كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

لِصِدْقِ الصِّفَةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا حَالَتَا سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ ، فَلَوْ قَالَ لِصَغِيرَةٍ مَمْسُوسَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ غَيْرِ مَمْسُوسَةٍ وَقَعَ فِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَغَا الْوَصْفُ ، وَاللَّامُ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّأْقِيتِ لِعَدَمِ تَعَاقُبِ الْحَالَيْنِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ لِرِضَا زَيْدٍ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ فَكَالسُّنَّةِ ، أَوْ طَلْقَةً قَبِيحَةٍ أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكَالْبِدْعَةِ ، أَوْ سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ حَسَنَةً قَبِيحَةً وَقَعَ فِي الْحَالِ .

( وَلَوْ ) وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ مَدْحٍ كَأَنْ ( قَالَ ) لِزَوْجَتِهِ ( أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ ) أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَكْمَلَهُ ( أَوْ أَجْمَلَهُ ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( فَكَالسُّنَّةِ ) أَيْ فَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ ، أَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ ، أَوْ مُسَّتْ فِيهِ وَقَعَ حِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهَا أَحْسَنُ لِسُوءِ خُلُقِهَا ، فَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ قُبِلَ ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ السُّنَّةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ ( أَوْ ) وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ ذَمٍّ كَأَنْتِ طَالِقٌ ( طَلْقَةً قَبِيحَةً أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ ) أَوْ أَسْمَجَهُ أَوْ أَفْضَحَهُ أَوْ أَفْظَعَهُ أَوْ أَشَرَّهُ ( أَوْ أَفْحَشَهُ ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( فَكَالْبِدْعَةِ ) أَيْ فَكَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ أَوْ فِي طُهْرٍ مُسَّتْ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ ، وَلَوْ نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقَ السُّنَّةِ لِقُبْحِهِ فِي حَقِّهَا لِحُسْنِ خُلُقِهَا ، وَكَانَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ دِينَ وَلَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا لَوْ قَالَ لِذَاتِ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا ، أَوْ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا .
وَقَالَ : أَرَدْتُ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ صَرِيحًا ، وَإِذَا تَنَافَيَا لَغَتْ النِّيَّةُ وَعُمِلَ بِاللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى ، وَلَوْ خَاطَبَ بِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَنْ لَيْسَ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا كَالْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو ذِكْرُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ .
تَنْبِيهٌ : اللَّامُ فِيمَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّوْقِيتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ

أَوْ لِلْبِدْعَةِ مِمَّنْ لَهَا سُنَّةٌ بِدْعَةٌ ، وَفِيمَا لَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّعْلِيلِ كَطَلَّقْتُكِ بِرِضَا زَيْدٍ أَوْ لِقُدُومِهِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ حَامِلٌ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقْدَمْ ، وَإِنْ نَوَى بِهَا التَّعْلِيقَ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ ، وَلَوْ قَالَ فِي الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ لِوَقْتِ الْبِدْعَةِ أَوْ لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَنَوَى التَّعْلِيقَ قُبِلَ لِتَصْرِيحِهِ بِالْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِرِضَا زَيْدٍ أَوْ بِقُدُومِهِ تَعْلِيقٌ كَقَوْلِهِ إنْ رَضِيَ أَوْ قَدِمَ ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْت طَالِقٌ لَا لِسُنَّةٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ ، وَقَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلْبِدْعَةِ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، وَقَوْلُهُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلْقَةَ سُنَّةٍ كَقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ ، وَقَوْلُهُ بِدْعَةَ الطَّلَاقِ ، أَوْ طَلْقَةً بِدْعِيَّةً كَقَوْلِهِ لِلْبِدْعَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ طَلَاقُهَا بِدْعِيٌّ إنْ كُنْت فِي حَالِ سُنَّةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ وَلَا تَعْلِيقَ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي حَالِ الْبِدْعَةِ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا الْآنَ أَوْ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا الْآنَ وَقَعَ فِي الْحَالِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْوَقْتِ وَيَلْغُو اللَّفْظُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْتِ طَاهِرٌ ، فَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ طَاهِرٌ طَلُقَتْ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ : لَا فِي الْحَالِ وَلَا إذَا طَهُرَتْ ( أَوْ ) جَمَعَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ صِفَتَيْ مَدْحٍ وَذَمٍّ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ( سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ ) طَلْقَةً ( حَسَنَةً قَبِيحَةً ) وَهِيَ ذَاتُ أَقْرَاءٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ( فِي الْحَالِ ) وَيَلْغُو ذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ لِتَضَادِّهِمَا ، فَإِنْ

فَسَّرَ كُلَّ صِفَةٍ بِمَعْنَى فِي قَوْلِ سُنِّيَّةٍ بِدْعِيَّةٍ أَوْ حَسَنَةٍ قَبِيحَةٍ ، فَقَالَ : أَرَدْت حَسَنَةً مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَقَبِيحَةً مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ قَبْلُ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْوُقُوعُ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ وُقُوعِ الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ فَائِدَةِ تَأَخُّرِ الْوُقُوعِ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ كَالصَّغِيرَةِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ وَصَفَهَا كُلَّهَا بِالسُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ وَطَلْقَةً ثَالِثَةً فِي الْحَالِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يَقْتَضِي التَّشْطِيرَ ، ثُمَّ يَسْرِي ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت إيقَاعَ طَلْقَةٍ فِي الْحَالِ وَطَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ الثَّانِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ أَرَادَ إيقَاعَ بَعْضِ كُلِّ طَلْقَةٍ فِي الْحَالِ وَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْحَالِ بِطَرِيقِ التَّكْمِيلِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَسَكَتَ وَهِيَ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ النِّصْفِ ، وَإِنَّمَا حُمِلَ فِيمَا مَرَّ عَلَى التَّشْطِيرِ لِإِضَافَةِ الْبَعْضَيْنِ إلَى الْحَالَيْنِ فَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْحَالِ أَخْذًا بِالتَّشْطِيرِ وَالتَّكْمِيلِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ : طَلْقَةً لِلسُّنَّةِ وَطَلْقَةً لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْحَالِ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ طَلْقَةٌ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَقَعَ الطَّلْقَتَانِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَصْفٌ لِلطَّلْقَتَيْنِ فِي الظَّاهِرِ فَيَلْغُو لِلتَّنَافِي ، وَيَبْقَى الطَّلْقَتَانِ وَقَوْلُهُ لَهَا طَلَّقْتُك طَلَاقًا كَالثَّلْجِ أَوْ كَالنَّارِ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إنْ قَصَدَ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبَيَاضِ وَبِالنَّارِ فِي الْإِضَاءَةِ طَلُقَتْ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ أَوْ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبُرُودَةِ وَبِالنَّارِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْإِحْرَاقِ طَلُقَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ .

وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ .

( وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ ) { لِأَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَبِينُ بِاللِّعَانِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَلَوْ كَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا لَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَهُ هُوَ وَمَنْ حَضَرَهُ ، { وَلِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ شَكَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثَلَاثًا وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ فَعَلَهُ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَفْتَى بِهِ آخَرُونَ ا هـ .
وَكَمَا لَا يَحْرُمُ جَمْعُهَا لَا يُكْرَهُ ، وَلَكِنْ يُسَنُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ فِي الْقَرْءِ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ ، وَفِي شَهْرٍ لِذَاتِ الْأَشْهُرِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّجْعَةِ أَوْ التَّجْدِيدِ إنْ نَدِمَ فَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُفَرِّقْ الطَّلْقَاتِ عَلَى الْأَيَّامِ وَيُفَرِّقْ عَلَى الْحَامِلِ طَلْقَةً فِي الْحَالِ وَيُرَاجِعْ ، وَأُخْرَى بَعْدَ النِّفَاسِ ، وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ ، وَقِيلَ : يُطَلِّقُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ طَلْقَةً .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وُقُوعَ الثَّلَاثِ عِنْدَ جَمْعِهِنَّ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَئِمَّةُ ، وَحَكَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَاخْتَارَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ لَا يَعْبَأُ بِهِ فَأَفْتَى بِهِ وَاقْتَدَى بِهِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا مَا كَانُوا فِيهِ عَلَى أَنَاةٍ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ

فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ } وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ .
أُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ .
أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ : إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعْتَادَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَصَارَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَنَفَّذَهُ عَلَيْهِمْ " فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ اخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ لَا عَنْ تَغَيُّرِ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعْنَاهُ كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الَّذِي يُوقِعُونَهُ الْآنَ دَفْعَةً إنَّمَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُوقِعُونَهُ وَاحِدَةً فَقَطْ ، وَاعْتَمَدَ هَذَا الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ النَّجَّارِيُّ الْحَنَفِيُّ .
وَقَالَ : إنَّ النَّصِّ مُشِيرٌ إلَى هَذَا مِنْ لَفْظِ الِاسْتِعْجَالِ يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ لِلنَّاسِ أَنَاةٌ ، أَيْ مُهْلَةٌ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يُوقِعُونَ إلَّا وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَاسْتَعْجَلَ النَّاسُ وَصَارُوا يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَإِلَّا إذَا كَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً ، وَهَكَذَا فِي الزَّمَنِ الثَّانِي قَبْلَ التَّنْفِيذِ فَمَا الَّذِي اسْتَعْجَلُوهُ .
الْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَرَّقَ اللَّفْظَ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، فَكَانُوا أَوَّلًا يَصْدُقُونَ فِي إرَادَةِ التَّأْكِيدِ لِقِلَّةِ الْخِيَانَةِ فِيهِمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَأَى تَغَيُّرَ الْأَحْوَالِ لَمْ يَقْبَلْ إرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَأَمْضَاهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَهَذَا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ أَحْسَنُ مَحَامِلِ الْحَدِيثِ ا هـ .
وَلَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا ، وَقَدْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ حَلِفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَلِفٍ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَابْتَدَعَ بَعْضُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا ، فَقَالَ : إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ

لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ، وَتَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ مُنْذُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى زَمَانِنَا هَذَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَاللَّامُ فِي الطَّلْقَاتِ لِلْعَهْدِ الشَّرْعِيِّ ، وَهِيَ الثَّلَاثُ ، فَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : عُزِّرَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يَأْثَمُ ا هـ .
وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مُلْغَاةٌ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِالتَّلَفُّظِ بِهَا شَيْءٌ .

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ ، وَفَسَّرَ بِتَفْرِيقِهَا عَلَى أَقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُدَيَّنُ ، وَيُدَيَّنُ

( وَلَوْ قَالَ ) لِزَوْجَتِهِ ( أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ( أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَفَسَّرَ ) الثَّلَاثَ فِي الصُّورَتَيْنِ ( بِتَفْرِيقِهَا عَلَى أَقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ ) ظَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ ، وَيَقْتَضِي لَفْظُهُ تَنْجِيزَهُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ : إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَاهِرَةً ، وَحِينَ تَطْهُرُ إنْ كَانَتْ حَائِضًا ، وَلَا سُنَّةَ فِي التَّفْرِيقِ ( إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ ) لِلثَّلَاثِ دَفْعَةً كَالْمَالِكِيِّ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ ارْتِكَابَ مَحْظُورٍ فِي مُعْتَقَدِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَتَبِعَهُ الْمُحَرَّرُ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ ( وَالْأَصَحُّ ) عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ ( أَنَّهُ يُدَيَّنُ ) فِيمَا نَوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ اللَّفْظُ بِمَا يَدَّعِيه لَانْتَظَمَ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْبَاطِنِ إنْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ يُرَاجِعَهَا ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا ، وَلَهَا تَمْكِينُهُ إنْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ ، فَإِنْ ظَنَّتْ كَذِبَهُ لَمْ تُمَكِّنْهُ .
وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَهُ الطَّلَبُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ ، وَإِنْ اسْتَوَى عِنْدَهَا الطَّرَفَانِ كُرِهَ لَهَا تَمْكِينُهُ ، وَإِذَا صَدَّقَتْهُ وَرَآهُمَا الْحَاكِمُ مُجْتَمِعَيْنِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَالتَّدَيُّنُ لُغَةً أَنْ يَكِلَهُ إلَى دِينِهِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ : هُوَ أَنْ لَا تَطْلُقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ صَادِقًا إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَوَاهُ غَيْرَ أَنَّا لَا نُصَدِّقُهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُدَيَّنُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْمُرَادَ ، وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ ( وَيُدَيَّنُ ) أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ .

مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ .
( مَنْ قَالَ ) لِزَوْجَتِهِ ( أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ : أَرَدْت إنْ دَخَلْت ) الدَّارَ ( أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ ) طَلَاقَك ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَانْتَظَمَ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُدَيَّنُ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ جُمْلَةً فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالدُّخُولِ وَبِمَشِيئَةِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يُخَصِّصُهُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ فَأَثَّرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ ، وَشَبَّهُوهُ بِالْفَسْخِ لَمَّا كَانَ رَافِعًا لِلْحُكْمِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِاللَّفْظِ ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ كَمَا يَجُوزُ بِاللَّفْظِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا يَنْفَعُهُ قَصْدُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَاطِنًا إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ ، فَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ النِّيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلِمَةِ فَلَا حُكْمَ لَهَا ، فَإِنْ أَحْدَثَهَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ فَوَجْهَانِ كَمَا فِي نِيَّةِ الْكِتَابَةِ وَحْدَهَا نَقَلَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَمَرَّ فِي الْكِنَايَةِ أَنَّهُ يَكْفِي .

وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ ، وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُنَّ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا لِقَرِينَةٍ بِأَنْ خَاصَمَتْهُ وَقَالَتْ تَزَوَّجْت فَقَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ .

( وَلَوْ ) أَتَى الزَّوْجُ بِلَفْظٍ عَامٍّ وَأَرَادَ بَعْضَ أَفْرَادِهِ كَأَنْ ( قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ ، أَوْ ) قَالَ ( كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ : أَرَدْت بَعْضَهُنَّ ) بِالنِّيَّةِ كَفُلَانَةَ وَفُلَانَةُ دُونَ فُلَانَةَ ( فَالصَّحِيحُ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ ( أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ) مِنْهُ ذَلِكَ ( ظَاهِرًا ) لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ مُتَنَاوَلٌ لِجَمِيعِهِنَّ ، فَلَا يُمْكِنُ مِنْ ظَرْفٍ مُقْتَضَاهُ بِالنِّيَّةِ ( إلَّا لِقَرِينَةٍ ) تُشْعِرُ بِإِرَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ ( بِأَنْ ) أَيْ كَأَنْ ( خَاصَمَتْهُ ) زَوْجَتُهُ ( وَقَالَتْ ) لَهُ ( تَزَوَّجْت ) عَلَيَّ ( فَقَالَ ) لَهَا مُنْكِرًا لِذَلِكَ ( كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ ) أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ ( وَقَالَ : أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ ) لِي فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ .
وَالثَّانِي يُقْبَلُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَامِّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ شَائِعٌ .
وَالثَّالِثُ : لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا ، وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَحِينَئِذٍ فَمَا رَجَّحَاهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا الْتَزَمَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ تَصْحِيحِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَلَا يَحْسُنُ تَعْبِيرُهُ بِالصَّحِيحِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا : إنَّهُ يُدَيَّنُ فِيهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا إذَا قَالَ : طَالِقًا مِنْ وِثَاقِي ، إنْ كَانَ حَلَّهَا مِنْهُ قَبْلُ وَإِلَّا فَلَا ، وَفِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ قَوْلُهُ بَعْضَهُنَّ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَهُ غَيْرُ الْمُخَاصَمَةِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا طَلُقَتْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا عَمْرَةَ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ النِّسَاءُ طَوَالِقُ إلَّا عَمْرَةَ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يُضِفْ النِّسَاءَ لِنَفْسِهِ .

فَصْلٌ : قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ أَوَّلِهِ وَقَعَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ، أَوْ فِي نَهَارِهِ أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ ، أَوْ آخِرِهِ فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ .

( فَصْلٌ ) فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَوْقَاتِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ ( قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ ) أَوْ رَأْسِهِ ( أَوْ أَوَّلِهِ ) أَوْ دُخُولِهِ أَوْ مَجِيئِهِ أَوْ ابْتِدَائِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ أَوْ أَوَّلِ آخِرِ أَوَّلِهِ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ( بِأَوَّلِ جُزْءٍ ) مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى ( مِنْهُ ) أَيْ مَعَهُ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَوَجْهُهُ فِي شَهْرِ كَذَا أَنَّ الْمَعْنَى إذَا جَاءَ شَهْرُ كَذَا وَمَجِيئُهُ يَتَحَقَّقُ بِمَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي دُخُولِهِ بِبَلَدِ التَّعْلِيقِ ، فَلَوْ عَلَّقَ بِبَلَدِهِ وَانْتَقَلَ إلَى أُخْرَى وَرَأَى فِيهَا الْهِلَالَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ فِي تِلْكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ رَأَى الْهِلَالَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِهَا لِأَنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ( أَوْ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( فِي نَهَارِهِ ) أَيْ شَهْرِ كَذَا ( أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ ) أَيْ شَهْرِ كَذَا ( فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ ) مِنْهُ تَطْلُقُ إذْ الْفَجْرُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَأَوَّلُ الْيَوْمِ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، فَإِنْ أَرَادَ وَسَطَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ ، وَقَدْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ أَرَادَ مِنْ الْأَيَّامِ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهُ ، وَقَدْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غُرَّتَهُ دِينَ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ فِيهِمَا .
وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ غُرَرٌ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِغُرَّتِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ النِّصْفَ مَثَلًا لَمْ يُدَيَّنْ ؛ لِأَنَّ غُرَّةَ الشَّهْرِ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ، وَرَأْسَهُ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا وَهُوَ فِيهِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ قَالَ وَهُوَ فِيهِ : إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَتَطْلُقُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ الْقَابِلِ ، إذْ التَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ

عَلَى مُسْتَقْبَلٍ ( أَوْ ) أَنْتِ طَالِقٌ فِي ( آخِرِهِ ) أَيْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَلَخَهُ ( فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ ) تَطْلُقُ فِي الْأَصَحِّ ( وَقِيلَ ) تَطْلُقُ ( بِأَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ ) مِنْهُ إذْ كُلُّهُ آخِرُ الشَّهْرِ فَيَقَعُ بِأَوَّلِهِ ، وَرُدَّ بِسَبْقِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَهْمِ .

وَلَوْ قَالَ لَيْلًا إذَا مَضَى يَوْمٌ فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ ، أَوْ نَهَارًا فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ
فُرُوعٌ : لَوْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِ آخِرِهِ طَلُقَتْ أَيْضًا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ وَأَوَّلَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَآخِرُ أَوَّلِهِ الْغُرُوبُ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا : الْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ قَبْلَ زَوَالِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ إنَّمَا هُوَ آخِرُ الْيَوْمِ لَا آخِرُ أَوَّلِهِ ، وَإِنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ آخِرِهِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آخِرِهِ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِهِ طَلُقَتْ بِآخِرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ ، وَقِيلَ : تَطْلُقُ بِآخِرِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ بِالْحَقِيقَةِ .
وَلَوْ عَلَّقَ بِانْتِصَافِ الشَّهْرِ طَلُقَتْ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ ، وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِنِصْفِ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ طَلُقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ الثَّامِنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ نِصْفِهِ سَبْعُ لَيَالٍ وَنِصْفٌ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَاللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ فَيُقَابِلُ نِصْفَ لَيْلَةٍ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَتُجْعَلُ ثَمَانِ لَيَالٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا وَسَبْعُ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا ، وَلَوْ عَلَّقَ بِنِصْفِ يَوْمٍ كَذَا طَلُقَتْ عِنْدَ زَوَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ يُحْسَبُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ شَرْعًا وَنِصْفُهُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ طَلُقَتْ بِالْغُرُوبِ إنْ عَلَّقَ نَهَارًا وَإِلَّا فَبِالْفَجْرِ ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَجُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ ، إذْ لَا فَاصِلَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَقْيَسُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا فِي زَمَنٍ

( وَلَوْ قَالَ لَيْلًا ) أَيْ فِيهِ ( إذَا مَضَى يَوْمٌ ) بِالتَّنْكِيرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ ) تَطْلُقُ إذْ يَتَحَقَّقُ بِهِ مُضِيُّ الْيَوْمِ ( أَوْ ) قَالَهُ ( نَهَارًا ) أَيْ فِيهِ ( فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ ) تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ فِي جَمِيعِهِ مُتَوَاصِلًا كَانَ أَوْ مُتَفَرِّقًا ، فَإِنْ فُرِضَ انْطِبَاقُ التَّعْلِيقِ عَلَى أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَعَ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، إذَا تَمَّ التَّعْلِيقُ وَاسْتَعْقَبَهُ أَوَّلُ النَّهَارِ ، أَمَّا لَوْ ابْتَدَأَهُ النَّهَارُ فَقَدْ مَضَى جُزْءٌ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَقَعُ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ .

أَوْ الْيَوْمُ ، فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَإِلَّا لَغَا ، وَبِهِ يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ .
( أَوْ ) قَالَ إذَا مَضَى ( الْيَوْمُ ) بِالتَّعْرِيفِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ ) تَطْلُقُ وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ الْبَاقِي مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ فَاللَّامُ الْعَهْدِ فَانْصَرَفَ إلَى الْيَوْمِ الْحَاضِرِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قَالَهُ لَيْلًا ( لَغَا ) أَيْ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ ، إذْ لَا نَهَارَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْهُودِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الْجِنْسِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الدُّنْيَا فَكَانَتْ صِفَةً مُسْتَحِيلَةً .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَقُولَ : إذَا مَضَى الْيَوْمُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِرَفْعِ الْيَوْمِ ، أَمَّا إذَا قَالَ : أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ بِالنَّصْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ النَّهَارَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ ، وَسَمَّى الزَّمَانَ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ ( وَبِهِ ) أَيْ الْيَوْمِ ( يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ ) وَالشَّهْرُ وَالسَّنَةُ .

فَإِذَا قَالَ : لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ إذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَمِنْ لَيْلَةِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَوْ يَوْمِهِ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ التَّعْلِيقُ مِنْ لَيْلَتِهِ أَوْ يَوْمِهِ ؛ فَإِنْ عَلَّقَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الشَّهْرِ كَفَى بَعْدَهُ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ ، وَإِذَا قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ مَعَ إكْمَالِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّالِثَ عَشَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، فَإِذَا أَرَادَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ فَقَدْ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ وَإِنْ قَالَ : إذَا مَضَى الشَّهْرُ أَوْ قَالَ : السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ تِلْكَ السَّنَةِ وَالْمُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْعَرَبِيَّةُ ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت غَيْرَهَا أَوْ أَرَدْت بِالسَّنَةِ مُعَرَّفَةً سَنَةً كَامِلَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ظَاهِرًا لِتُهْمَةِ التَّأْخِيرِ ، وَيُدَيَّنُ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، نَعَمْ لَوْ كَانَ بِبِلَادِ الرُّومِ أَوْ الْفُرْسِ فَيَنْبَغِي قَبُولُ قَوْلِهِ .
قَالَ : وَلَوْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ شُهُورٍ أَوْ الشُّهُورِ فَبِمُضِيِّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَبِمُضِيِّ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عِنْدَ الْجِيلِيِّ ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوْ السَّاعَاتِ فَبِمُضِيِّ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً ؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةُ سَاعَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ا هـ .
وَكَلَامُ الْجِيلِيِّ أَوْجَهُ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ شَكَّ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ التَّعْلِيقِ هَلْ تَمَّ الْعَدَدُ أَوْ لَا عَمِلَ بِالْيَقِينِ وَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ ، حَالَ التَّرَدُّدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُضِيِّ الْعَدَدِ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمُسْتَحِيلٍ عُرْفًا كَصُعُودِ السَّمَاءِ وَالطَّيَرَانِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى إذَا أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَادَ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : { وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ } أَوْ عَقْلًا كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى عَلَى غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ شَرْعًا كَنَسْخِ رَمَضَانَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَجِّزْ الطَّلَاقَ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ ، وَالْيَمِينُ فِيمَا ذُكِرَ مُنْعَقِدَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا الْمُعَلَّقُ عَلَى الْحَلِفِ ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا قَالُوا فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهَا ثَمَّ لَيْسَ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُسْتَحِيلِ ، بَلْ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِمُسْتَحِيلٍ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبِرِّ يَهْتِكُ حُرْمَةَ الِاسْمِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ .

أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ ، وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ ، وَقِيلَ لَغْوٌ أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ ، وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، أَوْ قَالَ طَلَّقْت فِي نِكَاحٍ آخَرَ ، فَإِنْ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِلَّا فَلَا .

