كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

عَمَلُ الْقَلْبِ لَا بِمَا يَخْرُجُ فِعْلُهُ فِعْلَ مَعْصِيَةٍ فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ .
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ الْمَعْهُودَةُ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ فَلَا تَجِبُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } نَفَى الْمُؤَاخَذَةَ بِالْيَمِينِ اللَّغْوِ فِي الْأَيْمَانِ وَأَثْبَتَهَا بِمَا كَسَبَ الْقَلْبُ ، وَيَمِينُ الْغَمُوسِ مَكْسُوبَةٌ بِالْقَلْبِ فَكَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ ثَابِتَةً بِهَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْهَمَ الْمُؤَاخَذَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَنَّهَا بِالْإِثْمِ أَوْ بِالْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ لَكِنْ فَسَّرَ فِي الْأُخْرَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } الْآيَةُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ هَذِهِ الْمُؤَاخَذَةُ ، وَبِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } الْآيَةُ أَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ بِالْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ ، وَيَمِينُ الْغَمُوسِ مَعْقُودَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْعَقْدِ يَقَعُ عَلَى عَقْدِ الْقَلْبِ وَهُوَ الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ وَقَدْ وُجِدَ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي آخِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } جَعَلَ الْكَفَّارَةَ الْمَعْهُودَةَ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُمُومِ خَصَّ مِنْهُ يَمِينَ اللَّغْوِ فَمَنْ ادَّعَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ مَعَ مَا أَنَّ أَحَقَّ مَا يُرَادُ بِهِ الْغَمُوسُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِنَفْسِ الْحَلِفِ دُونَ الْحِنْثِ وَذَلِكَ هُوَ الْغَمُوسُ إذْ الْوُجُوبُ فِي غَيْرِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ .
( وَلَنَا ) قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ } الْآيَةُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } وَالِاسْتِدْلَالُ بِالنُّصُوصِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُوجِبَ الْغَمُوسِ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ فَمَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فَقَدْ زَادَ عَلَى النُّصُوصِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهَا وَمَا رُوِيَ عَنْ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا مِنْ اللِّعَانِ : { اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ } دَعَاهُمَا إلَى التَّوْبَةِ لَا إلَى الْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَاجَتَهُمَا إلَى بَيَانِ الْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً كَانَتْ أَشَدَّ مِنْ حَاجَتِهِمَا إلَى بَيَانِ كَذِبِ أَحَدِهِمَا وَإِيجَابِ التَّوْبَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّوْبَةِ بِالذَّنْبِ يَعْرِفُهُ كُلُّ عَاقِلٍ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ مَعُونَةِ السَّمْعِ ، وَالْكَفَّارَةُ الْمَعْهُودَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالسَّمْعِ فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ مَعَ أَنَّ الْحَالَ حَالُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ دَلَّ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ فِي الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ قَضَى لِأَحَدِهِمَا وَذَكَرَ فِيهِ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ غَيْرُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَمَرَهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِهَامِ وَأَنْ يُحَلِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْكَفَّارَةَ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَعُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَوْ الْقِيَاسُ وَلَمْ

يُوجَدْ وَأَقْوَى الدَّلَائِلِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ نَفْيُ دَلِيلِهِ أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَظَاهِرُ الِانْتِفَاءِ وَكَذَا النَّصُّ الْقَاطِعُ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَصٌّ قَاطِعٌ ، وَالنَّصُّ الظَّاهِرُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ الِاعْتِقَادُ قَطْعًا فَلَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ ظَاهِرًا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ وَمِنْ شَرْطِهِ التَّسَاوِي وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الذَّنْبَ فِي يَمِينِ الْغَمُوسِ أَعْظَمُ وَمَا صَلَحَ لِدَفْعِ أَدْنَى الذَّنْبَيْنِ لَا يَصْلُحُ لِرَفْعِ أَعْلَاهُمَا ، وَلِهَذَا قَالَ : إِسْحَاقُ فِي يَمِينِ الْغَمُوسِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهَا فَقَوْلُ مَنْ يُوجِبُهَا ابْتِدَاءً شَرْعٌ وَنَصْبُ حُكْمٍ عَلَى الْخَلْقِ وَهُوَ لَمْ يُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } لِأَنَّ مُطْلَقَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْجِنَايَاتِ يُرَادُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا حَقِيقَةُ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْجَزَاءِ .
فَأَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَكُونُ خَيْرًا وَتَكْفِيرًا فَلَا تَكُونُ مُؤَاخَذَةً مَعْنًى وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ : إنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِيَمِينِ الْغَمُوسِ ثَابِتَةٌ فِي الْآخِرَةِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - يُؤَاخِذُكُمْ إخْبَارٌ أَنَّهُ يُؤَاخِذُ .
فَأَمَّا قَضِيَّةُ الْمُؤَاخَذَةِ فَلَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَيَسْتَدْعِي نَوْعَ مُؤَاخَذَةٍ ، وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالِاسْمِ مُرَادَةٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا إذًا .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ الشَّدُّ وَالرَّبْطُ فِي اللُّغَةِ ، وَمِنْهُ عَقْدُ الْحَبْلِ وَعَقْدُ الْحِمْلِ ، وَانْعِقَادُ الرِّقِّ وَهُوَ ارْتِبَاطُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَقَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَهْدُ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلِأَنَّ الْآيَةَ قُرِئَتْ بِقِرَاءَتَيْنِ بِالتَّشْدِيدِ

وَالتَّخْفِيفِ ، وَالتَّشْدِيدُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا عَقْدَ اللِّسَانِ وَهُوَ عَقْدُ الْقَوْلِ وَالتَّخْفِيفُ يَحْتَمِلُ الْعَقْدَ بِاللِّسَانِ وَالْعَقْدَ بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ ، فَكَانَتْ قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ مُحْكَمَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى إرَادَةِ الْعَقْدِ بِاللِّسَانِ وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّخْفِيفِ مُحْتَمِلَةً فَيُرَدُّ الْمُحْتَمِلُ إلَى الْمُحْكَمِ لِيَكُونَ عَمَلًا بِالْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْمُوَافِقَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ فِيهَا بِالْحَلِفِ وَالْحِنْثِ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ وَالْحِنْثُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْيَمِينِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } وَحِفْظُ الْيَمِينِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْبِرِّ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَإِنْجَازُ الْوَعْدِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمُوَفِّقُ .

( وَأَمَّا ) يَمِينُ اللَّغْوِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا بِالتَّوْبَةِ وَلَا بِالْمَالِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } أَدْخَلَ كَلِمَةَ النَّفْيِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ فَيَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمُؤَاخَذَةِ فِيهَا بِالْإِثْمِ وَالْكَفَّارَةِ جَمِيعًا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي تَفْسِيرِهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمَعَاصِي فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ الْحَالِفُ بِاللَّغْوِ إنَّمَا لَا يُؤَاخَذُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، .
فَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ عَامًّا عَرَفْنَا ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَالنَّظَرِ ، أَمَّا الْخَبَرُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ } وَذَكَرَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ ، وَاللَّاغِي لَا يَعْدُو هَذَيْنِ فَدَلَّ أَنَّ اللَّغْوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا النَّظَرُ فَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ مِمَّا يَقَعُ مُعَلَّقًا وَمُنَجَّزًا وَمَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ كَانَ يَمِينًا فَأَعْظَمُ مَا فِي اللَّغْوِ أَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَارْتِبَاطَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ فَيَبْقَى مُجَرَّدَ ذِكْرِ صِيغَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَعْمَلُ فِي إفَادَةِ مُوجَبِهِمَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ هُنَاكَ إذَا لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَبْقَى مُجَرَّدُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - لَا فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَسَائِرِ الْأَجْزِيَةِ .

( وَأَمَّا ) حُكْمُ الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ وَهِيَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ أَوْ فِعْلِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ صَلَاةَ الظَّهْرِ الْيَوْمَ أَوْ لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } وَلَوْ امْتَنَعَ يَأْثَمُ وَيَحْنَثُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي صَلَاةَ الْفَرْضِ أَوْ لَا أَصُومُ رَمَضَانَ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَأَزْنِيَنَّ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا أَوْ لَا أُكَلِّمُ وَالِدِي وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ الْكَفَّارَةُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ وَيَكُونُ بِالْمَالِ لِأَنَّ عَقْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ مَعْصِيَةٌ فَيَجِبُ تَكْفِيرُهَا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي الْحَالِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ مَعْهُودَةٌ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا يَعْصِهِ } .
وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ بِتَحْنِيثِ نَفْسِهِ فِيهَا فَيَحْنَثُ بِهِ وَيُكَفِّرُ بِالْمَالِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْمَعْهُودَةُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمَعَاصِي وَإِنْ حَنَّثَ نَفْسَهُ فِيهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا فَلْيَأْتِهِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِهَا } وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِرَفْعِ الذَّنْبِ وَالْحِنْثُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِذَنْبٍ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِرَفْعِ الذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ .
( وَلَنَا ) قَوْله تَعَالَى { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } إلَى قَوْلِهِ { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْيَمِينِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَغَيْرِهَا وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ } وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ بِيَمِينٍ ثُمَّ رَأَى خَيْرًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } فَوَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ حَدِيثَيْهِ فَبَقِيَ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ لَنَا بِلَا تَعَارُضٍ ، وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُهَا لِعُذْرٍ فِي الْحَانِثِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الْحِنْثِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَانِثُ سَاهِيًا أَوْ خَاطِئًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونًا فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُهَا لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمُبَاحَاتِ : إمَّا لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهَا يَقَعُ خُلْفًا فِي الْوَعْدِ وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّ الْحَالِفَ وَعَدَ أَنْ يَفْعَلَ وَعَاهَدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا حَنِثَ فَقَدْ صَارَ بِالْحِنْثِ مُخْلِفًا فِي الْوَعْدِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِيَصِيرَ الْحَلِفُ مَسْتُورًا كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَوْ لِأَنَّ الْحِنْثَ مِنْهُ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الِاسْتِخْفَافِ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ

الصُّورَةِ مَتَى قُوبِلَ ذَلِكَ بِعَقْدِهِ السَّابِقِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةَ قَصْدًا لِمُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَةِ الِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ جَبْرًا لِمَا هَتَكَ مِنْ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى صُورَةً لَا حَقِيقَةً وَسَتْرًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مَوْجُودٌ هَهُنَا فَيَجِبُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْكَفَّارَةُ شُرِعَتْ لِرَفْعِ الذَّنْبِ فَنَعَمْ ، لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ لَا ذَنْبَ ؟ وَقَوْلُهُمْ الْحِنْثُ وَاجِبٌ ؟ ، قُلْنَا بَلَى لَكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَقْضُ الْيَمِينِ الَّتِي هِيَ عَهْدٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ الْحِنْثُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ذَنْبٌ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي نَافِلَةً وَلَا أَصُومُ تَطَوُّعًا وَلَا أَعُودُ مَرِيضًا وَلَا أُشَيِّعُ جِنَازَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُبَاحٍ تَرْكًا أَوْ فِعْلًا كَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْبِرُّ وَلَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ ، ثُمَّ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ قَصَدَ الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا بِأَنْ كَانَتْ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْيَمِينِ لِتَجِبَ الْكَفَّارَةُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ } فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالذِّكْرِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْهَزْلِ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْجَدِّ وَالْهَزْلِ يَخْتَلِفُ فِي غَيْرِهَا لِيَكُونَ التَّخْصِيصُ مُفِيدًا .
( وَلَنَا ) قَوْله تَعَالَى - { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } أَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْكَفَّارَةِ

الْمَعْهُودَةِ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الْقَصْدِ إذْ الْعَقْدُ هُوَ الشَّدُّ وَالرَّبْطُ وَالْعَهْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } أَيْ حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ جَعَلَ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُمُومِ عِنْدَ وُجُودِ الْحَلِفِ وَالْحِنْثِ وَقَدْ وُجِدَ .
( وَأَمَّا ) الْحَدِيثُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ } مَعَ مَا أَنَّ رِوَايَتَهُ الْأُخْرَى مَسْكُوتَةٌ عَنْ غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَا يَتَعَرَّضُ لِغَيْرِهَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ - .

ثُمَّ وَقْتُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ هُوَ وَقْتُ وُجُودِ الْحِنْثِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ قَوْمٌ وَقْتُهُ وَقْتُ وُجُودِ الْيَمِينِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِعَقْدِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } وَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } وَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { فَكَفَّارَتُهُ } أَيْ كَفَّارَةُ مَا عَقَّدْتُمْ مِنْ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَسْتَدْعِي مُضَافًا إلَيْهِ سَابِقًا وَلَمْ يَسْبِقْ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ } أَضَافَ الْكَفَّارَةَ إلَى الْيَمِينِ وَعَلَى ذَلِكَ تُنْسَبُ الْكَفَّارَةُ إلَى الْيَمِينِ فَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ، وَالْإِضَافَةُ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فِي الْأَصْلِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّكْفِيرِ بَعْدَ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ أَضَافَ التَّكْفِيرَ إلَى الْيَمِينِ فَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى { فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ } أَمَرَ بِتَكْفِيرِ الْيَمِينِ لَا بِتَكْفِيرِ الْحِنْثِ فَدَلَّ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ الْوَعْدِ إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ فِي الْيَمِينِ أَوْكَدُ وَأَشَدُّ مِمَّنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ بِلَا ثُنْيَا فَقَدْ صَارَ عَاصِيًا بِإِتْيَانِ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَتَجِبُ

الْكَفَّارَةُ لِدَفْعِ ذَلِكَ الْإِثْمِ عَنْهُ .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْوَاجِبَ كَفَّارَةٌ وَالْكَفَّارَةُ تَكُونُ لِلسَّيِّئَاتِ إذْ مِنْ الْبَعِيدِ تَكْفِيرُ الْحَسَنَاتِ ، فَالسَّيِّئَاتُ تُكَفَّرُ بِالْحَسَنَاتِ .
قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - { إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } وَعَقْدُ الْيَمِينِ مَشْرُوعٌ قَدْ أَقْسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَكَذَا الرُّسُلُ الْمُتَقَدِّمَةُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَبَرًا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } .
وَقَالَ خَبَرًا عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُمْ { قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } وَكَذَا أَيُّوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِالْوَفَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } وَالْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ وَالْمَعَاصِي فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْيَمِينِ لَيْسَتْ بِذَنْبٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إذَا حَلَفْتُمْ فَاحْلِفُوا بِاَللَّهِ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ } أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِذَنْبٍ فَلَا يَجِبُ التَّكْفِيرُ لَهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْحِنْثِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْثَمُ فِي الْحَقِيقَةِ وَمَعْنَى الذَّنْبِ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ، فَالْحِنْثُ يَخْرُجُ مَخْرَجَ نَقْضِ الْعَهْدِ مِنْهُ فَيَأْثَمُ بِالنَّقْضِ لَا بِالْعَهْدِ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ } الْآيَةَ وَلِأَنَّ عَقْدَ

الْيَمِينِ يَخْرُجُ مَخْرَجَ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَعْلِهِ مَفْزَعًا إلَيْهِ وَمَأْمَنًا عَنْهُ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ مَحْوًا لَهُ وَسِتْرًا وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْحَالِفَ يَصِيرُ عَاصِيًا بِتَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تَرَكُوا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْيَمِينِ وَلَمْ يَجُزْ وَصْفُهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ فَدَلَّ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَعْدِ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَرَاهَةً وَذَلِكَ - وَاَللَّهُ - عَزَّ - وَجَلَّ - أَعْلَمُ - لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَعْدَ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ أَفْعَلُ غَدًا كَذَا وَكُلُّ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ فِعْلَهُ لَا يَتَحَقَّقُ لِأَحَدٍ إلَّا بَعْدَ تَحْقِيقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الِاكْتِسَابُ لِذَلِكَ إلَّا بِإِقْدَارِهِ فَيُنْدَبُ إلَى قِرَانِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْوَعْدِ لِيُوَفَّقَ عَلَى ذَلِكَ وَيُعْصَمَ عَنْ التَّرْكِ وَفِي الْيَمِينِ يُذْكَرُ الِاسْتِشْهَادُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ التَّعْظِيمِ ، قَدْ اسْتَغَاثَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ فَزِعَ فَيَتَحَقَّقُ التَّعْظِيمُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَزِيَادَةٌ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي أَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِتَأْكِيدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ خُصُوصًا فِي الْبَيْعَةِ ، وَقِرَانُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ الْعَقْدُ ، بِخِلَافِ الْوَعْدِ الْمُطْلَقِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَتَأْوِيلُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِمُحَافَظَةِ مَا عَقَّدْتُمْ مِنْ الْأَيْمَانِ وَالْوَفَاءِ بِهَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } فَإِنْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ فَكَفَّارَتُهُ كَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } فَتَرَكْتُمْ الْمُحَافَظَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَاحْفَظُوا

أَيْمَانَكُمْ } وَالْمُحَافَظَةُ تَكُونُ بِالْبِرِّ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى إضْمَارِ الْحِنْثِ أَيْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِحِنْثِكُمْ فِيمَا عَقَّدْتُمْ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ : { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } أَيْ إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنَثْتُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } مَعْنَاهُ فَحَلَفَ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } مَعْنَاهُ فَتَحَلَّلَ ، وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَلْفُوظِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّخْفِيفِ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ فَصَارَ اسْتِعْمَالُ الرُّخْصَةِ مُضْمَرًا فِيهِ ، كَذَلِكَ هَهُنَا لَا تَصْلُحُ الْيَمِينُ الَّتِي هِيَ تَعْظِيمُ الرَّبِّ - جَلَّ جَلَالُهُ - سَبَبًا لِوُجُوبِ التَّكْفِيرِ فَيَجِبُ إضْمَارُ مَا هُوَ صَالِحٌ وَهُوَ الْحِنْثُ وَأَمَّا إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَى الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ لِلْوُجُوبِ بِهَا بَلْ عَلَى إرَادَةِ الْحِنْثِ كَإِضَافَةِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ إلَى الصِّيَامِ وَإِضَافَةِ الدَّمِ إلَى الْحَجِّ - وَالسُّجُودِ إلَى السَّهْوِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ سَبَبًا كَذَا هَذَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ رُوِيَ بِرِوَايَاتٍ : رُوِيَ { فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ } وَرُوِيَ { فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } وَرُوِيَ { فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ يَمِينَهُ } وَهُوَ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِنَفْسِ الْيَمِينِ لَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَلْيُكَفِّرْ مِنْ غَيْرِ التَّعَرُّضِ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَاذَا وَلَمَا لَزِمَ الْحِنْثُ إذَا كَانَ خَيْرًا ثَمَّ بِالتَّكْفِيرِ فَلَمَّا خَصَّ الْيَمِينَ عَلَى مَا كَانَ الْحِنْثُ خَيْرًا

مِنْ الْبِرِّ بِالنَّقْضِ وَالْكَفَّارَةِ عُلِمَ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْحِنْثِ دُونَ الْيَمِينِ نَفْسِهَا وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِعَقْدِ الْيَمِينِ دُونَ الْحِنْثِ ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهَا قَبْلَ الْحِنْثِ قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ ، .
فَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْحِنْثِ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ يُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ هُوَ الْأَصْلُ فَدَلَّ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَكَانَ هَذَا تَكْفِيرًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ - قَدْ مُثِّلَ وَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ عَظِيمَةً اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْسَمَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ بِكَذَا كَذَا مِنْ قُرَيْشٍ فَنَزَلَ النَّهْيُ عَنْ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَذَلِكَ تَكْفِيرٌ قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْيَمِينِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ الْبِرُّ فِيهِ حَقِيقَةً وَذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّكْفِيرِ لِلْأُمَّةِ قَبْلَ الْحِنْثِ إذْ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدْوَةٌ وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ إذْ هُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الشَّيْءِ ، وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ

الْحِنْثِ لِكَوْنِ الْحِنْثِ خُلْفًا فِي الْوَعْدِ وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا } وَلِكَوْنِهِ اسْتِخْفَافًا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ فَكَانَتْ الْيَمِينُ مَانِعَةً مِنْ الْحِنْثِ فَكَانَتْ مَانِعَةً مِنْ الْوُجُوبِ إذْ الْوُجُوبُ شَرْطُ الْحِنْثِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا فَكَيْفَ يَكُونُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ ؟ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ كَذَا بِالْمَالِ بِخِلَافِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى فَوَاتِ الْحَيَاةِ عَادَةً فَكَانَ تَكْفِيرًا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَجَازَ وَأَمَّا إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَى الْيَمِينِ فَعَلَى إضْمَارِ الْحِنْثِ فَيَكُونُ الْحِنْثُ بَعْدَ الْيَمِينِ سَبَبًا لَا قَبْلَهُ وَالْحِنْثُ يَكُونُ سَبَبًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَمَّاهُ كَفَّارَتَهُ لِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ } وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُكَفِّرُ بِالذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ إلَّا ذَنْبُ الْحِنْثِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنَثْتُمْ كَمَا يَقْرَأُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِنَفْسِ الْيَمِينِ أَصْلَ الْوُجُوبِ لَكِنْ يَجِبُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ الْحِنْثِ كَالزَّكَاةِ تَجِبُ عِنْدَ وُجُودِ النِّصَابِ ، لَكِنْ يَجِبُ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْحَوْلِ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } لِنَفْيِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا لِنَفْيِ أَصْلِ الْوُجُوبِ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ إلَّا وُجُوبُ الْفِعْلِ ، .
فَأَمَّا وُجُوبُ غَيْرِ الْفِعْلِ فَأَمْرٌ لَا يُعْقَلُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ صَامَ

بَعْدَ الْوُجُوبِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا وَرَأْسًا ، فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى كَفَّارَةً قَبْلَ وُجُوبِهَا كَمَا يُسَمَّى مَا يُعَجَّلُ مِنْ الْمَالِ زَكَاةً قَبْلَ الْحَوْلِ وَكَمَا يُسَمَّى الْمُعَجَّلُ كَفَّارَةً بَعْدَ الْجِرَاحَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحِنْثِ فِي جَوَازِهَا ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ مُرَادَةٌ بِالْآيَةِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُرَادَ بِهَا مَا يُسَمَّى كَفَّارَةً مَجَازًا لِعَرَضِيَّةِ الْوُجُوبِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مُنْتَظِمًا الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ .
وَأَمَّا تَكْفِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى كَانَ تَكْفِيرًا بَعْدَ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ تَكْفِيرٌ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْبِرِّ فَيَكُونُ تَكْفِيرًا بَعْدَ الْحِنْثِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَنْ حَلَفَ لَآتِيَنَّ الْبَصْرَةَ فَمَاتَ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَالْوَفَاءُ بِتِلْكَ الْيَمِينِ مَعْصِيَةٌ إذْ هُوَ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَتْ يَمِينُهُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَكَانَتْ مُنْعَقِدَةً عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَمَّا نُهِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَصَارَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً صَارَ إنْشَاءً وَعَاجِزًا عَنْ الْبِرِّ فَصَارَ حَانِثًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ وَقْتُ يَأْسِهِ وَقْتَ النَّهْيِ لَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتُ الْيَأْسِ وَالْعَجْزِ حَقِيقَةً هُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ إذْ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْمَعَاصِي فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ لِتَصَوُّرِ وُجُودِ الْبِرِّ مَعَ وَصْفِ الْعِصْيَانِ فَهُوَ الْفَرْقُ - وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ - .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ الْمُسْتَحْلِفِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا كَانَ مَظْلُومًا ، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمَاضِي فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمَاضِي بِالْإِثْمِ فَمَتَى كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا كَانَ آثِمًا فِي يَمِينِهِ وَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالْيَمِينِ إلَى ظُلْمِ غَيْرِهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّارَ قَالُوا : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثًا } وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ - تَعَالَى - وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } وَأَمَّا إذَا كَانَ مَظْلُومًا فَهُوَ لَا يَقْتَطِعُ بِيَمِينِهِ حَقًّا فَلَا يَأْثَمُ وَإِنْ نَوَى غَيْرَ الظَّاهِرِ قَالَ وَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْحَالِفُ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ دُونَ نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَهُوَ الْعَاقِدُ فَيَنْعَقِدُ عَلَى مَا عَقَدَهُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَهِيَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ .
الْيَمِينُ بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ وَالْكَعْبَةِ وَالْحَرَمِ وَزَمْزَمَ وَالْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إذَا حَلَفْتُمْ فَاحْلِفُوا بِاَللَّهِ } وَلَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا .
وَالثَّانِي .
بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذَا النَّوْعُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ يَمِينٌ بِالْقُرَبِ وَيَمِينٌ بِغَيْرِ الْقُرَبِ أَمَّا .
الْيَمِينُ بِالْقُرَبِ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ بَدَنَةٌ أَوْ هَدْيٌ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صَدَقَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْيَمِينِ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْمُسَمَّى بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِهِ أَوْ يَخْرُجُ عَنْهَا بِالْكَفَّارَةِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا يَمِينٌ حَقِيقَةً حَتَّى إنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ ؟ فَقَالَ ذَلِكَ يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ رُكْنِ الْيَمِينِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ وَوُجُودِ مَعْنَى الْيَمِينِ أَيْضًا وَهُوَ الْقُوَّةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الْمَذْكُورِ وَنَذْكُرُ حُكْمَ هَذَا النَّوْعِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي كِتَابِ النَّذْرِ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يُسَمَّى أَيْضًا نَذْرًا مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لِوُجُودِ مَعْنَى النَّذْرِ وَهُوَ الْتِزَامُهُ الْقُرْبَةَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ .

