كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

قَبْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : يَجِبُ إعَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حَقًّا لَهُ مُؤَبَّدًا .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ دَفْنَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى حَفْرِ غَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَيْهِ تَأْخِيرٌ لِلْوَاجِبِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّيْلَ إنْ حَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ مُنِعَ إعَادَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَعَلَى الْمُعِيرِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةُ حَفْرِ مَا رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ الدَّفْنِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ بَادَرَ الْمُعِيرُ إلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَكْرِيبِ الْمُسْتَعِيرِ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ التَّكْرِيبِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ ، إلَّا بِالْحَفْرِ بِخِلَافِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِدُونِ التَّكْرِيبِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّمُّ لَمَّا حَفَرَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ .
تَنْبِيهٌ : أَوْرَدَهُ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَسَائِلَ .
مِنْهَا مَا لَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ أَجْنَبِيٌّ وَقُلْنَا : إنَّ الْكَفَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ لَازِمَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ : أَيْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، فَلَوْ نَبَشَ الْمَيِّتَ سَبْعٌ وَأَكَلَهُ فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ ، فَيَرْجِعُ إلَى الْمُعِيرِ وَلَا يُسَمَّى رَاجِعًا فِي الْعَارِيَّةِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ : أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي لِزَيْدٍ شَهْرًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ ، وَهُوَ الْوَارِثُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الشَّهْرِ كَمَا قَالَاهُ فِي التَّدْبِيرِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ الْمُعِيرُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعِيرَهُ سِنَةً مَثَلًا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ السَّنَةِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّدْبِيرِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ سَفِينَةً فَوَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ فِيهَا مَتَاعًا ثُمَّ طَلَبَهَا الْمُعِيرُ فِي اللُّجَّةِ لَمْ يَجِبْ ، لِذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرَرِ

لَا لِلُزُومِهَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِزَرْعٍ فَرَجَعَ قَبْلَ انْتِهَائِهِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً أَوْ سِلَاحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِلْغَزْوِ فَالْتَقَى الصَّفَّانِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ قَالَهُ الْخَفَّافُ فِي الْخِصَالِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، فَأَعَارَهُ ثَوْبًا لِيَسْتُرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَوْ لِيَفْرِشَهُ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ فَفَعَلَ وَكَانَ الرُّجُوعُ مُؤَدِّيًا إلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَيُحْتَمَلُ مَنْعُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ وَتَكُونُ فَائِدَتُهُ طَلَبَ الْأُجْرَةِ .
ا هـ .
وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْبَحْرِ : أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعِيرِ الِاسْتِرْدَادُ وَلَا لِلْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ : أَنَّ الْمُعِيرَ لَوْ رَجَعَ فِي الصَّلَاةِ نَزَعَهُ وَبَنَى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ .
ا هـ .
وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخِي : أَنْ يُقَالَ فِي اسْتِعَارَةِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ إنْ اسْتَعَارَهَا لِيُصَلِّيَ فِيهَا الْفَرْضَ ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَطْ إنْ أَحْرَمَ فِيهَا بِفَرْضٍ ، وَجَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا إنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ ، وَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ سُتْرَةً يَسْتَتِرُ بِهَا فِي الْخَلْوَةِ ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ دَارًا لِسُكْنَى الْمُعْتَدَّة فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ سِلَاحًا وَنَحْوَهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَمَّا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الصِّيَالِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ مَا يَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْمُهْلِكَيْنِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ مَا

يُنَجَّى بِهِ مِنْ الْغَرَقِ وَيُطْفِئُ بِهِ الْحَرَقَ ، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ .

وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ إنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ مَجَّانًا لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْتُ : الْأَصَحُّ تَلْزَمُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا ، بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ ، قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ .

( وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ) ، بِأَنْ أَطْلَقَ ( ثُمَّ رَجَعَ ) بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ ( إنْ كَانَ ) الْمُعِيرُ ( شَرَطَ ) عَلَيْهِ ( الْقَلْعَ ) فَقَطْ أَوْ شَرَطَهُ ( مَجَّانًا ) أَيْ بِلَا أَرْشٍ لِنَقْصِهِ ( لَزِمَهُ ) قَلْعُهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِلْمُعِيرِ الْقَلْعُ ، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ إنْ شُرِطَتْ ، وَإِلَّا فَلَا تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مَجَّانًا كَذَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَكُتُبِ الرَّافِعِيِّ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ : وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ كَمَا فَعَلَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي لَوْلَا الَّذِي قَدَّرْتُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ مَجَّانًا إلَّا عِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ شُرِطَ الْقَلْعُ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ هَلْ شُرِطَ الْقَلْعُ بِأَرْشِ أَوْ لَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الْمُعِيرِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْعَارِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ ( فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ ) بِلَا أَرْشٍ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ رَضِيَ بِنُقْصَانِهِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ ) فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَقْلَعَ رِضًا بِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْقَلْعِ ( قُلْتُ : الْأَصَحُّ تَلْزَمُهُ ) التَّسْوِيَةُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، فَيَلْزَمُهُ إذَا قَلَعَ رَدُّ الْأَرْضِ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ كَمَا أَخَذَ ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحَيْنِ .
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَأَنَّ مَا فِي الْمُحَرَّرِ ضَعِيفٌ .
وَقَالَ

السُّبْكِيُّ : إنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي حُفَرٍ حَصَلَتْ فِي مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ ، لِأَجْلِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَالْأَمْرُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَإِنْ كَانَ فِي حُفَرٍ حَصَلَتْ مِنْ الْقَلْعِ زَائِدَةً عَلَى مَا حَصَلَ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ ، ثُمَّ قَالَ فَتَلَخَّصَ لِلْفَتْوَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَفْرِ لِأَجْلِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ ، وَبَيْنَ الْحَفْرِ لِلْقَلْعِ ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيَّنٌ تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ : إذَا كَانَتْ الْحُفَرُ الْحَاصِلَةُ فِي الْأَرْضِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى حَاجَةِ الْقَلْعِ لَزِمَهُ طَمُّ الزَّائِدِ قَطْعًا ( وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ ( لَمْ يَقْلَعْ ) أَيْ الْمُعِيرُ ( مَجَّانًا ) ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَهُوَ مُحْتَرَمٌ ( بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ ) أَيْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ ( أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ ) وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ( قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ ) ؛ أَيْ بَعْدُ وَلَا يُلْحَقُ بِالشَّفِيعِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ( بِقِيمَتِهِ ) أَيْ : مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ ، فَإِنَّ قِيمَتَهُ تَنْقُصُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّرَاضِي ، وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الثَّلَاثِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وِفَاقًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الصُّلْحِ خِلَافًا لِمَا فِيهَا هُنَا مِنْ تَخْصِيصِ التَّخْيِيرِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِث .
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ وَبَيْنَ الْقَلْعِ مَعَ غَرَامَةِ الْأَرْشِ ، دُونَ التَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَجْهًا فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ بَلْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُمَا إلَّا مَا يُوهِمُهُ

كَلَامُ التَّنْبِيهِ ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَمَا زَعَمَهُ الشَّيْخَانِ ، بَلْ الْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ ، وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى كَافَّةِ الْأَصْحَابِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ وَكَانَ الْمُعِيرُ غَيْرَ شَرِيكٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْغِرَاسِ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَإِلَّا ، فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّبْقِيَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الثَّانِي وَتَأْخِيرُ التَّخْيِيرِ إلَى بَعْدِ الْجَذَاذِ كَمَا فِي الزَّرْعِ فِي الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَ الشَّرِيكُ فِي الثَّانِي بِالْأُجْرَةِ أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُوقَفْ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ وَإِلَّا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ، فَيَتَعَيَّنُ تَبْقِيَتُهُمَا بِالْأُجْرَةِ ، وَالزَّرْكَشِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَلْعِهِمَا بِالْأَرْشِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُوقِفْ الْأَرْضَ وَإِلَّا ، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثِ ، لَكِنْ لَا يَقْلَعُ بِالْأَرْشِ ، إلَّا إذَا كَانَ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ مِنْ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ ، وَلَا يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ ، إلَّا إذَا كَانَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ جَوَازُ تَحْصِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مِنْ رِيعِهِ ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ .

فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إنْ بَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ ، ثُمَّ قِيلَ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا ، وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا ، وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلتَّفَرُّجِ ، وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ فِي الْأَصَحِّ وَلِكُلٍّ بَيْعُ مِلْكِهِ ، وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ .

فَرْعٌ : لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ غُصْنًا لَهُ وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةِ غَيْرِهِ فَثَمَرَةُ الْغُصْنِ لِمَالِكِهِ ، لَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ كَمَا لَوْ غَرَسَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَصْلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَقْلَعَهُ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ وَلَا يَتَمَلَّكَهُ بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ قُلْنَا فِيمَا مَرَّ : إنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ ( فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ) أَيْ الْمُعِيرُ وَاحِدَةً مِنْ الْخِصَالِ الَّتِي خُيِّرَ فِيهَا ( لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا ) أَيْ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ( إنْ بَذَلَ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ : أَيْ أَعْطَى ( الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ ) لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ ( وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الِاخْتِيَارِ رَاضٍ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ .
وَالثَّانِي : يَقْلَعُ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ مَجَّانًا ( ثُمَّ ) عَلَى الْأَصَحِّ ( قِيلَ : يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا ) مِنْ بِنَاءٍ وَغِرَاسٍ ( وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا ) عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ فَصْلًا لِلْخُصُومَةِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) أَيْ الْحَاكِمُ ( يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا ) أَيْ : يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ وَيُوَافِقُهُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا .
تَنْبِيهٌ : فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ إثْبَاتُ الْأَلِفِ فِي يَخْتَارَا كَمَا رَأَيْتهَا بِخَطِّهِ وَهُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الشَّرْحَيْنِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ يَخْتَارُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَصَحَّحَ بِخَطِّهِ عَلَى مَوْضِعِ سُقُوطِ الْأَلِفِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ أَحْسَنُ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُعِيرِ كَافٍ فِي فَصْلِ الْخُصُومَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ الْوَجْهَ إثْبَاتُهَا ، ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا عَنْ الْوَجْهِ الْأَصَحِّ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا :

انْصَرِفَا حَتَّى تَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ .
قَالَ : فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ يَخْتَارَا أَثْبَتُ فِي النَّقْلِ وَأَعَمُّ ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحَيْنِ إسْقَاطَ الْأَلِفِ .
ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَهُوَ الَّذِي خَلَّيْتُ عَلَيْهِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَخْتَارُ مَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا فَقَالَ : ( وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا ) فِي مُدَّةِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَلَهُ الِاسْتِظْلَالُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْأُجْرَةِ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنْ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَهُوَ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ ( وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ ) مِنْ الْمُعِيرِ ( لِلتَّفَرُّجِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَيْهِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ .
تَنْبِيهٌ : التَّفَرُّجُ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَعَلَّهَا مِنْ انْفِرَاجِ الْهَمِّ وَهُوَ انْكِشَافُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ ، وَلَوْ قَالَ : بَدَلَهَا بِلَا حَاجَةٍ لَكَانَ أَوْلَى ، ( وَيَجُوزُ ) الدُّخُولُ ( لِلسَّقْيِ ) لِلْغِرَاسِ ( وَالْإِصْلَاحِ ) لَهُ أَوْ لِلْبِنَاءِ صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنْ الضَّيَاعِ ، وَيَجُوزُ أَيْضًا لِأَخْذِ ثَمَرٍ أَوْ جَرِيدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غِرَاسِهِ .
نَعَمْ لَوْ تَعَطَّلَ نَفْعُ الْأَرْضِ عَلَى مَالِكِهَا بِدُخُولِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ تَنْبِيهٌ : فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي الْمُعِيرِ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ مِنْ جَوَازِ هَذَا فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ .
وَأُجِيبَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ ، فَإِذَا لَا فَرْقَ ، وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ

الْمُعِيرَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ ، فَلِهَذَا مُنِعَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ ( بَيْعُ مِلْكِهِ ) مِنْ صَاحِبِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ ، فَإِنْ بَاعَ الْمُعِيرُ لِثَالِثٍ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ ، وَإِنْ بَاعَ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ الْمُعِيرُ عَلَى خِيَرَتِهِ ، وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ جُهِلَ الْحَالُ ، وَلَوْ بَاعَا مَعًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : كَمَا فِي رَهْنِ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ : يُوَزَّعُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَعَلَى حِصَّةِ مَا فِيهَا وَحْدَهُ ، فَحِصَّةُ الْأَرْضِ لِلْمُعِيرِ وَحِصَّةُ مَا فِيهَا لِلْمُسْتَعِيرِ ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ( وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ ، فَإِنَّ لِلْمُعِيرِ تَمَلُّكَهُ بِالْقِيمَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ كَمَا فِي بَيْعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْمُعِيرِ بَيْعَهُ لِثَالِثٍ قَطْعًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ فِيهِ وَجْهٌ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَجْهُولَةٌ ، وَلَوْ أَجَّرَ الْمُعِيرُ الْأَرْضَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصِّحَّةُ إنْ أَمْكَنَ التَّفْرِيغُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ .

وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمُطْلَقَةِ ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إذَا رَجَعَ .
( وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ ) لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ ( كَالْمُطْلَقَةِ ) فِيمَا مَرَّ مِنْ الْأَحْكَامِ ، إذَا انْتَهَتْ الْمُدَّةُ أَوْ رَجَعَ فِيهَا .
لَكِنْ فِي الْمُؤَقَّتَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ وَيَبْنِيَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقُصْ الْمُدَّةُ أَوْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ .
وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً .
فَإِنْ قَلَعَ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ إلَّا إنْ صُرِّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الزَّرْعِ وَغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي مَعْنَاهُمَا .
فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَلَعَ مَجَّانًا وَكُلِّفَ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ كَالْغَاصِبِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ ، وَكَذَلِكَ مَا نَبَتَ بِحَمْلِ السَّيْلِ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ ( وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا ) أَيْ الْمُؤَقَّتَةِ ( مَجَّانًا إذَا رَجَعَ ) بَعْدَ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ هَذَا فَائِدَةَ التَّأْقِيتِ ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ : فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَهُوَ بَعْدَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى رُجُوعٍ ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالِانْتِهَاءِ دُونَ الرُّجُوعِ .

وَإِذَا أَعَارَهُ لِزِرَاعَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ ، وَأَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ ، فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرَكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ مَجَّانًا .

( وَإِذَا أَعَارَهُ ) أَرْضًا ( لِزِرَاعَةٍ ) مُطْلَقًا ( وَرَجَعَ ) الْمُعِيرُ ( قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ وَلَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ .
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَهُ قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ ، وَالثَّانِي : لَهُ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُعْتَادُ قَلْعُهُ فَصِيلًا كُلِّفَ الْقَلْعَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْقُصْ بِالْقَلْعِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ قَلْعُهُ ( وَ ) الصَّحِيحُ ، وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ ( أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ ) مِنْ وَقْتِ الرُّجُوعِ إلَى الْحَصَادِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ انْقَطَعَتْ بِالرُّجُوعِ ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَعَارَ دَابَّةً ثُمَّ رَجَعَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نَقْلَ مَتَاعِهِ إلَى مَأْمَنٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ .
وَالثَّانِي : لَا أُجْرَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ إلَى الْحَصَادِ كَالْمُسْتَوْفَاةِ بِالزَّرْعِ .
ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا هُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ عَيَّنَ ) الْمُعِيرُ ( مُدَّةً ) لِلزِّرَاعَةِ ( وَلَمْ يُدْرِكْ ) أَيْ : الزَّرْعُ ( فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ ) أَيْ : الْمُسْتَعِيرِ ( بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ ) الْمُعِيرُ الزَّرْعَ ( مَجَّانًا ) لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ مُقَصِّرًا ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَإِنْ قَصَّرَ بِالزَّرْعِ ، وَلَمْ يُقَصِّرْ بِالتَّأْخِيرِ كَأَنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ سَيْلٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ نَحْو ذَلِكَ ، لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الزَّرْعُ ثُمَّ زَرَعَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ فِي الْمُدَّةِ ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا بَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ أَعَارَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِحَرٍّ أَمْ بَرْدٍ أَمْ مَطَرٍ أَمْ لِقِلَّةِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَمْ لِأَكْلِ الْجَرَادِ رُءُوسَ الزَّرْعِ فَنَبَتَ ثَانِيًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ إذَا أَبْدَلَ

الزَّرْعَ الْمُعَيَّنَ بِغَيْرِهِ كَانَ كَالتَّقْصِيرِ بِالتَّأْخِيرِ ، فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا أَيْضًا .

وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ .
( وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ ) أَوْ نَحْوُهُ كَهَوَاءٍ ( بَذْرًا ) لِغَيْرِهِ ( إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ ) فِيهَا ( فَهُوَ ) أَيْ : النَّابِتُ ( لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ تَحَوَّلَ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ وَعَلِمَهُ وَإِلَّا ، فَيَرُدُّهُ إلَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِ وَيَحْفَظُ الْمَالَ الضَّائِعَ .
تَنْبِيهٌ : شَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَحَبَّةٍ أَوْ نَوَاةٍ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا مَالِكُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) أَيْ : الْمَالِكَ ( يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ ) أَيْ مَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ .
وَالثَّانِي : لَا يُجْبَرُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَهُوَ كَالْمُسْتَعِيرِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْقَلْعِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ .
أَمَّا إذَا أَعْرَضَ عَنْهَا مَالِكُهَا وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَذْرًا : أَيْ مَا سَيَصِيرُ مَبْذُورًا تَسْمِيَةٌ لِاسْمِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ، فَلَوْ لَمْ يَنْبُتْ الْمَحْمُولُ الَّذِي لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ مَالِكُهُ لَزِمَ رَدُّهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ ، وَإِلَّا فَلِلْقَاضِي كَمَا مَرَّ .

وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ بَلْ أَجَرْتُكهَا ، أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَعَرْتَنِي .
وَقَالَ بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي ، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ ، فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ أَكْثَرَ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ فَقَالَ : ( وَلَوْ رَكِبَ ) شَخْصٌ ( دَابَّةً ) لِغَيْرِهِ ( وَقَالَ لِمَالِكِهَا : أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ ) ، لَهُ مَالِكُهَا : ( بَلْ أَجَرْتُكهَا ) مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا ( أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ ) إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَالدَّابَّةُ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا كَالْأَعْيَانِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْنِ .
بَعْدَ تَلَفِهَا ، كَأَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَقَالَ : كُنْتُ أَبَحْتُهُ لِي وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ ؛ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ، فَكَذَا هُنَا ، فَيَحْلِفُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ، وَقِيلَ : الْمُسَمَّى ، وَقِيلَ : الْأَقَلُّ مِنْهُمَا ، وَالْمُرَادُ بِتَصْدِيقِ الْمَالِكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ ، لَا فِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْآخَرُ مِنْ أَخْذِ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا ، فَإِنْ نَكَلَ الْمَالِكُ لَمْ يَحْلِفْ الرَّاكِبُ وَلَا الزَّارِعُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدَّعِيَانِ الْإِعَارَةَ وَلَيْسَتْ لَازِمَةً ، وَقِيلَ يَحْلِفَانِ وَنُسِبَ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ لِلتَّخْلِيصِ مِنْ غُرْمٍ .
وَالثَّانِي : يَصَّدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ وَافَقَهُمَا عَلَى إبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمَا ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا مِنْ الْأُجْرَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا .
وَالثَّالِثُ : يَصَّدَّقُ الْمَالِكُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ يَكْثُرُ فِيهَا الْإِعَارَةُ بِخِلَافِ الْأَرْضِ .
أَمَّا إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ، فَالْمُصَدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ ، فَيَحْلِفُ مَا أَجَرْتنِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا حَتَّى نَجْعَلَهُ مُدَّعِيًا لِسُقُوطِ بَدَلٍ ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ تَلَفِ الدَّابَّةِ ، فَإِنْ تَلِفَتْ عَقِبَ الْأَخْذِ فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكِرِهَا فَتُرَدُّ بِرَدِّهِ ، أَوْ

بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ، فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرٍ لَهَا وَهُوَ يَدَّعِي الْأُجْرَةَ فَيُعْطِي قَدْرَ الْأُجْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ بِلَا يَمِينٍ وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ ، فِيمَا إذَا زَادَتْ عَلَى الْقِيمَةِ ( وَكَذَا ) يَصَّدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ ( لَوْ قَالَ ) الرَّاكِبُ أَوْ الزَّارِعُ : ( أَعَرْتَنِي فَقَالَ ) الْمَالِكُ : ( بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي ) ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ ، فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ بِحَقٍّ ( فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ ) بِمَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ قَبْلَ رَدِّهَا ( فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَعَارِ مَضْمُونٌ ، ( لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ ) وَهُمَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ ( فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ ) بِالْغَصْبِ ( أَكْثَرَ ) مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ( حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ ) ؛ لِأَنَّ غَرِيمَهُ يُنْكِرُهَا .
وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ، ، فَيَأْخُذُهُ بِلَا يَمِينٍ لِمُوَافَقَةِ غَرِيمِهِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي كُتُبِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقِيمَةِ بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَالْبَحْرِ إنْ ضَمَّنَّاهُ الْمُتَقَوِّمَ بِالْأَقْصَى أَوْجَبْنَا الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ وَإِنْ ضَمَّنَّاهُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي الْمِثْلِيِّ الْقِيمَةُ أَيْضًا ، فَمَا فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ مَاشٍ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي

عَصْرُونٍ .
يُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِالْمِثْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ الْأَوْجَهُ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّف : لَكِنَّ .
.
إلَخْ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ ، وَهِيَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ هَلْ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ بِالْأَقْصَى أَوْ بِيَوْمِ الْقَبْضِ ، وَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ .

تَتِمَّةٌ : لَوْ قَالَ الْمَالِكُ : غَصَبَتْنِي وَقَالَ الرَّاكِبُ : أَجَرْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ ، فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً ، وَلَهُ فِيمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ أَخَذَ قَدْرِ الْمُسَمَّى بِلَا يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُقِرٌّ لَهُ بِهِ ، وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ عَلَى الْمُسَمَّى وَقِيمَةِ الْمُعَيَّنِ إنْ تَلِفَتْ ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ : غَصَبْتنِي وَقَالَ ذُو الْيَدِ : أَوْدَعْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ ، إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِجَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ ، فَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ ، فَإِنْ مَضَتْ فَالْمَالِكُ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ، وَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكِرِهَا وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلُ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ أَقْصَى الْقِيَمِ عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ أَخَذَ الْقِيمَةَ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا : وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ، فَالْأُجْرَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لَمُنْكِرِهَا .

خَاتِمَةٌ : لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَحْضِ حَقِّ نَفْسِهِ ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ .
فَإِنْ قِيلَ : الضَّمَانُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْلِ وَعَدَمِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السُّلْطَةِ ، وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْجَوَابُ الثَّانِي مُشْكِلٌ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِعَزْلِ الْمُسْتَحِقِّ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَوَكُّلِهِ فِي الْقَوَدِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ إذْ الْعَفْوُ فِيهِ مَطْلُوبٌ فَضَمِنَ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّوَكُّلِ فِيهِ .

كِتَابُ الْغَصْبِ هُوَ : الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا .

كِتَابُ الْغَصْبِ ( هُوَ ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا ، وَقِيلَ : أَخَذَهُ ظُلْمًا جِهَارًا .
وَشَرْعًا ( الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا ) أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَيُرْجَعُ فِي الِاسْتِيلَاءِ لِلْعُرْفِ ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا سَتَأْتِي .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ : عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْمَنَافِعَ ، وَالْكَلْبَ وَالسِّرْجِينَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ وَسَائِرَ الِاخْتِصَاصَاتِ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ ، أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
قَالَ : وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ ، بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَأَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ .
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ : وَالْأَشْبَهُ التَّقْيِيدُ بِهِ ، وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ .
قَالَ شَيْخُنَا : مَمْنُوعٌ وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْغَصْبَ يَقْتَضِي الْإِثْمَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا .
وَقَالَ شَيْخِي : الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْغَصْبَ ضَمَانًا وَإِثْمًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا ، وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَإِنَّمَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى التَّعْرِيفِ السَّرِقَةُ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِهَا وَلَيْسَتْ غَصْبًا .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَرِقَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْغَصْبِ بِشَرْطِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ السَّارِقَ وَالْمُخْتَلِسَ خَرَجَا بِقَوْلِ الِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ ، وَأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُحَابَاةِ وَهُوَ كَارِهٌ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ : مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بِبَاعِثِ الْحَيَاءِ وَالْقَهْرِ لَمْ يَمْلِكْهُ ،

وَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَغْصُوبُ نِصَابَ سَرِقَةٍ ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا : أَيْ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ كَانَ كَافِرًا ، وَمَنْ فَعَلَهُ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ كَانَ فَاسِقًا .
وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ آيَاتٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّطْفِيفِ وَهُوَ غَصْبُ الْقَلِيلِ فَمَا ظَنُّكَ بِغَصْبِ الْكَثِيرِ ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ .
وَأَخْبَارٌ مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ } وَمِنْهَا خَبَرُهُمَا أَيْضًا { مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ } وَمَعْنَى طَوَّقَهُ كُلِّفَ حَمْلَهُ .
وَقِيلَ : يُجْعَلُ فِي حَلْقِهِ كَالطَّوْقِ .

فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ .
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي يَتَّضِحُ بِهَا فَقَالَ : ( فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً ، أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ ) لِغَيْرِهِ ( فَغَاصِبٌ ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ ) ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ لِحُصُولِ الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ ، وَهِيَ الِانْتِفَاعُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْغَصْبَ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا حَضَرَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ وَكَانَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ ، أَنَّ قِيَاسَ مَا يَأْتِي فِي الْعَقَارِ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لِنِصْفِهِ فَقَطْ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ نَظِيرُهُ ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي : أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّف قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ ، أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النَّقْلِ ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فَقَالَ : الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْقُولِ النَّقْلُ إلَّا فِي الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِمَا يَتِمُّ بِالرُّكُوبِ وَالْجُلُوسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِيهِ جُعِلَتْ الْيَدُ لَهُ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا ، فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ .

وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَغَاصِبٌ ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ .
( وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ ) أَيْ : دَارَ غَيْرِهِ بِعِيَالٍ أَوْ بِدُونِهِمْ عَلَى هَيْئَةِ مَنْ يَقْصِدُ السُّكْنَى ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ ( وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا ) أَيْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ سِيدَهْ ( أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ ) بِمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا فِي بَيْعِهَا وَهُوَ التَّسَلُّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ ( وَلَمْ يَدْخُلْ ) هَا ( فَغَاصِبٌ ) أَمَّا فِي الْأُولَى ، فَلِأَنَّ وُجُودَ الِاسْتِيلَاءِ يُغْنِي عَنْ قَصْدِهِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي قَبْضِهَا دُخُولُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ ، فَإِنْ وُجِدَ الْإِزْعَاجُ فَقَطْ فِي الثَّانِيَةِ ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ السُّكْنَى فِي الْأُولَى كَمَنْ يَهْجُمُ الدَّارَ لِإِخْرَاجِ صَاحِبِهَا كَظَالِمٍ وَلَا يُقِيمُ ، فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا يَضْمَنُهَا ( وَفِي الثَّانِيَةِ ) وَهِيَ فِيمَا إذَا أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ ( وَجْهٌ وَاهٍ ) أَيْ ضَعِيفٌ جِدًّا مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَاصِبٌ .
وَأَمَّا أَمْتِعَةُ الدَّارِ فَإِنْ مَنَعَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ مِنْهَا كَانَ غَاصِبًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي .

وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ ، وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا فَغَاصِبٌ ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ .

( وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا ) مِنْ الدَّارِ ( وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ ) لِقَصْدِهِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ دُونَ بَاقِي الدَّارِ ( وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا ) ، وَلَا مَنْ يَخْلُفُهُ مِنْ أَهْلٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( فَغَاصِبٌ ) لَهَا وَإِنْ ضَعُفَ الدَّاخِلُ وَقَوِيَ الْمَالِكُ لِحُصُولِ الِاسْتِيلَاءِ فِي الْحَالِ وَأَثَرِ قُوَّةِ الْمَالِكِ وَسُهُولَةِ إزَالَتِهِ لَا تُمْنَعُ فِي الْحَالِ .
أَمَّا إذَا دَخَلَ لَا عَلَى قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ ، بَلْ يَنْظُرُ هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ حِينَئِذٍ لَمْ يَضْمَنْهَا ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَالِكُ فِيهَا ( وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ ) لِاسْتِيلَائِهِ مَعَ الْمَالِكِ عَلَيْهَا ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) الدَّاخِلُ ( ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ ) فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا هَذَا وَسْوَسَةٌ وَحَدِيثُ نَفْسٍ ، وَلَا يَكُونُ فِي صُورَةِ الْمُشَارَكَةِ السَّابِقَةِ غَاصِبًا لِلنِّصْفِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْمَالِكُ ضَعِيفًا وَالدَّاخِلُ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ قَوِيًّا كَانَ غَاصِبًا لِلْجَمِيعِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ الضَّعِيفِ مَوْجُودَةٌ ، فَلَا مَعْنَى لِإِلْغَائِهَا بِمُجَرَّدِ قُوَّةِ الدَّاخِلِ .
ا هـ .
وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ تَنْبِيهٌ : حَيْثُ لَا يُجْعَلُ غَاصِبًا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ دَخَلَ سَارِقٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ وَتَخَبَّأَ فِي الدَّارِ لَيْلَةً فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْمَالِكِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُشْكِلٌ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ ،

أَنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي دَارِهِ لَيْلَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ شَيْئًا لِيُوصِلَهُ إلَى بَيْتِهِ ، بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ كَانَ غَاصِبًا لَهُ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَطُرِدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي شُغْلٍ ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ طَاعَةَ الْأَمْرِ ، وَهَذَا أَيْضًا أَوْجَهُ .
قَالَ الْبَغَوِيّ : وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ بَعَثَ عَبْدَ زَوْجَتِهِ فِي شُغْلٍ دُونَ إذْنِهَا ضَمِنَهُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ قَدْ يَرَى طَاعَةَ زَوْجِهَا ، فَهُوَ كَالْأَعْجَمِيِّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ .
وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَخَافَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِسَبَبِ تُهْمَةٍ فَهَرَبَ لِوَقْتِهِ ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ : نَقَلَهُ إلَخْ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مَسْكُهُ بِيَدِهِ كَافٍ ، وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حَيَوَانٍ فَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتْبَعَهُ أَوْ هَادِي الْغَنَمِ فَتَبِعَهُ الْغَنَمُ لَمْ يَضْمَنْ التَّابِعَ فِي الْأَصَحِّ إذْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ فَتَبِعَهَا النَّحْلُ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ .

وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ .

( وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ ) لِلْمَغْصُوبِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَإِنْ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ فِي رَدِّهِ ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } فَلَوْ لَقِيَ الْمَالِكَ بِمَفَازَةٍ وَالْمَغْصُوبُ مَعَهُ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ أُجْرَةَ النَّقْلِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَرِئَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ ، وَلَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَشَرَطَ عَلَى الْغَاصِبِ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ لِإِصْطَبْلِ الْمَالِكِ بَرِئَ إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ إخْبَارِ ثِقَةٍ ، وَلَا يَبْرَأُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَأَقَرَّاهُ ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ بَرِئَ بِالرَّدِّ إلَيْهِمْ لَا إلَى الْمُلْتَقِطِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ ، وَفِي الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ لَكِنَّهُمَا ضَامِنَانِ ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْ عَبْدٍ شَيْئًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ كَمَلْبُوسِ الْعَبْدِ وَآلَاتٍ يَعْمَلُ بِهَا بَرِئَ ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْآلَةَ مِنْ الْأَجِيرِ وَرَدَّهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِهِ ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّ الْمَغْصُوبِ شَيْءٌ ، وَيُسْتَثْنَى مَسْأَلَةٌ يَجِبُ فِيهَا مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ ، وَهِيَ مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْحَيْلُولَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ .
قَالَ : وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ ، وَلَا يَسْقُطُ

بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ صُوَرًا : إحْدَاهَا إذَا مَلَكَهُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ وَذَلِكَ فِي حَرْبِيٍّ غَصَبَ مَالَ حَرْبِيٍّ وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ الثَّانِيَةِ : لَوْ غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَلَا يَنْزِعُ مِنْهُ مَا دَامَ حَيًّا : أَيْ إذَا كَانَ يَتَأَلَّمُ بِهِ .
الثَّالِثَةُ : غَصَبَ عَصِيرًا عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَتَخَمَّرَ عِنْدَهُ يُرِيقُهُ وَلَا يَرُدُّهُ .
الرَّابِعَةُ : كُلُّ عَيْنٍ غَرَّمْنَا الْغَاصِبَ بَدَلَهَا لِمَا حَدَثَ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ تُبْتَلُ بِحَيْثُ يَسْرِي إلَى الْهَلَاكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : مَا لَوْ غَصَبَ لَوْحًا وَأَدْرَجَهُ فِي سَفِينَتِهِ وَكَانَتْ فِي لُجَّةٍ وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ هَلَاكُ مُحْتَرَمٍ فِي السَّفِينَةِ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَنْزِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
ثَانِيهُمَا : تَأْخِيرُهُ لِلْإِشْهَادِ وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ اُغْتُفِرَ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يُنْكِرُهُ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ .

فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ .

( فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ) مُتَمَوَّلٌ بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ( ضَمِنَهُ ) بِالْإِجْمَاعِ .
أَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَوَّلِ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى وَزِبْلٍ وَحَشَرَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُهُ ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الزِّبْلِ قَدْ غَرِمَ عَلَى نَقْلِهِ أُجْرَةً لَمْ نُوجِبْهَا عَلَى الْغَاصِبِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَمَوَّلِ إذَا تَلِفَ مَسَائِلُ .
مِنْهَا مَا لَوْ غَصَبَ الْحَرْبِيُّ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ بَعْدَ التَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا وَجَبَ رَدُّهُ .
وَمِنْهَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِرِدَّةٍ وَنَحْوِهَا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَمِنْهَا الرَّقِيقُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ إذَا غَصَبَ مَالَ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَمِنْهَا لَوْ قُتِلَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَاقْتَصَّ الْمَالِكُ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَخَذَ بَدَلَهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَقَوْلُهُ : تَلِفَ لَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَكِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، وَلِذَا قُلْتُ أَوْ إتْلَافٌ لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ أَتْلَفَهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَنْ يَرَى طَاعَةَ الْآمِرِ بِأَمْرِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ .
نَعَمْ لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَهُ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَالِكِ بِرِدَّةٍ أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ

.

وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ .
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ اسْتِطْرَادًا يَقَعُ فِيهَا الضَّمَانُ بِلَا غَصْبٍ بَلْ بِمُبَاشَرَةٍ كَإِتْلَافٍ أَوْ سَبَبٍ كَفَتْحِ الْقَفَصِ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ ، فَقَالَ ( وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ ) بِالْإِجْمَاعِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ .
مِنْهَا كَسْرُ الْبَابِ وَنَقْبُ الْجِدَارِ فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ إلَّا بِعَقْرِ دَابَّتِهِ وَكَسْرِ سِلَاحِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرَاقَةِ الْخَمْرِ إلَّا بِكَسْرِ آنِيَتِهِ وَمِنْهَا مَا يُتْلِفُهُ الْبَاغِي عَلَى الْعَادِلِ وَعَكْسُهُ حَالَةُ الْحَرْبِ ، وَكَذَا مَا يُتْلِفُهُ الْحَرْبِيُّونَ عَلَيْنَا وَمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْعَبْدَ الْمُرْتَدَّ وَالْمُحَارِبَ وَتَارِكَ الصَّلَاةِ وَالْحَيَوَانَ الصَّائِلَ بِقَتْلِهِ بِيَدِ مَالِكِهِ ، وَلَوْ دَخَلَ دُكَّانَ حَدَّادٍ وَهُوَ يَطْرُقُ الْحَدِيدِ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ ، فَأَحْرَقَتْ ثَوْبَهُ كَانَ هَدَرًا ، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْحَدَّادِ ، وَخَرَجَ بِالْإِتْلَافِ التَّلَفُ فَلَا يَضْمَنُهُ ، كَمَا لَوْ سَخَّرَ دَابَّةً وَمَعَهَا مَالِكُهَا فَتَلِفَتْ لَا يَضْمَنُهَا كَمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةٍ فَحَمَلَتْ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَتَلِفَتْ بِذَلِكَ وَصَاحِبُهَا مَعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِسْطَ الزِّيَادَةِ ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ ، وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي : وَهُوَ السَّبَبُ ، فَقَالَ : ( وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ السِّقَاءُ ( مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ ) ، وَتَلِفَ ( أَوْ ) زِقٍّ ( مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ ) لِتَحْرِيكِهِ الْوِكَاءَ وَجَذْبِهِ ( وَخَرَجَ مَا فِيهِ ) ، وَتَلِفَ أَوْ بِتَقَاطُرِ مَاءٍ فِيهِ وَابْتِلَالِ أَسْفَلِهِ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ التَّقَاطُرُ بِإِذَابَةِ شَمْسٍ أَوْ حَرَارَةٍ أَوْ رِيحٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَانِ ، فَسَالَ مَا فِيهِ وَتَلِفَ ( ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالْإِتْلَافُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْمَالِكُ ، وَأَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ حَرَقَ ثَوْبَهُ ، وَأَمْكَنَ الدَّفْعُ فَلَمْ يَفْعَلْ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ عَمَّا إذَا كَانَ جَامِدًا ، فَخَرَجَ بِتَقْرِيبٍ نَارٍ إلَيْهِ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُقَرِّبِ ( وَإِنْ سَقَطَ ) الزِّقُّ بَعْدَ فَتْحِهِ لَهُ ( بِعَارِضِ رِيحٍ ) أَوْ نَحْوِهَا كَزَلْزَلَةٍ وَوُقُوعِ طَائِرٍ أَوْ جُهِلَ الْحَالُ فَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ سُقُوطِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ ، وَلَيْسَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْعَارِضِ ، وَلِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَفَارَقَ حُكْمَ الْأُولَى إذَابَةُ الشَّمْسِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَلِذَلِكَ قَدْ يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ بِخِلَافِ الرِّيحِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ كَانَتْ هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ ، فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ، وَلَوْ قَلَبَ الزِّقَّ غَيْرُ الْفَاتِحِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَهُ دُونَ الْفَاتِحِ ، وَلَوْ أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ

بِالشَّمْسِ ضَمِنَهُ ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ ، فَهَلَكَتْ سَخْلَتُهَا أَوْ حَمَامَةٌ فَهَلَكَ فَرْخُهَا ضَمِنَهَا لِفَقْدِ مَا يَعِيشَانِ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَلَوْ ظُلْمًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مَعَ مَالِكِهَا ، وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيَّنَ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ ، وَلَوْ أَرَادَ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ ، فَمَنَعَهُ ظَالِمٌ مِنْ السَّقْيِ حَتَّى فَسَدَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَاشِيَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الضَّمَانِ .
وَلَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَهُ أَوْ بِعَارِضِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا لِمَا مَرَّ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ كَمَا مَرَّ .

وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَهُ ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا .

( وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ) فِي الْحَالِ ( ضَمِنَهُ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْفِرَارِ كَإِكْرَاهِ الْآدَمِيِّ ( وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ ( وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا ) يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ .
وَالثَّانِي : يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ لَمْ يَطِرْ .
وَالثَّالِثُ : لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا ، وَالْفَاتِحُ مُتَسَبِّبٌ ، وَالطَّائِرُ مُبَاشِرٌ ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ أَوْ فَتَحَ بَابًا فَخَرَجَتْ وَضَاعَتْ ، وَفِيمَا لَوْ حَلَّ قَيْدَ رَقِيقٍ مَجْنُونٍ وَفَتَحَ عَلَيْهِ الْبَابَ ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ الْعَاقِلِ وَلَوْ كَانَ آبِقًا ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ ، فَخُرُوجُهُ عَقِبَ مَا ذُكِرَ يُحَالُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ هِرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَقَتَلَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْقَفَصَ ، أَوْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ طَارَ فَصَدَمَ جِدَارًا فَمَاتَ أَوْ كَسَرَ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً أَوْ الْقَفَصَ ، ضَمِنَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ فِعْلِهِ ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى إغْرَاءِ الْهِرَّةِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِرَّةُ حَاضِرَةً وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَعُرُوضِ رِيحٍ بَعْدَ فَتْحِ الزِّقِّ ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي أَقْصَى الْقَفَصِ فَأَخَذَ يَمْشِي قَلِيلًا قَلِيلًا ، ثُمَّ طَارَ فَكَطَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا فَمَشَى إنْسَانٌ عَلَى بَابِهِ فَفَزَعَ الطَّائِرُ وَخَرَجَ ضَمِنَهُ ، وَلَوْ أَمَرَ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا بِإِرْسَالِ طَائِرٍ فِي يَدِهِ فَأَرْسَلَهُ فَهُوَ كَفَتْحِ الْقَفَصِ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ ضَمِنَ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ، بِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ ، فَأَكَلَتْ عَلَفًا أَوْ كَسَرَتْ إنَاءً لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْحَلِّ أَمْ لَا ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي تِلْكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي التَّالِفِ بَلْ فِي الْمُتْلِفِ عَكْسُ مَا هُنَا ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْبَهِيمَةُ عَقِبَ فَتْحِ الْبَابِ لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ الْفَاتِحُ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ ، إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُ بَهِيمَةِ الْغَيْرِ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ وَقَفَ طَائِرٌ عَلَى جِدَارِهِ فَنَفَّرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ جِدَارِهِ ، وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَلَوْ فِي هَوَاءِ دَارِهِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ ، وَلَوْ فَتَحَ الْحِرْزَ فَأَخَذَ غَيْرُهُ مَا فِيهِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ اللُّصُوصَ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ إذْ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ وَتَسَبُّبُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْأُولَى قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُبَاشَرَةِ .
نَعَمْ لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ أَوْ مِمَّنْ يَرَى طَاعَةَ آمِرِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْأَخْذِ ، وَلَوْ بَنَى دَارًا ، فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا ثَوْبًا وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ عَنْ طَيْرٍ بِلَا أَلِفٍ ، إذْ هُوَ غَيْرُ طَائِرٍ فِي الْقَفَصِ ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ بِذَلِكَ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ : أَنَّ الطَّائِرَ مُفْرَدٌ ، وَالْجُمَعَ طَيْرٌ .

وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا .

( وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا ) أَيْ : الْأَيْدِي ( الْغَصْبَ ) وَكَانَتْ أَيْدِي أَمَانَةٍ ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَالْجَهْلُ لَيْسَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ بَلْ لِلْإِثْمِ فَيُطَالِبُ الْمَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا .
نَعَمْ يُسْتَثْنَى الْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ وَالْمَصْلَحَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، وَمَنْ انْتَزَعَ الْمَغْصُوبَ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ حَرْبِيًّا وَرَقِيقًا لِلْمَالِكِ لَا غَيْرَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَةَ وَهَلَكَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ أَنَّ الزَّوْجَ يُطَالَبُ بِقِيمَتِهَا ، وَالْمَذْهَبُ ، أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي حِبَالِ الزَّوْجِ لَيْسَ كَحُلُولِ الْمَالِ فِي الْيَدِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا كَمَا لَوْ أَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ ( ثُمَّ إنْ عَلِمَ ) مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ ( فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ ) حُكْمُهُ ( فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ ) ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ صَادِقٌ عَلَيْهِ ، وَيُطَالَبُ بِكُلِّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْغَاصِبُ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ غَرِمَ ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ إنْ غَرِمَ .
نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَالْمُطَالَبُ بِالزِّيَادَةِ هُوَ الْأَوَّلُ خَاصَّةً ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَبْرَأَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ لَا يَبْرَأُ الثَّانِي ، وَإِنْ

أَبْرَأَ الثَّانِي بَرِئَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَالْأَوَّلُ كَالضَّامِنِ عَنْهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ( وَكَذَا ) يَسْتَقِرُّ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ ( إنْ جَهِلَ ) الْغَصْبَ ( وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ ) ، وَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالسَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ، الضَّمَانِ ، فَلَمْ يَغُرَّهُ الْغَاصِبُ ( وَإِنْ ) جَهِلَ وَ ( كَانَتْ ) يَدُهُ ( يَدَ أَمَانَةٍ ) بِلَا اتِّهَابٍ ( كَوَدِيعَةٍ ) وَقِرَاضٍ ( فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ ) دُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ ، فَإِنْ غَرِمَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَمِينِ وَإِنْ غَرِمَ هُوَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى شَخْصٍ فَأَتْلَفَهُ ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَالِكَ لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ .
أَمَّا لَوْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْ شَخْصٍ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ إلَّا إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ ، وَلَوْ ضَاعَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْغَاصِبِ فَالْتَقَطَهُ إنْسَانٌ جَاهِلٌ بِحَالِهِ ، فَإِنْ أَخَذَهُ لِلْحِفْظِ أَوْ مُطْلَقًا فَهُوَ أَمَانَةٌ ، وَكَذَا إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ ، فَإِنْ تَمَلَّكَهُ صَارَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ ( وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ ) أَيْ الْإِتْلَافِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ ( فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ) ، أَيْ : سَوَاءٌ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ أَوْ أَمَانَةٍ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : مُسْتَقِلًّا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ ، وَبِهِ تَفْصِيلٌ ، وَهُوَ إنْ كَانَ لِغَرَضِ الْغَاصِبِ كَذَبْحِ الشَّاةِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ ، فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ .
أَوَّلًا لِغَرَضٍ كَإِتْلَافِ الْمَالِ فَعَلَى الْمُتْلِفِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ ، .

وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَكَذَا فِي الْأَظْهَرِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ .

أَوْ لِغَرَضِ الْمُتْلِفِ فَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً ، فَأَكَلَهُ فَكَذَا ) الْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ وَإِلَيْهِ عَادَتْ الْمَنْفَعَةُ .
وَالثَّانِي أَنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْآكِلَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ : هُوَ مِلْكِي فَالْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ، لَكِنْ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ إنْ غَرِمَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآكِلِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ ، بِأَنَّ الْمَالِكَ ظَلَمَهُ بِتَغْرِيمِهِ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ ، وَإِذَا قَدَّمَهُ لِعَبْدٍ وَلَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَالْأَكْلُ جِنَايَةٌ مِنْهُ يُبَاعُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ مُوجِبِهَا بِرَقَبَتِهِ ، فَلَوْ غَرِمَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَهُ لِبَهِيمَةٍ ، فَأَكَلَتْهُ وَغَرِمَ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ ( وَعَلَى هَذَا ) أَيْ الْأَظْهَرِ .
فِي أَكْلِ الضَّيْفِ ( لَوْ قَدَّمَهُ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( لِمَالِكِهِ ) أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ لَهُ ( فَأَكَلَهُ ) جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ ( بَرِئَ الْغَاصِبُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ إتْلَافَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي : لَا يَبْرَأُ لِجَهْلِ الْمَالِكِ بِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَهُ ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَعُدْ الْمَغْصُوبُ هَالِكًا كَالْهَرِيسَةِ ، وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، فَهُوَ إنَّمَا أَكَلَ مَالَ الْغَاصِبِ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْبَدَلُ لِلْمَالِكِ ، وَلِهَذَا قَالَ الزُّبَيْرِيُّ : لَوْ غَصَبَ سَمْنًا وَعَسَلًا وَدَقِيقًا وَصَنَعَهُ حَلْوَى وَقَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ لَمْ يَبْرَأْ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ صَارَ كَالتَّالِفِ ، وَانْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ ، وَلَا تَسْقُطُ عِنْدَنَا بِبَذْلِ غَيْرِهَا إلَّا

بِرِضَا مُسْتَحِقِّهَا ، وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ا هـ .
وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ أَيْضًا بِإِعَارَتِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَاضِهِ لِلْمَالِكِ وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ أَخْذَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ بِإِيدَاعِهِ وَرَهْنِهِ ، وَإِجَارَتِهِ وَتَزْوِيجِهِ مِنْهُ وَالْقِرَاضِ مَعَهُ فِيهِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّسَلُّطَ فِيهَا غَيْرُ تَامٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا ، وَالتَّزْوِيجُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .
وَمَحِلُّهُ فِي الْأُنْثَى مَا لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا ، فَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا : أَيْ وَتَسَلَّمَهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ ، لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِمَالِكٍ : أَعْتِقْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنْكَ فَأَعْتَقَهُ ، وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ عَتَقَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَالِكِ ، لَا عَنْ الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
وَالْأَوْجَهُ مَعْنًى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : إنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَاصِبِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا ضِمْنًا إنْ ذَكَرَ عِوَضًا وَإِلَّا فَهِبَةً بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا .

فَصْلٌ تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ ، وَأَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَكَذَا الْمُقَدَّرَةُ إنْ تَلِفَتْ ، وَإِنْ أُتْلِفَتْ فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ ، وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ، وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ بِالْقِيمَةِ ، وَغَيْرُهُ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ ، كَمَاءٍ وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَتِبْرٍ وَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ وَعِنَبٍ وَدَقِيقٍ ، لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقِيمَةُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ .

فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ ( تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ ) الْمَغْصُوبِ ( بِقِيمَتِهِ ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ( تَلِفَ ) بِجِنَايَةٍ ( أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ تَأْنِيثُهُ عَادٍ بِمَعْنَى مُتَعَدٍّ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتَقَوِّمَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ تَحْتَ يَدٍ ضَامِنَةٍ بَدَلَ عَادِيَةٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْتَامَ وَالْمُسْتَعِيرَ وَغَيْرَهُمَا ، وَيَخْرُجُ الْحَرْبِيُّ وَعَبْدُ الْمَالِكِ ، وَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ لَمَّا كَانَ الْبَابُ مَعْقُودًا لِلتَّعَدِّي اخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِالْعَادِيَةِ ( وَ ) تُضْمَنُ ( أَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ ) كَالْبَكَارَةِ وَجُرْحِ الْبَدَنِ وَالْهُزَالِ ( بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ) بِالْإِجْمَاعِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا يَتَقَدَّرُ كَالْيَدِ وَكَانَ النَّاقِصُ أَكْثَرَ مِنْ مُقَدَّرِهِ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا نُوجِبُ جَمِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَزِيدَ عَلَى مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَاوِيَهُ بِإِدْخَالِ خَلَلٍ فِي الْعُضْوِ عَلَى نَفْسِ الْعُضْوِ .
لَكِنَّ الْحَاكِمَ يُوجِبُ فِيهِ حُكُومَةً بِاجْتِهَادِهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ا هـ .
وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ، إنَّمَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْغَاصِبِ .
أَمَّا فِيهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْصِ مُطْلَقًا ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ ( وَكَذَا ) تُضْمَنُ الْأَبْعَاضُ ( الْمُقَدَّرَةُ ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ( إنْ تَلِفَتْ ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا يُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَأَشْبَهَ الْأَمْوَالَ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ سَقَطَ ذَكَرُهُ

وَأُنْثَيَاهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ ، ( وَإِنْ أُتْلِفَتْ ) بِجِنَايَةٍ ( فَكَذَا ) تُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ( فِي الْقَدِيمِ ) قِيَاسًا عَلَى الْبَهِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَمْلُوكٌ ( وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْحُرَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ ( وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ فَفِي يَدِهِ ) ، وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ( نِصْفُ قِيمَتِهِ ) هَذَا إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الْغَاصِبِ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا تُضْمَنُ يَدُ الْحُرِّ بِنِصْفِ دِيَةٍ ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَهَا هُنَاكَ .
أَمَّا الْغَاصِبُ ذُو الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَيَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ لِاجْتِمَاعِ الشَّبَهَيْنِ ، فَلَوْ كَانَ النَّاقِصُ بِقَطْعِهَا ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَزِمَاهُ النِّصْفُ بِالْقَطْعِ وَالسُّدُسُ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ ، نَعَمْ إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الزَّائِدَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الزَّائِدُ عَلَى النِّصْفِ وَلَوْ قَطَعَ الْغَاصِبُ مِنْهُ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ وَيُقَوَّمُ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالدَّمُ سَائِلٌ لِلضَّرُورَةِ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا فَكَالْآفَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَالْمُبَعَّضُ يُعْتَبَرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ مَعَ رُبْعِ الدِّيَةِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رُبْعِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ الْأَرْشِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِي يَدَيْ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا مَسْأَلَةً ، وَهِيَ

مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ قَطَعَ يَدَيْهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يُجْعَلُ قَابِضًا لِلْعَبْدِ وَيَجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ، فَإِنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ لَزِمَ أَنْ يُجْعَلَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْعَبْدِ وَالْعَبْدُ الْمَقْطُوعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ، وَقَالَ : إنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِ تَفْرِيعَاتِهِ ا هـ .
وَفِي هَذَا نَظَرٌ بَلْ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَلَا أَرْشَ لَهُ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ ( وَ ) يُضْمَنُ ( سَائِرُ ) أَيْ بَاقِي ( الْحَيَوَانِ ) غَيْرِ الْآدَمِيِّ ( بِالْقِيمَةِ ) تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ وَتُضْمَنُ أَجْزَاؤُهُ تَلِفَتْ ، أَوْ أُتْلِفَتْ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا يُشْبِهُ الْحُرَّ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ فَأَوْجَبْنَا فِيهِ مَا نَقَصَ قِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ ، وَلَوْ جَنَى عَلَى بَهِيمَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ أَلَمِ الْجِنَايَةِ فَهَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا أَوْ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَنَقْصِ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ ؟ قَوْلَانِ فِي النِّهَايَةِ : أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الثَّانِي .
تَنْبِيهٌ : مَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحَيَوَانِ وَلِأَجْزَائِهِ تَبَعًا لِابْنِ النَّقِيبِ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى أَجْزَائِهِ ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْغَاصِبِ .
أَمَّا هُوَ فَيَضْمَنُ مَا ذُكِرَ بِأَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إلَى حِينِ التَّلَفِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ قَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ ، فَيَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ لِأَجْلِ النَّصِّ فِيهِ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ ( مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَهُوَ الْمِثْلِيُّ وَإِلَّا فَالْمُتَقَوِّمُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ ) ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَا يُعَدُّ كَالْحَيَوَانِ أَوْ يُذْرَعُ كَالثِّيَابِ ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ الْغَالِيَةِ

وَالْمَعْجُونِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِهِ بِالتَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ ، وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ الرَّدِيءَ نَوْعًا .
أَمَّا الرَّدِيءُ عَيْبًا فَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الْقَمْحُ الْمُخْتَلِطُ بِالشَّعِيرِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْمِثْلُ فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُمَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ إيجَابَ رَدِّ مِثْلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا كَمَا فِي إيجَابِ رَدِّ مِثْلِ الْمُتَقَوِّمِ فِي الْقَرْضِ ، وَبِأَنَّ امْتِنَاعَ السَّلَمِ فِي جُمْلَتِهِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي جُزْأَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ بِحَالِهِمَا وَرَدُّ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّلَمُ فِيهِمَا جَائِزٌ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَدْ يُمْنَعُ رَدُّ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاخْتِلَاطِ انْتَقَلَ مِنْ الْمِثْلِيِّ إلَى الْمُتَقَوِّمِ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ .
لَكِنْ أُورِدُ عَلَيْهِ خَلُّ التَّمْرِ ، فَإِنَّهُ مُتَقَوِّمٌ وَيَحْصُرُهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةٍ يَتَّضِحُ بِهَا الضَّابِطُ فَقَالَ ( كَمَاءٍ ) قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : بَارِدٍ إذْ الْحَارُّ مُتَقَوِّمٌ لِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا يَطْرُقُ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِمْ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ .
لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الرِّبَا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ( وَتُرَابٍ ) وَرَمْلٍ ( وَنُحَاسٍ ) بِضَمِّ النُّونِ بِخَطِّهِ ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَحَدِيدٍ ( وَتِبْرٍ ) وَهُوَ الذَّهَبُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ الْخَالِصِ عَنْ تُرَابِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَنَّعَ ، وَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْفِضَّةِ أَيْضًا ، وَأَطْلَقَهُ الْكِسَائِيُّ عَلَى الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ ( وَمِسْكٍ ) وَعَنْبَرٍ ( وَكَافُورٍ ) وَثَلْجٍ وَجَمَدٍ ( وَقُطْنٍ ) وَلَوْ بِحَبِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ

الرَّافِعِيُّ فِي السَّلَمِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ فِي الْمَطْلَبِ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ ، فَقَالَ : أَمَّا قَبْلَ نَزْعِ حَبِّهِ ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ ، وَأَمَّا الصُّوفُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ .
قِيلَ وَهَذَا تَوَقُّفٌ مِنْهُ فِي أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ كَالْقُطْنِ ( وَعِنَبٍ ) وَرُطَبٍ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ صَحَّحَا فِيهِمَا فِي بَابِ زَكَاةِ الْمُعْشَرَاتِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ : أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ غَيْرُ مِثْلِيَّيْنِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا هُنَاكَ ( وَدَقِيقٍ ) وَنُخَالَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ ، وَكَذَا الْحُبُوبُ الْجَافَّةُ وَالْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالْخُلُولُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْخَالِصَةُ وَالْمَغْشُوشَةُ وَالْمُكَسَّرَةُ وَالسَّبِيكَةُ ( لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِطَانِ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةِ فَهُمَا مِمَّا خَرَجَ بِقَيْدِ جَوَازِ السَّلَمِ ( فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ كَالنَّصِّ ؛ لِأَنَّهُ مَحْسُوسٌ وَالْقِيمَةُ كَالِاجْتِهَادِ ( تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ ) زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ لِقَوْلِهِ لَهَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ فَوَرَدَ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَامُ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمِثْلِيَّ بِالْقِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَعِيرِ فَكَانَ الْأَحْسَنُ ذِكْرَهُ هُنَا وَحَذْفَهُ هُنَاكَ .
لَمَّا كَانَ كَلَامُهُ فِي الْغَصْبِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ : إحْدَاهَا إذَا خَرَجَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمَدًا فِي الصَّيْفِ أَوْ مَاءً فِي مَفَازَةٍ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ هُنَاكَ بِلَا غَصْبٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ أَوْ الْمُتْلِفُ فِي الشِّتَاءِ فِي

الْأُولَى أَوْ عَلَى نَهْرٍ فِي الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ فِي الصَّيْفِ فِي الْأُولَى وَفِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فِي الثَّانِيَةِ .
ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَا فِي الصَّيْفِ أَوْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فَلَا تُرَادُ ثَانِيهَا : لَوْ غَصَبَ مِثْلِيًّا لَهُ مُؤْنَةٌ كَأَنْ نَقَلَ الْمَالِكُ بُرًّا مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ ، ثُمَّ غَصَبَهُ شَخْصٌ هُنَاكَ ثُمَّ طَالَبَهُ مَالِكُهُ بِهِ فِي مِصْرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِمَكَّةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي لِأَجْلِ الْمُؤْنَةِ .
ثَالِثُهَا لَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا كَجَعْلِهِ الدَّقِيقَ خُبْزًا أَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مِثْلِيًّا كَجَعْلِهِ الشَّاةَ لَحْمًا أَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مِثْلِيًّا آخَرَ كَجَعْلِهِ السِّمْسِمَ شَيْرَجًا ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ أَخَذَ الْمَالِكُ الْمِثْلَ فِي الثَّلَاثَةِ مُخَيَّرًا فِي الثَّالِثِ .
بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُؤْخَذُ هُوَ فِي الثَّالِثِ وَقِيمَتُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَهَذَا مَحَلُّ الِاسْتِثْنَاءِ .
أَمَّا لَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا آخَرَ كَحُلِيٍّ صِيَغَ مِنْ إنَاءٍ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ فَيَجِبُ فِيهِ أَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ .
رَابِعُهَا : لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ جَازَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ ضَمَانُ الْمِثْلِيِّ بِالْمِثْلِ إلَّا إذَا لَمْ يَرْضَ مَالِكُهُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ .
خَامِسُهَا : لَوْ غَصَبَ مِثْلِيًّا وَتَلِفَ ، ثُمَّ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ عَلَى مَا سَيَأْتِي .
سَادِسُهَا : إذَا وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ بِأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ كَالْمَعْدُومِ ، وَلَوْ غَصَبَ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَتَلِفَ ضَمِنَ التِّبْرَ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ كَمَا مَرَّ ، وَالصَّنْعَةَ بِقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ،

وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ وَلَا رِبًا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعُقُودِ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى ، وَنَقَلَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ مُحَرَّمَةً كَالْإِنَاءِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا كَالسَّبِيكَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ كَالتِّبْرِ .
سَابِعُهَا : إذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ كَمَا قَالَ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الْمِثْلُ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَحِلِّ الْغَصْبِ ، وَلَا حَوْلَهُ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا فِي السَّلَمِ ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ ( فَالْقِيمَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ أَشْبَهَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَوْ وُجِدَ الْمِثْلُ بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رَدُّهَا وَطَلَبُهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنْ مَالَ السُّبْكِيُّ إلَى مُقَابِلِهِ ، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُوجَدَ الْمِثْلُ وَلَا يُكَلَّفُ أَخْذُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ بِخِلَافِ ، غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ إذَا دَفَعَهَا وَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ قَبْضِهَا حَيْثُ يُجْبَرُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ جَمْعُ قِيمَةٍ بِسُكُونِ الْيَاءِ ( مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ ، إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ ) أَيْ إذَا كَانَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّلَفِ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى فَقَدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَالْمُرَادُ أَقْصَى قِيَمِ الْمِثْلِ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِبَعْضِ ، الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَغْصُوبُ ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ تَلَفِهِ لَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِيهِ بَعْدَ التَّلَفِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ ؛ لِأَنَّهُ

كَانَ مَأْمُورًا بِرَدِّهِ كَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ غَرِمَ أَقْصَى قِيَمِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ ، فَالْأَصَحُّ وُجُودُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ .
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا : قِيلَ قِيمَةُ يَوْمِ الْمُطَالَبَةِ ، وَقِيلَ : يَوْمُ التَّلَفِ ، وَقِيلَ : يَوْمُ فَقْدِ الْمِثْلِ .

وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا ، فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ ، فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً .

( وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ ) إلَى بَلَدِهِ إذَا عَلِمَ مَكَانَهُ لِيَرُدَّهُ كَمَا أَخَذَهُ ( وَ ) لَهُ ( أَنْ يُطَالِبَهُ ) مَعَ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ( بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ ) أَيْ قَبْلَ الرَّدِّ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ إنْ كَانَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُ إلَّا بِالرَّدِّ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَخَفْ هَرَبَ الْغَاصِبِ أَوْ تَوَارِيهِ ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَكْرَارٌ ، فَإِنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ ، فَإِنَّ هَذِهِ بَعْضُ تِلْكَ فَإِنَّ تِلْكَ أَعَمُّ مِنْ الْمِثْلِيِّ وَمِنْ الْمُتَقَوِّمِ الْمُسْتَقِرِّ فِي بَلَدِ الْغَاصِبِ وَالْمَنْقُولِ عَنْهُ بِنَقْلِ الْغَاصِبِ أَوْ بِغَيْرِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَغْرَمْ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرَادِّ ، فَقَدْ يَرْتَفِعُ السِّعْرُ وَيَنْخَفِضُ فَيَلْزَمُ الضَّرَرَ وَالْقِيمَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهَذِهِ الْقِيمَةُ يَمْلِكُهَا الْآخِذُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا لَمَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ كَمِلْكِ الْقَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى حُكْمِ رَدِّهِ أَوْ بَدَلِهِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ ، وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ مِلْكُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا هَذِهِ ، وَالْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى الطَّلَبِ ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَالِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُطَالِبُهُ لَا بِالْقِيمَةِ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُطَالِبَ ؛

لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مُلْكِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ يُفْهِمُ أَنَّ النَّقْلَ إلَى دَارٍ أُخْرَى بِالْبَلَدِ لَا يُسَلِّطُ عَلَى طَلَبِ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَمْكَنَهُ إحْضَارُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( فَإِذَا رَدَّهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( رَدَّهَا ) أَيْ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَإِلَّا فَبَدَلُهَا لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إذَا عَادَ بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَاسْتِرْجَاعِ الْقِيمَةِ جَزْمًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَرِمَ الْقِيمَةَ لِإِعْزَازِ الْمِثْلِ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ عَيَّنَ حَقَّهُ وَالْمِثْلُ بَدَلُ حَقِّهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَمْكِينِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَدَلِ حَقِّهِ ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِ التَّرَادِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعٍ بِشُرُوطِهِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمَغْصُوبِ إلَى وُصُولِهِ لِلْمَالِكِ وَلَوْ أَعْطَى الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ ، وَكَذَا حُكْمُ ضَمَانِ زَوَائِدِهِ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ ، وَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إمْسَاكُ الدَّرَاهِمِ الْمَبْدُولَةِ ، إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً وَغَرَامَةُ مِثْلِهَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا كَالْقَرْضِ فَيَرُدُّهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ ، وَيُتَصَوَّرُ زِيَادَتُهَا بِأَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا حَيَوَانًا فَيُنْتِجَ أَوْ شَجَرَةً فَتُثْمِرَ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُ أَهْلُهُ بِالْحَيَوَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ الْقِيمَةَ إلَّا إذَا رَدَّ الْعَيْنَ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لِلْحَيْلُولَةِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ رَدِّهَا فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَسْتَرِدُّ الْقِيمَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ ، وَيُفْهَمُ مِنْ

قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْمَغْصُوبِ ، لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ النَّصِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ( فَإِنْ تَلِفَ ) الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيُّ ( فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ ) ، حَيْثُ ظَفِرَ بِهِ ( فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ ) شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ مِنْ الْمَوَاضِعِ ، الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ الْغَاصِبُ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ فَتَلِفَ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ التَّخْيِيرُ ( فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ ) حِسًّا بِأَنَّ لَمْ يُوجَدْ ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ مَنَعَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ ، أَوْ وُجِدَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ ( غَرَّمَهُ ) الْمَالِكُ ( قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ فِيهِمَا بَلْ يُطَالِبُهُ بِأَكْثَرِ قِيَمِ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ لِمَا ذُكِرَ .

وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ ، وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ ، إلَى التَّلَفِ ، وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ .

( وَلَوْ ظَفِرَ ) الْمَالِكُ ( بِالْغَاصِبِ ) لِلْمِثْلِيِّ أَوْ الْمُتْلِفِ بِغَيْرِ غَصْبٍ ، بِأَنْ وَجَدَهُ ( فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ ) ، وَالْمِثْلُ مَوْجُودٌ ( فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ ) الْيَسِيرِ ( فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ ( فَلَا مُطَالَبَةَ ) لَهُ ( بِالْمِثْلِ ) وَلَا لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمُتْلِفِ ، أَيْضًا تَكْلِيفُهُ قَبُولَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَالضَّرَرِ ( بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ ) ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرُّجُوعِ إلَى الْمِثْلِ كَالِانْقِطَاعِ .
وَالثَّانِي لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ مُطْلَقًا ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فِي وَقْتِ الرُّخْصِ لَهُ طَلَبُهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ .
وَالثَّالِثُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِثْلَ قِيمَةِ بَلَدِ التَّالِفِ أَوْ أَقَلَّ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا ، وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى قِيمَةِ بَلَدِ التَّلَفِ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يُنْقَلْ الْمَغْصُوبُ عَنْ مَوْضِعِهِ ، فَإِنْ نُقِلَ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ قِيمَةً وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْمِثْلِ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ تَكْلِيفُهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ ، وَلَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ، وَلَوْ ظَفِرَ بِالْمُتْلِفِ الَّذِي لَيْسَ بِغَاصِبٍ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمِثْلِيِّ شَرَعَ فِي ، ذِكْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَقَالَ : ( وَأَمَّا ) الْمَغْصُوبُ ( الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ ) وَقْتِ ( الْغَصْبِ إلَى ) وَقْتِ ( التَّلَفِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ غَاصِبٌ مُطَالَبٌ بِالرَّدِّ ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّ ضَمِنَ بَدَلَهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الرُّخْصِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ يُمْكِنُ تَوَقُّعُ

الزِّيَادَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَلَمْ تَفُتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِي اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بَيْنَ تَغَيُّرِ السِّعْرِ أَوْ تَغَيُّرِ الْمَغْصُوبِ فِي نَفْسِهِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ التَّلَفِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ مِنْ نَقْدِ بَلَدِ التَّلَفِ ، قَالَاهُ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَيَتَّجِهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ الَّذِي تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِيهِ ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً كَمَا مَرَّ فِي الْمِثْلِيِّ ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ مَا يُقَارِبُهُ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْقِيمَةِ مَا لَوْ تَلِفَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ وَإِنْ قُلْنَا : الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ لَأَجْزَأَهُ فَتَعَيَّنَ عِنْدَ عَدَمِهِ ، حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْعِبْرَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَتَسَاوَيَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ( وَفِي الْإِتْلَافِ ) لِلْمُتَقَوِّمِ ( بِلَا غَصْبٍ ) يَضْمَنُ ( بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا وُجُودَ لَهُ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِتْلَافِ ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يَصْلُحُ كَالْمَفَازَةِ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ كَمَا فِي الْكَافِي .

فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا ، وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا ، وَتُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ .

( فَإِنْ ) نَقَصَ كَأَنْ ( جَنَى ) عَلَى مُتَقَوِّمٍ بِيَدِ مَالِكِهِ ، أَوْ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْيَدِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ ( وَتَلِفَ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( بِسِرَايَةٍ ) وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ ( فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا ) وَهُوَ الْمِائَةُ ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى فِي الْيَدِ الْعَادِيَةِ ؛ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى ( وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَمْ لِغَيْرِهِ مُحْتَرَمَةً أَمْ لَا إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ ، وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ مَعَ أَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَلَكِنْ لَا يُرِيقُهُ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ يَرَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِئَلَّا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَالٌ ، وَالْحَاكِمُ الْمُقَلِّدُ الَّذِي يَرَى إرَاقَتَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَجَاهِرُ بِهِ مُسْتَحِلَّهُ مَذْهَبًا أَوْ تَقْلِيدًا .
أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى تَحْرِيمَهُ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا ، وَهَلْ الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يَتْبَعُ مَذْهَبًا كَهَذَا أَوْ يُصْرَفُ لِمُسْتَبِيحٍ ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ ا هـ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَوَقِّيَ الْغُرْمِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَغَيْرِهِ ، فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ أَنَّ الْحَشِيشَةَ مُسْكِرَةٌ ، وَعَلَى هَذَا فَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهَا بِالْخَمْرِ ، وَلَا ضَمَانَ فِي الْمُتَنَجِّسِ مِنْ الْمَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يُظْهِرُ تَرْجِيحَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ .
وَأَمَّا إنَاءُ الْخَمْرِ وَنَحْوُهُ فَيَجُوزُ كَسْرُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِرَاقَةِ إلَّا بِهِ ، أَوْ كَانَ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهِ أَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ وَمَنَعُوهُ ، أَوْ كَانَ يُضَيِّعُ زَمَانَهُ وَيَتَعَطَّلُ شُغْلُهُ ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ ، وَلِلْوُلَاةِ

كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُهِمَّاتِ ( وَلَا تُرَاقُ ) الْخَمْرُ وَنَحْوُهَا ( عَلَى ذِمِّيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ( إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا ) أَوْ غَيْرَهُمَا كَهِبَتِهَا وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ فَتُرَاقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ اسْتِهَانَةً بِالْإِسْلَامِ كَإِظْهَارِهِمْ كُفْرَهُمْ وَالْإِظْهَارُ هُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ ، وَالْخِنْزِيرُ كَالْخَمْرِ فِي ذَلِكَ ، هَذَا إذَا كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَإِنْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ مَثَلًا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ إذَا تَظَاهَرُوا بِالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ ( وَتُرَدُّ عَلَيْهِ ) إذَا لَمْ يُظْهِرْهَا وُجُوبًا ( إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ ) لِمَا سَبَقَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ عَلَيْهَا ، وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْآخِذِ فِي الْأَصَحِّ ، فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ لَا يَضْمَنُ رَدَّهَا .
قَالَ فِي الْأُمِّ : وَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ زُجِرَ ، فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ ( وَكَذَا ) تُرَدُّ الْخَمْرَةُ ( الْمُحْتَرَمَةُ ) إنْ بَقِيَتْ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا ( إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا لِتَصِيرَ خَلًّا .
أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ ، فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ بَلْ تُرَاقُ ، وَالْمُحْتَرَمَةُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هُنَا : هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الرَّهْنِ : هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ ، فَالَّتِي عُصِرَتْ بِغَيْرِ قَصْدِ شَيْءٍ مُحْتَرَمَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَمَنْ أَظْهَرَ خَمْرًا وَزَعَمَ أَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ قَالَ الْإِمَامُ : لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْوَرَعِ مَشْهُورَ التَّقْوَى وَإِلَّا

لَاتَّخَذَ الْفُسَّاقُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى اقْتِنَاءِ الْخَمْرِ بِإِظْهَارِهَا ، وَأَنَّهُمْ عَصَرُوهَا لِلْخَلِيَّةِ ا هـ .
وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ ، وَلَوْ اطَّلَعْنَا عَلَى خَمْرٍ وَمَعَهَا مَخَايِلُ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهَا .

وَالْأَصْنَامُ وَآلَاتُ الْمَلَاهِي لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ ، وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ .

( وَالْأَصْنَامُ ) وَالصُّلْبَانُ ( وَآلَاتُ الْمَلَاهِي ) كَالطُّنْبُورِ ( لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ لَا تُقَابَلُ بِشَيْءٍ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّ مَا جَازَ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالدُّفِّ يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى كَاسِرِهِ وَفِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى حِلِّ الِاتِّخَاذِ ، ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ ) ، لِإِمْكَانِ إزَالَةِ الْهَيْئَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ .
نَعَمْ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إنَاءِ الْخَمْرِ بَلْ أَوْلَى ( بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ ) لِزَوَالِ الِاسْمِ بِذَلِكَ ، وَالثَّانِي : لَا يَجِبُ تَفْصِيلُ الْجَمِيعِ بَلْ بِقَدْرِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِعْمَالِ ، وَلَا يَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْتَارِ فَقَطْ جَزْمًا ؛ لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا ، وَالثَّالِثُ : تُكْسَرُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ لَا الْأُولَى وَلَا غَيْرِهَا ، وَلَوْ زَادَ فِي الْكَسْرِ عَلَى الْمَشْرُوعِ غَرِمَ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْرُوعِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْآلَةِ الزِّيَادَةَ وَأَنْكَرَ الْمُتْلِفُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ صَاحِبُ الْآلَةِ كَمَا يُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِيمَا لَوْ أَرَاقَ شَيْئًا ، وَقَالَ الْمَالِكُ : كَانَ عَصِيرًا ، وَقَالَ الْمُتْلِفُ : بَلْ خَمْرًا ، فَإِنَّ الْمَالِكَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ، إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْمَالِيَّةِ ( فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ ) ، أَيْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ ( لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُفْرِطٌ ، وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُهَا مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِلْإِزَالَةِ ؛ لِأَنَّ رَضَاضَهَا مُتَمَوِّلٌ ، وَيَشْتَرِكُ فِي جَوَازِ إزَالَةِ .
الْمُنْكَرِ الرَّجُلُ

وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَلَوْ أَرِقَّاءَ وَفَسَقَةً .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَفِي حِفْظِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ إزَالَتُهُ ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْعُدَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ ذَلِكَ ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ ، وَمِنْ شُرُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ : أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِرُ مُسْلِمًا .
قَالَ : لِأَنَّ ذَلِكَ نُصْرَةً لِلدِّينِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَهُوَ جَاحِدٌ لِأَصْلِ الدِّينِ وَعَدُوٌّ لَهُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يُثَابُ كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ .
قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ إزَالَةِ سَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبَالِغِ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَهُوَ مِنْ أَهْل الْقُرَبِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى قَادِرٍ مُكَلَّفٍ ، ( وَتُضْمَنُ ) بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ( مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا ) مِنْ كُلِّ مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا كَالْكِتَابِ وَالدَّابَّةِ وَالْمِسْكِ ( بِالتَّفْوِيتِ ) ، كَأَنْ يُطَالِعَ فِي الْكِتَابِ أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ أَوْ يَشُمَّ الْمِسْكَ ( وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ ) بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرَهُ كَإِغْلَاقِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ كَالْأَعْيَانِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَرْشٌ أَمْ لَا كَمَا سَيَأْتِي ، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأُجَرُ فِي مُدَّةٍ ضَمِنَ كُلَّ مُدَّةٍ بِمَا يُقَابِلُهَا أَوْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ صَنَائِعُ وَجَبَ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُهَا ، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْجَمِيعِ كَخِيَاطَةٍ وَحِرَاسَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ أَمَّا مَا لَا يُؤَجَّرُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالٍ كَكَلْبٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا كَآلَاتِ اللَّهْوِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْحُبُوبِ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُ ، فَلَوْ اصْطَادَ بِالْكَلْبِ شَيْئًا كَانَ لَهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا فَاصْطَادَ بِهِمَا ، فَإِنْ اصْطَادَ لَهُ الْعَبْدُ شَيْئًا فَالْمَصِيدُ لِسَيِّدِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ ،

وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَجَرْتَهُ فِي زَمَنِ صَيْدِهِ أَيْضًا .

وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إلَّا بِتَفْوِيتٍ ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ ) وَهُوَ الْفَرْجُ ( إلَّا بِتَفْوِيتٍ ) بِالْوَطْءِ فَيَضْمَنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَا يُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ ، بَلْ الْيَدُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ لِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ الْمَغْصُوبَةَ ، وَلَا يُؤَجِّرُهَا ؛ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ حَائِلَةٌ ( وَكَذَا ) لَا تُضْمَنُ ( مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ ) إلَّا بِالتَّفْوِيتِ ( فِي الْأَصَحِّ ) فَإِنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَتَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَمَنَافِعُهُ تَفُوتُ تَحْتَ يَدِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُقَوَّمُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ، فَأَشْبَهَتْ مَنَافِعَ الْأَمْوَالِ وَاحْتُرِزَ بِالْمَنْفَعَةِ عَنْ نَفْسِ الْحُرِّ فَلَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف فِي بَابِ السَّرِقَةِ ، فَقَالَ : وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدِهِ وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا كَانَ أَوْلَى ، وَعَنْ ثِيَابِ الْحُرِّ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ فَلَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَوْلِي صَغِيرًا كَانَ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَوْ كَبِيرًا قَوِيًّا كَانَ أَوْ ضَعِيفًا .
تَنْبِيهٌ : مَنْفَعَةُ الْمَسْجِدِ وَالشَّارِعِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَقْبَرَةِ وَأَرْضِ عَرَفَاتٍ ، وَنَحْوِهَا مُلْحَقَةٌ بِبَدَنِ الْحُرِّ تُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ لَا بِالْفَوَاتِ .
فَلَوْ شَغَلَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَتَاعِهِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا إنْ لَمْ يُغْلِقْهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْكُلِّ ، فَإِنْ أَغْلَقَهُ بِلَا وَضْعِ مَتَاعٍ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْبُقْعَةُ .

وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ ) عِنْدَ الْغَاصِبِ ( بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ ) كَسُقُوطِ يَدِ الْعَبْدِ بِآفَةٍ وَعَمَاءٍ ( وَجَبَ الْأَرْشُ ) لِلنَّقْصِ ( مَعَ الْأُجْرَةِ ) لِلْفَوَاتِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُخْتَلِفٌ وَيَضْمَنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ سَلِيمًا قَبْلَ النَّقْصِ ، وَمَعِيبًا بَعْدَهُ ( وَكَذَا ) يَجِبُ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ ( لَوْ نَقَصَ بِهِ ) أَيْ الِاسْتِعْمَالِ ( بِأَنْ ) أَيْ كَأَنْ ( بَلِيَ الثَّوْبُ ) بِاللُّبْسِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْوَاجِبَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ نَشَأَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ ، وَقَدْ قُوبِلَ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانٌ آخَرُ ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ لَا الِاسْتِعْمَالِ .

فَصْلٌ : ادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ، فَإِذَا حَلَفَ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ أَوْ فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خُلُقِيٍّ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ ، وَفِي عَيْبٍ حَادِثٍ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٍ .

فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا ، لَوْ ( ادَّعَى ) الْغَاصِبُ ( تَلَفَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ ، وَسَيَأْتِي ضَبْطُ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ ( وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ ) ذَلِكَ ( صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَيَعْجِزُ عَنْ الْبَيِّنَةِ ، فَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَأَدَّى إلَى تَخْلِيدِ حَبْسِهِ ، وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ( فَإِذَا حَلَفَ ) الْغَاصِبُ ( غَرَّمَهُ الْمَالِكُ ) بَدَلَ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ ، وَالثَّانِي : لَا لِبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي زَعْمِهِ ( وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ ) بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ حَلَفَ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ ( أَوْ ) اخْتَلَفَا ( فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ ) ، كَأَنْ قَالَ الْمَالِكُ : هِيَ لِي ، وَقَالَ الْغَاصِبُ : بَلْ هِيَ لِي ( أَوْ ) اخْتَلَفَا ( فِي عَيْبٍ خِلْقِيٍّ ) كَأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ وُلِدَ أَكْمَهَ أَوْ عَدِيمَ الْيَدِ ، وَقَالَ الْمَالِكُ : كَانَ سَلِيمًا ، وَإِنَّمَا حَدَثَ عِنْدَك ( صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ .
أَمَّا فِي الْأُولَى ، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْمَالِكِ الْبَيِّنَةُ ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَكْثَرُ مِمَّا قَالَهُ الْغَاصِبُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ سُمِعَتْ وَكُلِّفَ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا قَالَهُ إلَى حَدٍّ لَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : إنَّهَا لَا تُسْمَعُ ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ أَقَامَهَا عَلَى الصِّفَاتِ لِتُقَوِّمَهُ الْمُقَوِّمُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَمْ تُقْبَلْ ، لَكِنْ يَسْتَفِيدُ الْمَالِكُ بِإِقَامَتِهَا إبْطَالَ دَعْوَى الْغَاصِبِ مِقْدَارًا حَقِيرًا لَا يَلِيقُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِالصِّفَاتِ

وَذَكَرَ قِيمَةً حَقِيرَةً ، فَيُؤْمَرُ بِالزِّيَادَةِ إلَى حَدِّ اللَّائِقِ ، وَإِنْ أَقَامَهَا بِقِيمَتِهِ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ تُسْمَعْ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ، فَلِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ عَلَى الْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِالْعَبْدِ الْحُرُّ فَلَا تَثْبُتُ يَدُ غَاصِبِهِ أَوْ سَارِقِهِ عَلَى ثِيَابِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ ، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ ، وَالْبَيِّنَةُ مُمْكِنَةٌ ( وَ ) فِي الِاخْتِلَافِ ( فِي عَيْبٍ حَادِثٍ ) بَعْدَ تَلَفِهِ ، كَأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ : كَانَ سَارِقًا أَوْ أَقْطَعَ ( يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ .
وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، وَلَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ وَبِهِ عَيْبٌ ، وَقَالَ : غَصَبْتُهُ هَكَذَا ، وَقَالَ الْمَالِكُ : بَلْ حَدَثَ عِنْدَك صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ .
فَإِنْ قِيلَ لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ ، بَلْ لَوْ تَلِفَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الْآتِيَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي التَّلَفِ قَدْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَضَعُفَ جَانِبُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الرَّدِّ ( وَلَوْ رَدَّهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( نَاقِصَ الْقِيمَةِ ) بِسَبَبِ الرُّخْصِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) لِبَقَائِهِ بِحَالِهِ ، وَاَلَّذِي فَاتَ إنَّمَا هُوَ رَغَبَاتُ النَّاسِ .

وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ .
قُلْتُ : وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أُتْلِفَ أَحَدُهُمَا غَصْبًا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا ) مَثَلًا ( قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ) مَثَلًا ( فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ ) مَثَلًا ( فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى ، الْقِيَمِ ) ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ بِاللُّبْسِ نِصْفُ الثَّوْبِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ ، مَا كَانَتْ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ وَهُوَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ خَمْسَةٌ ، وَالنُّقْصَانُ الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفُهُ سَبَبُهُ الرُّخْصُ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، وَيَجِبُ أَيْضًا مَعَ الْخَمْسَةِ أُجْرَةُ اللُّبْسِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَلَوْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ بِاللُّبْسِ إلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ بِالْغَلَاءِ إلَى عِشْرِينَ لَزِمَهُ مَعَ رَدِّهِ خَمْسَةٌ فَقَطْ ، وَهِيَ الْفَائِتَةُ بِاللُّبْسِ ، لِامْتِنَاعِ تَأْثِيرِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ التَّلَفِ بِدَلِيلِ ، أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ فِي حُدُوثِ الْغَلَاءِ قَبْلَ التَّلَفِ بِاللُّبْسِ فَقَالَ الْمَالِكُ : حَدَثَ قَبْلَهُ ، وَقَالَ الْغَاصِبُ : بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ ( قُلْتُ : وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ ) أَيْ فَرْدَيْ خُفٍّ فَكُلُّ وَاحِدٍ يُسَمَّى خُفًّا ( قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أُتْلِفَ أَحَدُهُمَا ) فِي يَدِهِ ( غَصْبًا ) لَهُ فَقَطْ ، فَأُتْلِفَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَصْبٍ ( أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ ) وَالْقِيمَةُ لَهُمَا وَلِلْبَاقِي مَا ذُكِرَ ( لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) خَمْسَةٌ لِلتَّالِفِ وَثَلَاثَةٌ لِأَرْشِ مَا حَصَلَ مِنْ التَّفْرِيقِ عِنْدَهُ فَالثَّمَانِيَةُ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ وَأَرْشُ التَّفْرِيقِ الْحَاصِلِ بِذَلِكَ .
وَالثَّانِي : يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ .
تَنْبِيهٌ : خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي يَدِ مَالِكِهِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ وَهُمَا قِيمَتُهُ وَحْدَهُ ، وَنَبَّهَ بِالْخُفَّيْنِ عَلَى

إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي كُلِّ فَرْدَيْنِ لَا يَصْلُحُ أَحَدُهُمَا ، إلَّا بِالْآخَرِ كَزَوْجَيْ النَّعْلِ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ ، وَأَجْرَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي زَوْجَيْ الطَّائِرِ إذَا كَانَ يُسَاوِي مَعَ زَوْجِهِ أَكْثَرَ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ أَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ وَحْدَهُ نِصَابًا وَإِنْ ضَمَّنَاهُ إيَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نِصَابًا فِي الْحِرْزِ حَالَ الِانْضِمَامِ وَنَقَصَ بِالتَّفْرِيقِ حَالَ الْإِخْرَاجِ فَضَمَّنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَقْصَى مَعَ وَضْعِ الْيَدِ وَلَمْ يَقْطَعْهُمَا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِخْرَاجِ .

وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ ، وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ
( وَلَوْ حَدَثَ ) فِي الْمَغْصُوبِ ( نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ ) أَيْ كَأَنْ ( جَعَلَ ) الْغَاصِبُ ( الْحِنْطَةَ ) الْمَغْصُوبَةَ ( هَرِيسَةً ) أَوْ الدَّقِيقَ عَصِيدَةً ( فَكَالتَّالِفِ ) حُكْمُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ بِحَالِهِ لَفَسَدَ فَكَأَنَّهُ هَلَكَ فَيَغْرَمُ بَدَلَ كُلِّ الْمَغْصُوبِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ ( وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ ) قِيَاسًا عَلَى التَّعْيِيبِ الَّذِي لَا يَسْرِي وَفِي ثَالِثٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ تَبْقَى لَهُ هَرِيسَةٌ أَوْ الْعَصِيدَةُ لِلْغَاصِبِ ؟ لِأَنَّا أَلْحَقْنَاهُ بِالْهَالِكِ ، أَوْ لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً لِغَيْرِهِ يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقُّ بِجِلْدِهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا ، كَمَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ الْأَوَّلُ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ ، بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَا بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ الشَّاةِ ، وَمِثْلُ الشَّاةِ مَا لَوْ نَجَّسَ الزَّيْتَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ بَدَلَهُ وَالْمَالِكُ أَحَقُّ بِزَيْتِهِ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَدَثَ النَّقْصُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ ، فَلَوْ حَدَثَ فِي يَدِهِ ، كَمَا لَوْ نَقَّصَ الطَّعَامَ بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ .
أَمَّا مَا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ أَرْشُهُ ، كَمَا مَرَّ .

وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ إلَى الْمَالِك فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ .

( وَلَوْ جَنَى ) الرَّقِيقُ ( الْمَغْصُوبُ ) فِي يَدِ الْغَاصِبِ ( فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ ) ابْتِدَاءً أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَعُفِيَ عَلَى مَالٍ ( لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ فَلَزِمَ تَخْلِيصُهُ ( بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ ) الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ هُوَ الْقِيمَةَ فَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَالَ فَهُوَ الَّذِي وَجَبَ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ الْعَيْبِ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى مَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ ( فَإِنْ تَلِفَ ) الرَّقِيقُ الْجَانِي ( فِي يَدِهِ ) أَيْ الْغَاصِبِ ( غَرَّمَهُ الْمَالِكُ ) أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ ( وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ ) أَيْ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّمَهُ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ، ( وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ ) مِنْ الْغَاصِبِ بِقَدْرِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ الَّتِي حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا ( ثُمَّ ) إذَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ ( يَرْجِعُ الْمَالِكُ ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ ( عَلَى الْغَاصِبِ ) ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ ، أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ بِالْأَرْشِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مِنْهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُبَرِّئُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغَاصِبَ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ .
نَعَمْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْأَدَاءِ كَمَا يُطَالِبُ بِهِ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ ) الْجَانِي ( إلَى الْمَالِك فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ ) مِنْهُ ( الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ حِينَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَلَوْ جَنَى الرَّقِيقُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوَّلًا ثُمَّ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَكُلٌّ مِنْ

الْجِنَايَتَيْنِ مُسْتَغْرِقَةٌ قِيمَتَهُ بِيعَ فِيهِمَا وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ ، بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْجِنَايَةِ الْمَضْمُونَةِ عَلَيْهِ ، وَلِلْأَوَّلِ التَّعَلُّقُ بِهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمَالِكِ رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَأْخُوذُ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ تَمَامَ الْقِيمَةِ ، وَالثَّانِي : لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ إلَّا بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَخَذَهُ

وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ وَإِعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ ، وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ ، وَإِلَّا فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمِّهَا ، وَإِذَا أَعَادَ الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ ، وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا

( وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا ) بِكَشْطِهِ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ ( أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ ) إلَى مَحَلِّهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ نَقْلِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَلَوْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ ( أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ ) إنْ كَانَ تَالِفًا لِمَا مَرَّ أَنَّ التُّرَابَ مِثْلِيٌّ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ مِثْلِهِ غَرِمَ الْأَرْشَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِتُرَابِهَا بَعْدَ نَقْلِهِ مِنْهَا ( وَ ) أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى ( إعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ ) قَبْلَ النَّقْلِ مِنْ انْبِسَاطٍ أَوْ ارْتِفَاعٍ أَوْ انْخِفَاضٍ لِإِمْكَانِهِ .
تَنْبِيهٌ : خَرَجَ بِمَا قُيِّدَتْ بِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا لَوْ أَخَذَ التُّرَابَ مِنْ مَكَانَ وَاحِدٍ بِحَيْثُ صَارَ مَكَانَهُ حُفْرَةً فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَمَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْقِمَامَاتِ ، فَفِي الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ عِنْدَ تَلَفِهَا فَإِنَّهَا مُحَقَّرَةٌ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ وُجُوبُ رَدِّهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ( وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ ) لَهُ ( وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ ) أَوْ مَنَعَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ( إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ ) أَيْ النَّقْلِ ( غَرَضٌ ) ، كَأَنْ ضَيَّقَ مِلْكَهُ أَوْ مِلْكَ غَيْرِهِ ، أَوْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ شَارِعًا وَخَشِيَ مِنْهُ ضَمَانًا ، أَوْ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ وَكَانَ ذَلِكَ النَّقْصُ يَزُولُ بِالرَّدِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ( وَإِلَّا ) ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ كَأَنْ نَقَلَهُ مِنْهَا إلَى مَوَاتٍ ، أَوْ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا إلَى الْآخَرِ ( فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَقَلَّ بِهِ كَانَ لِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ الرَّدَّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي نَقَلَهُ مِنْهُ إلَيْهِ .
وَالثَّانِي : لَهُ الرَّدُّ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ مِلْكَهُ إلَى مَحِلِّهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ مِنْ الرَّدِّ ، فَإِنْ مَنَعَهُ

لَمْ يَرُدَّ جَزْمًا ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ بَسْطِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ لَمْ يَبْسُطْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَبْسُوطًا ، ( وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ نَقْلِ التُّرَابِ بِالْكَشْطِ ( حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمُّهَا ) فَعَلَيْهِ الطَّمُّ بِتُرَابِهَا إنْ بَقِيَ وَبِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ إنْ أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِالطَّمِّ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ اسْتَقَلَّ بِهِ ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ الطَّمُّ بِمِثْلِ التُّرَابِ التَّالِفِ ، بِأَنَّهُ إذَا تَلِفَ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ مِثْلُهُ ، وَالْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا يُمْلَكُ بِقَبْضٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الرَّدُّ بِدُونِ الْإِذْنِ ا هـ .
وَلَعَلَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ ، وَمِنْ الْغَرَضِ هُنَا ضَمَانُ التَّرَدِّي ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ وَرَضِيَ بِاسْتِدَامَتِهَا فَلَيْسَ لَهُ الطَّمُّ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الطَّمِّ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ قَدْ طَوَى الْبِئْرَ بِآلَةِ نَفْسِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهَا وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ ( وَإِذَا أَعَادَ ) الْغَاصِبُ ( الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ ) فِيهَا ( نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ ) عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لَهُ ( لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ ) مِنْ الرَّدِّ وَالطَّمِّ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ آتِيًا بِوَاجِبٍ كَمَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا قَبْلَهَا .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لِمُدَّةِ الْحَفْرِ وَالْإِعَادَةِ وَهِيَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَزْيَدُ فَائِدَةً لَوْلَا مَا قَدَّرْنَاهُ ( وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ ) فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْإِعَادَةِ ( وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا ) أَيْ الْأُجْرَةِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا .

وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ ، رَدَّهُ وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ ، وَإِنْ نَقَصَتَا غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرُ .

( وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ ) مِنْ الْأَدْهَانِ كَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ ( وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ ) ، كَأَنْ غَصَبَ صَاعًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَصَارَ إلَى نِصْفِ صَاعٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ ( رَدَّهُ ) لِبَقَاءِ الْعَيْنِ ( وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ ) مِنْهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَلَا يُجْبَرُ نَقْصُهُ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ ، كَمَا لَوْ خُصِيَ الْعَبْدُ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَلَى الْجَدِيدِ .
وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ جَبْرُ النُّقْصَانِ ، إذْ مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ حَصَلَ مِنْ وَاحِدٍ فَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالزِّيَادَةِ ( فَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ ) كَأَنْ لَمْ تَنْقُصْ عَنْ الصَّاعِ بَلْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ ، كَأَنْ صَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ ( لَزِمَهُ الْأَرْشُ ) جَبْرًا لَهُ ( وَإِنْ نَقَصَتَا ) أَيْ الْعَيْنُ وَالْقِيمَةَ جَمِيعًا ( غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِي مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ ) مِنْ نَقْصِ الْعَيْنِ كَأَنْ صَارَ الصَّاعُ نِصْفَ صَاعٍ يُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَأَنْ صَارَ نِصْفُ الصَّاعِ يُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ ، فَلَا أَرْشَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، فَلَا شَيْءَ غَيْرُ الرَّدِّ ، وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ مِثْلَ الذَّاهِبِ ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا ، وَالذَّاهِبُ مِنْ الدُّهْنِ دُهْنٌ مُتَقَوِّمٌ ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْفَلْسِ حَيْثُ يَضْمَنُ بَدَلَ الذَّاهِبِ لِلْبَائِعِ كَالزَّيْتِ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ بِالْإِغْلَاءِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ حِصَّةٌ ، فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ وَالزَّائِدُ بِالْإِغْلَاءِ هُنَا لِلْمَالِكِ فَانْجَبَرَ بِهِ الذَّاهِبُ ، وَمِثْلُ إغْلَاءِ الْعَصِيرِ مَا لَوْ صَارَ الْعَصِيرُ خَلًّا ، أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا نَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَا يَضْمَنُ مِثْلَ الذَّاهِبِ ، وَأَجْرَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي اللَّبَنِ إذَا صَارَ جُبْنًا وَنَقَصَ كَذَلِكَ وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ

بِوَزْنِهِمَا .

وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ ، وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى قَطْعًا .

( وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ ) الطَّارِئَ فِي الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْغَاصِبِ ( لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ ) حَصَلَ ( قَبْلَهُ ) عِنْدَهُ ، كَأَنْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهُ فَعَادَتْ الْقِيمَةُ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَأَرْشَ السِّمَنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ زَالَ الثَّانِي : رَدَّهَا وَأَرْشَ السَّمْنَيْنِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجْبُرُ ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنٍ فَابْيَضَّتْ ثُمَّ زَالَ الْبَيَاضُ ، وَعَوْدُ الْحُسْنِ كَعَوْدِ السِّمَنِ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ بِقَوْلِهِ نَقْصَ هُزَالٍ إلَى أَنَّ السِّمَنَ الْمُفْرِطَ الَّذِي لَا تَنْقُصُ الْقِيمَةُ بِزَوَالِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ بِأَنْ كَانَتْ مُعْتَدِلَةً فَسَمِنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ سِمَنًا مُفْرِطًا ، وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا رَدَّهَا وَهَلْ يَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ .
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : لَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ فِي تَضْمِينِ نَقْصِ الْقِيمَةِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ كَسَرَ الْحُلِيَّ أَوْ الْإِنَاءَ ثُمَّ أَعَادَهُ بِتِلْكَ الصَّنْعَةِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا ) الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ ( يَجْبُرُ النِّسْيَانَ ) ، سَوَاءٌ اسْتَذْكَرَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ عِنْدَ الْمَالِكِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، وَشَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْسَهَا بِخِلَافِ السِّمَنِ ، فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْجِسْمِ مَحْسُوسَةٌ مُغَايِرَةٌ لِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ الذَّاهِبَةِ .
وَالثَّانِي : لَا يَجْبُرُ كَالسِّمَنِ وَرُدَّ بِمَا مَرَّ ، وَلَوْ تَعَلَّمَ الصَّنْعَةَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ نِسْيَانِهَا فَكَالتَّذَكُّرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْ عِنْدَ الْمَالِكِ ، فَلَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُتَّجِهُ ، وَلَوْ تَعَلَّمَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ فَزَادَتْ قِيمَتُهَا بِهِ ثُمَّ نَسِيَتْهُ لَمْ

يَضْمَنْهُ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَمَا فِي كَسْرِ الْمَلَاهِي ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غِنَاءٍ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ لِئَلَّا يُنَافِيَ مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَكَالْجَارِيَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْعَبْدُ ، وَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيهِ مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ أَتْلَفَ دِيكَ الْهَرَّاشِ أَوْ كَبْشَ النِّطَاحِ ضَمِنَهُ غَيْرَ مُهَارِشٍ أَوْ نَاطِحٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ .
تَنْبِيهٌ : مَرَضُ الرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ أَوْ تَمَعُّطُ شَعْرِهِ أَوْ سُقُوطُ سِنِّهِ يَنْجَبِرُ بِعَوْدِهِ كَمَا كَانَ ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ سُقُوطِ صُوفِ الشَّاةِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِعَوْدِهِ كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ يَنْقُصُ بِهِ وَصِحَّةُ الرَّقِيقِ وَشَعْرُهُ وَسِنُّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ( وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ ) عِنْدَ الْغَاصِبِ ( لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ ) صَنْعَةٍ ( أُخْرَى ) عِنْدَهُ ( قَطْعًا ) وَإِنْ كَانَتْ أَرْفَعَ مِنْ الْأُولَى لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ .

وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً .
( وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ ) عِنْدَهُ ، ( فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ ، وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ ( وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ ، إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً ) مِنْ الْعَصِيرِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي : يَلْزَمُهُ مِثْلُ الْعَصِيرِ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّخَمُّرِ كَالتَّالِفِ وَالْخَلُّ عَلَى هَذَا قِيلَ لِلْغَاصِبِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ مِلْكِهِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَصَبَ بَيْضًا فَتُفْرِخُ أَوْ حَبًّا فَنَبَتَ أَوْ بَذْرَ قُطْنٍ فَصَارَ قَزًّا .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : ثُمَّ تَخَلَّلَ عَمَّا لَوْ يَتَخَمَّرُ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ ، وَعَلَيْهِ إرَاقَةُ الْخَمْرِ إنْ عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ إرَاقَتُهَا لِاحْتِرَامِهَا .

وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ .
( وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ ) عِنْدَهُ ( أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ ) يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ( فَدَبَغَهُ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ مَا اخْتَصَّ بِهِ فَإِذَا تَلِفَا فِي يَدِهِ ضَمِنَهُمَا .
وَالثَّانِي : هُمَا لِلْغَاصِبِ لِحُصُولِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ إخْرَاجُ الْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ وَسَوَّى الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ إلَّا إنْ أَعْرَضَ الْمَالِكُ عَنْهَا ، فَلَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا ، وَإِعْرَاضُ الْمَالِكِ عَنْ الْجِلْدِ كَإِعْرَاضِهِ عَنْ الْخَمْرِ ، وَإِذَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ ، وَلَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ جِلْدًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ مُذَكًّى ، وَالْمُتْلِفُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ صُدِّقَ الْمُتْلِفُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ .

فَصْلٌ زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقَصَّارَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا ، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ ، وَأَرْشَ النَّقْصِ .
فَصْلٌ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَالزِّيَادَةُ أَثَرٌ وَعَيْنٌ ، فَالْأَثَرُ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِيهِ كَمَا قَالَ ( زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقِصَارَةٍ ) لِثَوْبٍ وَخِيَاطَةٍ بِخَيْطٍ مِنْهُ وَطَحْنِ حِنْطَةٍ وَضَرْبِ السَّبَائِكِ دَرَاهِمَ وَضَرْبِ الطِّينِ لَبِنًا وَذَبْحِ الشَّاةِ وَشَيِّهَا ، ( فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا ) لِتَعَدِّيهِ بِعَمَلِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ حَيْثُ كَانَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ ، فَإِنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِهِ ( وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ ) ، أَيْ الْمَغْصُوبِ ( كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ ) كَرَدِّ الدَّرَاهِمِ سَبَائِكَ وَاللَّبِنِ طِينًا ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِفِعْلِهِ ، وَلَا يَغْرَمُ أَرْشَ مَا كَانَ زَادَ بِصَنْعَتِهِ ؛ لِأَنَّ فَوَاتَهُ بِأَمْرِ الْمَالِكِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْقِصَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ بَلْ يَأْخُذُهُ بِحَالِهِ ( وَأَرْشَ النَّقْصِ ) إنْ نَقَصَ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ ، وَإِذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِمَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بِحَالِهِ أَجْبَرَ الْغَاصِبَ عَلَى تَسْلِيمِهِ لَهُ بِحَالِهِ وَعَلَى غُرْمِ أَرْشِ النَّقْصِ إنْ كَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ فِي الْإِعَادَةِ كَأَنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ بَقَائِهَا ضَرَرًا مِنْ تَغْرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ عَلَى غَيْرِ عِيَارِهِ ، فَلَهُ إبْطَالُهَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَائِهَا أَمْ سَكَتَ عَنْ الرِّضَا وَالْمَنْعِ .
نَعَمْ لَوْ ضَرَبَ الشَّرِيكُ الطِّينَ لَبِنًا أَوْ السَّبَائِكَ دَرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَازَ لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ أَنْ يَنْقُضَهُ ، وَإِنْ رَضِيَ شَرِيكُهُ بِالْبَقَاءِ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِهِ كَمَا كَانَ .

وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَيْنُ فَقَالَ : ( وَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الزِّيَادَةُ ( عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ ) لَهَا ، وَأَرْشَ النَّقْصِ إنْ كَانَ وَإِعَادَتَهَا كَمَا كَانَتْ ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَهَا بِالْقِيمَةِ أَوْ إبْقَاءَهَا بِأُجْرَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ فِي الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ الْقَلْعِ بِلَا أَرْشٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ الْقَلْعُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَوْ أَرَادَ الْقَلْعَ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ ، وَلَوْ بَادَرَ لِذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ غَرِمَ الْأَرْشَ ، وَقِيلَ : لَا غُرْمَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ ، وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ احْتِرَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ لَا مُطْلَقًا ، وَلَوْ كَانَ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ مَغْصُوبَيْنِ مِنْ آخَرَ ، فَلِكُلٍّ مِنْ مَالِكَيْ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ إلْزَامُ الْغَاصِبِ بِالْقَلْعِ ، وَإِنْ كَانَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ قَلْعُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقَلْعِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ لَزِمَهُ قَلْعُهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ : نَعَمْ لِتَعَدِّيهِ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ كَمَا لَوْ اتَّجَرَ الْغَاصِبُ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ ، فَإِذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ فِي ثَمَنِهَا وَرَبِحَ رَدَّ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ .
أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِعَيْنِهِ فَالْجَدِيرُ بُطْلَانُهُ ، وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَذْرًا مِنْ وَاحِدٍ وَبَذَرَ الْأَرْضَ بِهِ فَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ إخْرَاجَ الْبَذْرِ مِنْهَا وَأَرْشَ النَّقْصِ ، وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَاءِ الْبَذْرِ فِي

الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ إخْرَاجُهُ ، وَلَوْ زَوَّقَ الْغَاصِبُ الدَّارَ الْمَغْصُوبَةَ بِمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِقَلْعِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَلْعُهُ إنْ رَضِيَ بِبَقَائِهِ الْمَالِكُ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ كَالثَّوْبِ إذَا قَصَرَهُ .

وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ زَادَتْ اشْتَرَكَا فِيهِ .

( وَإِنْ صَبَغَ ) الْغَاصِبُ ( الثَّوْبَ ) الْمَغْصُوبَ ( بِصَبْغِهِ ) ، وَكَانَ الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ بِالِانْصِبَاغِ عَيْنُ مَالٍ فَكَالتَّزْوِيقِ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ ذَلِكَ ( وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ ) مِنْهُ ، كَأَنْ كَانَ الصَّبْغُ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ ( أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ) قِيَاسًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ، وَالثَّانِي : لَا ، لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ يَضِيعُ بِفَصْلِهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَرَكَهُ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ لِيَدْفَعَ عَنْهُ كُلْفَةَ الْقَلْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهِ كَانَ لِلْغَاصِبِ الْفَصْلُ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الثَّوْبُ بِالْفَصْلِ وَكَذَا إنْ نَقَصَ ، وَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقَلْعِ فَذَاكَ أَوْ عَلَى الْإِبْقَاءِ فَهُمَا شَرِيكَانِ ( وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ) فَصْلُهُ كَأَنْ كَانَ الصَّبْغُ مُنْعَقِدًا ( فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ ) أَيْ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ وَلَمْ تَنْقُصْ ، كَأَنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً وَالصَّبْغُ خَمْسَةً فَصَارَ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عَشْرَةً لَا لِانْخِفَاضِ سُوقِ الثِّيَابِ بَلْ لِأَجْلِ الصَّبْغِ ( فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ ) لِعَدَمِ الزِّيَادَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّقْصِ ( وَإِنْ نَقَصَتْ ) قِيمَتُهُ ، كَأَنْ صَارَ يُسَاوِي ثَمَانِيَةً ( لَزِمَهُ الْأَرْشُ ) ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ ( وَإِنْ زَادَتْ ) قِيمَتُهُ بِالصَّبْغِ كَأَنْ صَارَ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ فِي مِثَالِنَا ( اشْتَرَكَا فِيهِ ) أَيْ الثَّوْبِ هَذَا بِصَبْغِهِ وَهَذَا بِثَوْبِهِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَثُلُثُهُ لِلْغَاصِبِ فَشَرِكَتُهُمَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِشَاعَةِ .
بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ لَهُ مَعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ ، فَلَوْ حَصَلَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَقْصٌ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ أَحَدِهِمَا أَوْ زِيَادَةٌ لِارْتِفَاعِهِ عُمِلَ بِهِ فَيَكُونُ النَّقْصُ أَوْ الزِّيَادَةُ لَاحِقًا لِمَنْ انْخَفَضَ أَوْ ارْتَفَعَ سِعْرُ مَالِهِ ، وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ

الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ : أَيْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الَّذِي عَمِلَ ، وَالزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ ؛ إذَا أُسْنِدَتْ إلَى الْأَثَرِ الْمَحْضِ تُحْسَبُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، وَأَيْضًا الزِّيَادَةُ قَامَتْ بِالثَّوْبِ وَالصَّبْغِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ بَذَلَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الصَّبْغِ لِيَتَمَلَّكَهُ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ فَصْلُهُ أَمْ لَا ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْعَارِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ هُنَا مِنْ الْقَلْعِ مَجَّانًا بِخِلَافِ الْمُغَيَّرِ ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الِانْفِرَادَ بِبَيْعِ مِلْكِهِ لِثَالِثٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَحْدَهُ كَبَيْعِ دَارٍ لَا مَمَرَّ لَهَا ، نَعَمْ لَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَيْعَ الثَّوْبِ لَزِمَ الْغَاصِبَ بَيْعُ صَبْغِهِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُرَّ بِالْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَ صَبْغِهِ لَا يَلْزَمُ مَالِكَ الثَّوْبِ بَيْعُهُ مَعَهُ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ الْمُتَعَدِّي بِتَعَدِّيهِ إزَالَةَ مِلْكِ غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : بِصَبْغِهِ عَنْ صُورَتَيْنِ : الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الصِّبْغُ مَغْصُوبًا مِنْ آخَرَ فَهُمَا شَرِيكَانِ كَمَا لَوْ كَانَ الصِّبْغُ لِلْغَاصِبِ ، فَإِنْ حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ نَقْصٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا اخْتَصَّ النَّقْصُ بِالصَّبْغِ كَمَا مَرَّ وَغَرِمَ الْغَاصِبُ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ قِيمَةَ صَبْغِهِ ، وَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَكْلِيفُهُ الْفَصْلَ ، فَإِنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا غَرَّمَهُ الْغَاصِبُ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَصْلُهُ ، بِأَنْ كَانَ الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا فَكَمَا سَبَقَ فِي التَّزْوِيقِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الصَّبْغُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ ، فَالزِّيَادَةُ لَهُ لَا لِلْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ مَحْضٌ وَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَغْرَمُ أَرْشَهُ ، وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى فَصْلِهِ إنْ أَمْكَنَ ، وَلَيْسَ

لِلْغَاصِبِ فَصْلُهُ إذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِالْإِبْقَاءِ ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ الْقِيَاسُ .
فَرْعٌ : لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى مَصْبَغَةِ شَخْصٍ فَانْصَبَغَ فِيهَا اشْتَرَكَا فِي الْمَصْبُوغِ مِثْلُ مَا مَرَّ وَلَمْ يُكَلَّفْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَلَا الْفَصْلَ وَلَا الْأَرْشَ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ إذْ لَا تَعَدِّيَ .

وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ ، وَإِنْ شَقَّ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ ، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ .

( وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ ) سَوَاءٌ أَخُلِطَ بِجِنْسِهِ كَحِنْطَةٍ بَيْضَاءَ بِحِنْطَةٍ حَمْرَاءَ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ ( وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ ) التَّمْيِيزُ لِسُهُولَتِهِ ، وَلِإِمْكَانِ رَدِّ عَيْنِ مَا أَخَذَهُ ( وَإِنْ شَقَّ ) عَلَيْهِ تَمْيِيزُ جَمِيعِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ مَا أَمْكَنَ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) كَأَنْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِشَيْرَجٍ ( فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ ) ، لَا مُشْتَرَكًا سَوَاءٌ أَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَمْ بِأَجْوَدَ أَمْ بِأَرْدَأَ لَتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( تَغْرِيمُهُ ) أَيْ الْغَاصِبِ ( وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ انْتَقَلَ إلَى ذِمَّتِهِ ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ إنْ خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَجْوَدَ مِنْهُ لَا بِأَرْدَأَ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضًا ، فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَا أَرْشَ لَهُ وَكَانَ مُسَامِحًا بِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِلَّا أَخَذَ مِثْلَ مَالِهِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي : يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَخْلُوطِ ، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَدْرُ حَقِّهِ مِنْ الْمَخْلُوطِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَاَلَّذِي أَقُولُهُ وَأَعْتَقِدُهُ وَيَنْشَرِحُ صَدْرِي لَهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْهَلَاكِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكُ الْغَاصِبِ مَالَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، بَلْ بِمُجَرَّدِ تَعَدِّيهِ بِالْخَلْطِ ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إذَا قُلْنَا : إنَّهُ كَالتَّالِفِ وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَالِكَ بَدَلَهُ ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ .
قَالَ : وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ خَلْطَ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِهَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ هَلَاكٌ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ إنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مُتَمَيِّزٌ

فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِ مُنْتَقَضٌ بِالْحُبُوبِ ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الزَّيْتَانِ أَوْ نَحْوُهُمَا بِانْصِبَابٍ وَنَحْوِهِ كَصَبِّ بَهِيمَةٍ أَوْ بِرِضَا مَالِكِهِمَا ، فَمُشْتَرَكٌ لِعَدَمِ التَّعَدِّي .
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْدَأَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى قَبُولِ الْمُخْتَلِطِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَبَعْضَهُ خَيْرٌ مِنْهُ لَا صَاحِبَ الْأَجْوَدِ ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ فَلَا أَرْشَ لَهُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي ، وَإِلَّا بِيعَ الْمُخْتَلَطُ ، وَقُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ أَرَادَ قِسْمَةَ غَيْرِ الْمُتَفَاضِلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ لِلتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ .
أَمَّا لَوْ خُلِطَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ وَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الدَّفْعِ مِنْهُ أَوْ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا ؛ وَلِأَنَّ التَّفَاضُلَ جَائِزٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَالِكِ فَلَا يُلْزَمُ الْغَاصِبُ بِبَدَلٍ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقَبُولِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ فَيَغْرَمَ الْمِثْلَ ، وَقِيلَ : يُبَاعَانِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَتَيْنِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَصْبٌ ، كَأَنْ انْصَبَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِمَا مَرَّ ، وَلَوْ غَصَبَ زَيْتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَخَلَطَهُمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي : فَهُوَ كَمَا لَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي مَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ مِنْ جَمَاعَةٍ وَخَلَطَهَا وَدَفَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَدْرَ حَقِّهِ جَازَ لَهُ أَخْذَهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ ، وَإِنْ

دَفَعَ لِأَحَدِهِمْ فَقَطْ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَلَطَهُ بِمَالِ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَمْلُوكِ لَهُ فَاسْتَتْبَعَ بِخِلَافِ مَالِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ .

وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا أُخْرِجَتْ ، وَلَوْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ .
( وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً ) مَثَلًا ( وَبَنَى عَلَيْهَا ) فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنَارَةِ مَسْجِدٍ ( أُخْرِجَتْ ) أَيْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَرَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا إنْ لَمْ تَتَعَفَّنْ ، وَلَوْ تَلِفَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِخْرَاجِ أَضْعَافُ قِيمَتِهَا لِتَعَدِّيهِ ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا إنْ حَدَثَ فِيهَا نَقْصٌ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ، أَمَّا إذَا تَعَفَّنَتْ بِحَيْثُ لَوْ أُخْرِجَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا قِيمَةٌ فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ ( وَلَوْ أَدْرَجَهَا ) أَيْ الْغَاصِبُ ( فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ ) أَيْ يَلْزَمُهُ مَا مَرَّ إلَّا أَنْ تَتَعَفَّنَ ( إلَّا أَنْ يَخَافَ ) مِنْ إخْرَاجِهَا مِنْ السَّفِينَةِ ( تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ ) وَلَوْ لِلْغَاصِبِ ، كَأَنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ فِي اللُّجَّةِ وَالْخَشَبَةِ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّهَا لَا تُنْزَعُ ، وَإِنَّمَا لَمْ تُنْزَعُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ فِي الْبَحْرِ فَيَسْهُلُ الصَّبْرُ إلَى الشَّطِّ : أَيْ وَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ لِلْفُرْقَةِ أَوْ نَحْوِهِ كَرَقْرَاقٍ بِخِلَافِ هَدْمِ الْبِنَاءِ لِرَدِّ اللَّوْحِ بَلْ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ إلَى تَيَسُّرِ النَّزْعِ ، وَخَرَجَ بِالْمَعْصُومَيْنِ نَفْسُ الْحَرْبِيِّ وَمَالُهُ ، وَبِالْخَوْفِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ كَانَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُرْسَاةً عَلَى الشَّطِّ أَوْ نَحْوِهِ .
أَوْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ فِي أَعْلَاهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالتَّلَفِ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : إلَّا الشَّيْنَ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاء فِي الْآدَمِيِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ .

وَلَوْ خَاطَ شَيْئًا بِمَغْصُوبٍ لَزِمَهُ نَزَعَهُ مِنْهُ وَرَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ لَمْ يَبْلَ ، وَإِلَّا فَالْهَالِكُ لَا مِنْ جُرْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخَافُ بِالنَّزْعِ هَلَاكُهُ أَوْ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ ، فَلَا يَجُوزُ نَزْعُهُ مِنْهُ لِحُرْمَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الشَّيْنُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَلَوْ شَدَّ بِمَغْصُوبٍ جَبِيرَةً كَانَ كَمَا لَوْ خَاطَ بِهِ جُرْحَهُ .
ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَلَا يُذْبَحُ لِنَزْعِهِ مَأْكُولٌ وَلَا غَيْرُهُ ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ أَكْلِهِ وَيَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ ، وَلَوْ خَاطَ بِهِ الْغَاصِبُ جُرْحًا لِآدَمِيٍّ بِإِذْنِهِ ، فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ جَهِلَ الْغَصْبَ كَمَا لَوْ قَرَّبَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ، فَأَكَلَهُ وَيُنْزَعُ الْخَيْطُ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ آدَمِيًّا ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْزَعْ فِي الْحَيَاةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ ، وَيُنْزَعُ مِنْ حَيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَكَلْبٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ يَجُوزُ غَصْبُهُ لَهُ ابْتِدَاءً لِيُخَاطَ بِهِ جُرْحُهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ خَيْطٌ حَلَالٌ ، وَحَيْثُ يَجُوزُ نَزْعُهُ لَا يَجُوزُ غَصْبُهُ لِيُخَاطَ بِهِ الْجُرْحُ .

وَلَوْ وَطِئَ الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ، حُدَّ ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَا حَدَّ ، وَفِي الْحَالَيْنِ يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ عَلِمَتْ وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ ، فَإِنْ غَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ أَحْبَلَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ غَيْرُ نَسِيبٍ ، وَإِنْ جَهِلَ فَحُرٌّ نَسِيبٌ ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ ، وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ

( وَلَوْ وَطِئَ ) الْغَاصِبُ الْأَمَةَ ( الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ) لِوَطْئِهَا مُخْتَارًا ( حُدَّ ) ؛ لِأَنَّهُ زِنًى سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَالِمَةً أَمْ جَاهِلَةً .
نَعَمْ الْأَبُ وَنَحْوُهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ( وَإِنْ جَهِلَ ) تَحْرِيمَهُ لِاشْتِبَاهِهَا عَلَيْهِ أَوْ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ ( فَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ ( وَفِي الْحَالَيْنِ ) أَيْ حَالَتَيْ عِلْمِهِ وَجَهْلِهِ ( يَجِبُ الْمَهْرُ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ، وَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ لَكِنْ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ يَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوَطْءُ ، وَفِي حَالَةِ الْعِلْمِ يَتَعَدَّدُ ، وَإِنْ وَطِئَهَا مَرَّةً جَاهِلًا وَمَرَّةً عَالِمًا وَجَبَ مَهْرَانِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّدَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ ) فِي الْوَطْءِ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ ( فَلَا يَجِبُ ) لَهَا مَهْرٌ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ ، وَهِيَ الزَّانِيَةُ ، وَالثَّانِي : يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِطَوَاعِيَتِهَا فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَهْرَ ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ فَقَدْ عَهِدْنَا أَنَّهُ يَتَأَثَّرُ بِفِعْلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ( وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ ) طَاوَعَتْهُ ، وَ ( عَلِمَتْ ) بِالتَّحْرِيمِ لِزِنَاهَا ، وَهَذَا أَيْضًا قَيْدٌ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ ، فَإِنْ جَهِلَتْهُ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ فَلَا حَدَّ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَا يَسْقُطُ أَرْشُ طَرَفِهَا بِإِذْنِهَا فِي قَطْعِهِ ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا هُنَا أَرْشُ بَكَارَةٍ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ ( وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ ) أَيْ الْغَاصِبِ ( فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ ) وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ بِكْرًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي وَضْعِ الْيَدِ

عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي حَالَتَيْ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إلَّا أَنَّ جَهْلَ الْمُشْتَرِي قَدْ يَنْشَأُ مِنْ الْجَهْلِ بِكَوْنِهَا مَغْصُوبَةً فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ( فَإِنْ غَرِمَهُ ) أَيْ الْمَهْرَ لِلْمَالِكِ ( لَمْ يَرْجِعْ بِهِ ) الْمُشْتَرِي ( عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ إنْ جَهِلَ الْغَصْبَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى ضَمَانِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي أَرْشِ الْبَكَارَةِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا أَتْلَفَهُ .
( وَإِنْ أَحْبَلَ ) الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ ( عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ) لِلْوَطْءِ ( فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ ) لِلسَّيِّدِ ( غَيْرُ نَسِيبٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًا وَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَمَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ أَوْ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ ، فَبَدَّلَهُ لِلسَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِهَا ، فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُحْبِلِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : نَعَمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ لَوْ كَانَ حَيًّا ، وَنُسِبَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَرْجِيحُ الثَّانِي لِلرَّافِعِيِّ .
لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ .
فَإِنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ إنَّمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْعَالَمِ ا هـ .
وَحَاصِلَهُ أَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَى أُخْرَى ( وَإِنْ جَهِلَ ) مِنْ ذِكْرِ التَّحْرِيمِ ( فَحُرٌّ نَسِيبٌ ) لِلشُّبْهَةِ بِالْجَهْلِ ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا لَا رَقِيقًا ثُمَّ عَتَقَ ( وَعَلَيْهِ )

لِلسَّيِّدِ ( قِيمَتُهُ ) بِتَقْدِيرِ رِقِّهِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ بِظَنِّهِ ( يَوْمَ الِانْفِصَالِ ) حَيًّا ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ قَبْلَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ ( وَيَرْجِعُ بِهَا ) أَيْ بِالْقِيمَةِ ( الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ غَرَامَةٍ ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ ، وَلَا يَرْجِعُ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ ، وَيَرْجِعُ أَيْضًا بِأَرْشِ نَقْصِ الْوِلَادَةِ كَمَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَطْعَ بِهِ .
فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَعَلَى الْجَانِي ضَمَانُهُ بِالْغُرَّةِ ، وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّا نُقَدِّرُهُ رَقِيقًا فِي حَقِّهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْغُرَّةُ أَكْثَرَ فَالزَّائِدُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِلْمَالِكِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ كَامِلًا ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَالْغُرَّةُ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً ، فَلَا يَغْرَمُ الْغَاصِبُ حَتَّى يَأْخُذَ الْغُرَّةَ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِيهِ .
وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ حَيَاتِهِ .
وَيُخَالِفُ مَا لَوْ انْفَصَلَ رَقِيقًا مَيِّتًا حَيْثُ قُلْنَا : فِيهِ بِالضَّمَانِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَجُعِلَ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، وَلَوْ انْفَصَلَ حَيًّا حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُتَّهِبِ مِنْ الْغَاصِبِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا ، وَفِيهِ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ لَا يَضْمَنَهَا .
فَرْعٌ : لَوْ أَذِنَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَوَطِئَ

وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ فِي أَحَدِ طَرِيقَيْنِ رَجَّحَهُ غَيْرُهُ .

وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَغَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا فِي الْأَظْهَرِ وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَبِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نَقَصَ فِي الْأَصَحِّ ، وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ وَلَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَمَا لَا فَيَرْجِعُ .
قُلْتُ : وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ فَكَالْمُشْتَرِي ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ) مِنْ الْغَاصِبِ ( وَغَرِمَهُ ) لِمَالِكِهِ ( لَمْ يَرْجِعْ بِهِ ) أَيْ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا أَمْ جَاهِلًا ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، وَقِيلَ : يَرْجِعُ مِنْ الْمَغْرُومِ بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ ، وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ( وَكَذَا ) لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ الَّذِي غَرِمَهُ ( لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ ) بِآفَةٍ ( وَفِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّ التَّعْيِيبَ بِآفَةٍ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالثَّانِي : يَرْجِعُ لِلتَّغْرِيرِ بِالْبَيْعِ .
أَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ قَطْعًا ( وَلَا يَرْجِعُ ) عَلَيْهِ ( بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا ) كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى ( فِي الْأَظْهَرِ ) وَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَهْرِ وَمَرَّ تَوْجِيهِهِمَا ( وَيَرْجِعُ ) عَلَيْهِ ( بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ ) مِنْ مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ اسْتِيفَاءٍ ( وَبِأَرْشِ نَقْصِ ) بِالْمُهْمَلَةِ ( بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نُقِضَ ) بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِ الْأَرْضِ ( فِي الْأَصَحِّ ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ .
وَالثَّانِي : فِي الْأُولَى يَنْزِلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةَ إتْلَافِهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ : يَقُولُ : كَأَنَّهُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ يُتْلِفُ مَالَهُ .
تَنْبِيهٌ : ثَمَرَةُ الشَّجَرَةِ وَنِتَاجُ الدَّابَّةِ وَكَسْبُ الْعَبْدِ كَالْمَنْفَعَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَلَوْلَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِذَلِكَ لَقَالَ : وَمَا فَاتَ ؛ لِأَنَّهَا الْعِبَارَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ ا هـ .
وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَا بِمَا أَدَّى مِنْ خَرَاجِ الْأَرْضِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ زَوَّجَ الْغَاصِبُ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا جَاهِلًا وَغَرِمَ الْمَهْرَ أَوْ الْأُجْرَةَ لَمْ يَرْجِعْ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مُقَابِلَهَا بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ

عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِغُرْمِهَا ( وَكُلُّ مَا ) أَيُّ شَيْءٍ ( لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ ) عَلَى الْغَاصِبِ كَأُجْرَةِ الْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ تَحْتَ يَدِهِ ( وَلَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ ) ابْتِدَاءً ( لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي ( وَمَا لَا فَيَرْجِعُ ) أَيْ وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ كَالْمَنَافِعِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ ابْتِدَاءً رَجَعَ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ .
نَعَمْ إنْ سَبَقَ مِنْ الْغَاصِبِ اعْتِرَافٌ بِالْمِلْكِ لَمْ يَرْجِعْ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الَّذِي ظَلَمَنِي هُوَ الْمُدَّعِي ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَلَوْ غَرِمَ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَقْتَ الْغَصْبِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَةِ وَقْتِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إلَى التَّلَفِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَغْرَمُ الزَّائِدَ ، فَلَا يَصْدُقُ بِهِ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ .
فَائِدَةٌ : تُكْتَبُ مَا مِنْ كُلَّ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ ظَرْفٍ ، كَمَا هُنَا مَفْصُولَةً وَإِلَّا فَمَوْصُولَةً كَكُلَّمَا رَأَيْت زَيْدًا فَأَكْرِمْهُ ( قُلْتُ ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ ) بِنُونٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَنُونٍ فَمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ ( يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ ) غَيْرِ الْمُشْتَرِي ( فَكَالْمُشْتَرِي ) فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَيَانُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْ مَا قَالَهُ هُنَاكَ ، وَقَيِّدْ بِهِ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا .

خَاتِمَةٌ : لَوْ وَقَعَ فَصِيلٌ فِي بَيْتٍ أَوْ دِينَارٌ فِي مِحْبَرَةٍ وَلَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ إلَّا بِهَدْمِ الْبَيْتِ ، وَالثَّانِي : إلَّا بِكَسْرِ الْمِحْبَرَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ فَلَا غُرْمَ عَلَى مَالِكِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ ، وَإِلَّا غَرِمَ الْأَرْشَ ، فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِهِمَا ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ النِّصْفَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّفْرِيطِ كَالْمُتَصَادَمِينَ ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ لِتَخْلِيصِهَا وَلَا تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ إنْ صَحِبَهَا مَالِكُهَا فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِتَفْرِيطِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ، فَإِنْ تَعَدَّى صَاحِبُ الْقِدْرِ بِوَضْعِهَا بِمَوْضِعٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ أَوْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ لَكِنَّهُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَدْفَعْهَا فَلَا أَرْشَ لَهُ ، وَلَوْ تَعَدَّى كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الْقِدْرِ وَالْبَهِيمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ ابْتَلَعَتْ بَهِيمَةٌ جَوْهَرَةً لَمْ تُذْبَحْ لِتَخْلِيصِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً بَلْ يَغْرَمُ مَالِكُهَا إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا قِيمَةَ الْجَوْهَرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ ، فَإِنْ ابْتَلَعَتْ مَا يَفْسُدُ بِالِابْتِلَاعِ غُرِّمَ قِيمَتَهُ لِلْفَيْصُولَةِ ، وَلَوْ ابْتَاعَهَا بِطَعَامٍ مُعَيَّنٍ ، فَأَكَلَتْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِوَجْهٍ مَضْمُونٍ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَوَقَعَ ذَلِكَ قَبْضًا لِلثَّمَنِ وَإِلَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ فَقَدْ أَتْلَفَتْ مَالًا لِلْبَائِعِ ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ، وَلَوْ غَصَبَ لُؤْلُؤَةً وَدَجَاجَةً فَابْتَلَعَتْ الدَّجَاجَةُ اللُّؤْلُؤَةَ ، يُقَالُ لَهُ : إنْ لَمْ تَذْبَحْ الدَّجَاجَةَ غَرَّمْنَاك قِيمَةَ اللُّؤْلُؤَةِ ، فَإِنْ ذَبَحْتَهَا غَرَّمْنَاك أَرْشَ الدَّجَاجَةِ ، وَلَوْ غَصَبَ لُؤْلُؤَةً مَثَلًا وَابْتَلَعَهَا وَأَمْكَنَ إخْرَاجُهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ لَا ؟ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ : أَيْ

لِلْحَيْلُولَةِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَتَنَجَّسَ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ وَلَا يُكَلَّفُ تَطْهِيرَهُ ، فَإِنْ طَهَّرَهُ فَنَقَصَ ضَمِنَ أَرْشَ النَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ فَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ التَّطْهِيرِ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ نَقْصَ الشَّبَابِ بِالْكِبَرِ ، وَنَقْصَ النُّهُودِ بِتَدَلِّي الثَّدْيِ ، وَنَقْصَ الْمُرُودَةِ بِالِالْتِحَاءِ ، وَنَقْصَ الْفَحْلِ بِالضِّرَابِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ بِضِرَابِ الْفَحْلِ لِمَالِكِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ لِلْإِنْزَاءِ بِلَا نَقْصٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ .
.

كِتَابُ الشُّفْعَةِ
كِتَابُ الشُّفْعَةِ وَهِيَ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ بِمَعْنَى الضَّمِّ عَلَى الْأَشْهَرِ ، مِنْ شَفَعْتُ الشَّيْءَ ضَمَمْتُهُ ، وَمِنْهُ شَفْعُ الْأَذَانِ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِضَمِّ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَى نَصِيبِهِ ، أَوْ بِمَعْنَى التَّقْوِيَةِ أَوْ الزِّيَادَةِ ، وَقِيلَ : مِنْ الشَّفَاعَةِ .
وَشَرْعًا : حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَلَى الْحَادِثِ فِيمَا مُلِكَ بِعِوَضٍ .
وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ " وَالرَّبْعُ : الْمَنْزِلُ ، وَالْحَائِطُ : الْبُسْتَانُ وَالْمَعْنَى فِيهِ ضَرَرُ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ أَوْ اسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ كَالْمِصْعَدِ وَالْمِنْوَرِ وَالْبَالُوعَةِ فِي الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ ، وَقِيلَ : دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ .
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي نَادِمًا أَوْ مَغْبُونًا ، وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهَا الْإِجْمَاعَ لَكِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إنْكَارَهَا .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : وَلَعَلَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ .
وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ : مَأْخُوذٌ ، وَآخِذٌ ، وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ ، وَالصِّيغَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي التَّمْلِيكِ كَمَا سَيَأْتِي .

لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ ، بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ .

وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ ( لَا تَثْبُتُ ) الشُّفْعَةُ ( فِي مَنْقُولٍ ) كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ ، سَوَاءٌ أَبِيعَتْ وَحْدَهَا أَمْ مَضْمُومَةً إلَى أَرْضٍ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ فَإِنَّهُ يَخُصُّهَا بِمَا تَدْخُلُهُ الْقِسْمَةُ وَالْحُدُودُ وَالطُّرُقُ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْمَنْقُولَاتِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَدُومُ ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَيَتَأَبَّدُ فِيهِ ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ ، وَالشُّفْعَةُ تَمَلُّكٌ بِالْقَهْرِ ، فَنَاسَبَ مَشْرُوعِيَّتَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرَرِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْقُولِ ابْتِدَاءً لِتَخْرُجَ الدَّارُ إذَا انْهَدَمَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ ، فَإِنَّ نَقْضَهَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَثْبُتُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ التَّنْبِيهِ لَا تَجِبُ ( بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ ) وَتَوَابِعِهِ الدَّاخِلَةِ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِنْ أَبْوَابٍ مَنْصُوبَةٍ وَرُفُوفٍ مُسَمَّرَةٍ وَمَسَامِيرَ وَمَفَاتِيحَ غَلْقٍ مُثَبَّتٍ وَدُولَابٍ ثَابِتٍ وَحَجَرِ الطَّاحُونَةِ وَنَحْوِهَا كَغِطَاءِ تَنُّورٍ ( وَ ) مِنْ ( شَجَرٍ تَبَعًا ) لَهَا ، وَفِي مَعْنَى الشَّجَرِ أَصْلُ مَا يُجَزُّ مِرَارًا كَالْقَتِّ وَالْهِنْدَبَاءِ ، وَشَرْطُ تَبَعِيَّةِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِلْأَرْضِ أَنْ تُبَاعَ الْأَشْجَارُ مَعَ الْبَيَاضِ الَّذِي يَتَخَلَّلُهَا أَوْ مَعَ الْبُسْتَانِ كُلِّهِ ، فَلَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ جِدَارِهِ وَأَسَاسِهِ فَقَطْ أَوْ مِنْ أَشْجَارٍ وَمَغَارِسِهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا تَابِعَةٌ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْأَسَاسِ وَالْمَغْرَسِ فِي الْبَيْعِ وَكَانَا مَرْئِيَّيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُمَا وَصَرَّحَ بِدُخُولِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ .
فَإِنْ قِيلَ كَلَامُهُمْ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ : بِعْتُكَ الْجِدَارَ وَأَسَاسَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْأَسَاسَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْجِدَارِ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ

.
أَمَّا الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ مَكَانَ الْبِنَاءِ ، فَهُوَ عَيْنٌ مُنْفَصِلَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ شُرُوطُ الْمَبِيعِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : تَبَعًا عَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ جَافَّةٌ شَرَطَا دُخُولَهَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ بِالتَّبَعِ بَلْ بِالشَّرْطِ ( وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ ) تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَيَتْبَعُهُ فِي الْأَخْذِ قِيَاسًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ الْأَخْذُ لَهَا حَتَّى أُبِّرَتْ لِدُخُولِهَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ التَّأْبِيدُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ انْقَطَعَ أَمْ لَا ، وَكَذَا كُلُّ مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ انْفَصَلَتْ الْأَبْوَابُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشَّجَرَ بِثَمَرَةٍ حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ ، وَلَمْ تُؤَبَّرْ عِنْدَ الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبِعَتْ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَتَبِعَتْهُ فِي الْأَخْذِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِّرَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ .
أَمَّا الْمُؤَبَّرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ إذَا دَخَلَتْ بِالشَّرْطِ .
فَلَا تُؤْخَذُ لِمَا سَبَقَ مِنْ انْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ فَتَخْرُجُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ : كَالزَّرْعِ وَالْجِزَّةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَبْقَى كُلُّ مَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ وَجِزَّةٍ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ ( وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ ) ، بِأَنْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَوْ غَيْرُهُمَا ، إذْ لَا أَرْضَ لَهَا ، فَهِيَ كَالْمَنْقُولَاتِ ( وَكَذَا ) سَقْفٌ ( مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ الَّذِي هُوَ أَرْضُهَا لَا ثَبَاتَ لَهُ أَيْضًا .
وَالثَّانِي : يَجْعَلُهُ كَالْأَرْضِ ،

وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْعُلْوُ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ وَنَصِيبَهُ مِنْ السُّفْلِ ، فَالشُّفْعَةُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ السُّفْلِ ، لَا فِي الْعُلْوِ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ مَعَ نَصِيبِهِ مِنْهَا ، فَالشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ لَا فِي الشَّجَرِ ( وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى ) أَيْ طَاحُونَةٍ ، صَغِيرَيْنِ لَا يَجِيءُ مِنْهُمَا حَمَّامَانِ وَطَاحُونَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ ( لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ ) هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ إلَخْ ، وَالثَّانِي : مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَدُومُ ، وَكُلٌّ مِنْ الضَّرَرَيْنِ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ مِنْهُمَا بِالْبَيْعِ لَهُ ، فَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ : أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْآلَات كَحَجَرِ الطَّاحُونِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ حَجَرَيْنِ ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالطَّاحُونَةِ فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الرَّحَى ، وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ مَعْنَى عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ ، وَفِي بِلَادِنَا أَنَّ الطَّاحُونَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانَ وَالرَّحَى عَلَى الْحَجَرِ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ الْمُرَادَ هُنَا فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ ، وَالشُّفْعَةُ

إنَّمَا تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَكَانِ ، فَالْمُرَادُ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّحْنِ ا هـ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : فَتَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ أَوْلَى ، وَيَثْبُتُ لِمَالِكِ عُشْرِ الدَّارِ الصَّغِيرَةِ إنْ بَاعَ مَالِكُ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ نَصِيبَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْ مَالِكِ الْعُشْرِ الْقِسْمَةَ أُجْبِرَ عَلَيْهَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالِكُ الْعُشْرِ نَصِيبَهُ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ لِلْآخَرِ لِأَمْنِهِ مِنْ الْقَسْمِ ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا فَلَا يُجَابُ طَالِبُهَا لِتَعَنُّتِهِ ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ أَرْضٍ تَنْقَسِمُ وَفِيهَا بِئْرُ مَاءٍ لَا تَنْقَسِمُ ، وَيُسْقَى مِنْهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْبِئْرِ ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ الثَّابِتِ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَحِلِّ الشُّفْعَةِ وَالْبِئْرُ مُبَايِنَةٌ عَنْهُ .

وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْأَخْذُ ، فَقَالَ : ( وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ ) فِي رَقَبَةِ الْعَقَارِ فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ ، وَلَا لِلشَّرِيكِ فِي غَيْرِ رَقَبَةِ الْعَقَارِ كَالشَّرِيكِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ ، كَأَنْ مَلَكَهَا بِوَصِيَّةٍ ، وَلَوْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْقَضِ حُكْمُهُ ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِهَا لِشَافِعِيٍّ كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ ، وَتَثْبُتُ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ عَلَى سَيِّدٍ كَعَكْسِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ لِيُصْرَفَ فِي عِمَارَتِهِ ثُمَّ بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ، وَلَوْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ شَرِيكٌ فِي أَرْضٍ فَبَاعَ شَرِيكُهُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ شِقْصٍ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ، إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ وَلَا شَرِيكُهُ إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرُ نَصِيبَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ ، وَلِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَيْنَ الرَّقَبَةِ .
نَعَمْ مَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ ، وَالْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ عَنْهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ .

وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا ، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إلَى شَارِعٍ وَإِلَّا فَلَا .

( وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا ) فَقَطْ التَّابِعِ لَهَا ، فَإِنْ كَانَ دَرْبًا غَيْرَ نَافِذٍ ( فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا ) لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ وَشِقْصًا مُشْتَرَكًا ( وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ ) بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ( إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ ) لَهَا ( إلَى شَارِعٍ ) أَوْ إلَى مِلْكِهِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنْ احْتَاجَ إحْدَاثُ الْمَمَرِّ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، ( فَلَا ) تَثْبُتُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُشْتَرِي ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ ، وَالثَّانِي : تَثْبُتُ فِيهِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ بِشِرَائِهِ هَذِهِ الدَّارَ ، وَالثَّالِثُ : الْمَنْعُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ فِي اتِّخَاذِ الْمَمَرِّ عُسْرٌ أَوْ مُؤَنٌ لَهَا وَقَعَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَتَّسِعْ الْمَمَرُّ ، فَإِنْ اتَّسَعَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُتْرَكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ شَيْءٌ يَمُرُّ فِيهِ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْبَاقِي قَطْعًا ، وَفِي الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى الْمُرُورُ بِدُونِهِ الْخِلَافُ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : أَمَّا الدَّرْبُ النَّافِذُ فَغَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي مَمَرِّ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ مِنْهُ قَطْعًا ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبًا يُقْسَمُ مِنْ مَمَرٍّ ؛ لَا يَنْفُذُ فَلِأَهْلِهِ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَمَرِّ خَاصَّةً ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ لِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةَ إنْ كَانَ مُنْقَسِمًا .
فَإِنْ قِيلَ الْمَمَرُّ مِنْ حَرِيمِ الدَّارِ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَقَاءِ الدَّارِ بِلَا مَمَرٍّ فَهُوَ كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهَا بَيْتًا ، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بُطْلَانُهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّارَ مُتَّصِلَةٌ بِمِلْكِهِ أَوْ شَارِعٍ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ لَهُ دَارٌ لَا مَمَرَّ

لَهَا نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَمَرٍّ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْتَرِي تَحْصِيلَ مَمَرٍّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَمَرَّ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ ، وَالشَّرِكَةُ فِي صَحْنِ الْخَانِ دُونَ بُيُوتِهِ ، وَفِي مَجْرَى الْمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ ، وَفِي بِئْرِ الْمَزْرَعَةِ دُونَ الْمَزْرَعَةِ كَالشَّرِكَةِ فِي الْمَمَرِّ فِيمَا مَرَّ .

وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مِلْكًا لَازِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّالِث ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِالشُّفْعَةِ ، وَقَالَ ( وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ) الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ ( فِيمَا مُلِكَ ) أَيْ فِي شَيْءٍ مَلَكَهُ الشَّرِيكُ الْحَادِثُ ( بِمُعَاوَضَةٍ ) مَحْضَةٍ كَالْبَيْعِ ، أَوْ غَيْرِ مَحْضَةٍ كَالْمَهْرِ .
أَمَّا الْبَيْعُ فَبِالنَّصِّ ، وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمُعَاوَضَةِ مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ ، فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ وَوَصِيَّةٍ وَفَسْخٍ .
أَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِرْثِ ، فَلِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ فَلَمْ يَضُرَّ بِالشَّرِيكِ ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَلَّا يُدْخِلَ عَلَى الشَّرِيكِ ضَرَرًا ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ تَسَلَّطَ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَا مُلِكَ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْفَسْخِ ؛ فَلِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا فَتُؤْخَذُ بِهِ ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْفَسْخِ : أَنْ يَعْلَمَ بِالْبَيْعِ ، فَلَمْ يَأْخُذْ ثُمَّ انْفَسَخَ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ صُدُورِ الْفَسْخِ فَإِنَّ لَهُ رَدَّ الْفَسْخِ ، وَالْأَخْذَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَقَوْلُهُ ( مِلْكًا لَازِمًا ) قَيْدٌ مُضِرٌّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي ، وَعَدَمُ ثُبُوتِهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ خِيَارِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ الطَّارِئِ لَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ .
نَعَمْ لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ إلَّا بَعْدَ لُزُومِهِ لِئَلَّا يَبْطُلَ خِيَارُهُ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ( مُتَأَخِّرًا ) سَبَبُهُ ( عَنْ ) سَبَبِ ( مِلْكِ الشَّفِيعِ ) .
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ ، فَقَالَ ( كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ ، وَ ) عِوَضِ ( صُلْحِ دَمٍ ) فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ ، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَالْوَاجِبُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْإِبِلُ وَالْمُصَالَحَةُ عَنْهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ

لِجَهَالَةِ صِفَاتِهَا .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُ الصُّلْحِ بِالدَّمِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِ قَطْعًا ، وَإِنَّمَا خَصَّصَهُ لِيَكُونَ مُنْتَظِمًا فِي سِلْكِ الْخُلْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ ، وَقَوْلُهُ ( وَنُجُومٍ ) أَيْ وَعِوَضِ صُلْحٍ عَنْ نُجُومِ كِتَابَةٍ ، كَأَنْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ شِقْصًا فَصَالَحَ سَيِّدَهُ بِهِ عَنْ النُّجُومِ الَّتِي عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالشِّقْصُ لَا يَكُونُ نُجُومَ كِتَابَةٍ ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا لَا يَكُونُ إلَّا دَيْنًا ، وَالشِّقْصُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ النُّجُومِ ، وَهُوَ وَجْهٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ ( وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ ) هُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى مَبِيعٍ ، فَلَوْ جَعَلَهُمَا قَبْلَ الْمَهْرِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفَهُمَا عَلَى خُلْعٍ فَيَصِيرَ الْمُرَادُ عِوَضَ أُجْرَةٍ وَعِوَضَ رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ، وَلَوْ قَالَ لِمُسْتَوْلَدَةٍ : إنْ خَدَمْتِ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً فَلَكِ هَذَا الشِّقْصُ فَخَدَمَتْهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ .

وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ إنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا .
( وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ( أَوْ ) شُرِطَ ( لِلْبَائِعِ ) وَحْدَهُ ( لَمْ يُؤْخَذْ ) ذَلِكَ الشِّقْصُ ( بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا : الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي أَمْ مَوْقُوفٌ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : لَهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، فَإِنَّ الْمَانِعَ ثُبُوتُهُ لِلْبَائِعِ ( وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ ) بِالشُّفْعَةِ ( إنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ ) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ( لِلْمُشْتَرِي ) وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْخِيَارِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ ( فَلَا ) يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ زَمَنَهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ غَيْرُ زَائِلٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ ، وَغَيْرُ مَعْلُومِ الزَّوَالِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا الشِّقِّ قَوْلَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ وَجْهَانِ ، وَمَا ذُكِرَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَجْرِي فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيُتَصَوَّرُ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِإِسْقَاطِ الْآخَرِ خِيَارَ نَفْسِهِ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِثَبْتِ الْخِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْبَيْعِ وَنَحْوه لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا مُلِكَ .

وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ ، وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ .
( وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الشَّيْءِ ( عَيْبًا وَأَرَادَ ) الْمُشْتَرِي ( رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ ) ، حَتَّى لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْبَيْعِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ ثَابِتٌ بِالِاطِّلَاعِ .
وَالثَّانِي : إجَابَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ إذَا اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَسَلِمَ عَنْ الرَّدِّ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعِيبًا كَعَبْدٍ وَأَرَادَ الْبَائِعُ رَدَّهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مُطَالَبَةِ الشَّفِيعِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الرَّدَّ وَيَأْخُذَ فِي الْأَصَحِّ ، وَهَلْ يُفْسَخُ الرَّدُّ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا وَجْهَانِ : صَحَّحَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلَ وَفَائِدَتُهُمَا كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : الْفَوَائِدُ وَالزَّوَائِدُ مِنْ الرَّدِّ إلَى الْأَخْذِ ، وَيُلْتَحَقُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ الرَّدُّ بِالْإِقَالَةِ ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ النِّصْفِ الَّذِي اسْتَقَرَّ لَهَا ، وَكَذَا الْعَائِدُ لِلزَّوْجِ لِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ بِالْعَقْدِ ، وَالزَّوْجُ إنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالطَّلَاقِ ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ .
تَنْبِيهٌ : جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ .

وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ فَقَالَ : ( وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ ) مَعًا ( دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَقْتِ حُصُولِ الْمِلْكِ .
تَنْبِيهٌ : أُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَيْعَ بَتٍّ فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَشْفَعْ بَائِعُهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَلَى سَبَبِ مِلْكِ الثَّانِي ، لَا لِلثَّانِي وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ مِلْكِهِ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَنْ سَبَبِ مِلْكِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَا مُرَتَّبًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا دُونَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَجَازَا مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَر ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْمِلْكِ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ .

وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي الْأَرْضِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ بَلْ حِصَّتَهُ .
( وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ أَيْ نَصِيبٌ ( فِي الْأَرْضِ ) ؛ كَأَنْ تَكُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْهِ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ ) وَهُوَ الثُّلُثُ فِي هَذَا الْمِثَالِ ( بَلْ ) يَأْخُذُ ( حِصَّتَهُ ) أَيْ نَصِيبَهُ مِنْهُ ، وَهِيَ فِي هَذَا الْمِثَالِ السُّدُسُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ .
وَالثَّانِي : يَأْخُذُ الْمَبِيعَ ، وَهُوَ الثُّلُثُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَى نَفْسِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ ، بِأَنَّا لَا نَقُولُ اسْتَحَقَّهَا عَلَى نَفْسِهِ بَلْ دَفَعَ الشَّرِيكَ عَنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : خُذْ الْكُلَّ أَوْ اُتْرُكْهُ وَقَدْ أَسْقَطْتُ حَقِّي لَكِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الشُّفْعَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ مِثَالٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ .

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ وَلَا حُضُورُ الْمُشْتَرِي ، وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ ، وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ .

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ ( وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ ) بِهَا لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ ( وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ ) كَالْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّهُ تَمَلُّكٌ بِعِوَضٍ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : وَلَا ذِكْرُ الثَّمَنِ ( وَلَا حُضُورَ الْمُشْتَرِي ) وَلَا رِضَاهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ( وَ ) لَكِنْ ( يُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَاخْتَرْت الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ، وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ ، وَلَا يَكْفِي الْمُعَاطَاةُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ ، وَلَا أَنَا مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : عَدَمُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : مُشْكِلٌ بِمَا سَيَذْكُرُهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَحَدُهَا ، ثُمَّ قَالَ : وَأَقْرَبُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّلَاثَةِ لَا تُشْتَرَطُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ تَكْرَارِ لَا النَّافِيَةِ ، بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يُشْتَرَطُ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَجِيبٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ .
وَأَمَّا حُصُولُ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا سَيَأْتِي .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ ا هـ .
وَهَذَا لَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : لِأَنَّ الْمُرَادَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِهَا .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ ( وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ( إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي ) أَوْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا امْتَنَعَ ( فَإِذَا تَسَلَّمَهُ

) مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ ( أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ ) بِضَمِّ اللَّامِ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْهُ أَوْ قَبَضَهُ الْقَاضِي عَنْهُ ( مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَمُقَصِّرٌ فِيمَا بَعْدَهَا ( وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ ) أَيْ الشَّفِيعِ حَيْثُ لَا رِبًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ الشِّقْصَ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ ، فَإِنْ كَانَ رِبًا كَأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَفَائِحَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالثَّمَنُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَكْفِ الرِّضَا بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ الرِّبَا ( وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ ) أَيْ الشَّفِيعِ ( بِالشُّفْعَةِ ) أَيْ ثُبُوتِ حَقِّهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ لَا بِالْمِلْكِ ( إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ ، وَأَثْبَتَ حَقَّهُ ) فِي الشُّفْعَةِ وَاخْتَارَ التَّمَلُّكَ ( فَيَمْلِكُ بِهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ قَدْ تَأَكَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ .
وَالثَّانِي : لَا يَمْلِكُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّتِهِ .
تَنْبِيهٌ : اشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ أَحَدَ هَذِهِ الْأُمُورِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّمَلُّكُ عِنْدَ الشُّهُودِ ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَجِيزِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَلَوْ عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ هَرَبِ الْجِمَالِ حَيْثُ يَقُومُ الْإِشْهَادُ مَقَامَ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهُ هُنَا ، وَيُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لِلشَّفِيعِ ، وَإِذَا مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ الشِّقْصَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ وَإِنْ تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ

بِتَأْخِيرِ الْبَائِعِ حَقَّهُ ، فَإِنْ غَابَ مَالُهُ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ فَسَخَ الْحَاكِمُ التَّمَلُّكَ ، وَقِيلَ : يَبْطُلُ بِلَا فَسْخٍ ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ مَجْلِسٍ لِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ ) بِنَاءً عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ ، وَقِيلَ : يَتَمَلَّكُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ ، وَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قَهْرِيٌّ لَا يُنَاسِبُهُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ اقْتِصَارُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الشَّفِيعِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرَاهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَهْرِيٌّ ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ بِالْوَكَالَةِ وَفِي الْأَخْذِ مِنْ الْوَارِثِ .
فَرْعٌ : لَا يَتَصَرَّفُ الشَّفِيعُ فِي الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي ، وَأَفْلَسَ بِالثَّمَنِ رَجَعَ فِيهِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَلِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَقَبْلَ التَّمَلُّكِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَلُّكِ كَمَا سَيَأْتِي .

فَصْلٌ : إذَا اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ ، أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ ، وَقِيلَ يَوْمَ اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ ، أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَأْخُذَ فِي الْحَالِ أَوْ يَصْبِرَ إلَى الْمَحَلِّ يَأْخُذُ وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَيُؤْخَذُ الْمَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ ، وَلَوْ اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ امْتَنَعَ الْأَخْذُ .

فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ .
وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا ( إذَا اشْتَرَى ) شَخْصٌ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ ( بِمِثْلِيٍّ ) كَبُرٍّ وَنَقْدٍ ( أَخَذَهُ ) مِنْهُ ( الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ ) إنْ تَيَسَّرَ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ وَقْتَ الْأَخْذِ فَبِقِيمَتِهِ ، وَلَوْ قُدِّرَ الثَّمَنُ بِغَيْرِ مِعْيَارِ الشَّرْعِ كَقِنْطَارِ حِنْطَةٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْقَرْضِ ، وَقِيلَ : يُكَالُ وَيُؤْخَذُ بِقَدْرِهِ كَيْلًا ، وَحَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ ( أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ ( فَبِقِيمَتِهِ ) لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ مَلَكَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْأَخْذِ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ لَا سِيَّمَا الْمُتَقَوِّمِ ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْهُ إنَّمَا كَانَ لِتَعَذُّرِهِ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ( يَوْمَ ) أَيْ وَقْتَ ( الْبَيْعِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ إثْبَاتِ الْعِوَضِ وَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ( وَقِيلَ يَوْمَ ) أَيْ وَقْتَ ( اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ ) كَمَا يُعْتَبَرُ الثَّمَنُ حِينَئِذٍ وَجَرَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّنْبِيهِ وَنَبَّهْتُ فِي شَرْحِهِ عَلَى ضَعْفِهِ ، وَلَوْ جَعَلَ الشَّرِيكُ الشِّقْصَ رَأْسَ مَالٍ سَلَمٍ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَيْنٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ ، أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ ، أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ ، أَوْ أَمْتَعَهُ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الدِّيَةِ وَقْتَ الصُّلْحِ ، أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ ، أَوْ مُتْعَةٍ حَالَ الْإِمْتَاعِ ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ أَخَذَهُ بَعْدَ مِلْكِ الْمُسْتَقْرِضِ بِقِيمَتِهِ وَيَصْدُقُ الدَّيْنُ فِيمَا ذُكِرَ بِالْحَالِ ، وَيُقَابِلُهُ قَوْلُهُ ( أَوْ ) اشْتَرَى ( بِمُؤَجَّلٍ

فَالْأَظْهَرُ ) الْجَدِيدُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ ( أَنَّهُ ) أَيْ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُ بِمُؤَجَّلٍ بَلْ هُوَ ( مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ ) الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي ( وَيَأْخُذَ ) الشِّقْصَ ( فِي الْحَالِ ، أَوْ يَصْبِرَ إلَى الْمَحِلِّ ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ وَهُوَ الْحُلُولُ ( وَيَأْخُذُ ) بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِتَأْخِيرِهِ لِعُذْرِهِ ؛ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ بِالْمُؤَجَّلِ لَأَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الْأَخْذَ فِي الْحَالِ بِنَظِيرِهِ مِنْ الْحَالِ أَضْرَرْنَا بِالشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ ، فَكَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لِلضَّرَرَيْنِ وَجَامِعًا لِلْحَقَّيْنِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ إعْلَامُ الْمُشْتَرِي بِالطَّلَبِ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ نُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ .
وَالثَّانِي : يَأْخُذُهُ بِالْمُؤَجَّلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي .
وَالثَّالِثُ : يَأْخُذُهُ بِسِلْعَةٍ لَوْ بِيعَتْ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لَبِيعَتْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اخْتَارَ الْأَوَّلُ الصَّبْرَ إلَى الْحُلُولِ ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ زَمَنُ نَهْبٍ يَخْشَى مِنْهُ عَلَى الثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ الضَّيَاعُ ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُنَجَّمًا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمُؤَجَّلِ فَيُعَجَّلُ أَوْ يُصْبَرُ حَتَّى يَحِلَّ كُلُّهُ ، وَلَيْسَ لَهُ كُلَّمَا حَلَّ نَجْمٌ أَنْ يُعْطِيَهُ وَيَأْخُذَ بِقَدْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي .
قَالَ : وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الشِّقْصِ وَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى مَحِلِّهِ وَأَبَى الشَّفِيعُ إلَّا الصَّبْرَ إلَى الْمَحِلِّ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ حَلَّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَوْتِهِ أَوْ نَحْوَهُ كَرِدَّةٍ لَا يَتَعَجَّلُ الْأَخْذَ

عَلَى الشَّفِيعِ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى خِيرَتِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الشَّفِيعُ فَالْخِيَرَةُ لِوَارِثِهِ ( وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ ) مِمَّا لَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ مَنْقُولٍ كَنَقْدٍ أَوْ أَرْضٍ أُخْرَى لَا شَرِكَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ( أَخَذَهُ ) أَيْ الشِّقْصَ لِوُجُودِ سَبَبِ الْأَخْذِ دُونَ غَيْرِهِ ( بِحِصَّتِهِ ) أَيْ بِقَدْرِهَا ( مِنْ الْقِيمَةِ ) بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْمُقَابَلَةِ ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً ، وَقِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَقِيمَةُ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ عِشْرِينَ أَخَذَ الشِّقْصَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ وَيَبْقَى الْمَضْمُومِ لِلْمُشْتَرِي بِالْخُمْسِ الْبَاقِي ، فَقَوْلُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ لَا يُعْطِي هَذَا الْمَعْنَى لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ عَالِمًا بِالْحَالِ ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ امْتِنَاعِ إفْرَادِ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ الْحَالَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : إنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذِكْرِ الْعِلْمِ عَلَى الْغَالِبِ ( وَيُؤْخَذُ ) الشِّقْصُ ( الْمَمْهُورُ ) لِامْرَأَةٍ ( بِمَهْرِ مِثْلِهَا ) وَقْتَ نِكَاحِهَا ( وَكَذَا ) يُؤْخَذُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَقْتَ خُلْعِهَا ( عِوَضَ الْخُلْعِ ) سَوَاءٌ أَكَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الشِّقْصُ مَعْلُومًا ، فَلَوْ أَمْهَرَهَا شِقْصًا غَيْرَ مَعْلُومٍ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا شُفْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( وَلَوْ اشْتَرَى بِجُزَافٍ ) بِتَثْلِيثِ جِيمِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَذْرُوعٍ مَكِيلٍ ( وَتَلِفَ ) الثَّمَنُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ ( امْتَنَعَ الْأَخْذُ ) بِالشُّفْعَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الثَّمَنِ وَالْأَخْذِ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ .
وَهَذَا مِنْ

الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إبْقَاءِ الضَّرَرِ لَا فِي دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ الَّذِي يَأْخُذُ بِهَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا .
وَصُوَرُهَا كَثِيرَةٌ ، مِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الشِّقْصَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ بِكَثِيرٍ ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ عَرَضًا يُسَاوِي مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ أَوْ يَحُطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ ، وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ بِمَجْهُولٍ مُشَاهَدٍ وَيَقْبِضُهُ وَيَخْلِطُهُ بِغَيْرِهِ بِلَا وَزْنٍ فِي الْمَوْزُونِ أَوْ يُنْفِقَهُ أَوْ يُتْلِفَهُ ، وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الشِّقْصِ جُزْءًا بِقِيمَةِ الْكُلِّ ثُمَّ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ ، وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَ كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الشِّقْصِ وَأَخَذَهُ لِلْآخَرِ ، بِأَنْ يَهَبَ لَهُ الشِّقْصَ بِلَا ثَوَابٍ ثُمَّ يَهَبَ لَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ .
فَإِنْ خَشِيَ عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْهِبَةِ وَكَّلَا أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهُمَا مِنْهُمَا مَعًا ، بِأَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ ، لِيُقْبِضَهُ إيَّاهُ وَيَهَبَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيُقْبِضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَتَقَابَضَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِمُتَقَوِّمٍ قِيمَتُهُ مَجْهُولَةٌ كَفَصٍّ ثُمَّ يَضَعَهُ أَوْ يَخْلِطَهُ بِغَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ إحْضَارُهُ وَلَا الْإِخْبَارُ بِقِيمَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الشَّفِيعِ مِنْ رُؤْيَةِ الشِّقْصِ إذَا مَنَعْنَا أَخْذَ مَا لَمْ يَرَهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي .

فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، وَإِنْ ادَّعَى عِلْمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ .

( فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا ) لِثَمَنِ الشِّقْصِ كَقَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ( وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ الثَّمَنُ ( مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ) بِقَدْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ ، وَيُخَالِفُ هَذَا مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَلْفًا فَقَالَ : لَا أَعْلَمُ كَمْ لَكَ عَلَيَّ حَيْثُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ مِنْهُ إذْ الْمُدَّعَى هُنَا هُوَ الشِّقْصُ لَا الثَّمَنُ الْمَجْهُولُ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ .
فَكَانَ ذَلِكَ إنْكَارًا لِوِلَايَةِ الْأَخْذِ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَجْهُولٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ أَشْتَرِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَلَفَ كَذَلِكَ وَلِلشَّفِيعِ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَيُحَلِّفَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا .
وَهَكَذَا حَتَّى يَنْكُلَ الْمُشْتَرِي فَيُسْتَدَلَّ بِنُكُولِهِ فَيَحْلِفَ عَلَى مَا عَيَّنَهُ وَيُشَفَّعَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ يُسْنَدُ إلَى التَّخْمِينِ كَمَا فِي جَوَازِ الْحَلِفِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ إذَا سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ .
وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ نَسِيت قَدْرَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ عُذْرًا بَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ جَوَابٌ كَافٍ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ : أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا حَلَفَ سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَقِيلَ : إنَّ الشُّفْعَةَ مَوْقُوفَةٌ إلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْحَالُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ النَّصِّ ( وَإِنْ ادَّعَى ) الشَّفِيعُ ( عِلْمَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَى بِالثَّمَنِ ( وَلَمْ يُعَيِّنْ ) لَهُ ( قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ حَقًّا لَهُ .
وَالثَّانِي : تُسْمَعُ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : تَلِفَ عَمَّا لَوْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَضْبِطُ ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَلْفًا وَكَفًّا مِنْ الدَّرَاهِمِ

هُوَ دُونَ الْمِائَةِ يَقِينًا ، فَقَالَ الشَّفِيعُ : أَنَا آخُذُهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ ، لَكِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ تَمَامِ الْمِائَةِ .

وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ ، وَلَا أَبْدَلَ وَبَقِيَا ؛

( وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ ) الَّذِي دَفَعَهُ مُشْتَرِي الشِّقْصِ ( مُسْتَحَقًّا ) لِغَيْرِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ ( فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا ) كَأَنْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الْمِائَةِ ( بَطَلَ الْبَيْعُ ) يَعْنِي بَانَ بُطْلَانُهُ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ عِوَضِهِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمَالِكُ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَمْ نَقْدًا ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ عِنْدَنَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ كَالْعَرَضِ ( وَ ) بَطَلَتْ ( الشُّفْعَةُ ) لِتَرَتُّبِهَا عَلَى الْبَيْعِ ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالشُّفْعَةِ دُونَ الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ ( وَلَا ) بِأَنْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَدَفَعَ عَمَّا فِيهَا ، فَخَرَجَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَحَقًّا ( أَبْدَلَ ) الْمَدْفُوعَ ( وَبَقِيَا ) أَيْ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الشِّقْصِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَرَّعَ بِتَسْلِيمِهِ وَحَبْسِهِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ .
تَنْبِيهٌ : خُرُوجُ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ نُحَاسًا كَخُرُوجِ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا ، وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَنُ رَدِيئًا تَخَيَّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ الرِّضَا بِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ .
فَإِنْ رَضِيَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِمِثْلِهِ ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْ الشَّفِيعِ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَرَضَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْبَائِعُ مَعِيبًا ، وَرَضِيَ بِهِ أَنَّ عَلَى الشَّفِيعِ قِيمَتِهِ سَلِيمًا ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ غَلَطٌ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَعِيبًا حَكَاهُمَا فِي

الرَّوْضَةِ .
قَالَ : فَالتَّغْلِيظُ بِالْمِثْلِيِّ أَوْلَى .
قَالَ : وَالصَّوَابُ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا اعْتِبَارُ مَا ظَهَرَ : أَيْ لَا مَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الْمَعِيبِ .

وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إنْ جَهِلَ ؛ وَكَذَا إنْ عَلِمَ فِي الْأَصَحِّ ؛
( وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ ) ثَمَنًا ( مُسْتَحَقًّا ) لِغَيْرِهِ ( لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ ) جَزْمًا ( إنْ جَهِلَ ) كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ إبْدَالُهُ ( وَكَذَا ) لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ ( إنْ عَلِمَ ) كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا ( فِي الْأَصَحِّ ) إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا كَتَمَلَّكْت الشِّقْصَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الطَّلَبِ وَالْأَخْذِ .
وَالثَّانِي : يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فَكَأَنَّهُ تَرَكَ الْأَخْذَ مَعَ الْقُدْرَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَمَلُّكٍ جَدِيدٍ .
فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَبْطُلْ جَزْمًا ، وَعَلَيْهِ إبْدَالُهُ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ دَفَعَ رَدِيئًا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ عَلِمَ أَوْ جَهِلَ .

وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ كَبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ صَحِيحٌ ، وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْوَقْفِ ، وَأَخَذَهُ ، وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ .

( وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ ) الْمَشْفُوعِ ( كَبَيْعٍ ) وَهِبَةٍ ( وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ ) وَرَهْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ( صَحِيحٌ ) ؛ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ كَتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ( وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ ) مِمَّا لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ لَوْ وُجِدَ ابْتِدَاءً ( كَالْوَقْفِ ) وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَحُكْمِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا كَالْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ( وَأَخْذِهِ ) أَيْ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى هَذَا التَّصَرُّفِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : حَقُّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِالْفَلَسِ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي ، وَحَقُّ رُجُوعِ الْمُطَلِّقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى نِصْفِ الصَّدَاقِ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَنْتَقِلَانِ إلَى الْبَدَلِ وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ الشَّفِيعِ ( وَيَتَخَيَّرُ ) الشَّفِيعُ ( فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ ) وَإِصْدَاقٍ ( بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ ) ( بِالْبَيْعِ الثَّانِي ) أَوْ الْإِصْدَاقِ ( أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأْخُذَ ) هـ ( بِالْأَوَّلِ ) لِمَا مَرَّ .
وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ أَوْ الْجِنْسَ فِيهِ أَسْهَلُ .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْضِ الْفَسْخُ .
ثُمَّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَلْ الْأَخْذُ بِهَا .
وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ لَفْظُ فَسْخٍ قَبْلَهُ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ فِي الْمَطْلَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : تَصَرُّفُ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا ، فَلَا يَكْفِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْوَاهِبُ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالْإِبْطَالِ أَوْ الْفَسْخِ كَانَ أَوْلَى .
فَإِنَّ النَّقْضَ رَفْعُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

فَرْعٌ : لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ فِي الْمَشْفُوعِ وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ قَلَعَ ذَلِكَ مَجَّانًا لِعُدْوَانِ الْمُشْتَرِي نَعَمْ إنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ثُمَّ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا .
فَإِنْ قِيلَ : الْقِسْمَةُ تَتَضَمَّنَ غَالِبًا رِضَا الشَّفِيعِ بِتَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِصُوَرٍ : مِنْهَا أَنْ يُظْهِرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هِبَةٌ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بِأَقَلَّ أَوْ يَظُنَّ الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَكِيلٌ لِلْبَائِعِ ، وَلِبِنَاءِ الْمُشْتَرِي وَغِرَاسِهِ حِينَئِذٍ حُكْمُ بِنَاءِ الْمُسْتَعِيرِ وَغِرَاسِهِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ إذَا اخْتَارَ الْقَلْعَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ ، فَإِنْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ عَلَى صِفَتِهِ أَوْ يَتْرُكُ وَيَبْقَى زَرْعُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ ، وَلِلشَّفِيعِ تَأْخِيرُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَهُ ، وَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى أَوَانِ جِدَادِ الثَّمَرَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الشِّقْصِ شَجَرٌ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا لَا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْخُوذِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي إحْدَاثَ بِنَاءٍ وَادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّهُ قَدِيمٌ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الشَّامِلِ ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ .

وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا ، فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ ، وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ .

( وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ تَلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ ( صُدِّقَ الْمُشْتَرِي ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا بَاشَرَهُ مِنْ الشَّفِيعِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدَّعِ مَا يَكْذِبُهُ الْحِسُّ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِينَارٍ ، وَهُوَ يُسَاوِي دِينَارًا لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَالَفَا كَالْمُتَبَايِعِينَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُدَّعٍ وَمُبَاشِرٌ لِلْعَقْدِ ، وَهَهُنَا الْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي وَالشَّفِيعُ لَمْ يُبَاشِرْ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَزِمَ الشَّفِيعَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْبَيْعَ جَرَى بِذَلِكَ وَالْبَائِعُ ظَالِمٌ بِالزِّيَادَةِ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّفِيعِ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ دُونَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَقْلِيلِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِالتَّحَالُفِ أَوْ نَحْوَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أُقِرَّتْ الشُّفْعَةُ وَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشِّقْصِ لِلْبَائِعِ أَوْ تَحَالَفَا قَبْلَ الْأَخْذِ أَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ اعْتَرَفَ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ وَعُهْدَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ ( وَكَذَا ) يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ ( لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ ) لِلشِّقْصِ بِأَنْ قَالَ : لَمْ أَشْتَرِهِ سَوَاءٌ أَقَالَ : مَعَهُ وَرِثْتُهُ أَوْ اتَّهَبْتُهُ أَمْ لَا ( أَوْ ) أَنْكَرَ ( كَوْنَ الطَّالِبِ ) لِلشِّقْصِ ( شَرِيكًا ) أَوْ كَوْنَ مِلْكِهِ مُقَدَّمًا عَلَى مِلْكِهِ ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ أَيْضًا بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ .
وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ

جَوَابِهِ فِي الْأُولَى وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ .
فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ عَلَى الْبَتِّ وَاسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ ( فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ ) الْقَدِيمُ .
وَهُوَ الْبَائِعُ ( بِالْبَيْعِ ) لِلْمُشْتَرِي الْمُنْكِرِ لِلشِّرَاءِ وَالْمَشْفُوعُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ : إنَّهُ وَدِيعَةٌ لَهُ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ( فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ ) لِطَالِبِ الشِّقْصِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَحَقِّ الشَّفِيعِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِ الشَّفِيعِ .
وَالثَّانِي : لَا تَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الشِّرَاءُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ( وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ ) مِنْ الْمُشْتَرِي .
وَعَلَيْهِ عُهْدَةُ الشِّقْصِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ وَكَأَنَّ الشَّفِيعَ هُوَ الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ الشَّفِيعِ ، كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ .
فَإِنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْهُ وَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ ( وَإِنْ اعْتَرَفَ ) الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ ( فَهَلْ يُتْرَكُ ) الثَّمَنُ ( فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ ) فَإِنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ ( فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ ) فِي قَوْلِ الْمَتْنِ هُنَاكَ : إذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الْأَصَحِّ .
فَصَرَّحَ هُنَاكَ بِالْأَصَحِّ وَصَرَّحَ هُنَا بِذِكْرِ الْمُقَابِلِ لَهُ أَيْضًا .
فَالْمُرَادُ سَبْقُ أَصْلِ الْخِلَافِ ، لَا أَنَّ الْوُجُوهَ كُلَّهَا سَبَقَتْ فِي الْإِقْرَارِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ لَمْ يُقْبَضْ .
وَتَسَمَّحَ

الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِعْمَالِ أَمْ بَعْدَ ، هَلْ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ أَمْ تَكُونُ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ، وَأَوْ بَعْدَ هَلْ .
وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي شِرَاءَ الشِّقْصِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ .
وَيَكْتُبُ الْقَاضِي فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالتَّصَادُقِ لِيَكُونَ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُهُ لِغَيْرِي نُظِرَ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ حَاضِرًا وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ .
وَإِنْ أَنْكَرَ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَجْهُولًا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِلَا ثَمَنٍ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سَدِّ بَابِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ طِفْلًا مُعَيَّنًا ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ وَاحِدٌ .

وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّءُوسِ ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي ، وَإِلَّا فَلَا .

أَمَّا لَوْ اسْتَحَقَّهَا جَمْعٌ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ( أَخَذُوا ) بِهَا فِي الْأَظْهَرِ ( عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ ) مِنْ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِلْكِ فَقِسْطٌ عَلَى قَدْرِهِ كَالْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ ، فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِوَاحِدٍ نِصْفُهَا ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا ، وَلِآخَرَ سُدُسُهَا فَبَاعَ الْأَوَّلُ حِصَّتَهُ أَخَذَ الثَّانِي سَهْمَيْنِ وَالثَّالِثُ سَهْمًا ( وَفِي قَوْلٍ ) أَخَذُوا ( عَلَى ) قَدْرِ ( الرُّءُوسِ ) الَّتِي لِلشُّرَكَاءِ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءً ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ أَصْلُ الشَّرِكَةِ وَاخْتَارَ هَذَا جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَلَوْ مَاتَ مَالِكُ أَرْضٍ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْعَمِّ وَالْأَخِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمِلْكِ وَالنَّظَرُ فِي الشُّفْعَةِ إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ لَا إلَى سَبَبِ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمُحْوِجَ إلَى إثْبَاتِهَا لَا يَخْتَلِفُ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرِيكَيْنِ مَلَكَا بِسَبَبٍ ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الشُّرَكَاءِ مَلَكَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِثَالُهُ بَيْنَهُمَا دَارٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِمَا مَرَّ وَإِنْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَلَّفَ دَارًا فَبَاعَتْ إحْدَاهُنَّ نَصِيبَهَا شَفَعَ الْبَاقِيَاتِ كُلَّهُنَّ لَا أُخْتُهَا فَقَطْ ( وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ) فِي عَقَارٍ مُنَاصَفَةً ( نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ) مَثَلًا ( ثُمَّ ) قَبْلَ أَخْذِ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَفْوِ عَنْهَا بَاعَ ( بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ فِي حَالِ الْبَيْعِ شَرِيكٌ إلَّا الْبَائِعُ وَالْبَائِعُ لَا يَأْخُذُ

بِالشُّفْعَةِ مَا بَاعَهُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا ) الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ ( عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ ) بَعْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي ( شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ سَبَقَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ، وَاسْتَقَرَّ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَنْهُ فَيَسْتَحِقُّ مُشَارَكَتَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَعْفُ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بَلْ أَخَذَهُ مِنْهُ ( فَلَا ) يُشَارِكُ الْأَوَّلُ الْقَدِيمُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُشَارِكُهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ حَالَةَ الشِّرَاءِ ، وَالثَّالِثُ : لَا يُشَارِكُهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الْقَدِيمَ تَسَلَّطَ عَلَى مِلْكِهِ فَكَيْفَ يُزَاحِمُهُ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِثُمَّ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقَعَ الْبَيْعَانِ عَلَى التَّرْتِيبِ ، فَإِنْ وَقَعَا مَعًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهِمَا مَعًا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً ، وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ عَفَا قَبْلَهُ اشْتَرَكَا فِيهِ قَطْعًا أَوْ أَخَذَ قَبْلَهُ انْتَفَتْ قَطْعًا .

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ ، وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ .
( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ ) مِنْ الشُّفْعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ ( وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ ) كَالْمُنْفَرِدِ ( وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ ) لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَالثَّانِي : يَسْقُطُ حَقُّ الْعَافِي وَغَيْرُهُ كَالْقِصَاصِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِيلُ تَبْعِيضُهُ وَيُنْتَقَلُ إلَى بَدَلِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ إلَخْ فِي حَيِّزِ الْأَصَحِّ كَمَا تَقَرَّرَ ، فَلَوْ قَالَ : وَإِنَّ الْآخَرَ يُخَيَّرُ كَانَ أَصَرْحَ فِي إفَادَةِ الْخِلَافِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي شُفْعَةٍ ثَبَتَتْ لِعَدَدٍ ابْتِدَاءً ، فَلَوْ كَانَ لِشِقْصٍ شَفِيعَانِ فَمَاتَ كُلٌّ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَانْتَقَلَ لِلثَّلَاثَةِ فَيَأْخُذُونَ الشِّقْصَ أَثْلَاثًا ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ ) الشَّفِيعَ ( الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ ) كَالْقِصَاصِ ، وَالثَّانِي : لَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ حَدِّ الْقَذْفِ ، وَالثَّالِثُ : يَسْقُطُ مَا أَسْقَطَهُ وَيَبْقَى الْبَاقِي لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ .

وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ .

( وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ ) وَغَابَ الْآخَرُ ( فَلَهُ ) أَيْ الْحَاضِرِ ( أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ ) لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْغَائِبُ ، إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بِوَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي الْأَخْذِ ، فَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَأْخُذَ الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ فَقَطْ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ الْوَاحِدُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ ، وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ ( فَإِذَا ) أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ ثُمَّ ( حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فَحُضُورُهُ الْآنَ ، كَحُضُورِهِ مِنْ قَبْلُ وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْحَاضِرُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالثَّمَرَةِ وَالْأُجْرَةِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْغَائِبُ ، كَمَا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يُشَارِكُ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ ) وَإِنْ كَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِعُذْرِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ الْآنَ .
وَالثَّانِي : لَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ ثَلَاثَةٌ كَأَنْ كَانَتْ دَارٌ لِأَرْبَعَةٍ بِالسَّوَاءِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَاسْتَحَقَّهَا الْبَاقُونَ فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ أَخَذَ الْكُلَّ أَوْ تَرَكَ أَوْ أَخَّرَ لِحُضُورِهِمَا كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ أَخَذَ الْكُلَّ وَحَضَرَ الثَّانِي نَاصَفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَفِيعَانِ ، وَإِذَا حَضَرَ الثَّالِثُ أَخَذَ مِنْ كُلِّ ثُلُثٍ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ ، وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ ثُلُثِ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ جَازَ كَمَا يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَقَطْ .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلثَّانِي أَخْذَ الثُّلُثِ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ الْحَقُّ عَلَيْهِ إذْ الْحَقُّ ثَبَتَ لَهُمْ أَثْلَاثًا ، فَإِنْ حَضَرَ الثَّالِثُ وَأَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِ

الْأَوَّلِ أَوْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِ كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْأَوَّلِ النِّصْفَ اسْتَوَوْا فِي الْمَأْخُوذِ أَوْ أَخَذَ الثَّالِثُ ثُلُثَ الثُّلُثِ الَّذِي فِي يَدِ الثَّانِي ، فَلَهُ ضَمُّهُ إلَى مَا فِي يَدِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَسِمَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الثُّلُثِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ تِسْعَةٍ يَضُمُّهُ إلَى سِتَّةٍ مِنْهَا فَلَا تَصِحُّ عَلَى اثْنَيْنِ فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي تِسْعَةٍ فَلِلثَّانِي مِنْهَا اثْنَانِ فِي الْمَضْرُوبِ فِيهَا بِأَرْبَعَةٍ يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَبْعَةٌ ، وَإِذَا كَانَ رُبْعُ الدَّارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَجُمْلَتُهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلثَّالِثِ أَخْذُ ثُلُثِ الثُّلُثِ مِنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِي مِنْهُ ثُلُثُهُ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَعَفَا الْحَاضِرُ ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ فَوَرِثَهُ الْحَاضِرُ أَخَذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَفَا أَوَّلًا ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ يَأْخُذُ بِحَقِّ الْإِرْثِ .

وَلَوْ اشْتَرَيَا شِقْصًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ ، فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ

تَنْبِيهٌ : إنَّمَا يَضُرُّ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي شِقْصِ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ لَمْ يَضُرَّ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ اشْتَرَيَا ) أَيْ اثْنَانِ ( شِقْصًا ) مِنْ وَاحِدٍ ( فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا ) فَقَطْ إذْ لَا تَفْرِيقَ عَلَيْهِ ( وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَهُ ) أَيْ الشَّفِيعِ ( أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدَيْنِ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْجَمِيعَ فَلَا يُفَرَّقُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بَاعَ شِقْصَيْنِ مِنْ دَارَيْنِ صَفْقَةً جَازَ أَخْذُ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ اتَّحَدَ فِيهِمَا الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى تَبْعِيضِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ رُبْعِهِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ أَوْ الْجَمِيعِ .
وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ شَرِيكَهُ بِبَيْعِ نَصِيبِهِ ، فَبَاعَ نَصِيبَهُمَا صَفْقَةً بِالْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ كَذَلِكَ أَوْ بِدُونِهِ لَمْ يُفَرِّقْهَا الثَّالِثُ ، بَلْ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ أَوْ يَتْرُكُهُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ لَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بَيْعِ نِصْفِ نَصِيبِهِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ صَفْقَةً فَبَاعَ كَذَلِكَ فَلِلْمُوَكِّلِ إفْرَادُ نَصِيبِ الْوَكِيلِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِحَقِّ النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا لَا شُفْعَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُهُ ، وَعَلَى مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَهُوَ مِلْكُ الْوَكِيلِ ، فَأَشْبَهَ مَنْ بَاعَ شِقْصًا وَثَوْبًا بِمِائَةٍ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ سَبَقَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَدْ عَكَسُوا هُنَا فَقَطَعُوا بِتَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي ، وَالْخِلَافُ فِي تَعَدُّدِ الْبَائِعِ ، وَالْفَرْقُ

يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي ذَلِكَ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ ) بَعْدَ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ ( عَلَى الْفَوْرِ ) ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْفَوْرِ هُوَ طَلَبُهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّمْلِيكُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْعِمْرَانِيِّ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا تَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَانِيهَا : تَمْتَدُّ مُدَّةً تَسَعُ التَّأَمُّلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشِّقْصِ وَثَالِثُهَا : أَنَّهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهَا أَوْ يُعَرِّضْ بِهِ كَبِعْهُ لِمَنْ شِئْتُ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ عَشْرَ صُوَرٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَوْرُ وَغَالِبُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، لَكِنْ لَا بَأْسَ بِجَمْعِهَا : الْأُولَى : لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا الثَّانِيَةُ : لَهُ التَّأْخِيرُ لِانْتِظَارِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ وَحَصَادِهِ عَلَى الْأَصَحِّ الثَّالِثَةُ : إذَا أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ مِنْ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ فَتَرَكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَحَقُّهُ بَاقٍ الرَّابِعَةُ : إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ غَائِبًا فَلِلْحَاضِرِ انْتِظَارُهُ وَتَأْخِيرُ الْأَخْذِ إلَى حُضُورِهِ الْخَامِسَةُ : إذَا اشْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ السَّادِسَةُ : لَوْ قَالَ : لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الشُّفْعَةَ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ السَّابِعَةُ : لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ : لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبُولُ قَوْلِهِ الثَّامِنَةُ : لَوْ كَانَ الشِّقْصُ الَّذِي يَأْخُذُ بِسَبَبِهِ مَغْصُوبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ فَقَالَ : وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ فَغُصِبَ عَلَى نَصِيبِهِ ثُمَّ بَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ سَاعَةَ رُجُوعِهِ إلَيْهِ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ .
التَّاسِعَةُ : الشُّفْعَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ

لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ ، بَلْ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرَاخِي قَطْعًا حَتَّى لَوْ أَخَّرَهَا أَوْ عَفَا عَنْهَا ، لَمْ يَسْقُطْ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ .
الْعَاشِرَةُ : لَوْ بَلَغَهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ ، فَأَخَّرَ لِيَعْلَمَ لَا يَبْطُلُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ ، وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ ( فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ( بِالْبَيْعِ ) مَثَلًا ( فَلْيُبَادِرْ ) عَقِبَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ ( عَلَى الْعَادَةِ ) وَلَا يُكَلَّفُ الْبِدَارَ عَلَى خِلَافِهَا بِالْعَدْوِ وَنَحْوِهِ ، بَلْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، فَمَا عَدُّوهُ تَقْصِيرًا وَتَوَانِيًا كَانَ مُسْقِطًا ، وَمَا لَا فَلَا ، وَسَبَقَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ وَذَكَرَ هُنَا بَعْضَهُ ، فَلَوْ جَمَعَهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَأَحَالَ الْآخَرَ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْمُبَادَرَةِ بِالطَّلَبِ عَقِبَ الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ ، وَاحْتَرَزَ بِالْعِلْمِ عَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ ، وَلَوْ مَضَى سُنُونَ وَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادَ عَلَى الطَّلَبِ إذَا سَارَ طَالِبُهُ فِي الْحَالِ أَوْ وَكَّلَ فِي الطَّلَبِ فَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الشُّرَّاحِ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ .

فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ إنْ قَدَرَ ، وَإِلَّا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ .

( فَإِنْ كَانَ ) لِلشَّفِيعِ عُذْرٌ كَكَوْنِهِ ( مَرِيضًا ) مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لَا كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ ، أَوْ مَحْبُوسًا ظُلْمًا ، أَوْ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَعَاجِزٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ ( أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي ) غَيْبَةً حَائِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُبَاشَرَةِ الطَّلَبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِهِ ( أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ ) فِي طَلَبِهَا ( إنْ قَدَرَ ) عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ ، وَيُعْذَرُ الْغَائِبُ فِي تَأْخِيرِ الْحُضُورِ لِلْخَوْفِ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً تُعْتَمَدُ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْمُفْرِطَيْنِ ( وَإِلَّا ) ؛ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ التَّوْكِيلِ ( فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ ) لَهَا عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ لَا يَحْكُمُ بِهِ فَلَمْ يَسْتَوْثِقْ لِنَفْسِهِ .
لَكِنَّ قِيَاسَ مَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الِاكْتِفَاءُ بِهِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَقْرَبُ ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ ( فَإِنْ تَرَكَ ) الشَّفِيعُ ( الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا ) أَيْ التَّوْكِيلِ وَالْإِشْهَادِ فِي مَحِلِّهِ وَتَرْتِيبِهِ ( بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ ) لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى وَلِإِشْعَارِ السُّكُوتِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ بِالرِّضَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَالثَّانِي : لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهُ فِي الْأُولَى مِنَّةٌ أَوْ مُؤْنَةٌ ، وَفِي الثَّانِيَةِ : أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَعَيُّنُ التَّوْكِيلِ فِي الْغَيْبَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا فَحَضَرَ عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ الْغَيْبَةِ وَأَثْبَتَ الشُّفْعَةَ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى بَلَدِ الْبَيْعِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهَا تَقَرَّرَتْ بِحُكْمِ الْقَاضِي .
قَالَ السُّبْكِيُّ : فَثَبَتَ أَنَّ الْغَائِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَبَيْنَ الرَّفْعِ

إلَى الْحَاكِمِ ، وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا ، وَلَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُكَلَّفْ التَّوْكِيلَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُبَادَرَةِ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّوْكِيلُ بِحَالَةِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهَا ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَى التَّوْكِيلِ عِنْدَ الْعَجْزِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا ، لَا لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ أَلْزَمْنَاهُ الْإِشْهَادَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقُولَ تَمَلَّكْتُ الشِّقْصَ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ .

فَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ فَلَهُ الْإِتْمَامُ ، وَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ لَمْ يُعْذَرْ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ ، وَكَذَا ثِقَةٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ .

( فَلَوْ ) عَلِمَ الْحَاضِرُ بِالْبَيْعِ ، وَ ( كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ ) أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ ( فَلَهُ الْإِتْمَامُ ) وَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ : أَيْ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُسْتَحَبَّ ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا ، وَلَوْ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا ، وَأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ فَإِذَا فَرَغَ طَالَبَهُ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَحَتَّى يُصْبِحَ ، وَلَوْ لَقِيَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الشِّقْصِ فَأَخَّرَ الْأَخْذَ إلَى الْعَوْدِ إلَى بَلَدِ الشِّقْصِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لَاسْتِغْنَاءِ الْأَخْذِ عَنْ الْحُضُورِ عِنْدَ الشِّقْصِ ( وَلَوْ أَخَّرَ ) الطَّلَبَ لَهَا ( وَقَالَ : لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ ) بِبَيْعِ الشَّرِيكِ الشِّقْصَ ( لَمْ يُعْذَرْ ) جَزْمًا ( إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ ) أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ ( وَكَذَا ) إنْ أَخْبَرَهُ ( ثِقَةٌ ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَإِخْبَارُ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ ، وَالثَّانِي : يُعْذَرُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَثْبُتُ بِالْوَاحِدِ ( وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ ) كَفَاسِقٍ وَصَبِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمُخْبِرُونَ لِلشَّفِيعِ حَدَّ التَّوَاتُرِ ، فَإِنْ بَلَغُوا وَلَوْ صِبْيَانًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا بَطَلَ حَقُّهُ ، وَلَوْ قَالَ : فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ جَهِلْتُ ثُبُوتَ عَدَالَتِهِمَا ، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ لَا تُسْمَعُ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَلَوْ قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ وَلَيْسَا عَدْلَيْنِ عِنْدِي وَهُمَا عَدْلَانِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ .

وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ فَبَانَ بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ ، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ ، وَلَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، أَوْ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِك لَمْ يَبْطُلْ ، وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ .
( وَلَوْ أُخْبِرَ ) الشَّفِيعُ ( بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ ) الشُّفْعَةَ ( فَبَانَ ) بِأَقَلَّ كَأَنْ بَانَ ( بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ ) فِي الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ زُهْدًا بَلْ لِلْغَلَاءِ فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَيَبْقَى حَقُّهُ أَيْضًا لَوْ كُذِبَ عَلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْمُشْتَرِي أَوْ عَدَدِهِ أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ أَوْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ حُلُولِهِ أَوْ قِصَرِ أَجَلِهِ فَتَرَكَ ( وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ ) مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ أَوْ أُخْبِرَ بِبَيْعِ جَمِيعِهِ بِأَلْفٍ فَبَانَ أَنَّهُ بَاعَ بَعْضَهُ بِأَلْفٍ ( بَطَلَ ) حَقُّهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ بِالْأَقَلِّ فَبِالْأَكْثَرِ أَوْلَى وَيَبْطُلُ أَيْضًا لَوْ أُخْبِرَ بِبَيْعِ الشِّقْصِ بِكَذَا مُؤَجَّلًا فَتَرَكَ فَبَانَ حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّعْجِيلِ إنْ كَانَ يَقْصِدُهُ ( وَلَوْ لَقِيَ ) الشَّفِيعُ ( الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ) أَوْ سَأَلَ عَنْ الثَّمَنِ ( أَوْ قَالَ ) : لَهُ ( بَارَكَ اللَّهُ ) لَكَ ( فِي صَفْقَتِكَ لَمْ يَبْطُلْ ) حَقُّهُ .
أَمَّا فِي الْأُولَى ، فَلِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ قَبْلَ الْكَلَامِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ، فَلِأَنَّ جَاهِلَ الثَّمَنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ يُرِيدُ الْعَارِفُ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي .
وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ : فَلِأَنَّهُ قَدْ يَدْعُو بِالْبَرَكَةِ لِيَأْخُذَ صَفْقَةً مُبَارَكَةً ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ السَّلَامِ وَالدُّعَاءِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ ( وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ ) أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِإِشْعَارِهِ بِتَقْرِيرِ بَيْعِهِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إذَا زَادَ لَفْظَةَ لَكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ .

وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا .
تَنْبِيهٌ : زَالَ الْبَعْضُ قَهْرًا كَأَنْ مَاتَ الشَّفِيعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْأَخْذِ فَبِيعَ بَعْضُ حِصَّتِهِ فِي دَيْنِهِ جَبْرًا عَلَى الْوَارِثِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا لَهُ ( وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ ) أَوْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ بَيْعٍ كَهِبَةٍ ( جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا ) لِزَوَالِ سَبَبِهَا ، وَهُوَ الشَّرِكَةُ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَرِيكًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يَعُمُّ جَهْلَهُ بِالْبَيْعِ وَجَهْلَهُ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ أَوْ بِفَوْرِيَّتِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ وَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَا سَبَقَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاحْتَرَزَ بِالْجَهْلِ عَنْ الْعِلْمِ فَيَبْطُلُ جَزْمًا هَذَا إذَا بَاعَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ ، فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهَا عَالِمًا ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهَا بِجَمِيعِ نَصِيبِهِ ، فَإِذَا بَاعَ بَعْضَهُ بَطَلَ بِقَدْرِهِ وَإِذَا بَطَلَ الْبَعْضُ بَطَلَ الْكُلُّ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ أَوْ جَاهِلًا فَلَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِعُذْرِهِ مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ ، وَلَوْ زَالَ الْبَعْضُ قَهْرًا ؛ كَأَنْ مَاتَ الشَّفِيعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْأَخْذِ فَبِيعَ بَعْضُ حِصَّتِهِ فِي دَيْنِهِ جَبْرًا عَلَى الْوَارِثِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِانْتِفَاءِ تَخَيُّلِ الْعَفْوِ عَنْهُ .

خَاتِمَةٌ : لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الشُّفْعَةِ بِحَالٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إنْ عَلِمَ بِفَسَادِهِ فَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا فِي الْكُلِّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَكَذَا الشُّفْعَةُ إنْ عَلِمَ بِبُطْلَانِهِ ؛ وَإِلَّا فَلَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ جَاهِلًا وَفَسَخَ ثُمَّ عَلِمَ ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُرْشِدِ ، وَلِلْمُفْلِسِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَفْوُ عَنْهَا وَلَا يُزَاحِمُ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ بَلْ يَبْقَى ثَمَنُ مَا اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا اشْتَرَاهُ إنْ جَهِلَ فَلَسَهُ ، وَلِلْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ أَخْذُهَا ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا جَازَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا فَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِمَالِ الْقِرَاضِ شِقْصًا مِنْ شَرِيكِ الْمَالِكِ لَمْ يَشْفَعْ الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ شَرِيكَ الْبَائِعِ فِي الشِّقْصِ الْمَبِيعِ مِنْهُ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا بِالظُّهُورِ وَإِنْ بَاعَ الْمَالِكُ شِقْصَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيكٍ ، وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ لِذَلِكَ ، وَلِلشَّفِيعِ تَكْلِيفُ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الشِّقْصِ لِيَأْخُذهُ مِنْهُ وَلَهُ أَيْضًا الْأَخْذُ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُقْرِي وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ مِنْهُ وَعَفْوُ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُسْقِطُ كُلٌّ مِنْهَا شُفْعَتَهُ ، وَإِنْ بَاعَ شَرِيكُ الْمَيِّتِ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَا لِوَلِيِّ الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ ، وَإِنْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمَيِّتِ وَوَرِثَهُ الْحَمْلُ أُخِّرَتْ لِانْفِصَالِهِ ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْأَخْذُ لَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِذَلِكَ

وَلِلْوَارِثِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ وَلَوْ بَاعَ الْوَرَثَةُ فِي الدَّيْنِ بَعْضَ دَارِ الْمَيِّتِ لَمْ يَشْفَعُوا ، وَإِنْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مَلَكُوهَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مِنْ مِلْكِهِمْ ؛ فَلَا يَأْخُذُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ .
وَأَمَّا أَخْذُ كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ ، وَلَوْ تَوَكَّلَ الشَّفِيعُ فِي بَيْعِ الشِّقْصِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ فِي الْأَصَحِّ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51