( أَوْ ) قَالَ ( أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ ) أَوْ الشَّهْرَ الْمَاضِي أَوْ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ ( وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ ) عَلَى الصَّحِيحِ وَلَغَا قَصْدُ الِاسْتِنَادِ إلَى أَمْسِ لِاسْتِحَالَتِهِ ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَصَدَ إيقَاعَهُ أَمْسِ ، أَوْ قَالَ : لَمْ أُرِدْ شَيْئًا أَوْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ خَرَسٍ وَلَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةٌ ، لَكِنْ فِي صُورَةِ قَصْدِ إيقَاعِهِ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ ( وَقِيلَ : لَغْوٌ ) لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ طَلَاقًا مُسْتَنِدًا ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِنَادُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ ( أَوْ ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إنْشَاءَ طَلَاقٍ لَا حَالًّا وَلَا مَاضِيًا بَلْ ( قَصَدَ ) الْإِخْبَارَ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ ( أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ ) فِي هَذَا النِّكَاحِ ( وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ ) مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) فِي ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْإِضَافَةِ إلَى أَمْسِ وَتُحْسَبُ عِدَّتُهَا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ إنْ صَدَّقَتْهُ وَإِلَّا بِأَنْ كَذَّبَتْهُ ، أَوْ قَالَتْ : لَا عِلْمَ لِي كَمَا فِي الْكَافِي حِينَ الْإِقْرَارِ ( أَوْ ) قَصَدَ بِمَا ( قَالَ : طَلَّقْت ) هَذِهِ ( فِي نِكَاحٍ آخَرَ ) غَيْرِ نِكَاحِي هَذَا وَبَانَتْ مِنِّي ثُمَّ جَدَّدْت نِكَاحَهَا أَوْ طَلَّقَهَا زَوْجٌ آخَرُ فِي نِكَاحٍ سَابِقٍ ( فَإِنْ عُرِفَ ) نِكَاحٌ سَابِقٌ وَطَلَاقٌ فِيهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) فِي إرَادَةِ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ ، نَعَمْ إنْ صَدَّقَتْهُ فِيهَا فَلَا يَمِينَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا ذِكْرٌ ( فَلَا ) يُصَدَّقُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِبُعْدِ دَعْوَاهُ .
تَنْبِيهٌ : نُقِلَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْإِمَامِ : يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِيمَا قَالَهُ بِاحْتِمَالِهِ ، وَاقْتَصَرَ فِي الْكَبِيرِ عَلَى بَحْثِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ إلَيْهِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ

الْأَصْحَابِ ، ثُمَّ قَالَ : وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَا فِي الْكِتَابِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي .
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ : طَلُقَتْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ ، وَلَوْ قَالَ نَهَارًا : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَمْسِ ، أَوْ أَمْسِ غَدٍ بِالْإِضَافَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ غَدَ أَمْسِ ، وَأَمْسِ غَدٍ هُوَ الْيَوْمُ ، فَإِنْ قَالَهُ لَيْلًا وَقَعَ غَدًا فِي الْأُولَى وَحَالًا فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ غَدًا أَوْ غَدًا أَمْسِ بِغَيْرِ إضَافَةٍ لَغَا ذِكْرُ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْغَدِ وَبِأَمْسِ ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوعُ فِيهِمَا وَلَا الْوُقُوعُ فِي أَمْسِ فَيَتَعَيَّنُ الْوُقُوعُ فِي الْغَدِ لِإِمْكَانِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا وَقَعَ طَلْقَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْيَوْمَ طَالِقٌ غَدًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا ذَلِكَ ، وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ نِصْفَهَا الْيَوْمَ وَنِصْفَهَا الْآخَرَ غَدًا وَقَعَ أَيْضًا طَلْقَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَا أَخَّرَهُ تَعَجَّلَ ، فَإِنْ أَرَادَ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ غَدًا وَقَعَ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ تَبِينَ بِالْأُولَى ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ طَلُقَتْ طَلْقَةً غَدًا فَقَطْ ، وَلَا تَطْلُقُ فِي الْيَوْمِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِالْغَدِ ، وَذِكْرُهُ الْيَوْمَ بَعْدَهُ لِتَعْجِيلِ الطَّلَاقِ بِالْمُعَلَّقِ وَهُوَ لَا يَتَعَجَّلُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ أَوْ فِي اللَّيْلِ وَفِي النَّهَارِ وَقَعَ فِي كُلٍّ طَلْقَتَانِ فِي الْأُولَى فِي الْيَوْمَيْنِ وَطَلْقَتَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً بِاللَّيْلِ وَأُخْرَى بِالنَّهَارِ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الظَّرْفِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَيْسَ الدَّلِيلُ بِوَاضِحٍ فَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَظْرُوفُ وَيَخْتَلِفُ الظَّرْفُ ا هـ .
وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ بِاللَّيْلِ

وَالنَّهَارِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي كُلٍّ طَلْقَةٌ فَقَطْ لِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِلِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا طَلُقَتْ فِي الْغَدِ فَقَطْ لِمَا ذُكِرَ ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ ، فَإِنْ نَوَى طَلْقَةً تَقَعُ فِي يَوْمٍ لَا فِي تَالِيهِ وَهَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَفَاضِلَةٍ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ الْغَدُ ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِوُجُودِهَا فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ ، وَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَهُ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي أَوْ فِي حَيَاتِي طَلُقَتْ فِي الْحَالِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : فَإِنْ ضَمَّ الْقَافَ وَفَتَحَ الْبَاءَ مِنْ قُبَلَ ، أَوْ قَالَ قُبَيْلَ بِالتَّصْغِيرِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : مَا ذُكِرَ مِنْ فَتْحِ بَاءِ قُبَلَ غَلَطٌ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ ، وَإِنَّمَا فِيهِ ضَمُّ الْبَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ قَبْلِ مَوْتِي طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَبْلِ مَوْتِهِ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَا بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا بَعْدَهُ الشَّهْرُ طَلُقَتْ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ رَجَبٍ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ فَقُبَيْلَ فَجْرِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إنْ كَانَ تَامًّا ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ بِلَيْلَتِهِ فَقُبَيْلَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ إنْ كَانَ تَامًّا ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَمَا قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا قَبْلَهُ الشَّهْرَ طَلُقَتْ بِمُسْتَهَلِّ ذِي الْقَعْدَةِ ، وَإِنْ أَرَادَ الْيَوْمَ بِاللَّيْلَةِ بَعْدَهُ فَفِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ اللَّيْلَةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ أَوَّلِ شَوَّالٍ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِالطَّلَاقِ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ طَلُقَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، وَقَضِيَّةُ مَا

مَرَّ فِي الصَّوْمِ أَنَّهَا تَطْلُقُ أَوَّلَ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ بِأَفْضَلَ الْأَيَّامِ طَلُقَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ بِأَفْضَلِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ طَلُقَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ بِأَفْضَلِ الشُّهُورِ طَلُقَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَيِّدُ الشُّهُورِ رَمَضَانُ } .

وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ : مَنْ كَمَنْ دَخَلَتْ ، وَإِنْ وَإِذَا ، وَمَتَى ، وَمَتَى مَا وَكُلَّمَا وَأَيُّ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْت ، وَلَا يَقْتَضِينَ فَوْرًا إنْ عُلِّقَ بِإِثْبَاتٍ فِي غَيْرِ خُلْعٍ إلَّا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت ، وَلَا تَكْرَارًا إلَّا كُلَّمَا ، وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا .
فَقَالَ ( وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ ) وَذَكَرَ مِنْهَا سَبْعَةً وَهِيَ ( مَنْ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ( كَمَنْ دَخَلَتْ ) مِنْ نِسَائِي الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ ( وَإِنْ ) وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَإِذَا وَمَتَى وَمَتَى مَا ) بِزِيَادَةِ مَا ( وَكُلَّمَا ) دَخَلَتْ الدَّارَ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِي فَهِيَ طَالِقٌ ( وَأَيُّ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْت ) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَيُضَافُ لِهَذِهِ السَّبْعَةَ عَشَرَ أَدَوَاتٌ أُخْرَى ، وَهِيَ إذْمَا عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ وَمَهْمَا وَهِيَ بِمَعْنَى مَا وَمَا الشَّرْطِيَّةُ وَإِذْمَا وَأَيَّامَا كَلِمَةً وَأَيَّانَ وَهِيَ كَمَتَى فِي تَعْمِيمِ الْأَزْمَانِ ، وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا لِتَعْمِيمِ الْأَمْكِنَةِ ، وَكَيْفَمَا لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الْأَحْوَالِ .
تَنْبِيهٌ : فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ بِلَا فِي بَلَدٍ عَمَّ الْعُرْفُ فِيهَا كَقَوْلِ أَهْلِ بَغْدَاد : أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ ، وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ أَيْضًا بَلْو كَأَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَ ) هَذِهِ الْأَدَوَاتُ ( لَا يَقْتَضِينَ ) بِالْوَضْعِ ( فَوْرًا ) فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَا تَرَاخِيًا ( إنْ عُلِّقَ بِإِثْبَاتٍ ) أَيْ بِمُثْبَتٍ كَالدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ ( فِي غَيْرِ خُلْعٍ ) أَمَّا فِيهِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْفَوْرِيَّةَ فِي بَعْضِ صِيَغِهِ كَإِنْ وَإِذَا : كَإِنْ ضَمِنْت ، أَوْ إذَا ضَمِنْت لِي مَالًا فَأَنْتِ طَالِقٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ ، بِخِلَافِ مَتَى وَمَتَى مَا وَأَيْ فَلَا يَقْتَضِينَ فَوْرًا ، وَلَيْسَ اقْتِضَاءُ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الصِّيغَةِ بَلْ إنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْإِيجَابِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ اقْتِضَاءِ الْأَدَوَاتِ الْفَوْرِيَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ( إلَّا ) فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ نَحْوُ ( أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ) أَوْ إذَا ( شِئْت ) فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِي

الْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، بِخِلَافِ مَتَى شِئْت ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَّقَ بِإِثْبَاتٍ عَمَّا إذَا عَلَّقَ بِنَفْيٍ وَسَيَذْكُرُهُ ( وَ ) الْأَدَوَاتُ الْمَذْكُورَةُ ( لَا ) تَقْتَضِي أَيْضًا بِالْوَضْعِ ( تَكْرَارًا ) فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ، بَلْ إذَا وُجِدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَا إكْرَاهٍ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهَا ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ إنْ تَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهَا وَكَذَا أَسْمَاءُ الشُّرُوطِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ قَيَّدَ بِالْأَبَدِ كَقَوْلِهِ : خَرَجْت أَبَدَ الْآبِدِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَقَالَ : لَمْ يَلْزَمْهُ التَّكْرَارُ أَيْضًا ، بَلْ مَعْنَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ ( إلَّا ) فِي ( كُلَّمَا ) فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِهَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ ، وَسَيَأْتِي التَّعْلِيقُ بِالنَّفْيِ .
ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَاعِدَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ جَزْمًا كَالتَّنْجِيزِ وَإِيقَاعٌ فِي الْأَصَحِّ ( وَ ) ذَلِكَ كَمَا ( لَوْ قَالَ ) .
لِمَدْخُولٍ بِهَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ ، وَلَوْ ذُكِرَ التَّقْيِيدُ هُنَا لِيُفْهَمَ مِنْهُ التَّقْيِيدُ فِي الْآتِي لَكَانَ أَوْلَى ( إذَا طَلَّقْتُك ) أَوْ أَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقِي ، أَوْ وَقَعَ مِنْ بَابِ أَوْلَى ( فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ ) بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ ( طَلَّقَ ) أَيْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا بِنَفْسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مَجَّانًا بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ مَعَ نِيَّةٍ .

أَوْ عَلَّقَ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ ، أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي فَطَلَّقَ فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ وَفِي غَيْرِهَا ، طَلْقَةٌ .

( أَوْ عَلَّقَ ) طَلَاقَهَا ( بِصِفَةٍ ) كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ ) وَاحِدَةٌ بِتَطْلِيقِهَا مُنَجِّزًا أَوْ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ وُجِدَتْ وَأُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ بِهِ ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَنَّهَا تَصِيرُ مُطَلَّقَةً بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ ، فَإِنْ وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا فَطَلَّقَ وَكِيلُهُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِطَلْقَةِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا هُوَ ، وَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِالْأُولَى وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : مَلَّكْتُك طَلَاقَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَهَلْ هُوَ كَطَلَاقِ الْوَكِيلِ فَلَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بِنَفْسِهِ ، أَوْ كَطَلَاقِ نَفْسِهِ فَيَقَعُ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ أَيْضًا ، رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الثَّانِي .
وَاسْتُشْكِلَ بِالتَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّتُهُ لِمَا وُكِّلَ فِيهِ فَكَانَ مُسْتَقِلًّا ، وَالْمَرْأَةُ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهَا فَكَانَ الْمُفَوِّضُ هُوَ الْمُطَلِّقَ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ عَلَّقَ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ التَّعْلِيقِ ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا أَوَّلًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَالَ : إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الصِّفَةِ وُقُوعٌ لَا تَطْلِيقٌ وَلَا إيقَاعٌ ، وَالتَّعْلِيقُ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ وَإِيقَاعٌ .
أَمَّا مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ بِتَطْلِيقٍ وَلَا إيقَاعٍ وَلَا وُقُوعٍ .
ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّعْلِيقِ بِالْوُقُوعِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فَقَطْ ، فَإِنَّهُ وُقُوعٌ لَا إيقَاعٌ كَمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ ( أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ ) عَلَيْك ( طَلَاقِي ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَطَلَّقَ ) بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ طَلْقَةً ( فَثَلَاثٌ ) تَقَعُ ( فِي مَمْسُوسَةٍ ) وَمُسْتَدْخِلَةٍ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ حِينَ وُجُودِ الصِّفَةِ

لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ وَاحِدَةٌ بِالتَّنْجِيزِ وَثِنْتَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِكُلَّمَا وَاحِدَةٌ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَأُخْرَى بِوُقُوعِ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ ( وَفِي غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ ( طَلْقَةٌ ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْمُنَجَّزَةِ فَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ بَعْدَهَا .
تَنْبِيهٌ : خَرَجَ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَقَعَ مَا لَوْ قَالَ : كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَلَّقَ فَثِنْتَانِ فَقَطْ ، الْمُنَجَّزَةُ ، وَأُخْرَى بِحُصُولِ التَّعْلِيقِ الْمُعَلَّقِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالْوُقُوعِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ لِلزَّوْجِ وَالثَّانِيَ لِلشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ حُكْمًا ثَابِتًا بِالشَّرْعِ .

وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ إنْ طَلَّقْت وَاحِدَةً فَعَبْدٌ حُرٌّ ، وَإِنْ ثِنْتَيْنِ فَعَبْدَانِ ، وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ ، وَإِنْ أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ فَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عَتَقَ عَشَرَةً ، وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الصَّحِيحِ .

( وَلَوْ ) عَلَّقَ بِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَأَنْ ( قَالَ ) مَنْ لَهُ عَبِيدٌ ( وَتَحْتَهُ ) نِسْوَةٌ ( أَرْبَعٌ : إنْ ) أَوْ مَتَى أَوْ مَهْمَا أَوْ إذَا ( طَلَّقْت وَاحِدَةً ) مِنْهُنَّ ( فَعَبْدٌ ) مِنْهُمْ ( حُرٌّ ، وَإِنْ ) طَلَّقْت ( ثِنْتَيْنِ ) مِنْهُنَّ ( فَعَبْدَانِ ) مِنْهُمْ حُرَّانِ ( وَإِنْ ) طَلَّقْت ( ثَلَاثًا ) مِنْهُنَّ ( فَثَلَاثَةٌ ) مِنْهُمْ أَحْرَارٌ ( وَإِنْ ) طَلَّقْت ( أَرْبَعًا ) مِنْهُنَّ ( فَأَرْبَعَةٌ ) مِنْهُمْ أَحْرَارٌ ( فَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عَتَقَ عَشَرَةٌ ) مِنْهُمْ مُبْهَمَةٌ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ بِطَلَاقِ الْأُولَى يَعْتِقُ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ ، وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ ، وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ عَشَرَةٌ .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ تَقْرِيرُهُ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَنَّهُ قَيْدٌ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَوْ عَطَفَ الزَّوْجُ بِثُمَّ لَمْ يَضُمَّ الْأَوَّلَ لِلثَّانِي لِلْفَصْلِ بِثُمَّ فَلَا يَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ بَعْدَ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَلَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَرْبَعًا ، وَيَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ اثْنَانِ ، فَمَجْمُوعِ الْعُتَقَاءِ ثَلَاثَةٌ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ .
ثُمَّ قَالَ : وَيُتَّجَهُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ كَثُمَّ ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَا قَالَهُ فِيهِمَا يَأْتِي فِي طَلَاقِهِنَّ مُرَتَّبًا ، فَلَوْ طَلَّقَهُنَّ مَعًا عَتَقَ عَبْدٌ وَاحِدٌ ( وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا ) كَقَوْلِ مَنْ لَهُ عَبِيدٌ وَتَحْتَهُ نِسْوَةٌ : كُلَّمَا طَلَّقْت وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِي الْأَرْبَعِ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ التَّعْلِيقَاتِ الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ طَلَّقَ النِّسْوَةَ الْأَرْبَعَ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا ( فَخَمْسَةَ عَشَرَ ) عَبْدًا يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ ، وَالْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا عُدَّ مَرَّةً بِاعْتِبَارٍ لَا يُعَدُّ أُخْرَى بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ ، فَمَا عُدَّ فِي يَمِينِ الثَّانِيَةِ ثَانِيَةً لَا

يُعَدُّ بَعْدَهَا أُخْرَى ثَانِيَةً ، وَمَا عُدَّ فِي يَمِينِ الثَّالِثَةِ ثَالِثَةً لَا يُعَدُّ بَعْدَهَا ثَالِثَةً فَيَعْتِقُ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ ، وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ ، وَطَلَاقُ ثَلَاثٍ وَسَبْعَةٍ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ ، وَطَلَاقُ اثْنَتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ ، وَطَلَاقُ أَرْبَعَةٍ فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَإِنْ شِئْت قُلْت : إنَّمَا عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ آحَادٍ وَاثْنَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً .
وَالثَّانِي يُعْتِقُ سَبْعَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ فِي طَلَاقِ الثَّالِثَةِ وَرَاءَ الصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ صِفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ طَلَاقُ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْأُولَى فَيَعْتِقُ عَبْدَانِ آخَرَانِ .
وَالثَّالِثُ : يَعْتِقُ عِشْرُونَ ؛ سَبْعَةَ عَشَرَ لِمَا ذُكِرَ وَثَلَاثَةٌ لِأَنَّ فِي طَلَاقِ الرَّابِعَةِ صِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ ، وَهِيَ طَلَاقُ ثَلَاثٍ بَعْدَ الْأُولَى .
وَالرَّابِعُ يَعْتِقُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، وَسَوَاءٌ أَتَى بِكُلَّمَا فِي التَّعْلِيقَاتِ كُلِّهَا أَمْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ، أَمْ فِي الْأُولَيَيْنِ ، إذْ لَا تَكْرَارَ فِي الْأَخِيرَيْنِ ، وَإِنَّمَا صَوَّرَهَا الْأَصْحَابُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْكُلِّ لِيَتَأَتَّى مَجِيءُ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا الَّتِي مِنْهَا أَنَّهُ يَعْتِقُ عِشْرُونَ .
لَكِنْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ ، لَوْ أَتَى بِهَا فِي الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَخِيرَيْنِ عَتَقَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، أَوْ فِي الثَّانِي وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَخِيرَيْنِ فَاثْنَا عَشَرَ .
تَنْبِيهٌ : تَعْيِينُ الْعَبِيدِ الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِمْ إلَيْهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَطْلَقُوا ذَلِكَ وَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا يُعْتِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَبِالثِّنْتَيْنِ وَبِالثَّلَاثِ وَبِالْأَرْبَعِ فَإِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي الْأَكْسَابِ إذَا طَلَّقَ مُرَتِّبًا لَا

سِيَّمَا مَعَ التَّبَاعُدِ وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ .

فَرْعٌ : لَوْ قَالَ : كُلَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ ، وَهَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ فَصَلَّى عَشْرًا عَتَقَ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ عَبْدًا ، وَإِنْ عَلَّقَ بِإِنْ وَنَحْوِهَا فَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ ، وَجَمِيعُ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ بِالنَّفْيِ مُقْتَضِيَةٌ لِلْفَوْرِ إلَّا فِي كَلِمَةِ إنْ فَلِلتَّرَاخِي كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ .

وَلَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي وَقَعَ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الدُّخُولِ ، أَوْ بِغَيْرِهَا فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ

( وَلَوْ عَلَّقَ ) الطَّلَاقَ ( بِنَفْيِ فِعْلٍ ) كَدُخُولٍ ، أَوْ نَفْيِ تَطْلِيقٍ ، أَوْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ( فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي ) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ( عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الدُّخُولِ ) لِلدَّارِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا ، أَوْ يُجَنَّ الزَّوْجُ جُنُونًا مُتَّصِلَا بِمَوْتِهِ فَيَقَعَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ لِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ بِمُجَرَّدِ جُنُونِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِفَاقَةِ وَالتَّطْلِيقِ بَعْدَهَا ، وَكَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْخَرَسِ الَّذِي لَا كِنَايَةَ لِصَاحِبِهِ وَلَا إشَارَةَ مُفْهِمَةٌ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالتَّعْبِيرُ بِقُبَيْلَ غَيْرُ مُحَرَّرٍ ، وَالصَّوَابُ وُقُوعُهُ إذَا بَقِيَ مَا لَا يَسَعُ التَّطْلِيقَ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، فَإِنْ فَسَخَ النِّكَاحَ أَوْ انْفَسَخَ أَوْ طَلَّقَهَا وَكِيلُهُ وَمَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ أَوْ الرَّجْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ رَجْعِيًّا ، إذْ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالِانْفِسَاخِ إنْ لَمْ يُجَدَّدْ وَعَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ إنْ جُدِّدَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَتَعَيَّنَ وُقُوعُهُ قَبْلَ الِانْفِسَاخِ ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَقَعْ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَمْنَعُ الِانْفِسَاخَ فَيَقَعُ الدَّوْرُ ، إذْ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ الِانْفِسَاخُ فَلَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ ، أَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ غَيْرِ التَّطْلِيقِ كَالضَّرْبِ فَضَرَبَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْبِرَّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ

ضَرْبَ الْمَجْنُونِ فِي تَحَقُّقِ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَضَرْبِ الْعَاقِلِ ، وَالضَّرْبُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ حِينَئِذٍ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّهُ يَقَعُ قُبَيْلَ الْبَيْنُونَةِ ( أَوْ ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ ( بِغَيْرِهَا ) أَيْ إنْ كَإِذَا ( فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ ) الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي صُورَتَيْ إنْ وَإِذَا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إنْ حَرْفُ شَرْطٍ لَا إشْعَارَ لَهَا بِالزَّمَانِ ، وَإِذَا ظَرْفُ زَمَانٍ كَمَتَى فِي التَّنَاوُلِ لِلْأَوْقَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ : مَتَى أَلْقَاك صَحَّ أَنْ يَقُولَ إذَا أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ نَحْوَهُمَا ، وَلَا يَصِحُّ إنْ شِئْت ، فَقَوْلُهُ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ إنْ فَاتَنِي تَطْلِيقُك وَفَوَاتُهُ بِالْيَأْسِ ، وَقَوْلُهُ : إذَا لَمْ أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ أَيْ وَقْتٌ فَاتَنِي فِيهِ التَّطْلِيقُ وَفَوَاتُهُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ التَّطْلِيقُ وَلَمْ يُطَلِّقْ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ قَوْلَانِ بِتَخْرِيجِ قَوْلٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْأُخْرَى .
أَمَّا غَيْرُ إنْ وَإِذَا مِنْ الْأَدَوَاتِ كَمَتَى وَمَتَى مَا فَلِلْفَوْرِ قَطْعًا كَمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِإِذَا مَعْنَى إنْ قُبِلَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِإِنْ مَعْنَى إذَا قُبِلَ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِغَيْرِ إنْ وَقْتًا مُعَيَّنًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا دِينَ لِاحْتِمَالِ مَا أَرَادَ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قُلْتُمْ إنَّهُ إذَا أَرَادَ بِإِذَا مَعْنَى إنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ ثُمَّ أَرَادَ بِلَفْظِ مَعْنَى لَفْظَ آخَرَ بَيْنَهُمَا اجْتِمَاعٌ فِي الشَّرْطِيَّةِ بِخِلَافِهِ هُنَا .

فَرْعٌ : لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ لِحُصُولِ الْيَأْسِ حِينَئِذٍ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ تَرَكْت طَلَاقَك أَوْ إنْ سَكَتُّ عَنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ اُشْتُرِطَ الْفَوْرُ ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَالِ طَلُقَتْ لِوُجُودِ ، الصِّفَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَاهُمَا ، فَقَالَ : إنْ لَمْ أَتْرُكْ طَلَاقَك أَوْ إنْ لَمْ أَسْكُتْ عَنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، فَإِنْ طَلَّقَ فَوْرًا وَاحِدَةً ثُمَّ سَكَتَ انْحَلَّتْ يَمِينُ التَّرْكِ فَلَا يَقَعُ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ طَلَاقَهَا ، وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُ السُّكُوتِ فَتَقَعُ أُخْرَى لِسُكُوتِهِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عَلَّقَ فِي الْأُولَى عَلَى التَّرْكِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى السُّكُوتِ وَقَدْ وُجِدَ ، إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ سَكَتَ عَنْ طَلَاقِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ أَوَّلًا ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : تَرَكَ طَلَاقَهَا إذَا لَمْ يَتْرُكْهُ أَوَّلًا ، وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ بِصِيغَةِ كُلَّمَا فَمَضَى قَدْرُ مَا يَسَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ بِلَا تَطْلِيقٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَبِنْ بِالْأُولَى ، وَإِلَّا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ ، وَحِينَ أَوْ حَيْثُ أَوْ مَهْمَا أَوْ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك كَقَوْلِهِ : إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فِيمَا مَرَّ .

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي بِفَتْحِ أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ .
قُلْت : إلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ فَتَعْلِيقٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت ) الدَّارَ ( أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ ( أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ ) دَخَلَتْ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ لِلتَّعْلِيلِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَأَنْ دَخَلْت ، وَحَذْفُ اللَّامِ مَعَ أَنْ كَثِيرٌ ، قَالَ تَعَالَى : { أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لِلتَّعْلِيلِ فِي غَيْرِ التَّوْقِيتِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَلَا كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ السُّنَّةُ أَوْ الْبِدْعَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَأَنْ جَاءَتْ ، وَاللَّامُ فِي مِثْلِهِ لِلتَّوْقِيتِ : كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُ ا هـ .
.
وَمَا قَالَهُ فِي لَأَنْ جَاءَتْ مَمْنُوعٌ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَلَئِنْ سَلِمَ فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا ذَلِكَ فِي إنْ جَاءَتْ .
فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ لَيْسَ فِي قُوَّةِ الْمَلْفُوظِ مُطْلَقًا ( قُلْت : إلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ فَتَعْلِيقٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُوجَدَ الصِّفَةُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لَهُ ، وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَدَوَاتِ ، وَالثَّانِي يَقَعُ حَالًا ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَا يُغَيَّرُ بِلَا قَصْدٍ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ إذْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا ، فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ إذْ وَإِذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ إنْ وَأَنْ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الشِّيرَازِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَتْحِ ، أَوْ إذْ شَاءَ اللَّهُ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ فِي الْحَالِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ ، وَالْوَاحِدَةُ هِيَ الْيَقِينُ فِي الثَّالِثِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحِهِ هُنَا ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي .
فَإِنْ قِيلَ : كَانَ يَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ وَبَيْنَ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ فِيهِمَا كَمَا قِيلَ بِهِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ حَمْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى التَّعْلِيقِ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ أَصْلًا ، بِخِلَافِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَيْضًا الْمَشِيئَةُ لَا يُغَلَّبُ فِيهَا التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ تَنْصَرِفُ لِلتَّعْلِيلِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُغَلَّبُ فِيهِ التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ نَحْوِيٌّ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ طَلَّقْتُك بِالْفَتْحِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ : إحْدَاهَا بِإِقْرَارِهِ وَالْأُخْرَى بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَتَطْلُقُ حِينَئِذٍ طَلْقَتَيْنِ ، وَالتَّقْدِيرُ : إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، هَذَا إنْ لَمْ تَبِنْ بِالطَّلْقَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا ، وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هُنَا فِي اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَإِنْ أَكَلْت إنْ شَرِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا فَلَا تَطْلُقُ فِي هَذَا الْمِثَالِ حَتَّى

يَتَقَدَّمَ شُرْبُهَا عَلَى أَكْلِهَا ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَيْدٌ فِي الْأَوَّلِ ، وَالْمُرَادُ بِتَقَدُّمِهِ عَدَمُ تَأْخِيرِهِ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ التَّدْبِيرِ .

فَصْلٌ عَلَّقَ بِحَمْلٍ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ ، وَإِلَّا فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ التَّعْلِيقِ بَانَ وُقُوعُهُ ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَتْ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ بِهِ فَلَا ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ .

فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِمَا ، إذَا ( عَلَّقَ ) الطَّلَاقَ ( بِحَمْلٍ ) كَقَوْلِهِ : إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَإِنْ كَانَ ) بِهَا ( حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ ) الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِظُهُورِ الْحَمْلِ أَنْ تَدَّعِيَهُ الزَّوْجَةُ وَيُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ رَجُلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ لَا بِقَوْلِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ شَهِدْنَ بِوِلَادَةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهِنَّ : نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ لَمْ يَقَعْ حَالًا وَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ ( فَإِنْ وَلَدَتْ ) وَلَدًا كَامِلًا ( لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ) حِينِ ( التَّعْلِيقِ بَانَ وُقُوعُهُ ) حِينَئِذٍ لِوُجُودِ الْحَمْلِ حِينَ التَّعْلِيقِ ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ كَامِلًا لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا أَلْقَتْ لِدُونِهَا عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً يُمْكِنُ حُدُوثُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ( أَوْ ) وَلَدَتْ ( لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ) مِنْ التَّعْلِيقِ ( أَوْ بَيْنَهُمَا ) أَيْ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْأَرْبَعِ سِنِينَ ( وَوُطِئَتْ ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ ( وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ ) أَيْ الْحَمْلِ ( بِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ ( فَلَا ) يَقَعُ بِالتَّعْلِيقِ طَلَاقٌ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلِجَوَازِ حُدُوثِهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْوَطْءِ اسْتِصْحَابُ أَصْلِ دَوَامِ النِّكَاحِ .
وَلَا فَرْقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَطَأَ أَمْ لَا ، وَالتَّمَتُّعُ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فِيهِمَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ ، وَلَكِنْ يُسَنُّ لَهُ اجْتِنَابُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا

احْتِيَاطًا ، فَلَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَانَتْ حَامِلًا كَانَ شُبْهَةً ، وَالِاسْتِبْرَاءُ هُنَا كَمَا فِي الْأَمَةِ ، فَيَكُونُ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِشَهْرٍ ، وَقِيلَ : التَّعْلِيقُ كَافٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ حَالِهَا فِي الْحَمْلِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُوطَأْ أَصْلًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ أَوْ وُطِئَتْ بَعْدَهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَلَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُ حَمْلٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَضْعِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( فَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ ) لِتَبَيُّنِ الْحَمْلِ ظَاهِرًا ، وَلِهَذَا حُكِمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَالثَّانِي : لَا يَقَعُ ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْحَمْلِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِاسْتِدْخَالِهَا مَنِيَّهُ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ وَلَكِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ : يَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ حَرُمَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ فِي النِّسَاءِ الْحِيَالُ ، وَالْفَرَاغُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ لِظَاهِرِ الْحَالِ فَتَحْسِبُ الْحَيْضَةَ أَوْ الشَّهْرَ مِنْ الْعِدَّةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ فَتُتِمُّهَا ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى مُوجِبِهَا ، فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَوْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ تَطْلُقْ إنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ تُوطَأْ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا كَانَتْ ، حَامِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ ، لَا إنْ وُطِئَتْ وَطْئًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِيَالُهَا حِينَئِذٍ وَحُدُوثُ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا إنْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ مِنْ التَّعْلِيقِ لِتَحَقُّقِ الْحِيَالِ عِنْدَهُ ، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ لَا الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحْبَلُ ،

كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ أَحْبَلْتك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالتَّعْلِيقُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْحَمْلِ ، فَلَوْ كَانَتْ ، حَامِلًا لَمْ تَطْلُقْ بَلْ يَتَوَقَّفْ طَلَاقُهَا عَلَى حَمْلٍ حَادِثٍ ، فَإِنْ وَضَعَتْ أَوْ كَانَتْ ، حَائِلًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْوَطْءِ ، وَكُلَّمَا وَطِئَ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا .
فَإِنْ قِيلَ : تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَلْ يُسَنُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوَطْءِ ، وَهَذَا فِيمَا بَعْدَهُ .

وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَقَعَ ثَلَاثٌ .
( وَإِنْ قَالَ : إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ ) أَوْ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ ( فَطَلْقَةً ) بِالنَّصْبِ أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ( أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَكَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( وَقَعَ ثَلَاثٌ ) لِتَحَقُّقِ الصِّفَتَيْنِ وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِهِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ وَتُوقَفُ الثَّانِيَةُ إلَى بَيَانِ حَالِهِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْوِلَادَةِ وَيَكُونُ الْوُقُوعُ مِنْ اللَّفْظِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى وَخُنْثَى فَطَلْقَتَانِ وَتُوقَفُ الثَّالِثَةُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُ الْخُنْثَى وَتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ اللَّفْظِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ الْحَمْلُ حِينَ الْحَلِفِ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ كَوْنِ الْحَمْلِ إذْ ذَاكَ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : فَإِنْ تُخُيِّلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي قَوْلِهِ : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } : فَالْيَمِينُ لَا يَنْزِلُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : قَدْ يُقَالُ : إنَّهُ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَبِالتَّخْطِيطِ ظَهَرَ ذَلِكَ ا هـ .
وَأَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ بِمَعْنَى الْوَاوِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ تَعْلِيقَيْنِ .

أَوْ إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَوْ
( أَوْ ) قَالَ ( إنْ كَانَ حَمْلُك ) أَوْ مَا فِي بَطْنِك ( ذَكَرًا فَطَلْقَةً ) أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ( أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ كَوْنُ جَمِيعِ الْحَمْلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَمْ يُوجَدْ ، فَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَكَذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَيَقَعُ بِالذَّكَرِ طَلْقَةٌ وَبِالْأُنْثَى طَلْقَتَانِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ كَانَ حَمْلُك أَوْ مَا فِي بَطْنِك مِنْ هَذَا الْجِنْسِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَذَكَرًا وُقِفَ الْحُكْمُ فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَوَاحِدَةً أَوْ أُنْثَى لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَأُنْثَى وُقِفَ الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى فَطَلْقَتَانِ أَوْ ذَكَرًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ( أَوْ ) قَالَ .

إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي .
( إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ) طَلُقَتْ بِانْفِصَالِ مَا تَمَّ تَصْوِيرُهُ وَلَوْ مَيِّتًا وَسَقْطًا ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتِمَّ ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ لَمْ يُطَلَّقْ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَمْ تُوجَدْ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْوِلَادَةِ ( فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ ) مِنْهُمَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ ( وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي ) إنْ لَحِقَ الزَّوْجُ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ حَمْلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمْ مِنْ حَمْلٍ آخَرَ بِأَنْ وَطِئَهَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ وَأَتَتْ بِالثَّانِي لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ ، وَخَرَجَ بِمُرَتَّبًا مَا لَوْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا فَإِنَّهَا وَإِنْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِمَا وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، بَلْ تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ وَضْعِهِمَا .

فَرْعٌ : لَوْ قَالَ : إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَطَلْقَةٌ أَوْ أُنْثَى فَثِنْتَانِ فَوَلَدَتْهُمَا مَعًا فَثَلَاثٌ ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ فَوَاحِدَةً ، أَوْ قَالَ : إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَثَلَاثٌ أَوْ خُنْثَى فَوَاحِدَةً ، فَإِنْ اتَّضَحَ حُكِمَ بِمُقْتَضَاهُ .

وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ وَقَعَ بِالْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثِ ، وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا وَلَدْت ) وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ ) مُرَتَّبًا ( وَقَعَ بِالْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ ) لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ ( وَانْقَضَتْ ) عِدَّتُهَا ( بِالثَّالِثِ ) لِتَبَيُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ( وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) الْمَنْصُوصِ ، إذْ بِهِ يَتِمُّ انْفِصَالُ الْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يُقَارِنُهُ طَلَاقٌ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي لَمْ يَقَعْ إذَا مَاتَ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِهَاءِ النِّكَاحِ أَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَ لَمْ يَقَعْ أُخْرَى لِمُصَادَفَتِهَا الْبَيْنُونَةَ ، وَالثَّانِي : يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِالْأَقْرَاءِ .
أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُمْ مَعًا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ نَوَى وَلَدًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ ، فَإِنْ وَلَدَتْ أَرْبَعًا مُرَتَّبًا وَقَعَ ثَلَاثٌ بِوِلَادَةِ ثَلَاثٍ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالرَّابِعِ ، أَوْ وَلَدَتْ اثْنَيْنِ وَقَعَ طَلْقَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَانِيَةً لِمَا مَرَّ .

وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا ، وَكَذَا الْأُولَى إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا ، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً ، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا ، وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ الْأُولَى ، وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً ، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، وَقِيلَ طَلْقَةً ، وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ .

( وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ ) حَوَامِلَ مِنْهُ ( كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ) مِنْكُنَّ أَوْ أَيَّتُكُنَّ وَلَدَتْ ( فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طَلُقْنَ ) أَيْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ( ثَلَاثًا ثَلَاثًا ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَ صَوَاحِبَ فَيَقَعُ بِوِلَادَتِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ ، وَلَا يَقَعُ بِهَا نَفْسِهَا شَيْءٌ وَعِدَّتُهُنَّ جَمِيعًا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ ، وَصَوَاحِبُ جَمْعُ صَاحِبَةٍ كَضَوَارِبَ جَمْعُ ضَارِبَةٍ .
تَنْبِيهٌ : تَصْوِيرُهُ بِكُلَّمَا تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَالرَّوْضَةَ ، وَهُوَ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ أَدَاةِ التَّكْرَارِ .
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِإِنْ كَذَلِكَ ، فَلَوْ مَثَّلَ بِهَا كَانَ أَحْسَنَ ، وَقَوْلُهُ : ثَلَاثًا الثَّانِي دَافِعٌ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ طَلَاقِ الْمَجْمُوعِ ثَلَاثًا ( أَوْ ) وَلَدْنَ ( مُرَتَّبًا ) بِحَيْثُ لَا تَنْقَضِي عِدَّةُ وَاحِدَةٍ بِأَقْرَائِهَا قَبْلَ وِلَادَةِ الْأُخْرَى ( طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا ) بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْ صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا وَانْقَضَتْ بِوِلَادَتِهَا ( وَكَذَا الْأُولَى ) تَطْلُقُ أَيْضًا ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْ صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً ( إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا ) عِنْدَ وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرَ وَلَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً لِلطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، بَلْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا ( وَ ) طَلُقَتْ ( الثَّانِيَةُ طَلْقَةً ) بِوِلَادَةِ الْأُولَى ( وَ ) طَلُقَتْ ( الثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ ) بِوِلَادَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ( وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا ) فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا طَلَاقٌ بِوِلَادَةِ مَنْ بَعْدَهُمَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ وَضْعُ ثَانِي تَوْأَمَيْهِمَا إلَى وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ وَلَا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا ( وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ الْأُولَى ) أَصْلًا ( وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً ) بِوِلَادَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُنَّ صَوَاحِبُهَا عِنْدَ

وِلَادَتِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الزَّوْجِيَّةِ حِينَئِذٍ ، وَبِطَلَاقِهِنَّ انْقَضَتْ الصُّحْبَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ ، فَلَا تُؤَثِّرُ وِلَادَتُهُنَّ فِي حَقِّ الْأُولَى وَلَا وِلَادَةُ بَعْضِهِنَّ فِي حَقِّ بَعْضٍ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَنْفِي الصُّحْبَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ ، فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ نِسَائِهِ دَخَلَتْ الرَّجْعِيَّةُ فِيهِ ( وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ) وَلَدَتْ ( ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ : أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( ثَلَاثًا ثَلَاثًا ) طَلْقَةً بِوِلَادَةِ مَنْ وَلَدَتْ مَعَهَا وَطَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُخْرَيَيْنِ وَعِدَّتُهُمَا بِالْأَقْرَاءِ ( وَقِيلَ ) طَلُقَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( طَلْقَةً ) فَقَطْ بِوِلَادَةِ رَفِيقَتِهَا وَانْتَفَتْ الصُّحْبَةُ مِنْ حِينَئِذٍ ( وَالْأُخْرَيَانِ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ : أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ ) بِوِلَادَةِ كُلِّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَةً وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى شَيْءٌ ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثٌ مَعًا ثُمَّ الرَّابِعَةُ طَلُقَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ الْبَاقِيَاتِ طَلْقَةً فَقَطْ وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مُرَتَّبًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مُرَتَّبًا طَلُقَ كُلٌّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَالرَّابِعَةُ ثَلَاثًا وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ وَاحِدَةٌ طَلُقَ كُلٌّ مِنْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَلْقَةً وَتَبِينُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا .
تَنْبِيهٌ : مُحَصَّلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ ثَمَانِ صُوَرٍ ، وَضَابِطُهَا أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ هُوَ الْقَاعِدَةُ إلَّا مَنْ وَضَعَتْ عَقِبَ وَاحِدَةٍ فَقَطْ فَتَطْلُقُ طَلْقَةً فَقَطْ أَوْ عَقِبَ

ثِنْتَيْنِ فَقَطْ فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ فَقَطْ .

وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ ، لَا فِي وِلَادَتِهَا فِي الْأَصَحِّ .
وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا .

ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ فَقَالَ ( وَ ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ حَيْضِ مُقْبِلٍ ، فَلَوْ عَلَّقَ فِي حَالِ حَيْضِهَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضِ ، فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ ، أَوْ قَالَ : إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبِتَمَامِ حَيْضَةٍ مُقْبِلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ اللَّفْظِ ، وَ ( تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا ) سَوَاءٌ وَافَقَ عَادَتَهَا أَمْ لَا ( إذَا عَلَّقَهُ ) أَيْ طَلَاقَهَا ( بِهِ ) أَيْ الْحَيْضِ وَقَالَتْ : حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ مِنْهُ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهَا كَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالنِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا حَلَفَتْ لِلتُّهْمَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ النِّكَاحِ ، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فَلَا تَحْلِيفَ ( لَا فِي وِلَادَتِهَا ) إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهَا كَإِنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَالَتْ : وَلَدْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، وَقَالَ : هَذَا الْوَلَدُ مُسْتَعَارٌ مَثَلًا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ أَيْ يَتَعَسَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ شُوهِدَ الدَّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الشَّهَادَاتِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الْجَزْمُ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْحَيْضِ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَقَدْ يُقَالُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي إنَّهُ لَا تَعَارُضَ ، لِأَنَّ مَا هُنَا ثُبُوتُ حَيْضٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ بِالْحَيْضِ ، وَمَا هُنَاكَ ثُبُوتُ حَيْضٍ بِشَهَادَةِ نِسْوَةٍ فَلَا تَعَارُضَ .
وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ : تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي رَحِمِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ فِي الْعِدَّةِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ

فِي أَرْحَامِهِنَّ } .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ، أَمَّا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ فَلَا تُصَدَّقُ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، بَلْ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ أَوْ شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ ( وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ ) أَيْ الْحَيْضِ ( فِي تَعْلِيقِ ) طَلَاقِ ( غَيْرِهَا ) عَلَى حَيْضِهَا كَإِنْ حِضْت فَضَرَّتُك طَالِقٌ ، فَقَالَتْ : حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَصْدِيقِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَإِذَا حَلَفَتْ لَزِمَ الْحُكْمُ لِلْإِنْسَانِ بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
تَنْبِيهٌ : اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِلَا يَمِينٍ وَيَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ ، فَقَالَ : شِئْت فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ا هـ .
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَيْضِ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ ، وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْحَيْضِ ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ ، وَأَيْضًا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مُمْكِنٌ ، فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ كَمَا سَيَأْتِي ، فَهَذَا الْفَرْقُ مَمْنُوعٌ ، وَالْإِشْكَالُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ لَهُ أَوْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، فَقَوْلُهُ : قَدْ وَقَعَتْ مِنِّي الْمَشِيئَةُ ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الزَّوْجُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ .

وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَمْ يَقَعْ ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ فَقَطْ .

( وَلَوْ ) عَلَّقَ طَلَاقَ كُلٍّ مِنْ زَوْجَتَيْهِ بِحَيْضِهِمَا مَعًا كَأَنْ ( قَالَ ) لَهُمَا ( إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ ) أَيْ الْحَيْضَ وَصَدَّقَهُمَا الزَّوْجُ فِيهِ طَلُقَتَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا بِاعْتِرَافِهِ ( وَ ) إنْ ( كَذَّبَهُمَا ) فِيمَا زَعَمَتَاهُ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَلَمْ يَقَعْ ) طَلَاقُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَيْضِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ .
نَعَمْ إنْ أَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِحَيْضِهَا وَقَعَ ، صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ : إنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا فَشَهِدَ بِهَا النِّسْوَةُ لَا يَقَعُ ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ : إنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ الْحَيْضُ ، وَإِذَا ثَبَتَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ ، إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ إذَا ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ وَلَمْ يَقَعْ ( وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً ) مِنْهُمَا فَقَطْ ( طَلُقَتْ ) أَيْ الْمُكَذَّبَةُ ( فَقَطْ ) إنْ حَلَفَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ لِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِيَمِينِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ ، وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُ ضَرَّتِهَا إلَّا بِيَمِينِهَا ، وَالْيَمِينُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَالِفِ كَمَا مَرَّ ، وَتَطْلُقُ الْمُكَذِّبَةُ فَقَطْ بِلَا يَمِينٍ فِي قَوْلِهِ لَهُمَا : مَنْ حَاضَتْ مِنْكُمَا فَصَاحِبَتُهَا طَالِقٌ وَادَّعَيَاهُ وَصَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى لِثُبُوتِ حَيْضِ الْمُصَدَّقَةِ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ .
تَنْبِيهٌ : عَطْفُهُ زَعَمَتَاهُ بِالْفَاءِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا لَوْ قَالَتَا فَوْرًا حِضْنَا يُقْبَلَانِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضٍ مُسْتَأْنَفٍ ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي زَمَنًا ، وَيُشْعِرُ أَيْضًا بِاسْتِعْمَالِ الزَّعْمِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ ، وَالْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ أُقِيمَ عَلَى

خِلَافِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا } .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ : إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ، فَقِيلَ : لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا طَلَاقٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَحِيضَا حَيْضَةً وَاحِدَةً ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا إذَا حَاضَتَا طَلُقَتَا بِحَيْضِهِمَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ نَشَأَتْ مِنْ قَوْلِهِ : حَيْضَةً فَتُلْغَى وَيَبْقَى التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ حَيْضِهِمَا فَتَطْلُقَانِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ كَمَا مَرَّ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ .
أَمَّا إذَا قَالَ : وَلَدًا وَاحِدًا أَوْ حَيْضَةً وَاحِدَةً فَهُوَ مُحَالٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ نَصٌّ فِي الْوِحْدَةِ ، بِخِلَافِ الْحَيْضَةِ وَالْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجِنْسَ .

وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ : أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَقُلْنَ : حِضْنَ ، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ جَعَلَ حَيْضَ كُلٍّ مِنْهُنَّ صِفَةً لِطَلَاقِ الْبَوَاقِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ صَوَاحِبَ وَقَدْ حِضْنَ ، وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا ، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا ، وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَتَيْنِ ثَبَتَ حَيْضُهُمَا وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَتَيْنِ طَلْقَةً ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَاحِبَةً وَوَاحِدَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ لَهَا ثَلَاثُ صَوَاحِبَ ثَبَتَ حَيْضُهُنَّ وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَاتِ طَلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَاحِبَتَيْنِ ثَبَتَ حَيْضُهُمَا ، .

وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ : إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَ ، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلُقْنَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ يُطَلَّقْنَ ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً وَحَلَفَتْ طَلُقَتْ طَلْقَةً دُونَ الْبَاقِيَاتِ ، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ .
ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالسُّرَيْجِيَّةِ ، وَهِيَ الدَّرْوِيَّةُ الْمَنْسُوبَةُ لِابْنِ سُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ .

وَلَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ .

( وَلَوْ قَالَ : إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى ) أَوْ نَحْوُهُ ( طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ) طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ ( وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ ) وَلَا يَقَعُ مَعَهُ الْمُعَلَّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَمْلُوكِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِهِ ، فَوُقُوعُهُ مُحَالٌ بِخِلَافِ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ ، إذْ قَدْ يَتَخَلَّفُ الْجَزَاءُ عَنْ الشَّرْطِ بِأَسْبَابٍ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ سَالِمٍ بِعِتْقِ غَانِمٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَلَا يَفِي ثُلُثُ مَالِهِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عِتْقُ غَانِمٍ ، وَشِبْهُ هَذَا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ أَخٌ بِابْنِ الْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ دُونَ الْإِرْثِ ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ مُمْتَنِعٌ ، وَوُقُوعُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ، وَالْمُنَجَّزُ أَوْلَى بِأَنْ يَقَعَ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَلَّقَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمُنَجَّزِ وَلَا يَنْعَكِسُ ، وَهَذَا الْوَجْهُ .
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : إنَّهُ أَوْلَى ، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى بِهِ أَوْلَى ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ، وَقَالَ : مَنْ نَقَلَ عَنْهُ غَيْرَهُ فَقَدْ وَهَمَ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَكْثَرِ النَّقَلَةِ ( وَقِيلَ ) وَقَعَ ( ثَلَاثٌ ) وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ تَقَعُ الطَّلْقَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَطَلْقَتَانِ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ حَصَلَ شَرْطُ وُقُوعِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ فَيَقَعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ تَمَامُ الثَّلَاثِ ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَدْخُولًا بِهَا ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ طَلْقَتَيْنِ بَعْدَ

طَلْقَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَالثَّانِي : يَقَعُ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ : مَتَى تَلَفَّظْت بِأَنَّك طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ، وَزَيَّفَهُ الْإِمَامُ ، وَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا ( وَقِيلَ : لَا شَيْءَ ) يَقَعُ لَا الْمُنَجَّزُ وَلَا الْمُعَلَّقُ ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَوَقَعَ قَبْلَهُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ ، وَلَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَنَقَلَاهُ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ عَنْ النَّصِّ ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى جُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُعْظَمِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا نَقَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَنْ كِتَابِ الْغُنْيَةِ لَهُ ، وَبِهِ اُشْتُهِرَتْ الْمَسْأَلَةُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَرَأَيْتُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْوَدَائِعِ ، لَكِنْ فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقَعَ الْمُنَجَّزُ ، وَهَذَانِ النَّقْلَانِ سَبَبُ اضْطِرَابِهِمْ فِي النَّقْلِ عَنْهُ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِ شَيْءٍ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمْ ، وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ ، وَنَصَرَهُ السُّبْكِيُّ أَوَّلًا ، وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفَيْنِ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَنَصَرَ الْقَائِلَ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ : إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، خُصُوصًا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ شَيْخَ الْعِرَاقِيِّينَ ، وَالْقَفَّالَ شَيْخَ الْمَرَاوِزَةِ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : فَكَيْفَ يَسُوغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامَ الْأَكْثَرِينَ ا هـ .
وَلَمَّا اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الْوَجْهَ قَالَ : لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ

هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ .
وَعَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيِّ الْجَوَازُ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا .
تَنْبِيهٌ : إذَا قُلْنَا بِانْحِسَامِ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ فَلَهُ طُرُقٌ : مِنْهَا أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِي طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا .
وَمِنْهَا أَنْ يُضِيفَ الطَّلَاقَ لِبَعْضِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَ بَعْضَهَا ، وَمَحَلُّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالتَّطْلِيقِ ، فَإِنْ كَانَ بِالْوُقُوعِ كَأَنْ قَالَ : مَتَى وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي لَمْ يَقَعْ فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَطَرِيقُهُ حِينَئِذٍ الْمُفَارَقَةُ بِالْفَسْخِ إنْ وُجِدَ سَبَبُهُ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت بِعَيْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ .
( وَلَوْ قَالَ : إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت ) نِكَاحِي ( بِعَيْبِك ) مَثَلًا ( فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ كُلِّ مَا ذُكِرَ ( ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ ) مِنْ الظِّهَارِ أَوْ غَيْرِهِ ( فَفِي صِحَّتِهِ ) أَيْ الْمُعَلَّقِ بِهِ ، وَهُوَ الظِّهَارُ وَمَا بَعْدَهُ ( الْخِلَافُ ) فَعَلَى الْأَوَّلِ الرَّاجِحِ يَصِحُّ وَيَلْغُو تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْغُوَانِ جَمِيعًا ، وَلَا يَأْتِي الثَّانِي هُنَا .

وَلَوْ قَالَ : إنْ وَطِئْتُك مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا .
( وَلَوْ قَالَ : إنْ وَطِئْتُك ) وَطْئًا ( مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ) وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ ( ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ ) طَلَاقٌ ( قَطْعًا ) إذْ لَوْ طَلُقَتْ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ مُبَاحًا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ الْخِلَافُ هُنَا ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ إذَا انْسَدَّ بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ يَأْتِي الطَّلَاقُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَهُنَا لَمْ يَنْسَدَّ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا وَقَعَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : إنْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا نَفَذَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِلدَّوْرِ .

وَلَوْ عَلَّقَهُ ، بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا اُشْتُرِطَتْ عَلَى فَوْرٍ ، أَوْ غَيْبَةً ، أَوْ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ شِئْت كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَقَعَ ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ بَاطِنًا .

، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ وَإِنْ بَدَأْتُكَ بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا لَمْ تَطْلُقْ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُبْتَدِئًا بِقَوْلِهَا إنْ بَدَأْتُكَ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ إذَا كَلَّمَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ كَوْنِهَا مُبْتَدِئَةً بِكَلَامِهِ ، فَلَوْ كَلَّمَتْهُ أَوَّلًا عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّهَا ابْتَدَأَتْ كَلَامَهُ ، وَكَذَا لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ لَوْ قَالَ : كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ بَدَأْتُكِ بِالسَّلَامِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَسَلَّمَا مَعًا لِعَدَمِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ لِلُزُومِ الدَّوْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قَبْلَ دُخُولِهِمَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ حِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا حَاصِلَةً وَلَا يَأْتِي فِي هَذِهِ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهَا سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ ، وَلَوْ دَخَلَا مُرَتَّبًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ ، فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا فَلَمْ تَحْصُلُ صِفَةُ طَلَاقِهَا ، وَإِنْ دَخَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَةَ قَبْلَهُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِنْدَ الدُّخُولِ بِالصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ ، وَإِنْ دَخَلَا مُرَتَّبًا فَكَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرَتِهَا ( وَلَوْ عَلَّقَهُ ) أَيْ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ ( بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا ) أَيْ وَهُوَ مُخَاطِبٌ لَهَا كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَوْ إذَا شِئْت ، أَوْ أَنْ أَوْ إذَا شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ (

اُشْتُرِطَتْ ) مَشِيئَتُهَا لَفْظًا ( عَلَى فَوْرٍ ) لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ لِتَمْلِيكِهَا الطَّلَاقَ كَطَلِّقِي نَفْسَك كَمَا مَرَّ ؛ وَلِأَنَّهَا اسْتِبَانَةٌ لِرَغْبَتِهَا فَكَانَ جَوَابُهَا عَلَى الْفَوْرِ كَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ ، وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ كَمَا قَالَاهُ هُنَا وَفِي الْخُلْعِ ، وَقِيلَ : إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ ، لِأَنَّ حَرِيمَ الْعَقْدِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ، وَقِيلَ : أَيُّ وَقْتٍ شَاءَتْ طَلُقَتْ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِوَقْتٍ : كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا فِي التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ نَحْوِ مَتَى كَأَيِّ وَقْتٍ .
أَمَّا فِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ ( أَوْ ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا ( غَيْبَةً ) كَزَوْجَتِي طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ وَلَوْ حَضَرَتْ وَسَمِعَتْهُ ( أَوْ ) عَلَّقَهُ ( بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ ) خِطَابًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيٍّ : إنْ شِئْت فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ( فَلَا ) يُشْتَرَطُ فَوْرٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِبُعْدِ التَّمْلِيكِ فِي الْأُولَى لِانْتِفَائِهِ فِي الثَّانِيَةِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ نَظَرًا إلَى تَضَمُّنِ التَّمْلِيكِ فِي الْأُولَى وَإِلَى الْخِطَابِ فِي الثَّانِيَةِ .
أَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ غَيْبَةً كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ جَزْمًا ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا وَبِمَشِيئَةِ زَيْدٍ كَذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْفَوْرُ فِي مَشِيئَتِهَا فَقَطْ دُونَ زَيْدٍ إعْطَاءً لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ لَوْ انْفَرَدَ ( وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ( شِئْت كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَفْظُ الْمَشِيئَةِ وَهَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَنَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( وَقِيلَ : لَا يَقَعُ بَاطِنًا ) لِانْتِفَاءِ الْمَشِيئَةِ فِي الْبَاطِنِ ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَنَقَلَا فِي أَوَائِلِ الْإِقْرَارِ مَا يُوهِمُ

تَرْجِيحَهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَيْضًا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَا فِي الْبَاطِنِ لِخَفَائِهِ لَا يُقْصَدُ التَّعْلِيقُ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا شِئْت إنْ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ ذُكِرَ وَلَمْ تُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ تَعْلِيقُهَا ، وَالْمَشِيئَةُ خَبَرٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ الْإِرَادَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ .
ثُمَّ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ أَهْلًا لِلْمَشِيئَةِ بِقَوْلِهِ .

وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ ، وَقِيلَ يَقَعُ بِمُمَيِّزٍ وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ .

( وَلَا يَقَعُ ) طَلَاقٌ عُلِّقَ ( بِمَشِيئَةِ ) كُلٍّ مِنْ ( صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ ) وَإِنْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَشِيئَتِهَا فِي التَّصَرُّفَاتِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِصَغِيرَةٍ طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ لَمْ يَقَعْ ، فَكَذَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا ( وَقِيلَ يَقَعُ ) الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ ( بِ ) مَشِيئَةِ ( مُمَيِّزٍ ) لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ، وَتَقْيِيدُهُ بِمُمَيِّزٍ مِنْ زَوَائِدِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ جَزْمًا ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَكَذَا لَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ مَجْنُونٍ عُلِّقَ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَلَوْ بَالِغًا جَزْمًا ؛ لِأَنَّا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَلَا بُدَّ مِنْ صُدُورِهِ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ مُعْرِبًا عَنْ مَشِيئَتِهِ .
نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ أَوْ لِصَغِيرٍ : إنْ قُلْت شِئْت فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَقَالَ : شِئْت طَلُقَتْ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ أَخْرَسَ فَأَشَارَ إشَارَةً مُفْهِمَةً وَقَعَ ، أَوْ نَاطِقٍ فَخَرِسَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ شَاءَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَةٍ حَالَ سُكْرِهِ الَّذِي أَثِمَ بِهِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصَرُّفِهِ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ نَاقِصٍ بِصِبًا أَوْ جُنُونٍ فَشَاءَ فَوْرًا بَعْدَ كَمَالِهِ لَمْ يَقَعْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَطْلُقْ إذْ لَهُمْ مَشِيئَةٌ وَلَمْ نَعْلَمْ حُصُولَهَا ، وَالتَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ بَهِيمَةٍ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ ( وَلَا رُجُوعَ لَهُ ) أَيْ شَخْصٌ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ ( قَبْلَ الْمَشِيئَةِ ) مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ تَمْلِيكٌ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَفِيهِ شَائِبَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى صِفَةٍ فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ .

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً لَمْ تَطْلُقْ ، وَقِيلَ تَقَعُ طَلْقَةً ، وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ ، أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ وَعَلِمَ بِهِ فَكَذَلِكَ ، وَإِلَّا فَيَقَعُ قَطْعًا .

( وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ ) مَثَلًا ( طَلْقَةً فَشَاءَ ) زَيْدٌ ( طَلْقَةً ) أَوْ أَكْثَرَ ( لَمْ تَطْلُقْ ) شَيْئًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَهَا فَلَا تَطْلُقِينَ أَصْلًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : إلَّا أَنْ يَدْخُلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَدَخَلَ ( وَقِيلَ تَقَعُ طَلْقَةً ) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَ طَلْقَةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ : يَقَعُ طَلْقَتَانِ ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ عَدَمَ وَاحِدٍ فَيَقَعَ الْبَاقِي ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ قُبِلَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَشَأْ شَيْئًا وَقَعَ الثَّلَاثُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ ثَلَاثًا فَشَاءَهَا لَمْ تَطْلُقْ ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَوْ شَاءَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ وَاحِدَةً ، وَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ وَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهِ أَوْ جُنَّ لَمْ تَطْلُقْ ( وَلَوْ عَلَّقَ ) زَوْجٌ طَلَاقًا ( بِفِعْلِهِ ) كَدُخُولِ الدَّارِ ( فَفَعَلَ ) الْمُعَلَّقَ بِهِ ( نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ ) ذَاكِرًا لَهُ ( مُكْرَهًا ) عَلَى الْفِعْلِ أَوْ طَائِعًا جَاهِلًا ( لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ ) لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ : { إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } أَيْ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِذَلِكَ ، وَمُقْتَضَاهُ رَفْعُ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ كُلَّ حُكْمٍ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ ، وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ ، فَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الصِّفَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالطَّلَاقِ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَقَعُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فِي النِّسْيَانِ ، وَالثَّانِي : تَطْلُقُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ، وَلَيْسَ النِّسْيَانُ وَنَحْوُهُ دَافِعًا لِلْوُقُوعِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا حَنِثَ بِفِعْلِهِ سَهْوًا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي

الْأَيْمَانِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْسَى فَنَسِيَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ بَلْ نُسِّيَ ( أَوْ ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ ( بِفِعْلِ غَيْرِهِ ) وَقَدْ قَصَدَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ ، وَهُوَ ( مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ ) أَيْ يَشُقُّ عَلَيْهِ حِنْثُهُ ، فَلَا يُخَالِفُهُ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ فَيَحْرِصُ عَلَى إبْرَارِ قَسَمِهِ وَلَوْ حَيَاءً لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خَشْيَةَ الْعُقُوبَةِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ ( وَعَلِمَ ) غَيْرُهُ ( بِهِ ) أَيْ بِتَعْلِيقِهِ ( فَكَذَلِكَ ) لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَظْهَرِ إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ ، أَوْ كَانَ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ ( فَيَقَعُ ) الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِ ( قَطْعًا ) وَإِنْ اتَّفَقَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ نِسْيَانٌ وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ تَعْلِيقِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَنْعٍ أَوْ حَثٍّ ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَتْنِ ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ فِيمَا إذَا قَصَدَ فِيمَنْ يُبَالِي بِهِ إعْلَامَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَطْلُقُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ لِلْجُمْهُورِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ .
أَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَقَعَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ نَاسِيًا لَهُ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّ زَيْدًا لَيْسَ فِي الدَّارِ وَكَانَ فِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، أَوْ عَلِمَ وَنَسِيَ ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ أَوْ فِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ عِلْمُهُ : أَيْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَحْنَثْ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ ، وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ أَطْلَقَ فَفِي الْحِنْثِ

قَوْلَانِ : رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ الْحِنْثَ ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ ، إذْ لَا حَثَّ وَلَا مَنْعَ بَلْ تَحْقِيقٌ ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَثَبَّتَ قَبْلَ الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ، وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْحِنْثِ ، وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعَدَمَ الْحِنْثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهَذَا أَوْجَهُ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِ بَهِيمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَطِفْلٍ فَدَخَلَتْ مُخْتَارَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَتْ مُكْرَهَةً لَمْ يَقَعْ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُعَلَّقُ التَّعْلِيقَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ أَوْ مِمَّنْ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ وَدَخَلَ مُكْرَهًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِعْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ أَتَى بِهِ مُكْرَهًا .
وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِهِ ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّهَا حِينَ الْإِكْرَاهِ لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا ، وَحُكْمُ الْيَمِينِ فِيمَا ذُكِرَ كَالطَّلَاقِ ، وَلَا يَنْحَلُّ بِفِعْلِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ .

فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إلَّا بِنِيَّةٍ ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ هَكَذَا طَلُقَتْ فِي أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ ثَلَاثًا ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ .

( فَصْلٌ ) فِي الْإِشَارَةِ لِلطَّلَاقِ بِالْأَصَابِعِ وَفِي غَيْرِهَا ، إذَا ( قَالَ ) لِزَوْجَتِهِ : ( أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ ) وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا ( لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إلَّا بِنِيَّةٍ ) لَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِالْإِشَارَةِ هُنَا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ : لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ وُقُوعُ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ ( فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ ) الْقَوْلِ أَوْ الْإِشَارَةِ ( هَكَذَا طَلُقَتْ فِي ) إشَارَةِ أُصْبُعٍ طَلْقَةً ، وَفِي إشَارَةِ ( أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ ، وَفِي ) إشَارَةِ ( ثَلَاثٍ ) مِنْ الْأَصَابِعِ ( ثَلَاثًا ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ فِي الْعَدَدِ بِمَنْزِلَةِ النِّيَّةِ ، وَفِي الْحَدِيثِ : { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْكَرِيمَةِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَرَادَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ الْإِشَارَةِ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ بِالْعَدَدِ .
تَنْبِيهٌ : لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ مُفْهِمَةً لِلطَّلْقَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِ كَالنَّظَرِ لِلْأَصَابِعِ أَوْ تَحْرِيكِهَا أَوْ تَرْدِيدُهَا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْتَادُ الْإِنْسَانُ الْإِشَارَةَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَظْهَرُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْعَدَدِ إلَّا بِقَرِينَةٍ .
قَالَهُ الْإِمَامُ ، وَأَقَرَّاهُ ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِطَلَاقٍ ( فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ ) بِالثَّلَاثِ الْأُصْبُعَيْنِ ( الْمَقْبُوضَتَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) وَلَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْإِشَارَةِ بِهِمَا ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَحَدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ

صَرِيحَةٌ فِي الْعَدَدِ كَمَا مَرَّ فَلَا يُقْبَلُ خِلَافُهَا ، وَلَوْ عَكَسَ فَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ ، وَقَالَ : أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ الثَّلَاثَ الْمَقْبُوضَةَ صُدِّقَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ ، الْإِشَارَةُ بِيَدِ مَجْمُوعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا وَقَعَ وَاحِدَةً كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ الثَّلَاثُ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَرَدْت بِهَا الْأُصْبُعَ دُونَ الزَّوْجَةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا قَطْعًا وَلَمْ يُدَنْ عَلَى الْأَصَحِّ ، ثُمَّ أَشَارَ بِفُرُوعٍ مِنْ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ .

وَلَوْ قَالَ عَبْدٌ إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ ، وَقَالَ سَيِّدُهُ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ بِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ ، وَتَجْدِيدُ قَبْلَ زَوْجٍ .

( وَ ) هُوَ مَا ( لَوْ قَالَ عَبْدٌ ) لِزَوْجَتِهِ ( إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ ، وَقَالَ ) لَهُ ( سَيِّدُهُ إذَا مِتُّ ) أَنَا ( فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ ) كُلُّهُ ( بِهِ ) أَيْ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ ) عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ الْكُبْرَى ( بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ ) فِي عِدَّتِهَا ( وَتَجْدِيدُ ) النِّكَاحِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ( قَبْلَ زَوْجٍ ) آخَرَ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلْقَتَيْنِ وَعِتْقَ الْعَبْدِ مُعَلَّقَانِ مَعًا بِالْمَوْتِ فَوَقَعَا مَعًا ، وَالْعِتْقُ كَمَا لَا يَتَقَدَّمُ الطَّلَاقَ لَمْ يَتَأَخَّرْ ، فَإِذَا وَقَعَا مَعًا غُلِّبَ جَانِبُ الْحُرِّيَّةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهَا فَكَانَ الْعِتْقُ مُقَدَّمًا ، وَالثَّانِي تَحْرُمُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَتَقَدَّمْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَخَرَجَ بِعِتْقِ جَمِيعِهِ مَا لَوْ عَتَقَ بَعْضُهُ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالطَّلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَعَّضَ كَالْقِنِّ فِي عَدَدِ الطَّلْقَاتِ .
تَنْبِيهٌ : لَا تَخْتَصُّ الْمَسْأَلَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ بَلْ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي كُلِّ صُوَرِهِ تَعَلَّقَ عِتْقُ الْعَبْدِ بِهِ ، وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ : كَمَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ : إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ ، وَقَالَ السَّيِّدُ : إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ عَتَقَ وَطَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ ، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ قَطْعًا لِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَقَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ عَلَّقَ السَّيِّدُ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ وَعَلَّقَ الْعَبْدُ الطَّلْقَتَيْنِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ ، وَاشْتُرِطَ الْمُحَلِّلُ قَطْعًا لِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ عَلَى الْعِتْقِ ، وَلَوْ عَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُدَبَّرَةٍ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَهُوَ وَارِثُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَمْ تَطْلُقْ ، وَإِنْ كَانَتْ ، مُكَاتَبَةً أَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهَا بِمَوْتِهِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ

كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَلَا يُصَادِفُ الطَّلَاقُ مَحِلًّا ، أَمَّا الْمُدَبَّرَةُ فَتَطْلُقُ إنْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَلَوْ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ الْعِتْقَ .

وَلَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ لَمْ تَطْلُقْ الْمُنَادَاةُ وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ ) مَثَلًا كَحَفْصَةَ ( فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى ) كَعَمْرَةَ ( فَقَالَ ) لَهَا ( أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ لَمْ تَطْلُقْ الْمُنَادَاةُ ) جَزْمًا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَاطَبْ بِالطَّلَاقِ وَظَنُّ خِطَابِهَا لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عَلَيْهَا ( وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الْأَصَحِّ ) لِخِطَابِهَا بِالطَّلَاقِ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِانْتِفَاءِ قَصْدِهَا ، وَخَرَجَ بِيَظُنُّهَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُجِيبَةَ غَيْرُ الْمُنَادَاةِ ، فَإِنْ قَصَدَ طَلَاقَهَا طَلُقَتْ فَقَطْ أَوْ الْمُنَادَاةُ وَحْدَهَا حُكِمَ بِطَلَاقِهَا ، أَمَّا الْمُنَادَاةُ فَظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَأَمَّا الْمُخَاطَبَةُ فَظَاهِرًا وَيَدِينُ .

وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنِصْفٍ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ
( وَلَوْ عَلَّقَ ) طَلَاقَهَا بِغَيْرِ كُلَّمَا ( بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ ) كَإِنْ أَكَلْت رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَعَلَّقَ ) ثَانِيًا : ( بِنِصْفٍ ) مِنْ رُمَّانَةٍ كَإِنْ أَكَلْت نِصْفَهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ ) لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا أَكَلَتْ نِصْفَ رُمَّانَةٍ وَأَكَلَتْ رُمَّانَةً لَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ النَّكِرَةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْأُولَى ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِكُلَّمَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهَا أَكَلَتْ رُمَّانَةً مَرَّةً وَنِصْفَ رُمَّانَةٍ مَرَّتَيْنِ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ فَأَكَلَتْ نِصْفَيْ رُمَّانَتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ أَكَلَتْ أَلْفَ حَبَّةٍ مَثَلًا مِنْ أَلْفِ رُمَّانَةٍ ، وَإِنْ زَادَ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُمَّانَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ رُمَّانَةً .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت نِصْفَهُ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت رُبْعَهُ ، فَأَكَلَتْ الرَّغِيفَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت رَجُلًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ كَلَّمْت فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ زَيْدًا وَكَانَ فَقِيهًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ زَوَالِ شَمْسِ الْيَوْمِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَلَّاهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَقَعَ الطَّلَاقُ .

وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ ، فَإِذَا قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي أَوْ إنْ خَرَجْت أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ ، وَيَقَعُ الْآخَرُ إنْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ .
( وَالْحَلِفُ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ سُكُونُهَا لُغَةً : الْقَسَمُ وَهُوَ ( بِالطَّلَاقِ ) أَوْ غَيْرِهِ ( مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ ) عَلَى فِعْلٍ ( أَوْ مَنْعٍ ) مِنْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ ) ذَكَرَهُ الْحَالِفُ أَوْ غَيْرُهُ لِيُصَدَّقَ الْحَالِفُ فِيهِ ( فَإِذَا قَالَ ) لِزَوْجَتِهِ ( إنْ ) أَوْ إذَا ( حَلَفْت بِطَلَاقٍ ) مِنْك ( فَأَنْتِ طَالِقٌ ) هَذَا مِثَالٌ لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الْحَلِفِ ( ثُمَّ قَالَ ) بَعْدَ هَذَا ( إنْ لَمْ تَخْرُجِي ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهَذَا مِثَالٌ لِحَثِّهَا عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ ( أَوْ إنْ خَرَجْت ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهَذَا مِثَالٌ لِمَنْعِهَا مِنْ الْفِعْلِ ( أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ) وَهَذَا مِثَالٌ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ( الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ ) فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ حَالًا لِأَنَّ مَا قَالَهُ حَلِفٌ بِأَقْسَامِهِ السَّابِقَةِ كَمَا تَقَرَّرَ ( وَيَقَعُ الْآخَرُ ) مَآلًا ( إنْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ ) وَبَقِيَتْ الْعِدَّةُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ، فَإِنْ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِالْحَلِفِ .

وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الْحُجَّاجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ .
( وَلَوْ قَالَ ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالْحَلِفِ ( إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الْحُجَّاجُ ) أَوْ نَحْوُهُ كَأَنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ( فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ ) إذْ لَا حَثَّ فِيهِ وَلَا مَنْعَ وَلَا تَحْقِيقَ خَبَرٍ بَلْ هُوَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ عَلَى صِفَةٍ ، فَإِذَا وُجِدَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُهُ بِالْحُجَّاجِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ انْقَطَعَ لِعُذْرٍ لَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَالَ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ وَهَلْ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْأَكْثَرِ أَوْ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ أَوْ إلَى جَمِيعِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ احْتِمَالَانِ ا هـ .
وَأَظْهَرُهُمَا الثَّانِي .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَصَدَ مَنْعَهُ وَهُوَ مِمَّنْ يُبَالِي بِحَلِفِهِ فَحَلَفَ ، وَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلِ مَنْ لَا يُبَالِي بِحَلِفِهِ كَالسُّلْطَانِ فَتَعْلِيقٌ ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ فَأَنْكَرَهُ وَادَّعَتْهُ ، فَقَالَ إنْ طَلَعَتْ : فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَلَفَ ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ : طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، فَقَالَتْ : لَمْ تَطْلُعْ ، فَقَالَ : إنْ لَمْ تَطْلُعْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ التَّحْقِيقُ فَهُوَ حَلِفٌ ، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ أَعَادَهُ أَرْبَعًا وَقَعَ بِالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الْأُولَى ، وَبِالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ بِحُكْمِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةِ ، وَبِالرَّابِعَةِ طَلْقَةٌ بِحُكْمِ الثَّالِثِ وَتَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ .

وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتهَا فَقَالَ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَاضِيًا وَرَاجَعْت صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ الْتِمَاسًا لِإِنْشَاءٍ فَقَالَ نَعَمْ فَصَرِيحٌ وَقِيلَ كِنَايَةٌ .

( وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتهَا ) أَيْ زَوْجَتَك ( فَقَالَ نَعَمْ ) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يُرَادِفُهَا كَأَجَلْ وَجَيْرٍ ( فَإِقْرَارٌ ) صَرِيحٌ ( بِهِ ) أَيْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ نَعَمْ طَلَّقْتُهَا ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا ( فَإِنْ قَالَ أَرَدْت ) طَلَاقًا ( مَاضِيًا وَرَاجَعْت ) بَعْدَهُ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : وَرَاجَعْت عَمَّا إذَا قَالَ أَبَنْتهَا وَجَدَّدْت النِّكَاحَ فَإِنَّ حُكْمَهُ كَمَا مَرَّ ، فِيمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَفُسِّرَ بِذَلِكَ ( وَإِنْ قِيلَ ) لَهُ ( ذَلِكَ ) الْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَطَلَّقْت زَوْجَتَك ( الْتِمَاسًا لِإِنْشَاءٍ فَقَالَ نَعَمْ ) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يُرَادِفُهَا ( فَصَرِيحٌ ) فِي الْإِيقَاعِ حَالًا ؛ لِأَنَّ نَعَمْ وَنَحْوَهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَلَّقْتُهَا الْمُرَادِ لِذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ ( وَقِيلَ ) هُوَ ( كِنَايَةٌ ) يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ نَعَمْ لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مِنْ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ قِيلَ : الْأَوَّلُ مُشْكِلٌ لِحَصْرِهِمْ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ فِي ثَلَاثَةٍ ، وَبِقَوْلِهِمْ إنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَصِيرُ صَرِيحًا بِالْتِمَاسِ طَلَاقٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : نَعَمْ طَلَّقْتُهَا ، وَلِهَذَا كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ هَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نَعَمْ ، فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ طَلَّقْت فَهُوَ صَرِيحٌ قَطْعًا ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى طَلَّقْت فَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ ؛ لِأَنَّ نَعَمْ تَتَعَيَّنُ لِلْجَوَابِ ، وَقَوْلُهُ طَلَّقْت مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً طَلَّقْت ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقِيلَ كَنَعَمْ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ : كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ جَهِلَ حَالَ السُّؤَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ ، كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ فَعَلْت كَذَا فَأَنْكَرَ ، فَقَالَ : إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُك طَالِقٌ ، فَقَالَ : نَعَمْ وَكَانَ قَدْ فَعَلَهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ : كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَجَعَلَهُ الْبَغَوِيّ اسْتِدْعَاءَ طَلَاقٍ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ : طَلَّقْت امْرَأَتَك مُسْتَدْعِيًا مِنْهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ : نَعَمْ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ، وَلَوْ قِيلَ : إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَامْرَأَتُك طَالِقٌ ، فَقَالَ : نَعَمْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَك زَوْجَةٌ ، فَقَالَ : لَا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ نَوَى ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ .
ثُمَّ ذَكَرَ تَفَقُّهًا مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ ، وَأَنَّ لَهَا تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقَهَا ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَصْفُونِيُّ وَالْحِجَازِيُّ فِي اخْتِصَارِهِمَا كَلَامَ الرَّوْضَةِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ : أَطَلَّقْت ثَلَاثًا ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ فَلَيْسَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ تَعْلِيقٍ أَوْ وَعْدٍ أَوْ مُخَاصَمَةٍ تَئُولُ إلَيْهِ ، فَلَوْ فُسِّرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَ ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : مَا أَنْتِ لِي بِشَيْءٍ كَانَ لَغْوًا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى ، وَلَوْ قَالَ : امْرَأَتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ طَلُقَتْ .

فَصْلٌ عَلَّقَ بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ لَمْ يَقَعْ .
( فَصْلٌ ) فِي أَنْوَاعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ ، إذَا ( عَلَّقَ ) طَلَاقَ زَوْجَتِهِ ( بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ ) عَيَّنَ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْ لَا كَإِنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَبَقِيَ ) مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَكْلِهَا لَهُ ( لُبَابَةٌ ) مِنْ الرَّغِيفِ تَقَعُ مَوْقِعًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ( أَوْ حَبَّةٌ ) مِنْ الرُّمَّانَةِ ( لَمْ يَقَعْ ) طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا لَمْ تَأْكُلْ الرَّغِيفَ أَوْ الرُّمَّانَةَ وَإِنْ تَسَامَحَ أَهْلُ الْعُرْفِ فِي إطْلَاقِ أَكْلِ الرَّغِيفِ أَوْ الرُّمَّانَةِ فِي ذَلِكَ ، أَمَّا اللُّبَابَةُ الَّتِي لَا تَقَعُ مَوْقِعًا كَفُتَاتِ الْخُبْزِ الَّذِي يُدَقُّ مُدْرَكُهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي بِرٍّ وَلَا حِنْثٍ ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِكِسْرَةٍ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الرُّمَّانَةِ فِيمَا إذَا بَقِيَ بَعْضُ حَبَّةٍ وَفِي التَّمْرَةِ الْمُعَلَّقِ بِأَكْمَلِهَا إذَا بَقِيَ قَمَعَهَا أَوْ شَيْءٌ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرْكِهِ .

وَلَوْ أَكَلَا تَمْرًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلَّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ بِأَكْلِ بَعْضٍ وَرَمْيِ بَعْضٍ لَمْ يَقَعْ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ أَكَلْت أَكْثَرَ مِنْ رَغِيفٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ حَنِثَ بِأَكْلِهَا رَغِيفًا وَأَدَمًا ، أَوْ قَالَ : إنْ أَكَلْت الْيَوْمَ إلَّا رَغِيفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكَلَتْ رَغِيفًا وَفَاكِهَةً حَنِثَ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ لَبِسْت قَمِيصَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِلُبْسِهِمَا وَلَوْ مُتَوَالِيَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ مَثَلًا ، إنْ بِتّ عِنْدَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَاتَ عِنْدَهَا بَقِيَّةَ اللَّيْلِ حَنِثَ لِلْقَرِينَةِ ، وَإِنْ اقْتَضَى الْمَبِيتُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ نِمْت عَلَى ثَوْبٍ لَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَوَسَّدَ مِخَدَّتَهَا مَثَلًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ قَتَلْت زَيْدًا غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَهُ الْيَوْمَ وَمَاتَ مِنْهُ غَدًا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْفِعْلُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّوحِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ كَانَ عِنْدَك نَارٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ حَنِثَ بِوُجُودِ السِّرَاجِ عِنْدَهَا ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ جُعْت يَوْمًا فِي بَيْتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاعَتْ يَوْمًا بِصَوْمٍ لَمْ تَطْلُقْ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاعَتْ يَوْمًا بِلَا صَوْمٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُك أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ كَانَتْ ، زِنْجِيَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } : نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِالْحُسْنِ الْجَمَالَ وَكَانَتْ قَبِيحَةَ الشَّكْلِ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ قَصَدْتُك بِالْجِمَاعِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ هِيَ فَجَامَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ ، فَإِنْ قَالَ لَهَا : إنْ قَصَدْت جِمَاعَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ فَجَامَعَهَا حَنِثَ ( وَلَوْ أَكَلَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( تَمْرًا ) مَثَلًا ( وَخَلَطَا نَوَاهُمَا ، فَقَالَ ) الزَّوْجُ لَهَا فَوْرًا أَمْ لَا ( إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاكِ ) أَيْ نَوَى مَا أَكَلْته عَنْ نَوَى مَا أَكَلْته ( فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا ) بِحَيْثُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ أُخْرَى ( لَمْ

يَقَعْ ) طَلَاقٌ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ نَوَى أَحَدِهِمَا ( إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا ) لِنَوَاهَا عَنْ نَوَاهُ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا فَعَلَتْ بَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُلَقَّنِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَحِيلِ عَادَةً لِتَعَذُّرِهِ ، وَفِي الْكَافِي : لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِنَوَايَ أَوْ إنْ لَمْ تُشِيرِي إلَى نَوَايَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَالطَّرِيقُ فِي الْخَلَاصِ أَنْ تَعُدَّ النَّوَى عَلَيْهِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً ، وَتَقُولُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ هَذِهِ نَوَاتُكَ ( وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ ) مَثَلًا ( فَعَلَّقَ ) طَلَاقَهَا ( بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا ) كَقَوْلِهِ : إنْ بَلَعْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ رَمَيْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ أَمْسَكْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَبَادَرَتْ مَعَ ) أَيْ عَقِبَ ( فَرَاغِهِ ) مِنْ التَّعْلِيقِ ( بِأَكْلِ بَعْضٍ ) مِنْهَا ( وَرَمْيِ بَعْضٍ ) مِنْهَا ( لَمْ يَقَعْ ) طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْبَعْضِ وَرَمْيَ الْبَعْضِ مُغَايِرٌ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِاشْتِرَاطِ الْأَمْرَيْنِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الشَّرْطُ الْمُبَادَرَةُ بِأَحَدِهِمَا ، وَأَشَارَ بِثُمَّ إلَى اشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ يَمِينِ الْإِمْسَاكِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَوَسَّطَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حَنِثَ ، وَلَا حَاجَةَ لِثُمَّ فِي يَمِينِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَمِينِ الِابْتِلَاعِ ، وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ الْحِنْثِ الْمُبَادَرَةُ الْمَذْكُورَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُبَادِرْ كَانَتْ ، مُمْسِكَةً فَيَحْصُلُ الْحِنْثُ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ الْحِنْثَ بِأَكْلِ جَمِيعِهَا ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الِابْتِلَاعَ أَكْلٌ ، قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : وَهُوَ وَاضِحٌ ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ، وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ إذَا ذَكَرَ التَّمْرَةَ فِي يَمِينِهِ .
فَإِنَّ الْأَكْلَ فِيهِ مَضْغٌ يُزِيلُ اسْمَ التَّمْرَةِ فَلَمْ تَبْلُغْ تَمْرَةً ، وَأَمَّا عَكْسُهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : إنْ أَكَلْت

فَابْتَلَعَتْ ، فَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْأَكْلِ فَابْتَلَعَتْ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ : ابْتَلَعَ وَلَمْ يَأْكُلْ ، وَوَقَعَ لَهُ كَأَصْلِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَكْسُ هَذَا .
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ ، وَالْبَلْعُ لَا يُسَمَّى أَكْلًا ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ ، وَالْبَلْعُ فِيهِ يُسَمَّى أَكْلًا ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ .

