَقَدْ كَانَ الِادِّخَارُ مُحَرَّمًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
ثُمَّ أُبِيحَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَاجَعُوهُ فِيهِ { كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ فَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالدَّافَّةُ جَمَاعَةٌ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ قَدْ أَفْحَمَتْهُمْ - أَيْ أَهْلَكَتْهُمْ - السَّنَةُ فِي الْبَادِيَةِ ، وَقِيلَ الدَّافَّةُ النَّازِلَةُ .

وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ بَلَدِهَا كَمَا فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ : قَدْ صَحَّحُوا فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ جَوَازَ نَقْلِ الْمَنْذُورَةِ ، وَالْأُضْحِيَّةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَمْتَدُّ إلَيْهَا أَطْمَاعُ الْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا شُعُورَ لِلْفُقَرَاءِ بِهَا حَتَّى تَمْتَدَّ أَطْمَاعُهُمْ إلَيْهَا .

وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ يُذْبَحُ ، وَلَهُ أَكْلُ كُلِّهِ وَشُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا .

النَّوْعُ الْخَامِسُ : الِانْتِقَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ بِقَوْلِهِ ( وَيَتَصَدَّقُ ) الْمُضَحِّي فِي أُضْحِيَّةٍ تَطَوَّعَ ( بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ ) كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا مَرَّ كَأَنْ يَجْعَلَهُ دَلْوًا أَوْ نَعْلًا أَوْ خُفًّا لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ ، أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجِلْدِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ .
تَنْبِيهٌ : قَصْرُ الْمُصَنِّفِ الِانْتِفَاعَ عَلَى الْمُضَحِّي نَفْسِهِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إجَارَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ وَبَيْعُهُ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ { مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ } وَإِعْطَاؤُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ إعَارَتُهُ كَمَا لَهُ إعَارَتُهَا كَمَا مَرَّ ، وَالْقَرْنُ مِثْلُ الْجِلْدِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَلَهُ جَزُّ صُوفٍ عَلَيْهَا إنْ تُرِكَ إلَى الذَّبْحِ ضَرَّ بِهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِانْتِفَاعِ الْحَيَوَانِ بِهِ فِي دَفْعِ الْأَذَى ، وَانْتِفَاعِ الْمَسَاكِينِ بِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِلْدِ ، وَكَالصُّوفِ فِيمَا ذُكِرَ الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ ( وَوَلَدُ ) الْأُضْحِيَّةِ ( الْوَاجِبَةِ ) الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ أَوْ بِهِ ، أَوْ عَنْ نَذْرٍ فِي ذِمَّتِهِ ( يُذْبَحُ ) حَتْمًا كَأُمِّهِ وَيُفَرَّقُ سَوَاءٌ مَاتَتْ أَمْ لَا ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلَةً عِنْدَ التَّعْيِينِ أَمْ حَمَلَتْ بَعْدَهُ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْحَامِلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُضَحِّي ( أَكْلُ كُلِّهِ ) قِيَاسًا عَلَى اللَّبَنِ ، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الْغَزَالِيِّ وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ ، قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ

الْأَكْلُ مِنْ الْوَاجِبَةِ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَنْعُ الْأَكْلِ مِنْهَا ، وَالْغَزَالِيُّ مِمَّنْ يُجَوِّزُ الْأَكْلَ مِنْ الْمُعَيَّنَةِ ، فَلِهَذَا جَوَّزَ أَكْلَ جَمِيعِ الْوَلَدِ ، فَإِذًا الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْكِتَابِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْكِتَابِ ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ مَنْعُ أَكْلِ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يُسَمَّى أُضْحِيَّةً لِنَقْصِ سِنِّهِ وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَبْحُهُ تَبَعًا ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى التَّابِعُ حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَكْلُ الْوَلَدِ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا كَذَلِكَ هَذَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُضْحِيَّةِ ، وَقِيلَ يَكْفِي التَّصَدُّقُ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَقِيلَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِبَعْضِهِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ .
أَمَّا وَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا فَيَجُوزُ أَكْلُهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ وَلَدَ هَدْيٍ وَعَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فَلْيَحْمِلْهُ عَلَى الْأُمِّ أَوْ غَيْرِهَا لِيَبْلُغَ الْحَرَمَ ، وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ( وَ ) لَهُ ( شُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا ) عَنْ وَلَدِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَيَدُلُّ لِلْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } .
قَالَ النَّخَعِيُّ : إنْ احْتَاجَ إلَى ظَهْرِهَا رَكِبَ ، وَإِنْ حَلَبَ لَبَنَهَا شَرِبَ ، وَلَهُ سَقْيُ غَيْرِهِ بِلَا عِوَضٍ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَاجِبَةِ ، وَلِذَا صَوَّرَهَا فِي الْمَجْمُوعِ بِالْمَنْذُورَةِ ، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ بِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهَا فَكَيْفَ يَشْرَبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ ، وَالْمَنْقُولُ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ

لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرِهَا وَفَرَّقَ مَنْ مَنَعَ أَكْلَ وَلَدِ الْوَاجِبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُرْبِ اللَّبَنِ بِأَنَّ بَقَاءَ اللَّبَنِ مَعَهَا يَضُرُّهَا ، وَبِأَنَّ اللَّبَنَ يَسْتَخْلِفُ مَعَ الْأَوْقَاتِ فَمَا يُتْلِفُهُ يَعُودُ فَيُسَامَحُ بِهِ ، وَبِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَهُ لَفَسَدَ .

وَلَا تَضْحِيَةَ لِرَقِيقٍ ، فَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ وَقَعَتْ لَهُ .
( وَلَا تَضْحِيَةَ لِرَقِيقٍ ) كُلِّهِ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ( فَإِنْ أَذِنَ ) لَهُ ( سَيِّدُهُ ) فِيهَا وَضَحَّى وَكَانَ غَيْرَ مُكَاتَبٍ ( وَقَعَتْ لَهُ ) أَيْ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ تَقَعُ عَنْ السَّيِّدِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْعَبْدِ نِيَابَةً عَنْهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ خُصُوصَ كَوْنِهَا مِنْ الْعَبْدِ بَطَلَ وَبَقِيَ عُمُومُ الْإِذْنِ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ فَوَقَعَتْ عَنْ السَّيِّدِ ، أَوْ أَنَّ السَّيِّدَ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ ، أَوْ فَوَّضَ النِّيَّةَ لِلْعَبْدِ فَنَوَى عَنْ السَّيِّدِ .

وَلَا يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إذْنٍ .
( وَلَا يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَقَعَتْ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ .
أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَيُضَحِّي بِمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ كَالْحُرِّ الْكَامِلِ .

وَلَا تَضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
( وَلَا تَضْحِيَةَ ) أَيْ لَا تَقَعُ ( عَنْ الْغَيْرِ ) الْحَيِّ ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تُفْعَلَ عَنْ الْغَيْرِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُثْنِيَ مِنْ هَذَا صُوَرٌ : إحْدَاهَا تَضْحِيَةُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ تَحْصُلُ بِهَا سُنَّةُ الْكِفَايَةِ لَهُمْ كَمَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ بَقِيَّتِهِمْ إذْنٌ ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْعُدَّةِ : لَوْ أَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِ أُضْحِيَّتِهِ وَذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ .
ثَانِيهَا الْمُعَيَّنَةُ بِالنَّذْرِ إذَا ذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ وَقْتَ التَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا تَقَعُ الْمَوْقِعَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، فَيُفَرِّقُ صَاحِبَهَا لَحْمَهَا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ ، وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَمَا مَرَّ ، فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ .
ثَالِثًا تَضْحِيَةُ الْإِمَامِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ : أَيْ عِنْدَ سَعَتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ .
رَابِعُهَا تَضْحِيَةُ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَحَاجِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابِ ، وَلَا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْحَمْلِ كَمَا لَا يُخْرَجُ عَنْهُ الْفِطْرَةُ ، وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَأَفْهَمَ جَوَازَهَا عَنْهُمْ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ ، حَيْثُ امْتَنَعَتْ ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ مُعَيَّنَةً وَقَعَتْ عَنْ الْمُضَحِّي ، وَإِلَّا فَلَا .

وَلَا عَنْ مَيِّتٍ إنْ لَمْ يُوصِ بِهَا .
( وَلَا ) تَضْحِيَةَ ( عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يُوصِ بِهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } فَإِنْ أَوْصَى بِهَا جَازَ ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَالْحَاكِمِ { أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَبْشَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ ، فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا } ، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا ، وَقِيلَ تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الصَّدَقَةِ ، وَهِيَ تَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَتَنْفَعُهُ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ السَّرَّاجَ النَّيْسَابُورِيَّ أَحَدَ أَشْيَاخِ الْبُخَارِيِّ خَتَمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلَافِ خَتْمَةً وَضَحَّى عَنْهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ .

فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ غُلَامٍ بِشَاتَيْنِ ، وَجَارِيَةٍ بِشَاةٍ .

فَصْلٌ : فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ عَقَّ يَعُقُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي عَلَى الْمَوْلُودِ حِينَ وِلَادَتِهِ ، وَشَرْعًا مَا يُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ ، وَلِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ : أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَالْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً ، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْهَا { : لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ } فَقَالَ الرَّاوِي كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِانْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ ، وَلَا تُحْسَبُ قَبْلَهُ ، بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ الْحَسَنُ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ ، وَاللَّيْثُ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ ، ثُمَّ لَمَّا نَشَأَ دَاوُد بَعْدَ الشَّافِعِيِّ وَافَقَ اللَّيْثَ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا حَدِيثُ أَبِي دَاوُد { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ } وَلِأَنَّهَا إرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَا نَذْرٍ فَلَمْ تَجِبْ كَالْأُضْحِيَّةِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ إظْهَارُ الْبِشْرِ بِالنِّعْمَةِ وَنَشْرِ النَّسَبِ وَالْأَصْلُ فِي اسْتِحْبَابِهَا أَخْبَارٌ كَخَبَرِ { الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى } وَكَخَبَرِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ } رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَفِي الثَّانِي حَسَنٌ .
وَمَعْنَى مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ ، قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حَتَّى يُعَقَّ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ

حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَنَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى أَحْمَدَ .
( يُسَنُّ ) لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ فَرْعِهِ بِتَقْدِيرِ فَقْرِهِ ( أَنْ يَعُقَّ عَنْ ) مَوْلُودٍ ( غُلَامٍ بِشَاتَيْنِ ) مُتَسَاوِيَتَيْنِ ( وَ ) عَنْ ( جَارِيَةٍ بِشَاةٍ ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ تَشْبِيهًا بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا اسْتِبْقَاءُ النَّفْسِ ، وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا } وَكَالشَّاةِ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ ، فَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ ، أَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِيهَا جَازَ ، سَوَاءٌ أَرَادُوا كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَوْ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَكَالْأُنْثَى الْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَتَتَعَدَّدُ الْعَقِيقَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَقَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، وَقَدْ قُلْتُمْ إنَّهَا إنَّمَا تُسَنُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ ، أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ ، أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُسْرِ أَبَوَيْهِمَا أَمَّا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُهُمْ اسْتِحْبَابَ الْعَقِيقَةِ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأُمِّ أَنْ تَعُقَّ عَنْ وَلَدِهَا مِنْ زِنًا ، وَفِيهِ بُعْدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَارِ ، وَأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْ زِنًا أَوْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ عَقِّهِ اُسْتُحِبَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا .
.

تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ حِينَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ بِهَا قَبْلَ تَمَامِ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّتْ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ مَعَ بَقِيَّةِ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَيْ أَكْثَرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا ، وَفِيمَا إذَا أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُ مُخَاطَبَتِهِ بِهَا ، وَلَا يَفُوتُ عَلَى الْوَلِيِّ الْمُوسِرِ بِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ ، فَإِنْ بَلَغَ سُنَّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ تَدَارُكًا لِمَا فَاتَ ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَاطِلٌ وَيُسَنُّ أَنْ يُعَقَّ عَمَّنْ مَاتَ قَبْلَ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ .

وَسِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا ، وَالْأَكْلُ وَالتَّصَدُّقُ كَالْأُضْحِيَّةِ ، وَيُسَنُّ طَبْخُهَا ، وَلَا يُكْسَرُ عَظْمٌ .

( وَ ) جِنْسُهَا وَ ( سِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا ) مِنْ الْعَيْبِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا ( وَالْأَكْلُ ) وَقَدْرُ الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَالِادِّخَارُ ( وَالتَّصَدُّقُ ) وَالْإِهْدَاءُ مِنْهَا وَتَعْيِينُهَا إذَا عُيِّنَتْ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا ( كَالْأُضْحِيَّةِ ) الْمَسْنُونَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْأُضْحِيَّةَ تَنْبِيهٌ لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا زِدْته لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْأُضْحِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيُسَنُّ طَبْخُهَا ) كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهُ السُّنَّةُ ، وَتُطْبَخُ بِحَلْوَى تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْمَوْلُودِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ } .
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسَنُّ طَبْخُهَا وَلَوْ كَانَتْ مَنْذُورَةً ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا نِيئًا ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ضِيَافَةٌ عَامَّةٌ مِنْ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ ، وَلِهَذَا إذَا أَهْدَى لِلْغَنِيِّ مِنْهَا شَيْئًا مَلَكَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا بِحَامِضٍ ، إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ ، وَحَمْلُهَا مَطْبُوخَةً مَعَ مَرَقَتِهَا لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ دُعَائِهِمْ إلَيْهَا ، وَلَا بَأْسَ بِنِدَاءِ قَوْمٍ إلَيْهَا ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَبْخِهَا رِجْلُ الشَّاةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى لِلْقَابِلَةِ ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ( وَلَا يُكْسَرُ ) مِنْهَا ( عَظْمٌ ) أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ ، بَلْ يُقْطَعُ كُلُّ عَظْمٍ مِنْ مِفْصَلِهِ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْمَوْلُودِ ، فَإِنْ كَسَرَهُ لَمْ يُكْرَهْ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ ، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى

تَنْبِيهٌ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَوْ عَقَّ عَنْهُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ هَلْ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ بِعَظْمِ السُّبْعِ أَوْ بِعِظَامِ جَمِيعِ الْبَدَنَةِ ؟ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ عَقِيقَةً هُوَ السُّبْعُ مَمْنُوعٌ ، بَلْ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنْ تَأَتَّى قِسْمَتُهَا بِغَيْرِ كَسْرٍ فَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ ، إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِلْعَقِيقَةِ فِيهِ حِصَّةٌ .

وَأَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ تُذْبَحَ ) الْعَقِيقَةُ ( يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ ) أَيْ الْمَوْلُودِ وَيُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، فَإِنْ وَلَدَتْ لَيْلًا حُسِبَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ ، وَأَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك عَقِيقَةُ فُلَانٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِهَا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمْ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِقُوا عَلَيْهِ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى } ، بَلْ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُغْسَلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَيُسَنُّ لَطْخُ رَأْسِهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْخُلُوفِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ .

وَيُسَمَّى فِيهِ .

( وَ ) يُسَنُّ أَنْ ( يُسَمَّى فِيهِ ) أَيْ السَّابِعِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ ، وَلَا بَأْسَ بِتَسْمِيَتِهِ قَبْلَهُ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ أَوْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ ، وَاسْتَدَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ ، وَحَمَلَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَارَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ الْعَقَّ ، وَأَخْبَارَ يَوْمِ السَّابِعِ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ شَارِحُهُ وَهُوَ جَمْعٌ لَطِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ اُسْتُحِبَّ تَسْمِيَتُهُ ، بَلْ يُسَنُّ تَسْمِيَةُ السَّقْطِ ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى سُمِّيَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا كَخَارِجَةَ وَطَلْحَةَ وَهِنْدَ وَيُسَنُّ أَنْ يُحَسَّنَ اسْمُهُ لِخَبَرِ { إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ } .
وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ زَادَ أَبُو دَاوُد وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ } وَتُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ ، كَشَيْطَانٍ وَظَالِمٍ وَشِهَابٍ وَحِمَارٍ وَكُلَيْبٍ ، وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ عَادَةً ، كَنَجِيحٍ وَبَرَكَةَ لِخَبَرِ { لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَك أَفْلَحَ وَلَا نَجِيحًا وَلَا يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا فَإِنَّك إذَا قُلْت أَثَمَّ هُوَ ؟ قَالَ لَا } ، وَيُسَنُّ أَنْ تُغَيَّرَ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ ، وَقَالَ أَنْتِ جَمِيلَةٌ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا ، فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ } ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ التَّسْمِيَةُ بِسِتِّ النَّاسِ أَوْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا تُعْرَفُ السِّتُّ إلَّا فِي الْعَدَدِ ،

وَمُرَادُ الْعَوَامّ بِذَلِكَ سَيِّدَةٌ ، وَلَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَشَاهَانْ شَاهْ ، وَمَعْنَاهُ مَلِكُ الْأَمْلَاكِ ، وَلَا مَلِكَ الْأَمْلَاكِ إلَّا اللَّهُ ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ التَّحْرِيمَ فِي قَاضِي الْقُضَاةِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ حَاكِمُ الْحُكَّامِ ، وَفِي مِنْهَاجِ الْحَلِيمِيِّ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا تَقُولُوا الطَّبِيبَ وَقُولُوا الرَّفِيقَ فَإِنَّمَا الطَّبِيبُ اللَّهُ } وَإِنَّمَا سُمِّيَ الرَّفِيقَ ، لِأَنَّهُ يَرْفُقُ بِالْعَلِيلِ وَأَمَّا الطَّبِيبُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ ، وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَيس وَطَه خِلَافًا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى { السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ } عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ التَّوْحِيدِ مِنْ النَّارِ وَأَوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ مَنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ نَبِيٍّ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَا السَّلَامُ وَأَنْتُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَا الْمُؤْمِنُ ، فَيُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ بِبَرَكَةِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ } وَفِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ لِابْنِ سَبْعٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّةَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ بِمُحَمَّدٍ فَقَدْ جَهِلَ } وَقَالَ مَالِكٌ سَمِعْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمْ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا رُزِقُوا رِزْقَ خَيْرٍ ، قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ

يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوا ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ أَوْ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ ، وَالتَّسْمِيَةُ بِعَبْدِ النَّبِيِّ قَدْ تَجُوزُ إذَا قُصِدَ بِهِ التَّسْمِيَةُ لَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَالَ الْأَكْثَرُونَ إلَى الْمَنْعِ مِنْهُ خَشْيَةَ التَّشْرِيكِ لِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَاعْتِقَادِ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّسَمِّي بِعَبْدِ الْكَعْبَةِ وَعَبْدِ الْعُزَّى قِيلَ شَهِدَ رَجُلٌ عِنْدَ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ مَا اسْمُك ؟ قَالَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْك أَسْمَاءُ بَنِي آدَمَ حَتَّى تَسَمَّيْت بِاسْمِ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْك الْأَسْمَاءُ حَتَّى تَسَمَّيْت بِاسْمِ الشَّيْطَانِ ، فَإِنَّ اسْمَهُ الْحَارِثُ ، وَيَحْرُمُ تَلْقِيبُ الشَّخْصِ بِمَا يَكْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَالْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ ، وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا بِهِ ، فَالْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ لَا يُنْهَى عَنْهَا ، فَقَدْ لُقِّبَ الصِّدِّيقُ بِعَتِيقٍ ، وَعُمَرُ بِالْفَارُوقِ ، وَحَمْزَةُ بِأَسَدِ اللَّهِ ، وَخَالِدٌ بِسَيْفِ اللَّهِ ، وَمَا زَالَتْ الْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَّا مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ التَّوَسُّعِ حَتَّى لَقَّبُوا السَّفَلَةَ بِالْأَلْقَابِ الْعَلِيَّةِ .
وَهَبْ الْعُذْرَ مَبْسُوطًا ، فَمَا أَقُولُ فِي تَلْقِيبِ مَنْ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ فِي قَبِيلٍ وَلَا دَبِيرٍ بِفُلَانِ الدِّينِ هِيَ لَعَمْرُ اللَّهِ الْغُصَّةُ الَّتِي لَا تُسَاغُ ، وَمَعْنَى اللَّقَبِ اسْمُ مَا يُدْعَى الِاسْمُ بِهِ يُشْعِرُ بِضَعَةِ الْمُسَمَّى أَوْ رِفْعَتِهِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ الشُّهْرَةُ ، فَمَا كَانَ مَكْرُوهًا نُهِيَ عَنْهُ ، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى أَهْلُ الْفَضْلِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَدٌ وَأَمَّا التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ فَهُوَ حَرَامٌ ، وَقَدْ قَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ هَذَا الْكِتَابِ .
وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا مُبْتَدِعٌ ،

لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا ، بَلْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ أَوْ تَعْرِيفٍ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ ، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ ، وَيُسَنُّ لِوَلَدِ الشَّخْصِ وَتِلْمِيذِهِ وَغُلَامِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ ، وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُكَنِّيَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ فِي كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ لَا يُعْرَفَ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ مَنْ الِاسْمِ .

وَيُحْلَقَ رَأْسُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا ، وَيُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً .
( وَ ) يُسَنُّ فِي سَابِعِ وِلَادَةِ الْمَوْلُودِ أَنْ ( يُحْلَقَ رَأْسُهُ ) كُلُّهَا لِمَا مَرَّ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ ( بَعْدَ ذَبْحِهَا ) أَيْ الْعَقِيقَةِ كَمَا فِي الْحَاجِّ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي كَرَاهَتِهِ فِيهَا تَنْبِيهٌ : لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْحَلْقِ يَوْمَ السَّابِعِ ، وَجَزَمَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِكَوْنِهِ فِيهِ ، وَلِذَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ فِي التَّسْمِيَةِ ، وَلَا يَكْفِي حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَا تَقْصِيرُ الشَّعْرِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ ، فَفِي اسْتِحْبَابِ إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَيْهِ احْتِمَالَانِ ( وَ ) أَنْ ( يُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ) أَيْ الشَّعْرِ ( ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ) وَفِي الْمَجْمُوعِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِضَّةٌ ، وَفِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِضَّةٌ ، فَهِيَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقِيسَ بِالْفِضَّةِ الذَّهَبُ ، وَبِالذَّكَرِ الْأُنْثَى ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنْ الْفِضَّةِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ الْمُتَيَسِّرَةُ إذْ ذَاكَ ، فَتَعْبِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ تَنْبِيهٌ : مَنْ لَمْ يَفْعَلْ بِشَعْرِهِ مَا ذُكِرَ يَنْبَغِي لَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ كَانَ شَعْرُ الْوِلَادَةِ بَاقِيًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ يَوْمَ الْحَلْقِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ احْتَاطَ وَأَخْرَجَ الْأَكْثَرَ .

فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لَا أَدْرِي رُخْصَةً فِي تَثْقِيبِ أُذُنِ الصَّبِيَّةِ لِأَجْلِ تَعْلِيقِ حُلِيِّ الذَّهَبِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ فِيهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ جُرْحٌ مُؤْلِمٌ ، وَمِثْلُهُ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ .
وَالتَّزَيُّنُ بِالْحُلِيِّ غَيْرُ مُهِمٍّ ، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا فَهُوَ حَرَامٌ ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ وَاجِبٌ ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ فِي الْبُخَارِيِّ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ مِنْ أَقْرَاطِهِنَّ وَخَوَاتِيمِهِنَّ فِي حِجْرِ بِلَالٍ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا عَلَى التَّثْقِيبِ ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ تَثْقِيبَ آذَانِ الْبَنَاتِ لِلزِّينَةِ جَائِزٌ وَيُكْرَهُ لِلصِّبْيَانِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ بِتَثْقِيبِ آذَانِ الصِّبْيَةِ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وُلِدَ أَبُو إِسْحَاقَ مَثْقُوبَ الْأُذُنَيْنِ فَمَضَى جَدِّي إلَى الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَكُونُ ابْنُك رَأْسًا إمَّا فِي الْخَيْرِ وَإِمَّا فِي الشَّرِّ .

وَيُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ ، وَيُحَنَّكَ بِتَمْرٍ .

( وَ ) يُسَنُّ أَنْ ( يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ ) الْيُمْنَى وَيُقَامُ فِي الْيُسْرَى ( حِينَ يُولَدُ ) لِخَبَرِ ابْنِ السَّنِيِّ { مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى ، وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ } أَيْ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ وَلْيَكُنْ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ ، وَأَنْ يَقُولَ فِي أُذُنِهِ - أَيْ الْيُمْنَى - : إنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِلَفْظِ الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ النَّسَمَةِ وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ رَزِينٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ أَيْ أُذُنِهِ الْيُمْنَى سُورَةَ الْإِخْلَاصِ } ( وَ ) أَنْ ( يُحَنَّكَ ) الْمَوْلُودُ ( بِتَمْرٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى ، وَإِنْ خَصَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالذِّكْرِ فَيُمْضَغُ وَيُدَلَّكُ بِهِ حَنَكُهُ ، وَيَفْتَحُ فَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ فَيُحَنِّكُهُ بِحُلْوٍ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِابْنِ أَبِي طَلْحَةَ حِينَ وُلِدَ وَتَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ ثُمَّ مَجَّهُ فِي فِيهِ فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَبُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ ، وَأَنْ يُهَنَّأَ الْوَالِدُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشَدَّهُ وَرُزِقَتْ بِرَّهُ ، وَأَنْ يَرُدَّ هُوَ عَلَى الْمُهَنِّئِ ، فَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أَوْ أَجْزَلَ

اللَّهُ ثَوَابَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
تَتِمَّةٌ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ آكَدُ الدِّمَاءِ الْمَسْنُونَةِ الْهَدَايَا ، ثُمَّ الضَّحَايَا ، ثُمَّ الْعَقِيقَةُ ، ثُمَّ الْعَتِيرَةُ ، ثُمَّ الْفَرْعُ ، وَالْعَتِيرَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ ، وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا ، وَالْفَرَعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلُ نَتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا وَيُكْرَهَانِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ } .

خَاتِمَةٌ يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَدَّهِنَ غِبًّا بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - : أَيْ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَيْثُ يَجِفُّ الْأَوَّلُ ، وَأَنْ يَكْتَحِلَ وِتْرًا لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةً ، وَأَنْ يَحْلِقَ الْعَانَةَ ، وَيُقَلِّمَ الظُّفْرَ ، وَيَنْتِفَ الْإِبِطَ ، وَيَجُوزُ حَلْقُ الْإِبِطِ ، وَنَتْفُ الْعَانَةِ وَيَكُونُ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ وَالسُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ حَلْقُ الْعَانَةِ ، وَفِي الْمَرْأَةِ نَتْفُهَا وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَالْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ ، وَكَيْفِيَّةُ التَّقْلِيمِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُسَبِّحَةِ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا أَشْرَفُ ، إذْ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ فِي التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ الْوُسْطَى لِكَوْنِهَا عَنْ يَمِينِ الْمُسَبِّحَةِ إذَا نَزَلَتْ الْأَرْضَ عَلَى سِمَتِهَا مَبْسُوطَةَ الْكَفِّ عَلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ الْخِنْصَرِ ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ ، ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى ، ثُمَّ بِنْصِرِهَا ، ثُمَّ الْوُسْطَى ، ثُمَّ السَّبَّابَةِ ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ بِمَا بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى ، وَأَنْ يَقُصَّ الشَّارِبَ حَتَّى يُبَيِّنَ حَدَّ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِحَفِّ الشَّوَارِبِ مَحْمُولٌ عَلَى حَفِّهَا مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَتَأْخِيرُهَا إلَى بَعْدِ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ كَرَاهَةً ، وَأَنْ يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ ، وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ ، وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَاطِفَ الْأُذُنِ وَصِمَاخَهَا فَيُزِيلَ مَا فِيهِ مِنْ الْوَسَخِ بِالْمَسْحِ ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَأَنْ يَغْسِلَ دَاخِلَ الْأَنْفِ تَيَامُنًا فِي كُلِّ الْمَذْكُورَاتِ ، وَأَنْ يُخَضِّبَ الشَّعْرَ الشَّائِبَ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ ، وَهُوَ بِالسَّوَادِ حَرَامٌ ، لِقَوْلِهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اجْتَنِبُوا السَّوَادَ إلَّا لِمُجَاهِدٍ فِي الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ } وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِلرَّجُلِ حَرَامٌ إلَّا لِعُذْرٍ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسَنُّ لَهَا مُطْلَقًا ، وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ احْتِيَاطًا ، وَيُسَنُّ فَرْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَتَمْشِيطُهُ بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ } وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ حَلْقُ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهُ .
وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنَظُّفَ ، وَلَا بِتَرْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْهُنَهُ وَيُرَجِّلَهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَيُكْرَهُ نَتْفُ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ ، وَنَتْفُ الشَّيْبِ وَاسْتِعْجَالُ الشَّيْبِ بِالْكِبْرِيتِ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ ، وَنَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَتَشْعِيثُهَا إظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّصَنُّعِ ، وَالنَّظَرُ فِي سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا إعْجَابًا وَافْتِخَارًا ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِذَارَيْنِ مِنْ الصُّدْغِ .
وَالنَّقْصُ مِنْهُمَا ، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ { قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ } .

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ جَمْعُ طَعَامٍ أَيْ بَيَانُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ ، إذْ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ ؛ لِأَنَّ فِي تَنَاوُلِ الْحَرَامِ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ { أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ } .
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } وقَوْله تَعَالَى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } أَيْ مَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَلَالُ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ ، فَكَيْفَ يَقُولُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ .

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ حَيَوَانُ الْبَحْرِ السَّمَكُ مِنْهُ حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ ، وَكَذَا غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ لَا ، وَقِيلَ إنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ حَلَّ ، وَإِلَّا فَلَا : كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ

فَائِدَةٌ اسْمُ الطَّيِّبِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : الْحَلَالُ وَمِنْهُ { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ } ، وَالطَّاهِرُ وَمِنْهُ { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } ، وَمَا لَا أَذًى فِيهِ كَقَوْلِهِمْ هَذَا يَوْمٌ طَيِّبٌ ، وَمَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ كَقَوْلِهِمْ هَذَا طَعَامٌ طَيِّبٌ ( حَيَوَانُ الْبَحْرِ ) وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ وَعَيْشُهُ خَارِجَهُ كَعَيْشِ الْمَذْبُوحِ ، مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ رِئَةٌ كَأَنْوَاعِ السَّمَكِ ، وَمِنْهُ مَا لَهُ رِئَةٌ كَالضُّفْدَعِ فَإِنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ فَائِدَةٌ رَوَى الْقَزْوِينِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِي الْأَرْضِ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ ، وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ } وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ " لِلَّهِ تَعَالَى ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ ، أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ ، وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ " ( السَّمَكُ مِنْهُ ) أَيْ مَا هُوَ بِصُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ ( حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ ) حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَصَدْمَةِ حَجَرٍ أَوْ ضَرْبَةِ صَيَّادٍ أَوْ انْحِسَارِ مَاءٍ رَاسِبًا كَانَ أَوْ طَافِيًا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } أَيْ مَصِيدُهُ وَمَطْعُومُهُ ، وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ طَعَامُهُ مَا طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } وَالصَّحِيحُ فِي حَدِيثِ الْعَنْبَرِ أَنَّهُمْ وَجَدُوهُ بِشَاطِئِ الْبَحْرِ مَيْتًا فَأَكَلُوا مِنْهُ ، وَقَدَّمُوا مِنْهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْهُ .
نَعَمْ إنْ انْتَفَخَ الطَّافِي بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ السَّقَمُ يَحْرُمُ لِلضَّرُورَةِ ، قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَالشَّاشِيُّ تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى مَوْتِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَحِلُّ بَلْعُ سَمَكَةٍ حَيَّةً ، وَأَنَّهُ يَحِلُّ

قَلْيُ صِغَارِ السَّمَكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَقَّ جَوْفُهُ وَيُعْفَى عَمَّا فِيهِ ، وَأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ حَلَّ أَكْلُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْقَيْءِ ( وَكَذَا غَيْرُهُ ) أَيْ السَّمَكِ مِمَّا لَيْسَ عَلَى صُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ حَلَالٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْمَارَّيْنِ ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كُلُّ دَابَّةٍ تَمُوتُ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ ذَكَّاهَا اللَّهُ لَكُمْ " ( وَقِيلَ لَا ) يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَمَكًا ، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ يَسُمَّاهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الذَّكَاةُ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي انْقِسَامِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إلَى سَمَكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ السَّمَكَ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا ، وَلِهَذَا أَوَّلْت قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ مَا هُوَ بِصُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ ، وَقَوْلَهُ وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ عَلَى صُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ مَا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ الْمَشْهُورَةِ ( وَقِيلَ إنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ ) كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ( حَلَّ ) أَكْلُهُ مَيِّتًا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُؤْكَلْ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ ( فَلَا ) يَحِلُّ ( كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ ) اعْتِبَارًا لِمَا فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي الْبَرِّ ، وَلِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَرِّ يَحِلُّ لِحَدِيثِ الْعَنْبَرِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحِ أَمَّا إذَا ذُبِحَ مَا أُكِلَ شَبَهُهُ فِي الْبَرِّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ جَزْمًا ، وَلَوْ كَانَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ ، وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مَذْبُوحًا فَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا أُكِلَ مَيِّتًا كَمَا قَدَّرْته .

وَمَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ : كَضِفْدَعٍ وَسَرَطَانٍ وَحَيَّةٍ حَرَامٌ .

( وَمَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ كَضِفْدَعٍ ) بِكَسْرِ الضَّادِ مَعَ فَتْحِ الدَّالِ ، وَكَسْرُهَا بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الضَّادِ مَعَ كَسْرِ الدَّالِ وَضَمُّهَا مَعَ فَتْحِ الدَّالِ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْمَسِيحِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا عَظْمَ لَهُ ( وَسَرَطَانٍ ) وَيُسَمَّى أَيْضًا عَقْرَبَ الْمَاءِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بَحْرٍ ( وَحَيَّةٍ ) وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَدَخَلَتْ الْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جِنْسِهِ كَدَجَاجَةٍ وَعَقْرَبٍ وَ تِرْسَةٍ وَهِيَ اللَّجَأَةُ ، وَسُلَحْفَاةٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَةِ سَاكِنَةٍ وَتِمْسَاحٍ ( حَرَامٌ ) لِلسُّمِّيَّةِ فِي الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَلِلِاسْتِخْبَاثِ فِي غَيْرِهِمَا ، وَلِأَنَّ التِّمْسَاحَ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ الْقِرْشِ بِكَسْرِ الْقَافِ ، وَيُقَالُ لَهُ اللَّخَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، لَكِنْ أَجَابَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ بِحِلِّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَفِي تَحْرِيمِ النِّسْنَاسِ - بِكَسْرِ النُّونِ - وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي التَّحْرِيمُ وَهُوَ عَلَى خِلْقَةِ النَّاسِ ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ جِنْسٌ مِنْ الْخَلْقِ يَثِبُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَيَتَكَلَّمُ ، وَمَتَى ظَفِرَ بِالْإِنْسَانِ قَتَلَهُ يُوجَدُ فِي جَزَائِرِ الصِّينِ ، يَنْقُرُ كَمَا يَنْقُرُ الطَّيْرُ ، وَفِي الْمُحْكَمِ أَنَّهُ سَبُعٌ مِنْ أَخْبَثِ السِّبَاعِ تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْحَيَّةَ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ حَلَالٌ ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِتَحْرِيمِهَا هِيَ وَغَيْرِهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ الْبَحْرِيَّةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ قُلْت الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ ، وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنِّسْنَاسِ عَلَى غَيْرِ مَا فِي

الْبَحْرِ ا هـ .
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّامِلِ بَعْدَ نَقْلِهِ نُصُوصَ الْحِلِّ قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ جَمِيعُ مَا فِيهِ إلَّا الضِّفْدَعَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ ا هـ .
وَالنَّهْيُ هُوَ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنْ نَعِيقَهَا تَسْبِيحٌ " وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّمَا حَرُمَ لِأَنَّهُ كَانَ جَارَ اللَّهِ بِالْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْعَرْشُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ عَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى ذَوَاتُ السُّمُومِ أَيْضًا .

قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَكْلُ الدنيلس فِي مِصْرَ وَالسَّرَطَانِ فِي الشَّامِ ا هـ .
أَمَّا السَّرَطَانُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ ، وَأَمَّا الدنيلس فَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعُلَمَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِ الْبَحْرِ ، وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ أَصْلُ السَّرَطَانِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهُ ، وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ لَمْ يَأْتِ عَلَى تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَصِحَّ ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ يُؤْكَلُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ .

وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الْأَنْعَامُ وَالْخَيْلُ ، وَبَقَرُ وَحْشٍ وَحِمَارُهُ ، وَظَبْيٌ وَضَبُعٌ وَضَبٌّ وَأَرْنَبٌ وَثَعْلَبٌ وَيَرْبُوعٌ وَفَنَكٌ وَسَمُّورٌ ، وَيَحْرُمُ بَغْلٌ وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ ، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَفِيلٍ وَقِرْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينِ وَصَقْرٍ وَنَسْرٍ وَعُقَابٍ وَكَذَا ابْنُ آوَى وَهِرَّةُ وَحْشٍ فِي الْأَصَحِّ .

( وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الْأَنْعَامُ ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } ( وَالْخَيْلُ ) وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ ، وَقِيلَ مُفْرَدُهُ خَائِلٌ ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ } وَفِيهِمَا عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { نَحْرنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ } وَأَمَّا خَبَرُ خَالِدٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مُنْكَرٌ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد مَنْسُوخٌ ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى التَّحْرِيمِ ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ مَعَ أَنَّهُ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ مَرْدُودٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلُحُومُ الْحُمُرِ إنَّمَا حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ بِالِاتِّفَاقِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الصَّحَابَةُ فِي الْآيَةِ تَحْرِيمًا لَا لِلْحُمُرِ وَلَا لِغَيْرِهَا ، فَإِنَّهَا لَوْ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَيْلِ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْحُمُرِ ، وَهُمْ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهَا ، بَلْ امْتَدَّتْ الْحَالُ إلَى يَوْمِ خَيْبَرَ فَحُرِّمَتْ .
وَأَيْضًا الِاقْتِصَارُ عَلَى رُكُوبِهَا وَالتَّزَيُّنِ بِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ ( وَبَقَرُ وَحْشٍ ) وَهُوَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمَعْزِ الْأَهْلِيَّةِ

وَقُرُونُهَا أَصْلَابٌ جِدًّا تَمْنَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهَا ( وَحِمَارُهُ ) أَيْ الْوَحْشِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ ، وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الثَّانِي { كُلُوا مِنْ لَحْمِهِ وَأَكَلَ مِنْهُ } وَقِيسَ بِهِ الْأَوَّلُ ، وَلَا فَرْقَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَيْنَ أَنْ يُسْتَأْنَسَ أَوْ يَبْقَى عَلَى تَوَحُّشِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْأَهْلِيِّ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ( وَظَبْيٌ ) وَظَبْيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ( وَضَبُعٌ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ سُكُونُهَا اسْمٌ لِلْأُنْثَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { يَحِلّ أَكْلُهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : وَمَا زَالَ النَّاسُ يَأْكُلُونَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَلِأَنَّ نَابَهَا ضَعِيفٌ لَا تَتَقَوَّى وَلَا تَعِيشُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَمُ حَتَّى يُصَادَ قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهَا أَنَّهَا تَحِيضُ وَتَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى ، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ ضِبْعَانُ ( وَضَبٌّ ) لِأَنَّهُ { أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ، فَقِيلَ لَهُ أَحَرَامٌ هُوَ ؟ .
قَالَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْهُ إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَهُوَ حَيَوَانٌ لِلذَّكَرِ مِنْهُ ذَكَرَانِ ، وَلِلْأُنْثَى فَرْجَانِ لَا تَسْقُطُ أَسْنَانُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ ( وَأَرْنَبٌ ) بِالتَّنْوِينِ بِخَطِّهِ ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِلَا تَنْوِينٍ لِمَنْعِ صَرْفِهِ ، وَهُوَ وَاحِدُ الْأَرَانِبِ ، وَحَيَوَانٌ شِبْهُ الْعَنَاقِ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ عَكْسُ الزَّرَافَةِ يَطَأُ الْأَرْضَ عَلَى مُؤَخَّرِ قَدَمَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ { بُعِثَ بِوَرِكِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ } ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَبَا حَنِيفَةَ ذَلِكَ فَحَرَّمَهَا مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا

تَحِيضُ كَالضَّبُعِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَهُ أَيْضًا ( وَثَعْلَبٌ ) بِمُثَلَّثَةٍ أَوَّلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ ، وَلِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحُصَيْنِ ، وَالْأُنْثَى ثَعْلَبَةٌ ، وَكُنْيَتهَا أُمُّ هُوَيْلٍ ( وَيَرْبُوعٌ ) لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ ، وَأَوْجَبَ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَهُ جَفْرَةً ، وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ الْفَأْرَ ، قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ أَبْيَضُ الْبَطْنِ أَغْبَرُ الظَّهْرِ بِطَرَفِ ذَنَبِهِ شَعَرَاتٌ وَوَقَعَ لِلدَّمِيرِيِّ فِي شَرْحِهِ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ( وَفَنَكٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ ، وَهُوَ حَيَوَانٌ يُؤْخَذُ مِنْ جِلْدِهِ الْفَرْوُ لِلِينِهِ وَخِفَّتِهِ ( وَسَمُّورٌ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ السِّنَّوْرَ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُ ذَلِكَ ، وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ ثَعَالِبِ التُّرْكِ تَتِمَّةٌ يَحِلُّ أَيْضًا الْقُنْفُذُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَبْرُ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا ، وَالدُّلْدُلُ وَهُوَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ بَيْنَ الدَّالَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَضْمُومَتَيْنِ دَابَّةٌ قَدْرُ السَّخْلَةِ ذَاتُ شَوْكٍ طِوَالٍ يُشْبِهُ السِّهَامَ ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عَظِيمُ الْقَنَافِذِ ، وَابْنُ عُرْسٍ ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ ، وَجَمْعُهُ بَنَاتُ عُرْسٍ ، وَالْحَوَاصِلُ جَمْعُ حَوْصَلَةٍ ، وَيُقَالُ لَهُ حَوْصَلٌ ، وَهُوَ طَائِرُ أَبْيَضُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَرْكِيِّ ، ذُو حَوْصَلَةٍ عَظِيمَةٍ يُتَّخَذُ مِنْهَا فَرْوٌ ، وَيَكْثُرُ بِمِصْرَ ، وَيُعْرَفُ بِهَا بِالْبَجَعِ ، وَالْقَاقِمُ بِضَمِّ الْقَافِ الثَّانِيَةِ دُوَيْبَّةٌ يُتَّخَذُ جِلْدُهَا فَرْوًا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ .
( وَيَحْرُمُ بَغْلٌ ) لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَلِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ

فَإِنَّهُ مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ فَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ فَرَسًا كَانَ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْحِمَارِ ، أَوْ حِمَارًا كَانَ الذَّكَرُ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْفَرَسِ ، فَإِنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ وَحْشِيٍّ ، أَوْ بَيْنَ فَرَسٍ وَبَقَرٍ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ ( وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ ) وَإِنْ تَوَحَّشَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحِ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو زِيَادٍ ، وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ مَحْمُودٍ ( وَكُلُّ ذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا يَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ وَيَتَقَوَّى بِنَابِهِ ( وَ ) ذِي ( مِخْلَبٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ ظُفْرٍ ( مِنْ الطَّيْرِ ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَعَنْ الثَّانِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ فَذُو النَّابِ ( كَأَسَدٍ ) وَذَكَرَ لَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ خَمْسَمِائَةِ اسْمٍ ، وَزَادَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ مِائَةَ اسْمٍ وَثَلَاثِينَ اسْمًا ( وَنَمِرٍ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، وَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ أَخْبَثُ مِنْ الْأَسَدِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَنَمُّرِهِ وَاخْتِلَافِ لَوْنِ جَسَدِهِ ، يُقَالُ تَنَمَّرَ فُلَانٌ أَيْ تَنَكَّرَ وَتَغَيَّرَ ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ غَالِبًا إلَّا غَضْبَانَ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ ذَا قَهْرٍ ، وَسَطَوَاتٍ عَتِيدَةٍ ، وَوَثَبَاتٍ شَدِيدَةٍ ، إذَا شَبِعَ نَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَرَائِحَةُ فِيهِ طَيِّبَةٌ .
( وَذِئْبٍ ) بِالْهَمْزِ وَعَدَمِهِ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ يَلْتَحِمُ عِنْدَ السِّفَادِ كَالْكَلْبِ ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالِانْفِرَادِ وَالْوَحْدَةِ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو جَعْدَةٍ ، وَالْأُنْثَى ذِيبَةٌ ، وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى فَرِيسَةٍ شَبِعَ مِنْهَا ، وَيَنَامُ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ وَالْأُخْرَى يَقْظَى حَتَّى تَكْتَفِيَ الْعَيْنُ النَّائِمَةُ مِنْ النَّوْمِ ، ثُمَّ يَفْتَحُهَا وَيَنَامُ بِالْأُخْرَى لِيَحْتَرِسَ بِالْيَقْظَى وَيَسْتَرِيحَ بِالنَّائِمَةِ ، وَفِيهِ حَاسَّةُ الشَّمِّ يَشُمُّ الشَّيْءَ مِنْ فَرْسَخٍ ، وَإِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ

دَخَلَ وَكَرِهَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يَطِيبَ الْهَوَاءُ ، فَإِذَا جَاعَ مَصَّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْجُوعُ ، وَيَخْرُجُ أَسْمَنَ مَا كَانَ ، وَيَسْفِدُ الذَّكَرُ الْأُنْثَى مُضْطَجِعَةً عَلَى الْأَرْضِ ، وَتَضَعُ جَرْوَهَا قِطْعَةَ لَحْمٍ غَيْرَ مُمَيَّزِ الْجَوَارِحِ ، فَلَا تَزَالُ تَلْحَسُهُ حَتَّى تَتَمَيَّزَ أَعْضَاؤُهُ ( وَدُبٍّ ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو حَيْدٍ ، وَالْأُنْثَى دِبَّةٌ ( وَفِيلٍ ) وَجَمْعُهُ فِيلَةٌ وَأَفْيَالٌ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ، وَالْفِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَاسْمُهُ مَحْمُودٌ ، وَالذَّكَرُ يَنْزُو إذَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ ، وَتَحْمِلُ الْأُنْثَى لِسَنَتَيْنِ ، وَهُوَ صَاحِبُ حِقْدٍ ، وَلِسَانُهُ مَقْلُوبٌ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَكَلَّمَ ، وَيَخَافُ مِنْ الْهِرَّةِ خَوْفًا شَدِيدًا ، وَفِيهِ مِنْ الْفَهْمِ مَا يَقْبَلُ بِهِ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْلِيمَ ، وَيُعَمِّرُ كَثِيرًا ، وَالْهِنْدُ تُعَظِّمُهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ ( وَقِرْدٍ ) وَجَمْعُهُ قِرَدَةٌ وَقُرُودٌ ، وَهُوَ حَيَوَانٌ قَبِيحٌ مَلِيحٌ ذَكِيٌّ سَرِيعُ الْفَهْمِ تَلِدُ الْأُنْثَى فِي الْبَطْنِ الْوَاحِدَةِ الْعَشَرَةَ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ فِي غَالِبِ حَالَاتِهِ ، فَإِنَّهُ يَضْحَكُ وَيَضُرُّ وَيَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ ، وَيَأْنَسُ بِالنَّاسِ ، وَالذَّكَرُ شَدِيدُ الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِنَاثِ ، وَمِنْ ذِي النَّابِ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْفَهْدُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِهَا ، وَالْبَبْرُ بِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ ، وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ السِّبَاعِ يُعَادِي الْأَسَدَ مِنْ الْعَدْوِ لَا مِنْ الْمُعَادَاةِ ، وَيُقَالُ لَهُ الْفُرَانِقُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ ، شَبِيهٌ بِابْنِ آوَى ( وَ ) ذِي الْمِخْلَبِ نَحْوِ ( بَازٍ ) مِنْ أَشَدِّ الْحَيَوَانِ وَأَضْيَقِهِ خَلْقًا ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ ، وَيُقَالُ فِي التَّثْنِيَةِ بَازَانِ ، وَفِي الْجَمْعِ بُزَاةٌ ( وَشَاهِينِ ) هُوَ فَارِسِيٌّ

مُعَرَّبٌ ( وَصَقْرٍ وَنَسْرٍ ) بِفَتْحِ النُّونِ ، وَيُقَالُ بِتَثْلِيثِهَا ( وَعُقَابٍ ) وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَجَّاجِ تَنْبِيهٌ : دَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ جَوَارِحِ الطَّيْرِ لِاسْتِخْبَاثِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ يُكْرَهُ ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الصَّقْرَ قَسِيمًا لِلْبَازِي وَالشَّاهِينِ ، وَأَنْكَرَهُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهَا صُقُورٌ .
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ .
وَيُجَابُ عَنْهُ هُنَا بِمَا أَجَابَ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذِي الْمِخْلَبِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَالْيَرْبُوعُ ( وَكَذَا ابْنُ آوَى ) بِالْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ ، وَهُوَ فَوْقَ الثَّعْلَبِ وَدُونَ الْكَلْبِ طَوِيلُ الْمَخَالِبِ ، فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الذِّئْبِ وَشَبَهٌ مِنْ الثَّعْلَبِ ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى عُوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ ، وَلَا يَعْوِي إلَّا لَيْلًا إذَا اسْتَوْحَشَ وَبَقِيَ وَحْدَهُ ، وَصِيَاحُهُ يُشْبِهُ صِيَاحَ الصِّبْيَانِ ( وَهِرَّةُ وَحْشٍ ) يَحْرُمَانِ ( فِي الْأَصَحِّ ) .
أَمَّا ابْنُ آوَى فَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ ، وَلَهُ نَابٌ يَعْدُو بِهِ ، وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَوَجْهُ حِلِّهِ أَنَّ نَابَهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الْهِرَّةُ فَلِأَنَّهَا تَعْدُو بِنَابِهَا فَتُشْبِهُ الْأَسَدَ ، وَوَجْهُ حِلِّهَا أَنَّهَا حَيَوَانٌ يَنْقَسِمُ إلَى أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ ، فَيَحِلُّ الْوَحْشِيُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ الْأَهْلِيُّ كَالْحِمَارِ ، وَاحْتَرَزَ بِالْوَحْشِيَّةِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ ، فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا سَبُعٌ ، وَقِيلَ تَحِلُّ لِضَعْفِ نَابِهَا تَنْبِيهٌ : قَالَ الدَّمِيرِيُّ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهِرَّةٌ وَحَذَفَ لَفْظَ وَحْشٍ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ انْتَهَى .
وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ بِاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْرِيرِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ الْجَزْمَ بِحُرْمَتِهَا وَأَمَّا ابْنُ مُقْرِضٍ ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ، وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الدَّلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَلَا يَحْرُمُ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ ، هَذَا مَا

جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ تَحْرِيمِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ غَلَّطَهُ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ أَكْهَلُ اللَّوْنِ ، طَوِيلُ الظَّهْرِ ، أَصْغَرُ مِنْ الْفَأْرِ يَقْتُلُ الْحَمَامَ ، وَيَقْرِضُ الثِّيَابَ وَأَمَّا النِّمْسُ الَّذِي يَأْوِي الْخَرَابَ مِنْ الدُّورِ وَنَحْوِهَا ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْقِرَدَةِ فَيَحْرُمُ ، لِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ الدَّجَاجَ فَهُوَ كَابْنِ آوَى .

وَيَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ وَحِدَأَةٍ وَفَأْرَةٍ وَكُلِّ سَبُعٍ ضَارٍ ، وَكَذَا رَخَمَةٌ وَبُغَاثَةٌ ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ وَتَحْرِيمُ بَبَّغَاء وَطَاوُوسٍ ، وَتَحِلُّ نَعَامَةٌ وَكَرْكِيٌّ

( وَيَحْرُمُ ) أَكْلُ ( مَا نُدِبَ قَتْلُهُ ) لِإِيذَائِهِ ( كَحَيَّةٍ ) وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ( وَعَقْرَبٍ ) اسْمٌ لِلْأُنْثَى ، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ ( وَغُرَابٍ أَبْقَعَ ) وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِهِ يُوهِمُ حِلَّ غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ ( وَحِدَأَةٍ ) بِوَزْنِ عِنَبَةٍ ( وَفَأْرَةٍ ) بِالْهَمْزَةِ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ خَرَابٍ وَجَمْعُهَا فِئَرَةٌ بِالْهَمْزِ ( وَكُلِّ سَبُعٍ ) بِضَمِّ الْبَاءِ ( ضَارٍ ) بِالتَّخْفِيفِ - أَيْ عَادٍ ، وَالْبُرْغُوثِ بِضَمِّ الْبَاءِ ، وَالزُّنْبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ ، وَالْبَقِّ ، وَالْقَمْلِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { خَمْسٌ تُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ ، وَالْحِدَأَةُ ، وَالْفَأْرَةُ ، وَالْعَقْرَبُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْحَيَّةُ } بَدَلُ الْعَقْرَبِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ذَكَرَ السَّبُعَ الْعَادِيَ مَعَ الْخَمْسِ ، وَقِيسَ بِهِنَّ الْبَاقِي لِإِيذَائِهَا ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ مَا ذُكِرَ إسْقَاطٌ لِحُرْمَتِهِ وَمَنْعٌ مِنْ اقْتِنَائِهِ ، وَلَوْ أُكِلَ لَجَازَ اقْتِنَاؤُهُ .
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ عُمُومِ تَحْرِيمِ مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ الْبَهِيمَةُ الْمَأْكُولَةُ اللَّحْمِ إذَا وَطِئَهَا الْآدَمِيُّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الزِّنَا مَعَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ بِالضَّارِي عَنْ نَحْوِ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ مِمَّا نَابُهُ ضَعِيفٌ ، فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ إنَّمَا نُدِبَ قَتْلُهَا لِإِيذَائِهَا كَمَا مَرَّ ، إذْ لَا نَفْعَ فِيهَا ، وَمَا فِيهِ نَفْعٌ وَمَضَرَّةٌ لَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِنَفْعِهِ ، وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهِ ، وَيُكْرَهُ قَتْلُ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ كَالْخَنَافِسِ جَمْعُ خُنْفُسَاءَ بِضَمِّ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا ، وَالْجِعْلَانِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو جِعْرَانٍ ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ تَعَضُّ بَعْضَ الْبَهَائِمِ فِي فَرْجِهَا فَتَهْرُبُ ، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ

الْخُنْفُسَاءِ ، شَدِيدَةُ السَّوَادِ ، فِي بَطْنِهَا لَوْنُ حُمْرَةٍ ، لِلذَّكَرِ قَرْنَانِ وَالرَّخَمُ وَالْكَلْبُ غَيْرُ الْعَقُورِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ ( وَكَذَا رَخَمَةٌ ) وَهِيَ طَائِرٌ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ قَيْسٍ لِخُبْثِ غِذَائِهَا ( وَبُغَاثَةٌ ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَالْحِدَأَةِ ، وَهِيَ طَائِرٌ أَبْيَضُ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ أَصْغَرُ مِنْ الْحِدَأَةِ لَهُ مِخْلَبٌ ضَعِيفٌ .
تَنْبِيهٌ : يَحْرُمُ أَيْضًا النَّهَّاسُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ طَائِرٌ صَغِيرٌ يَنْهَسُ اللَّحْمَ بِطَرَفِ مِنْقَارِهِ ، وَأَصْلُ النَّهْسِ أَكْلُ اللَّحْمِ بِطَرَفِ الْأَسْنَانِ وَأَمَّا النَّهْشُ بِالْمُعْجَمَةِ فَهُوَ الْأَكْلُ بِجَمِيعِهَا فَتَحْرُمُ الطُّيُورُ الَّتِي تَنْهَسُ كَالسِّبَاعِ الَّتِي تَنْهَشُ لِاسْتِخْبَاثِهَا ( وَالْأَصَحُّ حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ ) وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ ، لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ يَأْكُلُ الزَّرْعَ فَأَشْبَهَ الْفَوَاخِتَ وَالثَّانِي نَظَرَ إلَى أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَمَّا مَا عَدَا الْأَبْقَعَ وَغُرَابَ الزَّرْعِ فَأَنْوَاعٌ أَحَدُهَا الْعَقْعَقُ وَيُقَالُ لَهُ الْقَعْقَعُ ، وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ ، طَوِيلُ الذَّنْبِ ، قَصِيرُ الْجَنَاحِ ، عَيْنَاهُ يُشْبِهَانِ الزِّئْبَقَ ، صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ ، كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِصَوْتِهِ .
ثَانِيهَا الْغُدَافُ الْكَبِيرُ ، وَيُسَمَّى الْغُرَابَ الْجَبَلِيَّ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ ، فَهَذَانِ حَرَامَانِ لِخُبْثِهِمَا .
ثَالِثُهَا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ ، وَهُوَ أَسْوَدُ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ ، وَهَذَا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ ، فَقِيلَ يَحْرُمُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِلْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ ، وَقِيلَ بِحِلِّهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِحِلِّهِ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ ، وَاعْتَمَدَهُ

الْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( تَحْرِيمُ بَبَّغَاءٍ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُهَا ، وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ، وَبِالْقَصْرِ طَائِرٌ أَخْضَرُ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ ، لَهُ قُوَّةٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأَصْوَاتِ وَقَبُولِ التَّلْقِينِ قَالَ ابْنُ مُطَرِّفٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمُ ذَكَرٍ مِنْ لَفْظِهَا ( وَ ) يَحْرُمُ ( طَاوُوسٌ ) وَهُوَ طَائِرٌ فِي طَبْعِهِ الْعِفَّةُ وَحُبُّ الزَّهْوِ بِنَفْسِهِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْإِعْجَابُ بِرِيشِهِ وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ يُتَشَاءَمُ بِهِ ، وَوَجْهُ تَحْرِيمِهِ وَمَا قَبْلَهُ خُبْثُهُمَا وَالثَّانِي يَمْنَعُ ذَلِكَ .
تَتِمَّةٌ : يَحْرُمُ أَيْضًا مُلَاعِبُ ظِلِّهِ ، وَهُوَ طَائِرٌ يَسْبَحُ فِي الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ عَلَى طَائِرٍ ، وَالضُّبُوعُ وَهُوَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ، يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَيَقُولُ فِي صَيْحِهِ صَدَا أَوْ قِيَاد فَيَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ ، وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ الْحِرَابِ وَأُمُّ الصِّبْيَانِ ، وَيُقَالُ لَهَا غُرَابُ اللَّيْلِ ، وَتَحْرِيمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِخْبَاثِهَا ( وَتَحِلُّ نَعَامَةٌ ) بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَضَوْا فِيهَا إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ بِبَدَنَةٍ ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ الْبَيْضِ ، وَلَيْسَتْ بِطَائِرٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي طَبَائِعِ الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَتْ تَبِيضُ ، وَلَهَا جَنَاحٌ وَرِيشٌ ( وَ ) يَحِلُّ ( كَرْكِيٌّ ) قَطْعًا ، وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ شَاذٌّ ، وَهُوَ طَائِرٌ كَبِيرٌ مَعْرُوفٌ ، كُنْيَتُهُ أَبُو نُعَيْمٍ ، وَفِي طَبْعِهِ التَّحَارُسُ بِالنَّوْبَةِ فِي اللَّيْلِ ، وَإِذَا كَبُرَ أَبَوَاهُ عَالَهُمَا ، وَلَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إلَّا بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ وَيُعَلِّقُ الْأُخْرَى ، وَإِذَا وَضَعَهُمَا وَضْعًا خَفِيفًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْسِفَ الْأَرْضُ بِهِ .

وَبَطٌّ وَإِوَزٌّ وَدَجَاجٌ وَحَمَامٌ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبِ وَصَعْوَةٍ وَزُرْزُورٍ ، لَا خُطَّافٌ ، وَنَمْلٌ وَنَحْلٌ وَذُبَابٌ وَ حَشَرَاتٌ كَخُنْفُسَاءَ وَدُودٍ .

( وَ ) يَحِلُّ طَيْرُ الْمَاءِ ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ مِنْهَا ( بَطٌّ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ( وَإِوَزٌّ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ .
تَنْبِيهٌ : عَطْفُهُ عَلَى الْبَطِّ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا ، وَفَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِوَزَّ بِالْبَطِّ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ : الْبَطُّ هُوَ الْإِوَزُّ الَّذِي لَا يَطِيرُ .
تَنْبِيهٌ : جَمِيعُ طُيُورِ الْمَاءِ حَلَالٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ إلَّا اللَّقْلَقَ ، وَهُوَ طَيْرٌ طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْخَبَائِثَ وَيَصُفُّ فَلَا يَحِلُّ لِاسْتِخْبَاثِهِ وَرُوِيَ " كُلْ مَا رَفَّ وَدَعْ مَا صَفَّ " ( وَ ) يَحِلُّ ( دَجَاجٌ ) بِالْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ، يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ ، وَلَيْسَتْ الْهَاءُ لِلتَّأْنِيثِ ، وَحِلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ إنْسِيُّهُ وَوَحْشِيُّهُ ، " وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَهُ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَ ) يَحِلُّ ( حَمَامٌ ) بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ، وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَاحِدَتُهُ حَمَامَةٌ ، وَلَيْسَتْ الْهَاءُ فِيهَا لِلتَّأْنِيثِ ( وَهُوَ ) عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ نَقْلًا عَنْ الْعَرَبِ ذَوَاتُ الْأَطْوَاقِ كَالْفَوَاخِتِ وَالْقَمَارِيِّ ، وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَالشَّافِعِيِّ نَقْلًا عَنْ الْأَزْهَرِيِّ ( كُلُّ مَا عَبَّ ) أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ بِأَنْ شَرِبَ جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ ( وَهَدَرَ ) أَيْ رَجَّعَ الصَّوْتَ تَنْبِيهٌ : جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى وَصْفِهِ بِالْهَدِيرِ مَعَ الْعَبِّ ، فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْعَبِّ ، وَيَحِلُّ الْوَرَشَانُ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالرَّاءِ ذَكَرُ الْقُمْرِيِّ ، وَقِيلَ طَائِرٌ مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ الْفَاخِتَةِ وَالْحَمَامَةِ ، وَيَحِلُّ الْقَطَا جَمْعُ قَطَاةٍ ، وَهُوَ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ ، وَالْحَجَلُ بِالْفَتْحِ جَمْعُ حَجَلَةٍ وَهُوَ

طَائِرٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ كَالْقَطَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ ، وَيُسَمَّى دَجَاجَ الْبَرِّ ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهَا أُدْرِجَتْ فِي الْحَمَامِ ( وَ ) يَحِلُّ كُلُّ ( مَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَصَى وَفَرَّ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَعْقُوبَ ، وَالْأُنْثَى عُصْفُورَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ، وَبَيْنَهُمَا نُونٌ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ بَعْدَ تَحْتَانِيَّةٍ وَهُوَ الْهَزَارُ ( وَصَعْوَةٍ ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ صِغَارُ الْعَصَافِيرِ الْمُحْمَرَّةِ الرَّأْسِ ( وَزُرْزُورٍ ) وَهُوَ بِضَمِّ الزَّايِ طَائِرٌ مِنْ نَوْعِ الْعُصْفُورِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِزَرْزَرَتِهِ أَيْ تَصْوِيتِهِ ، وَنُغَرٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ عُصْفُورٌ صَغِيرٌ أَحْمَرُ الْأَنْفِ ، وَبُلْبُلٍ بِضَمِّ الْبَاءَيْنِ ، وَكَذَا الْحُمَّرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُقَالُ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الْبُلْبُلَ النُّغَرَةَ وَالْحُمْرَةَ .
وَ ( لَا ) يَحِلُّ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ ، وَهُوَ أُمُورٌ مِنْهَا ( خُطَّافٌ ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ ، وَجَمْعُهُ خَطَاطِيفُ ، وَيُسَمَّى زُوَّارُ الْهِنْدِ ، وَيُعْرَفُ عِنْدَ النَّاسِ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ زَهِدَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَقْوَاتِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّ عَيْنَهُ تُقْلَعُ فَتَعُودُ ، وَلَا يُفْرِخُ فِي عُشٍّ عَتِيقٍ حَتَّى يُطَيِّنَهُ بِطِينٍ جَدِيدٍ وَأَمَّا الْخُفَّاشُ وَيُقَالُ لَهُ الْوَطْوَاطُ فَقَطَعَ الشَّيْخَانِ بِتَحْرِيمِهِ مَعَ جَزْمِهِمَا فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بِوُجُوبِ قِيمَتِهِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ فِي الْحَرَمِ مَعَ تَصْرِيحِهِمَا بِأَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْخُطَّافَ وَالْخُفَّاشَ مُتَغَايِرَانِ ، وَاعْتَرَضَا بِأَنَّ

الْخُفَّاشَ وَالْخُطَّافَ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الْوَطْوَاطُ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ ، بَلْ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ ، فَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّ الْخُطَّافَ عُرْفًا هُوَ طَائِرٌ أَسْوَدُ الظَّهْرِ ، أَبْيَضُ الْبَطْنِ يَأْوِي الْبُيُوتَ فِي الرَّبِيعِ ، وَأَمَّا الْوَطْوَاطُ ، وَهُوَ الْخُفَّاشُ فَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ لَا رِيشَ لَهُ يُشْبِهُ الْفَأْرَةَ ، يَطِيرُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَلِهَذَا أَفْرَدَهُمَا الْفُقَهَاءُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ أَطْلَقَ اللُّغَوِيُّونَ اسْمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَمِنْهَا هُدْهُدٌ وَصُرَدٌ ، وَهُوَ بِالْحُرُوفِ الْمُهْمَلَةِ طَائِرٌ فَوْقَ الْعُصْفُورِ يَصِيدُ الْعَصَافِيرَ ( وَنَمْلٌ ) وَكُنْيَتُهُ أَبُو مَشْغُولٍ ، وَالْوَاحِدُ نَمْلَةٌ ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ مَارِنٍ ، سُمِّيَتْ نَمْلَةً لِتَنَمُّلِهَا وَهُوَ كَثْرَةُ حَرَكَتِهَا وَقِلَّةُ قَوَائِمِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِي قَتْلِ النَّمْلِ الْمُرَادُ بِهِ النَّمْلُ السُّلَيْمَانِيُّ وَهُوَ الْكَبِيرُ أَمَّا الصَّغِيرُ فَفِي الِاسْتِقْصَاءِ نَقْلًا عَنْ إيضَاحِ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَيْضًا وَوَافَقَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ .
( وَنَحْلٌ ) وَهُوَ ذُبَابُ الْعَسَلِ ، وَالْوَاحِدَةُ نَحْلَةٌ ( وَذُبَابٌ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَهُوَ أَجْهَلُ الْخَلْقِ ؛ لِأَنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْهَلَكَةِ ، وَضَرَبَ اللَّهُ بِهِ الْمَثَلَ فِي الْقُرْآنِ ، وَهُوَ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ ( وَ ) لَا تَحِلُّ ( حَشَرَاتٌ ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ ، وَصِغَارُ هَوَامِّهَا الْوَاحِدَةُ حَشَرَةٌ بِالتَّحْرِيكِ ( كَخُنْفُسَاءَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحُ ثَالِثِهِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهِ وَبِالْمَدِّ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ الْفَسْوِ ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ مِنْهَا بَنَاتُ وَرْدَانَ وَحِمَارُ قَبَّانَ وَالصِّرْصَارُ ، وَتَحْرُمُ ذَوَاتُ السَّمُومِ وَالْإِبَرِ وَالْوَزَغُ بِأَنْوَاعِهَا لِاسْتِخْبَاثِهَا ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَمَرَ بِقَتْلِهَا ، وَوَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ ، وَيَحْرُمُ سَامٌّ أَبْرَصُ وَهُوَ كِبَارُ الْوَزَغِ وَالْعِضَاهِ ، وَهِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ دُوَيْبَّةٌ أَكْبَرُ مِنْ الْوَزَغِ ، وَاللُّحَكَا بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ دُوَيْبَّةٌ كَأَنَّهَا سَمَكَةٌ مَلْسَاءُ مُشَرَّبَةٌ بِحُمْرَةٍ تُوجَدُ فِي الرَّمْلِ ، فَإِذَا أَحَسَّتْ بِالْإِنْسَانِ دَارَتْ بِالرَّمْلِ وَغَاصَتْ فِيهِ ( وَدُودٍ ) جَمْعُ دُودَةٍ وَجَمْعُ الْجَمْعِ دِيدَانٌ وَهُوَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ تَدْخُلُ فِيهَا الْأَرَضَةُ ، وَدُودُ الْقَزِّ وَالدُّودُ الْأَخْضَرُ يُوجَدُ عَلَى شَجَرِ الصَّنَوْبَرِ ، وَدُودُ الْفَاكِهَةِ ، وَتَقَدَّمَ حِلُّ أَكْلِ دُودِ الْخَلِّ وَالْفَاكِهَةِ مَعَهُ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى مِنْ الْحَشَرَاتِ الْقُنْفُذَ ، وَأُمَّ حُبَيْنٍ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ فِي آخِرَ وَالْوَبْرُ وَالضَّبُّ وَالْيَرْبُوعُ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ .

وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ .

( وَكَذَا ) لَا يَحِلُّ ( مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ) كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ كَلْبٍ وَشَاةٍ إذَا تَحَقَّقْنَا ذَلِكَ بِأَنْ رَأَيْنَا كَلْبًا نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ سَخْلَةً تُشْبِهُ الْكَلْبَ ، فَلَوْ لَمْ نَرَ ذَلِكَ وَوَلَدَتْ سَخْلَةً تُشْبِهُ الْكَلْبَ قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ ، وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ نَحْوُهُ ، وَمِنْ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ السِّبْعُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ فِيهِ شِدَّةُ الضَّبُعِ ، وَجَرَاءَةُ الذِّئْبِ أَسْرَعُ مِنْ الرِّيحِ عَدْوًا كَثِيرُ الْوَثَبَاتِ ، وَالْبَغْلُ لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ كَمَا مَرَّ ، وَالزَّرَافَةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا كَمَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الضَّمُّ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ ، وَبِتَحْرِيمِهَا جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَمَنَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ التَّحْرِيمَ ، وَحَكَى أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَفْتَى بِحِلِّهَا وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَحَكَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي وَتَتِمَّةِ التَّتِمَّةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا ، وَمَنْقُولُ اللُّغَةِ أَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ مِنْ الْوَحْشِ ، وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ نِسْبَتَهُ لِلنَّصِّ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا فِي الْمَجْمُوعِ سَهْوٌ ، وَصَوَابُهُ الْعَكْسُ ا هـ .
وَهَذَا الْخِلَافُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ ، فَمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ ظَاهِرٌ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهَا مِمَّا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهَا لَا تَتَقَوَّى بِنَابِهَا ، وَأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَرَهَا ، وَظَنَّ أَنَّهَا تَتَقَوَّى بِهِ كَسَائِرِ السِّبَاعِ ، وَقِيلَ إنَّ الَّذِي فِي التَّنْبِيهِ الزَّرَّاقَةُ بِالْقَافِ ، وَهُوَ حَيَوَانٌ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ غَيْرُ الَّذِي يُسَمَّى الزَّرَافَةَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ .

وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ إنْ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ ، وَ طِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ ، وَإِنْ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا ، وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ .

( وَمَا ) أَيْ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي ( لَا نَصَّ فِيهِ ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ ، لَا خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَا وَرَدَ فِيهِ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ ( إنْ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ ) أَيْ ثَرْوَةٍ وَخِصْبٍ ( وَ ) أَهْلُ ( طِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ ) أَكْثَرِ ( الْعَرَبِ ) سُكَّانُ بِلَادٍ أَوْ قُرًى ( فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ ، وَإِنْ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا ) يَحِلُّ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ الْحِلَّ بِالطَّيِّبِ ، وَالتَّحْرِيمَ بِالْخَبِيثِ ، وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَخْبِثُهُ كُلُّ الْعَالَمِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ عَادَةً لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْضَهُمْ ، وَالْعَرَبُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ إذْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا ، وَلِأَنَّ الدِّينَ عَرَبِيٌّ ، وَخَرَجَ بِأَهْلِ الْيَسَارِ الْمُحْتَاجُونَ ، وَبِسَلِيمَةٍ أَجْلَافُ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ ، وَبِحَالِ الرَّفَاهِيَةِ حَالُ الضَّرُورَةِ ، فَلَا عِبْرَةَ بِهَا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ جَمْعٍ مِنْهُمْ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ وَيُرْجَعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ ، فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ فَحَلَالٌ أَوْ اسْتَخْبَثَتْهُ فَحَرَامٌ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ حَالُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِطَابَتِهِ اُتُّبِعَ الْأَكْثَرُ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَلَا تَرْجِيحَ أَوْ شَكُّوا أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اعْتَبَرْنَا قُرْبَ الْحَيَوَانِ شَبَهًا بِهِ صُورَةً أَوْ طَبْعًا أَوْ طَعْمًا ، فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُشْبِهُهُ فَحَلَالٌ لِآيَةِ {

قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا فَاعْتِمَادُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحِلِّ أَوْلَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ ، وَانْدَفَعَ بِمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ اعْتِرَاضُ الْبُلْقِينِيُّ ، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَمْ يَسْتَقِمْ فَقَدْ حُكِمَ بِحِلِّ الثَّعْلَبِ ، وَتَحْرِيمِ الْبَبَّغَاءِ وَالطَّاوُوسِ ، وَلَيْسَ فِيهَا نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ أَوْ قَوْلُ عَالِمٍ فَقَوْلُ الْعَالِمِ لَيْسَ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ ، وَإِنْ أُرِيدَ نَصُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ نَصُّ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ نَصٌّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ ( وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا ) أَيْ الْعَرَبُ عَنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ ( وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ ) لَهُ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْمِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ ) مِنْ الْحَيَوَانِ فِي الصُّورَةِ أَوْ الطَّبْعِ أَوْ الطَّعْمِ فِي اللَّحْمِ ، فَإِنْ تَسَاوَى الشَّبَهَانِ أَوْ فُقِدَ مَا يُشْبِهُهُ حَلَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُكْمِ الْحَيَوَانِ الْحَرَامِ أَخَذَ مِنْ حُكْمِ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ .

وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ حَرُمَ أَكْلُهُ ، وَقِيلَ يُكْرَهُ .
قُلْت : الْأَصَحُّ يُكْرَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ حَلَّ .

فَقَالَ ( وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ ) مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَدَجَاجٍ ، وَلَوْ يَسِيرًا ( حَرُمَ أَكْلُهُ ) أَيْ اللَّحْمِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْخَبَائِثِ ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا ، وَشُرْبِ لَبَنِهَا وَرُكُوبِهَا كَمَا قَالَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ، وَيُقَالُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ ، وَهِيَ الْعَذِرَةُ وَالْبَعْرُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ ، وَالْحُكْمُ مَنُوطٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّغَيُّرِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّحْرِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ ، وَإِطْلَاقُهُ هُنَا التَّعْبِيرَ يَشْمَلُ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ ، وَقَيَّدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِالرَّائِحَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، فَإِنَّ تَغَيُّرَ الطَّعْمِ أَشَدُّ ( وَقِيلَ يُكْرَهُ ) لِنَتْنِ لَحْمِهَا ( قُلْت الْأَصَحُّ يُكْرَهُ ) كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَنْ إيرَادِ أَكْثَرِهِمْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ النَّهْيَ ، إنَّمَا هُوَ لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ نَتُنَ اللَّحْمُ الْمُذَكَّى وَتَرَوَّحَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِاللَّحْمِ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ لَحْمِهَا وَلَبَنِهَا وَبَيْضِهَا فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وِفَاقًا وَخِلَافًا ، بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى شَعْرِهَا وَصُوفِهَا الْمُنْفَصِلِ فِي حَيَاتِهَا ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا ا هـ .
وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا بِلَا حَائِلٍ ( فَإِنْ عُلِفَتْ ) عَلَفًا ( طَاهِرًا ) أَوْ مُتَنَجِّسًا كَشَعِيرٍ أَصَابَهُ مَاءٌ نَجِسٌ

أَوْ نَجِسُ الْعَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ ( فَطَابَ ) لَحْمُهَا بِزَوَالِ رَائِحَتِهِ ( حَلَّ ) مَا ذُكِرَ ، وَإِنْ عُلِفَتْ دُونَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى .
وَأَمَّا خَبَرُ " حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا " وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَلَفِ الطَّاهِرِ ، فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، وَخَرَجَ بِعُلِفَتْ مَا لَوْ غُسِلَتْ هِيَ أَوْ لَحْمُهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا أَوْ طُبِخَ لَحْمُهَا فَزَالَ التَّغَيُّرُ ؛ فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ ، وَكَذَا بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ غَيْرُهُ تَزُولُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمَرْوَزِيُّ ، تَبَعًا لِلْقَاضِي وَقَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ نَظِيرُ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِذَلِكَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا فِي مُرُورِ الزَّمَانِ عَلَى اللَّحْمِ فَلَوْ مَرَّ عَلَى الْجَلَّالَةِ أَيَّامٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَأْكُلَ طَاهِرًا أَيْ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا مَرَّ حَلَّتْ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْعَلَفُ بِطَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَلَفٍ ، وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَلَّ الْمُرَادُ زَوَالُ التَّحْرِيمِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَالْكَرَاهَةِ عَلَى الثَّانِي ، فَلَوْ قَالَ لَمْ يُكْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى ، إذْ الْحِلُّ يُجَامِعُ الْكَرَاهَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ حِلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ .

فُرُوعٌ لَوْ رَبَّى سَخْلَةً بِلَبَنِ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ كَانَتْ كَالْجَلَّالَةِ ، وَلَوْ غَذَّى شَاةً نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ بِمَالٍ حَرَامٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ أَكْلُهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ شَاةٍ عُلِفَتْ بِعَلَفٍ مَغْصُوبٍ مِنْ الْوَرَعِ ، وَلَا يَحْرُمُ تَرْكُ الْوَرَعِ ، وَلَا تُكْرَهُ الثِّمَارُ الَّتِي سُقِيَتْ بِالْمِيَاهِ النَّجِسَةِ وَلَا حَبُّ زَرْعٍ نَبَتَ فِي نَجَاسَةٍ كَزِبْلٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، إذْ لَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَثَرُهَا ، وَقَضِيَّةُ مَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ التَّغَيُّرُ فِيهَا كُرِهَتْ ، وَلَا يُكْرَهُ بَيْضٌ سُلِقَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَلَوْ نَتُنَ اللَّحْمُ أَوْ الْبَيْضُ لَمْ يَنْجَسْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَطْعًا ، وَيَحِلُّ أَكْلُ النَّقَانِقِ وَالشَّوِيِّ وَالْهَرَائِسِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو مِنْ الدَّمِ غَالِبًا .

