كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

هَذَا .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا : أَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ مُتَقَوِّمَةٍ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا ، وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ التَّقَوُّمِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ شَرْعًا ضَرُورَةً ؛ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِهَا هَهُنَا ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ شَرْعًا ؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ الْحُرَّةِ زَوْجَهَا الْحُرَّ حَرَامٌ ؛ لِكَوْنِهِ اسْتِهَانَةً وَإِذْلَالًا ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ فَلَا تَسْلَمُ خِدْمَتُهُ لَهَا شَرْعًا ، فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا التَّقَوُّمُ فَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ سَمَّى مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَهُنَاكَ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَذَا هَهُنَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُسَمَّى فِعْلًا لَا اسْتِهَانَةَ فِيهِ وَلَا مَذَلَّةَ عَلَى الرَّجُلِ ، كَرَعْيِ دَوَابِّهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا ، وَالْأَعْمَالُ الَّتِي خَارِجُ الْبَيْتِ تَصِحُّ بِالتَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأَمْرِهَا لَا مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ زَوْجَتِهِ إيَّاهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ ؛ لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلِاسْتِخْدَامِ وَالِابْتِذَالِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا مُلْحَقًا بِالْبَهَائِمِ ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى النِّكَاحِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَعَاشِ فَكَانَ لَهَا فِي خِدْمَتِهِ حَقٌّ ، فَإِذَا جَعَلَ خِدْمَتَهُ لَهَا مَهْرَهَا ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ مَا هُوَ لَهَا مَهْرَهَا فَلَمْ يَجُزْ كَالْأَبِ إذَا اسْتَأْجَرَ ابْنَهُ بِخِدْمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ سَائِرِ الْأَعْيَانِ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبِيدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ

وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ أَوْ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ ، وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقِّقَةٌ ، وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ بِالتَّسْلِيمِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فَجُعِلَتْ أَمْوَالًا وَالْتَحَقَتْ بِالْأَعْيَانِ فَصَحَّتْ تَسْمِيَتُهَا ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَأَشَارَ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا .
وَأَمَّا إنْ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَأَشَارَ إلَى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا ، فَإِنْ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَأَشَارَ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا بِأَنْ قَالَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ أَوْ عَلَى هَذِهِ الشَّاةِ الذَّكِيَّةِ ، فَإِذَا هِيَ مَيْتَةٌ أَوْ عَلَى هَذَا الزِّقِّ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ " تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْكُلِّ ، وَعَلَيْهِ فِي الْحُرِّ قِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا ، وَفِي الشَّاةِ قِيمَةُ الشَّاةِ لَوْ كَانَتْ ذَكِيَّةً ، وَفِي الْخَمْرِ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّنِّ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ فَقَالَ : مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ ، وَمِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَمْرِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ الْعَبْدُ وَالشَّاةُ الذَّكِيَّةُ وَالْخَلُّ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَالٌ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ خِلَافَ جِنْسِ الْمُسَمَّى فِي صَلَاحِيَّةِ الْمَهْرِ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْحُرِّ وَالشَّاةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ ، وَفِي الْخَمْرِ يَجِبُ مِثْلُهُ خَلًّا ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمُسَمَّى

أَوْ اُسْتُحِقَّ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فِي الْعُقُودِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى هَذَا أَصْلٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ ، وَالْحُرُّ مِنْ جِنْسِ الْعَبْدِ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ .
وَكَذَا الشَّاةُ الْمَيْتَةُ مِنْ جِنْسِ الشَّاةِ الذَّكِيَّةِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ وَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَارَ كَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَلَمْ يُسَمِّ بِأَنْ قَالَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا وَسَكَتَ فَأَمَّا الْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ فَجِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ ؛ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى لَكِنْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَيَجِبُ مِثْلُهُ خَلًّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضِعَتْ لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ ؛ لِأَنَّهَا تُحْضِرُ الْعَيْنَ وَتَقْطَعُ الشَّرِكَةَ ، وَالتَّسْمِيَةُ لَا تُوجِبُ إحْضَارَ الْعَيْنِ وَلَا تَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَمْ يُسَمِّ ، وَحَقِيقَةُ الْفِقْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا حُرٌّ سَمَّى عَبْدًا ، وَتَسْمِيَةُ الْحُرِّ عَبْدًا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَالْتَحَقَتْ الْإِشَارَةُ بِالْعَدَمِ أَيْضًا فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، وَهَذَا فِقْهٌ وَاضِحٌ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا إذَا سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا ، وَأَشَارَ إلَى مَا لَا

يَصْلُحُ مَهْرًا فَأَمَّا إذَا سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا ، وَأَشَارَ إلَى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا بِأَنْ قَالَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْمَيْتَةِ ، فَإِذَا هِيَ ذَكِيَّةٌ أَوْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ الْخَمْرِ ، فَإِذَا هُوَ خَلٌّ ، فَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ وَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ .
وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ ، وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا حُكْمَ لَهَا مَعَ الْإِشَارَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ يَصْلُحُ مَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَكَانَ لَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ ( وَجْهُ ) مَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا ، وَأَشَارَ إلَى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَقَدْ هَزَلَ بِالتَّسْمِيَةِ ، وَالْهَازِلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِتَسْمِيَتِهِ حُكْمٌ فَبَطَلَ كَلَامُهُ رَأْسًا .

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ الْخَمْرِ ، وَقِيمَةُ الظَّرْفِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهَا الدَّنَّ لَا غَيْرَ .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ ( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا - وَهُوَ الظَّرْفُ - وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَهُوَ الْخَمْرُ فَيَلْغُو مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْخَلِّ وَالْخَمْرِ ، وَقِيمَةُ الْخَلِّ عَشَرَةٌ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا الْخَلُّ لَا غَيْرَ ؛ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا ( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الظَّرْفَ لَا يُقْصَدُ بِالْعَقْدِ عَادَةً بَلْ هُوَ تَابِعٌ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَظْرُوفُ فَإِذَا بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الْمَقْصُودِ تَبْطُلُ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَبْدُ الْبَاقِي إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يُنْظَرُ إلَى الْعَبْدِ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مَهْرَ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَبْدُ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا تَبْلُغُ إلَى ثَمَنِ مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ جَعْلَ الْحُرِّ مَهْرًا صَحِيحٌ إذَا سَمَّى عَبْدًا ، وَيَتَعَلَّقُ بِقِيمَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّيَيْنِ جَمِيعًا بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّعْلِيقَ بِهِ ، فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ وَيَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِعَيْنِهِ ، وَمِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى ، فَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ ، وَالْحُرُّ مِنْ جِنْسِ

الْعَبْدِ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ ، وَمَتَى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْمُسَمَّى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُرَّ إذَا جُعِلَ مَهْرًا وَسُمِّيَ عَبْدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِتَسْمِيَتِهِ شَيْءٌ ، وَجُعِلَ ذِكْرُهُ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْعَقْدَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ يَلْغُو مَا لَا يَصْلُحُ وَيَسْتَقِرُّ مَا يَصْلُحُ ، كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ تَحِلُّ لَهُ وَامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ وَتَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ بِمُسَمًّى يَجِبُ كُلُّ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْحَلَالِ ، وَانْعِقَادُ نِكَاحِهَا صَحِيحًا لِلْعَقْدِ ، وَالتَّسْمِيَةُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَتَقْرِيرًا لِلْعَقْدِ فِيمَا أَمْكَنَ تَقْرِيرُهُ وَإِلْغَاؤُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِيهِ ، وَالْعَبْدُ هُوَ الصَّالِحُ لِكَوْنِهِ مَهْرًا فَصَحَّتْ تَسْمِيَتُهُ ، وَيَصِيرُ مَهْرًا لَهَا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً فَصَاعِدًا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ - وَالْخَادِمُ حُرٌّ - وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الدَّنَّيْنِ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا أَحَدُهُمَا خَمْرٌ لَهَا الْبَاقِي لَا غَيْرَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الْعَبْدَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا لَهَا الْبَاقِي وَمِثْلُ هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَصْلَ .
وَلَوْ سَمَّى مَالًا وَضَمَّ إلَيْهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَكِنْ لَهَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مِثْلُ طَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَإِمْسَاكِهَا فِي بَلَدِهَا أَوْ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ، فَإِنْ وَفَّى بِالْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا مَا سَمَّى إذَا كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً فَصَاعِدًا ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا بِنَفْسِهِ وَشَرَطَ لَهَا مَنْفَعَةً ، وَقَدْ وَفَّى بِمَا شَرَطَ لَهَا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَصَارَتْ

الْعَشَرَةُ مَهْرًا ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَا سَمَّى لَهَا مِنْ الْمَالِ مِثْلَ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مَا سَمَّى لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا تَمَّمَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ : إنْ كَانَ الْمَضْمُومُ مَالًا كَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً فَلَمْ يَفِ لَهَا تَمَّمَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا مَا سَمَّى ( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُتَقَوَّمُ فَلَا يَكُونُ فَوَاتُهُ مَضْمُونًا بِعِوَضٍ وَمَا هُوَ مَالٌ يُتَقَوَّمُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا جَازَ لَهَا الرُّجُوعُ إلَى تَمَامِ الْعِوَضِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ اسْتِحْكَامِ التَّسْمِيَةِ فَإِذَا وَفَّى بِالْمَنْفَعَةِ فَقَدْ تَقَرَّرَتْ التَّسْمِيَةُ فَوَجَبَ الْمُسَمَّى .
وَإِذَا لَمْ يَفِ بِهَا لَمْ تَتَقَرَّرْ ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى مِنْ الْمَالِ عِوَضًا بِنَفْسِهِ بَلْ بِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى مَضْمُومَةٍ إلَيْهِ ، وَهِيَ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى مَرْغُوبٌ فِيهَا خِلَالَ الِاسْتِيفَاءِ شَرْعًا فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا تَتَقَرَّرُ التَّسْمِيَةُ فَبَقِيَ حَقُّهَا فِي الْعِوَضِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا قَدْرُ حَقِّهَا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا يُكَمَّلُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَيْضًا لَا إلَى الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ صَحِيحٍ وَأَرْطَالٍ مِنْ خَمْرٍ أَنَّ الْمَهْرَ مَا يُسَمَّى لَهَا إذَا كَانَ عَشَرَةً فَصَاعِدًا ، وَيَبْطُلُ الْحَرَامُ ، وَلَيْسَ لَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا قَدْرُ حَقِّهَا ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا

يُكَمَّلُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْخَمْرِ لَمْ تَصِحَّ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُسْلِمِ فِيهَا لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ بِفَوَاتِهَا عِوَضٌ فَالْتَحَقَتْ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَدَمِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ إلَّا الْمَهْرَ الصَّحِيحَ فَلَا يَجِبُ لَهَا إلَّا الْمَهْرُ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِعِوَضٍ فَيَزُولُ مِلْكُهُ بِقَبُولِ الْعِوَضِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا ، وَكَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ مَا لَمْ يُؤَدِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ثُمَّ إذَا أَعْتَقَتْ بِالْقَبُولِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَإِمَّا إنْ أَبَتْ التَّزْوِيجَ فَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا آخَرَ وَهُوَ مَالٌ سِوَى الْإِعْتَاقِ ، فَلَهَا الْمُسَمَّى إذَا كَانَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْعَشَرَةِ تُكَمَّلُ عَشَرَةً ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا سِوَى الْإِعْتَاقِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : صَدَاقُهَا إعْتَاقُهَا لَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ الْعِتْقَ بِمَعْنَى الْمَالِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا ، وَلَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إبْطَالُ الْمَالِكِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْعِتْقُ مَالًا ؟ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ هُوَ مَالٌ عَنْهُ ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَالًا بِنَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ

لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ .
وَكَذَا الْقِصَاصُ وَأَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ جَائِزٌ ، وَنَفْسُ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ مَلَكَتْ نَفْسَهَا فَلَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ لَكِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ ، وَهَذِهِ حُرَّةٌ خَالِصَةٌ فَلَا تَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ رَقَبَتِهَا لَا بِنَفْعٍ يُقَابِلُهُ وَهُوَ تَزْوِيجُ نَفْسِهَا مِنْهُ ، وَهَذِهِ مَنْفَعَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا - وَهُوَ إبَاؤُهَا - فَيُقَامُ بَدَلُ قِيمَتِهَا مَقَامَهَا ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( السِّعَايَةُ إنَّمَا تَجِبُ لِفِكَاكِ الرَّقَبَةِ وَتَخْلِيصِهَا - وَهِيَ حُرَّةٌ خَالِصَةٌ - ) فَنَقُولُ : السِّعَايَةُ قَدْ تَكُونُ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ وَهَذَا الْمُسْتَسْعَى يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَدْ تَكُونُ لِحَقٍّ فِي الرَّقَبَةِ لَا لِفِكَاكِ الرَّقَبَةِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ عَلَى قِيمَةِ رَقَبَتِك فَقَبِلَ حَتَّى عَتَقَ كَذَا هَذَا وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عِتْقِ أَبِيهَا أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهَا ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ذَكَرَ فِيهِ كَلِمَةً عَنْهَا بِأَنْ قَالَ : أَتَزَوَّجُك عَلَى عِتْقِ أَبِيك عَنْك أَوْ عَلَى عِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ عَنْك وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهَا ، وَإِمَّا أَنْ لَمْ يَذْكُرْ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ وَقَبِلَتْ عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَالْوَلَاءُ لِلزَّوْجِ لَا لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ هُوَ الزَّوْجُ { وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهَا مَهْرُ

مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا آخَرَ هُوَ مَالٌ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى فَلَهَا الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِقَبُولِهَا النِّكَاحَ فَإِذَا قَبِلَتْ عَتَقَ ، وَالْعَبْدُ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَالٌ مُسَمًّى وَجَبَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَحَّتْ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا فَوَجَبَ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَتَسْمِيَتُهُ الْعِتْقَ مَهْرًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ عَنْهَا .
فَأَمَّا إذَا ذُكِرَتْ فَقَبِلَتْ عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْهَا وَثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهَا ، وَصَارَ ذَلِكَ مَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ عَنْهَا وَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ عَنْهَا إلَّا بَعْدَ سَبْقِ الْمِلْكِ لَهَا فَمَلَكَتْهُ أَوَّلًا ثُمَّ عَتَقَ عَنْهَا كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يَجُوزُ وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْآخَرِ ، وَحَالَ مَا مَلَكَتْهُ كَانَ مَالًا فَصَلُحَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا ، وَهَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْعِتْقِ .
فَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ فَهَذَا أَيْضًا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ ذَكَرَ فِيهِ عَنْهَا وَإِمَّا أَنْ لَمْ يَذْكُرْ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَقَبِلَتْ صَحَّ النِّكَاحُ ، وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ هَهُنَا بِقَبُولِهَا ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ أَنْ يُعْتِقَ ، وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ بِوَعْدِ الْإِعْتَاقِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِعْتَاقِ فَمَا لَمْ يُعْتِقْ لَا يَعْتِقْ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ هُنَاكَ كَانَ عَلَى الْعِتْقِ لَا عَلَى الْإِعْتَاقِ ثُمَّ إذَا أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ذَكَرَ كَلِمَةً عَنْهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْ ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ لَا مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْهُ لَا مِنْهَا ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَهْرٌ آخَرُ مُسَمًّى وَهُوَ مَالٌ ، وَإِنْ كَانَ فَلَهَا ذَلِكَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَيْسَ

بِمَالٍ ، بَلْ هُوَ إبْطَالُ الْمَالِيَّةِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا ، وَإِنْ ذَكَرَ كَلِمَةً عَنْهَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْهَا ، وَيَصِيرُ الْعَبْدُ مِلْكًا لَهَا بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا عَتَقَ عَلَيْهَا كَمَا مَلَكَتْهُ فَتَمْلِكُهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا يَصِيرُ الزَّوْجُ وَكِيلًا عَنْهَا فِي الْإِعْتَاقِ ، وَمِنْهَا إذَا أَعْتَقَ كَمَا وَعَدَ فَإِنْ أَبَى لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُسَمًّى هُوَ مَالٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَسْمِيَةَ الْإِعْتَاقِ مَهْرًا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُوجَدْ تَسْمِيَةُ شَيْءٍ آخَرَ هُوَ مَالٌ فَتَعَيَّنَ مَهْرُ الْمِثْلِ مُوجَبًا .
وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا شَيْئًا آخَرَ هُوَ مَالٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا ذَلِكَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَجْنَبِيًّا فَلَهَا ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَا غَيْرَ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهَا شَرْطًا لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فِيهِ فَلَا يَكُونُ غَارًّا لَهَا بِتَرْكِ الْوَفَاءِ بِمَا شَرَطَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا يَبْلُغُ بِهِ تَمَامَ مَهْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا بِمَا شَرَطَ وَلَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً فَصَارَ غَارًّا لَهَا ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ عَنْهَا فَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ عَنْهَا فَقَبِلَتْ صَحَّ النِّكَاحُ ، وَصَارَ الْعَبْدُ مِلْكًا ثُمَّ إنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا عَتَقَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا وَكَانَ ذَلِكَ مَهْرًا لَهَا ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا يَكُونُ الزَّوْجُ وَكِيلًا عَنْهَا بِالْإِعْتَاقِ ، فَإِنْ أَعْتَقَ قَبْلَ الْعَزْلِ فَقَدْ وَقَعَ الْعِتْقُ عَنْهَا ،

وَإِنْ عَزَلَتْهُ فِي ذَلِكَ صَحَّ الْعَزْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْهُولًا جَهَالَةً تَزِيدُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمَهْرَ فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَمًّى غَيْرَ مُعَيَّنٍ مُشَارًا إلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ صَحَّتْ تَسْمِيَتُهُ ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَسَائِرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ قَدْ تَعَيَّنَ لِلْعَقْدِ فَتَعَلَّقَ حَقُّهَا بِالْعَيْنِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَيَدْفَعَ مِثْلَهُ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إذَا لَمْ يَصِحَّ صَارَ مَجَازًا عِوَضًا مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَإِنْ كَانَ تِبْرًا مَجْهُولًا أَوْ نُقْرَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ عَيْنِهِ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْعُرُوضِ وَلَا يُجْبَرُ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَضْرُوبِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى غَيْرَ عَيْنٍ فَالْمُسَمَّى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا كَالْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَالدَّارِ بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ .
وَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ مُتَفَاحِشَةٌ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ اسْمُ جِنْسٍ

تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَتَحْتَ كُلِّ نَوْعٍ أَشْخَاصٌ مُخْتَلِفَةٌ .
وَكَذَا الدَّابَّةُ وَكَذَا الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ يَقَعُ عَلَى ثَوْبِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْحَرِيرِ وَالْخَزِّ وَالْبَزِّ ، وَتَحْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ .
وَكَذَا الدَّارُ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَالْهَيْئَةِ وَالتَّقْطِيعِ ، وَتَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْمَحَالِّ وَالسِّكَكِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ فَالْتَحَقَتْ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْعِوَضِ تَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ إلَّا أَنَّهُ يُتَحَمَّلُ ضَرْبٌ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْمَهْرِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قَدْ يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مَجْهُولٌ ضَرْبًا مِنْ ، الْجَهَالَةِ فَكُلُّ جَهَالَةٍ فِي الْمُسَمَّى مَهْرًا مِثْلُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَتَحَمَّلُ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ تَزِيدُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ يَبْقَى الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى الْأَصْلِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَعْوَاضِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : لَا شَكَّ أَنَّ جَهَالَةَ الْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَالدَّارِ أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ اعْتِبَارِ تَسَاوِي الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْمَالِ وَالْجَمَالِ وَالسِّنِّ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْبَلَدِ وَالْعِفَّةِ يَقِلُّ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فَتَقِلُّ الْجَهَالَةُ .
فَأَمَّا جَهَالَةُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَجَهَالَةٌ مُتَفَاحِشَةٌ فَكَانَتْ أَكْثَرَ جَهَالَةً مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ مَجْهُولَ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ جَمَلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ أَوْ هَرَوِيٍّ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ

، وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا الْوَسَطَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا قِيمَتَهُ ، وَهَذَا عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ الْمُسَمَّى مَجْهُولُ الْوَصْفِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ ؛ جَهَالَةَ الْوَصْفِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ ثُمَّ جَهَالَةُ الْجِنْسِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ ، فَكَذَا جَهَالَةُ الْوَصْفِ .
( وَلَنَا ) أَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ، وَالْحَيَوَانُ الَّذِي هُوَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا فِي الذِّمَّةِ قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } وَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْهُ ، وَلِأَنَّ جَهَالَةَ الْوَسَطِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِثْلُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلُّ فَتِلْكَ الْجَهَالَةُ لَمَّا لَمْ تَمْنَعْ صِحَّةَ تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ ، فَكَذَا هَذِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْبَدَلِ أَصْلًا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ ، وَالنِّكَاحُ يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مِثْلَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ ، فَالْجَهَالَةُ فِيهِ وَإِنْ قَلَّتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَمَبْنَى النِّكَاحِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُرُوءَةِ ، فَجَهَالَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَهُوَ الْفَرْقُ .
وَأَمَّا وُجُوبُ الْوَسَطِ فَلِأَنَّ الْوَسَطَ هُوَ الْعَدْلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَتَضَرَّرُ بِإِيجَابِ الْجَيِّدِ ، وَالْمَرْأَةُ تَتَضَرَّرُ بِإِيجَابِ الرَّدِيءِ فَكَانَ الْعَدْلُ فِي إيجَابِ الْوَسَطِ .
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيْرُ

الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا } وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ الْوَسَطِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ } وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُفَوِّضَةِ أَرَى لَهَا مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ بَيْنَ الْوَسَطِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ فَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ ، بَلْ بِالْقِيمَةِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي الْجُمْلَةِ قُلْنَا : بِوُجُوبِ الْوَسَطِ مِنْهُ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَثْبُتُ ثُبُوتًا مُطْلَقًا قُلْنَا : يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَبَيْنَ تَسْلِيمِ قِيمَتِهِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ جَمِيعًا ، وَلِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْقِيمَةِ فَكَانَتْ الْقِيمَةُ أَصْلًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَتْ أَصْلًا فِي التَّسْلِيمِ .
وَأَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ فَلَهَا بَيْتٌ وَسَطٌ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ النِّسَاءُ ، وَهُوَ بَيْتُ النُّوَبِ لَا الْمَبْنِيُّ فَيَنْصَرِفُ إلَى فُرُشِ الْبَيْتِ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَفِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ إلَى بَيْتِ الشَّعْرِ وَلَهَا خَادِمٌ وَسَطٌ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ مِنْهَا مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ ، وَجَهَالَتُهُ مِثْلُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلُّ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْوَسَطِ .
وَلَوْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ جَيِّدٌ

أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ فَلَهَا الْمَوْصُوفُ ، وَلَوْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْجَيِّدُ وَالْوَسَطُ وَالرَّدِيءُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَكَانَتْ الْقِيمَةُ هِيَ الْمُعَرِّفَةُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ ، فَكَانَتْ أَصْلًا فِي الْوُجُوبِ فَكَانَتْ أَصْلًا فِي التَّسْلِيمِ ، فَإِذَا جَاءَ بِهَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى وَصِيفٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى وَصِيفٍ أَبْيَضَ لَا شَكَّ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِدُونِ الْوَصْفِ فَإِذَا وَصَفَ أَوْلَى ، وَلَهَا الْوَصِيفُ الْجَيِّدُ ؛ لِأَنَّ الْأَبْيَضَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِلْجَيِّدِ ثُمَّ الْجَيِّدُ عِنْدَهُمْ هُوَ الرُّومِيُّ ، وَالْوَسَطُ السِّنْدِيُّ ، وَالرَّدِيءُ الْهِنْدِيُّ .
وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْجَيِّدُ هُوَ التُّرْكِيُّ ، وَالْوَسَطُ الرُّومِيّ ، وَالرَّدِيءُ الْهِنْدِيُّ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : قِيمَةُ الْخَادِمِ الْجَيِّدِ خَمْسُونَ دِينَارًا ، وَقِيمَةُ الْوَسَطِ أَرْبَعُونَ ، وَقِيمَةُ الرَّدِيءِ ثَلَاثُونَ ، وَقِيمَةُ الْبَيْتِ الْوَسَطِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ زَادَ السِّعْرُ أَوْ نَقَصَ فَبِحَسَبِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَفِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَتْ الْقِيَمُ مُسَعَّرَةً ، وَفِي زَمَانِهِمَا تَغَيَّرَتْ الْقِيمَةُ ، فَأَجَابَ كُلٌّ عَلَى عُرْفِ زَمَانِهِ وَالْمُعْتَبَرِ فِي ذِكْرِ الْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ حَتَّى وَجَبَ الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ صَالَحَتْ مِنْ ذَلِكَ زَوْجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْوَسَطِ سِتِّينَ دِينَارًا أَوْ سَبْعِينَ دِينَارًا جَازَ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهَا بِهَذَا الصُّلْحِ أَسْقَطَتْ بَعْضَ حَقِّهَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا ثَمَانُونَ فَإِذَا صَالَحَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْقَطَتْ الْبَعْضَ .
وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَى الْبَاقِيَ جَازَ ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ

بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى عَيْنِ الْحَقِّ بِإِسْقَاطِ الْبَعْضِ فَكَانَ الْبَاقِي عَيْنَ الْوَاجِبِ فَجَازَ فِيهِ التَّأْجِيلُ ، فَإِنْ صَالَحَتْ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ ، فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَعَّرًا ، فَالْقِيمَةُ وَاجِبَةٌ بِالْعَقْدِ .
وَمَنْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ثَبَتَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا مُطْلَقًا ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهِ وَالسَّلَمُ فِيهِ وَيُضْمَنُ بِالْمِثْلِ فَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى دَفْعِهِ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ عِوَضِهِ إلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَلَمْ يَصِفْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ ، فَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ أَعْطَاهَا الْوَسَطَ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا قِيمَتَهُ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ .
وَذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَسَطِ ( وَجْهُ ) مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْقِيمَةَ أَصْلٌ فِي إيجَابِ الْوَسَطِ ؛ لِأَنَّ بِهَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ وَسَطًا فَكَانَ أَصْلًا فِي التَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْعَبْدِ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ الْوَسَطَ فَقَدْ تَعَيَّنَ الْوَسَطُ بِتَعْيِينِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَيَّنَّهُ بِالتَّسْمِيَةِ .
وَلَوْ سَمَّى الْوَسَطَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ سَمَّى الْوَسَطَ وَنَصَّ عَلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَكَذَا إذَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الثِّيَابُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ

شَاءَ سَلَّمَهَا وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ قِيمَتَهَا ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا سَمَّى لَهَا أَجَلًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ أَجَّلَهَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا ، وَإِنْ لَمْ يُؤَجِّلْهَا فَلَهَا الْقِيمَةُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ( وَجْهُ ) مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْأَجَلِ فَكَانَتْ كَالْعَبِيدِ ، وَهُنَاكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الْقِيمَةَ كَذَا هَهُنَا ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : إذَا أَجَّلَهَا فَقَدْ صَارَتْ بِحَيْثُ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي السَّلَمِ فَيُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْبَيْعِ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ رَأْسًا ، وَالْمَهْرُ فِي النِّكَاحِ يَحْتَمِلُ ضَرْبًا مِنْ الْجَهَالَةِ فَلَمَّا ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ فِي الْبَيْعِ فَلَأَنْ تَثْبُتَ فِي النِّكَاحِ أَوْلَى ( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ امْتِنَاعَ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا وُصِفَتْ فَقَدْ زَالَتْ الْجَهَالَةُ فَيَصِحُّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا إلَّا مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهَا يَقِفُ عَلَى التَّأْجِيلِ ، بَلْ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُؤَجَّلًا وَالْأَجَلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَهْرِ فَكَانَ ثُبُوتُهَا فِي الْمَهْرِ غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ كَثُبُوتِهَا فِي السَّلَمِ مُؤَجَّلَةً فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا .
وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُحَكَّمُ مَهْرُ مِثْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا

مِثْلَ الْأَدْوَنِ أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا الْأَدْوَنُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِالْأَرْفَعِ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْأَرْفَعِ فَلَهَا الْأَرْفَعُ إلَّا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِالْأَدْوَنِ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَوْقَ الْأَدْوَن أَوْ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْفَع فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ وَلَهَا الْأَدْوَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى ، وَلَا تَعَذُّرَ هَهُنَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَقَلِّ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا ، وَفِي الزِّيَادَةِ شَكٌّ فَيَجِبُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَتَجِبُ الْأَلْفُ كَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَهْرَ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ ؛ لِأَنَّ كَلِمَة ( أَوْ ) تَتَنَاوَلُ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ ، وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ مَجْهُولٌ فَكَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَلِمَةَ ( أَوْ ) تَدْخُلُ بَيْنَ أَقَلِّ الْأَشْيَاءِ وَأَكْثَرِهَا فَتَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فَيُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ ، وَلَا صِحَّةَ إلَّا بِتَعْيِينِ الْمُسَمَّى وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَدْوَن ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَرْفَعِ لِرِضَا الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَنَّ الزَّوْجَ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدْفَعَ أَيُّهُمَا شَاءَ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ تَأْخُذُ أَيُّهُمَا شَاءَتْ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ .
وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَهَالَةَ يُمْكِنُ

رَفْعُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَرْتَفِعُ بِاخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَقَلَّتْ الْجَهَالَةُ فَكَانَتْ كَجَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ ، هَهُنَا لَا سَبِيلَ إلَى إزَالَةِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَ مَا يَخْتَارُهُ صَاحِبُهُ فَفَحُشَتْ الْجَهَالَةُ فَمَنَعَتْ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْمُسَمَّى فَوَجَبَ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ إيجَابَهُ أَوْلَى مِنْ الْإِيقَاعِ مَجَّانًا بِلَا عِوَضٍ أَصْلًا لِعَدَمِ رِضَا الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ بِذَلِكَ ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ تَعَيُّنِ الْمُسَمَّى وَلَا تَعَيُّنَ مَعَ الشَّكِّ بِإِدْخَالِ كَلِمَةِ الشَّكِّ فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَاجِبَ الْمَصِيرِ إلَيْهِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ بَلَدِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُؤَبَّدَ الَّذِي لَا تَوْقِيتَ فِيهِ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لِمَا قُلْنَا : إنَّ الشُّرُوطَ لَوْ أَثَّرَتْ لَأَثَّرَتْ فِي الْمَهْرِ بِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ ، وَفَسَادُ التَّسْمِيَةِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْعَدَمِ ثُمَّ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ رَأْسًا لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ ، فَفَسَادُهَا أَوْلَى .
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ ، فَإِنْ وَقَعَ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَهَا مَا سَمَّى عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَ خِلَافَ مَا شَرَطَ لَهَا فَلَهَا مَهْرُ

مِثْلِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ الْأَصْلِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَكْثَرِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ وَقَالَ زُفَرُ : الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ ، وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ مَسْأَلَةٍ مَشْهُورَةٍ فِي الْإِجَارَاتِ ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ رَجُلٌ ثَوْبًا إلَى الْخَيَّاطِ فَيَقُولُ : إنْ خَيَّطْتَهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خَيَّطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ ( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ يُخَالِفُ الْآخَرَ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَتَانِ ، كَمَا إذَا قَالَ : لِلْخَيَّاطِ إنْ خَيَّطْتَهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خَيَّطْتَهُ فَارِسِيًّا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَقَعَ صَحِيحًا بِالْإِجْمَاعِ وَمُوجِبُهُ رَدُّ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَقَعْ الْوَفَاءُ بِهِ فَكَانَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى صَحِيحَةً ، فَلَوْ صَحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي لَكَانَ نَافِيًا مُوجَبَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ ، وَالتَّسْمِيَةُ الْأُولَى وَالتَّسْمِيَةُ بَعْدَ مَا صَحَّتْ لَا يَجُوزُ نَفْيُ مُوجَبِهَا فَبَطَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي ضَرُورَةً .
وَقَالَ : إنَّ مَا شَرَطَ الزَّوْجُ مِنْ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ وَعَدَ لَهَا فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِ يُنْظَرُ إنْ حَكَمَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِبَذْلِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ حَكَمَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْأَقَلِّ ، وَإِنْ كَانَ التَّزَوُّجُ عَلَى حُكْمِهَا فَإِنْ حَكَمَتْ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا ، وَإِنْ حَكَمَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ

مِثْلِهَا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِالزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ التَّزَوُّج عَلَى حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ حَكَمَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ ، وَإِنْ حَكَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الزَّوْجِ ، وَإِنْ حَكَمَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَالزَّوْجُ لَا يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْضَى بِالنُّقْصَانِ ؛ فَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ الْأَمْرُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عَلَى رِضَاهُمَا ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا يَكْسِبُ الْعَامَ أَوْ يَرِثُ فَهَذِهِ تَسْمِيَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَى الْجَهَالَةِ الْخَطَرُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْسِبُ وَقَدْ لَا يَكْسِبُ ثُمَّ الْجَهَالَةُ بِنَفْسِهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ ، فَمَعَ الْخَطَرِ أَوْلَى .
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُكُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتَا ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَيَقْسِمُ الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ بَدَلًا عَنْ بُضْعَيْهِمَا ، وَالْبَدَلُ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمُبْدَلِ ، وَالْمُبْدَلُ هُوَ الْبُضْعُ فَيُقْسَمُ الْبَدَلُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ ، وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا كَذَا هَذَا ، فَإِنْ قَبِلَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَازَ النِّكَاحُ فِي الَّتِي قَبِلَتْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْكُمَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ أَصْلًا ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : تَزَوَّجْتُكُمَا فَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَرْطًا لِقَبُولِ الْأُخْرَى ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، فَكَانَ إدْخَالُ الشَّرْطِ فِيهِ فَاسِدًا ، وَالنِّكَاحُ لَا

يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ ، وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ تُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهِمَا لِمَا قُلْنَا فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الَّتِي قَبِلَتْ فَلَهَا ذَلِكَ الْقَدْرُ ، وَالْبَاقِي يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَلْفِ الَّتِي يَصِحُّ نِكَاحُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَهُمَا تُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا فَلَهَا ذَلِكَ ، وَالْبَاقِي يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ مَهْرًا لَهُمَا جَمِيعًا ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلنِّكَاحِ حَقِيقَةً لِكَوْنِهَا قَابِلَةً لِلْمَقَاصِدِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ الْمُحَرَّمَةَ مِنْهُمَا لَا تُزَاحِمُ صَاحِبَتَهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِخُرُوجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِذَلِكَ شَرْعًا مَعَ قِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ حَقِيقَةً ، فَيَجِبُ إظْهَارُ أَثَرِ الْمَحَلِّيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الِانْقِسَامِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ يُقَابِلُ مَا يُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ ، وَهَذَا الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْمُحَرَّمَةِ لَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ لِخُرُوجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ شَرْعًا ، وَالْمَوْجُودُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْمَهْرُ بِمُقَابَلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ، كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْأَتَانِ وَقَالَ : تَزَوَّجْتُكُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَإِنْ دَخَلَ الزَّوْجُ بِاَلَّتِي فَسَدَ نِكَاحُهَا فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ فِي حَقِّهَا فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُجَاوِزُ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ التَّسْمِيَةَ فِي حَقِّهِمَا فِي حَقِّ الِانْقِسَامِ

، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ عَلَى السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ أَنَّهَا تَصِحُّ أَوْ لَا تَصِحُّ .
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ السُّمْعَةَ فِي الْمَهْرِ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ بِأَنْ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ وَالْبَاطِنِ ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَكِنَّهُمَا يُظْهِرَانِ فِي الْعَقْدِ أَلْفَيْنِ لِأَمْرٍ حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا : أَلْفٌ مِنْهُمَا سُمْعَةٌ ، فَالْمَهْرُ مَا ذَكَرَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَذَلِكَ أَلْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَا يَكُونُ مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ وَالْأَلْفَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يَجْعَلَا الْأَلْفَ مِنْهُمَا سُمْعَةً صَحَّتْ تَسْمِيَةُ الْأَلْفَيْنِ وَإِنْ قَالَا الْأَلْفُ مِنْهُمَا سُمْعَةٌ ، فَالْمَهْرُ مَا ذَكَرَاهُ فِي السِّرِّ وَهُوَ الْأَلْفُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ مَا أَظْهَرَاهُ وَهُوَ الْأَلْفَانِ .
( وَجْهُ ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُمْلَكُ بِهِ الْبُضْعُ ، وَاَلَّذِي يُمْلَكُ بِهِ الْبُضْعُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ وَيَصِيرُ مَهْرًا وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَاضَعَةُ السَّابِقَةُ ( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا لَمَّا قَالَا : الْأَلْفُ مِنْهُمَا سُمْعَةٌ فَقَدْ هَزَلَا بِذَلِكَ قَدْرَ الْأَلْفِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدَا بِهِ مَهْرًا ، وَالْمَهْرُ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ فَفَسَدَتْ تَسْمِيَتُهُ قَدْرَ الْأَلْفِ وَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى أَلْفٍ ، وَإِنْ كَانَتْ السُّمْعَةُ مِنْ جِنْسِ الْمُهْرِيَّاتِ تَوَاضَعَا وَاتَّفَقَا فِي السِّرِّ وَالْبَاطِنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَلَكِنَّهُمَا يُظْهِرَانِ فِي الْعَقْدِ مِائَةَ دِينَارٍ ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا : رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَالْمَهْرُ مَا تَعَاقَدَا

عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ قَالَا : رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَتَعَاقَدَا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَرِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ لَهَا مَهْرَ الْعَلَانِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ .
( وَجْهُ ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَقْدِ ، وَالْمَهْرُ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ فِي الْعَقْدِ لِمَا بَيَّنَّا فَيُعْتَبَرُ الْمَذْكُورُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَاضَعَةُ السَّابِقَةُ ( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَلْفُ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ ، وَمَا ذَكَرَاهُ وَهُوَ الْمِائَةُ دِينَارٍ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ فَلَمْ تُوجَدْ التَّسْمِيَةُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَتَعَاقَدَا فِي السِّرِّ وَالْبَاطِنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَهْرِ قَدْرٌ أَوْ جِنْسٌ ثُمَّ يَتَعَاقَدَا عَلَى مَا تَوَاضَعَا وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ .
فَأَمَّا إذَا تَعَاقَدَا فِي السِّرِّ عَلَى قَدْرٍ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ جِنْسٍ مِنْهُ ثُمَّ اتَّفَقَا وَتَوَاضَعَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنْ يُظْهِرَا فِي عَقْدِ الْعَلَانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ جِنْسًا آخَرَ ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا فِي الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ ذَلِكَ سُمْعَةٌ ، فَالْمَهْرُ مَا ذَكَرَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى الْمَهْرِ الْأَوَّلِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، فَجَمِيعُهُ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى الْمَهْرِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَقَدْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَهْرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ زِيَادَةً .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ الْمَهْرَ مَا يَكُونُ مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالْإِقَالَةَ ؛ فَالثَّانِي لَا يَرْفَعُ الْأَوَّلَ فَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي عَقْدًا فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَذْكُورُ

عِنْدَهُ ، فَكَانَ الْمَهْرُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّهُمَا قَصَدَا شَيْئَيْنِ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ وَزِيَادَةٍ فِي الْمَهْرِ ، وَاسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَالزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ زَادَ أَلْفًا أُخْرَى أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ ، وَإِنْ ذَكَرَا فِي الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ أَوْ الْجِنْسَ الْآخَرَ سُمْعَةٌ ، فَالْمَهْرُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي لَغْوٌ ؛ لِأَنَّهُمَا هَزَلَا بِهِ حَيْثُ جَعَلَاهُ سُمْعَةً ، وَالْهَزْلُ يَعْمَلُ فِي الْمَهْرِ فَيُبْطِلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ لِمَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الدُّخُولُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ بِالْوَطْءِ لَا بِالْعَقْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - .
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلَهَا الْجَارِيَةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْجَارِيَةِ مَهْرًا قَدْ صَحَّتْ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا فَإِطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ يَتَنَاوَلُهُ فَاسْتِثْنَاؤُهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَلْغُو الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْتَحِقُ بِالْعَدَمِ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَأْسًا ، وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ خَالَعَ أَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى جَارِيَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ وَهَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَهَا قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ قَدْ صَحَّتْ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْلُومًا فَالْعَقْدُ انْعَقَدَ مُوجِبَ التَّسْلِيمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهَا فَتَجِبُ قِيمَتُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ لَمْ يَبْقَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ ، فَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ ثُمَّ تَفْسِيرُ مَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ مَهْرَهَا بِمَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا مِنْ أَخَوَاتِهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا أَوْ لِأَبِيهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا

فِي بَلَدِهَا وَعَصْرِهَا عَلَى مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَسِنِّهَا وَعَقْلِهَا وَدِينِهَا ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ وَالسِّنِّ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ فَيَزْدَادُ مَهْرُ الْمَرْأَةِ ؛ لِزِيَادَةِ مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَعَقْلِهَا وَدِينِهَا وَحَدَاثَةِ سِنِّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ لَهَا مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا إذْ لَا يَكُونُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدُونِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِمَهْرِ أُمِّهَا وَلَا بِمَهْرِ خَالَتِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلَتِهَا مِنْ بَنَاتِ أَعْمَامِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِشَرَفِ النَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ مِنْ الْآبَاءِ لَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهَا شَرَفُ النَّسَبِ مِنْ قَبِيلِ أَبِيهَا أَوْ قَبِيلَتِهِ لَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَعَشِيرَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ وَبَيَانُ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَكَيْفِيَّةِ وُجُوبِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَقُولُ : وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْمَهْرُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ إحْدَاثُ الْمِلْكِ ، وَالْمَهْرُ يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ إحْدَاثِ الْمِلْكِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ الْبُضْعِ بِالْمَهْرِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ كَانَ مَفْرُوضًا لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْفَرْضِ أَوْ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يَجِبُ الْمَهْرُ لَكِنْ لَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الدُّخُولِ ؛ لِعَدَمِ حُدُوثِ الْمِلْكِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَصْلًا وَعَدَمِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا ؛ وَلِانْعِدَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ رَأْسًا وَانْعِدَامِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا ؛ لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ .

وَيَجِبُ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِلَا فَصْلٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ بِإِحْدَاثِ الْمِلْكِ ، وَالْمِلْكُ يَحْدُثُ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِلَا فَصْلٍ ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الْبُضْعُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِوَضِ الْآخَرِ عَقِيبَهُ تَحْقِيقًا لِلْمُعَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ كَالثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَجِبُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْبَائِعِ .
وَإِذَا طَالَبَتْ الْمَرْأَةُ بِالْمَهْرِ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمُهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الْمَرْأَةِ مُتَعَيِّنٌ ، وَحَقُّ الْمَرْأَةِ فِي الْمَهْرِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ فَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ التَّسْلِيمُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ لِيَتَعَيَّنَ كَمَا فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا ، ثُمَّ يُسَلِّمُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ فِي بَابِ الْبَيْعِ إذَا كَانَ دَيْنًا يُقَدَّمُ تَسْلِيمُهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِيَتَعَيَّنَ ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يُسَلَّمَانِ مَعًا وَهَهُنَا يُقَدَّمُ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسَلُّمَ هَهُنَا مَعًا مُتَعَذِّرٌ وَلَا تَعَذُّرَ فِي الْبَيْعِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا أَنْ تَمْنَعَ الزَّوْجَ عَنْ الدُّخُولِ حَتَّى يُعْطِيَهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ ثُمَّ تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَى زَوْجِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَقَلَتْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا فَيَكُونُ تَسْلِيمًا بِتَسْلِيمٍ ، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ بُضْعِهَا كَالثَّمَنِ عِوَضٌ عَنْ الْمَبِيعِ وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَكَانَ لِلْمَرْأَةِ حَقُّ حَبْسِ نَفْسِهَا ؛ لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ ،

وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا عَنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا قَبْلَ إيفَاءِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ قَبْلَ إيفَاءِ الْمَهْرِ لَمْ يَثْبُتْ لِلزَّوْجِ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ ، وَإِذَا أَوْفَاهَا الْمَهْرَ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا مِنْ سَفَرِ الْحَجِّ إذَا كَانَ عَلَيْهَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَوَجَدَتْ مَحْرَمًا ، وَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لِأَنَّهُ إذَا أَوْفَاهَا حَقَّهَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا ، فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا وَأَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِصْرِهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِتَسْلِيمِ كُلِّ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ .
وَلَوْ خَرَجَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهَا مَا قَبَضَتْ ؛ لِأَنَّهَا قَبَضَتْهُ بِحَقٍّ لِكَوْنِ الْمَقْبُوضِ حَقًّا لَهَا ، وَالْمَقْبُوضُ بِحَقٍّ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُعَجَّلًا ، بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقٍ عَاجِلٍ أَوْ كَانَ مَسْكُوتًا عَنْ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيلِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ حُكْمُ الْمُعَجَّلِ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَالْمَرْأَةُ عَيَّنَتْ حَقَّ الزَّوْجِ فَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ الزَّوْجُ حَقَّهَا ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّسْلِيمِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ آجِلٍ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ أَصْلًا بِأَنْ قَالَ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ ، أَوْ ذَكَرَ وَقْتًا مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً بِأَنْ قَالَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى أَلْفٍ إلَى وَقْتِ الْمَيْسَرَةِ أَوْ هُبُوبِ الرِّيَاحِ أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَمْ يَصِحَّ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ وَلَوْ قَالَ : نِصْفُهُ مُعَجَّلٌ وَنِصْفُهُ

مُؤَجَّلٌ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي دِيَارِنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ لِلْمُؤَجَّلِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَجُوزُ الْأَجَلُ وَيَجِبُ حَالًّا كَمَا إذَا قَالَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ وَيَقَعُ ذَلِكَ عَلَى وَقْتِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا كَفَلَ لِامْرَأَةٍ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ ، ذُكِرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ كُلَّ شَهْرٍ مَا دَامَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنْ ذَكَرَ وَقْتًا مَعْلُومًا لِلْمَهْرِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخِيرًا لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً كَجَهَالَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْمَهْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَسْلِيمُهُ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ بِكُلِّ حَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ فَلَمَّا قَبِلَ الزَّوْجُ التَّأْجِيلَ كَانَ ذَلِكَ رِضًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فِي الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ إذَا أَجَّلَ الثَّمَنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ وَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ تَقْدِيمُ تَسْلِيمِهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَا مَحَالَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ عَيْنًا يُسَلَّمَانِ مَعًا فَلَمْ يَكُنْ قَبُولُ الْمُشْتَرِي التَّأْجِيلَ رِضًا مِنْهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْقَبْضِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالتَّأْجِيلِ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوْجِ كَالْبَائِعِ إذَا أَجَّلَ الثَّمَنَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ

التَّأْجِيلُ إلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ فَبَقِيَ الْمَهْرُ حَالًّا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : مِنْ شَأْنِ الْمَهْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَسْلِيمُهُ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ فَنَقُولُ : نَعَمْ إذَا كَانَ مُعَجَّلًا أَوْ مَسْكُوتًا عَنْ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا تَأْجِيلًا صَحِيحًا فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَتَأَخَّرَ تَسْلِيمُهُ عَنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ تَسْلِيمِهِ ثَبَتَ حَقًّا لَهَا ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْقِيقًا لِلْمُعَاوَضَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُسَاوَاةِ حَقًّا لَهَا ، فَإِذَا أَجَّلَتْهُ فَقَدْ أَسْقَطَتْ حَقَّ نَفْسِهَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ زَوْجِهَا ؛ لِانْعِدَامِ الْإِسْقَاطِ مِنْهُ وَالرِّضَا بِالسُّقُوطِ ، لِهَذَا الْمَعْنَى سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ كَذَا هَذَا وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إذَا أَعْطَاهَا الْحَالَّ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا ؛ فَلِأَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَإِذَا كَانَ الْبَعْضُ مُعَجَّلًا وَأَعْطَاهَا ذَلِكَ أَوْلَى ، وَالْفِقْهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّوْجَ مَا رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَجَّلَ الْبَعْضَ فَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ التَّأْجِيلَ فَقَدْ رَضِيَ ؛ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ .
وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى حَلَّ أَجَلُ الْبَاقِي فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إذَا أَعْطَاهَا الْحَالَّ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا وَشَرَطَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا كُلَّهُ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الدُّخُولَ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا فَحَلَّ الْأَجَلُ لَيْسَ

لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِتَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ قَدْ سَقَطَ بِالتَّأْجِيلِ ، وَالسَّاقِطُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ حَالًّا فَأَخَّرَتْهُ شَهْرًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلٌ طَارِئٌ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ التَّأْجِيلِ الْمُقَارِنِ ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَلَوْ دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا بِرِضَاهَا - وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ - فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ ، وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا خَلَا بِهَا .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ سَلَّمَتْ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِرِضَاهَا ، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ التَّسْلِيمِ فَبَطَلَ حَقُّهَا فِي الْمَنْعِ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ ، وَلَا شَكَّ فِي الرِّضَا وَأَهْلِيَّةِ التَّسْلِيمِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا سَلَّمَتْ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ ، وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ جَمِيعُ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ لَا يَتَأَكَّدُ بِتَسْلِيمِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَمَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْوَطَآتِ مُلْتَحِقٌ بِالِاسْتِخْدَامِ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فِي جَمِيعِ الْوَطَآتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي هَذَا الْمِلْكِ لَا بِالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ شَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ عَنْ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ احْتِرَامًا لِلْبُضْعِ وَإِبَانَةً لِخَطَرِهِ ، فَكَانَتْ هِيَ بِالْمَنْعِ مُمْتَنِعَةً عَنْ

تَسْلِيمِ مَا يُقَابِلُهُ بَدَلٌ فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ بِالْوَطْءِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَكَانَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَأْخُذَ مَهْرَهَا ، فَكَذَا عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَّا أَنَّ الْمَهْرَ يَتَأَكَّدُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَعْلُومٌ وَمَا وَرَاءَهُ مَعْدُومٌ مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُهُ فِي الِانْقِسَامِ ثُمَّ عِنْدَ الْوُجُودِ يَتَعَيَّنُ قَطْعًا فَيَصِيرُ مُزَاحِمًا فَيَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الْبَدَلِ كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَجِبُ دَفْعُهُ بِهَا فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى ، فَالثَّانِيَةُ تُزَاحِمُ الْأُولَى عِنْدَ وُجُودِهَا فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ بِهَا .
وَكَذَا الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِخِلَافِ الْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ كُلَّ الْمَبِيعِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا سَلَّمَ ، وَهَهُنَا مَا سَلَّمَتْ كُلَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَمَا سَلَّمَتْ كُلَّ الْمَنَافِعِ بَلْ بَعْضَهَا دُونَ الْبَعْضِ ، فَهِيَ بِالْمَنْعِ تَمْتَنِعُ عَنْ تَسْلِيمِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مُسَلَّمًا بَعْدُ ، فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْبَاقِي لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ كَذَا هَذَا ، وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ يُفْتِي فِي مَنْعِهَا نَفْسَهَا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي السَّفَرِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا حَيْثُ شَاءَ وَحَكَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي أَنَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ لَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : وَلَوْ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ زُيُوفًا أَوْ سُتُّوقًا فَرَدَّتْ أَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ عَرَضًا اشْتَرَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ فَاسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَقَدْ كَانَ

دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا مُسْتَقِيمٌ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ غَيْرِ قَبْضِ الْمَهْرِ يُبْطِلُ حَقَّ الْمَنْعِ ، وَهَذَا تَسْلِيمٌ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ بِالرَّدِّ وَالِاسْتِحْقَاقِ انْتَقَضَ وَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ الْجَوَابُ هَكَذَا عِنْدَهُمَا .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا ، ثُمَّ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَنْعِ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ سُتُّوقًا فَرَدَّهُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ فَيَحْبِسَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ يُمْكِنُهُ الْحَبْسُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا هَهُنَا لَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ مِثْلَ الْأَوَّلِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ وَمِمَّا يَلْتَحِقُ بِهَذَا الْفَصْلِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ مَهْرَهَا لِلزَّوْجِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهَا الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا ، سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهَا وَهَبَتْ خَالِصَ مِلْكِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عَيْنِ الْمَهْرِ حَقٌّ فَيَجُوزُ ، وَيَلْزَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَقَصَّرَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقَّ الِاعْتِرَاضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَمْهَارَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ فَقَدْ تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهِمْ ؛ وَلِأَنَّهَا أَلْحَقَتْ الضَّرَرَ بِالْأَوْلِيَاءِ بِإِلْحَاقِ الْعَارِ وَالشَّنَارِ بِهِمْ ، فَلَهُمْ دَفْعُ هَذَا الضَّرَرِ بِالِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ .
وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ مَهْرَ ابْنَتِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَهُ ذَلِكَ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي

بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَالْأَبُ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ مِلْكُ الْمَرْأَةِ وَحَقُّهَا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا ، وَبُضْعُهَا حَقُّهَا وَمِلْكُهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } أَضَافَ الْمَهْرَ إلَيْهَا فَدَلَّ أَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا وَمِلْكُهَا ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } وقَوْله تَعَالَى : مِنْهُ أَيْ : مِنْ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُكَنَّى السَّابِقُ أَبَاحَ لِلْأَزْوَاجِ التَّنَاوُلَ مِنْ مُهُورِ النِّسَاءِ إذَا طَابَتْ أَنْفُسُهُنَّ بِذَلِكَ ، وَلِذَا عَلَّقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِبَاحَةَ بِطِيبِ أَنْفُسِهِنَّ ، فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَنَّ مَهْرَهَا مِلْكُهَا وَحَقُّهَا ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ مِلْكَ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ هِبَةَ غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهَا فَكَذَا الْمَهْرُ .
وَأَمَّا الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ فَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْمُرَادَ مِنْ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ صَرَفَ التَّأْوِيلَ إلَى الْوَلِيِّ عَلَى بَيَانِ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى مَا قِيلَ : إنَّ حِينَ النُّزُولِ كَانَ الْمُهُورُ لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُ شُعَيْبٍ لِمُوسَى : عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } شَرَطَ الْمَهْرَ لِنَفْسِهِ لَا لِابْنَتِهِ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَاتِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَهَبَ صَدَاقَ أَمَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ مِنْ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مِلْكُهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَهْرَ مُكَاتَبَتِهِ ، وَلَوْ وَهَبَ لَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ .
وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمُكَاتَبَةِ لَهَا لَا لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْسَابِهَا ، وَكَسْبُ الْمُكَاتَبِ لَهُ

لَا لِمَوْلَاهُ ، وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ إذَا تَرَاضَيَا بِهَا وَالْحَطُّ عَنْهُ إذَا رَضِيَتْ بِهِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } رَفَعَ الْجُنَاحَ فِيمَا تَرَاضَيَا بِهِ الزَّوْجَانِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ التَّسْمِيَةُ ، وَذَلِكَ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ وَالْحَطُّ عَنْهُ ، وَأَحَقُّ مَا تُصْرَفُ إلَيْهِ الْآيَةُ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَةَ التَّرَاضِي وَأَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَرِضَا الْمَرْأَةِ كَانَ فِي الْحَطِّ ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ الْعَقْدَ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا كَالْخِيَارِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ فِيهِ ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا بَيْعًا بَاتًّا ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا جَعَلَ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ يَوْمًا جَازَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ نَقَضَ الْبَيْعَ جَازَ نَقْضُهُ ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ .
وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ أَجَّلَ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّمَنِ شَهْرًا جَازَ التَّأْجِيلُ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ كَانَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ كَذَا هَهُنَا ، وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَمْ تَرَهُ ثُمَّ رَأَتْهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ فَلَوْ رَدَّتْ لَرَجَعَتْ عَلَيْهِ بِعَبْدٍ آخَرَ وَثَبَتَ لَهَا فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَتَرُدُّهُ ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِآخَرَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَمْ يَكُنْ الرَّدُّ مُفِيدًا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ فَكَانَ سَفَهًا فَلَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الرَّدِّ ، وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِمَا قُلْنَا : بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَكَانَ الرَّدُّ مُفِيدًا لِذَلِكَ افْتَرَقَا ،

وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الْمَهْرِ ؟ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَيْبُ يَسِيرًا لَا يَثْبُتُ ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا يَثْبُتُ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي بَدَلِ الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ ، وَهَهُنَا لَا يَنْفَسِخُ وَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ فَيَقْبِضُ مِثْلَهُ فَرُبَّمَا يَجِدُ فِيهِ عَيْبًا يَسِيرًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ عَيْبٍ عَادَةً فَيَرُدُّهُ ثُمَّ يَقْبِضُ مِثْلَهُ فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَا يُفِيدُ الرَّدُّ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالرَّدِّ فَكَانَ الرَّدُّ مُفِيدًا ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ اسْتِدْرَاكًا لِلْفَائِتِ وَهُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْعَقْدِ ، وَالْعَيْبُ إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُعْرَفُ الْفَوَاتُ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَا يَخْلُو عَنْهُ فَمِنْ مُقَوِّمٍ يُقَوِّمُهُ بِدُونِ الْعَيْبِ بِأَلْفٍ ، وَمِنْ مُقَوِّمٍ يُقَوِّمُهُ مَعَ الْعَيْبِ بِأَلْفٍ أَيْضًا ، فَلَا يُعْلَمُ فَوَاتُ صِفَةِ السَّلَامَةِ بِيَقِينٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْفَاحِشِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُقَوِّمُونَ فَكَانَ الْفَوَاتُ حَاصِلًا بِيَقِينٍ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى اسْتِدْرَاكِ الْفَائِتِ بِالرَّدِّ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرَ يُشْكِلُ بِالْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ ، فَإِنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ فِيهَا يُوجِبُ حَقَّ الرَّدِّ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِيهَا فَالْأَصَحُّ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالنِّكَاحُ مُعَاوَضَةُ الْبُضْعِ بِالْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ

الشُّفْعَةِ .

( فَصْلٌ ) : ( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَتَأَكَّدُ بِهِ الْمَهْرُ فَالْمَهْرُ يَتَأَكَّدُ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ .
الدُّخُولُ وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ وَمَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَ مُسَمًّى أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِبْرَاءِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ ، أَمَّا التَّأَكُّدُ بِالدُّخُولِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الْمَهْرَ قَدْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَالدُّخُولُ لَا يُسْقِطُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، يُقَرِّرُ الْبَدَلَ لَا أَنْ يُسْقِطَهُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَأَكَّدُ بِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَائِهِ لِمَا نَذْكُرُ فَلَأَنْ يَتَأَكَّدَ بِالتَّسْلِيمِ مَعَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْلَى .
( وَأَمَّا ) التَّأَكُّدُ بِالْخَلْوَةِ فَمَذْهَبُنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ حَتَّى لَوْ خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا .
وَعِنْدَهُ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُتْعَةُ ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَنَا تَجِبُ ، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى نِصْفَ الْمَفْرُوضِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَسِّ هُوَ الْجِمَاعُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حَالِ وُجُودِ الْخَلْوَةِ ، وَعَدَمِهَا فَمَنْ أَوْجَبَ كُلَّ الْمَفْرُوضِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ ، وقَوْله تَعَالَى : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ } أَيْ : وَلَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً

فَمَتِّعُوهُنَّ أَوْجَبَ تَعَالَى لَهُنَّ الْمُتْعَةَ فِي الطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالِ وُجُودِ الْخَلْوَةِ وَعَدَمِهَا ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ } فَدَلَّتْ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَوُجُوبِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ؛ وَلِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَاسْتِيفَاؤُهَا بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَا ضَرُورَةَ لَهَا فِي التَّوَقُّفِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَوْ يُطَلِّقَ ، فَإِنْ اسْتَوْفَى تَأَكَّدَ حَقُّهَا .
وَإِنْ طَلَّقَ يَفُوتُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لَكِنْ بِعِوَضٍ هُوَ خَيْرٌ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَعُودُ عَلَيْهَا سَلِيمًا مَعَ سَلَامَةِ نِصْفِ الْمَهْرِ لَهَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ تَتَأَكَّدُ الْأُجْرَةُ فِيهَا بِنَفْسِ التَّخْلِيَةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّأَكُّدُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ ؛ لِأَنَّ فِي التَّوَقُّفِ هُنَاكَ ضَرَرًا بِالْآجِرِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُمْنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ فَلَوْ تَوَقَّفَ تَأَكُّدُ الْأُجْرَةِ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَرُبَّمَا لَا يَسْتَوْفِي لِفَائِتِ الْمَنَافِعِ عَلَيْهِ مَجَّانًا بِلَا عِوَضٍ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْآجِرُ فَأُقِيمَ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ مَقَامَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْآجِرِ ، وَهَهُنَا لَا ضَرَرَ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَوَقَّفَ التَّأَكُّدُ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَتَأَكَّدُ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ

بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ } .
نَهَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الزَّوْجَ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ الطَّلَاقِ ، وَأَبَانَ عَنْ مَعْنَى النَّهْيِ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ كَذَا قَالَ الْقُرَّاءُ : إنَّ الْإِفْضَاءَ هُوَ الْخَلْوَةُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ، وَمَأْخَذُ اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ ؛ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَضَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ وَلَا بِنَاءَ فِيهِ وَلَا حَاجِزَ يَمْنَعُ عَنْ إدْرَاكِ مَا فِيهِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْخَلْوَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، وَهِيَ الَّتِي لَا حَائِلَ فِيهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ ، فَظَاهِرُ النَّصِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْهُ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ سُقُوطَ النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَإِقَامَةَ الْمُتْعَةِ مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَبَقِيَ حَالُ مَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ .
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَتِهِ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ } وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ .
وَرُوِيَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ قَالَ : قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّهُ إذَا أَرْخَى السُّتُورَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ قَدْ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إمَّا فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ فَلَا شَكَّ فِيهِ ، وَإِمَّا فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُفَوَّضَةِ إلَّا أَنَّ الْوُجُوبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ثَبَتَ مُوَسَّعًا وَيَتَضَيَّقُ

عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ ، وَالدَّيْنُ الْمُضَيَّقُ وَاجِبُ الْقَضَاءِ .
قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الدَّيْنُ مُضَيَّقٌ } ، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ مَتَى صَارَ مِلْكًا لَهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، فَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِإِنْسَانٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزُولَ إلَّا بِإِزَالَةِ الْمَالِكِ أَوْ بِعَجْزِهِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَمْلُوكِ حَقِيقَةً إمَّا لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الْمَالِكِ أَوْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَزُولُ إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ سَقَطَ النِّصْفُ بِإِسْقَاطِ الشَّرْعِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى إلَّا بِالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِعْلُ الزَّوْجِ ، وَالْمَهْرُ مِلْكُهَا ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّ الْغَيْرِ عَنْ نَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَى زَوْجِهَا فَيَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا تَسْلِيمُ الْبَدَلِ إلَيْهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ أَنَّ الْمُبْدَلَ هُوَ مَا يُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ إلَّا أَنَّ الْمَنَافِعَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ مَعْدُومَةٌ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهَا لَكِنْ لَهَا مَحَلٌّ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْعَيْنُ وَأَنَّهَا مُتَصَوَّرُ التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً فَيُقَامُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَقَدْ وُجِدَ تَسْلِيمُ الْمَحَلِّ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ سَالِمًا لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ وَقَدْ وُجِدَ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمَكُّنُ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ كُلِّهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهَا تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ ، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي تَسْلِيمًا بِإِزَاءِ التَّسْلِيمِ كَمَا يَقْتَضِي مِلْكًا بِإِزَاءِ مِلْكٍ تَحْقِيقًا بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ .
كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ

التَّأْوِيلِ : إنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَسِيسِ هُوَ الْخَلْوَةُ فَلَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَنَّ فِيهَا إيجَابَ نِصْفِ الْمَفْرُوضِ لَا إسْقَاطَ النِّصْفِ الْبَاقِي أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَقَالَ : نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَفْيًا لِلنِّصْفِ الْبَاقِي ، فَكَانَ حُكْمُ النِّصْفِ الْبَاقِي مَسْكُوتًا عَنْهُ فَبَقِيَتْ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْبَقَاءِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَيَبْقَى .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : التَّأَكُّدُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ فَمَمْنُوعٌ بَلْ كَمَا يَثْبُتُ بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ يَثْبُتُ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ ، وَتَسْلِيمُهُ بِتَسْلِيمِ مَحَلِّهِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ تَفْسِيرُ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْء لَا حَقِيقِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ وَلَا طَبْعِيٌّ .
أَمَّا الْمَانِعُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ صَغِيرًا لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ أَوْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ ؛ لِأَنَّ الرَّتْقَ وَالْقَرْنَ يَمْنَعَانِ مِنْ الْوَطْءِ وَتَصِحُّ خَلْوَةُ الزَّوْجِ ، إنْ كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ وَالْخِصَاءَ لَا يَمْنَعَانِ مِنْ الْوَطْءِ فَكَانَتْ خَلْوَتُهُمَا كَخَلْوَةِ غَيْرِهِمَا ، وَتَصِحُّ خَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا تَصِحُّ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْجَبَّ يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ كَالْقَرْنِ وَالرَّتْقِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ السَّحْقُ وَالْإِيلَادُ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَلَا تَرَى لَوْ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَاسْتَحَقَّتْ كَمَالَ الْمَهْرِ إنْ طَلَّقَهَا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْوَطْءُ الْمُطْلَقُ فَيُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ ارْتِفَاعُ الْمَانِعِ مِنْ وَطْءِ مِثْلِهِ فَتَصِحُّ خَلْوَتُهُ وَعَلَيْهَا

