كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْ ، وَإِنْ كَانَ لِسِتَّةٍ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا فَوَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ الْأَوَّلِ لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي

( وَلَوْ نَكَحَتْ ) زَوْجًا آخَرَ ( بَعْدَ ) انْقِضَاءِ ( الْعِدَّةِ ) نِكَاحًا صَحِيحًا ( فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) مِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي ( فَكَأَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْ ) أَصْلًا ، وَحُكْمُ هَذَا الْوَلَدِ كَمَا تَقَدَّمَ إنْ وَضَعَتْهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ كَمَا مَرَّ لَحِقَ الْأَوَّلَ ، أَوْ لِأَكْثَرَ لَمْ يَلْحَقْهُ ، وَحَيْثُ لَحِقَهُ فَنِكَاحُ الثَّانِي بَاطِلٌ لِجَرَيَانِهِ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِذَا لَمْ يَلْحَقْهُ كَأَنْ كَانَ مَنْفِيًّا عَنْهُمَا وَقَدْ بَانَ أَنَّ الثَّانِيَ نَكَحَهَا حَامِلًا فَهَلْ يُحْكَمُ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ مِنْ غَيْرِهِ ، أَوْ لَا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا أَوْ أَنَّ الشُّبْهَةَ مِنْهُ ؟ وَقَدْ جَرَى النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الصِّحَّةِ ، الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِي ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَمْلِ الْمَجْهُولِ بَلْ هُوَ حَمْلٌ مَجْهُولٌ فَيَأْتِي فِيهِ الْجَمْعُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ ( وَإِنْ كَانَ ) وَضْعُهُ ( لِسِتَّةٍ ) مِنْ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا ( فَالْوَلَدُ ) وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ مَنْسُوبٌ ( لِلثَّانِي ) فَيَلْحَقُهُ لِأَنَّ فِرَاشَهُ مَوْجُودٌ ، وَهُوَ أَقْوَى لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ ظَاهِرًا ، وَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ لِلْأَوَّلِ لَأَبْطَلْنَا مَا صَحَّ بِالِاحْتِمَالِ ( وَلَوْ نَكَحَتْ ) أَيْ الثَّانِيَ ( فِي الْعِدَّةِ ) الَّتِي لِلْأَوَّلِ ( فَاسِدًا ) بِأَنْ ظَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أَوْ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَوَطِئَهَا ( فَوَلَدَتْ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( لِلْإِمْكَانِ مِنْ الْأَوَّلِ ) دُونَ الثَّانِي بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ الثَّانِي وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِمَّا مَرَّ ( لَحِقَهُ ) أَيْ لَحِقَ الْوَلَدُ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ ( وَانْقَضَتْ ) عِدَّتُهُ ( بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ ) ثَانِيًا ( لِلثَّانِي ) لِأَنَّ وَطْأَهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ ، أَمَّا إذَا عَلِمَ بِفَسَادِهَا وَلَمْ

يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ زَانٍ

أَوْ بَلْ إمْكَانٌ مِنْ الثَّانِي لَحِقَهُ أَوْ مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى قَائِفٍ ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا فَكَالْإِمْكَانِ مِنْهُ فَقَطْ

تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ : وَلَوْ نَكَحَتْ فَاسِدًا كَأَنْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا فَاسِدًا ، وَقَدْ يَحْتَرِزُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ إذَا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ صَحِيحًا كَانَ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( أَوْ ) وَلَدَتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي الْعِدَّةِ ( لِلْإِمْكَانِ مِنْ ) الزَّوْجِ ( الثَّانِي ) دُونَ الْأَوَّلِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ الثَّانِي وَلِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْفِرَاقِ ( لَحِقَهُ ) أَيْ الثَّانِي لِمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ بَائِنًا ، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَقَوْلَانِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَذَلِكَ ، وَالثَّانِي يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ؛ لِأَنَّ زَمَنَ فِرَاشِ الْأَوَّلِ بَاقٍ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِهِ ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ( أَوْ ) وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ ( مِنْهُمَا ) أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ ( عُرِضَ ) الْوَلَدُ حِينَئِذٍ ( عَلَى الْقَائِفِ ) وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الدَّعْوَى : مُسْلِمٌ عَدْلٌ مُجَرِّبٌ ، وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ حِينَئِذٍ ( فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا ) الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي ( فَكَالْإِمْكَانِ ) أَيْ حُكْمُهُ كَالْإِمْكَانِ ( مِنْهُ فَقَطْ ) وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا عَمَّا إذَا أَلْحَقَهُ بِهِمَا أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ فَيُنْظَرُ بُلُوغُهُ وَانْتِسَابُهُ بِنَفْسِهِ .
تَنْبِيهٌ : بَقِيَ مِنْ الْأَقْسَامِ عَدَمُ إمْكَانِ الْوَلَدِ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ

فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا

تَتِمَّةٌ : لَوْ وَطِئَ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا قَائِفَ أَوْ هُنَاكَ قَائِفٌ وَتَعَذَّرَ إلْحَاقُهُ انْقَضَتْ بِوَضْعِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا وَبَقِيَ عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَمِنْ بَقِيَّةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ ، فَإِنْ مَضَتْ الْأُولَى قَبْلَ تَمَامِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهَا تَمَامُهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ الْأَوَّلِ

فَصْلٌ لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ مِنْ جِنْسٍ بِأَنْ طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا أَوْ عَالِمًا فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنْ الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَمْلًا وَالْأُخْرَى أَقْرَاءً تَدَاخَلَتَا فِي الْأَصَحِّ ، فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ ، وَيُرَاجِعُ قَبْلَهُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا ، أَوْ لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ ، أَوْ شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطَلُقَتْ فَلَا تَدَاخُلَ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّتُهُ

( فَصْلٌ ) فِي تَدَاخُلِ عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ ، إذَا ( لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ ) وَلَمْ يَخْتَلِفَا لِكَوْنِهِمَا ( مِنْ جِنْسٍ ) وَاحِدٍ ( بِأَنْ طَلَّقَ ) مَثَلًا ( ثُمَّ وَطِئَ ) وَلَمْ تَحْبَلْ ( فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا ) فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَأَنْ نَسِيَ طَلَاقَهَا أَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى ( أَوْ ) وَطِئَ جَاهِلًا أَوْ ( عَالِمًا ) لَكِنْ ( فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا ) أَيْ الْعِدَّتَانِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ ، فَإِنَّ وَطْءَ الْعَالِمِ بِهَا وَطْءُ زِنًا لَا حُرْمَةَ لَهُ ، ثُمَّ أَشَارَ لِتَفْسِيرِ التَّدَاخُلِ بِقَوْلِهِ ( فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً ) بِأَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ ( مِنْ ) فَرَاغِ ( الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ) لِأَنَّ مَقْصُودَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ وَاحِدٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّعَدُّدِ ، وَتَكُونُ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ وَاقِعَةً عَنْ الْجِهَتَيْنِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ دُونَ مَا بَعْدَهَا ( فَإِنْ ) لَمْ تَتَّفِقْ الْعِدَّتَانِ بِأَنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ ( كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَمْلًا ) وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ بِوَطْءٍ بَعْدَهُ ( وَ ) كَانَتْ ( الْأُخْرَى أَقْرَاءً ) بِأَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ أَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْأَقْرَاءِ فَأَحْبَلَهَا ( تَدَاخَلَتَا ) أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَانَتَا كَالْمُتَجَانِسَتَيْنِ ( فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ ) وَهُوَ وَاقِعٌ عَنْ الْجِهَتَيْنِ ، سَوَاءٌ أَرَأَتْ الدَّمَ مَعَ الْحَمْلِ أَمْ لَا ، وَإِنْ لَمْ تُتِمَّ الْأَقْرَاءَ قَبْلَ الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ إنَّمَا تَعْتَدُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مَظِنَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَقَدْ انْتَفَى هُنَا لِلْعِلْمِ بِاشْتِغَالِ الرَّحِمِ ، وَمَا قَيَّدَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ أَوْ رَأَتْهُ وَتَمَّتْ الْأَقْرَاءُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَإِلَّا فَتَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْأَقْرَاءِ مَنَعَهُ

النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ ، قَالُوا : وَكَأَنَّهُمْ اغْتَرُّوا بِظَاهِرِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلَيْ التَّدَاخُلِ وَعَدَمِهِ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَتَعْلِيلُهُ فِي الْكَبِيرِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ مَعَ الْحَمْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ التَّدَاخُلِ لَيْسَ إلَّا لِرِعَايَةِ صُورَةِ الْعِدَّتَيْنِ تَعَبُّدًا وَقَدْ حَصَلَتْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَيُرَاجِعُ ) الزَّوْجُ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْوَضْعِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَزِمَهَا عِدَّةٌ أُخْرَى وَالثَّانِي : لَا يَتَدَاخَلَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَمَا لَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ ثَيِّبًا ( وَقِيلَ : إنْ ) كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَ ( كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ ) فِي أَثْنَاءِ الْأَقْرَاءِ ( فَلَا ) يُرَاجِعُ قَبْلَ وَضْعِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ قَدْ سَقَطَتْ بِالْوَطْءِ ( أَوْ ) لَزِمَهَا عِدَّتَانِ ( لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ ، أَوْ ) فِي عِدَّةِ وَطْءِ ( شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ) وَالْوَاطِئُ غَيْرُ صَاحِبِ الْعِدَّةِ ( أَوْ ) وُطِئَتْ فِي ( نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطَلُقَتْ ) بَعْدَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ ( فَلَا تَدَاخُلَ ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَثَرٍ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَلِتَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ ، كَمَا فِي الدِّيَتَيْنِ ( فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّتُهُ ) سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ سَبَبُهُ أَوْ تَأَخَّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُطَلِّقِ ثُمَّ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْحَمْلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلشُّبْهَةِ

بِالْأَقْرَاءِ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ النِّفَاسِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ الْوَضْعِ إلَّا وَقْتَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَأَقَرَّاهُ فَلَا يُرَاجِعُهَا فِيهِ لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ عَنْ عِدَّتِهِ بِكَوْنِهَا فِرَاشًا لِلْوَاطِئِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَتَمَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ اسْتَأْنَفَتْهَا بَعْدَ الْوَضْعِ ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي تِلْكَ الْبَقِيَّةِ بَعْدَ الْوَضْعِ وَلَوْ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ كَالْحَيْضِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ : كَذَا عَلَّلَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، وَفِي كَوْنِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَالْحَمْلِ مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ تَجَوُّزٌ ، وَهَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ الْوَضْعِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : لَا ؛ لِأَنَّهُمَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي نَعَمْ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْآنَ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهِيَ رَجْعَةٌ حُكْمًا ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ التَّوَارُثُ قَطْعًا ، وَهَلْ لَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ؟ وَجْهَانِ أَيْضًا أَصَحُّهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَنْعُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ التَّجْدِيدَ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ وَالرَّجْعَةَ شَبِيهَةٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ ، وَإِذَا رَاجَعَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَيْسَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِهَا حَتَّى تَضَعَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا

وَإِلَّا فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ الْأُخْرَى ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ فَإِذَا رَاجَعَ انْقَضَتْ وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ ، وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا ، وَإِنْ سَبَقَتْ الشُّبْهَةُ قُدِّمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَقِيلَ الشُّبْهَةِ

تَنْبِيهٌ : لَوْ اشْتَبَهَ الْحَمْلُ فَلَمْ يُدْرَ أَمِنْ الزَّوْجِ هُوَ أَمْ مِنْ الشُّبْهَةِ جُدِّدَ النِّكَاحُ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَبَعْدَهُ بِأَنْ يُجَدِّدَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قَبْلَ الْوَضْعِ وَمَرَّةً بَعْدَهُ لِيُصَادِفَ التَّجْدِيدُ عِدَّتَهُ يَقِينًا ، فَلَا يَكْفِي تَجْدِيدُهُ مَرَّةً لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ ، فَإِنْ بَانَ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي عِدَّتِهِ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ ، وَلِلْحَامِلِ الْمُشْتَبَهِ حَمْلُهَا نَفَقَةُ مُدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى زَوْجِهَا إنْ أَلْحَقَ الْقَائِفُ الْوَلَدَ بِهِ مَا لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا لِنُشُوزِهَا ، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ قَبْلَ اللُّحُوقِ ، إذْ النَّفَقَةُ لَا تَلْزَمُ بِالشَّكِّ ، فَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ الْقَائِفُ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ ، وَلَا لِلرَّجْعِيَّةِ مُدَّةَ كَوْنِهَا فِرَاشًا لِلْوَاطِئِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ ( فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ ) وَطْأَهَا بِشُبْهَةٍ ( أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ ) لِتَقَدُّمِهَا وَقُوَّتِهَا لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى عَقْدٍ جَائِزٍ وَسَبَبٍ مُسَوِّغٍ ( ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ ) عَقِبَ فَرَاغِهَا مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْعِدَّةَ ( الْأُخْرَى ) وَهِيَ عِدَّةُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُطَلِّقِ ( الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَتَجْدِيدُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ طَلَاقِهِ ، وَيَأْتِي فِي وَقْتِ الْوَطْءِ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيِّ ( فَإِذَا رَاجَعَ ) فِيهَا أَوْ جَدَّدَ ( انْقَضَتْ ) عِدَّتُهُ ( وَشَرَعَتْ ) حِينَئِذٍ ( فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ ، وَ ) مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا ( لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا ) الزَّوْجُ بِوَطْءٍ جَزْمًا ، وَبِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ تَنْقَطِعْ عِدَّةُ الشُّبْهَةِ ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِوَطْئِهِ كَالزِّنَا ( حَتَّى تَقْضِيَهَا ، وَإِنْ سَبَقَتْ الشُّبْهَةُ ) طَلَاقَهَا بِأَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَلُقَتْ ( قُدِّمَتْ عِدَّةُ

الطَّلَاقِ ) فِي الْأَصَحِّ لِقُوَّتِهَا كَمَا مَرَّ ( وَقِيلَ ) قُدِّمَتْ عِدَّةُ ( الشُّبْهَةِ ) لِسَبْقِهَا ثُمَّ تَعْتَدُّ عَنْ الطَّلَاقِ

تَتِمَّةٌ : لَوْ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ شُبْهَةٍ وَلَا حَمْلَ قُدِّمَتْ الْأُولَى لِتَقَدُّمِهَا ، وَلَوْ نَكَحَ شَخْصٌ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ وَطِئَهَا شَخْصٌ آخَرُ بِشُبْهَةٍ قَبْلَ وَطْئِهِ أَوْ بَعْدَهُ ، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قُدِّمَتْ عِدَّةُ الْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ لِتَوَقُّفِ عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى التَّفْرِيقِ بِخِلَافِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ ، وَلَيْسَ لِلْفَاسِدِ قُوَّةُ الصَّحِيحِ حَتَّى يُرَجَّحَ بِهَا ، وَلَوْ نَكَحَتْ فَاسِدًا بَعْدَ مُضِيِّ قُرْأَيْنِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إلَى مُضِيِّ سِنِّ الْيَأْسِ أَتَمَّتْ الْعِدَّةَ الْأُولَى بِشَهْرٍ بَدَلًا عَنْ الْقَرْءِ الْبَاقِي ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الْمَوْعُودُ بِهِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْفَاسِدِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَمْلٌ فَعِدَّةُ صَاحِبِهِ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا تَقَدَّمَ الْحَمْلُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهُ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ كَمَا مَرَّ ، وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْوَاطِئَيْنِ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ فِي عِدَّتِهِ دُونَ عِدَّةِ الْآخَرِ

وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً مُعْتَدَّةً مِنْ حَرْبِيٍّ آخَرَ وَوَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَهُ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ كَفَاهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ وَقْتِ وَطْئِهِ لِضَعْفِ حُقُوقِهِمْ وَعَدَمِ احْتِرَامِ مَائِهِمْ فَيُرَاعَى أَصْلُ الْعِدَّةِ ، وَيُجْعَلُ جَمِيعُهُمْ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ وَرَجَّحَهُ آخَرُونَ وَرَجَّحَ آخَرُونَ خِلَافَهُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَسْقُطُ بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَلَا رَجْعَةَ لِلْأَوَّلِ إنْ أَسْلَمَ ، وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فِيهَا لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ دُونَ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْأَوَّلِ لَمْ تَكْفِهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتَعْتَدُّ لِلثَّانِي بَعْدَ الْوَضْعِ ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي كَفَاهَا وَضْعُ الْحَمْلِ وَتَسْقُطُ بَقِيَّةُ الْأُولَى ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي مَعَهَا وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ وَاسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً لِلثَّانِي ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ هُنَا أَقْوَى حَتَّى تَسْقُطَ بَقِيَّةُ الْأُولَى أَوْ تَدْخُلَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا

فَصْلٌ عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ بِلَا وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ فَأَوْجُهٌ : أَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ قُلْت : وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ انْقَضَتْ وَاَللَّه أَعْلَمُ

( فَصْلٌ ) فِي مُعَاشَرَةِ الْمُطَلِّقِ الْمُعْتَدَّةَ ، إذَا ( عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ ) بِخَلْوَةٍ وَلَوْ بِدُخُولِ دَارٍ هِيَ فِيهَا وَنَوْمٍ وَلَوْ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ وَأَكْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( بِلَا وَطْءٍ ) لَهَا ( فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ ، فَأَوْجُهٌ أَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ ) عِدَّتُهَا بِمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ مُخَالَطَتَهَا مُحَرَّمَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ فَأَشْبَهَتْ الْمَزْنِيَّ بِهَا فَلَا أَثَرَ لِلْمُخَالَطَةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً ( فَلَا ) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ وَهُوَ بِالْمُخَالَطَةِ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الِافْتِرَاشِ مِنْ الْعِدَّةِ كَمَا لَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْحَالِ لَا يُحْسَبُ زَمَنُ افْتِرَاشِهِ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَلَا يَضُرُّ دُخُولُ دَارٍ هِيَ فِيهَا بِلَا خَلْوَةٍ وَالثَّانِي : لَا تَنْقَضِي مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا بِالْمُعَاشَرَةِ كَالزَّوْجَةِ وَالثَّالِثُ : عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لَا تُوجِبُ عِدَّةً تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِنَفْيِ الْوَطْءِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ ذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِالْوَطْءِ ( وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ ) وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ بِهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْمُعْتَبِرِينَ ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَئِمَّةِ ، وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ : وَقَدْ صَارَ فُقَهَاءُ الْعَصْرِ وَقُضَاتُهُ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يُفْتَى وَيُحْكَمُ إلَّا بِهِ ، فَاعْتَمِدْ مَا حَقَّقْتُهُ لَك تَرْشُدْ إنْ شَاءَ اللَّهُ ا هـ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( قُلْت : وَيَلْحَقُهَا ) حَيْثُ حُكِمَ بِعَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمَا ذُكِرَ ( الطَّلَاقُ ) أَيْ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ

وَثَالِثَةٌ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً فَقَطْ ( إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ أَيْ فَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا صَحَّحَ مِنْ مَنْعِ الرَّجْعَةِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا وَطْءٍ مَا إذَا وَطِئَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَمْنَعْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ زِنًا لَا حُرْمَةَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا امْتَنَعَ الْمُضِيُّ فِي الْعِدَّةِ مَا دَامَ يَطَؤُهَا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ عَنْ الْحَمْلِ ، فَإِنَّ الْمُعَاشَرَةَ لَا تَمْنَعُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِهِ بِحَالٍ ( وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ ) بِلَا وَطْءٍ ( انْقَضَتْ ) عِدَّتُهَا مَعَ مُعَاشَرَتِهِ لَهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فَإِنْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِلَا شُبْهَةٍ فَهُوَ زَانٍ ، أَوْ بِهَا فَهُوَ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ كَمَا سَبَقَ ، وَإِنْ عَاشَرَهَا بِشُبْهَةٍ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الِاحْتِسَابَ كَمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي زَمَنِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ خَارِجَةٌ عَنْ الْعِدَّةِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ وَعَاشَرَهَا سَيِّدُهَا ، فَإِنَّ فِيهِ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ فِي الرَّجْعِيَّةِ

وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ مِنْ حِينِ وَطِئَ ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْعَقْدِ
فَرْعٌ : لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ظَانًّا انْقِضَاءَهَا وَتَحَلُّلَهَا بِزَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ كَالرَّجْعِيَّةِ ( وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ ) لِنِكَاحِهَا ( وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ ) عِدَّتُهَا بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ الْفِرَاشِ بِهِ ، وَتَنْقَطِعُ الْعِدَّةُ ( مِنْ حِينِ وَطِئَ ) لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، فَلَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَطِعُ وَإِنْ عَاشَرَهَا لِانْتِفَاءِ الْفِرَاشِ ( وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْعَقْدِ ) لِإِعْرَاضِهَا عَنْ الْأَوَّلِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ

وَلَوْ رَاجَعَ حَائِلًا ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ ، وَفِي الْقَدِيمِ تَبْنِي إنْ لَمْ يَطَأْ ، أَوْ حَامِلًا فَبِالْوَضْعِ فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا عِدَّةَ

تَنْبِيهٌ : تَرَدُّدُهُ فِي الْخِلَافِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحَيْنِ كَوْنَهُ وَجْهًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ لِذِكْرِهَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ سَابِقًا ، وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَهُنَاكَ لِتَصْوِيرِ عِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ ( وَلَوْ رَاجَعَ ) فِي الْعِدَّةِ ( حَائِلًا ) وَطِئَهَا بَعْدَ رَجْعَتِهَا أَمْ لَا ( ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ ) عِدَّةً فِي الْجَدِيدِ لِعَوْدِهَا بِالرَّجْعَةِ إلَى النِّكَاحِ الَّذِي وُطِئَتْ فِيهِ ( وَفِي الْقَدِيمِ ) لَا تَسْتَأْنِفُ بَلْ ( تَبْنِي ) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِدَّتِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ ( إنْ لَمْ يَطَأْ ) هَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا ، وَاحْتَرَزَ بِ " رَاجَعَ " عَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً قَبْلَ مُرَاجَعَتِهَا ، فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ مَعًا .
تَنْبِيهٌ : تَبِعَ فِي حِكَايَةِ الْبِنَاءِ قَوْلًا قَدِيمًا لِلرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ ( أَوْ ) رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ ( حَامِلًا ) ثُمَّ طَلَّقَهَا ( فَبِالْوَضْعِ ) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَطِئَهَا بَعْدَ رَجْعَتِهَا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَضْعِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِدَّةً مُسْتَقِلَّةً ( فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَطَأْ ) هَا ( بَعْدَ الْوَضْعِ ) أَوْ قَبْلَهُ ( فَلَا عِدَّةَ ) عَلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْوَضْعِ وَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ .
تَنْبِيهٌ : التَّقْيِيدُ بِبُعْدِ الْوَضْعِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا فِي الرَّوْضَةِ ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ حَذْفَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْته

وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةَ
( وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً ) لَهُ ( ثُمَّ نَكَحَهَا ) فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهِ ( ثُمَّ ) مَاتَ أَوْ ( وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ ) أَوْ خَالَعَ ثَانِيًا ( اسْتَأْنَفَتْ ) عِدَّةً لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ ( وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ ) مِنْ عِدَّتِهَا السَّابِقَةِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ ؛ لِأَنَّهُمَا لِوَاحِدٍ .
تَنْبِيهٌ : اقْتَضَى كَلَامُهُ صِحَّةَ نِكَاحِ الْمُخْتَلِعَةِ فِي عِدَّتِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَأَنَّ النِّكَاحَ يَقْطَعُ الْعِدَّةَ الْأُولَى وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَطِئَ عَمَّا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى ، وَلَا عِدَّةَ لِهَذَا الطَّلَاقِ وَعَلَيْهِ فِيهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ فِي نِكَاحٍ جَدِيدٍ طَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ الْوَطْءِ ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِدَّةٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الرَّجْعِيَّةِ ، وَاعْتُرِضَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ " بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِدَّةٌ بَعْدَ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي غَيْرِهَا ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْفَارِقِيُّ بِهَذَا عَلَى عِبَارَةِ الْمُهَذَّبِ

تَتِمَّةٌ : لَوْ أَحْبَلَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا هَلْ تَنْقَضِي عِدَّةُ الشُّبْهَةِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْأُولَى وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ فِي الثَّانِيَةِ ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ ، وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا انْقَطَعَتْ الْعِدَّةُ فِي الْحَالِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَحَلَّتْ لَهُ وَتَبْقَى بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ مِلْكُهُ ، فَحِينَئِذٍ تَقْضِيهَا حَتَّى لَوْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ

فَصْلٌ عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا ، وَأَمَةٍ نِصْفُهَا وَإِنْ مَاتَ عَنْ رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى وَفَاةٍ أَوْ بَائِنٍ فَلَا ، وَحَامِلٍ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ

ثُمَّ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِلضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِفُرْقَةِ مَيِّتٍ وَيَذْكُرُ مَعَهُ الْمَفْقُودَ وَالْإِحْدَادَ بِفَصْلٍ فَقَالَ : ( فَصْلٌ ) ( عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ ) أَوْ حَامِلٍ بِحَمْلٍ لَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْعِدَّةِ ( لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ ) أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ زَوْجَةَ صَبِيٍّ أَوْ مَمْسُوحٍ ( أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ } إلَى { وَعَشْرًا } وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْحَرَائِرِ لِمَا سَيَأْتِي ، وَعَلَى الْحَائِلَاتِ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ ، وَكَالْحَائِلَاتِ الْحَامِلَةُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ } فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مُتَقَدِّمَةٌ وَهَذِهِ مُتَأَخِّرَةٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ فِي التِّلَاوَةِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي النُّزُولِ ، وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ مَا أَمْكَنَ ، وَيُكَمَّلُ الْمُنْكَسِرُ بِالْعَدَدِ كَنَظَائِرِهِ ، فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهَا الْأَهِلَّةُ كَالْمَحْبُوسَةِ اعْتَدَّتْ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا الْوَطْءُ كَمَا فِي عِدَّةِ الْحَيَاةِ ؛ لِأَنَّ فُرْقَةَ الْوَفَاةِ لَا إسَاءَةَ فِيهَا مِنْ الزَّوْجِ فَأُمِرَتْ بِالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِ الْحُزْنِ بِفِرَاقِهِ ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْدَادُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَلِأَنَّهَا قَدْ تُنْكِرُ الدُّخُولَ وَلَا مُنَازِعَ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْأَعْظَمَ حِفْظُ حَقِّ الزَّوْجِ دُونَ مَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ بِالْأَشْهُرِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا قَالَ : بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ وَالْأَصَمَّ قَالَا : تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ قَالَا : لِأَنَّ الْعَشْرَ تُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ

، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ صِيغَةَ التَّأْنِيثِ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً ، فَيَقُولُونَ : سِرْنَا عَشْرًا ، وَيُرِيدُونَ بِهِ اللَّيَالِيَ وَالْأَيَّامَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مَعَ فَجْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ الشَّهْرِ لَا تَكْفِي مَعَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْهِلَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي ، وَيُحْمَلُ الْعَشْرُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى الْأَيَّامِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ جَازَ إثْبَاتُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا ( وَ ) عِدَّةُ ( أَمَةٍ ) أَوْ حَامِلٍ بِمَنْ لَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْعِدَّةِ ( نِصْفُهَا ) أَيْ الْمَدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَهُوَ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا ؛ لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ ، وَهُوَ مُمْكِنُ الْقِسْمَةِ كَمَا فِي الِاعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ ، وَيَأْتِي فِي الِانْكِسَارِ وَالْخَفَاءِ مَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتُوا عَنْ الْمُبَعَّضَةِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهَا كَالْقِنَّةِ ، وَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ مَعَ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ كَحُرَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَإِنْ مَاتَ عَنْ ) مُطَلَّقَةٍ ( رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى ) عِدَّةِ ( وَفَاةٍ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، فَتَلْغُو أَحْكَامُ الرَّجْعَةِ ، وَسَقَطَتْ بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ مِنْ إحْدَادٍ وَغَيْرِهِ ( أَوْ ) مَاتَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ ( بَائِنٍ ) ( فَلَا ) تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ وَفَاةٍ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَتُكَمِّلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا تُحِدُّ ، وَلَهَا النَّفَقَةُ إنْ كَانَتْ حَامِلًا ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَذَكَرَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا هُنَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ ،

فَاعْتُبِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادِ لَا يَلْزَمَانِ أُمَّ الْوَلَدِ وَفَاسِدَةَ النِّكَاحِ وَالْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ بِمَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَإِنْ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَقُلْنَا : لَا تَرِثُ احْتِيَاطًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ( وَ ) عِدَّةُ وَفَاةِ ( حَامِلٍ بِوَضْعِهِ ) أَيْ الْحَمْلِ ( بِشَرْطِهِ السَّابِقِ ) وَهُوَ انْفِصَالُ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ ، وَإِمْكَانُ نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَهُوَ مُقَيِّدٌ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَقَدْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ : قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

فَلَوْ مَاتَ صَبِيٌّ عَنْ حَامِلٍ فَبِالْأَشْهُرِ ، وَكَذَا مَمْسُوحٌ إذْ لَا يَلْحَقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيَلْحَقُ مَجْبُوبًا بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ بِهِ ، وَكَذَا مَسْلُولٌ بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ

تَنْبِيهٌ : لَا يَأْتِي هُنَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ : وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ كَالْبَائِنِ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ ( فَلَوْ ) ( مَاتَ صَبِيٌّ ) لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ ( عَنْ حَامِلٍ ) ( فَبِالْأَشْهُرِ ) تَعْتَدُّ لَا بِالْوَضْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ يَقِينًا لِعَدَمِ إنْزَالِهِ ( وَكَذَا ) لَوْ مَاتَ ( مَمْسُوحٌ ) وَهُوَ الْمَقْطُوعُ جَمِيعُ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ عَنْ حَامِلٍ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْوَضْعِ ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( إذْ لَا يَلْحَقُهُ ) وَلَدٌ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ ، فَإِنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ الَّذِي يَتَدَفَّقُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ وَلَمْ يُعْهَدْ لِمِثْلِهِ وِلَادَةٌ ، وَقِيلَ : يَلْحَقُهُ ، وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالْقَاضِيَانِ الْحُسَيْنُ وَأَبُو الطَّيِّبِ ؛ لِأَنَّ مَعْدِنَ الْمَاءِ الصُّلْبِ ، وَهُوَ يَنْفُذُ مِنْ ثُقْبِهِ إلَى الظَّاهِرِ وَهُمَا بَاقِيَانِ حُكِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ حَرْبَوَيْهِ قُلِّدَ قَضَاءَ مِصْرَ وَقَضَى بِهِ ، فَحَمَلَهُ الْمَمْسُوحُ عَلَى كَتِفِهِ وَطَافَ بِهِ الْأَسْوَاقَ ، وَقَالَ : اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْقَاضِي يُلْحِقُ أَوْلَادَ الزِّنَا بِالْخُدَّامِ ( وَيَلْحَقُ ) الْوَلَدُ ( مَجْبُوبًا ) قُطِعَ جَمِيعُ ذَكَرِهِ ، وَ ( بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ ) لِوَفَاتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ ( بِهِ ) أَيْ الْوَضْعِ كَالْفَحْلِ لِبَقَاءِ أَوْعِيَةِ الْمَنِيِّ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ الْمُحِيلَةِ لِلدَّمِ ، وَالذَّكَرُ آلَةٌ تُوصِلُ الْمَاءَ إلَى الرَّحِمِ بِالْإِيلَاجِ ، وَقَدْ يَصِلُ بِلَا إيلَاجٍ ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ : إنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا تَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ مَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ دُخُولٌ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ ( وَكَذَا مَسْلُولٌ ) خُصْيَتَاهُ وَ ( بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ ) يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فَتَنْقَضِي بِوَضْعِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَوْ

الطَّلَاقِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّ آلَةَ الْجِمَاعِ بَاقِيَةٌ ، وَقِيلَ : لَا يَلْحَقُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ قَدْ يُبَالِغُ فِي الْإِيلَاجِ فَيَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا ، وَقِيلَ : يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا : يُولَدُ لِمِثْلِهِ لَحِقَهُ وَإِلَّا فَلَا

وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ أَوْ تَعْيِينٍ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ ، وَكَذَا إنْ وَطِئَ وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ أَوْ أَقْرَاءٍ ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ فَإِنْ كَانَ بَائِنًا اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الْمَوْتِ ، وَالْأَقْرَاءُ مِنْ الطَّلَاقِ

( وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ) مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً كَقَوْلِهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَنَوَى مُعَيَّنَةً أَمْ لَا ( وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ ) لِلْمُعَيَّنَةِ ( أَوْ تَعْيِينٍ ) لِلْمُبْهَمَةِ ( فَإِنْ كَانَ ) قَبْلَ مَوْتِهِ ( لَمْ يَطَأْ ) وَاحِدَةً مِنْهُمَا ( اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ ) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالطَّلَاقِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالْمَوْتِ ( وَكَذَا إنْ وَطِئَ ) كُلًّا مِنْهُمَا ( وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ ) فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ ( أَوْ ) هُمَا ذَوَاتَا ( أَقْرَاءٍ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ ) هُوَ قَيْدٌ فِي الْأَقْرَاءِ فَتَعْتَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا عِدَّةَ وَفَاةٍ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمَا إلَّا عِدَّةُ الطَّلَاقِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ ، وَكَذَا ذَاتُ الْأَقْرَاءِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ أَيْضًا ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَيْضًا ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِبَيَانِ الْوَارِثِ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ خِلَافَهُ ( فَإِنْ كَانَ ) الطَّلَاقُ ( بَائِنًا ) فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ( اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُمَا ( بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهَا بِعِدَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ تَأْتِيَ بِذَلِكَ لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ كَمَنْ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مِنْ صَلَاتَيْنِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا ( وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الْمَوْتِ ) تُحْسَبُ جَزْمًا ( وَالْأَقْرَاءُ ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ تُحْسَبُ ( مِنْ الطَّلَاقِ ) عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتُ الْوُجُوبِ ، فَلَوْ مَضَى قَرْءٌ أَوْ قُرْءَانِ مِنْ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا الْأَقْصَى مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَمِنْ قَرْءٍ أَوْ قُرْأَيْنِ مِنْ

أَقْرَائِهَا لِبَيْنُونَةِ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ : إنَّ هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَرْجُوحٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا إنَّمَا تُحْسَبُ مِنْ التَّعْيِينِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا يَئِسَ مِنْ التَّعْيِينِ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ ، وَتَقْتَصِرُ الْحَامِلُ مِنْهُمَا عَلَى الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالتَّقْدِيرَيْنِ ، فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ

وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ اخْتِيَارٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَنْ تَعْتَدَّ بِأَكْثَرِ الْعِدَّتَيْنِ

وَمَنْ غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ ، وَفِي الْقَدِيمِ تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ وَتَنْكِحُ ، فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ قَاضٍ نُقِضَ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْمَفْقُودِ فَقَالَ ( وَمَنْ غَابَ ) عَنْ زَوْجَتِهِ أَوْ لَمْ يَغِبْ عَنْهَا ، بَلْ فُقِدَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، أَوْ انْكَسَرَتْ بِهِ سَفِينَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ( وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ ) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ ( لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ ) لِغَيْرِهِ ( حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ ) أَوْ يَثْبُتَ بِمَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ ( أَوْ ) يُتَيَقَّنَ ( طَلَاقُهُ ) عَلَى الْجَدِيدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : وَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ وَلَا تَنْكِحْ حَتَّى يَأْتِيَهَا " يَعْنِي مَوْتَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ نَقُولُ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ مَا ذُكِرَ بِعَدْلَيْنِ كَفَى وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّهَادَاتِ الِاكْتِفَاءُ فِي الْمَوْتِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مَعَ عَدَمِ إفَادَتِهَا الْيَقِينَ ، وَلَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً بِمَوْتِ زَوْجِهَا حَلَّ لَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَتَزَوَّجَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَدِيدِ هُنَا وَقَيَّدَاهُ فِي الْفَرَائِضِ بِمَا إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا قَالَا : فَإِنْ مَضَتْ فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهَا التَّزْوِيجَ كَمَا يُقَسَّمُ مَالُهُ قَطْعًا ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ( وَفِي الْقَدِيمِ تَرَبَّصُ ) بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تَتَرَبَّصُ زَوْجَةُ الْغَائِبِ الْمَذْكُورِ ( أَرْبَعَ سِنِينَ ) مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ ( ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ ) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرِ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ ( وَتَنْكِحُ ) غَيْرَهُ لِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجَ مِنْ النِّكَاحِ

بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَهُوَ هُنَا حَاصِلٌ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَرْبَعِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ قَاضٍ ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي وَإِذَا ضَرَبَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَالِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ بِوَفَاتِهِ وَبِحُصُولِ الْفُرْقَةِ ، وَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَفَسْخِهِ بِالْعُنَّةِ أَوْ بَاطِنًا فَقَطْ ؟ وَجْهَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا - وَتَرَكَ بَيَاضًا وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا - قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ نُفُوذِهِ ظَاهِرًا فَقَطْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمُسْتَوْلَدَة كَالزَّوْجَةِ ، وَأَنَّ الزَّوْجَةَ الْمُنْقَطِعَةَ الْخَبَرُ كَالزَّوْجِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا ( فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ ) أَيْ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ وُجُوبِ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَمِنْ الْحُكْمِ بِوَفَاتِهِ وَبِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ( قَاضٍ نُقِضَ ) حُكْمُهُ ( عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ ) لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِوَفَاتِهِ فِي قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ قَطْعًا ، وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فُرْقَةِ النِّكَاحِ قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ : رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ : إنْ حَكَمَ بِهِ قَاضٍ نُقِضَ قَضَاؤُهُ إنْ بَانَ لَهُ أَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ لَا يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ ، وَالثَّانِي : لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ نَفَذَ فِي الزَّوْجَةِ طَلَاقُ الْمَفْقُودِ وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِ الزَّوْجِ فِي زَوْجَتِهِ لِلْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ أَمْ بَعْدَهَا ، وَيَسْقُطُ بِنِكَاحِهَا غَيْرَهُ نَفَقَتُهَا عَنْ الْمَفْقُودِ ؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَيَسْتَمِرُّ السُّقُوطُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمَفْقُودُ عَوْدَهَا إلَى طَاعَتِهِ

وَأَنَّهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَاعْتَدَّتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ ؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ إنَّمَا يَزُولُ حِينَئِذٍ ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي ، إذْ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إلَّا فِيمَا أَنْفَقَهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ ( وَلَوْ نَكَحَتْ ) زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ ( بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَ ) بَعْدَ ( الْعِدَّةِ ) وَقَبْلَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ ( فَبَانَ ) الزَّوْجُ ( مَيِّتًا ) وَقْتَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ ( صَحَّ ) نِكَاحُهَا ( عَلَى الْجَدِيدِ ) أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِفَقْدِ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ حَالَ الْعَقْدِ ، وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُرْتَابَةِ إذَا حَصَلَتْ الرِّيبَةُ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ نَكَحَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْرَاءِ مَعَ بَقَاءِ الرِّيبَةِ وَإِنْ بَانَ أَنَّ النِّكَاحَ صَادَفَ الْبَيْنُونَةَ ، وَأَيْضًا فَقَدْ جَعَلُوا الشَّكَّ فِي حَالِ الْمَنْكُوحَةِ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَمَّا اسْتَنَدَ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ خَفَّ أَمْرُهُ أَمَّا إذَا بَانَ حَيًّا بَعْدَ أَنْ نَكَحَتْ فَالزَّوْجُ الْأَوَّلُ بَاقٍ عَلَى زَوْجِيَّتِهِ ، لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ الثَّانِي ، وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمَفْقُودُ لَحِقَ بِالثَّانِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِتَحَقُّقِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْمَفْقُودِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَلَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ يَلْحَقْ بِالْمَفْقُودِ لِذَلِكَ ، فَإِنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ وَادَّعَاهُ لَمْ يُعْرَضْ عَلَى الْقَائِفِ حَتَّى يَدَّعِيَ وَطْئًا مُمْكِنًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الدَّعْوَى بِهِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ غَيْرَ اللِّبَإِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَةً غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ ، وَإِذَا

جَازَ لَهُ الْمَنْعُ وَمَنَعَهَا فَخَالَفَتْ وَأَرْضَعَتْهُ فِي مَنْزِلِ الْمَفْقُودِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ وَلَا وَقَعَ خَلَلٌ فِي التَّمْكِينِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَتْ

وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ ، لَا رَجْعِيَّةٍ ، وَيُسْتَحَبُّ لِبَائِنٍ ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ ، وَهُوَ تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ وَإِنْ خَشُنَ ، وَقِيلَ يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ ، وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ ، وَكَذَا إبْرَيْسَمٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَمَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ ، وَيَحْرُمُ حُلِيُّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَكَذَا لُؤْلُؤٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَطِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَطَعَامٍ وَكُحْلٍ ، وَاكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ ، وَإِسْفِيذَاجٍ وَدُمَامٍ ، وَخِضَابِ حِنَّاءٍ ، وَنَحْوِهِ ، وَيَحِلُّ تَجْمِيلُ فِرَاشٍ وَأَثَاثٍ ، وَتَنْظِيفٌ بِغَسْلِ نَحْوِ رَأْسٍ وَقَلْمٍ وَإِزَالَةِ وَسَخٍ قُلْت : وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ وَحَمَّامٌ إنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ ، وَلَوْ تَرَكَتْ الْإِحْدَادَ عَصَتْ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ فَارَقَتْ الْمَسْكَنَ ، وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَانَتْ مُنْقَضِيَةً ، وَلَهَا إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْإِحْدَادِ فَقَالَ ( وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ ) الْآتِي بَيَانُهُ ( عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } قَالَ الرَّافِعِيُّ : قَالَ الْأَئِمَّةُ قَوْلُهُ : إلَّا عَلَى زَوْجٍ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ ، وَظَاهِرُهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا الْجَوَازَ ، لَكِنْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْوُجُوبَ ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْوَاجِبَ مِنْ الْحَرَامِ ا هـ .
وَنُقِضَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ فِي الشَّامِلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ .
تَنْبِيهٌ : التَّقْيِيدُ بِإِيمَانِ الْمَرْأَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِمَّنْ لَهَا أَمَانٌ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ ، وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَائِلِ ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَتُحِدُّ مُدَّةَ بَقَاءِ حَمْلِهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ ، وَعَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ مَنْعُهُمَا مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ غَيْرُهُمَا ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِشُمُولِهِ فَرْعًا حَسَنًا ، وَهُوَ مَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِشُبْهَةٍ وَقُلْنَا : إنَّهَا تَعْتَدُّ عَنْهُ ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِلْوَفَاةِ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يُومِئُ إلَيْهِ ( لَا ) زَوْجَةٍ مُعْتَدَّةٍ ( رَجْعِيَّةٍ ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَكْثَرِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فِيهَا ، وَيُسَنُّ لَهَا الْإِحْدَادُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ أَنَّ الْأَوْلَى لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إلَى رَجْعَتِهَا ، وَضَعُفَ هَذَا بِاحْتِمَالِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ

إظْهَارًا لِلْفَرَحِ بِفِرَاقِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَنْ تَرْجُو عَوْدَهُ ( وَيُسْتَحَبُّ ) الْإِحْدَادُ ( لِبَائِنٍ ) بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لِئَلَّا تَدْعُوَ الزِّينَةُ إلَى الْفَسَادِ ( وَفِي قَوْلٍ ) قَدِيمٍ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَيْضًا ( يَجِبُ ) الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِجَامِعِ الِاعْتِدَادِ عَنْ نِكَاحٍ ، وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّهَا إنْ فُورِقَتْ بِطَلَاقٍ فَهِيَ مَجْفُوَّةٌ بِهِ ، أَوْ بِفَسْخٍ فَالْفَسْخُ مِنْهَا ، أَوْ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يَلِيقُ بِهَا فِيهِمَا إيجَابُ الْإِحْدَادِ ، بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَخَرَجَ بِالزَّوْجَةِ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ ، وَبِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ ، وَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُسَنُّ لَهُنَّ الْإِحْدَادُ كَمَا مَرَّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِحْدَادُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنْ أَحَدَّ ، وَيُقَالُ فِيهِ : الْحِدَادُ مِنْ حَدَّ : لُغَةً : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الْمُحِدَّةَ تَمْنَعُ نَفْسَهَا مِمَّا سَيَأْتِي ، وَقِيلَ بِالْجِيمِ مِنْ جَدَّدْت الشَّيْءَ قَطَعْته ، فَكَأَنَّهَا انْقَطَعَتْ عَنْ الزِّينَةِ ، وَشَرْعًا ( تَرْكُ لُبْسٍ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ ، وَلَا الْحُلِيَّ ، وَلَا تَخْتَضِبُ ، وَلَا تَكْتَحِلُ } تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ لِزِينَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَصْبُوغٍ أَيْ إنْ كَانَ الْمَصْبُوغُ مِمَّا يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ ، وَكَذَا الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ الصَّافِيَيْنِ ، وَفِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُعَصْفَرَ وَالْمُمَشَّقَةَ ، وَهِيَ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقِ ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِهَا ، وَيُقَالُ : طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا ، وَلَوْ أَرَادَ مُطْلَقَ الصِّبْغِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَائِدَةٌ ، وَنَعَتَهُ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ خَشُنَ ) أَيْ الْمَصْبُوغُ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَوَازِ ( وَقِيلَ : يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ

نُسِجَ ) كَالْبُرُودِ لِخَبَرِ { لَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ } وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُعْصَبُ غَزْلُهُ أَيْ يُجْمَعُ ، ثُمَّ يُشَدُّ ، ثُمَّ يُصْبَغُ مَعْصُوبًا ، ثُمَّ يُنْسَجُ ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ " وَلَا ثَوْبَ عَصْبٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مَكَانَ " إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ " ، " إلَّا مَغْسُولًا " فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ ، أَوْ يُؤَوَّلُ بِالصِّبْغِ الَّذِي لَا يَحْرُمُ كَالْأَسْوَدِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُصْبَغُ قَبْلَ النَّسْجِ أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي يُصْبَغُ بَعْدَهُ غَالِبًا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُصْبَغُ قَبْلَ النَّسْجِ إلَّا الرَّفِيعُ ( وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ ) وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ الْخِلْقِيُّ وَكَانَ نَفِيسًا ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ بِالْمَصْبُوغِ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَصْبُوغِ مُبَاحٌ ، وَلِأَنَّ نَفَاسَتَهَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا مِنْ زِينَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُغَيِّرَ لَوْنَهَا بِسَوَادٍ وَنَحْوِهِ ( وَكَذَا ) يُبَاحُ لَهَا ( إبْرَيْسَمٌ ) أَيْ حَرِيرٌ لَمْ يُصْبَغْ ( فِي الْأَصَحِّ ) إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ زِينَةٌ كَالْكَتَّانِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ تَزْيِينٌ ، وَلَهَا لُبْسُ الْخَزِّ قَطْعًا لِاسْتِتَارِ الْإِبْرَيْسَمِ فِيهِ بِالصُّوفِ وَنَحْوِهِ ( وَ ) يُبَاحُ ( مَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ ) كَالْأَسْوَدِ ، وَكَذَا الْأَزْرَقُ وَالْأَخْضَرُ الْمُشَبَّعَانِ الْمُكَدَّرَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ ، بَلْ لِنَحْوِ حَمْلِ وَسَخٍ أَوْ مُصِيبَةٍ .
تَنْبِيهٌ : حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا صُبِغَ لِزِينَةٍ يَحْرُمُ ، وَمَا صُبِغَ لَا لِزِينَةٍ كَالْأَسْوَدِ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الزِّينَةِ عَنْهُ ، فَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ ، فَإِنْ كَانَ بَرَّاقًا صَافِيَ اللَّوْنِ حَرُمَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ ، أَوْ كَدِرًا أَوْ مُشَبَّعًا ، أَوْ أَكْهَبَ بِأَنْ يَضْرِبَ إلَى

الْغُبْرَةِ فَلَا ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّعَ مِنْ الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ ، وَمِنْ الْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْكُحْلِيَّ ، وَمِنْ الْأَكْهَبِ يُقَارِبُهُمَا ( وَيَحْرُمُ ) عَلَيْهَا الطِّرَازُ عَلَى الثَّوْبِ إنْ كَبُرَ وَأَمَّا إنْ صَغُرَ ، فَإِنْ رُكِّبَ عَلَى الثَّوْبِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ نُسِجَ مَعَ الثَّوْبِ فَلَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا ( حَلْيُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ كَبِيرًا كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارِ أَوْ صَغِيرًا كَالْخَاتَمِ وَالْقُرْطِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْحَلْيَ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَخْتَضِبُ } وَالْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ جَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْمُفْرَدُ ، وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي حُسْنِهَا كَمَا قِيلَ : وَمَا الْحَلْيُ إلَّا زِينَةٌ لِنَقِيصَةٍ يُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصَّرَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفَّرًا كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُزَوَّرَا تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ تَحْرِيمَ الْحَلْيِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ لَيْلٍ وَنَهَارٍ ، وَاَلَّذِي فِي الشُّرُوحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُهُ لَيْلًا لِحَاجَةٍ كَالْإِحْرَازِ لَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ الْمَصْبُوغُ يَحْرُمُ لَيْلًا ، فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ الْحَلْيِ ، وَأَمَّا لُبْسُهُ نَهَارًا فَحَرَامٌ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِحْرَازِهِ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُفْهِمُ جَوَازَ التَّحَلِّي بِغَيْرِهِمَا كَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إنْ تَعَوَّدَ قَوْمُهَا التَّحَلِّيَ بِهِمَا ، أَوْ أَشْبَهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِتَأَمُّلٍ أَوْ مُوِّهَا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالتَّمْوِيهُ

بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَيْ مِمَّا يَحْرُمُ تَزَيُّنُهَا بِهِ كَالتَّمْوِيهِ بِهِمَا ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِهِمَا اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ ( وَكَذَا لُؤْلُؤٌ ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا التَّزَيُّنُ بِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الزِّينَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ قَالَ تَعَالَى : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا } وَتَرَدَّدَ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ ، فَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهَ لِلْأَصْحَابِ ( وَ ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا ( طِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ { كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، وَأَنْ نَكْتَحِلَ ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ ، وَأَنْ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا } ( وَ ) يَحْرُمُ أَيْضًا اسْتِعْمَالُهَا الطِّيبَ ( فِي طَعَامٍ وَكُحْلٍ ) غَيْرِ مُحَرَّمٍ قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ ، وَضَابِطُ الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهَا كُلُّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ، لَكِنْ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ الْكَائِنِ مَعَهَا حَالَ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا فِي اسْتِعْمَالِهِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ ، وَاسْتَثْنَى اسْتِعْمَالَهَا عِنْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ ، وَكَذَا مِنْ النِّفَاسِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَلِيلًا مِنْ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ ، وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْبَخُورِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ فِي مُسْلِمٍ ، وَلَوْ احْتَاجَتْ إلَى تَطَيُّبٍ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قِيَاسًا عَلَى الِاكْتِحَالِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا دَهْنُ شُعُورِ رَأْسِهَا وَلِحْيَتِهَا إنْ كَانَ لَهَا لِحْيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ بِخِلَافِ دَهْنِ سَائِرِ الْبَدَنِ وَ ( اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ : حَجَرٌ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْكُحْلُ الْأَسْوَدُ ، وَيُسَمَّى بِالْأَصْبَهَانِيِّ ، وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَارِّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَزِينَةً لِلْعَيْنِ ، سَوَاءٌ فِي

ذَلِكَ الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ لِلسَّوْدَاءِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ الْكُحْلِ الْأَبْيَضِ كَالتُّوتْيَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، إذْ لَا زِينَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ يُوهِمُ جَوَازَ الْأَصْفَرِ وَهُوَ الصَّبْغُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْبَاءِ وَبِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى السَّوْدَاءِ وَكَذَا عَلَى الْبَيْضَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يُحَسِّنُ الْعَيْنَ ( إلَّا ) اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ أَوْ صَبْرٍ ( لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ ) فَيَجُوزُ لَهَا لِلضَّرُورَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ حَادَّةٌ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنِهَا صَبْرًا ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ ؟ فَقَالَتْ هُوَ صَبْرٌ لَا طِيبَ فِيهِ ، فَقَالَ : إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ أَيْ يُوقِدُهُ وَيُحَسِّنُهُ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلَّا لَيْلًا وَامْسَحِيهِ نَهَارًا } وَحَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ لَيْلًا فَأَذِنَ لَهَا فِيهِ لَيْلًا بَيَانًا لِلْجَوَازِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا ؟ قَالَ : لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ : لَا } فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْخَوْفَ عَلَى عَيْنِهَا ، أَوْ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِدُونِهِ ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ زَادَهَا عَبْدُ الْحَقِّ { إنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا ، قَالَ : لَا وَإِنْ انْفَقَأَتْ } .
وَأُجِيبَ عَنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ انْفَقَأَتْ عَيْنُهَا فِي زَعْمِكِ لِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْفَقِئُ ، وَإِذْ قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِهِ خَصَّهُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ كَمَا

دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَعَمْ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ نَهَارًا أَيْضًا جَازَ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازَ عَلَى ذَلِكَ ( وَ ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا ( إسْفِيذَاجٌ ) لِأَنَّهُ يُزَيَّنُ بِهِ الْوَجْهُ ، وَهُوَ بِفَاءٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَا يُتَّخَذُ مِنْ رَصَاصٍ يُطْلَى بِهِ الْوَجْهُ لِيُبَيِّضَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ لَفْظٌ مُوَلَّدٌ ( وَ ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا ( دُمَامٌ ) لِأَنَّهُ يُزَيَّنُ بِهِ الْوَجْهُ أَيْضًا ، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الدَّقَائِقِ ، وَضَبَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّهِ بِالضَّمِّ فَقَطْ الْمُسَمَّى بِالْحُمْرَةِ الَّتِي يُوَرَّدُ بِهَا الْخَدُّ ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا طَلْيُ الْوَجْهِ بِالصَّبْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُصَفِّرُ الْوَجْهَ فَهُوَ كَالْخِضَابِ ( وَ ) يَحْرُمُ ( خِضَابُ حِنَّاءٍ ) وَهُوَ مُذَكَّرٌ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ ، وَاحِدُهُ حِنَّاةٌ ( وَنَحْوُهُ ) أَيْ الْحِنَّاءِ كَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ أَيْ الْخِضَابُ بِذَلِكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ تَكُونُ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ، لَا فِيمَا تَحْتَ الثِّيَابِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّبْرِ لَيْلًا لِخَفَائِهِ عَلَى الْأَبْصَارِ فَكَذَا مَا أَخْفَاهُ ثِيَابُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالْغَالِيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهَا كَالْخِضَابِ ، وَيَحْرُمُ تَطْرِيفُ أَصَابِعِهَا وَتَصْفِيفُ شَعْرِ طُرَّتِهَا وَتَجْعِيدُ شَعْرِ صُدْغَيْهَا وَحَشْوُ حَاجِبَيْهَا بِالْكُحْلِ وَتَدْقِيقُهُ بِالْحَفِّ ( وَيَحِلُّ ) لَهَا ( تَجْمِيلُ فِرَاشٍ ) وَهُوَ مَا تَرْقُدُ أَوْ تَقْعُدُ عَلَيْهِ مِنْ نَطْعٍ وَمَرْتَبَةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا ( وَ ) تَجْمِيلُ ( أَثَاثٍ ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَبِمُثَلَّثَتَيْنِ : مَتَاعُ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ

فِي الْبَدَنِ لَا فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا الْغِطَاءُ فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : أَنَّهُ كَالثِّيَابِ لَيْلًا نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِالنَّهَارِ ( وَ ) يَحِلُّ لَهَا ( تَنْظِيفُ بِغَسْلِ نَحْوِ رَأْسٍ وَقَلْمٍ ) لِأَظْفَارٍ وَاسْتِحْدَادٍ وَنَتْفِ شَعْرِ إبِطٍ ( وَإِزَالَةِ وَسَخٍ ) وَلَوْ طَاهِرًا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ : أَيْ الدَّاعِيَةِ إلَى الْوَطْءِ فَلَا يُنَافِي اسْمَهَا عَلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا إزَالَةُ الشَّعْرِ الْمُتَضَمِّنِ زِينَةً : كَأَخْذِ مَا حَوْلَ الْحَاجِبَيْنِ وَأَعْلَى الْجَبْهَةِ فَتُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، بَلْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ وَأَمَّا إزَالَةُ شَعْرِ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ يَنْبُتُ لَهَا فَتُسَنُّ إزَالَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَمَرَّ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِابْنِ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ بِالْحُرْمَةِ ( قُلْت : وَيَحِلُّ ) لَهَا ( امْتِشَاطٌ ) بِلَا تَرَجُّلٍ بِدُهْنٍ وَنَحْوِهِ ، وَيَجُوزُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ لِلنَّصِّ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد ، وَحُمِلَ حَدِيثُ " وَلَا تَمْشُطُ " عَلَى تَمْشُطُ بِطِيبٍ وَنَحْوِهِ ( وَ ) يَحِلُّ لَهَا ( حَمَّامٌ ) بِنَاءً عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ دُخُولِهَا لَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِقَيْدٍ حَسَنٍ مَحْذُوفٍ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) فِيهِ ( خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ ) فَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ ( وَلَوْ تَرَكَتْ ) الْمُحِدَّةُ الْمُكَلَّفَةُ ( الْإِحْدَادَ ) الْوَاجِبَ عَلَيْهَا كُلَّ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْضَهَا ( عَصَتْ ) إنْ عَلِمَتْ حُرْمَةَ التَّرْكِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي كَتَرْكِهَا الْوَاجِبَ ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ فَيَعْصِي وَلِيُّهَا إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا ( وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ) مَعَ الْعِصْيَانِ ، وَهَذَا ( كَمَا لَوْ فَارَقَتْ الْمُعْتَدَّةُ ) الْمُحِدَّةُ أَوْ غَيْرُهَا بِلَا