فَائِدَةٌ قِيلَ إنَّ الْكَلْبَ إذَا عَضَّ حَيَوَانًا وَذُبِحَ مَنْ أَكَلَ مِنْهُ كَلْبٌ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ .

وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ كَخَلٍّ وَدِبْسٍ ذَائِبٍ حَرُمَ .
( وَلَوْ تَنَجَّسَ ) مَائِعٌ ( طَاهِرٌ كَخَلٍّ ) وَدُهْنٍ ( وَدِبْسٍ ذَائِبٍ ) بِمُعْجَمَةٍ ( حَرُمَ ) تَنَاوُلُهُ لِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ الْمَارِّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَ الْمُتَنَجِّسُ دَابَّتَهُ .

وَلَوْ وَقَعَ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ شَيْءٌ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ ، وَخَالَفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ : الْمُخْتَارُ الْحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ .

وَلَوْ تَحَقَّقَ إصَابَةُ رَوْثِ الْفِئْرَانِ الْقَمْحَ عِنْدَ دَرْسِهِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ وَيُسَنُّ غَسْلُ الْفَمِ مِنْ أَكْلِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ .

وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ مَكْرُوهٌ ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ .

( وَمَا كُسِبَ ) أَيْ الْمَكْسُوبُ ( بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ ؛ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ ) لِنَجِسٍ كَزِبْلٍ ( مَكْرُوهٌ ) لِلْحُرِّ تَنَاوُلُهُ وَلَوْ اكْتَسَبَهُ رَقِيقٌ ( وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ ، وَ ) أَنْ ( يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ ) وَلَا يُكْرَهُ لِلرَّقِيقِ ، وَإِنْ كَسَبَهُ حُرٌّ ( وَ ) يَعْلِفَهُ ( نَاضِحَهُ ) وَهُوَ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ يُسْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ ، وَحُكْمُ سَائِرِ الدَّوَابِّ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ أَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَاعْلِفْهُ نَاضِحَك } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْحُرِّ وَدَنَاءَةُ غَيْرِهِ ، وَصَرَفَ النَّهْيَ عَنْ الْحُرْمَةِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ } ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ الْأَخْذُ حَرُمَ الْإِعْطَاءُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَأُجْرَةِ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، كَأَنْ أَعْطَى الشَّاعِرَ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ أَوْ الظَّالِمَ لِئَلَّا يَمْنَعَهُ حَقَّهُ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ ، فَإِنَّ الْإِثْمَ عَلَى الْآخِذِ دُونَ الْمُعْطِي فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ غَيْرُهَا مِنْ كُلِّ مَا تَحْصُلُ بِهِ مُخَامَرَةُ النَّجَاسَةِ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ يُفْهِمُ جَوَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَلْبُوسًا أَوْ نَحْوَهُ ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّعْمِيمُ بِوُجُوهِ الْإِنْفَاقِ حَتَّى التَّصَدُّقِ بِهِ وَقَالَ فِي الذَّخَائِرِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَوْ شُبْهَةٌ وَالْكُلُّ لَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَخُصُّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ ، فَإِنَّ

التَّبِعَةَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ آكَدُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُهُ وَالْعِيَالُ لَا تَعْلَمُهُ .
ثُمَّ قَالَ إنَّ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَأَهْلَهُ سَوَاءٌ فِي الْقُوتِ وَالْمَلْبَسِ دُونَ سَائِرِ الْمُؤَنِ مِنْ أُجْرَةِ حَمَّامٍ وَقِصَارَةِ ثَوْبٍ وَعِمَارَةِ مَنْزِلٍ وَفَحْمِ تَنُّورٍ وَشِرَاءِ حَطَبٍ وَدُهْنِ سِرَاجٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُؤَنِ ، وَلَوْ غَلَبَ الْحَرَامُ فِي يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ الْغَزَالِيُّ حَرُمَتْ عَطِيَّتُهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَقَالَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ مَعَ أَنَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَرَى عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَلَوْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ دَنِيئَةً بِلَا مُخَامَرَةِ نَجَاسَةٍ كَفَصْدٍ وَحِيَاكَةٍ لَمْ تُكْرَهْ ، إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَامَرَةُ نَجَاسَةٍ ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِكَرَاهَةِ مَا مَرَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقِيلَ الْعِلَّةُ دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ .

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ كَسْبَ الصُّوَّاغِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُخْلِفُونَ الْوَعْدَ وَيَقَعُونَ فِي الرِّبَا لِبَيْعِهِمْ الْمَصُوغَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ ، وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ " مَا " فِي كَلَامِهِ مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ ، إذْ لَوْ كَانَتْ مَوْصُولَةً لَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَكْسُوبَ بِذَلِكَ مَكْرُوهٌ ، وَنَفْسُ الْمَكْسُوبِ لَا يُوصَفُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ، إنَّمَا تَتَعَلَّقُ الْكَرَاهَةُ بِالْكَسْبِ .

فُرُوعٌ أَفْضَلُ مَا أَكَلْت مِنْهُ كَسْبُك مِنْ زِرَاعَةٍ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ ، وَلِخَبَرِ { لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا ، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ } ، ثُمَّ مِنْ صِنَاعَةٍ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ ، ثُمَّ مِنْ تِجَارَةٍ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا ، .

وَيَحْرُمُ تَنَاوُلُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ وَالسُّمِّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ كَالْأَفْيُونِ ، وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ ، وَرُبَّمَا يَقْتُلُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } لَكِنَّ قَلِيلَهُ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِلتَّدَاوِي بِهِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .

وَيَحِلُّ أَكْلُ كُلِّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِآيَةِ { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ } إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ دُبِغَ ، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } أَمَّا جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ دُبِغَ وَإِلَّا مَا اُسْتُقْذِرَ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ لِاسْتِقْذَارِهِ ، وَإِلَّا الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الصَّيْدِ .

وَفِي حِلِّ أَكْلِ بِيضِ مَا لَا يُؤْكَلُ خِلَافٌ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ ، وَمَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَى الْمَنْعِ ، وَيَحْرُمُ النَّبَاتُ الْمُسْكِرُ وَإِنْ لَمْ يُطْرِبْ لِإِضْرَارِهِ بِالْعَقْلِ ، وَلَا حَدَّ فِيهِ إنْ لَمْ يُطْرِبْ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْرَبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ أَسْكَرَ لِلضَّرُورَةِ ، وَمَا لَا يُسْكِرُ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحْدَهُ .

وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ .

( وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا ) أَوْ عَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ ، سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَمْ لَا ( فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ ) بِالْمُعْجَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَكَاتُهَا بِذَبْحِهَا ، أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ { ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ أَيْ ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا ، وَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَحُرِّمَ ذَكَاتُهَا مَعَ ظُهُورِ الْحَمْلِ كَمَا لَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ قَوَدًا أَمَّا إذَا خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْكُنَ عَقِبَ ذَبْحِ أُمِّهِ ، فَلَوْ اضْطَرَبَ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَأَقَرَّاهُ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَرْوَزِيُّ وَقَالَا بِالْحِلِّ مُطْلَقًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ إذَا مَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَكَاتِهَا مَيْتَةٌ لَا مَحَالَةَ ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَيْهِ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلُّ الْحِلِّ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ ، فَلَوْ ضَرَبَ حَامِلًا عَلَى بَطْنِهَا وَكَانَ الْجَنِينُ مُتَحَرِّكًا فَسَكَنَ حَتَّى ذُبِحَتْ أُمُّهُ فَوُجِدَ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعُدَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَحِلُّ إنْ مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ، وَشَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَخْرُجَ مُضْغَةً مُخَلَّقَةً ، فَإِنْ كَانَ عَلَقَةً لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ دَمٌ وَلَوْ لَمْ

تَتَخَطَّطْ الْمُضْغَةُ لَمْ تَحِلَّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ يَعْنِي لَوْ كَانَتْ مِنْ آدَمِيٍّ ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا .

وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا وَوَجَدَ مُحَرَّمًا لَزِمَهُ أَكْلُهُ .
( وَمَنْ خَافَ ) مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ ( عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا ) أَوْ زِيَادَتَهُ ، أَوْ طُولَ مُدَّتِهِ ، أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ ، أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ عَنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَأْكُلُهُ ، وَيُسَمَّى هَذَا الْخَائِفُ مُضْطَرًّا ( وَوَجَدَ مُحَرَّمًا ) كَمَيْتَةٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَطَعَامِ الْغَيْرِ ( لَزِمَهُ أَكْلُهُ ) لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ ، وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِأَكْلِ الْحَلَالِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُ حُصُولِ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَخَوْفِ طُولِ الْمَرَضِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ ، بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ ، بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ اضْطَرَّتْ امْرَأَةٌ إلَى طَعَامٍ وَامْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بِوَطْئِهَا زِنًا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ بِخِلَافِ إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ ، فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ فِيهَا إلَى نَفْسِ الْمُحَرَّمِ وَتَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ ، وَهَذَا الِاضْطِرَارُ لَيْسَ إلَى الْمُحَرَّمِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمُحَرَّمُ وَسِيلَةً إلَيْهِ ، وَقَدْ لَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ ، إذْ قَدْ يُصِرُّ عَلَى الْمَنْعِ بَعْدَ وَطْئِهَا .

وَقِيلَ يَجُوزُ .
( وَقِيلَ ) : لَا يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ ، بَلْ ( يَجُوزُ ) تَرْكُهُ وَأَكْلُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِسْلَامُ لِلصَّائِلِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلصَّائِلِ يُؤْثِرُ مُهْجَةَ غَيْرِهِ عَلَى مُهْجَتِهِ طَلَبًا لِلشَّهَادَةِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ ، وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسْلِمَا قَالَ وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ ، وَمَنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمُحَرَّمَ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ كَمَيْتَةِ شَاةٍ وَحِمَارٍ ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ فِي حَيَاتِهِ كَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فِي حَيَاتِهِ كَحِمَارٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ مَيْتَةِ الطَّاهِرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي صَحَّحَهُ لَيْسَ وَجْهًا ثَابِتًا فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ ا هـ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ وَجْهٌ ثَابِتٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي .

فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالًا قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ ، وَإِلَّا فَفِي قَوْلٍ يَشْبَعُ ، وَالْأَظْهَرُ سَدُّ الرَّمَقِ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا إنْ اقْتَصَرَ .

( فَإِنْ تَوَقَّعَ ) مُضْطَرٌّ ( حَلَالًا قَرِيبًا ) أَيْ عَلَى قُرْبٍ ( لَمْ يَجُزْ ) قَطْعًا ( غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ ) لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ ، وَقَدْ يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ } قِيلَ أَرَادَ بِهِ الشِّبَعَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ أَيْ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ ، لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ حَلَالًا قَرِيبًا ( فَفِي قَوْلٍ يَشْبَعُ ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ لَهُ تَنَاوُلَ قَلِيلِهِ فَجَازَ لَهُ الشِّبَعُ كَالْمُذَكِّي ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشِّبَعِ أَنْ يَمْلَأَ جَوْفَهُ حَتَّى لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا ، فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ قَطْعًا ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا ، بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَكْسِرَ سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ ( وَالْأَظْهَرُ ) لَا يَشْبَعُ بَلْ يَجِبُ ( سَدُّ الرَّمَقِ ) فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ ، فَلَا يُبَاحُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ( إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا ) أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتَهُ ( إنْ اقْتَصَرَ ) عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَتُبَاحُ لَهُ الزِّيَادَةُ ، بَلْ تَلْزَمُهُ لِئَلَّا يُهْلِكَ نَفْسَهُ تَنْبِيهٌ : يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ رَجَا الْوُصُولَ إلَى الْحَلَالِ يَبْدَأُ وُجُوبًا بِلُقْمَةٍ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى يَأْكُلَهَا لِتَتَحَقَّقَ الضَّرُورَةُ ، .

وَإِذَا وَجَدَ الْحَلَالَ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ الْمَيْتَةَ وَنَحْوَهَا لَزِمَهُ الْقَيْءُ - أَيْ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ حَتَّى شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مُحَرَّمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ بَلْ عَلَى الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا إنْ تَوَقَّعَ مَعْرِفَةَ الْمُسْتَحِقِّ ، إذْ الْمَالُ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ .

وَلَهُ أَكْلُ آدَمِيٍّ
( وَلَهُ ) أَيْ الْمُضْطَرِّ ( أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ ) إذَا لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً غَيْرَهُ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَأَقَرَّهُ وَمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرًا ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِشَرَفِ الْإِسْلَامِ ، بَلْ لَنَا وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مُسْلِمًا .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ جَوَّزْنَا أَكْلَ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ لَا يَجُوزُ طَبْخُهَا وَلَا شَيُّهَا لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ ، وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا .

وَقَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ ، لَا ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلْأَكْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) لَهُ ( قَتْلُ مُرْتَدٍّ ) وَأَكْلُهُ ( وَ ) قَتْلُ ( حَرْبِيٍّ ) بَالِغٍ وَأَكْلُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ ، وَلَهُ قَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ ، لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَتَأَدُّبًا مَعَهُ وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ ( لَا ) قَتْلُ ( ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ ) وَمُعَاهَدٍ ( وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ ) وَحَرْبِيَّةٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمْ ( قُلْت الْأَصَحُّ حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلْأَكْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَعْصُومَيْنِ ، وَمَنْعُ قَتْلِهِمَا فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ لَا لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِمَا الْكَفَّارَةُ تَنْبِيهٌ : حُكْمُ مَجَانِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَرِقَّائِهِمْ وَخَنَاثَاهُمْ كَصِبْيَانِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ حَرْبِيَّيْنِ أَكَلَ الْبَالِغَ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ ، وَقَضِيَّتُهُ إيجَابُ ذَلِكَ فَلْتُسْتَثْنَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ جَوَازَ قَتْلِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ لِلْأَكْلِ ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا شُبِّهَ بِالصَّبِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحِلُّ الْإِبَاحَةِ إذَا لَمْ نَسْتَوْلِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ ، لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ .

وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ وَغَرِمَ ، أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ .
( وَلَوْ وَجَدَ ) مُضْطَرٌّ ( طَعَامَ غَائِبٍ ) وَلَوْ غَيْرَ مُحْرَزٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ( أَكَلَ ) مِنْهُ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ ( وَغَرِمَ ) بَدَلَ مَا أَكَلَهُ مِنْ قِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَمِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ لِحَقِّ الْغَائِبِ ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ أَمْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَقُومُ مَقَامَ الْأَعْيَانِ نَعَمْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ بِالْمَفَازَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَاءِ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُمْتَنِعِ ، وَمَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ وَلِيُّهُمَا غَائِبًا حُكْمُهُ حُكْمُ مَالِ الْغَائِبِ ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ فِي مَالِهِمَا كَالْكَامِلِ تَنْبِيهٌ : فِي وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالْقَدْرِ الْمَأْكُولِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ مُضْطَرًّا يَحْضُرُ عَنْ قُرْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ ( أَوْ ) طَعَامَ ( حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ ) إلَيْهِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ ) - بِمُعْجَمَةٍ - لِغَيْرِهِ ( إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ ) بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ لِحَدِيثِ { ابْدَأْ بِنَفْسِك } وَإِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ بَذْلُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ الْخِضْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِحَيَاتِهِ وَنُبُوَّتِهِ ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ مُضْطَرٍّ مَيْتَةٌ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ مُضْطَرٍّ آخَرَ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا تَنْبِيهٌ : هَلْ الْمُرَادُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْهُ عَنْ سَدِّ الرَّمَقِ أَوْ الشِّبَعِ ؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ حِفْظًا لِلْمُهْجَتَيْنِ .

فَإِنْ آثَرَ مُسْلِمًا جَازَ ، أَوْ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ إطْعَامُ مُضْطَرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلَهُ قَهْرُهُ ، وَإِنْ قَتَلَهُ .

وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرَّيْنِ وَمَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَتَسَاوَيَا فِي الضَّرُورَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالصَّلَاحِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ اُحْتُمِلَ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَسِّمَهُ عَلَيْهِمَا ا هـ .
وَالثَّانِي أَوْجَهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى كَوَالِدٍ وَقَرِيبٍ أَوْ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ إمَامًا مُقْسِطًا ، قُدِّمَ الْفَاضِلُ عَلَى الْمَفْضُولِ ، وَلَوْ تُسَاوَيَا وَمَعَهُ رَغِيفٌ مَثَلًا لَوْ أَطْعَمَهُ لِأَحَدِهِمَا عَاشَ يَوْمًا ، وَإِنْ قَسَّمَهُ بَيْنَهُمَا عَاشَا نِصْفَ يَوْمٍ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الْمُخْتَارُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ ( فَإِنْ آثَرَ ) بِالْمَدِّ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضْطَرًّا ( مُسْلِمًا ) مَعْصُومًا ( جَازَ ) بَلْ يُسَنُّ وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ ، وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالْبَهِيمَةُ ، وَبِالْمَعْصُومِ مُرَاقُ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ ( أَوْ ) وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ ( غَيْرَ مُضْطَرٍّ ) لَهُ ( لَزِمَهُ ) أَيْ غَيْرَ الْمُضْطَرِّ ( إطْعَامُ مُضْطَرٍّ ) مَعْصُومٍ ( مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ) أَوْ نَحْوِهِ كَمُعَاهَدٍ ، وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلضَّرُورَةِ النَّاجِزَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ كَالْحَرْبِيِّ تَنْبِيهٌ : يَجِبُ إطْعَامُ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِ صَاحِبِ الطَّعَامِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ ، وَلَوْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ كَلْبٌ مُبَاحُ الْمَنْفَعَةِ جَائِعٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ لِإِطْعَامِ الْكَلْبِ ، وَيَحِلُّ أَكْلُهَا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مَالِكَ الطَّعَامِ أَوْ وَلِيَّهُ فِي أَخْذِهِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي الْحَالِ مِنْ بَذْلِهِ بِعِوَضٍ لِمُضْطَرٍّ مُحْتَرَمٍ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُضْطَرِّ

( قَهْرُهُ ) عَلَى أَخْذِهِ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْمَانِعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( وَإِنْ قَتَلَهُ ) وَلَا يَجِبُ قِتَالُهُ كَالصَّائِلِ بَلْ أَوْلَى أَيْ إذَا كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُسْلِمًا كَمَا هُوَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلِأَنَّ عَقْلَ الْمَالِكِ أَوْ وَلِيَّهُ وَدِينَهُ يَبْعَثَانِهِ عَلَى الْإِطْعَامِ ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ قِتَالُهُ عَلَى مَا يَدْفَعُ ضَرَرَهُ بِهِ ، وَهُوَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ ، إلَّا أَنْ يَخْشَى الْهَلَاكَ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْمُمْتَنِعِ إنْ قَتَلَهُ ، وَلَا تُؤْخَذُ لَهُ دِيَةٌ ، وَيُقْتَصُّ لَهُ إنْ قَتَلَهُ الْمُمْتَنِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ ، بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ وَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ ، إذْ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ فِعْلٌ مُهْلِكٌ ، لَكِنْ يَأْثَمُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ قَهْرِ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ إلَّا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَهْرُهُ وَلَا قَتْلُهُ ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُسَلَّطُ عَلَى مَيْتَةِ الْمُسْلِمِ ، فَالْحَيُّ أَوْلَى ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلَا يَخْتَصُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِإِطْعَامٍ ، بَلْ لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّوْبِ مِنْ مَالِكِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ .

وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إنْ حَضَرَ ، وَإِلَّا فَبِنَسِيئَةٍ ، فَلَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا فَالْأَصَحُّ لَا عِوَضَ .

( وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمَالِكَ أَوْ وَلِيَّهُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ ( بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إنْ حَضَرَ ) ذَلِكَ الْعِوَضُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعِوَضُ ( فَبِنَسِيئَةٍ ) وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ مَجَّانًا وَلَا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ نَسِيئَةً عِنْدَ عَدَمِ حُضُورِ مَالِهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِهِ فِي حَالِ إعْسَارِهِ ، وَفَائِدَةُ الْحُلُولِ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اُبْذُلْهُ بِعِوَضٍ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ بِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ غُبِنَ فِي شِرَائِهِ ، أَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ وَقَهْرِهِ لَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الِالْتِزَامِ فَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنِ مِثْلٍ ، فَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ هِبَةً لَزِمَهُ قَبُولُهُ ، أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ ، أَوْ بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا وَمَعَهُ ثَمَنُهُ ، أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ حَتَّى بِإِزَارِهِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا إلَّا إنْ خَشِيَ التَّلَفَ بِالْبَرْدِ ( فَلَوْ أَطْعَمَهُ ) أَيْ الْمُضْطَرَّ ( وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا ) بَلْ سَكَتَ عَنْهُ ( فَالْأَصَحُّ لَا عِوَضَ ) حَمْلًا عَلَى الْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ فِي الطَّعَامِ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ وَالثَّانِي عَلَيْهِ الْعِوَضُ ؛ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الْهَلَاكِ .
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْمَالِكُ بِالْإِبَاحَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ إبَاحَةٍ أَوْ تَصَدُّقٍ فَلَا عِوَضَ قَطْعًا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْتِزَامِ عِوَضِ الطَّعَامِ فَقَالَ أَطْعَمْتُك بِعِوَضٍ فَقَالَ بَلْ

مَجَّانًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ، لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ ، وَلَا أُجْرَةَ لِمَنْ خَلَّصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِوُقُوعِهِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ بِلَا أُجْرَةٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ ، فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَقْدِيرِهَا لَمْ يَجِبْ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَذْلُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ مَجَّانًا فَهَلْ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ ضِيقٍ فَلَا يَجِبُ كَمَا هُنَا ، أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِعِوَضٍ مُطْلَقًا ؟ خِلَافٌ نَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلَ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْوَجْهُ ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْفُونِيُّ وَالْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ بَذْلُ مَالٍ فَلَا يُكَلَّفُ بَذْلَهُ بِلَا مُقَابِلٍ بِخِلَافِ تَخْلِيصِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ ، وَلَوْ أُوجِرَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرُّ قَهْرًا ، أَوْ أُوجِرَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْبَدَلُ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ ، بَلْ يَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا أَنَّهُ لَا عِوَضَ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَرُغِّبَ فِيهَا .

وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ ، أَوْ مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا فَالْمَذْهَبُ أَكْلُهَا .

( وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ ) الْغَائِبِ ( أَوْ ) وَجَدَ مُضْطَرٌّ ( مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا ) مَأْكُولًا غَيْرَ مَذْبُوحٍ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَذْبَحُهُ ( فَالْمَذْهَبُ ) يَجِبُ ( أَكْلُهَا ) .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ بِالنَّصِّ وَإِبَاحَةَ مَالِ الْغَيْرِ بِالِاجْتِهَادِ ، وَالنَّصُّ أَقْوَى ، وَلِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ فِيهَا تَحْرِيمَ ذَبْحِ الصَّيْدِ وَتَحْرِيمَ أَكْلِهِ ، وَفِي الْمَيْتَةِ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ ، وَمَا خَفَّ تَحْرِيمُهُ أَوْلَى وَالثَّانِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَالصَّيْدَ وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَجِسٌ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَالثَّانِيَ طَاهِرٌ فِيهِ الضَّمَانُ ، وَالْخِلَافُ فِي الْأُولَى أَوْجَهُ ، وَيُقَالُ أَقْوَالٌ ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ ، وَالثَّالِثُ قَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ ، وَفِيهَا طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِالْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ مَيْتَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ أَصْلًا أَوْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُتَغَابَنُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فِي الْأُولَى ، وَيَجُوزُ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَسُنَّ لَهُ الشِّرَاءُ بِالزِّيَادَةِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : مِثْلُ الْمَيْتَةِ فِي ذَلِكَ صَيْدُ الْحَرَمِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ، فَإِنْ ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ صَارَ مَيْتَةً فَيَتَخَيَّرُ الْمُضْطَرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَيْتَةٌ ، وَلَا مُرَجِّحَ وَلَا قِيمَةَ لِلَحْمِهِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ ، وَفِي الصَّيْدِ وَطَعَامِ الْغَيْرِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ لِبِنَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ ثَانِيهَا يَتَعَيَّنُ الطَّعَامُ ثَالِثُهَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ وَجَدَ الْمَرِيضُ طَعَامًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يَضُرُّهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ فَلَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ دُونَهُ ، وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ شُرْبُ

الْبَوْلِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ النَّجِسِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ أَخَفُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ .

وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ لِأَكْلِهِ .
قُلْت : الْأَصَحُّ جَوَازُهُ ، وَشَرْطُهُ فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ ، وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ لِغَيْرِهِ وَمِنْ مَعْصُومٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَالْأَصَحُّ ) حَيْثُ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا يَأْكُلُهُ ( تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ ) كَجُزْءٍ مِنْ فَخْذِهِ ( لِأَكْلِهِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْهَلَاكُ ( قُلْت ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( الْأَصَحُّ جَوَازُهُ ) لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضِهِ لِاسْتِبْقَاءِ كُلِّهِ ، فَأَشْبَهَ قَطْعَ الْيَدِ بِسَبَبِ الْأَكَلَةِ ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ الْجَوَازِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا ( فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا ) مِمَّا مَرَّ ( وَ ) الْأَمْرُ الثَّانِي ( أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ ) مِنْ الْخَوْفِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ حَرُمَ جَزْمًا فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَطْعِ السِّلْعَةِ الْجَوَازُ عِنْدَ تَسَاوِي الْخَطَرَيْنِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ السِّلْعَةَ لَحْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْبَدَنِ وَفِي قَطْعِهَا إزَالَةُ الشَّيْنِ وَتَوَقُّعُ الشِّفَاءِ وَدَوَامُ الْبَقَاءِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُدَاوَاةِ ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ إفْسَادًا وَتَغْيِيرًا لِبِنْيَتِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُدَاوَاةِ ، وَلِهَذَا قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلَّ الْقَطْعِ هُنَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَجُوزُ قَطْعُهُ فِي غَيْرِ الْإِضْرَارِ ، فَإِنْ كَانَ كَالسِّلْعَةِ وَالْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ حَيْثُ جَازَ قَطْعُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ قَطْعًا ( وَيَحْرُمُ ) جَزْمًا عَلَى شَخْصٍ ( قَطْعُهُ ) أَيْ بَعْضِ نَفْسِهِ ( لِغَيْرِهِ ) مِنْ الْمُضْطَرِّينَ ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ قَطْعُ الْبَعْضِ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ .
تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَبِيًّا ، وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ بَلْ يَجِبُ ( وَ ) يَحْرُمُ عَلَى مُضْطَرٍّ أَيْضًا أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً ( مِنْ ) حَيَوَانٍ ( مَعْصُومٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِمَا مَرَّ .