الْعِدَّةُ أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يُشْكِلُ ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إذَا صَحَّتْ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ فَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهَا .
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ يُنْزِلُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ قَدْ يَقْذِفُ بِالْمَاءِ فَيَصِلُ إلَى الرَّحِمِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ وَوَجَبَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثَبَاتِ النَّسَبِ يَكُونُ حُكْمًا بِالدُّخُولِ فَيَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْزِلُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَالْمُعْتَدَّةِ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَأَمَّا الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا ، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ يَمْنَعَانِ مِنْهُ طَبْعًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمَا أَذًى ، وَالطَّبْعُ السَّلِيمُ يَنْفِرُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْأَذَى .
وَأَمَّا فِي غَيْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقَدْ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ .
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ نَفْلَ الصَّوْمِ كَفَرْضِهِ فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يُحَرِّمُ الْفِطْرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَصَارَ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ ، وَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ كَذَا هَذَا .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ بِشْرٍ أَنَّ صَوْمَ غَيْرِ رَمَضَانَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ لَا غَيْرَ فَلَمْ

يَكُنْ قَوِيًّا فِي مَعْنَى الْمَنْعِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَكَذَا حَجُّ التَّطَوُّعِ فَقَوِيَ الْمَانِعُ ( وَوَجْهٌ ) آخَرُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَبَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْفِطْرِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ .
وَكَذَا لُزُومُ الْقَضَاءِ بِالْإِفْطَارِ فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا بِيَقِينٍ ، وَحُرْمَةُ الْإِفْطَارِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَقْطُوعٌ بِهَا .
وَكَذَا لُزُومُ الْقَضَاءِ فَكَانَ مَانِعًا بِيَقِينٍ .
( وَأَمَّا ) الْمَانِعُ الطَّبْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتِهِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ وَيَسْتَحِي فَيَنْقَبِضُ عَنْ الْوَطْءِ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى يَقْظَانًا أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَاقِلًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً أَوْ مَنْكُوحَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى إنْ كَانَ لَا يُبْصِرُ فَيُحِسُّ وَالنَّائِمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْتَيْقِظَ سَاعَةً فَسَاعَةً ، فَيَنْقَبِضُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْوَطْءِ مَعَ حُضُورِهِ ، وَالصَّبِيُّ الْعَاقِلُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَحْتَشِمُ الْإِنْسَانُ مِنْهُ كَمَا يَحْتَشِمُ مِنْ الرَّجُلِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْبَهَائِمِ لَا يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْوَطْءِ لِمَكَانِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ ، وَالْإِنْسَانُ يَحْتَشِمُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَيَسْتَحِي .
وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِمَا فَيَنْقَبِضَانِ لِمَكَانِهَا ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْكُوحَةٌ لَهُ أُخْرَى أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فَخَلَا بِهِمَا فَلَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِمَا فَيَنْقَبِضُ عَنْهَا ، وَقَدْ قَالُوا : إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ بِمَشْهَدِ امْرَأَةٍ أُخْرَى ، وَلَوْ كَانَ الثَّالِثُ جَارِيَةً لَهُ ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يَقُولُ : أَوَّلًا تَصِحُّ خَلْوَتُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : لَا تَصِحُّ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ

الْأَوَّلِ : أَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ لَهَا حُرْمَةُ الْحُرَّةِ فَلَا يَحْتَشِمُ الْمَوْلَى مِنْهَا ؛ وَلِذَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِ فَلَا تَمْنَعُهُ عَنْ الْوَطْءِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ الْأَخِيرِ : أَنَّ الْأَمَةَ إنْ كَانَ يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهَا ، فَتَنْقَبِضُ الْمَرْأَةُ لِذَلِكَ وَكَذَا قَالُوا : لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ بِمَشْهَدٍ مِنْهَا كَمَا لَا يَحِلُّ بِمَشْهَدِ امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى .
وَلَا خَلْوَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ وَعَلَى سَطْحٍ لَا حِجَابَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَجْمَعُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وَالطَّرِيقُ مَمَرُّ النَّاسِ لَا تَخْلُو عَنْهُمْ عَادَةً ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الِانْقِبَاضَ فَيَمْنَعُ الْوَطْءَ .
وَكَذَا الصَّحْرَاءُ وَالسَّطْحُ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْقَبِضُ عَنْ الْوَطْءِ فِي مِثْلِهِ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْصُلَ هُنَاكَ ثَالِثٌ أَوْ يَنْظُرُ إلَيْهِ أَحَدٌ مَعْلُومٌ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ .
وَلَوْ خَلَا بِهَا فِي حَجَلَةٍ أَوْ قُبَّةٍ فَأَرْخَى السِّتْرَ عَلَيْهِ فَهُوَ خَلْوَةٌ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْبَيْتِ .
وَلَا خَلْوَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِيهِ حَرَامٌ فَكَانَ الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ قَائِمًا ، وَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ مِمَّا يَتَأَكَّدُ بِهِ الْمَهْرُ ، وَتَأَكُّدُهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ يَكُونُ وَلَا يَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ شَيْءٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّأَكُّدُ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ لَمَّا أَوْجَبَتْ كَمَالَ الْمَهْرِ فَلَأَنْ تُوجِبَ الْعِدَّةَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ ، وَفِي الْعِدَّةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَاطُ فِيهَا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ فِيهِ الْخَلْوَةُ لَا يَجِبُ كَمَالُ الْمَهْرِ ، وَهَلْ تَجِبُ

الْعِدَّةُ ؟ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْفَسَادُ لِمَانِعٍ حَقِيقِيٍّ لَا تَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوَطْءُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ الْحَقِيقِيِّ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا أَوْ طَبْعِيًّا تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَعَ وُجُودِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَانِعِ مُمْكِنٌ فَيُتَّهَمَانِ فِي الْوَطْءِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَ الطَّلَاقِ احْتِيَاطًا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
وَأَمَّا التَّأَكُّدُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَنَقُولُ : لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ الْمُسَمَّى ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ بَلْ انْتَهَى نِهَايَتهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لِلْعُمْرِ فَتَنْتَهِي نِهَايَتُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْعُمْرِ ، وَإِذَا انْتَهَى يَتَأَكَّدُ فِيمَا مَضَى ، وَيَتَقَرَّرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ يَتَقَرَّرُ بِمَجِيءِ اللَّيْلِ فَيَتَقَرَّرُ الْوَاجِبُ ، وَلِأَنَّ كُلَّ الْمَهْرِ لَمَّا وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَالْمَوْتُ لَمْ يُعْرَفْ مُسْقِطًا لِلدَّيْنِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
وَكَذَا إذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا ، سَوَاءٌ كَانَ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ قَتَلَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ .
فَأَمَّا إذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً لَا يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بَلْ يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ يَسْقُطُ الْمَهْرُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّهَا بِالْقَتْلِ فَوَّتَتْ عَلَى الزَّوْجِ حَقَّهُ فِي الْمُبْدَلِ فَيَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا إذَا ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يَصِيرُ تَفْوِيتًا لِلْحَقِّ عِنْدَ زُهُوقِ الرُّوحِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ قَتْلًا فِي حَقِّ الْمَحَلِّ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَالْمَهْرُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ

مِلْكُ الْوَرَثَةِ فَلَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِفِعْلِهَا كَمَا إذَا قَتَلَهَا زَوْجُهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ وَالتَّقْبِيلِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَقْتَ التَّقْبِيلِ وَالرِّدَّةِ كَانَ مِلْكَهَا فَاحْتَمَلَ السُّقُوطَ بِفِعْلِهَا كَمَا إذَا قَتَلَهَا زَوْجُهَا أَوْ قَتَلَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ سَقَطَ مَهْرُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَسْقُطُ بَلْ يَتَأَكَّدُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَوْتَ مُؤَكِّدٌ لِلْمَهْرِ وَقَدْ وُجِدَ الْمَوْتُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَيَتَأَكَّدُ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَتَلَهَا زَوْجُهَا وَكَالْحُرَّةِ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ إنَّمَا أَكَّدَ الْمَهْرَ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ النِّكَاحُ ، وَالشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ يَتَقَرَّرُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ النِّكَاحُ فَيَتَقَرَّرُ بِهِ الْمُبْدَلُ ، وَتَقَرُّرُ الْمُبْدَلِ يُوجِبُ تَقَرُّرَ الْبَدَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ لَهُ الْبَدَلُ فَوَّتَ الْمُبْدَلَ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَتَفْوِيتُ الْمُبْدَلِ عَلَى صَاحِبِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ الْبَدَلِ كَالْبَائِعِ إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَسْقُطُ الثَّمَنُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ وُجِدَ تَفْوِيتُ الْمُبْدَلِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْمُبْدَلِ هُوَ الْمَوْلَى وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُبْدَلَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْبَدَلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَرْضَى بِمِلْكِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمُبْدَلِ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ إيفَاءُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمُبْدَلِ عَنْ مِلْكِهِ إضْرَارًا بِهِ ، وَالْأَصْلُ فِي الضَّرَرِ أَنْ لَا يَكُونَ فَكَانَ إقْدَامُ الْمَوْلَى عَلَى تَفْوِيتِ الْمُبْدَلِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إسْقَاطًا لِلْبَدَلِ دَلَالَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَسْقَطَهُ نَصًّا بِالْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّهَا وَقْتَ فَوَاتِ الْمُبْدَلِ لَمْ

تَكُنْ مُسْتَحِقَّةً لِلْبَدَلِ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْوَرَثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ وَقْتَ فَوَاتِ الْمُبْدَلِ عَلَى الزَّوْجِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَحَقُّهُ .
وَالْإِنْسَانُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلسُّقُوطِ بِتَفْوِيتِ الْمُبْدَلِ دَلَالَةً كَمَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلسُّقُوطِ بِالْإِسْقَاطِ نَصًّا بِالْإِبْرَاءِ ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَمَّا إذَا قَتَلَهَا زَوْجُهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا لِلزَّوْجِ فِي مَهْرِهَا فَلَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِإِسْقَاطِهِمَا ، وَلِهَذَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِإِسْقَاطِهِمَا نَصًّا فَكَيْفَ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ ؟ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ أَنَّ قَتْلَ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَصَارَ كَمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : إنَّهَا تُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا ، وَقَتْلُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ ، وَقَتْلُ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ إنْ كَانَ عَمْدًا ، وَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ إنْ كَانَ خَطَأً فَلَمْ يَكُنْ قَتْلُهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ هَذَا إذَا قَتَلَهَا الْمَوْلَى فَأَمَّا إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا : ( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ قَتْلَهَا نَفْسَهَا بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا بِدَلِيلِ أَنَّ جِنَايَتَهَا كَجِنَايَتِهِ فِي بَابِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِمَالِ الْمَوْلَى وَلَوْ قَتَلَهَا الْمَوْلَى يَسْقُطُ الْمَهْرُ عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْبَدَلَ حَقُّ الْمَوْلَى وَمِلْكُهُ فَتَفْوِيتُ الْمُبْدَلِ مِنْهَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ

حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَوْلَى ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ أَنَّ جِنَايَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا هَدَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ وَصَارَتْ كَأَنَّهَا مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهَا ، فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْكَفَّارَةِ ، وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهَا مُعْتَبَرَةً فَلَا تُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
وَإِذَا تَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِأَحَدِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ بَعْدَ تَأَكُّدِهِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ إلَّا بِالْإِبْرَاءِ كَالثَّمَنِ إذَا تَأَكَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ .
وَأَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : مُتْعَتُهَا مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ الْمِيرَاثِ لَا غَيْرَ ، احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَمَتِّعُوهُنَّ } أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْمُتْعَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالِ الْمَوْتِ وَغَيْرِهَا ، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الطَّلَاقِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمَوْتِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ ثُمَّ ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي الْكِتَابَاتِ مِنْ الْإِبَانَةِ وَالتَّسْرِيحِ وَالتَّحْرِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَا هَهُنَا .
( وَلَنَا ) مَا رَوَيْنَا عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي

بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - وَقَدْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا - بِمَهْرِ الْمِثْلِ } ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ وَجَبَ كُلُّ الْمُسَمَّى بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ مَوْجُودٌ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا إيجَابَ الْمُتْعَةِ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَوْتِ فَمَنْ ادَّعَى إلْحَاقَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ ، فَالْمَهْرُ كُلُّهُ يَسْقُطُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ : .
مِنْهَا : الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْمَرْأَةِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ بِهَا ، فَكُلُّ فُرْقَةٍ قَدْ حَصَلَتْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ تُسْقِطُ جَمِيعَ الْمَهْرِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ تَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ سُقُوطَ كُلِّ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ رَفَعَهُ مِنْ الْأَصْلِ وَجَعَلَهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَسَنُبَيِّنُ الْفُرْقَةَ الَّتِي تَكُونُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَاَلَّتِي تَكُونُ بِطَلَاقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا ، وَمِنْهَا : الْإِبْرَاءُ عَنْ كُلِّ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ ، وَالْإِسْقَاطُ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلسُّقُوطِ يُوجِبُ السُّقُوطَ ، وَمِنْهَا : الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَدَّتْهُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ سِوَى الْمَهْرِ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ الْمَالُ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا بِعِوَضٍ عِنْدَنَا لَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ لِمَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَالَعَةِ وَالْمُبَارَأَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْخُلْعِ وَعَمَلِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْهَا : هِبَةُ كُلِّ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ عَيْنًا .
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هِبَةِ الْمَهْرِ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ مِمَّا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ

، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فِي الذِّمَّةِ وَالْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْعَرْضِ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيُّ ، وَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَبَتْ كُلَّ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضَهُ ، فَإِنْ وَهَبَتْهُ كُلَّ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ دَيْنًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ : أَنَّهَا بِالْهِبَةِ تَصَرَّفَتْ فِي الْمَهْرِ بِالْإِسْقَاطِ وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ اسْتِهْلَاكُهُ ، وَالِاسْتِهْلَاكُ يَتَضَمَّنُ الْقَبْضَ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَبَضَتْ ثُمَّ وَهَبَتْ ، وَلَنَا أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَادَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا بِسَبَبٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْمَهْرِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ وَالْهِبَةُ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ كَالنِّصْفِ الْآخَرِ ، وَإِنْ وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَا تَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ هُوَ نِصْفُ الْمَوْهُوبِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ بِعَقْدٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا فَكَذَلِكَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَكِيلًا أَوْ

مَوْزُونًا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي وَهَبَتْهُ بِعَيْنِهِ ، بَلْ مِثْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا كَانَتْ مُخَيَّرَةً فِي الدَّفْعِ إنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ مِثْلَهُ كَمَا كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنِ الْعَائِدُ إلَيْهِ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَصَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْ مَالًا آخَرَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الصَّدَاقِ كَذَا هَذَا .
وَقَالَ زُفَرُ : فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ وَهَبَتْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَتَتَعَيَّنُ بِالْفَسْخِ أَيْضًا كَالْعُرُوضِ ، وَعِنْدَنَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْفَسْخِ ، وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَقَبَضَتْ الْكُلَّ ثُمَّ وَهَبَتْ الْبَعْضَ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا إذَا وَهَبَتْ الْكُلَّ فَإِذَا وَهَبَتْ الْبَعْضَ أَوْلَى ، وَإِذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ ثُمَّ وَهَبَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ أَوْ وَهَبَتْ الْكُلَّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِرُبُعِ الْمَهْرِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، فَإِذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ دُونَ النِّصْفِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مُشَاعًا فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ وَفِيمَا قَبَضَتْ ، فَكَانَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ رُبُعُ الْكُلِّ فِي ذِمَّتِهِ وَنِصْفُ النِّصْفِ فِيمَا قَبَضَتْ إلَّا أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ وَهَبَتْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ

؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَا فِي ذِمَّتِهِ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَيْهَا ، فَإِذَا وَهَبَتْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي نِصْفِ مَا فِي يَدِهَا - وَهُوَ الرُّبُعُ - فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَهَبَتْ وَطَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَقَدْ عَادَ إلَيْهِ مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ بِسَبَبٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهُوَ الْهِبَةُ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا فَوَجَبَ الْأَرْشُ أَوْ كَانَ شَجَرًا فَأَثْمَرَ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ ثُمَّ وَهَبَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ يَنْقَطِعُ عَنْ الْعَيْنِ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا مَعَ الزِّيَادَةِ ، وَإِذَا كَانَ حَقُّهُ مُنْقَطِعًا عَنْهَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ بِالطَّلَاقِ ، فَكَانَ لَهُ قِيمَتُهَا ، وَإِذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَالْحَقُّ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْعَيْنِ بِهِ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ مَعَ الْعَيْبِ فَلَمْ يَكُنْ الْحَقُّ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ الْوَاصِلُ إلَى الزَّوْجِ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ .
وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي بَدَنِهَا فَوَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُ تَمْنَعُ ، وَإِذَا بَاعَتْهُ الْمَهْرَ أَوْ وَهَبَتْهُ عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ ، نِصْفِهِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَبِنِصْفِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ عَادَ إلَى الزَّوْجِ بِسَبَبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ فَوَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ ، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ بَاعَتْهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الزَّوْجُ مِنْ

الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ إنْ كَانَتْ بَاعَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْ ثُمَّ بَاعَتْ فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَمَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ نَوْعَانِ : .
نَوْعٌ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَنَوْعٌ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنًى وَالْكُلُّ صُورَةً ، أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ ، وَالْمَهْرُ دَيْنٌ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ .
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ قَدْ يَسْقُطُ بِهِ عَنْ الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَقَدْ يَعُودُ بِهِ إلَيْهِ النِّصْفُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ بِهِ مِثْلُ النِّصْفِ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى إمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سَقَطَ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ وَبَقِيَ النِّصْفُ هَذَا طَرِيقُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفٌ آخَرُ ابْتِدَاءً عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتْعَةِ لَا بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى ، وَالْمُتْعَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ ذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِي وَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا : إنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ ، وَذَلِكَ مُتْعَتُهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ } أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتْعَةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ

فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ قُدِّرَتْ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ ، وَسَلَامَةُ الْمُبْدَلِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ لِلْآخَرِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبْدَلَ إذَا عَادَ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ فَلَوْ لَمْ تُسَلِّمْ الْبَدَلَ إلَى الزَّوْجِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا الْمَهْرُ ، وَلِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نِصْفَ الْمَفْرُوضِ ، فَإِيجَابُ نِصْفٍ آخَرَ عَلَى طَرِيقِ الْمُتْعَةِ إيجَابُ مَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْإِبْطَالِ وَضْعًا ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَانَ تَصَرُّفًا فِي الْمِلْكِ ثُمَّ إذَا بَطَلَ الْمِلْكُ لَا يَبْقَى النِّكَاحُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَنْتَهِي لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ وَيَتَقَرَّرُ فِيمَا مَضَى بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ تَصَرُّفًا فِي الْمِلْكِ ثُمَّ السَّبَبُ يَنْتَهِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ ، وَيَتَقَرَّرُ فِيمَا مَضَى كَذَا الطَّلَاقُ .
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ إلَّا أَنَّ سُقُوطَ النِّصْفِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِإِحْدَاثِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ جَبْرًا لِلذُّلِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَبِالطَّلَاقِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ بِالنَّصِّ .
وَأَمَّا النَّصُّ فَقَدْ

قِيلَ : إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالنَّصِّ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : " وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ " الْآيَةَ أَوْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالتَّمَتُّعِ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ ، وَقَوْلُهُمْ : ( الطَّلَاقُ فَسَخُ النِّكَاحِ ) مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْقَطْعِ وَالْإِبْطَالِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْإِعْتَاقِ ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا عَادَ إلَى الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ بَلْ يَبْطُلُ مِلْكُ الزَّوْجِ عَنْ الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ وَيَصِيرُ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا أَنْ يَعُودَ ، أَوْ يُقَالُ : إنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُشْبِهُ الْفَسْخَ لِمَا قَالُوا ، وَيُشْبِهُ الْإِبْطَالَ لِمَا قُلْنَا : وَشِبْهُ الْفَسْخِ يَقْتَضِي سُقُوطَ كُلِّ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَشِبْهُ الْإِبْطَالِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَنَصَّفُ تَوْفِيرُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّبَهَيْنِ عَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الطَّرِيقِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَوْلِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَرْأَةِ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا نِصْفُ الزَّكَاةِ .
وَلَوْ سَقَطَ الْمُسَمَّى كُلُّهُ ثُمَّ وَجَبَ نِصْفُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَسَقَطَ كُلُّ الزَّكَاةِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ - بِسُقُوطِ كُلِّ الْمَهْرِ ثَمَّ يُوجِبُ نِصْفَهُ - غَيْرُ مُفِيدٍ ، وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَلَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مَالٌ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ

الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَسَقَطَ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ إذَا لَمْ يَقَعْ الْوَفَاءُ بِهِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى فَيَتَنَصَّفُ ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا هَدِيَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْكَرَامَةِ وَالْهَدِيَّةِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ حَتَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِهِمَا : الْأَقَلُّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَقَلُّ فَيَتَنَصَّفُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ حَتَّى فَسَدَ الشَّرْطُ التَّالِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا نِصْفُ الْأَقَلِّ لِمَا قُلْنَا .
وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَا سَمَّى وَتَمَامُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ تَسْمِيَةٌ لِلْعَشَرَةِ عِنْدَنَا فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَتَمَامِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَتْهُ فَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فِي الذِّمَّةِ

فَقَبَضَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهَا فَطَلَّقَهَا فَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَتْ ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُنْ وَاجِبًا بِالْفَسْخِ .
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَتَتَعَيَّنُ بِالْفَسْخِ فَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَقْبُوصِ إنْ كَانَ قَائِمًا ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَسَطًا أَوْ ثَوْبًا وَسَطًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مِثْلَ لَهُ ، وَالْأَصْلُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ وَجَبَ الْوَسَطُ مِنْهُ فِي الذِّمَّةِ وَتَحَمَّلَتْ الْجَهَالَةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، فَإِذَا تَعَيَّنَ بِالْقَبْضِ كَانَ إيجَابُ نِصْفِ الْعَيْنِ أَعْدَلَ مِنْ إيجَابِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فَقَبَضَتْهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِمَا نَذْكُرُ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى وَرَدَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا بِأَنْ كَانَ مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَسَائِرِ الْأَعْيَانِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ وَإِمَّا إنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا عَادَ الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ إلَيْهِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ ، وَلَا يَحْتَاجُ لِلْعَوْدِ إلَيْهِ إلَى الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِي نِصْفِهَا بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا لَا يَعُودُ الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ إلَيْهِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَلَا يَنْفَسِخُ مِلْكُهَا فِي النِّصْفِ حَتَّى يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ أَوْ تُسَلِّمَهُ الْمَرْأَةُ

.
وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَاتِ وَزَادَ عَلَيْهِ الْفَسْخَ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : ( قَدْ فَسَخْت ) هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ مِلْكُهَا فِي النِّصْفِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ جَازَ إعْتَاقُهَا فِي جَمِيعِهَا ، وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الزَّوْجِ فِيهَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهَا إلَّا فِي النِّصْفِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِهَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعَوْدِ هُوَ الطَّلَاقُ ، وَقَدْ وُجِدَ فَيَعُودُ مِلْكُ الزَّوْجِ كَالْبَيْعِ إذَا فُسِخَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَعُودُ مِلْكُ الْبَائِعِ بِنَفْسِ الْفَسْخِ كَذَا هَذَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا : أَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ انْفَسَخَ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ بَقِيَ الْقَبْضُ بِالتَّسْلِيطِ الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ وَأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ عِنْدَنَا فَكَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ قَائِمًا ، فَكَانَ الْمِلْكُ قَائِمًا فَلَا يَزُولُ إلَّا بِالْفَسْخِ مِنْ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ سَبَبَ الْمِلْكِ أَوْ بِتَسْلِيمِهَا ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا نَقْضٌ لِلْقَبْضِ حَقِيقَةً أَوْ بِفَسْخِ الزَّوْجِ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِ عَقْدِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَقَبَضَ الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْجَارِيَةَ حَتَّى هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْجَارِيَةِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ الْمَقْبُوضِ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ ، كَأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ كَذَا هَذَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلٌ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَلَا يَنْفَسِخُ الْمِلْكُ فِيهِ بِفِعْلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ كَالثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ غَيْرَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِلْكًا مُطْلَقًا هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ .

فَأَمَّا إذَا زَادَ فَالزِّيَادَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ فِي الْمَهْرِ أَوْ عَلَى الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَهْرِ بِأَنْ سَمَّى الزَّوْجُ لَهَا أَلْفًا ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مِائَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ وَبَطَلَتْ الزِّيَادَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْأَلْفِ وَنِصْفَ الزِّيَادَةِ أَيْضًا .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } وَالزِّيَادَةُ مَفْرُوضَةٌ فَيَجِبُ تَنْصِيفُهَا فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْأَصْلِ .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّاةً فِي الْعَقْدِ حَقِيقَةً ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ فَوُرُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُبْطِلُهُ كَمَهْرِ الْمِثْلِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : الزِّيَادَةُ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ قُلْنَا : الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ لَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْعَقْدِ حَقِيقَةً ، وَإِلْحَاقُ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ بِالْعَقْدِ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ ؛ لِكَوْنِهِ عَقْدَ مُعَايَنَةٍ وَمُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ دَفْعًا لِلْخُسْرَانِ ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ عَقْدَ مُعَايَنَةٍ وَلَا مُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْخُسْرَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَغْيِيرِ الْحَقِيقَةِ .
وَأَمَّا النَّصُّ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا جُنَاحَ

عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ } فَدَلَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَهْرِ ، فَالْمَهْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَالزِّيَادَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ ، وَالْمُتَّصِلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالْجَمَالِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالنُّطْقِ ، كَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ وَزَوَالِ الْخَرَسِ وَالصَّمَمِ ، وَالشَّجَرِ إذَا أَثْمَرَ وَالْأَرْضِ إذَا زُرِعَتْ أَوْ غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْهُ كَالثَّوْبِ إذَا صُبِغَ وَالْأَرْضِ إذَا بُنِيَ فِيهَا بِنَاءٌ .
وَكَذَا الْمُنْفَصِلَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالْوَبَرِ وَالصُّوفِ إذَا جُزَّ وَالشَّعْرِ إذَا أُزِيلَ وَالثَّمَرِ إذَا جُدَّ وَالزَّرْعِ إذَا حُصِدَ أَوْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْهُ وَلَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَلَّدِ كَالْهِبَةِ وَالْكَسْبِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ فَهِيَ مَهْرٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ أَوْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ لِكَوْنِهَا نَمَاءَ الْأَصْلِ ، وَالْأَرْشُ بَدَلُ جُزْءٍ هُوَ مَهْرٌ فَلْيَقُمْ مَقَامَهُ ، وَالْعُقْرُ بَدَلُ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الْمَهْرِ ، فَإِذَا حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِلْقَبْضِ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَكَانَ وُجُودُهَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَوُجُودِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَهْرٍ لَا

مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَهْرِ فَلَا تَكُونُ مَهْرًا فَلَا تَتَنَصَّفُ ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُ الْأَصْلِ بِدُونِ تَنْصِيفِ الزِّيَادَةِ فَامْتَنَعَ التَّنْصِيفُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا بِالزِّيَادَةِ صَارَتْ قَابِضَةً لِلْأَصْلِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ حُكِمَ بِالْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْ الْأَصْلِ فَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَهْرٍ ، وَهِيَ كُلُّهَا لِلْمَرْأَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا تَتَنَصَّفُ وَيَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هِيَ مَهْرٌ فَتَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ .
( وَوَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لِلْأَصْلِ فَتَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْوَلَدِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَهْرٍ لَا مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا ، أَمَّا مَقْصُودًا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا مَقْصُودًا .
وَكَذَا هِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِتَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ الْهِبَةَ لَهَا .
وَأَمَّا تَبَعًا ؛ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَهْرٍ لَا قَصْدًا وَلَا تَبَعًا ، وَإِنَّمَا هِيَ مَالُ الْمَرْأَةِ فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ أَمْوَالِهَا بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ الْمَهْرِ فَكَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ فَتَتَنَصَّفُ كَمَا يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ .
وَلَوْ آجَرَ الزَّوْجُ الْمَهْرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ فَالْأُجْرَةُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ مُتَقَوِّمَةٍ بِأَنْفُسِهَا عِنْدَنَا ، وَإِنَّمَا تَأْخُذُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِالْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ صَدَرَ مِنْ الزَّوْجِ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ كَالْغَاصِبِ إذَا آجَرَ الْمَغْصُوبَ ، وَيُتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ حَصَلَ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ

التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ الْخَبَثُ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ بِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَحَدَثَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ أَيْ : قَبْلَ الْفُرْقَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ سَلَّمَهُ إلَيْهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تَمْنَعُ وَيَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } جَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ فَرْضُ نِصْفِ الْمَفْرُوضِ فَمَنْ جَعَلَ فِيهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْمَفْرُوضِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ ، وَإِذَا وَجَبَ تَنْصِيفُ أَصْلِ الْمَفْرُوضِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ إلَّا بِتَنْصِيفِ الزِّيَادَةِ فَيَجِبُ تَنْصِيفُ الزِّيَادَةِ ضَرُورَةً ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ بِهِ ، وَالْأَصْلُ مَهْرٌ فَكَذَا الزِّيَادَةُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ مَحْضَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِالِانْفِصَالِ صَارَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَهْرًا وَبِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِي الْهِبَةِ أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ وَالِاسْتِرْدَادِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِيَقِينٍ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ فَتَعَذَّرَ إيرَادُ الْفَسْخِ عَلَيْهَا فَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا : أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا عِنْدَ مَا لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْقَبْضُ فَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْمَهْرِ فَلَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى

مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ أَصْلًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ نَقَضَ الْعَقْدَ ، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ الْأَصْلِ مَعَ نِصْفِ الزِّيَادَةِ أَوْ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ الْأَصْلِ بِدُونِ رَدِّ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَانَ أَخْذُ الزِّيَادَةِ مِنْهَا أَخْذَ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الرِّبَا ؛ وَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ الْمَفْرُوضِ لَا نِصْفُ الْمَفْرُوضِ ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْمَفْرُوضِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَفْرُوضِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْأَثْمَانُ دُونَ السِّلَعِ ، وَالْأَثْمَانُ لَا تَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا أَنَّهَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَمْنَعُ وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّنْصِيفِ قَدْ ارْتَفَعَ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ ، وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ قِيمَةِ الْأَصْلِ إلَى الزَّوْجِ وَقَالَ زُفَرُ : لَا تَمْنَعُ وَيَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَهِيَ لَهَا خَاصَّةً وَالْأَصْلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِالْإِجْمَاعِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ : أَنَّ الزِّيَادَةَ

تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ مِنْهُ فَتَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ كَالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( وَلَنَا ) أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ فَلَمْ تَكُنْ مَهْرًا ، وَالْفَسْخُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا لَهُ حُكْمُ الْمَهْرِ فَلَا تَتَنَصَّفُ وَتَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَرْأَةِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُ الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ ، وَهُوَ رَدُّ نِصْفِ الْجَارِيَةِ بِدُونِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهَا لَا يَصِيرُ لَهَا فَضْلُ أَصْلِ فَسْخِ الْعَقْدِ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تُبَدَّلَ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ، وَذَلِكَ وَصْفُ الرِّبَا وَأَنَّهُ حَرَامٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ تَنْصِيفُ الْمَفْرُوضِ لِمَكَانِ الرِّبَا يُجْعَلُ الْمَفْرُوضُ كَالْهَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ كَوْنِهِ مَعْجُوزَ التَّسْلِيمِ إلَى الزَّوْجِ بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ فَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِيَزُولَ مَعْنَى الرِّبَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَمَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَهَا وَعَلَيْهَا رَدُّ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ قَبَضَتْ كَذَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَرُدُّ الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالتَّقْبِيلِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ فَقَالَ فِي الطَّلَاقِ : تَرُدُّ نِصْفَ قِيمَةِ الْأَصْلِ ، وَفِي الرِّدَّةِ وَالتَّقْبِيلِ تَرُدُّ الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ جَمِيعًا .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ أَنَّ الرِّدَّةَ وَالتَّقْبِيلَ فَسْخُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ ، وَجَعْلُ إيَّاهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَصَارَ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْعَبْدَ حَتَّى وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ وَوَلَدَهَا ؛ لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ فِي يَدِ بَائِعِهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إطْلَاقٌ وَحَلٌّ لِلْعَقْدِ وَلَيْسَ

بِفَسْخٍ فَيَنْحَلُّ الْعَقْدُ وَتَطْلُقُ أَوْ يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ الْأَصْلِ .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي الطَّلَاقَ وَالرِّدَّةَ يَعُودُ سَلِيمًا إلَى الْمَرْأَةِ كَمَا كَانَ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ طَلَاقٌ مِنْ وَجْهٍ وَفَسْخٌ مِنْ وَجْهٍ ، فَأَوْجَبَ عَوْدَ نِصْفِ الْبَدَلِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ ، وَالرِّدَّةُ وَالتَّقْبِيلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُوجِبُ عَوْدَ الْكُلِّ إلَى الزَّوْجِ هَذَا كُلُّهُ إذَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ .
فَأَمَّا إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِأَنْ طَلَّقَهَا ، ثُمَّ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ ، وَإِمَّا أَنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَالْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَضَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وُجِدَ الطَّلَاقُ عَادَ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَصَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكَيْهِمَا ، فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ ، فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى بِهِ ، فَقَدْ عَادَ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ ، فَحَصَلَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمِلْكَيْنِ ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ ، فَالْمَهْرُ فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهَا ، وَقَدْ فُسِخَ مِلْكُهَا فِي النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَبْدًا .
فَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ جَازَ إعْتَاقُهَا ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الزَّوْجُ لَا يَنْفُذُ ، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْبَائِعِ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ، وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا هَهُنَا هَذَا

الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ .

( وَأَمَّا ) حُكْمُ النُّقْصَانِ ، فَحُدُوثُ النُّقْصَانِ فِي الْمَهْرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَلَا يَخْلُو مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ .
إمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ الْمَهْرِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ ، أَوْ بَعْدَهُ ، وَالنُّقْصَانُ فَاحِشٌ أَوْ غَيْرُ فَاحِشٍ ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ، وَهُوَ فَاحِشٌ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ فَالْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْعَبْدَ النَّاقِصَ ، وَأَتْبَعَتْ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ ، وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْ ، وَأَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِضَمَانِ النُّقْصَانِ ، وَهُوَ الْأَرْشُ أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ ؛ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَهْرُ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْضُهُ قِيمَةً ، وَيُعْتَبَرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَوَجَبَ الْخِيَارُ كَتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَإِنْ اخْتَارَتْ أَخْذَ الْعَبْدِ أَتْبَعَتْ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهَا ، وَإِنْ اخْتَارَتْ أَخْذَ الْقِيمَةَ ؛ أَتْبَعَ الزَّوْجُ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ، فَقَامَ مَقَامَ الْمَرْأَةِ ، فَكَانَ الْأَرْشُ لَهُ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْعَبْدَ نَاقِصًا ، وَتُضَمِّنَ الزَّوْجَ الْأَرْشَ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا اخْتَارَتْ أَخْذَهُ ، فَقَدْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ ضَمَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، فَالْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا ، وَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرَ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ ، وَأَخَذَتْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ ، وَالْأَوْصَافُ لَا

تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ لِعَدَمِ ، وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مَوْصُوفًا ، فَلَا يَظْهَرُ الضَّمَانُ فِي حَقِّهَا ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ لِتَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَهْرُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْمَبِيعِ إذَا اُنْتُقِصَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَذَا هَذَا .
وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا ، وَأَخَذَتْ مَعَهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ كَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا ، وَبَيْنَ الْبَائِعِ إذَا جَنَى عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا جَنَى عَلَى الْمَهْرِ ؛ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا ، وَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرَ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْقِيمَةَ ، وَسُوِّيَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الْمَبِيعِ ( وَوَجْهُ ) التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ، أَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهَا فِيهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، ثُمَّ الْحُكْمُ فِي الْبَيْعِ هَذَا كَذَا فِي النِّكَاحِ .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَوْصَافَ ، وَهِيَ الْأَتْبَاعُ إنْ كَانَتْ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ ، فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ ، فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً إلَّا أَنَّ الْمَبِيعَ ، لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِضَمَانٍ آخَرَ ، وَهُوَ الثَّمَنُ ، وَالْمَحَلُّ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ ، وَالْمَهْرُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الزَّوْجِ بِمِلْكِ النِّكَاحِ بَلْ بِالْقِيمَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الْمَهْرَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُ النِّكَاحِ ، وَلَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ، فَكَذَا إذَا أَتْلَفَ الْجُزْءَ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمَهْرِ بِأَنْ جَنَى الْمَهْرُ عَلَى

نَفْسِهِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ حُكْمُ هَذَا النُّقْصَانِ مَا هُوَ حُكْمُ النُّقْصَانِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ هَدْرٌ ، فَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ ، فَكَانَتْ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ جِنَايَةِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ فِي يَدِ الضَّامِنِ ، وَهُوَ الزَّوْجُ ، وَجِنَايَةُ الْمَضْمُونِ فِي يَدِ الضَّامِنِ كَجِنَايَةِ الضَّامِنِ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ ، فَقَدْ صَارَتْ قَابِضَةً بِالْجِنَايَةِ ، فَجُعِلَ كَأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ فِي يَدِهَا كَالْمُشْتَرِي إذَا جَنَى عَلَى الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ كَذَا هَهُنَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا .
فَأَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا ، فَلَا خِيَارَ لَهَا كَمَا إذَا كَانَ هَذَا الْعَيْبُ بِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَهْرِ ؛ فَلَا شَيْءَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ تَتْبَعُهُ بِنِصْفِ النُّقْصَانِ .
وَكَذَا إنْ كَانَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ هَذَا إذَا حَدَثَ النُّقْصَانُ فِي يَدِ الزَّوْجِ .
فَأَمَّا إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَخْلُو مِنْ الْأَقْسَامِ ، الَّتِي وَصَفْنَاهَا ، فَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ فَاحِشٌ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَالْأَرْشُ لَهَا ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ، فَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَتْ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ ، فَيُمْنَعُ التَّنْصِيفُ كَالْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْأَرْشِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ ، وَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْجَانِيَ ، وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ ، وَعَوْدَ النِّصْفَ إلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِالطَّلَاقِ ، وَتَوَقَّفَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ

التَّرَاضِي ، فَصَارَ فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ ، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ، فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَلَا يَدَ لَهُ فِيهِ ، فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَجْنَبِيِّ مَا وَصَفْنَا ، وَإِنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ ؛ فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَعَهَا عِنْدَ الْفَسْخِ كَحَقِّهِ مَعَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ .
وَلَوْ حَدَثَ نُقْصَانٌ فِي يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ نَاقِصًا أَوْ قِيمَتَهُ ، فَكَذَا حَقُّ الزَّوْجِ مَعَهَا عِنْدَ الْفَسْخِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ ، وَنِصْفَ الْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ يَبْقَى فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا ، وَحَقُّ الْغَيْرِ فِي الْفَسْخِ مُسْتَقِرٌّ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبَضَتْ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ ، فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ عَبْدًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لِلزَّوْجِ أَنْ يُضَمِّنَهَا الْأَرْشَ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا بِالْقَبْضِ ، وَالْأَوْصَافِ ، وَهِيَ الْأَتْبَاعُ ، فَتُضَمَّنُ بِالْقَبْضِ ، وَلَا تُضَمَّنُ بِالْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ زُفَرُ فِي النُّقْصَانِ الْحَادِثِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْمَرْأَةَ جَنَتْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهَا ، وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ غَيْرُ مَضْمُونَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِ

غَيْرِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ زُفَرُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا صَادَفَ مِلْكَ نَفْسِهَا ، وَقَبْضُ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَدْ اسْتَقَرَّ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمَهْرِ ، فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا إنْ شَاءَ ؛ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا جِنَايَةَ الْمَهْرِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا كَجِنَايَةِ الْمَرْأَةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً أَيْضًا ، فَلَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً أَيْضًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا .
فَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ ، فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ، لَا يَتَنَصَّفُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَمْنَعُ التَّنْصِيفَ ، وَإِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِ الْمَهْرِ أَخَذَ النِّصْفَ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ .

( وَأَمَّا ) النَّوْعُ الثَّانِي ، وَهُوَ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنًى ، وَالْكُلُّ صُورَةً : فَهُوَ كُلُّ طَلَاقٍ تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ .
فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ الطَّلَاقِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ ، وَاَلَّذِي تُسْتَحَبُّ فِيهِ ، وَفِي تَفْسِيرِ الْمُتْعَةِ ، وَفِي بَيَانِ مَنْ تُعْتَبَرُ الْمُتْعَةُ بِحَالِهِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ ، فَالطَّلَاقُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، وَلَا فَرْضَ بَعْدَهُ أَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةً ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ ، وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ ، فَمَالِكٌ لَا يَرَى وُجُوبَ الْمُتْعَةِ أَصْلًا ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَيَّدَ الْمُتْعَةَ بِالْمُتَّقِي ، وَالْمُحْسِنِ بِقَوْلِهِ { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } { حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } ، وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُحْسِنُ ، وَالْمُتَّقِي ، وَغَيْرُهُمَا ، فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ .
( وَلَنَا ) قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } ، وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ تَفْرِضُوا أَيْ : وَلَمْ تَفْرِضُوا أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { ، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، وَقَدْ فَرَضُوا لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَفْرِضُوا لَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ الْمَفْرُوضَ ، وَقَدْ تَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ .
وَقَالَ : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } : وَلَا كَفُورًا وقَوْله تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } ( وَعَلَى ) كَلِمَةُ إيجَابٍ ، وقَوْله تَعَالَى { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } وَلَيْسَ فِي أَلْفَاظِ الْإِيجَابِ كَلِمَةٌ أَوْكَدُ مِنْ قَوْلِنَا

حَقٌّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقِّيَّةَ تَقْتَضِي الثُّبُوتَ ، وَعَلَى كَلِمَةُ إلْزَامٍ ، وَإِثْبَاتٍ ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِيَ التَّأْكِيدَ ، وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ كَمَا يَلْزَمُنَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ أَيْضًا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُتَّقِي ، وَالْمُحْسِنُ ، وَغَيْرُهُمَا ، ثُمَّ نَقُولُ : الْإِيجَابُ عَلَى الْمُحْسِنِ ، وَالْمُتَّقِي لَا يَنْفِي الْإِيجَابَ عَلَى غَيْرِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ هُدًى لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ كَذَا هَذَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ هَهُنَا وَاجِبَةٌ أَنَّهَا بَدَلُ الْوَاجِبِ ، وَهُوَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَبَدَلُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ ، وَيَحْكِي حِكَايَتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمَّا كَانَ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ ، وَالْوُضُوءُ وَاجِبٌ كَانَ التَّيَمُّمُ وَاجِبًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ تَجِبُ بَدَلًا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ، أَنَّ بَدَلَ الشَّيْءِ مَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْمُتْعَةُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَهُوَ النِّكَاحُ لَا الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ لَا مُوجِبٌ لَهَا لَكِنْ عِنْدَ الطَّلَاقِ يَسْقُطُ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ بَدَلًا عَنْ نِصْفِهِ ، وَهَذَا طَرِيقُ مُحَمَّدٍ ، فَإِنَّ الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ تَهْلَكُ الْمُتْعَةُ .
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ : فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُهُ رَهْنًا بِهَا حَتَّى إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَالْمُتْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ وُجُوبُهَا بِطَرِيقِ الْبَدَلِ عِنْدَهُ بَلْ يُوجِبُهَا ابْتِدَاءً بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَوْ يُوجِبُهَا بَدَلًا عَنْ الْبُضْعِ بِالِاسْتِدْلَالِ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَمْ يُسَمَّ فِيهِ الْمَهْرُ ، وَإِنَّمَا

فُرِضَ بَعْدَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ ، وَكَانَ يَقُولُ : أَوَّلًا يَجِبُ نِصْفُ الْمَفْرُوضَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } أَوْجَبَ تَعَالَى نِصْفَ الْمَفْرُوضَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْفَرْضِ فِي الْعَقْدِ .
ثُمَّ الْمَفْرُوضُ فِي الْعَقْدِ يَتَنَصَّفُ ، فَكَذَا الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ ، وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ } أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَامًّا ، ثُمَّ خُصَّتْ مِنْهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ عِنْدَ وُجُودِهِ ، فَبَقِيَتْ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِهِ عَلَى أَصْلِ الْعُمُومِ ، وقَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } أَيْ : وَلَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ مُنْصَرِفٌ إلَى الْفَرْضِ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ ، وَالْمُتَعَارَفُ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ لَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَرْضَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } مُنْصَرِفٌ إلَى الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ ، وَبِهِ نَقُولُ إنَّ الْمَفْرُوضَ فِي الْعَقْدِ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ وَلِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قَدْ وَجَبَ

بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، فَكَانَ الْفَرْضُ بَعْدَهُ تَقْدِيرًا لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ ، فَكَذَا مَا هُوَ بَيَانٌ وَتَقْدِيرٌ لَهُ إذْ هُوَ تَقْدِيرٌ لِذَلِكَ الْوَاجِبِ .
وَكَذَا الْفُرْقَةُ بِالْإِيلَاءِ ، وَاللِّعَانِ ، وَالْجَبِّ ، وَالْعُنَّةِ ، فَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، فَتُوجِبُ الْمُتْعَةَ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ نِصْفَ الْمُسَمَّى فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ ، وَالْمُتْعَةُ عِوَضٌ عَنْهُ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ ، وَإِبَايَةِ الْإِسْلَامِ ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ ، فَلَا مُتْعَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَا الْمَهْرُ أَصْلًا ، فَلَا تَجِبُ بِهَا الْمُتْعَةُ .
وَالْمُخَيَّرَةُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، فَلَهَا الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةُ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُضَافَةٌ إلَى الْإِبَانَةِ السَّابِقَةِ ، وَهِيَ فِعْلُ الزَّوْجِ .
( وَأَمَّا ) الَّذِي تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُتْعَةُ ، فَهُوَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ ، وَهَذَا عِنْدَنَا .
وَقَالَ : الشَّافِعِيُّ الْمُتْعَةُ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاجِبَةٌ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } جَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعًا فَاللَّامُ الْمِلْكِ عَامًّا إلَّا أَنَّهُ خُصِّصَتْ مِنْهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ ، فَبَقِيَتْ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ ، وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ وَجَبَتْ بِالنِّكَاحِ بَدَلًا عَنْ الْبُضْعِ إمَّا بَدَلًا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ أَوْ ابْتِدَاءً ، فَإِذَا اسْتَحَقَّتْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَلَوْ وَجَبَتْ

الْمُتْعَةُ ؛ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَكُونَ لِمِلْكٍ وَاحِدٍ بَدَلَانِ وَإِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ ، وَالْأَصْلِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ ، فَالْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَسْتَحِقُّ بَعْضَ الْمَهْرِ وَالثَّانِيَةَ تَسْتَحِقُّ الْكُلَّ فَاسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَهْرِ لَمَّا مَنَعَ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْمُتْعَةِ فَاسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ أَوْلَى .
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ ، فَيُحْمَلُ ذِكْرُ الْمَتَاعِ فِيهَا عَلَى النَّدْبِ ، وَالِاسْتِحْبَابِ ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ إنَّهُ يُنْدَبُ الزَّوْجُ إلَى ذَلِكَ كَمَا يُنْدَبُ إلَى أَدَاءِ الْمَهْرِ عَلَى الْكَمَالِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَتَاعٌ إذْ الْمَتَاعُ اسْمٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ كُلِّهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ تُسْتَحَبُّ فِيهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَدَّ أَوْ يَأْبَى الْإِسْلَامَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ طَلَبُ الْفَضِيلَةِ ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَضِيلَةِ .
( وَأَمَّا ) تَفْسِيرُ الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ ، فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّهَا ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ ، وَخِمَارٌ ، وَمِلْحَفَةٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : أَرْفَعُ الْمُتْعَةِ الْخَادِمُ ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكِسْوَةُ ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ النَّفَقَةُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبِرْنِي عَنْ الْمُتْعَةِ ، وَأَخْبِرْنِي عَنْ قَدْرِهَا ، فَإِنِّي مُوسِرٌ ، فَقَالَ : اُكْسُ كَذَا اُكْسُ كَذَا اُكْسُ كَذَا قَالَ : فَحَسَبْتُ ذَلِكَ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْرَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ، فَدَلَّ أَنَّهَا

مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا .
( وَلَنَا ) قَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُتْعَةِ { مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } ، وَالْمَتَاعُ اسْمٌ لِلْعُرُوضِ فِي الْعُرْفِ ؛ وَلِأَنَّ لِإِيجَابِ الْأَثْوَابِ نَظِيرًا فِي أُصُولِ الشَّرْعِ ، وَهُوَ الْكِسْوَةُ الَّتِي تَجِبُ لَهَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ ، وَأَدْنَى مَا تَكْتَسِي بِهِ الْمَرْأَةُ ، وَتَسْتَتِرُ بِهِ عِنْدَ الْخُرُوجِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ ، وَلَا نَظِيرَ لِإِيجَابِ الثَّلَاثِينَ ، فَكَانَ إيجَابُ مَا لَهُ نَظِيرٌ أَوْلَى ، وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ دَلِيلُنَا ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْكِسْوَةِ لَا بِدَرَاهِمَ مُقَدَّرَةٍ إلَّا أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ قِيمَةَ الْكِسْوَةِ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالثَّلَاثِينَ .
وَلَوْ أَعْطَاهَا قِيمَةَ الْأَثْوَابِ دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْأَثْوَابَ مَا وَجَبَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ ، كَالشَّاةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ .
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ تُعْتَبَرُ الْمُتْعَةُ بِحَالِهِ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ .
: قَدْرُ الْمُتْعَةِ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الرَّجُلِ فِي يَسَارِهِ ، وَإِعْسَارِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَعْضُهُمْ : تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ فِي يَسَارِهَا ، وَإِعْسَارِهَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهَا ، وَالْمُسْتَحَبَّةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ قَوْله تَعَالَى { ، وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } جَعَلَ الْمُتْعَةَ عَلَى قَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ فِي يَسَارِهِ ، وَإِعْسَارِهِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مَنْ قَالَ : بِاعْتِبَارِ حَالِهَا أَنَّ الْمُتْعَةَ بَدَلُ بُضْعِهَا ، فَيُعْتَبَرُ حَالُهَا ، وَهَذَا أَيْضًا وَجْهُ مَنْ يَقُولُ الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهَا ، وَقَوْلُهُ الْمُتْعَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِهِ لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّ

التَّقْدِيرَ فِي الْوَاجِبِ لَا فِي الْمُسْتَحَبِّ ( وَجْهُ ) مَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ فِي الْمُتْعَةِ شَيْئَيْنِ أَحَدَهُمَا : حَالَ الرَّجُلِ فِي يَسَارِهِ ، وَإِعْسَارِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } .
وَالثَّانِيَ : أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ بِقَوْلِهِ { مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ } فَلَوْ اعْتَبَرْنَا فِيهَا حَالَ الرَّجُلِ دُونَ حَالِهَا عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا شَرِيفَةٌ ، وَالْأُخْرَى مَوْلَاةٌ دَنِيئَةٌ ، ثُمَّ طَلَّقَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِمَا ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهُمَا أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْمُتْعَةِ بِاعْتِبَارِ حَالِ الرَّجُلِ ، وَهَذَا مُنْكَرٌ فِي عَادَاتِ النَّاسِ لَا مَعْرُوفٌ ، فَيَكُونُ خِلَافَ النَّصِّ ، ثُمَّ الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ هُوَ نِهَايَةُ الْمُتْعَةِ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ آكَدُ ، وَأَثْبَتُ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ عَلَى قَدْرِ احْتِمَالِ مِلْكِ الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } ، فَأَوْجَبَ نِصْفَ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا احْتَمَلَهُ وُسْعُ الزَّوْجِ ، وَمِلْكُهُ أَوْ لَا .
وَكَذَا فِي وُجُوبِ كَمَالِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَسُقُوطِهِ ، وَوُجُوبِ الْمُتْعَةِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، وَعَدَمِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ كَمَالِ الْمُسَمَّى مِنْ ذَلِكَ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ دَلَّ أَنَّ الْحَقَّ أَوْكَدُ ، وَأَثْبَتُ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ ، ثُمَّ لَا يُزَادُ هُنَاكَ عَلَى نِصْفِ الْمُسَمَّى ، فَلَأَنْ لَا يُزَادَ هَهُنَا عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ الْمُتْعَةَ بَدَلٌ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا يُزَادُ الْبَدَلُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْعِوَضِ ، وَأَقَلُّ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ

نِصْفُ الْعَشَرَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا حُكْمُ .
اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَهْرِ .
فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَهْرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بَيْنَ الْحَيِّ مِنْهُمَا ، وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ .
فَأَمَّا إنْ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْبُضْعِ ، وَقِيمَةُ الشَّيْءِ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَكَانَ هُوَ الْعَدْلُ ، وَإِنَّمَا التَّسْمِيَةُ تَقْدِيرٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ .
فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ التَّسْمِيَةُ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ ، فَالْمَهْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَثْمَانِ الْمُطْلَقَةِ ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ ، وَالدَّنَانِيرُ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ ، وَالْمَوْزُونَاتِ ، وَالْمَذْرُوعَاتِ الْمَوْصُوفَةِ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَثْمَانِ الْمُطْلَقَةِ ، فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : تَزَوَّجْتَنِي عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ .
وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : عَلَى مِائَتَيْ دِينَارٍ تَحَالَفَا ، وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ ، فَإِنْ نَكَلَ أَعْطَاهَا أَلْفَيْنِ ، وَإِنْ حَلَفَ تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ ، فَإِنْ نَكَلَتْ أَخَذَتْ أَلْفًا ، وَإِنْ حَلَفَتْ يُحْكَمُ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ مَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ ، فَلَهَا مَا قَالَتْ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الزَّوْجُ أَوْ

أَقَلَّ ، فَلَهَا مَا قَالَ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَتَحَالَفَانِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمُسْتَنْكِرٍ جِدًّا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدًا يَحْكُمَانِ مَهْرَ الْمِثْلِ ، وَيُنْهِيَانِ الْأَمْرَ إلَيْهِ ، وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَحْكُمُهُ بَلْ يَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمُسْتَنْكَرِ قِيلَ : هُوَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا إذْ لَا مَهْرَ فِي الشَّرْعِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَا يُزَوَّجُ مِثْلُهَا بِهِ عَادَةً ، وَهَذَا يُحْكَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرٌ عُرْفًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ التَّفْسِيرِ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى ، وَذَلِكَ اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى ، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَمْ يُعْرَفْ مَهْرًا فِي الشَّرْعِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، وَالسِّلْعَةُ هَالِكَةٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي الشَّرْعِ ، وَالْمُنْكِرُ هُوَ الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ مَهْرٍ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى لَا يُحْكَمُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا قُلْنَا كَذَا

هَذَا ، وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِمَنْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ يُقَدِّرُونَ الْمُسَمَّى بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَيَبْنُونَهُ عَلَيْهِ لَا بِرِضَا الزَّوْجِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ ، وَأَوْلِيَاؤُهَا لَا يَرْضَوْنَ بِالنُّقْصَانِ عَنْهُ ، فَكَانَتْ التَّسْمِيَةُ تَقْدِيرًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَيُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ ، فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالنُّقْصَانِ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا ، فَلَهَا أَلْفٌ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ ، وَأَقَلَّ مِمَّا قَالَتْ ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ ، وَإِنَّمَا التَّسْمِيَةُ تَقْدِيرٌ لَهُ لِمَا قُلْنَا ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ ثُبُوتِ التَّسْمِيَةِ وَصِحَّتِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ ؛ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ ، وَتَحْكِيمُهُ ، وَإِنَّمَا يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ مِنْ وَجْهٍ ، وَمُنْكِرٌ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا الزَّوْجُ ؛ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ أَلْفٍ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ .
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ ؛ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي عَلَيْهَا تَسْلِيمَ النَّفْسِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْأَلْفِ إلَيْهَا ، وَهِيَ تُنْكِرُ ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا مِنْ وَجْهٍ ، وَمُنْكِرًا مِنْ وَجْهٍ ، فَيَتَحَالَفَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ، وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْج ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ إنْكَارًا أَوْ أَسْبَقُ إنْكَارًا مِنْ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ قَبْلَ

تَسْلِيمِ النَّفْسِ ، وَبَعْدَهُ ، وَلَا إنْكَارَ مِنْ الْمَرْأَةِ بَعْدَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ ، وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ هُوَ أَسْبَقُ إنْكَارًا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْبِضُ الْمَهْرَ أَوَّلًا ، ثُمَّ تُسَلِّمُ نَفْسَهَا ، فَتُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الْمَهْرِ إلَيْهَا ، وَهُوَ يُنْكِرُ ، فَكَانَ هُوَ أَسْبَقُ إنْكَارًا ، فَكَانَتْ الْبِدَايَةُ بِالتَّحْلِيفِ مِنْهُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ التَّحَالُفَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ ، وَأَنْكَرَ الْجَصَّاصُ التَّحَالُفَ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَشْهَدْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِدَعْوَاهُمَا بِأَنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ الزَّوْجُ ، وَأَقَلَّ مِمَّا قَالَتْ الْمَرْأَةُ .
وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَذْكُرْ التَّحَالُفَ إلَّا فِي هَذَا الْفَصْلِ .
وَجْهُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ فِيمَا لَا شَهَادَةَ لِلظَّاهِرِ ، فَإِذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِثْلَ مَا يَدَّعِيهِ أَحَدُهُمَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ ، وَالظَّاهِرُ لَا يَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا فِي الثَّالِثِ ، فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّحَالُفِ .
وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ سُقُوطِ اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ ، وَالتَّسْمِيَةُ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا إلَّا بِالتَّحَالُفِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ ، فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّحَالُفِ ، ثُمَّ إذَا وَجَبَ التَّحَالُفُ ، وَبُدِئَ بِيَمِينِ الزَّوْجِ ، فَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ يُقْضَى بِهَا فِي بَابِ الْأَمْوَالِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، وَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْأَلْفَيْنِ قَدْ تَثْبُتُ بِالنُّكُولِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُسَمَّى أَنْ لَا يَكُونَ لِلزَّوْجِ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ ، وَإِنْ حَلَفَ تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ ، فَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يُقْضَ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا

بِالْأَلْفِ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ لِمَا قُلْنَا فِي نُكُولِ الزَّوْجِ ، وَإِنْ حَلَفَتْ يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا قُضِيَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِأَلْفٍ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْأَلْفِ قَدْ تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا ، فَيُمْنَعُ الْخِيَارُ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَيْنِ قُضِيَ لَهَا بِأَلْفَيْنِ ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْأَلْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لِثُبُوتِ تَسْمِيَةِ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ بِتَصَادُقِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قُضِيَ لَهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي قَدْرِ الْأَلْفِ بِتَصَادُقِهِمَا ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي قَدْرِ الْخَمْسِمِائَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ تَسْمِيَةُ هَذَا الْقَدْرِ ، فَكَانَ سَبِيلُهَا سَبِيلَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهَا ، وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَعْدَ التَّحَالُفِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : يُفْسَخُ كَمَا فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، وَلَنَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ يَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ ، وَالْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ بَيْعٌ فَاسِدٌ ، وَاجِبُ الرَّفْعِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ ، وَذَلِكَ بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ أَصْلًا فِي النِّكَاحِ لَا يُوجِبُ فَسَادَهُ ، فَسُقُوطُ اعْتِبَارِهِ بِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى بِالتَّعَارُضِ أَوْلَى ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ ، فَهُوَ الْفَرْقُ ، هَذَا إذَا لَمْ يَقُمْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ .
فَأَمَّا إذَا قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ جَائِزِ الْوُجُودِ ، وَلَا مُعَارِضَ لَهَا ، فَتُقْبَلُ ، وَلَا يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُ ضَرُورِيٌّ ، وَلَا ضَرُورَةَ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ ، وَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَأَنَّهَا تَمْنَعُ الْخِيَارَ ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا

الْبَيِّنَةَ ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ زِيَادَةَ أَلْفٍ ، فَكَانَتْ مُظْهِرَةً ، وَبَيِّنَةُ الزَّوْجِ لَمْ تُظْهِرْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَلْفٍ ، وَالْأَلْفُ كَانَ ظَاهِرًا بِتَصَادُقِهِمَا ، أَوْ نَقُولُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ إظْهَارًا ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْلَى ، وَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ فِي الْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا ، وَتَسْمِيَةُ الْآخَرِ تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَالتَّسْمِيَةُ تَمْنَعُ الْخِيَارَ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَيْنِ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ : بَعْضُهُمْ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ زِيَادَةَ أَلْفٍ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً بِتَصَادُقِهِمَا ، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ بِدُونِ الْيَمِينِ أَوْ الْبَيِّنَةِ ، وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ ، فَكَانَتْ بَيِّنَتُهَا هِيَ الْمُظْهِرَةُ أَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ إظْهَارًا ، وَبَيِّنَةُ الزَّوْجِ لَيْسَتْ بِمُظْهِرَةٍ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ كَانَ ظَاهِرًا بِتَصَادُقِهِمَا أَوْ هِيَ أَقَلُّ إظْهَارًا ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِبَيِّنَتِهَا أَوْلَى .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ تُظْهِرُ حَطَّ الْأَلْفِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَذَلِكَ أَلْفَانِ لِثُبُوتِ الْأَلْفَيْنِ بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَيَظْهَرُ حَطٌّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِشَهَادَتِهِ ، وَبَيِّنَتُهَا لَا تُظْهِرُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ كَانَ ظَاهِرًا بِتَصَادُقِهِمَا ، وَالْآخَرُ كَانَ ظَاهِرًا بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ يُظْهِرَ صِفَةَ التَّعْيِينِ لِلْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ يُظْهِرُ صِفَةَ التَّعْيِينِ لَهُمَا ، وَبَيِّنَتُهُ مُظْهِرَةٌ لِلْأَصْلِ ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِبَيِّنَتِهِ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا ، وَخَمْسَمِائَةٍ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِلتَّعَارُضِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ

الْمِثْلِ لَا يَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا ، فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُظْهِرَةً ، وَلَيْسَ الْقَضَاءُ بِإِحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَبَطَلَتْ ، فَبَقِيَ الْحُكْمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي قَدْرِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْتَحَقَتَا بِالْعَدَمِ لِلتَّعَارُضِ ، فَبَقِيَ هَذَا الْقَدْرُ مُسَمًّى بِتَصَادُقِهِمَا ، وَلَهُ خِيَارٌ فِي قَدْرِ الْخَمْسِمِائَةِ لِثُبُوتِهِ عَلَى وَجْهِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ دَيْنًا مَوْصُوفَا فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ مَوْصُوفٍ ، أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ ، أَوْ مَذْرُوعٍ مَوْصُوفٍ ، فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، وَلِهَذَا يَتَحَالَفَانِ ، وَيُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ .
وَكَذَا فِي الْمَذْرُوعِ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بَلْ كَانَ جَارِيًا مَجْرَى الصِّفَةِ إذَا كَانَ عَيْنًا ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ غَائِبٌ مَذْكُورٌ يَخْتَلِفُ أَصْلُهُ بِاخْتِلَافِ وَصْفِهِ ، فَجَرَى الْوَصْفُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ مَجْرَى الْأَصْلِ ، وَلِهَذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُوجِبًا لِلتَّحَالُفِ ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْوَصْفِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَصْلِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَذَا هَذَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَحَالَفَانِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي جِنْسِ الْمُسَمَّى بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى عَبْدٍ ، فَقَالَتْ : عَلَى جَارِيَةٍ أَوْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى كُرِّ شَعِيرٍ ، فَقَالَتْ : عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ عَلَى ثِيَابٍ هَرَوِيَّةٍ أَوْ قَالَ : عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَقَالَتْ : عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ ، أَوْ فِي نَوْعِهِ كَالتُّرْكِيِّ مَعَ الرُّومِيِّ ، وَالدَّنَانِيرِ الْمِصْرِيَّةِ مَعَ الصُّورِيَّةِ أَوْ فِي صِفَتِهِ مِنْ الْجَوْدَةِ ،