( وَأَمَّا ) .
الْيَمِينُ بِغَيْرِ الْقُرَبِ فَهِيَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ .
بَيَانِ رُكْنِهِ وَبَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وَبَيَانِ حُكْمِهِ وَبَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الرُّكْنُ ، أَمَّا الرُّكْنُ فَهُوَ ذِكْرُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ مَرْبُوطٍ بِالشَّرْطِ مُعَلَّقٍ بِهِ فِي قَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَمَعْرِفَةِ مَعْنَاهُمَا ، أَمَّا الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ فَمَا دَخَلَ فِيهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ وَهِيَ إنْ وَإِذَا ، وَإِذْ مَا ، وَمَتَى ، وَمَتَى مَا وَمَهْمَا وَأَشْيَاءُ أُخَرُ ذَكَرَهَا أَهْلُ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ .
وَأَصْلُ حُرُوفِهِ أَنَّ الْخَفِيفَةَ وَغَيْرَهَا دَاخِلٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الشَّرْطِ وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْحُرُوفِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ وَهَذَا أَمَارَةُ الْأَصَالَةِ وَالتَّبَعِيَّةِ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مَعَ هَذِهِ الْحُرُوفِ كُلَّمَا وَعَدَّهَا مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ ، وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ لَكِنْ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ عَلَى وُجُودِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ سَمَّاهُ شَرْطًا ، وَفِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، وَقَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ إنَّمَا تَوَقَّفَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى الزَّوَاجِ وَالشِّرَاءِ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ بَلْ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ عَلَى امْرَأَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَعَلَى عَبْدٍ مُتَّصِفٍ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَيَحْصُلُ الِاتِّصَافُ بِذَلِكَ عِنْدَ التَّزَوُّجِ وَالشِّرَاءِ .
وَأَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ فَهُوَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا ، وَمِنْهُ الشُّرْطِيُّ وَالشِّرَاطُ وَالْمِشْرَطُ فَسُمِّيَ مَا جَعَلَهُ الْحَالِفُ عَلَمًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ شَرْطًا حَتَّى لَوْ ذَكَرَهُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ لَا يَكُونُ شَرْطًا عَلَى مَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - .
وَأَمَّا الْمُسَمَّى بِالْجَزَاءِ فَمَا دَخَلَ

فِيهِ حَرْفُ التَّعْلِيقِ وَهِيَ حَرْفُ الْفَاءِ إذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الذِّكْرِ عَنْ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَزَاءُ مُتَقَدِّمًا فَلَا حَاجَةَ إلَى حَرْفِ الْفَاءِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ بِدُونِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْقُبُ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ يَمِينٌ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَطْلِيقًا إلَى كَوْنِهِ يَمِينًا وَتَعْلِيقًا فَلَا حَاجَةَ فِي مِثْلِ هَذَا إلَى حَرْفِ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ حُرُوفِ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لِلشَّرْطِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ تَأَخَّرَ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْفَاءُ بِالْجَزَاءِ ؛ لِأَنَّهَا حَرْفٌ يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ كَقَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي زَيْدٌ فَعَمْرٌو وَالْجَزَاءُ يَتَعَقَّبُ الشَّرْطَ بِلَا تَرَاخٍ وَأَمَّا مَعْنَى الْجَزَاءِ فَجَزَاءُ الشَّرْطِ مَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مَانِعًا مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَرْغُوبًا عَنْهُ لِوَقَاحَةِ عَاقِبَتِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ حَامِلًا عَلَى تَحْصِيلِهِ لِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ لَكِنَّ الْحَمْلَ وَالْمَنْعَ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْيَمِينِ وَمِنْ ثَمَرَاتِهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّبْحِ بِالْبَيْعِ وَالْوَلَدِ بِالنِّكَاحِ فَانْعِدَامُهُمَا لَا يُخْرِجُ التَّصَرُّفَ عَنْ كَوْنِهِ يَمِينًا كَانْعِدَامِ الرِّبْحِ فِي الْبِيَعِ وَالْوَلَدِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ وُجُودَ التَّصَرُّفِ بِوُجُودِ رُكْنِهِ ، لَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَوُجُودِ الْبِيَعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا ، وَرُكْنُ الْيَمِينِ هُمَا الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ فَإِذَا وُجِدَ كَانَ التَّصَرُّفُ يَمِينًا وَلِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَسَامِي إلَى أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ يَمِينًا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ مَعْنَى الْحَمْلِ وَالْمَنْعِ دَلَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُقُوعِ التَّصَرُّفِ يَمِينًا ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَسَائِلَ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ

فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ .
وَقَالَ إذَا أَوْ إذَا مَا أَوْ مَتَى أَوْ مَتَى مَا أَوْ حَيْثُمَا أَوْ مَهْمَا كَانَ يَمِينًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فَقَالَ ذَلِكَ يَحْنَثُ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ حُرُوفِ الشَّرْطِ بَلْ هُوَ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ وَالشَّهْرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ وَالشَّهْرَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي غَدٍ وَفِي شَهْرٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إذَا مَضَى غَدٌ أَوْ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ أَوْ إذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ أَوْ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ كَانَ يَمِينًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ أَوْ الْحَمْلُ إذْ لَا يَقْدِرُ الْحَالِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ مَجِيءِ الْغَدِ وَلَا عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ ، وَلِأَنَّ الشَّرْطَ مَا فِي وُجُودِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خَطَرٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدَ ، وَالْغَدُ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا .
( وَلَنَا ) أَنَّهُ وُجِدَ ذِكْرُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ مُعَلَّقٍ بِالشَّرْطِ فَكَانَ يَمِينًا ، وَمَعْنَى الْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ مِنْ أَغْرَاضِ الْيَمِينِ وَثَمَرَاتِهَا ، وَحَقَائِقُ الْأَسَامِي تَتْبَعُ حُصُولَ الْمُسَمَّيَاتِ بِذَوَاتِهَا وَذَلِكَ بِأَرْكَانِهَا لَا بِمَقَاصِدِهَا الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ - وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنَّ الشَّرْطَ مَا فِي وُجُودِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خَطَرٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدَ ، وَالْغَدُ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعٌ أَنَّ هَذَا مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ شَرْطًا بَلْ مِنْ شَرْطِ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ الْوُجُودِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَنَعْنِي

بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلَ الْوُجُودِ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا فَكَانَ التَّصَرُّفُ يَمِينًا عَلَى أَنَّ جَوَازَ الْعَدَمِ إنْ كَانَ شَرْطًا فَهُوَ مَوْجُودٌ هَهُنَا لِأَنَّ مَجِيءَ الْغَدِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ مُسْتَحِيلَ الْعَدَمِ حَقِيقَةً لِجَوَازِ قِيَامِ السَّاعَةِ فِي كُلِّ لَمْحَةٍ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - { وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } وَهَذَا لِأَنَّ السَّاعَةَ وَإِنْ كَانَ لَهَا شَرَائِطُ لَا تَقُومُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمِنَا هَذَا فَيَقَعُ الْأَمْنُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا يُوجِبُ الْأَمْنَ عَنْ الْقِيَامِ ، إمَّا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَ الْقِيَامِ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ خَبَرَ الصَّادِقِ عَنْ امْرَأَتِهِ لَا يُوجَدُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ ، إمَّا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ وُجُودُهُ فِي نَفْسِهِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مَقْدُورُ الْعَبْدِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيفُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فَكَانَ مَجِيءُ الْغَدِ جَائِزَ الْعَدَمِ فِي نَفْسِهِ لَا مُسْتَحِيلَ الْعَدَمِ فَكَانَ شَرْطُ كَوْنِهِ شَرْطًا وَهُوَ جَوَازُ الْعَدَمِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا فَكَانَ يَمِينًا ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أَوْ أَرَدْتِ أَوْ أَحْبَبْتِ أَوْ رَضِيَتْ أَوْ هَوِيَتْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا حَتَّى لَوْ كَانَ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ - لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّرْطَ مَعْنَاهُ الْعَلَامَةُ وَهُوَ مَا جَعَلَهُ الْحَالِفُ عَلَمًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ ، وَالْحَالِفُ هَهُنَا مَا جَعَلَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت عَلَمًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَلْ جَعَلَهُ لِتَمْلِيكِ الطَّلَاقِ مِنْهَا كَأَنَّهُ قَالَ مَلَّكْتُكِ طَلَاقَك ، أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ ؟ وَمَا جُعِلَ عَلَمًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا وَهَذَا لِأَنَّ الْعِلْمَ الْمَحْضَ مَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الطَّلَاقِ

فَحَسْبُ فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ وُجُودُهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَمًا بَلْ يَكُونُ عِلَّةً لِحُصُولِهِ ، وَالْمَشِيئَةُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الطَّلَاقُ بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ شِئْت طَلَاقَكِ فَطَلِّقِي وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَعْنَى الشَّرْطِ لَمْ تَكُنِ الْمَشِيئَةُ الْمَذْكُورَةُ شَرْطًا فَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُ رُكْنَيْ الْيَمِينِ وَهُوَ الشَّرْطُ فَلَمْ تُوجَدْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَنَا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ .

وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَالِفَ مَا جَعَلَ هَذَا الشَّرْطَ عَلَمًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ بَلْ جَعَلَهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُذْكَرُ عَادَةً كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .
وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا يُعْرَفُ فِي الْجَامِعِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي تَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَحْنَثُ لَا لِوُجُودِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ لِتَعَذُّرِ التَّعْلِيقِ لِانْعِدَامِ حَرْفِهِ بَلْ لِضَرُورَةِ وُجُودِ الِاتِّصَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالتَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ ظَرْفٌ فِي وُجُودِ الِاتِّصَافِ فَصَارَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ بِوَاسِطَةِ الِاتِّصَافِ شَبِيهَ الشَّرْطِ لَا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا ثُمَّ فِي كَلِمَةِ " كُلُّ " إذَا دَخَلْت مَرَّةً فَطَلُقَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ ثَانِيًا لَمْ تَطْلُقْ ، وَفِي كَلِمَةِ " كُلَّمَا " تَطْلُقُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَدْخُلُ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ " كُلُّ " كَلِمَةُ عُمُومٍ وَإِحَاطَةٍ لِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دَخَلَتْ فِي الْعَيْنِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ لَا فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الدُّخُولُ ، فَإِذَا دَخَلَتْ مَرَّةً فَقَدْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ثَانِيًا وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْكَلِمَةُ عَلَى فِعْلِ الدُّخُولِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا تَرْجِعُ مَعَ مَا بَعْدَهَا مِنْ الْفِعْلِ مَصْدَرًا لُغَةً ، يُقَالُ : بَلَغَنِي مَا قُلْت وَأَعْجَبَنِي مَا صَنَعْت أَيْ قَوْلُك وَصُنْعُك فَصَارَتْ الْكَلِمَةُ دَاخِلَةً عَلَى الْمَصْدَرِ لَا عَلَى مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ فَيَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْمَصْدَرِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا } يَتَجَدَّدُ

التَّبَدُّلُ عِنْدَ تَجَدُّدِ النُّضْجِ وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ مُتَّحِدًا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ دُخُولٍ وَقَدْ وُجِدَ الدُّخُولُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا فَلَوْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَلَوْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى التَّزَوُّجِ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا بِكُلِّ تَزَوُّجٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْمِلْكِ ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْمِلْكِ يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَ يَمِينًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَإِذَا دَخَلْت لِأَنَّ كَلِمَةَ لَوْ تُذْكَرُ لِتَوَقُّفِ الْمَذْكُورِ عَلَى وُجُودِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } .
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ الْجَزَاءِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا حَقِيقَةً ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ، لَوْ حَسُنَ خُلُقُكِ سَوْفَ أُرَاجِعُكِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ لِأَنَّ " لَوْ " مَا دَخَلَتْ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى تَرَقُّبِ الرَّجْعَةِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، إنْ حَسُنَ خُلُقُكِ رَاجَعْتُكِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ، لَوْ قَدِمَ أَبُوكِ رَاجَعْتُكِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ رَاجَعْتُكِ ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ بَلْ هُوَ عِدَةٌ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ لَطَلَّقْتُك لَمْ تَطْلُقْ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ

قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا بِلَا فَصْلٍ لِأَنَّ هَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَطَلَّقَهَا إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَهِيَ طَالِقٌ كَأَنَّهُ قَالَ لِأُطَلِّقَنَّكِ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَلَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ لِلْحَالِ وَإِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَاتَتْ أَوْ مَاتَ طَلُقَتْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبِرِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا كَذَا هَذَا ، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ عَبْدِي حُرٌّ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَأَضْرِبَنَّكِ إذْ مَعْنَاهُ لَأَضْرِبَنَّكِ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلْتِ وَلَمْ أَضْرِبْكِ فَعَبْدِي حُرٌّ - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ - وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا مَهْرُكِ عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا شَرَفُكِ فَهَذَا كُلُّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ كَالِاسْتِثْنَاءِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } الْآيَةَ .
وَقَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - { وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ } وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَوْلَا الْمَطَرُ لَجِئْتُكَ فَصَارَ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ لَطَلَّقْتُكِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ قَدْ طَلَّقْتُكِ أَمْسُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ " قَدْ "

لَقَدْ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْس لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَيْ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَمْس لَطَلَّقْتُكِ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَهَذَا يُخْبِرُ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَكُنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ طَلُقَتْ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ الْمَاضِي أَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا طَلُقَتْ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ تَطْلُقْ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ لِأَنَّ لَا حَرْفُ نَفْيٍ أَكَّدَهُ بِالْحَلِفِ فَكَأَنَّهُ نَفَى دُخُولَهَا وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِهَا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ السَّاعَةَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَخَلْت لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ دُخُولِهَا الدَّارَ كَأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ عِلَّةً لَكِنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ الْعِلَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بَعْلَةٍ لَمْ تُوجَدْ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمْ تَصِحَّ وَبَقَّى الْإِيقَاعُ صَحِيحًا ، وَرَوَى ابْنَ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ لِمَا يُذْكَرُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أُخْرَى لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً السَّاعَةَ وَعَطَفَ الشَّرْطَ عَلَيْهَا بِلَا جَزَاءٍ فَيُضَمَّنُ فِيهِ الْجَزَاءُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ الدُّخُولِ أُخْرَى .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِدُخُولِكِ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً ؛

لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ ثُمَّ جَعَلَ الدُّخُولَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهِ عِلَّةً لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ ، وَمَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لِعِلَّةٍ وَقَعَ ، وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ لِمَا بَيَّنَّا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِحَيْضَتِكِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ قَالَ بِحَيْضَتِكِ أَوْ فِي حَيْضَتِكِ أَوْ بِدُخُولِكِ الدَّارَ أَوْ لِدُخُولِكِ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَدْخُلَ لِأَنَّ الْبَاءَ حَرْفُ إلْصَاقٍ فَيَقْتَضِي إلْصَاقَ الطَّلَاقِ بِالْحَيْضَةِ وَالدُّخُولِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا ، وَفِي كَلِمَةِ ظَرْفٍ دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَتُجْعَلُ شَرْطًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ حِينَ تَكَلُّمِهِ بِهِ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ قُدِّمَ الشَّرْطَ أَوْ إمَّا إنْ أُخِّرَ ، فَإِنْ قُدِّمَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ أُخِّرَ الشَّرْطُ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَإِنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ ، فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ حَرْفُ الْفَاءِ وَكَانَ تَنْجِيزًا لَا تَعْلِيقًا وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَنَّهُ عَنَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ نَحْوُ إضْمَارِ حَرْفِ الْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ .
قَالَ الشَّاعِرُ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ أَيْ فَاَللَّهُ يَشْكُرُهَا وَلَا يَدِينُ

فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ وَوَجْهُهُ أَنْ يُحْذَفَ حَرْفُ الْجَزَاءِ تَصْحِيحًا لِلشَّرْطِ إذْ لَوْ لَمْ يُحْذَفْ لَلَغَا ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ لِلْحَالِ لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَالْوَاوُ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلتَّعْلِيقِ وَلَوْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَلَوْ أَدْرَجَ فِيهِ الْفَاءَ يَصِيرُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ أَنْتِ دَخَلْت الدَّارَ فَوَأَنْتَ طَالِقٌ وَهَذَا لَغْوٌ وَلَوْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، وَالْوَاوُ لَا يُبْتَدَأُ بِهَا ، وَمَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْوَاوَ قَدْ تَكُونُ لِلِاسْتِئْنَافِ فَمُرَادُهُمْ أَنْ يُبْتَدَأَ كَلَامٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ جُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تُشَارِكُ الْأُولَى ، .
فَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ شَيْءٌ بِالْوَاوِ فَغَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا جَائِزٍ ، وَإِنْ قَالَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ التَّعْلِيقِ وَحَرْفِهِ ، عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِ هَذَا تُذْكَرُ لِلتَّحْقِيقِ كَمَا يُقَالُ لَا تُسَافِرَنَّ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا وَلَوْ نَوَى التَّعْلِيقَ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّهُ نَوَى إضْمَارَ حَرْفِ الْفَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَتَلْغُو الْوَاوُ هَذَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ .
فَأَمَّا إذَا أَخَّرَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ لِأَنَّهُ عَقَّبَ الْإِيجَابَ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ إيجَابًا

إلَى كَوْنِهِ يَمِينًا فَلَا حَاجَةَ فِي مِثْلِ هَذَا إلَى حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّأْكِيدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زِنَا وَإِنْ سَرَقَ } وَلَوْ قَالَ : عَنَيْتُ بِهِ التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاوَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْوَاوَ تُجْعَلُ زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - { حَتَّى إذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ } إلَى قَوْلِهِ { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ } قِيلَ مَعْنَاهُ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ وَالْوَاوُ زِيَادَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ اقْتَرَبَ جَوَابُ حَتَّى إذَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَمْ تَجِئْ زَائِدَةً فِي مَوْضِعٍ تَصْلُحُ لِلْعَطْفِ أَوْ لِلتَّحْقِيقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ هَهُنَا زَائِدَةً عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ كَثِيرًا مِنْ مُحَقِّقِي أَهْلِ اللُّغَةِ جَعَلَ الْوَاوَ زَائِدَةً فِي مَوْضِعٍ مَا وَكَانُوا يَقُولُونَ : تَقْدِيرُ الْآيَةِ عِنْدَهُمْ حَتَّى إذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فُتِحَتْ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ فَكَانَتْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى الْجَوَابِ الْمُضْمَرِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ ، لَا رِوَايَةَ لِهَذَا ، قَالُوا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَطْلُقُ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْفَاءَ صَارَتْ فَاصِلَةً لِأَنَّهَا كَانَتْ لَغْوًا وَاللَّغْوُ مِنْ الْكَلَامِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْفَاءَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهَا فِي الْجُمْلَةِ حَرْفُ تَعْلِيقً فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مَانِعَةً مِنْ التَّعْلِيقِ مُوجِبَةً لِلِانْفِصَالِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلًا هَلْ يَتَعَلَّقُ أَمْ لَا ؟ ذَكَرَ هَذِهِ

الْمَسْأَلَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقَعُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَرْفَ الشَّرْطِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّطْلِيقَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ وَالتَّعْلِيقَ - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ - .

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي مَكَّةَ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كَلِمَةَ فِي مَكَّةَ ظَرْفٌ فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَا يَصْلُحُ ظَرْفًا تَجْرِي عَلَى حَقِيقَتِهَا وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا تُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الظَّرْفِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ ، ثُمَّ الظَّرْفُ نَوْعَانِ ظَرْفُ زَمَانٍ وَظَرْفُ مَكَان فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَكَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي مَكَّةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ فِي الدَّارِ وَلَا فِي مَكَّةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان فَإِذَا وَقَعَ فِي مَكَان وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا ، وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الزَّمَانِ فَإِنْ كَانَ مَاضِيًا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْأَمْسِ أَوْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي لِأَنَّ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ فَيُجْعَلُ إخْبَارًا أَوْ تَلْغُو الْإِضَافَةُ إلَى الْمَاضِي وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَا يَقَعُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ أَوْ فِي الشَّهْرِ الْآتِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَإِذَا جُعِلَ الْغَدُ ظَرْفًا لَهُ لَا يَقَعُ قَبْلَهُ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِكِ الدَّارَ أَوْ فِي قِيَامِكِ أَوْ فِي قُعُودِكِ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا فَتُحْمَلُ الْكَلِمَةُ عَلَى الشَّرْطِ مَجَازًا .
وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَهَابِكِ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ الذَّهَابَ فِعْلٌ وَكَذَا إذَا قَالَ بِذَهَابِكِ لِأَنَّ الْبَاءَ حَرْفُ إلْصَاقٍ فَيَقْتَضِي إلْصَاقَ الطَّلَاقِ بِالذَّهَابِ وَذَلِكَ بِتَعْلِيقِهِ بِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ وَهِيَ فِي الظِّلِّ

كَانَتْ طَالِقًا لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ وَلَا شَرْطًا لَهُ .
فَإِمَّا أَنْ تَلْغُوَ وَيُرَادَ بِهَا مَكَانُ الشَّمْسِ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي صَوْمِكِ كَانَتْ طَالِقًا حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ إذَا نَوَتْ الصَّوْمَ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِعْلٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَتُجْعَلُ الْكَلِمَةُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ ، وَالْفِعْلُ يَصْلُحُ شَرْطًا فَإِذَا وُجِدَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ مَعَ النِّيَّةِ فِي وَقْتِهِ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَرْكَعَ وَتَسْجُدَ سَجْدَةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ أَيْضًا فَلَا تَصْلُحُ ظَرْفًا كَالصَّوْمِ إلَّا أَنَّهَا اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُتَرَكِّبُ مِنْ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا كَالْأَبْلَقِ الْمُتَرَكِّبِ مِنْ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالسَّكَنْجَبِينِ الْمُتَرَكِّبِ عَنْ السُّكَّرِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا لَمْ تُوجَدْ الْأَفْعَالُ الَّتِي وَصَفْنَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مُتَّفِقَةِ الْأَجْزَاءِ وَهِيَ الْإِمْسَاكَاتُ ، وَمَا تَرَكَّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَّفِقَةٍ مُتَجَانِسَةٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ كُلِّهِ عَلَى بَعْضِهِ لُغَةً كَاسْمِ الْمَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ يَنْطَلِقُ عَلَى قَطْرَةٍ مِنْهُ فَكَانَ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إمْسَاكًا حَقِيقَةً فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِكِ أَوْ فِي طُهْرِكِ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَقْتُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكُونِينَ حَائِضًا أَوْ طَاهِرَةً فِيهِ ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا

ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَكْلِكِ هَذَا الرَّغِيفَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَفْرُغْ مِنْ أَكْلِ جَمِيعِ الرَّغِيفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دَخَلَتْ كَلِمَةُ الظَّرْفِ عَلَى الزَّمَانِ وَهُوَ يَصْلُحُ ظَرْفًا فَجُعِلَ جَمِيعُ الْوَقْتِ ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِفِعْلِ الْأَكْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا فَصَارَ مُعَلِّقًا الطَّلَاقَ بِفِعْلِ الْأَكْلِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ مَا لَمْ يَنْزِلْ كَمَالُ شَرْطِهِ ، وَمَا يَقُولُهُ مَشَايِخُنَا : إنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ مُمْتَدٍّ يَقَعُ عِنْدَ أَوَّلِهِ وَمَتَى عُلِّقَ بِفِعْلِ مُمْتَدٍّ يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِ ، هَذَا صُورَتُهُ وَعِلَّتُهُ .
وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لَيْلًا فَكُلَّمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إلَّا بِمَجِيءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَمَجِيءُ الْيَوْمِ يَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي ضَحْوَةٍ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ فَإِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا لِتَقَدُّمِ مَجِيئِهِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَالشَّيْءُ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجِيءُ لَا بِمَا مَضَى .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ قَالَ ذَلِكَ لَيْلًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِأَنَّ مُضِيَّ الشَّيْءِ يَكُونُ بِانْقِضَاءِ جُزْئِهِ الْأَخِيرِ فَمُضِيِّ الْأَيَّامِ يَكُونُ بِانْقِضَاءِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْهَا وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ ضَحْوَةٍ مِنْ النَّهَارِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَجِيءَ تِلْكَ السَّاعَةُ

مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالسَّاعَاتِ فَالْعِبْرَةُ فِي الْمُضِيِّ بِهِ لَا لِلْأَيَّامِ الْكَامِلَةِ ، وَفِي الْمَجِيءِ لِأَوَائِلِهَا هَذَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ .
وَلَوْ قَالَ إنْ شَتَمْتُك فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا كَوْنُ الشَّاتِمِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَحْنَثَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْتُومُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك أَوْ قَتَلْتُك فِي الْمَسْجِدِ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْتُولِ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَفْعُولِ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُ الْمَفْعُولِ ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ فِي الْمَفْعُولِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُهُ بَلْ مَكَانُ الْفَاعِلِ وَعِلَّةُ هَذَا الْأَصْلِ تُذْكَرُ فِي الْجَامِعِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ ، أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ فَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكُلَّمَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَهُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهِمَا وَمَا لَا فَلَا ، وَسَنُبَيِّنُ جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ .

( وَأَمَّا ) .
الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ يَمِينًا بَلْ يَكُونُ تَنْجِيزًا حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ فَوْقَنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مَرِيضَةٌ إذَا حِضْت أَوْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَهُوَ حَيْضٌ آخَرُ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ مَرَضٌ آخَرُ لَا عَلَى الْحَالِ ، فَإِنْ عَيَّنَتْ مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ وَمَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ تَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ يَزْدَادُ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَيْضًا وَمَرَضًا فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَيُصَدَّقُ ، فَإِنْ قَالَ فَإِنْ حِضْت غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حَائِضٌ فَهَذَا عَلَى هَذِهِ الْحَيْضَةِ إذَا دَامَ الْحَيْضُ مِنْهَا إلَى أَنْ يَنْشَقَّ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ السَّاعَةُ تَمَامَ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِحَيْضِهَا اسْتَحَالَ أَنْ يَعْنِيَ بِيَمِينِهِ حُدُوثَ حَيْضَةٍ أُخْرَى فِي غَدٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِمْرَارَ هَذِهِ الْحَيْضَةِ وَدَوَامَهَا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِتِلْكَ السَّاعَةِ لِتَمَامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ الْحَيْضَ إذَا انْقَطَعَ فِيمَا دُونَهَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَلَا يُوجَدُ شَرْطُ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَيْضِهَا فَهُوَ عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَيَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَيْضِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ حُدُوثَ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْوُجُوهُ فِي الْمَرَضِ .
وَكَذَلِكَ الْمَحْمُومُ إذَا قَالَ إنْ حَمِيت أَوْ الْمَصْدُوعُ إذَا قَالَ إنْ صُدِعَتْ وَكَذَلِكَ الرَّعَّافُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَقَالَ إنْ صَحَّيْتَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَكَانَ صَحِيحًا حِينَ سَكَتَ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَهُوَ كَبَصِيرٍ قَالَ إنْ

أَبْصَرْتُ وَكَسَمِيعٍ قَالَ إنْ سَمِعْتُ لِأَنَّ الصِّحَّةَ عَرَضٌ يَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَالْمَوْجُودُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي غَيْرُ الْمَوْجُودِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَدَثَتْ لَهُ الصِّحَّةُ حِينَ مَا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَلَا يُمْكِنُ شَرْطُ صِحَّةٍ أُخْرَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ فَتَقَعُ يَمِينُهُ عَلَى مَا يَحْدُثُ عَقِيبَ الْكَلَامِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا قُمْتِ أَوْ قَعَدْتِ أَوْ رَكِبْتِ أَوْ لَبِسْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ قَائِمَةٌ أَوْ قَاعِدَةٌ أَوْ رَاكِبَةٌ أَوْ لَابِسَةٌ أَنَّهُ إذَا مَكَثَ سَاعَةً بَعْدَ الْيَمِينِ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهَا حَنِثَ وَكَذَلِكَ السُّكْنَى إذَا لَمْ يَأْخُذْ فِي النَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ يُعْنَى بِهِ تَجَدُّدُ أَمْثَالِهَا يُسَمَّى بِاسْمِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَقَدْ وُجِدَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ عَقِيبَ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ .
وَأَمَّا الدُّخُولُ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى دُخُولٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ نَوَى الَّذِي هُوَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَدُّدَ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْمُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ أَعْنِي الثَّانِيَ فِي زَمَانِ وُجُودِهِ .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْتِ وَهِيَ خَارِجَةٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ ضِدُّ الدُّخُولِ وَهُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَأَنَّهُ لَا يَتَجَدَّدُ فِي الثَّانِي مِنْ زَمَانِ وُجُودِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْمُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوبِ وَاللِّبْسِ وَنَحْوِهِمَا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّهُ يُقَالُ قُمْتُ يَوْمًا وَرَكِبْتُ يَوْمًا وَلَبِسْتُ يَوْمًا وَلَا يُقَالُ دَخَلْتُ الدَّارَ يَوْمًا وَلَا خَرَجْتُ مِنْ الدَّارِ يَوْمًا عَلَى إرَادَةِ الْمُكْثِ ، وَكَذَلِكَ الْحَبَلُ - إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا يَقَعُ عَلَى حَبَلٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ ابْتِدَاءُ الْعُلُوقِ عُرْفًا

وَعَادَةً ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ ضَرَبْتُ فَهُوَ عَلَى الْحَادِثِ ، كُلُّ شَيْءٍ أَكَلَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَتَجَدَّدُ .
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ تَحِيضِي أَوْ مَا لَمْ تَحْبَلِي وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ فِي حَالِ الْحَلِفِ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهَا حِينَ سَكَتَ لِأَنَّهُ جَعَلَ حُدُوثَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ شَرْطَ الْبِرِّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ عَقِيبَ الْيَمِينِ يَحْنَثُ وَإِنْ عَنَى بِهِ مَا فِيهِ مِنْ الْحَيْضِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَدِينُ فِي الْحَبَلِ لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى مَا يَحْدُثُ مِنْ أَجْزَائِهِ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ ، .
فَأَمَّا الْحَبَلُ فَلَيْسَ بِذِي أَجْزَاءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيْضَ يَزْدَادُ وَالْحَبَلُ لَيْسَ بِمَعْنًى يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ فَلَا يُصَدَّقُ أَصْلًا - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ - .

( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً لَا عَادَةَ هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً لَا يَنْعَقِدُ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ اجْتَمَعَ الضِّدَّانِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُذْكَرُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ أَيْ طَلَاقُك أَمْرٌ لَا يَكُونُ أَصْلًا وَرَأْسًا كَمَا لَا يَلِجُ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } أَيْ لَا يَدْخُلُونَهَا رَأْسًا وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا وَلَا مَاءَ فِي الْكُوزِ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ هَذَا وَتَفْصِيلَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ فَقِيَامُ الْمِلْكِ فِيهِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ فَمَا ذَكَرْنَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَدَمُ إدْخَالِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَ أَبْطَلَهُ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَوْ قَالَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقُدْرَتِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ أَوْ بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مُسْتَثْنِيًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الشَّيْءَ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِعَانَةَ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَالَ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ ، .

وَسَنَذْكُرُ شَرَائِطَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَنَذْكُرُ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَصْلُ لِضَرُورَةٍ وَعَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَاعْلَمِي ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ حَرْفَ الْفَاءِ حَرْفُ عَطْفٍ فَيَقْتَضِي تَعَلُّقَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَيَصِيرُ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا فَلَا يَكُونُ فَاصِلًا ، وَإِنْ قَالَ اعْلَمِي ذَلِكَ أَوْ اذْهَبِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْمَذْكُورِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَكَانَ فَاصِلًا قَاطِعًا لِلِاسْتِثْنَاءِ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالْخُرُوجِ .
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، .

( وَمِنْهَا ) أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ حَائِلٌ ، فَإِذَا دَخَلَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَتَعْلِيقًا بَلْ يَكُونُ تَنْجِيزًا وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ إدْخَالُ النِّدَاءِ فِي وَسَطِ الْكَلَامَيْنِ أَنَّهُ يَكُونُ فَاصِلًا مَانِعًا مِنْ التَّعْلِيقِ أَوَّلًا وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ النِّدَاءَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ نِدَاءٌ بِالْقَذْفِ بِأَنْ يَقُولَ يَا زَانِيَةُ ، وَنِدَاءٌ بِالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ يَا طَالِقُ ، وَنِدَاءٌ بِالْعَلَمِ بِأَنْ يَقُولَ يَا زَيْنَبُ أَوْ يَا عَمْرَةُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ ذَكَرَ النِّدَاءَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَإِمَّا أَنْ ذَكَرَهُ فِي أَوْسَطِهِ وَإِمَّا أَنْ ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ عُلِّقَ بِشَرْطٍ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ وَنَحْوُهُ وَإِمَّا أَنْ نَجَّزَ وَأَدْخَلَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا النِّدَاءُ بِالْقَذْفِ إذَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّعْلِيقِ وَيَكُونُ قَذْفًا صَحِيحًا بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ .
لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلنِّدَاءِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ لَهَا بِالزِّنَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الزِّنَا وَالِاسْمُ الْمُشْتَقُّ مِنْ مَعْنًى يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا مَحَالَةَ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ الْمَعَانِي مِنْ الْمُتَحَرِّكِ وَالسَّاكِنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْمُ مَوْضُوعًا لِلنِّدَاءِ أَوْ غَيْرِهِ فَصَارَ بِوَصْفِهِ إيَّاهَا بِالزِّنَا وَنِسْبَةِ الزِّنَا إلَيْهَا قَاذِفًا لَهَا بِالزِّنَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَمُوجَبُ قَذْفِ الزَّوْجَاتِ اللِّعَانُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ اللِّعَانِ ثُمَّ صَارَ مُعَلِّقًا طَلَاقَهَا بِدُخُولِ الدَّارِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ نَادَاهَا لِتَتَنَبَّهَ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ فَلَمَّا تَنَبَّهَتْ خَاطَبَهَا بِالْيَمِينِ وَهِيَ تَعْلِيقُ

طَلَاقِهَا بِدُخُولِ الدَّارِ وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَارَ قَاذِفًا لِمَا قُلْنَا وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِدُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ .
وَلَوْ بَدَأَ بِالنِّدَاءِ فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ يَا طَالِقُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ يَا طَالِقُ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ عَلَى وَصْفِهِ إيَّاهَا لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْوَصْفِ وَتَعَلُّقِ طَلَاقٍ آخَرَ بِدُخُولِ الدَّارِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا طَالِقُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ يَا طَالِقُ وَلَمْ يَقَعْ الثَّانِي لِدُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بَدَأَ بِالنِّدَاءِ بِالْعَلَمِ فَقَالَ يَا عَمْرَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّهُ بِنِدَائِهِ إيَّاهَا بِالْعَلَمِ نَبَّهَهَا عَلَى سَمَاعِ كَلَامِهِ ثُمَّ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالدُّخُولِ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا عَمْرَةُ أَنْتِ طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا ، هَذَا إذَا بَدَأَ بِالنِّدَاءِ إمَّا بِالْقَذْفِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَلَمِ ، .
فَأَمَّا إذَا أَتَى بِالنِّدَاءِ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ فِي التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَيَصِيرُ قَاذِفًا وَيَجِبُ اللِّعَانُ ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ رَجَعَ .
وَقَالَ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ وَلَا يَصِيرُ قَاذِفًا حَتَّى لَا يَجِبَ اللِّعَانُ .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَلَا يَصِيرُ النِّدَاءُ فَاصِلًا بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ مَانِعًا مِنْ التَّعْلِيقِ ، وَلَا يَصِيرُ قَاذِفًا وَلَا يَجِبُ اللِّعَانُ .
قَالَ الْمَشَايِخُ : مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ ، وَمَا

ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَعَلَّقَ الْقَذْفُ وَبَطَلَ فِي نَفْسِهِ وَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْقَذْفُ بَلْ تَحَقَّقَ لِلْحَالِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَعَلَّقَ الْقَذْفُ فَبَطَلَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ بَلْ تَنَجَّزَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ عَقِيبَ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَدْ عَلَّقَ الْقَذْفَ بِالشَّرْطِ ، وَالْقَذْفُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ وَصْفُ الشَّخْصِ بِالزِّنَا كَقَوْلِهِ قَائِمَةٌ وَقَاعِدَةٌ أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَوَصْفُ الشَّيْءِ بِصِفَةٍ يَكُونُ إخْبَارًا عَنْ وُجُودِ الصِّفَةِ فِيهِ وَالْإِخْبَارُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ حَتَّى يَكُونَ صَادِقًا عِنْدَ وُجُودِهِ كَاذِبًا عِنْدَ عَدَمِهِ أَوْ مُخْبِرًا عِنْدَ وُجُودِهِ غَيْرَ مُخْبِرٍ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ صَارَ لَغْوًا فَصَارَ حَائِلًا بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ ، لَكِنْ مَعَ هَذَا لَا يَصِيرُ قَاذِفًا لِأَنَّهُ قَصَدَ تَعْلِيقَ الْقَذْفِ بِالشَّرْطِ وَمَنْ قَصَدَ تَعْلِيقَ شَيْءٍ بِشَرْطٍ لَا يَكُونُ مُثْبِتًا لَهُ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ وُجُودِهِ .
( وَجْهُ ) مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَا يَصِيرُ لَغْوًا لِأَنَّهُ لِتَأْكِيدِ الْخِطَابِ الْمَوْجُودِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَارَ مُؤَكِّدًا لِبَابِ الْخِطَابِ فَالْتَحَقَ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَالِقٌ فَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ وَبَقِيَ الْقَذْفُ مُتَحَقِّقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ صَحَّ التَّعْلِيقُ ؟ وَلَمْ يَصِرْ قَوْلُهُ يَا عَمْرَةُ فَاصِلًا كَذَا هَهُنَا .
(

وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ قَدْ صَحَّ لِمَا مَرَّ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَالْقَذْفُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَقِيبَهُ الشَّرْطَ ، وَالْقَذْفُ مَتَى عُلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَقْصِدُ الْإِنْسَانُ تَحْقِيقَهُ لِلْحَالِ وَالِيًا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَكَانَ الْقَاضِي الْجَلِيلُ يَقُولُ تَعْلِيقُ الْقَذْفِ بِالشَّرْطِ يَكُونُ تَبْعِيدًا لِلْقَذْفِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ زَانِيَةٌ أَوْ أُمُّهُ زَانِيَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ الْفِعْلِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ تَبْعِيدُ الْفِعْلِ إلَّا بِتَبْعِيدِ الِاتِّصَافِ بِالزِّنَا عَنْ أُمِّهِ وَامْرَأَتِهِ وَبِمِثْلِ هَذَا يَحْصُلُ الْوَصْفُ بِالْإِحْصَانِ دُونَ الْوَصْفِ بِالزِّنَا وَإِلْحَاقِ الْعَارِ بِهِ - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ - وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَلَوْ كَانَ النِّدَاءُ بِالطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النِّدَاءِ بِالزِّنَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَيَقُولُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مُنَجَّزًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ فَاصِلًا ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا طَالِقُ وَإِنْ كَانَ نِدَاءً فَهُوَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إيقَاعًا عَقِيبَ إيقَاعٍ مِنْ غَيْرِ عَطْفِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ وَالشَّرْطُ اتَّصَلَ بِآخِرِ الْإِيقَاعَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَبَقِيَ الْأَوَّلُ تَنْجِيزًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ فَإِنَّهُ نِدَاءٌ وَتَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَاءِ الْخِطَابِ لَا إيقَاعٌ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَمْ يَصِرْ حَائِلًا فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَعَلُّقِ الشَّرْطِ بِالْجَزَاءِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذَا أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ

بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ النِّدَاءُ بِالْعَلَمِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَهُنَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَبُو يُوسُفَ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ يَا عَمْرَةُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ فَكَانَ تَأْكِيدًا لَهُ فَالْتَحَقَ بِهِ فَلَمْ يَصِرْ فَاصِلًا .
( وَأَمَّا ) قَوْلُهُ يَا زَانِيَةُ فَفِيهِ زِيَادَةُ أَمْرٍ لَا تُفِيدُهُ تَاءُ الْخِطَابِ وَهُوَ إثْبَاتُ وَصْفِ الزِّنَا وَيَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْعًا حُكْمٌ وَهُوَ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَكْرَارًا لِلتَّاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْخِطَابِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُلْتَحِقًا بِتَاءِ الْخِطَابِ فَبَقِيَ فَاصِلًا ، .
فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِمَا مَرَّ ، هَذَا إذَا أَتَى بِالنِّدَاءِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ أَوْ وَسَطِهِ ، .
فَأَمَّا إذَا أَتَى بِهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ أَمَّا فِي النِّدَاءِ بِالزِّنَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا زَانِيَةُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالدُّخُولِ ثُمَّ نَادَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَصَارَ قَاذِفًا وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْقَذْفِ شَرْطٌ لِيُقَالَ أَنَّهُ قَصَدَ تَعْلِيقَ الْقَذْفِ بَعْدَ تَحْقِيقِهِ .
وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَا زَانِيَةُ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَتَحَقَّقَ الْقَذْفُ ، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا طَالِقُ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالدُّخُولِ وَوَقَعَ بِقَوْلِهِ يَا طَالِقُ طَلَاقٌ لِدُخُولِ الشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ قَوْلِهِ يَا طَالِقُ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَا طَالِقُ .
وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا عَمْرَةُ ، فَهَذَا رَجُلٌ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ نَادَاهَا وَنَبَّهَهَا

بِالنِّدَاءِ عَلَى الْيَمِينِ وَالْخِطَابِ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَا عَمْرَةُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا مَرَّ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْحَدُّ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ نِدَاءٌ فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْعَدَدِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا وَبَيْنَ أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ يَفْصِلْ فَيُوقَفْ الْوُقُوعُ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا فَتَبِينُ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ اللِّعَانِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : إنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالْعَدَدِ فَبَانَتْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَادَفَهَا قَوْلُهُ يَا زَانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَلْغُو قَوْلُهُ ثَلَاثًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَدْخُولَ بِهَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا أَنَّهَا تَبِينُ بِثَلَاثٍ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ فَاصِلًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ الثَّلَاثِ بِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ فَقِيلَ لَهُ كَمْ ؟ فَقَالَ : ثَلَاثًا فَكَذَا إذَا فُصِلَ بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ الْعَدَدَ إذَا قُرِنَ بِالتَّطْلِيقِ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدَ وَهِيَ عِنْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَالشَّرْطُ إذَا لَحِقَ بِآخِرِ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ وَلَا يُفْصَلُ آخِرُ الْكَلَامِ عَنْ أَوَّلِهِ وَقَدْ

حَصَلَ آخِرُ الْكَلَامِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا عَمْرَةُ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ يَا عَمْرَةُ فَالطَّلَاقُ لَازِمٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا عَمْرَةُ نِدَاءٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا عَدَدٍ يَتَوَقَّفُ الْوُقُوعُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ - .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا حُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ فَحُكْمُهَا وَاحِدٌ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْيَمِينِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ، ثُمَّ نُبَيِّنُ أَعْيَانَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى التَّفْصِيلِ ، وَمَعْنَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى يُوجَدُ الشَّرْطُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَإِلَّا فَلَا ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ وَمَعْنَى تَعْلِيقِهِمَا بِالشَّرْطِ - وَهُوَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ - لَا يُعْقَلُ لَهُ مَعْنًى آخَرُ ، فَإِذَا وُجِدَ رُكْنُ الْإِيقَاعِ مَعَ شَرَائِطِهِ لَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوعِ عِنْدَ الشَّرْطِ .
فَأَمَّا عَدَمُ الْوُقُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ حُكْمُ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَنَا بَلْ هُوَ حُكْمُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ ، وَالثُّبُوتُ عَلَى حَسْبِ الْإِثْبَاتِ ، وَالْحَالِفُ لَمْ يُثْبِتْ إلَّا بَعْدَ الشَّرْطِ فَبَقِيَ حُكْمُهُ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ لَا أَنْ يَكُونَ الْعَدَمُ مُوجِبَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ بَلْ مُوجِبُهُ الْوُقُوعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَقَطْ ثُمَّ الشَّرْطُ إنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِهِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ يَسْتَوِي فِيهِ تَقْدِيمُ الشَّرْطِ فِي الذِّكْرِ وَتَأْخِيرُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ وَسَطَ الْجَزَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ هَهُنَا تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فَصَارَ كُلُّ فِعْلٍ عَلَى حِيَالِهِ شَرْطًا فَأَيُّهُمَا وُجِدَ

وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَادَ الْفِعْلَ مَعَ آخَرِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَخَلْت هَذِهِ سَوَاءٌ أَخَّرَ الشَّرْطَ أَوْ قَدَّمَهُ أَوْ وَسَّطَهُ .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَيَدْخُلَ الثَّالِثَةَ فَأَيِّ الْأُولَيَيْنِ دَخَلَ وَدَخَلَ الثَّالِثَةَ حَنِثَ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ دُخُولَ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَدُخُولَ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَيَتَنَاوَلُ إحْدَاهُمَا ثُمَّ جَمَعَ دُخُولَ الثَّالِثَةِ إلَى دُخُولِ إحْدَاهُمَا لِوُجُودِ حَرْفِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ فَصَارَ دُخُولُ الثَّالِثَةِ مَعَ دُخُولِ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ شَرْطًا وَاحِدًا فَإِذَا وُجِدَ حِنْثُ هَذَا إذَا أَدْخَلَ كَلِمَةَ أَوْ بَيْنَ شَرْطَيْنِ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ .
فَأَمَّا إذَا أَدْخَلَهَا بَيْنَ إيقَاعٍ وَيَمِينٍ أَوْ بَيْنَ يَمِينَيْنِ كَمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَن هَذَا الْخَادِمَ الْيَوْمَ فَضَرَبَ الْخَادِمَ مِنْ يَوْمِهِ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ خَيَّرَ نَفْسَهُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الضَّرْبِ فِي الْيَوْمِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ الْخَادِمَ فَقَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَيُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَإِنْ شَاءَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْيَمِينَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَنِثَ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْمُبْهَمُ فَكَانَ إلَيْهِ التَّعْيِينُ فَإِنْ قَالَ فِي الْيَوْمِ قَبْلَ مُضِيِّهِ قَدْ اخْتَرْتُ أَنْ أُوقِعَ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ وَبَطَلَتْ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ خَيَّرَ نَفْسَهُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ فَإِذَا أَوْقَعَ فَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ وَلَوْ قَالَ قَدْ اخْتَرْتُ الْتِزَامَ الْيَمِينِ وَأَبْطَلْتِ الطَّلَاقَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَبْطُلُ حَتَّى

لَوْ مَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ الْخَادِمَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْتِزَامِ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالِالْتِزَامِ حَتَّى يَبْطُلَ بِالِاخْتِيَارِ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى حَالِهَا .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانَةَ فَمَاتَتْ فُلَانَةُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَهَا فَقَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الطَّلَاقَ وَإِنْ شَاءَ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ فَاتَ بِمَوْتِهَا فَحَنِثَ فِي إحْدَى الْيَمِينَيْنِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمَيِّتَ وَالْمَحْلُوفُ عَلَى ضَرْبِهَا حَيَّةً فَقَدْ وَقَعَ الْحِنْثُ عَلَى الرَّجُلِ وَالطَّلَاقُ وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ وَلَا يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَلَا يَقْدِرُ الْحَاكِمُ عَلَى إلْزَامِهِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْكَفَّارَةِ طَلَاقُ أُخْرَى فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ هَذِهِ فَهَهُنَا يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِأَنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقٌ وَإِنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ لَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَى الِاخْتِيَارِ إنَّمَا يُفْتِي فِي الْوُقُوعِ أَنْ يُوقِعَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيُبْطِلَ الْأُخْرَى ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فُلَانَةُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي الْيَمِينَ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ تَخْيِيرَ الْفَتْوَى وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي حَتَّى يَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكَفَّارَةِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَ يُخَيَّرُ تَخْيِيرَ حُكْمٍ وَيُقَالُ لَهُ أَوْقِعْ طَلَاقَ الْإِيلَاءِ عَلَى الَّتِي

حَرَّمْتَ أَوْ طَلَاقَ الْكَلَامِ عَلَى الَّتِي تَكَلَّمْتَ بِطَلَاقِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَخُيِّرَ فِيهِ تَخْيِيرَ الْحَاكِمِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ فَإِنْ دَخَلَ إحْدَاهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَنَاوَلَتْ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } .

قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَبَدًا أَوْ لَأَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَإِنْ دَخَلَ الْأُولَى حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ الْأُخْرَى حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ حَنِثَ لِأَنَّهُ خَيَّرَ نَفْسَهُ فِي الْيَمِينِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ الْأُولَى أَوْ يَدْخُلَ الْأُخْرَى فِي الْيَوْمِ فَإِنْ دَخَلَ الْأُخْرَى فِي الْيَوْمِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ مَضَى الْيَوْمُ حَنِثَ فِي إحْدَى الْيَمِينَيْنِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا الْيَوْمَ دَخَلَ هَذِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ وَالْيَمِينُ عَلَى حَالِهَا وَلَا أُبَالِي وَصَلَ هَذَا الْكَلَامِ أَوْ فَصَلَهُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ الْأُولَى الْيَوْمَ حَنِثَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَيْسَ بِلَفْظِ تَخْيِيرٍ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِحَالِهَا - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ - هَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ شَيْئًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُمَا بِهِمَا فَلَوْ نَزَلَ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا لَنَزَلَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ .
وَهَذَا لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْجَزَاءِ فِي الذِّكْرِ أَوْ أَخَّرَهُمَا أَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ الدَّارَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا عِنْدَ دُخُولِ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُمَا عَنْهُ فَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ

دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا عِنْدَ دُخُولِ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا كَذَا هَذَا وَإِنَّمَا اسْتَوَى فِيهِ تَقْدِيمُ الشَّرْطَيْنِ وَتَأْخِيرُهُمَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَيْفَمَا كَانَ فَكَانَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِيهِ سَوَاءً وَأَمَّا إذَا وَسَّطَ الْجَزَاءَ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ يُعْطَفُ عَلَى جِنْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَصِحُّ عَطْفُ الشَّرْطِ عَلَى الْجَزَاءِ فَيُجْعَلُ مَعْطُوفًا عَلَى الشَّرْطِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَطْفُ بِحَرْفِ الْفَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَهَذِهِ الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَهَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذِهِ الدَّارَ فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا عِنْدَ دُخُولِ هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا يُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي دُخُولِ الدَّارَيْنِ وَهَهُنَا يُرَاعَى وَهُوَ أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ دُخُولِهَا الْأُولَى وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْوَاوَ وَالْفَاءَ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَرْفَ عَطْفٍ وَجَمْعٍ لَكِنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ وَالْفَاءَ لِلْجَمْعِ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْجَمْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْقِيبِ لِذَلِكَ لَزِمَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَطْفُ بِكَلِمَةِ ثُمَّ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ هَذِهِ الدَّارَ فَهَذِهِ وَالْفَاءُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الدُّخُولِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ هَهُنَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ دُخُولُ الدَّارِ الثَّانِيَةِ مُتَرَاخِيًا عَنْ دُخُولِ الْأُولَى لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي هَذَا إذَا كُرِّرَ حَرْفُ الْعَطْفِ بِدُونِ الْفِعْلِ فَإِنْ كُرِّرَ مَعَ

الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَدَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَدَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَهَذَا وَمَا إذَا كُرِّرَ حَرْفُ الْعَطْفِ بِدُونِ الْفِعْلِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الشَّرْطَيْنِ فَيَسْتَوِي فِيهِ إعَادَةُ الْفِعْلِ وَعَدَمُ الْإِعَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَاءِ فَقَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَاءِ وَبَيْنَ الْوَاوِ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ ، وَفِي الثَّانِي لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ بِالْفَاءِ آخِرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ الْأُولَى ثُمَّ دَخَلَتْ الْأُولَى لَا يَحْنَثُ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ وَالْفَاءَ تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ فَيَسْتَدْعِي تَأَخُّرَ الْفِعْلِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا زِيَادَةَ تَفْصِيلٍ فَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَدَخَلَتْ دَارَ فُلَانٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ الثَّانِيَةَ لَمْ تَطْلُقْ كَأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ دَارِ فُلَانٍ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ حَالِفًا حِينَ دَخَلَتْ الدَّارَ الْأُولَى وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَصِيرُ حَالِفًا بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ لِمَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ هَذِهِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فَقَالَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ إذَا غَشِيت

هَذِهِ فَإِذَا غَشِيت هَذِهِ الْأُخْرَى فَعَبْدِي حُرٌّ فَلَيْسَ الْحَلِفُ عَلَى الْأُولَى إنَّمَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الثَّانِيَةِ إذَا غَشِيَ الْأُولَى وَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ الثَّانِيَةِ إذَا غَشِيَ الْأُولَى ، وَالْفَاءُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا تُشْبِهُ الْوَاوَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ غِشْيَانَ الْأُولَى شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي الثَّانِيَةِ .

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قَالَا : أَيَّ الدَّارَيْنِ دَخَلَتْ طَلُقَتْ وَسَقَطَتْ الْيَمِينُ وَلَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ حَرْفَ الشَّرْطِ مَعَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَكُنْ عَطْفًا عَلَى الْأُولَى فِي الشَّرْط بَلْ صَارَ ذَلِكَ يَمِينًا أُخْرَى أُضْمِرَ فِيهَا الْجَزَاءُ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ نَزَلَ الْجَزَاءُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِأَنَّ جَزَاءَ الثَّانِي لَمْ يَبْقَ وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْجَزَاءِ فَقَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ .
وَقَالَ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ : أَيَّ الدَّارَيْنِ دَخَلَتْ طَلُقَتْ كَمَا فِي الْأُولَى .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا عَطَفَ الشَّرْطَ عَلَى الشَّرْطِ قَبْلَ الْجَزَاءِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّهُ لَا جَزَاءَ لَهُ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ يَكُونُ شَرْطًا عَلَى حِدَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ جَزَاءٌ فَكَانَ جَزَاءُ الْأَوَّلِ جَزَاءَ الثَّانِي فَأَيُّهُمَا وُجِدَ نَزَلَ الْجَزَاءُ وَتَبْطُلُ الْيَمِينُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا جَزَاءٌ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هُنَاكَ الْيَمِينَ قَدْ تَمَّتْ بِذِكْرِ الْجَزَاءِ فَلَمَّا أَعَادَ حَرْفَ الشَّرْطِ مَعَ الْفِعْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ عَلَى الْجَزَاءِ وَتَأْخِيرَهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْيَمِينِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ قَدَّمَهُ

كَانَ الْجَوَابُ هَكَذَا فَكَذَا إذَا أَخَّرَ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ ، وَلَوْ كَرَّرَ الشَّرْطَ وَعُلِّقَ بِهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كُرِّرَ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَالْيَمِينُ انْعَقَدَتْ بِالْقَوْلِ الثَّانِي ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَغْوٌ ، وَكَذَلِكَ إذَا مَتَى وَإِنْ إذَا وَإِنْ مَتَى ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَأَ بِإِذَا وَأَخَّرَ إنْ ، أَوْ قَالَ إذَا ثُمَّ قَالَ مَتَى ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ إلَّا بِانْضِمَامِ الْجَزَاءِ إلَيْهِ وَقَدْ ضُمَّ الْجَزَاءُ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَوْصُولٌ بِهِ حَقِيقَةً فَيُقْطَعُ عَنْ الْأَوَّلِ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ جَزَاءٍ فَلَغَا ، وَإِنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُكِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَالْكَلَامُ الثَّانِي لَغْوٌ ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ فَبَقِيَ شَرْطًا لَا جَزَاءَ لَهُ فَلَغَا وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك فَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِالْكَلَامِ الْآخَرِ وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ لَغْوٌ ، لِأَنَّ إنْ شَرْطٌ مَحْضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الشَّرْطِ وَإِذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَقْتِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا فَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ أَوْلَى .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِدَارٍ وَاحِدَةٍ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا دَخْلَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ دَخْلَتَيْنِ وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَجْعَلُهُ حَانِثًا بِالدَّخْلَةِ الْأُولَى .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّ تَكْرَارَ الشَّرْطِ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعَطْفَ إلَّا أَنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ الْعَطْفِ فَصَارَ الشَّرْطُ دُخُولَهَا مَرَّتَيْنِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّكْرَارَ يُجْعَلُ رَدًّا لِلْكَلَامِ

الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ الْمَنْعُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ أَصْلِ الدُّخُولِ دُونَ التَّكْرَارِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ دَخْلَتَيْنِ فَيَكُونُ عَلَى مَا عَنَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ إلَّا لِفَائِدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَدْ نَوَى ظَاهِرَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ ، وَإِنْ كَرَّرَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَقَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَإِنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَإِنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ إذَا تَزَوَّجْتُك وَمَتَى تَزَوَّجْتُك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَطَفَ أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَقَدْ عَلَّقَ الْجَزَاءَ بِهِمَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا ، وَلَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك فَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَهَذَا عَلَى تَزْوِيجٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْبَابِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ تَمَّ بِالْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ فَإِذَا أَعَادَ الشَّرْطَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ تَزَوَّجْتُك طَلُقْت بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّزْوِيجَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ التَّزْوِيجَ عَلَى الْجَزَاءِ فَصَارَ الْجَزَاءُ مُضْمَرًا فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .
وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَكَلَّمْت فُلَانًا فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَتْ الدَّارَ دَخَلَاتٍ وَكَلَّمَتْ فُلَانًا مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يُعْتَقُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْعِتْقِ دُخُولَ الدَّارِ وَكَلَامَ فُلَانٍ فَإِذَا تَكَرَّرَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ الْآخَرُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ تَمَّ شَرْطُ يَمِينِ وَاحِدَةٍ وَوُجِدَ بَعْضُ شَرْطِ يَمِينٍ أُخْرَى فَلَا يُعْتَقُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ثَلَاثَ دَخَلَاتٍ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا مَرَّةً طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجُمْلَةَ

الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ حَرْفِ الْفَاءِ مِنْ ذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءُ جَزَاءُ الدُّخُولِ ، وَالْجَزَاءُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا بِكَلِمَةِ كُلَّمَا وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ عَلَّقَ عِنْدَ كُلِّ دُخُولٍ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهَا فَإِذَا كَلَّمَتْ فُلَانًا مَرَّةً تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذْ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي أَيْمَانٍ كَثِيرَةٍ فَيَحْنَثُ فِي جَمِيعِهَا .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْحِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَكَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ ثَلَاثَ دَخَلَاتٍ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا مَرَّةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَيَصِيرُ الدُّخُولُ وَالْكَلَامُ جَمِيعًا شَرْطًا ، وَتَكْرَارُ بَعْضِ الشَّرْطِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِنْثٌ فَإِنْ عَادَتْ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ الرَّابِعَةَ طَلُقَتْ أُخْرَى لِأَنَّهُ تَمَّ شَرْطُ يَمِينٍ أُخْرَى فَإِنْ عَادَتْ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا الثَّالِثَةَ طَلُقَتْ أُخْرَى لِتَمَامِ شَرْطِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَأَتْ بِكَلَامِ فُلَانٍ فَكَلَّمَتْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ دَخْلَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَإِنْ عَادَتْ فَدَخَلَتْهَا الثَّانِيَةَ قَبْلَ الْكَلَامِ طَلُقَتْ أُخْرَى فَإِنْ عَادَتْ فَدَخَلَتْ الثَّالِثَةَ طَلُقَتْ أَيْضًا ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ التَّرْتِيبُ وَأَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنَ تَقْدِيمِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَجْرِي مَجْرَى شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الْيَمِينَ فِي هَذَا كُلِّهِ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَكُلَّمَا دَخَلَتْ دَخْلَةً انْعَقَدَتْ يَمِينٌ فَإِنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا طَلُقَتْ فَإِنْ عَادَتْ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا طَلُقَتْ أُخْرَى فَإِنْ عَادَتْ فَدَخَلَتْ الدَّارَ

ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا طَلُقَتْ أُخْرَى وَلَوْ بَدَأَتْ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ثَلَاثً دَخَلَاتٍ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا مَرَّةً طَلُقَتْ ثَلَاثً مَرَّاتٍ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَنْعَقِدُ عِنْدَ كُلِّ دَخْلَةٍ يَمِينٌ لِمَكَانِ كَلِمَةِ كُلَّمَا فَقَدْ انْعَقَدَتْ عَلَيْهَا أَيْمَانٌ فَانْحَلَّتْ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ .
قَالَ وَلَوْ بَدَأَتْ بِكَلَامِ فُلَانٍ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ يَمِينٌ وَلَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ حَتَّى تُكَلِّمَ فُلَانًا بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَمَا لَمْ تَدْخُلْ لَا يَنْعَقِدُ فَلَا يَقَعُ بِالْكَلَامِ طَلَاقٌ .
قَالَ : وَسَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ : وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَ فَهَذَا عَلَيْهَا وَيَكُونُ الْفَاءُ جَزَاءً فَإِنْ بَدَأَتْ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ثَلَاثَ دَخَلَاتٍ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا مَرَّةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ انْعَقَدَتْ بِدُخُولِ الدَّارِ فَإِذَا تَكَرَّرَ شَرْطُهَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ لِامْرَأَتِهِ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ السَّاعَةَ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ التَّزْوِيجُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلُّ لَيْسَتْ كَلِمَةَ شَرْطٍ لِمَا قُلْنَا لَكِنَّ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ نُزُولُ الْجَزَاءِ عَلَى امْرَأَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةِ أَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ ، وَفُلَانَةُ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَقِفُ طَلَاقُهَا عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ سَمَّى بَعْضَ نِسَائِهِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا السَّاعَةَ قَبْلَ أَنْ دَخَلَ الدَّارَ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ أُخْرَى لِأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي تَدْخُلُ الدَّارَ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَمَنْ دَخَلَ الدَّارَ مِنْ نِسَائِي طَالِقٌ كَانَتْ طَالِقًا سَاعَةَ سَكَتَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَهَذِهِ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ وَلَوْ دَخَلَتْ هِيَ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ طَلُقَتْ أُخْرَى لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ إنْ تَزَوَّجْتهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالشَّرْطِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ لِإِتْيَانِهِ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ نَصًّا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَمَنْ دَخَلَ الدَّارَ مِنْ عَبِيدِي عَتَقَ الْأَوَّلُ لِلْحَالِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ عَنِيَ أَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِدُخُولِ الدَّارِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِانْعِدَامِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ حَقِيقَةً وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَا بَلْ هَذِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتَا وَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ

قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِإِحْدَاهُمَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِشَرْطِ الدُّخُولِ ، وَقَوْلُهُ : " لَا " رُجُوعٌ عَنْ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالشَّرْطِ ، وَقَوْلَهُ " بَلْ " إثْبَاتُ تَعْلِيقِ طَلَاقِ هَذِهِ بِالشَّرْطِ ، وَالرُّجُوعُ لَا يَصِحُّ ، وَالْإِثْبَاتُ صَحِيحٌ فَبَقِيَتْ فَيَتَعَلَّقُ طَلَاقُهَا بِالشَّرْطِ ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ لَا بَلْ غُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ السَّاعَةَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ غُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ لِكَوْنِهَا مُبْتَدَأً وَخَبَرًا فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرْطِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ لَا بَلْ فُلَانَةُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ أَنَّ امْرَأَتُهُ لَا تَطْلُقُ السَّاعَةَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ فُلَانَةُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّرْطِ فَيَتَعَلَّقُ هَذَا أَيْضًا ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ فُلَانٌ لِعَبْدٍ لَهُ آخَرَ لَا يَعْتِقُ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ بِكَلَامٍ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ فَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ فَدَخَلَتْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتَا ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ هَذِهِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ فَأَضْمَرَ فِيهِ الشَّرْطُ فَصَارَ طَلَاقُهَا جَزَاءَ الدُّخُولِ كَطَلَاقِ الْأُولَى ، وَالْجَزَاءُ فِي حَقِّ الْأُولَى ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كَذَا فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ وَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ وَعَلَى الْأُولَى ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ يُضْمَرُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ يَسْتَقِلُّ بِإِضْمَارِ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّطْلِيقَاتِ هَهُنَا مُتَفَرِّقَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا

بَلْ هَذِهِ طَالِقٌ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ عَلَّقَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً بِالدُّخُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى حَسْبِ التَّعْلِيقِ فَصَارَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مُسْتَدْرِكَةً فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بَلْ هَذِهِ فَكَانَ عَلَى الْكَلَامِ لَا عَلَى الطَّلَاقِ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ نَسَّقَهَا عَلَى الْكَلَامِ فَتَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِكَلَامِ فُلَانٍ ، فَإِنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ فَقَوْلُهُ لَا بَلْ هَذِهِ عَلَى الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ نَسَّقَهَا عَلَى الْجَزَاءِ فَتَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ طَلَاقُ الْأُخْرَى ، قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى امْرَأَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَوْصُوفَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا تَطْلُقُ الْمُتَزَوَّجَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي عَمْيَاءَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَ ثُمَّ عَمِيَتْ امْرَأَتُهُ لَا تَطْلُقُ كَذَا هَذَا ، وَلَوْ بَدَأَ بِالدُّخُولِ فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي

ذَلِكَ مَا تَزَوَّجَ مِنْ قَبْلُ .
قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ نَوَى مَا تَزَوَّجَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا فَلَيْسَ يَقَعُ عَلَى مَا نَوَى وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ .
قَالَ بِشْرٌ وَلَوْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ تَزَوَّجَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ ثَانِيًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى دُخُولٍ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا عَلَى دُخُولٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُنِ الدُّخُولُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ ، فَإِذَا وُجِدَ الدُّخُولُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهُوَ عَلَى مَا يَتَزَوَّجُ فِي الْوَقْتِ ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْكَلَامِ أَوْ بَعْدَهُ ، كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَى سَنَةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِلتَّوْقِيتِ فَائِدَةٌ فَلَوْ اخْتَصَّتْ الْيَمِينُ بِمَا يَتَزَوَّجُ قَبْلَ الْكَلَامِ بَطَلَ مَعْنَى التَّوْقِيتِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّزَوُّجِ ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ فَقَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَهَذَا يَقَعُ عَلَى مَا بَعْدَ الْكَلَامِ ، وَالتَّوْقِيتُ وَعَدَمُ التَّوْقِيتِ فِيهِ سَوَاءٌ ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْكَلَامِ فَقَدْ جَعَلَ الْكَلَامَ شَرْطُهُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُزَوَّجَةُ قَبْلَ الْكَلَامِ وَيَكُونُ فَائِدَةُ التَّوْقِيتِ تَخْصِيصَ الْعَقْدِ بِمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْمُدَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهَا ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .
وَلَوْ عَطَفَ الْحَالِفُ عَلَى يَمِينِهِ بَعْدَ السُّكُوتِ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا عَطَفَ عَلَى يَمِينِهِ بَعْدَ السُّكُوتِ مَا يُوَسِّعُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَمَا لَا يُقْبَلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ

بَعْدَ السُّكُوتِ وَإِنْ عَطَفَ بِمَا شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ جَازَ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ سَكْتَةً ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ يَعْنِي امْرَأَةً لَهُ أُخْرَى فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهَذِهِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ تِلْكَ الدَّارَ وَفِي هَذَا تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَى الشَّرْطِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى الْأُولَى بِدُخُولِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ وَفِي هَذَا تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ نَجَّزَ فَقَالَ هَذِهِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِيقَاعِ وَهَذَا تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ يَعْنِي دَارًا أُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهَذِهِ يَعْنِي دَارًا أُخْرَى يَقْتَضِي زِيَادَةً فِي شَرْطِ الْيَمِينِ الْأُولَى لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِ دَارَيْنِ لَا يَقَعُ بِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ شَرْطِ الْيَمِينِ بَعْدَ السُّكُوتِ وَلِأَنَّ فِي هَذَا تَوْسِيعًا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ السُّكُوتِ كَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ أَعْيَانِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ فَالشُّرُوطُ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا سَبِيلَ إلَى حَصْرِهَا لِكَثْرَتِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِاخْتِيَارِ الْفَاعِلِ فَنَذْكُرُ الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ ، وَالْمَذْكُورُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي كُتُبِهِمْ نَوْعَانِ : .
أَفْعَالٌ حِسِّيَّةٌ : وَأُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ ، أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ : فَالدُّخُولُ وَالْخُرُوجُ وَالْكَلَامُ وَالْإِظْهَارُ وَالْإِفْشَاءُ وَالْإِعْلَامُ وَالْكَتْمُ وَالْإِسْرَارُ وَالْإِخْفَاءُ وَالْبِشَارَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالذَّوْقُ وَالْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ وَاللِّبْسُ وَالسُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةُ وَالْإِيوَاءُ وَالْبَيْتُوتَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْمَعْرِفَةُ وَقَبْضُ الْحَقِّ وَالِاقْتِضَاءُ وَالْهَدْمُ وَالضَّرْبُ وَالْقَتْلُ وَغَيْرُهَا .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي : وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى أُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَا يَقَعُ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَعَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ كَالْعَطِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالرُّكُوبِ وَالْجُلُوسِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَأَشْيَاءَ أُخَرَ مُتَفَرِّقَةٍ نَجْمَعُهَا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ فِي آخِرِ الْكِتَابِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ أَنْ يُرَاعَى فِيهَا لَفْظُ الْحَالِفِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى لُغَةً وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ وَالتَّعْمِيمِ وَالتَّخْصِيصِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ بِخِلَافِهِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَإِنَّهَا تَقْضِي عَلَى الْحَقِيقَةِ الْوَضْعِيَّةِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ : إنَّ صَاحِبًا لَنَا مَاتَ وَأَوْصَى بِبَدَنَةٍ أَفَتُجْزِئُ عَنْهُ الْبَقَرَةُ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِمَّنْ صَاحِبُكُمْ ؟ فَقَالَ السَّائِلُ : مِنْ بَنِي رَبَاحٍ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُمَا مَتَى اقْتَنَتْ بَنُو رَبَاحٍ الْبَقَرَ إنَّمَا الْبَقَرُ لِلْأَزْدِ وَذَهَبَ وَهْمُ صَاحِبُكُمْ إلَى الْإِبِلِ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ أَصِيلٌ فِي حَمْلِ مُطْلَقِ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَوْهَامُ النَّاسِ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ وَضْعٌ طَارِئٌ عَلَى الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ ، وَالِاصْطِلَاحُ جَارٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَقْصِدُ بِكَلَامِهِ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مُطْلَقُ اللَّفْظِ ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : " إنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ " يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّ الْغَرِيمَ يَقُولُ لِغَرِيمِهِ : وَاَللَّهِ لَأَجُرَّنَّكَ فِي الشَّوْكِ يُرِيدُ بِهِ شِدَّةَ الْمَطْلِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ : " الْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ " غَيْرُ سَدِيدٍ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ فِي سِرَاجٍ فَجَلَسَ فِي الشَّمْسِ لَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الشَّمْسَ سِرَاجًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَجَعَلْنَا الشَّمْسَ سِرَاجًا } .
وَكَذَا مَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِسَاطًا بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ بِسَاطًا } .
وَكَذَا مَنْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ وَتَدًا فَمَسَّ جَبَلًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْجَبَلَ وَتَدًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } فَثَبَتَ أَنَّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : أَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الدُّخُولِ فَالدُّخُولُ اسْمٌ لِلِانْفِصَالِ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَى الْحِصْنِ ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا فَمَكَثَ بَعْدَ يَمِينِهِ لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ ، ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْأَصْلِ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْفِعْلِ حُكْمُ إنْشَائِهِ كَمَا فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ ، بِأَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَلَا يَلْبَسُ وَهُوَ رَاكِبٌ وَلَابِسٌ فَمَكَثَ سَاعَةً أَنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا ، كَذَا هَذَا .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ هُوَ الْبَقَاءُ ، وَالْفِعْلَ الْمُحْدَثُ عَرَضٌ ، وَالْعَرَضُ مُسْتَحِيلُ الْبَقَاءِ فَيَسْتَحِيلُ دَوَامُهُ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالدَّوَامِ تَجَدُّدُ أَمْثَالِهِ وَهَذَا يُوجَدُ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَلَا يُوجَدُ فِي الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَى الْحِصْنِ ، وَالْمُكْثُ قَرَارٌ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالًا يُحَقِّقُهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ حَرَكَةٌ وَالْمُكْثَ سُكُونٌ وَهُمَا ضِدَّانِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّهُ يُقَالُ رَكِبْت أَمْسُ وَالْيَوْمَ وَلَبِسْت أَمْسُ وَالْيَوْمَ مِنْ غَيْرِ رُكُوبٍ وَلُبْسٍ مُبْتَدَإٍ وَلَا يُقَالُ دَخَلْت أَمْسُ وَالْيَوْمَ إلَّا لِدُخُولٍ مُبْتَدَإٍ وَكَذَا مَنْ دَخَلَ دَارًا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَكَثَ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِذَلِكَ افْتَرَقَا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَلْبَسُ وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ لَابِسٌ فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ .
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَ يَمِينِهِ وَإِنْ قَلَّ .
( وَلَنَا ) أَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ الْحَالِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ يَمِينِهِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْحَالِفِ مِنْ الْحَلِفِ

