كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

عَلَى كَوْنِهَا شَرْطَ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَانِعَ فِي الْمُقَارَنِ كَوْنُ الشُّيُوعِ مَانِعًا عَنْ تَحَقُّقِ الْقَبْضِ فِي النِّصْفِ الشَّائِعِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الطَّارِئِ فَيَمْنَعُ الْبَقَاءَ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلَانِ رَجُلًا عَبْدًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِمَا رَهْنًا وَاحِدًا ، جَازَ وَكَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِكُلِّ الدَّيْنِ ، حَتَّى أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يُسْتَوْفَى كُلُّ الدَّيْنِ ، وَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهَنَ كُلَّ الْعَبْدِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا نِصْفَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ مِنْهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَمْلُوكُ الرَّاهِنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ مَالِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا وَإِقْدَامُهُمَا عَلَى رَهْنِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً دَلَالَةُ الْإِذْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ فَصَارَ كُلُّ الْعَبْدِ رَهْنًا بِكُلِّ الدَّيْنِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حُبِسَ ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الْوَاحِدُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الدَّيْنِ ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا رَهْنَ الشَّائِعِ فَجَازَ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ إذَا قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَرْهُونٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ ، فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ .
وَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لَهُمَا عَلَيْهِ وَهُمَا شَرِيكَانِ فِيهِ أَوْ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا جَازَ ، وَإِذَا قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ الْعَبْدِ بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكُلُّ الْعَبْدِ يَصْلُحُ رَهْنًا بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ ، كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى أَصْلِ أَبِي

حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ ؛ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَتَمْلِيكُ شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ مُحَالٌ ، وَالْعَاقِلُ لَا يَقْصِدُ بِتَصَرُّفِهِ الْمُحَالَ ، فَأَمَّا الرَّهْنُ فَحَبْسٌ ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَحْبُوسًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ، غَيْرَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا بِحِصَّتِهِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ تَنْقَسِمُ قِيمَتُهُ عَلَى الدَّيْنَيْنِ فَيَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الدَّيْنَ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ ، وَأَنَّهُ لَا يَفِي لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنَيْنِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا ، فَيَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِدْرِهِ .
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الْمَبِيعِ وَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّهُ ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا عَلَى الْآخَر ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَبِيعِ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الثَّمَنِ فَمَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ حَبْسِ كُلِّ الْمَبِيعِ وَلَوْ رَهْنَ بَيْتًا بِعَيْنِهِ مِنْ دَارٍ أَوْ رَهَنَ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ دَارٍ ، جَازَ ؛ لِانْعِدَامِ الشُّيُوعِ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَخْرُجُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَى الرَّهْنِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ : زِيَادَةُ الرَّهْنِ : وَهِيَ نَمَاؤُهُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَالصُّوفِ وَكُلِّ مَا هُوَ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الرَّهْنِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ ، بِأَنْ كَانَ بَدَلَ جُزْءٍ فَائِتٍ أَوْ بَدَلَ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ وَزِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى أَصْلِ الرَّهْنِ ، كَمَا

إذَا رَهَنَ بِالدَّيْنِ جَارِيَةً ، ثُمَّ زَادَ عَبْدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ رَهْنًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ ، وَزِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى نَمَاءِ الرَّهْنِ ، كَمَا إذَا رَهَنَ بِالدَّيْنِ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ ثُمَّ زَادَ رَهْنًا عَلَى الْوَلَدِ ، وَزِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَى الرَّهْنِ كَمَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ ، ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ اسْتَقْرَضَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا .
( أَمَّا ) زِيَادَةُ الرَّهْنِ فَمَرْهُونَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيهَا ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ عَلَى طَرِيقِ اللُّزُومِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ أَصْلًا ، وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي بَيَانِ حُكْمِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( وَأَمَّا ) زِيَادَةُ الرَّهْنِ فَجَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ .
( وَأَمَّا ) زِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى نَمَاءِ الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ بَقِيَ الْوَلَدُ إلَى وَقْتِ الْفَكَاكِ ، جَازَتْ الزِّيَادَةُ ، وَإِنْ هَلَكَ ، لَمْ تَجُزْ ؛ لِأَنَّهَا إذَا هَلَكَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَصَلَتْ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ ، وَقِيَامُ الدَّيْنِ شَرْطُ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ .
( وَأَمَّا ) زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَى الرَّهْنِ فَهِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ جَائِزَةٌ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِالدَّيْنِ كَمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالثَّمَنِ ، ثُمَّ هُنَاكَ جَازَتْ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ جَمِيعًا ، فَكَذَا هُنَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عِنْدَنَا

تُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا ؛ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَ بِالدَّيْنِ عَبْدَيْنِ ابْتِدَاءً وَذَا جَائِزٌ ، كَذَا هَذَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوْ صَحَّتْ ، لَأَوْجَبَتْ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ ، وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ ؛ لَصَارَ بَعْضُ الْعَبْدِ بِمُقَابِلَتِهَا فَلَا يَخْلُو .
( إمَّا ) أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِمُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ مَعَ بَقَائِهِ مَشْغُولًا بِالْأَوَّلِ .
( وَإِمَّا ) أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْأَوَّلِ وَيَصِيرَ مَشْغُولًا بِالزِّيَادَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِشَيْءٍ لَا يَحْتَمِلُ الشَّغْلَ بِغَيْرِهِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ بَعْضَ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ وَهَذَا رَهْنُ الْمُشَاعِ فَلَا يَجُوزُ ، كَمَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا وَاحِدًا بِدَيْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُهُ ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ الرَّهْنِ عَلَى أَصْلِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ لَا تُؤَدِّي إلَى شُيُوعِ الرَّهْنِ بَلْ إلَى شُيُوعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَ الْعَبْدُ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ الدَّيْنِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ صَارَ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ بَعْضِ الدَّيْنِ ، وَالْعَبْدُ وَالزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ الْبَعْضِ الْآخَرِ ، فَيَرْجِعُ الشُّيُوعُ إلَى الدَّيْنِ لَا إلَى الرَّهْنِ ، وَالشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ وَفِي الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ ، أَلَا تَرَى لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِنِصْفِ الدَّيْنِ ، جَازَ .
وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ ، لَمْ يُجْزَ ، لِذَلِكَ افْتَرَقَ حُكْمُ الزِّيَادَتَيْنِ .
وَلَوْ رَهَنَ مُشَاعًا فَقَسَّمَ وَسَلَّمَ ، جَازَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْحَقِيقَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، فَإِذَا وُجِدَ ، فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النَّفَاذِ فَيَنْفُذُ .

( وَمِنْهَا ) : أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ فَارِغًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ ، فَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِهِ بِأَنْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَ الدَّارَ ، أَوْ سَلَّمَ الدَّارَ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ ، أَوْ رَهَنَ جُوَالِقًا دُونَ مَا فِيهِ ، وَسَلَّمَ الْجُوَالِقَ أَوْ سَلَّمَهُ مَعَ مَا فِيهِ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَبْضِ هُوَ التَّخْلِيَةُ الْمُمْكِنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشَّغْلِ .
وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ سَلَّمَهَا فَارِغَةً ؛ جَازَ ، وَيُنْظَرُ إلَى حَالِ الْقَبْضِ لَا إلَى حَالِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشَّغْلُ ، وَقَدْ زَالَ فَيَنْفُذُ ، كَمَا فِي رَهْنِ الْمُشَاعِ .
وَلَوْ رَهَنَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهَا دُونَ الدَّارِ ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ جَازَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْمَتَاعِ ؛ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِالْمَتَاعِ ، فَأَمَّا الْمَتَاعُ فَلَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ ، فَيَصِحُّ قَبْضُ الْمَتَاعِ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْضُ الدَّارِ .
وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ وَاَلَّذِي فِيهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ، وَهُوَ خَارِجُ الدَّارِ جَازَ الرَّهْنُ فِيهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْكُلَّ وَسَلَّمَ الْكُلَّ ، وَصَحَّ تَسْلِيمُهُمَا جَمِيعًا .
وَلَوْ فَرَّقَ الصَّفْقَةَ فِيهِمَا بِأَنْ رَهَنَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الْآخَرَ ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي التَّسْلِيمِ ، صَحَّ الرَّهْنُ فِيهِمَا جَمِيعًا .
( أَمَّا ) فِي الْمَتَاعِ فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ .
( وَأَمَّا ) فِي الدَّارِ ؛ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الشَّغْلُ قَدْ زَالَ ، وَإِنْ فَرَّقَ بِأَنْ رَهَنَ أَحَدَهُمَا وَسَلَّمَ ، ثُمَّ رَهَنَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ ، لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ فِي الدَّارِ وَجَازَ فِي الْمَتَاعِ ، سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ يُرَاعَى فِيهِ التَّرْتِيبُ ، إنْ قَدَّمَ هِبَةَ الدَّارِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ فِي الدَّارِ وَجَازَتْ فِي الْمَتَاعِ ، كَمَا فِي الرَّهْنِ ، وَإِنْ قَدَّمَ هِبَةَ

الْمَتَاعِ ، جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا .
( أَمَّا ) فِي الْمَتَاعِ ؛ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْغُولٍ بِالدَّارِ .
( وَأَمَّا ) فِي الدَّارِ ؛ فَلِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْقَبْضِ لَكِنْ بِمَتَاعٍ هُوَ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْقَبْضِ ، وَهُنَا الدَّارُ مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعٍ هُوَ مِلْكُ الرَّاهِنِ ؛ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَوْ رَهَنَ دَارًا وَالرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي جَوْفِ الدَّارِ فَقَالَ الرَّاهِنُ : سَلَّمْتُهَا إلَيْكَ لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ يُسَلِّمَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّسْلِيمِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا .
وَلَوْ رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا حِمْلٌ دُونَ الْحِمْلِ ، لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ ، حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ عَنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ .
وَلَوْ رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَ الدَّابَّةِ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ كَانَ رَهْنًا تَامًّا فِي الْحِمْلِ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِالْحِمْلِ ، أَمَّا الْحِمْلُ فَلَيْسَ مَشْغُولًا بِالدَّابَّةِ ، كَمَا فِي رَهْنِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمَتَاعُ بِدُونِ الْمَتَاعِ ، وَرَهْنُ الْمَتَاعِ الَّذِي فِي الدَّارِ بِدُونِ الدَّارِ وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا أَوْ رَسَنًا فِي رَأْسِهَا ، فَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّابَّةَ مَعَ اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ وَالرَّسَنِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْ رَأْسِ الدَّابَّةِ ثُمَّ يُسَلِّمَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي الدَّارِ ؛ لِأَنَّ السَّرْجَ وَنَحْوَهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ ، فَلَمْ يَصِحَّ رَهْنُهَا بِدُونِ الدَّابَّةِ ، كَمَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ الثَّمَرِ بِدُونِ الشَّجَرِ ، بِخِلَافِ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَعًا لِلدَّارِ .
وَلِهَذَا قَالُوا : لَوْ رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ أَوْ لِجَامٌ ، دَخَلَ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا رَهَنَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا ، أَوْ بَهِيمَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي

بَطْنِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا الْعَقْدُ ، أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ، لَكَانَ الْمَرْهُونُ مَشْغُولًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ .
وَأَمَّا الْعَقْدُ ؛ فَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَالرَّهْنُ تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ ، كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ ثُمَّ رَهَنَ الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ، ثُمَّ رَهَنَ الْأُمَّ ، فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْهِبَةِ ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِي الْهِبَةِ .

( وَمِنْهَا ) : أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مُنْفَصِلًا مُتَمَيِّزًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ ، فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنْهُ ، لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَالْمُتَّصِلُ بِهِ غَيْرُ مَرْهُونٍ ، فَأَشْبَهَ رَهْنَ الْمُشَاعِ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ مَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ أَوْ بِدُونِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ ، أَوْ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ بِدُونِ الْأَرْضِ ، أَوْ الشَّجَرَ بِدُونِ الثَّمَرِ أَوْ الثَّمَرَ بِدُونِ الشَّجَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ سَلَّمَ الْمَرْهُونَ بِتَخْلِيَةِ الْكُلِّ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَلَوْ وَجَدَ الثَّمَرَ وَحَصَدَ الزَّرْعَ وَسَلَّمَ مُنْفَصِلًا ، جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ قَدْ زَالَ .
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَرَهَنَهُمَا جَمِيعًا وَسَلَّمَ مُتَفَرِّقًا ، جَازَ ، وَإِنْ فَرَّقَ الصَّفْقَةَ بِأَنْ رَهَنَ الزَّرْعَ ثُمَّ الْأَرْضَ أَوْ الْأَرْضَ ثُمَّ الزَّرْعَ ، يَنْظُرْ إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي التَّسْلِيمِ ، جَازَ الرَّهْنُ فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَإِنْ فَرَّقَ ، لَا يَجُوزُ فِيهِمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْفَصْلَيْنِ مُخْتَلِفٌ ، فَالْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْقَبْضِ فِي هَذَا الْفَصْلِ هُوَ الِاتِّصَالُ ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ ، وَالْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْقَبْضِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ هُوَ الشَّغْلُ وَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ .
مِثَالُ هَذَا : إذَا رَهَنَ نِصْفَ دَارِهِ مُشَاعًا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ حَتَّى رَهَنَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَسَلَّمَ الْكُلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ .
وَلَوْ رَهَنَ النِّصْفَ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَهَنَ النِّصْفَ الْبَاقِي وَسَلَّمَ ، لَا يَجُوزُ كَذَا هَذَا ، وَعَلَى هَذَا إذَا رَهَنَ صُوفًا عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ بِدُونِ الْغَنَمِ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ .
وَلَوْ جَزَّهُ وَسَلَّمَهُ ، جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ

قَدْ زَالَ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا إذَا رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا حِمْلٌ بِدُونِ الْحِمْلِ ، لَا يَجُوزُ .
وَلَوْ رَفَعَ الْحِمْلَ عَنْهَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً ، جَازَ ؛ لِمَا قُلْنَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ مَا فِي بَطْنِ غَنَمِهِ أَوْ مَا فِي ضَرْعِهَا ، أَوْ رَهَنَ سَمْنًا فِي لَبَنٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ أَوْ زَيْتًا فِي زَيْتُونٍ أَوْ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ ، وَإِنْ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ فَقَبَضَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا ؛ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ ؛ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْمَعْدُومِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ الْمُضَافُ إلَيْهَا فَكَذَا الرَّهْنُ .
أَمَّا هُنَا فَالْعَقْدُ مُنْعَقِدٌ مَوْقُوفٌ نَفَاذُهُ عَلَى صِحَّةِ التَّسْلِيمِ بِالْفَصْلِ وَالتَّمْيِيزِ ، فَإِذَا وُجِدَ ، فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ وَلَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِمَوَاضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ ، جَازَ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ مُمْكِنٌ .
وَلَوْ رَهَنَ شَجَرًا وَفِيهِ ثَمَرٌ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الرَّهْنِ ، دَخَلَ فِي الرَّهْنِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَصْحِيحَ الرَّهْنِ ، وَلَا صِحَّةَ بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَا صِحَّةَ لِلْقَبْضِ بِدُونِ دُخُولِ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ تَصْحِيحًا لَهُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الشَّجَرِ بِدُونِ الثَّمَرِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِ الثَّمَرِ لِلتَّصْحِيحِ وَلَوْ قَالَ : رَهَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذَا الْكَرْمَ ، وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مَعَ أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ فَلَأَنْ يَدْخُلَ فِي الرَّهْنِ أَوْلَى ، إلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، بِخِلَافِ الْمَتَاعِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ ، وَيَدْخُلُ الثَّمَرُ فِي رَهْنِ الشَّجَرِ ؛ ؛

لِأَنَّ الثَّمَرَ تَابِعٌ لِلشَّجَرِ وَالْمَتَاعَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلدَّارِ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَرْهُونِ بَعْدَ صِحَّةِ الرَّهْنِ يَنْظُرُ إلَى الْبَاقِي إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ مِمَّا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً ، لَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً ، فَسَدَ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّ بَعْضَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا عَلَى الْبَاقِي فَكَأَنَّهُ رَهَنَ هَذَا الْقَدْرَ ابْتِدَاءً ، فَيَنْظُرُ فِيهِ إنْ كَانَ مَحَلًّا لِابْتِدَاءِ الرَّهْنِ ، يَبْقَى الرَّهْنُ فِيهِ وَإِلَّا فَيَفْسُدُ فِي الْكُلِّ ، كَمَا لَوْ رَهَنَ هَذَا الْقَدْرَ ابْتِدَاءً ، إلَّا أَنَّهُ إذَا بَقِيَ الرَّهْنُ فِيهِ يَبْقَى بِحِصَّتِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَا يَذْهَبُ جَمِيعُ الدَّيْنِ ، وَإِذَا رَهَنَ الْبَاقِي ابْتِدَاءً وَفِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَهَلَكَ ، يَهْلِكْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَجْعَلَ الْحِيَازَةَ شَرْطًا مُفْرَدًا وَخَرَّجْتَ الْمُشَاعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ حَقِيقَةً ، فَكَانَ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهِ مُسْتَقِيمًا فَافْهَمْ .

