كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

بِهِ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ آلَاتِ الْحُلِيِّ لِزِيَادَةِ التَّلَذُّذِ وَكَمَالِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَذَلِكَ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ هَيَّأَهُ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا قِيلَ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ السَّلْتَاءَ وَالْمَرْهَاءَ } ، وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ ( وَ ) لَا ( دَوَاءُ مَرَضٍ وَ ) لَا ( أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ ) وَنَحْوِ ذَلِكَ كَفَاصِدٍ وَخَاتِنٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِحِفْظِ الْأَصْلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ كَعِمَارَةِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ، وَخَالَفَ مُؤْنَةَ التَّنْظِيفِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى كَنْسِ الدَّارِ وَغَسْلِهَا .

وَلَهَا طَعَامُ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَأُدْمُهَا وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، وَثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ ، فِي الْأَصَحِّ لَا حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ فِي الْأَصَحِّ .

( وَ ) يَجِبُ ( لَهَا ) عَلَيْهِ ( طَعَامُ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَأُدْمُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ ، وَلَهَا صَرْفُهُ فِي الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ لَا تَسْتَحِقُّهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْكِسْوَةُ وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالدُّهْنِ ، وَالْمَرْتَكِ وَنَحْوِهِمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ) إنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُخُولَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِتَخْرُجَ مِنْ دَنَسٍ الْحَيْضِ الَّذِي يَكُونُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً غَالِبًا ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ لِعَادَةِ مِثْلِهَا ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ حَرًّا وَبَرْدًا .
وَالثَّانِي : لَا تَجِبُ لَهَا الْأُجْرَةُ إلَّا إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ وَعَسُرَ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ .
أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ فَلَا تَجِبُ لَهَا أُجْرَتُهُ ( وَ ) الْأَصَحُّ أَيْضًا وُجُوبُ ( ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ ) مِنْ الزَّوْجِ ( وَنِفَاسٍ ) مِنْهُ وَوُضُوءٍ نَقَضَهُ هُوَ كَأَنْ لَمَسَهَا إنْ احْتَاجَتْ لِشِرَائِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِهِ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحَقٍّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَصَلَ النَّقْضُ بِفِعْلِهِمَا فَقِيَاسُ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا وُجُوبُهُ عَلَيْهِ ، وَكَالنِّفَاسِ فِيمَا ذُكِرَ الْوِلَادَةُ بِلَا بَلَلٍ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوِلَادَةِ بَدَلَ النِّفَاسِ لَشَمِلَ ذَلِكَ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْإِحْبَالُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ، فَلَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَحَبِلَتْ ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي الْأَوَّلِ ، وَلِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الثَّانِي ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ نَقَضَ وُضُوءَ

أَجْنَبِيَّةٍ ذَلِكَ ، وَلَا عَلَيْهَا إذَا نَقَضَتْ وُضُوءَ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ بِفِعْلِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ عَقْدِ النِّكَاحِ ، وَ ( لَا ) يَجِبُ ثَمَنُ مَاءِ ( حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ فِي الْأَصَحِّ ) إذْ لَا صُنْعَ مِنْهُ .
وَالثَّانِي : يَجِبُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْحَيْضِ ، وَفِي عَدَمِ إيجَابِهِ إجْحَافٌ بِهَا .
تَنْبِيهٌ : الْخِلَافُ فِي الِاحْتِلَامِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَمْ يَحْكِيَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ ، بَلْ قَطَعَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ ، فَقَدْ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لِحَاجَتِهَا قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَتْ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ا هـ .
وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالظَّاهِرُ طَرْدُ الْخِلَالِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْسِلُ بِهِ مَا تَنَجَّسَ مِنْ بَدَنِهَا أَوْ ثِيَابِهَا .
.

وَلَهَا وَآلَاتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَطَبْخٍ كَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَنَحْوِهَا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الْخَامِسِ ، وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ فَقَالَ ( وَ ) يَجِبُ لَهَا ( آلَاتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ) بِضَمِّ الشِّينِ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ } ( وَ ) آلَاتُ ( طَبْخٍ كَقِدْرٍ ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ ، مِثَالٌ لِآلَةِ الطَّبْخِ ( وَقَصْعَةٍ ) وَهِيَ بِفَتْحِهَا مِثَالٌ لِآلَةِ الْأَكْلِ ( وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ ) وَهُمَا مِثَالَانِ لِآلَةِ الشُّرْبِ ( وَنَحْوِهَا ) مِمَّا لَا غِنَى عَنْهُ كَمِغْرَفَةٍ ، وَمَا تَغْسِلُ فِيهِ ثِيَابَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَعِيشَةَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتُوا عَنْ مَنَارَةِ السِّرَاجِ وَإِبْرِيقُ الْوُضُوءِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُهُ لِمَنْ اعْتَادَهُ حَتَّى لَا يَجِبَ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ ، وَيَكْفِي كَوْنُ الْآلَاتِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَزَفٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، فَلَا تَجِبُ الْآلَةُ مِنْ النُّحَاسِ وَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةً كَمَا رَجَّحَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي : لِأَنَّهُ رُعُونَةٌ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لِلشَّرِيفَةِ الظُّرُوفُ النُّحَاسُ لِلْعَادَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقِيَاسُ الْبَابِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ فِي الْمَاعُونِ ، وَأَنْ يُفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ ، وَأَنْ يُفَاوَتَ بَيْنَ مَرَاتِبِ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِ الزَّوْجَاتِ حَتَّى يَجِبَ لِبَدَوِيَّةٍ قَدَحٌ ، وَقِطْعَةٌ مِنْ خَشْبٍ ، وَقِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ ، وَلِقَرَوِيَّةٍ جَرَّةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ خَزَفٍ ، وَلِنِسَاءِ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ مَا يَعْتَدْنَهُ مِنْ خَزَفٍ عَالٍ ، أَوْ مُتَوَسِّطٍ ، أَوْ دَنِيءٍ ، أَوْ مِنْ نُحَاسٍ كَطَسْتِ الثِّيَابِ ، وَطَاسَةِ الْحَمَّامِ .
.

وَمَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَهُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ السَّادِسِ ، وَهُوَ السُّكْنَى فَقَالَ ( وَ ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( مَسْكَنٌ ) أَيْ تَهْيِئَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ } ، فَالزَّوْجَةُ أَوْلَى ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ ( يَلِيقُ بِهَا ) عَادَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الِانْتِقَالَ مِنْهُ ، فَرُوعِيَ فِيهِ جَانِبُهَا ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ حَيْثُ رُوعِيَ فِيهِمَا حَالُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إبْدَالَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ يَسْكُنُ الْخَانَ أُسْكِنَتْ دَارًا أَوْ حُجْرَةً ، وَيُنْظَرُ إلَى مَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ سَعَةٍ أَوْ ضِيقٍ ، قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } ، ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي الْمَسْكَنِ ( كَوْنُهُ مِلْكَهُ ) قَطْعًا ، بَلْ يَجُوزُ إسْكَانُهَا فِي مَوْقُوفٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَلَوْ سَكَنَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فِي مَنْزِلِهَا مُدَّةً سَقَطَ فِيهَا حَقُّ السُّكْنَى ، وَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا بِأُجْرَةِ سَكَنِهِ مَعَهَا إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ الْعَرِيَّ عَنْ ذِكْرِ عِوَضٍ يُنَزَّلُ عَلَى الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ ا هـ .
وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الْعِدَدِ .
.

وَعَلَيْهِ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا إخْدَامُهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ ، أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ وَعَبْدٌ ، فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا أَوْ بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِمَنْ صَحِبَتْهَا لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ السَّابِعِ وَهُوَ الْخَادِمُ فَقَالَ ( وَ ) يَجِبُ ( عَلَيْهِ لِمَنْ ) أَيْ لِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ ( لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا ) بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا مَثَلًا ، لِكَوْنِهَا لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فِي عَادَةِ الْبَلَدِ كَمَنْ يَخْدُمُهَا أَهْلُهَا ، أَوْ تُخْدَمُ بِأَمَةٍ ، أَوْ بِحُرَّةٍ ، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، لَا بِارْتِفَاعِهَا بِالِانْتِقَالِ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا ( إخْدَامُهَا ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَذَلِكَ إمَّا ( بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ ) أَوْ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ( أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ ، أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الْإِنَاثِ لِلْإِخْدَامِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَيَجُوزُ كَوْنُ الْخَادِمِ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مُرَاهِقًا ، أَوْ مَحْرَمًا ، أَوْ مَمْلُوكًا لَهَا ، أَوْ مَمْسُوحًا ، وَلَا يَجُوزُ بِكَبِيرٍ وَلَا شَيْخٍ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ ، وَلَا بِذِمِّيَّةٍ لِمُسْلِمَةٍ ، إذْ لَا تُؤْمَنُ عَدَاوَتُهَا الدِّينِيَّةُ ، وَلِتَحْرِيمِ النَّظَرِ ، وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ جَوَازِ عَكْسِهِ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِهْنَةِ ، وَهَذَا فِي الْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ .
أَمَّا الظَّاهِرَةُ كَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ مِنْ السُّوقِ فَيَتَوَلَّاهَا الرِّجَالُ وَغَيْرُهُمْ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي تَعْيِينِ الْخَادِمِ الزَّوْجُ لَا الزَّوْجَةُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الِابْتِدَاءِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْدَمَهَا خَادِمًا وَأَلِفَتْهُ ، أَوْ كَانَتْ حَمَلَتْ مَعَهَا خَادِمًا وَأَرَادَ إبْدَالَهُ فَلَا يَجُوزُ لِتَضَرُّرِهَا بِقَطْعِ الْمَأْلُوفِ إلَّا إنْ ظَهَرَتْ رِيبَةٌ أَوْ خِيَانَةٌ فَلَهُ الْإِبْدَالُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ ، وَلَوْ أَرَادَتْ زِيَادَةَ خَادِمٍ آخَرَ مِنْ مَالِهَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ وَمِنْ اسْتِخْدَامِهَا لَهُ ، وَلَهُ إخْرَاجُ مَا عَدَا خَادِمِهَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ لَهَا مِنْ

غَيْرِهِ ، وَلَهُ مَنْعُ أَبَوَيْهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ( وَسَوَاءٌ فِي هَذَا ) أَيْ وُجُوبِ الْإِخْدَامِ ( مُوسِرٌ ) وَمُتَوَسِّطٌ ( وَمُعْسِرٌ ) وَمُكَاتَبٌ ( وَعَبْدٌ ) كَسَائِرِ الْمُؤَنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ " إخْدَامُهَا " أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ : أَنَا أَخْدُمُهَا بِنَفْسِي لِيَسْقُطَ عَنِّي مُؤْنَةُ الْخَادِمِ لَمْ يَلْزَمْهَا الرِّضَا بِهِ وَلَوْ فِيمَا لَا تَسْتَحِي مِنْهُ كَغَسْلِ ثَوْبٍ ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ ، وَطَبْخٍ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُ وَتُعَيَّرُ بِهِ ، وَأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ : أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ أُجْرَةَ الْخَادِمِ أَوْ مَا يَأْخُذُ مِنْ نَفَقَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الرِّضَا بِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا ، وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ لِابْتِذَالِهَا بِذَلِكَ ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَكَاعْتِيَاضِهَا عَنْ النَّفَقَةِ حَيْثُ لَا رِبَا ، وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ يَوْمًا بِيَوْمٍ ( فَإِنْ أَخْدَمَهَا ) الزَّوْجُ ( بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا ) أَيْ الْأُجْرَةِ ، وَلَوْ أَخْدَمَهَا أَمَةً مُسْتَعَارَةً أَوْ حُرَّةً مُتَبَرِّعَةً بِالْخِدْمَةِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ لِلْمِنَّةِ ( أَوْ ) أَخْدَمَهَا ( بِأَمَتِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ ، أَوْ ) أَخْدَمَهَا ( بِمَنْ صَحِبَتْهَا ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ( لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا ) وَفِطْرَتُهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْحُوبَةُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجَةِ مَلَكَتْ نَفَقَتَهَا كَمَا تَمْلِكُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَيَجُوزُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ تَمْلِكَ نَفَقَةَ نَفْسِهَا كَمَا تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : تَمْلِكُهَا الزَّوْجَةُ لِتَدْفَعَهَا إلَيْهَا ، وَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهَا وَتَكْفِيَهَا مِنْ مَالِهَا .
فَائِدَةٌ : الْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ

وَالْأُنْثَى ، وَلِذَلِكَ يُذَكِّرُ الْمُصَنِّفُ الضَّمَائِرَ تَارَةً ، وَيُؤَنِّثُهَا أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي كَلَامِهِ ، وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ لِلْأُنْثَى خَادِمَةٌ .
.

وَجِنْسُ طَعَامِهَا جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ ، وَهُوَ مُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ وَكَذَا مُتَوَسِّطٌ فِي الصَّحِيحِ ، وَمُوسِرٌ مُدٌّ وَثُلُثٌ وَلَهَا كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا ، وَكَذَا أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، لَا آلَةُ تَنْظِيفٍ فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ .

تَنْبِيهٌ : لُزُومُ نَفَقَةِ الْمَصْحُوبَةِ سَبَقَ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا ، وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ ثَانِيًا لِبَيَانِ جِنْسِ مَا تُعْطَاهُ ، وَقَدْرِهِ كَمَا قَالَ ( وَجِنْسُ طَعَامِهَا ) أَيْ خَادِمِ الزَّوْجَةِ ( جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ ) وَقَدْ مَرَّ ، إذْ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ لَا يَتَخَصَّصَ عَنْ خَادِمِهَا .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ عَنْ النَّوْعِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْعَلُ نَوْعُ الْمَخْدُومَةِ أَجْوَدَ لِلْعَادَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ مِقْدَارُ طَعَامِ الْخَادِمِ ( مُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ ) جَزْمًا ، إذْ النَّفْسُ لَا تَقُومُ بِدُونِهِ غَالِبًا فَلِذَلِكَ سَارَتْ الْمَخْدُومَةُ فِيهِ ( وَكَذَا مُتَوَسِّطٌ ) عَلَيْهِ مُدٌّ ( فِي الصَّحِيحِ ) قِيَاسًا عَلَى الْمُعْسِرِ ، وَالثَّانِي ، مُدٌّ وَثُلُثٌ كَالْمُوسِرِ ، وَالثَّالِثُ مُدٌّ وَسُدُسٌ لِتَفَاوُتِ الْمَرَاتِبِ بَيْنَ الْخَادِمِ وَالْمَخْدُومَةِ ( وَمُوسِرٌ مُدٌّ وَثُلُثٌ ) عَلَى النَّصِّ .
قَالَ الْأَصْحَابُ : وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا التَّقْرِيرَ ، وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ : إنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمَةِ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَهُوَ ثُلُثَا نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ ، وَالْمُدُّ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمُوسِرِ ، وَهُوَ ثُلُثَا نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ ، وَوَجَّهُوا أَيْضًا التَّقْدِيرَ فِي الْمُوسِرِ بِمُدٍّ وَثُلُثٍ ، وَفِي الْمُتَوَسِّطِ بِمُدٍّ بِأَنَّ لِلْخَادِمَةِ وَالْمَخْدُومَةِ فِي النَّفَقَةِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ يَسْتَوِيَانِ ، فَفِي الْأُولَى يُزَادُ فِي الْمَفْضُولَةِ ثُلُثُ مَا يُزَادُ لِلْفَاضِلَةِ كَمَا أَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ فِي الْإِرْثِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ يَسْتَوِيَانِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ السُّدُسَ ، وَفِي الْأُولَى إذَا انْفَرَدَا يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَيُزَادُ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يُزَادُ لِلْأَبِ ، وَلِهَذَا أَلْحَقُوا الْمُتَوَسِّطَ بِالْمُعْسِرِ وَلَمْ يُلْحِقُوهُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِهِ ( وَلَهَا ) أَيْضًا ( كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا )

وَلَوْ عَلَى مُتَوَسِّطٍ وَمُعْسِرٍ مِنْ قَمِيصٍ وَمِقْنَعَةٍ وَخُفٍّ وَرِدَاءٍ لِلْخُرُوجِ صَيْفًا وَشِتَاءً ، حُرًّا كَانَ الْخَادِمُ أَوْ رَقِيقًا اعْتَادَ كَشْفَ الرَّأْسِ أَمْ لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ فِي الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ ، هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُجُوبُهُمَا لِلْمَخْدُومَةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحَمَّامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورَاتِ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ لِلْخَادِمِ إنْ كَانَ أُنْثَى .
أَمَّا الْخَادِمُ الذَّكَرُ فَلَا ، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ ، وَلَا يَجِبُ لِلْخَادِمِ سَرَاوِيلُ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ وَكَمَالِ السَّتْرِ ، وَيَجِبُ لِلْخَادِمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى جُبَّةٌ لِلشِّتَاءِ أَوْ فَرْوَةٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ زِيدَ لَهُ عَلَى الْجُبَّةِ أَوْ الْفَرْوَةِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَفْرِشُهُ وَمَا يَتَغَطَّى بِهِ كَقِطْعَةِ لِبْدٍ وَكِسَاءٍ فِي الشِّتَاءِ وَبَارِيَّةٍ فِي الصَّيْفِ وَمِخَدَّةٍ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دُونَ مَا يَجِبُ لِلْمَخْدُومَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا ، وَيُفَاوِتُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ ( وَكَذَا ) لِلْخَادِمِ ( أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْشَ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ ، وَجِنْسُهُ جِنْسُ أُدْمِ الْمَخْدُومَةِ ، وَلَكِنَّ نَوْعَهُ دُونَ نَوْعِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَيُفَاوَتُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ ، وَالثَّانِي : لَا يَجِبُ ، وَيُكْتَفَى بِمَا فَضَلَ عَنْ الْمَخْدُومَةِ ، وَلَا يَجِبُ اللَّحْمُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يُؤْخَذُ تَرْجِيحُهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَ ( لَا ) يَجِبُ لِلْخَادِمِ ( آلَةُ تَنْظِيفٍ ) كَمُشْطٍ وَدُهْنٍ ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلتَّزْيِينِ ، وَالْخَادِمُ لَا يَتَزَيَّنُ ، بَلْ اللَّائِقُ بِحَالِهَا عَكْسُ ذَلِكَ لِئَلَّا تَمْتَدَّ إلَيْهَا الْعَيْنُ ( فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ ) عَلَيْهَا ( وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ ) أَيْ تُنَعَّمَ بِأَنْ

يُعْطِيَهَا مَا يُزِيلُ ذَلِكَ .
فَائِدَةٌ : الْقَمْلُ مُفْرَدُهُ قَمْلَةٌ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَيَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ .
وَقَالَ الْحَافِظُ : رُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَمِلُ الطِّبَاعِ وَإِنْ تَنَظَّفَ وَتَعَطَّرَ وَبَدَّلَ الثِّيَابَ كَمَا عَرَضَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .

وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ إنْ احْتَاجَتْ إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا ، وَلَا إخْدَامَ لِرَقِيقَةٍ ، وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ .
( وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ ) لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَّخِذَ خَادِمًا وَتُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ ، فَ ( إنْ احْتَاجَتْ ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ( إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ ) بِهَا ( أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا ) لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَا تَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ أَقْوَى مِمَّا نَقَصَ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَإِنْ تَعَدَّدَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ( وَلَا إخْدَامَ ) حَالَ الصِّحَّةِ ( لِرَقِيقَةٍ ) أَيْ زَوْجَةٍ كُلًّا أَوْ بَعْضًا ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنْ تَخْدُمَ نَفْسَهَا جَمِيلَةً كَانَتْ أَمْ لَا ( وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ ) يُوجِبُ إخْدَامَهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ .

وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ إمْتَاعٌ ، وَمَا يُسْتَهْلَكُ كَطَعَامٍ تَمْلِيكٌ ، وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ فَلَوْ قَتَّرَتْ بِمَا يَضُرُّهَا مَنَعَهَا ، وَمَا دَامَ نَفْعُهُ كَكِسْوَةٍ وَظُرُوفِ طَعَامٍ وَمُشْطٍ تَمْلِيكٌ ، وَقِيلَ إمْتَاعٌ .

( وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ ) وَالْخَادِمِ ( إمْتَاعٌ ) لَا تَمْلِيكٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مِلْكَهُ ( وَ ) يَجِبُ فِي ( مَا يُسْتَهْلَكُ ) لِعَدَمِ بَقَاءِ عَيْنِهِ ( كَطَعَامٍ ) وَأُدْمٍ وَدُهْنٍ وَلَحْمٍ وَزَيْتٍ ( تَمْلِيكٌ ) وَلَوْ بِلَا صِيغَةٍ فَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ أَعَلِمَتْ نِيَّتَهُ أَمْ لَا كَالْكَفَّارَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ ( وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ ) الْحُرَّةُ بِمَا شَاءَتْ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهَا .
أَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهَا .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ بَدَلَ الْوَاوِ فَإِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ( فَلَوْ قَتَّرَتْ ) بَعْدَ قَبْضِ نَفَقَتِهَا ( بِمَا يَضُرُّهَا ) أَيْ بِأَنْ ضَيَّقَتْ عَلَى نَفْسِهَا ( مَنَعَهَا ) زَوْجُهَا مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَضُرَّهَا وَلَكِنْ يُنَفِّرُهُ عَنْهَا لِحَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ ( وَمَا دَامَ نَفْعُهُ ) مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ، ( كَكِسْوَةٍ ) وَفَرْشٍ ( وَظُرُوفِ طَعَامٍ ) وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَظُرُوفٍ كَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِيَتَنَاوَلَ ظُرُوفَ الْمَاءِ وَآلَةَ التَّنْظِيفِ ( وَمِشْطٍ ) بِالْجَرِّ ، وَخَبَرُ مَا قَوْلُهُ ( تَمْلِيكٌ ) فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كِسْوَةَ الْأَهْلِ أَصْلًا لِلْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ كَالطَّعَامِ ، وَالطَّعَامُ تَمْلِيكٌ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا الْكِسْوَةُ فَوَجَبَ هُنَا مِثْلُهُ ( وَقِيلَ ) هُوَ ( إمْتَاعٌ ) كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ بِجَامِعِ الِانْتِفَاعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُدْفَعُ إلَيْهَا وَالْمَسْكَنُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهَا ، وَإِنَّمَا يُسْكِنُهَا الزَّوْجُ مَعَهُ فَلَا تَسْقُطُ بِمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ ، فَلَوْ لَبِسَتْ الْمُسْتَعَارَ وَتَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ فَضَمَانُهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعِيرُ وَهِيَ نَائِبَةٌ عَنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا فِي

الْمُسْتَأْجَرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهَا ذَلِكَ عَنْ كِسْوَتِهَا ا هـ .
وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ .

وَتُعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ شِتَاءٍ وَ صَيْفٍ ، فَإِنْ تَلِفَتْ فِيهِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ تُبْدَلْ إنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ ، فَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ تُرَدَّ .
وَلَوْ لَمْ يَكْسُ مُدَّةً فَدَيْنٌ .

( وَتُعْطَى ) الزَّوْجَةُ ( الْكِسْوَةَ أَوَّلَ ) فَصْلِ ( شِتَاءٍ وَ ) أَوَّلَ فَصْلِ ( صَيْفٍ ) لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ ، هَذَا إنْ وَافَقَ النِّكَاحُ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَإِلَّا وَجَبَ إعْطَاؤُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ هَذَا فِيمَا لَا يَبْقَى سَنَةً غَالِبًا .
أَمَّا مَا يَبْقَى سَنَةً فَأَكْثَرَ كَالْفَرْشِ وَجُبَّةِ الْخَزِّ وَالْإِبْرَيْسَمِ فَيُجَدَّدُ فِي وَقْتِهِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَجْدِيدِهِ ، وَعَلَيْهِ تَطْرِيفُهَا عَلَى الْعَادَةِ ( فَإِنْ ) أَعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ فَصْلٍ مَثَلًا ثُمَّ ( تَلِفَتْ فِيهِ ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْفَصْلِ ( بِلَا تَقْصِيرٍ ) مِنْهَا ( لَمْ تُبْدَلْ إنْ قُلْنَا ) بِالْأَصَحِّ : إنَّهَا ( تَمْلِيكٌ ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهَا مَا عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهَا ، وَإِنْ قُلْنَا بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا إمْتَاعٌ أَبْدَلَتْ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ لَيْسَ شَرْطًا لِعَدَمِ الْإِبْدَالِ فَإِنَّهُ مَعَ التَّقْصِيرِ أَوْلَى ، وَلَكِنَّ شَرْطَ الْمَفْهُومِ قَوْلُهُ إنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ الْإِبْدَالَ إنْ قُلْنَا : إمْتَاعٌ كَمَا تَقَدَّمَ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّقْصِيرِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْ الزَّوْجِ ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا كِسْوَةً سَخِيفَةً فَبَلِيَتْ لِسَخَافَتِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إبْدَالُهَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ لِتَقْصِيرِهِ ( فَإِنْ ) مَاتَ أَوْ أَبَانَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ( مَاتَتْ فِيهِ ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ ( لَمْ تُرَدَّ ) عَلَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْيَوْمِ ، فَإِنَّ كِسْوَةَ الْفَصْلِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ وَتُرَدُّ عَلَى الْإِمْتَاعِ ، وَقِيلَ : تُرَدُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لِمُدَّةٍ لَمْ تَأْتِ كَنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَعْطَاهَا كِسْوَةَ سَنَةٍ أَوْ نَفَقَةَ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَمَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَوْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمَيْنِ اسْتَرَدَّ كِسْوَةَ الْفَصْلِ الثَّانِي ، وَنَفَقَةُ الْيَوْمِ

الثَّانِي كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ ، وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ الْكِسْوَةَ حَتَّى مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ أَوْ طَلُقَتْ فِيهِ اسْتَحَقَّتْ كِسْوَةَ كُلِّ الْفَصْلِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ تُسْتَحَقُّ بِأَوَّلِ الْفَصْلِ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْقِسْطِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَمَّ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَقْطَعْهُ مَا طَرَأَ بَعْدَهُ ، وَلَا كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ ( وَلَوْ لَمْ يَكْسُ ) الزَّوْجُ ( مُدَّةً فَدَيْنٌ ) عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا : تَمْلِيكٌ ، فَإِنْ قُلْنَا : إمْتَاعٌ ، فَلَا .
تَنْبِيهٌ : الْوَاجِبُ فِي الْكِسْوَةِ الثِّيَابُ لَا قِيمَتِهَا وَعَلَيْهِ خِيَاطَتُهَا ، وَلَهَا بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهَا ، وَلَوْ لَبِسَتْ دُونَهَا مَنَعَهَا لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَجَمُّلِهَا .

فَصْلٌ الْجَدِيدُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ
فَصْلٌ فِي مُوجِبِ النَّفَقَةِ وَمَوَانِعِهَا كَنُشُوزٍ أَوْ صِغَرٍ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ ، فَقَالَ ( الْجَدِيدُ أَنَّهَا ) أَيْ النَّفَقَةَ وَتَوَابِعَهَا ( تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ ) التَّامِّ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا فَتَسْتَحِقُّ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لَهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ وَقْتَ الْغُرُوبِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَالْقِيَاسُ وُجُوبُهَا بِالْغُرُوبِ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ ، فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُهَا لِذَلِكَ مِنْ حِينَئِذٍ ، وَهَلْ التَّمْكِينُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا مَا لَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْحَالِّ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ مِنْ حِينَئِذٍ ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ وَإِنْ حَلَّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : مَا لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا طَوِيلًا .
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : لِامْرَأَتِهِ الْمُطَالَبَةُ بِنَفَقَةِ مُدَّةِ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ كَمَا لَا يَخْرُجُ لِلْحَجِّ حَتَّى يَتْرُكَ لَهَا هَذَا الْمِقْدَارَ ، أَيْ : إذَا لَمْ يَسْتَنِبْ مَنْ يَدْفَعُ لَهَا ذَلِكَ يَوْمًا بِيَوْمٍ .
فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ السَّفَرُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ غَرِيمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُ وَتَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ ، وَخَرَجَ بِالتَّامِّ الْمُقَدَّرُ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي زَمَنٍ أَوْ مَحَلٍّ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا .
.

لَهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمًا بِيَوْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ وَقْتَ الْغُرُوبِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَالْقِيَاسُ وُجُوبُهَا بِالْغُرُوبِ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ ، فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُهَا لِذَلِكَ مِنْ حِينَئِذٍ ، وَهَلْ التَّمْكِينُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا مَا لَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْحَالِّ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ مِنْ حِينَئِذٍ ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ وَإِنْ حَلَّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : مَا لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا طَوِيلًا .
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : لِامْرَأَتِهِ لَا الْعَقْدِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدَ مُوجِبُ النَّفَقَةِ كَالْحَامِلِ الْبَائِنِ إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا هَلْ تَحْتَاجُ لِلتَّمْكِينِ أَوْ لَا ؟ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُوجِبَ سَقَطَ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ( لَا الْعَقْدِ ) فَلَا تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَالْعَقْدُ لَا يُوجِبُ مَالًا مَجْهُولًا ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ، وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ سَنَتَيْنِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهَا لَسَاقَهُ إلَيْهَا ، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ ، وَالْقَدِيمُ وَحُكِيَ جَدِيدًا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِالتَّمْكِينِ ، فَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ سَقَطَتْ .

فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ صُدِّقَ ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ مُدَّةً فَلَا نَفَقَةَ فِيهَا ، وَإِنْ عَرَضَتْ وَجَبَتْ مِنْ بُلُوغِ الْخَبَرِ ، فَإِنْ غَابَ كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ فَيَجِيءَ أَوْ يُوَكِّلَ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى زَمَنُ وُصُولِهِ فَرَضَهَا الْقَاضِي .

، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَوْلَهُ ( فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ ) أَيْ التَّمْكِينِ ، فَقَالَتْ : مَكَّنْتُ فِي وَقْتِ كَذَا ، وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ ( صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ عَلَى الْجَدِيدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَعَلَى الْقَدِيمِ هِيَ الْمُصَدَّقَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهُ ، فَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى التَّمْكِينِ ثُمَّ ادَّعَى نُشُوزَهَا وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النُّشُوزِ ، وَقِيلَ : هُوَ الْمُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهُ ، وَفَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا قَوْلَهُ ( فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ ) زَوْجَتُهُ ( مُدَّةً ) مَعَ سُكُوتِهِ عَنْ طَلَبِهَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ ( فَلَا نَفَقَةَ ) لَهَا ( فِيهَا ) عَلَى الْجَدِيدِ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ ، وَتَجِبُ عَلَى الْقَدِيمِ ( وَ ) عَلَى الْجَدِيدِ ( إنْ عَرَضَتْ ) عَلَيْهِ وَهِيَ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ مَعَ حُضُورِهِ فِي بَلَدِهَا كَأَنْ بَعَثَتْ إلَيْهِ تُخْبِرُهُ أَنِّي مُسَلِّمَةٌ نَفْسِي إلَيْكَ فَاخْتَرْ أَنْ آتِيَكَ حَيْثُ شِئْتَ أَوْ تَأْتِيَ إلَيَّ ( وَجَبَتْ ) نَفَقَتُهَا ( مِنْ ) حِينِ ( بُلُوغِ الْخَبَرِ ) لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُقَصِّرٌ ( فَإِنْ غَابَ ) عَنْ بَلَدِهَا قَبْلَ عَرْضِهَا إلَيْهِ وَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ مُظْهِرَةً لَهُ التَّسْلِيمَ ( كَتَبَ الْحَاكِمُ ) الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ الْأَمْرَ ( لِحَاكِمِ بَلَدِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( لِيُعْلِمَهُ ) الْحَالَ ( فَيَجِيءَ ) الزَّوْجُ لَهَا يَتَسَلَّمُهَا ( أَوْ يُوَكِّلَ ) مَنْ يَجِيءُ يَتَسَلَّمُهَا لَهُ أَوْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ ، وَتَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ .
تَنْبِيهٌ : مَجِيئُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ حِينَ عِلْمِهِ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ ( فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ) شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَعَ إمْكَانِ الْمَجِيءِ أَوْ التَّوْكِيلِ ( وَمَضَى زَمَنُ ) إمْكَانِ ( وُصُولِهِ ) إلَيْهَا ( فَرَضَهَا الْقَاضِي ) فِي مَالِهِ مِنْ حِينِ إمْكَانِ وُصُولِهِ كَالْمُسْتَلِمِ لَهَا ؛

لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَلَا يَفْرِضُ عَلَيْهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَقَيَّدُوا بِهِ كَلَامَ الْكِتَابِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إنْ عُلِمَ مَكَانُ الزَّوْجِ ، فَإِنْ جُهِلَ كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَى الْحُكَّامِ الَّذِينَ تَرِدُ عَلَيْهِمْ الْقَوَافِلُ مِنْ بَلَدِهِ عَادَةً لِيُنَادِيَ بِاسْمِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَعْطَاهَا الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا يَصْرِفُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ ، أَمَّا إذَا غَابَ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ تَسَلُّمِهَا ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تُقَرَّرُ عَلَيْهِ وَلَا تَسْقُطُ بِغَيْبَتِهِ .

وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيٍّ .
( وَالْمُعْتَبَرُ فِي ) زَوْجَةٍ ( مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيٍّ ) لَهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَرْضِهِمَا ، لَكِنْ لَوْ عَرَضَتْ الْمُرَاهِقَةُ نَفْسَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَتَسَلَّمَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا ، وَفِي عِبَارَةِ الشَّرْحَيْنِ فَتَسَلَّمَهَا وَصَارَ بِهَا إلَى مَنْزِلِهِ ، وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَوْ تَسَلَّمَهَا وَلَمْ يَصِرْ بِهَا لَا تَسْتَحِقُّ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَنِعْمَ مَا فَعَلَ ، وَتَسَلُّمُ الزَّوْجِ وَالْمُرَاهِقِ زَوْجَتَهُ كَافٍ وَإِنْ كَرِهَ الْوَطْءَ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ تَسَلَّمَ الْمُرَاهِقُ الْمَبِيعَ لَمْ يَكْفِ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ أَنْ تَصِيرَ الْيَدُ لِلْمُشْتَرِي ، وَهِيَ لِلْوَلِيِّ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلْمُرَاهِقِ ، لَا لَهُ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُعْصِرِ بَدَلَ الْمُرَاهِقَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ : غُلَامٌ مُرَاهِقٌ وَجَارِيَةٌ مُعْصِرٌ ، وَلَا يُقَالُ : مُرَاهِقَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذُّكُورِ .

وَتَسْقُطُ بِنُشُوزٍ وَلَوْ بِمَنْعِ لَمْسٍ بِلَا عُذْرٍ ، وَعَبَالَةُ زَوْجٍ ، أَوْ مَرَضٌ يَضُرُّ مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ ، وَالْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إلَّا أَنْ يُشْرِفَ عَلَى انْهِدَامٍ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَوَانِعِ النَّفَقَةِ ، فَقَالَ ( وَتَسْقُطُ ) نَفَقَةُ كُلِّ يَوْمٍ ( بِنُشُوزٍ ) أَيْ خُرُوجٍ عَنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ بَعْدَ التَّمْكِينِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ فَتَسْقُطُ بِالْمَنْعِ ، وَالْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، وَإِلَّا فَالسُّقُوطُ حَقِيقَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ .
تَنْبِيهٌ : نُشُوزُ غَيْرِ الْمُكَلَّفَةِ كَالْمُكَلَّفَةِ لِاسْتِوَاءِ الْفِعْلَيْنِ فِي التَّفْوِيتِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَسَوَاءٌ أَقَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى رَدِّهَا إلَى الطَّاعَةِ قَهْرًا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهَا حَقَّ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ ، فَإِذَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ سَقَطَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ ، وَلَوْ نَشَزَتْ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بَعْضَ أَحَدِهِمَا سَقَطَتْ نَفَقَةُ جَمِيعِ الْيَوْمِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَلَّمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَلَا تُفَرَّقُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ، وَقِيلَ : تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ مَا قَبْلَ النُّشُوزِ مِنْ زَمَنِ الطَّاعَةِ بِالْقِسْطِ ، وَقَطَعَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ ( وَ ) تَسْقُطُ وَ ( لَوْ ) كَانَ نُشُوزُهَا ( بِمَنْعِ لَمْسٍ ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ ( بِلَا عُذْرٍ ) بِهَا إلْحَاقًا لِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ بِالْوَطْءِ ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ كَمَنْعِ لَمْسِ مَنْ بِفَرْجِهَا قُرُوحٌ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهَا وَاقَعَهَا لَمْ يَكُنْ مَنْعُهَا نُشُوزًا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ مَكَّنَتْ مِنْ الْوَطْءِ وَمَنَعَتْ بَقِيَّةَ الِاسْتِمْتَاعَاتِ أَنَّهُ نُشُوزٌ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ ، وَنَبَّهَ بِاللَّمْسِ عَلَى أَنَّ مَا فَوْقَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ، لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ مَنَعَتْهُ النَّظَرَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهَا أَوْ تَوْلِيَتِهِ يَكُونُ نُشُوزًا ، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ نُشُوزٌ ( وَعَبَالَةُ زَوْجٍ ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ كِبَرُ آلَتِهِ بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُهَا الزَّوْجَةُ ( أَوْ مَرَضٌ ) بِهَا ( يَضُرُّ ) هَا ( مَعَهُ

الْوَطْءُ عُذْرٌ ) فِي مَنْعِهَا مِنْ وَطْئِهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَعَ مَنْعِ الْوَطْءِ لِعُذْرِهَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ الْمُمْكِنِ ، وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَتَثْبُتُ عَبَالَتُهُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يَسْقُطُ بِهَا حَقُّ الزَّوْجِ وَلَهُنَّ نَظَرُ ذَكَرِهِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ لِلشَّهَادَةِ بِذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الزِّفَافِ لِعَبَالَتِهِ ، وَلَهَا ذَلِكَ بِالْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقَّعُ الزَّوَالِ .
فُرُوعٌ : لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ عَادَةً كَمَرَضٍ وَرَتَقٍ وَقَرْنٍ وَضَنًى ، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ : مَرَضٌ مُدْنِفٌ ، وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ ، وَإِنْ قَارَنَتْ تَسْلِيمَ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَعْذَارٌ بَعْضُهَا يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَبَعْضُهَا دَائِمٌ وَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِيهَا وَقَدْ حَصَلَ التَّسْلِيمُ الْمُمْكِنُ ، وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَفَارَقَ مَا لَوْ غَضِبَتْ بِخُرُوجِهَا عَنْ قَبْضَةِ الزَّوْجِ وَفَوَاتُ التَّمَتُّعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِحَبْسِهَا وَلَوْ ظُلْمًا كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ ، وَلَوْ حَبَسَهَا الزَّوْجُ بِدَيْنِهِ هَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا أَوْ لَا ؟ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِهِ ؟ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : أَنَّهَا إنْ مَنَعَتْهُ مِنْهُ عِنَادًا سَقَطَتْ ، أَوْ لِإِعْسَارٍ فَلَا ، وَلَا أَثَرَ لِزِنَاهَا ، وَإِنْ حَبِلَتْ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا ( وَالْخُرُوجُ ) لِلزَّوْجَةِ ( مِنْ بَيْتِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ حَاضِرًا كَانَ أَوْ لَا ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( نُشُوزٌ ) مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ لِعِبَادَةٍ كَحَجٍّ أَمْ لَا ؟ يُسْقِطُ نَفَقَتَهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهَا ( إلَّا أَنْ يُشْرِفَ ) الْبَيْتُ ( عَلَى انْهِدَامٍ ) فَلَيْسَ بِنُشُوزٍ لِعُذْرِهَا .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهَمُ الِاسْتِثْنَاءُ حَصَرَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهَا تُعْذَرُ فِي صُوَرٍ غَيْرِ ذَلِكَ ، مِنْهَا مَا إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ ظُلْمًا ، وَمِنْهَا مَا

إذَا خَرِبَتْ الْمَحَلَّةُ وَبَقِيَ الْبَيْتُ مُنْفَرِدًا وَخَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمَنْزِلُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَأَخْرَجَهَا مِنْهُ صَاحِبُهُ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ حَقِّهَا مِنْهُ ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَعَسَرَ بِالنَّفَقَةِ سَوَاءٌ أَرَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَمْ لَا ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ مِنْ حَوَائِجِهَا الَّتِي يَقْتَضِي الْعُرْفُ خُرُوجَ مِثْلِهَا لَهُ لِتَعُودَ عَنْ قُرْبٍ لِلْعُرْفِ فِي رِضَا مِثْلِهِ بِذَلِكَ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ لِاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يُغْنِهَا الزَّوْجُ عَنْ خُرُوجِهَا لَهُ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ لِبَيْتِ أَبِيهَا لِزِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ كَمَا سَيَأْتِي ، فَلَوْ قَالَ : إلَّا لِعُذْرٍ لَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ .

وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ أَوْ لِحَاجَتِهِ لَا يُسْقِطُ وَلِحَاجَتِهَا يَسْقُطُ فِي الْأَظْهَرِ .

( وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ ) وَلَوْ لِحَاجَتِهَا ( أَوْ ) وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ ( لِحَاجَتِهِ لَا يُسْقِطُ ) نَفَقَتَهَا لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ فِي الْأُولَى ، وَفِي غَرَضِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ : الْأُولَى مَا لَوْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا فَمُقْتَضَى الْمُرَجَّحِ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ خَرَجْت لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ مَا كَتَبْتُهُ أَوَّلًا ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي مِنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ مَا يَقْتَضِي السُّقُوطَ حَيْثُ قَالَ : وَإِذَا سَافَرَتْ الْحُرَّةُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا قَسَمَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي أَشْخَصَهَا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَلَا قَسَمُهَا .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : وَعِنْدِي أَنَّ أَخْذَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ نَظِيرِهَا الْمُشَارِكِ لَهَا فِي الْمُدْرَكِ أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِظَاهِرِ لَفْظِ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ : هُوَ الَّذِي أَشْخَصَهَا لِإِمْكَانِ تَأْوِيلِهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : يَنْبَغِي سُقُوطُهَا أَخْذًا مِمَّا رَجَّحُوهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّا مَعًا قَبْلَ الْوَطْءِ .
قَالَ : وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعُ فَقُدِّمَ الْمَانِعُ ا هـ .
وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا قَالَ بَلْ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ مَا احْتَجَّ بِهِ لَا يُنَافِي عَدَمَ سُقُوطِ نَفَقَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهَا خَالِيًا مِنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَالْأَصْلُ هُنَا بَعْدَ التَّمْكِينِ عَدَمُ سُقُوطِ النَّفَقَةِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِهَا خَالِيًا مِنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُوجَدْ ، إذْ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ خُرُوجِهَا لِغَرَضِهَا وَحْدَهُ ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ السُّقُوطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا نَقَلَاهُ فِي

الصَّدَاقِ عَنْ مُجَرَّدِ الْحَنَّاطِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِبَغْدَادَ امْرَأَةً بِالْكُوفَةِ ، وَقُلْنَا : اعْتِبَارُ التَّسْلِيمِ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ فَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا بِبَغْدَادَ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ أَنْ تَصِلَ بَغْدَادَ مَعَ أَنَّ السَّفَرَ لِبَغْدَادَ لِحَاجَتِهِمَا .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : مَا إذَا سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَةِ ثَالِثٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَظْهَرُ أَنَّهَا كَحَاجَةِ نَفْسِهَا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ بِسُؤَالِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِخُرُوجِهَا لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ .

وَلَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ فَأَطَاعَتْ لَمْ تَجِبْ فِي الْأَصَحِّ وَطَرِيقُهَا أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ كَمَا سَبَقَ .
( وَلَوْ نَشَزَتْ ) فِي حُضُورِ الزَّوْجِ بِأَنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( فَغَابَ ) عَنْهَا ( فَأَطَاعَتْ ) بَعْدَ غَيْبَتِهِ بِرُجُوعِهَا إلَى بَيْتِهِ ( لَمْ تَجِبْ ) نَفَقَتُهَا زَمَنَ الطَّاعَةِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِانْتِفَاءِ التَّسْلِيمِ ، وَالتَّسَلُّمِ إذْ لَا يَحْصُلَانِ مَعَ الْغَيْبَةِ ، وَالثَّانِي يَجِبُ لِعَوْدِهَا إلَى الطَّاعَةِ ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( طَرِيقُهَا ) فِي عَوْدِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لَهَا بَعْدَ طَاعَتِهَا فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا ( أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ ) بَعْدَ رَفْعِهَا الْأَمْرَ إلَيْهِ ( كَمَا سَبَقَ ) فِي ابْتِدَاءِ التَّسْلِيمِ فَيَكْتُبُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ بِالْحَالِ ، فَإِنْ عَادَ أَوْ وَكِيلُهُ وَاسْتَأْنَفَ تَسَلُّمَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ ، وَإِنْ مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ الْعَوْدِ وَلَمْ يَعُدْ وَلَا بَعَثَ وَكِيلَهُ عَادَتْ النَّفَقَةُ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ، أَمَّا إذَا كَانَ نُشُوزُهَا بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا كَأَنْ ارْتَدَّتْ أَوْ خَالَفَتْهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ مِنْ الْمَنْزِلِ عَادَتْ النَّفَقَةُ بِعَوْدِهَا إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الطَّاعَةِ فِي غَيْبَتِهِ ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمَتْنِ خِلَافَهُ .

وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ لِزِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تَسْقُطْ ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِصَغِيرَةٍ وَأَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ عَلَى صَغِيرٍ .
( وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ ) لَا عَلَى وَجْهِ النُّشُوزِ بَلْ ( لِزِيَارَةٍ ) لِأَقَارِبِهَا أَوْ جِيرَانِهَا ( وَنَحْوِهَا ) كَعِيَادَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ ( لَمْ تَسْقُطْ ) نَفَقَتُهَا إذْ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ نُشُوزًا عُرْفًا .
تَنْبِيهٌ : فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَقْيِيدُ الزِّيَارَةِ بِبَيْتِ أَبِيهَا ، وَنَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَيْدَ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْمَحَارِمِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَشْمَلُ الْأَجَانِبَ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ خُرُوجُهَا إلَى بَيْتِ أَبِيهَا أَوْ أَقَارِبِهَا أَوْ جِيرَانِهَا لِزِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ أَوْ تَعْزِيَةٍ ، وَلِهَذَا تَبِعْته فِي حَلِّ الْمَتْنِ ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَمَوِيِّ شَارِحِ التَّعْجِيزِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ لِمَوْتِ أَبِيهَا وَلَا شُهُودِ جِنَازَتِهِ وَأَقَرَّهُ ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ ( وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ ) وَلَا تَوَابِعَهَا ( لِصَغِيرَةٍ ) لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِتَعَذُّرِهِ لِمَعْنًى فِيهَا ، وَالثَّانِي تَجِبُ كَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَالْمَرِيضَةِ كَمَا مَرَّ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَرَضَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَالرَّتَقَ وَالْقَرَنَ مَانِعٌ دَائِمٌ قَدْ رَضِيَ بِهِ وَيَشُقُّ مَعَهُ تَرْكُ النَّفَقَةِ مَعَ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لَا يَفُوتُ كَمَا مَرَّ ( وَ ) الْأَظْهَرُ ( أَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ ) وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا ، لَا الْبَالِغَةُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ ( عَلَى ) زَوْجٍ ( صَغِيرٍ ) لَا يُمْكِنُ مِنْهُ جِمَاعٌ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا أَوْ عَرَضَتْهَا عَلَى وَلِيِّهِ ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ جِهَتِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى كَبِيرٍ فَهَرَبَ .

وَإِحْرَامُهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا ، فَإِنْ مَلَكَ فَلَا حَتَّى تَخْرُجَ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا ، أَوْ بِإِذْنٍ فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ .

( وَإِحْرَامُهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ) أَوْ مُطْلَقًا ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الزَّوْجِ ( نُشُوزٌ ) مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ ( إنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا ) مِمَّا أَحْرَمَتْ بِهِ وَهُوَ فِي إحْرَامِهَا بِفَرْضٍ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا بِذَلِكَ ، فَتَكُونُ نَاشِزَةً مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا ( فَإِنْ مَلَكَ ) تَحْلِيلَهَا بِأَنْ كَانَ مَا أَحْرَمَتْ بِهِ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ ( فَلَا ) يَكُونُ إحْرَامُهَا حِينَئِذٍ نُشُوزًا فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالِاسْتِمْتَاعِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ : بِحَجٍّ .
أَوْ عُمْرَةٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ ؛ لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ نُشُوزًا ، وَالْمَذْكُورُ فِي بَابِهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِئْذَانِ ، فَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ مَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَمَا لَا يُسْقِطُهَا ، لَا بَيَانُ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهَا الْمَأْذُونَ فِيهِ بِجِمَاعٍ فَإِنَّهَا تَقْضِيهِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَهَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنٍ ، وَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ مَعَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا ، وَحَيْثُ قِيلَ بِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا فَتَسْتَمِرُّ ( حَتَّى تَخْرُجَ ) مِنْ بَيْتِهَا فَإِذَا خَرَجَتْ ( فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا ) فَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَظْهَرِ ، أَوْ مَعَهُ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَاشِزَةٌ كَمَا مَرَّ ( أَوْ ) أَحْرَمَتْ بِمَا ذُكِرَ ( بِإِذْنٍ ) مِنْ زَوْجِهَا ( فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ ) لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ ، وَالثَّانِي : لَا تَجِبُ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ، وَدَفَعَ بِأَنَّ فَوَاتَهُ تَوَلَّدَ مِنْ إذْنِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مَا

لَمْ تَخْرُجْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا ، فَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا لَمْ تَسْقُطْ كَمَا مَرَّ .

وَيَمْنَعُهَا صَوْمُ نَفْلٍ فَإِنْ أَبَتْ فَنَاشِزَةٌ فِي الْأَظْهَرِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَتَضَيَّقُ كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا ، وَأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ ، وَسُنَنٍ رَاتِبَةٍ .

( وَيَمْنَعُهَا ) أَيْ يَجُوزُ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ ( صَوْمِ نَفْلٍ ) مُطْلَقٍ ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ جِمَاعُهَا أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ لِعُذْرٍ حِسِّيٍّ كَجَبِّهِ أَوْ رَتَقِهَا ، أَوْ شَرْعِيٍّ اكْتَسَبَهُ بِوَاجِبٍ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمُتَحَيِّرَةٍ وَمَنْ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَلَهُ قَطْعُهُ أَيْضًا إذَا شَرَعَتْ فِيهِ ( فَإِنْ أَبَتْ ) أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْفِطْرِ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهَا بِهِ ( فَنَاشِزَةٌ فِي الْأَظْهَرِ ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ : الْأَصَحُّ لِامْتِنَاعِهَا مِنْ التَّمْكِينِ وَإِعْرَاضِهَا عَنْهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَصَوْمُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَامٌ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ، وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ هُنَاكَ وَجْهَيْنِ : أَصَحُّهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ .
قَالَ : فَلَوْ صَامَتْ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِي نَظَائِرِهِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الثَّوَابِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَكَذَا هُنَا ، وَالثَّانِي : أَنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ مَتَى شَاءَ ، أَمَّا النَّفَلُ الرَّاتِبُ كَعَرَفَةَ ، وَعَاشُورَاءَ ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ فِطْرِهِ فَهُوَ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ نَكَحَهَا صَائِمَةً تَطَوُّعًا لَمْ يُجْبِرْهَا عَلَى الْفِطْرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمَرْوَزِيِّ ، وَفِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ ، أَوْجُهُهُمَا السُّقُوطُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ عِنْدَ طَلَبِ التَّمَتُّعِ ، وَحَيْثُ سَقَطَتْ بِالصَّوْمِ هَلْ سَقَطَ الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ ؟ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَضَاءَهُ ) مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ ( لَا يَتَضَيَّقُ ) بِأَنْ لَمْ يَجِبْ فَوْرًا كَفِطْرِهَا بِعُذْرٍ فِي رَمَضَانَ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ أَوْ نَامَتْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ

وَقْتُهَا حُكْمُهُ ( كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا ) أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَمِنْ إتْمَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ كَالنَّفْلِ فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ ، أَمَّا مَا يَتَضَيَّقُ كَالْفِطْرِ تَعَدِّيًا أَوْ بِعُذْرٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا قَدْرُهُ أَوْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَالنَّفَقَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ بِتَرْجِيحِ السُّقُوطِ ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ نَذَرَتْهُ بَعْدَ النِّكَاحِ بِلَا إذْنٍ وَمِنْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ إنْ لَمْ تَعْصِ بِسَبَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَمِنْ مَنْذُورِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ مُطْلَقٍ ، سَوَاءٌ أَنْذَرَتْهُ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ مُوسَعٌ ( وَ ) الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ ( أَنَّهُ لَا مَنْعَ ) لَهُ ( مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ ) لِحِيَازَةِ فَضِيلَتِهِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ التَّعْجِيلِ إذَا لَمْ يَنْدُبْ كَالْإِبْرَادِ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالثَّانِي : لَهُ الْمَنْعُ لِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِقِصَرِ مُدَّةِ الصَّلَاةِ ، وَلَوْ كَانَا مُسَافِرَيْنِ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ تَعْجِيلِ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْفَزَارِيّ وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنْ لَمْ يَكُنْ الْفِطْرُ أَفْضَلَ ( وَ ) لَا مَنْعَ مِنْ ( سُنَنٍ رَاتِبَةٍ ) لِتَأَكُّدِهَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعْجِيلِهَا مَعَ الْمَكْتُوبَةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ ، وَكَذَا مِنْ تَطْوِيلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمِنْ التَّطْوِيلِ الزَّائِدِ فِي الْفَرَائِضِ ، بَلْ تَأْتِي بِالْأَكْمَلِ مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ .
تَنْبِيهٌ : تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالِاعْتِكَافِ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ زَوْجِهَا

وَهُوَ مَعَهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ ، لَكِنْ إنْ اعْتَكَفَتْ بِنَذْرٍ مُعَيَّنٍ سَابِقٍ لِلنِّكَاحِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا ، وَأَوْرَدَ عَلَى تَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ السُّنَنَ بِالرَّوَاتِبِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ فِعْلِهِمَا فِي الْمَنْزِلِ ، وَلَكِنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِذَلِكَ ، .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّاتِبَةِ مَا لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ ، سَوَاءٌ تَوَابِعُ الْفَرَائِضِ وَغَيْرُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحُ الْقُدَمَاءِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَدْخُلُ الْعِيدُ وَالتَّرَاوِيحُ وَالضُّحَى ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّفْلِ .

فَرْعٌ : لَوْ نَكَحَ مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ عَلَيْهِ نَهَارًا مَعَ عُذْرِهِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِتَمْكِينِهِ مِنْهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَوَعْدٌ لَا يَلْزَمُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي خِيَارِ النِّكَاحِ ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّ ثُبُوتَهُ غَرِيبٌ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا بِنَذْرِهَا الصَّوْمَ أَوْ الِاعْتِكَافَ الْمُعَيَّنَ قَبْلَ النِّكَاحِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هُنَا يَدًا حَائِلَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَتَيْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ .

وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ الْمُؤَنُ إلَّا مُؤْنَةَ تَنَظُّفٍ .
( وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ ) حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ حَائِلٍ أَوْ حَامِلٍ ( الْمُؤَنُ ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِبَقَاءِ حَبْسِ الزَّوْجِ لَهَا وَسَلْطَنَتِهِ عَلَيْهَا وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهَا بِالرَّجْعَةِ ، وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهَا إلَّا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ ، وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُهُ لَهَا حَتَّى تُقِرَّ هِيَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ فِي اسْتِمْرَارِ النَّفَقَةِ كَمَا تُصَدَّقُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ ( إلَّا مُؤْنَةَ تَنَظُّفٍ ) فَلَا تَجِبُ لَهَا لِامْتِنَاعِ الزَّوْجِ عَنْهَا إلَّا إنْ تَأَذَّتْ بِالْهَوَامِّ لِلْوَسَخِ فَيَجِبُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا تُرَفَّهُ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْخَادِمِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ نَفَقَةِ الرَّجْعِيَّةِ مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ : طَلَّقْتُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلِيَ الرَّجْعَةُ ، وَقَالَتْ بَلْ قَبْلَهَا ، وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِزَعْمِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ رَاجَعَهَا لِإِنْكَارِهَا اسْتِحْقَاقَهَا ، وَمِثْلُ هَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ وَحَلَفَ ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَسَمِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ ، قَالَ : لَكِنْ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِأَجْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ الرَّضَاعَ وَأَنْكَرَ ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ : طَلَّقْتُك قَبْلَ الْوَضْعِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَلَا نَفَقَةَ لَك الْآنَ ، فَقَالَتْ : بَلْ طَلَّقْتَنِي بَعْدَهُ فَلِي النَّفَقَةُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِيهِ وَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ وَسَقَطَتْ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ بِزَعْمِهِ .

