كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

وَلَوْ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ ، وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَلَوْ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ ) جَزْمًا إذْ الظَّاهِرُ الْحُرِّيَّةُ ، فَلَا تُتْرَكُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ فِي قَبُولِهِ مَصْلَحَةً لِلصَّبِيِّ وَثُبُوتَ حَقٍّ لَهُ ، ( وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَأَسْنَدَهُ إلَى الِالْتِقَاطِ لَمْ يُقْبَلْ أَيْضًا ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ ، فَلَا تُزَالُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى .
وَالثَّانِي يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالرِّقِّ كَمَا فِي يَدِ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ وَسَيَأْتِي ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى اللَّقِيطِ الرِّقُّ ، فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِالرِّقِّ قُبِلَ ، فَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ ، فَإِنْ كَانَ أَنْكَرَ أَصْلَ الرِّقِّ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَمْ يُحَلَّفْ ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِطَلَبِ الْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَلَوْ قَذَفَ شَخْصٌ لَقِيطًا كَبِيرًا أَوْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَوْ صَغِيرًا جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا وَادَّعَى أَنَّهُ رَقِيقٌ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي الْأُولَى وَالْقِصَاصُ عَلَى الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ ، وَمَتَى كَانَ اللَّقِيطُ قَاذِفًا وَادَّعَى الرِّقَّ حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ ، إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاضِي .

وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ : أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
( وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ ) بِادِّعَائِهِ رِقَّهُ ( وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ ) وَلَا غَيْرِهِ ( حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ ) بِدَعْوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ عَمَلًا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ بِلَا مُعَارِضٍ ، وَيَحْلِفُ وُجُوبًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ، وَقِيلَ نَدْبًا ، وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِالرِّقِّ كَاللَّقِيطِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُؤَثِّرُ تَكْذِيبُ الْمُمَيِّزِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ إلَخْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْتِقَاطِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ ، ثُمَّ قَالَا لَكِنْ رَوَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يُرَقُّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ا هـ .
وَهَذَا أَظْهَرُ ( فَإِنْ بَلَغَ ) اللَّقِيطُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِرِقِّهِ ( وَقَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) بِالْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِرِقِّهِ فِي صِغَرِهِ فَلَا نُزِيلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَلَهُ تَحْلِيفُ السَّيِّدِ ، كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ .
وَالثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِرِقِّهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ فِي الصِّغَرِ مِلْكَهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ ثُمَّ يَبْلُغَ وَيُنْكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَجَرَّدَ الِاسْتِخْدَامُ إلَى الْبُلُوغِ ثُمَّ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ وَيُنْكِرَ الْمُسْتَخْدَمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الدَّعَاوَى ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ لَمْ يُقْبَلْ ، وَالْمَجْنُونُ الْبَالِغُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ ، وَإِفَاقَتُهُ كَبُلُوغِهِ .

فَرْعٌ : لَوْ رَأَيْنَا صَغِيرَةً فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي نِكَاحَهَا وَبَلَغَتْ وَأَنْكَرَتْ قُبِلَ قَوْلُهَا وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ ، وَهَلْ يُحْكَمُ فِي صِغَرِهَا بِالنِّكَاحِ .
قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ نَعَمْ كَالرِّقِّ ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ، وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْيَدَ فِي الْجُمْلَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُولَدَ الْمَمْلُوكُ مَمْلُوكًا وَالنِّكَاحُ طَارِئٌ بِكُلِّ حَالٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ .

وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ عُمِلَ بِهَا ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ ، وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ .

( وَمَنْ أَقَامَ ) مِنْ مُلْتَقِطٍ وَغَيْرِهِ ( بَيِّنَةً بِرِقِّهِ عُمِلَ بِهَا ) لِظُهُورِ فَائِدَتِهَا .
سَوَاءٌ أَقَامَهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ أَمْ غَيْرُهُ ( وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ ) كَإِرْثٍ وَشِرَاءٍ ؛ لِئَلَّا تُعْتَمَدَ ظَاهِرُ الْيَدِ وَتَكُونَ عَنْ الْتِقَاطٍ ( وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ أَمْرَ الرِّقِّ خَطِيرٌ فَاحْتِيطَ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، إذْ الْغَرَضُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ ، وَمِنْ التَّعَرُّضِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْعِلْمُ بِأَنَّ شَهَادَتَهَا لَمْ تَسْتَنِدْ إلَى ظَاهِرِ الْيَدِ ، وَقَدْ حَصَلَ ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ ، وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ حَتَّى تَشْهَدَ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُمْ وَلَيْسُوا مِلْكًا لَهُ ، فَإِذَا قَالَ هَذَا انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى وَفْقِ مَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا فِي الدَّعَاوَى بِأَنَّ مَا هُنَا فِي اللَّقِيطِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ ، وَالْمَقْصُودُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الرِّقِّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْقَصْدُ فِي الدَّعَاوَى تَعْيِينُ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِكَوْنِ أَمَتِهِ وَلَدَتْهُ ، وَفَرَّقَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الْيَدَ نَصٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ فَاشْتُرِطَ فِي زَوَالِهَا ذِكْرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ وَالرِّقُّ مُحْتَمَلٌ ؛ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي

وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى قَاتِلِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّقِّ ، وَإِذَا اُكْتُفِيَ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَكْفِي شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنَّهُ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْوِلَادَةِ ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ ضِمْنًا شَهِدَتْ بِهِ أَيْضًا أَمْ لَا لِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ بِالْوِلَادَةِ .

وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ حُرٌّ مُسْلِمٌ لَحِقَهُ وَصَارَ أَوْلَى بِتَرْبِيَتِهِ ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ لَحِقَهُ ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ ) الْمَحْكُومَ بِإِسْلَامِهِ ( حُرٌّ ) ذَكَرٌ ( مُسْلِمٌ لَحِقَهُ ) بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِحَقٍّ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْمُلْتَقِطُ وَغَيْرُهُ الرَّشِيدُ وَالسَّفِيهُ ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُلْتَقِطِ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَلَدُكَ ؛ مِنْ أَمَتِكَ أَوْ زَوْجَتِكَ أَوْ شُبْهَةٍ ؟ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الِالْتِقَاطَ يُفِيدُ النَّسَبَ بَلْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ مُسْلِمٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي لَقِيطٍ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِلْكَافِرِ حِينَئِذٍ اسْتِلْحَاقُهُ لَكِنْ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْتَلْحِقِ امْرَأَةٌ فَأَنْكَرَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ يَلْحَقْهَا ( وَ ) إذَا لَحِقَهُ ( صَارَ أَوْلَى ) أَيْ أَحَقَّ ( بِتَرْبِيَتِهِ ) مِنْ غَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهَا دُونَ غَيْرِهِ ، كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ : يَعْنِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ : حُرٌّ لَا مَفْهُومَ لَهُ أَيْضًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ ) أَيْ اللَّقِيطَ ( عَبْدٌ لَحِقَهُ ) لِأَنَّهُ فِي النَّسَبِ كَالْحُرِّ لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ مِنْهُ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ، وَإِنَّمَا فَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحُرِّ لِأَجْلِ قَوْلِهِ ( وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ ) فِي لُحُوقِهِ بِهِ ( تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ ) فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْإِرْثِ الْمُتَوَهَّمِ عَلَى تَقْدِيرِ عِتْقِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَلْحَقَ ابْنًا وَكَانَ لَهُ أَخٌ يُقْبَلُ اسْتِلْحَاقُهُ ، وَإِذَا لَحِقَهُ بِتَصْدِيقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ ، إذْ لَا مَالَ لَهُ ، وَعَنْ حَضَانَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لَهَا فَيُقَرُّ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ

بَيْتِ الْمَالِ ، وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ لَمْ يَلْحَقْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِقْرَارِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِظَاهِرِ كَلَامِ أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ النَّسَبُ بِغَيْرِهِ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ وَارِثٍ حَائِزٍ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَعَلَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ حَالَ مَوْتِ الْحُرِّ حُرًّا ثُمَّ اُسْتُرِقَّ لِكُفْرِهِ وَحِرَابَتِهِ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لَحِقَ الْمَيِّتَ ا هـ .
وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ .
وَلَوْ اسْتَلْحَقَ حُرٌّ عَبْدَ غَيْرِهِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ فَصَدَّقَهُ لَحِقَهُ ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْإِرْثِ الْمُتَوَهَّمِ بِالْوَلَاءِ ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يَلْحَقْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ ( وَإِنْ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ ) حُرَّةٌ ( لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الْأَصَحِّ ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً لِإِمْكَانِهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِالْوِلَادَةِ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ .
وَالثَّانِي يَلْحَقُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَصَارَتْ كَالرَّجُلِ .
وَالثَّالِثُ يَلْحَقُ الْخَلِيَّةَ دُونَ الْمُزَوَّجَةِ لِبُعْدِ الْإِلْحَاقِ بِهَا دُونَهُ ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهَا لَحِقَهَا وَكَذَا زَوْجُهَا إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِوَضْعِهِ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَمْكَنَ الْعُلُوقُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْحَقُهُ ، وَلَوْ تَنَازَعَتْ امْرَأَتَانِ لَقِيطًا أَوْ مَجْهُولًا وَأَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَعُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَائِفِ ، فَلَوْ أَلْحَقَهُ بِإِحْدَاهُمَا لَحِقَهَا وَلَحِقَ زَوْجَهَا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعْرَضْ عَلَى الْقَائِفِ لِمَا مَرَّ أَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَصِحُّ مَعَ الْبَيِّنَةِ .
وَاسْتِلْحَاقُ الْأَمَةِ يَصِحُّ بِالْبَيِّنَةِ كَالْحُرَّةِ ، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِرِقِّ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهَا بِاسْتِلْحَاقِهَا لِاحْتِمَالِ انْعِقَادِهِ حُرًّا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ ، وَيَصِحُّ

اسْتِلْحَاقُ الْخُنْثَى عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ وَلَا يُحْتَاطُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ اتَّضَحَتْ ذُكُورَتُهُ بَعْدُ اسْتَمَرَّ الْحُكْمُ أَوْ أُنُوثَتُهُ فَخِلَافُ الْمَرْأَةِ .

أَوْ اثْنَانِ لَمْ يُقَدَّمْ مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ أَوْ تَحَيَّرَ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ مِنْهُمَا ، وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا فِي الْأَظْهَرِ .

( أَوْ ) اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ ( اثْنَانِ ) أَهْلَانِ لِلِالْتِقَاطِ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا نَسَبَهُ مِنْهُ ( لَمْ يُقَدَّمْ ) مِنْهُمَا ( مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ ) وَأَوْلَى مِنْهُ عَلَى كَافِرٍ ( وَعَبْدٍ ) بَلْ يَسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ مِمَّا سَيَأْتِي ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( بَيِّنَةٌ ) أَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا كَمَا سَيَأْتِي ( عُرِضَ ) اللَّقِيطُ مَعَ الْمُدَّعِيَيْنِ ( عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ ) لِأَنَّ فِي إلْحَاقِهِ أَثَرًا فِي الِانْتِسَابِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الدَّعَاوَى ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِهَا فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى إلْحَاقِ الْقَائِفِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعِدَدِ عَنْ الرُّويَانِيِّ ( أَوْ ) كَانَ وَلَكِنْ ( تَحَيَّرَ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا ) اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَ ( أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ ) الْجِبِلِّيُّ ( إلَيْهِ مِنْهُمَا ) فَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ التَّشَهِّي ، فَمَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مِنْهُمَا لَحِقَ بِهِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ " أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا رَجُلًا لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَبُوهُ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اتْبَعْ أَيُّهُمَا شِئْتَ " وَلِأَنَّ طَبْعَ الْوَلَدِ يَمِيلُ إلَى وَالِدِهِ وَيَجِدُ بِهِ مَا لَا يَجِدُ بِغَيْرِهِ ، فَلَا يَكْفِي انْتِسَابُهُ وَهُوَ صَبِيٌّ وَلَوْ مُمَيِّزًا بِخِلَافِهِ فِي الْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ فِيهَا لَا يَلْزَمُ ، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَقْوَالِ الْمُلْتَزَمَةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ انْتِسَابِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَيُنْفِقَانِ عَلَيْهِ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ

وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ لَحِقَهُ النَّسَبُ ، لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْآخَرُ إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْعِدَدِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أُمِرَ يَقْتَضِي جَبْرَهُ عَلَيْهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَزَادَ غَيْرُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ ، هَذَا فِيمَنْ امْتَنَعَ عِنَادًا .
أَمَّا مَنْ لَمْ يَمِلْ طَبْعُهُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُوقَفُ الْأَمْرُ ، فَإِنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِهِمَا وَصَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَإِذَا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ قُدِّمَ الْقَائِفُ ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ أَوْ حُكْمٌ أَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ ، وَلَوْ كَانَا وَلَدَيْنِ فَانْتَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ دَامَ الْإِشْكَالُ ، فَإِنْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ قُبِلَ قَوْلُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ ( وَلَوْ أَقَامَا ) عَلَى نَسَبِهِ ( بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا فِي الْأَظْهَرِ ) وَعُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا مَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُمَا ، وَلَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةٌ بِيَدٍ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لَا عَلَى النَّسَبِ .
وَالثَّانِي لَا يَسْقُطَانِ وَتُرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِقَوْلِ الْقَائِفِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِ التَّسَاقُطِ فِي التَّعَارُضِ فِي الْأَمْوَالِ .

خَاتِمَةٌ لَوْ تَدَاعَيَا مَوْلُودًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا : هُوَ ذَكَرٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ : هُوَ أُنْثَى ، فَبَانَ ذَكَرًا فَفِي الشَّامِلِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُسْمَعَ دَعْوَى مَنْ قَالَ هُوَ أُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ غَيْرَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْمَعَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الصِّفَةِ ا هـ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .

وَلَوْ اسْتَرْضَعَ ابْنَهُ يَهُودِيَّةً لَهَا ابْنٌ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْرِفْ ابْنَهُ مِنْ ابْنِهَا أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ أَمْرَهُمَا مَوْقُوفٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَائِفٍ ، أَوْ يَبْلُغَا فَيَنْتَسِبَا انْتِسَابًا مُخْتَلِفًا ، وَفِي الْحَالِ يُوضَعَانِ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ وَلَا قَافَةٌ وَانْتَسَبَا إلَى وَاحِدٍ دَامَ الْوُقُوفُ فِيمَا يَرْجِعُ لِلنَّسَبِ وَيُتَلَطَّفُ بِهِمَا لِيُسْلِمَا ، فَإِنْ أَصَرَّا عَلَى الِامْتِنَاعِ لَمْ يُكْرَهَا عَلَيْهِ ، وَإِذَا مَاتَا دُفِنَا بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ، وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا ، وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا إنْ صَلَّى عَلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ ، فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ

كِتَابُ الْجَعَالَةِ .
هِيَ كَقَوْلِهِ : مَنْ رَدَّ آبِقِي فَلَهُ كَذَا .

( كِتَابُ الْجَعَالَةِ ) .
بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ ، اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ كَالْجَوْهَرِيِّ عَلَى الْكَسْرِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ عَلَى الْفَتْحِ ، وَ ( هِيَ ) لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَكَذَا الْجُعْلُ وَالْجَعِيلَةُ .
وَشَرْعًا الْتِزَامُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ عَسُرَ عَمَلُهُ ( كَقَوْلِهِ ) أَيْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ( مَنْ ) خَاطَ ثَوْبِي هَذَا قَمِيصًا فَلَهُ كَذَا أَوْ ( رَدَّ آبِقِي ) أَوْ آبِقَ زَيْدٍ ( فَلَهُ كَذَا ) فَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالِ وَذَكَرَهَا تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ بَعْدَ بَابِ اللَّقِيطِ ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْتِقَاطِ الضَّالَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْإِجَارَةِ كَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيِّ وَتَبِعَهُمْ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ ، خَبَرُ الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ كَمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ الرَّاقِي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَالْقَطِيعُ ثَلَاثُونَ رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ وَيُسْتَأْنَسُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْجَعَالَةِ عَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرِيضُ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رُقْيَةٍ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ حَصَلَ فِيهِ تَعَبٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهَا فِي رَدِّ ضَالَّةٍ وَآبِقٍ وَعَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِرَدِّهِ ، وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى رَدِّهِ لِلْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَجَازَتْ كَالْقِرَاضِ ، وَاحْتُمِلَ إبْهَامُ الْعَامِلِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ

الْقَائِلَ رُبَّمَا لَا يَهْتَدِي إلَى الرَّاغِبِ فِي الْعَمَلِ .

وَيُشْتَرَطُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِعِوَضٍ مُلْتَزَمٍ ، فَلَوْ عَمِلَ بِلَا إذْنٍ أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ .

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ : صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَعَمَلٌ وَجُعْلٌ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَقَالَ ( وَيُشْتَرَطُ ) فِيهَا لِتَتَحَقَّقَ ( صِيغَةٌ ) مِنْ الْجَاعِلِ مِنْ الصِّيَغِ السَّابِقَةِ وَنَحْوِهَا ( تَدُلُّ عَلَى ) إذْنٍ فِي ( الْعَمَلِ ) بِطَلَبٍ كَقَوْلِهِ رُدَّ عَبْدِي أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَكَ كَذَا أَوْ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ إنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ كَذَا ؛ وَالصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الرَّدِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ لَا الْوَضْعِ ( بِعِوَضٍ ) مَعْلُومٍ مَقْصُودٍ ( مُلْتَزَمٍ ) بِمَا مَرَّ مِنْ الصِّيَغِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَقَدْرِ الْمَبْذُولِ ، وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ ( فَلَوْ ) رَدَّهُ مَنْ عَلِمَ بِإِذْنِهِ قَبْلَ رَدِّهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ الْمُلْتَزَمَ سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ بِوَاسِطَةٍ أَمْ بِدُونِهَا .
نَعَمْ إنْ قَالَ : إنْ رَدَّ عَبْدِي مَنْ سَمِعَ نِدَائِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ عَلِمَ نِدَاءَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَإِنْ ( عَمِلَ بِلَا إذْنٍ ) كَأَنْ عَمِلَ قَبْلَ النِّدَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِرَدِّ الضَّوَالِّ وَدَخَلَ الْعَبْدُ مَثَلًا فِي ضَمَانِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ( أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ ) ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ .
أَمَّا الْعَامِلُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلِمَا مَرَّ .
وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَمْ يَعْمَلْ .
نَعَمْ إنْ كَانَ الْغَيْرُ رَقِيقَ الْمَأْذُونِ لَهُ وَرَدَّ بَعْدَ عِلْمِ سَيِّدِهِ بِالِالْتِزَامِ اسْتَحَقَّ الْمَأْذُونُ لَهُ الْجُعْلَ ؛ لِأَنَّ يَدَ رَقِيقِهِ كَيَدِهِ وَلَوْ قَالَ : مَنْ رَدَّ آبِقِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ نِدَاؤُهُ ، أَوْ قَالَ : إنْ رَدَّهُ زَيْدٌ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ زَيْدٌ غَيْرَ عَالِمٍ بِإِذْنِهِ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الرَّدِّ ، وَلَمْ

يَشْرُطْ عِوَضًا أَوْ شَرَطَ عِوَضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ كَالدَّمِ فَلَا شَيْءَ لِلرَّادِّ .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا ، عَدِمَ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَأَجْرَى جَمَاعَةٌ فِيهِ خِلَافَ الْغَسَّالِ وَنَحْوِهِ ، وَقَدْ اسْتَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِي الْإِجَارَةِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ عَدَمُ التَّأْقِيتِ كَالْقِرَاضِ ، فَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ آبِقِي الْيَوْمَ فَلَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَظْفَرُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْقِرَاضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ .

وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ : مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنْ قَالَ : قَالَ زَيْدٌ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى زَيْدٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ وَإِنْ عَيَّنَهُ .

( وَ ) لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَاعِلِ كَوْنُهُ مَالِكًا ، وَحِينَئِذٍ ( لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ ) لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِهْزَاءُ وَالْخَلَاعَةُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَلَيْسَ الْجُعْلُ عِوَضَ تَمْلِيكٍ ، وَبِهَذَا خَالَفَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا مِمَّنْ يَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ فَلَهُ كَذَا عَلَى مَالِكِهِ فَيَكُونُ فُضُولِيًّا مَحْضًا فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا .
أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ الْتِزَامًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ إلَى الْفَهْمِ ، وَصَوَّرَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قَالَهُ فَلَهُ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ وَأَلْحَقَ الْأَئِمَّةُ بِهِ قَوْلَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْتِزَامٌ .
فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بِهَذَا الْقَوْلِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الْآبِقِ بَلْ يَضْمَنُ ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَاضٍ بِهِ قَطْعًا أَوْ بِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنْ يَأْذَنَ الْمَالِكُ لِمَنْ شَاءَ فِي الرَّدِّ ، أَوْ يَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَالِكِ ، وَلَوْ صَدَّقَ الرَّادُّ الْمُنَادِيَ عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُنَادِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ مِنْ مَحْجُورِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجُعْلُ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَنَّ الرَّادَّ يَسْتَحِقُّهُ فِي مَالِ الْمَالِكِ بِمُقْتَضَى قَوْلِ وَلِيِّهِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ا هـ .
فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ الْأَخِيرُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي ( وَإِنْ قَالَ ) الْأَجْنَبِيُّ ( قَالَ زَيْدٌ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ ) الْأَجْنَبِيُّ ( كَاذِبًا

لَمْ يَسْتَحِقَّ ) الْعَامِلُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ ( وَلَا عَلَى زَيْدٍ ) إنْ كَذَّبَ الْقَائِلَ وَإِنْ صَدَّقَهُ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ عَلَى زَيْدٍ إنْ كَانَ الْقَائِلُ ثِقَةً وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ غَيْرَ عَالِمٍ إذْنَهُ وَالْتِزَامَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى زَيْدٍ وَإِنْ صَدَّقَهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ الْخَبَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْقَائِلِ الثِّقَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَرْوِيجِ قَوْلِهِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ ) لَفْظًا ( وَإِنْ عَيَّنَهُ ) الْجَاعِلُ .
أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَلِاسْتِحَالَةِ طَلَبِ جَوَابِهِ .
وَأَمَّا فِي الْمُعَيَّنِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : إنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ ، فَقَالَ : أَرُدُّهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ .
فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْخُلْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ : طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ هُنَا نِصْفَ الدِّينَارِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ لَمَّا كَانَ فِيهِ شَوْبُ مُعَارَضَةٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَقَدْ رَضِيَ بِبَعْضِ مَا شُرِطَ لَهُ اُعْتُبِرَ .

وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي ، وَهُوَ الْعَاقِدُ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَزِمِ لِلْجُعْلِ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ .
وَأَمَّا الْعَامِلُ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا اُشْتُرِطَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْعَمَلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِإِذْنٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْعَبْدِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْعَاجِزُ عَنْ الْعَمَلِ كَصَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَعْدُومَةٌ فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ الْأَعْمَى لِلْحِفْظِ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ ، وَإِنْ كَانَ مُبْهَمًا كَفَى عِلْمُهُ بِالنِّدَاءِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا لَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ بِآبِقِي فَلَهُ دِينَارٌ ، فَمَنْ جَاءَ بِهِ اسْتَحَقَّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ عَلِمَ بِهِ لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ جَاءَ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي السِّيَرِ مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ إذَا قَامَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ .

وَتَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ ، وَكَذَا مَعْلُومٌ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْعَمَلُ ، فَقَالَ ( وَتَصِحُّ ) الْجَعَالَةُ ( عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ ) كَرَدِّ آبِقِي لِلْحَاجَةِ ، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا اُحْتُمِلَتْ فِي الْقَرْضِ لِحُصُولِ زِيَادَةٍ فَاحْتِمَالُهَا فِي رَدِّ الْحَاصِلِ أَوْلَى .
فَإِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ بِرَدِّ الْآبِقِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ وَأَطْلَقَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ صِحَّتَهَا عَلَى الْمَجْهُولِ ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ بِمَا عَسُرَ عَمَلُهُ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ سَهُلَ تَعَيَّنَ ضَبْطُهُ ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِ الْجَهَالَةِ فَفِي بِنَاءِ حَائِطٍ يُبَيِّنُ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَارْتِفَاعَهُ وَمَوْضِعَهُ وَمَا يُبْنَى عَلَيْهِ ، وَفِي الْخِيَاطَةِ يُعْتَبَرُ وَصْفُ الثَّوْبِ وَالْخِيَاطَةِ ( وَكَذَا ) كُلُّ عَمَلٍ ( مَعْلُومٍ ) يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ تَصِحُّ الْجَعَالَةُ عَلَيْهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مَعَ الْجَهَالَةِ فَمَعَ الْعِلْمِ أَوْلَى ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ اسْتِغْنَاءً بِالْإِجَارَةِ ، وَسَوَاءٌ فِي الْعَمَلِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ ، فَلَوْ حُبِسَ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَلُ فَرْضَ كِفَايَةٍ .
تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ فِي الْعَمَلِ كَوْنُهُ فِيهِ كُلْفَةٌ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ مَنْ الْمَطْلُوبُ فِي يَدِهِ فَرَدَّهُ وَفِي الرَّدِّ كُلْفَةٌ كَالْآبِقِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بِجِهَةٍ تُوجِبُ الرَّدَّ ، كَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ ، وَقَضِيَّتُهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالرَّدِّ إنْ كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ ، وَلَكِنْ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ مَنْ دَلَّ عَلَى مَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَرْعًا يَقْتَضِي خِلَافَهُ ،

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ ، وَلَوْ جَعَلَ لِمَنْ أَخْبَرَهُ بِكَذَا جُعْلًا فَأَخْبَرَهُ بِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَمَلٍ ، فَإِنْ تَعِبَ وَصَدَقَ فِي إخْبَارِهِ وَكَانَ لِلْمُسْتَخْبِرِ غَرَضٌ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ .

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجُعْلِ ، مَعْلُومًا فَلَوْ قَالَ : مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَلِلرَّادِّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ ، وَهُوَ الْجُعْلُ ، فَقَالَ ( وَيُشْتَرَطُ ) لِصِحَّةِ الْجَعَالَةِ ( كَوْنُ الْجُعْلِ ) مَالًا ( مَعْلُومًا ) لِأَنَّهُ عِوَضٌ كَالْأُجْرَةِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ، وَلَا حَاجَةَ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ ( فَلَوْ ) كَانَ مَجْهُولًا ، كَأَنْ ( قَالَ : مَنْ رَدَّهُ ) أَيْ عَبْدِي مَثَلًا ( فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ ) أَوْ نَحْوَهُ أَوْ كَانَ الْجُعْلُ خَمْرًا أَوْ مَغْصُوبًا ( فَسَدَ الْعَقْدُ ) لِجَهْلِ الْجُعْلِ أَوْ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ ( وَلِلرَّادِّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ هُنَا صُورَتَانِ الْأُولَى مَا إذَا قَالَ حُجَّ عَنِّي وَأُعْطِيكَ نَفَقَتَكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ جَهَالَتِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ أَرْزَاقٌ لَا جَعَالَةٌ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ جَعَالَةً إذَا جَعَلَهُ عِوَضًا ، فَقَالَ : حُجَّ عَنِّي بِنَفَقَتِكَ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهَا جَعَالَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْعِلْجِ ، وَسَتَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
تَنْبِيهٌ : وَلَوْ وَصَفَ الْجُعْلَ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ اسْتَحَقَّهُ الْعَامِلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ لَا يُغْنِي وَصْفُهُ عَنْ رُؤْيَتِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ هُنَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ عُقُودٌ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ ، فَاحْتِيطَ لَهَا مَا لَمْ يُحْتَطْ لِلْجَعَالَةِ ، وَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ رَقِيقِي مَثَلًا فَلَهُ ثِيَابُهُ أَوْ رُبُعُهُ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَهَلْ يَكْفِي الْوَصْفُ فِي الرَّقِيقِ أَوْ لَا لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ وَصَفَهُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ

الصِّحَّةُ .
فَائِدَةٌ : الِاعْتِبَارُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِالزَّمَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ كُلُّ الْعَمَلِ لَا بِالزَّمَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّسْلِيمُ كَمَا قَالُوهُ فِي الْمُسَابَقَةِ .