وَمِنْهَا أَهْلِيَّةٌ الْقَبْضِ وَهِيَ الْعَقْلُ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ أَهْلِيَّةُ الرُّكْنِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلَأَنْ تَثْبُتَ بِهِ أَهْلِيَّةُ الشَّرْطِ أَوْلَى .

وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقَبْضِ فَالْقَبْضُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّخَلِّي : وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ وَذَلِكَ بِارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ ، وَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِتَخْلِيَةِ الرَّاهِنِ بَيْنَ الْمَرْهُونِ وَالْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ ، صَارَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا وَالْمُرْتَهِنُ قَابِضًا ، وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَهُ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ فَمَا لَمْ يُوجَدْ ؛ لَا يَصِيرُ قَابِضًا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ صِحَّةِ الرَّهْنِ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَمُطْلَقُ الْقَبْضِ يَنْصَرِفُ إلَى الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ ، فَأَمَّا التَّخَلِّي فَقَبْضٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً ، فَلَا يُكْتَفَى بِهِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّخَلِّيَ بِدُونِ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ قَبْضٌ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ ، أَمَّا الْعُرْفُ : فَإِنَّ الْقَبْضَ يَرُدُّ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ وَالتَّحْوِيلَ مِنْ الدَّارِ وَالْعَقَارِ ، يُقَالُ : هَذِهِ الْأَرْضُ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةُ أَوْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فِي يَدِ فُلَانٍ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا التَّخَلِّيَ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الشَّرْعُ : فَإِنَّ التَّخَلِّيَ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَبْضٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَتَحْوِيلٍ دَلَّ أَنَّ التَّخَلِّيَ بِدُونِ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ قَبْضٌ حَقِيقَةً وَشَرِيعَةً فَيُكْتَفَى بِهِ

وَأَمَّا بَيَانُ أَنْوَاعِ الْقَبْضِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : الْقَبْضُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، وَنَوْعٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ أَمَّا الْقَبْضُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ : فَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ .
وَأَمَّا الْقَبْضُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَنَوْعَانِ : نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْقَابِضِ ، وَنَوْعٌ يَرْجِعْ إلَى نَفْسِ الْقَبْضِ ، أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْقَابِضِ : فَنَحْوُ قَبْضِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَعَنْ الصَّبِيِّ ، كَذَا قَبْضُ الْعَدْلِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَبْضِ مِمَّا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ ؛ وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ، وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِمَّا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَبْضِ : فَهُوَ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَنُوبُ ذَلِكَ عَنْ قَبْضِ الرَّهْنِ ؟ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالْهِبَةِ أَنَّ الْقَابِضَيْنِ إذَا تَجَانَسَا ، نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ ، وَإِذَا اخْتَلَفَا ، نَابَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِقْهَ هَذَا الْأَصْلِ وَفُرُوعِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ شِئْتَ عَدَدْتَ الْحِيَازَةَ وَالْفَرَاغَ وَالتَّمْيِيزَ مِنْ شَرَائِطِ نَفْسِ الْعَقْدِ : فَقُلْتَ : وَمِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحُوزًا عِنْدَنَا ، وَبَنَيْتَ الْمُشَاعَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ .

وَمِنْهَا : دَوَامُ الْقَبْضِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَبَنَيْتَ عَلَيْهِ الْمُشَاعَ .
( وَلَنَا ) فِي إثْبَاتِ هَذَا الشَّرْطِ دَلِيلَانِ : أَحَدُهُمَا قَوْله تَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمَرْهُونَ مَقْبُوضٌ ، فَيَقْتَضِي كَوْنَهُ مَقْبُوضًا مَا دَامَ مَرْهُونًا ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ الْخُلْفَ ، وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ دَوَامَ الْقَبْضِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَمَّاهُ رَهْنًا ، وَكَذَا يُسَمَّى رَهْنًا فِي مُتَعَارَفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ ، وَالرَّهْنُ حَبْسٌ فِي اللُّغَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } أَيْ حَبِيسَةٌ بِكَسْبِهَا ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا مَا دَامَ مَرْهُونًا ، وَالشِّيَاعُ يَمْنَعُ دَوَامَ الْحَبْسِ فَيَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا ؛ ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ إدَامَةَ الْقَبْضُ فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشُّيُوعُ مُقَارَنًا أَوْ طَارِئًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ دَوَامَ الْقَبْضِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ، لَأَمْسَكَهُ الشَّرِيكُ يَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ ؛ فَتَخْتَلِفُ جِهَةُ الْقَبْضِ وَالْحَبْسِ فَلَا يَدُومُ الْقَبْضُ وَالْحَبْسُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا ، وَيَوْمًا لَا ، وَذَا لَا يَجُوزُ .
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ رَهْنُ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِعَيْنٍ لَيْسَ بِمَرْهُونٍ ؛ ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِعَيْنِ الْمَرْهُونِ يَمْنَعُ مِنْ إدَامَةِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فَارِغًا مَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا مُمَيَّزًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ ، وَخَرَجَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسَائِلُهُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَافْهَمْ .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَرْهُونِ بِهِ فَأَنْوَاعٌ : مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الشَّرْطِ يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ اشْتِرَاطِ الضَّمَانِ ، وَالثَّانِي فِي صِفَةِ الْمَضْمُونِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَصْلُ الضَّمَانِ هُوَ كَوْنُ الْمَرْهُونِ بِهِ مَضْمُونًا شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ عِنْدَنَا مَضْمُونٌ بِمَعْنَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ عِنْدَ هَلَاكِهِ ، أَوْ بِمَعْنَى اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ ، وَلَسْنَا نَعْنِي بِالْمَضْمُونِ سِوَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَالْمَضْمُونُ نَوْعَانِ : دَيْنٌ ، وَعَيْنٌ .
أَمَّا الدَّيْنُ : فَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ مِنْ الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ أَسْبَابِ وُجُوبِهَا ، فَكَانَ الرَّهْنُ بِهَا رَهْنًا بِمَضْمُونٍ فَيَصِحُّ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْدَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهُ ، كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الدُّيُونِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ عَيْنَ الدَّيْنِ تَصِيرُ بَدَلًا عَنْ الدَّيْنِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ ، وَالرَّهْنُ مَعَ الدَّيْنِ يَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ عَادَةً ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ فَيَخْتَصُّ جَوَازُ الرَّهْنِ بِمَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْدَالَ ، وَهَذِهِ الدُّيُونُ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهَا فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا .
( وَلَنَا ) أَنَّ السُّقُوطَ بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِمَا نَذْكُرُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتِيفَاءُ هَذِهِ الدُّيُونِ مُمْكِنٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ : الِاسْتِيفَاءُ يَسْتَدْعِي الْمُجَانَسَةَ قُلْنَا : الْمُجَانَسَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ ؛

لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقَعُ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ لَا بِصُورَتِهِ ، وَالْأَمْوَالُ كُلُّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْمَالِيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَقَدْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ ، وَيُكْتَفَى بِمُطْلَقِ الْمَالِيَّةِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ ، كَمَا فِي إتْلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فِي بَابِ الرَّهْنِ ؛ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى تَوْثِيقِ دُيُونِهِمْ مِنْ جَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ ، فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الدُّيُونِ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ ، تَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ ؛ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عَيْنَ حَقِّهِ فِي الْمَجْلِسِ لَا مُسْتَبْدِلًا ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ حَتَّى افْتَرَقَا ، بَطَلَا ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ .
وَأَمَّا الْعَيْنُ فَنَقُولُ : لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْعَيْنِ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الرَّاهِنِ ، كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَنَحْوِهَا ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ أَصْلًا وَأَمَّا الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ فَنَوْعَانِ : نَوْعٌ هُوَ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ مِثْلُهُ عِنْدَ هَلَاكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ ، وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ ، كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ، وَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي يَدِ الْعَاقِلَةِ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَسْتَرِدَّ الْعَيْنَ ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِهِ قَبْلَ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ : سَلِّمْ الْعَيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَخُذْ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ عِنْدَنَا مَضْمُونٌ بِذَلِكَ ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْعَيْنُ ، يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قَدْرِ الْمَضْمُونِ إلَى الرَّاهِنِ ،

فَإِنْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ، صَارَ الرَّهْنُ بِهَا رَهْنًا بِقِيمَتِهَا ، حَتَّى وَهَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ ، يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَيْنِ بَدَلُهَا ، وَبَدَلُ الشَّيْءِ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هُوَ .
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ لَا بِنَفْسِهِ ، كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ هُوَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ، لَا يَضْمَنُ شَيْئًا ، بَلْ هُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِ الثَّمَنِ حَتَّى يَسْقُطَ الثَّمَنُ الْمُشْتَرَى إذَا هَلَكَ ، فَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ ؟ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، يَهْلِكْ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ ، وَلَا يَصِيرُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بِهَلَاكِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ إذَا أَوْفَى ثَمَنَهُ ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا ضَمَانُ الْأَقَلِّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ .
وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ، بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ إهْلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمَبِيعِ ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الرَّهْنَ عَلَى الْبَائِعِ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ ، هَلَكَ بِضَمَانِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ ، وَلَا يَبْطُلُ ضَمَانُهُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَبُطْلَانِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ، فَقَدْ سَقَطَ الثَّمَنُ بِمُقَابَلَتِهِ فَكَانَ بُطْلَانُهُ بِعِوَضٍ ، فَلَا يَبْطُلُ ضَمَانُهُ .
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ ، وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ الْمَرْهُونِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمَضْمُونِ بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الثَّمَنُ لَا غَيْرُ .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الِاسْتِيفَاءُ هَهُنَا يَحْصُلُ

مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ، يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي ، فَكَانَ سُقُوطُ الثَّمَنِ عَنْهُ كَالْعِوَضِ عَنْ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَيَحْصُل مُسْتَوْفِيًا مَالِيَّةَ الْمَبِيعِ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمَضْمُونِ بِنَفْسِهِ فَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا ، أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَأَعْطَى بِهَا رَهْنًا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَإِنْ عُيِّنَتْ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ مِثْلُهَا لَا عَيْنُهَا ، فَلَمْ يَكُنْ الْمُعَيَّنُ مَضْمُونًا ؛ فَلَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ بِهِ ، وَعِنْدَهُ يُتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ فَكَانَ الْمُعَيَّنُ مَضْمُونًا ؛ فَجَازَ الرَّهْنُ بِهِ ، وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْكَفِيلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ، لَا يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ شَيْءٌ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ بِمُقَابَلَتِهِ .
وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ بِشَيْءٍ بِمُقَابَلَتِهِ ، فَكَانَ رَهْنًا بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ ؛ فَلَمْ يَجُزْ ، وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ، لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ بِمُقَابَلَتِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا أَصْلًا فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ ، وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ ، بِأَنْ اسْتَأْجَرَ مُغَنِّيَةً أَوْ نَائِحَةً أَوْ أَعْطَاهُمَا بِالْأُجْرَةِ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمْ تَصِحَّ فَلَمْ

تَجِبْ الْأُجْرَةُ ، فَكَانَ رَهْنًا بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ ؛ فَلَمْ يَجُزْ وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا لِيُقْرِضَهُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى فِي الْقَرْضِ ، وَإِنْ حَصَلَ الِارْتِهَانُ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَضْمُونِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الرَّهْنَ لِيُقْرِضَهُ فَكَانَ قَبْضُ الرَّهْنِ عَلَى جِهَةِ الضَّمَانِ ، وَالْمَقْبُوضُ عَلَى جِهَةِ شَيْءٍ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الشَّرْعِ ، كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ .

( وَأَمَّا ) صِفَةُ الْمَضْمُونِ فَنَوْعَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، ( وَالثَّانِي ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ : هُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فِي الْحَالِ ، فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ مِمَّا يَصِيرُ مَضْمُونًا فِي الثَّانِي ، كَالرَّهْنِ بِالدَّرَكِ بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي ، فَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ فَأَخَذَ بِالثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا قَبْلَ الدَّرَكِ لَا يَجُوزُ ؛ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْحَبْسَ ، سَوَاءٌ وُجِدَ الدَّرَكُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ .
وَلَوْ هَلَكَ ، يَهْلِكُ أَمَانَةً سَوَاءٌ وُجِدَ الدَّرَكُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ ، وَكَذَا لَوْ ارْتَهَنَ بِمَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، لَا يَجُوزُ ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِمَا يَصِيرُ مَضْمُونًا فِي الثَّانِي جَائِزَةٌ ، كَمَا إذَا كَفَلَ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لِلْحَالِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْحَالِ يُسْتَوْفَى ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ لَمَّا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ أَشْبَهَ الْبَيْعَ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَالْبَيْعِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي مَضْمُونًا ، إلَّا أَنَّ الْجَوَازَ فِي الْكَفَالَةِ ؛ لِتَعَامُلِ النَّاسِ ، وَلَا تَعَامُلَ فِي الرَّهْنِ ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ رَهْنًا لِيُقْرِضَهُ أَنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ مَضْمُونًا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رَهْنًا بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَضْمُونِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا حَقِيقَةً ؛ لِوُجُودِ الْقَبْضِ عَلَى جِهَةِ الضَّمَانِ ، وَالْمَقْبُوضُ عَلَى جِهَةِ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَةٍ ، كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا .
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ : ضَمِنْتُ لَكَ مَالَكَ عَلَى فُلَانٍ إذَا حَلَّ ، يَجُوزُ أَخْذُ

الْكَفِيلِ الرَّهْنَ بِهِ وَلَوْ قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنَا ضَامِنٌ مَالَكَ عَلَيْهِ ، لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الْكَفِيلِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أُضِيفَ إلَى مَضْمُونٍ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ وَاجِبٌ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّعِ ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ التَّأْجِيلِ فِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِضَمَانِ الدَّرَكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَضْمُونَ هُنَالِكَ لِلْحَالِ وَلَا مَا لَهُ حُكْمُ الْمَضْمُونِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنَا ضَامِنٌ مَالَكَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِقُدُومِ فُلَانٍ ، فَكَانَ عَدَمًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، فَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى مَضْمُونٍ لِلْحَالِ ؛ فَبَطَلَ الرَّهْنُ وَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَدْعِي مَضْمُونًا فِي الْحَالِ بَلْ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا مَرَّ .
وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مَضْمُونًا ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا ، أَوْ كَوْنُهُ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ يَكْفِي لِجَوَازِ الرَّهْنِ ، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مَضْمُونًا فِي الظَّاهِرِ كَافٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَضْمُونًا حَقِيقَةً ، فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَهِيَ قَرْضٌ عَلَيْهِ ، فَجَحَدَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ إنَّهُ صَالَحَ الْمُدَّعَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ بَاطِلًا ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّاهِنِ خَمْسَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ ثَابِتًا عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَصَمَا إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَتَصَادَقَا ، أَنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إيفَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ ، فَكَانَ هَذَا رَهْنًا بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ

ظَاهِرٌ فَيَصِحُّ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّهْنَ بِجِهَةِ الضَّمَانِ جَائِزٌ عَلَى مَا ذُكِرَ ؛ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِالضَّمَانِ الثَّابِتِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ أَوْلَى وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ حَصَلَ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ أَصْلًا ؛ فَلَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ إذَا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَبَضَ الْعَبْدَ وَأَعْطَاهُ بِالْأَلْفِ رَهْنًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ أَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ يَهْلِكُ مَضْمُونًا ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الرَّاهِنِ ظَاهِرًا فَقَدْ حَصَلَ الِارْتِهَانُ بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ؛ فَجَازَ .
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، أَوْ اشْتَرَى دَنًّا مِنْ خَلٍّ أَوْ أَعْطَاهُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الشَّاةَ مَيْتَةٌ وَالْخَلَّ خَمْرٌ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ ؛ لِمَا قُلْنَا .
وَكَذَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَ إنْسَانٍ خَطَأً ، وَأَعْطَاهُ بِقِيمَتِهِ رَهْنًا ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ كَانَ الْمَرْهُونُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الِارْتِهَانَ حَصَلَ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ حَقِيقَةً فَلَمْ يَصِحَّ وَلَوْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَوْ الْمُضَارِبُ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ ، وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِمَا الِاسْتِهْلَاكَ ، وَتَصَالَحَا عَلَى مَالٍ وَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ بِالْمَالِ رَهْنًا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ ، فَهَلَكَ عِنْدَهُ ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ هَلَكَتْ عِنْدَهُ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ ،

فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا صَحَّ الصُّلْحُ كَانَ رَهْنًا بِمَضْمُونٍ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ؛ فَيَصِحُّ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ حَصَلَ الرَّهْنُ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ حَقِيقَةً ؛ فَلَمْ يَصِحَّ .

( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ مُحْتَمَلًا لِلِاسْتِيفَاءِ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ، لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ بِهِ ؛ ؛ لِأَنَّ الِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الرَّهْنُ بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْ الرَّهْنِ ، وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ فَصَحَّ الرَّهْنُ بِهِ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ الرَّهْنُ بِالشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الرَّهْنِ ؛ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ بِهِ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ الرَّهْنُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الرَّهْنِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا حُكْمُ الرَّهْنِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : الرَّهْنُ نَوْعَانِ : صَحِيحٌ ، وَفَاسِدٌ .
( أَمَّا ) الْأَوَّلُ فَلَهُ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِحَالِ قِيَامِ الْمَرْهُونِ وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِحَالِ هَلَاكِهِ .
( أَمَّا ) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحَالِ قِيَامِهِ فَعِنْدَنَا ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ مِلْكُ حَبْسِ الْمَرْهُونِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ ، أَوْ مِلْكِ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ ، وَكَوْنُ الْمُرْتَهِنِ أَحَقَّ بِحَبْسِ الْمَرْهُونِ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ ، وَالْعِبَارَاتُ مُتَّفِقَةُ الْمَعَانِي فِي مُتَعَارَفِ الْفُقَهَاءِ .
( وَالثَّانِي ) اخْتِصَاصُ الْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ أَوْ اخْتِصَاصُهُ بِثَمَنِهِ ، وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ أَصْلِيَّانِ لِلرَّهْنِ عِنْدَنَا .
( وَالثَّالِثُ ) وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الِافْتِكَاكِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِلرَّهْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ كَوْنُ الْمُرْتَهِنِ أَحَقَّ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَأَخَصَّ بِثَمَنِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ .
( فَأَمَّا ) حَقُّ حَبْسِ الْمَرْهُونِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ لَازِمٍ ، حَتَّى أَنَّ الْمَرْهُونَ إنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ اسْتِهْلَاكِهِ ، كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، رَدَّهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاسْتِهْلَاكِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ، فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِهِ ، احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، هُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ ، لَهُ غُنْمُهُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَغْلَقُ أَيْ لَا يُحْبَسُ ، وَعِنْدَكُمْ يُحْبَسُ ، فَكَانَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ ، وَكَذَا أَضَافَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ " فَاللَّامُ " التَّمْلِيكِ ، وَسَمَّاهُ صَاحِبًا لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكُ لِلرَّهْنِ مُطْلَقًا رَقَبَةً وَانْتِفَاعًا وَحَبْسًا ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ تَوْثِيقًا لِلدَّيْنِ ، وَمِلْكُ الْحَبْسِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ يُضَادُّ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي يَدِهِ دَائِمًا ، وَعَسَى يَهْلِكُ ؛ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ ، فَكَانَ تَوْهِينًا لِلدَّيْنِ لَا تَوْثِيقًا لَهُ ؛ وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْتُمْ : تَعْطِيلُ الْعَيْنِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ ؛ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ أَصْلًا ، وَالرَّاهِنُ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ عِنْدَكُمْ ؛ فَكَانَ تَعْطِيلًا وَالتَّعْطِيلُ تَسْيِيبٌ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَدْ نَفَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ } .
( وَلَنَا ) قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِ الرَّهْنِ مَقْبُوضًا وَإِخْبَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ الْخَلَلَ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَقْبُوضًا مَا دَامَ مَرْهُونًا ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ فِي اللُّغَةِ : عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبْسِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } أَيْ حَبِيسٌ ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحْبُوسًا مَا دَامَ مَرْهُونًا وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْحَبْسِ عَلَى الدَّوَامِ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا عَلَى الدَّوَامِ فَلَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَمَّى الْعَيْنَ الَّتِي وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا رَهْنًا وَأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ لُغَةً كَانَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لُغَةً حُكْمًا لَهُ شَرْعًا ؛ ؛ لِأَنَّ لِلْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ دَلَالَاتٍ عَلَى أَحْكَامِهَا ، كَلَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَنَحْوِهَا ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مَا يَقَعُ بِهِ التَّوْثِيقُ

لِلدَّيْنِ كَالْكَفَالَةِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّوْثِيقُ إذَا كَانَ يَمْلِكُ حَبْسَهُ عَلَى الدَّوَامِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فِي أَسْرَعِ الْأَوْقَاتِ ، وَكَذَا يَقَعُ إلَّا مِنْ عَنْ تَوَاءِ حَقِّهِ بِالْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَا عُرِفَ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } أَيْ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ ، كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ : غَلِقَ الرَّهْنُ أَيْ مُلِكَ بِالدَّيْنِ ، وَهَذَا كَانَ حُكْمًا جَاهِلِيًّا فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : هُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ } تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : لَهُ غُنْمُهُ } أَيْ زَوَائِدُهُ { وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } أَيْ نَفَقَتُهُ وَكَنَفُهُ وَقَوْلُهُ : إنَّ مَا شُرِعَ لَهُ الرَّهْنُ لَا يَحْصُلُ بِمَا قُلْتُمْ ؛ ؛ لِأَنَّهُ يُتْوَى حَقُّهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ قُلْنَا : عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقِينَ لَا يُتْوَى بَلْ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ، وَالِاسْتِيفَاءُ لَيْسَ بِهَلَاكِ الدَّيْنِ .
( وَأَمَّا ) عَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ فَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِغَالِبٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ، وَإِذَا هَلَكَ ، فَالْهَلَاكُ لَيْسَ يُضَافُ إلَى حُكْمِ الرَّهْنِ ؛ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مِلْكُ الْحَبْسِ لَا نَفْسُ الْحَبْسِ ، وَقَوْلُهُ : فِيهِ تَسْيِيبٌ مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ بِعَقْدِ الرَّهْنِ مَعَ التَّسْلِيمِ يَصِيرُ الرَّاهِنُ مُوفِيًا دَيْنَهُ فِي حَقِّ الْحَبْسِ ، وَالْمُرْتَهِنُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا فِي حَقِّ الْحَبْسِ ، وَالْإِيفَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَنَافِعِ الرَّهْنِ ، وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِي حَالِ قِيَامِهِ ، فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ .
( أَمَّا ) عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مِلْكُ الْحَبْسِ فَالْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذَا الْحُكْمِ بَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّتِهِ ،

أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ فَنَقُولُ : وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ اسْتِخْدَامًا وَرُكُوبًا وَلُبْسًا وَسُكْنَى وَغَيْرَ ذَلِكَ ؛ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ ، وَهَذَا يَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ وَالِانْتِفَاعَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ غَيْرُ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ .
وَلَوْ بَاعَهُ ، تَوَقَّفَ نَفَاذُ الْبَيْعِ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ ، إنْ أَجَازَ ، جَازَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّفَاذِ لِمَكَانِ حَقِّهِ ، فَإِذَا رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ زَالَ الْمَانِعُ ؛ فَنَفَذَ وَكَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا ، سَوَاءٌ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَوْنَهُ رَهْنًا ، أَوْ لَا فِي جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِمَرْهُونٍ حَقِيقَةً بَلْ الْمَرْهُونُ هُوَ الْمَبِيعُ ، وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ عَنْهُ بِالْبَيْعِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا شُرِطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ حَقِّهِ عَنْهُ إلَّا بِبَدَلٍ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ زَالَ حَقُّهُ أَصْلًا .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا زَالَ حَقُّهُ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ إلَى خَلْفٍ وَالزَّائِلُ إلَى خَلْفٍ قَائِمٌ مَعْنًى ، فَيُقَامُ الْخَلْفُ مَقَامَ الْأَصْلِ ، وَسَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَلَوْ فَعَلَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ إنْ رَدَّهُ بَطَلَ ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا ، وَإِنْ أَجَازَهُ ، جَازَتْ الْإِجَازَةُ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَبَطَلَ عَقْدُ الرَّهْنِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ لَا إلَى خَلْفٍ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ

مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ مِلْكِ الْحَبْسِ لَهُ يَمْنَعُ الْإِجَازَةَ ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَازَةَ بِعَقْدِ الِانْتِفَاعِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِنَفْسِهِ فَكَيْف يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ ؟ وَلَوْ فَعَلَ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ رَدَّهُ ، بَطَلَ ، وَإِنْ أَجَازَ ، جَازَتْ الْإِجَازَةُ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَبَطَلَ عَقْدُ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إذَا جَازَتْ وَأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَبْقَى الرَّهْنُ ضَرُورَةً وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ، وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْأُجْرَةِ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ ، وَلَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ فَلَا يَكُونُ بَدَلُهَا مَرْهُونًا .
( فَأَمَّا ) الثَّمَنُ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَبَدَلُ الْمَبِيعِ ، وَأَنَّهُ مَرْهُونٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ مَرْهُونًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ آجَرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ إذَا جَدَّدَ الْمُرْتَهِنُ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ .
( أَمَّا ) صِحَّةُ الْإِجَارَةِ وَبُطْلَانُ الرَّهْنِ ؛ فَلِمَا ذَكَرْنَا .
( وَأَمَّا ) الْحَاجَةُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ ؛ فَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ دُونَ قَبْضِ الْإِجَارَةِ ، فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْعٌ مِنْ الرَّاهِنِ ، وَإِنْ مَنْعَهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ، ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، فَلَوْ أَعَارَ وَسَلَّمَ ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِعَارَةَ وَيُعِيدَهُ رَهْنًا ، وَإِنْ أَجَازَ ، جَازَ ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَكِنْ يَبْطُلُ ضَمَانُهُ ، وَكَذَا إذَا أَعَارَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَهُ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ ، أَوْ آجَرَهُ بِإِذْنِهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ

عَقْدٌ لَازِمٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِهَا بُطْلَانُ الرَّهْنِ فَأَمَّا الْإِعَارَةُ فَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ ؛ ؛ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ وِلَايَةَ الِاسْتِرْدَادِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ ، فَجَوَازُهَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا أَنَّهُ يَبْطُلُ ضَمَانَ الرَّهْنِ ؛ لِمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ ، وَإِنْ كَانَ دَابَّةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ ، وَإِنْ كَانَ دَارًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا ، وَإِنْ كَانَ مُصْحَفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ ؛ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُفِيدُ مِلْكَ الْحَبْسِ لَا مِلْكَ الِانْتِفَاعِ ، فَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ فَهَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ؛ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ لَيْسَ إلَّا مِلْكُ الْحَبْسِ ، فَأَمَّا مِلْكُ الْعَيْنِ فَلِلرَّاهِنِ ، وَالْبَيْعُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ .
وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ ، جَازَ وَكَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا ، وَكَذَا إذَا بَاعَ بِإِذْنِهِ ، جَازَ وَكَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا ، سَوَاءٌ قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ .
وَلَوْ هَلَكَ ، كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْنَا ؛ لِجَوَازِ الرَّهْنِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَرْهُونُ دَيْنًا وَالثَّمَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ رَهْنًا ؟ وَالْجَوَابُ : أَنَّ الدَّيْنَ يَصْلُحُ رَهْنًا فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً ؛ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ، وَبَدَلُ الْمَرْهُونِ مَرْهُونٌ ؛ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَرْهُونِ كَأَنَّهُ هُوَ ، بِخِلَافِ حَالَةِ الِابْتِدَاءِ ،

وَإِنْ رَدَّ ، بَطَلَ وَعَادَ الْمَبِيعُ رَهْنًا كَمَا كَانَ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَازَةُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَازَةِ ، وَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ غَاصِبًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، جَازَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَكَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ؛ فَجَازَ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَالضَّمَانُ يَكُونُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ مَرْهُونًا ، وَقِيلَ : إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِتَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ إذَا سَلَّمَ الرَّهْنَ إلَى الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ ، فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ هُوَ التَّسْلِيمُ ؛ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَمِلْكُ الْمَضْمُونِ بِمِلْكِ الضَّمَانِ ، وَالتَّسْلِيمُ وُجِدَ بَعْدَ الْبَيْعِ ؛ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ، كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَا هَذَا ، وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ .
وَلَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ ، بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ بِتَضْمِينِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ بَاعَ مَالَ نَفَسِهِ ، وَالضَّمَانُ يَكُونُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ؛ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالتَّصَدُّقَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ ، وَالثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكُ الْحَبْسِ لَا مِلْكُ الْعَيْنِ ، فَلَا يَمْلِكُهَا كَمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ ، فَإِنْ فَعَلَ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الرَّاهِنِ إنْ أَجَازَ ، جَازَ وَبَطَلَ

الرَّهْنُ ، وَإِنْ رَدَّ ، عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَازَةَ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَأَيُّهُمَا ضَمَّنَ لَا يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِهِ ، أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَرْهُونَ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِمِلْكِ نَفَسِهِ ، ( وَأَمَّا ) الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ؛ فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالضَّمَانِ بِحُكْمِ الضَّرَرِ ، وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَالثَّابِتُ لَهُ مِلْكُ الْحَبْسِ لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ فَكَيْف يُمَلِّكُهَا مِنْ غَيْرِهِ ؟ فَإِنْ فَعَلَ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الرَّاهِنِ فَإِنْ أَجَازَ ، جَازَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَلَا تَكُونُ رَهْنًا ؛ لِمَا مَرَّ ، وَوِلَايَةُ قَبْضِهَا لِلْمُرْتَهِنِ ؛ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَالْعَاقِدُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ ، وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ بَطَلَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ ، وَإِنْ رَدَّ ، بَطَلَ وَأَعَادَهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ .
وَلَوْ أَجَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، لَا يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ قَدْرِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إلَى وَقْتِ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ

فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفَسِهِ ؛ فَصَحَّ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَطِيبُ لَهُ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ ، فَالْمُسْتَأْجَرُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْغُرُورِ وَهُوَ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَلَوْ سَلَّمَ وَاسْتَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ ، عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَرَدَّهُ فَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ مَا خَالَفَ ؛ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ ، وَالْأَجْرُ لِلْمُرْتَهِنِ لَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ ، كَالْغَاصِبِ إذَا آجَرَ الْمَغْصُوبَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ أَعَارَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَعِيرِ ، فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِعَارَةَ ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَأَيُّهُمَا ضَمَّنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا .
( أَمَّا ) عَدَمُ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ مِلْكَهُ .
( وَأَمَّا ) الْمُسْتَعِيرُ ؛ فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْغَرَرِ ، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ( وَأَمَّا ) كَوْنُ الضَّمَانِ رَهْنًا ؛ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ مَرْهُونًا ، وَإِنْ سَلَّمَ وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ ، عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَالْتَحَقَ الْخِلَافُ فِيهِ بِالْعَدَمِ وَلَوْ أَعَارَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَجَازَ ، جَازَ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ لَكِنْ يَبْطُلُ ضَمَانُ الرَّهْنِ ؛ لِمَا نَذْكُرُ ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الرَّهْنَ ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِحَبْسِ

غَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ ، فَلِلرَّاهِنِ الْأَوَّلِ أَنْ يُبْطِلَ الرَّهْنَ الثَّانِي وَيُعِيدَهُ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ ، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ إلَى الْأَوَّلِ ، فَالرَّاهِنُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّانِي ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ ، جَازَ الرَّهْنُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ بِالضَّمَانِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفَسِهِ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ فَكَانَ ضَمَانُهُ رَهْنًا ؛ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّانِي ، بَطَلَ الرَّهْنُ الثَّانِي وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ ؛ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الْمَرْهُونِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ وَبِدَيْنِهِ .
( أَمَّا ) الرُّجُوعُ بِالضَّمَانِ ؛ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ .
( وَأَمَّا ) الرُّجُوعُ بِدَيْنِهِ ؛ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ فَيَبْقَى دَيْنُهُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَإِنْ رَهَنَ عِنْدَ الثَّانِي بِإِذْنِ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ ، جَازَ الرَّهْنُ الثَّانِي وَبَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ .
( أَمَّا ) جَوَازُ الرَّهْنِ الثَّانِي ؛ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قَدْ زَالَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا أَجَازَ الثَّانِي ، بَطَلَ الْأَوَّلُ ضَرُورَةً ، وَصَارَ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ اسْتَعَارَ مَالَ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ ؛ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ فَرَهَنَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَهُ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ يَدُهُ فِي مَعْنَى يَدِهِ ، وَيَدُ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي لَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى يَدِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُودِعِ ؛ ضَمَّنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْإِيدَاعِ ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ

، كَزَوْجَتِهِ وَخَادِمِهِ وَأَجِيرِهِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ هَؤُلَاءِ كَيَدِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْفَظُ مَالَ نَفَسِهِ بِيَدِهِمْ ، فَكَانَ الْهَالِكُ فِي أَيْدِيهِمْ كَالْهَالِكِ فِي يَدِهِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْعَلَ فِي الرَّهْنِ مَا يُعَدُّ حِفْظًا لَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَانْتِفَاعًا بِهِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا ارْتَهَنَ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ فَهَلَكَ ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْخِنْصَرِ مِمَّا يُتَجَمَّلُ بِهِ عَادَةً ، فَكَانَ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِي الْحِفْظِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّجَمُّلِ بِهَذَا النَّوْعِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَتَجَمَّلُ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى وَمِنْهُمْ مِنْ يَتَجَمَّلُ بِهِ فِي الْيُسْرَى ، فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالًا .
وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ ؛ ؛ لِأَنَّ التَّخَتُّمَ بِهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ ، فَكَانَ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا وَلَوْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ ، يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ اللَّابِسُ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِخَاتَمَيْنِ ، يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَجَمَّلُ بِهِ ، يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ إيَّاهُ وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَ بِهِمَا ، يَضْمَنُ .
وَلَوْ كَانَتْ السُّيُوفُ ثَلَاثَةً فَتَقَلَّدَ بِهَا ، لَمْ يَضْمَنْ ؛ ؛ لِأَنَّ التَّقَلُّدَ بِسَيْفَيْنِ مُعْتَادٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ ، ( فَأَمَّا ) بِالثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَكَانَ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ طَيْلَسَانًا أَوْ قَبَاءً فَلَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ، يَضْمَنْ ، وَإِنْ جَعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَهَلَكَ ، يَهْلِكْ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِعْمَالٌ وَالثَّانِي حِفْظٌ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُخَافُ الْفَسَادُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ بَيْعَ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ

الْفَسَادُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ ، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَكِنْ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي مَالِ غَيْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ ، فَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا بَاعَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا فِي يَدِهِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ رَهْنًا ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مَعَ قِيَامِ عَقْدِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ لِتَوْثِيقِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْوَثِيقَةِ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ .
وَلَوْ طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِحَقِّهِ فَقَالَ الرَّاهِنُ : بِعْهُ ، وَاسْتَوْفِ حَقَّكَ ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَا أُرِيدُ الْبَيْعَ وَلَكِنْ أُرِيدُ حَقِّي ، فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ ، وَبِالْبَيْعِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا فَيَبْطُلُ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ ، فَلَهُ أَنْ يَتَوَثَّقَ بِاسْتِيفَائِهِ إلَى اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ : إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إلَى وَقْتِ كَذَا ، وَإِلَّا فَهُوَ لَكَ بِدَيْنِكَ أَوْ بَيْعٌ بِحَقِّكَ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالشَّرْطِ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِدَيْنِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ ، لَكِنَّهُ يَحْبِسُ الرَّاهِنَ حَتَّى يَبِيعَهُ بِنَفْسِهِ ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَيْهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ .

وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ ، كَمَا لَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ ذَلِكَ ، وَالْكَلَامُ فِي الْعَدْلِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَا لِلْعَدْلِ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الرَّهْنِ وَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِيهِ .
وَالثَّانِي فِي بَيَانِ مَنْ يَصْلُحُ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ وَالثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْعَدْلُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَمَا لَا يَنْعَزِلُ .
( أَمَّا ) الْأَوَّلُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : لِلْعَدْلِ أَنْ يُمْسِكَ الرَّهْنَ بِيَدِهِ وَبِيَدِ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ بِيَدِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ، وَلَا إلَى الرَّاهِنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ سُقُوطِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَرْضَ بِيَدِ صَاحِبِهِ حَيْثُ وَضَعَاهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ .
وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ ، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيُعِيدَهُ إلَى يَدِ الْعَدْلِ كَمَا كَانَ ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ ، ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالدَّفْعِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ بِالْوَضْعِ فِي يَدِهِ هُوَ حَقُّ الْإِمْسَاكِ لَا الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِمَا قُلْنَا ، إلَّا إذَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ إلَّا أَنَّ التَّسْلِيطَ إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ ، لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ ، وَإِذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْدِ ، يَمْلِكُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الرَّهْنِ ؛ لِكَوْنِهَا مَرْهُونَةً تَبَعًا لِلْأَصْلِ .
وَكَذَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الرَّهْنِ ، نَحْوُ أَنْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ عَبْدٌ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَامَ

مَقَامَهُ ، جُعِلَ كَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ ، ثُمَّ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا ، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَيِّ جِنْسٍ كَانَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَبِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَبِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ؛ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ ، وَإِذَا بَاعَ ، كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ ؛ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَرْهُونِ مَرْهُونٌ ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْفَى دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ، وَإِنْ سُلِّطَ عَلَى الْبَيْعِ عِنْدَ الْمَحَلِّ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَهُ ؛ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَسَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ عِنْدَ الْمَحَلِّ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَبِجِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ يَبِيعُ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، إلَّا أَنَّهُمَا جَوَّزَا مَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ بِجِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَالْجِنْسُ أَقْرَبُ إلَى الْقَضَاءِ مِنْهُ .
وَلَوْ نَهَاهُ الرَّاهِنُ عَنْ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ فَإِنْ نَهَاهُ عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ ؛ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَصَلَ مُقَيَّدًا فَيَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْقَيْدِ مُتَأَخِّرًا إذَا كَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّقْيِيدِ مُفِيدٌ وَلَوْ نَهَاهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْدِ ، لَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ ؛ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ الْمُتَرَاخِيَ إبْطَالٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ ، كَالتَّخْصِيصِ الْمُتَرَاخِي عَنْ النَّصِّ الْعَامِّ عِنْدَ بَعْضِ

مَشَايِخِنَا ، حَتَّى جَعَلُوهُ فَسْخًا لَا بَيَانًا ، وَإِذَا كَانَ إبْطَالًا لَا يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ كَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ بِالْعَزْلِ ، ثُمَّ إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ ، خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَصَارَ ثَمَنُهُ هُوَ الرَّهْنَ ؛ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ ، حَتَّى لَوْ تَوِيَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيُهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ بَلْ يُنْظَر إلَى الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ ؛ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ انْتَقَلَ إلَى الثَّمَنِ ، وَخَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ ، ثُمَّ إنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ ، قَضَى دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ مِنْهُ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ ، بَاعَ الثَّمَنَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَقَضَى الدَّيْنَ مِنْهُ ؛ ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِهِ يَكُونُ وَلَوْ بَاعَ الْعَدْل الرَّهْن ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فِي يَد الْمُشْتَرِي ، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْعَدْلِ ؛ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِي بَابِ الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ ، وَالْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مَا أَوْفَاهُ مِنْ الثَّمَنِ وَعَادَ دَيْنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الرَّاهِنِ وَسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ مَا قَبَضَ .
( أَمَّا ) وِلَايَةُ اسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ؛ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ بَطَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَصِحَّ ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ ، وَإِذَا اسْتَرَدَّهُ ، عَادَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ .
( وَأَمَّا ) الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ ، سَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ مَا قَبَضَهُ ؛ ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ قَبْضُهُ ، هَذَا إذَا سَلَّمَ الثَّمَنَ

إلَى الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنْ كَانَ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ بِالْبَيْعِ عَامِلٌ لَهُ ، فَكَانَ عُهْدَةُ عَمَلِهِ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ لَا عَلَى غَيْرِهِ ، إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، فَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ فَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ .
وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الرَّهْنَ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْبَيْعِ وَأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ ، وَالْعَاقِدُ هُوَ الْعَدْلُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَاهُ ، وَالْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إنْ كَانَ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ إنْ كَانَ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَيْهِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ أَمَّا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ فَلِأَنَّهُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، فَقَدْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ وَعَادَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَعَادَ الرَّهْنُ الْمَرْدُودُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ .
( وَأَمَّا ) الرُّجُوعُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ فَلِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعُهْدَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ لَمْ يُعْطِ الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ فَإِنْ رَدَّ الْعَدْلُ مَا قَبْضَ مِنْ الثَّمَنِ ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَضَمِنَ فِي مَالِهِ ، يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الرَّاهِنِ خَاصَّةً دُونَ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَيَكُونُ الْمَرْدُودُ رَهْنًا كَمَا كَانَ ، هَذَا إذَا كَانَ بَيْعُ الْعَدْلِ بِتَسْلِيطٍ مَشْرُوطٍ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِتَسْلِيطٍ وُجِدَ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ الرَّهْنِ ، فَإِنَّ الْعَدْلَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الرَّاهِنِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، سَوَاءٌ

قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ؛ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ ، وَعُهْدَةُ الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي الْأَصْلِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ ، فَكَانَ عُهْدَةُ عَمَلِهِ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنَّ التَّسْلِيطَ إذَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ ، يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ ، جَازَ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِيهِ ، لَمْ يَثْبُتْ التَّعْلِيقُ فَبَقِيَ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ، وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الزَّوَائِدَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ تَبَعًا لِلْأَصْلِ ؛ لِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِيهَا ، وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ تَبَعًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا كَمَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَصْلَ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَدْفُوعُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ بِأَنْ قَتَلَ الرَّهْنِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَدُفِعَ بِهِ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّ الثَّانِي قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا ، فَصَارَ كَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ ، وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْبَيْعِ ، وَإِذَا امْتَنَعَ ، لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّهْنِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُ .
وَلَوْ امْتَنَعَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الرَّهْنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ تَوْكِيلًا مَحْضًا بِالْبَيْعِ ، فَأَشْبَهَ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ، وَإِذَا كَانَ مَشْرُوطًا فِيهِ كَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَنْ يَصْلُحُ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ : فَالْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ، حَتَّى لَوْ رَهَنَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَلَى يَدِ مَوْلَاهُ ، لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَالْعَبْدُ يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ مَوْلَاهُ ، حَتَّى لَوْ رَهَنَ إنْسَانٌ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَضَعَ فِي يَدِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ، يَصِحُّ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَيَصِيرُ الْعَدْلُ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ، وَالْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ وَكِيلَ الْأَجْنَبِيِّ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ ، وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ عَبْدِهِ عَمَلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ فَرَاغِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ عَنْ شَغْلِ الدَّيْنِ ، وَالْعَبْدُ يَصْلُحُ وَكِيلَ الْأَجْنَبِيِّ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْلَاهُ ؛ لِذَلِكَ افْتَرَقَا .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَوْلَى يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ مُكَاتَبِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ يَدًا ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيًّا عَمَّا فِي يَدِ الْآخَرِ ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ الْكَفِيلِ ، وَكَذَا الْكَفِيلُ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ ، أَمَّا الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَبِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ .
( وَأَمَّا ) الْكَفِيلُ فَبِتَخْلِيصِ نَفَسِهِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ ، وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ صَاحِبِهِ بِدَيْنِ التِّجَارَةِ ؛ ؛ لِأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُ صَاحِبِهِ ، فَكَانَ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ ؛ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ خُرُوجُ الرَّهْنِ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ ، وَإِنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ الرَّهْنِ ، وَكَذَا أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ فِي

التِّجَارَةِ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ صَاحِبِهِ بِدَيْنِ التِّجَارَةِ ؛ لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا ؛ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فِي غَيْرِ دَيْنِ التِّجَارَةِ ، فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ كَيَدِ صَاحِبِهِ فَوُجِدَ خُرُوجُ الرَّهْنِ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ .
وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ الْمُضَارِبِ وَلَا الْمُضَارِبُ فِي رَهْنِ رَبِّ الْمَالِ ، حَتَّى لَوْ رَهَنَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِدَيْنٍ فِي الْمُضَارَبَةِ ، عَلَى أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِ رَبِّ الْمَالِ ، أَوْ رَهَنَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِ الْمُضَارِبِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ ؛ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُضَارِبِ يَدٌ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَعَمَلُ رَبِّ الْمَالِ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ ؛ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ خُرُوجُ الرَّهْنِ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ ؛ فَلَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ وَالْأَبُ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِهِ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَى لِلصَّغِيرِ ، بِأَنْ اشْتَرَى الْأَبُ لِلصَّغِيرِ شَيْئًا ، وَرَهَنَ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَى لَهُ عَلَى أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِ نَفَسِهِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ ؛ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ عَلَى أَنْ يَضَعَهُ فِي يَدِ نَفَسِهِ ، فَقَدْ شَرَطَ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ الرَّهْنُ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ ، وَإِنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ ؛ فَيَفْسُدُ الرَّهْنُ ، وَهَلْ يَصْلُحُ الرَّاهِنُ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ ؟ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لَمْ يُقْبَضْ مِنْ يَدِهِ بَعْدُ ، لَا يَصْلُحُ ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ، فَسَدَ الْعَقْدُ ؛ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ إلَّا بِخُرُوجِ الرَّهْنِ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ ، فَكَانَ شَرْطُ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَفْسُدُ الرَّهْنُ ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ، جَازَ بَيْعُهُ ؛ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ بِالْقَبْضِ ، وَالْبَيْعُ تَصَرُّفٌ مِنْ الرَّاهِنِ فِي مِلْكِهِ ، فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ هُوَ النَّفَاذَ ، وَالتَّوَقُّفُ

كَانَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا رَضِيَ بِهِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْعَدْلُ وَيَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَمَا لَا يَنْعَزِلُ ، فَنَقُولُ : التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ .
فَإِنْ كَانَ فِي الْعَقْدِ فَعَزَلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ ؛ لَا يَنْعَزِلُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْعَقْدِ ، فَكَانَتْ لَازِمَةً بِالْعَقْدِ ، فَلَا يَنْفَرِدُ الرَّاهِنُ بِفَسْخِهَا كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ ، وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَكَالَةَ الثَّابِتَةَ فِي الْعَقْدِ مِنْ تَوَابِعِ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْدِ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَهُ ، وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْعَقْدِ تَوْكِيلٌ مُبْتَدَأٌ ، فَيَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَمَوْتِهِ وَسَائِرِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّسْلِيطَ الطَّارِئَ عَلَى الْعَقْدِ وَالْمُقَارِنَ إيَّاهُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ فَيَصِيرُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْعَقْدِ حَقِيقَةً ، وَجَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا تَقْدِيرًا ؛ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْعَدْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ فِي الْعَقْدِ ، وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تُورَثُ ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ رَضِيَ بِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ لَكِنْ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ ، وَيُوضَعُ الرَّهْنُ فِي يَدِ عَدْلٍ آخَرَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ جَازَ الْوَضْعُ فِي