فَلَوْ ظُنَّتْ حَامِلًا فَأَنْفَقَ فَبَانَتْ حَائِلًا اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ بَعْدَ عِدَّتِهَا .
( فَلَوْ ظُنَّتْ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُطَلَّقَتُهُ الرَّجْعِيَّةُ ( حَامِلًا ) بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ ( فَأَنْفَقَ ) زَوْجُهَا عَلَيْهِ ( فَبَانَتْ ) بَعْدَ إنْفَاقِهِ ( حَائِلًا ) وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ ) إلَيْهَا مِنْ النَّفَقَةِ ( بَعْدَ ) انْقِضَاءِ ( عِدَّتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي مُدَّتِهَا بِيَمِينِهَا إنْ كَذَّبَهَا ، وَبِدُونِهِ إنْ صَدَّقَهَا ، فَإِنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِضَائِهَا قَدَّرَتْ بِعَادَتِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ اُعْتُبِرَ بِأَقَلِّهَا فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا زَادَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ وَهِيَ لَا تَدَّعِي زِيَادَةً عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَسِيَتْهَا اُعْتُبِرَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَيَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ أَخْذًا بِغَالِبِ الْعَادَاتِ ، وَقِيلَ : يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ انْتَفَى عَنْهُ الْوَلَدُ الَّذِي أَتَتْ بِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ لُحُوقِهِ اسْتَرَدَّ الزَّوْجُ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَكِنَّهَا تُسْأَلُ عَنْ الْوَلَدِ فَقَدْ تَدَّعِي وَطْءَ شُبْهَةٍ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَالْحَمْلُ يَقْطَعُهَا كَالنَّفَقَةِ فَتُتِمُّ الْعِدَّةَ بَعْدَ وَضْعِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا تَتْمِيمَهَا .

وَالْحَائِلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ ، وَيَجِبَانِ لِحَامِلٍ لَهَا ، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَمْلِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ لِحَامِلٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ .
قُلْت : وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَ ) الْمُعْتَدَّةُ ( الْحَائِلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ ) فِي الْحُرِّ وَاثْنَتَيْنِ فِي الْعَبْدِ ( لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ ) قَطْعًا لِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ( وَيَجِبَانِ ) أَيْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ ( لِحَامِلٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ } وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمِائَةٍ فَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِرَحِمِهَا فَسَارَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ، إذْ النَّسْلُ مَقْصُودٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا أَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُهُ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُمَا ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَجِبُ لَهَا الْأُدْمُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا مَرَّ آخِرَ الْعَدَدِ ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا وُجُوبَ الْخَادِمِ لِمَخْدُومَةٍ ، وَاحْتُرِزَ بِالْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ أَوْ الثَّلَاثِ عَنْ الْبَائِنِ بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ كَالْعَيْبِ وَالْغُرُورِ فَلَا نَفَقَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِهِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ كَالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ إنْ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ فَيَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ قُطِعَ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الدَّمِيرِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ أَنْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْحَائِلِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَامِلِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَالْوَاجِبُ فِيمَا ذُكِرَ ( لَهَا ) بِسَبَبِ الْحَمْلِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَجِبُ مُقَدَّرَةً ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ( وَفِي قَوْلٍ ) قَدِيمٍ يَجِبُ مَا ذُكِرَ ( لِلْحَمْلِ ) فَقَطْ لِوُجُوبِ مَا ذُكِرَ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ بِعَدَمِ الْحَمْلِ ، وَإِنَّمَا صُرِفَ لَهَا لِتُغَذِّيَهُ بِغِذَائِهَا ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْخِلَافِ قَوْلَهُ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ

) الْأَصَحُّ ( لَا تَجِبُ ) نَفَقَةٌ وَلَا غَيْرُهَا ( لِحَامِلٍ عَنْ ) وَطْءِ ( شُبْهَةٍ ) وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ ( أَوْ ) لِحَامِلٍ عَنْ ( نِكَاحٍ فَاسِدٍ ) لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي حَالِ التَّمْكِينِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى ، وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ كَمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُ الْحَامِلِ الْبَائِنِ رَقِيقًا ، إنْ قُلْنَا : النَّفَقَةُ لَهَا وَجَبَتْ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَإِلَّا فَلَا .
أَمَّا الْمَنْكُوحَةُ إذَا حَبِلَتْ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْوَاطِئِ سَقَطَتْ عَنْ الزَّوْجِ قَطْعًا ، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ مَا دَامَ الزَّوْجُ حَيًّا ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا السُّقُوطُ ، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَدَمُ السُّقُوطِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ( قُلْت : وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا ثَمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَاغْتُفِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ هُنَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَقَدْ بَانَتْ بِالْمَوْتِ ، وَالْحَائِلُ الْبَائِنُ لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا ، فَإِنْ قُلْنَا : النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ سَقَطَتْ ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ ، وَإِنْ قُلْنَا : لَهَا بِسَبَبِهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْحَاضِنَةِ لِلْوَلَدِ ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَاضِنَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
تَنْبِيهٌ : تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى بِنَفْيِ

الْحَمْلِ ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَلَوْ كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الرَّضَاعِ .
فَإِنْ قِيلَ رُجُوعُهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى الْوَلَدِ يُنَافِي إطْلَاقَهُمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِقَرْضٍ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُنَا تَعَدَّى بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ ، فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ .

وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنٍ النِّكَاحِ ، وَقِيلَ تَجِبُ الْكِفَايَةُ ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ ، فَإِذَا ظَهَرَ وَجَبَ يَوْمًا بِيَوْمٍ ، وَقِيلَ حَتَّى تَضَعَ ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ .

( وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنِ ) أَيْ كَنَفَقَةِ زَمَنِ ( النِّكَاحِ ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهِ ( وَقِيلَ ) لَا تُقَدَّرُ بَلْ ( تَجِبُ الْكِفَايَةُ ) فَتُزَادُ وَتَنْقُصُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَلَعَلَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ ، وَالرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ ( وَلَا يَجِبُ ) عَلَى الزَّوْجِ ( دَفْعُهَا ) لِلْحَامِلِ ( قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ ) سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهَا لَهَا أَمْ لِلْحَمْلِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ سَبَبَ الْوُجُوبِ ( فَإِذَا ظَهَرَ ) حَمْلُهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الزَّوْجِ أَوْ تَصْدِيقِهِ لَهَا ( وَجَبَ ) دَفْعُ النَّفَقَةِ لَهَا ( يَوْمًا بِيَوْمٍ ) أَيْ كُلَّ يَوْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أُخِّرَتْ إلَى الْوَضْعِ لَتَضَرَّرَتْ ( وَقِيلَ ) لَا يَجِبُ دَفْعُهَا كَذَلِكَ بَلْ ( حَتَّى تَضَعَ ) فَتُدْفَعَ لَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ السَّبَبُ ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ أَمْ لَا ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْلَمُ ، وَعَلَيْهِ لَوْ ادَّعَتْ ظُهُورَهُ فَأَنْكَرَ فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ ، وَتَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَيَثْبُتُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ ، وَلَهُنَّ أَنْ يَشْهَدْنَ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا عَرَفْنَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَنْفَقَ يَظُنُّ الْحَمْلَ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا ، وَمَرَّ مِثْلُهُ فِي الرَّجْعِيَّةِ ( وَلَا تَسْقُطُ ) نَفَقَةُ الْعِدَّةِ ( بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ) مِنْ غَيْرِ إنْفَاقٍ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) وَإِنْ قُلْنَا : إنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا فَتَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا أَوْ لِلْحَمْلِ ؟ فَإِنْ قُلْنَا : بِالْأَوَّلِ لَمْ تَسْقُطْ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي سَقَطَتْ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْمُتَوَلِّي : لَوْ

أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ النَّفَقَةِ .
إنْ قُلْنَا : إنَّهَا لَهَا سَقَطَتْ ، وَإِلَّا فَلَا .
تَنْبِيهٌ : لَا نَفَقَةَ لِحَامِلٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَعْتَقَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَامِلِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَدَّ نَفَقَةُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الْحَامِلِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ ، وَلَوْ نَشَزَتْ الْحَامِلُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَلَوْ بَائِنًا ، وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بَلْ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَإِتْلَافِهِ مَنَافِعَهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا وَكَانَ قَدْ تَسَلَّمَهَا اسْتَرَدَّ ، وَلَيْسَ مُرَادًا .
.

فَصْلٌ أَعْسَرَ بِهَا فَإِنْ صَبَرَتْ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى الْأَظْهَرِ .

فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَارِ بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا ، إذَا ( أَعْسَرَ ) الزَّوْجُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ فَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( بِهَا ) أَيْ : نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَتَلَفِ مَالِهِ ( فَإِنْ صَبَرَتْ ) بِهَا وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَتْهُ ( صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ ) وَإِنْ لَمْ يُقْرِضْهَا الْقَاضِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْهُ ، فَإِنْ مَنَعَتْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا عَلَيْهِ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِمْهَالِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَصْبِرْ ( فَلَهَا الْفَسْخُ ) بِالطَّرِيقِ الْآتِي ( عَلَى الْأَظْهَرِ ) وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الثَّانِي ، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ : " أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ ، فَقَالَ : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، فَقِيلَ لَهُ : سَنَةً ؟ فَقَالَ : نَعَمْ سَنَةٌ " ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَبِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَزْنِيِّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ بِنُشُوزِهَا وَعَجْزِهَا عَنْ التَّمْكِينِ .
فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُقَابِلِهِ .
أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا فَسْخَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَا فَسْخَ لَهَا أَيْضًا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ ، سَوَاءٌ أَخَدَمَتْ نَفْسَهَا أَمْ اسْتَأْجَرَتْ أَمْ أَنْفَقَتْ عَلَى خَادِمهَا .
نَعَمْ تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ

يَكُونَ هَذَا فِي الْمَخْدُومَةِ لِرُتْبَتِهَا .
أَمَّا مَنْ تُخْدَمُ لِمَرَضِهَا وَنَحْوِهِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ كَالْقَرِيبِ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ فُرْقَةَ طَلَاقٍ بَلْ فَسْخٍ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَتْنِ ، وَالرَّجْعِيَّةُ كَالَّتِي فِي الْعِصْمَةِ ، قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ .

وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ ، وَلَوْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهَا الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا ، وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ ، وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ .

( وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ ) لِلزَّوْجَةِ ( بِمَنْعِ ) أَيْ امْتِنَاعِ ( مُوسِرٍ ) مِنْ الْإِنْفَاقِ بِأَنْ لَمْ يُوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْهُ ، سَوَاءٌ أَ ( حَضَرَ ) زَوْجُهَا ( أَوْ غَابَ ) عَنْهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ أَوْ بِيَدِهَا إنْ قَدَرَتْ وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا فَيُلْزِمُهُ بِدَفْعِ نَفَقَتِهَا ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ بِأَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا ؟ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا فَسْخَ مَا دَامَ الزَّوْجُ مُوسِرًا ، وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَغَالِبُ ظَنِّي الْوُقُوفُ عَلَى هَذَا النَّصِّ فِي الْأُمِّ ، فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ نَصٌّ يُخَالِفُهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُ الْمَنْعُ بِالتَّعَذُّرِ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ ا هـ .
وَهَذَا أَحْوَطُ ، وَالْأَوَّلُ أَيْسَرُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : " مُوسِرٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ ، فَإِنَّهُ لَوْ غَابَ وَجُهِلَ حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِصْحَابًا لِدَوَامِ النِّكَاحِ .
قَالَ : فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ ، فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا بِالْبَلَدِ خَفِيَ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لَمْ يُؤْثَرْ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهَا تَعْلَمُهُ وَيَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ( وَلَوْ حَضَرَ ) الزَّوْجُ ( وَغَابَ مَالُهُ ، فَإِنْ كَانَ ) غَائِبًا ( بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ) فَأَكْثَرَ ( فَلَهَا الْفَسْخُ ) وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ

فِي فَسْخِ الْبَائِعِ عِنْدَ غَيْبَةِ الثَّمَنِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِنَحْوِ اسْتِدَانَةٍ وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ لَهَا ، وَلَوْ قَالَ : أَنَا أُحْضِرُهُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إجَابَتُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( فَلَا ) فَسْخَ لَهَا ( وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ ) بِسُرْعَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ ( وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ ) مَثَلًا ( بِهَا ) عَنْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ ( لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ ) بَلْ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِقَضَائِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا ، وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا ، وَلَوْ سَلَّمَهَا الْمُتَبَرِّعُ لِلزَّوْجِ ثُمَّ سَلَّمَهُ الزَّوْجُ لَهَا لَمْ يُفْسَخْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَالزَّوْجُ تَحْتَ حَجْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَبُولُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِهِ وَلَدَ الزَّوْجِ وَسَيِّدَهُ .
قَالَ : وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا أَعْسَرَ الْأَبُ وَتَبَرَّعَ وَلَدُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ تَنْبِيهٌ : يَجُوزُ لَهَا إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِ مُؤَجِّلٍ بِقَدْرِ مُدَّةِ إحْضَارِ مَالِ الْغَائِبِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الْفَسْخُ بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِ بِدُونِ ذَلِكَ .
وَلَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا لِكَوْنِ مَالِهِ عُرُوضًا لَا يُرْغَبُ فِيهَا وَلِكَوْنِ دَيْنِهِ حَالًّا عَلَى مُعْسِرٍ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ الْإِعْسَارِ لَا تَصِلُ إلَى حَقِّهَا ، وَالْمُعْسِرُ يَنْظُرُ بِخِلَافِهَا فِي حَالِ الْيَسَارِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَلَى مُوسِرٍ حَاضِرٍ غَيْرِ مُمَاطِلٍ ، وَلَوْ غَابَ الْمَدْيُونُ الْمُوسِرُ وَكَانَ مَالُهُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ ، أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَيْهِ

، فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا وَمَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ الزَّوْجِ غَائِبًا ، وَلَا يُفْسَخُ بِكَوْنِ الزَّوْجِ مَدْيُونًا وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ حَتَّى يَصْرِفَهُ إلَيْهَا ، وَلَا تُفْسَخُ بِضَمَانِ غَيْرِهِ لَهُ بِإِذْنِهِ نَفَقَةُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ بِأَنْ تَجَدَّدَ ضَمَانُ كُلِّ يَوْمٍ .
وَأَمَّا ضَمَانُهَا جُمْلَةً لَا يَصِحُّ فَتُفْسَخُ بِهِ ( وَقُدْرَتُهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ ) أَيْ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَمْ يُفْسَخْ ؛ لِأَنَّهَا هَكَذَا تَجِبُ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدَّخِرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَّصِلًا ثُمَّ لَا يَكْسِبُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَلَا فَسْخَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ ، وَلَا تَشُقُّ الِاسْتِدَانَةُ لِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُصْبِرَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا نَفَقَةٍ ، بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْوَاجِدِ لِنَفَقَتِهَا وَتُنْفِقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أُسْبُوعٍ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ فِيهِ لِعَارِضٍ فَسَخَتْ لِتَضَرُّرِهَا ، وَيَكُونُ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِقَدْرِ مَا مَرَّ فِيهِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْكَسْبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَمْ تَفْسَخْ ، كَالْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ تَعَاطِيهِ ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوَائِلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى كَسْبٍ وَاسِعٍ لَا يُخْرِجهُ عَنْ حَدِّ الْإِعْسَارِ وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْكَسْبَ ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى

كَسْبٍ حَلَالٍ .
أَمَّا إذَا كَانَ الْكَسْبُ بِأَعْيَانٍ مُحَرَّمَةٍ كَبَيْعِ الْخَمْرِ أَوْ كَانَ الْفِعْلُ الْمُوَصِّلُ لِلْكَسْبِ مُحَرَّمًا كَكَسْبِ الْمُنَجِّمِ وَالْكَاهِنِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ ؛ وَإِنْ خَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ( وَإِنَّمَا يُفْسَخُ ) لِلزَّوْجَةِ النِّكَاحُ ( بِعَجْزِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ ) حَاضِرَةٍ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ مُتَوَسِّطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ الْآنَ نَفَقَةُ مُعْسِرٍ فَلَا يَصِيرُ الزَّائِدُ دَيْنًا عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ إذَا أَنْفَقَ مُدًّا فَإِنَّهَا لَا تُفْسَخُ وَيَصِيرُ الْبَاقَّيْ دَيْنًا عَلَيْهِ .
فُرُوعٌ : لَوْ وَجَدَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْمُدِّ بُكْرَةَ غَدٍ وَقْتِهِ وَنِصْفَهُ عِشَاءً كَذَلِكَ لَمْ تُفْسَخُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ وَجَدَ يَوْمًا مُدًّا وَيَوْمًا نِصْفَ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ ، وَلَوْ وَجَدَ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا كَمَا شَمِلَتُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ .

وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ ، وَكَذَا بِالْأُدْمِ ، وَالْمَسْكَنِ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ الْمَنْعُ فِي الْأُدْمِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ كَهُوَ ) أَيْ كَالْإِعْسَارِ ( بِالنَّفَقَةِ ) عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَبْقَى الْبَدَنُ بِدُونِهَا غَالِبًا ، وَقِيلَ : لَا ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى بِدُونِهَا .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِعْسَارِ بِبَعْضِ الْكِسْوَةِ ، وَأَطْلَقَ الْفَارِقِيُّ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ ، وَالتَّحْرِيرَ فِيهَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْقَمِيصِ ، وَالْخِمَارِ ، وَجُبَّةِ الشِّتَاءِ ، فَلَهَا الْخِيَارُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ بُدٌّ كَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَبَعْضِ مَا يُفْرَشُ وَالْمِخَدَّةِ فَلَا خِيَارَ وَلَا فَسْخَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا كَالسُّكْنَى وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ( وَكَذَا ) الْإِعْسَارُ ( بِالْأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ ) كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ يُعْسَرُ الصَّبْرُ عَلَى الْخُبْزِ الْبَحْتِ ، أَيْ : الَّذِي بِلَا أُدْمٍ ، وَلَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَسْكَنٍ يَقِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ .
وَالثَّانِي : لَا فَسْخَ بِذَلِكَ .
أَمَّا الْمَسْكَنُ فَلِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُعْدَمُ مَسْجِدًا أَوْ مَوْضِعًا مُبَاحًا ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَالْحَوَالَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى السُّؤَالِ .
وَأَمَّا الْأُدْمُ فَلِأَنَّ الْبَدَنَ يَقُومُ بِدُونِهِ ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( قُلْت : الْأَصَحُّ الْمَنْعُ ) أَيْ : مَنْعُ فَسْخِهَا ( فِي ) الْإِعْسَارِ بِسَبَبِ ( الْأُدْمِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بِخِلَافِ الْقُوتِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الْكَبِيرِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ ، وَتَوَسَّطَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ : إنْ كَانَ الْقُوتُ مِمَّا يَنْسَاغُ دَائِمًا لِلْفُقَرَاءِ بِلَا أُدْمٍ فَلَا فَسْخَ وَإِلَّا فُسِخَتْ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ .

وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ : أَظْهَرُهَا تُفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ لَا بَعْدَهُ ، وَلَا فَسْخَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ إعْسَارُهُ فَيَفْسَخَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ فِي قَوْلٍ يُنَجَّزُ الْفَسْخُ ، وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ ، وَلَوْ مَضَى يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ وَعَجَزَ الرَّابِعَ بَنَتْ ، وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ .

( وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ : أَظْهَرُهَا ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ( تَفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ مَعَ بَقَاءِ الْمُعَوَّضِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ ، وَهَذَا الْفَسْخُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، وَكَلَامُ التَّتِمَّةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ، وَ ( لَا ) تُفْسَخُ ( بَعْدَهُ ) لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ وَصَيْرُورَةِ الْعِوَضِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ .
وَالثَّانِي : لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِ الْمَهْرِ .
وَالثَّالِثُ : تُفْسَخُ مُطْلَقًا ، أَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَمَّا مَرَّ .
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُتْلَفُ حَقِيقَةً بِالْوَطْءِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا ، فَلَوْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ وَأَعْسَرَ بِالْبَاقِي أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ بِعَجْزِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ بِقِسْطِهِ ، فَلَوْ فَسَخَتْ لَعَادَ لَهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ لِتَعَذُّرِ الشَّرِكَةِ فِيهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ فِيمَا اسْتَقَرَّ لِلزَّوْجِ ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْفَلَسِ لِإِمْكَانِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَيْعِ ، وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِصِدْقِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَهْرِ بِالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هُوَ الْوَجْهُ نَقْلًا وَمَعْنًى ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ يَلْزَمُ عَلَى فَتْوَى ابْنِ الصَّلَاحِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إجْبَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ بَعْضِ الصَّدَاقِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِمَّا اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ ، وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ ، وَلَوْ أُجْبِرَتْ لَاتَّخَذَ الْأَزْوَاجُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنْ حَبْسِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ

دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ صَدَاقٍ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ : لَوْ جَوَّزْنَا لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخَ لَعَادَ إلَيْهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْفَسْخُ لَلَزِمَ إجْبَارُهَا عَلَى تَسْلِيمِ الْبُضْعِ بِكَمَالِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي رُجُوعِ الْبُضْعِ إلَيْهَا بِكَمَالِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ بِكَمَالِهِ ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْهُ ( وَلَا فَسْخَ ) بِإِعْسَارِ زَوْجٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ ( حَيْثُ يَثْبُتُ عِنْدَ قَاضٍ ) بَعْدَ الرَّفْعِ أَوْ عِنْدَ مُحَكِّمٍ ( إعْسَارُهُ ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي الْعُنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ ، وَيَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي إذَا قُلْنَا : يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَحِينَئِذٍ ( فَيَفْسَخَهُ ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ ( أَوْ يَأْذَنُ لَهَا فِيهِ ) وَلَيْسَ لَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالْعَجْزِ الْفَسْخُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ فِيهِ ، وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ إلَى إيقَاعِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْفَسْخِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا قَدَرَتْ عَلَى الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي ، فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِعَدَمِ حَاكِمٍ وَمُحَكِّمٍ ، أَوْ عَجَزَتْ عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلضَّرُورَةِ ، أَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَكَذَا بَاطِنًا كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ نَقْلِ الْإِمَامِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَفْسَخُهُ بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ فِيهِ وَفِي يَأْذَنُ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى يَثْبُتَ ( ثُمَّ ) عَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ لَا يُمْهَلُ بِهَا ( فِي قَوْلٍ ) وَنُسِبَ لِلْقَدِيمِ بَلْ ( يُنَجَّزُ الْفَسْخُ ) عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ

الْإِعْسَارُ وَقَدْ حَصَلَ ، وَلَا تَلْزَمُ الْإِمْهَالَ بِالْفَسْخِ ( وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ الْإِمْهَالَ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ لِعَارِضٍ ثُمَّ يَزُولُ ، وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ يُتَوَقَّعُ فِيهَا الْقُدْرَةُ بِقَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَهَا ) بَعْدَ الْإِمْهَالِ ( الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ ) بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ بِلَا مُهْلَةٍ إلَى بَيَاضِ النَّهَارِ لِتَحَقُّقِ الْإِعْسَارِ ( إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ ) أَيْ الرَّابِعِ فَقَطْ فَلَا تُفْسَخُ لِمَا مَضَى حِينَئِذٍ لِتَبَيُّنِ زَوَالِ الْعَارِضِ الَّذِي كَانَ الْفَسْخُ لِأَجْلِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ نَفَقَةَ الرَّابِعِ عَنْ نَفَقَةِ الْخَامِسِ بَنَتْ عَلَى الْمُدَّةِ وَلَمْ تَسْتَأْنِفْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَلَوْ مَضَى ) عَلَى زَوْجِهَا ( يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ ) بِأَنْ سَلَّمَ زَوْجَتَهُ نَفَقَتَهُ ( وَعَجَزَ الرَّابِعَ ) أَيْ : عَجَزَ فِيهِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفَقَتِهِ ( بَنَتْ ) عَلَى الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الْخَامِسِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ لِتَضَرُّرِهَا بِالِاسْتِئْنَافِ ( وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ ) مُدَّةً كَامِلَةً ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ الْأَوَّلَ قَدْ زَالَ ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً فَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَةَ يَوْمٍ قَدَرَ فِيهِ عَنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ قَبْلَهُ عَجَزَ فِيهِ عَنْ نَفَقَتِهِ لِتَفْسَخَ عِنْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدِّي ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ : أَحَدُهُمَا : لَهَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ بِالتَّلْفِيقِ .
وَثَانِيهِمَا : لَا ، وَتُجْعَلُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا مُبْطِلَةً لِلْمُهْلَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْمُتَبَادِرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ، وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ فَسْخِهَا بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ

أَيَّامِ الْمُهْلَةِ لَا فِيهَا .

وَلَهَا الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ ، وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ لَيْلًا .
( وَلَهَا الْخُرُوجُ ) مِنْ بَيْتِهَا ( زَمَنَ الْمُهْلَةِ ) نَهَارًا ( لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ ) بِكَسْبٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ سُؤَالٍ ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَقِيرَةً أَمْ غَنِيَّةً ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَالطَّاعَةَ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ ، فَإِذَا لَمْ يُوَفِّهَا مَا عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا حَجْرًا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهَا أَوْ كَسْبٍ فِي بَيْتِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ ( وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ ) إلَى بَيْتِهَا ( لَيْلًا ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِيوَاءِ دُونَ الْعَمَلِ وَالِاكْتِسَابِ ، وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَهَارًا ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ فَكَذَا لَيْلًا ، لَكِنْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْ ذِمَّةِ الزَّوْجِ مُدَّةَ مَنْعِهَا ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي سُقُوطُهَا حَيْثُ مَنَعَتْهُ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ، فَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّمَتُّعَ بِهَا لَيْلًا لَا نَهَارًا مِنْ الْمُهْلَةِ ، فَإِنْ أَبَتْ نَهَارَهُ فَلَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ ، أَوْ لَيْلًا فَنَاشِزَةٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَتَبِعَهُ فِي الْكِفَايَةِ .

وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا ، وَلَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ .

( وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ ) الْعَارِضِ ( أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ ) أَيْ الرِّضَا فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهَا : رَضِيت بِإِعْسَارِهِ أَبَدًا فَإِنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ يَوْمَ الرِّضَا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ ، وَيَتَجَدَّدُ الْإِمْهَالُ إذَا طَلَبَتْ الْفَسْخَ بَعْدَ الرِّضَا ( وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا ) فَسْخَ لَهَا بِذَلِكَ بَعْدَ الرِّضَا ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَالْحَاصِلُ مَرْضِيٌّ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ ، بَلْ قَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الْفَسْخِ ، لَكِنَّهُمَا رَجَّحَا عَدَمَهُ ، كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ بَدَا لَهَا أَنْ تَفْسَخَ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ ، فَقَدْ حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ ، وَذَلِكَ عَنْ الْقَدِيمِ ، وَقَدْ اغْتَرَّ فِي الرَّوْضَةِ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ عِنْدِهِ لَمَّا لَمْ يَقِفْ عَلَى غَيْرِهِ وَزَادَ فَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَعَلَى الْفَسْخِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ ا هـ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْفَسْخِ لِمَا مَرَّ ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَمَّا لَوْ نَكَحَتْ ثُمَّ عَلِمَتْ بِإِعْسَارِهِ فَأَمْسَكَتْ عَنْ الْمُحَاكَمَةِ ، وَاَلَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَهُوَ فِي الْحَاوِي : أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِهَا الْمَهْرَ كَانَ رِضًا بِالْإِعْسَارِ وَسَقَطَ خِيَارُهَا ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَسْقُطْ ، فَقَدْ تُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ لِوَقْتِ الْيَسَارِ ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي عَلَى الْفَوْرِ ، فَلَوْ أَخَّرَتْ الْفَسْخَ سَقَطَ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَقَدْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ وَقَبْلَهُ عَلَى التَّرَاخِي ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَخِّرُ

الطَّلَبَ لِتَوَقُّعِ الْيَسَارِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا دُونَهَا ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ ، بَلْ قَدْ يُقَالُ : إنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِتَأْخِيرِ النَّفَقَةِ ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ انْتَهَى ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ ( وَ ) اعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَحِينَئِذٍ ( لَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ ) وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا ( بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ ) كَمَا لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ وَالشَّهْوَةِ فَلَا يُفَوَّضُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقَّةٍ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَنَفَقَةِ الْخَلِيَّةِ وَتَصِيرُ نَفَقَتُهُمَا وَمَهْرُهُمَا دَيْنًا عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ عَدَمَ فَسْخِ وَلِيِّ الْبَالِغَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، وَالسَّفِيهَةُ الْبَالِغَةُ هُنَا كَالرَّشِيدَةِ .

وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ بِالنَّفَقَةِ فَلَهَا الْفَسْخُ ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ : افْسَخِي أَوْ جُوعِي .

( وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ ) أَوْ مَنْ فِيهَا رِقٌّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( بِالنَّفَقَةِ ) أَوْ الْكِسْوَةِ ( فَلَهَا الْفَسْخُ ) بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا ، فَإِنْ ضَمِنَ لَهَا النَّفَقَةَ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِهَا صَحَّ كَضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَضْمَنُ السَّيِّدُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْأَصْلِ لَهَا ، ثُمَّ يَتَلَقَّاهَا السَّيِّدُ فَصَحَّ ضَمَانُهُ .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُثْنِيَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا مَا لَوْ أَنْفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا حِينَئِذٍ ، وَمَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَةَ أَحَدِ أُصُولِ سَيِّدِهَا الْمُوسِرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا لَهَا ، وَأُلْحِقَ بِهَا نَظَائِرُهَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ وَاسْتَخْدَمَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَيَظْهَرُ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ إنْ لَمْ تَرْضَ بِذِمَّتِهِ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا السَّيِّدُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ ( فَإِنْ رَضِيَتْ ) وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِإِعْسَارِهِ ( فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ ) وَالثَّانِي لَهُ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي النَّفَقَةِ لَهُ وَضَرَرُ فَوَاتِهَا يَعُودُ إلَيْهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ فَيَكُونُ الْفَسْخُ لَهَا .
تَنْبِيهٌ : اُحْتُرِزَ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ لَهَا بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، بَلْ هُوَ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي فَوَاتِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ نَفَقَتَهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً وَلَكِنْ ( لَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ ) أَيْ الْفَسْخِ ( بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ ) لَهَا ( افْسَخِي أَوْ جُوعِي ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، فَإِذَا فَسَخَتْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا أَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَفَى نَفْسَهُ مُؤْنَتَهَا ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إلْجَاؤُهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُهُمَا

الْفَسْخُ .
فُرُوعٌ : لِلْأَمَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِالنَّفَقَةِ كَمَا كَانَتْ تُطَالِبُ السَّيِّدَ ، فَإِنْ أَعْطَاهَا لَهَا بَرِئَ مِنْهَا وَمَلَكَهَا السَّيِّدُ دُونَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ ، لَكِنْ لَهَا قَبْضُهَا وَتَنَاوُلُهَا ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَأْذُونَةِ فِي الْقَبْضِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ ، وَفِي تَنَاوُلِهَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَتَعَلَّقَتْ الْأَمَةُ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ إبْدَالِهَا لَهَا بِغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِحَقِّ الْمِلْكِ ، لَكِنْ لَهَا فِيهَا حَقُّ التَّوَثُّقِ ، فَإِنْ أَبْدَلَهَا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ ، وَيَجُوزُ لَهَا إبْرَاءُ زَوْجِهَا مِنْ نَفَقَةِ الْيَوْمِ ؛ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَكَأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَتَمَحَّضُ الْحَقُّ لَهَا ، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا مِنْ نَفَقَةِ أَمْسِ كَمَا فِي الْمَهْرِ ، وَأَمَّا السَّيِّدُ فَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَمْسِ لَا نَفَقَةِ الْيَوْمِ ، وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ تَسْلِيمَ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَأَنْكَرَتْ الْأَمَةُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ بَرِئَ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْحَاضِرَةِ ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لِلسَّيِّدِ فِي الْمَاضِيَةِ كَالْمَهْرِ دُونَ الْحَاضِرَةِ ، وَمَنْ طُولِبَ بِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَادَّعَى الْإِعْسَارَ يَوْمَ وُجُوبِهَا حَتَّى يَلْزَمَهُ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ وَادَّعَتْ هِيَ الْيَسَارَ فِيهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ الْكَسْبِ الَّذِي كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ وَلَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِذِمَّتِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ ، وَإِنْ رَضِيَتْ صَارَتْ نَفَقَتُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَلَوْ عَجَزَ السَّيِّدُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ أُجْبِرَ عَلَى تَخْلِيَتِهَا لِتَكْتَسِبَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى إيجَارِهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهَا أَوْ تَزْوِيجِهَا كَمَا لَا

يُرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ بِالْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ فَنَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ .

فَصْلٌ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ ، وَإِنْ عَلَا ، وَالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا

فَصْلٌ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ ، وَالْمُوجِبُ لَهَا قَرَابَةُ الْبَعْضِيَّةِ فَقَطْ ( يَلْزَمُهُ ) أَيْ الشَّخْصَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( نَفَقَةُ الْوَالِدِ ) الْحُرِّ ( وَإِنْ عَلَا ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( وَالْوَلَدِ ) الْحُرِّ ( وَإِنْ سَفَلَ ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى .
وَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } ، وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا ، وَخَبَرُ : { أَطْيَبُ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مُلْحَقُونَ بِهِمَا إنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي عُمُومِ ذَلِكَ كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمَا فِي الْعِتْقِ وَالْمِلْكِ وَعَدَمِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، إذْ إيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ : { خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالْأَوْلَادِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُنْبِطَ مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ غَيْرَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُكْمًا ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ النَّقِيبِ وَذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ ، وَلَا يَضُرُّ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافُ الدِّينِ كَمَا قَالَ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا ) فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْكَافِرِ الْمَعْصُومِ وَعَكْسُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْمِيرَاثِ ؟ .
أُجِيبَ : بِأَنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ ،

وَخَرَجَ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَفَقَةَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ الدِّينِ فِي غَيْرِ الْأَبْعَاضِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } .
وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ كَمَا قَيَّدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبِالْحُرِّ الرَّقِيقُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمُعْسِرِ ، وَالْمُعْسِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْعَبْدُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ هُنَا ؟ .
أُجِيبَ : بِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ وَتَلْزَمُ الْمُعْسِرَ ، وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا ، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ مُوَاسَاةٌ ، وَلَا تَلْزَمُ الْمُعْسِرَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ لِإِعْسَارِهِ ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ تَامَّةٌ لِتَمَامِ مِلْكِهِ فَهُوَ كَحُرِّ الْكُلِّ ، وَقِيلَ : بِحَسَبِ حُرِّيَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَتُبَعَّضُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالسَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ رِقٍّ وَحُرِّيَّةٍ ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ قَرِيبَهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ هُنَا لِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ ، بَلْ نَفَقَتُهُ مِنْ كَسْبِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ ؛ لِأَنَّ مَا مَعَهُ إمَّا غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمْلُوكٌ مُسْتَحَقٌّ فِي كِتَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وُلِدَ مِنْ أَمَتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ

أَعْتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى وَلَدِهِ ، وَإِنْ رَقَّ رَقَّ الْوَلَدُ أَيْضًا فَيَكُونُ قَدْ أَنْفَقَ مَالَ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ أَوْ وَلَدٍ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ أَمَةُ سَيِّدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ ، فَإِنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ ، وَإِنْ رَقَّ فَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَ سَيِّدِهِ ، بِخِلَافِ وَلَدِهِ مِنْ مُكَاتَبَةِ سَيِّدِهِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْتِقُ فَيَتْبَعُهَا الْوَلَدُ لِكِتَابَتِهِ عَلَيْهَا وَيَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مَالَ سَيِّدِهِ ، وَبِالْمَعْصُومِ غَيْرُهُ مِنْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : تَجِبُ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمَا سَيَأْتِي .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّقِيقَ لَمَّا كَانَ السَّيِّدُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يُزِلْ مِلْكَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ .
تَنْبِيهٌ : كَمَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ نَفَقَةُ الْأَبِ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ الْمُحْتَاجِ لِخِدْمَتِهِ وَكَذَا زَوْجَتُهُ ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِعْفَافِ بِخِلَافِ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى الْأَصَحِّ .

بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ ، وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ، وَيَلْزَمُ كَسُوبًا كَسْبُهَا فِي الْأَصَحِّ .

، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَقَالَ : ( بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ ) مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْيَسَارُ ، وَقِيلَ : لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُ الْوَالِدِ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَسْتَقْرِضُ عَلَيْهِ وَيُؤْمَرُ بِوَفَائِهِ إذَا أَيْسَرَ ( بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ ) وَلَيْلَتِهِ الَّتِي تَلِيهِ سَوَاءٌ أَفَضَلَ ذَلِكَ بِكَسْبٍ أَمْ بِغَيْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
تَنْبِيهٌ : فِي مَعْنَى الْقُوتِ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ مَسْكَنٍ وَمَلْبَسٍ ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِالْحَاجَةِ كَانَ أَوْلَى ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْعِيَالَ وَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِالزَّوْجَةِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ خَادِمَهَا وَأُمَّ وَلَدِهِ فِي حُكْمِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْفَلَسِ ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَوَّلَ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ خِلَافَهُ ( وَيُبَاعُ فِيهَا ) أَيْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ ( مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ) مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِذَا بِيعَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ فَفِي الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ أَوْلَى ، وَفِي كَيْفِيَّةِ بَيْعِ الْعَقَارِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : يُبَاعُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ .
وَالثَّانِي : يَسْتَقْرِضُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يَسْهُلُ بَيْعُ الْعَقَارِ لَهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ ا هـ .
وَقَدْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ تَصْحِيحَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْعَبْدِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فَلْيُرَجَّحْ هُنَا ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي إلَّا الْكُلَّ وَتَعَذَّرَ الْإِقْرَاضُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَبِيعُ الْكُلَّ

كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشْطِيرِ ( وَيَلْزَمُ كَسُوبًا ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ( كَسْبُهَا فِي الْأَصَحِّ ) إذَا وَجَدَ مُبَاحًا يَلِيقُ بِهِ لِخَبَرِ : { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ بِالْمَالِ ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَكَمَا يَلْزَمُهُ إحْيَاءُ نَفْسِهِ بِالْكَسْبِ فَكَذَا بَعْضُهُ ، وَالثَّانِي لَا ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْرُهَا يَسِيرٌ ، وَالدَّيْنُ لَا يَنْضَبِطُ قَدْرُهُ ، وَلَا يُكَلَّفُ الْقَرِيبُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلَا أَنْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ ، فَإِنْ فَعَلَ وَصَارَ بِذَلِكَ غَنِيًّا لَزِمَهُ مُؤْنَةُ قَرِيبِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ وُجُوبِ الِاكْتِسَابِ لِزَوْجَةِ الْأَبِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى اكْتِسَابِ مُتَوَسِّطٍ أَوْ مُوسِرٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْبَارَ .

وَلَا تَجِبُ لِمَالِكٍ كِفَايَتَهُ وَلَا لِمُكْتَسِبِهَا ، وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَإِلَّا فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ ، وَالثَّالِثُ لِأَصْلٍ ، لَا فَرْعٍ .
قُلْت : الثَّالِثُ أَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَا تَجِبُ ) النَّفَقَةُ ( لِمَالِكٍ كِفَايَتَهُ ) وَلَوْ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا ( وَلَا لِمُكْتَسِبِهَا ) بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى كَسْبِ كِفَايَتِهِ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ يَلِيقُ بِهِ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَكْسِبُ دُونَ كِفَايَتِهِ اسْتَحَقَّ الْقَدْرَ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ خَاصَّةً .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَدَرَتْ الْأُمُّ أَوْ الْبِنْتُ عَلَى النِّكَاحِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ ؟ .
أُجِيبَ : بِأَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ لَا نِهَايَةَ لَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاكْتِسَابِ ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِالْعَقْدِ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا إلَى أَنْ يَفْسَخَ لِئَلَّا تَجْمَعَ بَيْنَ نَفَقَتَيْنِ ( وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا ) وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ الْعَاجِزَ بِمَرَضٍ أَوْ عَمًى ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( أَوْ ) كَانَ ( صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ) لِعَجْزِهِ عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ ، وَلِلْوَلِيِّ حَمْلُ الصَّغِيرِ عَلَى الِاكْتِسَابِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ ، فَلَوْ هَرَبَ أَوْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى وَلِيِّهِ ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَرَامٍ كَالْكَسْبِ بِآلَةِ الْمَلَاهِي فَهُوَ كَالْعَدَمِ ، وَكَذَا الْكَسْبُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا ذَكَرَهُ ( فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ ) مُطْلَقًا لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبُحُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُكَلِّفَ قَرِيبَهُ الْكَسْبَ مَعَ اتِّسَاعِ مَالِهِ ، وَالثَّانِي : الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ عَنْ غَيْرِهِ ( وَالثَّالِثُ ) تَجِبُ ( لِأَصْلٍ لَا فَرْعٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِتَأْكِيدِ حُرْمَةِ الْأَصْلِ ( قُلْت : الثَّالِثُ أَظْهَرُ ) لِمَا ذُكِرَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَاقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحَيْنِ ، وَإِنْ

نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ مَأْمُورٌ بِمُعَاشَرَةِ أَصْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْهَا تَكْلِيفُهُ الْكَسْبَ مَعَ كِبَرِ السِّنِّ ، وَكَمَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ ، وَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ .

وَهِيَ الْكِفَايَةُ .
( وَهِيَ ) أَيْ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ ( الْكِفَايَةُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ ، وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ ، وَيَجِبُ إشْبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ ، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَجِبُ إشْبَاعُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الشِّبَعِ ، وَيَجِبُ لَهُ الْأُدْمُ كَمَا يَجِبُ لَهُ الْقُوتُ ، وَيَجِبُ لَهُ مُؤْنَةُ خَادِمٍ إنْ احْتَاجَهُ مَعَ كِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَثَمَنِ أَدْوِيَةٍ .

وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا ، وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ سُلِّمَتْ النَّفَقَةُ إلَى الْقَرِيبِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَجَبَ إبْدَالُهَا ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِنَفْسِهِ ، فَإِنْ قِيلَ فِي إبْدَالِهَا إجْحَافٌ بِالدَّافِعِ خُصُوصًا مَعَ تَكْرَارِ الْإِتْلَافِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّافِعَ مُقَصِّرٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ ، لَكِنْ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ فِيهِ الضَّمَانُ إذَا أَيْسَرَ كَمَا قَالَاهُ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ فِي الرَّشِيدِ دُونَ غَيْرِهِ لِتَقْصِيرِ الدَّافِعِ بَلْ سَبِيلُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يُطْعِمُهُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ شَيْئًا ، وَالنَّفَقَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا إمْتَاعٌ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا ) بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، وَإِنْ تَعَدَّى الْمُنْفِقُ بِالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ ، وَقَدْ زَالَتْ ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَا تَصِيرُ دَيْنًا ) فِي ذِمَّتِهِ ( إلَّا بِفَرْضِ ) بِالْفَاءِ بِخَطِّهِ ( قَاضٍ ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ ) بِالْقَافِ ( لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِتَأَكُّدِ ذَلِكَ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ ، وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الطَّرِيقَيْنِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ، وَحُكَّامُ الْعَصْرِ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ ظَانِّينَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهَا وَتَحْرِيرُهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْحَقُّ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِهِ لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ ، وَمُحَاوَلَةُ إثْبَاتِ خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ فِيهِ تَكَلُّفٌ مَحْضٌ ا هـ .
فَالْمُعْتَمَدُ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِافْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ

عَلَى مَا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ ، أَيْ : قَدَّرَهَا ، وَأَذِنَ الْإِنْسَانَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الطِّفْلِ مَثَلًا مَا قَدَّرَهُ فِي غَيْبَةِ الْقَرِيبِ أَوْ مَنَعَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى قَرِيبِهِ ، فَإِذَا أَنْفَقَ صَارَ فِي ذِمَّةِ الْقَرِيبِ ، قَالَ : وَهِيَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْرَاضِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الِاسْتِقْرَاضُ بَعْدَ إذْنِ الْقَاضِي وَمَضَى زَمَنٌ لَمْ يُسْتَقْرَضْ فِيهِ ، أَيْ : لَمْ يَجِبْ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَذِنَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ فَاسْتَقْرَضَ ا هـ .
وَهَذَا الْحَمْلُ هُوَ الْمُرَادُ ، وَإِلَّا فَيُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مِنْ اللَّفْظِ لَا مِنْ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَرِيبِ إنَّمَا هُوَ وَفَاءُ الدَّيْنِ ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا الْوَفَاءُ نَفَقَةً ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأَبَ لَوْ نَفَى الْوَلَدَ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَاسْتَقْرَضَتْ الْأُمُّ عَنْهُ وَأَشْهَدَتْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا اسْتَقْرَضَتْهُ ، أَمَّا إذَا لَمْ تُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ لَهَا ، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ جَعَلْنَا النَّفَقَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا الْتَحَقَتْ بِنَفَقَتِهَا ، وَلِلْقَرِيبِ أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ إنْ وَجَدَ جِنْسَهَا ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَهُ الِاسْتِقْرَاضُ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا وَعَجَزَ الْقَاضِي ، وَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ كَجَدِّ الطِّفْلِ الْمُحْتَاجِ وَأَبُوهُ غَائِبٌ مَثَلًا ، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَخْذُ " النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ فَرْعِهِمَا الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ ، وَلَهُمَا إيجَارُهُ لَهَا لِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ ، وَلَا تَأْخُذُهَا الْأُمُّ مِنْ

مَالِهِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ ، وَلَا الِابْنُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْحَاكِمِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا فَيُؤَدِّي الْقَاضِي الِابْنَ الزَّمِنَ إجَارَةَ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا صَلُحَ لِنَفَقَتِهِ .

وَعَلَيْهَا إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ .
( وَعَلَيْهَا ) أَيْ الْأُمِّ ( إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ ) وَهُوَ بِهَمْزٍ وَقَصْرٍ : اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا ، وَغَيْرِهَا وَلَا يُغْنِي كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي ، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا أَوْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى وَتَشْتَدُّ بِنْيَتُهُ إلَّا بِهِ .
قَالَ : وَإِلَّا فَنُشَاهِدُ مَنْ يَعِيشُ بِلَا لِبَإٍ ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ ، وَلَا يَلْزَمُهَا التَّبَرُّعُ بِإِرْضَاعِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ بَدَلَ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ إلَّا بِالْبَدَلِ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يُتَعَرَّضُوا لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ بِهِ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : مُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ : وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْقِيَ اللِّبَأَ حَتَّى يُرْوَى وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعُ إلَى الْخِبْرَةِ ، فَإِنْ قَالُوا تَكْفِيهِ مَرَّةٌ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ كَفَتْ وَإِلَّا عُمِلَ بِقَوْلِهِمْ .

ثُمَّ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ إرْضَاعُهُ ، وَإِنْ وُجِدَتَا لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ ، فَإِنْ رَغِبَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا ، وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( ثُمَّ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ إرْضَاعِ اللِّبَإِ ( إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ ) أَيْ الْأُمُّ ( أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ ) عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا ( إرْضَاعُهُ ) إبْقَاءً لِلْوَلَدِ ، وَلَهُمَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ ، وَإِلَّا فَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ( وَإِنْ وُجِدَتَا ) أَيْ الْأُمُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ ( لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ ) وَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ أَبِيهِ عَلَى إرْضَاعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ حَصَلَ التَّعَاسُرُ ( فَإِنْ رَغِبَتْ ) فِي إرْضَاعِهِ ( وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ أَبِيهِ ) أَيْ الرَّضِيعِ ( فَلَهُ مَنْعُهَا ) مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ إرْضَاعِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَصْرُوفَةِ إلَى الرَّضَاعِ ، وَهَذَا أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ ( قُلْت : الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا ) مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا ( وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ أَشْفَقُ وَلَبَنُهَا لَهُ أَصْلَحُ ، وَلَا تُزَادُ نَفَقَتُهَا لِلْإِرْضَاعِ ، وَإِنْ احْتَاجَتْ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْغِذَاءِ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَحَاجَتِهَا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ مَنْكُوحَةُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَائِنًا أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ جَزْمًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنْ تَبَرَّعَتْ لَمْ يُنْزَعْ الْوَلَدُ مِنْهَا وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةً فَهِيَ كَالَّتِي فِي نِكَاحِهِ إذَا تَوَافَقَا وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ ، وَقَوْلُهُ : أَبِيهِ ، أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةَ غَيْرِ أَبِيهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْجَرَةً لِلْإِرْضَاعِ قَبْلَ نِكَاحِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْحُرَّيْنِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ رَقِيقًا وَالْأُمُّ حُرَّةً فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرٌّ أَوْ رَقِيقٌ قَالَ

: فَقَدْ يُقَالُ مَنْ وَافَقَهُ السَّيِّدُ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمُجَابُ ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ .

فَإِنْ اتَّفَقَا وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ أُجِيبَتْ ، أَوْ فَوْقَهَا فَلَا .
( فَإِنْ اتَّفَقَا ) عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تُرْضِعُهُ ( وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ ) لَهُ ( أُجِيبَتْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَكَانَتْ أَحَقَّ بِهِ لِمَا مَرَّ ، فَاسْتِئْجَارُ الزَّوْجِ لَهَا لِذَلِكَ جَائِزٌ .
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ : لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا آخَرَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ مِنْهُ رِضًا بِتَرْكِ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِذَا أَرْضَعَتْ بِالْأُجْرَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُنْقِصُهُ فَلَهَا مَعَ الْأُجْرَةِ النَّفَقَةُ ، وَإِلَّا فَلَا .
تَنْبِيهٌ : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَنْكُوحَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالتَّسْوِيَةِ فَقَالَ : فَإِنْ وَافَقَا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ إلَى آخِرِهِ ، فَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ ( أَوْ ) طَلَبَتْ الْأُمُّ ( فَوْقَهَا ) أَيْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ( فَلَا ) تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ لِتَضَرُّرِهِ .

وَكَذَا إنْ تَبَرَّعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ فِي الْأَظْهَرِ .
، وَلَهُ اسْتِرْضَاعُ أَجْنَبِيَّةٍ ( وَكَذَا إنْ تَبَرَّعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ ) بِإِرْضَاعِهِ ( أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلّ ) مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الْأُمِّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ الْأُجْرَةَ مَعَ الْمُتَبَرِّعَةِ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا رَضِيَتْ بِهِ إضْرَارًا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } ، وَالثَّانِي : تُجَابُ الْأُمُّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا اسْتَمْرَأَ الْوَلَدُ لَبَنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِلَّا أُجِيبَتْ الْأُمُّ إلَى إرْضَاعِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَطْعًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الْعُدُولِ عَنْهَا مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّضِيعِ ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ ادَّعَى الْأَبُ وُجُودَ مُتَبَرِّعَةٍ أَوْ رَاضِيَةٍ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَنْكَرَتْ الْأُمُّ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ أُجْرَةً ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِ الطِّفْلِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ .

وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ أَنْفَقَا ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا ، فَإِنْ اسْتَوَى فَبِالْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ ، وَالثَّانِي بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ ، وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ ، أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ ؟ وَجْهَانِ ، وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فَعَلَى الْأَبِ ، وَقِيلَ عَلَيْهِمَا لِبَالِغٍ ، أَوْ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ إنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالْأَقْرَبُ ، وَإِلَّا فَبِالْقُرْبِ ، وَقِيلَ الْإِرْثُ ، وَقِيلَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ ، وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَفِي الْأَصَحِّ عَلَى الْفَرْعِ ، وَإِنْ بَعُدَ

ثُمَّ شَرَعَ فِي اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ مِنْ جَانِبِ الْمُنْفِقِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُحْتَاجِ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ ( وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ ) فِي قُرْبٍ وَإِرْثٍ أَوْ عَدَمِهِمَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَعَدَمِهَا كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ ابْنٍ وَبِنْتٍ ( أَنْفَقَا ) عَلَيْهِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي قَدْرِ الْيَسَارِ أَوْ أَيْسَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ وَالْآخَرُ بِالْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ إيجَابِ النَّفَقَةِ تَشْمَلُهُمَا ، فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أُخِذَ قِسْطُهُ مِنْ مَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا أَمَرَ الْحَاكِمُ الْحَاضِرَ بِالْإِنْفَاقِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ مَالِهِ إذَا وَجَدَهُ .
هَذَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ أَهْلًا لِذَلِكَ مُؤْتَمَنًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَإِلَّا اقْتَرَضَ مِنْهُ الْحَاكِمُ وَأَمَرَ عَدْلًا بِالصَّرْفِ إلَى الْمُحْتَاجِ يَوْمًا فَيَوْمًا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اخْتَلَفَا فِي الْقُرْبِ ( فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا ) تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ( فَإِنْ اسْتَوَى ) قُرْبُهُمَا ( فَبِالْإِرْثِ ) تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِقُوَّتِهِ كَابْنٍ وَابْنِ بِنْتٍ فَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِذَلِكَ ، وَالثَّانِي : لَا أَثَرَ لِلْإِرْثِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ ( وَالثَّانِي ) وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ : فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا أَنْ تَعْتَبِرَ أَوَّلًا ( بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ ) بَعْدَهُ فَيُقَدَّمُ الْوَارِثُ الْبَعِيدُ عَلَى غَيْرِ الْقَرِيبِ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ قُدِّمَ أَقْرَبُهُمَا .
تَنْبِيهٌ : الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ : وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ ، وَلَمَّا كَانَتْ طُرُقُ الْأَصْحَابِ قَدْ تُسَمَّى وُجُوهًا صَحَّ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ عَنْهَا بِالْأَصَحِّ ( وَالْوَارِثَانِ ) عَلَى كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْإِرْثِ دُونَ غَيْرِهِ كَابْنٍ وَبِنْتٍ

هَلْ ( يَسْتَوِيَانِ ) فِي قَدْرِ الْإِنْفَاقِ ( أَمْ يُوَزَّعُ ) الْإِنْفَاقُ بَيْنَهُمَا ( بِحَسَبِهِ ) أَيْ الْإِرْثِ ( وَجْهَانِ ) وَجْهُ التَّوْزِيعِ إشْعَارُ زِيَادَةِ الْإِرْثِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْقُرْبِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِوَاءِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْإِرْثِ ، وَرَجَّحَ هَذَا الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ لَهُ أَبَوَانِ ، وَقُلْنَا : نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي فِي الْمِنْهَاجِ بِلَا تَرْجِيحٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا إلَّا مَا كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ ( وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ ) هُوَ مِنْ تَثْنِيَةِ التَّغْلِيبِ : أَيْ أَبٌ وَأُمٌّ ( فَعَلَى الْأَبِ ) نَفَقَتُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا .
أَمَّا الْأُولَى ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، وَأَمَّا الثَّانِي فَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ هِنْدٍ ( وَقِيلَ ) النَّفَقَةُ ( عَلَيْهِمَا لِبَالِغٍ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَبَ فِي الصِّغَرِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ زَالَتْ وَهَلْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا أَمْ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْإِرْثِ ؟ وَجْهَانِ : رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا الثَّانِي .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ الْبَالِغُ غَيْرَ مَعْتُوهٍ ، وَإِلَّا فَكَالصَّغِيرِ وَأَبُو الْأَبِ مَعَ الْأُمِّ كَالْأَبِ عَلَى الْأَصَحِّ ( أَوْ ) كَانَ لِلْفَرْعِ ( أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ إنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالْأَقْرَبُ ) مِنْهُمْ ، فَالْأَقْرَبُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُدْلِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ( فَبِالْقُرْبِ ) يُعْتَبَرُ لُزُومُ النَّفَقَةِ ( وَقِيلَ الْإِرْثِ ) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي طَرَفِ الْفُرُوعِ ( وَقِيلَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ ) لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِتَفْوِيضِ التَّرْبِيَةِ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ

بِوِلَايَةِ الْمَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا الْجِهَةُ الَّتِي تَفِيدُهَا ، لَا نَفْسُ الْوِلَايَةِ الَّتِي قَدْ يَمْنَعُ مِنْهَا مَانِعٌ مَعَ وُجُودِ الْجِهَةِ ، وَعَلَى هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ ( وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَفِي الْأَصَحِّ ) تَجِبُ النَّفَقَةُ ( عَلَى الْفَرْعِ وَإِنْ بَعُدَ ) كَأَبٍ وَابْنِ ابْنٍ لِأَنَّ عُصُوبَتَهُ أَقْوَى ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْقِيَامِ بِشَأْنِ أَبِيهِ لِعِظَمِ حُرْمَتِهِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ ، وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا عَلَيْهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْبَعْضِيَّةِ .

أَوْ مُحْتَاجُونَ يُقَدِّمُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ الْأَقْرَبَ ، وَقِيلَ الْوَارِثَ ، وَقِيلَ الْوَلِيُّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ ، فَقَالَ : ( أَوْ ) لَهُ ( مُحْتَاجُونَ ) مِنْ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجَاتٍ ، فَإِنْ قَدَرَ كِفَايَةَ كُلِّهِمْ فَوَاضِحٌ ، أَوْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ ( يُقَدِّمُ ) مِنْهُمْ ( زَوْجَتَهُ ) بَعْدَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَمَا مَرَّ ( ثُمَّ ) بَعْدَ نَفَقَتِهَا يُقَدِّمُ ( الْأَقْرَبَ ) فَالْأَقْرَبَ ، فَيُقَدِّمُ بَعْدَ زَوْجَتِهِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِشِدَّةِ عَجْزِهِ ، وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ الْمَجْنُونُ .
ثُمَّ الْأُمَّ بِذَلِكَ ، وَلِتَأَكُّدِ حَقِّهَا بِالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ .
ثُمَّ الْأَبَ ثُمَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ ثُمَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَالْأَبُ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَتَقَدَّمَ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ( وَقِيلَ ) يُقَدِّمُ ( الْوَارِثَ ) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْأَبْعَدُ زَمِنًا قُدِّمَ عَلَى الْأَقْرَبِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ ، وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ ابْنٍ وَبِنْتٍ صُرِفَ إلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَتُقَدَّمُ بِنْتُ ابْنٍ عَلَى ابْنِ بِنْتٍ لِضَعْفِهَا وَعُصُوبَةِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ رَضِيعًا أَوْ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ قُدِّمَ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجَدَّيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ فِي دَرَجَةِ عَصْبَةٍ كَأَبِي الْأَبِ مَعَ أَبِي الْأُمِّ قُدِّمَ مِنْهُمَا الْعَصَبَةُ ، فَإِنْ بَعُدَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا لِتَعَادُلِ الْقُرْبِ وَالْعُصُوبَةِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الدَّرَجَةُ اسْتَوَيَا فِي الْعُصُوبَةِ أَوْ عَدَمِهَا فَالْأَقْرَبُ مُقَدَّمٌ ( وَقِيلَ الْوَلِيُّ ) .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَثُرَ أَهْلُ دَرَجَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسُدُّ قِسْطُ كُلٍّ مِنْهُمْ إنْ وُزِعَ الْمَوْجُودُ عَلَيْهِمْ مَسَدًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ .
فُرُوعٌ : لَوْ اجْتَمَعَ جَدَّتَانِ فِي دَرَجَةٍ وَزَادَتْ إحْدَاهُمَا

عَلَى الْأُخْرَى بِوِلَادَةٍ أُخْرَى قُدِّمَتْ ، فَإِنْ قَرُبَتْ الْأُخْرَى دُونَهَا قُدِّمَتْ لِقُرْبِهَا ، وَلَوْ عَجَزَ الْأَبُ عَنْ نَفَقَةِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَهُ أَبٌ مُوسِرٌ لَزِمَتْ أَبَاهُ نَفَقَتُهُ ، فَإِنْ رَضِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَخْذِ وَلَدٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِنْفَاقِ بِالشَّرِكَةِ فَذَاكَ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ تَنَازَعَا أُجِيبَ طَالِبُ الِاشْتِرَاكِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ عَجَزَ الْوَلَدُ عَنْ نَفَقَةِ أَحَدِ وَالِدَيْهِ وَلَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ ، فَعَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ أَبِي أَبِيهِ لِاخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِالِابْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ ، وَلَوْ أَعْسَرَ الْأَقْرَبُ بِالنَّفَقَةِ لَزِمَتْ الْأَبْعَدَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ إذَا أَيْسَرَ بِهِ .

فَصْلٌ الْحَضَانَةُ : حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ وَتَرْبِيَتُهُ .
فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الْحَضَانَةِ وَصِفَاتِ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ ( الْحَضَانَةُ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْجَنْبُ .
فَإِنَّ الْحَاضِنَةَ تَرُدُّ إلَيْهِ الْمَحْضُونَ وَتَنْتَهِي فِي الصَّغِيرِ بِالتَّمْيِيزِ .
وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَى الْبُلُوغِ فَتُسَمَّى كَفَالَةً .
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا ، وَشَرْعًا ( حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ ) بِأُمُورِ نَفْسِهِ عَمَّا يُؤْذِيهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ كَطِفْلٍ وَكَبِيرٍ مَجْنُونٍ ( وَتَرْبِيَتُهُ ) أَيْ تَنْمِيَةُ الْمَحْضُونِ بِمَا يُصْلِحُهُ بِتَعَهُّدِهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْكِتَابِ تَفْسِيرُ الْحَضَانَةِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ، وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ كَالنَّفَقَةِ ، وَلِهَذَا ذُكِرَتْ عَقِبَ النَّفَقَاتِ .

وَالْإِنَاثُ أَلْيَقُ بِهَا ، وَأَوْلَاهُنَّ أُمٌّ ثُمَّ أُمَّهَاتٌ يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُنَّ ، وَالْجَدِيدُ تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ أُمُّ أَبٍ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ ثُمَّ أُمُّ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي جَدٍّ كَذَلِكَ ، وَالْقَدِيمُ الْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ عَلَيْهِنَّ ، وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ عَلَى خَالَةٍ وَخَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَأُخْتٍ ، وَبِنْتُ أَخٍ وَأُخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أُخْتِ أَحَدِهِمَا ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ أُخْتٍ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ وَعَمَّةٍ لِأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٍّ ، وَسُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ دُونَ أُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ .

( وَ ) الْحَضَانَةُ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ ، لَكِنَّ ( الْإِنَاثَ أَلْيَقُ بِهَا ) لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَى التَّرْبِيَةِ وَأَصْبَرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا وَأَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْأَطْفَالِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُمْ ، إمَّا إنَاثٌ فَقَطْ ، وَإِمَّا ذُكُورٌ فَقَطْ ، وَإِمَّا الْفَرِيقَانِ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ ( وَأَوْلَاهُنَّ ) أَيْ الْإِنَاثِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ وَتَنَازُعِهِنَّ فِي طَلَبِهَا ( أُمٌّ ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا ، وَفِي الْخَبَرِ : { إنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي ، فَقَالَ : أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ تَقْدِيمِ الْأُمِّ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ زَوْجٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ إنْ كَانَ لَهُ بِهَا أَوْ لَهَا بِهِ اسْتِمْتَاعٌ ، وَالْمُرَادُ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا جِمَاعُهُ ، فَلَا بُدَّ أَنْ تُطِيقَهُ وَإِلَّا فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّدَاقِ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا فِي فَتَاوِيهِ ، وَحِينَئِذٍ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا ، وَلَهُ نَزْعُهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ الْحُرَّيْنِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى غَيْرِهِمَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ حِينَئِذٍ ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَشْتَرِكُ سَيِّدُهُ وَقَرِيبُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِحَضَانَتِهِ فِي حَضَانَتِهِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ أَوْ عَلَى اسْتِئْجَارِ حَاضِنَتِهِ أَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَذَاكَ ، وَإِنْ تَمَانَعَا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ مَنْ تَحْضُنُهُ وَأَلْزَمَهُمَا الْأُجْرَةَ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْأُمِّ ( أُمَّهَاتٌ ) لَهَا ( يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ ) وَارِثَاتٍ لِمُشَارَكَتِهِنَّ الْأُمَّ فِي الْإِرْثِ وَالْوِلَادَةِ ( يُقَدَّمُ ) مِنْهُنَّ ( أَقْرَبُهُنَّ ) فَأَقْرَبُهُنَّ

لِوُفُورِ الشَّفَقَةِ ( وَالْجَدِيدُ تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ ) أَيْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ ( أُمُّ أَبٍ ) لِمُشَارَكَتِهَا أُمَّ الْأُمِّ فِي الْمَعْنَى السَّابِقِ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِيهِنَّ مُحَقَّقَةٌ ، وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ مَظْنُونَةٌ ، وَلِأَنَّهُنَّ أَقْوَى مِيرَاثًا مِنْ أُمَّهَاتِهِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَسْقُطْنَ بِالْأَبِ بِخِلَافِ أُمَّهَاتِهِ ( ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ ) وَارِثَاتٍ لِمَا مَرَّ ( ثُمَّ أُمُّ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ ) ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ ( ثُمَّ أُمُّ أَبِي جَدٍّ كَذَلِكَ ) ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ وَهَكَذَا ؛ لِأَنَّ لَهُنَّ وِلَادَةً وَوِرَاثَةً كَالْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا ، وَتُقَدَّمُ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأُمَّهَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ( وَالْقَدِيمُ ) يُقَدَّمُ ( الْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ عَلَيْهِنَّ ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَبِ وَالْجَدِّ .
أَمَّا الْأَخَوَاتُ فَلِأَنَّهُنَّ اجْتَمَعْنَ مَعَهُ فِي الصُّلْبِ وَالْبَطْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَشَارَكْنَهُ فِي النَّسَبِ ، فَهُنَّ عَلَيْهِ أَشْفَقُ .
وَأَمَّا الْخَالَاتُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّظَرَ هُنَا إلَى الشَّفَقَةِ ، وَهِيَ فِي الْجَدَّاتِ أَغْلَبُ ( وَتُقَدَّمُ ) قَطْعًا ( أُخْتٌ ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ ( عَلَى خَالَةٍ ) لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْهَا ( وَ ) تُقَدَّمُ ( خَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَ ) بِنْتِ ( أُخْتٍ ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ بِخِلَافِهِمَا ( وَ ) تُقَدَّمُ ( بِنْتُ أَخٍ وَ ) بِنْتُ ( أُخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ ) كَمَا يُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْعَمِّ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ بِنْتِ الْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْمُقَدَّمُ مِنْهُمَا بِنْتُ الْأُخْتِ ( وَ ) تُقَدَّمُ ( أُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أُخْتِ أَحَدِهِمَا ) لِأَنَّ شَفَقَتَهَا أَتَمُّ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمَحْضُونِ فِي الصُّلْبِ وَالرَّحِمِ فَهِيَ

أَشْفَقُ ( وَالْأَصَحُّ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْجَدِيدِ ، وَالْقَدِيمُ لَا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ تَفْرِيعِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى الْقَدِيمِ ( تَقْدِيمُ أُخْتٍ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ ) لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهُ فِي النَّسَبِ وَلِقُوَّةِ إرْثِهَا فَإِنَّهَا قَدْ تَصِيرُ عَصَبَةً ، وَالثَّانِي : عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ فَتُقَدَّمُ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِالْأَبِ ( وَ ) الْأَصَحُّ تَقْدِيمُ ( خَالَةٍ ) لِأَبٍ ( وَعَمَّةٍ لِأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٍّ ) لِقُوَّةِ الْجِهَةِ كَالْأُخْتِ ، وَالثَّانِي : عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ كَانَ لِقُوَّتِهَا فِي الْإِرْثِ وَلَا إرْثَ هُنَا ( وَ ) الْأَصَحُّ ( سُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ ) وَهِيَ مَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ فَأَشْبَهَتْ الْأَجَانِبَ ، وَالثَّانِي لَا تَسْقُطُ لِوِلَادَتِهَا لَكِنْ تَتَأَخَّرُ عَنْ جَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ لِضَعْفِهَا .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الشَّيْخَانِ وَفِي مَعْنَى الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ كُلُّ مَحْرَمٍ يُدْلِي بِذَكَرٍ لَا يَرِثُ : كَبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : كَوْنُ بِنْتِ الْعَمِّ مَحْرَمًا ذُهُولٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى كُلِّ مَحْرَمٍ ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةً عَلَى بِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ كَمَا تَوَهَّمَهُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ ذُهُولٌ ، وَقَالَ : إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ ( دُونَ أُنْثَى ) هُوَ فِي حَيِّزِ الْأَصَحِّ أَيْضًا ، وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ أَيْ وَالْأَصَحُّ سُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ لَا بِسُقُوطِ كُلِّ أُنْثَى ( غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ ) وَبِنْتِ عَمَّةٍ ، وَبِنْتَيْ الْخَالِ ، وَالْعَمِّ ، لِشَفَقَتِهِنَّ بِالْقَرَابَةِ وَهِدَايَتِهِنَّ إلَى التَّرْبِيَةِ بِالْأُنُوثَةِ ، وَالثَّانِي : لَا حَقَّ لَهُنَّ كَالْجَدَّاتِ السَّاقِطَاتِ .
وَأَجَابَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجَدَّةَ السَّاقِطَةَ تُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي

هَؤُلَاءِ مَنْ تُدْلِي بِوَارِثٍ غَيْرُ بِنْتِ الْعَمِّ الْعَصَبَةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَتَرْجِيحُ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الْخَالِ الْحَاضِنَةِ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِإِدْلَائِهَا بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا حَضَانَةَ لَهَا بِخِلَافِ بِنْتِ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فَإِنَّهَا يُدْلِي بِأُنْثَى ، وَبِخِلَافِ بِنْتِ الْعَمِّ ، أَيْ : الْعَصَبَةِ فَإِنَّهَا تُدْلِي بِذَكَرٍ وَارِثٍ ا هـ .
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ بِنْتَ الْخَالِ لَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَحْضُونِ مَحْرَمٌ قَرِيبٌ ، وَهُوَ الْخَالُ ثَبَتَ لَهَا الْحَضَانَةُ ، بِخِلَافِ الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ لِبُعْدِهَا ، وَالتَّقَرُّبُ لَهُ شَفَقَةٌ فَثَبَتَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخِي أَجَابَ بِأَنَّ فِي الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ الْحَضَانَةَ ثَابِتَةٌ لِأَقْرِبَاءَ فِي النَّسَبِ فَانْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ عَنْهَا ، وَفِي بِنْتِ الْخَالِ تَرَاخَى النَّسَبُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَوْنُهَا لَمْ تُدْلِ بِوَارِثٍ بِنَسَبٍ ، وَتُقَدَّمُ بِنْتُ الْمَحْضُونِ عِنْدَ فَقْدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْجَدَّاتِ .

وَتَثْبُتُ لِكُلِّ ذَكَرٍ مَحْرَمٍ وَارِثٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ ، وَكَذَا غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ مُشْتَهَاةٌ بَلْ إلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ، وَهُوَ مَحْضُ الذُّكُورِ ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ : مَحْرَمٌ وَارِثٌ ، وَوَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ ، وَمَحْرَمٌ غَيْرُ وَارِثٍ ، وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَلَا وَارِثَ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا ، فَقَالَ ( وَتَثْبُتُ ) الْحَضَانَةُ ( لِكُلِّ ذِي مَحْرَمٍ وَارِثٍ ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا ، وَالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ، وَالْعَمِّ كَذَلِكَ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَالْإِرْثِ وَالْوِلَايَةِ ( عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ ) عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ، فَيُقَدَّمُ أَبٌ ، ثُمَّ جَدٌّ وَإِنْ عَلَا ، ثُمَّ أَخٌ شَقِيقٌ ، ثُمَّ لِأَبٍ ، وَهَكَذَا ، فَالْجَدُّ هُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ لَكَانَ أَوْلَى ( وَكَذَا ) ذَكَرٌ وَارِثٌ ( غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ ) فَإِنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ بِالْوِلَايَةِ ، وَالثَّانِي لَا لِفَقْدِ الْمَحْرَمِيَّةِ ، وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّانِي .
فَإِنْ قِيلَ : كَلَامُهُ يَشْمَلُ الْمُعْتِقَ فَإِنَّهُ وَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ مَعَ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ .
أُجِيبَ : بِأَنَّ تَمْثِيلَهُ بِابْنِ الْعَمِّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ فِي الْحَاضِنِ ( وَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ مُشْتَهَاةٌ ) حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ ( بَلْ ) تُسَلَّمُ ( إلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ التَّعْيِينِ لَا بِتَخْفِيفِهَا مِنْ الْمَعُونَةِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّعْيِينُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهُ ، وَيُفَارِقُ ثُبُوتَ الْحَضَانَةِ لَهُ عَلَيْهَا عَدَمُ ثُبُوتِهَا لِبِنْتِ الْعَمِّ عَلَى الذَّكَرِ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الِاسْتِنَابَةِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ ، وَلِاخْتِصَاصِ ابْنِ الْعَمِّ بِالْعُصُوبَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ مَثَلًا يَسْتَحِي مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْعَدَدِ جُعِلَتْ عِنْدَهُ مَعَ بِنْتِهِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَبِنْتُهُ مَعَهُ

لَا فِي رَحْلِهِ سُلِّمَتْ إلَيْهَا لَا لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ وَلَمْ تَكُنْ بِنْتُهُ فِي بَيْتِهِ ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا حَيْثُ قَالُوا فِي مَوْضِعٍ : تُسَلَّمُ إلَيْهِ ، وَفِي آخَرَ تُسَلَّمُ إلَيْهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثِقَةً ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ : وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ غَيْرَتَهَا عَلَى قَرَابَتِهَا وَأَبِيهَا تُغْنِي عَنْ ذَكَرٍ مَرْدُودٌ ، وَلِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ الشَّفَقَةُ حَسْمًا لِلْبَابِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُ الذَّكَرُ مُطْلَقًا الْمُشْتَهِي وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَهَى إلَيْهِ .

فَإِنْ فُقِدَ الْإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ أَوْ الْإِرْثُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ .
( فَإِنْ فُقِدَ ) فِي الذَّكَرِ الْحَاضِنِ ( الْإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ ) مَعًا كَابْنِ خَالٍ وَابْنِ عَمَّةٍ ، وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّالِثُ ( أَوْ الْإِرْثُ ) فَقَطْ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بَاقِيَةٌ كَأَبِي أُمٍّ وَخَالٍ ، وَهُوَ الصِّنْفُ الرَّابِعُ ( فَلَا ) حَضَانَةَ لَهُمْ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِفَقْدِ الْإِرْثِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي الْأُولَى وَلِضَعْفِ قَرَابَتِهِ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يَلِي وَلَا يَعْقِلُ ، وَالثَّانِي لَهُ الْحَضَانَةُ لِشَفَقَتِهِ بِالْقَرَابَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَا حَقَّ لِلْمَحْرَمِ بِالرَّضَاعِ فِي الْحَضَانَةِ وَلَا فِي الْكَفَالَةِ وَلَا لِلْمُولَى وَعَصَبَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِفَقْدِ الْإِرْثِ فِي الْأَوَّلِ ، وَفَقْدِ الْقَرَابَةِ فِي الثَّانِي وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ الْإِرْثُ .
.

وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَالْأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأَبُ ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ، وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الْحَاشِيَةِ ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْأَصَحُّ الْأَقْرَبُ ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى ، وَإِلَّا فَيُقْرَعُ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْفَرِيقَيْنِ ، فَقَالَ ( وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ ) وَتَنَازَعُوا فِي الْحَضَانَةِ ( فَالْأُمُّ ) تُقَدَّمُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ( ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ) الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي مَعْنَى الْأُمِّ فِي الشَّفَقَةِ ( ثُمَّ ) يُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ ( الْأَبُ ) عَلَى أُمَّهَاتِهِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُنَّ ( وَقِيلَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ) لِإِدْلَائِهِمَا بِالْأُمِّ فَيَسْقُطُ بِهِمَا ، بِخِلَافِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ لِإِدْلَائِهَا بِهِ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى أُمَّهَاتِهِ كَمَا مَرَّ ( وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِالتَّرْتِيبِ الْمَارِّ ( عَلَى الْحَاشِيَةِ ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ لِقُوَّةِ الْأُصُولِ .
تَنْبِيهٌ : فِي جَزْمِهِ بِتَقْدِيمِ الْأَصْلِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ : قِيلَ ، وَقِيلَ : تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ( فَإِنْ فُقِدَ ) الْأَصْلُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَهُنَاكَ حَوَاشٍ ( فَالْأَصَحُّ ) أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ ( الْأَقْرَبُ ) فَالْأَقْرَبُ كَالْإِرْثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، وَلَا يُرَجَّحُ الْمُعْتَقُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمُّ أَبٍ مُعْتَقٌ لَمْ يُرَجَّحْ الْمُعْتَقُ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَقْرَبُ وَيُشَارِكُهُ الْمُسَاوِي ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَقْرَبُ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَفِيهِمْ أُنْثَى وَذَكَرٌ ( فَالْأُنْثَى ) مُقَدَّمَةٌ عَلَى الذَّكَرِ كَأُخْتٍ عَلَى أَخٍ وَبِنْتِ أَخٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ ؛ لِأَنَّهَا أَبْصَرُ وَأَصْبَرُ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بَنَاتُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى ذُكُورِهِ ، وَالْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ ، فَلَا يُقَدَّمُ الذَّكَرُ فِي مَحَلٍّ لَوْ كَانَ أُنْثَى لَقُدِّمَ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْأُنُوثَةِ ، فَلَوْ ادَّعَى الْأُنُوثَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ غَالِبًا فَتَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ وَإِنْ أَبْهَمَ تَثْبُتُ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ

فِيهِمْ أُنْثَى وَذَكَرٌ بِأَنْ اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ ( فَيُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ وَإِنْ بَعُدْنَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ الذُّكُورِ ، وَإِنْ كَانُوا عَصَبَاتٍ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلْحَضَانَةِ .
.

وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَمَجْنُونٍ ، وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَنَاكِحَةِ غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ إلَّا عَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ كَانَ رَضِيعًا اُشْتُرِطَ أَنْ تُرْضِعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ .

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْحَاضِنِ شُرُوطًا ذَكَرَ مِنْهَا الْمُصَنِّفُ سِتَّةً ، وَأَنَا أَذْكُرُ بَاقِيَهَا فِي الشَّرْحِ : أَحَدُهَا الْحُرِّيَّةُ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ ) وَلَوْ مُبَعَّضًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْثَرْ إذْنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَيُشَوِّشُ أَمْرَ الْوَالِدِ ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ فَإِنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَحَضَانَتُهُ لَهَا مَا لَمْ تَنْكِحْ كَمَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَقَرَّهُ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْمَعْنَى فِيهِ فَرَاغُهَا لِمَنْعِ السَّيِّدِ مِنْ قُرْبَانِهَا مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهَا ، وَثَانِيهَا الْعَقْلُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَ ) لَا ( مَجْنُونٍ ) فَلَا حَضَانَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِفْظُ وَلَا التَّعَهُّدُ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْضُنُهُ ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَسِيرًا كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَبِيرِ وَالرَّوْضَةِ كَيَوْمٍ فِي سِنِينَ لَمْ تَسْقُطْ الْحَضَانَةُ بِهِ كَمَرَضٍ يَطْرَأُ وَيَزُولُ ، وَثَالِثُهَا الْأَمَانَةُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَ ) لَا ( فَاسِقٍ ) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي وَلَا يُؤْتَمَنُ ، وَلِأَنَّ الْمَحْضُونَ لَا حَظَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهِ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ ، وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَشُهُودِ النِّكَاحِ .
نَعَمْ إنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ .
قَالَ فِي التَّرْشِيحِ : وَبِهِ أَفْتَيْت فِيمَا إذَا تَنَازَعَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْوَلَدِ ، فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَهُ فَلَا يُنْزَعُ مِمَّنْ تَسَلَّمَهُ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَمَا قَالَ

شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ .
وَرَابِعُهَا : الْإِسْلَامُ ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَ ) لَا ( كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا فَتَنَهُ فِي دِينِهِ .
فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ وَأُمِّهِ الْمُشْرِكَةِ ، فَمَالَ إلَى الْأُمِّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اللَّهُمَّ اهْدِهِ ، فَعَدَلَ إلَى أَبِيهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ ، وَأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَبَ الْمُسْلِمَ ، وَقَصْدُهُ بِتَخْيِيرِهِ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ أُمِّهِ وَبِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ ، إذْ لَوْ كَانَ لِأُمِّهِ حَقٌّ لَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ وَلَمَا دَعَا ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْضُنُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَارِّ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَضَنَهُ الْمُسْلِمُونَ وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيُنْزَعُ نَدْبًا مِنْ الْأَقَارِبِ الذِّمِّيِّينَ وَلَدُ ذِمِّيٍّ وَصَفَ الْإِسْلَامَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ اللَّقِيطِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْمُخْتَارُ ، وَظَاهِرُ النَّصِّ الْوُجُوبُ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ ثُبُوتَهَا لِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ .
وَخَامِسُهَا : أَنْ تَخْلُوَ الْحَاضِنَةُ مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَ ) لَا ( نَاكِحَةِ ) زَوْجٍ ( غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ ) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَرَضِيَ أَنْ يَدْخُلَ الْوَلَدُ دَارِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ : " أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي " ، وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ عَنْهُ بِحَقِّ الزَّوْجِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلِأَنَّ عَلَى الْوَلَدِ وَعَصَبَتِهِ عَارًا فِي مُقَامِهِ مَعَ

زَوْجِ أُمِّهِ ، وَلَا أَثَرَ لِرِضَا الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ ، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : سَقَطَ حَقُّ الْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَظَاهِرُهُ بَقَاءُ حَقِّ الْأُمِّ ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، إذْ كَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّ الْجَدَّةِ بِرِضَا الْأَبِ ؟ ، وَلِذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْأَقْيَسُ عَدَمُ السُّقُوطِ ، وَقَدْ يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَدَّةَ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحَقُّ إلَيْهَا حِينَئِذٍ حَتَّى يُقَالَ سَقَطَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ سُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ مَا لَوْ اخْتَلَعَتْ بِالْحَضَانَةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَنَكَحَتْ فِي أَثْنَائِهَا ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ لَازِمَةٌ ، وَلَكِنْ لَيْسَ الِاسْتِحْقَاقُ هُنَا بِالْقَرَابَةِ بَلْ بِالْإِجَارَةِ ( إلَّا ) مَنْ نَكَحَتْ ( عَمَّهُ ) أَيْ الطِّفْلِ ( وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ ) فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا حِينَئِذٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ نَكَحَتْهُ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَشَفَقَتُهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى كَفَالَتِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ الْأَبِ ، وَلِقَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَ حَمْزَةَ لِخَالَتِهَا لَمَّا قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ : إنَّهَا بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
وَالثَّانِي : يَبْطُلُ حَقُّهَا لِاشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ الْآنَ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ الَّذِي نَكَحَهَا بِحَضَانَتِهَا وَإِلَّا فَتَسْقُطُ جَزْمًا ؛ لِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُ ابْنِ الْأَخِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا كَأَنْ تَتَزَوَّجَ أُخْتُ الطِّفْلِ لِأُمِّهِ بِابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ

لِأَبِيهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ بَلْ ضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : إلَّا لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَرَضِيَ لَعَمَّ مَا ذُكِرَ .
أَمَّا مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا كَالْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ فَيَسْقُطُ حَضَانَةُ الْمَرْأَةِ بِتَزْوِيجِهَا بِهِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ الْخَالَ ، وَالْخَالُ لَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَأُجَوِّزُ أَنَّهُ حُرِّفَ سَهْوًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ ، أَوْ نَكَحَتْ أَخًا لَهُ فَأُغْفِلَتْ الْأَلِفُ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ .
وَسَادِسُهَا : أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُرْضِعًا لِلطِّفْلِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَحْضُونُ ( رَضِيعًا اُشْتُرِطَ ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِنَةِ ( أَنْ تُرْضِعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا .
وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ وَعَلَى الْأَبِ اسْتِئْجَارُ مُرْضِعَةٍ تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْحَاضِنَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْأَبِ اسْتِئْجَارَ مُرْضِعَةٍ تَتْرُكُ مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْحَاضِنَةِ عُسْرًا عَلَيْهِ فَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَفِيهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا لَبَنَ لَهُ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ ، وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : حَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ فَالْأَصَحُّ لَا حَضَانَةَ لَهَا ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَسَابِعُهَا : أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ دَائِمٌ كَالسِّلِّ وَالْفَالِجِ إنْ عَاقَ تَأَلُّمُهُ عَنْ نَظَرِ الْمَحْضُونِ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ

يَشْغَلُهُ أَلَمُهُ عَنْ كَفَالَتِهِ وَتَدَبُّرِ أَمْرِهِ أَوْ عَنْ حَرَكَةِ مَنْ يُبَاشِرُ الْحَضَانَةَ فَتَسْقُطُ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ بِنَظَرِهِ وَيُبَاشِرُهَا غَيْرُهُ ، وَثَامِنُهَا : أَنْ لَا يَكُونَ أَبْرَصَ وَلَا أَجْذَمَ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الْعَلَائِيِّ .
وَتَاسِعُهَا : أَنْ لَا يَكُونَ أَعْمَى كَمَا أَفْتَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الصَّبَّاغِ ، وَاسْتَنْبَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ .
ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يُقَالُ : إنْ بَاشَرَ غَيْرَهُ وَهُوَ مُدَّبِّرٌ أُمُورَهُ فَلَا مَنَعَ كَمَا فِي الْفَالِجِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَعَاشِرُهَا : أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا فَلَا حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ .
وَحَادِي عَشَرَهَا : أَنْ لَا يَكُونَ مُغْفَلَا كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي .
وَثَانِيَ عَشَرَهَا : أَنْ لَا يَكُونَ صَغِيرًا ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا .

فَإِنْ كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ حَضَنَتْ ، وَإِنْ غَابَتْ الْأُمُّ أَوْ امْتَنَعَتْ فَلِلْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ .
( فَإِنْ ) فُقِدَ مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ ثُمَّ وُجِدَ كَأَنْ ( كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ ) بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ ، أَوْ تَابَتْ فَاسِقَةٌ ، أَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةٌ ، أَوْ عَتَقَتْ رَقِيقَةٌ ( أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ ) بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ ( حَضَنَتْ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَتَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ الْحَضَانَةَ فِي الْحَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُطَلَّقَةِ الْحَضَانَةَ رِضَا الزَّوْجِ بِدُخُولِ الْمَحْضُونِ بَيْتَهُ إنْ كَانَ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ تَسْتَحِقَّ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ ( وَإِنْ غَابَتْ الْأُمُّ أَوْ امْتَنَعَتْ ) مِنْ الْحَضَانَةِ ( فَلِلْجَدَّةِ ) مَثَلًا أُمِّ الْأُمِّ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) كَمَا لَوْ مَاتَتْ أَوْ جُنَّتْ .
وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَرِيبَ إذَا امْتَنَعَ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِمَنْ يَلِيهِ .
وَالثَّانِي : تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ كَمَا لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ أَوْ عَضَلَ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَرِيبَ أَشْفَقُ وَأَكْثَرُ فَرَاغًا مِنْ السُّلْطَانِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ إجْبَارِ الْأُمِّ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا لِلْوَلَدِ الْمَحْضُونِ فَإِنْ وَجَبَتْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا مَالٌ أُجْبِرَتْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ النَّفَقَةِ ، فَهِيَ حِينَئِذٍ كَالْأَبِ ( هَذَا ) الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا ( كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ ) وَهُوَ كَمَا مَرَّ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ كَطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ بَالِغٍ .

وَالْمُمَيِّزُ إنْ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ كَانَ عِنْدَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا ، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ فَالْحَقُّ لِلْآخَرِ ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أُمٍّ وَجَدٍّ ، وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةُ أُمِّهِ وَيَمْنَعُ أُنْثَى ، وَلَا يَمْنَعُهَا دُخُولًا عَلَيْهِمَا زَائِرَةً ، وَالزِّيَارَةُ مَرَّةً فِي أَيَّامٍ ، فَإِنْ مَرِضَا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا ، وَإِنْ اخْتَارَهَا ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا ، وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا ، وَيُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ أَوْ حِرْفَةٍ ، أَوْ أُنْثَى فَعَنَدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَيَزُورُهَا الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ ، وَإِنْ اخْتَارَهُمَا أَقُرِعَ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فَالْأُمُّ أَوْلَى ، وَقِيلَ يُقْرَعُ .

( وَالْمُمَيِّزُ ) الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ( إنْ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ ) مِنْ النِّكَاحِ وَصَلُحَا لِلْحَضَانَةِ ، وَلَوْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دِينًا أَوْ مَالًا أَوْ مَحَبَّةً ( كَانَ عِنْدَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ } ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَالْغُلَامَةُ كَالْغُلَامِ فِي الِانْتِسَابِ ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْكَفَالَةِ الْحِفْظُ لِلْوَلَدِ ، وَالْمُمَيِّزُ أَعْرَفُ بِحَظِّهِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ ، وَسِنُّ التَّمْيِيزِ غَالِبًا سَبْعُ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ تَقْرِيبًا ، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى السَّبْعِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الثَّمَانِ ، وَالْحُكْمُ مَدَارُهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى السِّنِّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا أُخِّرَ إلَى حُصُولِ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَخَيَّرُ وَلَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : إنَّ الْآخِرَ كَالْعَدَمِ ، وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا فَامْتَنَعَ مِنْ كَفَالَتِهِ كَفَلَهُ الْآخَرُ ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ أُعِيدَ التَّخْيِيرُ ، وَإِنْ امْتَنَعَا وَبَعْدَهُمَا مُسْتَحِقَّانِ لَهَا كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ أَمَّا إذَا صَلُحَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْأَبَوَيْنِ ( جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ ) أَيْ الْأُنْثَى أَجْنَبِيًّا ( فَالْحَقُّ لِلْآخِرِ ) فَقَطْ وَلَا تَخْيِيرَ لِوُجُودِ الْمَانِعِ بِهِ ، فَإِنْ عَادَ صَلَاحُ الْآخَرِ أَنْشَأَ التَّخْيِيرَ ( وَيُخَيَّرُ ) الْمُمَيِّزُ أَيْضًا عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ ( بَيْنَ أُمٍّ وَجَدٍّ ) أَيْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ لِوِلَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ ، وَالْجَدَّةُ أُمُّ

الْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِ الْأُمِّ ، أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا كَالْأُمِّ فَيُخَيَّرُ الْوَلَدُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ ( وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ ) أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ حَاشِيَةِ النَّسَبِ مَعَ أُمٍّ تُخَيَّرُ بَيْنَ كُلٍّ وَبَيْنَ الْأُمِّ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ الْعُصُوبَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْحَوَاشِي كَالْأُصُولِ ( أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ .
وَالثَّانِي : تُقَدَّمُ فِي الْأُولَيَيْنِ الْأُمُّ وَفِي الْآخَرِ بَيْنَ الْأَبِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ الْعَمِّ مَعَ الْأُمِّ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ : وَمِثْلُ الْأَخِ وَالْعَمِّ ابْنُ الْعَمِّ فِي حَقِّ الذَّكَرِ ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُ بِالْأُنْثَى ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ وَتَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّخْيِيرِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا جَرَيَانُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْأَبِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ : وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الشَّقِيقَةِ وَفِي الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ .
أَمَّا الْأُخْتُ لِلْأَبِ فَلَا ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ( فَإِنْ اخْتَارَ ) الْمُمَيِّزُ ( أَحَدَهُمَا ) أَيْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مَنْ أُلْحِقَ بِهِمَا كَمَا ذُكِرَ ( ثُمَّ ) اخْتَارَ ( الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ ) لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ ، أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنْ اخْتَارَهُ أَوَّلًا ، وَلِأَنَّ الْمُتَّبَعَ شَهْوَتُهُ كَمَا قَدْ يَشْتَهِي طَعَامًا فِي وَقْتٍ وَغَيْرَهُ فِي آخَرَ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ مُرَاعَاةَ الْجَانِبَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُحَوَّلُ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ دَائِمًا

، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ سَبَبَهُ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ جُعِلَ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَجْرِي بَيْنَ ذَكَرَيْنِ وَلَا أُنْثَيَيْنِ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُنْثَيَيْنِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ جَرَيَانُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فَبَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْلَى ( فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أُمِّهِ ) وَلَا يُكَلِّفُهَا الْخُرُوجَ لِزِيَارَتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَاعِيًا فِي الْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ .
تَنْبِيهٌ : هَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلُ ( وَيَمْنَعُ ) الْأَبُ ( أُنْثَى ) إذَا اخْتَارَتْهُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهَا لِتَأْلَفَ الصِّيَانَةَ وَعَدَمَ الْبُرُوزِ ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا لِسِنِّهَا وَخِبْرَتِهَا .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ عَنْ الْخُنْثَى ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْأُنْثَى ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأُمِّ بَيْنَ الْمُخَدَّرَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ الْفَرْقَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَهَا مِنْ زِيَارَتِهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِزِيَارَتِهَا عِيَادَتُهَا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ( وَلَا يَمْنَعُهَا ) أَيْ الْأُمَّ ( دُخُولًا عَلَيْهِمَا ) أَيْ وَلَدَيْهَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، أَوْ الْخُنْثَى ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهَا أَيْ الْأُنْثَى ( زَائِرَةً ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَطْعًا لِلرَّحِمِ ، لَكِنْ لَا تُطِيلُ الْمُكْثَ ، وَعَبَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَبَ ، أَنْ

يُمَكِّنَهَا مِنْ الدُّخُولِ وَلَا يُوَلِّهَا عَلَى وَلَدِهَا ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفْهِمُ عَدَمَ اللُّزُومِ ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ ، فَقَالَ : فَإِنْ بَخِلَ الْأَبُ بِدُخُولِهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهُ إلَيْهَا ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ ( وَالزِّيَارَةُ ) عَلَى الْعَادَةِ ( مَرَّةً فِي أَيَّامٍ ) أَيْ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَنْزِلُهَا قَرِيبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَ كُلَّ يَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
تَنْبِيهٌ : نَصَبَ مَرَّةً عَلَى الْمَصْدَرِ ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ عَلَى الظَّرْفِ ( فَإِنْ مَرِضَا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا ) لِأَنَّهَا أَهْدَى إلَيْهِ وَأَصْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبِ وَنَحْوِهِ ( فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي بَيْتِهِ ) فَذَاكَ ظَاهِرٌ ( وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا ) يَكُونُ التَّمْرِيضُ وَيَعُودُهُمَا ، وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا ، وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا فِي بَيْتِهِ ؛ أَمَّا إذَا مَاتَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهِمَا إذَا دُفِنَا فِي مِلْكِهِ وَالْحُكْمُ فِي الْعَكْسِ كَذَلِكَ ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي دَفْنِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا فِي تُرْبَةِ أَحَدِهِمَا أُجِيبَ الْأَبُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَإِنْ مَرِضَتْ الْأُمُّ لَزِمَ الْأَبُ أَنْ يُمَكِّنَ الْأُنْثَى مِنْ تَمْرِيضِهَا إنْ أَحْسَنَتْ تَمْرِيضَهَا بِخِلَافِ الذَّكَرِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَحْسَنَ التَّمْرِيضَ ( وَإِنْ اخْتَارَهَا ) أَيْ الْأُمَّ ( ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا ، وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا ) يُعَلِّمُهُ الْأُمُورَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ( وَيُؤَدِّبُهُ ) أَيْ يُعَلِّمُهُ أَدَبَ النَّفْسِ وَالْبَرَاعَةَ وَالظُّرْفِ ، فَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ صَغِيرًا سُرَّ بِهِ كَبِيرًا ، يُقَالُ : الْأَدَبُ عَلَى الْآبَاءِ ، وَالصَّلَاحُ عَلَى اللَّهِ ( وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ ، وَيَجُوزُ كَسْرُ التَّاءِ ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُتَعَلَّمُ فِيهِ ، وَعِبَارَةُ

الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْكُتَّابُ ، وَقَالَ ابْنُ دَاوُد : الْأَفْصَحُ الْمَكْتَبُ ؛ لِأَنَّ الْكُتَّابَ جَمْعُ كَاتِبٍ ( أَوْ ) ذِي ( حِرْفَةٍ ) يَتَعَلَّمُ مِنْ الْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ وَمِنْ الثَّانِي الْحِرْفَةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْوَلَدِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ ، أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الشَّرِيفِ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَهُ الصَّنْعَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَزْرِي بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ صَنْعَةٌ شَرِيفَةٌ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَهُ صَنْعَةً رَدِيئَةً ، لِأَنَّ عَلَيْهِ رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَمَا فِيهِ الْحَظُّ لَهُ وَلَا يَكِلُهُ فِي ذَلِكَ إلَى أُمِّهِ لِعَجْزِ النِّسَاءِ عَنْ الْقِيَامِ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ ، فَقَالَ : يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُ الْوَلَدِ وَتَعْلِيمُهُ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا وَأُجْرَةُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، وَمَا قَالَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَوْ كَانَتْ حِرْفَةُ الْأَبِ كَالْأَتُونِيِّ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّيْلَ فِي حَقِّهِ كَالنَّهَارِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ لَيْلًا ، لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَعِنْدَ الْأُمِّ نَهَارًا كَمَا قَالُوا فِي الْقَسَمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ( أَوْ ) كَانَ الَّذِي اخْتَارَ الْأُمَّ ( أُنْثَى ) أَوْ خُنْثَى كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ( فَعَنَدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ) لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانَيْنِ فِي حَقِّهَا طَلَبًا لِسِتْرِهَا ( وَ ) لَا يَطْلُبُ الْأَبُ إحْضَارَهَا ، بَلْ ( يَزُورُهَا الْأَبُ ) لِتَأْلَفَ السَّتْرَ وَالصِّيَانَةَ ( عَلَى الْعَادَةِ ) مَرَّةً فِي يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ يَقْتَضِي مَنْعُهُ مِنْ زِيَارَتِهَا لَيْلًا ، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ وَالرِّيبَةِ .
وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَسْكَنِ زَوْجٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهُ إلَّا بِإِذْنٍ

مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَخْرَجَتْهَا إلَيْهِ لِيَرَاهَا وَيَتَفَقَّدَ حَالَهَا وَيُلَاحِظَهَا بِقِيَامِ تَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحْمِلُ مُؤْنَتَهَا ، وَكَذَا حُكْمُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَا تَسْتَقِلُّ الْأُمُّ بِضَبْطِهِ فَيَكُونَانِ عِنْدَ الْأُمِّ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا مَرَّ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ الْمَجْنُونِ ( وَإِنْ اخْتَارَهُمَا ) أَيْ اخْتَارَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ أَبَوَيْهِ ( أَقُرِعَ ) بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ ، وَيَكُونُ عَنَدَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمَا ( فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ) وَاحِدًا مِنْهُمَا ( فَالْأُمُّ أَوْلَى ) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَلَمْ يُخْتَرْ غَيْرَهَا ( وَقِيلَ يُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا ، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى أَيْضًا اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ .

وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ حَتَّى يَعُودَ ، أَوْ سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْأَبُ أَوْلَى بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ وَالْبَلَدِ الْمَقْصُودِ ، قِيلَ وَمَسَافَةُ قَصْرٍ .

ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ فِي أَبَوَيْنِ مُقِيمَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدَةٍ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ ) كَتِجَارَةٍ وَحَجٍّ طَوِيلًا كَانَ السَّفَرُ أَمْ لَا ( كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ ( حَتَّى يَعُودَ ) الْمُسَافِرُ مِنْهُمَا لِمَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْخَطَرِ وَالضَّرَرِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ الْمُقِيمُ الْأُمَّ وَكَانَ فِي مُقَامِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أَوْ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْحِرْفَةَ وَهُمَا بِبَلَدٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَمْكِينُ الْأَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ ، لَا سِيَّمَا إنْ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا السَّفَرَ لِحَاجَةٍ ، وَاخْتَلَفَ طَرِيقُهُمَا وَمَقْصِدُهُمَا .
وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ احْتِمَالَانِ : أَحَدُهُمَا : يُدَامُ حَقُّ الْأُمِّ ، وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَعَ الَّذِي مَقْصِدُهُ أَقْرَبُ أَوْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَقْصَرُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ ( أَوْ ) أَرَادَ أَحَدُهُمَا ( سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْأَبُ أَوْلَى ) مِنْ الْأُمِّ بِالْحَضَانَةِ سَوَاءٌ انْتَقَلَ الْأَبُ أَمْ الْأُمُّ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَلَدٍ حِفْظًا لِلنَّسَبِ فَإِنَّهُ يَحْفَظُهُ الْآبَاءُ أَوْ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَسُهُولَةِ الْإِنْفَاقِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ رَافَقَتْهُ الْأُمُّ فِي سَفَرِهِ دَامَ حَقُّهَا وَلَوْ عَادَ مِنْ سَفَرِ النُّقْلَةِ إلَى بَلَدِهَا عَادَ حَقُّهَا ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُ الْأَبُ وَلَدَهُ الْمُمَيِّزَ إلَى غَيْرِ بَلَدِ الْأُمِّ ( بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ ، وَ ) أَمْنِ ( الْبَلَدِ الْمَقْصُودِ ) لَهُ ، وَإِلَّا فَيُقِرُّ عِنْدَ أُمِّهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْوَزِيُّ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ أَمْنٍ ، وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِخَوْفِ الطَّرِيقِ السَّفَرَ فِي

الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْوَلَدُ ، أَمَّا إذَا حَمَلَهُ فِيمَا يَقِيهِ ذَلِكَ فَلَا ، وَشَرَطَ الْمُتَوَلِّي فِي الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَوْ لَا ؟ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجْرِ ( قِيلَ : وَ ) يُشْتَرَطُ ( مَسَافَةُ قَصْرٍ ) بَيْنَ الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لِمَا دُونَهَا كَالْإِقَامَةِ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ الْبَلَدِ الْمُتَّسَعِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ الْوَلَدِ ، وَالْأَصَحُّ لَا فَرْقَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ : أُرِيدُ الِانْتِقَالَ وَقَالَتْ : بَلْ أَرَدْت التِّجَارَةَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ .
فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَأَمْسَكَتْ الْوَلَدَ .

وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ فِي هَذَا كَالْأَبِ ، وَكَذَا ابْنُ عَمٍّ لِذَكَرٍ وَلَا يُعْطَى أُنْثَى ، فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ سُلِّمَ إلَيْهَا .

( وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ ) كَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ ( فِي هَذَا ) الْمَذْكُورِ فِي سَفَرِ النُّقْلَةِ ( كَالْأَبِ ) فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ ، أَمَّا مَحْرَمٌ لَا عُصُوبَةَ لَهُ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ ، فَلَيْسَ لَهُ النَّقْلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النَّسَبِ .
تَنْبِيهٌ : لِلْأَبِ نَقْلُهُ عَنْ الْأُمِّ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ أَقَامَ الْجَدُّ بِبَلَدِهَا وَلِلْجَدِّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ ، وَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ بِبَلَدِهَا لَا الْأَخُ مَعَ إقَامَةِ الْعَمِّ أَوْ ابْنِ الْأَخِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلٌ فِي النَّسَبِ فَلَا يَعْتَنِي بِهِ غَيْرُهُمَا كَاعْتِنَائِهِمَا ، وَالْحَوَاشِي مُتَقَارِبُونَ ، فَالْمُقِيمُ مِنْهُمْ يَعْتَنِي بِحِفْظِهِ .
هَذَا مَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَعَلَيْهِ فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ إلَى آخِرِهِ ، وَلَكِنَّ الْبُلْقِينِيُّ جَرَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ ، وَقَالَ : مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُفْرَدَاتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا ( وَكَذَا ابْنُ عَمٍّ ) كَالْأَبِ فِي انْتِزَاعِهِ ( لِذَكَرٍ ) مُمَيِّزٍ مِنْ أُمِّهِ عِنْدَ انْتِقَالِهِ لِمَا مَرَّ ( وَلَا يُعْطَى أُنْثَى ) تُشْتَهَى حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لِانْتِفَاءِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُمَا ( فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ ) أَوْ نَحْوُهَا كَأُخْتِهِ الثِّقَةِ ( سُلِّمَ ) الْوَلَدُ الْأُنْثَى ( إلَيْهَا ) لَا لَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ فِي رِحْلَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِنْتُهُ أَوْ نَحْوُهَا فِي رِحْلَةٍ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ وَبِذَلِكَ تُؤْمَنُ الْخَلْوَةُ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ بِهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَالْكِتَابِ ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ أُعْطِيت لَهُ ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : سُلِّمَتْ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته وَكَانَ أَوْلَى ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْأُنْثَى ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ النُّقْلَةِ لِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا

اجْتَمَعَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحَضَانَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَا مَرَّ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَحْضُونُ ، فَإِنْ بَلَغَ فَإِنْ كَانَ غُلَامًا وَبَلَغَ رَشِيدًا وَلِيَ أَمْرَ نَفْسِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَمَّنْ يَكْفُلُهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِقَامَةِ عِنْدَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُمَا لِيَبَرَّهُمَا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَعِنْدَ الْأَبِ أَوْلَى لِلْمُجَانَسَةِ ، نَعَمْ إنْ كَانَ أَمْرَدَ أَوْ خِيفَ مِنْ انْفِرَادِهِ فَفِي الْعُدَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَبَوَيْنِ ، وَلَوْ بَلَغَ عَاقِلًا غَيْرَ رَشِيدٍ فَأَطْلَقَ مُطْلِقُونَ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ .
وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ : إنْ كَانَ لِعَدَمِ إصْلَاحِ مَالِهِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لِدَيْنِهِ فَقِيلَ : تُدَامُ حَضَانَتُهُ إلَى ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ ، وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ ا هـ .
وَإِنْ كَانَ أُنْثَى ، فَإِنْ بَلَغَتْ رَشِيدَةً ، فَالْأُولَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَا مُفْتَرَقَيْنِ ، وَبَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مُجْتَمِعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رِيبَةً ، فَإِنْ كَانَتْ فَلِلْأُمِّ إسْكَانُهَا مَعَهَا ، وَكَذَا لِلْوَلِيِّ مِنْ الْعَصَبَةِ إسْكَانُهَا مَعَهُ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا ، وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعٍ لَائِقٍ بِهَا يُسْكِنُهَا وَيُلَاحِظُهَا دَفْعًا لِعَارِ النَّسَبِ كَمَا يَمْنَعُهَا نِكَاحَ غَيْرِ الْكُفْءِ ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرَدُ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الرِّيبَةِ ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً ؛ لِأَنَّ إسْكَانَهَا فِي مَوْضِعِ الْبَرَاءَةِ أَهْوَنُ مِنْ الْفَضِيحَةِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً ، وَإِنْ بَلَغَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَارُّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ ؛ حَضَانَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَكَفَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ

حَتَّى يَجِيءَ فِي جَوَازِ اسْتِقْلَالِهِ وَانْفِرَادِهِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ إذَا شَاءَ وَجْهَانِ ا هـ .
وَيُعْلَمُ التَّفْصِيلُ مِمَّا مَرَّ .

عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً ، وَكِسْوَةً وَإِنْ كَانَ أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ ، وَلَا يَكْفِي سِتْرُ الْعَوْرَةِ .

فَصْلٌ فِي مُؤْنَةِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَعَهَا : يَجِبُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَالِكِ ( كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً ) طَعَامًا وَأُدْمًا ، وَتُعْتَبَرُ كِفَايَتُهُ فِي نَفْسِهِ زَهَادَةً وَرَغْبَةً وَإِنْ زَادَتْ عَلَى كِفَايَةِ مِثْلِهِ غَالِبًا ( وَ ) عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ ( كِسْوَةً ) وَكَذَا سَائِرُ مُؤْنَةٍ لِخَبَرِ { لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ } وَخَبَرِ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَنْ مَمْلُوكِهِ قُوتَهُ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذُكِرَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ شِرَاءُ مَاءِ طَهَارَتِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وُجُوبُهُ كَفِطْرَتِهِ ، وَكَذَا يَجِبُ شِرَاءُ تُرَابِ تَيَمُّمِهِ إنْ احْتَاجَهُ ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْكِفَايَةِ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى وُجُوبِ الْإِشْبَاعِ ( وَإِنْ كَانَ ) رَقِيقُهُ كَسُوبًا أَوْ مُسْتَحِقًّا مَنَافِعَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً ) وَمُسْتَأْجَرًا وَمُعَارًا وَآبِقًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجَمِيعِ ، وَلِعُمُومِ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ .
نَعَمْ الْمُكَاتَبُ وَلَوْ فَاسِدَ الْكِتَابَةِ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ ، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَرِقَّائِهِ .
نَعَمْ إنْ عَجَزَ نَفْسُهُ وَلَمْ يَفْسَخْ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَزِيزَةُ النَّقْلِ فَاسْتَفِدْهَا ، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الْكِفَايَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ جِنْسِ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ ، بَلْ ( مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ ) مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَ ) مِنْ غَالِبِ ( أُدْمِهِمْ ) مِنْ سَمْنٍ وَزَيْتٍ وَجُبْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَ ) مِنْ غَالِبِ ( كِسْوَتِهِمْ ) مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَنَحْوِ

ذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ { لِلْمَمْلُوكِ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ : وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ بِبَلَدِهِ ، وَيُرَاعَى حَالُ السَّيِّدِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الشَّرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا } ، وَلَوْ تَقَشَّفَ السَّيِّدُ بِأَنْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَلْبَسُ دُونَ الْمُعْتَادِ غَالِبًا رِيَاضَةً أَوْ بُخْلًا لَزِمَ السَّيِّدَ رِعَايَةُ الْغَالِبِ لَهُ ( وَلَا يَكْفِي سِتْرُ الْعَوْرَةِ ) لِرَقِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ وَالتَّحْقِيرِ ، هَذَا بِبِلَادِنَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ .
أَمَّا بِبِلَادِ السُّودَانِ وَنَحْوِهَا فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ ، وَهَذَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ : مِنْ الْغَالِبِ ، فَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ أَصْلًا وَجَبَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .

وَسُنَّ أَنْ يُنَاوِلَهُ مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ .

( وَ ) لَوْ تَنَعَّمَ السَّيِّدُ بِمَا هُوَ فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ ( سُنَّ لَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ ) أَيْ رَقِيقَهُ ( مِمَّا يَتَنَعَّمُ ) هُوَ ( بِهِ ) ( مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ ) لِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا يَلْزَمُهُ ، بَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَالِبِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ } ( 1 ) فَقَالَ الرَّافِعِيُّ : حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ ، عُلِمَ حَالُهُ .
فَأَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ ، وَكَسْبُهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ إنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَوْ فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ عَلَى خَسِيسِهِ كُرِهَ فِي الْعَبِيدِ وَسُنَّ فِي الْإِمَاءِ ، فَتُفَضَّلُ أَمَةُ التَّسَرِّي مَثَلًا عَلَى أَمَةِ الْخِدْمَةِ فِي الْكِسْوَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ ، وَفِي الطَّعَامِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ .
وَقِيلَ : لَا تُفَضَّلُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمِلْكِ .
وَقِيلَ يُسَنُّ تَفْضِيلُ النَّفِيسِ مِنْ الْعَبِيدِ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعُرْفِ ، فَلَيْسَ كِسْوَةُ الرَّاعِي وَالسَّايِسِ كَكِسْوَةِ مَنْ قَامَ بِالتِّجَارَةِ ، وَيُسَنُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْلِسَ بِضَمِّ الْيَاءِ رَقِيقَهُ مَعَهُ لِلْأَكْلِ ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ أَوْ امْتَنَعَ الرَّقِيقُ مِنْ جُلُوسِهِ مَعَهُ تَوْقِيرًا لَهُ ، رَوَّغَ لَهُ مِنْ الدَّسَمِ لُقْمَةً كَبِيرَةً تَسُدُّ مَسَدًّا ، لَا صَغِيرَةً تُهَيِّجُ الشَّهْوَةَ وَلَا تَقْضِي النَّهْمَةَ ، أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، ثُمَّ يُنَاوِلُهُ ذَلِكَ ، وَإِجْلَاسُهُ مَعَهُ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ ، وَهُوَ فِيمَنْ يُعَالِجُ الطَّعَامَ آكَدُ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ حَضَرَ الْمُعَالِجُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ

فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ } وَالْمَعْنَى تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِمَا تُشَاهِدُهُ ، وَهَذَا يَقْطَعُ شَهْوَتَهَا ، وَالْأَمْرُ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ طَلَبًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَلَوْ أَعْطَى السَّيِّدُ رَقِيقَهُ طَعَامًا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ بِمَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ تَبْدِيلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ .

وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ ، فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ .

( وَتَسْقُطُ ) كِفَايَةُ الرَّقِيقِ ( بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ) فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِاقْتِرَاضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ وَاقْتَرَضَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِهَا بِالْكِفَايَةِ ( وَيَبِيعُ الْقَاضِي ) أَوْ يُؤَجِّرُ ( فِيهَا مَالَهُ ) إنْ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ ، وَكَيْفِيَّةُ بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ بَيْعُ مَالِهِ أَوْ إيجَارُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَذَاكَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كَعَقَارٍ اسْتَدَانَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يُسَهِّلُ الْبَيْعَ أَوْ الْإِيجَارَ ثُمَّ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ مَا يَفِي بِهِ لِمَا فِي بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ الْمَشَقَّةِ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُبَاعُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ وَلَا إجَارَتُهُ وَتَعَذَّرَتْ الِاسْتِدَانَةُ بَاعَ جَمِيعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ ( فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ ) الَّذِي يُنْفِقُهُ عَلَى رَقِيقِهِ ( أَمَرَهُ ) الْقَاضِي ( بِبَيْعِهِ ) أَوْ إجَارَتِهِ ( أَوْ إعْتَاقِهِ ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجَّرَهُ الْقَاضِي ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إجَارَتُهُ بَاعَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ الْقِيَامُ بِهِ ، وَالدَّفْعُ هُنَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمُكْنَى عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْعَبْدُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ مَجَّانًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ السَّيِّدُ فَقِيرًا وَمُحْتَاجًا إلَى خِدْمَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ ا هـ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَبِيعُهُ إذَا تَعَذَّرَتْ إجَارَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيِّ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ

وَأَصْلِهَا أَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ بَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ .
أَمَّا هِيَ فَيُخَلِّيهَا لِلْكَسْبِ ، أَوْ يُؤَخِّرُهَا ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقٍ بِخِلَافِهِ هُنَا ، لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْبَيْعِ ، وَلَا كَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ ، وَأَيْضًا هَذِهِ ثَبَتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْعِتْقِ وَفِي غَيْرِ الْمُبَعَّضِ .
أَمَّا هُوَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ النَّوْبَةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ .

وَيُجْبِرُ أَمَتَهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا ، وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ فَضَلَ عَنْهُ ، وَفَطْمِهِ قَبْلَ حَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ ، وَإِرْضَاعِهِ بَعْدَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهَا .
( وَيُجْبِرُ أَمَتَهُ ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ إجْبَارُهَا ( عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَرَادَ تَسْلِيمَ وَلَدِهَا مِنْهُ إلَى غَيْرِهَا وَأَرَادَتْ إرْضَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مَنْعُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ، لَكِنْ لَهُ ضَمُّهُ فِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ إلَى غَيْرِهَا إلَى الْفَرَاغِ .
أَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَيَسْتَرْضِعُهَا غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ مَالِكِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرُّوهُ ( وَكَذَا غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ وَلَدِهَا بِجَبْرِهَا عَلَى إرْضَاعِهِ أَيْضًا ( إنْ فَضَلَ ) لَبَنُهَا ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا ، إمَّا لِاجْتِزَائِهِ بِغَيْرِهِ ، وَإِمَّا لِقِلَّةِ شُرْبِهِ ، وَإِمَّا لِغَزَارَةِ لَبَنِهَا لِمَا مَرَّ ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ فَلَا إجْبَارَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } وَلِأَنَّ طَعَامَهُ اللَّبَنُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ كِفَايَتِهِ كَالْقُوتِ ( وَ ) يُجْبِرُهَا أَيْضًا عَلَى ( فَطْمِهِ قَبْلَ ) مُضِيِّ ( حَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ ) أَيْ الْوَلَدَ الْفَطْمُ بِأَنْ اكْتَفَى بِغَيْرِ لَبَنِهَا وَلَمْ يَضُرَّهَا أَيْضًا ( وَ ) يُجْبِرُهَا عَلَى ( إرْضَاعِهِ بَعْدَهُمَا ) أَيْ الْحَوْلَيْنِ ( إنْ لَمْ يَضُرَّهَا ) وَلَمْ يَضُرَّهُ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهَا اسْتِقْلَالٌ بِرَضَاعٍ وَلَا فَطْمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرْبِيَةِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ كَمَا قَالَ .

وَلِلْحُرَّةِ حَقٌّ فِي التَّرْبِيَةِ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ وَلَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ ، وَلِأَحَدِهِمَا بَعْدَ حَوْلَيْنِ ، وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ .
( وَلِلْحُرَّةِ حَقٌّ فِي التَّرْبِيَةِ ) وَحِينَئِذٍ ( فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْأَبَوَيْنِ الْحُرَّيْنِ ( فَطْمُهُ ) أَيْ الْوَلَدِ ( قَبْلَ ) مُضِيِّ ( حَوْلَيْنِ ) إلَّا بِرِضَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ لَمْ تَتِمَّ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي فَطْمِهِ أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ يُجَابُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يُشْبِهُ إجَابَةَ مَنْ دَعَا لِلْأَصْلَحِ لِلْوَلَدِ فَقَدْ يَكُونُ الْفَطْمُ مَصْلَحَةً لَهُ لِمَرَضِ أُمِّهِ أَوْ حَمْلِهَا وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا فَظَهَرَ تَعَيُّنُ الْفِطَامِ هُنَا ، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ ، بَلْ إطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ( وَلَهُمَا ) فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ ( إنْ لَمْ يَضُرَّهُ ) الْفَطْمُ لِاتِّفَاقِهِمَا وَعَدَمِ الضَّرَرِ بِالطِّفْلِ .
فَإِنْ ضَرَّهُ فَلَا ( وَلِأَحَدِهِمَا ) فَطْمُهُ إنْ اجْتَزَأَ بِالطَّعَامِ ( بَعْدَ حَوْلَيْنِ ) مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ التَّامِّ ، فَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ لَا يَجْتَزِي بِغَيْرِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ فِطَامُهُ ، وَعَلَى الْأَبِ بَذْلُ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ حَدًّا يَجْتَزِي فِيهِ بِالطَّعَامِ ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ إرْضَاعِهِ أَجْبَرَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ قَالَ الْفَارِقِيُّ : يَجِبُ عَلَى الْأَبِ إرْضَاعُهُ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ ، فَإِنَّ فِطَامَهُ فِيهِ يُفْضِي إلَى الْإِضْرَارِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَمَامِهِمَا فِي فَصْلٍ مُعْتَدِلٍ ( وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ ) عَلَى حَوْلَيْنِ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَلَمْ تَضُرَّهُ الزِّيَادَةُ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ .
تَنْبِيهٌ : يُسَنُّ قَطْعُ الرَّضَاعَةِ عِنْدَ الْحَوْلَيْنِ ، إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ .

وَلَا يُكَلِّفُ رَقِيقَهُ إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ ، وَيَجُوزُ مُخَارَجَتُهُ بِشَرْطِ رِضَاهُمَا وَهِيَ : خَرَاجٌ يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ ، وَعَلَيْهِ عَلْفُ دَوَابِّهِ ، وَسَقْيُهَا ، فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ فِي الْمَأْكُولِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ ، وَفِي غَيْرِهِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ

( وَلَا يُكَلِّفُ ) الْمَالِكُ ( رَقِيقَهُ إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ ) أَيْ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمَارِّ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا عَلَى الدَّوَامِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجَزُ عَنْهُ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ : أَيْ الَّتِي لَا تَضُرُّهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : وَلَيْسَ هُوَ بِبَعِيدٍ عَنْ قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرٌ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِخَلَاصِهِ ، فَلَوْ كَانَ يَمْتَنِعُ إذَا مُنِعَ عَنْهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ بَيْعُهُ ، وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِي تَكْلِيفِهِ رَقِيقَهُ مَا يُطِيقُهُ اتِّبَاعُ الْعَادَةِ فَيُرِيحُهُ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النَّوْمُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ ، وَفِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ ، وَفِي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ ، وَمِنْ الْعَمَلِ آنَاءَ اللَّيْلِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا ، أَوْ النَّهَارِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا ، وَإِنْ سَافَرَ بِهِ أَرْكَبَهُ وَقْتًا فَوَقْتًا كَالْعَادَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، وَإِنْ اعْتَادَ السَّادَةُ الْخِدْمَةَ مِنْ الْأَرِقَّاءِ نَهَارًا مَعَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ لِطُولِهِ اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ ، وَعَلَى الرَّقِيقِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ وَتَرْكُ الْكَسَلِ فِي الْخِدْمَةِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ لِمَالِكِهِ : رَبِّي ، بَلْ يَقُولُ : سَيِّدِي وَمَوْلَايَ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لَهُ : عَبْدِي أَوْ أَمَتِي ، بَلْ يَقُولُ : غُلَامِي أَوْ جَارِيَتِي أَوْ فَتَايَ وَفَتَاتِي ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي إضَافَةِ رَبٍّ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَرَبِّ الدَّارِ وَرَبِّ الْغَنَمِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْفَاسِقِ وَالْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ يَا سَيِّدِي ( وَيَجُوزُ ) لِلْمَالِكِ ( مُخَارَجَتُهُ ) أَيْ ضَرْبُ خَرَاجٍ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا ( بِشَرْطِ رِضَاهُمَا ) أَيْ الْمَالِكِ وَرَقِيقِهِ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إجْبَارُ الْآخَرِ عَلَيْهَا ؛

لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّرَاضِي .
وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ لَمَّا حَجَمَهُ صَاعَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ } وَنَقَلَتْ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ : رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ كَانَ لِلزُّبَيْرِ أَلْفُ مَمْلُوكٍ تُؤَدِّي إلَيْهِ الْخَرَاجَ ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ خَرَاجِهِمْ شَيْئًا ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ " تَنْبِيهٌ : يَسْتَفِيدُ الرَّقِيقُ بِالْمُخَارَجَةِ ، مَا يَسْتَفِيدهُ الرَّقِيقُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَهِيَ خَرَاجٌ ) مَعْلُومٌ يَضْرِبُهُ السَّيِّدُ عَلَى رَقِيقِهِ ( يُؤَدِّيهِ ) مِمَّا يَكْسِبُهُ ( كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ ) أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ اتِّفَاقِهِمَا ، وَتُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى كَسْبٍ مُبَاحٍ ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَتِهِ إنْ جُعِلَتْ فِي كَسْبِهِ ، فَلَوْ لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِخَرَاجِهِ لَمْ تَصِحَّ مُخَارَجَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ : وَيَمْنَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أَمَتِهِ خَرَاجًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَمَلٌ دَائِمٌ أَوْ غَالِبٌ ، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْعَمَلَ .
وَرَوَى بِسَنَدِهِ إلَى عُثْمَانَ فِي خُطْبَتِهِ : لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَيَسْرِقَ ، وَلَا الْجَارِيَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَتَكْسِبَ بِفَرْجِهَا .
قَالَ الْإِمَامُ : وَهَذَا مِمَّا تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ ، فَكَأَنَّ السَّيِّدَ أَبَاحَهُ الزَّائِدَ فِيمَا إذَا وَفَّى وَزَادَ كَسْبُهُ تَوَسُّعًا عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا عَوَارِضُ تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ ، فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَمُؤْنَتُهُ تَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ ، وَيُجْبَرُ النَّقْصُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهَا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ

صَاحِبِ دَوَابَّ ( عَلْفُ دَوَابِّهِ ) الْمُحْتَرَمَةِ ( وَسَقْيُهَا ) أَوْ تَخْلِيَتِهَا لِلرَّعْيِ وَوُرُودِ الْمَاءِ إنْ اكْتَفَتْ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ تَكْتَفِ بِهِ كَجَدْبِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ أَضَافَ إلَيْهِ مَا يَكْفِيهَا ، وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا ، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ } بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا : أَيْ هَوَامِّهَا .
وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ الدَّابَّةِ وُصُولُهَا لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا ، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهَا كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ .
تَنْبِيهٌ الْعَلَفُ بِفَتْحِ اللَّامِ : مَطْعُومُ الدَّوَابِّ ، وَبِإِسْكَانِهَا الْمَصْدَرُ ، وَيَجُوزُ هُنَا الْأَمْرَانِ ، وَضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْإِسْكَانِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) أَيْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ مَالٌ ( أُجْبِرَ فِي ) الْحَيَوَانِ ( الْمَأْكُولِ عَلَى ) أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ( بَيْعٍ ) لَهُ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِهِ ( أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ ، وَ ) أُجْبِرَ ( فِي غَيْرِهِ عَلَى ) أَحَدِ أَمْرَيْنِ ( بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ ) وَيَحْرُمُ ذَبْحُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِأَكْلِهِ ، وَإِنَّمَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَالُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ إكْرَاهًا عَلَيْهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُبَاعَ مَا أَمْكَنَ إجَارَتُهُ ، وَحَكَى عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهَا ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّقِيقِ ؛ وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ثَمَّ ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّتُهُ لَا تُمْلَكُ ، كَكَلْبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَكْفِيَهَا أَوْ يَدْفَعَهَا لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : أَوْ يُرْسِلَهَا ، وَلَوْ كَانَ

عِنْدَهُ حَيَوَانٌ يُؤْكَلُ وَآخَرُ لَا يُؤْكَلُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا نَفَقَةَ أَحَدِهِمَا وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُمَا فَهَلْ يُقَدِّمُ نَفَقَةَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَيَذْبَحُ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ : فَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ يُسَاوِي أَلْفًا وَغَيْرُهُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي ذَبْحِ الْمَأْكُولِ ، فَقَدْ قَالُوا فِي التَّيَمُّمِ : إنَّهُ يَذْبَحُ شَاتَهُ لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ ، فَإِذَا كَانَ يَذْبَحُ لِنَفْسِ الْكَلْبِ ، فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لِيَأْكُلَ وَيُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِ .
نَعَمْ إنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِلْمَأْكُولِ لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ كَأَنْ كَانَ جَمَلًا وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ مَتَى ذَبَحَهُ انْقَطَعَ فِيهَا .
تَنْبِيهٌ : يَجُوزُ غَصْبُ الْعَلَفِ لِلدَّابَّةِ ، وَغَصْبُ الْخَيْطِ لِجِرَاحَتِهَا ، وَلَكِنْ بِالْبَدَلِ إنْ تَعَيَّنَا وَلَمْ يُبَاعَا كَمَا يَجِبُ سَقْيُهَا الْمَاءَ ، وَالْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ ، وَيَجُوزُ تَكْلِيفُهَا عَلَى الدَّوَامِ مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ .

وَلَا يَحْلِبُ مَا ضَرَّ وَلَدَهَا
( وَلَا يَحْلِبُ ) الْمَالِكُ مِنْ لَبَنِ دَابَّتِهِ : أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِبَ ( مَا ضَرَّ وَلَدَهَا ) لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ لِأَنَّهُ كَوَلَدِ الْأَمَةِ ، وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَإِنَّمَا يَحْلِبُ مَا فَضَلَ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَيَعْنِي بِالرِّيِّ مَا يُقِيمُهُ حَتَّى لَا يَمُوتَ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَدْ يَتَوَقَّفُ الِاكْتِفَاءُ بِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا التَّوَقُّفُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إلَى لَبَنِ غَيْرِ أُمِّهِ إنْ اسْتَمْرَأَهُ ، وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ بِلَبَنِ أُمِّهِ ، وَلَا يَجُوزُ الْحَلْبُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ لِقِلَّةِ عَلَفِهَا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ ، وَلَا تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا إذَا كَانَ يَضُرُّهَا ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهَا كُرِهَ تَرْكُهُ لِلْإِضَاعَةِ .
فُرُوعٌ : يُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ فِي الْحَلْبِ ، بَلْ يَدَعُ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا ، وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَفَاحَشَ طُولُ الْأَظْفَارِ وَكَانَ يُؤْذِيهَا ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْبُهَا مَا لَمْ يَقُصَّ مَا يُؤْذِيهَا ، وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا حَلْقُهُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ ، قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ ، وَلَا يُنَافِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي حُرْمَتِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلْبِسَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ مَا يَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا .

وَمَا لَا رُوحَ لَهُ ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا .

( وَمَا لَا رُوحَ لَهُ ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ ) عَلَى مَالِكِهَا الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ( عِمَارَتُهَا ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَنَاةِ وَالدَّارِ ، فَإِنْ ذَلِكَ تَنْمِيَةً لِلْمَالِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ ، وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ فَيُكْرَهُ ، هَكَذَا عَلَّلَ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إضَاعَةِ الْمَالِ ، لَكِنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِتَحْرِيمِهَا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ بِلَا خَوْفٍ ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ ، وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا تَرْكَ أَعْمَالٍ تَشُقُّ عَلَيْهِ ، وَمِنْهُ تَرْكُ سَقْيِ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ بِتَوَافُقِ الْمُعَانِدِينَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ : وَصُورَتُهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَرَاتٌ تَفِي بِمُؤْنَةِ سَقْيِهَا ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا ، قَالَ : وَلَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ السَّقْيِ تَجْفِيفَ الْأَشْجَارِ لِأَجْلِ قَطْعِهَا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْوَقُودِ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا .
أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إصْلَاحُ زَرْعِهِ بِسَقْيٍ وَغَيْرِهِ وَعِمَارَةُ دَارِهِ وَيَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْأَوْقَافِ حِفْظُ رِقَابِهَا وَمُسْتَغِلَّاتِهَا .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمَا لَا رُوحَ فِيهِ عَنْ كُلِّ ذِي رُوحٍ مُحْتَرَمَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ الْقِيَامُ بِمَصْلَحَتِهِ ، فَمِنْ ذَلِكَ النَّحْلُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُبْقِيَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ فِي الْكُوَارَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ إنْ لَمْ يَكْفِهِ غَيْرُهُ ، وَإِلَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَدْ قِيلَ : تُشْوَى لَهُ دَجَاجَةٌ وَيُعَلِّقُهَا بِبَابِ الْكُوَارَةِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا ، وَمَنْ ذَلِكَ دُودُ الْقَزِّ يَعِيشُ بِوَرَقِ التُّوتِ فَعَلَى مَالِكِهِ عَلْفُهُ مِنْهُ أَوْ تَخْلِيَتُهُ لِأَكْلِهِ إنْ وُجِدَ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَيُبَاعُ فِيهِ مَالُهُ كَالْبَهِيمَةِ ،

وَيَجُوزُ تَجْفِيفُهُ بِالشَّمْسِ عِنْدَ حُصُولِ نَوْلِهِ ، وَإِنْ أَهْلَكَهُ لِحُصُولِ فَائِدَةٍ كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ .
خَاتِمَةٌ : الزِّيَادَةُ فِي الْعِمَارَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَرُبَّمَا قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا ، وَصَحَّ " إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا فِي هَذَا التُّرَابِ " قَالَ ابْنُ حِبَّانَ مَعْنَاهُ لَا يُؤْجَرُ إذَا أَنْفَقَ فِيهَا فَضْلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ ، وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَمَالِهِ ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِهِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَهُ } وَقَدْ ضَعَّفَ النَّاسُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْمُفَسِّرَ مَعَ جَلَالَتِهِ لِرِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ دُعَاءَ حَبِيبٍ عَلَى حَبِيبِهِ } وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِ .
وَرَوَى أَبُو مُوسَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوْسَ بْنَ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ لِي بَنَاتٍ وَأَنَا أَدْعُو عَلَيْهِنَّ بِالْمَوْتِ ، فَقَالَ { يَا ابْنَ سَاعِدَةَ لَا تَدْعُو عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْبَنَاتِ ، هُنَّ الْمُجْمِلَاتُ عِنْدَ النِّعْمَةِ ، وَالْمُنْعِيَاتُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ ، وَالْمُمَرِّضَاتُ عِنْدَ الشِّدَّةِ : ثِقَلُهُنَّ عَلَى الْأَرْضِ ، وَرِزْقُهُنَّ عَلَى اللَّهِ } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْجِرَاحِ هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جِرَاحَةٍ ، وَهِيَ إمَّا مُزْهِقَةٌ لِلرُّوحِ أَوْ مُبِينَةٌ لِلْعُضْوِ أَوْ لَا تَحْصُلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا .
وَلَمَّا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ تَارَةً تُزْهِقُ النَّفْسَ : إمَّا بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَإِمَّا بِالسِّرَايَةِ ، وَتَارَةً تُبِينُ عُضْوًا ، وَتَارَةً لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا ، وَكَانَ التَّبْوِيبُ بِالْجِنَايَاتِ أَوْلَى لِشُمُولِهَا الْجِنَايَةَ بِالْجُرْحِ وَغَيْرِهِ كَالْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ وَمَسْمُومٍ وَسِحْرٍ ، لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ : لَمَّا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَغْلَبَ طُرُقِ الْقَتْلِ حَسُنَتْ التَّرْجَمَةُ بِهَا وَأَمَّا الْجُرْحُ بِضَمِّهَا فَهُوَ الِاسْمُ ، وَالْجَمْعُ جُرُوحٌ ، وَاجْتَرَحَ بِمَعْنَى : اكْتَسَبَ ، وَمِنْهُ " وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ " وَجَوَارِحُ الْإِنْسَانِ : أَعْضَاؤُهُ ، وَجَوَانِحُهُ : أَطْرَافُ ضُلُوعِهِ .
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ } ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ .
قِيلَ : وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ } وَقَتْلُ الْآدَمِيِّ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ ، { فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ، قِيلَ ، ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَتَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ عَمْدًا ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ ، فَهَذَا أَوْلَى ، وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ ،

بَلْ هُوَ فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ ، وَلَا يَخْلُدُ عَذَابُهُ إنْ عُذِّبَ ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ التَّوْبَةِ كَسَائِرِ ذَوِي الْكَبَائِرِ غَيْرِ الْكُفْرِ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } فَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ ، فَإِنَّ الدَّلَائِلَ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَحِلِّ لِقَتْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ ، وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ الْوَارِثُ أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ مَجَّانًا فَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ تَعْبِيرِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعُقُوبَةِ ، فَإِنَّهُمَا قَالَا : وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ مُؤَاخَذَاتٍ فِي الدُّنْيَا ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلَهَا مَفْرُوضٌ فِيمَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْقَتْلِ ، وَكَلَامَ الْفَتَاوَى وَشَرْحِ مُسْلِمٍ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ تَابَ ثُمَّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلَوْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا : وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَرَاءَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ لَكَانَ أَوْلَى ، لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهَا لِجَوَازِ الْعَفْوِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ وَالْقَتْلُ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقَتْلُ يَقْطَعُهُ .

كِتَابُ الْجِرَاحِ الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ ثَلَاثَةٌ : عَمْدٌ ، وَخَطَأٌ ، وَشِبْهُ عَمْدٍ .

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْسِيمِ الْقَتْلِ إلَى عَمْدٍ وَغَيْرِهِ ، فَقَالَ ( الْفِعْلُ ) الصَّادِرُ مِنْ شَخْصٍ مُبَاشَرَةً أَوْ سَبَبًا جُرْحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( الْمُزْهِقُ ) بِكَسْرِ الْهَاءِ : أَيْ الْقَاتِلُ لِلنَّفْسِ أَقْسَامُهُ ( ثَلَاثَةٌ : عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ ) وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأُ وَإِنْ قَصَدَهَا ، فَإِنْ كَانَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ الْعَمْدُ ، وَإِلَّا فَشِبْهُ الْعَمْدِ .
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ : حَضَرْت مَجْلِسَ الْمُزَنِيِّ يَوْمًا فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ عَنْ شِبْهِ الْعَمْدِ ، فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ وَصَفَ الْقَتْلَ فِي كِتَابِهِ بِصِفَتَيْنِ عَمْدٍ وَخَطَإٍ ، فَلِمَ قُلْتُمْ : إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ ؟ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الْخَطَإِ قَتِيلِ السَّوْطِ أَوْ الْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا } .
فَقَالَ الْمُنَاظِرُ : أَتَحْتَجُّ عَلَيَّ بِعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ فَسَكَتَ الْمُزَنِيّ .
فَقُلْت لِلْمُنَاظِرِ : قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ مِنْهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ .
فَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ : أَنْتَ تُنَاظِرُ أَمْ هَذَا ؟ .
فَقَالَ : إذَا جَاءَ الْحَدِيثُ فَهُوَ يُنَاظِرُ ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ثُمَّ أَتَكَلَّمُ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا قَيَّدَ الْفِعْلَ بِالْإِزْهَاقِ مَعَ أَنَّ الْجُرْحَ وَالْأَطْرَافَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُهَا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ : وَيُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَانَ الْأَحْسَنُ التَّعْبِيرَ بِالْأَفْعَالِ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأُ الْخَبَرَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ

أَرَادَ بِالْفِعْلِ الْجِنْسَ : وَشِبْهُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا ، وَيُقَالُ أَيْضًا شَبِيهٌ كَمِثْلٍ وَمَثَلٍ وَمَثِيلٍ .
فَائِدَةٌ : يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ : وَاجِبٌ وَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ ، فَالْأَوَّلُ : قَتْلُ الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَتُبْ ، وَالْحَرْبِيِّ إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ .
وَالثَّانِي : قَتْلُ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَالثَّالِثُ : قَتْلُ الْغَازِي قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ .
وَالرَّابِعُ : قَتْلُهُ إذَا سَبَّ أَحَدَهُمَا .
وَالْخَامِسُ : قَتْلُ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَإِ فَلَا يُوصَفُ بِحَرَامٍ وَلَا حَلَالٍ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فَهُوَ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ .

وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ ، وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ غَالِبًا : جَارِحٌ أَوْ مُثَقَّلٌ ، إنْ فُقِدَ قَصْدُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ ، أَوْ رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَهُ فَخَطَأٌ ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا .

( وَلَا قِصَاصَ ) فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ( إلَّا فِي الْعَمْدِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } الْآيَةَ ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ بِسِرَايَةِ جِرَاحَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ ، وَأَمَّا فِي الْخَطَإِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ } فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ .
تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ بِخِلَافِ غَيْرِ الظُّلْمِ ، وَبِخِلَافِ الظُّلْمِ لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ كَأَنْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْإِتْلَافِ ، كَأَنْ اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قَوَدًا فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ ، وَالْقِصَاصُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُمَاثَلَةُ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ ، أَوْ مِنْ اقْتِصَاصِ الْأَثَرِ وَهُوَ تَتَبُّعُهُ ، لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ جِنَايَةَ الْجَانِي لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ الْعَمْدُ فِي النَّفْسِ ( قَصْدُ الْفِعْلِ ) الْعُدْوَانِ ( وَ ) عَيْنُ ( الشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ ) قَطْعًا أَوْ ( غَالِبًا ) قَوْلُهُ ( جَارِحٍ أَوْ مُثَقَّلٍ ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَوْ أَسْقَطَهُمَا كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ذَلِكَ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُمَا مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَا ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ لَعَلَّهُ قَصَدَ بِالتَّصْرِيحِ بِهِمَا التَّنْبِيهَ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي الْمُثْقِلِ كَالْحَجَرِ وَالدَّبُوسِ الثَّقِيلَيْنِ ، وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وَهُنَا قُتِلَ مَظْلُومًا ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ جَارِيَةً وُجِدَتْ وَقَدْ رُضَّ رَأْسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ ، فَقِيلَ لَهَا : مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا أَفُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ ؟ حَتَّى سُمِّيَ يَهُودِيٌّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَضِّ رَأْسِهِ بِالْحِجَارَةِ } فَثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي هَذَا بِالنَّصِّ ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَقَدْ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْعَمُودِ الْحَدِيدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّصُّ فِي الْقِصَاصِ بِغَيْرِهِ فِي الْمُثَقَّلِ كَمَا مَرَّ ، فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَمُودِ الْحَدِيدِ ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِصِيَانَةِ النُّفُوسِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْمُثَقَّلِ لَمَا حَصَلَتْ الصِّيَانَةُ ، فَإِنْ قِيلَ : إنْ أَرَادَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا الْآلَةَ وَرَدَ غَرْزُ الْإِبْرَةِ فِي مَقْتَلٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ مَعَ الْوَرَمِ وَالْأَلَمِ إلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ عَمْدٌ وَالْآلَةُ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا ، وَإِنْ أَرَادَ الْفِعْلَ وَرَدَ إذَا قَطَعَ أُنْمُلَةً فَبَانَ فَسَرَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى النَّفْسِ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ وَالْفِعْلُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْآلَةُ ، وَلَا يَرِدُ غَرْزُ الْإِبْرَةِ ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهَا بَعْدُ لِخُرُوجِهَا عَنْ الضَّابِطِ أَوْ أَنَّهَا تَقْتُلُ غَالِبًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ الَّذِي غُرِزَتْ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَصْدِ تَعْيِينِ الشَّخْصِ فِي الْعَمْدِ مُوَافِقٌ لِلرَّوْضَةِ هُنَا وَلِمَا سَيَأْتِي فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ ، فَلَوْ قَصَدَ إصَابَةَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ فَأَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ مَا رَجَّحَهُ قَبْلَ الدِّيَاتِ مِنْ زَوَائِدِهِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَنْ رَمَى شَخْصًا أَوْ جَمْعًا وَقَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَصَابَ وَاحِدًا ، لِأَنَّ أَيَّ لِلْعُمُومِ فَكَأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ مَقْصُودٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ عَمْدًا ، فَمَا فِي الزَّوَائِدِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعَ قَصْدِ الشَّخْصِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ إنْسَانٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، فَلَوْ رَمَى شَخْصًا اعْتَقَدَهُ نَخْلَةً فَكَانَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَبِهِ

قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَصَدَ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِجِهَةِ حُكْمٍ ، ثُمَّ بَانَ الْخَلَلُ فِي مُسْتَنِدِهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ الْحَاكِمُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِشَهَادَةِ مَنْ بَانَا بَعْدَ الْقَتْلِ رَقِيقَيْنِ ، إذْ الرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً ، وَمَا إذَا رُمِيَ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ ، ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ إذْ هُوَ خَطَأٌ ، وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهَا حَالَّةٌ فِي مَالِ الْجَانِي ، وَمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْجَانِي أَوْ عَزَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ ذَلِكَ ، وَاسْتَوْفَى الْقِصَاصَ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ حَالَّةٌ عَلَى الْوَكِيلِ ، وَقَدْ يُقَالُ : إنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِعَوَارِضَ ، ( إنْ فُقِدَ قَصْدُ ) هُمَا أَوْ فُقِدَ قَصْدُ ( أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْفِعْلِ أَوْ الشَّخْصِ ( بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ ) ، هَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ : مِثَالٌ لِلْأُولَى ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَزِيدَهَا ، وَأَمَّا مِثَالُ الثَّانِيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ ( أَوْ رَمَى شَجَرَةً ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَدَابَّةٍ ( فَأَصَابَهُ ) فَمَاتَ أَوْ رَمَى آدَمِيًّا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَمَاتَ ( فَخَطَأٌ ) لِعَدَمِ قَصْدِ عَيْنِ الشَّخْصِ .
تَنْبِيهٌ : نُوزِعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْوِيرِ قَصْدِ الشَّخْصِ دُونَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ مُتَعَذِّرٌ .
قِيلَ : وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا قَصَدَ ضَرْبَهُ بِصُفْحِ السَّيْفِ فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ بِحَدِّهِ ، فَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ بِالْحَدِّ مَعَ أَنَّهُ قَصَدَ الشَّخْصَ وَبِمَا لَوْ تَوَعَّدَهُ إمَامٌ ظَالِمٌ وَهَدَّدَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهَذَا قَصْدُ الشَّخْصِ بِالْكَلَامِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ بِهِ لِعَدَمِ صُدُورِهِ إذْ ذَاكَ مِنْهُ ، وَنُوزِعَ فِي الْمِثَالِ أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى شَخْصٍ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ خَطَأً ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ عَلَى مُقْتَضَى تَقْسِيمِ الْمُصَنِّفِ الْفِعْلَ الْمُزْهِقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ ، وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ

شَرَّاحِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ مِمَّا يُعْطِي حُكْمَ الْخَطَإِ وَلَيْسَ بِخَطَإٍ ، أَوْ أَنَّ الْوُقُوعَ فِيهِ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّخْصِ الْوَاقِعِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْفِعْلُ الْمُقْسَمُ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُرَادِ حَيْثُ قَالَ : الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ إنْ وُجِدَ وَالشَّخْصُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ بِأَنْ صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ فَمَاتَ أَوْ غَيْرُ قَاصِدٍ لِمَنْ أَصَابَهُ كَمَا إذَا رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَ إنْسَانًا فَهَذَا خَطَأٌ ، فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَطَإِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : أَنْ لَا يَقْصِدَ أَصْلَ الْفِعْلِ أَوْ يَقْصِدَهُ دُونَ الشَّخْصِ ، ( وَإِنْ قَصَدَهُمَا ) أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ ( بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْإِهْلَاكِ ( لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ) عُدْوَانًا فَمَاتَ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) سُمِّيَ بِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْعَمْدَ فِي الْقَصْدِ ، وَيُسَمَّى أَيْضًا خَطَأَ عَمْدٍ وَعَمْدَ خَطَإٍ وَخَطَأَ شِبْهِ عَمْدٍ ( وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصَا ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ ، لَكِنْ بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَا خَفِيفَيْنِ ، وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الضَّرْبُ فِي مَقْتَلٍ أَوْ الْمَضْرُوبُ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا ، وَأَنْ لَا يَكُونَ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ مُعِينٌ عَلَى الْهَلَاكِ ، وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ الْأَلَمُ وَيَبْقَى إلَى الْمَوْتِ .
فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَمْدٌ ، لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَمِثْلُ الْعَصَا الْمَذْكُورَةِ الْحَجَرُ الْخَفِيفُ وَكَفٌّ مَقْبُوضَةُ الْأَصَابِعِ لِمَنْ يَحْمِلُ الضَّرْبَ بِذَلِكَ وَاحْتُمِلَ مَوْتُهُ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ التَّعْزِيرَ وَنَحْوَهُ ، فَإِنَّهُ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ، وَلَيْسَ بِشِبْهِ عَمْدٍ بَلْ خَطَأٌ وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ : لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يَقْتُلْ بِقَوْلِنَا وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا ذَلِكَ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ شِبْهِ الْعَمْدِ مَعَ وُجُودِ قَصْدِ الشَّخْصِ وَالْفِعْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا .

فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ فَعَمْدٌ وَكَذَا بِغَيْرِهِ إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَقِيلَ عَمْدٌ ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ ، وَلَوْ غَرَزَ فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجَلْدَةِ عَقِبٍ فَلَا شَيْءَ بِحَالٍ .

( فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ : وَاحِدُ الْمَقَاتِلِ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي إذَا أُصِيبَتْ قَتَلَتْ كَعَيْنٍ وَدِمَاغٍ وَأَصْلِ أُذُنٍ وَحَلْقٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَخَاصِرَةٍ وَأَخْدَعَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عِرْقُ الْعُنُقِ وَإِحْلِيلٍ وَأُنْثَيَيْنِ ، وَمَثَانَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْمِيمِ : مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ مِنْ الْآدَمِيِّ ، وَعِجَانٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَا بَيْنَ الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ وَيُسَمَّى الْعَضْرَطَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمَاتَ بِهِ وَلَوْ بِلَا تَوَرُّمٍ ( فَعَمْدٌ ) ذَلِكَ الْغَرْزُ لِخَطَرِ الْمَوَاضِعِ وَشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ ( وَكَذَا ) لَوْ غَرَزَ إبْرَةً ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمَقْتَلِ كَفَخِذٍ وَإِلَيْهِ ( إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ ) أَيْ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَاسْتَمَرَّا ( حَتَّى مَاتَ ) فَعَمْدٌ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْأَلَمِ بِلَا وَرَمٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْوُجُوبُ ، وَأَمَّا الْوَرَمُ بِلَا أَلَمٍ فَقَدْ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ : لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْغَزَالِيُّ لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّ الْوَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ الْأَلَمِ ( فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ) لِلْغَرْزِ ( أَثَرٌ ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَدَّ الْأَلَمُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَنْ لَا يُوجَدَ أَلَمٌ أَصْلًا ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَلَمٍ مَا ( وَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ الْخَفِيفِ ( وَقِيلَ ) : هُوَ ( عَمْدٌ ) لِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلُ خَفِيَّةٌ وَمَوْتُهُ حَالًا يُشْعِرُ بِإِصَابَةِ بَعْضِهَا ( وَقِيلَ لَا شَيْءَ ) أَيْ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ إحَالَةً لِلْمَوْتِ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ ، أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ الْمَوْتُ عَنْ الْغَرْزِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمَقْتَلِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُعْتَدِلِ .
أَمَّا إذَا غَرَزَ فِي بَدَنِ صَغِيرٍ

أَوْ شَيْخٍ هَرَمٍ أَوْ نِضْوِ الْخِلْقَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرَّقْمِ لِلْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّاهُ ( وَلَوْ غَرَزَ ) هَا ( فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجَلْدَةِ عَقِبٍ ) وَلَمْ يُبَالِغْ فِي إدْخَالِهَا فَمَاتَ ( فَلَا شَيْءَ ) فِي غَرْزِهَا ( بِحَالٍ ) أَيْ سَوَاءٌ أَمَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافَقَةُ قَدَرٍ ، كَمَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ خِرْقَةً أَوْ ضَرَبَهُ بِقَلَمٍ فَمَاتَ .
أَمَّا إذَا بَالَغَ فَيَجِبُ الْقَوَدُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ .

وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى مَاتَ ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ ، وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ فَعَمْدٌ ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ .

( وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ) أَوْ أَحَدَهُمَا ( وَ ) مَنَعَهُ أَيْضًا ( الطَّلَبَ ) لِذَلِكَ ( حَتَّى مَاتَ ) بِسَبَبِ الْمَنْعِ ( فَإِنْ مَضَتْ ) عَلَيْهِ ( مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ ) أَيْ الْمَحْبُوسِ ( فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ ) لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ بِهِ ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَحْبُوسِ قُوَّةً وَضَعْفًا ، وَالزَّمَانِ حَرًّا وَبَرْدًا ، لِأَنَّ فَقْدَ الْمَاءِ فِي الْحَرِّ لَيْسَ كَفَقْدِهِ فِي الْبَرْدِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مَنَعَهُ عَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَأَمْكَنَهُ تَنَاوُلُهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ خَوْفًا أَوْ حُزْنًا ، أَوْ أَمْكَنَهُ طَلَبُهُ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ مَنَعَهُ الشَّرَابَ فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفَ الْعَطَشِ ، أَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ عَلَيْهِ ، أَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ مِنْ غَيْرِ مُخَاطَرَةٍ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى حَابِسِهِ ، لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ ، وَمَنْعُ الدِّفَاءَ فِي الْبَرْدِ كَمَنْعِ الْأَكْلِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِالدُّخَانِ بِأَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَسَدَّ مَنَافِذَهُ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الدُّخَانُ فَضَاقَ نَفَسُهُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقَوَدُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَ مَنْ افْتَصَدَ مِنْ شَدِّ فَصَادِهِ حَتَّى مَاتَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : حَبَسَهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ كَمَا لَوْ أَخَذَ زَادَهُ أَوْ مَاءَهُ فِي مَفَازَةٍ ، أَوْ عَرَّاهُ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ بَرْدًا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَيْتًا وَهُوَ جَالِسٌ فِيهِ حَتَّى مَاتَ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
هَذِهِ الْقَضِيَّةُ مَمْنُوعَةٌ ، لِأَنَّهُ فِي أَخْذِ الطَّعَامِ مِنْهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ بِخِلَافِهِ فِي الْحَبْسِ ، بَلْ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا فِي مَفَازَةٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا

.
أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِطُولِهَا أَوْ لِزَمَانَتِهِ وَلَا طَارِقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْمُتَّجِهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ كَالْمَحْبُوسِ ا هـ .
وَهُوَ بَحْثٌ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ .
أَمَّا الرَّقِيقُ فَيُضْمَنُ بِالْيَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ رَاعَاهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَمْ لَا كَمَا قَالَاهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَاتَ الْمَحْبُوسُ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ ) " الْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ " بِدَلِيلِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ ( سَابِقٌ ) عَلَى الْمَنْعِ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ( وَإِنْ كَانَ ) بِهِ ( بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ ) الْوَاوُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَوْ ( وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ ) وَكَانَتْ مُدَّةُ حَبْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ أُضِيفَتْ لِمُدَّةِ جُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ السَّابِقِ بَلَغَتْ الْمُدَّةُ الْقَاتِلَةَ ( فَعَمْدٌ ) لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٍ سَابِقٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَقَالَ : لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ ا هـ .
وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَابِسُ الْحَالَ ( فَلَا ) أَيْ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ ، وَلَا أَتَى بِمَا هُوَ مُهْلِكٌ : كَمَا لَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَسَقَطَ عَلَى سِكِّينٍ وَرَاءَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ .
وَالثَّانِي هُوَ عَمْدٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ : كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْمَرِيضَ ضَرْبًا يُهْلِكُهُ وَلَا يُهْلِكُ الصَّحِيحَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِمَرَضِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَرَضِ فَيُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ ، وَالْجُوعُ مِنْ جِنْسِ الْجُوعِ ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ ، حَتَّى لَوْ ضَعُفَ مِنْ الْجُوعِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ .
تَنْبِيهٌ :

مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ : وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ نِصْفِ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ وُجُوبَ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ كَامِلَةٍ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِالْجَوْعَيْنِ أَوْ الْعَطَشَيْنِ وَاَلَّذِي مِنْهُ أَحَدُهُمَا .

وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ ، فَلَوْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا وَقَالَا تَعَمَّدْنَا لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا .

وَمَسْأَلَةُ الْحَبْسِ مِنْ السَّبَبِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ ( وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ ) كَالْمُبَاشَرَةِ ، لِأَنَّ مَا لَهُ دَخْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ فِي الزُّهُوقِ : إمَّا مُبَاشَرَةٌ ، وَهِيَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَيُحَصِّلُهُ كَالْجُرْحِ السَّابِقِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ ، وَإِمَّا شَرْطٌ وَهُوَ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ كَالْحَفْرِ مَعَ التَّرَدِّي فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْحُفْرَةِ ، وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا وَمُصَادَمَتُهَا ، لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا .
وَمِثْلُهُ الْإِمْسَاكُ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا لَا قِصَاصَ فِيهِ ، وَإِمَّا سَبَبٌ وَهُوَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ .
وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْصِدَ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ لَا ، فَإِنْ قَصَدَهُ بِالْفِعْلِ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ ، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ فَهُوَ السَّبَبُ كَالشَّهَادَةِ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ الشَّرْطُ .
وَالسَّبَبُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : الْأَوَّلُ شَرْعِيٌّ كَالشَّهَادَةِ وَيُقْتَصُّ مِنْ شُهُودِ الزُّورِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي .
وَالثَّانِي عُرْفِيٌّ كَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ لِمَنْ يَأْكُلُهُ وَسَيَأْتِي .
وَالثَّالِثُ حِسِّيٌّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ .
وَقَدْ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ ( فَلَوْ شَهِدَا ) أَيْ رَجُلَانِ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ قَاضٍ ( بِقِصَاصٍ ) أَيْ بِمُوجِبِهِ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ ، أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ أَوْ سَرِقَةٍ ( فَقُتِلَ ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، أَوْ قُطِعَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ( ثُمَّ رَجَعَا ) عَنْهَا ( وَقَالَا تَعَمَّدْنَا ) الْكَذِبَ فِيهَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِنَا (

لَزِمَهُمَا ) حِينَئِذٍ ( الْقِصَاصُ ) لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا فِي إهْلَاكِهِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ الْحِسِّيَّ .
قَالَ الْإِمَامُ : بَلْ أَبْلَغُ مِنْ الْإِكْرَاهِ ، لِأَنَّ الْمُكْرَهَ قَدْ يُؤْثِرُ هَلَاكَ نَفْسِهِ عَلَى سَفْكِ دَمٍ مُحَرَّمٍ ، وَالْقَاضِي لَا مَحِيصَ لَهُ عَنْ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهَا .
أَمَّا إذَا قَالَا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَا مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمَا بِالْإِسْلَامِ ، أَوْ بُعْدِهِمَا عَنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ بَلْ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَذَا لَوْ قَالَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا لِظُهُورِ أُمُورٍ فِينَا تَقْتَضِي رَدَّهَا ، وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ قَصَّرَ فَتَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ .
قَالَ : وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ .
ا هـ .
وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمَا كَمَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ قَصَدَهُ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يَرِدُ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ : تَعَمَّدْنَا مَا لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَمَّدْتُ وَلَا أَعْلَمُ حَالَ صَاحِبِي ، وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تَعَمَّدْتُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الْقِصَاصُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا هُوَ رُجُوعُهُمَا مَعَ اعْتِرَافِهِمَا بِالتَّعَمُّدِ لَا كَذِبُهُمَا حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَّا كَذِبَهُمَا بِأَنْ شَاهَدْنَا الْمَشْهُودَ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَلَا قِصَاصَ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ ، فَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِلَّا فَلَا .
ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قَوْلَهُ ( إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ ) أَيْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ ( بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا ) فِي شَهَادَتِهِمَا حِينَ الْقَتْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ

يَلْجَئَا إلَى قَتْلِهِ حِسًّا وَلَا شَرْعًا ، فَصَارَ قَوْلُهُمَا شَرْطًا مَحْضًا كَالْمِسْكِ مَعَ الْقَاتِلِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ .
أَمَّا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ : عَرَفْت كَذِبَهُمَا بَعْدَ الْقَتْلِ فَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا تَمَحَّضَ الْقِصَاصُ فَلَوْ شَهِدَا عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا بِاعْتِرَافِ الْوَلِيِّ بِكَذِبِهِمَا ، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بَاقٍ ، وَخَرَجَ بِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلِيُّ الْقَاتِلِ ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ كَذِبَهُمَا فِي رُجُوعِهِمَا وَأَنَّ مُوَرِّثِي قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدِهِمَا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا وَاضِحٌ ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى حَصْرِهِ مَا لَوْ اعْتَرَفَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا حِينَ الْحُكْمِ أَوْ الْقَتْلِ دُونَ الْوَلِيِّ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ دُونَ الشُّهُودِ ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ رُجُوعَ الشُّهُودِ آخِرَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا ، وَخَرَجَ بِالشَّاهِدِ الرَّاوِي : كَمَا لَوْ أَشْكَلَتْ حَادِثَةٌ عَلَى قَاضٍ فَرَوَى لَهُ فِيهَا إنْسَانٌ خَبَرًا فَقَتَلَ الْحَاكِمُ بِهِ شَخْصًا ثُمَّ رَجَعَ الرَّاوِي وَقَالَ : تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ ، وَقِيَاسُهُ مَا لَوْ اسْتَفْتَى الْقَاضِي شَخْصًا فَأَفْتَاهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ رَجَعَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .

وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ، أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ فَدِيَةٌ ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ ، وَلَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا فَعَلَى الْأَقْوَالِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي ، وَهُوَ السَّبَبُ الْعُرْفِيُّ فَقَالَ ( وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ ) يَقْتُلُ غَالِبًا ، أَوْ نَاوَلَهُ ( صَبِيًّا ) غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ ( أَوْ مَجْنُونًا ) فَأَكَلَهُ ( فَمَاتَ ) مِنْهُ ( وَجَبَ الْقِصَاصُ ) لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ هُوَ مَسْمُومٌ أَمْ لَا ، وَفِي مَعْنَاهُمَا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ أَمْرِهِ .
وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ فَكَالْبَالِغِ ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ الَّذِي لَهُ تَمْيِيزٌ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ( أَوْ ) ضَيَّفَ بِهِ ( بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ ) الضَّيْفُ ( حَالَ الطَّعَامِ ) ( فَدِيَةٌ ) وَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ ( وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ ) وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِقَتْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْ لَهُ الشَّاةَ بِخَيْبَرَ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَدِّمْ الشَّاةَ إلَى الْأَضْيَافِ ، بَلْ بَعَثَتْهَا إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَضَافَ أَصْحَابَهُ ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ ، وَلَا يُنَافِي الْأَوَّلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْهَا ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ، فَلَمَّا مَاتَ بِشْرٌ أَمَرَ بِقَتْلِهَا ( وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ .
أَمَّا إذَا عَلِمَ الضَّيْفُ حَالَ الطَّعَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَيِّفِ جَزْمًا ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ ( وَلَوْ دَسَّ سُمًّا ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ، وَهُوَ شَيْءٌ يُضَادُّ الْقُوَّةَ الْحَيَوَانِيَّةَ ( فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا ) بِالْحَالِ فَمَاتَ ( فَعَلَى الْأَقْوَالِ ) فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا .
وَجْهُ الثَّانِي التَّسَبُّبُ ، وَالْأَوَّلُ

قَالَ يَكْفِي فِيهِ الدِّيَةُ ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ يَجِبُ لَهُ قِيمَةُ الطَّعَامِ لِأَنَّ الدَّاسَّ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ ، وَمِثْلُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ مَاءٌ عَلَى طَرِيقِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْغَالِبُ شُرْبُهُ مِنْهُ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : فِي طَعَامِ شَخْصٍ عَمَّا إذَا دَسَّهُ فِي طَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ شَخْصٌ عَادَتُهُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ ، وَقَوْلُهُ : الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ ، وَهِيَ فِي الشَّرْحَيْنِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْأَكْثَرُونَ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَكْلُهُ مِنْهُ نَادِرًا يَكُونُ هَدَرًا ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَوْلُ بِالْقِصَاصِ ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُطْلَقًا ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ .
فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ لِعَاقِلٍ : كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَفِيهِ سُمٌّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ سُمًّا فَقَوْلَانِ .
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ قَاتِلًا فَالْقِصَاصُ ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ الَّذِي أَوْجَرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَدْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَجَبَ الْقِصَاصُ ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ أَوْجَرَ شَخْصًا سُمًّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ ، أَوْ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَالْقِصَاصُ ، وَكَذَا إكْرَاهُ جَاهِلٍ عَلَيْهِ لَا عَالِمٍ ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إكْرَاهِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعَالَجَةُ الْجِنَايَةِ بِمَا يَدْفَعُهَا .

وَلَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ ، أَوْ مُغْرِقٍ لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا فَعَمْدٌ ، وَإِنْ مَنَعَ عَارِضٌ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ فَتَرَكَهَا فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ ، أَوْ فِي نَارٍ يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ ، وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَفِي النَّارِ وَجْهٌ .

( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ ) لَهُ ( فَمَاتَ ) مِنْهُ ( وَجَبَ الْقِصَاصُ ) جَزْمًا عَلَى الْجَارِحِ ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ لَوْ عُولِجَ ، وَالْجِرَاحَةُ فِي نَفْسِهَا مُهْلِكَةٌ .
أَمَّا مَا لَا يُهْلِكُ كَأَنْ فَصَدَهُ فَلَمْ يَعْصِبْ الْعِرْقَ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ وَعِنْدَهُ مَا يَأْكُلُ فَلَمْ يَفْعَلْ ( وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ ) رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ ( لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا ) بِسُكُونِ الْغَيْنِ وَبِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ( كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا ) أَوْ جَالِسًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا ( حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ ) لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ ، لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ ، فَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ الْمَذْكُورِ مَكْتُوفًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ( أَوْ ) أَلْقَى رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فِي مَاءٍ ( مُغْرِقٍ ) كَنَهْرٍ ( لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ ) بِكَسْرِ السِّينِ مَصْدَرُ سَبَحَ فِي الْمَاءِ : عَامَ ( فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ ) مَعَ إحْسَانِهَا ( مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا ) أَوْ ضَعِيفًا فَهَلَكَ بِذَلِكَ ( فَعَمْدٌ ) فِيهِ قِصَاصٌ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يُتَوَقَّعُ الْخَلَاصُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ كَلُجَّةِ بَحْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ ، سَوَاءً أَكَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ أَمْ لَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( وَإِنْ ) أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصَ بِسِبَاحَةٍ مَثَلًا ، وَلَكِنْ ( مَنَعَ مِنْهَا عَارِضٌ ، كَرِيحٍ وَمَوْجٍ ) فَهَلَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) تَجِبُ دِيَتُهُ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِطُرُوِّ الْعَارِضِ ، وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِلْقَاءِ يَجِبُ الْقَوَدُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ ( وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ ) سِبَاحَةٌ أَوْ غَيْرُهَا كَتَعَلُّقٍ بِزَوْرَقٍ ( فَتَرَكَهَا ) بِاخْتِيَارِهِ كَأَنْ تَرَكَهَا حُزْنًا أَوْ لَجَاجًا ( فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَعَبَّرَ فِي

الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِقَوْلِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يُنْجِيهِ ، وَالثَّانِي تَجِبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُهُ مِنْ السِّبَاحَةِ دَهْشَةٌ أَوْ عَارِضٌ بَاطِنِيٌّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ شَكَّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ بِأَنْ قَالَ الْمُلْقِي : كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِمَّا أَلْقَيْتُهُ فِيهِ فَقَصَّرَ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ : لَمْ يُمْكِنْهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ .
فَرْعٌ : لَوْ رَبَطَهُ وَطَرَحَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ إلَيْهِ غَالِبًا كَالْمَدِّ بِالْبَصْرَةِ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَعَمْدٌ ، أَوْ قَدْ يَزِيدُ وَقَدْ لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ أَوْ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّعُ زِيَادَةً فَاتَّفَقَ سَيْلٌ نَادِرٌ فَخَطَأٌ ( أَوْ ) أَلْقَاهُ ( فِي نَارٍ يُمْكِنُ ) مَعَهَا ( الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا ) حَتَّى مَاتَ ( فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ ) فِي الْمَاءِ ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ ، وَيُعْرَفُ الْإِمْكَانُ بِقَوْلِهِ : أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِلَى جَانِبِهِ أَرْضٌ لَا نَارَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُلْقِي وَالْوَلِيُّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ ، وَقِيلَ : الْمُلْقِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ( وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ ) وَهُمَا الْإِلْقَاءُ فِي الْمَاءِ وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ ( وَفِي ) الْإِلْقَاءِ فِي ( النَّارِ وَجْهٌ ) بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمَاءِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّارَ تَحْرُقُ بِأَوَّلِ مُلَاقَاتِهَا وَتُؤَثِّرُ قُرُوحَاتٍ قَاتِلَةً ، بِخِلَافِ الْمَاءِ عَلَى أَنَّ فِي الْمَاءِ وَجْهًا أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ ، فَلَا مَفْهُومَ لِتَقْيِيدِ الْمَتْنِ ، وَعَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ يَجِبُ عَلَى الْمُلْقِي أَرْشُ مَا أَثَّرَتْ النَّارُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْإِلْقَاءِ إلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّصِّ ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَرْشَ عُضْوٍ أَمْ حُكُومَةً ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرٌ لِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إلَّا

التَّعْزِيرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ لِعِظَمِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا فِي وَهْدَةٍ أَوْ كَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ .
تَنْبِيهٌ : إذَا اجْتَمَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ السَّبَبِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَدْ يَغْلِبُ السَّبَبُ الْمُبَاشَرَةَ كَمَا مَرَّ فِي شُهُودِ الزُّورِ إذَا اعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِمْ دُونَ الْوَلِيِّ وَالْقَاضِي الْجَاهِلَيْنِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ ، وَقَدْ تَغْلِبُ الْمُبَاشَرَةُ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ كَمَا قَالَ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51