خَاتِمَةٌ تَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ الْمُبَاحِ مُسْتَحَبٌّ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ ، هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ ، وَأَوْقَاتِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ ، بَلْ تَطْيِيبَ خَاطِرِ الضَّيْفِ وَالْعِيَالِ ، وَقَضَاءَ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ وَفِي إعْطَاءِ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةِ مَذَاهِبُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ : مَنْعُهَا وَقَهْرُهَا لِئَلَّا تَطْغَى ، إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثُهَا لِرَوْحانِيَّتِهَا قَالَ وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي إعْطَاءِ الْكُلِّ سَلَاطَةً عَلَيْهِ وَفِي مَنْعِهِ بَلَادَةً ، وَيُسَنُّ الْحُلْوُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ عَلَى الْأَكْلِ ، وَيُسَنُّ تَقْلِيلُهُ ، وَيُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَلَا ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ الطَّعَامِ الْحَلَالِ إذَا كَانَ الطَّعَامُ لَهُ أَمَّا فِي طَعَامِ مَضِيفِهِ فَإِنْ عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ ، وَإِلَّا فَحَرَامٌ كَمَا مَرَّ فِي الْوَلِيمَةِ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَسْفَلِ الصَّحْفَةِ ، وَيُكْرَهُ مِنْ أَعْلَاهَا ، أَوْ وَسَطِهَا ، وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ الْأَكْلِ فَيَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، وَفِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا } بِرَفْعِهِ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِيَّةِ ، وَبِنَصْبِهِ بِالِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ ، وَبِجَرِّهِ بِالْبَدَلِ مِنْ لِلَّهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَكَلَ وَشَرِبَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ

لَهُ مَخْرَجًا } .

كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ هُمَا سُنَّةٌ :

كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ .
كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا ، مِنْ السَّبْقِ بِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقَ أَيْ تَقَدَّمَ ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْمَالُ الْمَوْضُوعُ بَيْنَ أَهْلِ السِّبَاقِ ( وَالْمُنَاضَلَةِ ) عَلَى السِّهَامِ وَنَحْوِهَا ، وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْمُرَامَاةُ ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُغَالَبَةِ ، يُقَالُ نَاضَلْته فَنَضَلْته كَغَالَبْتُه فَغَلَبْته وَوَزْنًا وَمَعْنًى وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ النِّضَالُ فِي الرَّمْيِ ، وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ ، وَالسِّبَاقُ يَكُونُ فِي الْخَيْلِ وَالرَّمْيِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } .
قِيلَ مَعْنَاهُ نَنْتَضِلُ بِالسِّهَامِ ، فَعَلَى هَذَا ، التَّرْجَمَةُ بِالْمُسَابِقَةِ كَافٍ لِشُمُولِ الْأَمْرَيْنِ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي التَّنْبِيهِ ، وَهَذَا الْبَابُ لَمْ يَسْبِقْ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدٌ إلَى تَصْنِيفِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ ( هُمَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ ذَوِي الْأَعْذَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْأَعْرَجِ يَقْصِدُ التَّأَهُّبَ لِلْجِهَادِ ( سُنَّةٌ ) أَيْ مَسْنُونٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا } .
وَلِخَبَرِ أَنَسٍ { كَانَتْ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ } ، .
وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ ، وَحَسَّنَهُ ، وَابْنِ حِبَّانَ ، وَصَحَّحَهُ { لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا

فَرْضَ كِفَايَةٍ ، لِأَنَّهُمَا مِنْ وَسَائِلِ الْجِهَادِ ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ، وَالْأَمْرُ بِالْمُسَابَقَةِ يَقْتَضِيهِ ، قَالَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَاوِيهِمَا فِي مُطْلَقِ السُّنَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُنَاضَلَةُ آكَدَ ، فَفِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا { ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا } ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ السَّهْمَ يَنْفَعُ فِي السِّعَةِ وَالضِّيقِ كَمَوَاضِعِ الْحِصَارِ بِخِلَافِ الْفَرَسِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الضِّيقِ ، بَلْ قَدْ يَضُرُّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ، أَوْ قَدْ عَصَى } فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْجِهَادِ فَهُوَ مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قَصَدَ بِهِمَا مُحَرَّمًا كَقَطْعِ الطَّرِيقِ حَرُمَا ، أَمَّا النِّسَاءُ فَصَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ لَهُنَّ وَأَقَرَّاهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَابَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .

وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا .
( وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا ) بِالْوَجْهِ الْآتِي ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْغِيبًا لِلِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْمَارِّ ، وَهُوَ لَا سَبَقَ إلَخْ بِفَتْحِ الْبَاءِ ، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ السَّابِقُ .

وَتَصِحُّ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ ، وَكَذَا مَزَارِيقَ وَرِمَاحٍ وَرَمْيٍ بِأَحْجَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ ، وَكُلِّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَتَصِحُّ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ ) عَرَبِيَّةٍ ، وَهِيَ النُّبَلُ وَعَجَمِيَّةٍ ، وَهِيَ النُّشَّابُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَصْلٍ ( وَكَذَا مَزَارِيقَ ) جَمْعُ مِزْرَاقٍ ، وَهُوَ رُمْحٌ صَغِيرٌ ( وَرِمَاحٍ ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ( وَرَمْيٍ ) بِالْجَرِّ بِخَطِّهِ ( بِأَحْجَارٍ ) بِمِقْلَاعٍ أَوْ يَدٍ ( وَمَنْجَنِيقٍ ) أَيْ الرَّمْيِ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ عَكْسُ الْمُتَقَدِّمِ ( وَكُلِّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا يُشْبِهُهُ كَالرَّمْيِ بِالْمِسَلَّاتِ وَالْإِبَرِ ، وَالتَّرَدُّدِ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فِي الْإِبْرَةِ ، وَجَوَازُهُ فِي الْمِسَلَّةِ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِرَمْيِهَا النِّكَايَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ السَّهْمِ ا هـ .
وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ وَوَرَدَ وَقُطِعَ بِالْأَوَّلِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَرَمْيٍ بِأَحْجَارٍ الْمُدَاحَاةِ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَجَرَ إلَى صَاحِبِهِ فَبَاطِلَةٌ قَطْعًا وَإِشَالَةُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ ، وَيُسَمَّى الْعِلَاجَ ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَأَمَّا النَّقَافُ فَلَا نَقْلَ فِيهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي حَالِ الْمُسَابَقَةِ ، وَقَدْ يُمْنَعُ خَشْيَةَ الضَّرَرِ ؛ إذْ كُلٌّ يَحْرِصُ عَلَى إصَابَةِ صَاحِبِهِ كَاللِّكَامِ ، .

لَا عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ وَبُنْدُقٍ وَسِبَاحَةٍ وَشِطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ ، وَوُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ ، وَمَعْرِفَةِ مَا فِي يَدِهِ ، وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَى خَيْلٍ ، وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ فِي الْأَظْهَرِ ، لَا طَيْرٌ وَصِرَاعٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا ، لَازِمٌ لَا جَائِزٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ ، وَلَا تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَعْدَهُ ، وَلَا زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ فِيهِ ، وَلَا فِي مَالٍ .

وَ ( لَا ) تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ ( عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ ) وَالْكُرَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ ، وَتُجْمَعُ عَلَى كُرَيْنِ وَهَاؤُهَا عِوَضٌ عَنْ وَاوٍ جِسْمٌ مُحِيطٌ بِهِ سَطْحٌ فِي دَاخِلِهِ نُقْطَةٌ ، وَالصَّوْلَجَانُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَتَيْنِ عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ ، هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ؛ لِأَنَّ الصَّادَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَتُجْمَعُ عَلَى صَوَالِجَةَ ( وَ ) لَا عَلَى ( بُنْدُقٍ ) يُرْمَى بِهِ إلَى حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا ( وَ ) لَا عَلَى ( سِبَاحَةٍ ) فِي الْمَاءِ ( وَ ) لَا عَلَى ( شِطْرَنْجٍ ) بِكَسْرِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ وَالْمُهْمَلِ ( وَ ) لَا عَلَى ( خَاتَمٍ ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا ، وَيُقَالُ أَيْضًا خَيْتَامٌ وَخَاتَامٌ ( وَ ) لَا عَلَى ( وُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ ، وَ ) لَا عَلَى ( مَعْرِفَةِ مَا فِي يَدِهِ ) مِنْ شَفْعٍ وَوَتْرٍ ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ اللَّعِبِ كَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَبِالسُّفُنِ وَالزَّوَارِقِ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ هَذَا إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ ، وَأَمَّا الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقِ عَلَى قَوْمٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ كَذَلِكَ ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْحَاوِي الْجَوَازُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ وَهُوَ أَقْرَبُ ( وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ ) بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ ( عَلَى خَيْلٍ ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ { لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ } .
تَنْبِيهٌ سَكَتَ كَالْمُحَرَّرِ عَنْ الْإِبِلِ ، وَهِيَ كَالْخَيْلِ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَالْعَرَبُ تُقَاتِلُ عَلَيْهَا أَشَدَّ الْقِتَالِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَعَجَبٌ سُكُوتُهُمَا عَنْهَا مَعَ قَوْلِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَسَبْقُ إبِلٍ بِكَتِفٍ ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَجْهَانِ فِي اخْتِصَاصِ الْخَيْلِ بِمَا يُسْهَمُ لَهُ ، وَهُوَ الْجَذْعُ أَوْ الثَّنِيُّ أَوْ يَطَّرِدُ فِي الصَّغِيرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ عِنْدَنَا جَوَازُهَا عَلَى مَا يُعْتَادُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا قَالَ

أَمَّا غَيْرُهَا فَالْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا لَا تُظْهِرُ فَرُوسِيَّةً ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ السَّبَقِ عَلَيْهَا ( وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ ) تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ قَالَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُهُ الْعُدُولُ عَنْ ذِكْرِ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ إلَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ غَيْرُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ وَالثَّانِي قَصْرُ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ ؛ لِأَنَّهَا الْمُقَاتَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا أَمَّا بِغَيْرِهِ فَيَجُوزُ ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْكِلَابِ ، وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ ، وَمُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ بِلَا خِلَافٍ لَا بِعِوَضٍ وَلَا غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ سَفَهٌ ، وَمَنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ، وَ ( لَا ) عَلَى ( طَيْرٍ ) جَمْعُ طَائِرٍ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ ( وَصِرَاعٍ ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ بِكَسْرِ الصَّادِ ، وَوَهِمَ مَنْ ضَمَّهَا ، فَلَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ وَالثَّانِي تَجُوزُ أَمَّا الطَّيْرُ فَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْحَرْبِ لِإِنْهَاءِ الْأَخْبَارِ ، وَأَمَّا الصِّرَاعُ { فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَعَ رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الطَّيْرِ تَافِهَةٌ فَلَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ أَوْ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ أَنْ يُرِيَهُ شِدَّتَهُ لِيُسْلِمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا صَرَعَهُ فَأَسْلَمَ رَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ جَازَ جَزْمًا ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ كَالشِّبَاكِ وَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبَقَرِ فَتَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ ، وَأَمَّا الْغَطْسُ فِي الْمَاءِ ، فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا ) أَيْ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ ( لَازِمٌ ) أَيْ لِمَنْ الْتَزَمَ

الْعِوَضَ ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا فَجَائِزٌ فِي حَقِّهِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا مِنْ جَانِبٍ وَجَائِزًا مِنْ جَانِبٍ كَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ ، وَإِنَّمَا قَالَ ( لَا جَائِزٌ ) لِيُصَرِّحَ بِمُقَابِلِ الْأَظْهَرِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ كَعَقْدِ الْجَعَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ كَرَدِّ الْآبِقِ .
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِعِوَضٍ مِنْهُمَا بِمُحَلِّلٍ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا فَجَائِزٌ قَطْعًا ، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَزَيْفٌ ا هـ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعَقْدِ اعْتِبَارُ الْإِيجَازِ وَالْقَبُولِ لَفْظًا ، وَعَلَى لُزُومِهِ ( فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا ) إذَا الْتَزَمَا الْمَالَ ، وَبَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ ( فَسْخُهُ ) لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ نَعَمْ إنْ بَانَ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ عَيْبٌ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ ( وَلَا تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ ) فِيهِ ( وَ ) لَا ( بَعْدَهُ ) فَاضِلًا كَانَ أَوْ مَفْضُولًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ فِي الْفَاضِلِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْآخَرُ وَيَسْبِقَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَةُ اللُّزُومِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ وَيَسْبِقَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّ نَفْسِهِ ( وَلَا زِيَادَةٌ وَ ) لَا ( نَقْصٌ فِيهِ ) أَيْ الْعَمَلِ ( وَلَا فِي مَالٍ ) مُلْتَزَمٍ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَيَسْتَأْنِفَا عَقْدًا جَدِيدًا إنْ وَافَقَهُمَا الْمُحَلِّلُ ، وَعَلَى الْجَوَازِ يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلِغَيْرِهِ الْفَسْخُ بِلَا عَيْبٍ كَالْمُحَلِّلِ .

وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ عِلْمُ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ ، وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا ، وَتَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ وَيَتَعَيَّنَانِ ، وَإِمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ ، وَالْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ .

( وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ ) أَيْ شُرُوطُهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا عَشَرَةٌ أَوَّلُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عُدَّةً لِلْقِتَالِ كَمَا مَرَّ .
ثَانِيهَا ( عِلْمُ الْمَوْقِفِ ) الَّذِي يَبْتَدِئَانِ الْجَرْيَ مِنْهُ ( وَ ) عِلْمُ ( الْغَايَةِ ) الَّتِي يَجْرِيَانِ إلَيْهَا .
تَنْبِيهٌ : دَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ الْغَايَةَ صُورَتَانِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ إمَّا بِتَعْيِينِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ ، وَإِمَّا مَسَافَةٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا مَذْرُوعَةٍ أَوْ مَشْهُورَةٍ ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُعَيِّنَا الِابْتِدَاءَ وَالِانْتِهَاءَ ، وَيَقُولَا إنْ اتَّفَقَ السَّبْقُ عِنْدَهَا فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَغَايَتُنَا مَوْضِعُ كَذَا فَيَجُوزُ ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا غَايَةً وَشَرَطَا الْمَالُ لِمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَ ) ثَانِيهمَا ( تَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا ) أَيْ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ ، فَلَوْ شُرِطَ تَقَدُّمُ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَقَدُّمُ غَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ فَرُوسِيَّةِ الْفَارِسَيْنِ وَجَوْدَةُ جَرْيِ الدَّابَّةِ ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَسَافَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبْقُ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ لَا لِحِذْقِ الْفَارِسِ وَلَا لِفَرَاهَةِ الدَّابَّةِ ( وَ ) ثَالِثُهَا ( تَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ ) مَثَلًا لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ سَيْرِهِمَا ، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّعْيِينَ ، وَيَكْفِي وَصْفُهُمَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ التَّعْيِينِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَكْفِي وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ ( وَيَتَعَيَّنَانِ ) بِالتَّعَيُّنِ ، فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهُمَا وَلَا أَحَدِهِمَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ ، فَإِنْ وَقَعَ هَلَاكٌ انْفَسَخَ الْعَقْدُ ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ الْمَوْصُوفِ كَالْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ تَنْبِيهٌ : فِي مَعْنَى الْمَوْتِ ذَهَابُ الْيَدِ أَوْ

الرِّجْلِ أَوْ الْعَمَى ( وَ ) رَابِعُهَا ( إمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْ الْفَرَسَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ ، أَوْ فَارِهًا يُقْطَعُ بِتَقَدُّمِهِ لَمْ يَجُزْ .
تَنْبِيهٌ : مُرَادُهُ بِالْإِمْكَانِ الْغَالِبُ ، فَإِنْ أَمْكَنَ نَادِرًا لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَلَا بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَأَمَّا بَيْنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَقَارُبِهِمَا ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّوْعِ كَعَتِيقٍ وَهَجِينٍ مِنْ الْخَيْلِ ، وَنَجِيبٍ وَبُخْتِيٍّ مِنْ الْإِبِلِ ، وَخَامِسُهَا أَنْ يَرْكَبَا الْمَرْكُوبَيْنِ وَلَا يُرْسِلَاهُمَا ، فَلَوْ شَرَطَا إرْسَالَهُمَا لِيَجْرِيَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْفِرَانِ بِهِ وَلَا يَقْصِدَانِ الْغَايَةَ بِخِلَافِ الطُّيُورِ إذَا جَوَّزْنَا الْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ لَهَا هِدَايَةً إلَى قَصْدِ الْغَايَةِ ، وَسَادِسُهَا أَنْ يَقْطَعَ الْمَرْكُوبَانِ الْمَسَافَةَ ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُمَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُهَا بِلَا انْقِطَاعٍ وَتَعَبٍ ، وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ ، وَسَابِعُهَا تَعَيُّنُ الرَّاكِبَيْنِ ، فَلَوْ شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُرْكِبَ دَابَّتَهُ مَنْ شَاءَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرَّاكِبَانِ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ فِي الرَّاكِبِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَثَامِنُهَا الْمَالُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَالْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ بَعْضُهُ كَذَا وَبَعْضُهُ كَذَا ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَفَتْ رُؤْيَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ بِغَيْرِ مَالٍ كَكَلْبٍ ، وَلَا مَالٌ مَجْهُولٌ كَثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَالٌ فِي ذِمَّتِهِ وَجَعَلَاهُ عِوَضًا جَازَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ .

وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ : مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا .
( وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ ) أَيْ إخْرَاجُهُ فِي الْمُسَابَقَةِ ( مِنْ غَيْرِهِمَا ) أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ ( بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ ) وَأَخْصَرُ وَأَشْمَلُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ ( مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ) كَذَا هَذَا مَقُولُ الْإِمَامِ ، وَيَكُونُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( أَوْ ) مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا ( فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا ) هَذَا مَقُولُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ ، وَإِنَّمَا صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِ الْفُرُوسِيَّةِ وَإِعْدَادِ أَسْبَابِ الْقِتَالِ ؛ وَلِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي طَاعَةٍ .

وَمِنْ أَحَدِهِمَا فَيَقُولُ إنْ سَبَقَتْنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا أَوْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك فَإِنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ فَرَسُهُ كُفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا ، فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ ، وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ ، وَإِنْ جَاءَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ ، وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَلِلَّذِي مَعَهُ ، وَقِيلَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ .

( وَ ) يَجُوزُ أَيْضًا شَرْطُ الْمَالِ ( مِنْ أَحَدِهِمَا ) فَقَطْ ( فَيَقُولُ إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا ، أَوْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك ) لِانْتِفَاءِ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمَةِ وَتَاسِعُهَا : الْمُحَلِّلُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( فَإِنْ شَرَطَ ) أَيْ شَرَطَا فِي عَقْدِ الْمُسَابَقَةِ ( أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ ) هَذَا الشَّرْطُ ( إلَّا بِمُحَلِّلٍ ) بِكَسْرِ اللَّامِ بِخَطِّهِ مَنْ أَحَلَّ جَعَلَ الْمُمْتَنِعَ حِلًّا ؛ لِأَنَّهُ يُحِلُّ الْعَقْدَ يُخْرِجُهُ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ ( فَرَسُهُ كُفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا ) يَغْنَمُ إنْ سَبَقَ ، وَلَا يَغْرَمُ إنْ سُبِقَ ، فَيَجُوزُ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَفَرَسَيْهِمَا عَمَّا لَوْ كَانَ ضَعِيفًا عَنْهُمَا أَوْ أَفْرَهَ مِنْهُمَا ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَالْكُفْءُ مُثَلَّثُ الْكَافِ الْمُسَاوِي وَالنَّظِيرُ .
تَنْبِيهٌ : لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مُحَلِّلٌ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، بَلْ يَكْفِي الْمُحَلِّلُ لِجَمَاعَةٍ وَإِنْ كَثُرُوا ، وَقَوْلُهُ فَرَسُهُ مِثَالٌ ، فَإِنَّ كُلَّ مَا تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ لِلْمُحَلِّلِ ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ لَهُ أَرْبَعَةٌ ، هَذَا ، وَأَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ مُعَيَّنًا عِنْدَ الْعَقْدِ كَفَرَسَيْهِمَا ، وَأَنْ لَا يُخْرِجَ شَيْئًا ، وَأَنْ يَأْخُذَ إنْ سَبَقَ ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَأْخُذَ لَمْ يُخْرِجْ ، وَهَذَا الرَّابِعُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ ) سَوَاءٌ أَجَاءَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا لِسَبْقِهِ لَهُمَا ( وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ ) لِعَدَمِ سَبْقِهِ لَهُمَا وَعَدَمِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا لِلْآخِرِ ( وَإِنْ جَاءَ ) الْمُحَلِّلُ ( مَعَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ ( فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ ( وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَلِلَّذِي مَعَهُ ) عَلَى الصَّحِيحِ

الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَقَاهُ ( وَقِيلَ هُوَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ ) اقْتِصَارًا لِتَحْلِيلِهِ عَلَى نَفْسِهِ ( وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ ) لِسَبْقِهِ الِاثْنَيْنِ ، وَالثَّانِي لَهُ وَلِلْمُحَلِّلِ لِسَبْقِهِمَا الْآخَرَ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجُوزُ مَا أَخْرَجَهُ .
تَنْبِيهٌ : الصُّوَرُ الْمُمْكِنَةُ فِي الْمُحَلِّلِ ثَمَانِيَةٌ : أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ، أَوْ يَسْبِقَاهُ وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ، أَوْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونَ مَعَ أَوَّلِهِمَا أَوْ ثَانِيهِمَا أَوْ يَجِيءَ الثَّلَاثَةُ مَعًا ، وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ .

وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا ، وَشُرِطَ لِلثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ فَسَدَ ، وَدُونُهُ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا ) وَبَاذِلُ الْمَالِ غَيْرُهُمْ ( وَشُرِطَ لِلثَّانِي ) مِنْهُمْ ( مِثْلُ الْأَوَّلِ فَسَدَ ) الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجْتَهِدُ فِي السَّبْقِ لِوُثُوقِهِ بِالْمَالِ سَبَقَ أَوْ لَمْ يَسْبِقْ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْتَهِدُ وَيَسْعَى أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا ، فَإِنْ شُرِطَ لِلثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْأَوَّلِ ، أَوْ الْكُلُّ فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَأَمَّا الْفِسْكِلُ وَهُوَ الْأَخِيرُ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاوِيَ مَنْ قَبْلَهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْرَطَ لَهُ دُونَ مَا شُرِطَ لِمَنْ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ ( وَ ) إنْ شُرِطَ لِلثَّانِي مِنْهُمْ ( دُونَهُ ) أَيْ أَقَلُّ مِنْ الْأَوَّلِ ( يَجُوزُ ) بَلْ يُسْتَحَبُّ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ لِيَفُوزَ بِالْأَكْثَرِ ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ يَكْسَلُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفُوزُ بِشَيْءٍ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، فَلَوْ كَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا وَشُرِطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِوَى الْفِسْكِلِ مِثْلُ الْمَشْرُوطِ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَامْتَنَعَ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ ، وَعَاشِرُهَا اجْتِنَابُ شَرْطٍ مُفْسِدٍ ، فَإِنْ قَالَ إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ بِشَرْطِ أَنْ تُطْعِمَهُ أَصْحَابَك فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطٍ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ .

تَنْبِيهٌ : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَلَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَسْمَاءِ خَيْلِ السِّبَاقِ ، وَعَدَّهَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَشَرَةً ، نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ وَهِيَ مُجَلٌّ وَمُصَلٍّ تَالِي وَالْبَارِعُ الْمُرْتَاحُ بِالتَّوَالِي ثُمَّ حَظِيٌّ عَاطِفٌ وَمُؤَمَّلُ ثُمَّ السُّكَيْتُ وَالْأَخِيرُ الْفِسْكِلُ وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ : وَجُمْلَةُ خَيْلِ السَّبْقِ تُسْمَى بِحِلْيَةٍ وَتَرْتِيبُهَا مِنْ بَعْدِ ذَا أَنَا وَاصِفُ مُجَلٌّ مُصَلٍّ ثُمَّ تَالٍ فَبَارِعُ فَمُرْتَاجُهَا ثُمَّ الْحَظِيُّ فَعَاطِفُ مُؤَمَّلُهَا ثُمَّ اللَّطِيمُ سُكَيْتُهَا وَالْآتِي أَخِيرًا فُسْكُلٌ وَهُوَ تَائِفُ وَالْفِسْكِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْكَافِ ، وَيُقَالُ بِضَمِّهِمَا ، وَيُقَالُ فِيهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ حَادِيَ عَشَرَ سَمَّاهُ الْمُقَرْدِحَ ، وَالْفُقَهَاءُ قَدْ يُطْلِقُونَهَا عَلَى رِكَابِ الْخَيْلِ .

وَسَبْقُ إبِلٍ بِكَتِفٍ ، وَخَيْلٍ بِعُنُقٍ ، وَقِيلَ بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا .

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ السَّبْقُ ، فَقَالَ ( وَسَبْقُ إبِلٍ ) أَيْ وَنَحْوِهَا كَفِيَلَةٍ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ( بِكَتِفٍ ) وَعَبَّرَ فِيهَا كَأَصْلِهَا تَبَعًا لِلنَّصِّ ، وَالْجُمْهُورُ بِكَتَدٍ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْكَتِفَيْنِ بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ ، يُسَمَّى الْكَاهِلَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ، وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ عَنْ الرُّبَيِّعِ أَنَّهُ الْكَتِفُ وَلِكَوْنِهِ أَشْهَرَ مِنْ الْكَتَدِ ، عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْكَتَدُ هُوَ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ وَالظَّهْرِ ، وَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَ ) سَبْقُ ( خَيْلٍ ) أَيْ وَنَحْوِهَا كَبِغَالٍ ( بِعُنُقٍ ) فَمَتَى سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِكَتِفِهِ أَوْ عُنُقِهِ أَوْ بَعْضِهِ عِنْدَ الْغَايَةِ فَهُوَ السَّابِقُ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَرْفَعُ أَعْنَاقَهَا فِي الْعَدْوِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا ، وَالْخَيْلُ تَمُدُّهَا فَاعْتُبِرَ بِهَا تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا اسْتَوَى الْفَرَسَانِ فِي خِلْقَةِ الْعُنُقِ طُولًا وَقِصَرًا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَسَبَقَ الْأَقْصَرُ عُنُقًا أَوْ الْأَطْوَلُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَهُوَ السَّابِقُ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ رَفَعَتْ الْخَيْلُ أَعْنَاقَهَا فَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَالْإِبِلِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ وَالْفُورَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( وَقِيلَ ) يُعْتَبَرُ السَّبْقُ ( بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا ) أَيْ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَدْوَ بِالْقَوَائِمِ ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ عِنْدَ الْإِمَامِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يُطْلِقَا الْعَقْدَ بَلْ شَرَطَا فِي السَّبْقِ أَقْدَامًا مَعْلُومَةً ، فَإِنَّ السَّبْقَ لَمْ يَحْصُلْ بِمَا دُونَهَا ، وَلَوْ سَبَقَ وَاحِدٌ فِي وَسَطِ الْمَيْدَانِ وَالْآخَرُ فِي آخِرِهِ فَهُوَ السَّابِقُ ، وَلَوْ عَثَرَ أَحَدُ الْمَرْكُوبَيْنِ أَوْ وَقَفَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَتَقَدَّمَ الْآخَرُ لَمْ

يَكُنْ سَابِقًا أَوْ بِلَا عِلَّةٍ فَمَسْبُوقٌ لَا إنْ وَقَفَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ ، وَيُسَنُّ جَعْلُ قَصَبَةٍ فِي الْغَايَةِ يَأْخُذُهَا السَّابِقُ لِيَظْهَرَ سَبْقُهُ .

وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ مُبَادَرَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ ، أَوْ مُحَاطَّةٌ ، وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَاتُهُمَا ، وَيُطْرَحَ الْمُشْتَرَكُ فَمَنْ زَادَ بِعَدَدِ كَذَا فَنَاضِلٌ ، وَبَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ ، وَمَسَافَةِ الرَّمْيِ ، وَقَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا إلَّا أَنْ يَعْقِدَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ ، وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الرَّمْيِ مِنْ قَرْعٍ ، وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ بِلَا خَدْشٍ ، أَوْ خَزْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ ، أَوْ خَسْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ ، أَوْ مَرْقٍ ، وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ ، فَإِنْ أَطْلَقَا اقْتَضَى الْقَرْعَ ، وَيَجُوزُ عِوَضُ الْمُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ عِوَضُ الْمُسَابَقَةِ وَبِشَرْطِهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْم ، فَإِنْ عُيِّنَ لَغَا ، وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ ، فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ بِالرَّمْيِ .

( وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ ) أَيْ لِصِحَّتِهَا ( بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ ) فِيهَا ( مُبَادَرَةٌ ) ، وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ أَيْ يَسْبِقَ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْمُتَنَاضِلَيْنِ ( بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ ) مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْعَدَدِ وَالرَّمْيِ كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ ، فَمَنْ أَصَابَهُ نَاضِلٌ لِمَنْ أَصَابَ أَرْبَعَةً مِنْ عِشْرِينَ فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ ، وَإِنْ أَصَابَ كُلٌّ مِنْهَا خَمْسَةً فَلَا نَاضِلَ مِنْهُمَا ( أَوْ ) بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ فِي الْمُنَاضَلَةِ ( مُحَاطَّةٌ ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ ( وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَاتُهُمَا ) مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَرْمِي عِشْرِينَ مَثَلًا ( وَيُطْرَحَ الْمُشْتَرَكُ ) أَيْ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنْ الْإِصَابَاتِ ( فَمَنْ زَادَ ) فِيهَا ( بِعَدَدِ كَذَا ) كَخَمْسٍ ( فَنَاضِلٌ ) لِلْآخَرِ فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ ، وَلَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعِشْرِينَ خَمْسَةً وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرُ شَيْئًا ، فَهَلْ يُقَالُ الْأَوَّلُ نَاضِلٌ أَوْ لَا ؟ إنْ قِيلَ نَعَمْ انْتَقَضَ حَدُّ الْمُحَاطَّةِ لِكَوْنِهَا لَا تُقَابَلُ وَلَا طَرْحَ ، وَإِنْ قِيلَ لَا اُحْتِيجَ إلَى نَقْلٍ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا النَّضْلَ بِوَاحِدَةٍ وَطُرِحَ الْمُشْتَرَكُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ صُوَرِ الْمُحَاطَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ وَلَيْسَ مُرَادًا تَنْبِيهٌ : مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعَرُّضِ لِكَوْنِ الرَّمْيِ مُبَادَرَةً أَوْ مُحَاطَّةً تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِأَنَّهَا الْغَالِبُ مِنْ الْمُنَاضَلَةِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ عَدَدِ الرَّمْيِ فِي عَقْدِ مُحَاطَّةٍ أَوْ مُبَادَرَةٍ إلَّا إذَا تَوَافَقَا عَلَى رَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَشَرَطَا الْمَالَ لِمُصِيبِهَا فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ ( وَ ) يُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ مُبَادَرَةً أَوْ مُحَاطَّةً ( بَيَانُ عَدَدِ نُوَّابِ الرَّمْيِ ) بَيْنَ

الرَّامِيَيْنِ لِيَنْضَبِطَ الْعَمَلُ وَهِيَ أَنَّ الْمُنَاضَلَةَ كَالْمَيْدَانِ فِي الْمُسَابَقَةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَا رَمْيَ سَهْمٍ سَهْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَا تَقَدُّمَ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ سِهَامِهِ ، وَلَوْ أَطْلَقَا صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى رَمْيِ سَهْمٍ سَهْمٍ .
كَذَا قَالَاهُ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَيَانَ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ مُسْتَحَبٌّ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَا سَهْمًا سَهْمًا صَحَّ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ ( وَ ) بَيَانُ عَدَدِ ( الْإِصَابَةِ ) كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِصَابَةِ ، وَبِهَا يَتَبَيَّنُ حِذْقُ الرَّامِي وَجَوْدَةُ رَمْيِهِ تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ إنْ امْتَنَعَتْ الْإِصَابَةُ عَادَةً لِصِغَرِ الْغَرَضِ أَوْ كَثْرَةِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ كَعَشَرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ نَدَرَتْ كَإِصَابَةِ تِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ تُيُقِّنَتْ كَإِصَابَةِ حَاذِقٍ وَاحِدٍ مِنْ مِائَةٍ ، وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ عَدَدِ الْإِصَابَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَا نَرْمِي عَشَرَةً ، فَمَنْ أَصَابَ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ فَنَاضِلٌ لَا يَكْفِي ، وَجَزَمَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ الظَّاهِرُ ( وَ ) بَيَانُ ( مَسَافَةِ الرَّمْيِ ) وَهِيَ مَا بَيْنَ مَوْقِفِ الرَّامِي وَالْغَرَضِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا ، وَبَيَانُهَا إمَّا بِالذُّرْعَانِ أَوْ الْمُشَاهَدَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ غَالِبَةٌ ، وَإِلَّا فَيَنْزِلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، وَلَوْ تَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا ، وَلَمْ يَقْصِدَا غَرَضًا صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُرَاعَى لِلْبُعْدِ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي شِدَّةِ الْقَوْسِ وَرَزَانَةِ السَّهْمِ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوُصُولُ إلَى الْغَرَضِ مُمْكِنًا ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ، وَكَذَا لَوْ

كَانَتْ الْإِصَابَةُ فِيهَا نَادِرَةً عَلَى الْأَرْجَحِ قَالَا : وَقَدَّرَ الْأَصْحَابُ الْمَسَافَةَ الَّتِي يَقْرُبُ تَوَقُّعُ الْإِصَابَةِ فِيهَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا ، وَمَا يَتَعَذَّرُ فِيهَا بِمَا فَوْقَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَمَا يَنْدُرُ فِيهَا بِمَا بَيْنَهُمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي مَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ( وَ ) بَيَانُ ( قَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا ) وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا مِنْ الْأَرْضِ ( إلَّا أَنْ يَعْقِدَ ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بِخَطِّهِ ( بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ ) وَلَا يُحْتَاجُ لِبَيَانِ قَدْرِ الْغَرَضِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَسَافَةِ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي عَوْدُهُ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ، أَعْنِي مَسَافَةَ الرَّمْيِ وَقَدْرَ الْغَرَضِ لِيُوَافِقَ تَرْجِيحَ الرَّوْضَةِ الْمُتَقَدِّمَ ، وَالْغَرَضُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُرْمَى إلَيْهِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ قِرْطَاسٍ ، وَالْهَدَفُ مَا يُرْفَعُ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْغَرَضُ وَالرُّقْعَةُ عَظْمٌ وَنَحْوُهُ يُجْعَلُ وَسَطَ الْغَرَضِ ، وَالدَّارَةُ نَقْشٌ مُسْتَدِيرٌ كَالْقَمَرِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهِ قَدْ يُجْعَلُ بَدَلَ الرُّقْعَةِ فِي وَسَطِ الْغَرَضِ أَوْ الْخَاتَمِ وَهُوَ نَقْشٌ فِي وَسَطِ الدَّارَةِ ، وَقَدْ يُقَالُ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالرُّقْعَةُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْإِصَابَةِ مَعْلُومًا هَلْ هُوَ الْهَدَفُ وَالْغَرَضُ أَوْ الدَّارَةُ ؟ فَإِنْ أُغْفِلَ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الْغَرَضِ مَحِلًّا لِلْإِصَابَةِ ، وَإِنْ شُرِطَتْ الْإِصَابَةُ فِي الْهَدَفِ وَهُوَ تُرَابٌ يُجْمَعُ أَوْ حَائِطٌ يُبْنَى سَقَطَ اعْتِبَارُ الْغَرَضِ ، وَلَزِمَ وَصْفُ الْهَدَفِ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ ، أَوْ فِي الْغَرَضِ لَزِمَهُ وَصْفُهُ أَوْ فِي الدَّارَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْغَرَضِ ، وَلَزِمَ وَصْفُ الدَّارَةِ ا هـ .
وَلَوْ شَرَطَ إصَابَةَ الْخَاتَمِ أُلْحِقَ بِالنَّادِرِ ( وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الرَّمْيِ ) أَيْ كَيْفِيَّتَهُ وَإِصَابَةَ الْغَرَضِ ( مِنْ قَرْعٍ )

بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَرْعِهِ الْغَرَضَ ( وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ ) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا نُونٌ وَهُوَ الْغَرَضُ الَّذِي تُقْصَدُ إصَابَتُهُ ، وَأَصْلُهُ الْجِلْدُ الْبَالِي ، وَقِيلَ هُوَ جِلْدَةٌ تُلْصَقُ عَلَى وَجْهِ الْهَدَفِ ( بِلَا خَدْشٍ ) لَهُ ( أَوْ ) مِنْ ( خَزْقٍ ) بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ ( وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ ) أَيْ السَّهْمُ الشَّنَّ ( وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ ) بِأَنْ يَعُودَ ( أَوْ ) مِنْ ( خَسْقٍ ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ، ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ ( وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ ) وَلَوْ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِ النَّصْلِ أَوْ مَعَ وُقُوعِهِ فِي ثُقْبٍ قَدِيمٍ ، وَلَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَخْرِقُ لَوْ أَصَابَ مَوْضِعًا صَحِيحًا ( أَوْ ) مِنْ ( مَرْقٍ ) بِسُكُونِ الرَّاءِ ( وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ ) وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشَّنِّ الْمُعَلَّقِ ا هـ .
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِهَا وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ الْخَرْمَ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، وَهُوَ أَنْ يُصِيبَ طَرَفَ الْغَرَضِ فَيَخْرِمَهُ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الْإِصَابَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ صِفَةٌ لَهَا لَا لِلرَّمْيِ فَعَجَبٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ ، فَإِنَّ الشَّيْخَ عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا فِي الْكِتَابِ ، فَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِالشَّرْطِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا مُطْلَقًا ، بَلْ كُلُّ صِفَةٍ يُغْنِي عَنْهَا مَا بَعْدَهَا ، فَالْقَرْعُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَزْقُ وَمَا بَعْدَهُ ، وَالْخَزْقُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَسْقُ وَمَا بَعْدَهُ ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ الْخَزْقِ وَالْخَسْقِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ وَالْأَزْهَرِيِّ حَيْثُ جَعَلَا الْخَازِقَ بِالزَّايِ لُغَةً فِي الْخَاسِقِ بِالسِّينِ ، فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ هُوَ عُرْفُ الرُّمَاةِ ( فَإِنْ أَطْلَقَا ) الْعَقْدَ كَفَى ،

وَ ( اقْتَضَى الْقَرْعَ ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ ( وَيَجُوزُ عِوَضُ الْمُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ ) أَيْ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ( يَجُوزُ ) مِنْهَا ( عِوَضُ الْمُسَابَقَةِ ) فَيُخْرِجُ عِوَضَ الْمُنَاضَلَةِ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ ، أَوْ أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فَيَقُولُ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ ارْمِيَا كَذَا ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ كَذَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَيَّ كَذَا ، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا نَرْمِي كَذَا فَإِنْ أَصَبْت أَنْتَ مِنْهَا كَذَا فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا ، وَإِنْ أَصَبْتهَا أَنَا فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ( وَبِشَرْطِهِ ) إلَى أَنَّ الْعِوَضَ إذَا شَرَطَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ يَكُونُ رَمْيُهُ كَرَمْيِهِمَا فِي الْقُوَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ يَأْخُذُ مَالَهُمَا إنْ غَلَبَهُمَا وَلَا يَغْرَمُ إنْ غُلِبَ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي الْمُنَاضَلَةِ ( تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْمٍ ) لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الرَّامِي بِخِلَافِ الْمَرْكُوبِ فِي الْمُسَابَقَةِ ( فَإِنْ عُيِّنَ ) شَيْءٌ مِنْهُمَا ( لَغَا ) ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ ( وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ ) مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ سَوَاءٌ أَحَدَثَ فِيهِ خَلَلٌ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْمَرْكُوبِ كَمَا مَرَّ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " بِمِثْلِهِ " عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ كَالْقِسِيِّ الْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالرِّضَا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِهِ أَرْمَى ( فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَفْسَدَهُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى الرَّامِي ، فَإِنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ أَحْوَالٌ خَفِيَّةٌ تُحْوِجُهُ إلَى الْإِبْدَالِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعٍ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الرَّامِي كَمَا مَرَّ ، فَإِذَا أَطْلَقَا صَحَّ الْعَقْدُ ، ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى نَوْعٍ فَذَاكَ ، أَوْ نَوْعٍ مِنْ جَانِبٍ وَآخَرَ مِنْ جَانِبٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ

تَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ ، وَلَا تَتَنَاوَلُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الصُّورَةَ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَغَا وَمَا بَعْدَهُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي تَعْيِينِ النَّوْعِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ النَّوْعَ ، أَمَّا اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَيُشْتَرَطُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَسِهَامٍ مَعَ رِمَاحٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ ) مِنْ الْمُتَنَاضِلَيْنِ ( بِالرَّمْيِ ) لِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا فِيهِ حَذَرًا مِنْ اشْتِبَاهِ الْمُصِيبِ بِالْمُخْطِئِ كَمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَاهُ فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَالثَّانِي ، لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَعَلَيْهِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَةٍ لَهُ تَأَخَّرَ عَنْ الْآخَرِ فِي الْأُخْرَى ، وَلَوْ شُرِطَ تَقْدِيمُهُ أَبَدًا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمُنَاضَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسَاوِي وَالرَّمْيُ فِي غَيْرِ النَّوْبَةِ لَاغٍ ، وَلَوْ جَرَى بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَا تُحْسَبُ الزِّيَادَةُ لَهُ إنْ أَصَابَ ، وَلَا عَلَيْهِ إنْ أَخْطَأَ ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَوْقِفِ ، فَلَوْ شُرِطَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ لِلْغَرَضِ فَسَدَ الْعَقْدُ .

وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ يَخْتَارَانِ أَصْحَابًا جَازَ ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا بِقُرْعَةٍ ، فَإِنْ اخْتَارَ غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ ، وَسَقَطَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَاقِي قَوْلَا الصَّفْقَةِ ، فَإِنْ صَحَّحْنَا فَلَهُمْ جَمِيعًا الْخِيَارُ ، فَإِنْ أَجَازُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يَسْقُطُ بَدَلُهُ فَسَدَ الْعَقْدُ .

( وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ ) تَثْنِيَةُ زَعِيمٍ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَوْمِ ( يَخْتَارَانِ ) قَبْلَ عَقْدِهِمَا مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ ( أَصْحَابًا ) أَيْ حِزْبًا ، وَكَانَ انْتِصَابُهُمَا بِرِضَا ذَلِكَ الْجَمْعِ ( جَازَ ) وَيَكُونُ كُلُّ حِزْبٍ فِي الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا أَحَدَ الْجَمَاعَةِ ، وَلِلْجَوَازِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ حِزْبٍ زَعِيمٌ ، فَلَا يَكْفِي زَعِيمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى وَاحِدٌ طَرَفَيْ الْبَيْعِ .
الثَّانِي تَعْيِينُ الْأَصْحَابِ قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَيَخْتَارَانِ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ ، وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ الْعَدَدُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمْعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا لِئَلَّا يَأْخُذَ الْحُذَّاقَ .
الثَّالِثُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الْحِزْبَيْنِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الْعَدَدِ ، بَلْ لَوْ رَمَى وَاحِدٌ سَهْمَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ اثْنَيْنِ جَازَ .
الرَّابِعُ إمْكَانُ قِسْمَةِ السِّهَامِ عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ ، فَإِنْ تَحَزَّبُوا ثَلَاثَةً اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ لِلسِّهَامِ ثُلُثٌ صَحِيحٌ كَالثَّلَاثِينَ ، وَإِنْ تَحَزَّبُوا أَرْبَعَةً فَرُبُعٌ صَحِيحٌ كَالْأَرْبَعِينَ ، وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا ، وَمَنْ أَحَدِهِمَا ، وَمِنْهُمَا ، لَكِنْ بِمُحَلِّلٍ ، وَهُوَ حِزْبٌ ثَالِثٌ يُكَافِئُ كُلَّ حِزْبٍ فِي الْعَدَدِ وَالرَّمْيِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا ) أَيْ الْأَصْحَابِ ( بِقُرْعَةٍ ) وَلَا أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمِيعَ الْحِزْبِ أَوَّلًا ، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ أَوْ الَّذِي اخْتَارَهُ قَدْ يَجْمَعُ الْحُذَّاقَ فِي جَانِبٍ وَضِدَّهُمْ فِي الْآخَرِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ ، وَلَوْ تَنَازَعَ الزَّعِيمَانِ فِيمَنْ يَخْتَارُ أَوَّلًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ ضُمَّ حَاذِقٌ إلَى غَيْرِهِ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَأُقْرِعَ فَلَا بَأْسَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ رَضِيَا بِمَنْ أَخْرَجَتْهُ ، وَعَقَدَا

عَلَيْهِ يَنْبَغِي جَوَازُهُ ا هـ .
وَبَعْدَ تَمْيِيزِ الْأَصْحَابِ وَتَرَاضِي الْحِزْبَيْنِ يَتَوَكَّلُ كُلُّ زَعِيمٍ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْعَقْدِ وَيَعْقِدَانِ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْ يَرْمِي مَعَهُ بِأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا يَعْرِفُهُ ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مَعْرِفَةُ الزَّعِيمَيْنِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْرِفَ الْأَصْحَابُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا ، وَابْتِدَاءُ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ كَابْتِدَاءِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْحِزْبِ فُلَانٌ وَيُقَابِلَهُ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ فُلَانٌ ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ كُلِّ حِزْبٍ إلَى زَعِيمِهِ ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّعِيمِ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْحِزْبِ رَامِيًا ، بَلْ تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ ، وَلِهَذَا قَالَ ( فَإِنْ اخْتَارَ ) زَعِيمٌ ( غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ ) أَيْ لَمْ يُحْسِنْ رَمْيًا أَصْلًا ( بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَسَقَطَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ ) بِإِزَائِهِ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي ، كَمَا إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ ( وَفِي بُطْلَانِ الْبَاقِي ) مِنْ الْحِزْبَيْنِ ( قَوْلَا ) تَفْرِيقِ ( الصَّفْقَةِ ) أَظْهَرُهُمَا تُفَرَّقُ ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ ( فَإِنْ صَحَّحْنَا ) الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( فَلَهُمْ جَمِيعًا الْخِيَارُ ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِلتَّبْعِيضِ ( فَإِنْ أَجَازُوا ) الْعَقْدَ ( وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ ) أَيْ فِي تَعْيِينِ مَنْ ( يَسْقُطُ بَدَلُهُ فَسَدَ الْعَقْدُ ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ ، هَذَا إذَا قُلْنَا سَقَطَ وَاحِدٌ عَلَى الْإِبْهَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ ، وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ كَمَا حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ الَّذِي عَيَّنَهُ الزَّعِيمُ فِي مُقَابَلَتِهِ ، لِأَنَّ أَحَدَ الزَّعِيمَيْنِ يَخْتَارُ

وَاحِدًا ، وَيَخْتَارُ الْآخَرُ وَاحِدًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ مَعَ الْإِبْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عُذْرٌ عَظِيمٌ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا لَا فَسْخَ وَلَا مُنَازَعَةَ ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مُقَابِلُهُ ، أَمَّا إذَا بَانَ ضَعِيفَ الرَّمْيِ أَوْ قَلِيلَ الْإِصَابَةِ فَلَا فَسْخَ ، وَلَوْ بَانَ فَوْقَ مَا ظَنُّوهُ فَلَا فَسْخَ لِلْحِزْبِ الْآخَرِ ، وَلَوْ اخْتَارَ مَجْهُولًا ظَنَّهُ غَيْرَ رَامٍ فَبَانَ رَامِيًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ أَيْضًا .
.

وَإِذَا نَضَلَ حِزْبٌ قُسِمَ الْمَالُ بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ ، وَقِيلَ بِالسَّوِيَّةِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّضْلِ ، فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ أَوْ قَوْسٌ أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ بِهِ حُسِبَ لَهُ ، وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ تَنَاضَلَ غَرِيبَانِ لَا يَعْرِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ جَازَ ، فَإِنْ بَانَا غَيْرَ مُتَكَافِئَيْنِ فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي الْبُطْلَانُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الشَّرْطِ ( وَإِذَا نَضَلَ ) أَيْ غَلَبَ فِي الْمُنَاضَلَةِ ( حِزْبٌ ) مِنْ الْحِزْبَيْنِ الْآخَرَ ( قُسِّمَ الْمَالُ ) الْمَشْرُوطُ ( بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ ) لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بِهَا ، فَمَنْ لَا إصَابَةَ لَهُ لَا شَيْءَ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ أَخَذَ بِحَسَبِ إصَابَتِهِ ( وَقِيلَ ) يُقْسَمُ الْمَالُ ( بِالسَّوِيَّةِ ) بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَا أَنَّ الْمَنْضُولِينَ يَغْرَمُونَ بِالسَّوِيَّةِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَالْأَشْبَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْأَشْبَهَ الْأَوَّلُ ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ سَبْقُ قَلَمٍ تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَقْسِمُوا عَلَى الْإِصَابَةِ فَالشَّرْطُ مُتَّبَعٌ ، وَلَوْلَا أَنَّ الْخِلَافَ مُحَقَّقٌ لَأَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى هَذَا ( وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّضْلِ ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ لَا بِالْفَوْقِ مَثَلًا وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَتَرِ مِنْ السَّهْمِ ، فَإِنْ أَصَابَ حُسِبَ عَلَيْهِ ، لَا لَهُ تَنْبِيهٌ : النَّضْلُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِالْمُهْمَلَةِ : أَيْ بِطَرَفِ النَّصْلِ ، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّكَبَاتِ الَّتِي تَطْرَأُ عِنْدَ الرَّمْيِ وَتُشَوِّشُهُ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّهْمَ مَتَى وَقَعَ مُتَبَاعِدًا عَنْ الْغَرَضِ تَبَاعُدًا مُفْرِطًا إمَّا مُقَصِّرًا عَنْهُ أَوْ مُجَاوِزًا لَهُ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِسُوءِ الرَّمْيِ حُسِبَ عَلَى الرَّامِي وَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ السَّهْمُ لِيَرْمِيَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ لِنَكْبَةٍ عَرَضَتْ أَوْ خَلَلٍ فِي آلَةِ الرَّمْيِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ ( فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ )

بِانْقِطَاعِهِ حَالَ رَمْيِهِ ( أَوْ قَوْسٌ ) بِانْكِسَارِهِ حَالَ رَمْيِهِ ، لَا بِتَقْصِيرِهِ وَسُوءِ رَمْيِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ( أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ ) كَحَيَوَانٍ ( انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْغَرَضَ ( حُسِبَ لَهُ ) لِأَنَّ الْإِصَابَةَ مَعَ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُصِبْ الْغَرَضَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ( لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ ) لِعُذْرِهِ فَيُعِيدُ رَمْيَهُ ، فَإِنْ قَصَّرَ أَوْ أَسَاءَ رَمْيَهُ حُسِبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ نِصْفَيْنِ بِلَا تَقْصِيرٍ فَأَصَابَ إصَابَةً شَدِيدَةً بِالنِّصْفِ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ حُسِبَ لَهُ ؛ لِأَنَّ اشْتِدَادَهُ مَعَ الِانْكِسَارِ يَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ الرَّمْيِ وَغَايَةِ الْحِذْقِ بِخِلَافِ إصَابَتِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لَا يُحْسَبُ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ انْكِسَارٌ ، وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالشَّدِيدَةِ أَنَّ الضَّعِيفَةَ لَا تُحْسَبُ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهَا تُحْسَبُ ، وَإِنْ أَصَابَ بِالنِّصْفَيْنِ حُسِبَ ذَلِكَ إصَابَةً وَاحِدَةً كَالرَّمْيِ دَفْعَةً بِسَهْمَيْنِ إذَا أَصَابَ بِهِمَا ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ فَانْدَلَقَ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ .
وَلَوْ سَقَطَ السَّهْمُ بِالْإِغْرَاقِ مِنْ الرَّامِي بِأَنْ بَالَغَ بِالْمَدِّ حَتَّى دَخَلَ النَّصْلُ مِقْبَضَ الْقَوْسِ ، وَوَقَعَ السَّهْمُ عِنْدَهُ فَكَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ وَانْكِسَارِ الْقَوْسِ ، لِأَنَّ سُوءَ الرَّمْيِ أَنْ يُصِيبَ غَيْرَ مَا قَصَدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ( وَلَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ ) فِيمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ الْقَرْعَ ( فَأَصَابَ ) السَّهْمُ ( مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ ) عَنْ إصَابَتِهِ الْمَشْرُوطَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ الْخَزْقَ فَثَبَتَ السَّهْمُ وَالْوَضْعُ فِي صَلَابَةِ الْغَرَضِ حُسِبَ لَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُصِبْ مَوْضِعَهُ ( فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ ) إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الْعَارِضِ قَالَ الشَّارِحُ وَمَا بَعْدُ لَا مَزِيدَ عَلَى الْمُحَرَّرِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ

كَأَصْلِهَا أَوْ أَصَابَ الْغَرَضَ ، فِي الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ حُسِبَ عَلَيْهِ ، لَا لَهُ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ ا هـ .
دُفِعَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمِنْهَاجِ ، وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ إصَابَةِ الْغَرَضِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ يُحْسَبُ عَلَيْهِ حُسِبَ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى إذَا لَمْ يُصِبْهُ وَوَجْهُ الدَّفْعِ إمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَرَأَتْ الرِّيحُ بَعْدَ رَمْيِهِ فَنَقَلَتْ الْغَرَضَ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ ، وَالرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا نَقَلَتْهُ قَبْلَ رَمْيِهِ فَنُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ ، فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ ، أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَلَفِ وَتَرٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ بِخِلَافِ مَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ .

وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ فَثَقَبَ وَثَبَتَ ثُمَّ سَقَطَ ، أَوْ لَقِيَ صَلَابَةً فَسَقَطَ حُسِبَ لَهُ .
( وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ ) فَرَمَى أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ السَّهْمَ ( فَثَقَبَ وَثَبَتَ ، ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَقِيَ صَلَابَةً فَسَقَطَ ) وَلَوْ بِلَا ثَقْبٍ ( حُسِبَ لَهُ ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ، فَلَوْ خَدَشَهُ وَلَمْ يَثْقُبْهُ فَلَيْسَ بِخَاسِقٍ ، وَكَذَا إنْ ثَقَبَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَظْهَرِ .

خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْغَرَضِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ إصَابَةٍ وَخَطَإٍ ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَمْدَحَا الْمُصِيبَ ، وَلَا أَنْ يَذُمَّا الْمُخْطِئَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالنَّشَاطِ ، وَتَنْفَسِخُ الْمُنَاضَلَةُ بِمَوْتِ الرَّامِي كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ ، وَيَنْفَسِخُ عَقْدُ الْمُسَابَقَةِ بِمَوْتِ الْفَرَسِ ، لَا بِمَوْتِ الْفَارِسِ ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهَا عَلَى الْفَرَسِ ، وَيَتَوَلَّى الْمُسَابَقَةَ الْوَارِثُ عَنْهُ الْخَاصُّ ، وَإِلَّا فَالْعَامُّ ، وَيُؤَخَّرُ الرَّمْيُ فِي الْمُنَاضَلَةِ لِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَنْضُولُ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ حُبِسَ عَلَى ذَلِكَ وَعُزِّرَ ، وَكَذَا النَّاضِلُ إنْ تَوَقَّعَ صَاحِبُهُ إدْرَاكَهُ ، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ رَمْيِ صَاحِبِهِ مِنْ التَّبَاطُؤِ بِالرَّمْيِ ، وَلَا يُدْهَشُ اسْتِعْجَالًا ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْمُسَابَقَةُ أَوْ الْمُنَاضَلَةُ بِالصَّبِيِّ بِمَالِهِ وَإِنْ اسْتَفَادَ بِهِمَا التَّعَلُّمَ نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ وَقَدْ رَاهَقَ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَدْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الدِّيوَانِ وَكَذَا فِي السَّفِيهِ الْبَالِغِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، لَوْ عَقَدَا فِي الصِّحَّةِ وَدَفَعَا الْعِوَضَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَالْعِوَضُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأُجْرَةِ ، أَوْ عَقَدَا فِي الْمَرَضِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَعِوَضُ الْمِثْلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا وَلَا مُحَابَاةَ فِيهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى عِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ، وَلَا يَجُوزُ بَذْلُ مَالٍ عَلَى حَطِّ الْفَضْلِ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ ، وَلَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ الْمَشْرُوطِ لِأَجْنَبِيٍّ فِيمَا غَرِمَ الْمُنَاضِلُ أَوْ غَنِمَ ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ وَالْغُنْمَ فِي ذَلِكَ مُسَبَّبَانِ عَنْ الْعَمَلِ ، وَهَذَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يَعْمَلُ ، وَلَا أَنْ تُحْسَبَ لِأَحَدِهِمَا الْإِصَابَةُ بِإِصَابَتَيْنِ

، وَلَا أَنْ يُحَطَّ مِنْ إصَابَتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسَاوِي ، وَلَوْ سَأَلَ أَحَدُهُمَا وَضْعَ الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ عِنْدَ عَدْلٍ وَالْآخَرُ تَرْكَهُ عِنْدَهُمَا ، وَهُوَ عَيْنٌ .
أُجِيبَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ اخْتَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَدْلًا اخْتَارَ الْحَاكِمُ عَدْلًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ ، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْعَدْلَيْنِ أَوْ لَا ؟ .
وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - الثَّانِي ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَدْلِ وَإِنْ جَرَتْ بِهَا عَادَةٌ كَمَا فِي الْخَيَّاطِ وَالْغَسَّالِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْمُحَلِّلِ لَزِمَ تَوَسُّطُهُ ، فَإِنْ تَنَازَعَ الْمُتَسَابِقَانِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ أَذِيَّةِ صَاحِبِهِ بِالتَّبَجُّحِ وَالْفَخْرِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ حَمْلِ أَحَدِهِمَا فِي يَدِهِ مِنْ النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي يَدِ الْآخَرِ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَثُّ الْفَرَسِ فِي السِّبَاقِ بِالسَّوْطِ وَتَحْرِيكِ اللِّجَامِ ، وَلَا يَجْلُبُ عَلَيْهِ بِالصِّيَاحِ لِيَزِيدَ عَدْوُهُ ، لِخَبَرِ { لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ } .
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذُكِرَ فِي مَعْنَى الْجَنَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْنُبُونَ الْفَرَسَ حَتَّى إذَا قَارَبُوا الْأَمَدَ تَحَوَّلُوا عَنْ الْمَرْكُوبِ الَّذِي كُرِهَ بِالرُّكُوبِ إلَى الْجَنِيبَةِ فَنَهَوْا عَنْهُ .

لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ ، وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

كِتَابُ الْأَيْمَانِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ .
وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيَمِينُ ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ ، وَسُمِّيَ الْعُضْوُ بِالْيَمِينِ لِوُفُورِ قُوَّتِهِ ، قَالَ تَعَالَى : { لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ } أَيْ بِالْقُوَّةِ .
وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ يُقَوِّي الْحِنْثَ عَلَى الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ سُمِّيَ يَمِينًا ، وَقِيلَ : لِأَنَّهَا تَحْفَظُ الشَّيْءَ عَلَى الْحَالِفِ ، كَمَا تَحْفَظُهُ الْيَدُ ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا مُمْكِنًا كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ ، أَوْ مُمْتَنِعًا كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ ، صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوْ الْجَهْلِ بِهِ ، وَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا كَمَا سَيَأْتِي ، وَبِغَيْرِ ثَابِتٍ ، الثَّابِتُ كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ ، لِتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْقِيقِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ ، وَفَارَقَ انْعِقَادَهَا بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَامْتِنَاعَ الْبِرِّ يُخِلُّ بِهِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ ، وَيَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } وَقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } وَأَخْبَارٌ مِنْهَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ يَحْلِفُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَقَوْلِهِ : { وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ ، قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ : إنْ شَاءَ اللَّهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْيَمِينُ ، وَالْقَسَمُ ، وَالْإِيلَاءُ ، وَالْحَلِفُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ .
تَنْبِيهٌ

: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ضَابِطَ الْحَالِفِ اسْتِغْنَاءً بِمَا سَبَقَ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ ، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ ، وَالْأَضْبَطُ أَنْ يُقَالَ : مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا الْمُكْرَهِ وَلَا يَمِينُ اللَّغْوِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ ، فَقَالَ ( لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ ) بِأَنْ يَحْلِفَ بِمَا مَفْهُومُهُ الذَّاتُ أَوْ الصِّفَةُ ، فَالذَّاتُ ( كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ ) بِجَرٍّ أَوْ نَصْبٍ أَوْ رَفْعٍ ، سَوَاءٌ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَالصِّفَةُ كَقَوْلِهِ ( وَرَبِّ الْعَالَمِينَ ) أَيْ مَالِكِ الْمَخْلُوقَاتِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ ( وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ ) أَيْ بِقُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ( وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَالْإِلَهِ ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَعْقُودَةٌ بِمَنْ عَظُمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَزِمَتْ طَاعَتُهُ ، وَإِطْلَاقُ هَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى : فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَوَحَقِّ النَّبِيِّ ، وَجِبْرِيلَ ، وَالْمَلَائِكَةِ ، وَالْكَعْبَةِ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : { إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ } وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَكْرُوهٌ ، وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ } وَرُوِيَ " فَقَدْ أَشْرَكَ " حُمِلَ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ فِيمَا حَلَفَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى .

وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ .

( وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ) فِي هَذَا الْقَسَمِ ( لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ غَيْرَهُ ، وَمَا جَزَمَ بِهِ هُنَا مِنْ صَرَاحَةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَأَنَّهُ إنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ يُقْبَلْ هُوَ الْمَعْرُوفُ ، لَكِنْ ذَكَرَا عِنْدَ حُرُوفِ الْقَسَمِ فِيمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَنَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، وَإِنَّمَا قُبِلَ مِنْهُ هُنَا إرَادَةُ غَيْرِ الْيَمِينِ ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْعَتَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِجْرَاءِ لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ ، بِخِلَافِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، فَدَعْوَاهُ فِيهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَلَا يُقْصَدُ ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْيَمِينِ لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا .
فَائِدَةٌ : التَّوْرِيَةُ فِي الْأَيْمَانِ نَافِعَةٌ ، وَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِنِيَّةِ الْحَالِفِ إلَّا إذَا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّعَاوَى ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ بِهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ بِالْإِجْمَاعِ ، فَمِنْ التَّوْرِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ ، وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ الْأَرْضَ ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ ، وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ ، وَبِالْآخِرَةِ آخِرَةَ الْإِسْلَامِ ، وَمَا ذَكَرْتُ فُلَانًا : أَيْ مَا قَطَعْتُ ذَكَرَهُ ، وَمَا عَرَفْتُهُ مَا جَعَلْتُ عَرِيفًا ، وَمَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً : أَيْ شَجَرَةً صَغِيرَةً وَمَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً : أَيْ كُبَّةً مِنْ غَزْلٍ ، وَلَا فَرُّوجَةً أَيْ دُرَّاعَةً ، وَلَا فِي بَيْتِي فُرُشٌ : أَيْ صِغَارُ الْإِبِلِ ، وَلَا حَصِيرٌ : أَيْ الْمِلْكُ ، وَمَا لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ : أَيْ سَفِينَةٌ ، وَمَا عِنْدِي كَلْبٌ : أَيْ مِسْمَارٌ فِي قَائِمِ السَّيْفِ ، وَكُلُّ

هَذَا يَجْمَعُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً مِنْ الْكَذِبِ } وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فِي الْمَعَارِيضِ مَا يُغْنِي الْمُسْلِمَ عَنْ الْكَذِبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : مَا أُحِبُّ بِمَعَارِيضِ الْكَلَامِ حُمُرَ الْوَحْشِ ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا سِرًّا مِنْ أَهْلِهِ ، فَوَطِئَهَا لَيْلَةً ، وَأَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ ، وَكَرِهَ أَنْ يَعْلَمَ أَهْلُهُ .
فَقَالَ : إنَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ عَلَيْهَا السَّلَامُ كَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي مَنْزِلِهِ أَحَدٌ إلَّا اغْتَسَلَ ، وَاغْتَسَلَ هُوَ مَعَهُمْ ، وَكَانَتْ مَرْيَمُ تَغْتَسِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، .
وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَدْ خَطَّ فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا ، فَإِذَا جَاءَ مَنْ لَا يُرِيدُ دُخُولَهُ عَلَيْهِ قَالَ لِلْجَارِيَةِ قَوْلِي : هُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، .
وَحَضَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَجْلِسَ الْمَهْدِيِّ فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ ، ثُمَّ نَهَضَ وَتَرَكَ نَعْلَهُ كَالنَّاسِي لَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَخَذَهُ ، وَخَرَجَ فَلَمْ يَرَهُ بَعْدَهَا .

وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالرَّحِيمِ ، وَالْخَالِقِ ، وَالرَّازِقِ ، وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ ، وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ : كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ وَالْحَيِّ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةِ ، وَالصِّفَةُ كَوَعَظَمَةِ اللَّهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَمِينٌ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ ، وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ .

( وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ ) وَتَعَالَى ( عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ) وَيُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ مُقَيَّدًا ( كَالرَّحِيمِ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ ) وَالْجَبَّارِ وَالْمُتَكَبِّرِ وَالْقَاهِرِ وَالْقَادِرِ وَالْحَقِّ ( وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ ) سَوَاءٌ أَقَصَدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمْ أَطْلَقَ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ تَعَالَى .
فَائِدَةٌ : الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ بَلْ لِلْكَمَالِ .
قَالَ سِيبَوَيْهِ : تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ : زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ ، فِي الرُّجُولِيَّةِ ، وَكَذَا هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ : أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ ، وَالْعَلِيمُ : أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ ، وَكَذَا تَتِمَّةُ الْأَسْمَاءِ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) الْحَالِفُ ( غَيْرَهُ ) تَعَالَى فَيُقْبَلُ ، وَلَا يَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مُقَيَّدًا : كَرَحِيمِ الْقَلْبِ ، وَخَالِقِ الْكَذِبِ وَرَازِقِ الْجَيْشِ .
قَالَ تَعَالَى : { وَتَخْلُقُونَ إفْكًا } وَقَالَ : { فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ } وَرَبِّ الْإِبِلِ ( وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ ) تَعَالَى ( وَفِي غَيْرِهِ ) اسْتِعْمَالُهُ ( سَوَاءٌ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ ) وَكَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ ( وَالْعَالِمِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ ( وَالْحَيِّ ) الْغَنِيِّ وَالْكَرِيمِ ( لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ ، وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءً أَشْبَهَتْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ نَوَاهُ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ ( وَالصِّفَةُ ) الذَّاتِيَّةُ ( كَوَعَظَمَةِ اللَّهِ ) تَعَالَى ( وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَمِينٌ ) بِشَرْطِ أَنْ يَأْتِيَ بِالظَّاهِرِ بَدَلَ الْمُضْمَرِ فِي السِّتَّةِ ؛ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ لَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْصُوفًا بِهَا فَأَشْبَهَتْ الْأَسْمَاءَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي

جُمْلَتُهَا عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ ثَمَانِيَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ : حَيَاةٌ وَعِلْمٌ قُدْرَةٌ وَإِرَادَةٌ كَلَامٌ وَإِبْصَارٌ وَسَمْعٌ مَعَ الْبَقَا .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الصِّفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ جَمِيعُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ سَوَاءٌ الْمُشْتَقُّ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالسَّمِيعِ ، وَالْبَصِيرِ ، وَالْعَالِمِ ، وَالْقَادِرِ ، وَالْمُشْتَقُّ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالْخَالِقِ ، وَالرَّازِقِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صِفَتَيْ الذَّاتِ ، وَالْفِعْلِ أَنَّ الْأُولَى مَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَزَلِ ، وَالثَّانِيَةَ مَا اسْتَحَقَّهُ فِيمَا لَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ يُقَالُ : عَالِمٌ فِي الْأَزَلِ ، وَلَا يُقَالُ : رَازِقٌ فِي الْأَزَلِ إلَّا تَوَسُّعًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ ( إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ) أَيْ يُرِيدَ ( بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ ) كَمَا يُقَالُ : اغْفِرْ لَنَا عِلْمَكَ فِينَا : أَيْ مَعْلُومَك بِهِ ( وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ ) كَمَا يُقَالُ : اُنْظُرْ لِقُدْرَةِ اللَّهِ : أَيْ مَقْدُورِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ : وَمَعْلُومِ اللَّهِ وَمَقْدُورِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ ، وَمَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ صِفَةٌ هُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَنْعَ قَوْلِهِمْ : سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ .
قَالَ : لِأَنَّ التَّوَاضُعَ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا ، وَلَا يُعْبَدُ إلَّا الذَّاتُ ، وَمَنَعَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ .
وَقَالَ : الصَّحِيحُ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالْمَعْبُودُ مَجْمُوعُهُمَا .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ ؛ إذْ يُتَخَيَّلُ فِيهَا مِثْلُ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، وَهُوَ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : عَايَنْتُ عَظَمَةَ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءَهُ ، وَيُشِيرُ إلَى أَفْعَالِهِ

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَقَدْ يُرَادُ ، بِالْجَلَالِ وَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ظُهُورُ أَثَرِهَا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ ، وَبِالْكَلَامِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ .

وَلَوْ قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ فَيَمِينٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعِبَادَاتِ .
( وَلَوْ قَالَ ) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ ( وَحَقِّ اللَّهِ ) بِالْجَرِّ ( فَيَمِينٌ ) إنْ نَوَى الْيَمِينَ قَطْعًا ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَمِينِ ، فَنَزَلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ .
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ : وَمَعْنَاهُ وَحَقِّيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ ، لِأَنَّ الْحَقَّ مَا لَا يُمْكِنُ جُحُودُهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَ غَيْرُهُ : حَقُّ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ .
قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ يَمِينٌ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ ، فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) بِالْحَقِّ ( الْعِبَادَاتِ ) الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا ، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَلَيْسَتْ صِفَةً لَهُ تَعَالَى ، فَإِنْ رَفَعَ الْحَقَّ أَوْ نَصَبَهُ فَكِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ ، وَالْإِلَهِيَّةِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ .

وَلَوْ حَلَفَ الْمُسْلِمُ بِآيَةٍ مَنْسُوخَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ ، وَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِقَوْلِهِ : وَكِتَابِ اللَّهِ أَوْ قُرْآنِ اللَّهِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ .
قَالَا : وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ : وَكَذَا لَوْ قَالَ : وَالْقُرْآنِ أَوْ الْمُثْبَتِ فِي الْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ أَوْ الصَّلَاةَ ، وَبِقَوْلِهِ : وَالْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَرَقَ أَوْ الْجِلْدَ .

فَائِدَةٌ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : يَقْتَضِي كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّالِبِ الْغَالِبِ يَمِينٌ صَرِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِجْلَابِ .
مَنَافِعِهِ وَاسْتِدْفَاعِ مَضَارِّهِ ، قَالَ : وَسَمَاعِي مِنْ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْجَمَّالِ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ خَلِيفَةِ الْحَكَمِ الْعَزِيزِ بِمِصْرَ أَنَّ الْحَلِفَ بِذَلِكَ لَا يُشْرَعُ ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ ، وَيُوَجِّهُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ طَالِبًا غَالِبًا فَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ ، وَلَمْ تَرِدْ تَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ ا هـ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : كَانَ الْجَمَالُ يَحْيَى مِنْ صُدُورِ الشَّافِعِيَّةِ نَائِبًا عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنِ رَزِينٍ ، قَالَ لَهُ يَوْمًا قَاضِي الْقُضَاةِ : لَوْ أَرَدْتُ عَزَلْتُكَ قَالَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ .
قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي طَاهِرٍ فَحَصَلَتْ لَهُ حَالَةٌ .
فَقَالَ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ يَذْكُرُهَا .
فَقُلْت أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ نَائِبَ حُكْمٍ وَلَا يَعْزِلَنِي أَحَدٌ .
فَقَالَ لَك ذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحُكَّامِ مِنْ تَغْلِيظِ الْأَيْمَانِ وَتَوْكِيدِهَا إذَا حَلَّفُوا الرَّجُلَ أَنْ يَقُولُوا : بِاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ذَلِكَ ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَجَازَ فِي أَسْمَائِهِ الْمُخْزِي وَالْمُضِلُّ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : { وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ } وَقَالَ : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ } .

وَحُرُوفُ الْقَسَمِ بَاءٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ : كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ ، وَتَخْتَصُّ التَّاءُ بِاَللَّهِ تَعَالَى .

( وَحُرُوفُ الْقَسَمِ ) ثَلَاثَةٌ ( بَاءٌ ) مُوَحَّدَةٌ ( وَوَاوٌ ، وَتَاءٌ ) فَوْقَانِيَّةٌ لِاشْتِهَارِهَا فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا ( كَ بِاَللَّهِ ، وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ، وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَلِفَ نَحْوَ اللَّهِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ ، وَسَيَأْتِي كِنَايَةً ، وَالْأَصْلُ الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ ، ثُمَّ الْوَاوُ ثُمَّ التَّاءُ الْفَوْقِيَّةُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لِإِبْدَالِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ الْوَاوِ وَالْوَاوِ مِنْ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَلِدُخُولِهَا عَلَى الْمُضْمَرِ كَالْمُظْهَرِ تَقُولُ : حَلَفْتُ بِكَ ، وَبِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ، وَالْوَاوُ تَخْتَصُّ بِالْمُظْهَرِ ( وَتَخْتَصُّ التَّاءُ ) الْفَوْقِيَّةُ ( بِاَللَّهِ تَعَالَى ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لَمَّا كَانَتْ الْأَصْلُ فِي الْقَسَمِ ، وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا عَنْ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ ، فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ سِوَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ تَعَالَى : { تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ : إنَّ التَّاءَ وَإِنْ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا فَلَمْ تَدْخُلْ إلَّا عَلَى اسْمٍ وَاحِدٍ فَقَدْ بُورِكَ لَهَا فِي اخْتِصَاصِهَا بِأَشْرَفِ الْأَسْمَاءِ وَأَجَلِّهَا فَلَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ اللَّهِ : أَيْ لُغَةً فَلَا يُقَالُ : تَرَبِّكَ .
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ : حَكَى الْأَخْفَشُ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَاذٌّ .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : تَالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، غَايَتُهُ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ شَاذًّا ، فَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ قُبِلَ مِنْهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ أَوْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ، وَنَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ كَاسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ أَوْ اعْتَصَمْت أَوْ وَاَللَّهِ الْمُسْتَعَانِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ : وَيَخْتَصُّ بِاَللَّهِ بِالتَّاءِ ؛ لِأَنَّ

الشَّائِعَ أَنَّ فِعْلَ الِاخْتِصَاصِ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ فِي الْمَشْهُورِ ، وَذَلِكَ فِي التَّاءِ لَا فِي اللَّهِ وَإِنْ جَازَ دُخُولُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْبَاءُ وَالْوَاوُ ، وَعِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ غَيْرُ التَّاءِ ، وَهُوَ مُدَافِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ .

وَلَوْ قَالَ أَللَّهُ وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ .
( وَلَوْ ) حَذَفَ الْحَالِفُ حَرْفَ الْقَسَمِ وَ ( قَالَ : آللَّهِ ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَوْ بِدُونِهَا ( وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ ) أَوْ سَكَّنَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ( فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ ) لَهَا ، وَاللَّحْنُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الرَّفْعِ لَا لَحْنَ فِيهِ ، فَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالْجَرُّ بِحَذْفِهِ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ .
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ إلَّا فِي الْقَسَمِ وَالتَّسْكِينِ بِإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ .

تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِلَا نِيَّةٍ ، سَوَاءٌ أَرَفَعَ أَمْ نَصَبَ أَمْ جَرَّ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ لَا يَمْنَعُ صَرَاحَةَ الْيَمِينِ بِذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ : فَاَللَّهِ بِالْفَاءِ أَوْ يَا اللَّهِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا كَانَ كِنَايَةً ، وَجْهُ كَوْنِهِ يَمِينًا فِي الثَّانِيَةِ بِحَذْفِ الْمُنَادَى ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : يَا قَوْمُ أَوْ يَا رَجُلُ .
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْيَمِينَ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْقَاضِي قُلْ : وَاَللَّهِ ، فَقَالَ تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَمْ يُحْسَبْ يَمِينًا لِمُخَالَفَتِهِ التَّحْلِيفَ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ يَمِينًا فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ : قُلْ : تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ ، فَقَالَ : بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ ، أَوْ قُلْ : بِاَللَّهِ ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَوْ قَالَ : بِاَللَّهِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ يَمِينًا وَإِنْ نَوَاهَا .
قَالَ : لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا لَحْنٌ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ مُخَالَفَةُ صَوَابِ الْإِعْرَابِ ، بَلْ هَذِهِ كَلِمَةٌ أُخْرَى ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : لَيْسَ هُوَ لَحْنًا بَلْ لُغَةً ، حَكَاهَا الزَّجَّاجِيُّ : وَهِيَ شَائِعَةٌ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ يَمِينًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ اسْتَحْضَرَ النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لَمَا قَالَ مَا قَالَ ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا ، وَيُحْمَلُ حَذْفُ الْأَلْفِ عَلَى اللَّحْنِ ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَجْرِي كَذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ وَالْخَوَاصِّ ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ تَكُونُ بِمَعْنَى الرُّطُوبَةِ ، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِنِيَّةٍ .

وَلَوْ قَالَ أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ ، أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ فَيَمِينٌ إنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ ، وَإِنْ قَالَ قَصَدْتُ خَبَرًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا صُدِّقَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَلَوْ قَالَ : أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ ) أَوْ آلَيْتُ أَوْ أُولِي ( أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ ) الرَّاجِحُ لِكُلِّ الصُّوَرِ ( لَأَفْعَلَنَّ ) كَذَا ( فَيَمِينٌ ) قَطْعًا ( إنْ نَوَاهَا ) لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ ، لَا سِيَّمَا ذَلِكَ وَقَدْ نَوَاهُ ( أَوْ أَطْلَقَ ) فِي الْأَصَحِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } وَقِيلَ : لَا يَكُونُ ذَلِكَ يَمِينًا ؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ أَقْسَمْتُ لِلْمَاضِي ، وَأُقْسِمُ لِلْمُسْتَقْبَلِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : بِاَللَّهِ مَا لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ ، وَإِنْ نَوَاهُ ( وَإِنْ قَالَ : قَصَدْتُ ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي السَّابِقَةِ ( خَبَرًا مَاضِيًا ) أَيْ الْإِخْبَارَ عَنْ يَمِينٍ مَاضِيَةٍ ، ( أَوْ ) أَرَدْتُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ السَّابِقَةِ ( مُسْتَقْبَلًا ) أَيْ يَمِينًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( صُدِّقَ بَاطِنًا ) أَيْ دِينَ فِيهِ قَطْعًا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ ( وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِاحْتِمَالِ مَا نَوَاهُ ، وَفِي قَوْلٍ : لَا ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ لِظُهُورِ اللَّفْظِ فِي الْإِنْشَاءِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ يَمِينٌ مَاضِيَةٌ وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي إرَادَتِهَا قَطْعًا .

وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ ، وَإِلَّا فَلَا .
( وَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ ( لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ ) كَذَا ( وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ ) لِاشْتِهَارِهِ فِي أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ ، وَيُسَنُّ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُهُ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَارُ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ ، فَإِنْ لَمْ يَبَرَّهُ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ أَوْ لَمْ يُرِدْ يَمِينًا ، بَلْ التَّشَفُّعَ إلَيْهِ أَوْ أَطْلَقَ ( فَلَا ) يَكُونُ يَمِينًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ ، وَلَا الْمُخَاطَبُ ، وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ فِي فِعْلِهِ ، وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ ، وَرُدَّ السَّائِلُ بِهِ لِحَدِيثِ { لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ } وَخَبَرِ { مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَعْطُوهُ } .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِاَللَّهِ ، فَقَالَ آخَرُ : يَمِينِي فِي يَمِينِكَ أَوْ يَلْزَمُنِي مَا يَلْزَمُكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لِخُلُوِّ ذَلِكَ عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ، وَإِنْ قَالَ : الْيَمِينُ لَازِمَةٌ لِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ نَوَى لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ قَالَ : أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي وَهِيَ بَيْعَةُ الْحَجَّاجِ ، فَإِنَّ الْبَيْعَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُصَافَحَةِ فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ، لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَمْ يُوجَدْ وَالْكِنَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَضَمَّنُ إيقَاعًا ، وَأَمَّا فِي الْتِزَامٍ فَلَا ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ فَيَلْزَمَهُ ؛ لِأَنَّ لِلْكِنَايَةِ مَدْخَلًا فِيهِمَا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي بِطَلَاقِهَا وَعَتَاقِهَا وَحَجِّهَا وَصَدَقَتِهَا ، فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا حُكْمَ لَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ ، وَالْبَاقِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ .

وَقَوْلُ الْحَالِفِ : لَاهَا اللَّهِ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ كِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي اللُّغَةِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ ، وَقَوْلُهُ : وَاَيْمُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَشْهُرُ مِنْ كَسْرِهَا وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ ، وَيَجُوزُ قَطْعُهَا ، وَأَيْمُنِ اللَّهِ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا إذَا أُطْلِقَ : لِأَنَّهُ وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي اللُّغَةِ وَوَرَدَ فِي الْخَبَرِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ ، وَقَوْلُهُ : لَعَمْرُ اللَّهِ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَقَاءُ ، وَالْحَيَاةُ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَاتِ ، وَقَوْلُهُ : عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَفَالَتِهِ كُلٌّ مِنْهَا كَذَلِكَ ، سَوَاءٌ أَضَافَ الْمَعْطُوفَاتِ إلَى الضَّمِيرِ كَمَا مَثَّلَ ، أَمْ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ ، وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدَنَا بِهِ ، وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا ، وَقَدْ فُسِّرَ بِهَا الْأَمَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ } فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِالْكُلِّ انْعَقَدَتْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تَأْكِيدٌ ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فِيهَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا كَانَ يَمِينًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا .

وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ .
( وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ ) أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ ( أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ : بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ أَوْ مِنْ الْكَعْبَةِ ( فَلَيْسَ بِيَمِينٍ ) لِخُلُوِّهِ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ بِهِ ، وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةٌ ، وَالتَّلَفُّظُ بِهِ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَذْكَارِ .
هَذَا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ .
أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الرِّضَا بِالتَّهَوُّدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ كَفَرَ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُهُ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ ، فَفِي الْمُهِمَّاتِ : الْقِيَاسُ تَكْفِيرُهُ إذَا عَرِيَ عَنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ ، وَكَلَامُ الْأَذْكَارِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْأَذْكَارِ .
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : قَالَ الْأَصْحَابُ : وَإِذَا لَمْ نُكَفِّرْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَيَقُولَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ا هـ .
وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى ، فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ ، وَيُسَنُّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ كُلِّ تَكَلُّمٍ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ .

وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ ، لَمْ تَنْعَقِدْ .
وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَوْنُ الْحَالِفِ قَاصِدًا مَعْنَاهَا ( وَ ) حِينَئِذٍ ( مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا ) أَيْ الْيَمِينِ ( بِلَا قَصْدٍ ) لِمَعْنَاهَا ( لَمْ تَنْعَقِدْ ) يَمِينُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } أَيْ قَصَدْتُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وَلَغْوُ الْيَمِينِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا { قَوْلُ الرَّجُلِ : لَا وَاَللَّهِ ، وَبَلَى وَاَللَّهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ رَفْعَهُ كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَالْمُرَادُ بِتَفْسِيرِ لَغْوِ الْيَمِينِ بِلَا وَاَللَّهِ ، وَبَلَى وَاَللَّهِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الْجَمْعِ أَمَّا لَوْ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ ، وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ فَصَارَتْ مَقْصُودَةً ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ .
وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ، وَلَوْ ادَّعَى سَبْقَ لِسَانِهِ فِي إيلَاءٍ أَوْ الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ : " بِلَا قَصْدٍ " بَعْدَ قَوْلِهِ : " وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ " .

وَتَصِحُّ عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ .
( وَتَصِحُّ ) الْيَمِينُ ( عَلَى مَاضٍ ) كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا أَوْ فَعَلْتُهُ بِالْإِجْمَاعِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا } ثُمَّ إنْ كَانَ عَامِدًا فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } وَهُوَ يَعُمُّ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ ، وَتَعَلُّقُ الْإِثْمِ لَا يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ كَمَا أَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ ، بَلْ وَفِيهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّهَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ : يُعَزَّرُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ ، فَإِنْ جَهِلَ فَفِي الْكَفَّارَةِ خِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي ، وَحَيْثُ صَدَقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَالْمُرَادُ بِصِدْقِهِ مُوَافَقَةُ مَا قَصَدَهُ إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ ، وَلَوْ خَالَفَ الظَّاهِرَ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ حَاكِمٌ فَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ لَفْظِ الْحَاكِمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ ( وَ ) عَلَى ( مُسْتَقْبَلٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا } وَيُسْتَثْنَى مُمْتَنِعُ الْحِنْثِ لِذَاتِهِ ، فَإِنَّ الْيَمِينَ فِيهِ لَا تَنْعَقِدُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ بِخِلَافِ مُمْتَنِعِ الْبِرِّ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، فَلَوْ قَيَّدَ مُمْتَنِعَ الْبِرِّ بِزَمَنٍ كَلَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ غَدًا هَلْ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ ؟ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا ، وَسَيَأْتِي .

وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ .
( وَهِيَ ) أَيْ الْيَمِينُ ( مَكْرُوهَةٌ ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ } أَيْ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجَزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهِ .
قَالَ حَرْمَلَةُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : مَا حَلَفْتُ بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، إذْ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُبَاحٌ .
وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ ، وَقَدْ تَجِبُ ( إلَّا فِي طَاعَةٍ ) مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَتَرْكِ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَطَاعَةٌ ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ الْيَمِينَ الْوَاقِعَةَ فِي دَعْوَى إنْ كَانَتْ صِدْقًا فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَكَذَا لَوْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِتَوْكِيدِ كَلَامٍ وَتَعْظِيمِ أَمْرٍ ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا } وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ : { لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا } وَضَابِطُهُ الْحَاجَةُ إلَى الْيَمِينِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَا تَجِبُ الْيَمِينُ أَصْلًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ .
وَقَالَ : إذَا كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ ، وَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَحْلِفُ إذَا نَكَلَ فَيَتَخَيَّرُ ، إنْ شَاءَ حَلَفَ ، وَإِنْ شَاءَ نَكَلَ ، وَإِنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ ، فَإِنْ كَانَ يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ .
دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ كَذِبِ الْخَصْمِ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .

فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ عَصَى وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ ، وَكَفَّارَةٌ
( فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ ) كَتَرْكِ الصُّبْحِ ( أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ ) كَالسَّرِقَةِ ( عَصَى ) بِحَلِفِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى مَسْأَلَتَيْنِ : الْأُولَى : الْوَاجِبُ الَّذِي يُمْكِنُ سُقُوطُهُ كَالْقِصَاصِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ سُقُوطُهُ بِالْعَفْوِ .
الثَّانِيَةُ : الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَعْصِي بِهَذَا الْحَلِفِ ( وَلَزِمَهُ ) عِنْدَ عِصْيَانِهِ ( الْحِنْثُ وَكَفَّارَةٌ ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَعْصِيَةٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ } .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ ، وَإِلَّا فَلَا : كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ ، فَإِنَّ لَهُ طَرِيقًا سِوَاهُ : كَأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبَرِّئَهَا ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ مَعَ بَقَاءِ التَّعْظِيمِ ، وَعَكْسُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ أَطَاعَ بِالْيَمِينِ ، وَعَصَى بِالْحِنْثِ ، وَعَلَيْهِ بِهِ الْكَفَّارَةُ .

أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ ، أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ .
( أَوْ ) حَلَفَ عَلَى ( تَرْكِ مَنْدُوبٍ ) كَسُنَّةِ الضُّحَى ( أَوْ ) عَلَى ( فِعْلِ مَكْرُوهٍ ) كَالْتِفَاتِهِ بِوَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ ( سُنَّ حِنْثُهُ ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالْإِقَامَةَ عَلَيْهَا مَكْرُوهَانِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ } نَزَلَتْ فِي الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِرَّ مِسْطَحًا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَلَى رَبِّ وَبَرَّهُ ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ بِأَنَّ يَمِينَهُ تَضَمَّنَ طَاعَةً ، وَهُوَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى قَوْلِهِ : " لَا أَزِيدُ " فَكَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ .

تَنْبِيهٌ : اُخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا ، فَقِيلَ : مَكْرُوهٌ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ } وَقِيلَ : طَاعَةٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ اخْتِيَارِ السَّلَفِ خُشُونَةَ الْعَيْشِ ، وَقِيلَ : يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُورِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالضَّيِّقِ وَالسَّعَةِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ .

أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ ، وَقِيلَ الْحِنْثُ .
( أَوْ ) عَلَى ( تَرْكِ مُبَاحٍ ) مُعَيَّنٍ ( أَوْ فِعْلِهِ ) كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ ( فَالْأَفْضَلُ ) لَهُ ( تَرْكُ الْحِنْثِ ) بَلْ يُسَنُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } ( وَقِيلَ : ) الْأَفْضَلُ لَهُ ( الْحِنْثُ ) لِيَنْتَفِعَ الْفُقَرَاءُ بِالْكَفَّارَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَذًى لِلْغَيْرِ ، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ صَدِيقٍ يُكْرَهُ ذَلِكَ ، فَالْأَفْضَلُ الْحِنْثُ قَطْعًا ، وَعَقْدُ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا شَكٍّ ، وَكَذَا حُكْمُ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ .
تَنْبِيهٌ : مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ كُرِهَ حِنْثُهُ ، وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُغَيِّرُ حَالَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَمَّا كَانَ وُجُوبًا وَتَحْرِيمًا وَنَدْبًا وَكَرَاهَةً وَإِبَاحَةً ، لَكِنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ فِي الْمُبَاحِ : الْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ ، فِيهِ تَغَيُّرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ .

وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ قِيلَ : وَحَرَامٍ .
قُلْتُ : هَذَا أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَهُ ) أَيْ الْحَالِفِ ( تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ ) مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ ( عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ ) وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَعْجِيلُهُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُكَفِّرَ حَتَّى يَحْنَثَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : " عَلَى حِنْثٍ " عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْيَمِينِ ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِلَا خِلَافٍ ، وَكَذَا مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يُعْتِقُ عَنْهَا مَعَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ .
أَمَّا الصَّوْمُ فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَاحْتَرَزَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ( وَقِيلَ : وَ ) لَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى حِنْثٍ ( حَرَامٍ ) كَالْحِنْثِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ ( قُلْتُ : هَذَا ) الْوَجْهُ ( أَصَحُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمَنْعُ الَّذِي ، جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنْ يَتَطَرَّقَ بِهِ لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ ، وَالتَّعْجِيلُ رُخْصَةٌ فَلَا تَلِيقُ بِالْعَاصِي ، لِأَنَّ الْحَظْرَ فِي الْفِعْلِ لَيْسَ مِنْ حِنْثِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبْلَ الْيَمِينِ وَبَعْدَهَا ، فَالتَّكْفِيرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةٌ .
تَنْبِيهٌ : إذَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْعِتْقَ اُشْتُرِطَ فِي إجْزَائِهِ بَقَاءُ الْعَتِيقِ حَيًّا مُسْلِمًا إلَى الْحِنْثِ ، فَلَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ حِنْثِهِ كَأَنْ عَتَقَهُ تَطَوُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ

فِي فَتَاوِيهِ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : أَعْتَقْت عَبْدِي عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْت أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ لَمْ يُجْزِهِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ حَنِثْت غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي ، فَإِنْ حَنِثَ غَدًا أُعْتِقَ ، وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا ، وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْتُ فَبَانَ حَانِثًا وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا ، وَإِلَّا فَلَا .
نَعَمْ إنْ حَنِثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْهَا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ حَلَفْتُ وَحَنِثْتُ فَبَانَ حَالِفًا لَمْ يُجْزِهِ ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِلشَّكِّ فِي الْحَلِفِ .

وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ عَلَى الْعَوْدِ .
( وَ ) لَهُ تَقْدِيمُ ( كَفَّارَةِ ظِهَارٍ ) بِغَيْرِ صَوْمٍ كَمَا مَرَّ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ ( عَلَى الْعَوْدِ ) فِي الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَمِينِ ، وَصَوَّرُوا التَّقْدِيمَ عَلَى الْعَوْدِ بِمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ رَجْعِيَّةٍ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ، وَبِمَا إذَا طَلَّقَ بَعْدَ الظِّهَارِ رَجْعِيًّا ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَ .
أَمَّا إذَا أَعْتَقَ عَقِبَ الظِّهَارِ عَنْهُ ، فَهُوَ تَكْفِيرٌ مَعَ الْعَوْدِ لَا قَبْلَهُ ، لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْعِتْقِ عَوْدٌ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : " عَلَى الْعَوْدِ " عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الظِّهَارِ فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا .

وَقَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ .
( وَ ) لَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ ( قَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ ) مِنْهُ بَعْدَ حُصُولِ الْجُرْحِ وَتَقْدِيمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْجُرْحِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجُرْحِ .

وَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ .
( وَ ) لَهُ أَيْضًا تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ عَلَى ( مَنْذُورٍ مَالِيٍّ ) عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشِّفَاءِ كَالزَّكَاةِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ ، وَمَا صَحَّحَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، فَأَعْتَقَ قَبْلَ الشِّفَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : هُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ ، وَالْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَالِيَّةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ الْجَوَازُ ا هـ .
وَخَرَجَ بِالْمَالِيِّ الْبَدَنِيُّ كَالصَّوْمِ ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ .

تَتِمَّةٌ : لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ ، أَوْ الْحَجِّ ، أَوْ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ ، وَ كَذَا فِدْيَةُ الْحَلْقِ وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ عَلَيْهَا نَعَمْ إنْ جُوِّزَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ جَازَ تَقْدِيمُهَا لِوُجُودِ السَّبَبِ .

فَصْلٌ يَتَخَيَّرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ ، وَإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ ، وَكِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَقَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ إزَارٍ لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ وَمِنْطَقَةٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ ، وَقُطْنٌ ، وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ لِامْرَأَةٍ ، وَرَجُلٍ وَلَبِيسٍ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .

فِي صِفَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّارَاتِ بِكَوْنِهَا مُخَيَّرَةً فِي الِابْتِدَاءِ ، مُرَتَّبَةً فِي الِانْتِهَاءِ ، وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ مَعًا ( يَتَخَيَّرُ ) الْمُكَفِّرُ ( فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ ) فِيهَا ( كَالظِّهَارِ ) أَيْ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ كَفَّارَتُهُ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِهِ مِنْ كَوْنِهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِعَمَلٍ أَوْ كَسْبٍ ( وَ ) بَيْنَ ( إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ ) أَوْ غَيْرِهِ ( مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ ) كَالْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ هُنَا ( وَ ) بَيْنَ ( كِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً ) مِمَّا يُعْتَادُ لُبْسُهُ ( كَقَمِيصٍ ، أَوْ عِمَامَةٍ ؛ أَوْ إزَارٍ ) أَوْ رِدَاءٍ ، أَوْ طَيْلَسَانٍ ، أَوْ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ ، أَوْ مِقْنَعَةٍ ، أَوْ جُبَّةٍ ، أَوْ قَبَاءٍ ، أَوْ دِرْعٍ مِنْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّ لَهُ ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الدِّرْعَ يَكْفِي ، وَهُوَ سَهْوٌ ( لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ ) وَمُكْعَبٍ ، وَهُوَ الْمَدَاسُ ، وَنَعْلٍ ( وَمِنْطَقَةٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَقَلَنْسُوَةٍ ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَدِرْعٍ مِنْ حَدِيدٍ ، وَيُجْزِئُ فَرْوٌ وَلِبَدٌ اُعْتِيدَ فِي الْبَلَدِ لُبْسُهُمَا ، وَلَا يُجْزِئُ التُّبَّانُ وَهُوَ سِرْوَالٌ قَصِيرٌ لَا يَبْلُغُ الرُّكْبَةَ ، وَلَا الْخَاتَمُ ، وَالتِّكَّةُ ، وَالْعِرْقِيَّةُ .
وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِشَيْخِنَا أَنَّهَا تَكْفِي ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لَهَا ، وَحَمَلَهُ شَيْخِي عَلَى الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْحَابِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِسْوَةِ ( لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ

سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَ ) يَجُوزُ ( قُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ ) وَشَعْرٌ وَصُوفٌ مَنْسُوجٌ كُلٌّ مِنْهَا ( لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ ) لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَى ذَلِكَ ( وَلَبِيسٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ بِمَعْنَى مَلْبُوسٍ ( لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ ) فَإِنْ ذَهَبَتْ بِحَيْثُ صَارَ مُسْحَقًا لَمْ يَجُزْ ، وَلَا بُدَّ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَخَرِّقٍ وَلَا يُجْزِئُ جَدِيدٌ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ إذَا كَانَ لُبْسُهُ لَا يَدُومُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَدُومُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْبَالِي لِضَعْفِ النَّفْعِ بِهِ ، وَلَا يَجُوزُ نَجِسُ الْعَيْنِ مِنْ الثِّيَابِ ، وَيُجْزِئُ الْمُتَنَجِّسُ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِنَجَاسَتِهِ ، وَيَجُوزُ مَا غُسِلَ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ لِانْطِلَاقِ الْكِسْوَةِ عَلَيْهِ ، وَكَوْنِهِ يُرَدُّ فِي الْبَيْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا كَالْعَيْبِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فِي الرَّقِيقِ ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ جَدِيدًا خَامًا كَانَ أَوْ مَقْصُورًا لِآيَةِ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةً ثَوْبًا طَوِيلًا لَمْ يُجْزِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ قِطَعًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قِطْعَةٍ تُسَمَّى كِسْوَةً ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ : عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مَا إذَا أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ ، كَمَا لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَإِطْعَامُ خَمْسَةٍ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ التَّخْيِيرُ لِلْعَبْدِ ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْمُعْسِرِ ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لَمْ يُجْزِهِ مَعَ الْيَسَارِ ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ أَقَلُّ الْخِصَالِ قِيمَةً ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَخْيِيرَ إلَّا إنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهَا ( فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ( الثَّلَاثَةِ )

الْمَذْكُورَةِ ( لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ) .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَنْ يَجِدُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَقَطْ ، وَلَا يَجِدُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ .
قَالَا : وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْأَخْذِ ، فَكَذَا فِي الْإِعْطَاءِ ، وَقَدْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ ، وَلَهُ أَخْذُهَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَا لَوْ أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابُ عَنْهَا بِلَا بَدَلٍ ، وَالتَّكْفِيرُ بِالْمَالِ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ .

وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ غَابَ مَالُهُ انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ ، وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً ، وَقُلْنَا يَمْلِكُ ، بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ وَإِنْ ضَرَّهُ وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَامَ بِلَا إذْنٍ ، أَوْ وُجِدَا بِلَا إذْنٍ لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ ، وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْحَلِفِ ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لَا عِتْقٍ .

( وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ .
وَالثَّانِي يَجِبُ ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ " وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا أَوْجَبْنَا قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْلِهِ : " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا " ، وَلِأَنَّ مِنْ قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِنْسِهِ ، وَهُوَ الظِّهَارُ وَالْقَتْلُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ آيَةَ الْيَمِينِ نَسَخَتْ مُتَتَابِعَاتٍ تِلَاوَةً وَحُكْمًا ، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا ، بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا نُسِخَتْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا ، وَبِأَنَّ الْمُطْلَقَ هَهُنَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ ، وَلَا يَجِبُ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ فِي التَّتَابُعِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخِرِ ، لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ : حَمْلُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ ( وَإِنْ غَابَ مَالُهُ ) إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ دُونَهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ ( انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ ) لِأَنَّهُ وَاجِدٌ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّوْمُ إذَا لَمْ يَجِدْ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمُتَمَتِّعُ إذَا أُعْسِرَ بِالدَّمِ بِمَكَّةَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِبَلَدِهِ مَالٌ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ هُنَاكَ اُعْتُبِرَتْ بِمَكَّةَ فَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِهَا ، وَالْقُدْرَةُ هُنَا اُعْتُبِرَتْ مُطْلَقًا ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ غَائِبٌ تَيَقَّنَ حَيَاتَهُ جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ ، بِخِلَافِ مُنْقَطِعِ الْخَبَرِ فِي الْأَصَحِّ ( وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ ( إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً ) لِيُكَفِّرَ بِهِمَا أَوْ مَلَّكَهُ مُطْلَقًا وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ ( وَقُلْنَا : يَمْلِكُ ) بِالتَّمْلِيكِ عَلَى رَأْيٍ

مَرْجُوحٍ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : " سَيِّدُهُ " يَقْتَضِي أَنَّ تَمْلِيكَ غَيْرِ السَّيِّدِ لَا أَثَرَ لَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا سَوَاءٌ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مَا إذَا مَلَّكَهُ رَقِيقًا لِيَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا ، لِامْتِنَاعِ الْوَلَاءِ لِلْعَبْدِ ، وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْعَبْدِ .
فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقِنُّ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ : وَقُلْنَا : يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ قَطْعًا ، وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ فَأَعْتَقَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ نَقَلَا هُنَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِذَلِكَ ( بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ ) لِعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ فِي ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَإِنْ ضَرَّهُ ) الصَّوْمُ لِشِدَّةِ حَرٍّ ، أَوْ طُولِ نَهَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَكَانَ يَضْعُفُ عَنْ الْعَمَلِ بِسَبَبِهِ ( وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ( صَامَ بِلَا إذْنٍ ) وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي لِصُدُورِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ عَنْ إذْنِ السَّيِّدِ ( أَوْ وُجِدَا ) أَيْ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ ) مِنْهُ قَطْعًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ وَاجِبًا أَمْ جَائِزًا أَمْ مَمْنُوعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي السَّبَبِ ، وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي ، فَإِنْ صَامَ بِلَا إذْنٍ أَجْزَأَهُ : كَمَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ ، أَوْ حَجَّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ وَعَدَمُ

الِاعْتِدَادِ بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَجِّ ( وَإِنْ أَذِنَ ) لَهُ ( فِي أَحَدِهِمَا ) فَقَطْ ( فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ ) إذْنِ السَّيِّدِ لَهُ فِي ( الْحَلِفِ ) فَإِذَا حَلَفَ بِإِذْنِهِ وَحَنِثَ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْحَلِفِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : الِاعْتِبَارُ بِالْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَانِعَةٌ مِنْهُ ، فَلَيْسَ إذْنُهُ فِيهَا إذْنًا فِي الْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ ، وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ، وَأَحَالَا الْمَسْأَلَةَ هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ ، بَلْ قِيلَ : إنَّ مَا فِي الْمُحَرَّرِ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْحِنْثِ إلَى الْحَلِفِ ، لَكِنَّ الْمُحَرَّرَ يَتْبَعُ الْبَغَوِيَّ كَثِيرًا كَمَا اُسْتُقْرِئَ مِنْ كَلَامِهِ ، وَالْبَغَوِيُّ صَحَّحَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْحَلِفِ وَخَرَجَ بِيَضُرُّهُ الصَّوْمُ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّهُ فَلَهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَبِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَرَّرْ بِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَاجِزٌ ( وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ ) وَلَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِيَسَارِهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ الثَّوْبِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَيَمِّمًا أَوْ عَارِيًّا ( لَا عِتْقٍ ) لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ الْمُتَضَمِّنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَالِكُ بَعْضِهِ : إذَا أَعْتَقْت عَنْ كَفَّارَتِكَ فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ قُبَيْلَ إعْتَاقِك عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ مَعَهُ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى قَطْعًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَلِلسَّيِّدِ التَّكْفِيرُ عَنْهُ بِالْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا : لَا يَمْلِكُ إذْ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ ،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51