يَدِ الْأَوَّلِ فِي الِابْتِدَاءِ بِتَرَاضِيهِمَا ، فَكَذَا فِي يَدِ الثَّانِي فِي الِانْتِهَاءِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ نَصَّبَ الْقَاضِي عَدْلًا وَوَضَعَ الرَّهْنَ عَلَى يَدِهِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ ، وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الرَّاهِنُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ سَلَّطَ الْأَوَّلَ لَا الثَّانِيَ .
وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ نَفَقَةُ الرَّاهِنِ أَنَّهَا عَلَى الرَّاهِنِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْيَدِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ إذَا عُرِفَ هَذَا ، فَنَقُولُ : الرَّهْنُ إذَا كَانَ رَقِيقًا فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَكَفَنُهُ عَلَيْهِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً فَالْعَلَفُ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ بُسْتَانًا فَسَقْيُهُ وَتَلْقِيحُ نَخْلِهِ وَجِدَادُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ ، وَمُؤْنَاتُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَالِكِ ، وَالْمِلْكُ لِلرَّاهِنِ فَكَانَتْ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ .
( وَأَمَّا ) الْعُشْرُ : فَفِي الْخَارِجِ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي ، بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الرَّهْنِ شَائِعًا ، أَنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ أَنَّ الْفَسَادَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِمَكَانِ الشُّيُوعِ ، وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ لَمْ يَصِحَّ ، وَالْبَاقِي شَائِعٌ وَالشِّيَاعُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي الْخَارِجِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ ، فَكَانَ الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ إخْرَاجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ ، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ

مَعْنَى الشُّيُوعِ فَهُوَ الْفَرْقُ .
وَلَوْ كَانَ فِي الرَّهْنِ نَمَاءٌ فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَ النَّفَقَةَ ، الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا عَلَيْهِ ، فِي نَمَاءِ الرَّهْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ زَوَائِدَ الْمَرْهُونِ مَرْهُونَةٌ عِنْدَنَا تَبَعًا لِلْأَصْلِ ، فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْفَاقَ مِنْهَا ، كَمَا لَا يَمْلِكُ الْإِنْفَاقَ مِنْ الْأَصْلِ ، وَالْحِفْظُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِهِ فَحَفِظَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الرَّهْنِ عَلَيْهِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِإِتْيَانِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْمُودِعِ إذَا شَرَطَ لِلْمُودَعِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ أَنَّ لَهُ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ؛ فَجَازَ شَرْطُ الْأَجْرِ ، وَأُجْرَةُ الْحَافِظِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِ .
وَكَذَا أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ وَالْمَأْوَى ؛ لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كِرَاءَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ ، وَجُعْلُهُ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ ، وَجُعْلُ الْآبِقِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً أَوْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ فَالْجُعْلُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَبِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِكَوْنِ الْمَرْهُونِ مَضْمُونًا وَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ فَانْقَسَمَ الْجُعْلُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمَسْكَنِ أَنَّهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ خَاصَّةً ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِكَوْنِهَا مُؤْنَةَ الْحِفْظِ ، وَكُلُّ الْمَرْهُونِ مَحْفُوظٌ بِحِفْظِهِ فَكَانَ كُلُّ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْجُعْلُ فَإِنَّمَا لَزِمَهُ ؛ لِكَوْنِ الْمَرْدُودِ مَضْمُونًا

وَالْمَضْمُونُ بَعْضُهُ لَا كُلُّهُ ، فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّمَانِ وَالْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ ، وَالدَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ الرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ جُعْلِ الْآبِقِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ ، وَكَذَلِكَ مُدَاوَاةُ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ وَالْأَمْرَاضِ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُدَاوَاةَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ بَابِ إحْيَاءِ حَقِّهِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الرَّاهِنِ فَأَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَأَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَهُوَ مَقْطُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْهَلَاكِ ، وَالْإِذْنُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى وَجْهٍ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا أَنْفَقَ طَرِيقُ صِيَانَةِ الْمَالَيْنِ ، وَكَذَا إذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ بِالْإِنْفَاقِ .
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ كَانَ غَائِبًا فَأَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الْقَاضِي ، يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَرْجِعُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَلِي عَلَيْهِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ وَسَتَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجْرِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ زَوَائِدُ الرَّهْنِ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ عِنْدَنَا .

وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي زَوَائِدِ الرَّهْنِ أَنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : زِيَادَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ ، وَلَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ ، كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ، وَزِيَادَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ ، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ ، أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْأَصْلِ ، كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْأُولَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ بِنَفْسِهَا ، وَلَا هِيَ بَدَلُ الْمَرْهُونَةِ وَلَا جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهُ ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الرَّهْنِ ، وَاخْتُلِفَ فِي الزِّيَادَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : إنَّهَا مَرْهُونَةٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلرَّهْنِ عِنْدَهُ هُوَ كَوْنُ الْمُرْتَهِنِ أَخَصَّ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ ، وَأَحَقَّ بِثَمَنِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ، فَقَبْلَ الْبَيْعِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ ؛ فَأَشْبَهَ وَلَدَ الْجَارِيَةِ إذَا جَنَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ ، أَنَّ حُكْمَ الْجِنَايَةِ لَا يَثْبُتُ فِي وَلَدِهَا ؛ لِمَا أَنَّ حُكْمَ جِنَايَةِ الْأُمِّ هُوَ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنًى ثَابِتٍ فِي الْأُمِّ فَلَمْ يَسْرِ إلَى الْوَلَدِ كَذَا هَذَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَرْهُونَةً أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ .
وَلَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً ؛ لَكَانَتْ مَضْمُونَةً كَالْأَصْلِ ، وَعِنْدَنَا حَقُّ الْحَبْسِ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ لِلرَّهْنِ أَيْضًا وَهَذَا الْحَقُّ ثَابِتٌ فِي الْأُمِّ فَيَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ ؛ لِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَصْلِ فَكَانَتْ مَرْهُونَةً تَبَعًا لَا أَصْلًا ، كَوَلَدِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ مَبِيعٌ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَكِنْ تَبَعًا لَا أَصْلًا ، فَلَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ ؛ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ ، فَكَذَا الْمَرْهُونُ تَبَعًا لَا يَكُونُ لَهُ

حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ ؛ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَرْهُونَةً عِنْدَنَا ، كَانَتْ مَحْبُوسَةً مَعَ الْأَصْلِ بِكُلِّ الدَّيْنِ ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْتَكَّ أَحَدَهُمَا إلَّا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ ، وَالْمَرْهُونُ مَحْبُوسٌ كُلُّهُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بَقَائِهَا إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، لَكِنْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ ، وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّهْنِ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا ، كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُمَا جَمِيعًا بِالدَّيْنِ ، وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَقْبِضْ جَمِيعَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ ، وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، إلَّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْأَصْلِيِّ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ ؛ يَهْلِكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الرَّهْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّيَادَتَيْنِ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ هَذَا الْحُكْمِ فَنَوْعَانِ : الْأَوَّلُ أَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَ بِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ بِدَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهَذَا الدَّيْنِ لَا بِدَيْنٍ آخَرَ ، فَلَا يَمْلِكُ حَبْسَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ لَا رَهْنَ بِهِ .
وَالثَّانِي أَنَّ الْمَرْهُونَ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَ بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ ، حَتَّى لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ بَعْضَ الدَّيْنِ ، كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا بَقِيَ ، قَلَّ الْبَاقِي أَوْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي حَقِّ مِلْكِ الْحَبْسِ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ ، فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَقِيَ مَحْبُوسًا بِهِ ، كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا كَانَ مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَقِيَ مَحْبُوسًا بِهِ كَذَا هَذَا ؛ وَلِأَنَّ صَفْقَةَ الرَّهْنِ وَاحِدَةٌ فَاسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْ الْمَرْهُونِ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرْهُونُ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ ، لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ الَّذِي رَهَنَ بِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ رَهَنَ مِائَةَ شَاةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، عَلَى أَنَّ كُلَّ شَاةٍ مِنْهُمْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، فَأَدَّى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ شَاةً .
ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَمَّا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنًا

مُتَفَرِّقًا ؛ أَوْجَبَ ذَلِكَ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى الْكُلِّ إضَافَةً وَاحِدَةً ، إلَّا أَنَّهُ تَفَرَّقَتْ التَّسْمِيَةُ ، وَتَفْرِيقُ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ ، كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا اشْتَمَلَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى أَشْيَاءَ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ كُلِّهَا إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ ، وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ كَذَا هَذَا .

( وَأَمَّا ) الْحُكْمُ الثَّانِي : وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ لَهُ ، وَاخْتِصَاصُهُ بِثَمَنِهِ ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : إذَا بِيعَ الرَّهْنُ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ أُخَرُ ، فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ بِعَقْدِ الرَّهْنِ ثَبَتَ لَهُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَرْهُونِ ؛ فَيَثْبُتُ لَهُ الِاخْتِصَاصُ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِهِ ، فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ ؛ إنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الدَّيْنِ ، يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ بِفَضْلِ الدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا حُبِسَ الثَّمَنُ إلَى وَقْتِ حُلُولِ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ مَرْهُونًا ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ ، صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، يَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ كُلَّهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ الرَّهْنُ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّاهِنِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَخْلُفْ مَالًا آخَرَ سِوَى الرَّهْنِ ، كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِثَمَنِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ ، يُضَمُّ الْفَضْلُ إلَى مَالِ الرَّاهِنِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْفَضْلِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الدَّيْنِ ، يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ فِي مَالِ الرَّاهِنِ ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْفَضْلِ مِنْ الدَّيْنِ دَيْنٌ لَا رَهْنَ بِهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْغُرَمَاءُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ دَيْنٌ آخَرُ ، كَانَ الْمُرْتَهِنُ فِيهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ لَا رَهْنَ بِهِ فَيَتَضَارَبُ فِيهِ الْغُرَمَاءُ كُلُّهُمْ .

( وَأَمَّا ) الْحُكْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الِافْتِكَاكِ ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَعْرِفَةُ وَقْتِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَنَقُولُ : وَقْتُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ مَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، يَقْضِي الدَّيْنَ أَوَّلًا ثُمَّ يُسَلِّمُ الرَّهْنَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ ، وَفِي تَقْدِيمِ تَسْلِيمِهِ إبْطَالُ الْوَثِيقَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الرَّهْنَ أَوَّلًا فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَمُوتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ ، فَلَزِمَ تَقْدِيمُ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ ، إلَّا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا طَلَبَ الدَّيْنَ ، يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا وَيُقَالُ لَهُ : أَحْضِرْ الرَّهْنَ ؛ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِحْضَارِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ زَائِدٍ ، ثُمَّ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خُوطِبَ بِقَضَائِهِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ الرَّهْنِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الرَّهْنَ قَدْ هَلَكَ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ فَيُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيفَاءِ مَرَّتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا ؛ إذَا كَانَ دَيْنًا ، ثُمَّ يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ، إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا طَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ ، يُقَالُ لَهُ : أَحْضِرْ الْمَبِيعَ ؛ لِجَوَازِ أَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ هَلَكَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَيْنُ الرَّهْنِ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ بَدَلُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْبَدَلُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ ، نَحْوُ مَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ فَبَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ قُتِلَ الرَّهْنُ خَطَأً ، وَقُضِيَ بِالدِّيَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ ، فَطَالَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ لَا يَدْفَعَ حَتَّى يُحْضِرَهُ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَكَانَ الْمُبْدَلُ قَائِمًا .
وَلَوْ كَانَ قَائِمًا ، كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَا لَمْ يُحْضِرْهُ

الْمُرْتَهِنُ فَكَذَلِكَ إذَا قَامَ الْبَدَلُ مَقَامَهُ .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَجَعَلَا لِلْعَدْلِ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ أَحَبَّ وَقَدْ وَضَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ ، فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى سَبِيلِ التَّضْيِيقِ ، إلَّا أَنَّهُ رُخِّصَ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى غَايَةِ إحْضَارِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِحْضَارِ ، وَهُنَا لَا قُدْرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى إحْضَارِهِ ؛ لِأَنَّ لِلْعَدْلِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ .
وَلَوْ أُخِذَ مِنْ يَدِهِ جَبْرًا ، كَانَ غَاصِبًا وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : كَيْفَ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ شَيْءٍ لَوْ أَخَذَهُ كَانَ غَاصِبًا ؟ وَإِذَا سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْإِحْضَارِ ، زَالَتْ الرُّخْصَةُ فَيُخَاطَبُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ ، فَغَابَ الْعَدْلُ بِالرَّهْنِ وَلَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ ، لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالْتَقَيَا فِي بَلَدٍ آخَرَ ، فَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّضْيِيقِ وَالتَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ الْإِحْضَارِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِحْضَارِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ زَائِدٍ ، وَالْمُرْتَهِنُ هُنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِحْضَارِ إلَّا بِالْمُسَافَرَةِ بِالرَّهْنِ ، أَوْ بِنَقْلِهِ مِنْ مَكَانِ الْعَقْدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ فَسَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْإِحْضَارِ .
وَلَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَمْ يَهْلِكْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَانَ

قَائِمًا ، وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ بَقَاؤُهُ ، فَالْمُرْتَهِنُ يَسْتَصْحِبُ حَالَةَ الْقِيَامِ ، وَالرَّاهِنُ يَدَّعِي زَوَالَ تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْأَصْلَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ يَدَّعِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَيُحَلَّفُ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّهُ يُحَلَّفُ عَلَى فِعْلِ نَفَسِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ السَّابِقُ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ بَلْ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ وَذَلِكَ فِعْلُهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ عِنْدَ عَدْلٍ فَغَابَ بِالرَّهْنِ ؛ فَاخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ أَنَّ هُنَاكَ يُحَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَبْضُ الْعَدْلِ فَتَعَذَّرَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْبَتَاتِ فَيُحَلَّفُ عَلَى الْعِلْمِ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ أَوْفَى الدَّيْنَ وَكِيلُ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ ، أَنَّهُ يُحَلَّفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُجْبَرُ مَا لَمْ يُحْضِرْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إحْضَارِهِ ضَرَرٌ زَائِدٌ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ فِي الزِّيَادَاتِ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ حَتَّى لَقِيَهُ الْبَائِعُ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ الَّذِي وَقَعَ الْبَيْعُ فِيهِ ، فَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ وَأَبَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يُحْضِرَ الْمَبِيعَ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، فُرِّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقَةٌ ، وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ مَطْلُوبَةٌ عَادَةً

وَشَرِيعَةً ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مُطْلَقَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، فَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَرْهُونِ وَالْمَرْهُونِ بِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ فِي هَذَا الْحُكْمِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحَالِ هَلَاكِ الْمَرْهُونِ : فَالْمَرْهُونُ إذَا هَلَكَ ، لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَهْلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يَهْلِكَ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، فَإِنْ هَلَكَ بِنَفْسِهِ ، يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ عِنْدَنَا .
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا فِي بَيَانِ أَصْلِ الضَّمَانِ أَنَّهُ ثَابِتٌ أَمْ لَا ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الضَّمَانِ ، وَالثَّالِثُ فِي بَيَانِ قَدْرِ الضَّمَانِ وَكَيْفِيَّتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : إنَّ الْمَرْهُونَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَهْلِكُ أَمَانَةً احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، هُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ ، لَهُ غُنْمُهُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غُرْمَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ غُرْمُهُ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ، فَأَمَّا إذَا هَلَكَ مَضْمُونًا ، كَانَ غُرْمُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ سَقَطَ حَقُّهُ ، لَا عَلَى الرَّاهِنِ ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ ؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ شُرِعَ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْمَرْهُونِ ، لَكَانَ تَوْهِينًا لَا تَوْثِيقًا ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ تَعْرِيضُ الْحَقِّ لِلتَّلَفِ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الرَّهْنِ ، فَكَانَ تَوْهِينًا لِلْحَقِّ لَا تَوْثِيقًا لَهُ .
( وَلَنَا ) مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { : الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : الرِّهَانُ بِمَا فِيهَا } وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ بِدَيْنٍ عِنْدَ رَجُلٍ فَرَسًا بِحَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ ، فَنَفَقَ الْفَرَسُ عِنْدَهُ ؛ فَطَالَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ ، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { ذَهَبَ حَقُّكَ } ؛ وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ جُعِلَ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ، فَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ ثَانِيًا كَمَا إذَا اسْتَوْفَى بِالْفِكَاكِ ، وَتَقْرِيرُ مَعْنَى الِاسْتِيفَاءِ فِي الرَّهْنِ ذَكَرْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } أَيْ لَا يَهْلِكُ ، إذْ الْغَلْقُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْهَلَاكِ ، كَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالدَّيْنِ ؛ فَلَا يَكُونُ هَالِكًا مَعْنًى ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَيْ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الرَّاهِنِ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَهَذَا كَانَ حُكْمًا جَاهِلِيًّا ، جَاءَ الْإِسْلَامُ فَأَبْطَلَهُ ، وَقَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ ، أَيْ نَفَقَتُهُ وَكَنَفُهُ ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ : إنَّهُ وَثِيقَةٌ ، قُلْنَا : مَعْنَى التَّوْثِيقِ فِي الرَّهْنِ هُوَ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ فِي أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مُطْلَقِ مَالِهِ ، وَبَعْدَ الرَّهْنِ حَدَثَتْ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقَضَاءِ مِنْ مَالِهِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الرَّهْنُ بِوَاسِطَةِ الْبَيْعِ فَازْدَادَ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ ؛ فَحَصَلَ مَعْنَى التَّوْثِيقِ .