الْبِرُّ ، وَالْبِرُّ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَسَوَاءٌ دَخَلَ تِلْكَ الدَّارَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدُّخُولِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكُلِّ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ دَخَلْت الدَّارَ مَاشِيًا وَدَخَلْتُهَا رَاكِبًا ، وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَحَمَلَهُ فَأَدْخَلَهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِعْلٌ لَا حُقُوقَ لَهُ فَكَانَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ مُضَافًا إلَيْهِ كَالذَّبْحِ وَالضَّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ غَيْرُهُ فَأَدْخَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُسَمَّى إدْخَالًا لَا دُخُولًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدُّخُولَ انْتِقَالٌ وَالْإِدْخَالُ نَقْلٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَمْرُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَاضِيًا بِنَقْلِهِ أَوْ سَاخِطًا لِأَنَّ الرِّضَا لَا يَجْعَلُ الْفِعْلَ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الشَّرْطُ وَهُوَ الدُّخُولُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ مَعَ الْقُدْرَةِ كَانَ الدُّخُولُ مُضَافًا إلَيْهِ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الدُّخُولُ حَقِيقَةً وَامْتِنَاعُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ إنْ جَازَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى رِضَاهُ بِالدُّخُولِ لَكِنَّ الرِّضَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ ، وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَا يَكْفِي لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ فَانْعَدَمَ الدُّخُولُ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا ، وَسَوَاءٌ دَخَلَهَا مِنْ بَابِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ مُطْلَقَ الدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَى سَطْحِهَا حَنِثَ ؛ لِأَنَّ سَطْحَ الدَّارِ مِنْ الدَّارِ إذْ الدَّارُ اسْمٌ لِمَا أَحَاطَ بِهِ الدَّائِرَةُ ، وَالدَّائِرَةُ أَحَاطَتْ بِالسَّطْحِ .
وَكَذَا لَوْ أَقَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِهَا لِأَنَّ الْحَائِطَ مِمَّا تَدُورُ عَلَيْهِ الدَّائِرَةُ فَكَانَ كَسَطْحِهَا ، وَلَوْ قَامَ عَلَى ظُلَّةٍ لَهَا شَارِعَةٍ

أَوْ كَنِيفِ شَارِعٍ فَإِنْ كَانَ مِفْتَحُ ذَلِكَ إلَى الدَّارِ يَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِفْتَحُهُ إلَى الدَّارِ يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى الدَّارِ فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَامَ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ فَإِنْ كَانَ الْبَابُ إذَا أُغْلِقَ كَانَتْ الْأُسْكُفَّةُ خَارِجَةً عَنْ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَإِنْ كَانَ أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَتْ الْأُسْكُفَّةُ دَاخِلَةَ الْبَابِ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ لِأَنَّ الْبَابَ يُغْلَقُ عَلَى مَا فِي دَاخِلِ الدَّارِ لَا عَلَى مَا فِي الْخَارِجِ ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْحَالِفُ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ الْأُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ كُلُّهُ بَلْ بَعْضُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِي إنِّي لَأَعْلَمُ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَّا عَلَيَّ فَقُلْت وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُعَلِّمَكَهَا فَلَمَّا أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فَقُلْت فِي نَفْسِي لَعَلَّهُ قَدْ نَسِيَ فَقَالَ لِي : بِمَ تُفْتَتَحُ الْقِرَاءَةُ ؟ فَقُلْت : بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ هِيَ } فَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ خُرُوجًا لَكَانَ تَأْخِيرُ التَّعْلِيمِ إلَيْهِ خُلْفًا فِي الْوَعْدِ وَلَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا آيَةً ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ مَوْضُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي دَارٍ دَاخِلُهَا وَخَارِجُهَا سَطْحٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُنْهَبِطَةً فَأَدْخَلَ إلَيْهَا إحْدَى رِجْلَيْهِ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُ حَصَلَ فِيهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ ، فَإِنْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُدْخِلْ قَدَمَيْهِ أَوْ تَنَاوَلَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ

بِدُخُولٍ .
أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ ؟ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ خَرَابًا قَدْ كَانَ دَارًا وَذَهَبَ بِنَاؤُهَا لَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ كَانَتْ حِيطَانُهَا قَائِمَةً فَدَخَلَ يَحْنَثُ ، وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَذَهَبَ بِنَاؤُهَا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَتْ حِيطَانُهَا قَائِمَةً وَدَخَلَ يَحْنَثُ وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ : لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَذَهَبَ بِنَاؤُهَا بَعْدَ يَمِينِهِ ثُمَّ دَخَلَهَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارًا وَإِنْ ذُكِرَ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهِيَ الدَّارُ الْمَبْنِيَّةُ فَيُرَاعَى فِيهِ الِاسْمُ وَالصِّفَةُ وَهِيَ الْبِنَاءُ ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الصِّفَةِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَحْنَثُ ، وَقَوْلُهُ هَذِهِ الدَّارُ إشَارَةٌ إلَى الْمُعَيَّنِ الْحَاضِرِ فَيُرَاعَى فِيهِ ذَاتُ الْمُعَيَّنِ لَا صِفَتُهُ لِأَنَّ الْوَصْفَ لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةُ كَافِيَةٌ لِلتَّعْرِيفِ وَذَاتُ الدَّارِ قَائِمَةٌ بَعْدَ الِانْهِدَامِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ ، وَالْعَرْصَةُ قَائِمَةٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ بِدُونِ الْبِنَاءِ قَوْلُ النَّابِغَةِ يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ أَقْوَتْ فَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَبَدِ إلَّا الْأَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا وَالنُّؤْيَ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ سَمَّاهَا دَارًا بَعْدَمَا خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا وَخَرِبَتْ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا الْأَوَارِيَ وَالنُّؤْيَ وَلَوْ أُعِيدَ الْبِنَاءُ فَدَخَلَهَا يَحْنَثُ ، أَمَّا فِي الْمُعَيَّنِ فَلَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَهَا بِدُونِ الْبِنَاءِ يَحْنَثُ فَمَعَ الْبِنَاءِ أَوْلَى .
وَأَمَّا فِي الْمُنَكَّرِ فَلِوُجُودِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَهِيَ الْبِنَاءُ وَإِنْ بُنِيَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَدَخَلَهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ قَدْ بَطَلَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَارًا فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ ، وَلَوْ أَعَادَهَا دَارًا فَدَخَلَهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا غَيْرُ الدَّارِ الْأُولَى

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ فَصَارَ صَحْرَاءَ ثُمَّ دَخَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ هُوَ مَسْجِدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا ، وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ عِبَارَةٌ عَنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْخَرَابِ ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْقَى مَسْجِدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ أَوْ بَيْتًا فَدَخَلَهُ بَعْدَ مَا انْهَدَمَ وَلَا بِنَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ سُمِّيَ بَيْتًا لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَلَا يُبَاتُ إلَّا فِي الْبِنَاءِ وَلِهَذَا تُسَمِّي الْعَرَبُ الْأَخْبِيَةَ بُيُوتًا فَصَارَ الْبِنَاءُ فِيهِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ مُلْتَحِقًا بِذَاتِ الْمُسَمَّى كَاسْمِ الطَّعَامِ لِلْمَائِدَةِ وَالشَّرَابِ لِلْكَأْسِ وَالْعَرُوسِ لِلْأَرِيكَةِ فَيَزُولُ الِاسْمُ بِزَوَالِهِ ، وَلَوْ بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا فِي الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ الْمُعَادَ عَيْنٌ أُخْرَى غَيْرُ الْأَوَّلِ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِيهِ ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ دُخُولُ الْبَيْتِ وَلَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ وَحِيطَانُهُ قَائِمَةٌ فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ فِي الْمُعَيَّنِ وَلَا يَحْنَثُ فِي الْمُنَكَّرِ لِأَنَّ السَّقْفَ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ فِيهِ وَهِيَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرَةٌ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْفُسْطَاطِ وَهُوَ مَضْرُوبٌ فِي مَوْضِعٍ فَقُلِعَ وَضُرِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَ فِيهِ يَحْنَثُ ، وَكَذَلِكَ الْقُبَّةُ مِنْ الْعِيدَانِ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَلِكَ دَرَجٌ مِنْ عِيدَانٍ بِدَارٍ أَوْ مِنْبَرٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَزُولُ بِنَقْلِهَا مِنْ مَكَان إلَى مَكَان .
وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ أَوْ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَهُدِمَا ثُمَّ بُنِيَا بِنَقْضِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ إذَا هُدِمَ زَالَ الِاسْمُ عَنْهُ وَكَذَا

الْأُسْطُوَانَةُ فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ بَرَاهُ فَكَتَبَ بِهِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَبْرِيِّ لَا يُسَمَّى قَلَمًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى أُنْبُوبًا فَإِذَا كُسِرَ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ عَلَى مِقَصٍّ فَكَسَرَهُ ثُمَّ جَعَلَهُ مِقَصًّا غَيْرَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ بِالْكَسْرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سِكِّينٍ وَسَيْفٍ وَقِدْرٍ كُسِرَ ثُمَّ صُنِعَ مِثْلُهُ ، وَلَوْ نَزَعَ مِسْمَارَ الْمِقَصِّ وَلَمْ يَكْسِرْهُ ثُمَّ أَعَادَ فِيهِ مِسْمَارًا آخَرَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَزُلْ بِزَوَالِ الْمِسْمَارِ ، وَكَذَلِكَ إذَا نَزَعَ نِصَابَ السِّكِّينِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ نِصَابًا آخَرَ ؛ لِأَنَّ السِّكِّينَ اسْمٌ لِلْحَدِيدِ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ أَوْ قَبَاءً مَحْشُوًّا أَوْ مُبَطَّنًا أَوْ جُبَّةً مُبَطَّنَةً أَوْ مَحْشُوَّةً أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفَّيْنِ فَنَقَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ ثُمَّ أَعَادَهُ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ بَقِيَ بَعْدَ النَّقْضِ ، يُقَالُ قَمِيصٌ مَنْقُوضٌ وَجُبَّةٌ مَنْقُوضَةٌ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ بِتَغَيُّرِ الصِّفَةِ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الْعَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذَا السَّرْجَ فَفَتَقَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ السَّفِينَةَ فَنَقَضَهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِذَلِكَ الْخَشَبِ فَرَكِبَهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى سَفِينَةً بَعْدَ النَّقْضِ ، وَزَوَالُ الِاسْمِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَفَتَقَهُ وَغَسَلَهُ ثُمَّ حَشَاهُ بِحَشْوٍ وَخَاطَهُ وَنَامَ عَلَيْهِ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ فَتْقَ الْفِرَاشِ لَا يُزِيلُ الِاسْمَ عَنْهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شُقَّةَ خَزٍّ بِعَيْنِهَا فَنَقَضَهَا وَغُزِلَتْ وَجُعِلَتْ شُقَّةً أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا إذَا نُقِضَتْ صَارَتْ خُيُوطًا وَزَالَ الِاسْمُ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ فَقَطَعَهُ جُبَّةً مَحْشُوَّةً فَلَبِسَهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ فَزَالَتْ الْيَمِينُ ، وَلَوْ

حَلَفَ لَا يَقْرَأُ فِي هَذَا الْمُصْحَفِ فَخَلَعَهُ ثُمَّ لَفَّ وَرَقَهُ وَغَرَزَ دَفَّتَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ فِيهِ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُصْحَفِ بَاقٍ وَإِنْ فُرِّقَ ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى نَعْلٍ لَا يَلْبَسُهَا فَقَطَعَ شِرَاكَهَا وَشَرَّكَهَا بِغَيْرِهِ ثُمَّ لَبِسَهَا حَنِثَ ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعْلِ يَتَنَاوَلُهَا بَعْدَ قَطْعِ الشِّرَاكِ ، وَلَوْ حَلَفَتْ امْرَأَةٌ لَا تَلْبَسُ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ فَخِيطَ جَانِبَاهَا فَجُعِلَتْ دِرْعًا وَجُعِلَ لَهَا جَيْبًا ثُمَّ لَبِسَتْهَا لَمْ تَحْنَثْ لِأَنَّهَا دِرْعٌ وَلَيْسَتْ بِمِلْحَفَةٍ فَإِنْ أُعِيدَتْ مِلْحَفَةً فَلَبِسَتْهَا حَنِثَتْ لِأَنَّهَا عَادَتْ مِلْحَفَةً بِغَيْرِ تَأْلِيفٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهَا ، وَلَوْ قَالَ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ ثُمَّ زِيدَ فِيهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي زِيدَ فِيهِ حَنِثَ ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ حَمَّامًا أَوْ دِهْلِيزًا أَوْ ظُلَّةَ بَابِ دَارٍ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُسَمَّى بَيْتًا عَلَى الْإِطْلَاقِ عُرْفًا وَعَادَةً وَإِنْ سَمَّى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْكَعْبَةَ بَيْتًا فِي كِتَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى - { إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ } وَسَمَّى الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا حَيْثُ قَالَ تَعَالَى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَا عَلَى نَفْسِ إطْلَاقِ الِاسْمِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } لَمَّا لَمْ يُسَمَّ لَحْمًا فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ كَذَا هَذَا ، وَقِيلَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فِي مِثْلِ الدِّهْلِيزِ فِي دِهْلِيزٍ يَكُونَ خَارِجَ بَابِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَتُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْتُوتَةُ يَحْنَثْ ، وَالصَّحِيحُ مَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الدِّهْلِيزَ لَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً سَوَاءٌ كَانَ خَارِجَ الْبَابِ أَوْ دَاخِلَهُ ، وَلَوْ دَخَلَ صُفَّةً يَحْنَثُ ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ ، .
وَقِيلَ إنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّ صِفَافَهُمْ تُغْلَقُ عَلَيْهَا الْأَبْوَابُ فَكَانَتْ بُيُوتًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْتِ وَهُوَ مَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً وَلِذَا سُمِّيَ ذَلِكَ بَيْتًا عُرْفًا وَعَادَةً .
فَأَمَّا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ بِلَادِنَا فَلَا يَحْنَثُ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْبَيْتِ وَانْعِدَامِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَالتَّسْمِيَةِ أَيْضًا

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الدُّخُولُ مِنْ الْبَابِ فَإِنْ نَقَبَ لِلدَّارِ بَابًا آخَرُ فَدَخَلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الدُّخُولِ مِنْ بَابٍ مَنْسُوبٍ إلَى الدَّارِ وَقَدْ وُجِدَ وَالْبَابُ الْحَادِثُ كَذَلِكَ فَيَحْنَثُ ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْبَابَ الْأَوَّلَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ ، وَإِنْ عَيَّنَ الْبَابَ فَقَالَ لَا أَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَدَخَلَ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا يَسْكُنُهَا فُلَانً بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَهُوَ سَوَاءٌ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَحْنَثُ .
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ قَوْلَهُ دَارَ فُلَانٍ إضَافَةُ مِلْكٍ إذْ الْمِلْكُ فِي الدَّارِ لِلْآجِرِ وَإِنَّمَا الْمُسْتَأْجِرُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ .
( وَلَنَا ) أَنَّ الدَّارَ الْمَسْكُونَةَ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ تُضَافُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ عُرْفًا وَعَادَةً وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { مَرَّ بِحَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِمَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ : لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْجَرْتُهُ } أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْإِضَافَةُ عُرْفًا وَشَرْعًا ، .
فَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا لِفُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا لَهُ قَدْ آجَرَهَا لِغَيْرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى دَارٍ يَمْلِكُهَا فُلَانٌ وَالْمِلْكُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ يَسْكُنُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُهَا .

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى السَّاكِنِ بِالسُّكْنَى فَسَقَطَ إضَافَةُ الْمِلْكِ ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ تُضَافَ دَارٌ وَاحِدَةٌ إلَى الْمَالِكِ بِجِهَةِ الْمِلْكِ وَإِلَى السَّاكِنِ بِجِهَةِ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ تَذْهَبُ الِاسْتِحَالَةُ ، فَإِنْ قَالَ لَا أَدْخُلُ حَانُوتًا لِفُلَانٍ فَدَخَلَ حَانُوتًا لَهُ قَدْ آجَرَهُ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ مِمَّنْ لَهُ حَانُوتٌ يَسْكُنُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ هَذَا الْحَانُوتِ ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَى سَاكِنِهِ وَلَا يُضَافُ إلَى مَالِكِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَا يُعْرَفُ بِسُكْنَى حَانُوتٍ يَحْنَثُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إضَافَةَ الْمِلْكِ لَا إضَافَةَ السُّكْنَى كَمَا يُقَال حَانُوتُ الْأَمِيرِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْكُنُهَا الْأَمِيرُ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ آخَرَ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ فِيهَا سَاكِنًا حَنِثَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا لَا يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهِ بِالسُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ نِصْفَهَا أَوْلَى وَإِذَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ الْمِلْكِ وَالْكُلُّ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَزْرَعُ أَرْضًا لِفُلَانٍ فَزَرَعَ أَرْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ يُسَمَّى أَرْضًا وَبَعْضَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَ دَارِهِ وَفُلَانٌ فِيهَا سَاكِنٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً وَلَا يُبَاتُ فِي صَحْنِ الدَّارِ عَادَةً فَإِنْ نَوَاهُ يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ تَشَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ : قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِثْلَ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الدُّورِ الْمَشْهُورَةِ بِأَرْبَابِهَا فَدَخَلَ

الرَّجُلُ وَقَدْ كَانَ بَاعَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ تُنْسَبُ قَبْلَ الْيَمِينِ إلَيْهِ ثُمَّ دَخَلَهَا الْحَالِفُ بَعْدَ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّ الدُّورَ الْمَشْهُورَةَ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَرْبَابِهَا عَلَى طَرِيقِ النِّسْبَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْمِلْكِ وَزَوَالُ الْمِلْكَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْيَمِينِ ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ عَلَى دَارٍ مِنْ هَذِهِ الدُّورِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا نِسْبَةٌ تُعْرَفُ بِهَا لَمْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ الْمِلْكُ لَا النِّسْبَةُ فَإِذَا زَالَ الْمِلْكُ زَالَتْ الْإِضَافَةُ .
وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الْحُجْرَةَ فَكُسِرَتْ الْحُجْرَةُ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا كُسِرَتْ لَا يَحْنَثُ وَلَيْسَتْ الْحُجْرَةُ كَالدَّارِ لِأَنَّ الْحُجْرَةَ اسْمٌ لِمَا حُجِرَ بِالْبِنَاءِ فَكَانَ كَالْبَيْتِ فَإِذَا انْهَدَمَتْ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ .
وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَصَعَدَ السَّطْحَ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ سَطْحَ الدَّارِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَذْكُرُونَ الدَّارَ وَيُرِيدُونَ بِهِ الصَّحْنَ دُونَ غَيْرِهِ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَصَعَدَ فَوْقَهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَلَا تَرَى لَوْ انْتَقَلَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهِ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ ؟ فَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْمَسْجِدِ مَسْكَنٌ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ وَلَوْ انْتَقَلَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا مُجْتَازًا قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْجُلُوسَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ دُخُولٍ وَاسْتَثْنَى دُخُولًا بِصِفَةٍ وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاجْتِيَازُ وَقَدْ دَخَلَ عَلَى الصِّفَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فَإِنْ دَخَلَ يَعُودُ مَرِيضًا وَمِنْ رَأْيِهِ الْجُلُوسُ

عِنْدَهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ لَا عَلَى الصِّفَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ ، فَإِنْ دَخَلَ لَا يُرِيدُ الْجُلُوسَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ فَجَلَسَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ حِينَ دُخُولِهِ لِوُجُودِهِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُسْتَثْنَى وَلَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ بَعْدَ ذَلِكَ إذْ الْمُكْثُ لَيْسَ بِدُخُولٍ فَلَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ فَدَخَلَهَا لِيَقْعُدَ فِيهَا أَوْ لِيَعُودَ مَرِيضًا فِيهَا أَوْ لِيَطْعَمَ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَلَكِنْ إنْ دَخَلَهَا مُجْتَازًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَعَدَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ عَابِرَ السَّبِيلِ هُوَ الْمُجْتَازُ فَإِذَا دَخَلَهَا لِغَيْرِ اجْتِيَازٍ حَنِثَ قَالَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لَا يَدْخُلُهَا يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهَا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ دَخَلْت عَابِرَ سَبِيلٍ بِمَعْنَى أَنِّي لَمْ أَدُمْ عَلَى الدُّخُولِ وَلَمْ أَسْتَتِرْ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ هَذِهِ الدَّارَ بِقَدَمِهِ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الدُّخُولَ فِي الْعُرْفِ لَا مُبَاشَرَةَ قَدَمِهِ الْأَرْضَ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رِجْلِهِ حِذَاءُ نَعْلٍ يَحْنَثُ ؟ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الدُّخُولُ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا حَنِثَ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ عِبَارَةً عَنْ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ لَا يَضَعَ قَدَمَهُ مَاشِيًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَهَا مَاشِيًا وَعَلَيْهِ حِذَاءٌ أَوْ لَا حِذَاءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا .
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ حَانُوتًا مُشَرَّعًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى الطَّرِيقِ وَلَيْسَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَحَاطَتْ بِهِ الدَّائِرَةُ .
قَالَ هِشَامٌ : وَسَأَلْت أَبَا يُوسُفَ إنْ دَخَلَ بُسْتَانًا فِي تِلْكَ الدَّارِ قَالَ لَا يَحْنَثْ وَهَذَا مَحْمُولُ عَلَى بُسْتَانٍ مُتَّصِلٍ بِالدَّارِ فَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الدَّارِ يَحْنَثْ لِإِحَاطَةِ الدَّائِرَةِ بِهِ ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَحَفَرَ سَرَبًا فَبَلَغَ دَارِهِ وَحَفَرَ تَحْتَ دَارِ فُلَانٍ حَتَّى جَاوَزَهَا فَدَخَلَ الْحَالِفُ ذَلِكَ السَّرَبَ حَتَّى مَضَى فِيهِ تَحْتَ دَارِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الْقَنَاةِ مَكَانٌ مَكْشُوفٌ إلَى الدَّارِ يَسْتَقِي مِنْهُ أَهْلُ الدَّارِ فَدَخَلَ الْحَالِفُ الْقَنَاةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَكْشُوفَ فَيَحْنَثُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ كَانَ الْمَكْشُوفُ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّوْءِ فَمَرَّ الْحَالِفُ بِالْقَنَاةِ حَتَّى بَلَغَ الْمَوْضِعَ فَلَيْسَ بِحَانِثٍ لِأَنَّ الْقَنَاةَ تَحْتَ الدَّارِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْفَذٌ لَا تُعَدُّ مِنْ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ

دُخُولِ دَارِهِ إمَّا كَرَامَةٌ وَإِمَّا هَتْكُ حُرْمَةٍ وَذَاكَ لَا يُوجَدُ فِيمَا لَا مَنْفَذَ لَهُ ، وَإِذَا كَانَ لَهَا مَنْفَذٌ يُسْتَقَى مِنْهُ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُعَدُّ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ بِمَنْزِلَتِهِ بِئْرُ الْمَاءِ فَإِذَا بَلَغَ إلَيْهِ كَانَ كَمَنْ دَخَلَ فِي بِئْرِ دَارِهِ ، وَإِذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا لِلضَّوْءِ لَا يَكُونُ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ فَلَا يَصِيرُ بِدُخُولِهِ دَاخِلًا فِي الدَّارِ فَلَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ دَخَلَ فُلَانٌ سَرَبًا تَحْتَ دَارِهِ وَجَعَلَهُ بُيُوتًا وَجَعَلَ لَهُ أَبْوَابًا إلَى الطَّرِيقِ فَدَخَلَهَا رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَهُوَ حَانِثٌ ؛ لِأَنَّ السَّرَبَ تَحْتَ الدَّارِ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ ، وَلَوْ عَمَدَ فُلَانٌ إلَى بَيْتٍ مِنْ دَارِهِ أَوْ بَيْتَيْنِ فَسَدَّ أَبْوَابَهُمَا مِنْ قِبَلِ دَارِهِ وَجَعَلَ أَبْوَابَهَا إلَى دَارِ الْحَالِفِ فَدَخَلَ الْحَالِفُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ أَبْوَابَهُمَا إلَى دَارِ الْحَالِفِ فَقَدْ صَارَتْ مَنْسُوبَةً إلَى الدَّارِ الْأُخْرَى .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي السَّرَبِ : إذَا كَانَ بَابُهُ إلَى الدَّارِ وَمُحْتَفَرُهُ فِي دَارٍ أُخْرَى إنَّهُ مِنْ الدَّارِ الَّتِي مَدْخَلُهُ إلَيْهَا وَبَابُهُ إلَيْهَا لِأَنَّهُ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِهَا .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ فَانْحَدَرَ مِنْ الْمُوصِلِ فِي سَفِينَةٍ فَمَرَّ بِدِجْلَةَ لَا يَحْنَثُ ، فَإِنْ خَرَجَ فَمَضَى فَمَشَى عَلَى الْجِسْرِ حَنِثَ ، وَإِنْ قَدِمَ إلَى الشَّطِّ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَمْ يَكُنْ مُقِيمًا إنْ كَانَ أَهْلُهُ بِبَغْدَادَ ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى الشَّطِّ حَنِثَ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا انْحَدَرَ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْمُوصِلِ إلَى الْبَصْرَةِ فَمَرَّ فِي شَطِّ الدِّجْلَةِ فَهُوَ حَانِثٌ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةً بَيْنَهُمَا .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الدِّجْلَةَ مِنْ الْبَلَدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عُقِدَ عَلَيْهَا جِسْرٌ كَانَتْ مِنْ الْبَلَدِ فَكَذَا إذَا حَصَلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي سَفِينَةٍ ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ

مَوْضِعَ الدِّجْلَةِ لَيْسَ مَوْضِعَ قَرَارٍ فَلَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِعَقْدِ الْيَمِينِ عَلَى الدُّخُولِ فَلَا تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ .
قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَلَمْ تُعْطِنِي ثَوْبَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ثُمَّ أَعْطَتْهُ الثَّوْبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ الثَّوْبَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ دُخُولَهَا الدَّارَ لَا عَلَى صِفَةِ الْإِعْطَاءِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ مُعْطًى حَالَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَاوَ لِلْحَالِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَوْنَهَا رَاكِبَةً حَالَ الدُّخُولِ وَلَا يَعْتَبِرُ الرُّكُوبَ بَعْدَهُ كَذَا هَذَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إنْ خَرَجْت وَلَمْ تَأْكُلِي أَوْ خَرَجْت وَلَيْسَ عَلَيْك إزَارٌ أَوْ خَرَجْت وَلَمْ تَتَخَمَّرِي لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تُعْطِنِي هَذَا الثَّوْبَ وَدَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا وَهُوَ أَنْ لَا تُعْطِيَهُ الثَّوْبَ إلَى أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا أَوْ يَهْلِكَ الثَّوْبُ وَيُدْخَلَ الدَّارُ فَإِذَا اجْتَمَعَ هَذَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ تَرْكَ الْعَطِيَّةِ وَالدُّخُولِ جَمِيعًا شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَدَخَلْت الدَّارَ شَرْطٌ مَعْطُوفٌ عَلَى تَرْكِ الْعَطِيَّةِ وَلَيْسَ بِوَصْفٍ لَهُ ؛ فَيَتَعَلَّقُ وُقُوعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِهِمَا ثُمَّ لَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِهَلَاكِ الثَّوْبِ ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ وَدُخِلَتْ الدَّارُ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ فَيَحْنَثُ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا تَدْخُلِينَ هَذِهِ الدَّارَ وَلَا تُعْطِينِي هَذَا الثَّوْبَ فَأَيَّهمَا فَعَلَتْ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ النَّفْيِ دَخَلَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَيَقْتَضِي

انْتِفَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ غَيْرَ لَحْمٍ فَاشْتَرَى بِنِصْفِهِ لَحْمًا وَبِنِصْفِهِ خُبْزًا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَحْنَثُ فِي الْقِيَاسِ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ الدِّرْهَمِ غَيْرَ اللَّحْمِ وَمَا اشْتَرَى بِجَمِيعِهِ بَلْ بِبَعْضِهِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعَادَةِ وَعَادَةُ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحَالِفُ بِجَمِيعِ الدِّرْهَمِ اللَّحْمَ وَلَمْ يَشْتَرِ بِجَمِيعِهِ اللَّحْمَ فَيَحْنَثُ ، فَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ بِهِ كُلِّهِ غَيْرَ اللَّحْمِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَيَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى ظَاهِرَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ إلَّا لَحْمًا فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِالدِّرْهَمِ كُلِّهِ غَيْرَ لَحْمٍ وَهَذَا يُؤَيِّدُ وَجْهَ الْقِيَاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ إلَّا وَغَيْرَ كِلَاهُمَا مِنْ أَلْفَاظِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِنَّا نَقُولُ : قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ كُلِّهِ غَيْرَ اللَّحْمِ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ هُنَاكَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَا عُرْفَ هَهُنَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَعَمَدْنَا لِلْقِيَاسِ فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى بِبَعْضِ الدِّرْهَمِ لَحْمًا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ وَبِبَقِيَّتِهِ غَيْرَ لَحْمٍ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شِرَاءٍ بِهَذَا الدِّرْهَمِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ شِرَاءً بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ

وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْتَثْنَى فَبَقِيَ مَا شَرَاهُ دَاخِلًا فِي الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ بِهِ ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ : وَاَللَّهِ لَا تَبِيتَانِ إلَّا فِي بَيْتٍ فَبَاتَ أَحَدُهُمَا فِي بَيْتٍ وَالْآخَرُ فِي بَيْتٍ آخَرَ حَنِثَ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ بَيْتُوتَتَهُمَا جَمِيعًا فِي غَيْرِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَاتَا فِي غَيْرِ بَيْتٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا بَاتَا فِي بَيْتَيْنِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَهُوَ الْفَرْقُ .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ قَالَ : إنْ كُنْت ضَرَبْت هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إلَّا فِي دَارِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَدْ ضَرَبَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي دَارِ فُلَانٍ وَوَاحِدًا فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ ضَرْبَهُمَا فِي غَيْرِ دَارِ فُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أَكُنْ ضَرَبْته هَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ فِي دَارِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَنِثَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنْ يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ فِي دَارِ فُلَانٍ وَلَمْ يَجْتَمِعَا فَيَحْنَثَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَإِنْ قَصَدَهُ بِالدُّخُولِ يَحْنَثْ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لَا يَحْنَثْ ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْقَصْدُ لِيَكُونَ دَاخِلًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى غَيْرِهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَتَرْكًا لِإِكْرَامِهِ عَادَةً وَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا عَلَى قَوْمٍ وَفِيهِمْ فُلَانٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ حَانِثٌ بِدُخُولِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْقَصْدُ لِلدُّخُولِ عَلَى فُلَانٍ لِاسْتِحَالَةِ الْقَصْدِ بِدُونِ الْعِلْمِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ الدُّخُولَ عَلَى فُلَانٍ وَالْعِلْمُ بِشَرْطِ الْحِنْثِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحِنْثِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ لَا

يَعْرِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مَا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ فِيهِمْ فَدَخَلَ يَنْوِي الدُّخُولَ عَلَى الْقَوْمِ لَا عَلَيْهِ لَا يَحْنَثْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ دُخُولُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَمَا فِي اعْتِقَادِهِ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ ظُلَّةٍ أَوْ سَقِيفَةٍ أَوْ دِهْلِيزِ دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الدُّخُولِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْبُيُوتِ ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي فُسْطَاطٍ أَوْ خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ بَيْتًا ، وَالتَّعْوِيلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ

وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ : إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ الدَّارَ وَفُلَانٌ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ فِي صَحْنِ الدَّارِ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا شَاهَدَهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ السَّقَّاءَ يَدْخُلُ دَارَ الْأَمِيرِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْأَمِيرِ ، وَفِي الْأَوَّلِ شَاهَدَهُ وَفِي الثَّانِي لَمْ يُشَاهِدْهُ ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الْقَرْيَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِي بَيْتِهِ وَتَخْصِيصُ الْقَرْيَةِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْحِنْثِ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهَا .
وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ : إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْتًا وَلَا غَيْرَهُ فَدَخَلَ فُسْطَاطًا أَوْ دَارًا حَنِثَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مِنْ عَادَةِ فُلَانٍ أَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهِ فِي الْفَسَاطِيطِ وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْكَعْبَةِ أَوْ الْحَمَّامِ لَا يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَمُ النَّاسُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ فِيهَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْحَمَّامِ وَالْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ .
قَالَ مُحَمَّدٌ : وَلَوْ دَخَلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ رَجُلًا غَيْرَهُ يَزُورُهُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى فُلَانٍ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ دَاخِلًا عَلَى كُلِّ مَنْ فِي الدَّارِ فَيَحْنَثُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَهُوَ فِيهِمْ وَلَا نِيَّةَ لَهُ .
قَالَ بِشْرٌ : سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَخَرَجْت مِنْهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاحْتَمَلَهَا إنْسَانٌ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا ثُمَّ دَخَلَتْهَا وَلَمْ تَخْرُجْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ وَلَا عَادَةَ فِي تَقَدُّمِ أَحَدِ

الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ ، وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَالسُّكُوتُ وَالْكَلَامُ وَالصَّوْمُ وَالْإِفْطَارُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَهُرَتْ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى تَطْهُرَ ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ الْحَيْضُ الطُّهْرَ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا إذَا حَبِلْتِ وَوَلَدْتِ وَهِيَ حُبْلَى ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا زَرَعْت وَحَصَدْت لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الزَّرْعِ الْحَصَادَ ، وَالْحَمْلِ الْوِلَادَةَ ، وَالْحَيْضِ الطُّهْرَ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ يَتَعَقَّبُ الْآخَرَ عَادَةً فَلَزِمَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بِالْعَادَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك وَطَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَتَقَ عَبْدُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّزَوُّجَ لِلْحَالِ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً لَهُ وَتَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَيُرَاعَى فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَا التَّرْتِيبِ ، وَمَتَى طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْخُرُوجِ فَالْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الْحِصْنِ إلَى الْعَوْرَةِ عَلَى مُضَادَّةِ الدُّخُولِ ، فَلَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الْخُرُوجِ خُرُوجًا كَمَا لَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الدُّخُولِ دُخُولًا لِانْعِدَامِ حَدِّهِ وَحَقِيقَتِهِ ، ثُمَّ الْخُرُوجُ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالدُّورِ وَالْمَنَازِلِ وَالْبُيُوتِ يَكُونُ مِنْ الْأَخْبِيَةِ وَالْفَسَاطِيطِ وَالْخِيَمِ وَالسُّفُنِ لِوُجُودِ حَدِّهِ كَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَعِيَالِهِ ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً وَهَذَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا : إنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي بَلَدٍ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ دُونَ عِيَالِهِ لَا يَحْنَثُ ، وَالتَّعْوِيلُ فِي هَذَا عَلَى الْعُرْفِ ، فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الدَّارِ وَأَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يُعَدُّ خَارِجًا مِنْ الدَّارِ .
وَيُقَالُ : لَمْ يَخْرُجْ فُلَانٌ مِنْ الدَّارِ إذَا كَانَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ يُعَدُّ خَارِجًا مِنْ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِيهِ .
وَقَالَ هِشَامٌ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ : إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ وَهُوَ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدَّارَ وَالْبَيْتَ فِي حُكْمِ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى الْخُرُوجِ الْمُطْلَقِ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَيْتِ فَإِذَا خَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ ، فَإِنْ قَالَ : نَوَيْت الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ أَوْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْمَكَانِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ ، وَغَيْرُ الْمَذْكُورِ لَا

يَحْتَمِلُ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ : لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ .
وَقَالَ عَنَيْت بِهِ السَّفَرَ إلَى بَغْدَادَ دُونَ مَا سِوَاهَا لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا .
وَقَالَ هِشَامٌ : سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّيِّ إلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ مِنْ الرَّيِّ يُرِيدُ مَكَّةَ وَطَرِيقُهُ عَلَى الْكُوفَةِ .
قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الرَّيِّ نَوَى أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ حَانِثٌ وَإِنْ كَانَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الرَّيِّ نَوَى أَنْ لَا يَمُرَّ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا خَرَجَ وَصَارَ مِنْ الرَّيِّ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ فَمَرَّ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُعْتَبَرُ حِينَ الْخُرُوجِ ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وُجِدَتْ نِيَّةُ الْخُرُوجِ إلَى الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ وَيَمُرَّ فَقَدْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى الْكُوفَةِ وَإِلَى غَيْرِهَا فَيَحْنَثُ ، وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ وَقْتَ الْخُرُوجِ فَلَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى الْكُوفَةِ خَاصَّةً لَيْسَتْ إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْحَجُّ فَخَرَجَ وَنَوَى أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ .
قَالَ مُحَمَّدٌ : هَذَا لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا فِي لَفْظِهِ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَسْجِدِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ وَلَمَّا خَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْخُرُوجُ إلَى الْمَسْجِدِ فَوُجِدَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَتْ غَيْرَ الْمَسْجِدِ لَكِنْ لَا يُوجَدُ الْخُرُوجُ بَلْ الْمُكْثُ فِي الْخَارِجِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجٍ لِعَدَمِ

حَدِّهِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَسَدٍ : سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ الْبَلْدَةِ مَا الْخُرُوجُ ؟ قَالَ إذَا جَعَلَ الْبُيُوتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ فَعُلِمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ .
قَالَ عُمَرُ : سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت فِي غَيْرِ حَقٍّ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ فِي جِنَازَةِ وَالِدِهَا أَوْ أَخٍ لَا تَطْلُقُ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا إلَى الْعُرْسِ أَوْ خُرُوجُهَا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يُرَادُ بِهِ الْوَاجِبُ عَادَةً وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُبَاحُ الَّذِي لَا مَأْثَمَ فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مِنْهَا مِنْ الْبَابِ أَيَّ بَابٍ كَانَ وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ فَوْقِ حَائِطٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ نَقْبٍ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَتْ مِنْ أَيِّ بَابٍ كَانَ مِنْ الْبَابِ الْقَدِيمِ أَوْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ بَابِ الدَّارِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ مِنْ السَّطْحِ أَوْ فَوْقِ الْحَائِطِ أَوْ النَّقْبِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ عَيَّنَ بَابًا فِي الْيَمِينِ يَتَعَيَّنُ ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مُقَيِّدٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيُعْتَبَرُ ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا فِي أَمْرِ كَذَا فَهَذَا ، وَقَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنِي وَاحِدٌ ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَعَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ فُلَانٍ آخَرَ ثُمَّ خَرَجَ فُلَانٌ وَلَحِقَهَا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَقْتَضِي مُقَارَنَتَهَا فِي الْخُرُوجِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْمُكْثَ بَعْدَ الْخُرُوجِ لَيْسَ بِخُرُوجٍ

لِانْعِدَامِ حَدِّهِ ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَعِدَتْ الصَّحْرَاءَ إلَى بَيْتِ عُلُوٍّ أَوْ كَنِيفٍ شَارِعٍ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْعُرْفِ لَا يُسَمَّى خُرُوجًا مِنْ الدَّارِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ مِنْهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ أَخْرَجَهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الدُّخُولِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ يُرِيدُ مَكَّةَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ بَيْتِهِ هُوَ انْفِصَالٌ مِنْ دَاخِلِ بَلَدِهِ إلَى خَارِجِهِ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ وَقَدْ وُجِدَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ بُيُوتَ بَلَدِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَا آتِي مَكَّةَ فَخَرَجَ إلَيْهَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا ؛ لِأَنَّ إتْيَانَ الشَّيْءِ هُوَ الْوُصُولُ إلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ : لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ وَالْخُرُوجُ سَوَاءٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ وَالْإِتْيَانُ سَوَاءٌ ، .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ بِأَمْرِي أَوْ بِرِضَائِي أَوْ بِعِلْمِي أَوْ قَالَ : إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ بِغَيْرِ إذْنِي أَوْ أَمْرِي أَوْ رِضَائِي أَوْ عِلْمِي فَهُوَ عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَهَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : إحْدَاهَا : هَذِهِ ، وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ حَتَّى آذَنَ لَك أَوْ آمُرَ أَوْ أَرْضَى أَوْ أَعْلَمَ وَالثَّالِثَةُ : أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ آمُرَ أَوْ أَعْلَمَ أَوْ أَرْضَى أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ حَنِثَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ نَهَاهَا عَنْ الْخُرُوجِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْنَثُ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ خُرُوجٍ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَاسْتَثْنَى خُرُوجًا مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ مُلْتَصِقًا بِالْإِذْنِ لِأَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَرْفُ إلْصَاقٍ هَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ .
وَلَا بُدَّ مِنْ شَيْئَيْنِ يَلْتَصِقَانِ بِآلَةِ الْإِلْصَاقِ كَمَا فِي قَوْلِك كَتَبْت بِالْقَلَمِ وَضَرَبْت بِالسَّيْفِ الْتَصَقَ الضَّرْبُ بِالسَّيْفِ وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ وَلَيْسَ هَهُنَا شَيْءٌ مُظْهَرٌ يَلْتَصِقُ بِهِ الْإِذْنُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُضْمَرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ : " بِسْمِ اللَّهِ " إنَّهُ يُضْمَرُ فِيهِ أَبْتَدِئُ ، وَفِي بَابِ الْحَلِفِ قَوْلُهُ : " بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا " أَنَّهُ يُضْمِرُ فِيهِ أُقْسِمُ لِتَكُونَ الْبَاءُ مُلْصِقَةً لِلِاسْمِ بِقَوْلِهِ أَبْتَدِئُ ، وَاسْمِ اللَّهِ فِي بَابِ الْحَلِفِ بِقَوْلِهِ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُضْمَرٍ مِنْ دَلِيلٍ عَلَيْهِ ، إمَّا حَالٌ وَإِمَّا لَفْظٌ مَذْكُورٌ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى مَا خَفِيَ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْحَالِ وَلَا حَالَ هُنَا يَدُلُّ عَلَى إضْمَارِ شَيْءٍ فَأَضْمَرْنَا مَا

دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ : " إنْ خَرَجْت " وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْخُرُوجَ فَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : إنْ خَرَجَ فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي ، وَالْمَصْدَرُ الْأَوَّلُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الثَّانِي مِنْهُ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَهُوَ خُرُوجٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الِالْتِصَاقِ بِالْإِذْنِ فَقَدْ نَفَى كُلَّ خُرُوجٍ وَاسْتَثْنَى خُرُوجًا مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ مُلْتَصِقًا بِالْإِذْنِ فَبَقِيَ كُلُّ خُرُوجٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِذَا وُجِدَ خُرُوجٌ اتَّصَلَ بِهِ الْإِذْنُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَإِذَا وُجِدَ خُرُوجٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ الْإِذْنِ كَانَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِمِلْحَفَةٍ إنَّ كُلَّ خُرُوجٍ يُوصَفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمِلْحَفَةٍ يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ، وَكُلَّ خُرُوجٍ لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَبْقَى تَحْتَ عُمُومِ اسْمِ الْخُرُوجِ فَيَحْنَثُ بِهِ كَذَا هَذَا ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي مَرَّةً وَاحِدَةً يُدَيَّنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفِي الْقَضَاءِ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْإِذْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا ( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَكْرَارَ الْإِذْنِ مَا ثَبَتَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِإِضْمَارِ الْخُرُوجِ فَإِذَا نَوَى مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ نَوَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لَا يَحْنَثُ ، وَتَقْدِرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْخُرُوجِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ

حِنْثٍ ، فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لَهَا : أَذِنْت لَك أَبَدًا أَوْ أَذِنْت لَك الدَّهْرَ كُلَّهُ أَوْ كُلَّمَا شِئْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَذِنْت لَك عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَدَخَلَتْ مِرَارًا فِي الْعَشَرَةِ لَا يَحْنَثُ ، فَلَوْ أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا إذْنًا عَامًّا ثُمَّ نَهَاهَا عَنْ الْخُرُوجِ هَلْ يَعْمَلُ نَهْيُهُ ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ : يَعْمَلُ نَهْيُهُ وَيَبْطُلُ إذْنُهُ حَتَّى إنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَحْنَثُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَعْمَلُ فِيهِ نَهْيُهُ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِذْنِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً ثُمَّ نَهَاهَا صَحَّ نَهْيُهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ بَعْدَ النَّهْيِ يَحْنَثُ فَكَذَا إذَا أَذِنَ لَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ نَهْيُهُ وَيَرْتَفِعَ الْإِذْنُ بِالنَّهْيِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِذْنَ الْمَوْجُودَ عَلَى طَرِيقِ الْعُمُومِ فِي الْخَرْجَاتِ كُلِّهَا مِمَّا يُبْطِلُ الشَّرْطَ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْخُرُوجُ الَّذِي لَيْسَ بِمَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ مُلْتَصِقًا بِالْإِذْنِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ خُرُوجٍ يُوجَدُ بَعْدَهُ لَا يُوجَدُ إلَّا مُلْتَصِقًا بِالْإِذْنِ فَخَرَجَ الشَّرْطُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِ الشَّرْطِ كَمَا لَا بَقَاءَ لَهَا بِدُونِ الْجَزَاءِ لِأَنَّهَا تَتَرَكَّبُ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَمْ يَبْقَ الْيَمِينُ فَوُجِدَ النَّهْيُ الْعَامُّ وَلَا يَمِينَ فَلَمْ يَعْمَلْ ، بِخِلَافِ الْإِذْنِ الْخَاصِّ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ النَّهْيِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بِالْإِذْنِ بِالْخُرُوجِ مَرَّةً لَمْ تَرْتَفِعْ الْيَمِينُ فَجَاءَ النَّهْيُ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَصَحَّ النَّهْيُ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَجَوَابُهَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِذْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا يَحْنَثُ .
وَكَذَا إذَا أَذِنَ لَهَا مَرَّةً ثُمَّ نَهَاهَا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ

لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى كَلِمَةُ غَايَةٍ وَهِيَ بِمَعْنَى إلَى ، وَكَلِمَةُ إلَى كَلِمَةُ انْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَكَذَا كَلِمَةُ حَتَّى .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ حَتَّى آذَنَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إلَى أَنْ آذَنَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى أَنْ آذَنَ ، وَكَلِمَةُ أَنْ مُضْمِرَةٌ ؛ لِأَنَّ حَتَّى لَمَّا كَانَتْ مِنْ عَوَامِلِ الْأَسْمَاءِ وَمَا كَانَ مِنْ عَوَامِلِ الْأَسْمَاءِ لَا يَدْخُلُ الْأَفْعَالَ أَلْبَتَّةَ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إضْمَارِ أَنْ لِتَصِيرَ هِيَ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ صِلَتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ ، تَقُولُ أُحِبُّ أَنْ تَقُومَ أَيْ أُحِبُّ قِيَامَك ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ حَتَّى آذَنَ أَيْ حَتَّى إذْنِي وَهُوَ قَوْلُهُ إلَى إذْنِي وَلِهَذَا أَدْخَلُوا كَلِمَةَ أَنْ بَعْدَ إلَى فَقَالُوا : إلَى أَنْ آذَنَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ اعْتَادُوا الْإِظْهَارَ مَعَ إلَى وَهَهُنَا مَعَ حَتَّى اعْتَادُوا الْإِضْمَارَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ وُجُودُ الْإِذْنِ مِنْهُ غَايَةً لِحَظْرِ الْخُرُوجِ ، وَالْمَضْرُوبُ لَهُ الْغَايَةُ يَنْتَهِي عِنْدَ وُجُود الْغَايَةِ فَيَنْتَهِي حَظْرُ الْخُرُوجِ وَمَنْعُهُ بِالْيَمِينِ عِنْدَ وُجُودِ الْإِذْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى آذَنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَيَجْعَلُ حَتَّى مَجَازًا عَنْ إلَى لِوُجُودِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ .
( وَأَمَّا ) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا فَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى آذَنَ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ : الْجَوَابُ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي .
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ كَلِمَةَ إلَّا اسْتِثْنَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَيْهَا وَتَأْخِيرِ الْمُسْتَثْنَى عَنْهَا ، وَإِنْ مَعَ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : " إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي " وَهَذَا لَيْسَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِيمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاجٍ حَتَّى