وَلَوْ قَالَ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ قِسْطُهُ مِنْ الْجُعْلِ .
( وَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْجَعَالَةِ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي مَثَلًا ( مِنْ بَلَدِ كَذَا ) فَلَهُ كَذَا ( فَرَدَّهُ ) الْعَامِلُ ( مِنْ ) مَكَانٍ ( أَقْرَبَ مِنْهُ ) ( فَلَهُ قِسْطُهُ ) أَيْ الْأَقْرَبِ ( مِنْ الْجُعْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْجُعْلِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ مَثَلًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ ، وَيَجِبُ فَرْضُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا إذَا تَسَاوَتْ الطَّرِيقُ سُهُولَةً وَحُزُونَةً ، فَإِنْ تَفَاوَتْ بِأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ نِصْفِ الْمَسَافَةِ ضِعْفُ أُجْرَةِ النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْجُعْلِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ قَوْلُهُ " أَقْرَبَ " تِلْكَ الْبَلْدَةَ وَغَيْرَهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ نَظَرَ السُّبْكِيُّ ، فَلَوْ قَالَ مَكِّيٌّ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ عَرَفَةَ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ مِنًى أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ اسْتَحَقَّ بِالْقَصْدِ ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمَكَانِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْإِشَارَةُ إلَى مَوْضِعِ الْآبِقِ أَوْ مَظِنَّتِهِ ، لَا أَنَّ الرَّدَّ مِنْهُ شَرْطٌ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ، إذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَكَانَ إذَا رَدَّهُ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ مِنْهُ ، وَخَرَجَ بِأَقْرَبَ مَا لَوْ رَدَّهُ مِنْ أَبْعَدَ فَلَا يَسْتَحِقُّ لِلزِّيَادَةِ شَيْئًا .

وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي رَدِّهِ اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ .
( وَلَوْ ) عَمَّمَ الْمَالِكُ النِّدَاءَ ، كَأَنْ قَالَ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَ ( اشْتَرَكَ ) حِينَئِذٍ ( اثْنَانِ ) مَثَلًا غَيْرُ مُعَيَّنَيْنِ ( فِي رَدِّهِ اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ ) لِحُصُولِ الرَّدِّ مِنْهُمَا ، وَالِاشْتِرَاكُ فِيهِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ أَيْ غَالِبًا حَتَّى يَقَعَ التَّوْزِيعُ عَلَيْهِ ، وَخَالَفَ هَذَا مَا لَوْ قَالَ : مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَدَخَلَ جَمْعٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَخَلَ وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ يُرَادُ ، وَمَا لَوْ قَالَ : مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ دِينَارٌ فَحَجَّ عَنْهُ اثْنَانِ مَعًا لَمْ يَسْتَحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ كَالْوَلِيَّيْنِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّ ، وَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ الْعَبْدَيْنِ مِنْ كَذَا فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُمَا سَامِعٌ مِنْ نِصْفِ الْمَسَافَةِ ، أَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا مِنْ جَمِيعِهَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ عَمَلًا بِالتَّوْزِيعِ عَلَى الْعَمَلِ ، أَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ : إنْ رَدَدْتُمَا الْعَبْدَيْنِ فَلَكُمَا كَذَا فَرَدَّهُمَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَهُ النِّصْفُ .
أَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا مِنْ الْعَبْدَيْنِ فَلَهُ الرُّبُعُ لِذَلِكَ فِيهِمَا ، قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ أَيُّ رَجُلٍ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَرَدَّهُ اثْنَانِ اقْتَسَمَا الدِّرْهَمَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَقْرَبِ عِنْدِي ، وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ فَقَالَا لِرَجُلٍ : إنْ رَدَدْتَ عَبْدَنَا فَلَكَ دِينَارٌ فَرَدَّهُ فَالدِّينَارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي .

وَلَوْ الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ إنْ قَصَدَ إعَانَتَهُ فَلَهُ كُلُّ الْجُعْلِ ، وَإِنْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلِلْأَوَّلِ قِسْطُهُ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ .

( وَلَوْ الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ ) كَإِنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ ( فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ إنْ قَصَدَ ) الْغَيْرُ ( إعَانَتَهُ ) بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُعَيَّنِ ( كُلُّ الْجُعْلِ ) ؛ لِأَنَّ رَدَّ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِقَصْدِ الْإِعَانَةِ لَهُ وَاقِعٌ عَنْهُ وَمَقْصُودُ الْمَالِكِ رَدُّ الْآبِقِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ ، فَلَا يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ ( وَإِنْ قَصَدَ ) الْمُشَارِكُ ( الْعَمَلَ ) لِنَفْسِهِ أَوْ ( لِلْمَالِكِ ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ( فَلِلْأَوَّلِ ) أَيْ الْمُعَيَّنِ ( قِسْطُهُ ) وَهُوَ النِّصْفُ ، إذْ الْقِسْمَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ ، وَلَوْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ وَالْعَامِلِ ، أَوْ لِلْعَامِلِ وَالْمُلْتَزِمِ أَوْ لِلْجَمِيعِ فَلِلْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْجُعْلِ وَفِيهَا ثُلُثَاهُ ، وَلَوْ شَارَكَهُ اثْنَانِ فِي الرَّدِّ فَإِنْ قَصَدَا إعَانَتَهُ فَلَهُ تَمَامُ الْجُعْلِ ، أَوْ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثُهُ أَوْ وَاحِدٌ إعَانَتَهُ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ ( وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ ) فِي أَيِّ حَالٍ مِمَّا قَصَدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا .
نَعَمْ إنْ الْتَزَمَ لَهُ الْعَامِلُ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ ، وَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ : رُدَّ عَبْدِي مَثَلًا وَلَك دِينَارٌ فَأَعَانَهُ آخَرُ فَالْكُلُّ لِزَيْدٍ ، فَقَدْ يَحْتَاجُ لِلْمُعَاوَنَةِ وَغَرَضُ الْمُلْتَزِمِ الْعَمَلُ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ ، وَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَإِنْ لَمْ يَعْجَزْ ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ خُفِّفَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا .
فَهُوَ كَالْوَكِيلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ كَمَا يُوَكِّلُ فِيهِ ، وَتَوْكِيلُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ غَيْرَهُ كَالتَّوْكِيلِ فِي الِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ .
فَائِدَةٌ :

اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَجْعُولِ لَهُ تَمَامَ الْجُعْلِ إذَا قَصَدَ الْمُشَارِكُ إعَانَتَهُ ، وَمِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ نَصِيبَهُ إذَا تَبَرَّعَ عَنْهُ الْمَالِكُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فِي الْعَمَلِ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ ، وَكُلُّ وَظِيفَةٍ تَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ وَيَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمَعْلُومِ .
قَالَ : وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّوَوِيُّ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
قَالَا : أَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ .
وَأَمَّا النَّائِبُ فَلِعَدَمِ وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الْمُبَاشَرَةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمُدْرِكُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّيعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْجَعَالَةِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِمَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْجَاعِلِ ، وَالْعَمَلُ هُنَا لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِبَاحَةُ بِشَرْطِ الْحُضُورِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فَتْحُ بَابٍ لِأَرْبَابِ الْجِهَاتِ وَالْجَهَالَاتِ فِي تَوَلِّي الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ وَاسْتِنَابَةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ أَوْ يَصْلُحُ بِنَذْرٍ يَسِيرٍ مِنْ الْمَعْلُومِ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُسْتَنِيبُ مَالَ الْوَقْفِ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ ا هـ .
وَقَالَ الْغَزِّيُّ بَعْدَ تَمْثِيلِ السُّبْكِيّ بِالْإِمَامَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْفُقَهَاءِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَهُوَ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَتَفَقَّهُ عَنْهُ ا هـ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَعَالَةَ إذَا وَرَدَتْ عَلَى بَذْلِ الْمَنَافِعِ فِي تَحْصِيلِ الشَّيْءِ فَلَهَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ : مَنْ بَنَى لِي حَائِطًا أَوْ خَاطَ لِي ثَوْبًا فَلَهُ كَذَا فَخَاطَ بَعْضٌ الثَّوْبَ ، أَوْ بَنَى بَعْضٌ الْحَائِطَ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ .
الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ عَلَى

تَحْصِيلِ شَيْئَيْنِ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ مَنْ رَدَّ الْعَبْدَيْنِ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ غَيْبَةُ الطَّالِبِ عَنْ الدَّرْسِ بَعْضَ الْأَيَّامِ ، إذَا قَالَ الْوَاقِفُ مَنْ حَضَرَ شَهْرَ كَذَا فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ الْأَيَّامَ كَمَسْأَلَةِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهَا أَشْيَاءُ مُتَفَاصِلَةٌ فَيَسْتَحِقُّ قِسْطَ مَا حَضَرَ .
قَالَ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْلَطُ فِيهِ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَلِذَلِكَ كَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيُّ إذَا بَطَلَ يَوْمًا غَيْرَ مَعْهُودِ الْبَطَالَةِ فِي دَرْسِهِ لَا يَأْخُذُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ مَعْلُومًا .
قَالَ وَسَأَلْت شَيْخَنَا عَنْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ الطَّالِبُ فِي حَالِ انْقِطَاعِهِ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ - يَعْنِي شَيْخَهُ - : وَلَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَكُنْ بِصَدَدِ الِاشْتِغَالِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْعُهُ بِالْعِلْمِ لَا مُجَرَّدُ حُضُورِهِ ، وَكَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِرْصَادِ ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْوَظَائِفَ إنْ كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مُسْتَحِقًّا فَهُوَ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا سَوَاءٌ أَحَضَرَ أَمْ لَا اسْتَنَابَ أَمْ لَا .
وَأَمَّا النَّائِبُ فَإِنْ جُعِلَ لَهُ مَعْلُومٌ فِي نِيَابَتِهِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فِيهِ ، فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الظَّاهِرُ ( وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ ( الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ .
أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُلْتَزَمِ فَلِأَنَّهَا

تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطٍ فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ فَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مَجْهُولٌ فَأَشْبَهَتْ الْقِرَاضَ .

فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ .

تَنْبِيهٌ : إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ ابْتِدَاءً مِنْ الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ .
وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ فَيُؤَوَّلُ الْفَسْخُ فِي حَقِّهِ بِالرَّدِّ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْفَسْخِ حِينَئِذٍ لِلُزُومِ الْجُعْلِ ( فَإِنْ فُسِخَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ فَسَخَ الْمَالِكُ أَوْ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ ( قَبْلَ الشُّرُوعِ ) فِي الْعَمَلِ ( أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ ) فِيهِ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ .
أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ ، سَوَاءٌ أَوْقَعَ الْعَمَلَ مُسْلِمٌ أَمْ لَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
نَعَمْ لَوْ زَادَ الْمَالِكُ فِي الْعَمَلِ وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِلُ بِالزِّيَادَةِ فَفَسَخَ لِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْمُسَابَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ لِذَلِكَ ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَقِيَاسُهُ إذَا نَقَصَ مِنْ الْجُعْلِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فَسْخٌ كَمَا سَيَأْتِي فَهُوَ فَسْخٌ مِنْ الْمَالِكِ لَا مِنْ الْعَامِلِ وَلَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ وَالْمُلْتَزِمُ مَعًا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ لِاجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ وَإِنْ عَمِلَ الْعَامِلُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَسْخِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إنْ عَلِمَ بِالْفَسْخِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي نُفُوذِ عَزْلِ الْوَكِيلِ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ ا هـ .
وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : إنَّ لَهُ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ جَاهِلًا وَهُوَ مُعَيَّنٌ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَالِكُ بِالْفَسْخِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ

وَالرُّويَانِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِالْعِلْمِ ، وَيَنْفَسِخُ أَيْضًا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَرَدَّهُ إلَى وَارِثِهِ وَجَبَ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الْمُسَمَّى .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ أَيْضًا ا هـ .
وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ مُعَيَّنًا .
أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِعَمَلِهِ وَعَمَلِ مُوَرِّثِهِ .
كَمَا لَوْ رَدَّهُ اثْنَانِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ .

وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ فِي الْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ .

( وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ ) فِي الْعَمَلِ ( فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) لِمَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيطَ عَلَى رَفْعِهِ ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ لَكِنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ وَقَعَ مُحْتَرَمًا فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ فَرُجِعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ إذَا فُسِخَتْ بِعَيْبٍ وَرُبَّمَا عَبَّرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ حَتَّى يَضْمَنَ أَيْ يَلْتَزِمَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِ مَا عَمِلَ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ .
وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بِنَفْسِهِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا صَدَرَ مِنْ الْعَامِلِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ أَصْلًا كَرَدِّ الْعَبْدِ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ يَحْصُلُ بِهِ بَعْضُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ عَلَّمْتَ ابْنِي الْقُرْآنَ فَلَكَ كَذَا فَعَلَّمَهُ بَعْضَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
وَوَقَعَ لِلْأَذْرَعِيِّ فِي شَرْحِهِ هُنَا خِلَافُ ذَلِكَ فَلْيُحْذَرْ .
فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حَيْثُ تَنْفَسِخُ ، وَيَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ مِنْ الْمُسَمَّى أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ ثَمَّ تَمَّمَ الْعَمَلَ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ مِنْهُ بِخِلَافِهِ هُنَا ( وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ ) أَيْ يَتَصَرَّفَ ( فِي الْجُعْلِ ) أَيْ الَّذِي شَرَطَهُ لِلْعَامِلِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ يَعْتَبِرَ جِنْسَهُ ( قَبْلَ الْفَرَاغِ ) مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَلْ أَوْلَى ، كَأَنْ يَقُولَ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ يَقُولَ : فَلَهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَكْسَهُ ، أَوْ يَقُولَ : مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ دِينَارٌ ثُمَّ يَقُولَ : فَلَهُ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ سَمِعَ الْعَامِلُ

ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ اُعْتُبِرَ النِّدَاءُ الْأَخِيرُ ، وَلِلْعَامِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ ، أَوْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ ) فِي الْعَمَلِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ ( وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ وَالْفَسْخُ مِنْ الْمِلْكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ، فَلَوْ عَمِلَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً ، وَمَنْ سَمِعَ الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَالثَّانِي نِصْفَ الْمُسَمَّى الثَّانِي ، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ الْعِلْمُ ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا ذُكِرَ لِجَمِيعِ الْعَمَلِ لَا لِلْمَاضِي خَاصَّةً ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ شَيْئًا بَعْدَ الْفَسْخِ لَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا فَسْخٌ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ هَذَا .

وَلَوْ مَاتَ الْآبِقُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ هَرَبَ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَإِذَا رَدَّهُ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ أَوْ سَعْيَهُ فِي رَدِّهِ .

( وَلَوْ ) تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَ وُصُولِهِ كَأَنْ ( مَاتَ الْآبِقُ ) بِغَيْرِ قَتْلِ الْمَالِكِ لَهُ ( فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ) وَلَوْ بِقُرْبِ دَارِ سَيِّدِهِ ( أَوْ ) غُصِبَ أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ أَوْ ( هَرَبَ ) وَلَوْ فِي دَارِ الْمَالِكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَهُ ( فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ ) وَإِنْ حَضَرَ الْآبِقُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَأَتَى بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمَاتَ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ الثَّوَابُ ، وَقَدْ حَصَلَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْصُودِ ، وَبِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهَا بِالْعَقْدِ شَيْئًا فَشَيْئًا ، وَالْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ فَاحْتَرَقَ أَوْ تَرَكَهُ ، أَوْ بَنَى بَعْضَ الْحَائِطِ فَانْهَدَمَ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ الصَّبِيُّ لِبَلَادَتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْآبِقَ فَلَمْ يَجِدْهُ ، هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا ، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ لِوُقُوعِهِ مُسَلَّمًا بِالتَّعْلِيمِ مَعَ ظُهُورِ أَثَرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمَحَلِّ ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ حُرًّا كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ السَّيِّدُ أَوْ حَصَلَ التَّعْلِيمُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَسْخِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ بِالْفَسْخِ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا هُنَا ، وَلَوْ مَنَعَ الصَّبِيَّ أَبُوهُ مِنْ تَمَامِ التَّعَلُّمِ أَوْ الْمَالِكُ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فَسْخٌ أَوْ كَالْفَسْخِ .
أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْمَالِكُ فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْقِسْطَ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ ،

وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ رَقِيقَهُ قَبْلَ رَدِّهِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِحُصُولِ الرُّجُوعِ ضِمْنًا أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لِعَمَلِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ تَنْزِيلًا لِإِعْتَاقِهِ مَنْزِلَةَ فَسْخِهِ .
( وَإِذَا رَدَّهُ ) أَيْ الْآبِقَ الْعَامِلُ عَلَى سَيِّدِهِ ( فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ ) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا حَبْسَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَكَذَا لَا يَحْبِسُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ( وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ ) بِيَمِينِهِ ( إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ ) لِلْعَامِلِ بِأَنْ اخْتَلَفَا فِيهِ ، فَقَالَ : الْعَامِلُ شَرَطْتَ لِي جُعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ ( أَوْ ) أَنْكَرَ ( سَعْيَهُ ) أَيْ الْعَامِلِ ( فِي رَدِّهِ ) أَيْ الْآبِقِ بِأَنْ قَالَ : لَمْ تَرُدَّهُ وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي بُلُوغِهِ النِّدَاءَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّادِّ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَمَاعِ نِدَائِهِ .

فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْجُعْلِ تَحَالَفَا .
( فَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْمُلْتَزِمُ وَالْعَامِلُ ( فِي قَدْرِ الْجُعْلِ ) بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَقُلْنَا لِلْعَامِلِ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ ( تَحَالَفَا ) وَفُسِخَ الْعَقْدُ ، وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ .
أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ وَلَا تَحَالُفَ ، وَمِثْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْعَمَلِ كَقَوْلِهِ : شَرَطْتُ لَهُ مِائَةً عَلَى رَدِّ عَبْدَيْنِ فَقَالَ : بَلْ عَلَى عَبْدٍ .

خَاتِمَةٌ : يَدُ الْعَامِلِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ يَدُ أَمَانَةٍ ، فَإِنْ خَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةَ الرُّجُوعِ فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ يُشْهِدَ عِنْدَ فَقْدِهِ ، لِيَرْجِعَ وَمَنْ وَجَدَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ السَّيْرِ بِنَحْوِ بَادِيَةٍ لَزِمَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ نَحْوِهَا وَإِذَا أَقَامَ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ لَزِمَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا حَمْلُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ وَإِلَّا يَضْمَنُهُ فِي الْحَالَيْنِ لَوْ تَرَكَهُ ، وَحُكْمُ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَرِيضِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ لَا حُكْمُ الْمَيِّتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَلَوْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ وَيَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ إذَا وَجَدَهُ انْتِظَارًا لِسَيِّدِهِ ، فَإِنْ أَبْطَأَ سَيِّدُهُ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ ، فَإِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْفَرَائِضِ

( كِتَابُ الْفَرَائِضِ ) .
أَيْ : مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ ، جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ : أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغُلِّبَتْ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مَسَائِلَ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ - كَمَا قَدَّرَتْهُ - الصَّادِقَةَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ إرَادَةً لِلتَّغْلِيبِ ، وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ .
قَالَ تَعَالَى : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } أَيْ قَدَّرْتُمْ ، وَأَتَى بِمَعْنَى الْقَطْعِ .
قَالَ تَعَالَى : { نَصِيبًا مَفْرُوضًا } أَيْ مَقْطُوعًا مَحْدُودًا ، وَبِمَعْنَى الْإِنْزَالِ .
قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ } أَيْ أَنْزَلَهُ ، وَبِمَعْنَى التَّبْيِينِ .
قَالَ تَعَالَى : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } أَيْ بَيَّنَ ، وَبِمَعْنَى الْإِحْلَالِ .
قَالَ تَعَالَى : { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } أَيْ أَحَلَّ ، وَبِمَعْنَى الْعَطَاءِ : تَقُولُ الْعَرَبُ : لَا أَصَبْت مِنْهُ فَرْضًا وَلَا قَرْضًا .
وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي السِّتَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ وَالْمَقَادِيرِ الْمُقْتَطَعَةِ وَالْعَطَاءِ الْمُجَرَّدِ ، وَتَبْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ ، وَإِحْلَالِهِ وَإِنْزَالِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ .
وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ .
وَالْأَصْلُ فِي الْفَرَائِضِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } فَإِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ " ذَكَرٍ " بَعْدَ رَجُلٍ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلصَّبِيِّ ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْأُنْثَى .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ رَجُلٍ كَفَى ، فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ رَجُلٍ مَعَهُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوَارِيثُ كَانُوا يُوَرِّثُونَ

الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ ، وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ حَظَّ الزَّوْجَةِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ سَنَةً وَيُوَرِّثُونَ الْأَخَ زَوْجَةَ أَخِيهِ وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ فَيَقُولُ : ذِمَّتِي ذِمَّتُكَ تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ ثُمَّ نُسِخَ فَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ ، وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ آيَةِ الشِّتَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ ، وَآيَةِ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِهَا ، فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } وَاشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهَا ، وَتَعَلُّمِهَا مِنْهَا { تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ ، وَعَلِّمُوهُ أَيْ : عِلْمَ الْفَرَائِضِ ، وَرُوِيَ وَعَلِّمُوهَا - أَيْ الْفَرَائِضَ - النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ .
وَمِنْهَا { تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِنَّمَا حَثَّهُمْ عَلَى تَعَلُّمِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا التَّوَارُثِ أَيْ : وَهُوَ التَّوَارُثُ الْمُتَقَدِّمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ } عَلَى أَقْوَالٍ : أَحْسَنُهَا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ ، فَإِنَّ حَالَ النَّاسِ اثْنَانِ حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْوَفَاةِ ، وَسَائِرُ الْعُلُومِ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ .
وَقِيلَ : النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ .
قَالَ الشَّاعِرُ : إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي

كُنْتُ أَصْنَعُ وَقِيلَ : إنَّ الْعِلْمَ يُسْتَفَادُ بِالنَّصِّ تَارَةً وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى ، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّصِّ ، وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : إذَا تَحَدَّثْتُمْ فَتَحَدَّثُوا فِي الْفَرَائِضِ وَإِذَا لَهَوْتُمْ فَالْهُوا فِي الرَّمْيِ ، وَاشْتَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِعِلْمِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةٌ : عَلِيٌّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَزَيْدٌ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَلَمْ يَتَّفِقْ هَؤُلَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَافَقَتْهُمْ الْأُمَّةُ وَمَا اخْتَلَفُوا إلَّا وَقَعُوا فُرَادَى ثَلَاثَةٌ فِي جَانِبٍ ، وَوَاحِدٌ فِي جَانِبٍ ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَذْهَبَ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ } .
وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُهْجَرْ لَهُ قَوْلٌ بَلْ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ مَعْمُولٌ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَمَعْنَى اخْتِيَارِهِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَدِلَّتِهِ فَوَجَدَهَا مُسْتَقِيمَةً فَعَمِلَ بِهَا لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا ، وَذَكَرْتُ فِي شَرْحِ النَّبِيهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي اسْمِ زَيْدٍ أُصُولُ الْفَرَائِضِ ، وَغَالِبُ قَوَاعِدِهَا ، وَعَرَّفَ بَعْضُهُمْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ بِأَنَّهُ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ الْمُوَصِّلِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّرِكَةِ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ ، فَخَرَجَ بِالْإِرْثِ الْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالصَّلَاةِ مَثَلًا فَلَا يُسَمَّى عِلْمَ الْفَرَائِضِ ، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ يَحْتَاجُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ إلَى ثَلَاثَةِ عُلُومٍ : عِلْمِ الْفَتْوَى بِأَنْ يُعْلَمَ نَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَعِلْمِ النَّسَبِ بِأَنْ يُعْلَمَ الْوَارِثُ مِنْ الْمَيِّتِ بِالنَّسَبِ وَكَيْفِيَّةِ انْتِسَابِهِ لِلْمَيِّتِ ، وَعِلْمِ الْحِسَابِ بِأَنْ يُعْلَمَ مِنْ أَيِّ حِسَابٍ تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ ، وَحَقِيقَةُ مُطْلَقِ

الْحِسَابِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي عَدَدٍ لِاسْتِخْرَاجِ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ .

يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ .
قُلْتُ : فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ وَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ وَالْمَبِيعِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قُدِّمَ عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( يُبْدَأُ ) وُجُوبًا ( مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ) وَهِيَ مَا يُخَلِّفُهُ فَتَصْدُقُ بِمَا تَرَكَهُ مِنْ خَمْرٍ صَارَ خَلًّا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَمِنْ شَبَكَةٍ نَصَبَهَا فَوَقَعَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ صَيْدٌ فَيُورَثُ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي قَتْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالتَّرِكَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَالِ الْمُتَخَلِّفِ ، وَعَلَّقَ بِيُبْدَأُ قَوْلُهُ : ( بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ ) بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ ، وَهِيَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ مِنْ كَفَنٍ ، وَحَنُوطٍ ، وَأُجْرَةِ تَغْسِيلٍ وَحَفْرٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ : كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ } وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ كَمَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقُوتٍ يَوْمَ الْقِسْمَةِ عَلَى حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ لِلْوَارِثِ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُورَثُ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُتْرَكُ لِلْحَيِّ عِنْدَ فَلَسِهِ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ وَيُوَارَى ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يُعَالَجُ وَيَسْعَى لِنَفْسِهِ ، وَالْمَيِّتَ قَدْ انْقَطَعَ عِلَاجُهُ وَسَعْيُهُ بِمَوْتِهِ ، وَيُبْدَأُ أَيْضًا بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِ مَنْ عَلَى الْمَيِّتِ مُؤْنَتُهُ إنْ كَانَ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْفَلَسِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ ، وَخَادِمُهَا فَتَجْهِيزُهَا عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ ، وَكَالزَّوْجَةِ الْبَائِنُ الْحَامِلُ ( ثُمَّ تُقْضَى ) مِنْهَا ( دُيُونُهُ ) الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، سَوَاءٌ أَذِنَ الْمَيِّتُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا لَزِمَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ

؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ، وَيُقَدَّمُ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْحَجِّ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ .
أَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ فَسَتَأْتِي ( ثُمَّ ) تَنْفُذُ ( وَصَايَاهُ ) وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ عِتْقٍ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ ، وَتَبَرُّعٍ نُجِّزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ أُلْحِقَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } ( مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي ) بَعْدَ إخْرَاجِ دَيْنِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِثُمَّ ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ كَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافٍ فَقُوِّيَ جَانِبُهَا بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهَا وَيُتَسَاهَلَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ ، فَإِنَّ فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يُغْنِيهِ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِانْعِقَادِهَا حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُحْكَمُ بِانْعِقَادِهَا وَتَنْفُذُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْوَصِيَّةُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ فَلِمَاذَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا قُيِّدَتْ بِالسُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ } ( ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي ) مِنْ التَّرِكَةِ ( بَيْنَ الْوَرَثَةِ ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ تَنْبِيهٌ :

تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ تَنْبِيهٌ : قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ بِكَمَالِهَا كَالْمَرْهُونَةِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قَلَّ ، وَكَمَا تُورَثُ الْأَمْوَالُ تُورَثُ الْحُقُوقُ ، وَضَبَطَهُ الْمُتَوَلِّي : بِكُلِّ حَقٍّ لَازِمٍ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ كَحَقِّ الْخِيَارِ ، وَالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ أَشْيَاءَ مِنْهُ كَحَدِّ الْقَذْفِ ، وَالْقِصَاصِ وَالنَّجَاسَاتِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْكَلْبِ ، وَالسِّرْجِينِ ، وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ ( قُلْتُ ) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ ) أَيْ كَالْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِهَا ( وَالْجَانِي ) لِتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ ( وَالْمَرْهُونِ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ( وَالْمَبِيعِ ) بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ( إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا ) بِثَمَنِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَبِيعِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ سَوَاءٌ أَحُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِهِ ( قُدِّمَ ) ذَلِكَ الْحَقُّ ( عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ ) وَتَجْهِيزِ مُؤَنِهِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) تَقْدِيمًا لِحَقِّ صَاحِبِ التَّعَلُّقِ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ .
وَلَيْسَتْ صُورَةُ التَّعَلُّقِ مُنْحَصِرَةً فِي الْمَذْكُورَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا ، وَالْحَاصِرُ لَهَا التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ ، فَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ قِسْمَةِ مَالِ الْقِرَاضِ ؛ فَإِنَّ حَقَّ الْعَامِلِ يُقَدَّمُ عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَاكَ بِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَإِذَا

أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ إلَّا قَدْرَ حِصَّةِ الْعَامِلِ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ لِلْعَامِلِ ، وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى نُجُومَ الْكِتَابَةِ ، وَمَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ بَاقٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ .
وَمِنْهَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ الْوَفَاةِ بِالْحَمْلِ سُكْنَاهَا مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ وَذَكَرْتُ صُوَرًا أُخْرَى مَعَ نَظْمٍ فِيهَا مَعَ إشْكَالٍ لِلسُّبْكِيِّ فِي صُورَتَيْ الزَّكَاةِ وَمَبِيعِ الْمُفْلِسِ ، وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .

وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ أَرْبَعَةٌ : قَرَابَةٌ ، وَنِكَاحٌ ، وَوَلَاءٌ ، فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ وَلَا عَكْسَ ، وَالرَّابِعُ : الْإِسْلَامُ فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ : وُجُودِ أَسْبَابِهِ ، وَشُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَقَالَ : ( وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ ) بِاسْتِقْرَاءِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ ( أَرْبَعَةٌ ) فَلَا إرْثَ بِغَيْرِهَا مِنْ مُؤَاخَاةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ .
أَوَّلُهَا ( قَرَابَةٌ ) وَهِيَ الرَّحِمُ فَيَرِثُ بِهَا بَعْضُ الْأَقَارِبِ مِنْ بَعْضٍ فِي فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ ( وَ ) ثَانِيهَا ( نِكَاحٌ ) صَحِيحٌ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ فَيَرِثُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فِي فَرْضٍ فَقَطْ ( وَ ) ثَالِثُهَا ( وَلَاءٌ ) وَهِيَ عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْمُعْتِقِ مُبَاشَرَةً ، أَوْ سِرَايَةً أَوْ شَرْعًا كَعِتْقِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ فَيَرِثُ بِهِ الْمُعْتِقُ فِي تَعْصِيبٍ فَقَطْ .
أَمَّا الْقَرَابَةُ وَالنِّكَاحُ فَلِلْآيَةِ .
وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ شَبَّهَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ يُورَثُ بِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ ( فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَلَا عَكْسَ ) أَيْ لَا يَرِثُ الْعَتِيقُ الْمُعْتِقَ حَيْثُ تَمَحَّضَ كَوْنُهُ عَتِيقًا وَإِلَّا فَقَدْ يُتَصَوَّرُ الْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ اسْتَلْحَقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتَرَقَّهُ عَتِيقُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا عَتِيقُ الْآخَرِ ، وَمُعْتِقُهُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ مُبَاشَرَةً فَيَتَوَارَثَانِ .
الثَّانِيَةُ : أَعْتَقَ شَخْصٌ عَبْدًا فَاشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ فَأَعْتَقَهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ السَّيِّدِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْعَتِيقِ بِالسِّرَايَةِ ، وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ : لَنَا شَخْصَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ ، وَقَدْ يَخْتَصُّ التَّوَارُثُ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي

الْقَرَابَةِ أَيْضًا كَابْنِ الْأَخِ يَرِثُ عَمَّتَهُ وَلَا عَكْسَ ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ خَاصَّةً لَمْ يُفْرِدْ كُلًّا مِنْهَا بِالذِّكْرِ ، وَلَمَّا كَانَ الرَّابِعُ عَامًّا أَفْرَدَهُ ، فَقَالَ ( وَالرَّابِعُ الْإِسْلَامُ ) أَيْ : جِهَتُهُ فَإِنَّهَا الْوَارِثَةُ كَالنَّسَبِ لَا الْمُسْلِمُونَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ ، وَلَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمْ تَصِحَّ ، فَلَمَّا صَحَّتْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوَارِثَ الْجِهَةُ ( فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ ) أَيْ : تَرِكَةُ الْمُسْلِمِ أَوْ بَاقِيهَا كَمَا سَيَأْتِي ( لِبَيْتِ الْمَالِ ) لَا مَصْلَحَةً كَمَا قِيلَ بَلْ ( إرْثًا ) لِلْمُسْلِمِينَ عُصُوبَةً ( إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ ) الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْ الْمَيِّتِ كَالْعَصَبَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَضَعُ الْإِمَامُ تَرِكَتَهُ ، أَوْ بَاقِيَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَخُصُّ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ .
تَنْبِيهٌ : الْوَارِثُ الْمُعَيَّنُ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ اسْتِوَاءَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْإِرْثِ أَهْلَ الْبَلَدِ وَغَيْرَهُمْ ، وَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ ، أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ أَوْ عَتَقَ بَعْدَهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِبَلَدِ الْمَيِّتِ ، وَلَكِنْ لَا يُعْطِي مُكَاتَبًا وَلَا قَاتِلًا وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَا كَافِرًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا وَارِثِينَ ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ أُعْطِيَهُ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا أَيْضًا بِالْإِرْثِ فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ

الْمُعَيَّنِ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ .
أَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَارِثٍ أَوْ وَارِثٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ فَإِنَّ تَرِكَتَهُ أَوْ بَاقِيَهَا تَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا .
فَائِدَةٌ : قَالَ بَعْضُهُمْ : يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِمَامِ كَأَنْ يَمْلِكَ بِنْتَ عَمِّهِ ، ثُمَّ يُعْتِقَهَا ، ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِهَا ، ثُمَّ تَمُوتَ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُ ، فَهُوَ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمِّهَا وَمُعْتِقُهَا وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا مَدْخَلَ لِلْوَلَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْعَاصِبِ مِنْ النَّسَبِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا تُصُوِّرَتْ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَرِثْ بِهَا كُلِّهَا .
فَإِنْ قِيلَ : الْإِمَامُ لَيْسَ بَيْتَ الْمَالِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَارِثَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِيهِ .

وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِرْثِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا : أَوَّلُهَا : تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُورَثِ ، أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ انْفَصَلَ مَيِّتًا فِي حَيَاةِ أُمِّهِ ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ مُوجِبَةٍ لِلْغُرَّةِ ، فَيُقَدَّرُ أَنَّ الْجَنِينَ عَرَضَ لَهُ الْمَوْتُ لِتُوَرَّثَ عَنْهُ الْغُرَّةُ أَوْ إلْحَاقُ الْمُورَثِ بِالْمَوْتَى حُكْمًا كَمَا فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ اجْتِهَادًا .
وَثَانِيهَا : تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ .
وَثَالِثُهَا : مَعْرِفَةُ إدْلَائِهِ لِلْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ ، أَوْ نِكَاحٍ ، أَوْ وَلَاءٍ .
وَرَابِعُهَا : الْجِهَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِرْثِ تَفْصِيلًا ، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِرْثِ مُطْلَقَةً كَقَوْلِ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي : هَذَا وَارِثُ هَذَا بَلْ لَا بُدَّ فِي شَهَادَتِهِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ إرْثَهُ مِنْهُ ، وَلَا يَكْفِي أَيْضًا قَوْلُ الشَّاهِدِ : هَذَا ابْنُ عَمِّهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا .
وَأَمَّا مَوَانِعُ الْإِرْثِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ .

وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ : الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ، وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ، وَالْأَخُ وَابْنُهُ إلَّا مِنْ الْأُمِّ ، وَالْعَمُّ إلَّا لِلْأُمِّ ، وَكَذَا ابْنُهُ وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ .
( وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ ) أَيْ : الذُّكُورِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِمْ كَانَ أَوْلَى لَكِنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ ، وَكَذَا فِي النِّسَاءِ فَيَشْمَلُ غَيْرَ الْبَالِغِينَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ( عَشَرَةٌ ) بِالِاخْتِصَارِ ، وَخَمْسَةَ عَشْرَةَ بِالْبَسْطِ وَهُمْ ( الِابْنُ وَابْنُهُ ) وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ : ( وَإِنْ سَفَلَ ) إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ التَّنْبِيهَ عَلَى إخْرَاجِ ابْنِ الْبِنْتِ ( وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ ) لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَلِأُمٍّ ( وَابْنُهُ ) أَيْ الْأَخِ ، وَقَوْلُهُ : ( إلَّا مِنْ الْأُمِّ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ابْنِهِ فَقَطْ أَيْ : ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ .
أَمَّا ابْنُهُ لِأُمٍّ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَالْعَمُّ ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَمُّ الْأَبِ ، وَعَمُّ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا ، وَيَدْخُلُ فِي ابْنِهِ الْآتِي ابْنَاهُمَا ( إلَّا ) الْعَمَّ ( لِلْأُمِّ ) فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ( وَكَذَا ابْنُهُ ) أَيْ : الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ ( وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ أَوْ وَرِثَ بِهِ ، فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْعَشَرَةِ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ ، وَمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ .

وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ : الْبِنْتُ ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَالْأُمُّ ، وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ ، وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ .
( وَ ) الْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِنَّ ( مِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ ) بِالِاخْتِصَارِ وَعَشَرَةٌ بِالْبَسْطِ ، وَهُنَّ ( الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ) أَيْ : الِابْنُ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ : وَإِنْ سَفَلَتْ ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِدُخُولِ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ ، وَلَيْسَتْ بِوَارِثَةٍ ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَالْمُتَعَارَفُ عَوْدُهُ لِلْمُضَافِ ( وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ ) مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ ( وَالْأُخْتُ ) مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ ( وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ ) وَهِيَ مَنْ صَدَرَ مِنْهَا الْعِتْقُ ، أَوْ وَرِثَتْ بِهِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : الْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَرْأَةِ زَوْجٌ ، وَالزَّوْجَةُ لُغَةٌ مَرْجُوحَةٌ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَاسْتِعْمَالُهَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ مُتَعَيَّنٌ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ .
ا هـ .
وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَسْتَعْمِلُ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةَ ، وَهُوَ حَسَنٌ .

فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَرِثَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ .
( فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ ) فَقَطْ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ أُنْثَى ( وَرِثَ ) مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ ( الْأَبُ ، وَالِابْنُ ، وَالزَّوْجُ فَقَطْ ) لِأَنَّهُمْ لَا يُحْجَبُونَ ، وَمَنْ بَقِيَ مَحْجُوبٌ بِالْإِجْمَاعِ فَابْنُ الِابْنِ بِالِابْنِ ، وَالْجَدُّ بِالْأَبِ وَالْبَاقِي مَحْجُوبٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِالِابْنِ ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ فِيهَا رُبُعًا وَسُدُسًا : لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ ، وَلِلِابْنِ الْبَاقِي .
فَائِدَةٌ : شَبَّهَ الْفَرْضِيُّونَ عَمُودَ النَّسَبِ بِالشَّيْءِ الْمُدْلَى مِنْ عُلُوٍّ ، فَأَصْلُ كُلِّ إنْسَانٍ أَعْلَى مِنْهُ ، وَفَرْعُهُ أَسْفَلُ مِنْهُ ، وَكَانَ مُقْتَضَى تَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرَةِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ أَسْفَلَ مِنْهُ ، وَفَرْعُهُ أَعْلَى كَمَا فِي الشَّجَرَةِ ، فَيُقَالُ فِي أَصْلِهِ : وَإِنْ سَفَلَ ، وَفِي فَرْعِهِ : وَإِنْ عَلَا .

أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ فَالْبِنْتُ ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةُ .
( أَوْ ) اجْتَمَعَ ( كُلُّ النِّسَاءِ ) فَقَطْ ، وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ ذَكَرٌ ( فَ ) الْوَارِثُ مِنْهُنَّ خَمْسَةٌ ، وَهُنَّ ( الْبِنْتُ ، وَبِنْتُ الِابْنِ ، وَالْأُمُّ ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ ، وَالزَّوْجَةُ ) وَالْبَاقِي مِنْ النِّسَاءِ مَحْجُوبٌ : الْجَدَّةُ بِالْأُمِّ ، وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ بِالْبِنْتِ ، وَكُلٌّ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْمُعْتِقَةِ بِالشَّقِيقَةِ لِكَوْنِهَا مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ تَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْفُرُوضِ ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُنَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّ فِيهَا سُدُسًا ، وَثُمُنًا لِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ ، وَلِلْأُخْتِ الْبَاقِي ، وَهُوَ سَهْمٌ .
تَنْبِيهٌ : يَجُوزُ فِي النِّسَاءِ الْجَرُّ بِتَقْدِيرِ كُلٍّ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَالرَّفْعُ إنْ لَمْ تُقَدِّرْهَا .

أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ
( أَوْ ) اجْتَمَعَ ( الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ ) الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِأَنْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا الْمَيِّتَةُ ، أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ إلَّا الزَّوْجَ فَإِنَّهُ الْمَيِّتُ وَرِثَ مِنْهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خَمْسَةٌ ، بَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : ( فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ) وَهُوَ الزَّوْجُ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجَةُ ، وَهِيَ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجُ لِحَجْبِهِمْ مَنْ عَدَاهُمْ ، فَالْأَوْلَى : مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ ، وَالْبَاقِي ، وَهُوَ خَمْسَةٌ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا ، وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ .
وَالثَّانِيَةُ : أَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ : لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ، وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ ، وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا ، وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ اسْتِحَالَةَ اجْتِمَاعِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى مَيِّتٍ مُكَفَّنٍ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ ، وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا ، وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهَا مِنْهُ فَكُشِفَ عَنْهُ ، فَإِذَا هُوَ خُنْثَى لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَكَرْتُ تَصْحِيحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفَارِيعَهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .

ضَابِطٌ : كُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الذُّكُورِ حَازَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي إلَّا الزَّوْجَ وَكُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ إلَّا الْمُعْتِقَةَ ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي مِنْ حَوْزِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا الزَّوْجَةَ .

وَلَوْ فُقِدُوا كُلُّهُمْ فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ ، بَلْ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ بِالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَهُمْ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْأَقَارِبِ ، وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ أَبُو الْأُمِّ ، وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ ، وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ، وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ، وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ، وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ .

( وَلَوْ فُقِدُوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ( كُلُّهُمْ ) أَوْ فَضَلَ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُمْ شَيْءٌ ( فَأَصْلُ ) الْمَنْقُولِ فِي ( الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ ) أَصْلًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ .
قَالَ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ : وَفِي الْحَدِيثِ " { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ إلَى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : لَا مِيرَاثَ لَهُمَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ : إنَّهُمْ يَرِثُونَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ ( وَ ) أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يُفْقَدُوا كُلُّهُمْ ، بِأَنْ وُجِدَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ التَّرِكَةَ أَنَّهُ ( لَا يُرَدُّ ) مَا بَقِيَ ( عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ ) فِيمَا إذَا فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ ، وَهَذَا لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ ، إذْ صُورَةُ الْمَتْنِ فَقْدُ الْكُلِّ فَيَكُونُ اسْتِئْنَافًا لِفَقْدِ الْبَعْضِ ، فَإِذَا وُجِدَ ذُو فَرْضٍ كَالْبِنْتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ أَخَذَتَا فَرْضَيْهِمَا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا الْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } وَالرَّدُّ يَقْتَضِي أَخْذَهُمَا الْكُلَّ ( بَلْ الْمَالُ ) كُلُّهُ فِي فَقْدِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ الْبَاقِي فِي فَقْدِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الْفُرُوضِ ( لِبَيْتِ الْمَالِ ) سَوَاءٌ انْتَظَمَ أَمْرُهُ بِإِمَامٍ عَادِلٍ يَصْرِفُهُ فِي جِهَتِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِرْثَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ وَمُسْتَوْفٍ لَهُمْ ، وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُعْدَمُوا ، وَإِنَّمَا عُدِمَ الْمُسْتَوْفِي لَهُمْ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّهِمْ ، هَذَا هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَصْلِ ، وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْأَصْلِ مَا يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ كَمَا قَالَ ( وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ ) مِنْ

الْأَصْحَابِ يَعْنِي : جُمْهُورَهُمْ ( إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ ) لِكَوْنِ الْإِمَامِ غَيْرَ عَادِلٍ ( بِالرَّدِّ ) أَيْ بِأَنْ يُرَدَّ ( عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ ) لِأَنَّ الْمَالَ مَصْرُوفٌ إلَيْهِمْ ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِاخْتِيَارِ هَذَا ، لَكِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : إنَّهُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا : مِنْهُمْ ابْنُ سُرَاقَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدِّمِيهِمْ أَيْ : لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْأَرْبَعِمِائَةِ ، وَقَالَ : إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجَوْجَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ ، فَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ ، وَكَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الرَّدِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا ، بَلْ إنْ كَانَ فِي يَدِ أَمِينٍ نَظَرٌ ، إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ دُفِعَ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ بِشَرْطِهِ صَرَفَ الْأَمِينُ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَصَالِحِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْجَائِرِ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ غَرَضًا صَحِيحًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ ، وَقَوْلُهُ : ( غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ ) بِجَرِّ غَيْرِ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ نَصْبِهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهِمَا ، وَنَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ رَحِمٌ : كَبِنْتِ الْخَالَةِ ، وَبِنْتِ الْعَمِّ وَجَبَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالرَّدِّ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ (

مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ ) لِسِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْعَدْلِ فِيهِمْ ، فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَخَذَ الْفَرْضَ وَالْبَاقِيَ بِالرَّدِّ ، أَوْ جَمَاعَةً مِنْ صِنْفٍ : كَالْبَنَاتِ ، فَالْبَاقِي لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ صِنْفَيْنِ فَأَكْثَرَ رُدَّ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ ، فَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فَرْضَيْهِمَا سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ : لِلْأُمِّ رُبُعُهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ النِّصْفِ ، وَمَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ الرُّبُعِ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَى أَرْبَعَةٍ : لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِمْ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْبِنْتِ وَرُبُعُهُ لِلْأُمِّ ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ : لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِنَّ خَمْسَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ : لِلْأُمِّ رُبُعُهَا سَهْمٌ وَرُبُعٌ ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ، وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ .
قَالَ الشَّارِحُ : وَيُقَالُ : عَلَى وَفْقِ الِاخْتِصَارِ ابْتِدَاءً فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى : سِهَامُهُمَا مِنْ السِّتَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ : فَيَجْعَلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ .
وَفِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ ، وَالثُّمُنُ لِلزَّوْجَيْنِ بَعْدَ نَصِيبِهِمَا لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ سِهَامٍ : الْأُمُّ وَالْبِنْتُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا فَتُضْرَبُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ أَيْ : فَتُضْرَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ ، وَفِي

الثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مَفِيدَةٌ وَالرَّدُّ ضِدُّ الْعَوْلِ الْآتِي ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي قَدْرِ السِّهَامِ وَنَقْصٌ فِي عَدَدِهَا وَالْعَوْلُ نَقْصٌ فِي قَدْرِهَا وَزِيَادَةٌ فِي عَدَدِهَا ( فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ) أَيْ : أَصْحَابُ الْفُرُوضِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ( صُرِفَ ) الْمَالُ ( إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ) لِحَدِيثِ : { الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُفِيدَةَ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَرْضِ أَقْوَى ، وَإِذَا صُرِفَ إلَيْهِمْ فَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُهُمْ ، وَقِيلَ : يُخَصُّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : صُرِفَ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالرَّافِعِيُّ الثَّانِيَ ، وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبَانِ : مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ كُلُّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ الَّذِي يُدْلِي بِهِ إلَى الْمَيِّتِ ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَهُوَ تَوْرِيثُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَالْعَصَبَاتِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ ، وَالْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمْ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ لَا إلَى الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوَارِثِ فَاعْتِبَارُ الْقُرْبِ إلَيْهِ أَوْلَى ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي السَّبْقِ إلَيْهِ قُدِّرَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ، ثُمَّ يُجْعَلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلْمُدْلِينَ بِهِ الَّذِينَ نَزَلُوا مَنْزِلَتَهُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ ، فَإِنْ كَانُوا يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } أَوْ

بِالْفَرْضِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ عَلَى حَسَبِ فُرُوضِهِمْ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَوْلَادُ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ ، وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ مِنْهَا فَلَا يَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَلْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَإِرْثِ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي أَنَّهُ إمَّا بِالْفَرْضِ أَوْ بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَقَوْلُ الْقَاضِي - تَوْرِيثُهُمْ تَوْرِيثٌ بِالْعُصُوبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْقُرْبُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ وَيَحُوزُ الْمُنْفَرِدُ الْجَمِيعَ - تَفْرِيعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَلْنَذْكُرْ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ : بِنْتُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ : فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْعَلَانِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ فَيَحُوزَانِ الْمَالَ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ أَرْبَاعًا بِنِسْبَةِ إرْثِهِمَا ، وَعَلَى الثَّانِي الْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِقُرْبِهَا إلَى الْمَيِّتِ ، بِنْتُ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ الْمَالُ لِلثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ .
أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهَا أَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي ، فَلِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ ، بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنٌ وَبِنْتٌ مِنْ بِنْتٍ أُخْرَى لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الِابْنِ وَأُخْتِهِ أَثْلَاثًا بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ بَيْنَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ ، ثُمَّ يُجْعَلَ نِصْفُ الْبِنْتِ الْأُولَى لِبِنْتِهَا وَنِصْفُ الْأُخْرَى لِوَلَدَيْهَا أَثْلَاثًا ، وَالتَّنْزِيلُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْثِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجْبِ كَمَا أَفَادَنِيهِ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاسْتَفِدْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ، فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ لَا تَحْجُبُهَا إلَى الثُّمُنِ ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ ثَلَاثُ بَنَاتِ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ ، السُّدُسُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْآبَاءِ ، وَبِنْتُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ مَحْجُوبَةٌ

لِحَجْبِ أَبِيهَا بِالشَّقِيقِ ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ، ثَلَاثَةُ بَنِي أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ كَمَا هُوَ بَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ ( وَهُمْ ) لُغَةً كُلُّ قَرِيبٍ وَشَرْعًا ( مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ ) بِالْإِرْثِ ( مِنْ الْأَقَارِبِ ) هُوَ بَيَانٌ لِمَنْ ( وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ ) جَمْعُ صِنْفٍ بِمَعْنَى النَّوْعِ وَفَتْحُ صَادِهِ لُغَةٌ ( أَبُو الْأُمِّ وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ ) كَأَبِي أَبِي الْأُمِّ ، وَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ ، وَهَذَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ ، وَمَنْ جَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ عَدَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَحَدَ عَشَرَ ( وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ ) لِلصُّلْبِ كَبِنْتِ بِنْتٍ ، أَوْ لِلِابْنِ كَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْبِيرُهُ بِأَوْلَادٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا أَوْلَادَ بَنَاتِ الِابْنِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنَاتِ شَامِلٌ لَهُمْ كَمَا أَدْخَلْتُهُمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ( وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ ) كَذَلِكَ ( وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ) وَكَذَا بَنَاتُهُمْ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى .
تَنْبِيهٌ : لَمَّا كَانَ فَرْعُ الْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُ مُطْلَقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، عَبَّرَ بِالْأَوْلَادِ الشَّامِلِ لِلصِّنْفَيْنِ كَمَا مَرَّ ، وَقَيَّدَ فَرْعَ الْإِخْوَةِ بِالْبَنَاتِ لِيُخْرِجَ ذُكُورَهُمْ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ؛ لِأَنَّ بَنَاتِهِمْ دَخَلُوا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ، وَلِفَهْمِهِنَّ بِالْأَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْبَنِينَ كَمَا مَرَّ ( وَالْعَمُّ ) بِالرَّفْعِ ( لِلْأُمِّ ) وَهُوَ أَخُو الْأَبِ لِأُمِّهِ ( وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ، وَكَذَا بَنُو الْأَعْمَامِ لِلْأُمِّ ( وَالْعَمَّاتُ ) بِالرَّفْعِ ( وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ ) كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ جِهَاتِهِ الثَّلَاثِ ( وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ ) أَيْ : الْعَشَرَةِ مَا عَدَا السَّاقِطَ مِنْ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ إذْ لَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ السَّاقِطِ مَنْ يُدْلِي بِهِ ، وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى " عَشَرَةٌ "

فَيَكُونُ زَائِدًا عَلَيْهِمْ .
فُرُوعٌ : الْأَوَّلُ : لَوْ خَلَّفَ ثَلَاثَ خَالَاتٍ ، وَثَلَاثَ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كَانَ لِلْخَالَاتِ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأُمِّ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً مَعَ الْأَبِ وَلِلْعَمَّاتِ الثُّلُثَانِ ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأَبِ لَوْ كَانَ حَيًّا مَعَ الْأُمِّ .
الثَّانِي : أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ مِنْ الْأُمِّ كَآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا يُسْقِطُ الْأَقْرَبُ الْأَبْعَدَ مِنْهُمْ إلَى الْوَارِثِ كَمَا سَبَقَ ، فَإِنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِمْ بِنْتُ عَمٍّ فَأَكْثَرَ لِغَيْرِ أُمٍّ أَخَذَتْ الْمَالَ لِسَبْقِهَا إلَى الْوَارِثِ .
الثَّالِثُ : أَخْوَالُ الْأُمِّ وَخَالَاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ فَيَرِثُونَ مَا تَرِثُهُ وَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ عَنْهُمْ ، وَأَعْمَامُهَا وَعَمَّاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ فَيَرِثُونَ مَا يَرِثُهُ ، وَعَمَّاتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ فَيَرِثْنَ مَا يَرِثُهُ ، وَهَكَذَا كُلُّ خَالٍ وَخَالَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهَا ، وَكُلُّ عَمٍّ وَعَمَّةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ الَّذِي هُوَ أَخُوهَا .

فَصْلٌ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا - وَهُمْ كُلُّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ - وَقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ ( الْفُرُوضُ ) جَمْعُ فَرْضٍ بِمَعْنَى نَصِيبٍ أَيْ : الْأَنْصِبَاءُ ( الْمُقَدَّرَةُ ) أَيْ : الْمَحْصُورَةُ لِلْوَرَثَةِ بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصَ مِنْهَا إلَّا لِعَارِضٍ كَعَوْلٍ فَيُنْقَصُ أَوْ رَدٍّ فَيُزَادُ ( فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ) لِلْوَرَثَةِ ، وَخَبَرُ الْفُرُوضِ قَوْلُهُ ( سِتَّةٌ ) بِعَوْلٍ وَبِدُونِهِ وَيَجْمَعُهَا هبادبز وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَاتٍ أَخْصَرُهَا الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَضِعْفُ كُلٍّ وَنِصْفُهُ ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَرُبُعُهُ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَرُبُعُهُمَا ، وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ " فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى " السُّدُسُ الَّذِي لِلْجَدَّةِ وَلِبِنْتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ : السُّدُسُ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَعَ كَوْنِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ أُمًّا أَوْ جَدَّةً أَوْ بِنْتَ ابْنٍ ، وَالسُّبُعُ وَالتُّسْعُ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ : الْأَوَّلُ سُدُسٌ عَائِلٌ وَالثَّانِي ثُمُنٌ عَائِلٌ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى فِي الْغَرَّاوَيْنِ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ، وَفِي مَسَائِلِ الْجَدِّ حَيْثُ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاجْتِهَادِ .

النِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ : زَوْجٍ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ، وَبِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مُنْفَرِدَاتٍ .