( فَصْلٌ ) : ( وَأَمَّا ) شَرَائِطُ كَوْنِهِ مَضْمُونًا عِنْدَ الْهَلَاكِ فَأَنْوَاعٌ : مِنْهَا قِيَامُ الدَّيْنِ ، حَتَّى لَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ أَمَانَةً وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَنْعُ الرَّهْنِ مِنْ الرَّاهِنِ عِنْدَ طَلَبِهِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُضْمَنَ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ .
وَلَوْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ، يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَلُ مَا اسْتَوْفَى ، وَزُفَرُ سَوَّى بَيْنَ الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ ، وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ ، وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ ، ثُمَّ أَبْرَأَ عَنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ .
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُضْمَنُ كَذَا هَذَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْهُونَ لَمَّا صَارَ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ ؛ يَبْقَى الضَّمَانُ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَقَدْ بَقِيَ ؛ لِانْعِدَامِ مَا يَنْقُضُهُ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ يَسْتَدْعِي قِيَامَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُوَ ضَمَانُ الدَّيْنِ ، وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِبْرَاءِ ؛ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَبْقَى مَضْمُونًا بِهِ ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : إنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : نَعَمْ ؛ إذَا كَانَ الدَّيْنُ قَائِمًا ، فَإِذَا سَقَطَ بِالْإِبْرَاءِ ، لَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِيفَاءُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَائِمٌ وَالضَّمَانَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، فَيَبْقَى مَا بَقِيَ الْقَبْضُ ، مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ ، وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ بَلْ يُقَرِّرُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ ؛

لِأَنَّهُ مُسْقِطٌ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ فَلَا يَبْقَى الضَّمَانُ ، فَهُوَ الْفَرْقُ ، هَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّهْنِ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ طَلَبِهِ ، فَإِنْ وُجِدَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ، ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ ، وَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ .
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا رَهْنًا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي سَقَطَ بِالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْفِيَةً لِذَلِكَ النِّصْفِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ؛ لِسُقُوطِهِ بِالطَّلَاقِ فَلَمْ يَبْقَ الْقَبْضُ مَضْمُونًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَتْ بِالصَّدَاقِ رَهْنًا ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى سَقَطَ الصَّدَاقُ ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَمَّا سَقَطَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَبْقَ الْقَبْضُ مَضْمُونًا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ الصَّدَاقِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى حَتَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَأَخَذَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَهْنًا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُتْعَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالْمُتْعَةِ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَنْعٌ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَالْمُتْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى الزَّوْجِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ بِالْمُتْعَةِ .
وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ هَلْ يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ ؟ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ ، وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ ؛ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّهْنَ بِالشَّيْءِ رَهْنٌ بِبَدَلِهِ فِي الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هُوَ ؛ لِهَذَا كَانَ الرَّهْنُ

بِالْمَغْصُوبِ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ عِنْدَ هَلَاكِهِ ، وَالرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ ، وَالْمُتْعَةُ بَدَلٌ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَهَذَا حَدُّ الْبَدَلِ فِي أَصْلِ الشُّيُوعِ ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُتْعَةَ وَجَبَتْ أَصْلًا بِنَفْسِهَا لَا بَدَلًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ لِوُجُوبِهَا ابْتِدَاءً ، كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ لِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالطَّلَاقِ زَالَ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ وَبَقِيَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الطَّلَاقُ شَرْطَ عَمَلِ السَّبَبِ ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا بَدَلًا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُعَلَّقَةِ بِالشُّرُوطِ .
وَلَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا ثُمَّ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ ، كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِرَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ بَدَلٌ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ، يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حِينَ وُجُودِهِ وَقَعَ مَضْمُونًا بِالطَّعَامِ وَبِالْإِقَالَةِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ بَدَلَهُ قَائِمٌ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فَيَبْقَى الْقَبْضُ مَضْمُونًا عَلَى مَا كَانَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، أَنَّهُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ سَقَطَ أَصْلًا وَرَأْسًا ، فَخَرَجَ الْقَبْضُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَفَاسَخَا ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِس الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ ، وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَذَا الْمُشْتَرِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْبَائِعَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْبِضَ

الْمَبِيعَ كَمَا فِي السَّلَمِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ هَلَاكُ الْمَرْهُونِ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ بَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ إنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ قَبْضِ الرَّهْنِ ، لَمْ يَبْقَ مَضْمُونًا وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا غَصَبَ الرَّهْنَ غَاصِبٌ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ، أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْغَصْبِ أَبْطَلَ قَبْضَ الرَّهْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَقْدَ الرَّهْنِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَ الْغَاصِبِ فَيَرُدَّهُ إلَى الرَّهْنِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَهَلَكَ ، أَنَّهُ إنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الِانْتِفَاعِ أَوْ بَعْدَ مَا فَرَغَ عَنْهُ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي حَالِ الِانْتِفَاعِ ، يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الِانْتِفَاعِ عَلَى حُكْمِ قَبْضِ الرَّهْنِ لِانْعِدَامِ مَا يَنْقُضُهُ وَهُوَ قَبْضُ الِانْتِفَاعِ ، وَإِذَا أَخَذَ فِي الِانْتِفَاعِ ، فَقَدْ نَقَضَهُ ؛ لِوُجُودِ قَبْضِ الْإِعَارَةِ ، وَقَبْضُ الْإِعَارَةِ يُنَافِي قَبْضَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ ، وَقَبْضُ الرَّهْنِ قَبْضُ ضَمَانٍ ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، فَقَدْ انْتَهَى قَبْضُ الْإِعَارَةِ فَعَادَ قَبْضُ الرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْمَرْهُونِ ، فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ .
وَلَوْ اسْتَعَارَهُ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَقَبَضَهُ ، خَرَجَ عَنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ، يَهْلِكُ أَمَانَةً وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ الْعَارِيَّةِ وَإِنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَيُنَافِي قَبْضَ الضَّمَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ بِالِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ الرَّاهِنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ

الرَّاهِنِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَعِيرِ فَالْمَرْهُونُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا يَخْرُجُ عَنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الضَّمَانِ لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ الْعَقْدِ كَزَوَائِدِ الرَّهْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ جَارِيَةً فَاسْتَعَارَهَا الرَّاهِنُ فَوَلَدَتْ فِي يَدِهِ وَلَدًا فَالْوَلَدُ رَهْنٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَرْهُونٌ لِقِيَامِ عَقْدِ الرَّهْنِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ قَبْل أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الْوَلَدَ ، فَالدَّيْنُ قَائِمٌ وَالْوَلَدُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَإِنْ فَاتَ ، فَالْعَقْدُ قَائِمٌ ، وَفَوَاتُ الضَّمَانِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْأُمِّ ، صَارَ الْوَلَدُ مَرْهُونًا تَبَعًا لِلْأُمِّ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ هَذِهِ الِابْنَةُ وَلَدًا ، فَإِنَّهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ ، وَإِنْ مَاتَا ، لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَهَلَكَ الْوَلَدُ ، لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً وَلَا يَفْتَكُّ الرَّاهِنُ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمَالَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا جَمِيعًا فِي الْعَقْدِ فَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ التَّفْرِيقَ .
وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِقِيَامِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَإِنْ بَطَلَ الضَّمَانُ ، كَمَا فِي وَلَدِ الرَّهْنِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَمَانٌ .

وَلَوْ أَعَارَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَذِنَ لَهُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فَجَاءَ يَفْتَكُّ الرَّهْنَ وَهُوَ ثَوْبٌ وَبِهِ خَرْقٌ فَاخْتَلَفَا ، فَقَالَ الرَّاهِنُ : حَدَثَ هَذَا فِي يَدِكَ قَبْلَ اللُّبْسِ أَوْ بَعْدَ مَا لَبِسْته وَرَدَدْته إلَى الرَّهْنِ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا بَلْ حَدَثَ هَذَا فِي حَالِ اللُّبْسِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى اللُّبْسِ ؛ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ ، فَالرَّاهِنُ يَدَّعِي عَوْدَهُ إلَى الضَّمَانِ ، وَالْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، هَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى اللُّبْسِ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ ، فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ اللُّبْسِ فَقَالَ الرَّاهِنُ : لَمْ أَلْبَسْهُ وَلَكِنَّهُ تَخَرَّقَ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَبِسْتَهُ فَتَخَرَّقَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ ، فَالْمُرْتَهِنُ بِدَعْوَاهُ اللُّبْسَ يَدَّعِي الْخُرُوجَ مِنْ الضَّمَانِ وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُ ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَإِنْ أَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَخَرَّقَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ، وَأَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَخَرَّقَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ مُثْبِتَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الِاسْتِيفَاءَ ، وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي الِاسْتِيفَاءَ ، فَالْمُثْبِتَةُ أَوْلَى .
( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَقْصُودًا فَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الرَّهْنِ - أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالْعُقْرِ وَنَحْوِهَا - مَضْمُونًا إلَّا الْأَرْشَ خَاصَّةً حَتَّى لَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا الْأَرْشَ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ ، تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِمَرْهُونٍ مَقْصُودًا بَلْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ كَوَلَدِ الْمَبِيعِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا ، وَالْمَرْهُونُ تَبَعًا لَا

حِصَّةَ لَهُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ كَمَا أَنَّ الْمَبِيعَ تَبَعًا لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ مَرْهُونٌ ، وَبَدَلُ الشَّيْءِ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هُوَ ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ مَضْمُونٌ فَكَذَا بَدَلُهُ ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ ، وَبِخِلَافِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرَّهْنِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا صَحَّتْ الْتَحَقَتْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ ، عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ ، يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَصْلِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَهُوَ اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَا يَصِيرُ عَقْدًا شَرْعًا إلَّا عِنْدَ الْقَبْضِ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْفِكَاكِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ ؛ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا يَصِيرُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ بِالْفِكَاكِ ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لِلْحَالِ لَيْسَتْ قِسْمَةً حَقِيقِيَّةً بَلْ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ، حَتَّى تَتَغَيَّرَ بِتَغَيُّرِ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ وَالْبَدَنُ وَالْقِسْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَقْتَ الْفِكَاكِ ، وَلَا تَتَغَيَّرُ الْقِسْمَةُ بِتَغَيُّرِ قِيمَةِ الْأَصْلِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي السِّعْرِ أَوْ فِي الْبَدَنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَخَلَ فِي الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَا يَتَغَيَّرُ الضَّمَانُ ، وَالْوَلَدُ إنَّمَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الضَّمَانِ بِالْفِكَاكِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْفِكَاكِ .
وَشَرْحُ هَذِهِ

الْجُمْلَةِ : إذَا رَهَنَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَإِنَّ الدَّيْنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ نِصْفَيْنِ ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ ، سَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا بِالنِّصْفِ الْبَاقِي ، يَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِهِ إنْ بَقِيَ إلَى وَقْتِ الِافْتِكَاكِ ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ ، هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَعَادَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْأُمِّ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمَّ هَلَكَتْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ لَكِنْ تَغَيَّرَتْ قِيمَتُهُ إلَى الزِّيَادَةِ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بَطَلَتْ قِسْمَةُ الْإِنْصَافِ وَصَارَتْ الْقِسْمَةُ أَثْلَاثًا ، ثُلُثَا الدَّيْنِ فِي الْوَلَدِ ، وَالثُّلُثُ فِي الْأُمِّ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمَّ هَلَكَتْ بِثُلُثِ الدَّيْنِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا بِالثُّلُثَيْنِ ، فَإِنْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَصَارَ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافٍ بَطَلَتْ قِسْمَةُ الْأَثْلَاثِ وَصَارَتْ الْقِسْمَةُ أَرْبَاعًا ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ فِي الْوَلَدِ ، وَرُبُعٌ فِي الْأُمِّ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمَّ هَلَكَتْ بِرُبُعِ الدَّيْنِ ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ .
وَلَوْ تَغَيَّرَتْ قِيمَتُهُ إلَى النُّقْصَانِ فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ بَطَلَتْ قِسْمَةُ الْأَرْبَاعِ وَصَارَتْ الْقِسْمَةُ أَثْلَاثًا ، ثُلُثَا الدَّيْنِ فِي الْأُمِّ ، وَالثُّلُثُ فِي الْوَلَدِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمَّ هَلَكَتْ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا بِالثُّلُثِ هَكَذَا عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وُلِدُوا مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا ؛ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى الْأُمِّ وَعَلَى الْأَوْلَادِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ ، لَكِنْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ ، وَقِيمَةُ الْأَوْلَادِ يَوْمَ الْفِكَاكِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي الْقِسْمَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَلَدِ ، حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ بِنْتًا ، وَوَلَدَتْ بِنْتُهَا وَلَدًا فَهُمَا

بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدَيْنِ ، حَتَّى يُقْسَمَ الدَّيْنُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَعَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ ، وَلَا يُقْسَمُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَعَلَى الْوَلَدِ الْأَصْلِيِّ ، ثُمَّ يُقْسَمُ بَاقِيهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الرَّهْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ حَتَّى يَتْبَعَهُ وَلَدُهُ ، فَكَأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ وَلَدَانِ .
وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ فِي السِّعْرِ أَوْ فِي الْبَدَنِ فَصَارَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهَا فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، وَالْوَلَدُ عَلَى حَالِهِ يُسَاوِي أَلْفًا فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَتَغَيَّرُ عَمَّا كَانَ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى حَالِهَا وَانْتَقَصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ أَوْ لِسِعْرٍ فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ صَارَ الدَّيْنُ فِيهِمَا أَثْلَاثًا ، الثُّلُثَانِ فِي الْأُمِّ ، وَالثُّلُثُ فِي الْوَلَدِ .
وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَثُلُثَا الدَّيْنِ فِي الْوَلَدِ ، وَالثُّلُثُ فِي الْأُمِّ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ ، يَبْقَى الْوَلَدُ رَهْنًا بِالثُّلُثَيْنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا دَخَلَ تَحْتَ الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَا تَتَغَيَّرُ الْقِسْمَةُ وَالْوَلَدُ إنَّمَا يَصِيرُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ بِالْفِكَاكِ ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْفِكَاكِ .
وَلَوْ اعْوَرَّتْ الْأُمُّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ كَانَتْ اعْوَرَّتْ قَبْلَهَا ، ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِعَوَرِهَا رُبُعُهُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ، وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ اعْوَرَّتْ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الِاعْوِرَارِ كَانَ فِيهِمَا نِصْفَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ ، فَإِذَا اعْوَرَّتْ وَالْعَيْنُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَذَهَبَ قَدْرُ مَا فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ نِصْفُ نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ رُبُعُ الْكُلِّ ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا بِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ ،