يَصِحَّ الْكَلَامُ فَنُدْرِجُ الْبَاءَ وَيُجْعَلُ مَعْنَاهُ إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي ، وَإِسْقَاطُ الْبَاءِ فِي اللَّفْظِ مَعَ ثُبُوتِهَا فِي التَّقْدِيرِ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ كَمَا رُوِيَ عَنْ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ فَقَالَ خَيْرٍ عَافَاك اللَّهُ أَيْ بِخَيْرِ .
وَكَذَا يَحْذِفُونَ الْبَاءَ فِي الْقَسَمِ فَيَقُولُونَ : اللَّهِ مَكَانَ قَوْلِهِمْ بِاَللَّهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ وَإِذَا كَانَ هَذَا جَائِزًا أُدْرِجَتْ لِضِرْوَةِ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } أَيْ إلَّا بِإِذْنٍ لَكُمْ حَتَّى كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ، وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِنَفْسِهِ صَحِيحًا لَمَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِتَصْحِيحِهِ ، وَلَكِنَّ تَصْحِيحَهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي قَالَهُ الْفَرَّاءُ ، وَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ أَيْضًا بِجَعْلِهِ إلَّا بِمَعْنَى حَتَّى وَإِلَى لِأَنَّ كَلِمَةَ إلَّا كَلِمَةُ اسْتِثْنَاءٍ وَمَا وَرَاءَ كَلِمَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَنْتَهِي عِنْدَ كَلِمَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعِنْدَ وُجُودِ الْمُسْتَثْنَى ، فَصَارَتْ كَلِمَةُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِلْغَايَةِ ، فَأُقِيمَ مَقَامَ الْغَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى إذْنِي أَوْ حَتَّى إذْنِي ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ الْفَرَّاءُ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْكَلَامِ بِجَعْلِ كَلِمَةٍ قَائِمَةً مَقَامَ أُخْرَى أَوْلَى مِنْ التَّصْحِيحِ بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْكَلِمَةِ قَائِمَةً مَقَامَ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرْبُ تَغْيِيرٍ لَكِنَّ التَّغْيِيرَ تَصَرُّفٌ فِي الْوَصْفِ .
وَالْإِضْمَارُ إثْبَاتُ أَصْلِ الْكَلَامِ ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْوَصْفِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ أَوْلَى مِنْ إثْبَاتِ الْأَصْلِ بِلَا شَكٍّ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى عَلَى أَنَّ فِيمَا قَالَهُ إضْمَارُ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْبَاءُ ،

وَالْآخَرُ : الْجَالِبُ لِلْبَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا خُرُوجًا وَلَيْسَ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ إدْرَاجُ شَيْءٍ بَلْ إقَامَةُ مَا فِيهِ مَعْنَى الْغَايَةِ مَقَامَ الْغَايَةِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَدْوَنُ فَكَانَ التَّصْحِيحُ بِهِ أَوْلَى ، وَلِهَذَا كَانَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى { لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } أَيْ إلَى أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ أَيْ إلَى وَقْتِ تَقَطُّعِ قُلُوبِهِمْ وَهُوَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَفِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : { إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } إنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ بَلْ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ دَارِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ أَلَا يُرَى أَنَّهُ قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي آخِرِ قَوْله تَعَالَى - { إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ } وَمَعْنَى الْأَذَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَشَرَطَ الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ ، فَإِنْ قَالَ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَى إذْنِهِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ عَلَى حَالِهَا ، وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِي قَوْلِ : أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَنْعَقِدُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَصَوُّرَ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ ، وَبَقَاؤُهُ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ حَقِيقَةً شَرْطُ بَقَاءِ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِذْنِ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ وَقَدْ وُجِدَ فَأَمَّا السَّمَاعُ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْذُونِ

فَلَا يُعْتَبَرُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ وَقَعَ الْإِذْنُ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ تَسْمَعَ وَهِيَ نَائِمَةٌ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ ؛ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ خُرُوجٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ مُطْلَقًا ، وَهَذَا مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ كَلَامِ الْإِذْنِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِذْنِ أَنْ لَا تَخْرُجَ وَهُوَ كَارِهٌ وَقَدْ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِقَوْلِهِ : أَذِنْتُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ إعْلَامٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } أَيْ إعْلَامٌ وَقَوْلُهُ : أَذِنْتُ لَكِ بِحَيْثُ لَا تَسْمَعُ لَا يَكُونُ إعْلَامًا فَلَا يَكُونُ إذْنًا فَلَمْ يُوجَدْ خُرُوجٌ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى فَيَحْنَثُ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْحَظْرِ وَالْإِطْلَاقِ فَإِنَّ قَوْلَهُ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ يَجْرِي مَجْرَى الْحَظْرِ وَالْمَنْعِ ، وَقَوْلَهُ إلَّا بِإِذْنِي يَجْرِي مَجْرَى الْإِطْلَاقِ ، وَحُكْمُ الْحَظْرِ وَالْإِطْلَاقِ مِنْ الشَّارِعِ ، وَالشَّرَائِعُ لَا تَثْبُتُ بِدُونِ الْبُلُوغِ ، كَذَا مِنْ الْحَالِفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ شَرِبُوا الْخَمْرَ بَعْدَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِهِ .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى يَقِفَ تَصَرُّفُهُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ ، وَالتَّوْكِيلُ إذْنٌ وَإِطْلَاقٌ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ إعْلَامٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } أَيْ إعْلَامٌ وَقَوْلُهُ : أَذِنْتُ لَكِ بِحَيْثُ لَا تَسْمَعُ لَا يَكُونُ إعْلَامًا فَلَا يَكُونُ إذْنًا فَلَمْ يُوجَدْ خُرُوجٌ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى فَيَحْنَثُ ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّ النَّفْيِ فَيَعُمُّ كُلَّ خُرُوجٍ إلَّا الْخُرُوجَ الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ الْخُرُوجُ

الْمَأْذُونُ فِيهِ مُطْلَقًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا خُرُوجًا مُسْتَثْنًى فَبَقِيَ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ الْخُرُوجِ فَيَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَا كَانَتْ نَائِمَةً فَأَذِنَ لَهَا بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ تَسْمَعَ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَدُّ سَمَاعًا عُرْفًا وَعَادَةً ، كَمَا إذَا أَذِنَ لَهَا وَهِيَ تَسْمَعُ إلَّا أَنَّهَا غَافِلَةٌ ، وَمَسْأَلَتُنَا مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ عَادَةً وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ سَمَاعًا فِي الْعُرْفِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ، .
وَقِيلَ إنَّ النَّائِمَ يَسْمَعُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِوُصُولِ الصَّوْتِ إلَى صِمَاخِ أُذُنِهِ وَالنَّوْمُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ فَهْمِ الْمَسْمُوعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ يَقْظَانُ لَكِنَّهُ غَافِلٌ وَحَكَى ابْنُ شُجَاعٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ قَدْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِذْنِ وَقَدْ أَذِنَ .
قَالَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْرِ .
وَرَوَى نَصْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، إلَّا أَنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْإِذْنِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ قَالَ : لَهُ أَطِعْ فُلَانًا فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَالْمَوْلَى حَانِثٌ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِطَاعَةِ فُلَانٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِرَجُلٍ : ائْذَنْ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ فَخَرَجَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِالْإِذْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ : قُلْ : يَا فُلَانُ مَوْلَاك قَدْ أَذِنَ لَك فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ لَهُ فَخَرَجَ ، فَإِنَّ الْمَوْلَى حَانِثٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِالْإِذْنِ ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ : مَا أَمَرَك بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ الرَّجُلُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ ، فَالْمَوْلَى حَانِثٌ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِرِضَاهُ ، فَإِذَا قَالَ : مَا أَمَرَك بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ فُلَانًا يَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ ، وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ ، فَلَمْ يُعْلَمْ كَوْنُ هَذَا الْخُرُوجِ مَرْضِيًّا بِهِ ، فَلَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ مُسْتَثْنًى فَبَقِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِلرَّجُلِ : قَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَخْبَرَ الرَّجُلُ بِهِ الْعَبْدَ لَمْ يَحْنَثْ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ الْمَوْلَى قَدْ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْعَبْدَ ، فَإِذَا أَخْبَرَهُ بِهِ فَقَدْ بَلَغَهُ فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ بِعْتِ خَادِمَكِ فَقَدْ أَذِنْتُ لَك لَمْ يَكُنْ مِنْهُ هَذَا إذْنًا ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَبِيعَ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ رِضًا .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْتِ

إلَّا بِأَمْرِي فَالْأَمْرُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَهَا وَيُسْمِعَهَا أَوْ يُرْسِلَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ إلَيْهَا ، فَإِنْ أَشْهَدَ قَوْمًا أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ فَهُوَ حَانِثٌ ، فَقَدْ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَبَيْنَ الْإِذْنِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْإِذْنِ إسْمَاعَهَا ، وَإِرْسَالَ الرَّسُولِ بِهِ وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي الْأَمْرِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ أَنَّ حُكْمَ الْأَمْرِ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ كَمَا فِي أَمْرِ الشَّرْعِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ هُوَ الرِّضَا ، وَهُوَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مَعَ كَرَاهَتِهِ ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِذْنِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ .
قَالَ مُحَمَّدٌ : وَلَوْ غَضِبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ : دَعُوهَا تَخْرُجْ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا إذْنًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَعُوهَا لَيْسَ بِإِذْنٍ نَصًّا بَلْ هُوَ أَمْرٌ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهَا وَذَلِكَ بِأَنْ لَا تُمْنَعَ مِنْ الْخُرُوجِ أَوْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهَا فَلَا يَحْصُلُ إذْنًا بِدُونِ النِّيَّةِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي غَضَبِهِ : اُخْرُجِي وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَى الْإِذْنِ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْأَمْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ اُخْرُجِي حَتَّى تَطْلُقِي فَيَكُونُ تَهْدِيدًا ، وَالْأَمْرُ يَحْتَمِلُ التَّهْدِيدَ كَمَا فِي أَمْرِ الشَّرْعِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } فَإِذَا نَوَى التَّهْدِيدَ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ .
وَلَوْ قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا إنْ نَسِيَ فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا لَمْ يَحْنَثْ ، وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ حَتَّى ، فَلَمَّا دَخَلَهَا نَاسِيًا فَقَدْ انْتَهَتْ الْيَمِينُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ بِدُخُولِ هَذِهِ الدَّارِ بِهَذِهِ الْيَمِينِ بِحَالٍ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا نَاسِيًا فَدَخَلَهَا نَاسِيًا

ثُمَّ دَخَلَهَا ذَاكِرًا حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ دُخُولٍ وَحَظَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنَعَهَا مِنْهُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ دُخُولًا بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَكُونُ عَنْ نِسْيَانٍ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ دَاخِلًا تَحْتَ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ بِهِ .
قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ : عَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ دَخْلَةً إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي فُلَانٌ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّخْلَةَ وَلَا بَعْدَهَا وَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ وَاحِدٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إلَّا أَنْ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَحَتَّى فَإِذَا وُجِدَ الْأَمْرُ مَرَّةً وَاحِدَةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ .
وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ دَخْلَةً إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي بِهَا فُلَانٌ فَأَمَرَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ، وَلَا بُدَّ هَهُنَا مِنْ الْأَمْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ الْأَمْرَ بِالدَّخْلَةِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ وَهِيَ حَرْفُ الْبَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرِ فِي كُلِّ دَخْلَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ : إلَّا بِأَمْرِ فُلَانٍ .
قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِعِلْمِهِ فَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فَخَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا بِعِلْمِي أَيْ إلَّا بِإِذْنِي وَقَدْ خَرَجَتْ فَكَانَ خُرُوجًا مُسْتَثْنًى فَلَا يَحْنَثُ .
وَإِذَا حَلَفَ رَجُلٌ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ مَوْلًى عَلَى عَبْدِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، أَوْ سُلْطَانٌ حَلَّفَ رَجُلًا أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ كَوْرَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ ثُمَّ بَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى أَوْ عُزِلَ السُّلْطَانُ عَنْ عَمَلِهِ فَكَانَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلَا حِنْثَ عَلَى الْحَالِفِ ، وَتَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي يَمْلِكُ الْحَالِفُ فِيهَا الْإِذْنَ ، فَإِنْ زَالَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَرَضَ

الْمُسْتَحْلِفِ مِنْ ذَلِكَ تَنْفِيذُ وِلَايَتِهِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ إلَّا بِأَمْرِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَتْ الْيَمِينُ ، فَإِنْ عَادَتْ الْمَرْأَةُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ أَوْ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى أَوْ أُعِيدَ السُّلْطَانُ إلَى وِلَايَتِهِ لَا تُعَادُ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا قَدْ سَقَطَتْ لِمَا بَيَّنَّا فَلَا تَحْتَمِلُ الْعَوْدَ ، وَكَذَلِكَ الْغَرِيمُ إذَا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَلَدِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَالْيَمِينُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ فَإِنْ قَضَاهُ الْمَطْلُوبُ أَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ ، فَإِنْ عَادَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الدَّيْنُ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ تَعُدْ الْيَمِينُ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَحْلِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِأَجْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَقْتَ الْحَلِفِ ، فَإِذَا أُسْقِطَ ذَلِكَ بَطَلَ الْيَمِينُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي عَامِلٍ اسْتَحْلَفَ رَجُلًا أَنْ يَرْفَعَ إلَيْهِ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِهِ مِنْ فَاسِقٍ أَوْ دَاعِرٍ أَوْ سَارِقٍ فِي مَحَلَّتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى عُزِلَ الْعَامِلُ عَنْ عَمَلِهِ ثُمَّ عَلِمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ وَقَدْ خَرَجَ عَنْ يَمِينِهِ ، وَبَطَلَتْ عَنْهُ لِأَنَّهَا تَقَيَّدَتْ بِحَالِ عَمَلِهِ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْعَامِلِ أَنْ يَرْفَعَ إلَيْهِ مَادَامَ وَالِيًا فَإِذَا زَالَتْ وِلَايَتُهُ ارْتَفَعَتْ الْيَمِينُ فَإِنْ عَادَ الْعَامِلُ عَامِلًا بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ بَطَلَتْ فَلَا تَعُودُ سَوَاءٌ عَادَ عَامِلًا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعُدْ ، وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ عَلِمَ بِبَعْضِ مَا اُسْتُحْلِفَ عَلَيْهِ فَأَخَّرَ رَفْعَ ذَلِكَ حَتَّى عُزِلَ الْعَامِلُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ رَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الْوِلَايَةِ ، فَإِذَا زَالَتْ الْوِلَايَةُ فَقَدْ فَاتَ شَرْطُ الْبِرِّ .
قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ : إلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنْ

يَرْفَعَ إلَيْهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ ، وَأَدِينُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَفِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى ظَاهِرَ كَلَامِهِ وَهُوَ الْعُمُومُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ : إذَا حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَلَا عَبْدُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ حَنِثَ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ التَّقْيِيدِ وَهِيَ قَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، فَإِنْ عَنَى بِهِ مَا دَامَتْ امْرَأَتُهُ يُدَيَّنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَنَّهُ عَنَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ ، وَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ طُولِبَ بِحَقٍّ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِ مُطَالَبِهِ حَنِثَ بِالْخُرُوجِ ، زَالَ ذَلِكَ الْحَقُّ أَوْ لَمْ يَزُلْ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ وَقَدْ أَخَذَتْ فِي ذَلِكَ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ وَقَدْ نَهَضَ لِذَلِكَ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْتِ ، أَوْ قَالَ الْمَوْلَى : أَنْتَ حُرٌّ إنْ خَرَجْتَ ، أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلضَّارِبِ : عَبْدِي حُرٌّ إنْ ضَرَبْتَهُ فَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، أَوْ ضَرَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ الْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي الْحَالِ ، أَوْ الضَّرْبُ فَتَقَيَّدَتْ بِالْحَالِ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ فَتَزُولُ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الْحَالِفِ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ بِالْخُرُوجِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ يَمِينِ الْفَوْرِ ، وَنَظَائِرُهَا تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْكَلَامِ فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَلَامُ قَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا ، وَقَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا ، وَقَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا ، أَمَّا الْمُؤَبَّدُ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا أَبَدًا فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ لَا شَكَّ فِيهِ ، لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا وَلَا يَذْكُرَ الْأَبَدَ وَهَذَا أَيْضًا عَلَى الْأَبَدِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ ، كَلَّمَهُ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ كَلَامِ فُلَانٍ لِيَبْقَى الْكَلَامُ مِنْ قِبَلِهِ عَلَى الْعَدَمِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَدَمُ إلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ فِي جَمِيعِ الْعُمْرِ ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ بِأَنْ نَوَى يَوْمًا أَوْ وَقْتًا أَوْ بَلَدًا أَوْ مَنْزِلًا لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَلْفُوظٍ فَلَا يُصَدَّقُ رَأْسًا وَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيَنْقَطِعُ عَنْهَا ، فَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا لَمْ يَحْنَثْ ؛ بِأَنْ قَالَ : إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ فَقُومِي فَلَا يَحْنَثُ بِقَوْلِهِ فَاذْهَبِي أَوْ فَقُومِي .
كَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْيَمِينِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُ أَوْ إنْ كَلَّمْتُكِ يَقَعُ عَلَى الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ مَا يُسْتَأْنَفُ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَقَوْلُهُ فَاذْهَبِي أَوْ فَقُومِي وَإِنْ كَانَ كَلَامًا حَقِيقَةً فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَهُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ دَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مُبْتَدَإٍ .
وَكَذَا إذَا قَالَ : وَاذْهَبِي لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَاذْهَبِي الطَّلَاقَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ فَاذْهَبِي لِأَنَّهُ

مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ، وَيَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى بِالْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ صَارَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَيَحْنَثُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ الَّتِي حَلَفَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْيَمِينِ كَانَتْ خَاصَّةً ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ كَلِّمْ لِي زَيْدًا الْيَوْمَ فِي كَذَا فَيَقُولُ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ ، يَقَعُ هَذَا عَلَى الْيَوْمِ دُونَ غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا : لَوْ قَالَ ائْتِنِي الْيَوْمَ ، فَقَالَ : امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ أَتَيْتُكَ فَهَذَا عَلَى الْيَوْمِ .
وَكَذَا إذَا قَالَ : ائْتِنِي فِي مَنْزِلِي ، فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْتِيهِ فَهُوَ عَلَى الْمَنْزِلِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَطُلْ الْكَلَامُ بَيْنَ دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ ، فَإِنْ طَالَ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَبَدِ ، فَإِنْ قَالَ : لِمَ لَا تَلْقَنِي فِي الْمَنْزِلِ وَقَدْ أَسَأْتَ فِي تَرْكِكَ لِقَائِي وَقَدْ أَتَيْتُك غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ أَلْقَكَ ، فَقَالَ الْآخَرُ : امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ أَتَاكَ فَهَذَا عَلَى الْأَبَدِ وَعَلَى كُلِّ مَنْزِلٍ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَثِيرٌ فِيمَا بَيْنَ ابْتِدَائِهِ بِذِكْرِ الْمَنْزِلِ وَبَيْنَ الْمَنْزِلِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ فَانْقَطَعَتْ الْيَمِينُ عَنْهُ وَصَارَتْ يَمِينًا مُبْتَدَأَةً ، فَإِنْ نَوَى هَذَا الْإِتْيَانِ فِي الْمَنْزِلِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ .
وَلَوْ صَلَّى الْحَالِفُ خَلْفَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَسَهَا الْإِمَامُ فَسَبَّحَ بِهِ الْحَالِفُ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ بِالْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا فِي الْعُرْفِ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا فِي الْحَقِيقَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ الْعُرْفِيَّ يُبْطِلُ الصَّلَاةُ بِهِ ؟ وَهَذَا لَا يُبْطِلُهَا ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَصَلَّى : أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَحْنَثَ ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَالْقِرَاءَةَ كَلَامٌ حَقِيقَةً ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عُرْفًا .
أَلَا

تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فُلَانٌ لَا يَتَكَلَّمُ فِي صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَ فِيهَا ، وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ حَقِيقَةً ، .
وَقِيلَ : هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مِنْ الْعَرَبِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ الْعَجَمِ أَوْ كَانَ لِسَانُهُ غَيْرَ لِسَانِ الْعَرَبِ لَا يَحْنَثُ ، سَوَاءٌ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُتَكَلِّمًا وَلَوْ سَبَّحَ تَسْبِيحَةً أَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَحْنَثُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَحْنَثُ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا ، لِأَنَّهُ وُجِدَ الْكَلَامُ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ حَالَةَ الصَّلَاةِ بِالْعُرْفِ وَلَا عُرْفَ خَارِجَ الصَّلَاةِ ، .
وَقِيلَ : هَذَا فِي عُرْفِهِمْ .
فَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْحَقِيقَةَ فِي الصَّلَاةِ لِلْعُرْفِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْحَالِفَ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَلْفَهُ فَسَلَّمَ لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ وَنَوَاهُ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَسَلَامُ الصَّلَاةِ لَا يُعَدُّ كَلَامًا كَتَكْبِيرِهَا وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ ؟ وَلَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لَكَانَ مُفْسِدًا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ فَنَوَاهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : يَحْنَثُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي هُوَ الْحَالِفَ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِي لَا يَصِيرُ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ صَلَاتِهِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُ ، فَقَدْ تَكَلَّمَ كَلَامًا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَيَحْنَثُ ، وَلَوْ مَرَّ الْحَالِفُ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ حَنِثَ

لِأَنَّهُ كَلَّمَ جَمَاعَتَهُمْ بِالسَّلَامِ ، فَإِنْ نَوَى الْقَوْمَ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذِكْرَ الْكُلِّ عَلَى إرَادَةِ الْبَعْضِ جَائِزٌ ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلَوْ نَبَّهَ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْمِ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ لِأَنَّ الصَّوْتَ يَصِلُ إلَى سَمْعِ النَّائِمِ لَكِنَّهُ لَا يُفْهَمُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ غَافِلٌ ، وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُسَمَّى كَلَامًا فِي الْعُرْفِ كَتَكَلُّمِ الْغَافِلِ فَيَحْنَثُ ، وَلَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ هَذَا أَوْ مَنْ أَنْتَ ؟ حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِالِاسْتِفْهَامِ ، وَلَوْ كَانَ فِي مَكَانَيْنِ فَدَعَاهُ أَوْ كَلَّمَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مِثْلُهُ لَوْ أَصْغَى إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْمَعُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً فَإِنْ أَصْغَى إلَيْهِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ مِثْلُهُ عَادَةً يُسَمَّى مُكَلِّمًا إيَّاهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لِعَارِضٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ بَعِيدًا ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَصَلَ الصَّوْتُ إلَى سَمْعِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهُ فَأَشْبَهَ الْغَافِلَ ، وَإِذَا كَانَ بَعِيدًا لَا يَصِلُ إلَيْهِ رَأْسًا ، وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا فَكَلَّمَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَقْصِدُ أَنْ يَسْمَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى مُكَلِّمًا إيَّاهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ بِالْكَلَامِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَ دَارِهِ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُهَا فَقَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟ أَوْ أَيْنَ هَذَا ؟ ؟ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا حَيْثُ اسْتَفْهَمَ وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُهَا لِئَلَّا يَكُونَ لَاغِيًا ، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ غَيْرُهَا لَمْ يَحْنَثْ لِجَوَازِ أَنَّهُ اسْتَفْهَمَ غَيْرَهَا ، فَإِنْ قَالَ لَيْتَ شِعْرِي مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهَا وَإِنَّمَا كَلَّمَ نَفْسَهُ .
وَلَوْ

حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَانْتَهَى الْكِتَابُ إلَيْهِ ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُسَمَّى كَلَامًا .
وَكَذَا الرِّسَالَةُ .

( وَأَمَّا ) الْمُوَقَّتُ فَنَوْعَانِ : مُعَيَّنٌ وَمُبْهَمٌ ( أَمَّا ) الْمُعَيَّنُ : فَنَحْوُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا فَيَحْنَثُ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ فَيَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ بَقِيَّةُ اللَّيْلِ ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ فِي الْغَدِ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَيَقْتَضِي مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ كَلَامِ فُلَانٍ أَبَدًا لَوْلَا قَوْلُهُ يَوْمًا فَكَانَ قَوْلُهُ يَوْمًا لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ عَنْ الْيَمِينِ فَيَبْقَى زَمَانُ مَا بَعْدَ الْيَمِينِ بِلَا فَصْلٍ دَاخِلًا تَحْتَهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِالنَّهَارِ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ حَلَفَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَالْيَمِينُ عَلَى بَقِيَّةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي حَلَفَ فِيهَا مِنْ الْغَدِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى يَوْمٍ مُنَكَّرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِإِتْمَامِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ مِنْ طَرِيقِ التَّبَعِ ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَيْلًا لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً فَالْيَمِينُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى أَنْ يَجِيءَ مِثْلُهَا مِنْ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ ، وَيَدْخُلُ النَّهَارُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى لَيْلَةٍ مُنَكَّرَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا .
فَإِنْ قَالَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكِ الْيَوْمَ فَالْيَمِينُ عَلَى بَاقِي الْيَوْمِ ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِاللَّيْلِ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكِ اللَّيْلَةَ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ سَقَطَتْ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى زَمَانٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ لَامَ التَّعْرِيفِ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُعَرَّفِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ

يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْيَوْمَ مُنَكَّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ وَذَلِكَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَلَوْ قَالَ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّهْرِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ السَّنَةَ يَقَعُ عَلَى بَقِيَّةِ السَّنَةِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكِ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا فَالْيَمِينُ عَلَى بَقِيَّةِ الْيَوْمِ وَعَلَى غَدٍ وَلَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ ، رَوَى ذَلِكَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ بِحَرْفِ النَّفْيِ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفِيًّا عَلَى الِانْفِرَادِ ، أَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } .
فَلَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ .

وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكِ الْيَوْمَ وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَ الْيَوْمِ وَالْغَدِ فِي يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ هَهُنَا جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ الثَّانِي وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْوَاوُ فَصَارَ وَقْتًا وَاحِدًا فَدَخَلَتْ اللَّيْلَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ .
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اللَّيْلَةَ لَا تَدْخُلُ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى النَّهَارِ وَلَا ضَرُورَةَ تُوجِبُ إدْخَالَ اللَّيْلِ فَلَا يَدْخُلُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ تَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلَةُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي اللَّيْلِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكِ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ يَحْنَثُ ، وَكَذَلِكَ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، هَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ عَلَى يَوْمَيْنِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي يَحْنَثُ ، وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ .
وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْيَوْمَيْنِ عَلَى الْيَوْمِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَاقْتَضَى يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ، أَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينٌ مُفْرَدَةٌ لِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَلِمَةِ النَّفْيِ ، وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْيَمِينَيْنِ ، وَصَارَ تَقْدِيرُهُ أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَلَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ لِئَلَّا تَلْغُو كَلِمَةُ النَّفْيِ فَصَارَ لِكُلِّ يَمِينٍ مُدَّةٌ عَلَى حِدَةٍ فَصَارَ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يَمِينَانِ وَعَلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَمِينٌ وَاحِدٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا

وَيَوْمَيْنِ فَكَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَنَّهُ يَحْنَثُ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعِدْ كَلِمَةَ النَّفْيِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْكَلَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى حِدَةٍ لِيَكُونَ يَمِينَيْنِ فَبَقِيَ يَمِينًا وَاحِدَةً ، وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ بِكَلِمَةِ الْجَمْعِ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا فَمَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا لَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الدَّارَ يَوْمًا وَيَوْمًا فَهُوَ مِثْلُ حَلِفِهِ عَلَى يَوْمَيْنِ .
قَالَ أَبُو يُوسُفَ : وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلُهُ وَلَا أَدْخُلُهَا الْيَوْمَ وَغَدًا ، لِأَنَّ قَوْلَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا عَطْفُ زَمَانٍ مُنَكَّرٍ عَلَى زَمَانٍ مُنَكَّرٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ يَوْمَيْنِ فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ ، وَقَوْلَهُ الْيَوْمَ وَغَدًا عَطْفُ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ عَلَى زَمَانٍ مُعَيَّنٍ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِ اللَّيْلِ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ حِينِ فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَالْيَوْمُ الثَّانِي عَلَيْهِ يَمِينَانِ : الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ ، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الثَّالِثَةُ ، لِأَنَّ كُلَّ يَمِينٍ ذَكَرَهَا تَخْتَصُّ بِمَا يَعْقُبُهَا فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى عَلَى الْكَلَامِ فِي يَوْمٍ عَقِيبَ الْيَمِينِ ، وَالثَّانِيَةُ فِي يَوْمَيْنِ عَقِيبَ الْيَمِينِ ، وَالثَّالِثَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَقِيبَ الْيَمِينِ ، فَانْعَقَدَتْ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ ، وَعَلَى الثَّانِي يَمِينَانِ ، وَعَلَى الثَّالِثِ وَاحِدَةٌ ، وَنَظِيرُ هَذِهِ

الْمَسَائِلِ مَا رَوَى دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْيَوْمَ سَنَةً ، أَوْ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ شَهْرًا ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شَهْرًا وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَنَةً حَتَّى يُكْمِلَ كُلَّمَا دَارَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادَ الْحَالِفِ فَكَانَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يُكَلِّمُهُ فِي مِثْلِهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً ، فَإِنْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ فَهَذَا عَلَى سَبَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَكُونُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادًا فَيَقَعُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ لَا يَدُورُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَكْثَرُ مِنْ سَبْتٍ وَاحِدٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكِ السَّبْتَ مَرَّتَيْنِ كَانَ عَلَى سَبَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ لَا يَكُونُ يَوْمَيْنِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُكِ يَوْمَ السَّبْتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ كُلُّهَا يَوْمَ السَّبْتِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُك يَوْمًا مَا أَوْ لَا أُكَلِّمُك يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمًا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى يَوْمٍ شَائِعٍ فِي أَيَّامٍ ، فَكَانَ التَّعْيِينُ إلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكِ يَوْمًا بَيْنَ يَوْمَيْنِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالَ : فَكُلُّ يَوْمٍ بَيْنَ يَوْمَيْنِ ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا فَيَكُونُ عَلَى يَوْمٍ مِنْ سَاعَةِ حَلَفَ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ

( وَأَمَّا ) الْمُبْهَمُ : فَنَحْوُ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا زَمَنًا أَوْ حِينًا أَوْ الزَّمَانَ أَوْ الْحِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَقَعْ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ الْحِينَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْقَصِيرُ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } قِيلَ : حِينَ تُمْسُونَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَحِينَ تُصْبِحُونَ صَلَاةُ الْفَجْرِ ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الطَّوِيلُ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } قِيلَ : الْمُرَادُ مِنْهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَسَطُ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } قِيلَ : أَيْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِهَا إلَى وَقْتِ إدْرَاكِهَا .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : هِيَ النَّخْلَةُ ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْوَقْتِ الْقَصِيرِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ لِلْمَنْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ بِدُونِ الْيَمِينِ ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الطَّوِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ ذَلِكَ عَادَةً ، وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِلَفْظَةِ الْأَبَدِ فَتَعَيَّنَ الْوَسَطُ .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ صَاحِبِهِ وَالْوَسَطُ قَرِيبٌ مِنْهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْحِينِ ثَبَتَ فِي الزَّمَانِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ ، وَعَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ الزَّمَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَإِنْ نَوَى الْحَالِفُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَلَفْظُهُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُصَدَّقُ فِي الْوَقْتِ الْيَسِيرِ فِي الْحِينِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْيَسِيرِ فِي الْحِينِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَسُبْحَانَ

اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الزَّمَانِ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي الْجَامِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدِينُ فِي الزَّمَانِ وَالْحِينِ فِي كُلِّ مَا نَوَى مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِيمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُهُ دَهْرًا وَالدَّهْرَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ ؟ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إذَا قَالَ دَهْرًا فَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَإِذَا قَالَ الدَّهْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ : لَا خِلَافَ فِي الدَّهْرِ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ الْأَبَدُ ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدَّهْرِ الْمُنَكَّرِ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ دَهْرًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ ؟ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ الدَّهْرَ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ ، وَقَوْلَهُ دَهْرًا لَا يُدْرَى تَفْسِيرُهُ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَشَارَ إلَى التَّوَقُّفِ فِي الدَّهْرِ الْمُعَرَّفِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ : وَالدَّهْرُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ .
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ دَهْرًا وَالدَّهْرَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَهُمَا جَعَلَا قَوْلَهُ دَهْرًا كَالْحِينِ وَالزَّمَانِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ وَالزَّمَانِ ، يُقَالُ : مَا رَأَيْتُكَ مِنْ دَهْرٍ وَمَا رَأَيْتُكَ مِنْ حِينٍ عَلَى السَّوَاءِ ، فَإِذَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ وَاللَّامُ صَارَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الزَّمَانِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ الدَّهْرَ يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ رَأَى الِاسْتِعْمَالَ مُخْتَلِفًا فَلَمْ يَعْرِفْ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ إطْلَاقِ الِاسْمِ فَتَوَقَّفَ .
وَقَالَ لَا أَدْرِي أَيْ لَا أَدْرِي بِمَاذَا يُقَدَّرُ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَرْبَابِ اللِّسَانِ

؟ بِخِلَافِ الْحِينِ وَالزَّمَانِ فَإِنَّ فِيهِمَا نَصًّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالزَّمَانُ وَالْحِينُ يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا إنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْمُنَكَّرِ لَا فِي الْمُعَرَّفِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ لُغَةً فَتَوَقَّفَ فِيهِ ، وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْمَعْرِفَةِ وَلِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَانْعِدَامِ تَرْجِيحِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ أَمَارَةُ كَمَالِ الْعِلْمِ وَتَمَامِ الْوَرَعِ ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ فَقَالَ : لَا أَدْرِي فَلَمَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَهُ فَعَرَجَ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ هَبَطَ فَقَالَ : سَأَلْت رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ فَقَالَ : الْمَسَاجِدُ ، وَأَفْضَلُ أَهْلِهَا مَنْ جَاءَهَا أَوَّلًا وَانْصَرَفَ آخِرًا وَشَرُّ أَهْلِهَا مَنْ جَاءَهَا آخِرًا وَانْصَرَفَ أَوَّلًا } .

وَلَوْ قَالَ : يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكَلَّمَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَحْنَثُ .
وَكَذَا إذَا قَالَ يَوْمَ أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فِي مُتَعَارَفِ أَهْلِ اللِّسَانِ .
قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ } الْآيَةَ وَمَنْ وَلَّى دُبُرَهُ بِاللَّيْلِ يَلْحَقْهُ الْوَعِيدُ كَمَا لَوْ وَلَّى بِالنَّهَارِ فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّيْلَ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ لِأَنَّ اللَّفْظَ جُعِلَ عِبَارَةً عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ عَنْهُ ، وَإِنْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ لَيْلَةَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ نَهَارًا أَوْ قَدِمَ نَهَارًا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ ، يُقَالُ لِلَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ : لَيْلَةٌ لَيْلَاءُ وَلَيْلٌ أَلْيَلُ ، وَلَا عُرْفَ هَهُنَا يَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ مُقْتَضَاهُ لُغَةً حَتَّى لَوْ ذَكَرَ اللَّيَالِيَ حُمِلَتْ عَلَى الْوَقْتِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوا اسْتِعْمَالَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُطْلَقِ ، مَعْرُوفٌ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهِمْ كَمَا قَالُوا لَيَالِيَ لَاقَتْنَا جُذَامٌ وَحِمْيَرُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا لَا يَكُونُ لَهَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ فِي حَالِ الْأَمْرِ ذِكْرِ يُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ الْمَجْلِسُ ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَعَلُوا لِلْمُخَيَّرَةِ الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ، فَقَدْ وَقَّتُوا لِلْأَمْرِ وَقْتًا ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْوَقْتِ فَيَقَعُ ذِكْرُ الْيَوْمِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ ، فَإِذَا قَدِمَ نَهَارًا

صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ ، وَيَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُوَقَّتٌ فَيَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ ، وَالْعِلْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ كَمَا إذَا قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا .
وَأَمَّا فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهَا ، وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَقَدِمَ نَهَارًا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ الْأَمْرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّيْلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ سَوَادِ اللَّيْلِ .
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ : إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْجُمُعَةَ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ اسْمٌ لِيَوْمٍ مَخْصُوصٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُك يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : جُمَعًا لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ جُمَعٌ وَهِيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامًا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيَالِيُ لِأَنَّا إنَّمَا عَرَفْنَا ذَلِكَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا } .
وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : { ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَمِثْلُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يُوجَدْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ جُمَعًا ، ثُمَّ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك جُمَعًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ جُمَعٍ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ عِنْدَنَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا ، وَإِذَا قَالَ : الْجُمَعُ فَهُوَ عَلَى عَشْرِ جُمَعٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ الْأَيَّامُ وَالْأَزْمِنَةُ وَالْأَحَايِينِ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعَشَرَةِ أَحَايِينَ أَوْ أَزْمِنَةٍ وَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ سِنِينَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ إنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ .
وَكَذَا فِي الْأَحَايِينِ وَالْأَزْمِنَةِ وَفِي الْأَيَّامِ عَلَى

سَبْعَةٍ ، وَفِي الشُّهُورِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا فِيمَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّعْرِيفِ وَهُوَ اللَّامُ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَمْعِ أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ كَالسَّبْعَةِ فِي الْأَيَّامِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ فِي الشُّهُورِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْجِنْسِ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ كَالسِّنِينَ وَالْأَحَايِينِ وَالْأَزْمِنَةِ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِالْعَدَدِ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ اللَّفْظَ الْمُعَرَّفَ إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَإِمَّا أَنْ يُصْرَفَ إلَى بَعْضِ الْجِنْسِ ، وَالصَّرْفُ إلَى الْمَعْهُودِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِدْرَاجِ وَفِي الصَّرْفِ إلَى الْبَعْضِ يُحْتَاجُ إلَى إدْرَاجِ لَفْظَةِ الْبَعْضِ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَى الْمَعْهُودِ أَوْلَى ، وَالْمَعْهُودُ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةُ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْأُسْبُوعُ وَهِيَ مِنْ السَّبْتِ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّتِي تُرَكَّبُ مِنْهَا السَّنَةُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ فَالصَّرْفُ إلَى الْجِنْسِ أَوْلَى فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ : اسْتِعْمَالُ أَرْبَابِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ اللِّسَانِ فِي الْجُمُوعِ فَإِنَّ أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِالْعَدَدِ هُوَ الْعَشَرَةُ ، وَيُقَالُ : ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَأَرْبَعَةُ رِجَالٍ وَعَشَرَةُ رِجَالٍ ، ثُمَّ إذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ يُقَالُ : أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَعِشْرُونَ رَجُلًا وَمِائَةُ رَجُلٍ وَأَلْفُ رَجُلٍ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ قَدْرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْدَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا إلَى الْعَشَرَةِ فِي حَالَةِ الْإِبْهَامِ وَالتَّعْيِينِ جَمِيعًا ، وَيُطْلَق عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ الْأَقْدَارِ فِي حَالَةِ الْإِبْهَامِ وَلَا يُطْلَقُ فِي حَالَةِ التَّعْيِينِ ، وَالِاسْمُ مَتَى كَانَ ثَابِتًا لِشَيْءٍ فِي حَالَيْنِ كَانَ

أَثْبَتَ مِمَّا هُوَ اسْمٌ لَهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ بَلْ يَكُونُ نَازِلًا مِنْ الْأَوَّلِ مَنْزِلَةَ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَى مَا هُوَ اسْمٌ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ أَوْلَى فَلِهَذَا اُقْتُصِرَ عَلَى الْعَشَرَةِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَسَوَاءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ .
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْخِلَافَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الْجَمْعِ مُنَكَّرًا فَيَقَعُ عَلَى أَدْنَى الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَنَا ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ سِنِينَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَيَّامِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ، وَلَوْ قَالَ عُمْرًا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَالْحِينِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حُقُبًا فَهُوَ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَةً لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا كَثِيرَةً فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْكَثْرَةَ عَلَى اسْمِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذُكِرَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ .
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَقَعُ عَلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا فَهُوَ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدِ يُعْطَفُ عَلَى عَدَدٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا يَوْمًا فَهُوَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّهَا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى بَعِيدٍ يَقَعُ عَلَى شَهْرٍ فَصَاعِدًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى

قَرِيبٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عَاجِلًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ أَجَلًا فِي الدُّيُونِ فَكَانَ بَعِيدًا وَآجِلًا وَمَا دُونَهُ عَاجِلًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مَلِيًّا يَقَعُ عَلَى شَهْرٍ كَالْبَعِيدِ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِهِ غَيْرَهُ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَهْجُرَنَّكَ مَلِيًّا فَهُوَ عَلَى شَهْرٍ وَأَكْثَرَ ، فَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ، : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } أَيْ طَوِيلًا وَهَذَا يَقْتَضِي مَا زَادَ عَلَى شَهْرٍ ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ الشِّتَاءَ فَأَوَّلُ ذَلِكَ إذَا لَبِسَ النَّاسُ الْحَشْوَ وَالْفِرَاءَ وَآخِرُ ذَلِكَ إذَا أَلْقَوْهَا عَلَى الْبَلَدِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ ، وَالصَّيْفُ عَلَى ضِدِّهِ ، وَهُوَ مِنْ حِينِ إلْقَاءِ الْحَشْوِ إلَى لُبْسِهِ ، وَالرَّبِيعُ آخِرُ الشِّتَاءِ وَمُسْتَقْبَلُ الصَّيْفِ إلَى أَنْ يَيْبَسَ الْعُشْبُ ، وَالْخَرِيفُ فَصْلٌ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى اللُّغَةِ .
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ : سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا إلَى الْمَوْسِمِ .
قَالَ : يُكَلِّمُهُ إذَا أَصْبَحَ يَوْمَ النَّحْرِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمَوْسِمِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَلِّمُهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الرُّكْنِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ .
وَقَالَ عُمَرُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ : غُرَّةُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ وَيَوْمُهَا ، وَأَوَّلُ الشَّهْرِ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ ، وَآخِرُهُ إلَى مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ آخِرُ أَوَّلِهِ وَالسَّادِسَ عَشَرَ أَوَّلُ آخِرِهِ ، إذَا قَالَ وَاَللَّهِ

لَأُكَلِّمَنَّكَ أَحَدَ يَوْمَيْنِ أَوْ لَأَخْرُجَنَّ أَحَدَ يَوْمَيْنِ ، أَوْ قَالَ : الْيَوْمَيْنِ ، أَوْ قَالَ : أَحَدَ أَيَّامِي فَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، إنْ كَلَّمَهُ قَبْلَ الْعَشَرَةِ أَوْ خَرَجَ قَبْلَ الْعَشَرَةِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُرَادُ بِهِ يَوْمَانِ بِأَعْيَانِهِمَا وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ التَّقْرِيبِ عَلَى طَرِيقِ الْعَشَرَةِ وَمَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ ، فَإِنْ قَالَ أَحَدَ يَوْمَيَّ هَذَيْنِ فَهَذَا عَلَى يَوْمِهِ ذَلِكَ وَالْغَدِ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْيَوْمَيْنِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ عَلَى الْمُعَيَّنِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا هَذِهِ السَّنَةَ إلَّا يَوْمًا فَإِنْ جَمَعَ كَلَامَهُمَا فِي يَوْمٍ لَهُ اسْتَثْنَاهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي يُكَلِّمُهُمَا فِيهِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ ، فَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَهُمَا فِي يَوْمٍ وَالْآخَرَ فِي يَوْمٍ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ يُكَلِّمُهُمَا جَمِيعًا فِيهِ وَلَوْ يُوجَدُ فَقَدْ كَلَّمَهُمَا فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْمُسْتَثْنَى فَيَحْنَثُ فَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ كَلَّمَهُمَا جَمِيعًا فِي يَوْمٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي كَلَّمَهُمَا فِيهِ مُسْتَثْنًى ، وَشَرْطُ الْحِنْثِ فِي غَيْرِهِ كَلَامُهُمَا لَا كَلَامُ أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ كَلَّمَهُمَا فِي يَوْمٍ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَعَ عَلَى يَوْمٍ مُنَكَّرٍ يُكَلِّمُهُمَا فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا يَوْمَ أُكَلِّمُهُمَا فِيهِ ، وَلَوْ اسْتَثْنَى يَوْمًا مَعْرُوفًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا فِيهِ وَالْآخَرَ فِي الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْمُسْتَثْنَى كَلَامُهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بَلْ بَعْضُهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ : لَا أُكَلِّمُهُمَا إلَّا يَوْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِكَلَامِهِمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَلَّمَهُمَا فِي يَوْمٍ آخَرَ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَتْ الْيَمِينُ بَعْدَهُ مُطْلَقَةً .
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ

مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ شَهْرًا إلَّا يَوْمًا أَوْ قَالَ غَيْرَ يَوْمٍ أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى يَوْمًا مُنَكَّرًا وَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ يَصْلُحُ لِلِاسْتِثْنَاءِ ، فَإِنْ قَالَ نُقْصَانَ يَوْمٍ فَهَذَا عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِأَنَّ نُقْصَانَ الشَّهْرِ يَكُونُ مِنْ آخِرِهِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ إذَا ذُكِرَتْ عَقِيبَ كَلِمَةِ النَّفْيِ أَوْجَبَتْ انْتِفَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورِينَ عَلَى الِانْفِرَادِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } أَيْ وَلَا كَفُورًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : وَلَا فُلَانًا لِأَنَّ كَلِمَةَ النَّفْيِ إذَا أُعِيدَتْ تَنَاوَلَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورِينَ عَلَى حِيَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُكَلِّمَهُمَا لِأَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ ، وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، فَكَأَنَّهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُمَا ، فَقَدْ عَلَّقَ الْجَزَاءَ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا أَوْ فُلَانًا فَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَ الْأَوَّلَيْنِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا ، وَإِنْ كَلَّمَ الثَّالِثَ حَنِثَ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ كَلَامَ الْأَوَّلَيْنِ جَمِيعًا أَوْ كَلَامَ الثَّالِثِ ، فَأَيُّ ذَلِكَ وُجِدَ حَنِثَ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ هَذَا أَوْ هَذَا وَهَذَا فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ حَنِثَ ، وَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَ الْآخَرَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ كَلَامَ الْأَوَّلِ أَوَّلًا ثُمَّ الْآخَرَيْنِ فَيُرَاعَى شَرْطُهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ بَنِي آدَمَ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى

الْجِنْسِ وَالْعُمُومِ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا فِي وُسْعِهِ ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ تَكْلِيمُ النَّاسِ كُلِّهِمْ ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادَهُ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُكَلِّمَ بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ ، وَلَيْسَ هَهُنَا مَعْهُودٌ يُصْرَفُ اللَّفْظُ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَى بَعْضِ الْجِنْسِ ، وَيُضْمَرُ فِيهِ لَفْظَةُ الْبَعْضِ ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْكُلَّ لَا يَحْنَثُ أَبَدًا ، وَيَكُونُ مُصَدَّقًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَفِي الْقَضَاءِ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهِيَ الْجِنْسُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ الْجِنْسُ بِهَذَا الْكَلَامِ فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُ فُلَانًا بِكَلَامِهِ أَبَدًا فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مَعًا لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ ابْتِدَاؤُهُ فُلَانًا بِالْكَلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِتَكْلِيمِهِ قَبْلَ تَكْلِيمِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُكَ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فَإِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ كَلَامَاهُمَا مَعًا فَلَمْ يُكَلِّمْ الْحَالِفُ قَبْلَ تَكْلِيمِهِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُكَ حَتَّى تُكَلِّمَنِي فَتَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ .
وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ الْحَالِفَ بِقَوْلِهِ إنْ كَلَّمْتُكَ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ تَكْلِيمِهِ مُطْلَقًا وَجَعَلَ تَكْلِيمَ صَاحِبِهِ إيَّاهُ غَايَةً لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ ، فَإِذَا كَلَّمَهُ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ حَنِثَ ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ تَكْلِيمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ كَلَامِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ بَدَأْتُكَ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَا

أُكَلِّمُكَ إلَّا أَنْ تُكَلِّمَنِي لِأَنَّ كَلِمَةَ ( إلَّا أَنْ ) إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا يَتَوَقَّتُ كَانَتْ بِمَعْنَى حَتَّى .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ حَتَّى يَدْخُلَهَا فُلَانٌ وَحَلَفَ الْآخَرُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَدَخَلَا جَمِيعًا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَيَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَانِ وَالْكِتْمَانِ وَالْإِسْرَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِخْبَارِ وَالْبِشَارَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا إذَا حَلَفَ لَا أُظْهِرُ سِرَّكَ لِفُلَانٍ أَوْ لَا أُفْشِي ، أَوْ حَلَفَ لَيَكْتُمَنَّ سِرَّهُ أَوْ لَيَسْتُرَنَّهُ أَوْ لَيُخْفِيَنَّهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا بِسِرِّهِ أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ ، أَوْ سَأَلَهُ فُلَانٌ عَنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَكَانَ مِنْ الْأَمْرِ كَذَا فَأَشَارَ الْحَالِفُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ فَهُوَ حَانِثٌ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ إظْهَارُ السِّرِّ إذْ الْإِظْهَارُ إثْبَاتُ الظُّهُورِ وَذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى الْعِبَارَةِ بَلْ يَحْصُلُ بِالدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ ظَهَرَ لِي اعْتِقَادُ فُلَانٍ إذَا فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَكَذَا الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ عَقِيبَ السُّؤَالِ يَثْبُتُ بِهِ ظُهُورُ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَكَانَ إظْهَارًا ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَلَامَ أَوْ الْكِتَابَ دُونَ الْإِيمَاءِ دِينَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا فِي لَفْظِهِ فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - .
وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يُعْلِمُ فُلَانًا بِمَكَانِ فُلَانٍ فَسَأَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَفُلَانٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ يَحْنَثُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ إذْ هُوَ إثْبَاتُ الْعِلْمِ الَّذِي يُحَدُّ بِأَنَّهُ صِفَةٌ يَتَجَلَّى بِهَا الْمَذْكُورُ لِمَنْ قَامَتْ هِيَ بِهِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِخْبَارَ بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْكِتَابِ يُدَيَّنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِعْلَامِ إخْبَارٌ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُخْبِرُ فُلَانًا بِمَكَانِ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالرِّسَالَةِ ، وَلَوْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57