عُذْرٍ ( الْمَسْكَنَ ) الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا مُلَازَمَتُهُ بِلَا عُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهَا تَعْصِي وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي انْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ ) أَيْ مَوْتُ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقُهُ ( بَعْدَ الْمُدَّةِ ) لِلْعِدَّةِ ( كَانَتْ مُنْقَضِيَةً ) وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا لِمَا مَرَّ ( وَلَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ ( إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ ) مِنْ الْمَوْتَى ( ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) فَأَقَلَّ ( وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ ) عَلَيْهَا بِقَصْدِ الْإِحْدَادِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فَلَوْ تَرَكَتْ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ ، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الشِّقَاقِ ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ ، وَلِأَنَّ فِي تَعَاطِيهِ إظْهَارَ عَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، وَالْأَلْيَقُ بِهَا التَّقَنُّعُ بِجِلْبَابِ الصَّبْرِ ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا لِحَبْسِهَا عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ قَدْ لَا تَسْتَطِيعُ فِيهَا الصَّبْرَ ، وَلِذَلِكَ تُسَنُّ فِيهَا التَّعْزِيَةُ وَبَعْدَهَا تَنْكَسِرُ أَعْلَامُ الْحُزْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ الزَّوْجِ الْقَرِيبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي ، فَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ الْإِحْدَادُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَصْلًا وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَ الْغَزِّيُّ : وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّدِيقَ كَالْقَرِيبِ ، وَكَذَا الْعَالِمُ وَالصَّالِحُ وَضَابِطُهُ مَنْ يَحْصُلُ بِمَوْتِهِ حُزْنٌ ، فَكُلُّ مَنْ حَزِنَتْ بِمَوْتِهِ لَهَا أَنْ تُحِدَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ ا هـ .
، وَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَحَمْلُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا ، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ الْإِحْدَادُ عَلَى قَرِيبهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ التَّحَزُّنَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ مَنَعَهُ ابْنُ

الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلنِّسَاءِ لِنَقْصِ عَقْلِهِنَّ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الصَّبْرِ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى النِّسَاءِ الْإِحْدَادَ دُونَ الرِّجَالِ

فَصْلٌ تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٍ ، إلَّا نَاشِزَةً

فَصْلٌ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَمُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَ فِرَاقِهَا ( تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ ) حَائِلٍ أَوْ حَامِلٍ ( وَلَوْ بَائِنٍ ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ ، وَالْأَوْلَى نَصْبُهُ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَلَوْ هِيَ بَائِنٌ وَيَسْتَمِرُّ سُكْنَاهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } وقَوْله تَعَالَى : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } أَيْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ وَأَضَافَهَا إلَيْهِنَّ لِلسُّكْنَى ، إذْ لَوْ كَانَتْ إضَافَةُ مِلْكٍ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْمُطَلَّقَاتِ ، وَلَوْ أُسْقِطَتْ مُؤْنَةُ الْمَسْكَنِ عَنْ الزَّوْجِ لَمْ تَسْقُطْ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ عَنْ طَلَاقٍ أَنَّهُ لَا سُكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا لِأُمِّ وَلَدٍ إنْ أُعْتِقَتْ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْمُعْتَدَّةِ قَوْلَهُ ( إلَّا نَاشِزَةً ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طَلَاقِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، أَمْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهَا لَا سُكْنَى لَهَا فِي الْعِدَّةِ ، فَإِنْ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ عَادَ حَقُّ السُّكْنَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَتِهِ ، وَإِلَّا صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ فَإِنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَالَةَ النِّكَاحِ ، وَالْأَمَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا كَالْمُسْلِمَةِ لَيْلًا فَقَطْ أَوْ نَهَارًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي فَصْلِ نِكَاحِ الْعَبْدِ وَإِلَّا مَنْ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِقَوْلِهَا بِأَنْ طَلُقَتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالْإِصَابَةِ وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَإِنْ قِيلَ : لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ الصَّغِيرَةِ مِنْ ذَلِكَ ، إذْ الْكَلَامُ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ ، وَالصَّغِيرَةُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ

يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِاسْتِدْخَالِهَا مَاءَ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بُعْدٌ

وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الْأَظْهَرِ
( وَ ) يَجِبُ السُّكْنَى أَيْضًا ( لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الْأَظْهَرِ ) { لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرَيْعَةَ بِضَمِّ الْفَاءِ ، بِنْتَ مَالِكٍ أُخْتَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَمَّا قُتِلَ زَوْجُهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، فَاعْتَدَّتْ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَالثَّانِي : لَا سُكْنَى لَهَا كَمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّكْنَى لِصِيَانَةِ مَائِهِ ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ الْوَفَاةِ ، كَالْحَيَاةِ ، وَالنَّفَقَةَ لِسَلْطَنَتِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ انْقَطَعَتْ ، وَبِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا فَسَقَطَتْ إلَى الْمِيرَاثِ ، وَالسُّكْنَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَسْقُطْ تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ رَجْعِيًّا وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْهَا بِالطَّلَاقِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، لَكِنْ حَكَى الْجُرْجَانِيِّ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ

وَفَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَتُسَكَّنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا ، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ قُلْت : وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ ، وَكَذَا بَائِنٌ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا لَيْلًا إلَى دَارِ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا

( وَ ) يَجِبُ أَيْضًا لِمُعْتَدَّةٍ ( فَسْخٌ ) بِعَيْبٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ رَضَاعٍ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِفُرْقَةٍ فِي الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ اسْتِثْنَاءِ النَّاشِزَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الْفَسْخِ مَعَ أَنَّ حُكْمَهَا كَالنَّاشِزَةِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي فِيمَنْ مَاتَ عَنْهَا نَاشِزًا ، فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ : إلَّا نَاشِزَةً إلَى هُنَا لَشَمِلَ ذَلِكَ ، وَشَمِلَ إطْلَاقَهُ الْمُلَاعَنَةَ ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ قَطْعًا ، وَحَيْثُ لَا تَجِبُ السُّكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ فَلِلزَّوْجِ إسْكَانُهَا حِفْظًا لِمَائِهِ ، وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَعَلَيْهَا الْإِجَابَةُ ، وَحَيْثُ لَا تَرِكَةَ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَجِبْ إسْكَانُهَا ، فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالسُّكْنَى لَزِمَتْهَا الْإِجَابَةُ ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي صَوْنِ مَاءِ مُوَرِّثِهِ ، وَغَيْرُ الْوَارِثِ كَالْوَارِثِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي عَدَمُ اللُّزُومِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِوَفَاءِ دَيْنِ مَيِّتٍ أَوْ مُفْلِسٍ لَمْ يَلْزَمْ الدَّائِنَ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْوَارِثِ ، وَبِأَنَّ اللُّزُومَ فِيهِ تَحَمُّلٌ مِنْهُ مَعَ كَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ لَا غَرَضَ لَهُ صَحِيحٌ فِي صَوْنِ مَاءِ الْمَيِّتِ .
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُلَازَمَةَ الْمُعْتَدَّةِ لِلْمَسْكَنِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا بَدَلَ لَهُ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَبُولُ ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُهُ ، وَبِأَنَّ حِفْظَ مَاءِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الدَّيْنِ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ التَّبَرُّعُ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَيِّتِ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ سُنَّ لِلْإِمَامِ حَيْثُ لَا تَرِكَةَ إسْكَانُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ

مُتَّهَمَةً بِرِيبَةٍ وَإِنْ لَمْ يُسْكِنْهَا أَحَدٌ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ ( وَ ) إذَا وَجَبَتْ السُّكْنَى فَإِنَّمَا ( تُسَكَّنُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ : أَيْ الْمُعْتَدَّةُ حَتْمًا ( فِي مَسْكَنٍ ) مُسْتَحَقٍّ لِلزَّوْجِ لَائِقٍ بِهَا ( كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ فُرَيْعَةَ السَّابِقَيْنِ ( وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا ، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ ) مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْحَقُّ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالتَّرَاضِي - بِالضَّادِ - ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { : لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ } تَنْبِيهٌ : شَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الرَّجْعِيَّةَ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ ، وَفِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ ، وَالزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا فَضْلًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَيْسَتْ كَالزَّوْجَاتِ ( قُلْت : وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ ) وَعِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ ( وَكَذَا بَائِنٌ ) وَمَفْسُوخٍ نِكَاحُهَا ، وَضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَقْضِيهَا حَاجَتَهَا لَهَا الْخُرُوجُ ( فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ ) وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ ( وَ ) بَيْعِ ( غَزْلٍ وَنَحْوِهِ ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ { وَلِقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلَاثًا ، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلًا لَهَا ، فَنَهَاهَا رَجُلٌ ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : اُخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ وَلَعَلَّكِ أَنْ

تَتَصَدَّقِي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : وَنَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ مَنَازِلِهِمْ ، وَالْجِدَادُ لَا يَكُونُ إلَّا نَهَارًا أَيْ غَالِبًا ، أَمَّا مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ رَجْعِيَّةٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ أَوْ بَائِنٍ أَوْ حَامِلٍ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ ضَرُورَةٍ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُنَّ مَكْفِيَّاتٌ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ ( وَكَذَا ) لَهَا الْخُرُوجُ لِذَلِكَ ( لَيْلًا ) إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا نَهَارًا وَكَذَا ( إلَى دَارِ جَارَةٍ ) لَهَا ( لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا ) لِلتَّأَنُّسِ لَكِنْ ( بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا { : أَنَّ رِجَالًا اُسْتُشْهِدُوا بِأُحُدٍ فَقَالَتْ نِسَاؤُهُمْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فِي بُيُوتِنَا فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا فَأَذِنَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ النَّوْمِ تَأْوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى بَيْتِهَا } تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ ذَلِكَ : كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، إذَا أَمِنَتْ الْخُرُوجَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يُؤْنِسُهَا ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لَوْ يَعْلَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ " وَهَذَا فِي زَمَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ وَقْتِ الرُّجُوعِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ

وَتَنْتَقِلُ مِنْ الْمَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا ، أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ ، أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( وَتَنْتَقِلُ ) الْمُعْتَدَّةُ ( مِنْ الْمَسْكَنِ ) الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لِعُذْرٍ ، وَذَلِكَ ( لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ ) عَلَى مَالِهَا أَوْ وَلَدِهَا ( أَوْ ) لِخَوْفٍ ( عَلَى نَفْسِهَا ) تَلَفًا أَوْ فَاحِشَةً لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ ، وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ فِي مَكَان وَحْشٍ مُخِيفٍ فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } أَيْ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ ( أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ( أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ، وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ، قَوْله تَعَالَى { : إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } بِالْبَذَاءَةِ عَلَى الْأَحْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ كَانَتْ تَبْدُو عَلَى أَحْمَائِهَا فَنَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ } وَوَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَعُدَّ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الِانْتِقَالَ عِنْدَ هَذِهِ الضَّرُورَاتِ وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهَا تَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ : الَّذِي أَوْرَدَهُ الْجُمْهُورُ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْكَنِ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الزَّوْجَ يُحَصِّنُهَا حَيْثُ رَضِيَ لَا حَيْثُ شَاءَتْ ، وَتَقْيِيدُهُ الْأَذَى بِالشَّدِيدِ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ تَأَذَّتْ بِهِمْ قَلِيلًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ ، وَمِنْ الْجِيرَانِ الْأَحْمَاءُ وَهُمْ أَقَارِبُ الزَّوْجِ ، نَعَمْ إنْ اشْتَدَّ أَذَاهَا بِهِمْ أَوْ عَكْسُهُ وَكَانَتْ الدَّارُ ضَيِّقَةً نَقَلَهُمْ الزَّوْجُ عَنْهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْهُ لِاسْتِطَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَنْتَقِلُونَ عَنْهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَبَذَتْ

عَلَيْهِمْ نَقَلُوا دُونَهَا لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِدَارِ أَبَوَيْهَا : كَذَا قَالَاهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَوْلَى نَقْلُهُمْ دُونَهَا وَهُوَ حَسَنٌ ، وَخَرَجَ بِالْجِيرَانِ مَا لَوْ طَلُقَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَتَأَذَّتْ بِهِمْ أَوْ هُمْ بِهَا فَلَا نَقْلَ ؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ لَا تَطُولُ بَيْنَهُمْ ، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْتِقَالُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ لَوْ لَزِمَهَا حَدٌّ أَوْ يَمِينٌ فِي دَعْوَى وَهِيَ بَرْزَةٌ خَرَجَتْ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً حُدَّتْ وَحُلِّفَتْ فِي مَسْكَنِهَا بِأَنْ يَحْضُرَ إلَيْهَا الْحَاكِمُ أَوْ يَبْعَثَ إلَيْهَا نَائِبَهُ ، وَلَوْ لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ هَاجَرَتْ مِنْهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ فَلَا تُهَاجِرُ حَتَّى تَعْتَدَّ ، أَوْ زَنَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَهِيَ بِكْرٌ غُرِّبَتْ ، وَلَا يُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، وَيُخَالِفُ هَذَا تَأْخِيرَ الْحَدِّ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْحَدِّ وَيُعِينَانِ عَلَى الْهَلَاكِ ، وَالْعِدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْحَدِّ وَلَا تُعْذَرُ فِي الْخُرُوجِ لِتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَتَعْجِيلِ حَجَّةِ إسْلَامٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَغْرَاضِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الزِّيَادَاتِ دُونَ الْمُهِمَّاتِ

وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ فَفِي الْأَوَّلِ ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ ثُمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ ، وَلَوْ أَذِنَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ ، أَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ وَالْمُضِيُّ ، فَإِنْ مَضَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ

( وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ ) فِي الْبَلَدِ ( بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ ) فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ الْمُهِمَّاتِ ( قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى مَسْكَنٍ ) فِي الْبَلَدِ ( بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ ) فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ مَوْتٍ ( قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ ) أَيْ الْمَسْكَنِ ( اعْتَدَّتْ فِيهِ ) لَا فِي الْأَوَّلِ ( عَلَى النَّصِّ ) فِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْمُقَامِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ تَعْتَدُّ فِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ وَقْتَ الْفِرَاقِ فِي الثَّانِي ، وَقِيلَ تَتَخَيَّرُ لِتَعَلُّقِهَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، أَمَّا إذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بَعْدَ وُصُولِهَا فِيهِ فَتَعْتَدُّ فِيهِ جَزْمًا تَنْبِيهٌ : الْعِبْرَةُ فِي النُّقْلَةِ بِبَدَنِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْقُلْ الْأَمْتِعَةَ وَالْخَدَمَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ عَادَتْ لِنَقْلِ مَتَاعِهَا أَوْ خَدَمِهَا فَطَلَّقَهَا فِيهِ اعْتَدَّتْ فِي الثَّانِي ( أَوْ ) كَانَ انْتِقَالُهَا مِنْ الْأَوَّلِ ( بِغَيْرِ إذْنٍ ) مِنْ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَلَوْ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الْمُقَامِ فِيهِ ( فَفِي الْأَوَّلِ ) تَعْتَدُّ لِعِصْيَانِهَا بِذَلِكَ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِالْمُقَامِ فِيهِ كَانَ كَالنُّقْلَةِ بِإِذْنِهِ ( وَكَذَا ) تَعْتَدُّ أَيْضًا فِي الْأَوَّلِ وَ ( لَوْ أَذِنَ ) لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ ( ثُمَّ وَجَبَتْ ) عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ( قَبْلَ الْخُرُوجِ ) مِنْهُ وَإِنْ بَعَثَتْ أَمْتِعَتَهَا وَخَدَمَهَا إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْزِلُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ ( وَلَوْ أَذِنَ ) لَهَا ( فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ ) فِيمَا ذُكِرَ ( أَوْ ) أَذِنَ لَهَا ( فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ ) عُمْرَةٍ وَ ( تِجَارَةٍ ) أَوْ اسْتِحْلَالِ مَظْلَمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَدِّ آبِقٍ وَالسَّفَرِ لِحَاجَتِهَا ( ثُمَّ وَجَبَتْ ) عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ( فِي ) أَثْنَاءِ ( الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ ) إلَى الْأَوَّلِ ( وَالْمُضِيُّ ) فِي السَّفَرِ ؛ لِأَنَّ فِي قَطْعِهَا عَنْ السَّفَرِ مَشَقَّةٌ ، لَا

سِيَّمَا إذَا بَعُدَتْ عَنْ الْبَلَدِ وَخَافَتْ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الرُّجُوعُ وَالْعَوْدُ إلَى الْمَنْزِلِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّاهُ ، وَهِيَ فِي سَيْرِهَا مُعْتَدَّةٌ ، وَخَرَجَ بِالطَّرِيقِ مَا لَوْ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ فَلَا تَخْرُجُ قَطْعًا ، وَمَا لَوْ وَجَبَتْ فِيهِ وَلَمْ تُفَارِقْ عُمْرَانَ الْبُلْدَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَوْدُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْرَعْ فِي السَّفَرِ ( فَإِنْ ) لَمْ تَرْجِعْ فِيمَا إذَا خُيِّرَتْ وَ ( مَضَتْ ) لِمَقْصَدِهَا أَوْ بَلَغَتْهُ ( أَقَامَتْ ) فِيهِ ( لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَمَلًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَإِنْ زَادَتْ إقَامَتُهَا عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ ، وَأَفْهَمَ أَنَّ الْحَاجَةَ إذَا انْقَضَتْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا اسْتِكْمَالُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ اسْتِكْمَالَهَا ( ثُمَّ يَجِبُ ) عَلَيْهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهَا ( الرُّجُوعُ ) فِي الْحَالِ ( لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ ) مِنْ الْعِدَّةِ ( فِي الْمَسْكَنِ ) الَّذِي فَارَقَتْهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ تَمْضِ اعْتَدَّتْ الْبَقِيَّةَ فِي مَسْكَنِهَا تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ ، يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَوَقَّعْ بُلُوغَ الْمَسْكَنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فِي الطَّرِيقِ أَنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا وَعَوْدَهَا مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِ ، أَمَّا إذَا سَافَرَتْ لِنُزْهَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ سَافَرَ بِهَا الزَّوْجُ لِحَاجَتِهِ فَلَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ ثُمَّ تَعُودُ ، فَإِنْ قَدَّرَ لَهَا مُدَّةً فِي نُقْلَةٍ أَوْ سَفَرِ حَاجَةٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَاعْتِكَافٍ اسْتَوْفَتْهَا وَعَادَتْ

لِتَمَامِ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ انْقَضَتْ فِي الطَّرِيقِ كَمَا مَرَّ وَتَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ فِي الطَّرِيقِ وَعَدَمِ رُفْقَةٍ ، وَلَوْ جَهِلَ أَمْرَ سَفَرِهَا بِأَنْ أَذِنَ لَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ حَاجَةً وَلَا نُزْهَةً وَلَا أَقِيمِي وَلَا ارْجِعِي حُمِلَ عَلَى سَفَرِ النُّقْلَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ

فَرْعٌ : لَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ بِإِذْنِ زَوْجِهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ ، فَإِنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ كَضِيقِ الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مُعْتَدَّةً لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ الْفَوَاتَ لِسَعَةِ الْوَقْتِ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى ذَلِكَ لِمَا فِي تَعْيِينِ الصَّبْرِ مِنْ مَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ بِإِذْنٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ ، سَوَاءٌ أَخَافَتْ الْفَوَاتَ أَمْ لَا لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ فِي الْأُولَى ، وَلِعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا أَوْ حَجَّهَا إنْ بَقِيَ وَقْتُهُ ، وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ

وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوفَةِ فَطَلَّقَ وَقَالَ مَا أَذِنْت فِي الْخُرُوجِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ قَالَتْ : نَقَلْتَنِي فَقَالَ بَلْ أَذِنْت لِحَاجَةٍ صُدِّقَ عَلَى الْمَذْهَبِ
( وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوفَةِ ) لَهَا بِالسُّكْنَى فِيهَا ( فَطَلَّقَ وَقَالَ : مَا أَذِنْتُ ) لَكِ ( فِي الْخُرُوجِ ) وَقَالَتْ : بَلْ أَذِنْتَ لِي ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ حَالًا إلَى الْمَأْلُوفَةِ ، فَإِنْ وَافَقَهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ حَالًا وَاخْتِلَافُهَا فِي إذْنِهِ فِي الْخُرُوجِ لِغَيْرِ الْبَلْدَةِ الْمَأْلُوفَةِ كَالدَّارِ ( وَلَوْ قَالَتْ ) لَهُ : ( نَقَلْتَنِي ) أَيْ أَذِنْتَ لِي فِي النُّقْلَةِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَيَجِبُ عَلَيَّ الْعِدَّةُ فِيهِ ( فَقَالَ ) لَهَا : ( بَلْ أَذِنْتُ ) لَكِ فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ ( لِحَاجَةٍ ) عَيَّنَهَا فَارْجِعِي فَاعْتَدِّي فِي الْأَوَّلِ ( صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ

وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعْرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ

تَنْبِيهٌ : لَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَارِثِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي الْمَنْزِلِ الثَّانِي يَشْهَدُ بِصِدْقِهَا ، وَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا عَلَى جَانِبِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُرَجَّحُ عَلَى جَانِبِ الزَّوْجِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِمَا وَالْوَارِثُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا ، وَلِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِمَا جَرَى مِنْ الْوَارِثِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ ( وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ ) بِفَتْحِ الدَّالِ لِسُكَّانِ الْبَادِيَةِ ، وَهُوَ مِنْ شَاذِّ النَّسَبِ كَمَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ ( وَبَيْتُهَا مِنْ ) نَحْوِ ( شَعَرٍ ) كَصُوفٍ ( كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ ) فِي لُزُومِ مُلَازَمَتِهِ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَوْ ارْتَحَلَ فِي أَثْنَائِهَا كُلُّ الْحَيِّ ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ لِلضَّرُورَةِ ، وَإِنْ ارْتَحَلَ بَعْضُ الْحَيِّ نُظِرَ ، إنْ كَانَ أَهْلُهَا مِمَّنْ لَمْ يَرْتَحِلْ وَفِي الْمُقِيمِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا الِارْتِحَالُ ، وَإِنْ ارْتَحَلَ أَهْلُهَا وَفِي الْبَاقِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ وَبَيْنَ أَنْ تَرْحَلَ ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْأَهْلِ عُسْرَةٌ مُوحِشَةٌ ، وَهَذَا مِمَّا تُخَالِفُ فِيهِ الْبَدَوِيَّةُ الْحَضَرِيَّةَ ، فَإِنَّ أَهْلَهَا لَوْ ارْتَحَلُوا لَمْ تَرْتَحِلْ مَعَهُمْ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ إذَا كَانَ مُطَلِّقُهَا فِي الْمُقِيمِينَ وَاخْتَارَ إقَامَتَهَا يُسْكِنُهَا مَتَى شَاءَ أَوْ لَا ؟ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا ، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَلَهَا إذَا ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ أَنْ تُقِيمَ دُونَهُمْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي الطَّرِيقِ لِتَعْتَدَّ فَإِنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ السَّيْرِ ، وَإِنْ هَرَبَ أَهْلُهَا خَوْفًا مِنْ عَدُوٍّ وَأَمِنَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَهْرُبَ مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ إذَا أَمِنُوا تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى إلْحَاقِ الْبَدَوِيَّةِ بِالْحَضَرِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ بَيْتٍ فِي

الْحِلَّةِ إلَى آخَرَ مِنْهَا فَخَرَجَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الْآخَرِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُضِيُّ أَوْ الرُّجُوعُ ؟ أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ تِلْكَ الْحِلَّةِ إلَى حِلَّةٍ أُخْرَى فَوُجِدَ سَبَبُ الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ بَيْنَ الْحِلَّتَيْنِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلٍ وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ حِلَّتِهَا ، فَهَلْ تَمْضِي أَوْ تَرْجِعُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْحَضَرِيَّةِ ؟ وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ

وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا تَعَيَّنَ
وَلَوْ طَلَّقَهَا مَلَّاحُ سَفِينَةٍ أَوْ مَاتَ وَكَانَ مَسْكَنُهَا السَّفِينَةُ اعْتَدَّتْ فِيهَا إنْ انْفَرَدَتْ عَنْ الزَّوْجِ فِي الْأُولَى بِمَسْكَنٍ فِيهَا بِمُرَافَقَةٍ لِاتِّسَاعِهَا مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى بُيُوتٍ مُتَمَيِّزَةِ الْمَرَافِقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ فِي الْخَانِ وَإِنْ لَمْ تَنْفَرِدْ بِذَلِكَ ، فَإِنْ صَحِبَهَا مَحْرَمٌ لَهَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِتَسْيِيرِ السَّفِينَةِ خَرَجَ الزَّوْجُ مَعَهَا وَاعْتَدَّتْ هِيَ فِيهَا ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا مَوْصُوفًا بِذَلِكَ خَرَجَتْ إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَى الشَّطِّ وَاعْتَدَّتْ فِيهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْخُرُوجُ مِنْهُ تَسَتَّرَتْ وَتَنَحَّتْ عَنْهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ( وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ ) مِلْكًا ( لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا ) بِأَنْ يَسْكُنَ مِثْلُهَا فِي مِثْلِهِ ( تَعَيَّنَ ) اسْتِدَامَتُهَا فِيهِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ السَّابِقَةِ

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ ، وَقِيلَ بَاطِلٌ ، أَوْ مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا فِيهِ ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ نُقِلَتْ ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ ، أَوْ لَهَا اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ

تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ قَدْ رَهَنَ الْمَسْكَنَ بِدَيْنٍ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ وَفَاؤُهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ وَتُنْقَلُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي بِإِقَامَتِهَا فِيهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : يَلِيقُ بِهَا ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْمَسْكَنِ بِحَالِهَا لَا بِحَالِ الزَّوْجِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ يُرَاعَى حَالُ الزَّوْجِيَّةِ حَالُ الزَّوْجِ يُخَالِفُهُ هُنَا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَا أَعْرِفُ التَّفْرِقَةَ لِغَيْرِهِ ( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ) أَيْ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ( إلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ كَبَيْعِهِ ، وَمَرَّ فِي الْإِجَارَةِ صِحَّةُ بَيْعِهِ فِي الْأَظْهَرِ فَبَيْعُ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ كَذَلِكَ ، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ ( وَقِيلَ ) بَيْعُ مَسْكَنِهَا ( بَاطِلٌ ) أَيْ قَطْعًا ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ لَا تَمْلِكُهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمُطَلِّقَ بَاعَهُ وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهُ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَذَلِكَ بَاطِلٌ تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْمُعْتَدَّةُ هِيَ الْمُشْتَرِيَةَ ، فَإِنْ كَانَتْ صَحَّ الْبَيْعُ لَهَا جَزْمًا ، أَمَّا عِدَّةُ الْحَمْلِ وَالْأَقْرَاءِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ ( أَوْ ) كَانَ ( مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا ) الْعِدَّةُ ( فِيهِ ) لِأَنَّ السُّكْنَى ثَابِتَةٌ فِي الْمُسْتَعَارِ ثُبُوتَهَا فِي الْمَمْلُوكِ فَشَمِلَتْهَا الْآيَةُ ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ نَقْلُهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ ( فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ ) فِيهِ ( وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ ) لِمِثْلِ مَسْكَنِهَا وَطَلَبَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِيجَارِ ( نُقِلَتْ ) إلَى أَقْرَبِ مَا يُوجَدُ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ امْتَنَعَ النَّقْلُ وَلَزِمَ الزَّوْجَ بَذْلُهَا ، وَهُوَ مَا

نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَسْكَنِ مَجَّانًا لِعَارِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ رُجُوعِهِ خُرُوجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ بِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ زَوَالِ اسْتِحْقَاقٍ بِانْقِضَاءِ إجَارَةٍ أَوْ مَوْتٍ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ الْإِعَارَةِ قَبْلَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا ، فَإِنْ كَانَ بَعْدُ وَعُلِمَ بِالْحَالِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ لِمَا فِي الرُّجُوعِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ كَمَا يَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ ا هـ .
بَلْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ ( وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ ) وَلَمْ يَرْضَ مَالِكُهُ بِتَجْدِيدِ أُجْرَةِ مِثْلٍ تُنْقَلُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ فَلَا تَنْتَقِلُ ، وَفِي مَعْنَى الْمُسْتَأْجَرِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا مُدَّةً وَانْقَضَتْ ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ بَعْدَ أَنْ نُقِلَتْ نَظَرْتَ ، إنْ كَانَ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ مُسْتَعَارًا رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ ، أَوْ مُسْتَأْجَرًا لَمْ تُرَدَّ ، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْأَقْرَبُ ؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَاهَا إلَى الْأَوَّلِ إضَاعَةَ مَالٍ أَمَّا إذَا رَضِيَا بِعَوْدِهَا بِعَارِيَّةٍ فَلَا تُرَدُّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ مِنْ الرُّجُوعِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ كَمَا مَرَّ ( أَوْ ) مِلْكًا ( لَهَا اسْتَمَرَّتْ ) فِيهِ جَوَازًا ( وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ ) مِنْ الْمُطَلِّقِ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَيْ أُجْرَةُ أَقَلِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ الْمَسْكَنِ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ فِيهِ ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي

الرَّوْضَةِ أَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ بِالْإِقَامَةِ فِيهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ جَازَ وَهُوَ أَوْلَى ، وَإِنْ طَلَبَتْ الِانْتِقَالَ فَلَهَا ذَلِكَ ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بَذْلُ مَسْكَنِهَا لَا بِإِجَارَةٍ وَلَا بِإِعَارَةٍ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إلَّا بِطَلَبِهَا ، فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِسُقُوطِهَا ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ وَقَدْ وُجِدَ فَلَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ الطَّلَبِ ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تُمْلَكُ لَوْ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ، وَالْمَسْكَنُ لَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي وَقْتٍ وَقَدْ مَضَى ، وَكَذَا لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً لَوْ سَكَنَتْ فِي مَنْزِلِهَا مَعَ الزَّوْجِ فِي الْعِصْمَةِ عَلَى النَّصِّ إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ الْعَارِيَ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ مُنَزَّلٌ عَلَى الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ : أَيْ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ

فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا فَلَهُ النَّقْلُ إلَى لَائِقٍ بِهَا ، أَوْ خَسِيسًا ، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ ، وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتِهَا وَلَا مُدَاخَلَتِهَا ، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ أَوْ لَهُ أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى ، أَوْ أَمَةٌ ، أَوْ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ جَازَ

( فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا فَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( النَّقْلُ إلَى ) أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ مَسْكَنِ النِّكَاحِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ( لَائِقٍ بِهَا ) لِأَنَّ النَّفِيسَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ سَمَحَ بِهِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ ، وَهَلْ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ تَرَدُّدٌ ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَنَقْلِ الزَّكَاةِ إذَا عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْأَقْرَبُ ، وَإِنْ رَضِيَ بِبَقَائِهَا فِيهِ لَزِمَهَا ( أَوْ ) كَانَ ( خَسِيسًا ) لَا يَلِيقُ بِهَا ( فَلَهَا الِامْتِنَاعُ ) مِنْ اسْتِمْرَارِهَا فِيهِ وَطَلَبُ النُّقْلَةِ إلَى لَائِقٍ بِهَا إذْ لَيْسَ هُوَ حَقَّهَا ، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَمَحَتْ بِهِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْمَى ( مُسَاكَنَتُهَا وَلَا مُدَاخَلَتُهَا ) فِي الدَّارِ الَّتِي تَعْتَدُّ فِيهَا ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْخَلْوَةِ بِهَا وَهِيَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا بِهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } أَيْ فِي الْمَسْكَنِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَمْ رَجْعِيًّا ( فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ ) الْوَاسِعَةِ الَّتِي زَادَتْ عَلَى سُكْنَى مِثْلِهَا ( مَحْرَمٌ لَهَا ) وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ( مُمَيِّزٌ ) يَسْتَحْيِي مِنْهُ ، وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مُرَاهِقٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ : وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا ، أَوْ مُرَاهِقًا ، أَوْ مُمَيِّزًا يُسْتَحْيَى مِنْهُ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِنْ الْمُرَاهَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى ، وَقَوْلُهُ ( ذَكَرٌ ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْأُنْثَى كَأُخْتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ ثِقَةً ، فَقَدْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الثِّقَةِ ، فَالْمَحْرَمُ أَوْلَى ( أَوْ ) مَحْرَمٌ ( لَهُ )

مُمَيِّزٌ ( أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى ، أَوْ أَمَةٌ ، أَوْ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ جَازَ ) مَا ذُكِرَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِاحْتِمَالِ النَّظَرِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ ، وَيُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ أَنْ يَكُونَا ثِقَتَيْنِ ، وَقِيلَ : لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ لِمَا عِنْدَهَا مِنْ الْغَيْرَةِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، فَلَا يَكْفِي الْأَعْمَى ، كَمَا لَا يَكْفِي فِي السَّفَرِ بِالْمَرْأَةِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا

وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ الْأُخْرَى فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، وَسُفْلٌ وَعُلُوٌّ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ

تَنْبِيهٌ : يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَتَيْنِ أَجْنَبِيَّتَيْنِ ثِقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ - مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو بِالنِّسَاءِ إلَّا الْمَحْرَمُ - مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الثِّقَاتِ لِيُوَافِقَ الْمَذْكُورَ هُنَا فَإِنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ، وَيَحْرُمُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خَلْوَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ بِامْرَأَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْيَاءَ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِحْيَاءِ الرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ ( وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ ) وَهِيَ كُلُّ بِنَاءٍ مَحُوطٍ أَوْ نَحْوُهَا كَطَبَقَةٍ ( فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ ( وَ ) سَكَنَ ( الْآخَرُ ) الْحُجْرَةَ ( الْأُخْرَى ) مِنْ الدَّارِ ( فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ ) لِلدَّارِ وَهِيَ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ فِيهَا ( كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ ) وَمَصَبِّ مَاءٍ وَمَرْقَى سَطْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ ) حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ فِيمَا ذُكِرَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَتَّحِدْ الْمَرَافِقُ ، بَلْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْ الْحُجْرَتَيْنِ بِمَرَافِقَ ( فَلَا ) يُشْتَرَطُ مَحْرَمٌ ، وَيَجُوزُ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَالدَّارَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْمَرَافِقُ خَارِجَ الْحُجْرَةِ فِي الدَّارِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَيَنْبَغِي ) أَنْ يُشْتَرَطَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ ( أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ ( مِنْ بَابٍ ) وَسَدُّهُ أَوْلَى ( وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إحْدَاهُمَا ) أَيْ الْحُجْرَتَيْنِ بِحَيْثُ يَمُرُّ فِيهِ ( عَلَى ) الْحُجْرَةِ ( الْأُخْرَى ) مِنْ الدَّارِ كَمَا اشْتَرَطَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْخَلْوَةِ ( وَسُفْلٌ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ كَسْرُهُ ( وَعُلُوٌّ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ

فَتْحُهُ وَكَسْرُهُ ، حُكْمُهُمَا ( كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ ) فِيمَا ذُكِرَ قَالَ فِي التَّجْرِيدِ : وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْكِنَهَا الْعُلُوَّ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا

خَاتِمَةٌ : يَكْتَرِي الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ مُطَلِّقٍ لَا مَسْكَنَ لَهُ مَسْكَنًا لِمُعْتَدَّتِهِ لِتَعْتَدَّ فِيهِ إنْ فُقِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا الْحَاكِمُ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ تَكْتَرِيَ الْمَسْكَنَ مِنْ مَالِهَا جَازَ وَتَرْجِعُ بِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ نَظَرْتَ فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ أَوْ لَمْ تَقْدِرْ وَلَمْ تُشْهِدْ لَمْ تَرْجِعْ ، وَإِنْ قَدَرَتْ وَأَشْهَدَتْ رَجَعَتْ ، وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ فَقَالَتْ : انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي حَيَاتِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْعِدَّةُ عَنْهَا وَلَمْ تَرِثْ لِإِقْرَارِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا قَيَّدَهُ الْقَفَّالُ بِالرَّجْعِيَّةِ ، فَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ قَالَ : فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ؟ فَادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ رَجْعِيًّا وَأَنَّهَا تَرِثُ فَالْأَشْبَهُ نَعَمْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ

بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ يَجِبُ بِسَبَبَيْنِ : أَحَدُهُمَا مِلْكُ أَمَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ ، أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ إقَالَةٍ وَسَوَاءٌ بِكْرٌ ، وَمَنْ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرُهَا

بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْمَدِّ وَجَعَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَصْلًا لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِبَابِ الْعِدَّةِ ، وَهُوَ لُغَةً طَلَبُ الْبَرَاءَةِ ، وَشَرْعًا تَرَبُّصُ الْأَمَةِ مُدَّةً بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ حُدُوثًا أَوْ زَوَالًا لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، أَوْ لِلتَّعَبُّدِ ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِغَيْرِ حُدُوثِ مِلْكٍ أَوْ زَوَالِهِ كَأَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ ، عَلَى أَنَّ حُدُوثَ مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، بَلْ الشَّرْطُ كَمَا سَيَأْتِي حُدُوثُ حِلِّ التَّمَتُّعِ بِهِ لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَتَزْوِيجِ مَوْطُوءَتِهِ وَنَحْوِهَا ، وَخُصَّ هَذَا بِهَذَا الِاسْمِ ؛ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِأَقَلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ وَتَعَدُّدٍ ، وَخُصَّ التَّرَبُّصُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ بِاسْمِ الْعِدَّةِ اشْتِقَاقًا مِنْ الْعِدَدِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِهَا لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ غَالِبًا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَدِلَّةِ ( يَجِبُ ) الِاسْتِبْرَاءُ لِحِلِّ تَمَتُّعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ ( بِسَبَبَيْنِ : أَحَدُهُمَا ) وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ ( مِلْكُ ) حُرٍّ جَمِيعَ ( أَمَةٍ ) لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لَهُ كَمَا سَيَأْتِي ( بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ ) وَقَوْلُهُ ( أَوْ سَبْيٍ ) أَيْ قِسْمَةٍ عَنْهُ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ فَإِنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ أَخَذَ جَارِيَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا إنَّهُ يَحْرُمُ وَطْءُ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يَنْصِبَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ ( أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ ، أَوْ تَحَالُفٍ ، أَوْ إقَالَةٍ ) أَوْ قَبُولِ وَصِيَّةٍ أَوْ

غَيْرِهِمَا كَفَسْخٍ بِفَلَسٍ ، وَرُجُوعٍ فِي هِبَةٍ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بِسَبَبَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا كَمَا مَرَّ بِقَرْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ هُنَا حُدُوثُ مِلْكٍ وَلَا زَوَالُهُ ، وَمَرَّ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : مِلْكُ أَمَةٍ ، يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مِلْكِ جَمِيعِهَا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا فَإِنَّهَا لَا تُبَاحُ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِبَعْضِ أَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَأَشَارَ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِلْكِ الْقَهْرِيِّ وَالِاخْتِيَارِيِّ ، وَخَرَجَ الْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَطْءُ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا السَّيِّدُ ( وَسَوَاءٌ بِكْرٌ ، وَمَنْ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرُهَا ) بِرَفْعِ الرَّاءِ بِخَطِّهِ : أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ صَغِيرَةٍ وَآيِسَةٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ { أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غَيْرَ الْمَسْبِيَّةِ عَلَيْهَا بِجَامِعِ حُدُوثِ الْمِلْكِ ، وَأَخَذَ الْإِطْلَاقَ فِي الْمَسْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهَا ، وَأَلْحَقَ مَنْ لَمْ تَحِضْ أَوْ أَيِسَتْ بِمَنْ تَحِيضُ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ غَالِبًا ، وَهُوَ شَهْرٌ كَمَا سَيَأْتِي

وَيَجِبُ فِي مُكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ
( وَيَجِبُ ) الِاسْتِبْرَاءُ أَيْضًا ( فِي مُكَاتَبَةٍ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَسَخَتْهَا بِلَا تَعْجِيزٍ أَوْ ( عُجِّزَتْ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ الْمَكْسُورِ بِخَطِّهِ أَيْ بِتَعْجِيزِ السَّيِّدِ لَهَا عِنْدَ عَجْزِهَا عَنْ النُّجُومِ لِعَوْدِ مِلْكِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ زَوَالٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ .

وَكَذَا مُرْتَدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ
تَنْبِيهٌ : أَمَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ إذَا عُجِّزَا أَوْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهُمَا كَالْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَكَذَا ) أَمَةٌ ( مُرْتَدَّةٌ ) عَادَتْ لِلْإِسْلَامِ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِزَوَالِ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ ثُمَّ إعَادَتِهِ ، فَأَشْبَهَ تَعْجِيزَ الْمُكَاتَبَةِ ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّيِّدُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ أَيْضًا ، وَلَوْ عَبَّرَ بِزَوَالِ رِدَّةٍ لَعَمَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ

فَرْعٌ : لَوْ زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَاعْتَدَّتْ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يَدْخُلْ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْعِدَّةِ ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ

لَا مَنْ خَلَتْ مِنْ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامٍ ، وَفِي الْإِحْرَامِ وَجْهٌ
تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي جَارِيَةٍ وَقَبَضَهَا فَوَجَدَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَرَدَّهَا لَزِمَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي هَذِهِ زَالَ ثُمَّ عَادَ بِالرَّدِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ، وَلِهَذَا حَذَفَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ( لَا مَنْ ) أَيْ أَمَةٌ ( خَلَتْ مِنْ ) مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَ ( صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ ) أَوْ يَتَوَقَّفُ وَأَذِنَ فِيهِ كَرَهْنٍ ( وَإِحْرَامٍ ) بَعْدَ حُرْمَتِهَا عَلَى سَيِّدِهَا بِذَلِكَ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَعْدَ حِلِّهَا مِمَّا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِذَلِكَ لَا تَحِلُّ بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَالرِّدَّةِ ( وَفِي الْإِحْرَامِ وَجْهٌ ) أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الْحِلِّ مِنْهُ كَالرِّدَّةِ ، وَرُدَّ هَذَا بِمَا مَرَّ

تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ مُعْتَكِفَةً اعْتِكَافًا مَنْذُورًا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَهَلْ يَكْفِي مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الْعِبَادَاتِ الثَّلَاثِ أَمْ يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ ؟ أُجِيبَ بِتَصَوُّرِهِ فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ

وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ اُسْتُحِبَّ ، وَقِيلَ يَجِبُ
( وَلَوْ اشْتَرَى ) حُرٌّ ( زَوْجَتَهُ ) الْأَمَةَ ( اُسْتُحِبَّ ) لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِيَتَمَيَّزَ وَلَدُ الْمِلْكِ مِنْ وَلَدِ النِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا ثُمَّ يَعْتِقُ ، فَلَا يَكُونُ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ ( وَقِيلَ يَجِبُ ) الِاسْتِبْرَاءُ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِتَجَدُّدِ الْحِلِّ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يَطَأُ بِالْمِلْكِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ وَقَدْ وَطِئَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ اعْتَدَّتْ مِنْهُ بِقُرْأَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ فَلَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ ، وَلَوْ مَاتَ عَقِبَ الشِّرَاءِ لَمْ يَلْزَمْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ مَمْلُوكَتُهُ ، وَتَعْتَدُّ مِنْهُ بِقُرْأَيْنِ ، أَمَّا لَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُبَعَّضُ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ ، وَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا

وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً لَمْ يَجِبْ ، فَإِنْ زَالَا وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ
( وَلَوْ مَلَكَ ) أَمَةً ( مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً ) مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا ذُكِرَ أَوْ جَهْلِهِ وَأَجَازَ الْبَيْعَ ( لَمْ يَجِبْ ) عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا حَالًا لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ غَيْرِهِ ( فَإِنْ زَالَا ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ وَالْعِدَّةُ بِأَنْ طَلُقَتْ الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الزَّوْجِ أَوْ الشُّبْهَةِ ( وَجَبَ ) حِينَئِذٍ الِاسْتِبْرَاءُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لَهُ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ اكْتِفَاءً بِالْعِدَّةِ ، وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَيَطَؤُهَا فِي الْحَالِ تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً مِنْهُ وَلَوْ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ ، وَهَذَا مِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ ، وَكَأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوهُ هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ

الثَّانِي : زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ بِعِتْقٍ أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ

فُرُوعٌ : يُسَنُّ لِلْمَالِكِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلْبَيْعِ قَبْلَ بَيْعِهِ لَهَا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهَا ، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةً شَرِيكَانِ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ أَرَادَا تَزْوِيجَهَا أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ أَمَةَ رَجُلٍ كُلٌّ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ وَأَرَادَ الرَّجُلُ تَزْوِيجَهَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ كَالْعِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَادَّعَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْبَائِعِ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ خِلَافٍ فِيهِ ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَالِيَّةِ ، وَالْقَائِلُ بِخِلَافِهِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْطَعُ إرْثَ الْمُشْتَرِي بِالْوَلَاءِ ، فَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَبَاعَهَا نَظَرْتَ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا مِنْهُ لَحِقَهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا ، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْوَلَدُ لَهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ إلَّا إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ السَّبَبُ ( الثَّانِي : زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ ) بِمِلْكِ الْيَمِينِ غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ ( أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ بِعِتْقٍ ) مُنَجَّزٍ ( أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ ) عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِزَوَالِ فِرَاشِهَا كَمَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ عَنْ نِكَاحٍ ، وَاسْتِبْرَاؤُهَا بِقَرْءٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ ، وَخَرَجَ بِمَوْطُوءَةٍ مَنْ لَمْ تُوطَأْ فَلَا اسْتِبْرَاءَ بِعِتْقِهَا جَزْمًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ

وَأَصْلِهَا ، وَمَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ لَمْ يُعْتِقْهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ ، وَعَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا لِحُدُوثِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مِنْ السَّبَبِ الْأَوَّلِ

تَنْبِيهٌ : لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ عَنْ زَوْجٍ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ التَّمَتُّعِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ ، بِخِلَافِهَا فِي عِدَّةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ فِرَاشًا لِغَيْرِ السَّيِّدِ

وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلِدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ قُلْت : وَلَوْ اسْتَبْرَأَ أَمَةً مَوْطُوءَةً فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ وَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ إذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلَدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ) سَيِّدُهَا ( أَوْ مَاتَ ) عَنْهَا وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ ( وَجَبَ ) عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَلَا تَعْتَدُّ بِمَا مَضَى كَمَا لَا تَعْتَدُّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْرَاءِ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّانِي : لَا يَجِبُ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ ( قُلْت ) : كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( وَلَوْ اسْتَبْرَأَ ) السَّيِّدُ ( أَمَةً مَوْطُوءَةً ) غَيْرَ مُسْتَوْلَدَةٍ ( فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ ) عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ ( وَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ ) عَقِبَ عِتْقِهَا ( إذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ فِرَاشَهَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْرَاءِ اتِّفَاقًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ ، بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ ، فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ

وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ
( وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ ) بِغَيْرِ اسْتِيلَادٍ ، سَوَاءٌ وَطِئَهَا الْمَالِكُ أَوْ مَلَكَهَا مِنْ جِهَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا ( وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ ) فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمَالِكِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلْبَيْعِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَقْصُودَ التَّزْوِيجِ الْوَطْءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْحِلَّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، نَعَمْ لَوْ زَوَّجَهَا مِمَّنْ وَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ كَمَا يَجُوزُ لِوَاطِئِ امْرَأَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهِ

وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ ، وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ فَلَا اسْتِبْرَاءَ
( وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لِوَاحِدٍ ، وَالثَّانِي : لَا ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْتَضِي الِاسْتِبْرَاءَ فَيَتَوَقَّفُ نِكَاحُهُ عَلَيْهِ كَتَزْوِيجِهَا لِغَيْرِهِ ( وَلَوْ أَعْتَقَهَا ) سَيِّدُهَا ( أَوْ مَاتَ ) عَنْهَا ( وَهِيَ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( مُزَوَّجَةٌ ) أَوْ مُعْتَدَّةٌ ( فَلَا اسْتِبْرَاءَ ) يَجِبُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ بَلْ لِلزَّوْجِ فَهِيَ كَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَهُمَا مَشْغُولَتَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ بِخِلَافِهِمَا فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ لِقُصُورِهَا عَنْ دَفْعِ الِاسْتِبْرَاءِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَالْمَوْتِ ، وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَصِيرَا بِذَلِكَ فِرَاشًا لِغَيْرِ السَّيِّدِ

وَهُوَ بِقَرْءٍ ، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْجَدِيدِ

فَرْعٌ : لَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ الْمُزَوَّجَةِ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ مَاتَا مَعًا اعْتَدَّتْ كَالْحُرَّةِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ الْعِدَّةِ فِي الْأُولَى وَاحْتِيَاطًا لَهَا فِي الثَّانِيَةِ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعُدْ إلَى فِرَاشِ السَّيِّدِ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مَوْتُ الزَّوْجِ مَوْتَ سَيِّدِهَا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ ، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا إنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِعَوْدِهَا فِرَاشًا لَهُ عَقِبَ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ مَاتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا نَظَرْتَ ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَمَا دُونَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ - الَّذِي يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِسَبَبِهِ - زَوْجَةً إنْ مَاتَ السَّيِّدُ أَوَّلًا ، أَوْ مُعْتَدَّةً إنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا ، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فِي الْحَالَيْنِ كَمَا مَرَّ ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مِنْ مَوْتِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ السَّيِّدِ أَوَّلًا فَتَكُونَ حُرَّةً عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، أَوْ جُهِلَ قَدْرُهُ لَزِمَهَا الْأَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ، وَمِنْ حَيْضَةٍ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ مَوْتِ الزَّوْجِ فَتَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فِرَاشًا لَهُ فَيَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ ، وَيُحْتَمَلُ تَقَدُّمُ مَوْتِ السَّيِّدِ ، فَتَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ حُرَّةً فَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ ( وَهُوَ ) أَيْ قَدْرُ الِاسْتِبْرَاءِ يَحْصُلُ لِذَاتِ أَقْرَاءٍ ( بِقَرْءٍ ، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ ) بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ ( فِي الْجَدِيدِ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، فَلَا يَكْفِي بَقِيَّةُ الْحَيْضَةِ الَّتِي وُجِدَ السَّبَبُ فِي أَثْنَائِهَا ، وَتَنْتَظِرُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ

الْكَامِلَةِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ كَالْمُعْتَدَّةِ ، وَفِي الْقَدِيمِ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ الطُّهْرُ كَمَا فِي الْعِدَّةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ تَتَكَرَّرُ فِيهَا الْأَقْرَاءُ كَمَا مَرَّ فَتُعْرَفُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهَا ، وَهُنَا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُعْتَمَدُ الْحَيْضُ الدَّالُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَةِ كَمَا اُكْتُفِيَ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تَسْتَعْقِبُ الْحَيْضَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَهَذَا يَسْتَعْقِبُ الطُّهْرَ ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ

وَذَاتُ أَشْهُرٍ بِشَهْرٍ ، وَفِي قَوْلٍ بِثَلَاثَةٍ ، وَحَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ أَوْ زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ بِوَضْعِهِ ، وَإِنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ فَقَدْ سَبَقَ أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ قُلْت : يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ زِنًا فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( وَذَاتُ أَشْهُرٍ ) مِنْ صَغِيرَةٍ وَغَيْرِهَا يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا ( بِشَهْرٍ ) فَقَطْ فَإِنَّهُ كَقَرْءٍ فِي الْحُرَّةِ ، فَكَذَا فِي الْأَمَةِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا ( بِثَلَاثَةٍ ) مِنْ أَشْهُرٍ نَظَرًا ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الرَّحِمِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْمُتَحَيِّرَةُ تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرٍ أَيْضًا عَلَى الْأَوَّلِ ( وَ ) أَمَةٌ ( حَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ ) وَهِيَ الَّتِي مُلِكَتْ بِالسَّبْيِ لَا بِالشِّرَاءِ ( أَوْ ) أَمَةٌ حَائِلٌ غَيْرُ مَسْبِيَّةٍ وَلَكِنْ ( زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ ) لَهَا بِعِتْقِهِ لَهَا أَوْ مَوْتِهِ يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا ( بِوَضْعِهِ ) أَيْ الْحَمْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَإِنْ مُلِكَتْ ) حَامِلٌ ( بِشِرَاءٍ ) أَوْ نَحْوِهِ وَهِيَ فِي نِكَاحٍ أَوْ عِدَّةٍ ( فَقَدْ سَبَقَ ) عِنْدَ قَوْلِهِ : وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً ( أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ ) وَأَنَّهُ يَجِبُ بَعْدَ زَوَالِهَا فِي الْأَظْهَرِ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ هُنَا بِالْوَضْعِ ، لِأَنَّهُ إمَّا غَيْرُ وَاجِبٍ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَضْعِ ( قُلْت : يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ ) أَمَةٍ مِنْ ( زِنًا فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهِ ، وَالثَّانِي : لَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ كَمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالتَّأْكِيدِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ فِيهَا دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُكْتَفَى بِوَضْعِ حَمْلِ غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى تَنْبِيهٌ : يُكْتَفَى بِحَيْضَةٍ فِي الْحَامِلِ مِنْ زِنًا ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ مِنْ الزِّنَا كَالْمُقَارِنِ ؛ لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِالْحَيْضِ

الْحَادِثِ لَا بِالْمُقَارِنِ ، وَاكْتَفَوْا بِالْحَمْلِ الْمُقَارِنِ فَبِالْحَادِثِ أَوْلَى ، قَالَ : وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ أَشْهُرٍ وَحَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْعُدَّةِ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَصِحُّ كَلَامُهُ بِأَنَّ الْحَادِثَ كَالْمُقَارِنِ مَعَ قَوْلِهِ : إنَّهُ يَحْصُلُ بِشَهْرٍ مَعَ وُجُودِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِاسْتِمْرَارِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَتَّى تَضَعَ فِيهِ ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ

وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ حُسِبَ إنْ مَلَكَ بِإِرْثٍ وَكَذَا شِرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ ، لَا هِبَةٍ

( وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ ) عَلَى أَمَةٍ ( بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ ) ( حُسِبَ ) زَمَنُهُ ( إنْ مَلَكَ ) هَا ( بِإِرْثٍ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهِ مَقْبُوضٌ حُكْمًا ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ حِسًّا بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِهِ تَنْبِيهٌ : قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ : مَحَلُّهُ أَنْ تَكُونَ مَقْبُوضَةً لِلْمُوَرِّثِ ، أَمَّا لَوْ ابْتَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِاسْتِبْرَائِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْوَارِثُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ( وَكَذَا شِرَاءٍ ) مُلِكَتْ بِهِ الْأَمَةُ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ بَعْدَ لُزُومِهَا فَإِنَّهُ كَمِلْكِ الْأَمَةِ بِإِرْثٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَازِمٌ فَأَشْبَهَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالثَّانِي : لَا يُحْسَبُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ ، أَمَّا إذَا جَرَى الِاسْتِبْرَاءُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ لِضَعْفِ الْمِلْكِ ، فَلَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمِلْكَ بِالتَّامِّ لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْخِيَارِ : أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَلْزَمُ مِنْ حِلِّهِ الِاعْتِدَادُ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلِّ هُنَاكَ ارْتِفَاعُ التَّحْرِيمِ الْمُسْتَنِدِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَانْقِطَاعُ سَلْطَنَةِ الْبَائِعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ ، وَإِنْ بَقِيَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَنِدُ لِضَعْفِ الْمِلْكِ ، وَانْقِطَاعُ التَّحْرِيمِ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْخِيَارِ ( لَا هِبَةٍ ) جَرَى الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ قَبْضِهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا فَإِنْ قِيلَ : إنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا

بِالْقَبْضِ .
أُجِيبَ بِدَفْعِ ذَلِكَ ، إذْ شَرْطُ الْعَطْفِ بِلَا أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا غَيْرَ صَادِقٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ ، وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقِيلَ : طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ

تَنْبِيهٌ : الْأَمَةُ الْمُوصَى بِهَا إذَا مَضَى زَمَنُ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَبَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ يُحْسَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ ، وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْمُوصَى لَهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَمَغِيبِهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ لَا يَحْصُلُ كَمَا مَرَّ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُوصَى بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ اسْتِبْرَاءٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةُ وَطْءٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِقَوْلِهِ

وَلَوْ اشْتَرَى مَجُوسِيَّةً فَحَاضَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَمْ يَكْفِ
( وَلَوْ اشْتَرَى ) أَمَةً ( مَجُوسِيَّةً ) أَوْ نَحْوَهَا كَمُرْتَدَّةٍ ( فَحَاضَتْ ) أَوْ وُجِدَ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَضْعِ حَمْلٍ أَوْ مُضِيِّ شَهْرٍ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ( ثُمَّ أَسْلَمَتْ ) بَعْدَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ ( لَمْ يَكْفِ ) هَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ الْقَصْدُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالثَّانِي يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِوُقُوعِهِ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَقِرِّ تَنْبِيهٌ : يَلْتَحِقُ بِشِرَاءِ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا مَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ ، فَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ بِقَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَمْ يَكْفِ مَا حَصَلَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَهَلْ يُعْتَدُّ بِاسْتِبْرَاءِ الْمَرْهُونَةِ فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ أَوْ لَا ؟ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ ، وَجَرَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الثَّانِي تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ ، وَهُوَ أَوْجَهُ ، إذَا تَعَلَّقَ الْغُرَمَاءُ بِمَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ

وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ إلَّا مَسْبِيَّةً فَيَحِلُّ غَيْرُ وَطْءٍ وَقِيلَ لَا

( وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ ) قَبْلَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ بِوَطْءٍ لِمَا مَرَّ وَغَيْرُهُ كَقُبْلَةٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ قِيَاسًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ ، وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ حَلَّ مَا عَدَا الْوَطْءَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَقِيَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ إلَى الِاغْتِسَالِ ( إلَّا ) مُسْتَبْرَأَةً ( مَسْبِيَّةً ) وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( فَيَحِلُّ ) لَهُ مِنْهَا ( غَيْرُ وَطْءٍ ) مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : " وَقَعَتْ فِي سَهْمِي جَارِيَةٌ مِنْ سَبْيِ جَلُولَاءَ فَنَظَرْتُ إلَيْهَا فَإِذَا عُنُقُهَا مِثْلُ إبْرِيقِ الْفِضَّةِ فَلَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ قَبَّلْتُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ " وَجَلُولَاءُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ قَرْيَةٌ مِنْ نَوَاحِي فَارِسَ ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا جَلُولِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، فُتِحَتْ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ فَبَلَغَتْ غَنَائِمُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ ، وَفَارَقَتْ الْمَسْبِيَّةُ غَيْرَهَا بِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْلَدَةَ حَرْبِيٍّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ ، وَإِنَّمَا حَرُمَ وَطْؤُهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَاءِ حَرْبِيٍّ لَا لِحُرْمَةِ مَاءِ الْحَرْبِيِّ ( وَقِيلَ : لَا ) يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَسْبِيَّةِ أَيْضًا كَغَيْرِهَا وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَالْمُشْتَرَاةُ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمَسْبِيَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَنَحْوِهِ وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِمْتَاعِ الِاسْتِخْدَامُ فَلَا يَحْرُمُ ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ تَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ بِهَا وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ : وَلَا تُزَالُ يَدُ السَّيِّدِ عَنْ أَمَتِهِ الْمُسْتَبْرَأَةِ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ حَسْنَاءَ

بَلْ هُوَ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ شَرْعًا ؛ لِأَنَّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَمْ يُنْتَزَعْنَ مِنْ أَيْدِي أَصْحَابِهِنَّ ، فَإِنْ وَطِئَهَا السَّيِّدُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ ، فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْحَيْضِ بَقِيَ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَضَعَ ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ حَلَّتْ بِانْقِطَاعِهِ لِتَمَامِهِ قَالَ الْإِمَامُ : هَذَا إنْ مَضَى قَبْلَ وَطْئِهِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَضَعَ كَمَا لَوْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ الْحَيْضِ ا هـ وَهُوَ حَسَنٌ

وَإِذَا قَالَتْ : حِضْت صُدِّقَتْ ، وَلَوْ مَنَعَتْ السَّيِّدَ فَقَالَ : أَخْبَرْتنِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ
( وَإِذَا قَالَتْ ) أَمَةٌ فِي زَمَنِ اسْتِبْرَائِهَا ( حِضْتُ صُدِّقَتْ ) بِلَا يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا غَالِبًا ، وَإِنَّمَا لَمْ تُحَلَّفْ لِأَنَّهَا لَوْ نَكَلَتْ لَمْ يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى الْحَلِفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ ( وَلَوْ مَنَعَتْ السَّيِّدَ ) الْوَطْءَ ( فَقَالَ ) لَهَا أَنْتِ ( أَخْبَرْتِنِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ ) السَّيِّدُ فِي تَمَامِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مُفَوَّضٌ إلَى أَمَانَتِهِ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا قَبْلَ غُسْلِهَا تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَصْدِيقُهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ لَهَا تَحْلِيفَهُ قَالَ : وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ بَاطِنًا مِنْ تَمْكِينِهِ إنْ تَحَقَّقَتْ بَقَاءَ شَيْءٍ مِنْ زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَإِنْ أَبَحْنَاهَا لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَرْعَانِ : لَوْ ادَّعَى السَّيِّدُ حَيْضَهَا فَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ ، وَلَوْ وُرِثَتْ أَمَةٌ فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مُوَرِّثِهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ

وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا إلَّا بِوَطْءٍ ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ
( وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا ) لِسَيِّدِهَا ( إلَّا بِوَطْءٍ ) لَا بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ بِالْإِجْمَاعِ : كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَلَا بِالْخَلْوَةِ بِهَا وَلَا بِوَطْئِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا ، وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ بِهَا حَتَّى إذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لَحِقَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ التَّمَتُّعُ وَالْوَلَدُ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْإِمْكَانِ مِنْ الْخَلْوَةِ ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ التِّجَارَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ ، فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِمْكَانِ مِنْ الْوَطْءِ وَيُعْلَمُ الْوَطْءُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُهُمَا فَصَحَّحَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ، وَصَحَّحَا فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ اللُّحُوقَ ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ .
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّحُوقِ ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ : الْقَوْلُ بِاللُّحُوقِ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى الْأَمَةِ ، وَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى الْحُرَّةِ ثُمَّ أَشَارَ لِفَائِدَةِ كَوْنِ الْأَمَةِ فِرَاشًا بِقَوْلِهِ ( فَإِذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( لَحِقَهُ ) الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ لِثُبُوتِ الْفِرَاشِ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزَمْعَةَ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ وَارِثِهِ بِالِاسْتِيلَادِ ، وَقَالَ : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ أَيْ الزَّانِي الْحَجَرُ } : أَيْ الرَّجْمُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا كَمَا مَرَّ ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ مَا إذَا اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ

وَلَوْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ وَنَفَى الْوَلَدَ وَادَّعَى اسْتِبْرَاءً لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ الِاسْتِبْرَاءَ خُلِّفَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ، وَقِيلَ : يَجِبُ تَعَرُّضُهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ

( وَلَوْ أَقَرَّ ) السَّيِّدُ ( بِوَطْءٍ ) لِأَمَتِهِ ( وَنَفَى الْوَلَدَ ) مِنْهَا ( وَادَّعَى ) بَعْدَ وَطْئِهَا ( اسْتِبْرَاءً ) مِنْهَا بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ وَأَتَى الْوَلَدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ ( لَمْ يَلْحَقْهُ ) الْوَلَدُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ ، وَفِي قَوْلٍ يَلْحَقُهُ تَخْرِيجًا مِنْ نَصِّهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَمَضَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ التَّسَرِّي إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ أَوْ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَارَضَ الْوَطْءُ هُنَا الِاسْتِبْرَاءَ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اللُّحُوقُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ مَعَ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ أَمَّا إذَا أَتَى الْوَلَدُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَيَلْحَقُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَئِذٍ تَنْبِيهٌ : وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ حِينَئِذٍ بِاللِّعَانِ قَالَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي اللِّعَانِ ا هـ .
وَنُسِبَ فِي ذَلِكَ لِلسَّهْوِ ، فَإِنَّ السَّابِقَ هُنَاكَ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ( فَإِنْ أَنْكَرَتْ ) الْأَمَةُ ( الِاسْتِبْرَاءَ حُلِّفَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ السَّيِّدُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَيَكْفِي فِيهِ ( أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ) وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي نَفْيِ وَلَدِ الْحُرَّةِ ، وَهَلْ يَقُولُ فِي حَلِفِهِ : اسْتَبْرَأْتُهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادَتِهَا هَذَا الْوَلَدَ ، أَوْ يَقُولُ : وَلَدَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ اسْتِبْرَائِي ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلٌّ مِنْهُمَا ( وَقِيلَ : يَجِبُ ) مَعَ حَلِفِهِ الْمَذْكُورِ ( تَعَرُّضُهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ ) أَيْضًا لِيُثْبِتَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُ

وَلَوْ ادَّعَتْ اسْتِيلَادًا فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَطْءِ ، وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلَّفْ عَلَى الصَّحِيحِ
فَرْعٌ : لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِتْقِ لَمْ يَلْحَقْهُ ( وَلَوْ ادَّعَتْ ) الْأَمَةُ ( اسْتِيلَادًا فَأَنْكَرَ ) السَّيِّدُ ( أَصْلَ الْوَطْءِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلَّفْ ) سَيِّدُهَا ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الْوَطْءِ وَكَانَ الْوَلَدُ مَنْفِيًّا عَنْهُ ، وَإِنَّمَا حُلِّفَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِمَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّسَبِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْلِيفِ وَالثَّانِي : يُحَلَّفُ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ ثَبَتَ النَّسَبُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ حُلِّفَ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : هُنَاكَ وَلَدٌ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ لَا يُحَلَّفُ جَزْمًا كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّةَ دَعْوَى الْأَمَةِ الِاسْتِيلَادَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي ، الْأَصَحِّ

وَلَوْ قَالَ : وَطِئْتهَا وَعَزَلْت لَحِقَهُ فِي الْأَصَحِّ
( وَلَوْ قَالَ ) سَيِّدُ الْأَمَةِ ( وَطِئْتُهَا وَعَزَلْتُ ) وَقْتَ الْإِنْزَالِ مَائِي عَنْهَا ( لَحِقَهُ ) الْوَلَدُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْمَاءَ سَبَّاقٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ فَيَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ وَهُوَ لَا يُحِسُّ بِهِ ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِنْزَالُ وَالثَّانِي : لَا يَلْحَقُهُ كَدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ

خَاتِمَةٌ : لَوْ كَانَ السَّيِّدُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ بَاقِي الْأُنْثَيَيْنِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْهُ لِانْتِفَاءِ فِرَاشِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا مَرَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْحَقُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِالْيَمِينِ مَمْنُوعٌ ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ ، وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ النِّكَاحِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِانْتِفَاءِ لُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَّا إنْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ يُمْكِنُ حُدُوثُ الْوَلَدِ بَعْدَهُ بِأَنْ لَمْ يَدَّعِهِ ، أَوْ ادَّعَاهُ وَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ النِّكَاحِ ، إذْ الظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِزَمَنٍ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا لَحِقَ السَّيِّدَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ .

كِتَابُ الرَّضَاعِ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَيَّةٍ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ ، وَلَوْ حَلَبَتْ فَأُوجِرَ بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ

كِتَابُ الرَّضَاعِ هُوَ - بِفَتْحِ الرَّاءِ ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا ، وَإِثْبَاتُ التَّاءِ مَعَهُمَا - لُغَةً : اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَشَرْعًا : اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي مَعِدَةِ طِفْلٍ أَوْ دِمَاغِهِ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ الْآيَتَانِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرَّضَاعُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءًا لِلرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَنِيَّهَا فِي النَّسَبِ ، وَتَقَدَّمَتْ الْحُرْمَةُ بِهِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ وَحُكْمِ عُرُوضِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا سَيَأْتِي وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ : مُرْضِعٌ ، وَلَبَنٌ وَرَضِيعٌ وَبَدَأَ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ ( إنَّمَا يَثْبُتُ ) بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِهِ الْآتِيَةِ مِنْ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ الْمُفِيدَةِ جَوَازَ النَّظَرِ ، وَالْخَلْوَةِ ، وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ لَا بِالنِّسْبَةِ لِإِرْثٍ ، وَنَفَقَةٍ ، وَعِتْقٍ بِمِلْكٍ ، وَسُقُوطِ قَوَدٍ وَرَدِّ شَهَادَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ ( بِلَبَنِ امْرَأَةٍ ) آدَمِيَّةٍ خَلِيَّةٍ أَوْ مُزَوَّجَةٍ ( حَيَّةٍ ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً حَالَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا ( بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ ) قَمَرِيَّةً تَقْرِيبًا وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا بِذَلِكَ ، فَخَرَجَ بِاللَّبَنِ غَيْرُهُ كَأَنْ امْتَصَّ مِنْ الثَّدْيِ دَمًا أَوْ قَيْحًا ، وَبِامْرَأَةٍ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ : أَحَدُهَا الرَّجُلُ فَلَا يَثْبُتُ بِلَبَنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلتَّغْذِيَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ ، لَكِنْ يُكْرَهُ وَلِفَرْعِهِ نِكَاحُ مَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ ثَانِيهَا : الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ، وَالْمَذْهَبُ تَوَقُّفُهُ إلَى الْبَيَانِ ، فَإِنْ بَانَتْ أُنُوثَتُهُ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ فَلِلرَّضِيعِ نِكَاحُ أُمِّ

الْخُنْثَى وَنَحْوِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ ثَالِثُهَا : الْبَهِيمَةُ ، فَلَوْ ارْتَضَعَ صَغِيرَانِ مِنْ شَاةٍ مَثَلًا لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ فَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ ، وَبِآدَمِيَّةٍ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا بَدَلَ الْمَرْأَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لَكَانَ أَوْلَى ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ الْجِنِّيَّةَ إنْ تُصُوِّرَ رَضَاعُهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَنَاكُحِهِمْ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تِلْوُ النَّسَبِ بِدَلِيلِ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } وَاَللَّهُ قَطَعَ النَّسَبَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَبِالْحَيَّةِ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَبَنِ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ ، وَقِيلَ : يُحَرِّمُ ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ هُوَ اللَّبَنُ ، وَلَا يُقَالُ : مَاتَ اللَّبَنُ بِمَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي ظَرْفٍ مَيِّتٍ ، فَهُوَ كَلَبَنِ آدَمِيَّةٍ حَيَّةٍ جُعِلَ فِي سِقَاءٍ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ ، وَبِحَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ مَنْ انْتَهَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَيِّتَةِ ، وَبَلَغَتْ إلَى آخِرِهِ مَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ لَبَنَهَا لَا يُحَرِّمُ ، لِأَنَّهُ فَرْعُ الْحَمْلِ ، وَالْحَمْلُ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فَكَذَا فَرْعُهُ بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَتْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا كَمَا مَرَّ ، فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ ، وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ كَمَا مَرَّ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الثُّيُوبَةُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ ، لِأَنَّ لَبَنَ الْبِكْرِ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ ( وَلَوْ حَلَبَتْ ) لَبَنَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا

وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ( فَأُوجِرَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ طِفْلٌ ( بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ ) لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا وَهُوَ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ ، كَذَا عَلَّلُوا بِهِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِحَلَالٍ ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُرْضِعَهُ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ فِي الْحَيَاةِ ثُمَّ تَحْلُبَ شَيْئًا فَيُوجَرَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، أَوْ تَحْلُبَ فِي خَمْسِ آنِيَةٍ ثُمَّ يُوجَرَ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي : لَا يُحَرِّمُ لِبُعْدِ إثْبَاتِ الْأُمُومَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : حَرَّمَ بِحَاءٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ مُخَالِفٌ لِتَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ

وَلَوْ جُبِّنَ أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ حَرَّمَ ، وَلَوْ خُلِطَ بِمَائِعٍ حَرَّمَ إنْ غَلَبَ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ اللَّبَنُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ اسْمِهِ لَبَنًا فَقَالَ ( وَلَوْ جُبِّنَ ) أَوْ جُعِلَ مِنْهُ أَقِطٌ ( أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ ) أَوْ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ وَأُطْعِمَ الطِّفْلُ مِنْ ذَلِكَ ( حَرَّمَ ) لِحُصُولِ التَّغَذِّي بِهِ تَنْبِيهٌ : عِبَارَتُهُ صَادِقَةٌ بِإِطْعَامِ الزُّبْدِ نَفْسِهِ وَبِاللَّبَنِ الَّذِي نُزِعَ زُبْدُهُ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَرِّمٌ ( وَلَوْ خُلِطَ ) اللَّبَنُ ( بِمَائِعٍ ) طَاهِرٍ كَمَاءٍ أَوْ نَجِسِ خَمْرٍ ( حَرَّمَ إنْ غَلَبَ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْمَائِعِ بِظُهُورِ أَحَدِ صِفَاتِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ ، إذْ الْمَغْلُوبُ كَالْمَعْدُومِ ، وَسَوَاءٌ أَشَرِبَ الْكُلَّ أَمْ الْبَعْضَ

فَإِنْ غُلِبَ وَشَرِبَ الْكُلَّ قِيلَ أَوْ الْبَعْضَ حَرَّمَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَيُحَرِّمُ إيجَارٌ

( فَإِنْ غُلِبَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِأَنْ زَالَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ حِسًّا وَتَقْدِيرًا ( وَشَرِبَ ) الرَّضِيعُ ( الْكُلَّ ) حَرَّمَ ( قِيلَ : أَوْ ) شَرِبَ ( الْبَعْضَ حَرَّمَ ) أَيْضًا ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ ، وَلَيْسَ كَالنَّجَاسَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ ، فَإِنَّهَا تُجْتَنَبُ لِلِاسْتِقْذَارِ وَهُوَ مُنْدَرِجٌ بِالْكَثْرَةِ ، وَلَا كَالْخَمْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ ، فَإِنَّ الْحَدَّ مَنُوطٌ بِالشِّدَّةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ وَالثَّانِي : لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُسْتَهْلَكُ كَالْمَعْدُومِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ شُرْبَ الْبَعْضِ لَا يُحَرِّمُ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ وُصُولِ اللَّبَنِ مِنْهُ إلَى الْجَوْفِ ، فَإِنْ تَحَقَّقَ كَأَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَخْلُوطِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ حَرَّمَ جَزْمًا تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ كَوْنُ اللَّبَنِ قَدْرًا يُمْكِنُ أَنْ يُسْقَى مِنْهُ خَمْسٌ دَفْعًا لَوْ انْفَرَدَ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَقَرَّاهُ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا شَرِبَ مِنْ الْمُخْتَلِطِ خَمْسَ دَفَعَاتٍ أَوْ كَانَ حُلِبَ فِي خَمْسِ آنِيَةٍ كَمَا مَرَّ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ دَفْعَةً بَعْدَ أَنْ سُقِيَ اللَّبَنَ الصِّرْفَ أَرْبَعًا ، فَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ اُعْتُبِرَ قَدْرُ اللَّبَنِ بِمَاءٍ لَهُ لَوْنٌ قَوِيٌّ يَسْتَوْلِي عَلَى الْخَلِيطِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ يَظْهَرُ فِي الْخَلِيطِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَدْ يُفْهِمُ تَقْيِيدُهُ بِالْمَائِعِ أَنَّ خَلْطَهُ بِالْجَامِدِ لَا يُحَرِّمُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ يُحَرِّمُ ، وَسَكَتَ عَنْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ ، وَحُكْمُهُ يُؤْخَذُ مِنْ الثَّانِيَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلَبَنُ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُخْتَلِطُ يُثْبِتُ أُمُومَتَهُمَا ، وَفِي الْمَغْلُوبِ مِنْ اللَّبَنَيْنِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فَيُثْبِتُ الْأُمُومَةَ الْغَالِبَةَ اللَّبَنُ ، وَكَذَا لِمَغْلُوبَتِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ ، وَلَا يَضُرُّ فِي التَّحْرِيمِ غَلَبَةُ الرِّيقِ لِقَطْرَةِ اللَّبَنِ

الْمَوْضُوعَةِ فِي الْفَمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالرُّطُوبَاتِ فِي الْمَعِدَةِ ( وَيُحَرِّمُ ) بِرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ( إيجَارٌ ) وَهُوَ صَبُّ اللَّبَنِ فِي الْحَلْقِ لِحُصُولِ التَّغْذِيَةِ بِهِ كَالِارْتِضَاعِ

وَكَذَا إسْعَاطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، لَا حُقْنَةٌ فِي الْأَظْهَرِ
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ التَّحْرِيمُ بِمُجَاوَزَةِ اللَّبَنِ الْحَلْقَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَعِدَةَ كَمَا يُفْطِرُ بِمِثْلِهِ الصَّائِمُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ اعْتَبَرَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوُصُولَ إلَى الْمَعِدَةِ ، وَجَرَيَا عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، فَلَوْ تقايأه قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لَمْ يُحَرِّمْ ( وَكَذَا إسْعَاطٌ ) وَهُوَ صَبُّ اللَّبَنِ فِي الْأَنْفِ لِيَصِلَ الدِّمَاغَ يُحَرِّمُ أَيْضًا ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِحُصُولِ التَّغَذِّي بِذَلِكَ ، لِأَنَّ الدِّمَاغَ جَوْفٌ لَهُ كَالْمَعِدَةِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ كَالْحُقْنَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ ( لَا حُقْنَةٌ ) وَهِيَ مَا يَدْخُلُ فِي الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ مِنْ دَوَاءٍ فَلَا يُحَرِّمُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِانْتِفَاءِ التَّغَذِّي ؛ لِأَنَّهَا لِإِسْهَالِ مَا انْعَقَدَ فِي الْمَعِدَةِ ، وَالثَّانِي : تُحَرِّمُ كَمَا يَحْصُلُ بِهَا الْفِطْرُ ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْفِطْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى جَوْفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعِدَةً وَلَا دِمَاغًا بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَلِهَذَا لَمْ يُحَرِّمْ التَّقْطِيرُ فِي الْأُذُنِ أَوْ الْجِرَاحَةُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَعِدَةِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَلَا يُحَرِّمُ وُصُولُهُ إلَى جَوْفٍ أَوْ مَعِدَةٍ بِصَبِّهِ فِي الْعَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْمَسَامِّ

وَشَرْطُهُ : رَضِيعٌ حَيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الرَّضِيعُ ، فَقَالَ ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ رُكْنُهُ ( رَضِيعٌ ) وَلَهُ شُرُوطٌ شَرَعَ فِي ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ ( حَيٌّ ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَلَا أَثَرَ لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِ الْمَيِّتِ بِالِاتِّفَاقِ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّغْذِيَةِ وَنَبَاتِ اللَّحْمِ ، وَكَذَا إذَا انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَشَرْطُهُ حَيَاةُ رَضِيعٍ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته ( لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ ) بِالْأَهِلَّةِ ، فَإِنْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ ثُمَّ عَدَّدَهُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ ، فَإِنْ بَلَغَهُمَا لَمْ يُحَرِّمْ ارْتِضَاعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } جَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَأَفْهَمَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِخِلَافِهِ ، وَلِخَبَرِ { لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ .
وَمَا فِي مُسْلِمٍ { أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ أَيْ خَمْسَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ } فَهُوَ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ بِسَالِمٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ خَاصًّا بِسَالِمٍ كَمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ ، وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَعْلَمُ

تَنْبِيهٌ : ابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ ، فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ

تَنْبِيهٌ : ابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ ، فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ : وَالْأَشْبَهُ تَرْجِيعُ التَّأْثِيرِ لِوُجُودِ الرَّضَاعِ حَقِيقَةً ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا صَحَّحَهُ فِيمَنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ فَحَزَّ جَانٍ رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ مِنْ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ ، وَعَلَيْهِ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ ارْتَضَعَ مَمْنُوعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ارْتِكَابِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ ، إذْ الْمَحْكِيُّ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ : ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ وَانْتِهَاؤُهُ ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْحَزِّ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ نَظَائِرِهَا عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهَا اسْتِصْحَابًا لِلضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ ، إذْ الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي الرَّضْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَا تَحْرِيمَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصُّ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَنَّهُ يُحَرِّمُ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرَّمَ ( وَخَمْسُ رَضَعَاتٍ ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ } أَيْ يُتْلَى حُكْمُهُنَّ أَوْ يَقْرَؤُهُنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِهِ وَقِيلَ : يَكْفِي رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّنَّةَ تُثْبِتُ كَآيَةِ السَّرِقَةِ ، وَلَمْ يَأْخُذْ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذَا بِقَاعِدَتِهِ وَهِيَ الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ عِنْدَهُ

أَنْ لَا يَجِدَ دَلِيلًا سِوَاهُ ، وَالسُّنَّةُ نَاصَّةٌ عَلَى الْخَمْسِ ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا أَخْبَرَتْ أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالْعَشَرَةِ مَنْسُوخٌ بِالْخَمْسِ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِالْخَمْسِ لَا بِمَا دُونَهَا ، وَلَوْ وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِأَقَلَّ مِنْهَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْخَمْسُ نَاسِخًا وَصَارَ مَنْسُوخًا كَالْعَشْرِ ، فَإِنْ قِيلَ : الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ قُرْآنًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنْ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ ، فَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ ، وَقِيلَ : يَكْفِي ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ لِمَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ } وَإِنَّمَا قُدِّمَ مَفْهُومُ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَاتِ الرَّضَعَاتِ بَلْ لَوْ أُوجِرَ مَرَّةً وَسُعِطَ وَارْتَضَعَ مَرَّةً وَأَكَلَ مِمَّا صُنِعَ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسٍ أَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْإِدْرَاكِ خَمْسٌ تَنْبِيهٌ : ضَادُ رَضَعَاتٍ مَفْتُوحَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ فَعْلَةً عَلَمًا كَانَتْ أَوْ مَصْدَرًا تُفْتَحُ عَيْنُهَا فِي الْجَمْعِ ، نَحْوُ ظَبَيَاتٍ وَحَسَرَاتٍ ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةً سُكِّنَتْ عَيْنُهَا كَعَصْبَاتٍ ( وَ ) الْخَمْسُ رَضَعَاتٍ ( ضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ ) إذْ لَا ضَابِطَ لَهَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ ، فَمَا قُضِيَ بِكَوْنِهِ رَضْعَةً أَوْ رَضَعَاتٍ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا

فَلَوْ قَطَعَ إعْرَاضًا تَعَدَّدَ ، أَوْ لِلَّهْوِ وَعَادَ فِي الْحَالِ أَوْ تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ فَلَا .