وَالرَّدَاءَةِ ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْنَيْنِ إلَّا الدَّرَاهِمَ ، وَالدَّنَانِيرَ ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ ، وَالنَّوْعَيْنِ ، وَالْمَوْصُوفَيْنِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، فَإِنَّهُمَا ، وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكِنَّهُمَا فِي بَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ يُقْضَى مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُقْضَى مِنْ جِنْسِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْلَكَ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ ، فَيُقْضَى بِقَدْرِ قِيمَتِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا .
فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى طَعَامٍ بِعَيْنِهِ ، فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الطَّعَامِ بِشَرْطِ أَنَّهُ كُرٌّ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : تَزَوَّجْتَنِي عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنَّهُ كُرَّانِ ، فَهِيَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْهُ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاخْتَلَفَا ، فَقَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ بِشَرْطِ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ ، فَقَالَتْ : بِشَرْطِ أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لَا يَتَحَالَفَانِ ، وَلَا يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّعَامِ ، وَالثَّوْبِ أَنَّ الْقَدْرَ فِي بَابِ الطَّعَامِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ ؛ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَيْنٌ ، وَذَاتُ حَقِيقَةٍ .
وَأَمَّا الشَّرْعُ ، فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ ، فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُوجِبُ

التَّحَالُفَ .
فَأَمَّا الْقَدْرُ فِي بَابِ الثَّوْبِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّوْبِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْوَصْفِ ، وَهُوَ صِفَةُ الْجَوْدَةِ شَرْعًا ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ صِفَةَ الْجَوْدَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ ، فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ ، وَالِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْجَوْدَةِ فِي الْعَيْنِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُوجِبُ فَوَاتُ بَعْضِهِ نُقْصَانًا فِي الْبَقِيَّةِ ، فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الصِّفَةِ ، وَمَا لَا يُوجِبُ فَوَاتُ بَعْضِهِ نُقْصَانًا فِي الْبَاقِي لَا يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى الصِّفَةِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ ، وَعَيْنِهِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ .
وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ ، فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عَيْنُهَا ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْجَارِيَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّرَاضِي ، وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَمْلِيكِهَا ، فَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا مِنْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ بِتَمْلِيكِهَا ، فَتَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ ، فَيُقْضَى بِقِيمَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مِثْلَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ ، فَلَهَا الْمِائَةُ دِينَارٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُقْضَى مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرَاضِي بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُقْضَى مِنْ جِنْسِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْلَكَ مِنْ غَيْرِ مُرَاضَاةٍ ، وَلَا يَكُونُ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ

قِيمَتِهَا ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَمَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ أَيْ مِنْ الْعَيْنِ قَوْلَ الزَّوْجِ ، فَهَلَكَ ، فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، فَكَانَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَالِاخْتِلَافُ إذَا وَقَعَ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ ، فَالْجَوَابُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ مِمَّا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا ، فَاخْتَلَفَا فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، وَيُتَنَصَّفُ مَا يَقُولُ الزَّوْجُ كَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ الِاخْتِلَافُ كَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُتَنَصَّفُ مَا يَقُولُ الزَّوْجُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ، وَحَكَى الْإِجْمَاعَ ، فَقَالَ : لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ فِي قَوْلِهِمْ .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ إلَى مُتْعَةِ مِثْلِهَا ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسَمَّى لَمْ يَثْبُتْ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ ، وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ يُوجِبُ الْمُتْعَةَ ، وَيُحْكَمُ مُتْعَةُ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْضَى بِذَلِكَ ، وَالزَّوْجُ لَا يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الزِّيَادَةِ ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا

يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَتَعَذَّرَ تَحْكِيمُهُ ، فَوَجَبَ إثْبَاتُ الْمُتَيَقَّنَ ، وَهُوَ نِصْفُ الْأَلْفِ ، وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا لَا تَبْلُغُ ذَلِكَ عَادَةً ، فَلَا مَعْنَى لِتَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ عَلَى إقْرَارِ الزَّوْجِ بِالزِّيَادَةِ ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ، فَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ ، وَلَا وَجْهَ لِتَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ لَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَهِيَ تَزِيدُ عَلَى مُتْعَةِ مِثْلِهَا عَادَةً ، فَقَدْ أَقَرَّ الزَّوْجُ لَهَا بِمُتْعَةِ مِثْلِهَا ، وَزِيَادَةٍ ، فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ ، وَوَضَعَهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ .
وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : تَزَوَّجْتَنِي عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا عِشْرُونَ ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الزَّوْجُ مُقِرًّا لَهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ ، وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ مُتْعَةِ مِثْلِهَا عَادَةً ، فَكَانَ لَهَا مُتْعَةُ مِثْلِهَا ، وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ ، وَالْجَارِيَةِ ، فَلَهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ هُنَاكَ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِنِصْفِهَا حُكْمًا بِالْمُتَيَقَّنِ ، وَالْمِلْكُ فِي نِصْفِ الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدِهِمَا ، فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِمَا ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ سَقَطَ الْبَدَلَانِ ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتْعَةِ هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ فِي حَيَاةِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى تَمَامِ

مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً ، وَقَوْلُ وَرَثَتِهَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، وَوَرَثَتِهِ فِي الزِّيَادَةِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ ، وَرَثَةِ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ وَرَثَةِ الزَّوْجَيْنِ ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ ، وَكَوْنِهَا ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَقْضِي بِشَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَصْلِ التَّسْمِيَةِ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ إذَا لَمْ تَثْبُتْ لِاخْتِلَافِهِمَا ، وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ ، فَيَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَالْمُسَمَّى ، وَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، ثُمَّ مَاتَا ، وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ أَمَّا قَوْلُهُمَا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ وَجَبَ لَكِنَّهُ لَمْ يَبْقَ إذْ الْمَهْرُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجَيْنِ عَادَةً ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَلْ الظَّاهِرُ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْإِبْرَاءُ هَذَا هُوَ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ ، فَلَا يَثْبُتُ الْبَقَاءُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ ، وَالثَّانِي : لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ التَّقَادُمِ ، وَعِنْدَ التَّقَادُمِ لَا يُدْرَى مَا حَالُهَا ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ يُقَدَّرُ بِحَالِهَا ، فَيَتَعَذَّرُ التَّقْدِيرُ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِهَا بِمَهْرِ مِثْلِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا ، فَإِذَا مَاتَا ، فَالظَّاهِرُ مَوْتُ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا ، فَلَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلٌ ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ ، وَرَثَةِ

الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ جِدًّا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ ، وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ إلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ بَعَثَ الزَّوْجُ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا ، فَاخْتَلَفَا ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : هُوَ هَدِيَّةٌ .
وَقَالَ الزَّوْجُ : هُوَ مِنْ الْمَهْرِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُمَلِّكُ ، فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ تَمْلِيكِهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا فِيمَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْعَثُ مَهْرًا عَادَةً .

( فَصْلٌ ) : وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا .
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا ، وَمَوْتِ الْآخَرِ ، فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ زَوَالِهِ بِالطَّلَاقِ ، فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ ، فَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ كَالْعِمَامَةِ ، وَالْقَلَنْسُوَةِ ، وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِهَا ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ ، وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ مِثْلُ الْخِمَارِ وَالْمِلْحَفَةِ وَالْمِغْزَلِ وَنَحْوِهَا ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا جَمِيعًا كَالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، وَالْعُرُوضِ وَالْبُسُطِ وَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى قَدْرِ جَهَازِ مِثْلِهَا فِي الْكُلِّ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْبَاقِي .
وَقَالَ زُفَرُ : فِي قَوْلٍ الْمُشْكِلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ الْكُلُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَقَالَ : ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي ثِيَابِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي ثِيَابِ بَدَنِ الرَّجُلِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ الْحَسَنِ أَنَّ يَدَ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي يَدِ الرَّجُلِ ، فَكَانَ الظَّاهِرُ لَهَا شَاهِدًا إلَّا فِي ثِيَابِ بَدَنِ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهَا فِي ذَلِكَ ، وَيُصَدِّقُ الزَّوْجَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الزَّوْجَ أَخَصُّ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا فِي الْبَيْتِ ، فَكَانَ الظَّاهِرُ

شَاهِدًا لَهُ إلَّا فِي ثِيَابِ بَدَنِهَا ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ يُصَدِّقُهَا فِيهِ ، وَيُكَذِّبُ الرَّجُلَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ ثَابِتَةٌ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ ، فَكَانَ الْكُلُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ الْمُشْكِلَ بِذَلِكَ فِي قَوْلٍ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا فِي الْمُشْكِلِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْمَرْأَةِ إلَى قَدْرِ جَهَازِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْلُو عَنْ الْجَهَازِ عَادَةً ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِي هَذَا الْقَدْرِ قَوْلَهَا ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلرَّجُلِ فِي الْبَاقِي ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الْبَاقِي ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ يَدَ الزَّوْجِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ أَقْوَى مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدٌ مُتَصَرِّفَةٌ ، وَيَدُهَا يَدٌ حَافِظَةٌ ، وَيَدُ التَّصَرُّفِ أَقْوَى مِنْ يَدِ الْحِفْظِ كَاثْنَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي دَابَّةٍ ، وَأَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا ، وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا أَنَّ الرَّاكِبَ أَوْلَى إلَّا أَنَّ فِيمَا يَصْلُحُ لَهَا عَارَضَ هَذَا الظَّاهِرَ مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهُ ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً بِالطَّلَاقِ ، فَزَالَتْ يَدُهَا ، وَالْتَحَقَتْ بِسَائِرِ الْأَجَانِبِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ ( فَأَمَّا ) إذَا مَاتَا ، فَاخْتَلَفَ ، وَرَثَتُهُمَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ إلَى قَدْرِ جَهَازِ مِثْلِهَا ، وَقَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُورَثِ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُورَثَيْنِ اخْتَلَفَا بِأَنْفُسِهِمَا ، وَهُمَا حَيَّانِ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، وَاخْتَلَفَ الْحَيُّ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ

الْمَرْأَةُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ أَوْلَى .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ ، وَرَثَتِهَا إلَى قَدْرِ جَهَازِ مِثْلِهَا ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الزَّوْجُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُشْكِلِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَدْرِ جَهَازِ مِثْلِهَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ ، وَرَثَةِ الزَّوْجِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُورَثِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَتَاعَ كَانَ فِي يَدِهِمَا فِي حَيَاتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا قَالَ زُفَرُ ؛ لِأَنَّ يَدَ الزَّوْجِ كَانَتْ أَقْوَى ، فَسَقَطَتْ يَدُهَا بِيَدِ الزَّوْجِ ، فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ ، فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ ، فَظَهَرَتْ يَدُهَا عَلَى الْمَتَاعِ .
وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا ، فَمَاتَ ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ هِيَ ، وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْمُشْكِلِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ أَيْضًا ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُشْكِلِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَدْرِ جَهَازِ مِثْلِهَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَبَقِيَتْ الْمَرْأَةُ ، وَهُنَاكَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُشْكِلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَدْرِ جَهَازِ مِثْلِهَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ كَذَا هَهُنَا هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مُكَاتَبَيْنِ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا ، وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا أَوْ مُكَاتَبًا ، فَعِنْدَ أَبِي

حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْحُرِّ ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ مَحْجُورًا ، فَكَذَلِكَ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا ، فَالْجَوَابُ فِيهِ ، وَفِيمَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ سَوَاءٌ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مِلْكِ الْيَدِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ بَلْ هُوَ حُرٌّ يَدًا ، وَلِهَذَا كَانَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ .
وَكَذَا الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا ، وَهُمَا حُرَّانِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ أَمَّا الْمَأْذُونُ ، فَلَا شَكَّ فِيهِ .
وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْمَمْلُوكِ ، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ ، فَلَا تَصْلُحُ يَدُهُ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ ، فَلَا تَصْلُحُ مُعَارِضَةً لِيَدِ الْحُرِّ ، فَبَقِيَتْ يَدُهُ دَلِيلَ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ بِخِلَافِ الْحُرَّيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا ، وَالْمَرْأَةُ أَمَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ، فَأُعْتِقَتْ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ، فَمَا أَحْدَثَا مِنْ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ ، فَهُوَ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي وَقْتٍ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ ، وَمَا أَحْدَثَا مِنْ الْمِلْكِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، فَالْجَوَابُ فِيهِ ، وَفِي الْحُرَّيْنِ سَوَاءٌ .
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا ، وَالْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً ، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الرِّقِّ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَيْتُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْيَدِ لَا لِلْمِلْكِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ لِي زَوْجِي ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِذَلِكَ لِزَوْجِهَا ، ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ ، فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ .

( فَصْلٌ ) : وَمِنْهَا الْكَفَاءَةُ فِي إنْكَاحِ غَيْرِ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ مِنْ الْأَخِ ، وَالْعَمِّ ، وَنَحْوُهُمَا الصَّغِيرُ ، وَالصَّغِيرَةُ ، وَفِي إنْكَاحِ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ اخْتِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ صَاحِبَيْهِ .
وَأَمَّا الطَّوْعُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ النِّكَاحِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، فَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ عِنْدَنَا .
وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ ، وَكَذَلِكَ الْجِدُّ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ النِّكَاحِ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُ الْهَازِلِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْجِدَّ ، وَالْهَزْلَ فِي بَابِ النِّكَاحِ سَوَاءً قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ } وَكَذَلِكَ الْعَمْدُ عِنْدَنَا حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُ الْخَاطِئِ وَهُوَ الَّذِي يَسْبِقُ عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْخَطَأِ لَيْسَ إلَّا الْقَصْدُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ نِكَاحِ الْهَازِلِ ، وَكَذَلِكَ الْحِلُّ أَعْنِي كَوْنَهُ حَلَالًا غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوْ كَوْنَهَا حَلَالًا غَيْرَ مُحْرِمَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ النِّكَاحِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ ، وَالْمُحْرِمَةِ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ، فَكَذَا النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ ، وَلِهَذَا حُرِّمَتْ الدَّوَاعِي عَلَى الْمُحْرِمِ كَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ حَرَامٌ } ، وَأَدْنَى مَا يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْجَوَازُ ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ الْأَصَمِّ { أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ ، وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرَفٍ } ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَا تَزَوَّجَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَيَقَعُ التَّعَارُضُ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ يُثْبِتُ أَمْرًا عَارِضًا ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ إذْ الْحِلُّ أَصْلٌ ، وَالْإِحْرَامُ عَارِضٌ ، فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ الْحِلُّ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالرِّوَايَتَيْنِ ، فَكَانَ رَاوِي الْإِحْرَامِ مُعْتَمِدًا عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ ، وَرَاوِي الْحِلِّ بَانِيًا الْأَمْرَ عَلَى الظَّاهِرِ ، فَكَانَتْ رِوَايَةُ مَنْ اعْتَمَدَ حَقِيقَةَ الْحَالِ أَوْلَى ، وَلِهَذَا رَجَّحْنَا قَوْلَ الْجَارِحِ عَلَى الْمُزَكِّي كَذَا هَذَا ، وَالثَّانِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَفْقَهُ ، وَأَتْقَنُ مِنْ زَيْدٍ ، وَالتَّرْجِيحُ بِفِقْهِ الرَّاوِي ، وَإِتْقَانُهُ تَرْجِيحٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي لَهَا حُسْنُ النِّكَاحِ فِي غَيْرِ حَالِ الْإِحْرَامِ مَوْجُودَةٌ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ، فَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا مُنَاقَضَةً ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى يَبْطُلُ بِنِكَاحِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الْجِمَاعِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : ثُمَّ كُلُّ نِكَاحٍ جَازَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَ الْجَوَازِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا ، فَهُوَ جَائِزٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ .
وَأَمَّا مَا ، فَسَدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ ، فَإِنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ فِي حَقِّهِمْ مِنْهَا مَا يَصِحُّ ، وَمِنْهَا مَا يَفْسُدُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : كُلُّ نِكَاحٍ ، فَسَدَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَسَدَ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ أَظْهَرُوا النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ ، وَيُحْمَلُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا ، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعُوا إلَيْنَا .
وَكَذَا إذَا أَسْلَمُوا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ تَحَاكَمَا إلَيْنَا أَوْ أَسْلَمَا بَلْ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمْ إنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ ، فَقَدْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا وَرَضُوا بِهَا ، وَمِنْ أَحْكَامِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهُمْ الْمَحَارِمَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فِي شَرِيعَتِنَا ثَبَتَ بِخِطَابِ الشَّرْعِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ } .
وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ ، فَكَانَتْ حُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ .
( وَلَنَا ) أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ ، وَمَا يَدِينُونَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ عُقُودِهِمْ كَالزِّنَا ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا فَيَصِحُّ فِي حَقِّهِمْ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُمْ تَمَلُّكُ الْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَتَمْلِيكُهُمَا ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يُعْتَرَضُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطِ بَقَاءِ النِّكَاحِ عَلَى الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الشُّهُودِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرْطُ ابْتِدَاءِ

الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ؛ لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قَالَ اللَّهُ : تَعَالَى { ، وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } ، فَلَا يُؤَاخَذُ الْكَافِرُ بِمُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ ؛ وَلِأَنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مُطْلَقَةٌ عَنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّهَادَةِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ، فَمَنْ ادَّعَى التَّقْيِيدَ بِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّلِيلِ .
( وَأَمَّا ) قَوْلُهُ إنَّهُمْ بِالذِّمَةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ ، فَنَعَمْ لَكِنَّ جَوَازَ أَنْكِحَتِهِمْ بِغَيْرِ شُهُودٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَقَوْلُهُ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ عَامٌّ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ خَاصٌّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِوُجُودِ الْمُخَصِّصِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَهُوَ عُمُومَاتُ الْكِتَابِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فِي عِدَّةٍ مِنْ ذِمِّيٍّ جَازَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهَذَا ، وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ سَوَاءٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِالتَّفْرِيقِ ، وَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا .
وَلَوْ أَسْلَمَا يُقَرَّانِ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَزُفَرُ ، وَالشَّافِعِيُّ : النِّكَاحُ فَاسِدٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ بِقَبُولِ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا ، وَمِنْ أَحْكَامِنَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا ، فَسَادُ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الْخِطَابَ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ عَامٌّ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } ، وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ ، وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِي دِيَانَتِهِمْ عَدَمَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ فِي اعْتِقَادِهِمْ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ .
وَكَذَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ، وَالسُّنَّةُ مُطْلَقَةٌ عَنْ هَذِهِ

الشَّرِيطَةِ أَعْنِي الْخُلُوَّ عَنْ الْعِدَّةِ ، وَإِنَّمَا عُرِفَ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ كُلِّهَا صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ ، وَهِيَ حَقُّ الزَّوْجِ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } ، فَمِنْ حَيْثُ هِيَ عِبَادَةٌ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا عَلَى الْكَافِرَةِ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ عِبَادَاتٌ أَوْ قُرُبَاتٌ .
وَكَذَا مِنْ حَيْثُ هِيَ حَقُّ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَعْتَقِدُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي عِدَّةٍ مِنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَعْتَقِدُ الْعِدَّةَ حَقًّا وَاجِبًا ، فَيُمْكِنُ الْإِيجَابُ لِحَقِّهِ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ هِيَ عِبَادَةٌ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُجْبِرَ امْرَأَتَهُ الْكَافِرَةَ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ مِنْ بَابِ الْقُرْبَةِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِالْقُرُبَاتِ ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّ الْإِسْكَانَ حَقُّهُ ، وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَحَارِمِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَاسِدٌ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ ، فَسَادَ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ثَبَتَ لِفَسَادِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَخَوْفِ الْجَوْرِ فِي قَضَاءِ الْحُقُوقِ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَالسُّكْنَى ، وَالْكِسْوَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْحُرْمَةِ ، وَالْفَسَادِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ، وَقَبْلَ الْإِسْلَامِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ دَانُوا

ذَلِكَ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ كَمَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ، وَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي ، فَالْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَرَافَعَا ، فَقَدْ تَرَكَا مَا دَانَاهُ ، وَرَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ } ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِسْلَامُ أَيْضًا ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٌ إنَّهُمَا يُقَرَّانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِالتَّفْرِيقِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ سَوَاءٌ تَرَافَعَا إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَتَرَافَعَا .
وَلَوْ رَفَعَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَتَرَافَعَا جَمِيعًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { ، وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَهُ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الْمُرَافَعَةِ ، وَقَدْ أَنْزَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ ، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِهَا مُطْلَقًا ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ هُوَ الْعُمُومُ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ ، وَأَمْكَنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَلَزِمَ التَّنْفِيذُ فِيهَا ، وَكَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ زِنًا مِنْ وَجْهٍ ، فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى { ، فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ

الْأُولَى ؛ فَلِأَنَّهُ شَرَطَ الْمَجِيءَ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ ، وَأَثْبَتَ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالْإِعْرَاضِ إلَّا أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نَسْخِ التَّخْيِيرِ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى نَسْخِ شَرْطِ الْمَجِيءِ ، فَكَانَ حُكْمُ الشَّرْطِ بَاقِيًا ، وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا ، وَإِمْكَانِ جَعْلِ الْمُقَيَّدِ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ .
وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى شَرَطَ مَجِيئَهُمْ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، وَهُوَ مَجِيئُهُمْ ، فَلَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ .
وَرُوِيَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ إمَّا أَنْ تَذَرُوا الرِّبَا أَوْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، وَلَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِمْ فِي أَنْكِحَتِهِمْ شَيْئًا .
وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ لَكَتَبَ بِهِ كَمَا كَتَبَ بِتَرْكِ الرِّبَا .
وَرُوِيَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا فَتَحُوا بِلَادَ فَارِسَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَنْكِحَتِهِمْ ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَنُقِلَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفَاضَةِ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي إلَى نَقْلِهَا ، فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَوْ يُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ كَتَبَ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَ التَّعَرُّضِ ، وَالْإِعْرَاضُ ثَبَتَ حَقًّا لَهُمَا ، فَإِذَا رَفَعَ أَحَدُهُمَا ، فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ ، فَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ أَحَدُهُمَا ، فَقَدْ رَضِيَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، فَيَلْزَمُ إجْرَاءُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِ ، فَيَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ لَيْسَ نَظِيرَ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ

عَلَيْهِ لَمْ يُلْزِمْهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَبَعْدَ مَا أَسْلَمَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْبَى الرِّضَا بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا لَازِمًا ضَرُورِيًّا ، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ، وَجَعَلَ رِضَاهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّ إنْكَاحَ الْمَحَارِمِ صَحِيحٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ ، وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَذَفَهُ إنْسَانٌ بِالزِّنَا بَعْدَ مَا أَسْلَمَ يُحَدُّ قَاذِفُهُ عِنْدَهُ .
وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَسَقَطَ إحْصَانُهُ ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ، فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَدَلَّ أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ ، وَقَعَ صَحِيحًا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ، وَاحِدَةٍ أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ ، ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّ نِكَاحَ الْبَاقِيَةِ صَحِيحٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَاقِيَ غَيْرُ الثَّابِتِ .
وَلَوْ وَقَعَ نِكَاحُهَا فَاسِدًا حَالَ وُقُوعِهِ لَمَا أُقِرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، ثُمَّ فَارَقَ الْأُولَى مِنْهُنَّ ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ عَلَى الصِّحَّةِ .
وَلَوْ وَقَعَ فَاسِدًا مِنْ الْأَصْلِ لَمَا انْقَلَبَ صَحِيحًا بِالْإِسْلَامِ بَلْ كَانَ يَتَأَكَّدُ الْفَسَادُ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ ، وَقَعَتْ صَحِيحَةً فِي حَقِّهِمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ .
وَلَوْ طَلَّقَ الذِّمِّيُّ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهَا كَقِيَامِهِ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ

يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ بَطَلَ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَبِالْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَدِينُ بِذَلِكَ ، فَكَانَ إقْرَارُهُ عَلَى قِيَامِهِ عَلَيْهَا إقْرَارًا عَلَى الزِّنَا ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ، وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ صَحَّ ذَلِكَ ، وَلَا شَيْءِ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا تَأَكَّدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ قَبْلَ الْخَلْوَةِ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَهَا الْمُتْعَةُ كَالْمُسْلِمَةِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا جَازَ ذَلِكَ ، وَلَا شَيْءَ لَهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَالْكَلَامُ فِي الْجَانِبَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُمَا يَقُولَانِ : إنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ قَدْ لَزِمَ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ لِالْتِزَامِهِمَا أَحْكَامَنَا ، وَمِنْ أَحْكَامِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ بِخِلَافِ الْحَرْبِيَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَا الْتَزَمَا أَحْكَامَنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : إنَّ فِي دِيَانَتِهِمْ جَوَازَ النِّكَاحِ بِلَا مَهْرٍ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ إلَّا فِيمَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي عُقُودِهِمْ كَالرِّبَا ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْهُ ، فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ ، وَيَكُونُ جَائِزًا فِي حَقِّهِمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَجُوزُ لَهُمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ تَمَلُّكُ الْخُمُورِ ، وَالْخَنَازِيرِ ، وَتَمْلِيكُهَا هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا ، وَبَقِيَ الْمَهْرُ .
فَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا ، وَسَكَتَ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي

الْأَصْلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً بِمَيْتَةٍ ، أَوْ دَمٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُشْعِرُ بِالسُّكُوتِ عَنْ التَّسْمِيَةِ إلَّا بِالنَّفْيِ ، فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ حَالَ السُّكُوتِ عَنْ التَّسْمِيَةِ ، فَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ السُّكُوتِ ، وَبَيْنَ النَّفْيِ ، وَحُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ السُّكُوتِ ، وَبَيْنَ النَّفْيِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ النِّكَاحُ فِي دِيَانَتِهِمْ بِمَهْرٍ ، وَبِغَيْرِ مَهْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِ الْمَهْرِ ، فَلَا بُدَّ لِوُجُوبِهِ مِنْ دَلِيلٍ ، وَهُوَ التَّسْمِيَةُ ، وَلَمْ تُوجَدْ ، فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَا جَوَازَ لَهُ بِدُونِ الْمَهْرِ ، فَكَانَ ذَلِكَ الْعَقْدُ الْتِزَامًا لِلْمَهْرِ ( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ بَيْنَ السُّكُوتِ ، وَبَيْنَ النَّفْيِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمَّا سَكَتَ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَمْ تُعْرَفْ دِيَانَتُهُ النِّكَاحَ بِلَا مَهْرٍ ، فَيُجْعَلْ إقْدَامُهُ عَلَى النِّكَاحِ الْتِزَامًا لِلْمَهْرِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِذَا نَفَى الْمَهْرَ نَصًّا دَلَّ أَنَّهُ يَدِينُ النِّكَاحَ ، وَيَعْتَقِدُهُ جَائِزًا بِلَا مَهْرٍ ، فَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بَلْ يُتْرَكُ ، وَمَا يَدِينُهُ ، فَهُوَ الْفَرْقُ ، ثُمَّ مَا صَلُحَ مَهْرًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ مَهْرًا فِي نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ نِكَاحُنَا عَلَيْهِ كَانَ نِكَاحُهُمْ عَلَيْهِ أَجْوَزَ ، وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي نِكَاحِهِمْ أَيْضًا إلَّا الْخَمْرُ ، وَالْخِنْزِيرُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الشَّاةِ ، وَالْخَلِّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي حَقِّهِمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ

أَوْ خِنْزِيرٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ، فَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ ، وَالْخِنْزِيرُ بِعَيْنِهِ ، وَلَمْ يُقْبَضْ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَيْنُ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِأَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ ، وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا الْقِيمَةُ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْعَيْنُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَكِنْ فِي الْقَبْضِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَاهٍ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الزَّوْجِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ .
وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهَا ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ ، فَكَانَ الْقَبْضُ مُؤَكِّدًا لِلْمِلْكِ ، وَالتَّأْكِيدُ إثْبَاتٌ مِنْ وَجْهٍ ، فَكَانَ الْقَبْضُ تَمْلِيكًا مِنْ وَجْهٍ وَالْمُسْلِمُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِلْكًا تَامًّا إذْ الْمِلْكُ نَوْعَانِ : مِلْكُ رَقَبَةٍ ، وَمِلْكُ يَدٍ ، وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ الْقَبْض ، وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ صُورَةِ قَبْضِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِقْبَاضُهُمَا كَمَا إذَا غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا أَنَّ الْغَاصِبَ يَكُونُ

مَأْمُورًا بِالتَّسْلِيمِ ، وَالْمَغْصُوبَ مِنْهُ يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقَبْضِ .
وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا غُصِبَ مِنْهُ الْخَمْرُ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، وَكَمُسْلِمٍ أَوْدَعَهُ الذِّمِّيُّ خَمْرًا ، ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْرَ مِنْ الْمُودِعِ يَبْقَى هَذَا الْقَدْرُ ، وَهُوَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَهْرُ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ لَكِنْ هَذَا لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ مِلْكٍ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِلْكَهَا تَامٌّ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ مَا أَنَّ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهَا أَمْرٌ عَلَيْهَا ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِلْكًا لَهَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَمِلْكُ التَّصَرُّفِ لَمْ يَثْبُتْ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، وَالتَّمَلُّكِ ، وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ ، فَإِنْ كَانَا دَيْنَيْنِ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَيْنُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مَا كَانَ ثَابِتًا لَهَا بِالْعَقْدِ بَلْ كَانَ ثَابِتًا فِي الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ بِالْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ تَمَلُّكٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَالْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُف أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمَّا مَنْعَ الْقَبْضَ ، وَالْقَبْضُ حُكْمُ الْعَقْدِ جُعِلَ كَأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ ثَابِتًا ، وَقْتَ الْعَقْدِ فَيُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ كَانَا عِنْدَ الْعَقْدِ مُسْلِمَيْنِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا ، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الْعَقْدِ قَدْ صَحَّتْ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ لِمَا فِي التَّسْلِيمِ مِنْ التَّمْلِيكِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَيُوجِبُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فِي الْخَمْرِ لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْخِنْزِيرِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ فِي الْخِنْزِيرِ أَيْضًا ، وَأَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ

الْخِنْزِيرَ حَيَوَانٌ .
وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ ، وَبَيْنَ تَسْلِيمِ قِيمَةِ الْوَسَطِ مِنْهُ بَلْ الْقِيمَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ يُعْرَفُ بِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، فَكَانَ إيفَاءُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ حُكْمَ إيفَاءِ الْخِنْزِيرِ مِنْ وَجْهٍ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إيفَاءِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إيفَاءِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ الزَّوْجُ بِالْقِيمَةِ لَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِبَقَائِهَا حُكْمُ بَقَاءِ الْخَمْرِ مِنْ وَجْهٍ لِذَلِكَ افْتَرَقَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا ، فَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَتَى وَرَدَ ، وَالْحَرَامُ مَقْبُوضٌ يُلَاقِيهِ بِالْعَفْوِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ بِالْعَقْدِ وَالْقَبْضِ فِي حَالِ الْكُفْرِ ، فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِلْكٌ ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ ، دَوَامُ الْمِلْكِ ، وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهِ ، كَمُسْلِمٍ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِإِبْطَالِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَكَمَا فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الرِّبَا .
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَبْطَلَ مِنْ الرِّبَا مَا لَمْ يُقْبَضْ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا قُبِضَ بِالْفَسْخِ ، وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَاتِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا ، وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا هُوَ النَّهْيُ عَنْ قَبْضِهِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا

مِنْهُمْ ، وَوَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، فَحَمَلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الذِّمِّيِّينَ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ، فَلَمْ يَرْضَ بِاسْتِحْقَاقِ بُضْعِهَا إلَّا بِبَدَلٍ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِحْقَاقُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ ، فَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْمُسْلِمَةِ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْمَيْتَةِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا دَلَالَةَ الرِّضَا بِاسْتِحْقَاقِ بُضْعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَصْلًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : ثُمَّ كُلُّ عَقْدٍ إذَا عَقَدَهُ الذِّمِّيُّ كَانَ فَاسِدًا ، فَإِذَا عَقَدَهُ الْحَرْبِيُّ ؛ كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُفْسِدَ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ كَافِرٌ بِخَمْسِ نِسْوَةٍ أَوْ بِأُخْتَيْنِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ صَحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ ، وَكَذَا فِي الْأُخْتَيْنِ يَصِحُّ نِكَاحُ الْأُولَى ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَخْتَارُ مِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا ، وَمِنْ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَةً سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عَقَدٍ اسْتِحْسَانًا ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ احْتَجَّ ، مُحَمَّدٌ بِمَا رُوِيَ { أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ ، وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ } .
وَرُوِيَ { أَنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ أَسْلَمَ ، وَتَحْتَهُ ثَمَانُ نِسْوَةٍ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } .
وَرُوِيَ { أَنَّ ، فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ أَسْلَمَ ، وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ ، فَخَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ .
وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ لَاسْتَفْسَرَ ، فَدَلَّ أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ فِيهِ هُوَ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَمْعَ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ثَبَتَتْ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ ، وَهُوَ خَوْفُ الْجَوْرِ فِي إيفَاءِ حُقُوقِهِنَّ ، وَالْإِفْضَاءِ إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَ قِيَامِ

الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دِيَانَتُهُمْ ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُهُودِهِمْ ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ عَنْ مِثْلِهِ بَعْدَ إعْطَاءِ الذِّمَّةِ ، وَلَيْسَ لَنَا وِلَايَةُ التَّعَرُّضِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ ، فَإِذَا أَسْلَمَ ، فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ ، فَلَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْجَمْعِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَإِذَا كَانَ تَزَوَّجَ الْخَمْسَ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَقَدْ حَصَلَ نِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جَمِيعًا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى ، وَالْجَمْعُ مُحَرَّمٌ ، وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّعَرُّضِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِالتَّفْرِيقِ ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جُعِلَ جَمْعًا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى ، وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْرِيقِ فَيُفَرَّقُ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، فَنِكَاحُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ ، وَقَعَ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ، وَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ لِحُصُولِهِ جَمْعًا ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ تَزَوَّجَ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدَتَيْنِ ، فَنِكَاحُ الْأُولَى ، وَقَعَ صَحِيحًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهِ جَمْعًا ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ .
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ ، فَفِيهَا إثْبَاتُ الِاخْتِيَارِ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ ذَلِكَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَوْ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ ، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الِاخْتِيَارَ لِتَجَدُّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الِاخْتِيَارَ لِيُمْسِكَهُنَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ مَعَ مَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ ، وَقَدْ كَانَ تَزَوَّجَ

فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ ، وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ ثَبَتَ بِسُورَةِ النِّسَاءِ الْكُبْرَى ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ .
وَرُوِيَ { أَنَّ ، فَيْرُوزَ لَمَّا هَاجَرَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَهُ إنَّ تَحْتِيَ أُخْتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ ، فَطَلِّقْ إحْدَاهُمَا } ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَكُونُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الْأَصْلِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، ثُمَّ سُبِيَ هُوَ ، وَسُبِينَ مَعَهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الْكُلِّ سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ ، وَقَعَ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَقْتَ النِّكَاحِ ، وَالْحُرُّ يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ لِحُصُولِ الْجَمْعِ مِنْ الْعَبْدِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ ، فَيَقَعُ جَمْعًا بَيْنَ الْكُلِّ ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الْكُلِّ ، وَلَا يُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ رَضِيعَتَيْنِ ، فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا ، وَلَا يُخَيَّرُ كَذَا هَذَا .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ فِيهِ ، فَيَخْتَارُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ كَمَا يُخَيَّرُ الْحُرُّ فِي أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مِنْ نِسَائِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْحَرْبِيُّ تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُمَا مُتَفَرِّقًا ، فَنِكَاحُ الْأُولَى جَائِزٌ ، وَنِكَاحُ الْأُخْرَى بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْسِ ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ

.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : نِكَاحُ الْبِنْتِ هُوَ الْجَائِزُ سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عَقْدَتَيْنِ ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ عَقْدِ الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا جَمِيعًا ، فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الدُّخُولِ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ سَوَاءٌ دَخَلَ بِالْأُمِّ أَوْ بِالْبِنْتِ ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْأُولَى ، وَلَكِنْ دَخَلَ بِالثَّانِيَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى بِنْتًا ، وَالثَّانِيَةُ أُمًّا ؛ فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ ، وَالدُّخُولُ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ .
وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُولَى ، ثُمَّ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ ، فَنِكَاحُ الْأُولَى جَائِزٌ ، وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ الْأُمَّ أَوَّلًا ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ ، وَدَخَلَ بِهَا ، فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْبِنْتِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُمِّ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِكَاحُ الْبِنْتِ هُوَ الْجَائِزُ ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ بَاطِلٌ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا شَرَائِطُ اللُّزُومِ ، فَنَوْعَانِ : فِي الْأَصْلِ نَوْعٌ هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ النِّكَاحِ لَازِمًا ، وَنَوْعٌ هُوَ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى اللُّزُومِ .
( أَمَّا ) الْأَوَّلُ ، فَأَنْوَاعٌ : مِنْهَا أَنْ يَكُونُ الْوَلِيُّ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ هُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يَلْزَمُ النِّكَاحُ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُمَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَيَلْزَمُ نِكَاحُ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُمَا الْخِيَارُ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ هَذَا النِّكَاحَ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ ، فَيَلْزَمُ كَمَا إذَا صَدَرَ عَنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ ، وِلَايَةُ نَظَرٍ فِي حَقِّ الْمُولَى عَلَيْهِ فَيَدُلُّ ثُبُوتُهَا عَلَى حُصُولِ النَّظَرِ ، وَهَذَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِنَفْيِ الضَّرَرِ وَلَا ضَرَرَ ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي نِكَاحِ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ كَذَا هَذَا ، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ { أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا } حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : إنَّهَا اُنْتُزِعَتْ مِنِّي بَعْدَ مَا مَلَكْتُهَا ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْقَرَابَةِ إنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ النَّظَرِ ؛ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَصْلِ الشَّفَقَةِ ، فَقُصُورُهَا يَدُلُّ عَلَى قُصُورِ النَّظَرِ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ بِسَبَبِ بُعْدِ الْقَرَابَةِ ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ أَصْلِ الْقَرَابَةِ بِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ ، وَاعْتِبَارُ الْقُصُورِ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ تَكْمِيلًا لِلنَّظَرِ ، وَتَوْفِيرًا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ بِتَلَافِي التَّقْصِيرِ لَوْ وَقَعَ ، وَلَا يُتَوَهَّمُ

التَّقْصِيرُ فِي إنْكَاحِ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا لِذَلِكَ لَزِمَ إنْكَاحُهُمَا ، وَلَمْ يَلْزَمْ إنْكَاحُ الْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِي إنْكَاحِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ لَا يَلْزَمَ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فِي ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبَلَغَتْ لَمْ يُعْلِمْهَا بِالْخِيَارِ بَعْدَ الْبُلُوغِ .
وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ ثَابِتًا لَهَا ، وَذَلِكَ حَقُّهَا لَأَعْلَمَهَا بِهِ ، وَهَلْ يَلْزَمُ إذَا زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، فَلَهَا الْخِيَارُ ، وَالْحَاكِمُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ هَكَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ ، وَرَوَى خَالِدُ بْنُ صَبِيحٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا ( وَجْهُ ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ أَعَمُّ مِنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا ، فَكَانَتْ ، وِلَايَتُهُ شَبِيهَةً بِوِلَايَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَوِلَايَتُهُمَا مُلْزِمَةٌ كَذَلِكَ وِلَايَةُ الْحَاكِمِ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ ، وِلَايَةَ الْأَخِ وَالْعَمِّ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْحَاكِمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا يَتَقَدَّمَانِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُزَوِّجَ الْحَاكِمُ مَعَ وُجُودِهِمَا ، ثُمَّ وِلَايَتُهُمَا غَيْرُ مُلْزِمَةٍ ، فَوِلَايَةُ الْحَاكِمِ أَوْلَى ، وَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ النِّكَاحِ أَوْ الْفُرْقَةِ ، فَيَقَعُ الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا : فِي بَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ أَمَّا الْأَوَّلُ ، فَالْخِيَارُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُعْتَبَرُ ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الرِّضَا تَثْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا قَبْلَهُ ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ

بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا قَبْلَهُ .
وَأَمَّا الثَّانِي ، فَمَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ نَوْعَانِ : نَصٌّ وَدَلَالَةٌ أَمَّا النَّصُّ ، فَهُوَ صَرِيحُ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ نَحْوَ أَنْ تَقُولَ رَضِيتُ بِالنِّكَاحِ ، وَاخْتَرْتُ النِّكَاحَ أَوْ أَجَزْتُهُ ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى ، فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْفُرْقَةِ ، وَيَلْزَمُ النِّكَاحُ .
وَأَمَّا الدَّلَالَةُ ، فَنَحْوُ السُّكُوتِ مِنْ الْبِكْرِ عَقِيبَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبِكْرَ لِغَلَبَةِ حَيَائِهَا تَسْتَحِي عَنْ إظْهَارِ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ .
فَأَمَّا سُكُوتُ الثَّيِّبِ ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ ، فَبَلَغَتْ وَهِيَ ثَيِّبٌ ، فَسَكَتَتْ عَقِيبَ الْبُلُوغِ ، فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِي عَنْ إظْهَارِ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ عَادَةً ؛ لِأَنَّ بِالثِّيَابَةِ قَلَّ حَيَاؤُهَا ، فَلَا يَصِحُّ سُكُوتُهَا دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ ، فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا إلَّا بِصَرِيحِ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِفِعْلٍ أَوْ بِقَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا نَحْوَ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ وَطَلَبِ الْمَهْرِ ، وَالنَّفَقَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَكَذَا سُكُوتُ الْغُلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ لَا يَسْتَحِي عَنْ إظْهَارِ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ إذْ ذَاكَ دَلِيلُ الرُّجُولِيَّةِ ، فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ إلَّا بِنَصِّ كَلَامِهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا ، وَطَلَبُ التَّمَكُّنِ مِنْهَا ، وَإِدْرَارُ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، ثُمَّ الْعِلْمُ بِالنِّكَاحِ شَرْطُ بُطْلَانِ الْخِيَارِ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِالنِّكَاحِ لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهَا دَلَالَةً ، وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إذْ هُوَ اسْتِحْسَانُ الشَّيْءِ .
وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِشَيْءٍ كَيْفَ يَسْتَحْسِنُهُ ، فَإِذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِالنِّكَاحِ ، وَوُجِدَ مِنْهَا دَلِيلُ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ بَطَلَ خِيَارُهَا ، وَلَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57