وَلَوْ
( وَلَوْ ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهِيَ عَلَى سُلَّمٍ بِالصُّعُودِ وَبِالنُّزُولِ ثُمَّ بِالْمُكْثِ فَوَثَبَتْ أَوْ انْتَقَلَتْ إلَى سُلَّمٍ آخَرَ ، أَوْ اضْطَجَعَ السُّلَّمُ وَهِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَتَقُومُ مِنْ مَوْضِعِهَا أَوْ حُمِلَتْ وَصَعَدَ بِهَا الْحَامِلُ أَوْ نَزَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَوْرًا فِي الْجَمِيعِ لَمْ تَطْلُقْ ، أَمَّا لَوْ حُمِلَتْ بِأَمْرِهَا فَيَحْنَثُ ، نَعَمْ إنْ حَمَلَهَا بِلَا صُعُودٍ وَنُزُولٍ بِأَنْ يَكُونَ وَاقِفًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا أَثَرَ لِأَمْرِهَا .

اتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ سَرَقْت مَا سَرَقْت لَمْ تَطْلُقْ .
وَإِنْ ( اتَّهَمَهَا ) أَيْ زَوْجَتَهُ ( بِسَرِقَةٍ ، فَقَالَ ) لَهَا ( إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي ) فِي أَمْرِ هَذِهِ السَّرِقَةِ ( فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَالَتْ ) لَهُ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، ( سَرَقْت ) وَالْآخَرُ ( مَا سَرَقْت لَمْ تَطْلُقْ ) لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا فَالْخَلَاصُ أَنْ تَذْكُرَ عَدَدًا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ ثُمَّ تَزِيدَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَبْلُغَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ ، وَالصُّورَتَانِ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا .

( وَلَوْ قَالَ ) لَهَا : ( إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي ) صَادِقَةً ( بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَالْخَلَاصُ ) مِنْ الْيَمِينِ ( أَنْ تَذْكُرَ ) لَهُ ( عَدَدًا يُعْلَمُ أَنَّهَا ) أَيْ الرُّمَّانَةَ ( لَا تَنْقُصُ عَنْهُ ) كَمِائَةٍ ( ثُمَّ تَزِيدَ وَاحِدًا وَاحِدًا ) فَتَقُولَ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَاثْنَانِ وَهَكَذَا ( حَتَّى تَبْلُغَ مَا ) أَيْ عَدَدًا لِلرُّمَّانَةِ ( يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ ) أَيْ انْتَهَتْ إلَيْهِ مِنْ عَدَدِ حَبِّهَا فَتَكُونُ مُخْبِرَةً بِعَدَدِهَا ( وَالصُّورَتَانِ ) هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا ( فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا ) فَإِنْ قَصَدَهُ لَمْ تَخْلُصْ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا ذَكَرَتْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : الشِّقُّ الْأَوَّلُ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ يَعُمُّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالسَّارَّ وَغَيْرَهُ ، فَقَدْ قَالُوا : لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ مَنْ أَخْبَرَتْنِي مِنْكُنَّ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ ، فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهِيَ كَاذِبَةٌ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ طَلُقَتْ .
أُجِيبَ بِأَنَّ لِلرُّمَّانَةِ وَنَحْوِهَا عَدَدًا خَاصًّا وَقَدْ عَلَّقَ بِهِ ، فَإِذَا أَخْبَرَتْهُ بِعَدَدِ حَبِّهَا كَاذِبَةً لَمْ تُخْبِرْ بِهِ بِخِلَافِ قُدُومِ زَيْدٍ فَيَصْدُقُ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ ، وَأَمَّا الْبِشَارَةُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْخَبَرِ الْأَوَّلِ السَّارِّ الصَّادِقِ قَبْلَ الشُّعُورِ ، فَإِذَا قَالَ لِنِسَائِهِ : مَنْ بَشَّرَتْنِي مِنْكُنَّ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ ثَانِيًا بَعْدَ إخْبَارِ غَيْرِهَا أَوْ كَانَ غَيْرَ سَارٍّ بِأَنْ كَانَ بِسُوءٍ أَوْ وَهِيَ كَاذِبَةٌ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ ، نَعَمْ مَحَلُّ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ سَارًّا إذَا أَطْلَقَ ، كَقَوْلِهِ : مَنْ بَشَّرَتْنِي بِخَبَرٍ أَوْ أَمْرٍ عَنْ زَيْدٍ ، فَإِنْ قَيَّدَ كَقَوْلِهِ : مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ اكْتَفَى بِصِدْقِ الْخَبَرِ ، وَإِنْ كَانَ كَارِهًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ لَمْ تَعُدِّي جَوْزَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْحِنْثِ بِأَنْ تَفْعَلَ مَا ذَكَرَ آنِفًا ، وَقِيلَ : يَجِبُ أَنْ تَبْتَدِئَ مِنْ الْوَاحِدِ وَتَزِيدَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَبْدَأْ بِالْوَاحِدِ لَهُ تَعُدَّ جَوْزَهَا .

فُرُوعٌ : لَوْ سَقَطَ حَجَرٌ مِنْ عُلُوٍّ ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي السَّاعَةَ مَنْ رَمَاهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُرِدْ تَعْيِينًا ، فَقَالَتْ : مَخْلُوقٌ لَا آدَمِيٌّ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ بِالْإِخْبَارِ ، وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهَا رَمَاهُ آدَمِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَاهُ كَلْبٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحِنْثِ وُجِدَ وَشَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ ، وَشُبِّهَ بِمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ ، فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ تُعْرَفْ مَشِيئَتُهُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ لَمْ أَقُلْ كَمَا تَقُولِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ وَثَاقٍ ، أَوْ أَنْتِ قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهِيَ فِي مَاءٍ جَارٍ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ ، وَبِاللُّبْثِ بِأَنْ قَالَ لَهَا : إنْ خَرَجْت مِنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لَبِثْتِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ خَرَجَتْ أَوْ لَبِثَتْ لِأَنَّهُ بِجَرَيَانِهِ يُفَارِقُهَا ، فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ ، فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ تُحْمَلَ مِنْهُ فَوْرًا ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ أَرَقْت مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ شَرِبْته أَنْتِ أَوْ غَيْرُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ إنْ تَرَكْته فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَّتْ بِهِ خِرْقَةً وَضَعَتْهَا فِيهِ أَوْ بَلَّتْهَا بِبَعْضِهِ أَوْ شَرِبَتْ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا بَعْضَهُ لَمْ تَطْلُقْ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ خَالَفْت أَمْرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَفَتْ نَهْيَهُ كَأَنْ قَالَ لَهَا : لَا تَقُومِي فَقَامَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ دُونَ أَمْرِهِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَفِيهِ نَظَرٌ بِسَبَبِ الْعُرْفِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ خَالَفْت نَهْيِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَفَتْ أَمْرَهُ ، كَأَنْ قَالَ : قُومِي فَرَقَدَتْ طَلُقَتْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ أَيْضًا ،

لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهَذَا فَاسِدٌ ، إذْ لَيْسَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ فِيمَا يَخْتَارُهُ ، وَإِنْ كَانَ : أَيْ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ .
فَالْيَمِينُ لَا تُبْنَى عَلَيْهِ ، بَلْ عَلَى اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : زَنَيْت فَأَنْكَرَتْ ، فَقَالَ : إنْ كُنْت زَنَيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ حَالًا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ ، وَلَوْ قِيلَ لِزَانٍ : زَنَيْت ، فَقَالَ : مَنْ زَنَى فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ قَصَدَ ذَمَّ الزَّانِي لَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ .

وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ : مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ سَبْعَ عَشْرَةَ ، وَأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ : أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَثَالِثَةٌ إحْدَى عَشْرَةَ : أَيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ .
( وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ ) مِنْ زَوْجَاتِهِ ( مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي ) مِنْكُنَّ ( بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ) فَهِيَ طَالِقٌ ( فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ ) مِنْهُنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ فَرَائِضِهَا ( سَبْعَ عَشْرَةَ ) رَكْعَةً بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ ( وَ ) قَالَتْ ( أُخْرَى ) أَيْ ثَانِيَةً مِنْهُنَّ ( خَمْسَ عَشْرَةَ : أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَ ) قَالَتْ ( ثَالِثَةٌ ) مِنْهُنَّ ( إحْدَى عَشْرَةَ : أَيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ ) عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلَاقٌ لِصِدْقِ الْكُلِّ ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ عَيْنًا فَالْحَلِفُ عَلَى مَا أَرَادَهُ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : لِزَوْجَتِهِ : إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَذِنَ لَهَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَوْ كَانَتْ ، مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً فَخَرَجَتْ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ إنْ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ خَرَجْتِ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت لَابِسَةً ثَوْبَ حَرِيرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ ثَوْبِ حَرِيرٍ ثُمَّ خَرَجَتْ لَابِسَةً ثَوْبَ حَرِيرٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ، وَالْفَرْقِ أَنَّ خُرُوجَهَا بِلَا ثَوْبِ حَرِيرٍ لَمْ تَنْحَلَّ بِهِ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الصِّفَةِ فَحَنِثَ فِي الثَّانِي بِخِلَافِ هَذِهِ ، وَلَوْ أَذِنَ ثُمَّ رَجَعَ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْمَنْعِ لَمْ يَحْنَثْ لِحُصُولِ الْإِذْنِ ، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِيهِ نَظَرٌ ، وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَيُّ مَرَّةٍ خَرَجَتْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ ، وَخَلَاصُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا : أَذِنْت لَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَتَى شِئْت أَوْ كُلَّمَا شِئْت ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ خَرَجْت لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ ثُمَّ عَدَلَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ إلَى غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ عَدَلَتْ إلَيْهِ ، وَلَوْ خَرَجَتْ لَهُمَا فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا : أَنَّهَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا ، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ .
وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَيْمَانِ : الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِهِ ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ الْخُرُوجُ لِمَقْصُودٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْحَمَّامِ ، وَهَذَا الْحَمَّامُ مَقْصُودٌ بِالْخُرُوجِ ، وَقَدْ حَاوَلَ شَيْخُنَا بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِحَلِفِهِ الْخُرُوجَ

لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَقَطْ ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِحَلِفِهِ شَيْئًا فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى الْخُرُوجِ لَهُمَا أَنَّهُ خُرُوجُ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهُمَا خُرُوجٌ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّنَاقُضِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا مَعَ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَا لَكِنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِخُطُوَاتٍ ، أَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا إلَّا بِمُوجِبٍ فَشَتَمَتْهُ فَضَرَبَهَا بِسَوْطٍ مَثَلًا لَمْ تَطْلُقْ لِلْعُرْفِ فِي الْأُولَى ، وَلِضَرْبِهِ لَهَا بِمُوجِبٍ فِي الثَّانِيَةِ ، إذْ الْمُرَادُ فِيهَا بِالْمُوجِبِ مَا تَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ عَلَيْهِ تَأْدِيبًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالٍ زَيْدٍ فَأَضَافَهُ أَوْ نَثَرَ مَأْكُولًا فَالْتَقَطَهُ أَوْ خَلَطَا زَادَيْهِمَا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ الطَّعَامَ قُبَيْلِ الِازْدِرَادِ ، وَالْمُلْتَقِطُ يَمْلِكُ الْمَلْقُوطَ بِالْأَخْذِ ، فَالْخَلْطُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ مَا دَامَ فِيهَا فَانْتَقَلَ مِنْهَا وَعَادَ إلَيْهَا ثُمَّ دَخَلَهَا الْحَالِفُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ بِالِانْتِقَالِ مِنْهَا ؛ نَعَمْ إنْ أَرَادَ كَوْنَهُ فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَخْرُجِي اللَّيْلَةَ مِنْ دَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَالَعَهَا بِنَفْسِهَا أَوْ أَجْنَبِيٍّ فِي اللَّيْلِ وَإِنْ تَمَكَّنَتْ قَبْلَهُ مِنْ الْخُرُوجِ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا أَوْ لَمْ يُجَدِّدْهُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ تَطْلُقْ ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلَمْ يَمْضِ اللَّيْلُ كُلُّهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ وَقَالَ : تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ خَطَأٌ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ : إنَّ الصَّوَابَ مَا أَفْتَى بِهِ أَوَّلًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ حِينٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ .
( وَلَوْ قَالَ ) لَهَا ( أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ ) إلَى ( زَمَانٍ ) أَيْ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِلَى فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى بَعْدَ ( أَوْ بَعْدَ حِينٍ ) أَوْ زَمَانٍ ( طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ .
قَالَ تَعَالَى : { حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } : قِيلَ : أَرَادَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ، وَقِيلَ : أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَقِيلَ : مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَقِيلَ : سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ ، وَهِيَ الَّتِي بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ : وَاَللَّهُ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ لَمْ يَحْنَثْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ ، وَلَأَقْضِيَنَّ وَعْدٌ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : الْعَصْرُ وَالدَّهْرُ ، وَهُوَ الزَّمَنُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَالْوَقْتُ وَالْآنُ ، وَالْحِقَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ كَالزَّمَانِ وَالْحِينِ فِيمَا مَرَّ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ .
أَمَّا الْحُقُبُ بِضَمِّ الْقَافِ فَهُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا صُمْت زَمَانًا حَنِثَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا صُمْت ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ أَزْمِنَةً كَفَاهُ صَوْمُ يَوْمٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَزْمِنَةٍ ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ الْأَيَّامَ كَفَاهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ كَانَ يُعَذِّبُ أَحَدًا مِنْهُمْ ، وَلَوْ اتَّهَمَتْهُ زَوْجَتُهُ بِاللِّوَاطِ فَحَلَفَ لَا يَأْتِي حَرَامًا حَنِثَ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : وَلَا تَخْرُجِينَ مِنْ الصُّفَّةِ أَيْضًا لَغَا الْأَخِيرُ ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا عَطْفَ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْبَحْرِ ، أَوْ فِي مَكَّةَ ، أَوْ فِي الظِّلِّ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْتَظَرُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ .

وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ تَنَاوَلَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا ، بِخِلَافِ ضَرْبِهِ .

( وَلَوْ عَلَّقَ ) الطَّلَاقَ ( بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ ) مَثَلًا كَإِنْ رَأَيْته فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ ) كَإِنْ لَمَسْته أَوْ قَذَفْته فَأَنْتِ طَالِقٌ ( تَنَاوَلَهُ ) التَّعْلِيقُ ( حَيًّا وَمَيِّتًا ) فَيَحْنَثُ بِرُؤْيَةِ الْمَيِّتِ ، وَمَسِّ بَشَرَتِهِ ، لِصِدْقِ الِاسْمِ فِي الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْحَيِّ ، وَلِهَذَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ ، وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ مَاسِّهِ ، وَخَرَجَ بِالْبَشَرَةِ مَسُّهُ بِحَائِلٍ ، وَمَسُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَسِنِّهِ ، وَيَكْفِي فِي الرُّؤْيَةِ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَلَوْ غَيْرِ وَجْهِهِ ، وَلَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى أَوْ وَهُوَ سَكْرَانُ ، وَلَوْ كَانَ الْمَرْئِيُّ فِي مَاءٍ صَافٍ وَزُجَاجٍ وَشَفَّافٍ لَا خَيَالَ فِيهِمَا طَلُقَتْ لِوُجُوبِ الْوَصْفِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ ، أَوْ مُتَّزِرٌ بِثَوْبٍ ، أَوْ مَاءٍ كَدِرٍ ، أَوْ زُجَاجٍ كَثِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ ، أَوْ بِرُؤْيَتِهَا خَيَالَهُ فِي الْمِرْآةِ .
نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا وَجْهَهَا فَرَأَتْهُ فِي الْمِرْآةِ طَلُقَتْ إذْ لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَتُهُ إلَّا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهِ وَجْهَهُ ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا ذُكِرَ صِدْقُ رُؤْيَةِ كُلِّهِ عُرْفًا ، فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ : أَمَّا لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ مِنْ كُوَّةٍ فَرَأَتْ ذَلِكَ الْعُضْوَ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَتْ ، عَمْيَاءَ وَأُيِسَ مِنْ بُرْئِهَا عَادَةً كَمَنْ تَرَاكَمَ عَلَى عَيْنَيْهَا الْبَيَاضُ [ .
.
] أَوْ عَارِيًّا ، أَوْ وُلِدَتْ عَمْيَاءَ فَتَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا الْهِلَالَ حُمِلَ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ ، وَلَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهَا لَهُ ، أَوْ بِتَمَامِ الْعَدَدِ فَتَطْلُقُ بِذَلِكَ ، لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ } بِخِلَافِ رُؤْيَةِ زَيْدٍ مَثَلًا ، فَقَدْ يَكُونُ الْغَرَضُ زَجْرُهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ،

أَوْ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ فَاسِقٌ وَصَدَّقَهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مُؤَاخَذَتُهُ ، وَلَوْ قَالَ : أَرَدْت بِالرُّؤْيَةِ الْمُعَايَنَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِرُؤْيَةِ عَمْيَاءَ فَلَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ يُدَيَّنُ ، فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْمُعَايَنَةِ وَمَضَى ثَلَاثُ لَيَالٍ وَلَمْ تَرَ فِيهَا الْهِلَالَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ تَسْتَقْبِلُهُ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَعْدَهَا هِلَالًا ( بِخِلَافِ ضَرْبِهِ ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ ، كَإِنْ ضَرَبْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَتْهُ وَهُوَ مَيِّتٌ لِانْتِفَاءِ الْأَلَمِ ، أَوْ هُوَ حَيٌّ طَلُقَتْ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ أَوْ وَكْزٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إنْ آلَمَ الْمَضْرُوبَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤْلِمْهُ ، أَوْ عَضَّهُ ، أَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَرَّحُوا فِي الْأَيْمَانِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ ضَرَبَهُ فَلَمْ يُؤْلِمْهُ .
فُرُوعٌ : لَوْ عَلَّقَ بِتَكْلِيمِهَا زَيْدًا فَكَلَّمَتْهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ سُكْرًا يَسْمَعُ مَعَهُ وَيَتَكَلَّمُ ، وَكَذَا إنْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى لَا السُّكْرُ الطَّافِحُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ مِمَّنْ يُكَلِّمُ غَيْرَهُ وَيَتَكَلَّمُ هُوَ عَادَةً ، فَإِنْ كَلَّمَتْهُ فِي نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا ، أَوْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ ، أَوْ كَلَّمَتْهُ بِهَمْسٍ ، وَهُوَ خَفْضُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْمُخَاطَبُ ، أَوْ نَادَتْهُ مِنْ مَكَان لَا يَسْمَعُ مِنْهُ ، فَإِنْ فَهِمَهُ بِقَرِينَةٍ ، أَوْ حَمَلَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِ وَسَمِعَ لَمْ تَطْلُقْ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عَادَةً ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَا يَسْمَعُ لِذُهُولٍ مِنْهُ ،

أَوْ لِشُغْلٍ ، أَوْ لَغَطٍ ، وَلَوْ كَانَ لَا يُفِيدُ مَعَهُ الْإِصْغَاءُ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ ، وَعَدَمُ السَّمَاعِ لِعَارِضٍ ، وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ فَكَلَّمَتْهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمٍ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ لَسَمِعَ فَقِيلَ : يَقَعُ ؛ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَإِنْ تَعَذَّرَ السَّمَاعُ لِأَمْرٍ بِهِ فَأَشْبَهَ شُغْلَ قَلْبِهِ ، وَصَحَّحَ هَذَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ، وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي ثَمَّ عَنْ النَّصِّ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : تَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ ، وَقِيلَ : لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُكَلِّمْهُ عَادَةً فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْهَمْسِ ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ .
هَذَا وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ .
وَالثَّانِي : عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مَعَ رَفْعِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت نَائِمًا أَوْ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت مَيِّتًا أَوْ حِمَارًا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ حَائِطًا مَثَلًا وَهُوَ يَسْمَعُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُكَلِّمْهُ .
وَالثَّانِي : تَطْلُقُ ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْكَلَامِ دُونَ الْحَائِطِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ أَبَاهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهَا أَوْ زَوْجَهَا طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ ، فَإِنْ قَالَ قَصَدْت مَنْعَهَا مِنْ مُكَالَمَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ قُبِلَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِتَكْلِيمِ أَحَدِهِمَا ، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ ، فَلَا يَقَعُ بِتَكْلِيمِ الْآخَرِ شَيْءٌ ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِكَلَامِهِمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا

أَوْ إنْ كَلَّمَتْ زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا أَوْ زَيْدًا فَعَمْرًا اُشْتُرِطَ تَكْلِيمُ زَيْدٍ أَوَّلًا وَتَكْلِيمُ عَمْرٍو بَعْدَهُ مُتَرَاخِيًا فِي الْأُولَى وَعَقِبَ كَلَامِ زَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ .
تَنْبِيهٌ : الْأَصْحَابُ إلَّا الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَمِيلُونَ فِي التَّعْلِيقِ إلَى تَقْدِيمِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ كَمَا مَرَّ فِي إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَايَ مِنْ نَوَاك ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ التَّفْرِيقُ ، وَمَعْنَاهُ الْعُرْفِيَّ التَّعْيِينُ ، هَذَا إنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ ، فَإِنْ اطَّرَدَ عُمِلَ بِهِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ ، وَعَلَى النَّاظِرِ التَّأَمُّلُ وَالِاجْتِهَادُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ بَلْ يَأْتِي عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ ، وَمِنْهُ مَا يَأْتِي فِي الْخَسِيسِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : وَيُشْبِهُ .
.
إلَخْ .

وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ فَقَالَ إنْ كُنْت كَذَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ طَلُقَتْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ ، أَوْ التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي الْأَصَحِّ ، وَالسَّفَهُ مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ ، وَالْخَسِيسُ .
قِيلَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا .

.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَوْصَافٍ تَجْرِي فِي مُخَاصَمَةِ الزَّوْجَيْنِ وَيُعَلَّقُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَقَالَ : ( وَلَوْ خَاطَبَتْهُ ) زَوْجَتُهُ ( بِمَكْرُوهٍ ) مِنْ الْقَوْلِ ( كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ ، فَقَالَ ) لَهَا ( إنْ كُنْت كَذَاك ) أَيْ سَفِيهًا أَوْ خَسِيسًا ( فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ ) بِذَلِكَ ( مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ ) أَيْ إغَاظَتَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا أَغَاظَتْهُ بِالشَّتْمِ الْمَكْرُوهِ ، وَالْمَعْنَى إنْ كُنْت كَذَلِكَ فِي زَعْمِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( طَلُقَتْ ) حَالًا ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ ) أَوْ خِسَّةٌ ( أَوْ ) أَرَادَ ( التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ ) كَمَا هُوَ سَبِيلُ التَّعْلِيقَاتِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَمْ تَطْلُقْ ( وَكَذَا ) تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ ( إنْ ) أَطْلَقَ بِأَنْ ( لَمْ يَقْصِدْ ) شَيْئًا ( فِي الْأَصَحِّ ) نَظَرًا لِوَضْعِ اللَّفْظِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ عَدَمِهَا .
وَالثَّانِي : لَا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ حَمْلًا عَلَى الْمُكَافَأَةِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ ، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُرَاعِي الْوَضْعَ أَوْ الْعُرْفَ ( وَالسَّفَهُ ) الْمُعَلَّقُ بِهِ كَمَا هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ ( مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ ) فَهُوَ صِفَةٌ لَا يَكُونُ الشَّخْصُ مَعَهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْعُرْفُ فِي زَمَنِنَا جَارٍ بِأَنَّهُ ذُو اللِّسَانِ الْفَاحِشِ الْمُوَاجِهُ بِمَا يَسْتَحِي مِنْهُ غَالِبُ النَّاسِ ، فَالْوَجْهُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ السَّفَهَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَقَدْ تَدُلُّ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ بِأَنْ خَاطَبَهَا بِمَا فِيهِ فُحْشٌ مِنْ الْقَوْلِ فَخَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ مُشِيرَةً إلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ ا هـ .
وَالْمُتَّجِهُ أَنَّ السَّفِيهَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَا إلَى مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا إنْ ادَّعَاهُ وَكَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ .
وَأَمَّا الْعَاصِي فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَا قَالَهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ ( وَالْخَسِيسُ .
قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ ( مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ )

أَيْ تَرَكَ دِينَهُ لِاشْتِغَالِهِ بِدُنْيَاهُ .
قَالَ : وَأَخَسُّ الْأَخِسَّاءِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا مِنْ نَفْسِهِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ ( وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ ) فِي مَعْنَى الْخَسِيسِ ( هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا ) بِمَا يَلِيقُ بِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ يَتَعَاطَاهُ تَوَاضُعًا ، وَالْقَوَّادُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمْعًا حَرَامًا وَإِنْ كُنَّ غَيْرَ أَهْلِهِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَكَذَا مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْدِ ، وَالْقَرْطَبَانُ مَنْ يَسْكُتُ عَلَى الزَّانِي بِامْرَأَتِهِ ، وَفِي مَعْنَاهُ مَحَارِمُهُ وَنَحْوَهُنَّ ، وَالدَّيُّوثُ بِالْمُثَلَّثَةِ مَنْ لَا يَمْنَعُ الدَّاخِلَ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ الدُّخُولِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَارِمَهُ وَإِمَاءَهُ كَزَوْجَتِهِ لِلْعُرْفِ .
وَقَلِيلُ الْحَمِيَّةِ مَنْ لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَحَارِمِهِ وَنَحْوِهِنَّ ، وَالْقَلَّاشُ الذَّوَّاقُ لِلطَّعَامِ كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ ، وَالْبَخِيلُ مَانِعُ الزَّكَاةِ وَمَنْ لَا يُقْرِي الضَّيْفَ ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا بَخِيلٌ ، وَمَنْ قِيلَ لَهُ يَا زَوْجَ الْقَحْبَةِ فَقَالَ : إنْ كَانَتْ ، زَوْجَتِي كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ قَصَدَ التَّخَلُّصَ مِنْ عَارِهَا ، كَمَا لَوْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ .
وَالْقَحْبَةُ هِيَ الْبَغِيُّ ، والجهودوري مَنْ قَامَ بِهِ الذِّلَّةُ أَوْ الْخَسَاسَةُ ، وَقِيلَ : مَنْ قَامَ بِهِ صُفْرَةُ الْوَجْهِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ الْمُسْلِمُ لَمْ تَطْلُقْ ، لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهَا ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ بِهَا طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ، وَالْكَوْسَجُ مَنْ قَلَّ شَعْرُ وَجْهِهِ وَعُدِمَ شَعْرُ عَارِضَيْهِ ، وَالْأَحْمَقُ مَنْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ ، وَقِيلَ : مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِعَقْلِهِ ، وَقِيلَ : مَنْ يَعْمَلُ مَا يَضُرُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ ، وَالْغَوْغَاءُ مَنْ يُخَالِطُ الْأَرَاذِلَ وَيُخَاصِمُ النَّاسَ بِلَا حَاجَةٍ ، وَالسِّفْلَةُ مَنْ يَعْتَادُ