( فَلَوْ قَطَعَ ) الرَّضِيعُ الِارْتِضَاعَ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْخَمْسِ ( إعْرَاضًا ) عَنْ الثَّدْيِ ( تَعَدَّدَ ) عَمَلًا بِالْعُرْفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي الصَّدْرِ حَكَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : لَوْ طَارَتْ قَطْرَةٌ إلَى فِيهِ وَاخْتَلَطَتْ بِرِيقِهِ وَعَبَرَتْهُ عُدَّ رَضْعَةً ، وَمِثْلُهُ إسْعَاطُ قَطْرَةٍ ، وَقَدْ ضَبَطُوا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ هَذَا رَضْعَةً ، وَكَيْفَ هَذَا مَعَ وُرُودِ الْخَبَرِ { أَنَّ الرَّضَاعَ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَرَ الْعَظْمَ } ا هـ .
وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ : يُكْتَفَى فِيهِ بِثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَفِي اشْتِدَادِ الْحَبِّ بِسُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ بِقِلَّةٍ وَلَا بِكَثْرَةٍ اعْتَبَرْنَا أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَمَا أَجَابَ بِهِ الْغَزِّيُّ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الرَّضْعَةِ لَا حَدَّ لَهُ ، وَالضَّبْطُ إنَّمَا هُوَ لِكَثْرَتِهَا مَمْنُوعٌ تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ وَأَطَالَتْهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ رَضْعَةً ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مَرَّةً فَقَطَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ الْأَكْلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَ وَأَكَلَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ فِعْلُ الْمُرْضِعَةِ وَالرَّضِيعِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ أَوْ أَوْجَرَتْهُ لَبَنًا وَهُوَ نَائِمٌ ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُعْتَدَّ بِقَطْعِهَا كَمَا يُعْتَدُّ بِقَطْعِهِ ( أَوْ ) قَطَعَهُ ( لِلَّهْوِ ) أَوْ نَحْوِهِ كَنَوْمَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ تَنَفُّسٍ أَوْ ازْدِرَادِ مَا جَمَعَهُ مِنْ اللَّبَنِ فِي فَمِهِ ( وَعَادَ فِي الْحَالِ ) فَلَا تَعَدُّدَ بَلْ الْكُلُّ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَإِنْ طَالَ لَهْوُهُ أَوْ نَوْمُهُ ، فَإِنْ كَانَ الثَّدْيُ ، فِي فَمِهِ فَرَضْعَةٌ ، وَإِلَّا فَرَضْعَتَانِ ، فَتَقْيِيدُ الرَّوْضَةِ مَسْأَلَةَ اللَّهْوِ

بِبَقَاءِ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُطِلْ ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّدْيُ فِي فَمِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ ، وَيُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ ( أَوْ تَحَوَّلَ ) الرَّضِيعُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِتَحْوِيلِ الْمُرْضِعَةِ فِي الْحَالِ ( مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ ) آخَرَ أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ خَفِيفٍ ثُمَّ عَادَتْ ( فَلَا ) تَتَعَدَّدُ حِينَئِذٍ ، فَإِنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ فِي الْحَالِ تَعَدَّدَ الْإِرْضَاعُ

تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُرْضِعَةِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا إذَا تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَةٍ إلَى ثَدْيِ أُخْرَى فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الرَّضْعَةَ أَنْ يَتْرُكَ الثَّدْيَ وَلَا يَعُودَ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَقَدْ وُجِدَ فَائِدَةٌ : الثَّدْيُ بِفَتْحِ الثَّاءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، وَالتَّذْكِيرُ أَشْهَرُ ، وَيَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ خَصَّهُ بِهَا

وَلَوْ حَلَبَ مِنْهَا دَفْعَةً وَأَوْجَرَهُ خَمْسًا أَوْ عَكْسُهُ فَرَضْعَةٌ ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسٌ
( وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا ) لَبَنٌ ( دَفْعَةً وَأُوجِرَهُ ) أَيْ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ أَوْ دِمَاغِهِ بِإِيجَارٍ أَوْ إسْعَاطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ( خَمْسًا ) أَيْ خَمْسَ مَرَّاتٍ ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ حُلِبَ مِنْهَا خَمْسًا وَأُوجِرَ الرَّضِيعُ دَفْعَةً ( فَرَضْعَةٌ ) وَاحِدَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ اعْتِبَارًا فِي الْأُولَى بِحَالَةِ الِانْفِصَالِ مِنْ الثَّدْيِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِحَالَةِ وُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ( وَفِي قَوْلٍ خَمْسٌ ) فِيهِمَا تَنْزِيلًا فِي الْأُولَى لِلْإِنَاءِ مَنْزِلَةَ الثَّدْيِ ، وَنَظَرًا فِي الثَّانِي إلَى حَالَةِ الِانْفِصَالِ مِنْ الثَّدْيِ أَمَّا لَوْ حُلِبَ مِنْهَا خَمْسَ دَفَعَاتٍ وَأُوجِرَهُ فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ فَهُوَ خَمْسٌ قَطْعًا ، وَإِنْ خُلِطَ ثُمَّ فُرِّقَ وَأُوجِرَهُ خَمْسَ دَفَعَاتٍ فَخَمْسٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ صَارَ كَالْمَحْلُوبِ دَفْعَةً

وَلَوْ شُكَّ هَلْ خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ ، أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ ؟ فَلَا تَحْرِيمَ ، وَفِي الثَّانِيَة قَوْلٌ ، أَوْ وَجْهٌ ، وَتَصِير الْمُرْضِعَةُ أُمَّهُ ، وَاَلَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ أَبَاهُ ، وَتَسْرِي الْحُرْمَةُ إلَى أَوْلَادِهِ ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مُسْتَوْلِدَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأُمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً صَارَ ابْنَهُ فِي الْأَصَحِّ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ فَلَا حُرْمَةَ فِي الْأَصَحِّ

تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مِنْهَا فَرَضَ الْخِلَافَ فِي الْوَاحِدَةِ ، فَلَوْ حُلِبَ خَمْسُ نِسْوَةٍ فِي إنَاءٍ وَأُوجِرَهُ الطِّفْلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةٌ ، وَإِنْ أُوجِرَهُ فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ : خَمْسٌ ( وَ ) لَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَتَيَقُّنِ كَوْنِ الرَّضِيعِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا ( لَوْ شُكَّ ) فِي رَضِيعٍ ( هَلْ رَضَعَ خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ ، أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ ، أَوْ فِي دُخُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ ، أَوْ فِي أَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ ، أَوْ فِي أَنَّهُ حُلِبَ فِي حَيَاتِهَا ؟ ( فَلَا تَحْرِيمَ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ذُكِرَ ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ ( وَفِي ) الْمَسْأَلَةِ ( الثَّانِيَةِ ) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( قَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ ) بِالتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَوْلَيْنِ ، وَرَجَّحَ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ أَنَّهُ قَوْلٌ تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأُولَى وَهُوَ كَذَلِكَ ( وَ ) اعْلَمْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي مِنْ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ إلَى أُصُولِهِمَا وَفُرُوعِهِمَا وَحَوَاشِيهِمَا ، وَمِنْ الرَّضِيعِ إلَى فُرُوعِهِ فَقَطْ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَنَقُولُ ( تَصِيرُ الْمُرْضِعَةُ ) بِذَلِكَ ( أُمَّهُ ) بِنَصِّ الْقُرْآنِ ( وَاَلَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ ) الْمُحْتَرَمُ وَهُوَ الْفَحْلُ ( أَبَاهُ ، وَتَسْرِي ) أَيْ تَنْتَشِرُ ( الْحُرْمَةُ ) مِنْ الرَّضِيعِ ( إلَى أَوْلَادِهِ ) فَقَطْ كَمَا مَرَّ ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ النَّسَبِ أَمْ مِنْ الرَّضَاعِ ، وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : أَوْلَادِهِ " عَنْ آبَائِهِ وَإِخْوَتِهِ ، فَلَا تَسْرِي الْحُرْمَةُ إلَيْهِمْ ، فَلِأَبِيهِ وَأَخِيهِ نِكَاحُ الْمُرْضِعَةِ وَبَنَاتِهَا ، وَلِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الطِّفْلِ وَأُخْتِهِ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ فِي الْمُعَايَاةِ : وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ الْمُنْتَشِرَةُ مِنْهَا أَيْ الْمُرْضِعَةِ إلَيْهِ أَيْ الطِّفْلِ أَعَمَّ مِنْ الْحُرْمَةِ الْمُنْتَشِرَةِ

مِنْهُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِفِعْلِهَا أَيْ غَالِبًا ، فَكَانَ التَّأْثِيرُ أَكَثَرَ ، وَلَا صُنْعَ لِلطِّفْلِ فِيهِ : أَيْ غَالِبًا ، فَكَانَ تَأْثِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ أَخَصَّ ا هـ .
وَلَمَّا كَانَ اللَّبَنُ لِلْفَحْلِ كَانَ كَالْأُمِّ تَنْبِيهٌ : جَعَلَ الشَّارِحُ ضَمِيرَ أَوْلَادِهِ لِلْفَحْلِ وَالْأَوْلَى عَوْدُهُ لِلرَّضِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ ، بَلْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ : إنَّ مَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ سَهْوٌ ( وَ ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ فَقَدْ تُوجَدُ الْأُمُومَةُ دُونَ الْأُبُوَّةِ كَبِكْرٍ دَرَّ لَهَا لَبَنٌ أَوْ ثَيِّبٍ لَا زَوْجَ لَهَا ، وَقَدْ تُوجَدُ الْأُبُوَّةُ دُونَ الْأُمُومَةِ ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ ( لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مُسْتَوْلَدَاتٍ أَوْ ) لَهُ ( أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ) دَخَلَ بِهِنَّ ( وَأُمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً ) وَلَوْ مُتَوَالِيًا ( صَارَ ابْنَهُ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ لَبَنَ الْجَمِيعِ مِنْهُ ( فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الطِّفْلِ ( لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ ) لَا لِكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتٍ لَهُ ، وَالثَّانِي لَا يَصِيرُ ابْنَهُ ؛ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَابِعَةٌ لِلْأُمُومَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ ( وَلَوْ كَانَ ) لِلرَّجُلِ ( بَدَلُ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ ) فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً ( فَلَا حُرْمَةَ ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالطِّفْلِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْجُدُودَةَ لِلْأُمِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْخُؤُولَةَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَثْبُتَانِ بِتَوَسُّطِ الْأُمُومَةِ ، وَلَا أُمُومَةَ هُنَا ، وَالثَّانِي : تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ تَنْزِيلًا لِلْبَنَاتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ مَنْزِلَةَ الْوَاحِدَةِ أَيْ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أُخْتٌ أَرْضَعَتْ الطِّفْلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ

وَآبَاءُ الْمُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيعِ ، وَأُمَّهَاتُهَا جَدَّاتُهُ ، وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ ، وَأَبُو اللَّبَنِ جَدُّهُ ، وَأَخُوهُ عَمُّهُ وَكَذَا الْبَاقِي ، وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَلَدٌ نَزَلَ بِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ

فَرْعٌ : لَوْ ارْتَضَعَتْ صَغِيرَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ مَوْطُوآتِهِ الْخَمْسِ رَضْعَةً وَاللَّبَنُ لِغَيْرِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَمْ تَثْبُتْ فَلَا تَكُونُ رَبِيبَةً ، وَلَعَلَّ هَذِهِ مَقَالَةٌ لِابْنِ الْقَاصِّ ( وَآبَاءُ الْمُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيعِ ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى أُصُولِهَا ، فَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ أُنْثَى حُرِّمَ عَلَيْهِمْ نِكَاحُهَا ( وَأُمَّهَاتُهَا ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ( جَدَّاتُهُ ) لِمَا مَرَّ ، فَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ ذَكَرًا حُرِّمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ ( وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى فُرُوعِهَا ( وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ( أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى حَوَاشِيهَا فَيَحْرُمُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ أَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ ( وَأَبُو ذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( اللَّبَنِ جَدُّهُ ، وَأَخُوهُ عَمُّهُ ) أَيْ الرَّضِيعِ ( وَكَذَا الْبَاقِي ) مِنْ أَقَارِبِ صَاحِبِ اللَّبَنِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَأُمُّهُ جَدَّتُهُ وَأَوْلَادُهُ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهُ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ لِمَا مَرَّ ، أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى أُصُولِ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَفُرُوعِهِ وَحَوَاشِيهِ ( وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَلَدٌ ) أَوْ سِقْطٌ ( نَزَلَ ) أَيْ دَرَّ اللَّبَنُ ( بِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ) كَمَا فِي الْوَلَدِ اتِّبَاعًا لِلرَّضَاعِ بِالنَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ فِيهِ ثَابِتٌ ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ : يُشْتَرَطُ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْوَلَدُ إقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ لَمْ

تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ فَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ

لَا زِنًا ، وَلَوْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ عَنْهُ
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ ثَارَ لِلْمَرْأَةِ لَبَنٌ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَلَمْ تَحْبَلْ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهَا دُونَ الزَّوْجِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِيمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَقَالَ فِيمَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَقَبْلَ الْحَمْلِ : الْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهَا دُونَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ ثَوَّرَ أَعْضَاءَهَا بِالْوَطْءِ ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ : كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ : أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ ، فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ كَالْوَلَدِ بِالنِّكَاحِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ : أَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ كَالزَّوْجَةِ ( لَا ) بِوَطْءِ ( زِنًا ) فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي نِكَاحُ صَغِيرَةٍ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ نِكَاحُهَا كَنِكَاحِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا ( وَلَوْ نَفَاهُ ) أَيْ نَفَى مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ الْوَلَدَ ( بِلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ ) النَّازِلُ بِهِ كَالنَّسَبِ ( عَنْهُ ) فَلَوْ ارْتَضَعَتْ بِهِ صَغِيرَةٌ حَلَّتْ لِلنَّافِي ، وَلَوْ عَادَ وَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ بَعْدَ اللِّعَانِ لَحِقَهُ الرَّضِيعُ أَيْضًا

وَلَوْ وَطِئْت مَنْكُوحَةً بِشُبْهَةٍ ، أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ فَاللَّبَنُ لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِقَائِفٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ زَوْجٍ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ انْقَطَعَ وَعَادَ

( وَلَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوحَةٌ ) أَيْ وَطِئَهَا وَاحِدٌ ( بِشُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ ) امْرَأَةً ( بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ ) وَلَدًا ( فَاللَّبَنُ ) النَّازِلُ بِهِ ( لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ ) مِنْهُمَا : إمَّا ( بِقَائِفٍ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا ( أَوْ ) لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِسَبَبٍ ( غَيْرِهِ ) بِأَنْ انْحَصَرَ الْإِمْكَانُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ ، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا ، أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَانْتَسَبَ الْوَلَدُ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ بَعْدَ إفَاقَتِهِ مِنْ جُنُونٍ وَنَحْوِهِ ، فَالرَّضِيعُ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ وَلَدُ رَضَاعٍ لِمَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الِانْتِسَابِ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ مَقَامَهُ ، أَوْ أَوْلَادٌ وَانْتَسَبَ بَعْضُهُمْ لِهَذَا وَبَعْضُهُمْ لِذَاكَ دَامَ الْإِشْكَالُ ، فَإِنْ مَاتُوا قَبْلَ الِانْتِسَابِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا إذَا انْتَسَبَ بَعْضُهُمْ لِهَذَا وَبَعْضُهُمْ لِذَاكَ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ انْتَسَبَ الرَّضِيعُ حِينَئِذٍ أَمَّا قَبْلَ انْقِرَاضِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِسَابُ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ أَوْ وَلَدِهِ ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الِانْتِسَابِ ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ لِضَرُورَةِ النَّسَبِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ لَهُ وَعَلَيْهِ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الْإِشْكَالِ ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالرَّضَاعِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ ، وَجَوَازُ النَّظَرِ ، وَالْخَلْوَةِ ، وَعَدَمُ نَقْضِ الطَّهَارَةِ كَمَا مَرَّ ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ سَهْلٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ الرَّضِيعُ وَلَا يُعْرَضُ أَيْضًا عَلَى الْقَائِفِ ، وَيُفَارِقُ وَلَدَ النَّسَبِ بِأَنَّ مُعْظَمَ اعْتِمَادِ الْقَائِفِ عَلَى الْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْأَخْلَاقِ ، وَإِنَّمَا جَازَ

انْتِسَابُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ إلَى مَنْ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ ( وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ ) صَاحِبِهِ مِنْ ( زَوْجٍ ) أَوْ غَيْرِهِ ( مَاتَ أَوْ ) زَوْجٍ ( طَلَّقَ ) وَلَهُ اللَّبَنُ ( وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ ) كَعَشْرِ سِنِينَ وَلَهُ لَبَنٌ ارْتَضَعَ مِنْهُ جُمِعَ بِتَرْتِيبٍ ( أَوْ انْقَطَعَ ) اللَّبَنُ ( وَعَادَ ) إذْ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُحَالُ اللَّبَنُ عَلَيْهِ ، إذْ الْكَلَامُ فِي الْخَلِيَّةِ فَاسْتَمَرَّتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ

فَإِنْ نَكَحَتْ آخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ وَقَبْلَهَا لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي ، وَكَذَا إنْ دَخَلَ ، وَفِي قَوْلٍ لِلثَّانِي وَفِي قَوْلٍ لَهُمَا
( فَإِنْ نَكَحَتْ ) بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقِ مَنْ ذُكِرَ زَوْجًا ( آخَرَ ) أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ( وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ ) أَيْ لِلْآخَرِ أَوْ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَتْبَعُ الْوَلَدَ وَالْوَلَدُ لِلثَّانِي فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ ( وَقَبْلَهَا ) أَيْ الْوِلَادَةِ يَكُونُ ( لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُغَيِّرُهُ ، وَسَوَاءٌ أَزَادَ عَلَى مَا كَانَ أَمْ لَا ، انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ أَمْ لَا ، وَيَرْجِعُ فِي أَوَّلِ مُدَّةٍ يَحْدُثُ فِيهَا لَبَنُ الْحَمْلِ لِلْقَوَابِلِ عَلَى النَّصِّ وَقِيلَ : إنَّ أَوَّلَ مُدَّتِهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقِيلَ : أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ( وَكَذَا إنْ دَخَلَ ) وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي يَكُونُ اللَّبَنُ أَيْضًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ غِذَاءٌ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ فَيَتْبَعُ الْمُنْفَصِلَ ( وَفِي قَوْلٍ لِلثَّانِي ) لِأَنَّ الْحَمْلَ نَاسِخٌ فَقَطَعَ حُكْمَ مَا قَبْلَهُ كَالْوِلَادَةِ ( وَفِي قَوْلٍ لَهُمَا ) مَعًا لِأَنَّ احْتِمَالَ الْأَمْرَيْنِ يُوجِبُ تَسَاوِيَهُمَا تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ ، وَمَحَلُّهُ إذَا انْقَطَعَ اللَّبَنُ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ عَادَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ أَوْ انْقَطَعَ مُدَّةً يَسِيرَةً فَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُ أَنَّهُ لِلثَّانِي فَقَطْ بَلْ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَهُمَا ، أَوْ لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَزِدْ ، وَلَهُمَا إنْ زَادَ

تَتِمَّةٌ : لَوْ حَمَلَتْ مُرْضِعَةٌ مُزَوَّجَةٌ مِنْ زِنًا فَاللَّبَنُ لِلزَّوْجِ مَا لَمْ تَضَعْ ، فَإِذَا وَضَعَتْ كَانَ اللَّبَنُ لِلزِّنَا نَظِيرَ مَا لَوْ حَمَلَتْ بِغَيْرِ زِنًا

وَلَوْ نَزَلَ لِبِكْرٍ لَبَنٌ وَتَزَوَّجَتْ وَحَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَاللَّبَنُ لَهَا لَا لِلزَّوْجِ مَا لَمْ تَلِدْ وَلَا أَبَ لِلرَّضِيعِ ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ

فَصْلٌ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى انْفَسَخَ نِكَاحُهُ ، وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ مَهْرِهَا ، وَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ ، وَفِي قَوْلٍ كُلُّهُ

( فَصْلٌ ) فِي طَرَيَانِ الرَّضَاعِ عَلَى النِّكَاحِ مَعَ الْغُرْمِ بِسَبَبِ قَطْعِهِ النِّكَاحَ ، لَوْ كَانَ ( تَحْتَهُ ) زَوْجَةٌ ( صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا ) الْإِرْضَاعَ الْمُحَرِّمَ ( أُمُّهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( أَوْ أُخْتُهُ ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ( أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى ) لَهُ أَوْ غَيْرُهُنَّ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا كَزَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخَاهُ بِلَبَنِهِمْ ( انْفَسَخَ نِكَاحُهُ ) مِنْ الصَّغِيرَةِ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ ، أَوْ بِنْتَ أُخْتِهِ ، أَوْ بِنْتَ زَوْجَتِهِ ، أَوْ أُخْتَهُ أَيْضًا ، أَوْ بِنْتَ ابْنِهِ ، أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ كَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ يَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الِابْنَ إذَا وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَطُرُوِّ الرِّدَّةِ وَالْعِدَّةِ لِعَدَمِ إيجَابِهِمَا التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ أَمَّا إذَا كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ فَلَا يُؤَثِّرُ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَصِيرَ رَبِيبَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ ، وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ عَلَيْهِ ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ الْأُخْرَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُرْضِعَةَ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ بِنْتِهَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ ( وَلِلصَّغِيرَةِ ) عَلَى الزَّوْجِ ( نِصْفُ مَهْرِهَا ) الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِرَاقٌ حَصَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بِسَبَبِهَا فَشَطَرَ الْمَهْرَ كَالطَّلَاقِ ( وَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ ) عَلَى النَّصِّ أَمَّا الْغُرْمُ فَلِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ سَوَاءٌ أَقَصَدَتْ بِإِرْضَاعِهَا فَسْخَ النِّكَاحِ أَمْ لَا ، تَعَيَّنَ عَلَيْهَا لِخَوْفِ تَلَفِ الصَّغِيرَةِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ غَرَامَةَ الْمُتْلَفَاتِ لَا تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَأَمَّا النِّصْفُ فَلِأَنَّهُ الَّذِي يَغْرَمُهُ فَاعْتُبِرَ مَا

يَجِبُ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَوْجَرَ الصَّغِيرَةَ أَجْنَبِيٌّ لَبَنَ أُمِّ الزَّوْجِ كَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَكْرَهَ أَجْنَبِيٌّ الْأُمَّ عَلَى إرْضَاعِهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَالْغُرْمُ عَلَيْهَا طَرِيقًا وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ لِيُوَافِقَ قَاعِدَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِتْلَافِ ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ ، وَبِأَنَّ الْغُرْمَ هُنَا لِلْحَيْلُولَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْمُكْرِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مَعَ دُخُولِ إتْلَافِهِ فِي الْقَاعِدَةِ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْغُرْمَ هُنَا لِلْحَيْلُولَةِ يَرُدُّهُ مَا سَيَأْتِي عَنْ قُرْبٍ مِنْ الْفَرْقِ ، بَيْنَ مَا هُنَا وَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا ( وَفِي قَوْلٍ ) مُخَرَّجٍ مِنْ رُجُوعِ شُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْمَهْرُ ( كُلُّهُ ) وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فُرْقَةَ الرَّضَاعِ حَقِيقَةٌ فَلَا تُوجِبُ إلَّا النِّصْفَ كَالْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ ، وَفِي الشَّهَادَةِ النِّكَاحُ بَاقٍ بِزَعْمِ الزَّوْجِ وَالشُّهُودِ ، وَلَكِنَّهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُضْعِ فَغَرِمُوا قِيمَتَهُ كَالْغَاصِبِ الْحَائِلِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَغْصُوبِ تَنْبِيهٌ : مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ مَحَلُّهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ لَهَا فِي الْإِرْضَاعِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَلَا غُرْمَ ، وَإِكْرَاهُهُ لَهَا عَلَى الرَّضَاعِ إذْنٌ وَزِيَادَةٌ ، وَمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ فِي الزَّوْجِ الْحُرِّ ، فَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَرْضَعَتْ أُمُّهُ مَثَلًا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالْغُرْمُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ لِلسَّيِّدِ كَعِوَضٍ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ لَمْ يَفُتْ إلَّا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَكَانَ لِلسَّيِّدِ كَعِوَضِ الْخُلْعِ ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُرْضِعَةُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ ، فَإِنْ كَانَتْ

مَمْلُوكَتَهُ وَلَوْ مُدَبَّرَةً وَمُسْتَوْلَدَةً فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَةً رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْغُرْمِ مَا لَمْ تَعْجِزْ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَهْرِ الْكَبِيرَةِ ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَإِلَّا فَلَا

فَرْعٌ : لَوْ نَكَحَ عَبْدٌ أَمَةً صَغِيرَةً مُفَوَّضَةً بِتَفْوِيضِ سَيِّدِهَا فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ مَثَلًا فَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي كَسْبِهِ ، وَلَا يُطَالِبُ سَيِّدُهُ الْمُرْضِعَةَ إلَّا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنَّمَا صَوَّرُوا ذَلِكَ بِالْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحُرَّةِ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ

وَلَوْ رَضَعَتْ مِنْ نَائِمَةٍ فَلَا غُرْمَ وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ .
( وَلَوْ ) دَبَّتْ صَغِيرَةٌ وَ ( رَضَعَتْ ) خَمْسَ رَضَعَاتٍ ( مِنْ ) كَبِيرَةٍ ( نَائِمَةٍ ) أَوْ مُسْتَيْقِظَةٍ سَاكِتَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَى مَنْ رَضَعَتْ مِنْهَا ، لِأَنَّهَا لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا ( وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ ) لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ حَصَلَ بِفِعْلِهَا ، وَذَلِكَ يُسْقِطُ الْمَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ فِي مَالِهَا بِنِسْبَةِ مَا غَرِمَ لِكَبِيرَةٍ ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ عَلَيْهِ بُضْعَ الْكَبِيرَةِ ، وَلَا فَرْقَ فِي غُرْمِهِ الْمُتْلَفَاتِ بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ

فَرْعٌ : لَوْ حَمَلَتْ الرِّيحُ اللَّبَنَ مِنْ الْكَبِيرَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذْ لَا صُنْعَ مِنْهُمَا

وَلَوْ دَبَّتْ الصَّغِيرَةُ فَارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا أُمُّ الزَّوْجِ الْخَامِسَةَ أَوْ عَكْسُهُ اخْتَصَّ التَّغْرِيمُ بِالْخَامِسَةِ

وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَتْ الصَّغِيرَةُ وَكَذَا الْكَبِيرَةُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا
( وَلَوْ كَانَ ) ( تَحْتَهُ ) زَوْجَتَانِ ( كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ ) ( انْفَسَخَتْ الصَّغِيرَةُ ) أَيْ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتًا لِلْكَبِيرَةِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ( وَكَذَا الْكَبِيرَةُ ) يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا أَيْضًا ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِمَا مَرَّ وَالثَّانِي يَخْتَصُّ الِانْفِسَاخُ بِالصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِإِرْضَاعِهَا ، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْجَدِيدِ وَالْأَوَّلُ لِلْقَدِيمِ ( وَ ) عَلَى الْأَظْهَرِ ( لَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ) عَلَى الِانْفِرَادِ ، لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ وَالْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ جَمْعُهُمَا

وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ وَتَغْرِيمُهُ الْمُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً فَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً فَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ
( وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ ) عَلَى الزَّوْجِ ( وَتَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ ) عَلَى ( مَا سَبَقَ ) فِي إرْضَاعِ أُمِّ الزَّوْجِ وَنَحْوِهَا الصَّغِيرَةَ فَعَلَيْهِ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى الصَّحِيحِ أَوْ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ ، وَلَهُ عَلَى أُمِّهَا الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَقِيلَ : كُلُّهُ ( وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً ) حُكْمُهَا فِي غُرْمِ الزَّوْجِ مَهْرَهَا وَتَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ فِي الصَّغِيرَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ الْوَطْءِ ، فَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَهُ عَلَى أُمِّهَا الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَفِي قَوْلِهِ : كُلُّهُ ( فَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً فَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ ) كَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا لِبِنْتِهَا الْمَهْرُ بِكَمَالِهِ وَالثَّانِي : لَا شَيْءَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَتَقَدَّرُ لِلزَّوْجِ ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى بِالْمَسِيسِ مَا يُقَابِلُ الْمَهْرَ تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ بِأُمِّ الْكَبِيرَةِ عَمَّا لَوْ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ نَفْسُهَا الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةٌ فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْأَئِمَّةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ نِكَاحُهَا عَنْ مَهْرٍ فَتَصِيرُ كَالْمَوْهُوبَةِ ، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النُّبُوَّةِ

وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةً
( وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ ) زَوْجَتِهِ ( الْكَبِيرَةِ ) زَوْجَتَهُ ( الصَّغِيرَةَ ) ( حَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا ) لِأَنَّهَا جَدَّةُ امْرَأَتِهِ ( وَكَذَا الصَّغِيرَةُ ) حَرُمَتْ أَبَدًا ( إنْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةً ) لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً لَمْ تَحْرُمْ الصَّغِيرَةُ ؛ لِأَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ ، وَفِي الْغُرْمِ لِلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ مَا مَرَّ

وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَطَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ ، وَلَوْ نَكَحَتْ مُطَلَّقَتُهُ صَغِيرًا وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ حُرِّمَتْ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَالصَّغِيرِ أَبَدًا
( وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ ) زَوْجَةٌ ( صَغِيرَةٌ فَطَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ ) فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا ، وَلَا نَظَرَ إلَى حُصُولِ الْأُمُومَةِ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ إلْحَاقًا لِلطَّارِئِ بِالْمُقَارِنِ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ ( وَلَوْ نَكَحَتْ مُطَلَّقَتُهُ ) الْحُرَّةُ ( صَغِيرًا وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ حَرُمَتْ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَالصَّغِيرِ أَبَدًا ) أَمَّا الْمُطَلِّقُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ زَوْجَةَ ابْنِهِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّهُ أَوْ زَوْجَةَ أَبِيهِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَمَةً لَمْ تَحْرُمْ عَلَى الْمُطَلِّقِ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ أَمَةً فَلَمْ تَصِرْ حَلِيلَةَ ابْنِهِ

فَرْعٌ : لَوْ فَسَخَتْ كَبِيرَةٌ نِكَاحَ صَغِيرٍ بِعَيْبٍ فِيهِ مَثَلًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كَبِيرًا فَارْتَضَعَ الصَّغِيرُ بِلَبَنِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ صَارَ ابْنًا لِلْكَبِيرِ ، فَهِيَ زَوْجَةُ ابْنِ الْكَبِيرِ وَزَوْجَةُ أَبِي الصَّغِيرِ ، بَلْ أُمُّهُ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْهَا

وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ لَبَنَ السَّيِّدِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى السَّيِّدِ ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ مَوْطُوءَتُهُ الْأَمَةُ صَغِيرَةً تَحْتَهُ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ حُرِّمَتَا عَلَيْهِ
( وَلَوْ زَوَّجَ ) السَّيِّدُ ( أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ لَبَنَ السَّيِّدِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ) أَيْ الْعَبْدِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَمَوْطُوءَةُ أَبِيهِ ( وَعَلَى السَّيِّدِ ) كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ تَنْبِيهٌ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُجْبِرُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ عَلَى النِّكَاحِ ، وَمَرَّ فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِ : لَبَنَ السَّيِّدِ ، عَمَّا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ غَيْرِهِ ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ لِكَوْنِهَا أُمًّا لَهُ ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَمْ يَصِرْ ابْنًا لَهُ فَلَمْ تَكُنْ هِيَ زَوْجَةَ الِابْنِ ( وَلَوْ أَرْضَعَتْ مَوْطُوءَتُهُ الْأَمَةُ ) زَوْجَةً ( صَغِيرَةً تَحْتَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ ) بِأَنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ( حَرُمَتَا ) أَيْ : الْمَوْطُوءَةُ وَالصَّغِيرَةُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : السَّيِّدِ أَبَدًا لِصَيْرُورَةِ الْأَمَةِ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَالصَّغِيرَةِ بِنْتَهُ إنْ رَضَعَتْ لَبَنَهُ ، أَوْ بِنْتَ مَوْطُوءَتِهِ إنْ رَضَعَتْ لَبَنَ غَيْرِهِ

وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا انْفَسَخَتَا وَحَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِلَبَنِهِ ، وَإِلَّا فَرَبِيبَةٌ
( وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا ) أَيْ : الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ ( انْفَسَخَتَا ) لِصَيْرُورَةِ الصَّغِيرَةِ بِنْتًا لِلْكَبِيرَةِ وَامْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَنْبِيهٌ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَذُكِرَتْ هُنَاكَ لِأَجْلِ الْغُرْمِ وَهُنَا لِتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ ( وَحَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا ) لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ ( وَكَذَا الصَّغِيرَةُ ) حَرُمَتْ أَبَدًا ( إنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِلَبَنِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِلَبَنِ غَيْرِهِ ( فَرَبِيبَةٌ ) لَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا إنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ وَإِلَّا فَلَا ، وَفِي الْغُرْمِ لِلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ مَا مَرَّ ، فَلَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ أَمَةَ غَيْرِهِ تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِرَقَبَتِهَا ، أَوْ أَمَتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا إنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَعَلَيْهَا الْغُرْمُ ، فَإِنْ عَجَّزَهَا سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْغُرْمِ

وَلَوْ كَانَ كَبِيرَةٌ وَثَلَاثٌ صَغَائِرُ فَأَرْضَعَتْهُنَّ حَرُمَتْ أَبَدًا ، وَكَذَا الصَّغَائِرُ إنْ أَرْضَعَتْهُنَّ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ ، وَإِلَّا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِإِيجَارِهِنَّ الْخَامِسَةَ انْفَسَخْنَ ، وَلَا يَحْرُمْنَ مُؤَبَّدًا ، أَوْ مُرَتَّبًا لَمْ يَحْرُمْنَ ، وَتَنْفَسِخُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ ، وَتَنْفَسِخُ الثَّانِيَةُ بِإِرْضَاعِ الثَّالِثَةِ ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَنْفَسِخُ ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَنْ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ مُرَتَّبًا أَيَنْفَسِخَانِ أَمْ الثَّانِيَةَ ؟

( وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَثَلَاثٌ صَغَائِرُ فَأَرْضَعَتْهُنَّ ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ ( حَرُمَتْ ) أَيْ الْكَبِيرَةُ ( أَبَدًا ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَاتِهِ ( وَكَذَا الصَّغَائِرُ إنْ أَرْضَعَتْهُنَّ بِلَبَنِهِ ) لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ بَنَاتِهِ ( أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ وَهِيَ ) أَيْ الْكَبِيرَةُ ( مَوْطُوءَةٌ ) لَهُ لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ بَنَاتِ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً لَهُ ( فَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِإِيجَارِهِنَّ ) الرَّضْعَةَ ( الْخَامِسَةَ انْفَسَخْنَ ) لِصَيْرُورَتِهِنَّ أَخَوَاتٍ وَلِاجْتِمَاعِهِنَّ مَعَ الْأُمِّ فِي النِّكَاحِ تَنْبِيهٌ : فِي مَعْنَى إيجَارِهِنَّ الْخَامِسَةَ أَنْ تُلْقِمَ اثْنَتَيْنِ ثَدْيَيْهَا وَتُؤْجِرَ الثَّالِثَةَ لَبَنَهَا الْمَحْلُوبَ ( وَلَا يَحْرُمْنَ ) أَيْ الصَّغَائِرُ ( مُؤَبَّدًا ) لِانْتِفَاءِ الدُّخُولِ بِأُمِّهِنَّ فَلَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِلَا جَمْعٍ فِي نِكَاحٍ ( أَوْ ) أَرْضَعَتْهُنَّ ( مُرَتَّبًا لَمْ يَحْرُمْنَ ) مُؤَبَّدًا لِمَا ذُكِرَ ( وَتَنْفَسِخُ الْأُولَى ) أَيْ نِكَاحُهَا بِإِرْضَاعِهَا مَعَ الْكَبِيرَةِ لِاجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَبِنْتِهَا فِي النِّكَاحِ ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ بِمُجَرَّدِ إرْضَاعِهَا إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ ( وَالثَّالِثَةُ ) أَيْ : وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ بِإِرْضَاعِهَا لِصَيْرُورَتِهَا أُخْتًا لِلثَّانِيَةِ الْبَاقِيَةِ فِي نِكَاحِهِ ( وَتَنْفَسِخُ الثَّانِيَةُ بِإِرْضَاعِ الثَّالِثَةِ ) لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا ( وَفِي قَوْلٍ لَا يَنْفَسِخُ ) نِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَلْ يَخْتَصُّ الِانْفِسَاخُ بِالثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا حَصَلَ بِهَا كَمَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا تَنْبِيهٌ : اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى مَا إذَا أَرْضَعَتْهُنَّ مُتَعَاقِبًا ، وَبَقِيَ فِي التَّرْتِيبِ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا تُرْضِعُ ثِنْتَيْنِ مَعًا ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَتَيْنِ مَعَ الْكَبِيرَةِ لِثُبُوتِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمَا ،

وَلِاجْتِمَاعِهِمَا مَعَ الْأُمِّ فِي النِّكَاحِ ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ لِانْفِرَادِهَا وَوُقُوعِ إرْضَاعِهَا بَعْدَ انْدِفَاعِ نِكَاحِ أُمِّهَا وَأُخْتَيْهَا ، ثَانِيهِمَا إنْ تُرْضِعَ وَاحِدَةً أَوَّلًا ثُمَّ ثِنْتَيْنِ مَعًا فَيَنْفَسِخَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ ، أَمَّا الْأُولَى وَالْكَبِيرَةُ فَلِاجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي النِّكَاحِ ، وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَلِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا ( وَيَجْرِي ) هَذَانِ ( الْقَوْلَانِ فِيمَنْ تَحْتَهُ ) زَوْجَتَانِ ( صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ مُرَتَّبًا أَيَنْفَسِخَانِ أَمْ الثَّانِيَةُ ) يَخْتَصُّ الِانْفِسَاخُ بِهَا فَقَطْ ، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُمَا انْفِسَاخُهُمَا لِمَا ذُكِرَ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُرَتَّبًا مَا إذَا أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الْمُرْضِعَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ

فَصْلٌ قَالَ : هِنْدٌ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ ، أَوْ قَالَتْ هُوَ أَخِي حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا ، وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ : بَيْنَنَا رَضَاعٌ ، مُحَرِّمٌ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ
فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا ، إذَا ( قَالَ ) رَجُلٌ ( هِنْدٌ ) بِالصَّرْفِ وَتَرْكِهِ ( بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ أَوْ قَالَتْ ) امْرَأَةٌ ( هُوَ ) أَيْ زَيْدٌ مَثَلًا ( أَخِي ) أَوْ ابْنِي بِرَضَاعٍ وَأَمْكَنَ ( حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا ) مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ قَالَ : فُلَانَةُ بِنْتِي وَهِيَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ فَهُوَ لَغْوٌ ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ ، ثُمَّ إنْ صُدِّقَا حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَإِلَّا فَظَاهِرًا فَقَطْ ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ رِضَاهَا بِالنِّكَاحِ حَيْثُ شُرِطَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَيُجَدَّدُ النِّكَاحُ ( وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ : بَيْنَنَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ ) بِشَرْطِهِ السَّابِقِ ( فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ) عَمَلًا بِقَوْلِهِمَا ( وَسَقَطَ الْمُسَمَّى ) إذَا أُضِيفَ الرَّضَاعُ إلَى مَا قَبْلَ الْوَطْءِ لِفَسَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا ( وَوَجَبَ ) لَهَا ( مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ ) هَا وَهِيَ مَعْذُورَةٌ بِنَوْمٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَطَأَ أَوْ وَطِئَ بِلَا عُذْرٍ لَهَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ، أَمَّا إذَا أُضِيفَ الْإِرْضَاعُ إلَى مَا بَعْدَ الْوَطْءِ فَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : مُحَرِّمٌ عَمَّا لَوْ قَالَ : بَيْنَنَا رَضَاعٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ التَّحْرِيمُ عَلَى بَيَانِ الْعَدَدِ

وَإِنْ ادَّعَى رَضَاعًا فَأَنْكَرَتْ انْفَسَخَ ، وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ وَطِئَ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ إنْ زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا وَمَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا

( وَإِنْ ادَّعَى ) الزَّوْجُ ( رَضَاعًا ) مُحَرِّمًا ( فَأَنْكَرَتْ ) زَوْجَتُهُ ذَلِكَ ( انْفَسَخَ ) النِّكَاحُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي نُسِبَ الْإِرْضَاعُ إلَيْهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَهَا الْمُسَمَّى ) إنْ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ ( إنْ وَطِئَ ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ ( فَنِصْفُهُ ) لِوُرُودِ الْفُرْقَةِ مِنْهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا قَبْلَ دُخُولٍ ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ نَكَلَتْ حُلِّفَ الزَّوْجُ وَلَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلٍ فَقَطْ بَعْدُ أَوْ وَطْءٍ لَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضَةِ ؛ أَمَّا فِيهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ وَلَا مَهْرَ لَهَا ( وَإِنْ ادَّعَتْهُ ) أَيْ الزَّوْجَةُ الرَّضَاعَ ( فَأَنْكَرَ ) الزَّوْجُ ذَلِكَ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا ) مِمَّنْ عَرَفَتْهُ بِعَيْنِهِ بِأَنْ عَيَّنَتْهُ فِي إذْنِهَا أَوْ عُيِّنَ لَهَا فَسَكَتَتْ حَيْثُ يَكْفِي سُكُوتُهَا لِتَضَمُّنِ رِضَاهَا بِهِ الْإِقْرَارَ بِحِلِّهَا لَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا نَقِيضُهُ ، وَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِ الرَّضَاعِ اسْتَمَرَّتْ الزَّوْجِيَّةُ ظَاهِرًا وَعَلَيْهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ مَا أَمْكَنَ إنْ كَانَتْ صَادِقَةً ، وَهَلْ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ مَعَ إقْرَارِهَا بِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِهَا وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَقَعَتْ فِي إفْتَاءٍ ، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا طَلَبَ زَوْجَتَهُ مَحَلَّ طَاعَتِهِ فَامْتَنَعَتْ ثُمَّ إنَّهُ اسْتَمَرَّ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي امْتَنَعَتْ فِيهِ هَلْ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةً أَوْ لَا ؟ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَبَعْضُهُمْ بِعَدَمِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ زُوِّجَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا كَأَنْ زَوَّجَهَا

الْمُجْبِرُ لِجُنُونٍ أَوْ بَكَارَةٍ أَوْ أَذِنَتْ مُطْلَقًا وَلَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ ( فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا ) بِيَمِينِهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ مَا تَدَّعِيهِ وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهَا مَا يُنَاقِضُهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَتْهُ قَبْلَ النِّكَاحِ ، وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ لِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ الْجَارِي عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ وَطْئِهَا مُخْتَارَةً ، فَإِنْ مَكَّنَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا ( وَ ) لَهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ ) هَا جَاهِلَةً بِالرَّضَاعِ ، ثُمَّ عَلِمَتْ وَادَّعَتْهُ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلَ الْمُسَمَّى أَمْ دُونَهُ ، وَلَيْسَ لَهَا طَلَبُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ بِزَعْمِهَا ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ دَفَعَهُ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ رَدِّهِ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ لَهَا ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى لَمْ تَطْلُبْ الزَّوْجَةُ الزِّيَادَةَ إنْ صَدَّقْنَا الزَّوْجَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَالْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً وَقَوْلُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ ( فَلَا شَيْءَ لَهَا ) وَهَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا حَذَفَهُ الْمُحَرَّرُ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا تَنْبِيهٌ : دَعْوَى الزَّوْجَةِ الْمُصَاهَرَةَ كَقَوْلِهَا : كُنْت زَوْجَةَ أَبِيهِ كَدَعْوَى الرَّضَاعِ

فَرْعٌ : يَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ وَطْءُ أَمَةٍ أَقَرَّتْ بِالْمُرَاضَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ مَا لَوْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةَ نَسَبٍ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ

وَيُحَلَّفُ مُنْكِرُ رَضَاعٍ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ ، وَمُدَّعِيهِ عَلَى بَتٍّ ، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، وَالْإِقْرَارُ بِهِ شَرْطُهُ رَجُلَانِ

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ يَمِينِ الرَّضَاعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فَقَالَ ( وَيُحَلَّفُ مُنْكِرُ رَضَاعٍ ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي يَمِينٍ ( عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ ) لِأَنَّهُ يَنْفِي فِعْلَ الْغَيْرِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى فِعْلِهَا فِي الِارْتِضَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا تَنْبِيهٌ : هَذَا فِي الْيَمِينِ الْأَصْلِيَّةِ ، أَمَّا إذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ عَلَى الْبَتِّ ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي كَوْنِهِ يُحَلَّفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ ( وَ ) يُحَلَّفُ ( مُدَّعِيهِ ) أَيْ الْإِرْضَاعِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ( عَلَى بَتٍّ ) لِأَنَّهُ حُلِّفَ عَلَى إثْبَاتِ فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَخَالَفَ فِي هَذَا الْقَفَّالُ أَيْضًا وَقَالَ : يُحَلَّفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ( وَيَثْبُتُ ) الرَّضَاعُ ( بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ) لِأَنَّ كُلَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ الْخُلَّصُ يُقْبَلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنَّوْعَانِ وَهَذَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ الْخُلَّصِ كَمَا قَالَ ( وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ) لِاخْتِصَاصِ النِّسَاءِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ غَالِبًا كَالْوِلَادَةِ ، وَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ إذْ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ بِمَثَابَةِ رَجُلٍ تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ شَهَادَةِ الرِّجَالِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا النَّظَرَ إلَى الثَّدْيِ لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ : لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ لِفِسْقِهِمْ ، وَرَدَّهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ صَغِيرَةٌ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مَا لَمْ يُصِرَّ فَاعِلُ ذَلِكَ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أَصَرَّ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ تَغْلِبْ طَاعَتُهُ مَعَاصِيَهُ وَمَحَلُّ قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ إذَا كَانَ النِّزَاعُ فِي الِارْتِضَاعِ مِنْ الثَّدْيِ ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الشُّرْبِ أَوْ الْإِيجَارِ مِنْ ظَرْفٍ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا اخْتِصَاصَ لَهُنَّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ يُقْبَلْنَ فِي أَنَّ لَبَنَ الْإِنَاءِ لَبَنُ فُلَانَةَ ؛ لِأَنَّ

الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى الْحَلْبِ غَالِبًا ( وَالْإِقْرَارُ بِهِ ) أَيْ الرَّضَاعِ ( شَرْطُهُ رَجُلَانِ ) وَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِمَا لِاطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَيْهِ غَالِبًا تَنْبِيهٌ : إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي الشَّهَادَاتِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّهَا تَتْمِيمًا لِمَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّضَاعُ

وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ إنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً ، وَلَا ذَكَرَتْ فِعْلَهَا ، وَكَذَا إنْ ذَكَرَتْ فَقَالَتْ : أَرْضَعْتُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ ، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ وَقْتٍ وَعَدَدٍ وَوُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَةِ حُلَبِ وَإِيجَارٍ وَازْدِرَادٍ أَوْ قَرَائِنَ كَالْتِقَامِ ثَدْيٍ وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَبُونٌ خَاتِمَةٌ : لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِالرَّضَاعِ وَمَاتَ قَبْلَ تَفْصِيلِ شَهَادَتِهِ تَوَقَّفَ الْقَاضِي وُجُوبًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الْمُتَّجَهُ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : إنَّهُ الْأَقْرَبُ ، وَالْإِقْرَارُ بِالرَّضَاعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ مِنْ الْفَقِيهِ الْمَوْثُوقِ بِمَعْرِفَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ بِالرَّضَاعِ اُسْتُحِبَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيُكْرَهُ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا ، وَيُسَنُّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْضِعَةَ شَيْئًا عِنْدَ الْفِصَالِ وَالْأُولَى عِنْدَ أَوَانِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً اُسْتُحِبَّ لِلرَّضِيعِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَنْ يُعْتِقَهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمًّا لَهُ ، وَلَنْ يُجْزِئَ وَلَدُ وَالِدِهِ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ

( وَتُقْبَلُ ) فِي الرَّضَاعِ ( شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ ) مَعَ غَيْرِهَا ( إنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً ) عَنْ رَضَاعِهَا ( وَلَا ذَكَرَتْ فِعْلَهَا ) بَلْ شَهِدَتْ أَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا مُحَرِّمًا مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ ضَرَرًا ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَجَوَازِ الْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ أَمَةً تُقْبَلُ وَإِنْ اسْتَفَادَ حِلَّ الْمُنَاكَحَةِ ( وَكَذَا إنْ ذَكَرَتْهُ ) أَيْ فِعْلَهَا ( فَقَالَتْ أَرْضَعْتُهُ ) مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ ، وَالثَّانِي : لَا تُقْبَلُ لِذِكْرِهَا فِعْلَ نَفْسِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوِلَادَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَغَيْرُهَا قَبْلُ فَلَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ ، وَتُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا شَهَادَةُ أُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا مَعَ غَيْرِهَا حِسْبَةً بِلَا تَقَدُّمِ دَعْوَى ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَبُوهَا وَابْنُهَا أَوْ ابْنَاهَا بِطَلَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا حِسْبَةً ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الرَّضَاعَ وَشَهِدَ بِذَلِكَ أُمُّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُهَا أَوْ ابْنَاهَا ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ ، أَوْ هِيَ لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَهَا ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَهَادَةٌ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِأَنَّ الزَّوْجَ ارْتَضَعَ مِنْ أُمِّهَا أَوْ نَحْوِهَا ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ) فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْضَاعِ أَنْ يُقَالَ ( بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ

مُحَرِّمٌ ) لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي شُرُوطِ التَّحْرِيمِ ( بَلْ يَجِبُ ) مَعَ ذَلِكَ ( ذِكْرُ وَقْتٍ ) وَقَعَ فِيهِ الْإِرْضَاعُ وَهُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فِي الرَّضِيعِ وَبَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ فِي الْمُرْضِعَةِ ( وَ ) ذِكْرُ ( عَدَدٍ ) وَهُوَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ : مُتَفَرِّقَاتٍ ، لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يَجْهَلُ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ ، أَوْ قَطْعَ الرَّضِيعِ لِلَهْوٍ وَتَنَفُّسٍ وَنَحْوِهِمَا وَعَوْدَهُ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ ( وَ ) كَذَا يَجِبُ ذِكْرُ ( وُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ ) فِي الْأَصَحِّ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ كَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْإِيلَاجِ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشَاهَدُ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ ( وَيُعْرَفُ ذَلِكَ ) أَيْ وُصُولُ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِهِ ( بِمُشَاهَدَةِ ) أَيْ مُعَايَنَةِ ( حَلْبٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ بِخَطِّهِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَرَأَيْته أَيْضًا وَهُوَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : بِسُكُونِ اللَّامِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَهُوَ الْمُتَّجَهُ ، وَقَيَّدَ فِي الْأُمِّ الْمُشَاهَدَةَ بِغَيْرِ حَائِلٍ ، فَإِنْ رَآهُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ لَمْ يَكْفِ ( وَإِيجَارٍ ) لِلَّبَنِ فِي فَمِ الرَّضِيعِ ( وَازْدِرَادٍ ) مَعَ مُعَايَنَةِ ذَلِكَ ( أَوْ قَرَائِنَ ) دَالَّةٍ عَلَى وُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ ( كَالْتِقَامِ ) أَيْ كَمُشَاهَدَةِ الْتِقَامِ ( ثَدْيٍ ) بِلَا حَائِلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ ( وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ ) أَيْ الرَّضِيعِ ( بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ ) لِلَّبَنِ الَّذِي مَصَّهُ ( بَعْدَ عِلْمِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ ( بِأَنَّهَا ) أَيْ الْمُرْضِعَةَ ( لَبُونٌ ) أَيْ ذَاتُ لَبَنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ الْقَرَائِنِ قَدْ تُفِيدُ الْيَقِينَ ، وَبِتَقْدِيرِهِ أَنْ لَا تُفِيدَهُ فَتُفِيدُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ ، وَذَلِكَ تَسَلُّطٌ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللَّبَنِ ، وَلَا يَكْفِي فِي

أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ذِكْرُ الْقَرَائِنِ بَلْ يَعْتَمِدُهَا وَيَجْزِمُ بِالشَّهَادَةِ ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي ثَدْيِهَا حَالَةَ الْإِرْضَاعِ أَوْ قَبْلَهُ لَبَنًا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَبُونٌ وَلَا يَكُونُ فِي ثَدْيِهَا حِينَئِذٍ لَبَنٌ كَأَنْ حَلَبَتْهُ أَوْ أَرْضَعَتْ غَيْرَهُ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَكْفِي بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ

خَاتِمَةٌ : لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِالرَّضَاعِ وَمَاتَ قَبْلَ تَفْصِيلِ شَهَادَتِهِ تَوَقَّفَ الْقَاضِي وُجُوبًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الْمُتَّجَهُ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : إنَّهُ الْأَقْرَبُ ، وَالْإِقْرَارُ بِالرَّضَاعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ مِنْ الْفَقِيهِ الْمَوْثُوقِ بِمَعْرِفَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ بِالرَّضَاعِ اُسْتُحِبَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيُكْرَهُ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا ، وَيُسَنُّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْضِعَةَ شَيْئًا عِنْدَ الْفِصَالِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ أَوَانِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً اُسْتُحِبَّ لِلرَّضِيعِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَنْ يُعْتِقَهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمًّا لَهُ ، وَلَنْ يُجْزِئَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ .

كِتَابُ النَّفَقَاتِ جَمْعُ نَفَقَةٍ ، مِنْ الْإِنْفَاقِ ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْخَيْرِ ، وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَاتِ دُونَ الْغَرَامَاتِ ، وَجَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا ؛ وَهِيَ قِسْمَانِ : نَفَقَةٌ تَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى نَفَقَةِ غَيْرِهِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ ، } وَنَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ .
قَالَا : وَأَسْبَابُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ : النِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ ، وَالْمِلْكُ ، فَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يُوجِبَانِهَا لِلزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَلَا عَكْسَ ، وَالثَّانِي : يُوجِبُهَا لِكُلٍّ مِنْ الْقَرِيبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِشَمُولِ الْبَعْضِيَّةِ ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ الْمَنْذُورَيْنِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمَا عَلَى النَّاذِرِ وَالْمُهْدِي مَعَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْفُقَرَاءِ ، وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ صَاحِبُ حَقٍّ جَمَاعَةً عَلَى قَاضٍ بِشَيْءٍ وَخَرَجَ بِهِمْ لِلْبَادِيَةِ لِيُؤَدِّيَهَا عِنْدَ قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ فَامْتَنَعُوا فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ حَيْثُ لَا شُهُودَ وَلَا قَاضٍ هُنَاكَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَّطُوهُ لَكِنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَكِرَاءُ دَوَابِّهِمْ كَمَا هِيَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ ، وَنَصِيبُ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ ، وَأَمَّا خَادِمُ الزَّوْجَةِ فَلَا يَرِدُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ عُلَقِ النِّكَاحِ .
.

كِتَابُ النَّفَقَاتِ عَلَى مُوسِرٍ لِزَوْجَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّا طَعَامٍ ، وَمُعْسِرٍ مُدٌّ ، وَمُتَوَسِّطٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ ، وَالْمُدُّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ .
قُلْت : الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ ، وَمَنْ فَوْقَهُ إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ ، وَإِلَّا فَمُوسِرٌ .

وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَهِيَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا .
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، وَخَبَرُ { : اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَخَبَرُ { : مَا حَقُّ زَوْجَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : تُطْعِمُهَا إذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْتَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ ، وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى : { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } وَلَمْ يَقُلْ فَتَشْقَيَانِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْعَبُ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَتِهَا ، وَبَنُوهُمَا عَلَى سُنَّتِهِمَا ، وَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ أَنْ يَضُرَّ الْمَرْأَةَ بِثَلَاثِ ضَرَائِرَ وَيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا جَعَلَ لَهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ حُقُوقٍ مُؤَكَّدَاتٍ : النَّفَقَةَ ، وَالْكِسْوَةَ ، وَالْإِسْكَانَ وَهُوَ يَتَكَلَّفُهَا غَالِبًا ، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا ضِعْفُ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ لِضَعْفِ عَقْلِهَا ، وَالْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ سَبْعَةٌ : الطَّعَامُ ، وَالْإِدَامُ ، وَالْكِسْوَةُ ، وَآلَةُ التَّنْظِيفِ ، وَمَتَاعُ الْبَيْتِ ، وَالسُّكْنَى ، وَخَادِمٌ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ ، وَرَتَّبَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ : الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ الطَّعَامُ ، وَلَمَّا كَانَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ الزَّوْجِ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : يَجِبُ ( عَلَى مُوسِرٍ ) حُرٍّ ( لِزَوْجَتِهِ ) وَلَوْ أَمَةً وَكِتَابِيَّةً ( كُلَّ يَوْمٍ ) بِلَيْلَتِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ ( مُدَّا طَعَامٍ ، وَ ) عَلَى ( مُعْسِرٍ مُدٌّ ، وَ ) عَلَى ( مُتَوَسِّطٍ ) حُرٍّ ( مُدٌّ

وَنِصْفٌ ) وَاحْتَجُّوا لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } ، وَاعْتَبَرَ الْأَصْحَابُ النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ ، وَأَكْثَرُ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى فِي الْحَجِّ ، وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ لَهُ مُدٌّ فِي نَحْوِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُوسِرِ الْأَكْثَرَ وَهُوَ مُدَّانِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ الْمُوسِعِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ الْأَقَلُّ ، وَهُوَ قَوْلَانِ الْمُدُّ الْوَاحِدُ يَكْتَفِي بِهِ الزَّهِيدُ وَيَتَقَنَّعُ بِهِ الرَّغِيبُ ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُلْزِمَ الْمُدَّيْنِ لَضَرَّهُ ، وَلَوْ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِمُدٍّ لَضَرَّهَا فَلَزِمَهُ مَدٌّ وَنِصْفٌ ، وَقِيلَ ، وَنُسِبَ لِلْقَدِيمِ : أَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِظَاهِرِ { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ : خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي وَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ } ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِنَا تَقْدِيرَهُمْ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ بِالْأَمْدَادِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَلَفًا فِي التَّقْدِيرِ بِالْأَمْدَادِ ، وَلَوْلَا الْأَدَبُ لَقُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهَا بِالْمَعْرُوفِ تَأَسِّيًا وَاتِّبَاعًا .
وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرِيضَةِ وَمَنْ هِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِالشِّبَعِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْكِفَايَةُ حَسُنَ تَقْرِيبُهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ ( وَالْمُدُّ ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ ( مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ ) بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا ، وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَقَالَ ( قُلْت : الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ ) دِرْهَمًا ( وَثَلَاثَةُ

أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي زَكَاةِ الْبَنَاتِ مِنْ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ( وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ ) وَقَدْ مَرَّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ وَكَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ ( مُعْسِرٌ ) لَكِنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْكَسْبِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ عَنْ النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِ بِالْكَسْبِ لَا يَلْزَمُهُ كَسْبُهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : فِي كَلَامِهِ قَلْبٌ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : وَالْمُعْسِرُ هُنَا مِسْكِينُ الزَّكَاةِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فَقِيرَهَا كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَمَنْ فَوْقَهُ ) أَيْ الْمِسْكِينِ ( إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ ) إنْفَاقَ ( مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ مِسْكِينًا ( فَمُوسِرٌ ) وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرُّخْصِ وَالرَّخَاءِ وَقِلَّةِ الْعِيَالِ وَكَثْرَتِهِمْ ، .

وَلَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ يَسَارَ الزَّوْجِ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إذَا لَمْ يُعْهَدْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ ، فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَدِيعَةِ ، أَمَّا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ فَمُعْسِرٌ لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَنَقْصِ حَالِ الْمُبَعَّضِ وَعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِمَا ، فَإِنْ قِيلَ إلْحَاقُ الْمُبَعَّضِ بِالْمُعْسِرِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ أَنَّهُ يُكَلَّفُ كَفَّارَةَ الْمُوسِرِ ، وَذَكَرُوا فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ نَحْوَهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَوْ أَلْحَقُوهُ ثَمَّ بِالْمُعْسِرِ لَمَا صَرَفَ شَيْئًا لِلْمَسَاكِينِ وَلَا أَنْفَقَ شَيْئًا لِلْأَقَارِبِ ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ .

وَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ قُلْت : فَإِنْ اخْتَلَفَ وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ ، وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا حَبًّا ، وَكَذَا طَحْنُهُ وَخَبْزُهُ فِي الْأَصَحِّ .

( وَالْوَاجِبُ ) فِي جِنْسِ الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ ( غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ ) أَيْ بَلَدِهِمَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يَجِبَ الْأَقِطُ وَاللَّحْمُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَعْتَادُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا ، وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالْبَلَدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ قُوتُ بَلَدِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ اُعْتُبِرَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ ، وَإِنْ نَزَلَ عَلَيْهَا فِي بَلَدِهَا اُعْتُبِرَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهَا ، وَإِنْ نَزَلَ بِبَلْدَةٍ وَلَمْ تَأْلَفَ خِلَافَ قُوتِ بَلَدِهَا قِيلَ لَهَا : هَذَا حَقُّكِ فَأَبْدِلِيهِ قُوتَ بَلَدِكِ إنْ شِئْتِ ، وَلَوْ انْتَقَلَا عَنْ بَلَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَا انْتَقَلَا إلَيْهِ دُونَ مَا انْتَقَلَا عَنْهُ ، سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَمْ أَدْنَى ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بِبَلَدٍ أَوْ نَحْوِهَا اُعْتُبِرَ مَحَلُّهَا كَمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( قُلْت ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( فَإِنْ اخْتَلَفَ ) قُوتُ الْبَلَدِ وَلَا غَالِبَ فِيهِ أَوْ اخْتَلَفَ الْغَالِبُ ( وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ لَا بِهَا ، فَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ فَوْقَ اللَّائِقِ تَكَلُّفًا لَمْ نُكَلِّفْهُ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ ، بُخْلًا أَوْ زُهْدًا وَجَبَ اللَّائِقُ بِهِ ( وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ ) مِنْ تَوَسُّطٍ وَإِعْسَارٍ ( طُلُوعَ الْفَجْرِ ) فِي كُلِّ يَوْمٍ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهَا ذَلِكَ بِفَجْرِ الْيَوْمِ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى طَحْنِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا كَانَتْ تُمَكِّنُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ ، أَمَّا الْمُمَكِّنَةُ بَعْدَهُ فَيُعْتَبَرُ الْحَالُ عَقِبَ تَمْكِينِهَا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ ( تَمْلِيكُهَا ) الطَّعَامَ ( حَبًّا ) سَلِيمًا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي النَّفْعِ مِنْ الْخُبْزِ

وَالدَّقِيقِ فَتَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَتْ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالتَّمْلِيكِ اعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُسَلِّمَهُ بِقَصْدِ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى لَفْظٍ ، وَيَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهَا ، هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً .
أَمَّا الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ فَالدَّافِعُ لِمَالِكِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُكَاتَبَةً ، وَلَوْ قَالَ : وَعَلَيْهِ دَفْعُ الْحَبِّ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ ( وَكَذَا ) عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا ( طَحْنُهُ ) وَعَجْنُهُ ( وَخَبْزُهُ فِي الْأَصَحِّ ) أَيْ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ ذَلِكَ بِبَدَلِ مَالٍ أَوْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَإِنْ بَاعَتْهُ أَوْ أَكَلَتْهُ حَبًّا كَمَا فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ لَا يَتَنَاوَلُ فِي الْعَادَةِ بِدُونِ مَا ذُكِرَ ، وَتَكْلِيفُهَا لَهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا كَانَ الْحَبُّ غَالِبَ قُوتِهِمْ ، فَإِنْ غَلَبَ غَيْرُ الْحَبِّ كَتَمْرٍ وَلَحْمٍ وَأَقِطٍ فَهُوَ الْوَاجِبُ لَيْسَ غَيْرُ ، لَكِنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ اللَّحْمِ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَالْكَفَّارَاتِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا فِي حَبْسِهِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْفِيَهَا مُؤْنَةَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا فَقَالَتْ : قَصَدْتَ التَّبَرُّعَ ، وَقَالَ : بَلْ قَصَدْتُ أَنْ يَكُونَ عَنْ النَّفَقَةِ ، قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ : صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْهَدِيَّةَ ، وَقَالَ : بَلْ قَصَدْتُ الْمَهْرَ .

وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ الْحَبِّ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ ، فَإِنْ اعْتَاضَتْ جَازَ فِي الْأَصَحِّ ، إلَّا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا عَلَى الْمَذْهَبِ .

( وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ ( بَدَلَ الْحَبِّ ) خُبْزًا أَوْ قِيمَةً وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ إعْطَاءَ ذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ ( لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ ) مِنْهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ ، وَالِاعْتِيَاضُ شَرْطُهُ التَّرَاضِي ( فَإِنْ اعْتَاضَتْ ) عَمَّا وَجَبَ لَهَا نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُرُوضِ ( جَازَ ) اعْتِيَاضُهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ لِمُعَيَّنٍ ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالتَّرَاضِي كَالْقَرْضِ ، وَالثَّانِي : الْمَنْعُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، وَطَعَامُ الْكَفَّارَةِ لَا يَسْتَقِرُّ لِمُعَيَّنٍ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ النَّفَقَةِ ؛ وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَقْبَلَةً ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مَنْعُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ بِالنُّشُوزِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَالِيَةِ وَالْمَاضِيَةِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الِاعْتِيَاضِ مِنْ الزَّوْجِ .
أَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ، أَيْ : فِي النَّفَقَةِ الْحَالِيَةِ فَإِنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ بِنَحْوِ نُشُوزٍ ، أَمَّا الْمَاضِيَةُ فَيَصِحُّ فِيهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْكِسْوَةِ إنْ قُلْنَا : تَمْلِيكٌ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَفِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الصَّدَاقِ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِي بَابِ الصَّدَاقِ ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الِاعْتِيَاضَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَا إلَّا عَنْ قَبْضٍ لِئَلَّا يَصِيرَ دَيْنًا بِدَيْنٍ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ رِبًا كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( إلَّا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا ) وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْجِنْسِ ، فَلَا يَجُوزُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ

الرِّبَا .
وَالثَّانِي : الْجَوَازُ ، وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْحَبَّ وَالْإِصْلَاحَ ، فَإِذَا أَخَذَتْ مَا ذُكِرَ فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا لَا عِوَضَهُ ، وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ : الْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ وَفْقًا وَمُسَامَحَةً ، ثُمَّ قَالَ : وَلَا شَكَّ أَنَّا مَتَى جَعَلْنَاهُ اعْتِيَاضًا فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ ، وَالْمُخْتَارُ جَعْلُهُ اسْتِيفَاءً ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا .
أَمَّا لَوْ أَخَذَتْ غَيْرَ الْجِنْسِ كَخُبْزِ الشَّعِيرِ عَنْ الْقَمْحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَخَذَتْ النَّقْدَ .
تَنْبِيهٌ : يَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ مَاءُ الشَّرَابِ .
قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } فَيَجِبُ لَهَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ : وَيَجِبُ لَهَا آلَةُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ، فَإِذَا وَجَبَ الظَّرْفُ وَجَبَ الْمَظْرُوفُ .
وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَالظَّاهِرُ فِيهِ الْكِفَايَةُ ، وَيَكُونُ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا حَتَّى لَوْ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ سَقَطَ ا هـ .
وَفِي قَوْلِهِ : إمْتَاعًا نَظَرٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : كُلُّ مَا تَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجَةُ تَمْلِيكٌ إلَّا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ .

وَلَوْ أَكَلْت مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( عَلَى الْعَادَةِ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ وَلَا اعْتِيَاضٍ ( سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَصَحِّ ) قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ وَلَا إنْكَارٍ وَلَا خِلَافٍ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً طَالَبَتْ بِنَفَقَةٍ بَعْدَهُ ، وَلَوْ كَانَ لَا يَسْقُطُ مَعَ عِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِطْبَاقِهِمْ عَلَيْهِ لِأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ ، وَلَقَضَاهُ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهِ ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ ، وَالثَّانِي : لَا تَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِغَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : التَّصْوِيرُ بِالْأَكْلِ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : يُشْعِرُ بِأَنَّهَا إذَا أَتْلَفَهُ أَوْ أَعْطَتْهُ غَيْرَهَا لَمْ تَسْقُطْ ، وَبِأَنَّهَا إذَا أَكَلَتْ مَعَهُ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ تَسْقُطْ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْكُلِّ أَوْ بِالتَّفَاوُتِ فَقَطْ ؟ فِيهِ نَظَرٌ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي ، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادُ : يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَكَلَتْهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ صُدِّقَتْ فِيهِ بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبْضِهَا الزَّائِدَ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، بَلْ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا الطَّعَامَ أَوْ أَحْضَرَهُ وَأَكَلَتْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَلَوْ أَضَافَهَا رَجُلٌ فَأَكَلَتْ عِنْدَهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ إكْرَامَ الزَّوْجِ فَتَسْقُطَ ( قُلْت : إلَّا أَنْ تَكُونَ ) الزَّوْجَةُ ( غَيْرَ رَشِيدَةٍ ) كَصَغِيرَةٍ أَوْ سَفِيهَةٍ بَالِغَةٍ ( وَلَمْ يَأْذَنْ ) فِي أَكْلِهَا مَعَهُ ( وَلِيُّهَا ) فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا جَزْمًا بِأَكْلِهَا مَعَهُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَيَكُونُ الزَّوْجُ مُتَطَوِّعًا ، وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِسُقُوطِهَا بِذَلِكَ .
قَالَ : وَمَا قَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ

غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ فِي الْأَمَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ .
أَمَّا الْأَمَةُ إذَا أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رِضَا السَّيِّدِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِذَلِكَ دُونَ رِضَاهَا كَالْحُرَّةِ الْمَحْجُورَةِ .

تَنْبِيهٌ : يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا طَرَأَ سَفَهُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ رُشْدِهَا وَلَمْ يَعُدْ الْحَجْرُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ السُّقُوطُ بِالْأَكْلِ مَعَ الزَّوْجِ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا حَجْرُ الْحَاكِمِ ، فَإِنْ قِيلَ : أَكْلُ الصَّغِيرِ قَبْضٌ ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ كَالْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْهَا وَعَلَى طَعَامٍ فِي ذِمَّتِهَا وَأَذِنَ فِي إنْفَاقِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا تَبْرَأُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ الْحَظُّ لِلْغَيْرِ فِيهِ .
أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَظُّ فِي أَخَذِ الْمُقَدَّرِ فَلَا ، وَيَكُونُ وُجُودُ إذْنِهِ كَعَدَمِهِ لِبَخْسِ حَقِّهَا إلَّا إنْ رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَجُوزُ ، فَقَدْ تُؤَدِّي الْمُضَايَقَةُ إلَى الْمُفَارَقَةِ .

وَيَجِبُ أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ ، وَيَخْتَلِفُ بِالْفُضُولِ ، وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ ، وَيُفَاوِتُ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ ، وَلَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ ، وَلَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ الْأُدْمُ .

، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْأُدْمُ ، فَقَالَ ( وَيَجِبُ ) لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْأُدْمُ ، وَجِنْسُهُ ( أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ ) وَشَيْرَجٍ ( وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ ) وَخَلٍّ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ تَكْلِيفُهَا الصَّبْرَ عَلَى الْخُبْزِ وَحْدَهُ ، إذْ الطَّعَامُ غَالِبًا لَا يُسَاغُ إلَّا بِالْأُدْمِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } ، الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ ( وَيَخْتَلِفُ ) قَدْرُ الْأُدْمِ ( بِالْفُصُولِ ) الْأَرْبَعَةِ فَيَجِبُ لَهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُدْمِ ، قَالَا : وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَاكِهَةُ فِي أَوْقَاتِهَا فَتَجِبُ .
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : يَجِبُ الرَّطْبُ فِي وَقْتِهِ وَالْيَابِسُ فِي وَقْتِهِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَخْتَلِفَ الْأُدْمُ بِاخْتِلَافِ الْقُوتِ الْوَاجِبِ ، فَمَنْ قُوتُهَا التَّمْرُ لَا يُفْرَضُ لَهَا التَّمْرُ أُدْمًا ، وَلَا مَا لَا يُؤْكَلُ مَعَ التَّمْرِ عَادَةً كَالْخَلِّ وَمَنْ قُوتُهَا الْأَقِطُ لَا يُفْرَضُ لَهَا الْجُبْنُ وَلَا اللَّبَنُ أُدْمًا ، وَقِسْ عَلَى هَذَا ، وَقَالَ أَيْضًا : إنَّمَا يَتَّضِحُ وُجُوبُ الْأُدْمِ حَيْثُ يَكُونُ الْقُوتُ الْوَاجِبُ مَا لَا يَنْسَاغُ عَادَةً إلَّا بِالْأُدْمِ كَالْخُبْزِ بِأَنْوَاعِهِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ لَحْمًا أَوْ لَبَنًا أَوْ أَقِطًا فَيُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ إذَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالِاقْتِيَاتِ بِهِ وَحْدَهُ ا هـ .
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ : فَمَنْ قُوتُهَا التَّمْرُ ، إلَخْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالِاكْتِفَاءِ بِهِ وَحْدَهُ ( وَيُقَدِّرُهُ ) عِنْدَ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِيهِ ( قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ ) إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ( وَيُفَاوِتُ ) فِي قَدْرِهِ ( بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ ) فَيَنْظُرُ فِي جِنْسِ الْأُدْمِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُدُّ فَيَفْرِضُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَيُضَاعِفُهُ لِلْمُوسِرِ

وَيُوَسِّطُهُ بَيْنَهُمَا لِلْمُتَوَسِّطِ ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَكِيلَةِ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ ، أَيْ : أُوقِيَّةٍ فَتَقْرِيبٌ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ ، وَلَوْ سَئِمَتْ مِنْ أُدْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إبْدَالُهُ ، وَتُبْدِلُهُ هِيَ إنْ شَاءَتْ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ مُمَيِّزَةً وَلَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَاللَّائِقُ بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَلْزَمَ الزَّوْجَ إبْدَالُهُ عِنْدَ إمْكَانِهِ ( وَ ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( لَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ ) وَتَوَسُّطِهِ ( وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ ) فَإِنْ أَكَلُوا اللَّحْمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَلَهَا كَذَلِكَ ، وَلَا يَتَقَدَّرُ بِوَزْنٍ كَرِطْلٍ ، بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَسِيطِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَّرَ عَنْ الْأُدْمِ وَاللَّحْمِ قَوْلَهُ : وَيُقَدِّرُهُ .
.
إلَخْ ، لَرَجَعَ التَّقْدِيرُ إلَيْهِمَا ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رِطْلِ لَحْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ الَّذِي حُمِلَ عَلَى الْمُعْسِرِ ، وَجَعَلَ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ عَلَى الْمُوسِرِ رِطْلَانِ ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رِطْلٌ وَنِصْفٌ ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّوْسِيعِ فِيهِ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ بِمِصْرَ مِنْ قِلَّةِ اللَّحْمِ فِيهَا ، وَيُزَادُ بَعْدَهَا بِحَسَبِ عَادَةِ الْبَلَدِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ : الْأُدْمُ فِي اللَّحْمِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ، وَيُحْتَمَلُ ، أَيْ : وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُوسِرِ اللَّحْمَ كُلَّ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْأُدْمُ أَيْضًا لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا غَدَاءً وَالْآخَرُ عَشَاءً عَلَى الْعَادَةِ ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْأُدْمُ يَوْمَ إعْطَاءِ اللَّحْمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَادَتِهِ ، وَتَجِبُ مُؤْنَةُ اللَّحْمِ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ ( وَلَوْ كَانَتْ ) عَادَتُهَا ( تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ ) لَهَا ( الْأُدْمُ ) وَلَا نَظَرَ لِعَادَتِهَا

لِأَنَّهُ حَقُّهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَهُ .

وَكِسْوَةٌ تَكْفِيهَا ، فَيَجِبُ قَمِيصٌ ، وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ وَمِكْعَبٌ ، وَيَزِيدُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً ، وَجِنْسُهَا قُطْنٌ ، فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِهِ بِكَتَّانٍ أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الْكِسْوَةُ فَقَالَ ( وَ ) يَجِبُ لَهَا ( كِسْوَةٌ ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ : وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ } قَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ ( تَكْفِيهَا ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَتَخْتَلِفُ كِفَايَتُهَا بِطُولِهَا وَقِصَرِهَا وَسِمَنِهَا وَهُزَالِهَا ، وَبِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ بِاخْتِلَافِ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَلَكِنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَدَوِيَّةِ وَالْحَضَرِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي الْحَاوِي : لَوْ نَكَحَ حَضَرِيٌّ بَدَوِيَّةً وَأَقَامَا فِي بَادِيَةٍ .
أَوْ حَاضِرَةٍ وَجَبَ عُرْفُهَا ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ عَكْسُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ اعْتَبَرْتُمْ الْكِفَايَةَ فِي الْكِسْوَةِ وَلَمْ تَعْتَبِرُوهَا فِي الطَّعَامِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِفَايَةَ فِي الْكِسْوَةِ مُتَحَقِّقَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَكِفَايَةَ الطَّعَامِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَعْتَبِرُوهَا لِلْجَهْلِ بِهَا ( فَيَجِبُ ) لَهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( قَمِيصٌ ) وَهُوَ ثَوْبٌ مَخِيطٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ ، وَفِي ذَلِكَ إشْعَارٌ بِوُجُوبِ الْخِيَاطَةِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ( وَسَرَاوِيلُ ) وَهُوَ ثَوْبٌ مَخِيطٌ يَسْتُرُ أَسْفَلَ الْبَدَنِ وَيَصُونُ الْعَوْرَةَ ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ مُؤَنَّثٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقِيلَ : مُذَكَّرٌ ، وَهُوَ مُفْرَدٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِسَرَاوِيلَ إذْ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ ، وَقِيلَ : هُوَ جَمْعُ سِرْوَالَةٍ ، وَمَحَلُّ وُجُوبِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا اعْتَادَتْ لُبْسَهُ ، فَإِنْ اعْتَادَتْ لُبْسَ مِئْزَرٍ أَوْ فُوطَةٍ وَجَبَ ،

وَمَحَلُّ وُجُوبِهِ فِي الشِّتَاءِ .
أَمَّا فِي الصَّيْفِ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ خِلَافَهُ ( وَخِمَارٌ ) وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ ( وَمُكْعَبٌ ) بِضَمِّ مِيمِهِ فِي الْأَشْهَرِ ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ كَمِقْوَدٍ ، وَهُوَ مَدَاسُ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ نَعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافَ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الْمُكْعَبِ وَالْمَدَاسِ وَالنَّعْلِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَجِبُ لَهَا الْقَبْقَابُ إنْ اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْقُرَى أَنْ لَا يَلْبَسْنَ فِي أَرْجُلِهِنَّ شَيْئًا فِي الْبُيُوتِ لَمْ يَجِبْ لِأَرْجُلِهِنَّ شَيْءٌ ( وَيَزِيدُ ) الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى ذَلِكَ ( فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً ) مَحْشُوَّةً قُطْنًا أَوْ فَرْوَةً بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ ، فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ فَجُبَّتَانِ ، أَوْ فَرْوَتَانِ فَأَكْثَرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَالتَّعْبِيرُ بِالشِّتَاءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَغْنِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ بِالثِّيَابِ عَنْ الْوُقُودِ وَجَبَ لَهَا مِنْ الْحَطْبِ وَالْفَحْمِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ ، قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَقَرَّاهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَإِذَا كَانَ الْمَنَاطُ الْعَادَةَ فَأَكْثَرُ الْبَوَادِي لَا يُوقِدُونَ إلَّا بِالْبَعْرِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيَجِبُ لَهَا أَيْضًا تَوَابِعُ ذَلِكَ مِنْ كُوفِيَّةٍ لِلرَّأْسِ ، وَتِكَّةٍ لِلِّبَاسِ وَزِرٍّ لِلْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَنَحْوِهَا ( وَجِنْسُهَا ) أَيْ الْكِسْوَةِ ( قُطْنٌ ) أَيْ ثَوْبٌ يُتَّخَذُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لِبَاسُ أَهْلِ الدِّينِ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَرَفُّهٌ وَرُعُونَةٌ ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَالِ الزَّوْجِ مِنْ يَسَارٍ وَإِعْسَارٍ وَتَوَسُّطٍ فَيَجِبُ لِامْرَأَةِ الْأَوَّلِ مِنْ لَيِّنِهِ ، وَالثَّانِي مِنْ غَلِيظِهِ ، وَالثَّالِثِ مِمَّا بَيْنَهُمَا ، هَذَا إنْ اعْتَدْنَهُ ( فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِهِ ) أَيْ

الزَّوْجِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي النَّظَرَ إلَى الزَّوْجِ دُونَهَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ اللُّزُومَ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ الْمُرَادُ لِمِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ كِسْوَةِ مِثْلِهَا ، وَعَلَّقَ الْمُصَنِّفُ بِجَرَتْ قَوْلَهُ ( بِكَتَّانٍ ) بِفَتْحِ كَافِهِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا ( أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ ) مَعَ وُجُوبِ التَّفَاوُتِ فِي مَرَاتِبِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ .
وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْقُطْنِ لِمَا مَرَّ ، وَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ فِي الصَّفَاقَةِ وَنَحْوِهَا .
نَعَمْ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِلُبْسِ الثِّيَابِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي لَا تَسْتُرُ وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا مِنْهَا ، لَكِنْ مِنْ الصَّفِيقِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الْجَوْدَةِ .

وَيَجِبُ مَا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَّةٍ أَوْ لِبْدٍ أَوْ حَصِيرٍ ، وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ فِي الْأَصَحِّ ، وَمِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ فِي الشِّتَاءِ .
( وَيَجِبُ ) لَهَا ( مَا ) أَيْ فِرَاشٌ ( تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَةٍ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْيَاءِ : شَيْءٌ مُضَرَّبٌ صَغِيرٌ ، وَقِيلَ : بِسَاطٌ صَغِيرٌ ، هَذَا لِزَوْجَةِ الْمُتَوَسِّطِ ( أَوْ لِبْدٍ ) بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الشِّتَاءِ ( أَوْ حَصِيرٍ ) فِي الصَّيْفِ ، وَهَذَا لِزَوْجَةِ الْمُعْسِرِ .
أَمَّا زَوْجَةُ الْمُوسِرِ فَيَجِبُ لَهَا نَطْعٌ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الطَّاءِ ، وَفَتْحِهَا - فِي الصَّيْفِ ، وَطِنْفِسَةٌ وَهِيَ - بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ - بِسَاطٌ صَغِيرٌ ثَخِينٌ لَهُ وَبَرَةٌ كَبِيرَةٌ ، وَقِيلَ : كِسَاءٌ فِي الشِّتَاءِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا : وَيُشْبِهُ أَنَّهُمَا بَعْدَ بَسْطِ زِلِّيَةٍ أَوْ حَصِيرٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُبْسَطَانِ وَحْدَهُمَا ، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ ( وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ ) غَيْرُ مَا تَفْرِشُهُ نَهَارًا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ بِهِ فَيَجِبُ لَهَا مِضْرَبَةٌ بِقُطْنٍ وَثِيرَةٌ بِالْمُثَلَّثَةِ ، أَيْ : لَيِّنَةٌ أَوْ قَطِيفَةٌ ( وَ ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( مِخَدَّةٌ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ : الْوِسَادَةُ لِلْعُرْفِ ( وَلِحَافٌ ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ كِسَاءٌ ( فِي الشِّتَاءِ ) فِي بَلَدٍ بَارِدٍ ، وَيَجِبُ لَهَا مِلْحَفَةٌ بَدَلَ اللِّحَافِ أَوْ الْكِسَاءِ فِي الصَّيْفِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ حَتَّى قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ : لَوْ كَانُوا لَا يَعْتَادُونَ فِي الصَّيْفِ لِنَوْمِهِمْ غِطَاءً غَيْرَ لِبَاسِهِمْ لَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : الْمُعْتَبَرُ فِي الْفِرَاشِ وَمَا بَعْدَهُ لِامْرَأَةِ الْمُوسِرِ مِنْ الْمُرْتَفِعِ وَالْمُعْسِرِ مِنْ النَّازِلِ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ ، وَإِنَّمَا يُجَدَّدُ وَقْتَ تَجْدِيدٍ عَادَةً ، .

وَآلَةُ تَنْظِيفٍ كَمُشْطٍ ، وَدُهْنٍ ، وَمَا تُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ ، وَمَرْتَكٍ وَنَحْوِهِ لِدَفْعِ صُنَانٍ ، لَا كُحْلٍ وَخِضَابٍ وَمَا تَزَيَّنُ بِهِ ، وَدَوَاءِ مَرَضٍ ، وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الرَّابِعِ : وَهُوَ آلَةُ التَّنْظِيفِ فَقَالَ ( وَ ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( آلَةُ تَنْظِيفٍ ) مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تُؤْذِيهَا ، وَذَلِكَ ( كَمُشْطٍ ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَضَمِّهَا ، اسْمٌ لِلْآلَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ ( وَدُهْنٍ ) يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْجِيلِ شَعَرِهَا وَكَذَا فِي بَدَنِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
أَمَّا دُهْنُ الْأَكْلِ فَتَقَدَّمَ فِي الْأُدْمِ ، وَيُتَّبَعُ فِيهِ عُرْفُ بَلَدِهَا ، حَتَّى لَوْ اعْتَدْنَ الْمُطَيَّبَ بِالْوَرْدِ أَوْ الْبَنَفْسَجِ وَجَبَ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَوَقْتُهُ كُلُّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً ، وَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ وُجُوبِ الْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ لِغَسْلِ الثِّيَابِ ، وَصَرَّحَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ بِوُجُوبِهِ .
قَالَ فِي الْكَافِي : وَيَجِبُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَفِيهِ الْبَحْثُ الْمَارُّ .
قَالَ الْقَفَّالُ : حَتَّى لَوْ كَانَتْ إذَا أَكَلَتْ احْتَاجَتْ إلَى الْخِلَالِ فَعَلَى الزَّوْجِ ، وَسَكَتُوا عَنْ دُهْنِ السِّرَاجِ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وُجُوبُهُ وَيُتَّبَعُ فِيهِ الْعُرْفُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي شَيْءٌ ( وَ ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( مَا تَغْسِلُ بِهِ الرَّأْسَ ) مِنْ سِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ ، لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ ، وَالرُّجُوعُ فِي قَدْرِهِ إلَى الْعَادَةِ ( وَمَرْتَكٍ ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مُعَرَّبٌ ، وَتَشْدِيدُ كَافِهِ خَطَأٌ ، أَصْلُهُ مِنْ الرَّصَاصِ يَقْطَعُ رَائِحَةَ الْإِبِطِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْعَرَقَ وَإِنْ طُرِحَ فِي الْخَلِّ أَبْدَلَ حُمُوضَتَهُ حَلَاوَةً ، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ الْمَرْتَكِ ( لِدَفْعِ ) أَيْ لِقَطْعِ رَائِحَةِ ( صُنَانٍ ) إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ ، وَتُرَابٍ لِتَأَذِّيهِمَا بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ ، وَ ( لَا ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( كُحْلٌ وَ ) لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ ( خِضَابٌ ) وَلَا عِطْرٌ ( وَ ) لَا ( مَا تَزَيَّنُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51