( فَأَمَّا ) إذَا اعْوَرَّتْ ثُمَّ وَلَدَتْ ، فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ : وَهُوَ أَنَّ قَبْلَ الِاعْوِرَارِ كَانَ كَأَنَّ كُلَّ الدَّيْنِ فِيهَا ، وَبِالِاعْوِرَارِ ذَهَبَ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ ، فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ النِّصْفُ الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْجَارِيَةِ الْعَوْرَاءِ وَعَلَى وَلَدِهَا أَثْلَاثًا ، الثُّلُثَانِ عَلَى الْوَلَدِ ، وَالثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ .
( وَالْجَوَابُ ) أَنَّ ذَهَابَ نِصْفِ الدَّيْنِ بِالِاعْوِرَارِ لَمْ يَكُنْ حَتْمًا بَلْ عَلَى التَّوَقُّفِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْوِلَادَةِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ ، تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَهَبَ بِالِاعْوِرَارِ إلَّا رُبُعُ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُجْعَلُ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ لَدَى الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهَا وَلَدَتْ ثُمَّ اعْوَرَّتْ .
وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ وَقَدْ اعْوَرَّتْ الْأُمُّ قَبْلَ الْوِلَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا ذَهَبَ نِصْفُ الدَّيْنِ بِالِاعْوِرَارِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا هَلَكَ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَعَادَتْ حِصَّتُهُ إلَى الْأُمِّ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمَّ كَانَتْ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، فَإِذَا اعْوَرَّتْ ذَهَبَ بِالِاعْوِرَارِ نِصْفُهُ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ .
وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَلَكِنَّهُ اعْوَرَّ وَلَمْ يَسْقُطْ بِاعْوِرَارِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ، لَا يَسْقُطُ ، فَإِذَا اعْوَرَّ أَوْلَى ، لَكِنَّ تِلْكَ الْقِسْمَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ تَتَغَيَّرُ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِتَغَيُّرِ قِيمَةِ الْوَلَدِ إلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ بِأَنْ رَهَنَ جَارِيَةً ثُمَّ زَادَ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مَقْصُودَةٌ ؛ لِوُرُودِ فِعْلِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا مَقْصُودًا ، فَكَانَتْ مَرْهُونَةً أَصْلًا لَا تَبَعًا فَكَانَتْ مَضْمُونَةً ، وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةِ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي كَيْفِيَّةِ الِانْقِسَامِ أَنَّ

الرَّاهِنَ لَا يَخْلُو ( إمَّا ) أَنْ زَادَ فِي الرَّهْنِ وَلَيْسَ فِي الرَّهْنِ نَمَاءٌ ، ( وَإِمَّا ) أَنْ كَانَ فِيهِ نَمَاءٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَمَاءٌ ، يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَزِيدِ عَلَيْهِ ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ كَانَ الدَّيْنُ فِيهِمَا نِصْفَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ خَمْسَمِائَةٍ ، كَانَ الدَّيْنُ فِيهِمَا أَثْلَاثًا ، الثُّلُثَانِ فِي الْعَبْدِ وَالثُّلُثُ فِي الْجَارِيَةِ ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ يَهْلِكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا ، إلَّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَوْمُ قَبْضِهِ ، وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ يَوْمُ قَبْضِهَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَغَيُّرُ قِيمَتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا دَخَلَ فِي الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِتَغَيُّرِ الْقِيمَةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ الْقِسْمَةُ ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ الرَّهْنِ وَهِيَ نَمَاؤُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ تَبَعًا لَا أَصْلًا ، وَالْمَرْهُونُ تَبَعًا لَا يَأْخُذُ حِصَّةً مِنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالْفِكَاكِ ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْفِكَاكِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ قَبْلَهُ مُحْتَمِلَةً لِلتَّغَيُّرِ .
وَلَوْ نَقَصَ الرَّهْنُ الْأَصْلِيُّ فِي يَدِهِ حَتَّى ذَهَبَ قَدْرُهُ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ زَادَهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ رَهْنًا آخَرَ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَةِ الْبَاقِي وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ ، نَحْوُ مَا إذَا رَهَنَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَاعْوَرَّتْ ، حَتَّى ذَهَبَ نِصْفُ الدَّيْنِ وَبَقِيَ النِّصْفُ ثُمَّ زَادَ الرَّاهِنُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ ؛ يُقْسَمُ النِّصْفُ الْبَاقِي عَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ عَوْرَاءَ ، وَعَلَى قِيمَةِ

الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ أَثْلَاثًا ، فَيَكُونُ ثُلُثَا هَذَا النِّصْفِ وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، فِي الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ وَالثُّلُثُ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فِي الْجَارِيَةِ ، فُرِّقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ وَزِيَادَةِ الرَّهْنِ وَهِيَ نَمَاؤُهُ بِأَنْ اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ ؛ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ صَحِيحَةً ، وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ نِصْفَيْنِ ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّ وَهُوَ النِّصْفُ ذَهَبَ بِالِاعْوِرَارِ نِصْفُهُ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فِي الْأُمِّ وَالْوَلَدِ ثُلُثَا ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ فِي الْوَلَدِ ، وَثُلُثُ ذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فِي الْأُمِّ ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الرَّهْنِ يَبْقَى الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ بَيْنَ الزِّيَادَتَيْنِ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّهْنِ ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ؛ لِكَوْنِهَا زِيَادَةً مَقْصُودَةً ؛ لِوُرُودِ فِعْلِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مَقْصُودًا فَيُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ ، وَلَمْ يَبْقَ وَقْتَ الزِّيَادَةِ إلَّا النِّصْفُ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ النِّصْفُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ مَقْصُودًا ؛ لِانْعِدَامِ وُجُودِ الرَّهْنِ فِيهَا مَقْصُودًا بَلْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ ؛ لِكَوْنِهَا مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَصْلِ ، كَأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِهِ فَتَصِيرُ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ ، فَكَانَ الثَّابِتُ فِي الْوَلَدِ غَيْرَ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْأُمِّ ، فَيُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ زَادَهُ

فِي الرَّهْنِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ الْخَمْسَمِائَةِ الْبَاقِيَةَ فَيُقْسَمُ عَلَى نِصْفِهِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ ، وَبَقِيَ أَلْفٌ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا فِي الْعَبْدِ وَثُلُثُهَا فِي الْجَارِيَةِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ ، هَلَكَ بِثُلْثَيْ الْخَمْسِمِائَةِ وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَلَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ هَلَكَتْ بِالثُّلُثِ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَرْهُونِ ، وَالْمَرْهُونُ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ ، وَالْمَحْبُوسُ بِالدَّيْنِ هُوَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ لَا كُلُّهَا ، وَلَمْ يَبْقَ نِصْفُ الدَّيْنِ ؛ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْضِيًّا فَالزِّيَادَةُ تَدْخُلُ فِي الْبَاقِي وَيَنْقَسِمُ الْبَاقِي عَلَى قِيمَةِ نِصْفِ الْجَارِيَةِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ أَثْلَاثًا .
وَلَوْ قَضَى خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ أَنْ يَزِيدَ الرَّهْنَ ثُمَّ زَادَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ قُسِمَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ عَلَى نِصْفِ الْجَارِيَةِ الْعَوْرَاءِ وَعَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ، أَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ ، وَسَهْمٌ فِي الْجَارِيَةِ الْعَوْرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى الرَّاهِنُ خَمْسَمِائَةٍ ؛ فَرَغَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ شَائِعًا مِنْ الدَّيْنِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْبَاقِي فِي نِصْفِهَا شَائِعًا وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَإِذَا اعْوَرَّتْ ، فَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَبَقِيَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ مِنْ الدَّيْنِ فِيمَا لَمْ يَذْهَبْ مِنْ نِصْفِ الْجَارِيَةِ ، فَإِذًا هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَلْحَقُ هَذَا الْقَدْرَ فَيُقْسَمُ هَذَا الْقَدْرُ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ أَخْمَاسًا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ فِي الزِّيَادَةِ وَخُمُسَهُ وَذَلِكَ خَمْسُونَ فِي الْأَصْلِ ، هَذَا إذَا زَادَ وَلَيْسَ فِي الرَّهْنِ نَمَاءٌ ، فَأَمَّا إذَا زَادَ وَفِيهِ نَمَاءٌ بِأَنْ رَهَنَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي

أَلْفًا ، ثُمَّ زَادَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَالرَّاهِنُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ زَادَ وَالْأُمُّ قَائِمَةٌ .
وَأَمَّا أَنْ زَادَ بَعْدَ مَا هَلَكَتْ الْأُمُّ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَزَادَ ، لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ جَعَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْوَلَدِ أَوْ عَلَى الْأُمِّ أَوْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ، أَوْ أَطْلَقَ الزِّيَادَةَ وَلَمْ يُسَمِّ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ الْأُمُّ أَوْ الْوَلَدُ ، فَإِنْ جَعَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْوَلَدِ فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْوَلَدِ خَاصَّةً وَلَا يَدْخُلُ فِي حِصَّةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُقُوعُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ ، وَقَدْ جَعَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ زِيَادَةً مَعَهُ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ أَوَّلًا عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَلَدُ يُقْسَمُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ وَهِيَ وَقْتُ قَبْضِهَا ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ فِي الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ .
وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ، بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ ، جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا وَرَأْسًا فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَزِيدٍ عَلَيْهِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَقَعْ رَهْنًا ، وَإِنْ جَعَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُمِّ ، فَهُوَ عَلَى مَا جَعَلَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَاشَرَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الزِّيَادَةَ لَوَقَعَتْ عَلَى الْأُمِّ فَعِنْدَ التَّقْيِيدِ وَالتَّنْصِيصِ أَوْلَى ، وَإِذَا وَقَعَتْ زِيَادَةٌ عَلَى الْأُمِّ جُعِلَ كَأَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَقِيمَةُ

الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّ يُقْسَمُ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا عَلَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ .
وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا ، فَالْحُكْمُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ لَا تَتَغَيَّرُ ، وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ أَوَّلًا عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّ يُقْسَمُ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا فَتُعْتَبَرُ زِيَادَةُ الْوَلَدِ فِي حَقِّ الْأُمِّ وَلَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ ، سَوَاءٌ زَادَ بَعْدَ حُدُوثِ الْوَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَلَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ، ذَهَبَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ وَالزِّيَادَةُ بِمَا فِيهِمَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ أَنَّهَا تَبْطُلُ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْأُمِّ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ بَلْ يَتَنَاهَى وَيَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ ، فَهَلَاكُهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ ، الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ مِنْ الْأَصْلِ وَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَصِحَّ رَهْنًا .
وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ، ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا هَلَكَ ، جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَجُعِلَ كَأَنَّ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ وَلَا بُدَّ لِلْجَارِيَةِ ، كَذَلِكَ وَإِنْ جَعَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ جَمِيعًا فَالْعَبْدُ زِيَادَةٌ عَلَى الْأُمِّ خَاصَّةً ، وَلَا عِبْرَةَ لِلْوَلَدِ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي حِصَّتِهَا وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْأُمِّ وَيَدْخُلُ فِي حِصَّةِ الْأُمِّ ، وَالْوَلَدِ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ حَالَ وُجُودِ الْأُمِّ كَالْعَدَمِ فَلَا تَصْلُحُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فِي حَالِ قِيَامِ الْأُمِّ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصْلِ وَالْعَبْدِ الزِّيَادَةِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ ، وَقِيمَةِ

الزِّيَادَةِ يَوْمَ الزِّيَادَةِ ، ثُمَّ يُقْسَمُ مَا أَصَابَ الْأُمَّ قِسْمَةً أُخْرَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا عَلَى اعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْفِكَاكِ ، كَذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ الزِّيَادَةَ وَلَمْ يُسَمِّ الْأُمَّ وَلَا الْوَلَدَ فَالزِّيَادَةُ رَهْنٌ مَعَ الْأُمِّ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَزِيدٍ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ يَصْلُحُ مَزِيدًا عَلَيْهِ ، إلَّا أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ فِي الرَّهْنِ وَالْوَلَدَ تَابِعٌ ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَعْلُهَا زِيَادَةً عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى ، وَإِذَا صَارَتْ الزِّيَادَةُ رَهْنًا مَعَ الِاسْمِ ، يُقْسَمُ الدَّيْنُ قِسْمَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ قَائِمَةً وَقْتَ الزِّيَادَةِ .
( فَأَمَّا ) إذَا هَلَكَتْ الْأُمُّ ثُمَّ زَادُوا الْعَبْدَ زِيَادَةً عَلَى الْوَلَدِ فَكَانَا جَمِيعًا رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ يَفْتَكُّ الرَّهْنَ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَسْتَدْعِي مَزِيدًا عَلَيْهِ ، وَالْهَالِكُ خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَزِيدًا عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الْأُمِّ وَبَقِيَ النِّصْفُ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَيَنْقَسِمُ ذَلِكَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالْوَلَدِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ أَخَذَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا هَلَكَ فَقَدْ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَعَادَتْ حِصَّتُهُ إلَى الْأُمِّ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا هَلَكَتْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ ؛ فَلَمْ تَصِحَّ .
وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْوَلَدِ فِي يَدَ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ أَمَانَةً ، إلَّا إذَا مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ أَنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِمَا قُلْنَا .
كَذَا هَذَا ، إلَّا إذَا مَنَعَ بَعْدَ

الطَّلَبِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْغَصْبِ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ وَقَدْرِهِ فَالرَّهْنُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشْيَاءَ ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا ، يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَتَفْسِيرُهُ إذَا رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَهَلَكَ ، ذَهَبَ الدَّيْنُ كُلُّهُ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ فَهَلَكَ ، ذَهَبَ كُلُّ الدَّيْنِ أَيْضًا ، وَفَضْلُ الرَّهْنِ يَهْلِكُ أَمَانَةً ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَمِائَةٍ ، ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَضْلِ الدَّيْنِ ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، مِثْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَضْلُ قِيمَةِ الرَّهْنِ .
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، أَيْ يَذْهَبُ كُلُّ الدَّيْنِ قَلَّتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ أَوْ كَثُرَتْ وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ : يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ يَعْنِي إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِفَضْلِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَضْلِ الدَّيْنِ .
وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ : إنَّ الْمَرْهُونَ أَمَانَةٌ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ وَقَدْرِهِ اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى كَوْنِهِ مَضْمُونًا ، فَإِنْكَارُ الضَّمَانِ أَصْلًا يَرْجِعُ إلَى مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا ، ثُمَّ الرُّجْحَانُ فِي

كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ ؛ لِقَوْلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ وَيَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ فِيهِ بِقَدْرِ الِاسْتِيفَاءِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ ، أَمْكَنَ تَحْقِيقُ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِثْلُهُ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً ، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ ، لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ إلَّا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَكُونُ رِبًا ، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ ، لَا يُمْكِنُهُ تَحْقِيقُ الِاسْتِيفَاءِ إلَّا بِقَدْرِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ لَا يُتَصَوَّرُ ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ شَيْئًا وَاحِدًا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَشْيَاءَ بِأَنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ دَابَّتَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو ( إمَّا ) أَنْ أَطْلَقَ الرَّهْنَ وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ .
( وَإِمَّا ) أَنْ قَيَّدَ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّيْنِ ، فَإِنْ أَطْلَقَ ، يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ نَفَسِهِ وَمِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ وَالْمَرْهُونُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا ؛ لِيُعْرَفَ قَدْرُ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الضَّمَانِ ، كَمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فِي بَابِ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ قَيَّدَ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى وَجَبَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ فَيُنْظَرُ إلَى