دَنِيءَ الْأَفْعَالِ لَا نَادِرًا ، فَإِذَا وَصَفَتْ زَوْجَهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا إنْ كُنْت كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنْ قَصَدَ مُكَافَأَتَهَا طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ وُجُودُ الصِّفَةِ ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ : كَمْ تُحَرِّكُ لِحْيَتَك فَقَدْ رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا ، فَقَالَ لَهَا : إنْ كُنْت رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ كِنَايَةٌ عَنْ الرُّجُولِيَّةِ وَالْفُتُوَّةِ وَنَحْوَهَا ، وَإِنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى الْمُكَافَأَةِ طَلُقَتْ ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ وُجُودُ الصِّفَةِ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ : أَنَا أَسْتَنْكِفُ مِنْك ، فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَسْتَنْكِفُ مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ فَظَاهِرُهُ الْمُكَافَأَةُ فَتَطْلُقُ حَالًا إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ : أَنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَقَالَ لَهَا : إنْ كُنْت مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ظَاهِرًا ، فَإِنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ قَالَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ظَاهِرًا ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ عَدَمُ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُكَافَأَةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَإِنْ أَذْنَبَ ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ ، وَلَوْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ إمَامَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَحْنَثْ تَشْبِيهًا بِمَسْأَلَةِ الْغُرَابِ ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ قَدْ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْآخَرُ ، وَلَوْ حَلَفَ سُنِّيٌّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ ، وَعَكَسَ الرَّافِضِيُّ حَنِثَ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَلَوْ حَلَفَ السُّنِّيُّ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَحَلَفَ الْمُعْتَزِلِيُّ أَنَّهُمَا مِنْ الْعَبْدِ حَنِثَ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُمَا مِنْ اللَّهِ ، وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَنْبَلِيِّ يَقُولُ : إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ، وَعَكَسَ الْأَشْعَرِيُّ .
فَقَالَ : إنْ أَرَادَ الْحَنْبَلِيُّ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ دَيْنِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ دَيْنِكِ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ فَعَلْت مَعْصِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِتَرْكِ الطَّاعَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ ، وَلَوْ وَطِئَ

زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ ، فَقَالَ : إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْلَى مِنْ زَوْجَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِمَيْلِ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الزَّوْجَةُ فَلَا تَكُونُ أَحْلَى مِنْ نَفْسِهَا ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يُخَاطِبُ غَيْرَهَا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ وَطِئْت أَمَتِي بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ فَاسْتَأْذَنَهَا فَقَالَتْ لَهُ : طَأْهَا فِي عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ إذْنًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إلَّا إنْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ كَانَ إذْنًا وَقَوْلُهَا فِي عَيْنِهَا يَكُونُ تَوَسُّعَا لَهُ فِي الْإِذْنِ لَا تَخَصُّصًا ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ دَخَلْت الْبَيْتَ وَوَجَدْت فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِك وَلَمْ أَكْسِرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَ فِي الْبَيْتِ هَاوُنًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِلِاسْتِحَالَةِ ، وَقِيلَ تَطْلُقُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِلْيَأْسِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ غَسَلْت ثَوْبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَغَسَلَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ غَمَسَتْهُ هِيَ فِي الْمَاءِ تَنْظِيفًا لَهُ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْغَسْلُ بِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ كَالْأُشْنَانِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ قَبَّلْت ضَرَّتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِتَقْبِيلِ أُمِّهِ ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِتَقْبِيلِهَا مَيِّتَةً إذْ قُبْلَةُ الزَّوْجَةِ قُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْأُمُّ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ ؛ لِأَنَّ قُبْلَتَهَا قُبْلَةُ شَفَقَةٍ وَكَرَامَةٍ ، أَكْرَمَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجَمِيعَ أَهْلِنَا وَمَشَايِخِنَا وَأَصْحَابِنَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ .

كِتَابُ الرَّجْعَةِ النِّكَاحُ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ .

( كِتَابُ الرَّجْعَةِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ ، وَهِيَ لُغَةً : الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ ، وَشَرْعًا رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ .
قَوْله تَعَالَى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أَيْ فِي الْعِدَّةِ ، { إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } أَيْ رَجْعَةً : كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وقَوْله تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَالرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ مُفَسَّرَانِ بِالرَّجْعَةِ ، { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .
{ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } كَمَا مَرَّ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ : مُرْتَجِعٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ سَبَبٌ لَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ : وَ ( شَرْطُ الْمُرْتَجِعِ : أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا غَيْرَ مُرْتَدٍّ ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ كَإِنْشَاءِ النِّكَاحِ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِي الرِّدَّةِ وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ ، وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ كَمَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ فِيهَا .
تَنْبِيهٌ : الِاحْتِرَازُ عَنْ الصَّبِيِّ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ طَلَاقِهِ حَتَّى يُقَالَ : لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ ، وَتَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَإِنْ قِيلَ : يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ تَصِحُّ رَجْعَتُهُ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ الْأَهْلِيَّةَ ، وَإِنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَ مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةُ الْأَمَةِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِنِكَاحِهَا

؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَتَصِحُّ مُرَاجَعَةُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ احْتَاجَا فِي النِّكَاحِ إلَيْهِ إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَوْ عَتَقَتْ الرَّجْعِيَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا ( وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ قِيلَ : مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا لَيْسَ بِوَجْهٍ بَلْ هُوَ بَحْثٌ لِلرَّافِعِيِّ جَزَمَ بِهِ الْجِيلِيُّ .
أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ وُقُوفِ الْمُصَنِّفِ عَلَى نَقْلِ الْوَجْهَيْنِ

وَتَحْصُلُ بِرَاجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَارْتَجَعْتُك ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ صَرِيحَانِ ، وَأَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ كِنَايَتَانِ ، وَلْيَقُلْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ فَتَصِحُّ بِكِنَايَةٍ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَةُ وَفِي انْقِسَامِهَا إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ فَقَالَ : ( وَتَحْصُلُ ) الرَّجْعَةُ مِنْ نَاطِقٍ ( بِرَاجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَارْتَجَعْتُك ) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرِيحَةٌ لِشُيُوعِهَا وَوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهَا ، وَيَلْحَقُ بِهَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ مَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِهَا : كَقَوْلِهِ : أَنْتِ مُرَاجَعَةٌ أَوْ مُرْتَجَعَةٌ أَوْ مُسْتَرْجَعَةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِمَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ ، سَوَاءٌ أَعَرِفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا ، وَسَوَاءٌ أَضَافَ إلَيْهِ أَوْ إلَى نِكَاحِهِ كَقَوْلِهِ : إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي أَمْ لَا ، لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ رَاجَعْت أَوْ ارْتَجَعْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ ذَلِكَ إلَى مُظْهَرٍ كَرَاجَعْتُ فُلَانَةَ أَوْ مُضْمَرٍ كَرَاجَعْتُكِ أَوْ مُشَارٍ إلَيْهِ كَرَاجَعْتُ هَذِهِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ ) كَرَدَدْتُك أَوْ أَمْسَكْتُك ، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ مَسَكْتُك ( صَرِيحَانِ ) فِي الرَّجْعَةِ أَيْضًا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أَيْ فِي الْعِدَّةِ { إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } أَيْ رَجْعَةً : كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ تَعَالَى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ ) فِي قَوْلِ الْمُرْتَجِعِ تَزَوَّجْتُك أَوْ نَكَحْتُك ( كِنَايَتَانِ ) وَإِنْ جُوِّزَ الْعَقْدُ عَلَى صُورَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالثَّانِي : هُمَا صَرِيحَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا صَالِحَانِ لِلِابْتِدَاءِ فَلَأَنْ يَصْلُحَا لِلتَّدَارُكِ أَوْلَى ( وَلْيَقُلْ ) أَيْ الْمُرْتَجِعُ ( رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي ) حَتَّى يَكُونَ

صَرِيحًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ ضِدُّ الْقَبُولِ ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّدُّ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ الْفِرَاقِ فَلَزِمَ تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ ( وَالْجَدِيدُ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ ( أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ) فِي الرَّجْعَةِ ( الْإِشْهَادُ ) بِهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ السَّابِقِ ، وَلِذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْوَلِيِّ وَرِضَا الْمَرْأَةِ وَالْقَدِيمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَا لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، بَلْ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } أَيْ عَلَى الْإِمْسَاكِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الرَّجْعَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ : كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } لِلْأَمْنِ مِنْ الْجُحُودِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ اُسْتُحِبَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ إقْرَارِهَا بِالرَّجْعَةِ خَوْفَ جُحُودِهَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ مَقْبُولٌ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَعَلَى الْجَدِيدِ ( فَتَصِحُّ ) الرَّجْعَةُ ( بِكِنَايَةٍ ) وَلِهَذَا أَتَى بِفَاءِ التَّفْرِيعِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ ، لَا ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ .
تَنْبِيهٌ : هَلْ الْكِتَابَةُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ كَالْكِنَايَةِ أَوْ لَا ؟ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِاللَّفْظِ مِنْ الْقَادِرِ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَصِحُّ بِالصَّرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ ، أَمَّا

الْأَخْرَسُ فَتَصِحُّ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ ، فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ أَوْ فَظُنُونٌ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ ، وَبِالْكِتَابَةِ بِالْفَوْقِيَّةِ لِعَجْزِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجَةِ وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا وَلَا سَيِّدِهَا إذَا كَانَتْ ، أَمَةً ، وَيُسَنُّ إعْلَامُ سَيِّدِهَا ( وَ ) لَا تَسْقُطُ الرَّجْعَةُ بِالْإِسْقَاطِ

وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا ، وَلَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ
( وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا ) وَلَا تَأْقِيتًا كَالنِّكَاحِ ، فَلَوْ قَالَ : رَاجَعْتُك إنْ شِئْت لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَلَا يَضُرُّ رَاجَعْتُك إنْ شِئْت أَوْ أَنْ شِئْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ لَا تَعْلِيقٌ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَسْتَفْسِرَ الْجَاهِلُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَإِنْ قَالَ : رَاجَعْتُك شَهْرًا أَوْ زَمَنًا لَمْ يَصِحَّ لِمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ : مَتَى رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ لِمَنْ فِي نِكَاحِهِ : مَتَى طَلَّقْتُك وَرَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَرَاجَعَهَا صَحَّ الِارْتِجَاعُ وَطَلُقَتْ ، وَلَوْ قَالَ : رَاجَعْتُك لِلضَّرْبِ أَوْ لِلْإِكْرَامِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ إنْ قَصَدَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ ، لَا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ دُونَ الرَّجْعَةِ فَيَضُرُّ فَيَسْأَلُ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَيَّنُ مَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السُّؤَالِ حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ ( وَلَا تَحْصُلُ ) الرَّجْعَةُ بِإِنْكَارِ الزَّوْجِ طَلَاقَهَا لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا ، وَلَا ( بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ ) وَمُقَدَّمَاتِهِ ، وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ النِّكَاحُ ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَيْفَ يَقْطَعُهَا نَعَمْ وَطْءُ الْكَافِرِ وَمُقَدَّمَاتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ رَجْعَةً وَأَسْلَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا فَنُقِرُّهُمْ كَمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ أَوْلَى ، وَقَدْ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِنَايَاتِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ فِعْلٌ

وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ طَلُقَتْ بِلَا عِوَضٍ لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُ طَلَاقِهَا ، بَاقِيَةٌ فِي الْعِدَّةِ ، مَحِلٍّ لِحِلٍّ ، لَا مُرْتَدَّةٍ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ فَقَالَ ( وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ ) لِأَنَّ لَا عِدَّةَ عَلَى غَيْرِهَا ، وَالرَّجْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْعِدَّةِ قَالَ تَعَالَى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أَيْ فِي التَّرَبُّصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ : يَتَرَبَّصْنَ تَنْبِيهٌ : شَمَلَ إطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الْقُبُلِ وَكَذَا فِي الدُّبُرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَتَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ مُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُنَّةِ ، وَإِنْ صَحَّحَ فِيهَا فِي بَابِ مَوَانِعِ النِّكَاحِ عَدَمَ ثُبُوتِهَا ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَتَخْرُجُ الْخَلْوَةُ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ بِهَا ( طَلُقَتْ ) فَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا لَا رَجْعَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَهَا بِالطَّلَاقِ فَاخْتَصَّتْ بِهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ( بِلَا عِوَضٍ ) لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بِهِ قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا ( لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُ طَلَاقِهَا ) بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى فَإِنَّهُ لَا سَلْطَنَةَ لَهُ عَلَيْهَا ( بَاقِيَةٌ فِي الْعِدَّةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } لَوْ كَانَ حَقُّ الرَّجْعَةِ بَاقِيًا لِمَا كَانَ يُبَاحُ لَهُنَّ النِّكَاحُ تَنْبِيهٌ : يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا خَالَطَ الرَّجْعِيَّةَ مُخَالَطَةَ الْأَزْوَاجِ بِلَا وَطْءٍ فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ وَيَدْخُلُ فِيهَا الْبَقِيَّةُ وَلَا يُرَاجِعُ إلَّا فِي الْبَقِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَمَلَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ فِي عِدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي

عِدَّتِهِ ، وَسَيَأْتِي فِي هَذِهِ خِلَافٌ فِي الْعِدَدِ ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ بَاقِيَةٌ : لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا لَشَمَلَ هَذِهِ الصُّوَرَ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْبَقَاءُ فِي كَلَامِهِ عَلَى بَقَاءِ أَصْلِ الْعِدَّةِ ( مَحِلٍّ لِحِلٍّ ) أَيْ قَابِلَةٍ لِلْحِلِّ لِلْمُرَاجِعِ ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ وَاسْتَمَرَّ زَوْجُهَا وَرَاجَعَهَا فِي كُفْرِهِ لَمْ يَصِحَّ ( لَا مُرْتَدَّةٍ ) فَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الْحِلُّ وَالرِّدَّةُ تُنَافِيهِ ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ ارْتَدَّا مَعًا ، وَضَابِطُ ذَلِكَ انْتِقَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى دِينٍ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ تَنْبِيهٌ : لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَجْعَةُ الْمُحْرِمَةِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ عَدَمِ إفَادَةِ رَجْعَتِهَا حِلَّ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَبُولُ نَوْعٍ مِنْ الْحِلِّ ، وَقَدْ أَفَادَتْ حِلَّ الْخَلْوَةِ ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْمُرْتَجَعَةِ كَوْنُهَا مُعَيَّنَةً ، فَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَأُبْهِمَ ثُمَّ رَاجَعَ أَوْ طَلَّقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ رَاجَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ ، إذْ لَيْسَتْ الرَّجْعَةُ فِي احْتِمَالِ الْإِبْهَامِ كَالطَّلَاقِ لِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِبْهَامِ ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ وَشَكَّ فِي حُصُولِهِ فَرَاجَعَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَاصِلًا فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ الْكَمَالُ سَلَّارٍ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ أَنَّهَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ

وَإِذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ لِمُدَّةِ إمْكَانِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ وَإِنْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ ، أَوْ سِقْطٍ مُصَوَّرٍ فَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ فَثَمَانُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ

( وَإِذَا ادَّعَتْ ) الْمُعْتَدَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ ( انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ ) كَأَنْ تَكُونَ آيِسَةً ( وَأَنْكَرَ ) زَوْجُهَا ذَلِكَ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِرُجُوعِ ذَلِكَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ طَلَاقِهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ فَكَذَا فِي وَقْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي شَيْءٍ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَتِهِ ، وَلَوْ انْعَكَسَتْ الصُّورَةُ فَإِنْ ادَّعَى الِانْقِضَاءَ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا غَلَّظَتْ عَلَى نَفْسِهَا كَذَا قَالَاهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ خَاصَّةً ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الزَّوْجُ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْكَافِي ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَلَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ مَعَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا ( أَوْ ) لَمْ تَدَّعِ انْقِضَاءَ أَشْهُرٍ بَلْ ادَّعَتْ ( وَضْعَ حَمْلٍ ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ كَامِلٍ أَوْ نَاقِصٍ وَلَوْ مُضْغَةً ( لِمُدَّةِ إمْكَانِ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا ( وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ ) مِنْهَا فِي وَضْعِ الْحَمْلِ الْمَذْكُور فِيمَا يَرْجِعُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَطْ ، لِأَنَّ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى مَا فِي أَرْحَامِهِنَّ ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِلَادَةِ قَدْ تَعْسُرُ أَوْ تَتَعَذَّرُ ، وَالثَّانِي : لَا وَتُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقَوَابِلَ يَشْهَدْنَ بِالْوِلَادَةِ ، أَمَّا النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ كَمَا فِي الْأَمَةِ تَدَّعِي وَضْعَ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا فَلَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ غَيْرُ مُؤْتَمَنَةٍ فِي النَّسَبِ ، وَبِأَنَّ الْأَمَةَ تَدَّعِي بِالْوِلَادَةِ زَوَالَ مِلْكٍ مُتَيَقَّنٍ ، وَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِ كُلِّ الْحَمْلِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَرَاجَعَهَا صَحَّتْ

الرَّجْعَةُ ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا فَلَا ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : مُدَّةُ إمْكَانٍ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَمَا سَيَأْتِي ، وَبِقَوْلِهِ : وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ عَنْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْمُصَنِّفُ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْوَضْعِ ، وَكَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَأَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ مَعَهَا كَمَا مَرَّ كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ لَمْ تَحِضْ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْبَلُ كَذَا قَالَهُ هُنَا ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعِدَدِ مَا يُفْهَمُ إمْكَانُ الْحَبْلِ فِيهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى الْغَالِبِ وَأَمَّا مُدَّةُ الْإِمْكَانِ فَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ ) أَيْ أَقَلَّ مُدَّةٍ تُمْكِنُ فِيهَا وِلَادَتُهُ ( سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ ) إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ ( النِّكَاحِ ) كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ ، وَاعْتُبِرَتْ السِّتَّةُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } وَقَالَ : { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وَاللَّحْظَتَانِ : لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ ، وَلَحْظَةٌ لِلْوِلَادَةِ ( أَوْ ) وِلَادَةُ ( سِقْطٍ مُصَوَّرٍ فَمِائَةٌ ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِهِ مِائَةٌ ( وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ ) مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ ( أَوْ ) لَمْ تَدَّعِ الْمُعْتَدَّةُ وَضْعَ حَمْلٍ بَلْ ادَّعَتْ إلْقَاءَ ( مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ ) وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ ( فَثَمَانُونَ ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِهِ ثَمَانُونَ ( يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ ) مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ ، وَدَلِيلُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ : { أَنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً يَكُونُ عَلَقَةً ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ

ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ } وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ بِخَبَرٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ ، وَهُوَ : { إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا } الْحَدِيثُ .
وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا مِنْ التَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ وَهُوَ أَنْ يُخْبِرَ بِالْمُتَوَسِّطِ أَوْ الْمُؤَخَّرِ أَوَّلًا ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا وَمِنْهَا أَنْ يُحْمَلَ التَّصْوِيرُ فِي الثَّانِي عَلَى غَيْرِ التَّامِّ ، وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى التَّامِّ وَمِنْهَا أَنْ يُحْمَلَ الثَّانِي عَلَى التَّصْوِيرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ فَاءُ فَصَوَّرَهَا إذْ التَّقْدِيرُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ فَصَوَّرَهَا : كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحَوَى } فَإِنْ ادَّعَتْ الْوَضْعَ أَيْ فِي أَيِّ قِسْمٍ لِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ لَمْ تُصَدَّقْ وَكَانَ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا فَائِدَةٌ : لَا وَلَدَ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ وَضْعُهُ وَحَمْلُهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَهَاهُ لَكَانَ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِهِ

أَوْ انْقِضَاءَ أَقْرَاءٍ ، فَإِنْ كَانَتْ ، حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ فِي حَيْضٍ فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلَحْظَةٌ ، أَوْ أَمَةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ فِي حَيْضٍ فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ وَلَحْظَةٌ

( أَوْ ) ادَّعَتْ الْمُعْتَدَّةُ ( انْقِضَاءَ ) مُدَّةِ ( أَقْرَاءٍ ) نُظِرَ فِيهَا ( فَإِنْ كَانَتْ ، حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ ( فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ ) لِانْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا ( اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ لَحْظَةٌ مِنْ الطُّهْرِ وَهِيَ قُرْءٌ ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ قُرْءٌ ثَانٍ ، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ قُرْءٌ ثَالِثٌ ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضَةِ ، وَهَذِهِ الْحَيْضَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعِدَّةِ بَلْ لِاسْتِيقَانِ انْقِضَائِهَا فَلَا تَصْلُحُ لِرَجْعَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ أَثَرِ نِكَاحِ الْمُطَلِّقِ كَإِرْثٍ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ، أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ لِلطَّعْنِ ، فَإِنَّ الطُّهْرَ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ لَيْسَ بِقُرْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَوِشٍ بِدَمَيْنِ ، وَلَا تُعْتَبَرُ لَحْظَةٌ أُخْرَى لِاحْتِمَالِ طَلَاقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الطُّهْرِ ( أَوْ ) طَلُقَتْ حُرَّةٌ ( فِي حَيْضٍ ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ أَوْ مُبْتَدَأَةٌ ( فَسَبْعَةٌ ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا سَبْعَةٌ ( وَأَرْبَعُونَ ) يَوْمًا ( وَلَحْظَةٌ ) وَذَلِكَ كَأَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَطْعَنُ فِي الْحَيْضِ ، وَفِي لَحْظَةِ الطَّعْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الطُّهْرِ ، وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى تَقْدِيرِ لَحْظَةٍ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ اللَّحْظَةَ هُنَاكَ تُحْسَبُ قُرْءًا ( أَوْ ) كَانَتْ ، ( أَمَةً ) وَلَوْ مُبَعَّضَةً ( وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ ( فَسِتَّةٌ ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا سِتَّةُ ( عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ لَحْظَةٌ مِنْ الطُّهْرِ فَتُحْسَبَ

قُرْءًا ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الدَّمِ لَحْظَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا تَمَامُ الطُّهْرِ ، أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الِاحْتِوَاشِ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( أَوْ ) طَلُقَتْ أَمَةٌ وَلَوْ مُبَعَّضَةً ( فِي حَيْضٍ ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ أَوْ مُبْتَدَأَةٌ ( فَأَحَدٌ ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا أَحَدٌ ( وَثَلَاثُونَ ) يَوْمًا ( وَلَحْظَةٌ ) وَذَلِكَ كَأَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضِ ، وَالطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ فِي الذَّاكِرَةِ ، فَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ هَلْ كَانَ طَلَاقُهَا فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَخَذْت بِالْأَقَلِّ وَهُوَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ ، وَقَالَ شَيْخُهُ الصَّيْمَرِيُّ : أَخَذْت بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إلَّا بِيَقِينٍ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ : هُوَ الِاحْتِيَاطُ وَالصَّوَابُ

وَتُصَدَّقُ إنْ لَمْ تُخَالِفْ عَادَةً دَائِرَةٌ ، وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ فِي الْأَصَحِّ .
( وَتُصَدَّقُ ) الْمَرْأَةُ حُرَّةً كَانَتْ ، أَوْ غَيْرَهَا فِي دَعْوَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِأَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ ( إنْ لَمْ تُخَالِفْ ) فِيمَا ادَّعَتْهُ ( عَادَةً ) لَهَا ( دَائِرَةٌ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي طُهْرٍ وَحَيْضٍ أَوْ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً فِيهِمَا ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ أَصْلًا ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَصُدِّقَتْ عِنْدَ الْإِمْكَانِ ، فَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَلَفَتْ ، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَثَبَتَ لَهُ الرَّجْعَةُ ، ( وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ ) بِأَنْ كَانَتْ ، عَادَتُهَا الدَّائِرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَادَّعَتْ مُخَالَفَتَهَا لِمَا دُونَهَا مَعَ الْإِمْكَانِ فَتُصَدَّقُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَتَغَيَّرُ ، فَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَلَفَتْ ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ، وَالثَّانِي : لَا تُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ : إنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَلَوْ مَضَى زَمَنُ الْعَادَةِ فَادَّعَتْ زَائِدًا عَلَيْهَا ، فَنَقَلَا فِي أَوَاخِرِ الْعُدَّةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ تَصْدِيقُهَا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَعَلَى الزَّوْجِ السُّكْنَى ، ثُمَّ أَبْدَيَا فِيهِ احْتِمَالًا ؛ لِأَنَّا لَوْ صَدَقْنَاهَا لَرُبَّمَا تَتَمَادَى فِي دَعْوَاهَا إلَى سِنِّ الْيَأْسِ ، وَفِيهِ إجْحَافٌ بِالزَّوْجِ

وَلَوْ وَطِئَ رَجْعِيَّتَهُ وَاسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ
( وَلَوْ وَطِئَ ) الزَّوْجُ ( رَجْعِيَّتَهُ ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ بِخَطِّهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَاسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ ) أَوْ الْأَشْهُرَ ( مِنْ وَقْتِ ) فَرَاغِهِ مِنْ ( الْوَطْءِ ) كَمَا نَقَلَاهُ فِي بَابِ تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْوَطْءِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ ( رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ ) مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ وَقَعَ الْوَطْءُ بَعْدَ قُرْأَيْنِ ثَبَتَ الرَّجْعَةُ فِي قُرْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ قُرْءٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي قُرْأَيْنِ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَخْتَصُّ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يُرَاجِعُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ لَكَانَ أَعَمَّ يَشْمَلُ مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَنْبِيهٌ : لَوْ أَحْبَلَهَا بِالْوَطْءِ رَاجَعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ لِوُقُوعِ عِدَّةِ الْوَطْءِ عَنْ الْجِهَتَيْنِ كَالْبَاقِي مِنْ الْأَقْرَاءِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَتَبَعَّضُ وَعِدَّةُ الْحَمْلِ لَا تَتَبَعَّضُ ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَلَا رَجْعَةَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ

وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا ، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ ، وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ ، وَكَذَا إنْ رَاجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ

وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الزَّوْجَاتِ فِي أَشْيَاءَ وَتُخَالِفُهُنَّ فِي أَشْيَاءَ وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ، فَقَالَ : ( وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا ) وَبِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى بِالنَّظَرِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ كَالْبَائِنِ ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ خِلَافَهُ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُبِيحُ الِاسْتِمْتَاعَ فَيُحَرِّمُهُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ ، وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بِتَسْمِيَتِهِ بَعْلًا ، وَأَنَّهُ يُطْلَقُ مَنْقُوضٌ بِالْمُظَاهِرِ وَزَوْجُ الْحَائِضِ ( فَإِنْ وَطِئَ ) الرَّجْعِيَّةَ ( فَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَتِهِ ( وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ ) إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مُعْتَقِدِ حِلِّهِ وَالْجَاهِلُ بِتَحْرِيمِهِ لِعُذْرِهِ ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَرْأَةُ ، وَكَالْوَطْءِ فِي التَّعْزِيرِ سَائِرُ التَّمَتُّعَاتِ ( وَيَجِبُ ) بِوَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ ( مَهْرُ مِثْلٍ ) جَزْمًا ( إنْ لَمْ يُرَاجِعْ ) لِأَنَّهَا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ كَالْمُتَخَلِّفَةِ فِي الْكُفْرِ فَكَذَا فِي الْمَهْرِ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ مَهْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَمْ نَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَوَطْءِ الْأَبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ ( وَكَذَا ) يَجِبُ الْمَهْرُ ( إنْ رَاجَعَ ) بَعْدَهُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ وَاسْتُشْكِلَ إيجَابُ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ مَهْرَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَهْرَ الثَّانِي بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا بِالْعَقْدِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يَجِبُ فِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ نَفْيِهِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَهْرٌ ، وَخَرَجَ قَوْلٌ فِي