فَأَحَدُ الْفُرُوضِ ( النِّصْفُ ) بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ كَسْرٍ مُفْرَدٍ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَكُنْت أَوَدُّ أَنْ لَوْ بَدَءُوا بِالثُّلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِمَا حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا النَّجَا وَالْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَفِيَّ بَدَآ بِهِمَا فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ ، وَهُوَ ( فَرْضُ خَمْسَةٍ ) فَرْضُ ( زَوْجٍ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ) وَارِثًا بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ وَإِنْ سَفَلَ ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ } وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ إجْمَاعًا ، وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَشْمَلُهُمَا إعْمَالًا لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ، وَإِنَّمَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِالزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَدَأَ بِالْأَوْلَادِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَرْضِيِّينَ التَّعْلِيمُ وَالتَّقْرِيبُ مِنْ الْأَفْهَامِ ، وَالِابْتِدَاءُ بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْكَلَامُ أَسْهَلُ وَأَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ فَيَتَدَرَّبُ الْمُتَعَلِّمُ ، وَالْكَلَامُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَقَلُّ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِمَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِمَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الْوَلَدُ ، وَخَرَجَ بِالْوَارِثِ وَلَدٌ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ نَحْوِ رِقٍّ كَكُفْرٍ ، وَبِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ الْوَارِثُ بِعُمُومِهَا كَوَلَدِ الْبِنْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنْ وَرَّثْنَا ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ( وَ ) فَرْضُ ( بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ ) وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبِنْتِ : { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } وَبِنْتُ الِابْنِ كَالْبِنْتِ لِمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الِابْنِ ( أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لَهَا السُّدُسَ ، وَقَوْلُهُ : ( مُنْفَرِدَاتٍ ) رَاجِعٌ إلَى الْأَرْبَعِ ، وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ اجْتَمَعْنَ

مَعَ إخْوَتِهِنَّ أَوْ أَخَوَاتِهِنَّ ، أَوْ اجْتَمَعَ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِانْفِرَادَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ زَوْجٌ فَلَهَا النِّصْفُ أَيْضًا .

وَالرُّبُعُ فَرْضُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ ، وَزَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
( وَ ) ثَانِيهَا ( الرُّبُعُ ) وَهُوَ ( فَرْضُ ) اثْنَيْنِ فَرْضُ ( زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَارِثٌ بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ } وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ كَمَا مَرَّ ، وَخَرَجَ بِهِ وَلَدُ الْبِنْتِ ( وَ ) فَرْضُ ( زَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ ) وَارِثٌ ( مِنْهُمَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ } وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ تَرِثُ الْأُمُّ الرُّبُعَ فَرْضًا فِي حَالٍ يَأْتِي فَيَكُونُ الرُّبُعُ لِثَلَاثَةٍ .

وَالثُّمُنُ فَرْضُهَا مَعَ أَحَدِهِمَا .
( وَ ) ثَالِثُهَا ( الثُّمُنُ ) وَيُقَالُ فِيهِ : ثَمِينٌ أَيْضًا وَهُوَ ( فَرْضُهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( مَعَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ الْوَارِثِ وَإِنْ سَفَلَ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْهَا أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ كَمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالزَّوْجَةِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَالْأَكْثَرِ ، فَالزَّوْجَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ أَوْ الْأَرْبَعُ يَشْتَرِكَانِ أَوْ يَشْتَرِكْنَ فِي كُلٍّ مِنْ الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ لِلزَّوْجِ فِي حَالَتَيْهِ ضِعْفُ مَا لِلزَّوْجَةِ فِي حَالَتَيْهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذُكُورَةً ، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّضْعِيفَ فَكَانَ مَعَهَا كَالِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ .

وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا وَبِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ وَأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ .
( وَ ) رَابِعُهَا ( الثُّلُثَانِ ) وَهُوَ ( فَرْضُ ) أَرْبَعَةٍ : فَرْضُ ( بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ ، وَنَاصِبُهُ وَاجِبُ الْإِضْمَارِ أَيْ : ذَاهِبًا مِنْ فَرْضِ عَدَدِ الِابْنَتَيْنِ إلَى حَالَةِ الصُّعُودِ عَنْ الِابْنَتَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ النَّصْبِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْفَاءِ وَثُمَّ لَا بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ ( وَ ) فَرْضُ ( بِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ ) مِنْهُمَا ، سَوَاءٌ أَكُنَّ مِنْ أَبٍ أَمْ آبَاءٍ ( وَ ) فَرْضُ ( أُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ ) مِنْهُمَا ( لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ) وَضَابِطُ مَنْ يَرِثُ الثُّلُثَيْنِ مَنْ تَعَدَّدَ مِنْ الْإِنَاثِ مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ عَمَّنْ يُعَصِّبُهُنَّ أَوْ يَحْجُبُهُنَّ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبَنَاتِ : { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } وَفِي الْأَخَوَاتِ : { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } نَزَلَتْ فِي سَبْعِ أَخَوَاتٍ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا مَرِضَ وَسَأَلَ عَنْ إرْثِهِنَّ مِنْهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْأُخْتَانِ فَأَكْثَرُ ، وَقِيسَ بِالْأُخْتَيْنِ الْبِنْتَانِ ، وَبِنْتَا الِابْنِ ، وَبِالْأَخَوَاتِ أَوْ الْبَنَاتِ بَنَاتُ الِابْنِ بَلْ هُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي لَفْظِ الْبَنَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ : إنَّ " فَوْقَ " صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ } وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبِنْتَيْنِ ، وَيُقَاسُ بِهِمَا بِنْتَا الِابْنِ أَوْ هُمَا دَاخِلَتَانِ كَمَا مَرَّ ، وَبِالْأَخَوَاتِ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَمِمَّا اُحْتُجَّ بِهِ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } ، وَهُوَ لَوْ كَانَ مَعَ وَاحِدَةٍ كَانَ حَظُّهَا الثُّلُثَ ، فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَجِبَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ أُخْتِهَا .

وَالثُّلُثُ فَرْضُ أُمٍّ لَيْسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ، وَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ، وَقَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ .

( وَ ) خَامِسُهَا ( الثُّلُثُ ) وَهُوَ فَرْضُ اثْنَيْنِ ( فَرْضُ أُمٍّ لَيْسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ ) وَارِثٌ ( وَلَا وَلَدُ ابْنٍ ) وَارِثٌ ( وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ) لِلْمَيِّتِ ، سَوَاءٌ أَكَانُوا أَشِقَّاءَ أَمْ لَا ذُكُورًا أَمْ لَا مَحْجُوبِينَ بِغَيْرِهِمَا كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ مَعَ جَدٍّ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وَوَلَدُ الِابْنِ مُلْحَقٌ بِالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ ، وَالْمُرَادُ بِالْإِخْوَةِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إجْمَاعًا قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْأُمِّ أَبٌ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَقَطْ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذَلِكَ فَفَرْضُهَا ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا سَيَأْتِي ( وَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ) يَسْتَوِي فِي الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } الْآيَةَ ، وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ الْأُمِّ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَتَوَاتَرْ لَكِنَّهَا كَالْخَبَرِ فِي الْعَمَلِ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ تَوْقِيفًا ، وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعْصِيبَ فِيمَنْ أَدْلُوا بِهِ بِخِلَافِ الْأَشِقَّاءِ وَلِأَبٍ ، فَإِنَّ فِيهِمْ تَعْصِيبًا ، فَكَانَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْبِنْتَيْنِ وَالْبَنَاتِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ ( وَقَدْ يُفْرَضُ ) الثُّلُثُ ( لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ ) فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْهُ بِالْمُقَاسَمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ فَأَكْثَرُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَبِهَذَا يَكُونُ فَرْضُ الثُّلُثِ لِثَلَاثَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَمَا مَرَّ .

وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ : أَبٍ وَجَدٍّ لِمَيِّتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ وَأُمٍّ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ أَوْ اثْنَانِ مِنْ إخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ وَجَدَّةٍ وَلِبِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ صُلْبٍ وَلِأُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ .

( وَ ) سَادِسُهَا ( السُّدُسُ ) وَهُوَ ( فَرْضُ سَبْعَةٍ ) فَرْضُ ( أَبٍ وَجَدٍّ ) وَارِثٍ ( لِمَيِّتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ } الْآيَةَ ، وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ ( وَ ) فَرْضُ ( أُمٍّ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ ) وَارِثٌ ( أَوْ اثْنَيْنِ ) فَأَكْثَرَ ( مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ) لِمَا مَرَّ فِي الْآيَتَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : اثْنَيْنِ قَدْ يَشْمَلُ مَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ وَلَدَيْنِ مُلْزَقَيْنِ لَهُمَا رَأْسَانِ وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ وَأَرْبَعُ أَيْدٍ وَفَرْجَانِ وَلَهَا ابْنٌ آخَرُ ، ثُمَّ مَاتَ هَذَا الِابْنُ وَتَرَكَ أُمَّهُ وَهَذَيْنِ ، فَيُصْرَفُ لَهَا السُّدُسُ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَتُعْطَى أَيْضًا السُّدُسَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ أَخَوَيْنِ كَأَنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَاشْتَبَهَ الْحَالُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَدَانِ فَلِلْأُمِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ السُّدُسُ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الْعِدَدِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأُمِّ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُ الِابْنِ وَاثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ ، فَاَلَّذِي رَدَّهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ الْوَلَدُ لِقُوَّتِهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( وَ ) فَرْضُ ( جَدَّةٍ ) وَارِثَةٍ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ } وَالْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ الْوَارِثَاتُ يَشْتَرِكَانِ ، أَوْ يَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ كَمَا سَيَأْتِي وَرَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ لِلْجَدَّتَيْنِ } ( وَ ) يُفْرَضُ أَيْضًا ( لِبِنْتِ ابْنٍ ) فَأَكْثَرَ ( مَعَ بِنْتِ صُلْبٍ ) أَوْ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ أَقْرَبَ مِنْهَا تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ

لِقَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي بِنْتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلِأَنَّ الْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ ، وَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ ( وَ ) يُفْرَضُ أَيْضًا ( لِأُخْتٍ ) لِأَبٍ ( أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ ) كَمَا فِي الْبِنْتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ ( وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } الْآيَةَ .

تَتِمَّةٌ : أَصْحَابُ الْفُرُوضِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الذُّكُورِ ؛ الزَّوْجُ ، وَالْأَخُ لِلْأُمِّ ، وَالْأَبُ ، وَالْجَدُّ ، وَقَدْ يَرِثُ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ ، وَقَدْ يَجْمَعَانِ بَيْنَهُمَا ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ، وَتِسْعَةٌ مِنْ الْإِنَاثِ الْأُمُّ ، وَالْجَدَّتَانِ ، وَالزَّوْجَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ ، وَذَوَاتُ النِّصْفِ الْأَرْبَعُ .

فَصْلٌ الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ وَابْنُ الِابْنِ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا الِابْنُ أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ وَالْجَدُّ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ، وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ الْأَبُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ ، وَلِأُمٍّ يَحْجُبُهُ أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ وَوَلَدُ ابْنٍ ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ : أَبٌ ، وَجَدٌّ ، وَابْنٌ وَابْنُهُ ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ، وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ ، وَعَمٌّ لِأَبٍ ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ ، وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ .

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ الْوَارِثِ وَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ شَرَعَ فِيمَنْ يُحْجَبُ وَمَنْ لَا يُحْجَبُ ، فَقَالَ : فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ .
وَشَرْعًا مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ حَجْبَ حِرْمَانٍ ، وَالثَّانِي حَجْبَ نُقْصَانٍ ، فَالثَّانِي كَحَجْبِ الْوَلَدِ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَقَدْ مَرَّ ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي ، وَحَجْبٌ بِالشَّخْصِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ : ( الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ ) مِنْ الْإِرْثِ إجْمَاعًا ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ ، وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ ( وَابْنُ الِابْنِ ) وَإِنْ سَفَلَ ( لَا يَحْجُبُهُ ) مِنْ الْعَصَبَةِ ( إلَّا الِابْنُ ) أَبَاهُ كَانَ أَوْ عَمَّهُ لِإِدْلَائِهِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ( أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ ) كَابْنِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا ابْنُ الِابْنِ مُرَادُهُ وَإِنْ سَفَلَ كَمَا قَدَّرْتُهُ حَتَّى يَنْتَظِمَ مَعَ هَذَا .
فَإِنْ قِيلَ : يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يَحْجُبُهُ أَيْضًا أَبَوَانِ وَابْنَتَانِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ : وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ ( وَالْجَدُّ ) أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ( لَا يَحْجُبُهُ إلَّا ) ذَكَرٌ ( مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ) بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا أَوْلَادُ الْأُمِّ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْمُتَوَسِّطَ بِالذَّكَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ إيضَاحًا ؛ لِأَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى لَا يَرِثُ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى حَجْبًا ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمُتَوَسِّطٍ لِيَتَنَاوَلَ حَجْبَ الْجَدِّ لِأَبِيهِ ، وَمَا فَوْقَهُ مِنْ الصُّوَرِ (

وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ ) ثَلَاثَةٌ ( الْأَبُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ ) وَإِنْ سَفَلَ بِالْإِجْمَاعِ ( وَ ) الْأَخُ ( لِأَبٍ يَحْجُبُهُ ) أَرْبَعَةٌ ( هَؤُلَاءِ ) الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُمْ إذَا حَجَبُوا الشَّقِيقَ فَهُوَ أَوْلَى ( وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ ) لِقُوَّتِهِ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ ، فَإِنْ قِيلَ : يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يُحْجَبُ أَيْضًا بِبِنْتٍ ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا مَرَّ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَحْجُبْهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ يُحْجَبُ بِمُفْرَدِهِ ، وَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ لَا تَحْجُبُ الْأَخَ بِمُفْرَدِهَا ، بَلْ مَعَ غَيْرِهَا ( وَ ) الْأَخُ ( لِأُمٍّ يَحْجُبُهُ ) أَرْبَعَةٌ ( أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( وَوَلَدُ ابْنٍ ) وَلَوْ أُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِآيَتَيْ الْكَلَالَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ .
أَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَحْجُبُهُمْ وَإِنْ أَدْلُوا بِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حَجْبِ الْمُدْلِي بِالْمُدْلَى بِهِ ، إمَّا اتِّحَادُ جِهَتِهِمَا كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدَّةِ مَعَ الْأُمِّ ، أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْمُدْلَى بِهِ كُلَّ التَّرِكَةِ لَوْ انْفَرَدَ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ ، وَالْأُمُّ مَعَ وَلَدِهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأُمُومَةِ ، وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ ، وَلَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إذَا انْفَرَدَتْ ( وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ : أَبٌ ) لِأَنَّهُ يَحْجُبُ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى ( وَجَدٌّ ) لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَحَجَبَهُ كَأَبِيهِ ( وَابْنٌ وَابْنُهُ ) لِأَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى ( وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَبَاهُ فَهُوَ يُدْلِي بِهِ وَإِنْ كَانَ عَمَّهُ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ ( وَ ) أَخٌ ( لِأَبٍ ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ .
تَنْبِيهٌ : ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ يَحْجُبُهُ سَبْعَةٌ تَنْبِيهٌ : إنَّمَا ضَبَطَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِالْعَدَدِ دُونَ غَيْرِهِ دَفْعًا لِلْإِلْبَاسِ فِي قَوْلِهِ

بَعْدُ وَلِأَبٍ ، لِئَلَّا يُوهِمَ التَّكْرَارَ وَإِرَادَةً لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ " وَلِأَبٍ " الثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ ( وَ ) ابْنُ الْأَخِ ( لِأَبٍ يَحْجُبُهُ ) سَبْعَةٌ ( هَؤُلَاءِ ) السِّتَّةُ لِمَا سَبَقَ ( وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ) لِقُوَّتِهِ .
فَرْعٌ : لَوْ تَعَارَضَ قُرْبُ جِهَةٍ كَابْنِ ابْنِ أَخٍ شَقِيقٍ وَابْنِ أَخٍ لِأَبٍ قُدِّمَ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ؛ لِأَنَّ بُنُوَّةَ الْأَخِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ يُقَدَّمُ فِيهَا الْأَقْرَبُ ( وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ ) ثَمَانِيَةٌ ( هَؤُلَاءِ ) السَّبْعَةُ لِمَا سَبَقَ ( وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ ) لِقُرْبِ دَرَجَتِهِ ( وَ ) الْعَمُّ ( لِأَبٍ يَحْجُبُهُ ) تِسْعَةٌ ( هَؤُلَاءِ ) الثَّمَانِيَةُ لِمَا مَرَّ ( وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ ) لِقُوَّتِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَمَّ يُطْلَقُ عَلَى عَمِّ الْمَيِّتِ وَعَمِّ أَبِيهِ وَعَمِّ جَدِّهِ ، وَابْنُ عَمِّ الْمَيِّتِ يُقَدَّمُ عَلَى عَمِّ أَبِيهِ ، وَابْنُ عَمِّ أَبِيهِ يُقَدَّمُ عَلَى عَمِّ جَدِّهِ لِقُوَّةِ جِهَتِهِ كَمَا يُقَدَّمُ ابْنُ الْأَبِ وَهُوَ الْأَخُ عَلَى ابْنِ الْجَدِّ وَهُوَ الْعَمُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ عَمُّ الْمَيِّتِ لَا عَمُّ أَبِيهِ وَلَا عَمُّ جَدِّهِ ( وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ ) عَشَرَةٌ ( هَؤُلَاءِ ) التِّسْعَةُ لِمَا مَرَّ ( وَعَمٌّ لِأَبٍ ) لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ ( وَ ) ابْنُ عَمٍّ ( لِأَبٍ يَحْجُبُهُ ) أَحَدَ عَشَرَ ( هَؤُلَاءِ ) الْعَشَرَةُ لِمَا سَلَفَ ( وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ ) لِقُوَّتِهِ ( وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ ) بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ ، إذْ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَلَاءِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ ، وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا .

وَالْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ ، وَبِنْتُ الِابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ أَوْ بِنْتَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا ، وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ ، وَلِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ ، وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فِي الْأَظْهَرِ .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجْبِ الذُّكُورِ شَرَعَ فِي حَجْبِ الْإِنَاثِ فَقَالَ : ( وَالْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ ) عَنْ إرْثِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ فِي الْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ .
فَائِدَةٌ : ضَابِطُ مَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَجْبُ بِالشَّخْصِ كُلُّ مَنْ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ إلَّا الْمُعْتِقَ وَالْمُعْتِقَةَ ( وَبِنْتُ الِابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ ) لِأَنَّهُ أَبُوهَا أَوْ عَمُّهَا ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهَا ( أَوْ بِنْتَانِ ) لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ فَرْضُ الْبَنَاتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ ( إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ) أَيْ بِنْتِ الِابْنِ ( مَنْ يُعَصِّبُهَا ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي دَرَجَاتِهَا كَأَخِيهَا أَمْ أَسْفَلَ مِنْهَا كَابْنِ ابْنِ عَمِّهَا كَمَا سَيَأْتِي ، وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا اشْتَرَكَتْ مَعَهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ ثُلُثَيْ الْبِنْتَيْنِ { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } ( وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ ) إذْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ غَيْرُهَا فَلَا تُحْجَبُ بِالْأَبِ وَلَا بِالْجَدِّ .
فَائِدَةٌ : قَدْ تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ بِنْتِهَا إنْ كَانَتْ بِنْتُهَا جَدَّةً أَيْضًا فَيَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَذَلِكَ فِي جَدَّةِ الْمَيِّتِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ .
وَصُورَتُهَا : لِزَيْنَبِ مَثَلًا بِنْتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ ، وَلِحَفْصَةَ ابْنٌ ، وَلِعَمْرَةَ بِنْتٌ فَنَكَحَ ابْنُ حَفْصَةَ بِنْتَ بِنْتِ خَالَتِهِ عَمْرَةَ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَا تُسْقِطُ عَمْرَةُ - الَّتِي هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْوَلَدِ - أُمَّهَا زَيْنَبَ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أَبِي الْوَلَدِ ، وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : مَاتَ زَيْدٌ عَنْ فَاطِمَةَ أُمِّ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهَا زَيْنَبَ وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي السُّدُسِ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَالُوا : لَيْسَ لَنَا جَدَّةٌ تَرِثُ مَعَ بِنْتِهَا الْوَارِثَةِ إلَّا هَذِهِ ( وَ ) الْجَدَّةُ ( لِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ .
نَعَمْ لَوْ مَاتَ زَيْدٌ الْمَذْكُورُ آنِفًا عَنْ أَبِيهِ

وَجَدَّتِهِ زَيْنَبَ وَرِثَتْ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ أَيْ : مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ .
قَالَ الْخَفَّافُ : وَلَيْسَ لَنَا جَدَّةٌ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيٌّ مِنْ ابْنِ ابْنِهَا إلَّا هَذِهِ ( أَوْ الْأُمُّ ) أَيْ تَحْجُبُ الْجَدَّةَ لِلْأَبِ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ بِالْأُمُومَةِ وَالْأُمُّ أَقْرَبُ مِنْهَا ( وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا ) سَوَاءٌ أَدْلَتْ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ ، وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ ، وَأُمِّ أُمٍّ ، وَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ أَمْ لَمْ تُدْلِ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ وَأُمِّ أَبِي أَبٍ فَلَا تَرِثُ الْبُعْدَى مَعَ وُجُودِ الْقُرْبَى ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْبُعْدَى جَدَّةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَحْجُبْ الْقُرْبَى الْبُعْدَى كَمَا مَرَّ قَرِيبًا فِي مِثَالِ زَيْنَبَ ( وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ ) فَتَنْفَرِدُ الْأُولَى بِالسُّدُسِ ؛ لِأَنَّ لَهَا قُوَّتَيْنِ : قُرْبَهَا بِدَرَجَةٍ ، وَكَوْنَ الْأُمِّ هِيَ الْأَصْلُ ، وَالْجَدَّاتُ كَالْفَرْعِ لَهَا ( وَ ) الْجَدَّةُ ( الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ) كَأُمِّ أَبٍ ( لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ) كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ ( فِي الْأَظْهَرِ ) بَلْ يَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهَا فَالْجَدَّةُ الَّتِي تُدْلِي بِهِ أَوْلَى أَنْ لَا تَحْجُبَهَا ، وَالثَّانِي يَحْجُبُهَا لِلْقُرْبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِقُوَّةِ قَرَابَةِ الْأُمِّ ؛ وَلِذَلِكَ تَحْجُبُ الْأُمُّ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَسَيَأْتِي ضَابِطُ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْجَدَّاتِ وَمَنْ لَا يَرِثُ .

وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ كَالْأَخِ ، وَالْأَخَوَاتُ الْخُلَّصُ لِأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ .
( وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ ) كُلِّهَا فِي حَجْبِهَا بِغَيْرِهَا ( كَالْأَخِ ) فِيمَا يُحْجَبُ بِهِ فَتُحْجَبُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ ، وَتُحْجَبُ الْأُخْتُ لِأَبٍ بِهَؤُلَاءِ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ بِأَبٍ وَجَدٍّ وَوَلَدٍ وَفَرْعِ ابْنٍ وَارِثٍ ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ تُوهِمُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ تَحْجُبُ الْأُخْتَ لِلْأَبِ كَمَا أَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُنْدَفِعٌ بِمَا قَالَهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ لَهَا مَعَ الشَّقِيقَةِ السُّدُسَ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِأَخِيهَا أَنَّ الشَّقِيقَةَ أَوْ الَّتِي لِأَبٍ لَا تُحْجَبُ بِفُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ حَيْثُ يُفْرَضُ لَهَا بِخِلَافِ الْأَخِ ( وَالْأَخَوَاتُ الْخُلَّصُ لِأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ ) كَمَا فِي بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ ، وَخَرَجَ بِالْخُلَّصِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ وَلَا يُحْجَبْنَ كَمَا سَيَأْتِي .

وَالْمُعْتِقَةُ كَالْمُعْتِقِ ، وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ .
( وَالْمُعْتِقَةُ ) فِي حَجْبِهَا بِغَيْرِهَا ( كَالْمُعْتِقِ ) فِي حَجْبِهِ فَيَحْجُبُهَا عَصَبَةُ النَّسَبِ ( وَكُلُّ عَصَبَةٍ ) يُمْكِنُ حَجْبُهُ ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ التَّعْصِيبِ لِلْفَرْضِ ( يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ ) لِلتَّرِكَةِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ فَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ لِحَجْبِهِ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ بَدَلَ الْأَخِ لِلْأُمِّ الْجَدَّ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ إنَّمَا يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ لَا بِالْفَرْضِ حَتَّى يَكُونَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْهَائِمِ بِأَنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ أَوْ دُونَهُ أَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ ، وَخَرَجَ بِيُمْكِنُ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَا يُمْكِنُ حَجْبُهُ ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْفَصْلِ لَا يَحْجُبُهُ أَحَدٌ ، وَبِلَمْ يَنْتَقِلْ إلَخْ الْعَصَبَةُ الشَّقِيقُ فِي الْمُشَرَّكَةِ ، وَالْعَصَبَةُ الشَّقِيقَةُ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ ، فَإِنَّ الْعَصَبَةَ فِيهِمَا لَمْ يُحْجَبْ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا انْتَقَلَ إلَى الْفَرْضِ ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لَكَانَ حَسَنًا .
تَنْبِيهٌ : مَنْ لَا يَرِثُ لِمَانِعٍ مِنْ رِقٍّ أَوْ نَحْوِهِ لَا يَحْجُبُ غَيْرَهُ حِرْمَانًا وَلَا نُقْصَانًا .

وَكُلُّ مَنْ حَجَبَ شَخْصًا عَادَتْ فَائِدَتُهُ إلَيْهِ إلَّا فِي صُوَرٍ : مِنْهَا مَسْأَلَةُ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ فَتُرَدُّ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ لَا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْأَخَوَيْنِ ، وَلَا تَعُودُ فَائِدَةُ حَجْبِهَا إلَيْهِمَا وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا اسْتِثْنَاءَ ، فَإِنَّ الْأُمَّ وَإِنْ حُجِبَتْ بِالْأَخَوَيْنِ لَكِنَّهُمَا حُجِبَا بِالْأَبِ فَعَادَتْ فَائِدَةُ الْحَجْبِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ السُّدُسِ بِالتَّعْصِيبِ .

فَصْلٌ الِابْنُ يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ وَكَذَا الْبَنُونَ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَأَوْلَادُ الِابْنِ إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ ، فَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ ، وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا الثُّلُثَيْنِ ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبُهُنَّ ، وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَنَازِلِ ، وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ .

فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا ( الِابْنُ ) الْمُنْفَرِدُ ( يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ وَكَذَا ) الِابْنَانِ وَ ( الْبَنُونَ ) إجْمَاعًا فِي الْجَمِيعِ .
تَنْبِيهٌ : اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالتَّرِكَةِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَالِ كَانَ أَوْلَى ، وَإِرْثُ الِابْنِ بِالْعُصُوبَةِ ، وَقِيلَ : لَا يُسَمَّى عَصَبَةً لِأَنَّ الْعَصَبَةَ مَنْ قَدْ يُحْجَبُ ، وَهُوَ لَا يُحْجَبُ .
قَالَ فِي الْبَسِيطِ : وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ ( وَلِلْبِنْتِ ) الْوَاحِدَةِ ( النِّصْفُ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ ) وَهَذَا قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَذُكِرَ هُنَا تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ : ( وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ) أَيْ نَصِيبِ ( الْأُنْثَيَيْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ } الْآيَةَ وَإِنَّمَا فَضَّلَ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى لِاخْتِصَاصِهِ بِلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ الْأُنْثَى مِنْ الْجِهَادِ ، وَتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَهُ حَاجَتَانِ حَاجَةٌ لِنَفْسِهِ وَحَاجَةٌ لِزَوْجَتِهِ ، وَلِلْأُنْثَى حَاجَةٌ وَاحِدَةٌ لِنَفْسِهَا ، بَلْ هِيَ غَالِبًا مُسْتَغْنِيَةٌ بِالتَّزْوِيجِ عَنْ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا ، وَلَكِنْ لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى احْتِيَاجَهَا إلَى النَّفَقَةِ وَأَنَّ الرَّغْبَةَ تَقِلُّ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ جَعَلَ لَهَا حَظًّا مِنْ الْإِرْثِ وَأَبْطَلَ حِرْمَانَ الْجَاهِلِيَّةِ لَهَا ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهَا نِصْفَ مَا لِلذَّكَرِ ؛ لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ ، وَخُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ فِي إخْوَةِ الْأُمِّ فَسَوَّى بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ لِإِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ وَبَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ ابْنٌ مَثَلًا فَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسَ لِتَعَبِهَا فِي تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ غَالِبًا ( وَأَوْلَادُ الِابْنِ ) وَإِنْ نَزَلَ ( إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ )

فِيمَا ذُكِرَ بِالْإِجْمَاعِ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَتَهُمْ ( فَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ ) أَيْ أَوْلَادُ الصُّلْبِ وَأَوْلَادُ الِابْنِ ( فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ ) مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ ( حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ ) بِالْإِجْمَاعِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرٌ ( فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ ) فَقَطْ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ ( أَوْ ) الْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ ( الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قِيَاسًا عَلَى أَوْلَادِ الصُّلْبِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ ( إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ ) تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ .
أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لَهَا بِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا فِي الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَلِأَنَّ الْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ ، فَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ ، وَتَرَجَّحَتْ بِنْتُ الصُّلْبِ عَلَى بَنَاتِ الِابْنِ بِقُرْبِهَا فَيَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ كَالْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ ( وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا ) أَوْ أَخَذْنَ ( الثُّلُثَيْنِ ) كَمَا مَرَّ ( وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ ) بِالسَّوِيَّةِ ( أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ ) مِنْ وَلَدِ الِابْنِ مَعَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبَهُنَّ ) فِي الْبَاقِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إذْ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ ذَكَرٌ وَلَا إسْقَاطُ مَنْ فَوْقَهُ وَإِفْرَادُهُ بِالْمِيرَاثِ مَعَ بُعْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ لَمْ يُفْرَدْ مَعَ قُرْبِهِ ، وَأَفْهَمَ تَعْصِيبُهُ لَهُنَّ إذَا كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، وَهَذَا يُسَمَّى الْأَخَ الْمُبَارَكَ .
أَمَّا الْأَعْلَى فَيَسْقُطْنَ بِهِ ( وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ

الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ ( وَكَذَا سَائِرُ ) أَيْ بَاقِي ( الْمَنَازِلِ ) مِنْ كُلِّ دَرَجَةٍ نَازِلَةٍ مَعَ دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ كَأَوْلَادِ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ ابْنِ الِابْنِ ( وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ ) مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ عَنْ إنَاثِهِمْ ( مَنْ فِي دَرَجَتِهِ ) كَأُخْتِهِ وَبِنْتِ عَمِّهِ فَيُعَصِّبُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَفَضَلَ لَهَا مِنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ أَمْ لَا كَمَا يُعَصِّبُ الِابْنُ الْبَنَاتِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ هِيَ أَسْفَلُ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُهَا كَمَا مَرَّ ( وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ ) كَبِنْتِ عَمِّ أَبِيهِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ ) كَبِنْتَيْ صُلْبٍ وَبِنْتِ ابْنٍ ، وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهَا شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعَصِّبْهَا كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ ؛ لِأَنَّ لَهَا فَرْضًا اسْتَغْنَتْ بِهِ عَنْ تَعْصِيبِهِ ، وَلَا يُقَالُ : تَأْخُذُ السُّدُسَ وَيُعَصِّبُهَا فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَصَائِصِ الْأَبِ وَالْجَدِّ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْفَرْضِيُّونَ : لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَنْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَعَمَّتَهُ وَعَمَّةَ أَبِيهِ وَجَدَّهُ وَبَنَاتِ أَعْمَامِهِ وَبَنَاتِ أَعْمَامِ أَبِيهِ وَجَدَّهُ إلَّا الْمُسْتَنْزِلَ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ .

فَصْلٌ الْأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ وَبِتَعْصِيبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ ، وَبِهِمَا إذَا كَانَ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا بِالْعُصُوبَةِ .
فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِرْثِ الْأُمِّ فِي حَالَةٍ ( الْأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ ) فَقَطْ السُّدُسَ كَمَا مَرَّ ( إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ ) وَارِثٌ وَإِنْ سَفَلَ وَالْبَاقِي لِمَنْ مَعَهُ ( وَ ) يَرِثُ ( بِتَعْصِيبٍ ) فَقَطْ ( إذَا لَمْ يَكُنْ ) مَعَهُ ( وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ وَحْدَهُ أَمْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ كَزَوْجَةٍ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ بِالْعُصُوبَةِ وَإِلَّا أَخَذَ الْجَمِيعَ ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ يُشَارِكُ الْأَبَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَيَرِثُ بِالْفَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُشَرِّكَةِ وَبِالتَّعْصِيبِ فِي غَيْرِهَا ( وَ ) يَرِثُ ( بِهِمَا ) أَيْ : الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ( إذَا كَانَ ) مَعَهُ ( بِنْتٌ ) مُفْرَدَةٌ أَوْ كَانَ مَعَهَا بِنْتٌ أُخْرَى فَأَكْثَرُ ( أَوْ بِنْتُ ابْنٍ ) وَإِنْ سَفَلَ مُفْرَدَةٌ أَوْ مَعَهَا بِنْتُ ابْنٍ أُخْرَى أَوْ بِنْتَا ابْنٍ فَأَكْثَرُ ( لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا ) لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ فِي الْآيَةِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، وَلَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ لَصَحَّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أَوْ بِنْتَا ابْنٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ( وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا ) أَيْ : الْأَبِ وَالْبِنْتِ أَوْ الْأَبِ وَبِنْتِ الِابْنِ ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذُكِرَ ، وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ لَهُ يَأْخُذُهُ ( بِالْعُصُوبَةِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } ، وَأَوْلَى بِمَعْنَى أَقْرَبَ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَحَقَّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبْهَامِ وَالْجَهَالَةِ فَلَا يَبْقَى لِلْكَلَامِ مَعْنًى .

وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْفُرُوضِ وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ ، وَالْجَدُّ يُقَاسِمُهُمْ إنْ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ، وَالْأَبُ يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ وَلَا يُسْقِطُهَا الْجَدُّ وَالْأَبُ فِي زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ يَرُدُّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ .

تَنْبِيهٌ : قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، وَهُوَ وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ ، وَقَدْ يَجْمَعُ الزَّوْجُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ ابْنُ عَمٍّ ، لَكِنْ هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِنَا فِيمَا مَرَّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنَّ هَذَا بِجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ ( وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي ) فَصْلِ ( الْفُرُوضِ ) الْمُقَدَّرَةِ ، وَأَعَادَهُ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ : ( وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ ) فَرْضِ ( الزَّوْجِ أَوْ ) فَرْضِ ( الزَّوْجَةِ ) لَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ قَائِلًا بِأَنَّ لَهَا الثُّلُثَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى لَوْ انْفَرَدَا اقْتَسَمَا الْمَالَ أَثْلَاثًا ، فَإِذَا اجْتَمَعَا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ اقْتَسَمَا الْفَاضِلَ كَذَلِكَ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ ، فَلِلزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهِيَ مِنْ اثْنَيْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي ثُلُثُهُ لِلْأُمِّ وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ ، وَأَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى سِتَّةٌ فَتَكُونُ مِنْ سِتَّةٍ فَهِيَ تَأْصِيلٌ لَا تَصْحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَصْلَيْنِ الزَّائِدَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي ، قَالُوا : وَإِنَّمَا عَبَّرُوا عَنْ حِصَّتِهَا فِيهِمَا بِثُلُثِ الْبَاقِي مَعَ أَنَّهَا أَخَذَتْ فِي الْأُولَى السُّدُسَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ الرُّبُعَ تَأَدُّبًا مَعَ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } وَيُلَقَّبَانِ بِالْغَرَّاوَيْنِ لِشُهْرَتِهِمَا تَشْبِيهًا لَهُمَا بِالْكَوْكَبِ الْأَغَرِّ وَبِالْعُمْرِيَّتَيْنِ لِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيهِمَا بِمَا ذُكِرَ

وَبِالْغَرِيبَتَيْنِ لِغَرَابَتِهِمَا ( وَالْجَدُّ ) أَبُو الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ ( كَالْأَبِ ) عِنْدَ عَدَمِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَغَيْرِهِ ( إلَّا أَنَّ الْأَبَ ) يُفَارِقُهُ فِي أَنَّهُ ( يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ ) لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ ( وَالْجَدُّ ) لَا يُسْقِطُهُمْ بَلْ ( يُقَاسِمُهُمْ إنْ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ) كَمَا سَيَأْتِي ( وَالْأَبُ ) يُفَارِقُ الْجَدَّ أَيْضًا فِي أَنَّهُ ( يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ ( وَلَا يُسْقِطُهَا ) أَيْ : أُمَّ نَفْسِ الْأَبِ ( الْجَدُّ ) لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، وَالشَّخْصُ لَا يُسْقِطُ زَوْجَةَ نَفْسِهِ ، فَالْأَبُ وَالْجَدُّ سِيَّانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ ( وَالْأَبُ ) يُفَارِقُ الْجَدَّ فِيمَا سَبَقَ ( فِي ) مَسْأَلَتَيْ ( زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ) فَإِنَّ الْأَبَ فِيهِمَا ( يَرُدُّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي ، وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ ) بَلْ تَأْخُذُ مَعَهُ الثُّلُثَ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يُسَاوِيهَا فِي الدَّرَجَةِ فَلَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَبِ .
تَنْبِيهٌ : فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّتَانِ ، وَمَعَ أَبِي الْجَدِّ ثَلَاثَةٌ ، وَمَعَ جَدِّ الْجَدِّ أَرْبَعٌ ، وَهَكَذَا كُلَّمَا عَلَا الْجَدُّ دَرَجَةً زَادَ فِيمَنْ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّةٌ تَنْبِيهٌ : لَا يَنْحَصِرُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَلْ يُفَارِقُهُ أَيْضًا فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّتَانِ ، وَمَعَ أَبِي الْجَدِّ ثَلَاثَةٌ ، وَمَعَ جَدِّ الْجَدِّ أَرْبَعٌ ، وَهَكَذَا كُلَّمَا عَلَا الْجَدُّ دَرَجَةً زَادَ فِيمَنْ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّةٌ .

وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ ، وَكَذَا الْجَدَّاتُ وَتَرِثُ مِنْهُنَّ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ ، وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ وَكَذَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَأُمُّ الْأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَضَابِطُهُ كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِمَحْضِ إنَاثٍ أَوْ ذُكُورٍ أَوْ إنَاثٍ إلَى ذُكُورٍ تَرِثُ ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ فَلَا .

( وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ ) كَمَا مَرَّ ، وَذَكَرَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ : ( وَكَذَا الْجَدَّاتُ ) يَعْنِي : الْجَدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ ، وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ " { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لِلْجَدَّتَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ بِالسُّدُسِ } وَسَوَاءٌ اسْتَوَيْنَ فِي الْإِدْلَاءِ أَمْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا بِجِهَةٍ : مِثَالُهُ فِي ذَاتِ جِهَتَيْنِ تَزَوَّجَ ابْنُ ابْنِ هِنْدٍ بِبِنْتِ بِنْتِهَا فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَهِنْدٌ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَأُمُّ أَبِي أَبِيهِ فَهِيَ جَدَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ فَهِيَ ذَاتُ جِهَتَيْنِ فَإِذَا مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ عَنْهَا وَعَنْ أُمِّ أُمِّ أَبِيهِ وَهِيَ ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَفْضُلُ هِنْدٌ عَلَيْهَا ، بَلْ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى السُّدُسَ لِثَلَاثِ جَدَّاتٍ } وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ ( وَتَرِثُ مِنْهُنَّ ) جَزْمًا ( أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ ) كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ ( وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ ) أَيْ : الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ ( وَكَذَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَأُمُّ الْأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ ) لِأَنَّهُنَّ جَدَّاتٌ يُدْلِينَ بِوَارِثٍ فَيَرِثْنَ كَأُمِّ الْأَبِ .
وَالثَّانِي : لَا يَرِثْنَ لِإِدْلَائِهِنَّ بِجَدٍّ فَأَشْبَهْنَ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ ( وَضَابِطُهُ ) أَيْ إرْثِ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ ، هُوَ ( كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ ) أَيْ وَصَلَتْ ( بِمَحْضِ إنَاثٍ ) كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ ( أَوْ ذُكُورٍ ) كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ ( أَوْ إنَاثٍ إلَى ذُكُورٍ ) كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ ( تَرِثُ ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ ) كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ ( فَلَا ) تَرِثُ كَمَا لَا يَرِثُ ذَلِكَ الذَّكَرُ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ .
تَنْبِيهٌ : فِي مَعْرِفَةِ بَيَانِ إرْثِ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ إذَا تَعَدَّدْنَ .
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا

اجْتَمَعَ جَدَّاتٌ فَالْوَارِثُ مِنْهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاحِدَةٌ أَبَدًا ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَدُّدُ فِي الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَيَتَعَدَّدُ ذَلِكَ بِتَعَدُّدِ الدَّرَجَةِ ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مِنْكَ أَبُوكَ وَأُمُّكَ ، ثُمَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَبٌ وَأُمٌّ ، فَالْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ هُمْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ هُمْ الدَّرَجَةُ الْأُولَى مِنْ دَرَجَاتِ الْجُدُودَةِ ثُمَّ أُصُولُك فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ ثَمَانِيَةٌ ، وَفِي الرَّابِعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَفِي الْخَامِسَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَهَكَذَا ، فَإِذَا وَصَلْت إلَى الْعَاشِرَةِ كَانَ فِيهَا أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ جَدَّةً ، وَالنِّصْفُ مِنْ الْأُصُولِ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ ذُكُورٌ وَالنِّصْفُ إنَاثٌ وَهُنَّ الْجَدَّاتُ ، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْأُصُولِ جَدَّتَانِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَرْبَعٌ ، وَفِي الرَّابِعَةِ ثَمَانٍ ، وَفِي الْخَامِسَةِ سِتَّةَ عَشْرَ ، وَفِي الْعَاشِرَةِ خَمْسُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ جَدَّةً ، ثُمَّ مِنْهُنَّ وَارِثَاتٌ وَغَيْرُ وَارِثَاتٍ ، فَإِذَا سُئِلْتَ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ عَلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْمَنَازِلِ فَاجْعَلْ دَرَجَتَهُنَّ بِعَدَدِ السُّؤَالِ عَنْهُ ، وَمَحْضُ نِسْبَةِ الْأُولَى إلَى الْمَيِّتِ أُمَّهَاتٌ ثُمَّ أَبْدِلْ مِنْ آخِرِ نِسْبَةِ الثَّانِيَةِ أُمًّا بِأَبٍ وَفِي آخِرِ نِسْبَةِ الثَّالِثَةِ أُمَّيْنِ بِأَبَوَيْنِ ، وَهَكَذَا تَنْقُصُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَتَزِيدُ فِي الْآبَاءِ حَتَّى يَتَمَحَّضَ نِسْبَةُ الْأَخِيرَةِ أَبًا ، مِثَالُهُ : إذَا سَأَلْتَ عَنْ عَشْرِ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ فَاجْعَلْ دَرَجَتَهُنَّ عَشَرَةً .
الْأُولَى : مُدْلِيَةٌ بِالْأُمُومَةِ ، وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ .
الثَّانِيَةُ : أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ .
الثَّالِثَةُ : أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبٍ .
الرَّابِعَةُ : أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبٍ .
الْخَامِسَةُ : أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ .

السَّادِسَةُ : أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ .
السَّابِعَةُ : أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ .
الثَّامِنَةُ : أُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ .
التَّاسِعَةُ : أُمُّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ .
الْعَاشِرَةُ : أُمُّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ ، ثُمَّ الْوَارِثَاتُ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْأُصُولِ بِعَدَدِ تِلْكَ الدَّرَجَةِ ، فَفِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ ، وَفِي الرَّابِعَةِ أَرْبَعٌ ، وَفِي الْخَامِسَةِ خَمْسٌ وَهَكَذَا فِي كُلِّ دَرَجَةٍ لَا تَزِيدُ إلَّا وَارِثَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَضَاعَفَ عَدَدُهُنَّ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْجَدَّاتِ مَا بَلَغْنَ نِصْفَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ، وَنِصْفَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، فَإِذَا صَعِدَتْ دَرَجَةً تَبَدَّلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِأُمِّهَا وَزَادَتْ أُمُّ الْجَدِّ الَّذِي صَعِدَتْ إلَيْهِ .

فَصْلٌ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ إنْ انْفَرَدُوا وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ ، وَكَذَا إنْ كَانُوا لِأَبٍ إلَّا فِي الْمُشَرَّكَةِ ، وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدَا أُمٍّ وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ ، فَيُشَارِكُ الْأَخُ وَلَدَيْ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلَادِ صُلْبٍ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ إلَّا أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ ، وَالْأُخْتُ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا أَخُوهَا ، وَلِلْوَاحِدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ ، وَلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ .

فَصْلٌ : فِي إرْثِ الْحَوَاشِي ( الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ إنْ انْفَرَدُوا ) عَنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ( وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ ) فَلِلذَّكَرِ الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ كُلُّ الْمَالِ ، وَلِلْأُنْثَى النِّصْفُ وَلِلثِّنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الصِّنْفَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( وَكَذَا إنْ كَانُوا ) أَيْ : الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ ( لِأَبٍ ) وَانْفَرَدُوا عَنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ ( إلَّا ) أَيْ لَكِنْ ( فِي الْمُشَرَّكَةِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بِخَطِّهِ أَيْ : الْمُشَرَّكِ فِيهَا بَيْنَ الشَّقِيقِ وَوَلَدَيْ الْأُمِّ ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا بِمَعْنَى فَاعِلَةِ التَّشْرِيكِ ( وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ ) أَوْ جَدَّةٌ ( وَوَلَدَا أُمٍّ ) فَصَاعِدًا ( وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ ) فَأَكْثَرُ ( فَيُشَارِكُ الْأَخُ ) الشَّقِيقُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُسَاوِيهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ( وَلَدَيْ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ ) بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي وَرِثُوا بِهَا الْفَرْضَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ أَوْلَادُ الْأُمِّ بَعْضُهُمْ ابْنَ عَمٍّ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَإِنْ سَقَطَتْ عُصُوبَتُهُ ، وَتُسَمَّى هَذِهِ أَيْضًا بِالْحِمَارِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَرَمَ الْأَشِقَّاءَ فَقَالُوا : هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ ؟ فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ أَنَّ زَيْدًا هُوَ الْقَائِلُ : هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا أَمَا زَادَهُمْ الْأَبُ إلَّا قُرْبًا ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَضَى بِهَا مَرَّةً فَلَمْ يُشَرِّكْ ، ثُمَّ قَضَى فِي الْعَامِ الثَّانِي فَشَرَّكَ فَقِيلَ : إنَّك أَسْقَطْتَهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي فَقَالَ : ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا ، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي .
وَتُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَرُوِيَ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ

حَجَرًا مُلْقًى فِي الْيَمِّ ، فَعَلَى هَذَا تُسَمَّى الْحَجَرِيَّةَ وَالْيَمِّيَّةَ .
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْأَخِ مَنْ يُسَاوِيهِ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ صَحَّتْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ( وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ ) لِأَبَوَيْنِ ( أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ ) بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَرَابَةُ أُمٍّ يُشَارِكُ بِهَا ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَهُ أُخْتٌ لِأَبٍ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ وَعَالَتْ ، وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فُرِضَ لَهُمَا أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَأُعِيلَتْ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ وَأَسْقَطَهُنَّ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ هَذَا الْأَخَ الْمَشْئُومَ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الشَّقِيقِ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ أَوْ ثِنْتَانِ فَأَكْثَرُ فُرِضَ لَهُمَا أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ أَوْ خُنْثَى شَقِيقٌ فَبِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ هِيَ الْمُشَرَّكَةُ ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كَمَا مَرَّ ، وَبِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ تَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا تَدَاخُلٌ ، فَيَصِحَّانِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَإِلَّا ضَرَّ فِي حَقِّهِ ذُكُورَتُهُ وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ ، وَيَسْتَوِي فِي حَقِّ وَلَدَيْ الْأُمِّ الْأَمْرَانِ ، فَإِذَا قُسِمَتْ يَفْضُلُ أَرْبَعَةٌ مَوْقُوفَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ ، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى أَخَذَهَا أَوْ ذَكَرًا أَخَذَ الزَّوْجُ ثَلَاثَةً وَالْأُمُّ وَاحِدًا ( وَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ ) مِنْ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ وَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ ( فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ ) فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ ، وَلَوْ مَعَ أُنْثَى حَجَبَ أَوْلَادَ الْأَبِ أَوْ أُنْثَى فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِ الْأَبِ الذُّكُورِ فَقَطْ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرُ فَلَهُمَا ، أَوْ لَهُنَّ

الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الْأَبِ الذُّكُورِ فَقَطْ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ مِنْهُمَا مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَأَكْثَرَ ( إلَّا أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ ) مِنْهُنَّ كَمَا مَرَّ ( وَالْأُخْتُ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا أَخُوهَا ) لَا ابْنُ الْأَخِ وَلَا ابْنُ الْعَمِّ ، فَلَوْ خَلَّفَ شَخْصٌ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَابْنَ أَخٍ لِأَبٍ فَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ ، وَلَا يُعَصِّبُ الْأُخْتَ لِأَنَّهُ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَلَا يُعَصِّبُ عَمَّتَهُ ، وَأَيْضًا ابْنُ الِابْنِ يُسَمَّى ابْنًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَابْنُ الْأَخِ لَا يُسَمَّى أَخًا ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ اجْتَمَعَ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَلِأُمٍّ ، وَحُكْمُهُمْ أَنَّ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسَ ، وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ ، فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ إنَاثًا كَانَ لِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِلَّتِي لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلِلَّتِي لِلْأُمِّ السُّدُسُ ( وَلِلْوَاحِدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ ، وَلِاثْنَيْنِ ) مِنْهُمْ ( فَصَاعِدًا الثُّلُثُ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ ) بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ بِالرَّحِمِ فَاسْتَوَوْا كَالْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الثُّلُثِ ، وَبِهَذَا فَارَقُوا الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ الْأَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ ، فَإِنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ .

تَنْبِيهٌ : قَالَ الْفَرْضِيُّونَ : أَوْلَادُ الْأُمِّ يُخَالِفُونَ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : ذَكَرُهُمْ يُدْلَى بِأُنْثَى وَيَرِثُ .
ثَانِيهَا : يَحْجُبُونَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ حَجْبَ نُقْصَانٍ .
ثَالِثُهَا : يَرِثُونَ مَعَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ .
رَابِعُهَا : تَقَاسُمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ .
خَامِسُهَا : ذَكَرُهُمْ الْمُنْفَرِدُ كَأُنْثَاهُمْ الْمُنْفَرِدَةِ .

وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ ، وَبَنَاتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ ، فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَلَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَيَسْقُطُونَ فِي الْمُشَرَّكَةِ .

وَلَمَّا سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ فِي اجْتِمَاعِ الْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ أَشَارَ هُنَا إلَى الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ فَقَالَ : ( وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ { أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ ، فَقَالَ : لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ .
} قَالَ الْإِمَامُ : وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِنْتَانِ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ وَأَخَوَاتٌ أَخَذَ الْبَنَاتُ أَوْ بَنَاتُ الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ ، فَلَوْ فَرَضْنَا لِلْأَخَوَاتِ ، وَأَعَلْنَا الْمَسْأَلَةَ نَقَصَ نَصِيبُ الْبَنَاتِ ، أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ ، فَاسْتَبْعَدُوا أَنْ تُزَاحِمَ الْأَخَوَاتُ الْأَوْلَادَ أَوْ أَوْلَادَ الِابْنِ ، وَلَمْ يُمْكِنْ إسْقَاطُهُنَّ فَجَعَلَ عَصَبَاتٍ لِيَدْخُلَ النَّقْصُ عَلَيْهِنَّ خَاصَّةً .
ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَةَ كَوْنِهَا عَصَبَةً بِقَوْلِهِ : ( فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ) اجْتَمَعَتْ ( مَعَ الْبِنْتِ ) أَوْ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ مَعَهُمَا الْإِخْوَةَ وَ ( الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ ) كَمَا يُسْقِطُهُمْ الْأَخُ الشَّقِيقُ .
تَنْبِيهٌ : وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ بَدَلَ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ : أَوْلَادَ الْأَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَخٌ شَقِيقٌ عَصَّبَهَا وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ أَصْلِ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفَ مَا لِلْأُنْثَى وَلِأَنَّ تَعْصِيبَهَا إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ ( وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ ) حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ ( كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا ) فَيَسْتَغْرِقُ الْوَاحِدُ أَوْ الْجَمْعُ مِنْهُمْ الْمَالَ عِنْدَ

الِانْفِرَادِ وَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْفُرُوضِ ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ يُسْقِطُ ابْنُ الشَّقِيقِ ابْنَ الْأَخِ لِلْأَبِ ( لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ ) أَيْ : آبَاءَهُمْ ( فِي أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْأُمَّ ) مِنْ الثُّلُثِ ( إلَى السُّدُسِ ) بِخِلَافِ آبَائِهِمْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهَا الثُّلُثَ حَيْثُ لَا إخْوَةَ ، وَهَذَا الِاسْمُ لَا يَصْدُقُ عَلَى بَنِيهِمْ كَمَا مَرَّ ( وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ ) بَلْ يَسْقُطُونَ بِهِ وَآبَاؤُهُمْ يَرِثُونَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ كَالْأَخِ بِدَلِيلِ تَقَاسُمِهِمَا إذَا اجْتَمَعَا ، وَإِذَا كَانَ كَالْأَخِ فَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ مَعَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ ( وَلَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ ) لِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ( وَيَسْقُطُونَ فِي الْمُشَرَّكَةِ ) بِخِلَافِ آبَائِهِمْ الْأَشِقَّاءِ ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَ التَّشْرِيكِ قَرَابَةُ الْأُمِّ ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي ابْنِ الْأَخِ ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ مُخْتَصَّةٌ بِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ كَمَا قَرَّرْتُهُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَبَنِيهِمْ سِيَّانِ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ ، وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ أُخَرَ : الْأُولَى : الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأَوْلَادُهُمْ لَا يَحْجُبُونَهُمْ الثَّانِيَةُ : الْأَخُ لِلْأَبِ يَحْجُبُ ابْنَ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَابْنُهُ لَا يَحْجُبُهُ .
الثَّالِثَةُ : بَنُو الْإِخْوَةِ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَخَوَاتِ إذَا كُنَّ عَصَبَاتٍ مَعَ الْبَنَاتِ .
فَائِدَةٌ : الْإِخْوَةُ وَالْإِخْوَانُ : جَمْعُ أَخٍ ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَخُو النَّسَبِ ، وَأَخُو الصَّدَاقَةِ .
وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ : الْإِخْوَةُ فِي النَّسَبِ وَالْإِخْوَانُ فِي الْأَصْدِقَاءِ .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ كُلٌّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا .

وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ كَأَخِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ وَسَائِرِ عَصَبَةِ النَّسَبِ ، وَالْعَصَبَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ ، فَيَرِثُ الْمَالَ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ .

( وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ ) حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ ( كَالْأَخِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا ) مَنْصُوبَانِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ : فِي الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ : مِنْ جِهَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ ، فَمَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمَا اسْتَغْرَقَ الْمَالَ وَإِلَّا أَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَا سَقَطَ الْعَمُّ لِأَبٍ بِالْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ كَأَخٍ مِنْ أَبٍ مَعَ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ ، هَذَا عِنْدَ عَدَمِ بَنِي الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُمْ يَحْجُبُونَهُمْ لِتَأَخُّرِ رُتْبَتِهِمْ عَنْهُمْ ( وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَمِّ كَبَنِي الْإِخْوَةِ ( وَ ) كَذَا قِيَاسُ ( سَائِرِ ) أَيْ : بَاقِي ( عَصَبَةِ النَّسَبِ ) كَبَنِي بَنِي الْعَمِّ وَبَنِي بَنِي الْإِخْوَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا .
فَإِنْ قِيلَ : يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَنُو الْأَخَوَاتِ اللَّوَاتِي هُنَّ عَصَبَةٌ مَعَ الْبَنَاتِ مَعَ أَنَّ بَنِيهِنَّ لَيْسُوا مِثْلَهُنَّ ، وَهُنَّ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ ( وَالْعَصَبَةُ ) وَيُسَمَّى بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ جَمْعُ عَاصِبٍ ، وَمَعْنَى الْعَصَبَةِ لُغَةً قَرَابَةُ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ ، وَشَرْعًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( مَنْ لَيْسَ لَهُ ) حَالَ التَّعْصِيبِ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ ( سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ ) الْوَرَثَةِ ( الْمُجْمَعِ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ ) وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْتُ الْمُقَدَّرَ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ لِئَلَّا يَرِدَ ابْنُ عَمٍّ هُوَ زَوْجٌ أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ فَرْضًا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ التَّعْصِيبِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ أُخُوَّةِ الْأُمِّ ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ ، وَأَدْخَلْتُ فِي كَلَامِهِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، إذْ الصَّحِيحُ فِي تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ كَمَا مَرَّ

فَإِنَّهُمْ يُنَزِّلُونَ كُلًّا مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ ، وَهُمْ يَنْقَسِمُونَ إلَى ذَوِي فَرْضٍ وَعَصَبَاتٍ .
تَنْبِيهٌ : كُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الرِّجَالِ عَصَبَةٌ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ النِّسَاءِ ذَاتُ فَرْضٍ إلَّا الْمُعْتِقَةَ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْعَصَبَةِ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ : ( فَيَرِثُ الْمَالَ ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إذَا انْفَرَدَ ، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ فِي صُورَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَيْتُ الْمَالِ ( أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ ) أَوْ الْفَرْضِ ، إنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ أَوْ ذُو فُرُوضٍ أَيْ : سَهْمٍ مُقَدَّرٍ وَلَمْ يَنْتَظِمْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بَيْتُ الْمَالِ وَكَانَ ذُو الْفَرْضِ فِيهَا أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ لَهُ فَرْضٌ ، وَمِنْ حُكْمِ الْعَاصِبِ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ كَمَا سَبَقَ إلَّا إذَا انْقَلَبَ إلَى فَرْضٍ كَالشَّقِيقِ فِي الْمُشَرَّكَةِ ، وَمِنْ حُكْمِهِ أَيْضًا أَنَّ قَرِيبَ الْجِهَةِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَرِيبِ لِلْمَيِّتِ ، فَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنِ ابْنِ أَخٍ وَابْنِ عَمٍّ ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ .
تَنْبِيهٌ : وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ هُنَّ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ غَيْرُ وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ أَخِيهِنَّ .
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ : فَيَرِثُ الْمَالَ صَادِقٌ بِالْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَبِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مَعًا ، وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ هُنَّ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ غَيْرُ وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ أَخِيهِنَّ ، وَقَوْلُهُ : أَوْ مَا فَضَلَ إلَخْ صَادِقٌ بِذَلِكَ ، وَبِالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ ، وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ ، فَلَيْسَ لَهُنَّ حَالٌ يَسْتَغْرِقْنَ فِيهَا الْمَالَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ وَالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ لُحْمَةَ عَصَبَةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي .

فَصْلٌ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَهُ مُعْتِقٌ فَمَالُهُ أَوْ الْفَاضِلُ عَنْ الْفُرُوضِ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِعَصَبَتِهِ بِنَسَبٍ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ لَا لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ ، وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ لَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ وَابْنَ أَخِيهِ يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَلِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ .

فَصْلٌ : فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ ( مَنْ ) مَاتَ ( وَلَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَهُ مُعْتِقٌ فَمَالُهُ ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كُلُّهُ لِمُعْتِقِهِ ( أَوْ الْفَاضِلُ ) مِنْهُ ( عَنْ ) الْفَرْضِ أَوْ ( الْفُرُوضِ لَهُ رَجُلًا كَانَ ) الْمُعْتِقُ ( أَوْ امْرَأَةً ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَلِأَنَّ الْإِنْعَامَ بِالْإِعْتَاقِ مَوْجُودٌ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنَّمَا قُدِّمَ النَّسَبُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ حَدِيثُ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } شُبِّهَ بِهِ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) أَيْ يُوجَدُ مُعْتِقٌ ( فَلِعَصَبَتِهِ ) أَيْ الْمُعْتِقِ ( بِنَسَبٍ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ ) كَابْنِهِ وَأَخِيهِ ( لَا لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ ) وَلَوْ مَعَ أَخَوَيْهِمَا الْمُعَصِّبَيْنِ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَلَا لِلْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّ الْوَلَاءَ أَضْعَفُ مِنْ النَّسَبِ الْمُتَرَاخِي ، وَإِذَا تَرَاخَى النَّسَبُ وَرِثَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ كَبَنِي الْأَخِ وَبَنِي الْعَمِّ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ ، فَإِذَا لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ فَبِنْتُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى أَنْ لَا تَرِثَ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْهُمَا ، وَالْمُعْتَبَرُ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَوَلَاؤُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ .
تَنْبِيهٌ : الْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْوَلَاءُ ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ ، إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ

الْوَلَاءُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَرِثُوا .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : يَتَلَخَّصُ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا : أَنَّهُ لَهُمْ مَعَهُ ، لَكِنْ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِيمَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لَهُ كَإِرْثِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ ، وَالثَّانِي : لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لَا بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ الَّذِي هُوَ الْإِرْثُ ( وَتَرْتِيبُهُمْ ) أَيْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ ( كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ ) فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ وَإِنْ عَلَا ، وَهَكَذَا ( لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ( وَابْنَ أَخِيهِ ) لَهُمَا ( يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ ) جَرْيًا عَلَى الْقِيَاسِ فِي أَنَّ الْبُنُوَّةَ أَقْوَى مِنْ الْأُبُوَّةِ ، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي النَّسَبِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَخَ لَا يُسْقِطُ الْجَدَّ ، وَلَا إجْمَاعَ فِي الْوَلَاءِ فَصِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ كَالنَّسَبِ ، وَيَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْعَمِّ وَأَبِي الْجَدِّ ، وَفِي كُلِّ عَمٍّ اجْتَمَعَ مَعَ جَدٍّ إذَا أَدْلَى الْعَمُّ بِأَبٍ دُونَ ذَلِكَ الْجَدِّ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ : وَكَذَا فِي ابْنِ الْعَمِّ مَعَ أَبِي الْجَدِّ ، وَيُفَارِقُ الْعِتْقُ أَيْضًا النَّسَبَ فِيمَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَا عَمٍّ : أَحَدُهُمَا : أَخٌ لِأُمٍّ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَرْضِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ فِي النَّسَبِ يَرِثُ فَأُعْطِيَ فَرْضَهُ وَاسْتَوَيَا فِي الْبَاقِي بِالْعُصُوبَةِ ، وَفِي الْوَلَاءِ لَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ ، فَرُجِّحَ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ لِتَمَحُّضِهَا لِلتَّرْجِيحِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ) أَيْ الْمُعْتِقِ ( عَصَبَةٌ ) مِنْ النَّسَبِ ( فَلِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ، ثُمَّ عَصَبَتِهِ ) أَيْ عَصَبَةِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ ، ثُمَّ بَيْتِ

الْمَالِ .

وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مُعْتَقَهَا أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ .
( وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مُعْتَقَهَا ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ ، وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَتْهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } تَنْبِيهٌ : قَدْ يُشْعِرُ قَوْلُهُ : مُعْتَقَهَا إخْرَاجَ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُصُولِهَا أَوْ فُرُوعِهَا بِالْمِلْكِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَهُ لَهَا وَلَاؤُهُ اتِّفَاقًا ( أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ ) أَيْ : مُعْتَقِهَا ( بِنَسَبٍ ) كَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ( أَوْ وَلَاءٍ ) كَمُعْتَقِهِ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ ، وَيَشْرَكُهَا الرَّجُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَصَبَةَ مُعْتِقٍ مِنْ النَّسَبِ .
تَنْبِيهٌ : اشْتَرَتْ بِنْتٌ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنٍ لَهُ ثُمَّ عَتِيقُهُ عَنْهُمَا فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى فِي التَّنْبِيهِ صُورَةً ثَالِثَةً ، وَهِيَ جَرُّ الْوَلَاءِ إلَيْهَا .
وَصُورَتُهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدُهَا بِمُعْتَقَةٍ لِرَجُلٍ فَيَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا وَهُوَ أَبُو الْوَلَدِ جَرَّ الْأَبُ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى الْمَرْأَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَتْ بِنْتٌ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنٍ لَهُ ثُمَّ عَتِيقُهُ عَنْهُمَا فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ مُعْتِقٍ مِنْ النَّسَبِ وَالْبِنْتَ مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى ، وَتُسَمَّى هَذِهِ مَسْأَلَةَ الْقُضَاةِ لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ غَيْرُ الْمُتَفَقِّهَةِ حَيْثُ جَعَلُوا الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ ، وَغَفَلُوا عَنْ كَوْنِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مِنْ النَّسَبِ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ، وَلَا مِيرَاثَ لِمُعْتِقِ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ إلَّا لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ .

فَصْلٌ إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ ، وَمُقَاسَمَتُهُمْ كَأَخٍ ، فَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ فَالْبَاقِي لَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ وَثُلُثِ الْبَاقِي وَالْمُقَاسَمَةِ ، وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ ، وَقَدْ يَبْقَى دُونَ سُدُسٍ كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ فَيُفْرَضُ لَهُ وَتُعَالُ ، وَقَدْ يَبْقَى سُدُسٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدُّ ، وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ فَحُكْمُ الْجَدِّ مَا سَبَقَ وَيُعَدُّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِ أَوْلَادَ الْأَبِ فِي الْقِسْمَةِ ، فَإِذَا أَخَذَ حِصَّتَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ فَالْبَاقِي لَهُمْ وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ .

فَصْلٌ : فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ : ( إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ ) أَوْ أَبُوهُ ( وَإِخْوَةٌ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا ( وَأَخَوَاتٌ ) فَإِنْ كَانُوا لِأُمٍّ سَقَطُوا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْحَجْبِ ، وَإِنْ كَانُوا ( لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ) لَمْ يَسْقُطُوا بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ خَطِيرٌ فِي الْفَرَائِضِ ، وَمَسَائِلُهُ كَثِيرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَكَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهَا ، وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ : " أَجْرَؤُكُمْ عَلَى قَسْمِ الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْتَحِمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقْضِ فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ مِنْ عَصَبَاتِكُمْ ، وَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لَا حَيَّاهُ اللَّهُ وَلَا بَيَّاهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَوَّلُ مَنْ وَرَّثَ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، ثُمَّ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا تُسْقِطُ الْجَدَّ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَمْ يُخَالِفْ إلَّا فِرْقَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَبًا وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ كَالْأَبِ فَأَسْقَطَ الْإِخْوَةَ .
وَالْمَذْهَبِ الثَّانِي : أَنَّهُ يُشَارِكُ الْإِخْوَةَ ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ

وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو ) أَيْ صَاحِبُ ( فَرْضٍ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ ) جَمِيعِ ( الْمَالِ ، وَ ) مِنْ ( مُقَاسَمَتِهِمْ كَأَخٍ ) .
أَمَّا أَخْذُ الثُّلُثِ فَلِأَنَّ لَهُ مَعَ الْأُمِّ مِثْلَيْ مَالِهَا ، وَالْإِخْوَةُ لَا يُنْقِصُونَهَا عَنْ السُّدُسِ فَلَا يُنْقِصُونَهُ عَنْ مِثْلَيْهِ وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يُنْقِصُونَ أَوْلَادَ الْأُمِّ عَنْ الثُّلُثِ ، فَبِالْأَوْلَى الْجَدُّ لِأَنَّهُ يَحْجُبُهُمْ .
وَأَمَّا الْمُقَاسَمَةُ فَلِأَنَّهُ كَالْأَخِ فِي إدْلَائِهِ بِالْأَبِ ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَأَخَذَ بِأَكْثَرِهِمَا .
فَإِنْ اسْتَوَى لَهُ الْأَمْرَانِ ، فَالْفَرْضِيُّونَ يُعَبِّرُونَ فِيهِ بِالثُّلُثِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ ، وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ : أَنَّ لَهُ مَعَ الْأَخَوَاتِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فِيمَا إذَا كَانُوا دُونَ مِثْلَيْهِ ، وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ : أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ ، وَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فِيمَا إذَا زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِ ، وَلَا تَنْحَصِرُ صُوَرُهُ فِي عَدَدٍ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِخَمْسِ أَخَوَاتٍ وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتٍ أَوْ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ وَأَخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ ، وَيَسْتَوِي لَهُ الثُّلُثُ وَالْمُقَاسَمَةُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ : أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتَانِ ( فَإِنْ أَخَذَ ) الْجَدُّ ( الثُّلُثَ فَالْبَاقِي لَهُمْ ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ جَدٌّ ( وَإِنْ كَانَ ) مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ يُتَصَوَّرُ إرْثُهُ مَعَهُمْ وَهُوَ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّاتُ وَالزَّوْجَانِ ( فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ ، وَ ) مِنْ ( ثُلُثِ

الْبَاقِي ) بَعْدَ الْفَرْضِ ( وَ ) مِنْ ( الْمُقَاسَمَةِ ) بَعْدَ الْفَرْضِ .
أَمَّا السُّدُسُ : فَلِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ مَعَ الْأَوْلَادِ فَمَعَ الْإِخْوَةِ أَوْلَى ، وَأَمَّا ثُلُثُ الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ لَأَخَذَ جَمِيعَ ثُلُثِ الْمَالِ ، فَإِذَا خَرَجَ قَدْرُ الْفَرْضِ مُسْتَحَقًّا أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي وَكَأَنَّ الْفَرْضَ تَلِفَ مِنْ الْمَالِ .
وَأَمَّا الْمُقَاسَمَةُ فَلِمَا سَبَقَ مِنْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أَخٍ ، وَضَابِطُ مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْفَرْضُ نِصْفًا فَمَا دُونَهُ ، فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كَانَ لِإِخْوَةٍ دُونَ مِثْلَيْهِ ، وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِ فَثُلُثُ الْبَاقِي أَغْبَطُ ، وَإِنْ كَانُوا مِثْلَيْهِ اسْتَوَيَا ، وَقَدْ تَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ ثُلُثَيْنِ فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ وَإِلَّا فَلَهُ السُّدُسُ ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ كَنِصْفٍ وَثُمُنٍ ، فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ مَعَ أُخْتٍ أَوْ أَخٍ أَوْ أُخْتَيْنِ ، فَإِنْ زَادُوا فَلَهُ السُّدُسُ ( وَقَدْ لَا يَبْقَى ) بَعْدَ الْفَرْضِ ( شَيْءٌ ) لِلْجَدِّ ( كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَتَعُولُ بِسَهْمِ بَقِيَّةِ فَرْضِ مَنْ نَقَصَ فَرْضُهُ ، وَحِينَئِذٍ ( فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ ) اثْنَانِ ( وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ ) إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ( وَقَدْ يَبْقَى ) لِلْجَدِّ بَعْدَ الْفَرْضِ ( دُونَ سُدُسٍ : كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ ، هِيَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ : لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ ، وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ ، يَبْقَى لِلْجَدِّ سَهْمٌ ( فَيُفْرَضُ لَهُ ) سُدُسٌ ( وَتُعَالُ ) الْمَسْأَلَةُ بِوَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ ( وَقَدْ يَبْقَى ) لِلْجَدِّ ( سُدُسٌ : كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ ، هِيَ مِنْ سِتَّةٍ : لِلْبِنْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ ( فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدُّ وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ ) وَالْأَخَوَاتُ ( فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ) الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ ،

وَقَدْ اسْتَغْرَقَ الْمَالُ أَهْلَ الْفَرْضِ ( وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ ) بِالْوَاوِ بِلَا أَلِفٍ قَبْلَهَا ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ بِأَوْ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا ، وَالْكَلَامَ هُنَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا ، وَحِينَئِذٍ ( فَحُكْمُ الْجَدِّ مَا سَبَقَ ) مِنْ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَ مَعَهُ ( وَ ) لَكِنْ فِي صُورَةِ اجْتِمَاعِهِمَا ( يَعُدُّ ) أَيْ يَحْسُبُ ( أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ فَاعِلُ يَعُدُّ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْجَدِّ ( أَوْلَادَ الْأَبِ ) بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ مَفْعُولُ يَعُدُّ ( فِي الْقِسْمَةِ ) أَيْ : يُدْخِلُونَهُمْ فِي الْعَدَدِ عَلَى الْجَدِّ إذَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ ( فَإِذَا أَخَذَ ) الْجَدُّ ( حِصَّتَهُ ) وَهِيَ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَبَقَ ( فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ ) وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ مَعَهُ أُنْثَى فَأَكْثَرُ ( فَالْبَاقِي لَهُمْ ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ ) ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَبَوَيْنِ يَقُولُونَ لِلْجَدِّ : كِلَانَا إلَيْكَ سَوَاءٌ فَنُزَاحِمُكَ بِإِخْوَتِنَا ، وَنَأْخُذُ حِصَّتَهُمْ ، كَمَا أَنَّ الْإِخْوَةَ يَرُدُّونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَالْأَبُ يَحْجُبُهُمْ وَيَأْخُذُ مَا نَقَصُوا مِنْ الْأُمِّ .
فَإِنْ قِيلَ : قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ وَالْأَخِ الشَّقِيقِ أَنْ يَقُولَ الْجَدُّ : أَنَا الَّذِي أَحْجُبُهُ فَأَزْحَمُكَ بِهِ وَآخُذُ حِصَّتَهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِخْوَةَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَازَ أَنْ يَنُوبَ أَخٌ عَنْ أَخٍ ، وَالْأُخُوَّةُ وَالْجُدُودَةُ جِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْجَدُّ نَصِيبَ الْآخَرِ ، وَبِأَنَّ وَلَدَ الْأَبِ الْمَعْدُودَ عَلَى الْجَدِّ لَيْسَ بِمَحْرُومٍ أَبَدًا بَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مَا قُسِمَ لَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ عَدَّ الْجَدُّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَانَ مَحْرُومًا أَبَدًا ،

فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الْمُعَادَّةِ هَذِهِ الْمُعَادَّةُ .

فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ : لِلْجَدِّ سَهْمٌ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ ، وَيَسْقُطُ الْأَخُ لِلْأَبِ .

وَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ : سِتَّةٍ لِلْجَدِّ اثْنَانِ وَالْبَاقِي - وَهُوَ الثُّلُثَانِ - لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَتَرْجِعُ لِثَلَاثَةٍ ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ ابْتِدَاءً مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ وَاحِدٌ وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ اثْنَانِ ، وَيَسْقُطُ الْأَخُ لِلْأَبِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ .

وَإِلَّا فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ إلَى النِّصْفِ .
وَفِي جَدٍّ وَشَقِيقٍ وَشَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ عَدَدُ رُءُوسِهِمْ ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْجَدِّ سِتَّةٌ ، وَلِلشَّقِيقِ ثَمَانِيَةٌ ، وَلِلشَّقِيقَةِ أَرْبَعَةٌ ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ وَاحِدٌ يَفْضُلُ اثْنَانِ لِلشَّقِيقِ وَالشَّقِيقَةِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ لِلْجَدِّ ثَلَاثَةٌ وَلِلشَّقِيقِ أَرْبَعَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ اثْنَانِ ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَأَشْبَاهُهَا تُسَمَّى بِالْمُعَادَّةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ بَلْ إنَاثٌ ( فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ ) مِنْهُنَّ مَا خَصَّهَا مَعَ الْجَدِّ بِالْقِسْمَةِ ( إلَى ) تَكْمِلَةِ ( النِّصْفِ ) إنْ وَجَدَتْهُ .

وَالثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا إلَى الثُّلُثَيْنِ .
فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ لِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ خَمْسَةٌ يَفْضُلُ وَاحِدٌ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَشَرِيَّةِ زَيْدٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ كَجَدٍّ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ لِأَبٍ فَتَقْتَصِرُ الشَّقِيقَةُ عَلَى مَا فَضَلَ لَهَا ، وَلَا تُزَادُ عَلَيْهِ ( وَ ) تَأْخُذُ ( الثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا ) مَعَ مَا خَصَّهُمَا مَعَ الْجَدِّ بِالْقِسْمَةِ ( إلَى ) تَكْمِلَةِ ( الثُّلُثَيْنِ ) إنْ وَجَدَتَا ذَلِكَ .

وَلَا يَفْضُلُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ .
فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا الثُّلُثَيْنِ بَلْ النَّاقِصَ عَنْهُمَا اقْتَصَرَتَا عَلَى النَّاقِصِ كَجَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ : لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَهُوَ دُونَ الثُّلُثَيْنِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالتَّعْصِيبِ وَإِلَّا لَزِيدَتَا وَأُعِيلَتْ ( وَلَا يَفْضُلُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ ) لِأَنَّ لِلْجَدِّ الثُّلُثَ كَمَا مَرَّ .

وَقَدْ يَفْضُلُ عَنْ النِّصْفِ فَيَكُونُ لِأَوْلَادِ الْأَبِ .
فَإِذَا مَاتَ عَنْ شَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَهُوَ تَمَامُ فَرْضِهِمَا ( وَقَدْ يَفْضُلُ عَنْ النِّصْفِ ) شَيْءٌ ( فَيَكُونُ ) الْفَاضِلُ ( لِأَوْلَادِ الْأَبِ ) كَمَا مَرَّ فِي عَشَرِيَّةِ زَيْدٍ .

وَالْجَدُّ مَعَ أَخَوَاتٍ كَأَخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ نِصْفٌ ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ وَلِلْجَدِّ سُدُسٌ ، وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ فَتَعُولُ ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْجَدُّ ، وَالْأُخْتُ نَصِيبَيْهِمَا أَثْلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ .

( وَالْجَدُّ ) حُكْمُهُ ( مَعَ أَخَوَاتٍ كَأَخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ ) كَمَا لَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَلَا تُعَالُ الْمَسْأَلَةُ بِسَبَبِهِنَّ وَلَكِنْ قَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَهُنَّ وَتُعَالُ الْمَسْأَلَةُ بِسَبَبِهِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فَرْضٍ بِالْجُدُودَةِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ قَوْلَهُ ( إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا إلَى أَكْدَرَ وَهُوَ اسْمُ السَّائِلِ عَنْهَا أَوْ الْمَسْئُولِ أَوْ الزَّوْجِ ، أَوْ بَلَدِ الْمَيِّتَةِ ، أَوْ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ وَلَا يُعِيلُ مَسَائِلَ الْجَدِّ ، وَهُنَا فَرَضَ وَأَعَالَ ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي تَسْمِيَتُهَا مُكَدِّرَةً لَا أَكْدَرِيَّةً ، وَقِيلَ لِأَنَّ زَيْدًا أَكْدَرَ عَلَى الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا لِأَنَّهُ أَعْطَاهَا النِّصْفَ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهُ مِنْهَا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ( وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ) هِيَ مِنْ سِتَّةٍ ( فَلِلزَّوْجِ ) مِنْهَا ( نِصْفٌ ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ( وَلِلْأُمِّ ) مِنْهَا ( ثُلُثٌ ) وَهُوَ اثْنَانِ لِعَدَمِ مَنْ يَحْجُبُهَا عَنْهُ ( وَلِلْجَدِّ ) مِنْهَا ( سُدُسٌ ) وَهُوَ وَاحِدٌ لِعَدَمِ مَنْ يَحْجُبُهُ ( وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِعَدَمِ مَنْ يُسْقِطُهَا مِنْهُ وَمَنْ يُعَصِّبُهَا ، فَإِنَّ الْجَدَّ لَوْ عَصَّبَهَا نَقَصَ حَقُّهُ وَهُوَ السُّدُسُ فَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ لَهَا ( فَتَعُولُ ) بِنَصِيبِ الْأُخْتِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ إلَى تِسْعَةٍ ( ثُمَّ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( يَقْتَسِمُ الْجَدُّ وَالْأُخْتُ نَصِيبَهُمَا ) وَهُمَا الْأَرْبَعَةُ مِنْ التِّسْعَةِ ( أَثْلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ ) وَلَهَا الثُّلُثُ فَانْكَسَرَتْ عَلَى مَخْرَجِ الثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ ، وَإِنَّمَا قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَفْضِيلِهَا

عَلَى الْجَدِّ كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ فَفُرِضَ لَهَا بِالرَّحِمِ ، وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا بِالتَّعْصِيبِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : قِيَاسُ كَوْنِهَا عَصَبَةً بِالْجَدِّ أَنْ تَسْقُطَ وَإِنْ رَجَعَ الْجَدُّ إلَى الْفَرْضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ مَعَ الْبَنَاتِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَنَاتِ لَا يَأْخُذْنَ إلَّا الْفَرْضَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عُصُوبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَفَرِيضَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَالتَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِ الْفَرْضِيَّةِ ، وَالْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ ، وَأَيْضًا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَتْ الْأُخْتُ عَصَبَةً مَعَ الْجَدِّ وَالْجَدُّ صَاحِبُ فَرْضٍ ، كَمَا أَنَّ الْأُخْتَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ ، وَالْبِنْتُ صَاحِبَةُ فَرْضٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأُخْتُ عَصَبَةٌ بِالْجَدِّ وَهُوَ عَصَبَةٌ أَصَالَةً ، وَإِنَّمَا يُحْجَبُ إلَى الْفَرْضِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ أَخٌ تَسْقُطُ ، أَوْ أُخْتَانِ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلَهُمَا السُّدُسُ الْبَاقِي ، وَلَا عَوْلَ وَلَمْ تَكُنْ أَكْدَرِيَّةً ، وَلَوْ سَقَطَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الزَّوْجُ كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَرْضًا وَقَاسَمَ الْجَدُّ الْأُخْتَ فِي الثُّلُثَيْنِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْأُمِّ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي لَا ثُلُثَ لَهُ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي الثَّلَاثَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغْ تِسْعَةً : لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ ، وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ ، وَلِلْأُخْتِ تُسْعَانِ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ مُشْكِلٌ فَالْأَسْوَأُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ ، وَفِي حَقِّ الْمُشْكِلِ وَالْجَدِّ ذُكُورَتُهُ ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُعَالُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنْ يُقَالَ : لَنَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَخَذَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ الْمَالِ ، وَآخَرُ ثُلُثَ الْبَاقِي ، وَآخَرُ ثُلُثَ بَاقِي الْبَاقِي ، وَآخَرُ الْبَاقِيَ .
الثَّانِي :

أَنْ يُقَالَ : لَنَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَخَذَ أَحَدُهُمْ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ ، وَآخَرُ نِصْفَ ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَآخَرُ نِصْفَ الْجُزْأَيْنِ ، وَآخَرُ نِصْفَ الْأَجْزَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْأُخْتَ يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ لِلثِّنْتَيْنِ فِي الْمُعَادَّةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْأَخِ لَا بِالْجَدِّ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمُلَقَّبَاتِ ، وَمِنْهَا الْمُشَرَّكَةُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ ، وَمِنْهَا الْخَرْقَاءُ بِالْمَدِّ ، وَهِيَ أُمٌّ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ وَجَدٌّ : لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخَرُّقِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِيهَا ، وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ مِنْ الْمُلَقَّبَاتِ مَا لَهُ لَقَبٌ وَاحِدٌ ، وَمِنْهَا مَا لَهُ أَكْثَرُ وَغَايَتُهُ عَشَرَةٌ ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْفَرْضِيُّونَ مِنْ التَّلْقِيبَاتِ وَلَا نِهَايَةَ لَهَا وَلَا حَسْمَ لِأَبْوَابِهَا ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمَلًا كَثِيرَةً فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .

وَلَهُمْ مَسَائِلُ أُخَرُ تُسَمَّى بِالْمُعَايَاةِ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْمُعَايَاةُ هِيَ أَنْ تَهْتَدِيَ لِشَيْءٍ لَا يُهْتَدَى لَهُ ، مِنْهَا مَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ إنْ وَلَدْت ذَكَرًا وَوَرِثَ وَوَرِثْتُ ، أَوْ أُنْثَى لَمْ تَرِثْ وَلَمْ أَرِثْ فَهِيَ بِنْتُ ابْنِ الْمَيِّتِ ، وَزَوْجَةُ ابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ وَهُنَاكَ بِنْتَا صُلْبٍ ، فَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْقَائِلَةِ وَابْنِهَا أَثْلَاثًا ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَلَا شَيْءَ لَهَا لِاسْتِغْرَاقِ الثُّلُثَيْنِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَصِّبِ ، وَمِنْهُمَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ ، فَكُلُّ ابْنٍ هُوَ عَمُّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ ، وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ ، هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَوُلِدَ لَهُمَا ابْنَانِ فَكُلُّ ابْنٍ هُوَ خَالُ الْآخَرِ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا أَيْضًا جُمَلًا كَثِيرَةً فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا .

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذِكْرِ الْمَوَانِعِ ، وَهِيَ خَمْسَةٌ مُتَرْجِمًا لَهَا وَلِمَا يُذْكَرُ مَعَهَا بِفَصْلٍ ، فَقَالَ : فَصْلٌ : لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ هَذَا أَحَدُهَا وَهُوَ اخْتِلَافُ الدِّينِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ } وَلِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ ، وَقِيلَ : نَرِثُهُمْ كَمَا نَنْكِحُ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا : وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّوَارُثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ وَلَا مُوَالَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ بِحَالٍ .
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَمِنْ نَوْعِ الِاسْتِخْدَامِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَبِالْعَكْسِ ، وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ نَفَى التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ صَادِقٌ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ ، فَلَيْسَ فِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ مَاتَ كَافِرٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ وَوَقَفْنَا الْمِيرَاثَ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ مِنْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْمَ مَوْتِ أَبِيهِ ، وَقَدْ وَرِثَ مُذْ كَانَ حَمْلًا ، وَلِهَذَا نَقَلَ السُّبْكِيُّ عَمَّنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى التَّحْقِيقِ فِي الْفِقْهِ مَوْثُوقٌ بِهِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ : أَنَّ لَنَا جَمَادًا يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ

، وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْجَمَادُ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا .

فَصْلٌ : لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ وَلَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ وَلَا يُورَثُ .
( وَ ) ثَانِيهَا الرِّدَّةُ كَمَا قَالَ ، وَ ( لَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ ) بِحَالٍ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَوْرِيثِهِ مِنْ مِثْلِهِ لِأَنَّ مَا خَلَّفَهُ فَيْءٌ ، وَلَا مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَذَاكَ يُقَرُّ ، وَلَا مِنْ مُسْلِمٍ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ ، وَمَا ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ أَنَّهُ يَرِثُهُ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ مُصَادِمٌ لِلْحَدِيثِ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ : وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ شَيْئًا وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ ( وَلَا يُورَثُ ) بِحَالٍ ، بَلْ مَالُهُ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ ، سَوَاءٌ اكْتَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ فِي الرِّدَّةِ .
لَكِنْ لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ طَرَفَ مُسْلِمٍ مَعَ الْمُكَافَأَةِ فَارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ سِرَايَةً وَجَبَ قَوَدُ الطَّرَفِ ، وَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ كَانَ وَارِثَهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَالزِّنْدِيقُ كَالْمُرْتَدِّ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَتَدَيَّنْ بِدِينٍ ، وَكَذَا نَصْرَانِيٌّ تَهَوَّدَ أَوْ نَحْوُهُ .

وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا ، لَكِنْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ .
( وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ ) عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا ) كَيَهُودِيٍّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ ، وَنَصْرَانِيٍّ مِنْ مَجُوسِيٍّ ، وَمَجُوسِيٍّ مِنْ وَثَنِيٍّ وَبِالْعُكُوسِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مِلَلِ الْكُفْرِ فِي الْبُطْلَانِ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ .
قَالَ تَعَالَى : { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ } .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إرْثُ الْيَهُودِيِّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ إلَى مِلَّةٍ لَا يُقَرُّ .
أُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ ، وَالنِّكَاحِ وَفِي النَّسَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيًّا ، وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا إمَّا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ ، وَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْيَهُودِيَّةَ وَالْآخَرُ النَّصْرَانِيَّةَ جُعِلَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِالْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ وَالْأُخُوَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ ( لَكِنَّ الْمَشْهُورَ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ ( أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ ) لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا ، وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ ، فَالتَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعِصْمَتِهِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُعَاهَدِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَبَيْنَهُ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ بِالْأَوْلَى ، وَالثَّانِي يَتَوَارَثَانِ لِشَمُولِ الْكُفْرِ لَهُمَا .

وَلَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ ، وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُورَثُ .
( وَ ) ثَالِثُهَا الرِّقُّ وَهُوَ لُغَةً الْعُبُودِيَّةُ وَالشَّيْءُ الرَّقِيقُ .
وَشَرْعًا عَجْزٌ حُكْمِيٌّ يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ بِسَبَبِ الْكُفْرِ ، فَعَلَيْهِ ( لَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ ) مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُبَعَّضٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَكَانَ الْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمَيِّتِ ، وَاحْتَجَّ السُّهَيْلِيُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } الْآيَةَ ، فَإِنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ ، وَفِي الْمُبَعَّضِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ تَوْرِيثِهِ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالرِّقِّ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوِلَايَةِ ، فَلَمْ يَرِثْ كَالْقِنِّ ، وَلَا يُورَثُ أَيْضًا الرَّقِيقُ كُلُّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : ( وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ ) إذَا مَاتَ عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ ( يُورَثُ ) عَنْهُ ذَلِكَ الْمَالُ لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ فَيَرِثُهُ عَنْهُ قَرِيبُهُ الْحُرُّ أَوْ مُعْتِقُ بَعْضِهِ وَزَوْجَتُهُ ، وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ بِالرِّقِّيَّةِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ مَا مَلَكَهُ لِمَالِكِ الْبَاقِي .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُثْنِيَ مِنْ كَوْنِ الرَّقِيقِ لَا يُورَثُ كَافِرٌ لَهُ أَمَانٌ وَجَبَتْ لَهُ جِنَايَةٌ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَأَمَانِهِ ثُمَّ نَقَضَ الْأَمَانَ فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ وَحَصَلَتْ السِّرَايَةُ بِالْمَوْتِ فِي حَالِ رِقِّهِ ، فَإِنْ قُدِّرَ الْأَرْشُ مِنْ الْقِيمَةِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ لَنَا رَقِيقٌ كُلُّهُ يُورَثُ إلَّا هَذَا .

وَلَا قَاتِلٌ ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُضْمَنْ وَرِثَ .
( وَ ) رَابِعُهَا : الْقَتْلُ فَعَلَيْهِ ( لَا ) يَرِثُ ( قَاتِلٌ ) مِنْ مَقْتُولِهِ مُطْلَقًا ؛ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ : { لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ } أَيْ : مِنْ الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَسْتَعْجِلَ الْإِرْثَ بِالْقَتْلِ ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ حِرْمَانَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ سَبَبُ الْإِرْثِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَمْ غَيْرَهُ مَضْمُونًا أَمْ لَا ، بِمُبَاشَرَةٍ أَمْ لَا ، قَصَدَ مَصْلَحَتَهُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ أَمْ لَا مُكْرَهًا أَمْ لَا ( وَقِيلَ إنْ لَمْ يُضْمَنْ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ : أَيْ : الْقَتْلُ كَأَنْ وَقَعَ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا ( وَرِثَ ) الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ ، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى .
تَنْبِيهٌ : الْمَرْأَةُ لَوْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا زَوْجُهَا مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهَا تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْمُونِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَلَوْ بِسَبَبٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهَا ، وَقَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْمَقْتُولَ يَرِثُ مِنْ قَاتِلِهِ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَصُورَتُهُ بِأَنْ يَجْرَحَ مُورَثَهُ ثُمَّ يَمُوتَ الْجَارِحُ ثُمَّ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ .

وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا لَمْ يَتَوَارَثَا وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ .

( وَ ) خَامِسُهَا : إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ فَعَلَيْهِ ( لَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ ) أَوْ حَرْقٍ ( أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي ) بِلَادِ ( غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا ) عُلِمَ سَبْقٌ أَوْ جُهِلَ ( لَمْ يَتَوَارَثَا ) أَيْ : لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ ، وَالْجَهْلُ بِالسَّبْقِ صَادِقٌ بِأَنْ يُعْلَمَ أَصْلُ السَّبْقِ وَلَا يُعْلَمَ عَيْنُ السَّابِقِ ، وَبِأَنْ لَا يُعْلَمَ سَبْقٌ أَصْلًا ، وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ خَمْسٌ : الْعِلْمُ بِالْمَعِيَّةِ ، الْعِلْمُ بِالسَّبْقِ وَعَيْنِ السَّابِقِ ، الْجَهْلُ بِالْمَعِيَّةِ وَالسَّبْقِ ، الْجَهْلُ بِعَيْنِ السَّابِقِ مَعَ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ ، الْتِبَاسُ السَّابِقِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ ، فَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تُقْسَمُ التَّرِكَةُ ( وَ ) فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ ( مَالُ ) أَيْ : تَرِكَةُ ( كُلٍّ ) مِنْ الْمَيِّتَيْنِ بِغَرَقٍ وَنَحْوِهِ ( لِبَاقِي وَرَثَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا يُوَرِّثُ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْأَمْوَاتِ ، وَهُنَا لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ فَلَا يَرِثُ كَالْجَنِينِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا ، وَلِأَنَّا إنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَهُوَ تَحَكُّمٌ ، وَإِنْ وَرَّثْنَا كُلًّا مِنْ صَاحِبِهِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ لِأَنَّهُمَا إنْ مَاتَا مَعًا فَفِيهِ تَوْرِيثُ مَيِّتٍ مِنْ مَيِّتٍ ، أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ فَفِيهِ تَوْرِيثُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ تَأَخَّرَ ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ الْآخَرَ .
تَنْبِيهٌ : اسْتِبْهَامُ تَارِيخِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِرْثِ لَا مِنْ نَفْسِ الْإِرْثِ تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ : لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ كَعِبَارَةِ التَّنْبِيهِ ، تَنْبِيهٌ فَإِنَّ اسْتِبْهَامَ تَارِيخِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِرْثِ لَا مِنْ نَفْسِ الْإِرْثِ وَقَوْلُهُ : لَمْ يَتَوَارَثَا لَيْسَ بِخَاصٍّ فَإِنَّهُ لَوْ

كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ مِنْ الْآخَرِ دُونَ عَكْسِهِ كَالْعَمَّةِ وَابْنِ أَخِيهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَوَانِعِ خَمْسَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَأَهْمَلَ الدَّوْرَ الْحُكْمِيَّ ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ تَوْرِيثِهِ عَدَمُ تَوْرِيثِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنِ أَخِيهِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ .
وَقَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ : الْمَوَانِعُ الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ : الْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالدَّوْرُ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعًا مَجَازٌ ، وَقَالَ فِي غَيْرِهِ إنَّهَا سِتَّةٌ : الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ ، وَالرِّدَّةُ ، وَاخْتِلَافُ الْعَهْدِ ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا مَجَازٌ وَانْتِفَاءُ الْإِرْثِ مَعَهُ لَا لِأَنَّهُ مَانِعٌ ، بَلْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ كَمَا فِي جَهْلِ التَّارِيخِ أَوْ السَّبَبِ كَمَا فِي انْتِفَاءِ النَّسَبِ وَهَذَا أَوْجَهُ .

وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ } وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ مَوْتَهُمْ لِذَلِكَ فَيَهْلِكَ ، وَأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِمْ الرَّغْبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُمْ صَدَقَةً بَعْدَ وَفَاتِهِمْ تَوْفِيرًا لِأُجُورِهِمْ ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِهَا مَانِعَةً أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرِثُونَ كَمَا لَا يُورَثُونَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الْإِرْثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : مِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ وَيُورَثُ وَعَكْسُهُ فِيهِمَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يُورَثُ وَلَا يَرِثُ وَعَكْسُهُ .
فَالْأَوَّلُ : كَزَوْجَيْنِ وَأَخَوَيْنِ .
وَالثَّانِي : كَرَقِيقٍ وَمُرْتَدٍّ .
وَالثَّالِثُ : كَمُبَعَّضٍ وَجَنِينٍ فِي غُرَّتِهِ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُورَثُ عَنْهُ لَا غَيْرُهَا .
وَالرَّابِعُ : الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُونَ كَمَا تَقَرَّرَ .

وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ تُرِكَ مَالُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ - يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا - فَيَجْتَهِدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ بِمَوْتِهِ ثُمَّ يُعْطِيَ مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ شَرَعَ فِي مُوجِبَاتِ التَّوَقُّفِ عَنْ الصَّرْفِ فِي الْحَالِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا : الشَّكُّ فِي النَّسَبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ كَأَنْ يَدَّعِيَ اثْنَانِ وَلَدًا مَجْهُولًا نَسَبُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا وَيَمُوتَ الْوَلَدُ قَبْلَ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا فَيُوقَفَ مِيرَاثُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْهُ وَيُصْرَفَ لِلْأُمِّ نَصِيبُهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ وُقِفَ مِيرَاثُ الْوَلَدِ وَيُعْمَلُ فِي حَقِّ قَرِيبِهِ بِالْأَسْوَأِ .
الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ : الشَّكُّ فِي الْوُجُودِ وَالْحَمْلِ وَالذُّكُورَةِ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ : ( وَمَنْ أُسِرَ ) أَيْ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أَوْ غَيْرُهُمْ ( أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ ) وَلَهُ مَالٌ وَأُرِيدَ الْإِرْثُ مِنْهُ ( تُرِكَ ) أَيْ : وُقِفَ ( مَالُهُ ) وَلَا يُقْسَمُ ( حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ ) مَا يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ ( تَمْضِيَ مُدَّةٌ ) يُعْلَمُ أَوْ ( يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَفْقُودَ ( لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا ) فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ ( فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي ) حِينَئِذٍ ( وَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَلَا يُورَثُ إلَّا بِيَقِينٍ .
أَمَّا عِنْدَ الْبَيِّنَةِ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مَعَ الْحُكْمِ فَلِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ .
تَنْبِيهٌ : وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَلَهُ مَالٌ وَأُرِيدَ الْإِرْثُ مِنْهُ تُرِكَ مَالُهُ وَلَا يُقْسَمُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُعْلَمُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَفْقُودَ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا تَتَقَدَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقِيلَ مُقَدَّرَةٌ بِسَبْعِينَ سَنَةً ، وَقِيلَ بِثَمَانِينَ ، وَقِيلَ بِتِسْعِينَ ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهَا

الْعُمْرُ الطَّبِيعِيُّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَكْفِي مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِمَوْتِهِ ، لَكِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ : أَنَّ الْقِسْمَةَ حَيْثُ وَقَعَتْ بِالْحَاكِمِ تَضَمَّنَتْ الْحُكْمَ بِمَوْتِهِ ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ نَقْضُهُ ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابٌ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ : الصَّحِيحُ عِنْدِي وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لِلشَّكِّ .
ثُمَّ أَشَارَ لِفَائِدَةِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ : ( ثُمَّ يُعْطِي مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ ) إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ ( الْحُكْمِ ) بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ فَائِدَةُ الْحُكْمِ ، فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِيهَا ، وَقَوْلُهُ : وَقْتَ كَذَا جَزْمًا بِهِ وَفِي الْبَسِيطِ قُبَيْلَ الْحُكْمِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا فَإِنَّ الْحُكْمَ إظْهَارٌ فَيُقَدَّرُ مَوْتُهُ قُبَيْلَهُ بِأَدْنَى زَمَانٍ ، وَقَوْلُهُمْ : مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَرِثْهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ فَكَمَوْتِهِمَا مَعًا .
قَالَ : وَهَذَا إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْمُدَّةِ زَادَتْ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهُ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ .
قَالَ : وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ .
ا هـ .
.
وَمِثْلُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ بَلْ أَوْلَى ، وَلَا يَدْفَعُ الْحَاكِمُ مِنْهُ إلَّا لِوَارِثٍ ذِي فَرْضٍ لَا يَسْقُطُ بِيَقِينٍ ، وَهُوَ الْأَبَوَانِ وَالزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ .
تَنْبِيهٌ : مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَقَفْنَا كُلَّ التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَفْقُودِ ،

وَإِلَّا وَقَفْنَا حِصَّتَهُ تَنْبِيهٌ : أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ نَفْسَ الظَّنِّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ .
قَالَ : وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْغَلَبَةَ أَيْ : الرُّجْحَانَ مَأْخُوذٌ فِي مَاهِيَّةِ الظَّنِّ .

وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَإِ .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حُكْمِ الْإِرْثِ مِنْ الْمَفْقُودِ شَرَعَ فِي حُكْمِ إرْثِهِ مِنْ غَيْرِهِ .
فَقَالَ : ( وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ ) قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ ( وَقَفْنَا ) كُلَّ التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَفْقُودِ ، وَإِلَّا وَقَفْنَا ( حِصَّتَهُ ) فَقَطْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَرِثُ مِنْهُ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ حِصَّتَهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْدِيرِ ، أَوْ يُقَالَ : إنَّ حِصَّتَهُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ : ( وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَأِ ) فَمَنْ يَسْقُطُ بِالْمَفْقُودِ لَا يُعْطَى شَيْئًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَمَنْ يَنْقُصُ مِنْهُمْ حَقُّهُ بِحَيَاتِهِ أَوْ مَوْتِهِ قُدِّرَ فِيهِ مَوْتُهُ ، وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ بِهِمَا أُعْطِيَهُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : فَالْأَوَّلُ : كَزَوْجٍ مَفْقُودٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَعَمٍّ حَاضِرِينَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَسَقَطَ الْعَمُّ أَوْ مَيِّتًا فَلَهُمَا سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّهِمْ حَيَاتُهُ .
وَالثَّانِي : كَجَدٍّ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ مَفْقُودٍ ، فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ الْجَدِّ حَيَاتُهُ فَيَأْخُذُ الثُّلُثَ ، وَفِي حَقِّ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ مَوْتُهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ وَيَبْقَى السُّدُسُ إنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ فَلِلْجَدِّ ، أَوْ حَيَاتُهُ فَلِلْأَخِ .
وَالثَّالِثُ : كَابْنٍ مَفْقُودٍ وَبِنْتٍ وَزَوْجٍ حَاضِرِينَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ بِكُلِّ حَالٍ .
تَنْبِيهٌ : تَلِفَ الْمَوْقُوفُ لِلْغَائِبِ ثُمَّ حَضَرَ أَخَذَ مَا دُفِعَ لِلْحَاضِرِينَ وَقُسِمَ مَا بَيْنَ الْكُلِّ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ تَنْبِيهٌ : لَوْ تَلِفَ الْمَوْقُوفُ لِلْغَائِبِ ثُمَّ حَضَرَ أَخَذَ مَا دُفِعَ لِلْحَاضِرِينَ وَقُسِمَ مَا بَيْنَ الْكُلِّ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتَيْ الْحَمْلِ وَالْخُنْثَى إذَا بَانَتْ حَيَاةُ الْحَمْلِ

وَذُكُورَةُ الْخُنْثَى .

وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ ، فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَرِثَ ، وَإِلَّا فَلَا ، بَيَانُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ أَوْ كَانَ مَنْ قَدْ يَحْجُبُهُ وُقِفَ الْمَالُ ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ وَلَهُ مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ عَائِلًا إنْ أَمْكَنَ عَوْلٌ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ لَمْ يُعْطَوْا ، وَقِيلَ أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْطَوْنَ الْيَقِينَ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ التَّوَقُّفِ ، وَهُوَ الشَّكُّ فِي الْحَمْلِ فَقَالَ ( وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ ) بِكُلِّ تَقْدِيرٍ بَعْدَ انْفِصَالِهِ بِأَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ مِنْهُ ( أَوْ قَدْ يَرِثُ ) عَلَى تَقْدِيرٍ دُونَ تَقْدِيرٍ .
أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ فَكَمَنْ مَاتَ عَنْ حَمْلِ زَوْجَةِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ مُعْتِقِهِ فَإِنَّ الْحَمْلَ إنْ كَانَ ذَكَرًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَرِثَ وَإِلَّا فَلَا .
وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ فَكَمَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَحَمْلٍ مِنْ الْأَبِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ ذَكَرًا لَا يَرِثُ شَيْئًا لِاسْتِغْرَاقِ أَهْلِ الْفَرْضِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهَا السُّدُسُ ( عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ ) أَيْ الْحَمْلِ ( وَحَقِّ غَيْرِهِ ) قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ، وَالْحَمْلُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ اسْمٌ لِمَا فِي الْبَطْنِ ، وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَا يُحْمَلُ عَلَى رَأْسٍ أَوْ ظَهْرٍ ، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ فِي حَمْلِ الشَّجَرَةِ وَجْهَيْنِ وَمَرَّ أَنَّ الْحَمْلَ يَرِثُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ ، وَلَكِنَّ شَرْطَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ لِلْإِرْثِ وِلَادَتُهُ حَيًّا كَمَا قَالَ : ( فَإِنْ انْفَصَلَ ) كُلُّهُ ( حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ) أَيْ مَوْتِ مُورَثِهِ بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ فِرَاشًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ إذَا كَانَتْ خَلِيَّةً ( وَرِثَ ) لِثُبُوتِ نَسَبِهِ ، فَلَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَكَانْفِصَالِهِ مَيِّتًا فِي الْإِرْثِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ : إحْدَاهُمَا : فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إذَا صَاحَ أَوْ اسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ .
الثَّانِيَةُ : إذَا حَزَّ إنْسَانٌ رَقَبَتَهُ أَيْ : وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَرْطِهِ أَوْ الدِّيَةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِهَا وَتُعْلَمُ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً بِاسْتِهْلَالِهِ صَارِخًا ، أَوْ بِعُطَاسِهِ ، أَوْ

التَّثَاؤُبِ ، أَوْ الْتِقَامِ الثَّدْيِ .
أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ جَانٍ ، أَوْ حَيِيَ حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ ، أَوْ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِوَقْتٍ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ( فَلَا ) يَرِثُ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَعْدُومٌ ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَالْمَعْدُومِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ مُنْتَفٍ نَسَبُهُ عَنْ الْمَيِّتِ ( بَيَانُهُ ) أَنْ يُقَالَ : ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) فِي الْمَسْأَلَةِ ( وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ أَوْ كَانَ ) ثَمَّ ( مَنْ ) أَيْ وَارِثٌ ( قَدْ يَحْجُبُهُ ) الْحَمْلُ ( وُقِفَ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( الْمَالُ ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إلَى انْفِصَالِهِ احْتِيَاطًا ( وَإِنْ كَانَ ) فِي الْمَسْأَلَةِ ( مَنْ ) أَيْ وَارِثٌ ( لَا يَحْجُبُهُ ) أَيْ الْحَمْلُ ( وَلَهُ ) سَهْمٌ ( مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ ) حَالَةَ كَوْنِهِ ( عَائِلًا إنْ أَمْكَنَ ) فِي الْمَسْأَلَةِ ( عَوْلٌ : كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ : لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَانِ ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ آخِرَهُ : أَيْ الثُّمُنُ وَالسُّدُسَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ بِنْتَانِ ، فَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ، فَيُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْأَبَوَيْنِ ثَمَانِيَةٌ ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي ، فَإِنْ كَانَ بِنْتَيْنِ كَانَ لَهُمَا أَوْ ذَكَرًا فَأَكْثَرَ أَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَأَكْثَرَ كَمَلَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ بِغَيْرِ عَوْلٍ ، وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ كَذَلِكَ ، وَالْبَاقِي لِلْأَوْلَادِ ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْمِنْبَرِيَّةِ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَكَانَ أَوَّلُ خُطْبَتِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا ، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى ، فَسُئِلَ حِينَئِذٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ ارْتِجَالًا : صَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ تُسُعًا وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ : يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ فَصَارَتْ تَسْتَحِقُّ التُّسُعَ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ

لَهُ ) أَيْ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ سَهْمٌ ( مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ لَمْ يُعْطَوْا ) فِي الْحَالِ شَيْئًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَقَدَّرُ بِعَدَدٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خَمْسٌ فِي بَطْنٍ كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ شَيْخًا بِالْيَمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ خَمْسَةُ بُطُونٍ فِي كُلِّ بَطْنٍ خَمْسَةٌ وَاثْنَيْ عَشَرَ فِي بَطْنٍ .
قَالَهُ الشَّيْخَانِ ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ : أَنَّهُ وُجِدَ سَبْعَةٌ فِي بَطْنٍ وَأَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ صَارَعَ أَحَدَهُمْ فَصَرَعَهُ وَكَانَ يُعَيَّرُ بِهِ ، وَيُقَالُ : صَرَعَك سُبُعُ رَجُلٍ ، وَحَكَى فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْهَيْثَمِ : أَنَّ بَعْضَ سَلَاطِينِ بَغْدَادَ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِأَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي بَطْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ الْأُصْبُعِ وَأَنَّهُمْ عَاشُوا وَرَكِبُوا الْخَيْلَ مَعَ أَبِيهِمْ فِي بَغْدَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي هَذَا بُعْدٌ .
ا هـ .
لَا بُعْدَ فِيهِ وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ ، فَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْجِزُهَا شَيْءٌ ( وَقِيلَ أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ ) بِحَسَبِ الْوُجُودِ عِنْدَ قَائِلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُتْبَعُ فِي مِثْلِهِ الْوُجُودُ كَمَا فِي الْحَيْضِ ، وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وُجِدَ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ وَحِينَئِذٍ ( فَيُعْطَوْنَ ) أَيْ : الْأَوْلَادُ ( الْيَقِينَ ) أَيْ : فَيُوقَفُ مِيرَاثُ أَرْبَعَةٍ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي ، وَتُقَدَّرُ الْأَرْبَعَةُ ذُكُورًا : مِثَالُهُ خَلَّفَ ابْنًا ، وَزَوْجَةً حَامِلًا فَلَهَا الثُّمُنُ ، وَلَا يُدْفَعُ لِلِابْنِ شَيْءٌ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَيُدْفَعُ إلَيْهِ خُمُسُ الْبَاقِي عَلَى الثَّانِي ، وَعَلَيْهِ يَتَمَكَّنُ الَّذِينَ صُرِفَ إلَيْهِمْ حِصَّتُهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِلَّا لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِمْ .

وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْبَابِ التَّوَقُّفِ ، وَهُوَ الشَّكُّ فِي الذُّكُورَةِ ، فَقَالَ : ( وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ) أَيْ الْمُلْتَبِسُ أَمْرُهُ ، وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : تَخَنَّثَ الطَّعَامُ إذَا اشْتَبَهَ أَمْرُهُ فَلَمْ يَخْلُصْ طَعْمُهُ الْمَقْصُودُ ، وَشَارَكَ طَعْمَ غَيْرِهِ ، سُمِّيَ الْخُنْثَى بِذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ الشَّبَهَيْنِ فِيهِ ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فَرْجُ رَجُلٍ وَلَا فَرْجُ امْرَأَةٍ بَلْ يَكُونُ لَهُ ثُقْبَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ وَلَا يُشْبِهُ فَرْجَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
الثَّانِي : وَهُوَ أَشْهَرُهُمَا : مَا لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ( إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ ) بِذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ ( كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ ) ظَاهِرٌ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اخْتَلَفَ إرْثُهُ بِهِمَا ( فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ ) أَيْ : الْخُنْثَى ( وَ ) فِي ( حَقِّ غَيْرِهِ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) حَالُهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِهِ ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى اتِّضَاحِهِ بِمَعْنَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِلْبَوْلِ فِيهِ بَلْ يُوقَفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَصِيرَ مُكَلَّفًا فَيُخْتَبَرَ بِمَيْلِهِ .
قَالَهُ الْبَغَوِيّ ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي الْمَيْلِ بَلْ يُعْرَفُ أَيْضًا بِالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ .
وَأَمَّا بِمَعْنَى الضَّرْبِ الثَّانِي فَيَتَّضِحُ بِالْبَوْلِ مِنْ فَرْجٍ ، فَإِنْ بَالَ مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ فَرَجُلٌ ، أَوْ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ ، أَوْ مِنْهُمَا فَالسَّبْقُ لِأَحَدِهِمَا ، فَإِنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً اتَّضَحَ بِالتَّأَخُّرِ لَا الْكَثْرَةِ وَتَزْرِيقٍ وَتَرْشِيشٍ ، فَإِنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ زُرْقٍ أَوْ رَشَشٍ فَلَا اتِّضَاحَ ، وَيَتَّضِحُ أَيْضًا بِحَيْضٍ وَإِمْنَاءٍ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْفَرْجَيْنِ ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَ مِنْهُ أَمْ مِنْهُمَا بِشَرْطِ التَّكَرُّرِ ، وَلَوْ بَالَ أَوْ أَمْنَى

بِذَكَرِهِ وَحَاضَ بِفَرْجِهِ أَوْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا وَأَمْنَى بِالْآخَرِ فَمُشْكِلٌ ، وَلَا أَثَرَ لِلِحْيَةٍ وَلَا لِنُهُودِ ثَدْيٍ وَلَا لِتَفَاوُتِ أَضْلُعٍ ، فَإِنْ عُدِمَ الدَّالُّ السَّابِقُ اُخْتُبِرَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَعَقْلٍ ، فَإِنْ مَالَ بِإِخْبَارِهِ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ أَوْ إلَى الرِّجَالِ فَامْرَأَةٌ ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ وَلَا بَعْدَهُمَا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَحْسُوسَةٌ مَعْلُومَةُ الْوُجُودِ ، وَقِيَامُ الْمَيْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكْذِبُ فِي إخْبَارِهِ ، وَاَلَّذِي يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ خُنْثَى مِنْ الْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةٌ : الْوَلَدُ ، وَوَلَدُ الِابْنِ ، وَالْأَخُ وَوَلَدُهُ ، وَالْعَمُّ وَوَلَدُهُ ، وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَاتُهُ .
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ : وَمَنْ أَلْقَى عَلَيْكَ أَبَا خُنْثَى أَوْ أُمَّ خُنْثَى فَقَدْ أَلْقَى مُحَالًا .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَقَدْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَنَّ الْخُنْثَى يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ، فَإِنْ وَرِثَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ وَوُقِفَ مَا يَرِثُهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ، فَفِي زَوْجٍ وَأَبٍ وَوَلَدٍ خُنْثَى لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْأَبِ سُدُسٌ ، وَلِلْخُنْثَى النِّصْفُ ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ ، وَفِي وَلَدٍ خُنْثَى وَأَخٍ يُصْرَفُ إلَى الْوَلَدِ النِّصْفُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي ، وَفِي وَلَدٍ خُنْثَى وَبِنْتٍ وَعَمٍّ يُعْطَى الْخُنْثَى وَالْبِنْتُ الثُّلُثَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْخُنْثَى وَالْعَمِّ ، فَإِنْ مَاتَ مُشْكِلًا تَعَيَّنَ الِاصْطِلَاحُ ، وَلَوْ اتَّفَقَ الَّذِينَ وُجِدَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ أَيْ : إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِأَنْقَصَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ وَإِلَّا لَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى صُورَةِ

التَّوَقُّفِ ، وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهَالَةٍ ، لَكِنَّهَا تُحْتَمَلُ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ مِنْ الْبَيْنِ وَوَهَبَهُ لَهُمْ عَلَى جَهْلٍ بِالْحَالِ جَازَ أَيْضًا كَمَا قَالَاهُ .

وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا .
( وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ ) زَوْجٍ هُوَ ( ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا ) فَيَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْآخَرَ بِالْوَلَاءِ أَوْ بُنُوَّةِ الْعَمِّ ، لِأَنَّهُ وَارِثٌ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ الْقَرَابَتَانِ فِي شَخْصَيْنِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " جِهَتَا فَرْضٍ " عَنْ الْأَبِ حَيْثُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ ( قُلْتُ ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ .

فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوْ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ ، وَقِيلَ بِهِمَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوْ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ ) لِأَبٍ بِأَنْ وَطِئَ بِنْتَهُ فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْعُلْيَا فَقَدْ خَلَّفَتْ أُخْتًا مِنْ أَبٍ وَهِيَ بِنْتُهَا ( وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ ) فَقَطْ ( وَقِيلَ بِهِمَا ) أَيْ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فَتَسْتَغْرِقُ الْمَالَ إذَا انْفَرَدَتْ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ يُورَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ فَيُورَثُ بِأَقْوَاهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ لَا تَرِثُ النِّصْفَ بِأُخُوَّةِ الْأَبِ وَالسُّدُسَ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ فِي جِهَتَيْ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَرِثَ بِهِمَا ، وَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى أَنْ يَقُولَ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَدْرَكٌ إذْ لَيْسَ مَعَ الْأُخْتِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنْتٌ حَتَّى تَكُونَ الْأُخْتُ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةً ، وَإِنَّمَا الْأُخْتُ نَفْسُهَا هِيَ الْبِنْتُ فَكَيْفَ تُعَصِّبُ نَفْسَهَا ؟ .
تَنْبِيهٌ : وَإِذَا اجْتَمَعَتْ قَرَابَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِسْلَامِ قَصْدًا لَمْ يَرِثْ بِهِمَا تَنْبِيهٌ : لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَحْتَجْ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ ، لِأَنَّهُ قَالَ : وَإِذَا اجْتَمَعَتْ قَرَابَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِسْلَامِ قَصْدًا لَمْ يَرِثْ بِهِمَا ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْفَرْضَيْنِ ، وَالْفَرْضَ وَالتَّعْصِيبَ وَإِنْ كَانَ مِثَالُهُ يَخُصُّ الثَّانِيَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ .

وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ فَلَهَا نِصْفٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ، وَقِيلَ : يَخْتَصُّ بِهِ الْأَخُ .
( وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا ) عَلَى الْآخَرِ ( بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَابْنَيْ عَمٍّ : أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ ) فَرْضًا ( وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا ) سَوَاءٌ بِالْعُصُوبَةِ ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنْ يَتَعَاقَبَ أَخَوَانِ عَلَى امْرَأَةٍ وَتَلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنًا وَلِأَحَدِهِمَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهَا فَابْنَاهُ ابْنَا عَمِّ الْآخَرِ ، وَأَحَدُهُمَا أَخُوهُ لِأُمِّهِ ( فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا ) أَيْ : ابْنَيْ الْعَمِّ الْمَذْكُورَيْنِ ( بِنْتٌ فَلَهَا نِصْفٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ) لِأَنَّ أُخُوَّةَ الْأُمِّ تَسْقُطُ بِالْبِنْتِ ( وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ ) أَيْ الْبَاقِي ( الْأَخُ ) كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ مُنِعَتْ مِنْ الْأَخْذِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ، وَإِذَا لَمْ تَأْخُذْ بِهَا تَرَجَّحَتْ عُصُوبَتُهُ كَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ .

وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطْ ، وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَوْ لَا تَحْجُبَ أَوْ تَكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا فَالْأَوَّلُ كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا ، وَالثَّانِي كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ بِأَنْ يَطَأَ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا ، وَالثَّالِثُ كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ بِأَنْ يَطَأَ هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ وَلَدًا فَالْأُولَى أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ .

( وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطْ ) لَا بِهِمَا لِمَا سَبَقَ ( وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ) حَجْبَ حِرْمَانٍ أَوْ نُقْصَانٍ ( أَوْ ) بِأَنْ ( لَا تُحْجَبَ ) إحْدَاهُمَا أَصْلًا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِخَطِّهِ وَالْأُخْرَى قَدْ تُحْجَبُ ( أَوْ ) بِأَنْ تُحْجَبَ وَلَكِنْ ( تَكُونَ ) إحْدَاهُمَا ( أَقَلَّ حَجْبًا ) فَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ ( فَ ) الْأَمْرُ ( الْأَوَّلُ ) وَهُوَ حَجْبُ الْحِرْمَانِ ( كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ ، بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ ) أُمَّهُ ( أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا ) فَتَرِثَ هَذِهِ الْبِنْتُ مِنْ أَبِيهَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَا بِالْأُخْتِيَّةِ لِأَنَّ أُخُوَّةَ الْأُمِّ سَاقِطَةٌ بِالْبِنْتِيَّةِ ، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ إلَّا وَالْمَيِّتُ رَجُلٌ .
وَمِنْ صُوَرِ حَجْبِ النُّقْصَانِ : أَنْ يَنْكِحَ الْمَجُوسِيُّ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا وَيَمُوتَ فَقَدْ خَلَّفَ بِنْتَيْنِ : إحْدَاهُمَا زَوْجَةٌ فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّ الْبِنْتَ تَحْجُبُ الزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ ( وَ ) الْأَمْرُ ( الثَّانِي ) وَهُوَ أَنْ لَا تُحْجَبَ إحْدَاهُمَا أَصْلًا ( كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ ، بِأَنْ يَطَأَ ) مَنْ ذُكِرَ ( بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا ) ثُمَّ تَمُوتَ فَتَرِثَ وَالِدَتُهَا مِنْهَا بِالْأُمُومَةِ لَا بِالْأُخْتِيَّةِ لِلْأَبِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تُحْجَبُ حِرْمَانًا أَصْلًا وَالْأُخْتُ تُحْجَبُ ( وَ ) الْأَمْرُ ( الثَّالِثُ ) وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَقَلَّ حَجْبًا ( كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ ) لِأَبٍ ( بِأَنْ يَطَأَ ) مَنْ ذُكِرَ ( هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ وَلَدًا ، فَالْأُولَى ) أَيْ الْبِنْتُ الْأُولَى نِسْبَتُهَا لِهَذَا الْوَلَدِ ( أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ ) لِأَبِيهِ ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ وَرِثَتْ مِنْهُ الْبِنْتُ الْأُولَى بِالْجُدُودَةِ دُونَ الْأُخْتِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لِلْأُمِّ أَقَلُّ حَجْبًا مِنْ الْأُخْتِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ .
وَأَمَّا الْأُخْتُ فَيَحْجُبُهَا جَمَاعَةٌ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يُورَثُونَ بِالزَّوْجِيَّةِ

قَطْعًا لِبُطْلَانِهَا كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ هُنَا ، لَكِنَّهُمَا حَكَيَا عَنْ الْبَغَوِيِّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَنَى التَّوَارُثَ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ اجْتِمَاعِ عُصُوبَتَيْنِ فِي شَخْصٍ كَأَخٍ هُوَ مُعْتِقٌ لِقِلَّةِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تُغْنِي عَنْ الْأُخْرَى .

فَصْلٌ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ قُسِمَ الْمَالُ بِالسَّوِيَّةِ إنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا .
فَصْلٌ : فِي أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَعُولُ مِنْهَا ، وَقِسْمَةِ التَّرِكَةِ ( إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ قُسِمَ الْمَالُ ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ بَيْنَهُمْ ( بِالسَّوِيَّةِ إنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا ) كَبِنْتَيْنِ أَوْ إخْوَةٍ أَوْ أَعْمَامٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَوْ بَيْنَهُمْ ، سَوَاءٌ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ ( أَوْ ) تَمَحَّضُوا ( إنَاثًا ) كَثَلَاثِ مُعْتِقَاتٍ أَعْتَقْنَ عَبْدًا بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْوَلَاءِ ، فَإِنْ تَفَاوَتَ الْمِلْكُ تَفَاوَتَ الْإِرْثُ بِحَسْبِهِ ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي النَّسَبِ فِي مَسَائِلِ الرَّدِّ .

وَإِنْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ قُدِّرَ كُلُّ ذَكَرٍ أُنْثَيَيْنِ وَعَدَدُ رُءُوسِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ .
( وَإِنْ اجْتَمَعَ ) مِنْ النَّسَبِ ( الصِّنْفَانِ ) مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ كَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ ( قُدِّرَ كُلُّ ذَكَرٍ ) مِنْهُمْ ( أُنْثَيَيْنِ ) وَلَا يُقَالُ : يُقَدَّرُ لِلْأُنْثَى نِصْفُ نَصِيبٍ لِئَلَّا يُنْطَقَ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ النُّطْقِ بِهِ ، وَقَوْلُهُ : ( وَعَدَدُ رُءُوسِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِمُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ ، وَهُوَ ( أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ) أَيْ : أَصْلُهَا هُوَ الْعَدَدُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ سِهَامُهَا فَهِيَ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِ الْعَصَبَةِ : الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ فِي الْوَلَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فِي النَّسَبِ كَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ فَأَضِفْ عَدَدَ الذُّكُورِ ، وَأَضِفْ إلَيْهِ عَدَدَ الْإِنَاثِ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَقِسْ عَلَى هَذَا ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْوَلَاءِ .
أَمَّا الْوَلَاءُ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ تَفَاوُتٌ فِي الْمِلْكِ فَعَدَدُ رُءُوسِ الْمُعْتِقِينَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ، سَوَاءٌ أَكَانُوا ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا أَمْ مُجْتَمِعِينَ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فَأَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ مِنْ مَخْرَجِ الْمَقَادِيرِ كَالْفُرُوضِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ أَوْ ذَوَا فَرْضَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ وَالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ وَالرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ .

( وَ ) الْوَرَثَةُ ( إنْ كَانَ فِيهِمْ ) مَعَ الْعَصَبَاتِ ( ذُو ) أَيْ صَاحِبُ ( فَرْضٍ ) وَاحِدٍ كَبِنْتٍ وَعَمٍّ ( أَوْ ذَوَا ) بِالتَّثْنِيَةِ ( فَرْضَيْنِ ) مَثَلًا ( مُتَمَاثِلَيْنِ ) فِي الْفَرْضِ وَالْمَخْرَجِ : كَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ ، أَوْ فِي الْمَخْرَجِ فَقَطْ : كَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَعَمٍّ ( فَالْمَسْأَلَةُ ) الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ الْكَسْرُ أَيْ : أَصْلُهَا يَكُونُ ( مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ السِّتَّةَ كُسُورٌ مُضَافَةٌ لِمَعْدُودٍ وَهُوَ التَّرِكَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ عَصَبَةٌ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ .
فَفِي زَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ هِيَ أَيْضًا مِنْ اثْنَيْنِ ، وَتُسَمَّى هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ بِالنِّصْفِيَّتَيْنِ ، إذْ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ شَخْصَانِ يَرِثَانِ الْمَالَ مُنَاصَفَةً فَرْضًا غَيْرُهُمَا وَبِالْيَتِيمَتَيْنِ ، إذْ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ نَظِيرُهُمَا ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فُرُوضٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَخْرَجَ : هُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ الْكَسْرُ ، وَهُوَ مَفْعَلُ بِمَعْنَى الْمَكَانِ ، فَكَأَنَّهُ مَوْضِعٌ تَخْرُجُ مِنْهُ سِهَامُ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحَةً الَّذِي هُوَ أَصْلُهَا ، وَالْكَسْرُ أَصْلُهُ مَصْدَرٌ ، وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْكَسْرِ الْمُرَادِ بِهِ الْجُزْءُ ، وَهُوَ مَا دُونَ الْوَاحِدِ ( فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ ، وَالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ ، وَالرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ ، وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ ، وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ ) لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ اثْنَانِ وَكَذَا الْبَاقِي ، وَكُلُّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ لَفْظًا وَمَعْنًى إلَّا النِّصْفَ فَلَمْ يُشْتَقَّ مِنْ اسْمِ الْعَدَدِ ، وَلَوْ اُشْتُقَّ مِنْهُ لَقِيلَ لَهُ ثَنْيٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَمَا قِيلَ فِي غَيْرِهِ مِنْ ثُلُثٍ وَرُبُعٍ إلَى عُشُرٍ ، وَإِنَّمَا اُشْتُقَّ مِنْ التَّنَاصُفِ ، فَكَأَنَّ الْمُقْتَسِمَيْنِ تَنَاصَفَا وَاقْتَسَمَا بِالسَّوِيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : سُكُوتُهُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ يُفْهِمُ أَنَّهُمْ لَيْسَ جُزْءًا بِرَأْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ،

وَإِنَّمَا هُوَ تَضْعِيفُ الثُّلُثِ .

وَإِنْ كَانَ فَرْضَانِ مُخْتَلِفَا الْمَخْرَجِ فَإِنْ تَدَاخَلَ مَخْرَجَاهُمَا فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُهُمَا كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ .
( وَإِنْ كَانَ ) فِي الْمَسْأَلَةِ ( فَرْضَانِ مُخْتَلِفَا الْمَخْرَجِ ) بِقِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ ( فَإِنْ تَدَاخَلَ مَخْرَجَاهُمَا فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ) حِينَئِذٍ ( أَكْثَرُهُمَا كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ ) كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْفَرْضَيْنِ فِيهَا عَدَدًا هُوَ السُّدُسُ وَالثُّلُثُ دَاخِلٌ فِيهِ ، وَالْمُتَدَاخَلَانِ عَدَدَانِ مُخْتَلِفَانِ أَقَلُّهُمَا جُزْءًا مِنْ الْأَكْثَرِ لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ كَثَلَاثَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ أَوْ سِتَّةٍ .

وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ، وَالْحَاصِلُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ كَسُدُسٍ وَثُمُنٍ فَالْأَصْلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ .
( وَإِنْ ) كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَرْضَانِ ، وَ ( تَوَافَقَا ) بِجُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ ( ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ، وَالْحَاصِلُ ) مِنْ الضَّرْبِ : هُوَ ( أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ : كَسُدُسٍ وَثُمُنٍ ) كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ أُمٌّ وَزَوْجَةٌ وَابْنٌ ( فَالْأَصْلُ ) أَيْ أَصْلُ كُلِّ مَسْأَلَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا ذُكِرَ ( أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ) حَاصِلُ ضَرْبِ وَفْقِ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ نِصْفُ السِّتَّةِ أَوْ الثَّمَانِيَةِ فِي كَامِلِ الْآخَرِ ، وَالْوَفْقُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُوَافَقَةِ .

وَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ كُلٌّ فِي كُلٍّ وَالْحَاصِلُ الْأَصْلُ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ فَالْأَصْلُ اثْنَا عَشَرَ فَالْأُصُولُ سَبْعَةٌ : اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ .

( وَإِنْ ) كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَرْضَانِ وَ ( تَبَايَنَا ) مَخْرَجًا ( ضُرِبَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( فِي كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( وَالْحَاصِلُ ) مِنْ الضَّرْبِ ( الْأَصْلُ ) لِلْمَسْأَلَةِ ( كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ ) كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ ، فَثُلُثُ الْأُمِّ وَرُبُعُ الزَّوْجَةِ مُتَبَايِنَانِ ( فَالْأَصْلُ ) أَيْ : أَصْلُ كُلِّ مَسْأَلَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا ذُكِرَ ( اثْنَا عَشَرَ ) حَاصِلُ ضَرْبِ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ ، وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ فِي الْآخَرِ ، وَالْمُتَبَايِنَانِ : هُمَا الْعَدَدَانِ اللَّذَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ ( فَالْأُصُولُ ) أَيْ : مَخَارِجُ الْفُرُوضِ مُفْرَدَةً وَمَرْكَبَةً عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ ( سَبْعَةٌ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَخْرُجُ حِسَابُهَا إلَّا مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ ، وَإِنَّمَا انْحَصَرَتْ الْمَخَارِجُ فِي سَبْعَةٍ ، وَالْفُرُوضُ سِتَّةٌ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَهَا حَالَتَانِ : حَالَةُ انْفِرَادٍ ، وَحَالَةُ تَرْكِيبٍ فَفِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ يُحْتَاجُ إلَى خَمْسَةِ مَخَارِجَ ، وَهِيَ النِّصْفُ وَالثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَالسُّدُسُ وَالثُّمُنُ ، وَيَسْقُطُ الثُّلُثَانِ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا الثُّلُثُ ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَفِي حَالِ التَّرْكِيبِ يُحْتَاجُ إلَى مَخْرَجَيْنِ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ : التَّمَاثُلِ ، وَالتَّدَاخُلِ ، وَالتَّوَافُقِ ، وَالتَّبَايُنِ ، فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّمَاثُلِ : كَسُدُسٍ وَسُدُسٍ ، أَوْ التَّدَاخُلِ كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ لَمْ يَحْتَجْ مَجْمُوعُهُمَا إلَى مَخْرَجٍ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ التَّوَافُقِ أَوْ التَّبَايُنِ احْتَاجَ إلَى مَخْرَجٍ لِجَمِيعِ الْفُرُوضِ بِضَرْبِ وَفْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُمْلَتِهِ فِي كَامِلِ الْآخَرِ فَاحْتَجْنَا إلَى مَخْرَجَيْنِ آخَرَيْنِ : أَحَدِهِمَا : اثْنَا عَشَرَ ، وَهُوَ مَعَ التَّوَافُقِ تَرْكِيبُ الرُّبُعِ وَالسُّدُسِ ، وَمَعَ التَّبَايُنِ تَرْكِيبُ

الرُّبُعِ وَالثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ رُبُعٌ وَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثَانِ .
وَالثَّانِي : أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَهُوَ مَعَ التَّوَافُقِ تَرْكِيبُ الثُّمُنِ وَالسُّدُسِ ، وَمَعَ التَّبَايُنِ تَرْكِيبُ الثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ ثُمُنٌ وَسُدُسٌ وَثِنْتَانِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الثُّمُنِ وَالثُّلُثِ فَظَهَرَ انْحِصَارُ الْمَخَارِجِ فِي السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَزَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهَا أَصْلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ : ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ ، فَأَوَّلُهُمَا كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ سُدُسٌ صَحِيحٌ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى هُوَ هَذَا الْعَدَدُ ، وَالثَّانِي : كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَسَبْعَةِ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ رُبُعٌ وَسُدُسٌ صَحِيحَانِ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى هُوَ هَذَا الْعَدَدُ ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ تَصْحِيحًا وَاسْتَصْوَبَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ طَرِيقَ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ : هُوَ الْمُخْتَارُ الْأَصَحُّ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ ، وَلَوْلَا إقَامَةُ الْفَرِيضَةِ مِنْ النِّصْفِ وَثُلُثِ مَا يَبْقَى لَقَالُوا : هِيَ مِنْ اثْنَيْنِ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ يَبْقَى وَاحِدٌ ، وَلَيْسَ لَهُ ثُلُثٌ صَحِيحٌ فَيُضْرَبُ مَخْرَجُ الثُّلُثِ فِي اثْنَيْنِ فَتَصِيرُ سِتَّةً وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الِاحْتِجَاجِ ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ غَيْرُ سَالِمٍ مِنْ النِّزَاعِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْفَرْضِيِّينَ ذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَهَا مِنْ اثْنَيْنِ .
ا هـ .
وَعَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ثُلُثَ مَا يَبْقَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْضٌ أَصْلِيٌّ وَلَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَدِّ ، وَاعْتَذَرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقُدَمَاءِ بِأَنَّهُمْ

إنَّمَا لَمْ يَعُدُّوهُمَا مَعَ مَا سَبَقَ لِأَنَّ الْأُصُولَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ الْمَنْصُوصَةِ ، وَهِيَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا وَثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَلَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ .
قَالَ : وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : طَرِيقَةُ الْقُدَمَاءِ أَصْلٌ ، وَطَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتِحْسَانٌ .
تَنْبِيهٌ : لَمَّا كَانَ الِاثْنَا عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ زَائِدَيْنِ عَلَى الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ حَسُنَ الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ : فَالْأُصُولُ .

وَاَلَّذِي يَعُولُ مِنْهَا السِّتَّةُ إلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ ، وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ كَهُمْ وَأُمٍّ ، وَإِلَى تِسْعَةٍ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمِّ ، وَإِلَى عَشَرَةٍ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَعُولُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ ، فَقَالَ : ( وَاَلَّذِي يَعُولُ مِنْهَا ) ثَلَاثَةٌ ( السِّتَّةُ ) وَضِعْفُهَا وَضِعْفُ ضِعْفِهَا ، فَالسِّتَّةُ تَعُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْتَارًا وَأَشْفَاعًا ( إلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ ) لِغَيْرِ أُمٍّ : لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ اثْنَانِ فَعَالَتْ بِسُدُسِهِمَا ، وَنَقَصَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُبُعُ مَا نُطِقَ لَهُ بِهِ .
قِيلَ : وَهِيَ أَوَّلُ فَرِيضَةٍ عَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ ، وَقَالَ لَهُمْ : فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ، فَإِنْ بَدَأْتُ بِالزَّوْجِ لَمْ يَبْقَ لِلْأُخْتَيْنِ حَقُّهُمَا ، وَإِنْ بَدَأْتُ بِالْأُخْتَيْنِ لَمْ يَبْقَ لِلزَّوْجِ حَقُّهُ ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ ، فَأَشَارَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْعَوْلِ ، وَقَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَلِآخَرَ أَرْبَعَةٌ ، أَلَيْسَ تَجْعَلُ الْمَالَ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : هُوَ ذَاكَ فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ( وَ ) تَعُولُ السِّتَّةُ أَيْضًا ( إلَى ثَمَانِيَةٍ كَهُمْ ) أَيْ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ ( وَأُمٍّ ) فَيُزَادُ عَلَيْهَا سَهْمٌ وَاحِدٌ لِلْأُمِّ فَتَعُولُ بِمِثْلِ ثُلُثِهَا ، وَإِدْخَالُ الْكَافِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَهَؤُلَاءِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ .
وَمِنْ صُوَرِ الْعَوْلِ لِلثَّمَانِيَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْمُبَاهَلَةِ مِنْ الْبَهْلِ ، وَهُوَ اللَّعْنُ ، وَقِيلَ : إنَّهَا أَوَّلُ فَرِيضَةٍ أُعِيلَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ .
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَغِيرًا فَلَمَّا كَبِرَ أَظْهَرَ الْخِلَافَ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ ، وَجَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ ، وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ ، وَلَا عَوْلَ حِينَئِذٍ ، فَقِيلَ لَهُ : لِمَ لَمْ تَقُلْ هَذَا لِعُمَرَ ؟ فَقَالَ : كَانَ رَجُلًا مُهَابًا فَهِبْتُهُ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ الَّذِي أَحْصَى

رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا ذَهَبَ النِّصْفَانِ بِالْمَالِ فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ ؟ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ : هَذَا لَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا لَوْ مِتُّ أَوْ مِتَّ لَقُسِمَ مِيرَاثُنَا عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ خِلَافِ رَأْيِكَ .
قَالَ : فَإِنْ شَاءُوا فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَهُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَهُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ فَسُمِّيَتْ الْمُبَاهَلَةَ لِذَلِكَ ( وَ ) تَعُولُ السِّتَّةُ أَيْضًا ( إلَى تِسْعَةٍ كَهُمْ ) أَيْ زَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ وَأُمٍّ ( وَأَخٍ لِأُمٍّ ) فَعَالَتْ بِمِثْلِ نِصْفِهَا ( وَإِلَى عَشَرَةٍ كَهُمْ ) أَيْ : الْمَذْكُورِينَ فِي التِّسْعَةِ ( وَآخَرَ لِأُمٍّ ) فَتَعُولُ بِمِثْلِ ثُلُثَيْهَا ، وَتُسَمَّى هَذِهِ بِأُمِّ الْفُرُوخِ بِالْخَاءِ لِكَثْرَةِ سِهَامِهَا الْعَائِلَةِ وَالشُّرَيْحِيَّةِ لِأَنَّ شُرَيْحًا قَضَى فِيهَا بِذَلِكَ ، وَمَتَى عَالَتْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ لَا يَكُونُ الْمَيِّتُ إلَّا امْرَأَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُولُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِزَوْجٍ .

وَالِاثْنَا عَشَرَ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ ، وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ .
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عَوْلِ السِّتَّةِ إلَى أَرْبَعِ مَرَّاتٍ شَرَعَ فِي عَوْلِ ضِعْفِهَا ، فَقَالَ : ( وَالِاثْنَا عَشَرَ ) تَعُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْتَارًا .
الْمَرَّةُ الْأُولَى : بِنِصْفِ سُدُسِهَا ( إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ ) لِغَيْرِ أُمٍّ ( وَ ) الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ بِرُبُعِهَا ( إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ ) أَيْ : الْمَذْكُورِينَ ( وَأَخٍ لِأُمٍّ ، وَ ) الْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ بِرُبُعِهَا وَسُدُسِهَا إلَى ( سَبْعَةَ عَشَرَ كَهُمْ ) أَيْ : الْمَذْكُورِينَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ ( وَ ) أَخٍ ( آخَرَ لِأُمٍّ ) .
وَمِنْ صُوَرِهَا أُمُّ الْأَرَامِلِ ، وَهِيَ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ وَجَدَّتَانِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ أُنْثَى مُتَسَاوِيَاتٍ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَرَامِلِ ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الدِّينَارِيَّةَ الصُّغْرَى لِأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ فِيهَا سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ دِينَارٌ ، وَإِنَّمَا أُعِيلَتْ هَذِهِ بِالْأَوْتَارِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رُبُعٍ ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ، وَاَلَّذِي يَنْضَمُّ إلَيْهِ الثُّلُثَانِ ، وَهُمَا ثَمَانِيَةٌ أَوْ ثُلُثٌ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ أَوْ نِصْفٌ وَهُوَ سِتَّةٌ ، فَإِذَا انْضَمَّ الْفَرْدُ لِلزَّوْجِ كَانَ وِتْرًا لَا شَفْعًا بِخِلَافِ السِّتَّةِ فَإِنَّهَا تَعُولُ شَفْعًا وَوِتْرًا كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْوِتْرَ يُشْفَعُ فِيهَا بِوِتْرٍ آخَرَ فَتَصِيرُ شَفْعًا .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51