وُجُوبِهِ مِنْ النَّصِّ فِي وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ ، وَالرَّاجِحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَثَرَ الرِّدَّةِ يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَثَرُ الطَّلَاقِ لَا يَرْتَفِعُ بِالرَّجْعَةِ ، وَالْحِلُّ بَعْدَهَا كَالْمُسْتَفَادِ بِعَقْدٍ آخَرَ

وَيَصِحُّ إيلَاءٌ وَظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَلِعَانٌ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ ( وَيَصِحُّ ) مِنْ الرَّجْعِيَّةِ ( إيلَاءٌ وَظِهَارٌ ) إنْ حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ بَعْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِمَا ( وَطَلَاقٌ ) وَلَوْ بِخُلْعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُرْسَلٍ كَزَوْجَاتِي طَوَالِقَ فَتَدْخُلُ الرَّجْعِيَّةُ فِيهِنَّ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَلِعَانٍ ) لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ

وَيَتَوَارَثَانِ
( وَ ) الزَّوْجُ وَالرَّجْعِيَّةُ ( يَتَوَارَثَانِ ) فَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرُ ، وَتَقَدَّمَ مَسْأَلَتَا التَّوَارُثِ وَالطَّلَاقِ فِي الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ خِطَابِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِهِ ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا تَتْمِيمًا لِأَحْكَامِ الرَّجْعِيَّةِ وَإِشَارَةً إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَيْ آيَاتِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ ، وَسَكَتَ هُنَا عَنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا لِذِكْرِهِ لَهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ تَنْبِيهٌ : الرَّجْعِيَّةُ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَالتَّرْجِيحُ بِحَسَبِ ظُهُورِ دَلِيلٍ لِأَحَدِهِمَا تَارَةً وَلِلْآخَرِ أُخْرَى ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَنَظِيرُهُ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّ النَّذْرَ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزِهِ وَفِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ

وَإِذَا ادَّعَى وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ رَجْعَةً فِيهَا فَأَنْكَرَتْ ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَالَ رَاجَعْت يَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَقَالَتْ بَلْ السَّبْتِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَالَتْ : انْقَضَتْ الْخَمِيسَ ، وَقَالَ السَّبْتَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى ، فَإِنْ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ ادَّعَاهَا قَبْلَ انْقِضَاءٍ فَقَالَتْ بَعْدَهُ صُدِّقَ قُلْت فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا صُدِّقَتْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الرَّجْعَةِ ، فَقَالَ : ( وَإِذَا ادَّعَى ) عَلَى رَجْعِيَّةٍ ( وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ ) هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ( رَجْعَةً فِيهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَنْكِحْ غَيْرَهُ ( فَأَنْكَرَتْ ) نُظِرَتْ ( فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ ) لِعِدَّتِهَا ( كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَالَ ) هُوَ ( رَاجَعْت يَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَقَالَتْ ) هِيَ ( بَلْ السَّبْتِ ) رَاجَعْتنِي فِيهِ ( صُدِّقَتْ ) عَلَى الصَّحِيحِ ( بِيَمِينِهَا ) أَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ رَاجَعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ إلَى يَوْمِ السَّبْتِ تَنْبِيهٌ : مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عِدَّةٍ يَنْقَضِي مِثْلُهَا بِأَشْهُرٍ أَوْ أَقْرَاءٍ أَوْ حَمْلٍ وَلَمْ يَرِدْ الِاتِّفَاقُ فِي حَقِيقَةِ الِانْقِضَاءِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ الرَّجْعَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَانِعٌ مِنْ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الِاتِّفَاقِ ( أَوْ ) لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ ، بَلْ ( عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَالَتْ ) هِيَ ( انْقَضَتْ الْخَمِيسَ ، وَقَالَ ) هُوَ : بَلْ انْقَضَتْ ( السَّبْتَ صُدِّقَ ) فِي الْأَصَحِّ ( بِيَمِينِهِ ) أَنَّهَا مَا انْقَضَتْ الْخَمِيسَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْقِضَائِهَا قَبْلَهُ ، وَقِيلَ : هِيَ الْمُصَدَّقَةُ ، وَقِيلَ : الْمُصَدَّقُ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى ، فَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا سَقَطَ هَذَا الْوَجْهُ ( وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ ) عَلَى وَقْتِ رَجْعَةٍ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّةٍ ( فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى ) لَاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ بِقَوْلِ السَّابِقِ ، ثُمَّ بَيَّنَ السَّبْقَ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ ادَّعَتْ ) أَيْ سَبَقَتْ وَادَّعَتْ ( الِانْقِضَاءَ ) لِعِدَّتِهَا ( ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً ) لَهَا ( قَبْلَهُ ) أَيْ الِانْقِضَاءِ ( صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا ) أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَسَقَطَ دَعْوَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الِانْقِضَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهَا بِالْأَصْلِ ( أَوْ ادَّعَاهَا ) أَيْ سَبَقَ وَادَّعَى رَجْعَتَهَا ( قَبْلَ انْقِضَاءٍ

) لِعِدَّتِهَا ( فَقَالَتْ ) بَلْ رَاجَعْتنِي ( بَعْدَهُ ) أَيْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الرَّجْعَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الِانْقِضَاءِ وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْقِضَاءِ تَنْبِيهٌ : مَا ذُكِرَ مِنْ إطْلَاقِ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ جَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَقَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ جَمْعٍ بِمَا إذَا تَرَاخَى كَلَامُهَا عَنْهُ ، فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ ، وَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ وَاعْتَمَدَهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِيمَا إذَا سَبَقَهَا الزَّوْجُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَرَاخَ كَلَامُهَا عَنْ كَلَامِهِ ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ ذُكِرَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي الْعِدَدِ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ ، وَهُوَ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ وَطَلَّقَهَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا ، فَقَالَ : وَلَدْت قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلِي الرَّجْعَةُ ، وَقَالَتْ : بَعْدَهُ نُظِرَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ بَلْ قَالَ : كَانَتْ ، الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَادَّعَتْ الْعَكْسَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ مَعَ أَنَّ مُدْرَكَ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ .
أُجِيبَ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ بَلْ عُمِلَ بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَدَّقُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَهُ فِي الْآخَرِ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُمَا هُنَا اتَّفَقَا عَلَى انْحِلَالِ الْعِصْمَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَثَمَّ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَتَقَوَّى فِيهِ جَانِبُ الزَّوْجِ ، وَهَلْ الْمُرَادُ سَبْقُ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ : نَعَمْ ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ : يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَهُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ

الزَّرْكَشِيُّ ( قُلْت ) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا ) كَأَنْ قَالَ : رَاجَعْتُك ، فَقَالَتْ فِي زَمَنِ هَذَا الْقَوْلِ انْقَضَتْ عِدَّتِي ( صُدِّقَتْ ) بِيَمِينِهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ الِانْقِضَاءَ غَالِبًا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا ، فَإِنْ اعْتَرَفَا بِتَرْتِيبِهِمَا وَأُشْكِلَ السَّابِقُ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ وَوِلَايَةُ الرَّجْعَةِ وَالْوَرَعِ تَرْكُهَا أَمَّا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ وَادَّعَى مُطَلِّقُهَا تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَيْهَا ، وَهَلْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهَا فِي حِيَالِهِ وَفِرَاشِهِ أَوْ لَا لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مِنْ اثْنَيْنِ ، فَادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ سَبْقَ نِكَاحِهِ فَإِنَّ دَعْوَاهُ لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ ، الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَأُجِيبَ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِهِمَا ثَمَّ ، وَعَلَى هَذَا تَارَةً يَبْدَأُ بِالدَّعْوَى عَلَيْهَا وَتَارَةً عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمُدَّعَاهُ انْتَزَعَهَا ، سَوَاءٌ بَدَأَ بِهَا أَمْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ وَبَدَأَ بِهَا فِي الدَّعْوَى فَأَنْكَرَتْ فَلَهُ تَحْلِيفُهَا ، فَإِنْ حَلَفَتْ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا عَلَى الثَّانِي مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا ، فَإِنْ زَالَ حَقُّهُ بِنَحْوِ مَوْتٍ سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ ، وَقَبْلَ زَوَالِ حَقِّ الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهَا لِلْأَوَّلِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْحَيْلُولَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ ، فِي حِيَالِ رَجُلٍ فَادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا آخَرُ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِهِ ، وَقَالَتْ : كُنْت طَلَّقْتنِي فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهَا لَهُ وَتَنْزِعُ لَهُ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَالْفَرْقُ اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْأُولَى عَلَى الطَّلَاقِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ نَعَمْ إنْ أَقَرَّتْ أَوَّلًا بِالنِّكَاحِ

لِلثَّانِي أَوْ أَذِنَتْ فِيهِ لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ نَكَحَتْ رَجُلًا بِإِذْنِهَا ثُمَّ أَقَرَّتْ بِرَضَاعِ مَحْرَمٍ بَيْنَهُمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا ، وَإِنْ بَدَأَ بِالزَّوْجِ فِي الدَّعْوَى فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ انْقَضَتْ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِي ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ إلَّا بِإِقْرَارِهَا لَهُ أَوْ حَلِفِهِ بَعْدَ نُكُولِهَا ، وَلَهَا عَلَى الثَّانِي بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ ، وَإِلَّا فَالْمُسَمَّى إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ

وَمَتَى ادَّعَاهَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ صُدِّقَ ، وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا وَصُدِّقَتْ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ قَبْلَ اعْتِرَافِهَا
( وَمَتَى ادَّعَاهَا ) أَيْ الرَّجْعَةَ ( وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ ) بِاتِّفَاقِهِمَا وَأَنْكَرَتْ ( صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَائِهَا ، وَهَلْ دَعْوَاهُ إنْشَاءٌ لِلرَّجْعَةِ أَوْ إقْرَارٌ بِهَا ؟ وَجْهَانِ ، رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ ، وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِي وَقَالَ الْإِمَامُ : لَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ إنْشَاءً ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ( وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا ) أَيْ الرَّجْعَةَ ( وَصُدِّقَتْ ) كَمَا تَقَدَّمَ ( ثُمَّ اعْتَرَفَتْ ) بِهَا ( قَبْلَ اعْتِرَافِهَا ) لِأَنَّهَا جَحَدَتْ حَقًّا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقُّ الزَّوْجِ ، فَإِنْ قِيلَ : إنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعِ مَحْرَمٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ رَجَعَتْ وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ إثْبَاتٍ ، وَالْإِثْبَاتُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ ، فَفِي الرُّجُوعِ عَنْهُ تَنَاقُضٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ نَفْيٍ وَالنَّفْيُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عِلْمٍ نَعَمْ لَوْ قَالَ : مَا أَتْلَفَ فُلَانٌ مَالِي ثُمَّ رَجَعَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مَا أَتْلَفَهُ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِبَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ : يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَوْ أَنْكَرَتْ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ وَكَانَ إنْكَارُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ ، أَذِنَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ نَفْيٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا كَانَ كَالْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانِ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِهِ عَلَى الْبَتِّ كَالْإِثْبَاتِ وَجُدِّدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِدُونِ تَجْدِيدٍ

وَإِذَا طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ وَطِئْت فَلِي رَجْعَةٌ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينٍ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِالْمَهْرِ ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِنِصْفٍ

( وَإِذَا طَلَّقَ ) الزَّوْجُ ( دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ وَطِئْت ) زَوْجَتِي قَبْلَ الطَّلَاقِ ( فَلِي ) عَلَيْهَا ( رَجْعَةٌ وَأَنْكَرَتْ ) وَطْأَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ ( صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ ) أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ فَإِنْ قِيلَ : إذَا ادَّعَى الْعِنِّينُ أَوْ الْمَوْلَى الْوَطْءَ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي ذَلِكَ تَدَّعِي مَا يُثْبِتُ لَهَا حَقَّ الْفَسْخِ ، وَالْأَصْلُ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَسَلَامَتُهُ ، وَهُنَا الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي مَا يُثْبِتُ لَهُ الرَّجْعَةَ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، فَإِنْ حَلَفَتْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ حَالًا ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهَا أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ( وَهُوَ ) بِدَعْوَاهُ وَطْأَهَا ( مُقِرٌّ لَهَا بِالْمَهْرِ ) وَهِيَ لَا تَدَّعِي إلَّا نِصْفَهُ ( فَإِنْ ) كَانَتْ ، ( قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ ) عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ ( وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِنِصْفٍ ) فَقَطْ عَمَلًا بِإِنْكَارِهَا ، وَإِذَا كَانَتْ ، أَخَذَتْ النِّصْفَ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ هَلْ تَأْخُذُ النِّصْفَ الْآخَرَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارٍ جَدِيدٍ مِنْ الزَّوْجِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْإِقْرَارِ الثَّانِي تَنْبِيهٌ : تَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْيَمِينِ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّصْدِيقِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ خَاتِمَةٌ : لَوْ كَانَتْ ، الزَّوْجَةُ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا أَمَةً وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجْعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا بِيَمِينِهَا حَيْثُ صُدِّقَتْ الْحُرَّةُ بِيَمِينِهَا ، لَا قَوْلَ سَيِّدِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَوْ قَالَ : أَخْبَرَتْنِي مُطَلَّقَتِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَرَاجَعْتهَا مُكَذِّبًا لَهَا أَوْ لَا مُصَدِّقًا وَلَا مُكَذِّبًا لَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِالْكَذِبِ بِأَنْ قَالَتْ : مَا كَانَتْ ، انْقَضَتْ ، فَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ

الْعِدَّةِ ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهَا ، وَلَوْ سَأَلَ الرَّجْعِيَّةَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَزِمَهَا إخْبَارُهُ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ ، وَفِي سُؤَالِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلَانِ ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اللُّزُومِ

كِتَابُ الْإِيلَاءِ يَصِحُّ طَلَاقُهُ لِيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا مُطْلَقًا

( كِتَابُ الْإِيلَاءِ ) هُوَ لُغَةً : الْحَلِفُ قَالَ الشَّاعِرُ : وَأَكْذَبُ مَا يَكُونُ أَبُو الْمُثَنَّى إذَا آلَى يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ ، وَخَصَّهُ بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } الْآيَةَ ، وَإِنَّمَا عَدَّى فِيهَا بِمِنْ ، وَهُوَ إنَّمَا يُعَدَّى بِعَلَى ؛ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ كَأَنَّهُ قَالَ : يُؤْلُونَ مُبْعِدِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ، وَهُوَ حَرَامٌ لِلْإِيذَاءِ ، وَلَيْسَ مِنْهُ إيلَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا وَأَرْكَانُهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَرْبَعَةٌ : حَالِفٌ وَمُدَّةٌ وَمَحْلُوفٌ بِهِ ، وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ ، زَادَ فِي الْأَنْوَارِ : وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ : ( هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ ) خَرَجَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ وَالْأَجْنَبِيُّ كَمَا سَيَأْتِي ، وَيَصِحُّ مِنْ عَجَمِيٍّ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَمِنْ عَرَبِيٍّ بِالْعَجَمِيَّةِ إنْ عُرِفَ الْمَعْنَى كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ، وَقَوْلُهُ ( يَصِحُّ طَلَاقُهُ ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ ، وَدَخَلَ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْخَصِيُّ وَالسَّكْرَانُ الْمُتَعَدَّى بِسُكْرِهِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ قَالَ : إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَفَرَّعْنَا عَلَى انْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ زَوْجٌ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيلَاؤُهُ ، وَقَوْلُهُ ( لِيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا ) أَيْ وَأَطْلَقَ ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ أَوْ الْحَيْضِ أَوْ ، النِّفَاسِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ لَا تَضَرُّرَ بِذَلِكَ وَلَا تَطْمَعُ فِي

الْوَطْءِ فِيمَا ذَكَرَ ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ شَرْعًا فَأَكَّدَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ بِالْحَلِفِ ، فَإِنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك إلَّا فِي الدُّبُرِ فَمُولٍ ، أَوْ إلَّا فِي الْحَيْضِ ، أَوْ النِّفَاسِ ، أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُولٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ وَلَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ ، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ الْأَشْبَهُ ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّفَاسِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثُمَّ تُطَالِبُ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ فَاءَ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ لِزَوَالِ الْمُضَارَّةِ بِهِ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ ثُمَّ رَاجَعَ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَكُونُ مُولِيًا وَبِهِ جَزَمَ السَّرَخْسِيُّ فِي صُورَتَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِيهَا حَصَلَتْ الْفَيْئَةُ فَاسْتِثْنَاؤُهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِيلَاءِ وَقَوْلُهُ ( مُطْلَقًا ) نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ امْتِنَاعًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمُدَّةٍ ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ أَبَدًا

أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
وَقَوْلِهِ ( أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي ، وَهُوَ الْمُدَّةُ ، خَرَجَ بِهِ الْأَرْبَعَةُ فَمَا دُونَهَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ : كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ ؟ فَقِيلَ : شَهْرَيْنِ ، وَفِي الثَّالِثُ يَقِلُّ الصَّبْرُ ، وَفِي الرَّابِعِ يَنْفُذُ الصَّبْرُ " أَيْ فَإِذَا نَفَذَ صَبْرُهَا طَالَبَتْ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي زِيَادَةُ " لَحْظَةَ لَا تَسَعُ الْمُطَالَبَةُ " ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، وَفِي كَلَامِ الرُّويَانِيِّ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ عَجِيبٌ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ عَلَى فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِزَمَانٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الْمُطَالَبَةُ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى إثْمِ الْإِيذَاءِ ، وَكَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى إثْمِ الْإِيلَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إثْمَ الْإِيلَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الرَّوْضَةِ تَنْبِيهٌ : لَيْسَ هَذَا الْحَدُّ بِجَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولَهُ مَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا لِحُصُولِ الْيَأْسِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ وَلَمْ يَذْكُرْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَلَا مَانِعَ أَيْضًا لِشُمُولِهِ الْعَاجِزِ عَنْ الْوَطْءِ بِنَحْوِ جَبٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ قَصْدُ الْإِيذَاءِ بِالِامْتِنَاعِ ، فَلَوْ قَالَ : يَصِحُّ طَلَاقُهُ مَعَ إمْكَانِ وَطْئِهِ لَكَانَ أَوْلَى

وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ، بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا أَوْ قَالَ : إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُولِيًا ، وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ ، فَإِنْ نَكَحَهَا فَلَا إيلَاءَ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ فَقَالَ : ( وَالْجَدِيدُ ) وَوَصَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْإِيلَاءَ ( لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ) تَعَالَى ( بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ ( طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا ) كَإِنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ أَوْ ضَرَّتُك طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ ( أَوْ ) نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْحَلُّ الْيَمِينُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَأَنْ ( قَالَ : إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُولِيًا ) لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ بِالْوَطْءِ يَمْنَعُهُ مِنْهُ فَيَتَحَقَّقُ الْإِضْرَارُ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حَلِفًا فَتَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ ، لِأَنَّ الْإِيلَاءَ هُوَ الْحَلِفُ ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ ، وَفِي الْحَدِيثِ : { لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ } تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَلِفِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ غَيْرَ قُرْبَةٍ كَمَا سَبَقَ فِي تَعْلِيقِ الْإِيلَاءِ بِالطَّلَاقِ أَوْ قُرْبَةٍ كَهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ ، وَكَلَامُهُ هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَلِفِ ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي سَنَةً مَثَلًا أَنَّهُ إيلَاءٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَلِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَاكِمِينَ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ ، وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِقَوْلِهِ : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } الْآيَةَ ، وَالْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ يَمِينُ لَجَاجٍ ، وَالْيَمِينُ بِصَوْمِ شَهْرِ الْوَطْءِ إيلَاءٌ كَإِنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الشَّهْرِ الَّذِي أَطَأُ فِيهِ ، فَإِذَا وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ مُقْتَضَى الْيَمِينِ وَيَجْزِيهِ صَوْمُ بَقِيَتْهُ وَيَقْضِي يَوْمَ الْوَطْءِ ، وَلَيْسَ الْيَمِينُ بِصَوْمِ هَذَا

الشَّهْرِ إيلَاءٌ ، وَلَا بِصَوْمِ هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا إنْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ حَلَفَ زَوْجٌ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ ) أَيْ تَرْكِ الْوَطْءِ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ ، وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ ( فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ ) أَيْ خَالِصَةٌ مِنْ شَائِبَةِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ ( فَإِنْ نَكَحَهَا ) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ بَعْدَ الْحَلِفِ ( فَلَا إيلَاءَ ) بِحَلِفِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ ، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَحُكْمُ السَّيِّدِ كَمَا تَقَدَّمَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ وَلَوْ حَلَفَ غَيْرُ الزَّوْجِ لَشَمِلَ ذَلِكَ

وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ ، أَوْ قَرْنَاءَ ، أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الزَّوْجَةِ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ ) وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا فِي خِيَارِ النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ الْإِيلَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ قَصْدُ الْإِيذَاءِ وَالْإِضْرَارِ لِامْتِنَاعِ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ تَمْثِيلُهُ بِالْمَانِعِ الْحِسِّيِّ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمُضْنَاةُ وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَلَكِنْ لَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ إلَّا بَعْدَ احْتِمَالِهِمَا الْوَطْءَ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ كَوْنِ الزَّوْجِ يُمْكِنُ وَطْؤُهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ ) أَيْ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ كُلِّهِ ، وَكَذَا إنْ بَقِيَ مِنْهُ دُونَ الْحَشَفَةِ ( لَمْ يَصِحَّ ) إيلَاؤُهُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِمَا مَرَّ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ فِيهِمَا لِعُمُومِ الْآيَةِ ، وَمَجْمُوعُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ أَصَحُّهَا قَوْلَانِ ، وَالثَّانِيَةُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَالثَّالِثَةُ : الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ أَمَّا مَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ فَيَصِحُّ إيلَاؤُهُ لِإِمْكَانِ وَطْئِهِ ، وَالْأَشَلُّ ، كَالْمَجْبُوبِ أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ لِمَرَضٍ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ : وَمِنْهُ الْعِنِّينُ ، فَيَصِحُّ إيلَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ مَرْجُوٌّ تَنْبِيهٌ : صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْوَطْءِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِيلَاءِ ، فَلَوْ طَرَأَ بَعْدَهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَارِضٌ وَكَانَ قَدْ قَصَدَ الْإِيلَاءَ

وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَهَكَذَا مِرَارًا فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْأَصَحِّ

( وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَ ) سَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا أَمْ قَالَ ( هَكَذَا مِرَارًا فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْأَصَحِّ ) لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِيلَاءِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِمُوجِبِهِ فِي ذَلِكَ إذْ بَعْدَ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا تُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِمُوجِبِ الْيَمِينِ الْأُولَى لِانْحِلَالِهَا ، وَلَا بِمُوجِبِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْمُهْلَةِ مِنْ وَقْتِ انْعِقَادِهَا وَبَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الثَّانِيَةِ يُقَالُ فِيهِ كَذَلِكَ وَهَكَذَا الْآخَرُ حَلَفَهُ وَالثَّانِي : هُوَ مُولٍ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْثَمُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، لَكِنَّ إثْمَ الْإِيذَاءِ إثْمُ الْإِيلَاءِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : فَكَأَنَّهُ دُونَ إثْمِ الْمُولِي ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا دَفْعَ لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ : فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا أَعَادَ حَرْفَ الْقَسَمِ ، فَإِذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَلَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ : لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَيْضًا أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ إذَا وَصَلَ الْيَمِينَ بِالْيَمِينِ ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ مَرَّةً ثُمَّ لَمَّا مَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ أَعَادَ الْيَمِينَ وَهَكَذَا مِرَارًا فَلَا يَكُونُ مُولِيًا قَطْعًا ؛ وَقَوْلُهُ : وَهَكَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ لِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّرْته ؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ : مِرَارًا ، وَلَوْ قَالَ : وَإِنْ قَالَهُ مِرَارًا كَانَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ نَصَّ عَلَى الصُّورَتَيْنِ

وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك سَنَةً فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ حُكْمُهُ
( وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك سَنَةً ) بِالنُّونِ ( فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( حُكْمُهُ ) فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ بِمُوجِبِ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ فَاءَ انْحَلَّتْ ، فَإِنْ أَخَّرَتْ حَتَّى مَضَى الْخَامِسُ دَخَلَ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ الثَّانِي فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا بِمُوجِبِهِ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ لَمْ تُطَالِبْ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ الْخَامِسُ مِنْهُ فَلَا مُطَالَبَةَ بِهِ سَوَاءٌ أَتَرَكَتْ حَقَّهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ لِانْحِلَالِهِ ، كَمَا لَوْ أَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةَ فِي الثَّانِي حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ سَنَةً مُوَافِقٌ لِلشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَفِي الْمُحَرَّرِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ ، وَلَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى مُوَافَقَةَ أَصْلِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقْرَأَ الْمَتْنَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقَ فَيُوَافِقُ أَصْلَهُ ، لَكِنَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ بِالنُّونِ ، وَلَوْ أَتَى بِالْيَمِينَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ : فَإِنْ مَضَتْ تَدَاخَلَتَا وَانْحَلَّتَا بِوَطْءٍ وَاحِدٍ

وَلَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِي الْأَرْبَعَةِ كَنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُولٍ ، وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا فَلَا ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الْأَصَحِّ

( وَلَوْ قَيَّدَ ) الِامْتِنَاعَ مِنْ الْوَطْءِ ( بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ ) فِي الِاعْتِقَادَاتِ ( فِي الْأَرْبَعَةِ ) أَشْهُرٍ ( كَنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ( فَمُولٍ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأْخِيرُ ذَلِكَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ تَنْبِيهٌ : فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّهُ لَوْ عُلِّقَ بِمُحَقَّقِ الْمَنْعِ كَصُعُودِ السَّمَاءِ كَانَ مُولِيًا ، وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَمَحِلُّ التَّعْلِيقِ بِنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِهِ وَكَانَ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ الْمَعْهُودَةِ فَمُولٍ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ بَيْنَ خُرُوجِهِ ، وَنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِهِ كَسَنَةٍ ، وَالثَّانِي كَشَهْرٍ ، وَالثَّالِثُ كَجُمُعَةٍ ، وَالْبَاقِي كَالْأَيَّامِ الْمَعْهُودَةِ ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِي صَلَاةِ يَوْمٍ فَقَالَ : { لَا ، اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ } وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَوَاقِيتِ ( وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ ) أَيْ الْمُقَيَّدِ بِهِ ( قَبْلَهَا ) أَيْ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ كَقَوْلِهِ فِي وَقْتِ غَلَبَةِ الْأَمْطَارِ : وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَطَرُ ( فَلَا ) يَكُونُ مُولِيًا وَإِنَّمَا هُوَ عَقْدُ يَمِينٍ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ مُحَقَّقَ الْحُصُولِ كَذُبُولِ الْبَقْلِ وَجَفَافِ الثَّوْبِ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِيلَاءِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الْأَصَحِّ ) فِي حُصُولِ الْمُسْتَبْعَدِ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا فِي الْحَالِ ، فَلَوْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ

وَأَصْلُهَا لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَصْدُ الْمُضَارَّةِ أَوَّلًا ، وَأَحْكَامُ الْإِيلَاءِ مَنُوطَةٌ بِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الضَّرَرِ ، وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ بِلَا يَمِينٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وَلَوْ قُيِّدَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَانَ مُولِيًا كَمَا مَرَّ ، وَكَذَا بِمَوْتِ أَجْنَبِيٍّ خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّنْبِيهِ ، وَلَوْ قُيِّدَ بِقُدُومِ زَيْدٍ وَالْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ وَقَالَ : ظَنَنْت قُرْبَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَا أُجَامِعُك وَقَالَ : أَرَدْت شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ

وَلَفْظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ ، فَمِنْ صَرِيحِهِ تَغْيِيبُ ذَكَرٍ بِفَرْجٍ وَوَطْءٌ وَجِمَاعٌ وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ ، وَالْجَدِيدُ أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغَشْيَانًا وَقِرْبَانًا وَنَحْوِهَا كِنَايَاتٌ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ تَرْكُ الْجِمَاعِ لَا غَيْرُ فَقَالَ : ( وَلَفْظُهُ ) أَيْ الدَّالُّ عَلَيْهِ قِسْمَانِ ( صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ ، فَمِنْ صَرِيحِهِ ) مَهْجُوُّ ا ل ن ي ك ، وَ ( تَغْيِيبُ ) أَيْ إدْخَالُ ( ذَكَرٍ ) أَوْ حَشَفَتِهِ ( بِفَرْجٍ ) أَيْ فِيهِ ( وَوَطْءٌ وَجِمَاعٌ ) وَإِصَابَةٌ ( وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ ) وَهِيَ إزَالَةُ قِصَّتِهَا بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ بَكَارَتِهَا : كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا أُغَيِّبُ ، أَوْ لَا أُدْخِلُ ، أَوْ لَا أُولِجُ ذَكَرِي أَوْ حَشَفَتِي فِي فَرْجِك ، أَوْ لَا أَطَؤُكِ ، أَوْ لَا أُجَامِعُك ، أَوْ لَا أَصَبْتُكِ أَوْ لَا أَفْتَضُّك بِالْقَافِ أَوْ بِالْفَاءِ وَهِيَ بِكْرٌ ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَقْيِيدَ هَذِهِ بِمَنْ لَمْ تَكُنْ غَوْرَاءَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ، فَإِنْ كَانَتْ ، وَهِيَ الَّتِي بَكَارَتُهَا فِي صَدْرِ فَرْجِهَا وَعَلِمَ حَالَهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِإِمْكَانِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ بِغَيْرِ افْتِضَاضٍ وَحَقُّهَا إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ قَالَ : إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَيْئَةُ فِي حَقِّ الْبِكْرِ تُخَالِفُهَا فِي حَقِّ الثَّيِّبِ كَمَا يُفْهِمُهُ إيرَادُ الْقَاضِي وَالنَّصُّ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَدِينُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ أَنْ ذَكَرَ مُحْتَمَلًا وَلَمْ يَقُلْ بِذَكَرِي أَوْ بِحَشَفَتِي كَأَنْ يُرِيدَ بِالْوَطْءِ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ ، وَبِالْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعَ ، وَبِالْأَخِيرَيْنِ الْإِصَابَةُ وَالِافْتِضَاضَ بِغَيْرِ الذَّكَرِ تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى تَغْيِيبِ الذَّكَرِ وَغَيَّبَهَا فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ مَعَ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُغَيِّبُ كُلَّ الذَّكَرِ أَوْ لَا يَسْتَوْفِي الْإِيلَاجَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بِخِلَافِ لَا أُغَيِّبُ كُلَّ الْحَشَفَةِ ( وَالْجَدِيدُ أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغَشْيَانًا وَقِرْبَانًا ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا ( وَنَحْوُهَا ) كَإِفْضَاءٍ وَمَسٍّ وَدُخُولٍ كَوَاللَّهِ لَا أُفْضِي إلَيْكِ أَوْ لَا أَمَسُّك أَوْ لَا أَدْخُلُ بِك ( كِنَايَاتٌ )

تَفْتَقِرُ لِنِيَّةِ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقَائِقَ غَيْرَ الْوَطْءِ وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِيهِ اشْتِهَارَ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا صَرَائِحُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ ، وَأَرَادَ الْجِمَاعَ فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ، أَوْ بِدُونِ الْحَشَفَةِ كَانَ مُولِيًا ، وَإِنْ أَرَادَ الْجِمَاعَ الضَّعِيفَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ ضَعِيفَ الْجِمَاعِ كَقَوِيِّهِ فِي الْحُكْمِ ، وَالْأَصْلُ فِيمَا إذَا لَمْ يُرِدْ شَيْئًا عَدَمُ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مُولِيًا ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ عَنْك وَأَرَادَ تَرْكَ الْغُسْلِ دُونَ الْجِمَاعِ أَوْ ذَكَرَ أَمْرًا مُحْتَمَلًا كَأَنْ لَا يَمْكُثَ بَعْدَ الْوَطْءِ حَتَّى يُنْزِلَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْوَطْءَ بِلَا إنْزَالٍ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ، أَوْ أَرَادَ أَنِّي أُجَامِعُهَا بَعْدَ جِمَاعِ غَيْرِهَا لِيَكُونَ الْغُسْلُ عَنْ الْأُولَى لِحُصُولِ الْجَنَابَةِ بِهَا قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ فَرْجَك أَوْ لَا أُجَامِعُ نِصْفَك الْأَسْفَلَ كَانَ مُولِيًا بِخِلَافِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ كَلَا أُجَامِعُ يَدَك أَوْ رِجْلَك أَوْ نِصْفَك الْأَعْلَى ، أَوْ بَعْضَك أَوْ نِصْفَك لَمْ يَكُنْ مُولِيًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبَعْضِ الْفَرْجَ ، وَبِالنِّصْفِ النِّصْفَ الْأَسْفَلَ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَبْعُدَنَّ ، أَوْ لَأَغِيبَنَّ عَنْك ، أَوْ لَأَغِيظَنَّكِ أَوْ لَأَسُوأَنَّكِ كَانَ كِنَايَةً فِي الْجِمَاعِ وَالْمُدَّةُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَطْلُبَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِك أَوْ لَأَسُوأَنَّكِ فِيهِ كَانَ صَرِيحًا فِي الْجِمَاعِ كِنَايَةً فِي الْمُدَّةِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ رَأْسَانَا عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفِ كَانَ كِنَايَةً ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْجِمَاعِ اجْتِمَاعُ رَأْسَيْهِمَا عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ

وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ زَالَ الْإِيلَاءُ ، وَلَوْ قَالَ فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ظَاهَرَ فَمُولٍ ، وَإِلَّا فَلَا ظِهَارَ وَلَا إيلَاءَ بَاطِنًا ، وَيُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا ، وَلَوْ قَالَ عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْت فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يُظَاهِرَ ، أَوْ إنْ وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَمُولٍ ، فَإِنْ وَطِئَ طَلُقَتْ الضَّرَّةُ وَزَالَ الْإِيلَاءُ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ : وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ ، فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ الْإِيلَاءُ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أُجَامِعُ إلَى سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ ، فَإِنْ وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمُولٍ

( وَلَوْ قَالَ ) عَلَى الْجَدِيدِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَأَغْفَلَهُ الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهِ مِنْ أَنَّ الْحَلِفَ لَا يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ( إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ) بِمَوْتٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( زَالَ الْإِيلَاءُ ) لِعَدَمِ تَرَتُّبِ شَيْءٍ عَلَى وَطْئِهِ حِينَئِذٍ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمَا فِيهِ قَوْلًا عَوْدِ الْحِنْثِ ، وَلَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ قَالَ : فَأَمَتِي حُرَّةٌ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَزُلْ الْإِيلَاءُ ( وَلَوْ قَالَ ) عَلَى الْجَدِيدِ إنْ وَطِئْتُك ( فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ) قَدْ ( ظَاهَرَ ) وَعَادَ قَبْلَ ذَلِكَ ( فَمُولٍ ) لِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَعَتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ ، وَتَعْجِيلُ الْعِتْقِ زِيَادَةٌ الْتَزَمَهَا بِالْوَطْءِ وَذَلِكَ مُشِقٌّ فَصَارَ كَالْتِزَامِ أَصْلِ الْعِتْقِ ، ثُمَّ إذَا وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْ ظِهَارِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهَرَ قَبْلَ ذَلِكَ ( فَلَا ظِهَارَ وَلَا إيلَاءَ بَاطِنًا ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، أَمَّا عَدَمُ الظِّهَارِ فَلِكَذِبِهِ فِي كَوْنِهِ مُظَاهِرًا ، وَأَمَّا عَدَمُ الْإِيلَاءِ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَ عَلَى الْوَطْءِ عِتْقًا عَنْ الظِّهَارِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا ظِهَارَ فَلَا عِتْقَ إذَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْعِتْقُ ( وَ ) لَكِنْ ( يُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا ) لِإِقْرَارِهِ بِالظِّهَارِ ، فَإِذَا وَطِئَ عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْ الظِّهَارِ ( وَلَوْ قَالَ ) عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا : إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ ( عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْت فَلَيْسَ بِمُولٍ ) فِي الْحَالِ ، بَلْ ( حَتَّى يُظَاهِرَ ) فَإِذَا ظَاهَرَ صَارَ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُعْتَقُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الظِّهَارِ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِالظِّهَارِ مَعَ الْوَطْءِ فَلَا يَنَالُهُ مَحْذُورٌ ، فَإِذَا ظَاهَرَ صَارَ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ لَوْ وَطِئَ ، فَإِنْ وَطِئَ فِي

مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا عَتَقَ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الظِّهَارِ لِتَقَدُّمِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ وَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ الظِّهَارِ بِلَفْظٍ يُوجَدُ بَعْدَهُ تَنْبِيهٌ : قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ بِغَيْرِ عَطْفِ ، فَإِنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا اُعْتُبِرَ فِي حُصُولِ الْمُعَلَّقِ وُجُودُ الشَّرْطِ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَوَّرُوا هُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الثَّانِي تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ إذَا تَقَدَّمَ الْوَطْءُ أَوْ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْأَوَّلُ تَعَلَّقَ بِالثَّانِي عَتَقَ ، ا هـ .
فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ قَالَ : مَا أَرَدْت شَيْئًا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا إيلَاءَ مُطْلَقًا وَكَتَقَدُّمِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُقَارَنَتُهُ لَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ ( أَوْ ) قَالَ عَلَى الْجَدِيدِ ( إنْ وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَمُولٍ ) مِنْ الْمُخَاطَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ مِنْ طَلَاقِ الضَّرَّةِ عِنْدَ الْوَطْءِ ، نَعَمْ لَوْ عَبَّرَ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ كَقَوْلِهِ : إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ طَلَاقُ ضَرَّتِك أَوْ طَلَاقُك لَا يَكُونُ مُولِيًا : قَالَهُ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الْكَلَامِ عَلَى انْعِقَادِ الْإِيلَاءِ بِغَيْرِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ شَيْءٌ ( فَإِنْ وَطِئَ ) الْمُخَاطَبَةَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا ( طَلُقَتْ الضَّرَّةُ ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا ( وَزَالَ ) أَيْ انْحَلَّ ( الْإِيلَاءُ ) إذْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِوَطْئِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ( فُرُوعٌ ) لَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَعَلَيْهِ النَّزْعُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ

لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ وَالنَّزْعُ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَرْكٌ لِلْوَطْءِ وَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ النَّزْعِ عَيْنًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ بَائِنًا ، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَالْوَاجِبُ النَّزْعُ أَوْ الرَّجْعَةُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ اسْتَدَامَ الْوَطْءُ وَلَوْ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ ابْتِدَاءً وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ وَطْأَهُ وَقَعَ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ فَإِنْ كَانَ تَعْلِيقُ الْوَطْءِ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ نُظِرَ ، فَإِنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ فَوَطْءُ شُبْهَةٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ عَلِمَاهُ فَزِنًا ، وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ دُونَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا أَوْ هِيَ دُونَهُ وَقَدَرَتْ عَلَى الدَّفْعِ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ لَهَا ( وَالْأَظْهَرُ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ ( أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ : وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِوَطْءِ الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ جَمَاعَةً فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْءِ ثَلَاثٍ بِلَا شَيْءٍ يَلْحَقُهُ ( فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا ) مِنْهُنَّ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَوْ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ( فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ ) لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِوَطْئِهَا ( فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ ) أَيْ انْحَلَّ .
( الْإِيلَاءُ ) لِتَعَذُّرِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ مَنْ بَقِيَ ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَصَوُّرِ الْإِيلَاجِ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَطْءِ يَقَعُ مُطْلَقُهُ عَلَى مَا فِي الْحَيَاةِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ وَطْءٍ مَا لَوْ مَاتَتْ بَعْدَ وَطْئِهَا وَقَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَيَاتِ فَلَا يَزُولُ الْإِيلَاءُ ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ الْأَرْبَعِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ يَقْرَبُ مِنْ الْحِنْثِ الْمَحْذُورِ وَالْقَرِيبُ مِنْ الْمَحْذُورِ مَحْذُورٌ ( وَلَوْ قَالَ ) لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ (

لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَمُولٍ ) حَالًا ( مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُنَّ بِمُفْرَدِهَا كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا بِالْإِيلَاءِ ، فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلِكُلٍّ مُطَالَبَتُهُ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ وَاحِدَةٍ لَا يَرْتَفِعُ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ ، وَهُوَ وَجْهٌ رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ انْحِلَالُ الْيَمِينِ وَزَوَالُ الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ وَاحِدَةً وَقَدْ وَطِئَ ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنْهُنَّ بِالْإِيلَاءِ ، فَالْوَجْهُ عَدَمُ الِانْحِلَالِ وَإِلَّا فَلْيَكُنْ كَقَوْلِهِ : لَا أُجَامِعُكُنَّ ، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْءِ الْجَمِيعِ .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَلِفَ الْوَاحِدَ عَلَى مُتَعَدِّدٍ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْحِنْثِ بِأَيِّ وَاحِدٍ وَقَعَ لَا تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَا يَتَبَعَّضُ فِيهَا الْحِنْثُ ، وَمَتَى حَصَلَ فِيهَا حِنْثٌ حَصَلَ الِانْحِلَالُ ، وَبَقِيَ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ : لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ ، فَإِنْ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَمُولٍ مِنْهُنَّ أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُعَيَّنَةٍ فَمُولٍ مِنْهَا فَقَطْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي إرَادَتِهَا ، وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً كَانَ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُنَّ وَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ ، فَإِنْ عَيَّنَ كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَمْ يَنْوِ تَعْمِيمًا وَلَا تَخْصِيصًا حُمِلَ عَلَى التَّعْمِيمِ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَلَوْ قَالَ ) : وَاَللَّهِ لَا ( أُجَامِعُكِ ) سَنَةً أَوْ ( إلَى سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً ) أَوْ يَوْمًا ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ ) الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ بِمَا ذَكَرَ شَيْءٌ لِاسْتِثْنَائِهِ ( فَإِنْ وَطِئَ وَ ) قَدْ ( بَقِيَ مِنْهَا ) أَيْ السَّنَةِ ( أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمُولٍ ) مِنْ حِينَئِذٍ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ ،

فَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ بَلْ حَالِفٌ فَقَطْ وَالثَّانِي : هُوَ مُولٍ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً يَقْرَبُ مِنْ الْحِنْثِ ، وَعَلَى هَذَا يُطَالَبُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْأَةَ الْوَاحِدَةَ مُسْتَثْنَاةٌ ، وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ سَنَةٌ وَلَمْ يَطَأْ انْحِلَالَ الْإِيلَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنْ يَفْعَلَ مَرَّةً ، أَوْ لَا ؟ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الثَّانِي ، وَلَوْ قَالَ : السَّنَةُ بِالتَّعْرِيفِ اقْتَضَى الْحَاضِرَةَ ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ وَطْئِهِ الْعَدَدَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ كَانَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك إنْ شِئْت وَأَرَادَ إنْ شِئْت الْجِمَاعَ أَوْ الْإِيلَاءَ فَقَالَتْ فِي الْحَالِ : شِئْت صَارَ مُولِيًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ أَخَّرَتْ فَلَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ يَسْتَدْعِي جَوَابَهَا فَوْرًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : مَتَى شِئْت أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِنْ أَرَادَ إنْ شِئْت أَنْ لَا أُجَامِعَك فَلَا إيلَاءَ إذْ مَعْنَاهُ لَا أُجَامِعُك إلَّا بِرِضَاك ، وَهِيَ إذَا رَضِيَتْ فَوَطِئَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ الْمَشِيئَةَ حَمْلًا عَلَى مَشِيئَةِ عَدَمِ الْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك إلَّا أَنْ تَشَائِي أَوْ مَا لَمْ تَشَائِي وَأَرَادَ التَّعْلِيقَ لِلْإِيلَاءِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءَ عَنْهُ فَمُولٍ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ وَعَلَّقَ رَفْعَ الْيَمِينِ بِالْمَشِيئَةِ ، فَإِنْ شَاءَتْ الْإِصَابَةَ فَوْرًا انْحَلَّ الْإِيلَاءُ ، وَإِلَّا فَلَا يَنْحَلُّ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك حَتَّى يَشَاءَ فُلَانٌ ، فَإِنْ شَاءَتْ الْإِصَابَةَ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ

وَإِنْ لَمْ يَشَأْهَا صَارَ مُولِيًا بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِلْيَأْسِ مِنْهَا لَا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَشِيئَةِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ لِشَهْرٍ وَمَضَى شَهْرٌ صَارَ مُولِيًا ، إذْ لَوْ جَامَعَهَا قَبْلَ مُضِيِّهِ لَمْ يَحْصُلْ الْعِتْقُ لِتَعَذُّرِ تَقَدُّمِهِ عَلَى اللَّفْظِ وَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ ، فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَدْ بَاعَ الْعَبْدَ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ انْحَلَّ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ لُزُومِ شَيْءٍ بِالْوَطْءِ حِينَئِذٍ لِتَقَدُّمِ الْبَيْعِ عَلَى وَقْتِ الْعِتْقِ أَوْ مُقَارَنَتِهِ لَهُ ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ بِدُونِ شَهْرٍ مِنْ الْبَيْعِ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ بِشَهْرٍ فَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ بَيْعِهِ ، وَفِي مَعْنَى بَيْعِهِ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ مِنْ مَوْتٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِمَا

فَصْلٌ يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ الْإِيلَاءِ بِلَا قَاضٍ ، وَفِي رَجْعِيَّةٍ مِنْ الرَّجْعَةِ وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ فِي الْمُدَّةِ انْقَطَعَتْ ، فَإِذَا أَسْلَمَ اُسْتُؤْنِفَتْ

( فَصْلٌ ) فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ مَنْ ضَرَبَ مُدَّةً وَغَيْرُهُ ( يُمْهَلُ ) الْمُولِي وُجُوبًا ( أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) سَوَاءٌ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّة شُرِعَتْ لِأَمْرٍ جِبِلِّيٍّ وَهُوَ قِلَّةُ الصَّبْرِ عَنْ الزَّوْجِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِبِلَّةِ وَالطَّبْعُ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْعُنَّةَ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : وَهَذِهِ الْمُدَّةُ حَقُّ الزَّوْجِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَقُّ الْمَدِينِ ، وَابْتِدَاؤُهَا ( مِنْ ) حِينِ ( الْإِيلَاءِ ) فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي لَا مِنْ وَقْتِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ مُولٍ مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ ، وَ ( بِلَا قَاضٍ ) لِثُبُوتِهِ بِالْآيَةِ السَّابِقَةِ ، بِخِلَافِ مُدَّةِ الْعِنِّينِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ قَالَ : إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَ وَطْئِي بِشَهْرٍ فَإِنَّ الْمُدَّةَ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْإِيلَاءِ بَلْ إنْ مَضَى شَهْرٌ وَلَمْ يَطَأْ ضُرِبَتْ وَطُولِبَ فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ مِنْ الْيَمِينِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لَأَنْ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يُعْتَقْ ( وَ ) ابْتِدَاؤُهَا ( فِي رَجْعِيَّةٍ ) آلَى مِنْهَا ( مِنْ ) حِينِ ( الرَّجْعَةِ ) لَا مِنْ حِينِ الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ شُرِعَتْ لِلْمُهْلَةِ فِي وَقْتٍ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ ، وَفِي الْعِدَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَإِنَّ الْمُدَّةَ تَنْقَطِعُ لِجَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ ، فَإِذَا رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ مِنْ الرَّجْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِضْرَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِامْتِنَاعِ الْمُتَوَالِي فِي نِكَاحٍ سَلِيمٍ ، وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ( وَلَوْ ارْتَدَّ ) الزَّوْجَانِ أَوْ ( أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ ) وَبَعْدَ الْمُدَّةِ لَغَتْ ، أَوْ ( فِي الْمُدَّةِ ) أَيْ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ ( انْقَطَعَتْ ) فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ

الرِّدَّةِ مِنْهَا لِاخْتِلَالِ النِّكَاحِ بِهَا ( فَإِذَا أَسْلَمَ ) الْمُرْتَدُّ فِي الصُّورَتَيْنِ ( اُسْتُؤْنِفَتْ ) أَيْ الْمُدَّةُ لِوُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مَنُوطٌ بِتَوَالِي الضَّرَرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَمْ تُوجَدْ تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الِاسْتِئْنَافِ إذَا كَانَتْ ، الْيَمِينُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ مُطْلَقًا ، أَوْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْيَمِينِ مَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِئْنَافِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : بَعْدَ دُخُولٍ أَيْ أَوْ اسْتِدْخَالِ مَنِيِّ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ عَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْقَطِعُ لَا مَحَالَةَ ، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ الْعِدَّةَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَبِالرِّدَّةِ فِي مَنْعِ الِاحْتِسَابِ وَوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ عِنْدَ انْقِضَائِهَا

وَمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَمْ يُخِلَّ بِنِكَاحٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ لَمْ يَمْنَعْ الْمُدَّةَ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ ، أَوْ فِيهَا وَهُوَ حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ مَنَعَ ، وَإِنْ حَدَثَ فِي الْمُدَّةِ قَطَعَهَا فَإِذَا زَالَ اُسْتُؤْنِفَتْ ، وَقِيلَ تُبْنَى ، أَوْ شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ فَلَا ، وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ ، وَإِلَّا فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهُ .

( وَ ) كُلُّ ( مَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَمْ يُخِلَّ بِنِكَاحٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( لَمْ يَمْنَعْ الْمُدَّةَ ) أَيْ لَا يَقْطَعُ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ ( كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ ) وَاعْتِكَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ( وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ ) وَحَبْسٍ وَنَحْوِهِ فَيُحْسَبُ زَمَنُ كُلٍّ مِنْهَا مِنْ الْمُدَّةِ ، سَوَاءٌ أَقَارَنَهَا أَمْ حَدَثَ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ ، وَلِهَذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِيلَاءِ وَقَصْدُهُ الْمُضَارَّةِ تَنْبِيهٌ : أَشَارَ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ وَالْحِسِّيِّ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُخِلَّ بِمَقْصُودِهِ عَنْ الرِّدَّةِ وَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَقَدْ سَبَقَا ( أَوْ ) أَيْ وَإِنْ وُجِدَ مَانِعُ الْوَطْءِ ( فِيهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( وَهُوَ حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ ) يُمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْوَطْءَ ( مَنَعَ ) ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ ، فَإِذَا زَالَ اُسْتُؤْنِفَتْ ( وَإِنْ حَدَثَ ) مَانِعٌ لِوَطْءٍ ( فِي ) أَثْنَاءِ ( الْمُدَّةِ ) كَنُشُوزِهَا فِيهَا ( قَطَعَهَا ) لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ ( فَإِذَا زَالَ ) الْحَادِثُ ( اُسْتُؤْنِفَتْ ) الْمُدَّةُ ، إذْ الْمُطَالَبَةُ مَشْرُوطَةٌ بِالْإِضْرَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةً وَلَمْ تُوجَدْ ( وَقِيلَ : تُبْنَى ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى مَا مَضَى وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ( أَوْ ) وُجِدَ مَانِعُ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ ، وَهُوَ ( شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ فَلَا ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ جَزْمًا ، وَلَا صَوْمُ النَّفْلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَقْطَعُهَا ذَلِكَ لَوْ حَدَثَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَخْلُو عَنْهُ الشَّهْرُ غَالِبًا ، فَلَوْ مَنَعَ لَامْتَنَعَ ضَرْبُ الْمُدَّةِ غَالِبًا ، وَأَمَّا صَوْمُ النَّفْلِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْئِهَا وَتَحْلِيلِهَا مِنْهُ تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهَمُ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْحَيْضِ أَنَّ النِّفَاسَ يَمْنَعُ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَلَكِنْ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ

فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ كَالْحَيْضِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمُشَارَكَتِهِ لِلْحَيْضِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَهُ وَجْهٌ ( وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الْأَصَحِّ ) أَيْ صَوْمُهُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَرَمَضَانَ وَقَضَائِهِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ فِيهِ مِنْ الْوَطْءِ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِتَمَكُّنِهِ لَيْلًا تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فَوْرِيًّا أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَرَاخِيَ كَصَوْمِ النَّفْلِ وَالِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَالْإِحْرَامِ وَلَوْ بِنَفْلٍ كَصَوْمِ الْفَرْضِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِتَخْصِيصِ الْجُرْجَانِيِّ الْإِحْرَامَ بِالْفَرْضِ ( فَإِنْ وَطِئَ ) الْمُولِي ( فِي الْمُدَّةِ ) انْحَلَّ الْإِيلَاءُ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا يُطَالَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَطَأْ فِيهَا ( فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ ) بَعْدَهَا ( بِأَنْ يَفِيءَ ) بِرُجُوعِهِ لِلْوَطْءِ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ ( أَوْ يُطَلِّقَ ) إنْ لَمْ يَفِئْ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَسُمِّيَ الْوَطْءُ فَيْئَةً مِنْ فَاءَ إذَا رَجَعَ ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ ثُمَّ رَجَعَ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَرَدُّدُ الطَّلَبِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي مَوْضِعٍ ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ أَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِالْفَيْئَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ طَالَبَتْهُ بِالطَّلَاقِ وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ ( وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا ) بِسُكُوتِهَا عَنْ مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ أَوْ بِإِسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ ( فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ ) مَا لَمْ تَنْتَهِ مُدَّةِ الْيَمِينِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ التَّرْكِ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ كَالرِّضَا بِإِعْسَارِهِ بِالنَّفَقَةِ ،

بِخِلَافِ الرِّضَا بِالْعُنَّةِ أَوْ الْعَيْبِ ، فَإِنَّ ضَرَرَهُمَا فِي حُكْمِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَالرِّضَا بِالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى كَلَامِهِ اخْتِصَاصُ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِالزَّوْجَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ حَقُّهَا ، وَيُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمُرَاهِقَةِ وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونَةِ ، وَلَا يُطَالَبُ وَلِيُّهَا بِذَلِكَ بَلْ يُنْدَبُ تَخْوِيفُ الزَّوْجِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51