الْقَدْرِ الْمُسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَيُّهُمَا هَلَكَ ؛ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى ، كَمَا فِي بَابِ الْبَيْعِ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَبِيعَيْنِ ثَمَنًا ، أَنَّهُ يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى كَذَا هَذَا ، إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ رَهَنَ مَوْزُونًا بِجِنْسِهِ أَوْ مَكِيلًا بِجِنْسِهِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ وَزْنُ الرَّهْنِ بِمِثْلِ وَزْنِ الدَّيْنِ ، وَقِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُ فَهَلَكَ يَذْهَبُ كُلُّ الدَّيْنِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ دُونَ الْقِيمَةِ فِي الْهَالِكِ ، وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْوَزْنَ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ ، فَأَمَّا فِيمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَضْمَنَانِ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ .
( وَأَمَّا ) فِي الِانْكِسَارِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُضَمِّنُ الْقِيمَةَ ، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَلَا يَرَيَانِ الْجَعْلَ بِالدَّيْنِ أَصْلًا ، وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلُ بِالدَّيْنِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِمْكَانِ بِأَنْ لَا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى الضَّرَرِ بِالرَّاهِنِ وَلَا بِالْمُرْتَهِنِ ، وَلَا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا فَإِنْ أَدَّى إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا ، فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُ بِالدَّيْنِ أَيْضًا ، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنُ أَكْثَرَ فَأَبُو يُوسُفَ يَجْعَلُ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ بِالِانْكِسَارِ شَائِعًا فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ وَالْمَضْمُونِ ، فَمَا كَانَ فِي الْأَمَانَةِ يَذْهَبُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَمَا كَانَ فِي الْمَضْمُونِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَيَمْلِكُ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِهِ ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصْرِفُ النُّقْصَانَ إلَى الزِّيَادَةِ ،

وَإِذَا كَثُرَ النُّقْصَانُ حَتَّى انْتَقَصَ مِنْ الدَّيْنِ ، يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الزُّيُوفِ مِنْ الْجِيَادِ ، حَتَّى لَوْ أَخَذَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الزُّيُوفَ عَنْ الْجِيَادِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ سَقَطَ دَيْنُهُ ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا تَرَكَ أَصْلَهُ فِي الرَّهْنِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَرُدُّ مِثْلَ مَا قَبَضَ وَيَأْخُذُ مِثْلَ حَقِّهِ ، فَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الزُّيُوفِ عَنْ الْجِيَادِ ، فَهَذِهِ أُصُولُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ .
( وَأَمَّا ) تَخْرِيجُهَا عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَرَهَنَ بِهِ قُلْبَ فِضَّةٍ فَهَلَكَ أَوْ انْكَسَرَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، فَوَزْنُ الْقُلْبِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ عَشَرَةً ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ كَانَ ثَمَانِيَةً ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ يَدْخُلُهُ الْهَلَاكُ وَالِانْكِسَارُ ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُ الْقُلْبِ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ عَشَرَةً فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَهَلَكَ يَهْلِكْ بِالدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ فِي وَزْنِهِ وَقِيمَتِهِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ بِأَحَدٍ وَلَا فِيهِ رِبًا فَيَهْلِكُ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ حُكْمُ الرَّهْنِ عِنْدَنَا ، وَإِنْ انْكَسَرَ وَانْتَقَصَ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِافْتِكَاكِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَوْ افْتَكَّهُ إمَّا أَنْ يَفْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِمُقَابَلَةِ النُّقْصَانِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالرَّاهِنِ لِفَوَاتِ حَقِّهِ عَنْ الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالرَّهْنَ يَسْتَوِيَانِ فِي الْوَزْنِ ،

وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ شَرْعًا ، فَيَكُونُ إيفَاءُ عَشَرَةٍ بِثَمَانِيَةٍ فَتَكُونُ رِبًا ، فَيَتَخَيَّرُ ؛ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَرَضِيَ بِالنُّقْصَانِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَيَصِيرُ الْقُلْبُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ وَيَصِيرُ مِلْكَ الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ لَا يُنَاسِبُ قَبْضَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ قَبْضٍ هُوَ تَعَدٍّ كَقَبْضِ الْغَصْبِ ، وَقَبْضُ الرَّهْنِ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُنَاسِبُ ضَمَانَ الْقِيمَةِ وَيُنَاسِبُهُ الْجَعْلُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ وَفِي الْجَعَلِ بِالدَّيْنِ تَقْرِيرُ الِاسْتِيفَاءِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حَالَ قِيَامِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، جَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَبْطَلَهُ بِقَوْلِهِ : { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } وَالْجَعْلُ بِالدَّيْنِ غَلْقُ الرَّهْنِ فَكَانَ بَاطِلًا ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمَ هَذَا التَّصَرُّفِ وَأَنَّ حُكْمَهُ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ لَا مِلْكُ الْعَيْنِ وَالرَّقَبَةِ .
( فَأَمَّا ) ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَيَصْلُحُ حُكْمًا لَهُ فِي الْجُمْلَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ بِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَعْلِ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْوَزْنَ دُونَ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْهَلَاكِ ، وَفِي وَزْنِهِ وَفَاءُ الدَّيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ بِالدَّيْنِ ( إمَّا ) أَنْ يَهْلِكَ بِوَزْنِهِ ،

( وَإِمَّا ) أَنْ يَهْلِكَ بِقِيمَتِهِ ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُرْتَهِنِ ، وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِسُقُوطِ الدَّيْنِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ الرَّهْنِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَالْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ فِي الِاسْتِيفَاءِ عَلَى السَّوَاءِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الزُّيُوفِ عَنْ الْجِيَادِ جَائِزٌ عِنْدَهُ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ الْجَعْلِ بِالدَّيْنِ هُنَا بِلَا خِلَافٍ .
( أَمَّا ) عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ فَلِأَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ الْجَعْلَ بِالدَّيْنِ أَصْلًا ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ يَرَى ذَلِكَ لَكِنْ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الدَّيْنَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ بِالْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَصِيرُ الرَّهْنُ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ بِعَشَرَةٍ .
وَلَوْ جُعِلَ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ كَانَتْ اثْنَيْ عَشَرَ فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ هُنَا فَضْلٌ ، فَكَانَ أَمَانَةً بِمَنْزِلَةِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ .
( أَمَّا ) عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ : يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ مِنْ الذَّهَبِ ، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ عِنْدَهُ مَضْمُونَةٌ ، وَقِيلَ : يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ عِنْدَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْوَزْنَ فِي الْهَلَاكِ لَا الْجَوْدَةَ وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ الْجَوْدَةَ فِي الِانْكِسَارِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ

أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ مَعَ النُّقْصَانِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ الْحَاصِلُ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ دِرْهَمٍ بِأَنْ عَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى أَحَدَ عَشَرَ ، أَوْ قَدْرَ دِرْهَمَيْنِ بِأَنْ عَادَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ مِنْ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، فَتَصِيرُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الرَّهْنِ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ ، وَسُدُسُ الرَّهْنِ مَعَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقِيمَةِ رَهْنًا بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ يُجْعَلَ قَدْرُ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِالِانْكِسَارِ شَائِعًا فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ ، وَالْمَضْمُونُ وَالْقَدْرُ الَّذِي فِي الْأَمَانَةِ يَذْهَبُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَالْقَدْرُ الَّذِي فِي الْمَضْمُونِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الرَّهْنِ مِلْكًا لَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْظَرُ إلَى النُّقْصَانِ إنْ كَانَ قَدْرَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ ، لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ ، يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفِكَاكِ وَبَيْنَ الْجَعْلِ بِالدَّيْنِ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ سَوَاءً ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَصْرِفُ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ بِالِانْكِسَارِ إلَى الْجَوْدَةِ الزَّائِدَةِ ، إلَّا إذَا كَثُرَ النُّقْصَانُ حَتَّى عَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى ثَمَانِيَةٍ ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ ، وَقِيلَ : إنَّ عَلَى قَوْلِهِ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِمَا فِي الْجَعْلِ بِالدَّيْنِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ الْجَوْدَةِ ، هَذَا إذَا كَانَ وَزْنُ الْقُلْبِ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ عَشَرَةً ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ بِمِثْلِ وَزْنِهِ مِنْ

الدَّيْنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَكَانَتْ رَهْنًا ، وَالْقُلْبُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِمِثْلِ وَزْنِهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ سَبْعَةً فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ بِثَمَانِيَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ انْكَسَرَ ، ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْإِجْمَاعِ .
( أَمَّا ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ فَلِأَنَّهُمَا لَا يُجِيزَانِ الْجَعْلَ بِالدَّيْنِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ أَصْلًا وَرَأْسًا ، وَمُحَمَّدٌ إنْ كَانَ يُجِيزُهُ ؛ لَكِنَّ شَرِيطَةَ انْعِدَامِ الضَّرَرِ ، وَفِي الْجَعْلِ بِالدَّيْنِ هُنَا ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَكَانَتْ تِسْعَةً أَوْ كَانَتْ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً فَهَلَكَ يَهْلِكُ بِقَدْرِ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ ، وَإِنْ انْكَسَرَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ فَهَلَكَ يَهْلِكُ بِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ رَهْنًا وَالْقُلْبُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ وَيَكُونُ سُدُسُ الْقُلْبِ مَعَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ رَهْنًا عِنْدَهُ بِالدَّيْنِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصْرِفُ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ بِالِانْكِسَارِ بِالْأَمَانَةِ إنْ قَلَّ النُّقْصَانُ بِأَنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ ، وَيُجْبَرُ

الرَّاهِنُ عَلَى الِافْتِكَاكِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ وَبَيْنَ الْجَعْلِ بِالدَّيْنِ ؛ هَذَا إذَا كَانَ وَزْنُ الْقُلْبِ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ الدَّيْنِ ثَمَانِيَةً ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَا عَشَرَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ اثْنَيْ عَشَرَ فَهَلَكَ ، سَقَطَ الدَّيْنُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ تَهْلِكُ أَمَانَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَهَلَكَ سَقَطَ الدَّيْنُ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ ، وَالزِّيَادَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا رِوَايَةَ عَنْهُمَا فِي هَذَا الْفَصْلِ .
وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْجَوْدَةَ وَلَا يَرَى الْجَعْلَ بِالدَّيْنِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِتَعَذُّرِ التَّمْلِيكِ بِالدَّيْنِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ عَشَرَةً فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْوَزْنَ ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَيَرْجِعُ بِحَقِّهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَلَا يُمْكِنُ الْجَعْلُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ثَمَانِيَةً فَهَلَكَ ، ذَهَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ ، وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فِي الْحَالَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ بَعْضَ الْقُلْبِ وَهَلَكَ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِالضَّمَانِ وَصَارَ شَرِيكًا ، فَهَذَا شُيُوعٌ طَارِئٌ فَعَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْطَعُ الْقُلْبُ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَعَ الْقَدْرِ الَّذِي غَرِمَ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ مُقَارِنًا كَانَ أَوْ طَارِئًا ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ .

( وَأَمَّا ) الرَّهْنُ الْفَاسِدُ فَلَا حُكْمَ لَهُ حَالَ قِيَامِ الْمَرْهُونِ ، حَتَّى لَا يَثْبُتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ ، فَإِنْ مَنَعَهُ حَتَّى هَلَكَ ، يَضْمَنْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ ، وَقِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ ، وَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ، ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا لَمْ يَصِحَّ كَانَ الْقَبْضُ قَبْضَ أَمَانَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْوَدِيعَةِ ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَإِذَا رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالرَّهْنِ الْفَاسِدِ ، كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْمَرْهُونِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بَلْ يَكُونُ أَمَانَةً ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا .
( وَوَجْهُهُ ) أَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ وَلَا فَسَادَ فِي الْقَبْضِ ، إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مَضْمُونًا أَنْ يَكُونَ مَالًا مُطْلَقًا مُتَقَوِّمًا كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ ، يَكُونُ مَضْمُونًا وَإِلَّا فَلَا ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ هَلَاكِ الْمَرْهُونِ

( وَأَمَّا ) حُكْمُ اسْتِهْلَاكِهِ فَنَقُولُ : الْمَرْهُونُ لَا يَخْلُو ( إمَّا ) أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ ، ( وَإِمَّا ) إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَاسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ ، ضَمِنَ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ ، وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ ، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا وَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ وَكَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ثُمَّ إنْ كَانَ الضَّمَانُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ ، اسْتَوْفَاهُ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ ، حَبَسَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مَالًا مَمْلُوكًا مُتَقَوِّمًا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَكَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ لَا فَائِدَةَ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالضَّمَانِ ، فَيُطَالَبُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ ، أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ بِالضَّمَانِ فَأَمْسَكَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، وَإِذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ نَمَاءٌ كَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ فَاسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ ، فَحُلِبَتْ أَوْ وَلَدَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ .
( أَمَّا ) وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْمُرْتَهِنِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِلْكُ الرَّاهِنِ وَإِتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُوجِبُ الضَّمَانَ .
( وَأَمَّا ) وُجُوبُهُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ فَلِأَنَّ الْمُتْلَفَ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ لَكِنْ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ قَوِيٌّ فَيَلْحَقُ بِالْمِلْكِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ ، كَانَ الضَّمَانُ مَعَ الشَّاةِ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ ، فَإِنْ هَلَكَ الضَّمَانُ ، لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ

الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِالدَّيْنِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَذَا الْبَدَلُ وَإِنْ هَلَكَتْ الشَّاةُ ، سَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ مَقْصُودَةٌ فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْهَلَاكِ ، وَيَفْتَكُّ الرَّاهِنُ ضَمَانَ الزِّيَادَةِ بِقَدْرِهَا مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ فَيَصِيرُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ ، هَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِهْلَاكُ بِغَيْرِ إذْنٍ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنٍ بِأَنْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ : احْلِبْ الشَّاةَ ، فَمَا حَلَبَتْ فَهُوَ حَلَالٌ لَكَ .
أَوْ قَالَ لَهُ : كُلْ هَذَا الْحِمْلَ فَحَلَبَ وَشَرِبَ وَأَكَلَ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَيَصِحُّ إذْنُهُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ، حَتَّى لَوْ جَاءَ الرَّاهِنُ يَفْتَكُّ الشَّاةَ يَفْتَكُّهَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ مُضَافٌ إلَى الرَّاهِنِ كَأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ .
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ .
كَذَا هَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهَا حَتَّى هَلَكَ ، تَهْلِكُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الدَّيْنِ ، فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا وَعَلَى لَبَنِهَا أَوْ وَلَدِهَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا ، فَمَا كَانَ حِصَّةَ الشَّاةِ يَسْقُطُ وَمَا كَانَ حِصَّةَ الزِّيَادَةِ يَبْقَى ، وَيُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِقَضَائِهِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُرْتَهِنِ لَمَّا كَانَ مُضَافًا إلَى الرَّاهِنِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، كَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ لِلزِّيَادَةِ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ ، فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةٌ ، كَانَ فِيهَا ثُلُثُ الدَّيْنِ وَفِي الشَّاةِ ثُلُثَاهُ ، فَإِذَا هَلَكَتْ الشَّاةُ ، ذَهَبَ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَعَلَى الرَّاهِنِ قَضَاؤُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ، فَالْجَوَابُ فِيهِ وَفِي

الْمُرْتَهِنِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ نَفَسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَقَدْ أَبْطَلَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّ نَفَسِهِ بِالْإِذْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الضَّمَانَ ، وَجُعِلَ كَأَنَّ الزِّيَادَةَ هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَبَقِيَتْ الشَّاةُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَجَنَى عَلَيْهِ ، فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي جِنَايَاتِ الرَّهْنِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : جِنَايَةُ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ ، وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِ الرَّهْنِ ، وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ أَمَّا جِنَايَةُ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ : فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ ، وَالْجَانِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ، فَإِنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ عَمْدًا وَالْجَانِي حُرٌّ ، فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْتَصَّ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الِاقْتِصَاصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَاصُ وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ ، كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَلِيٍّ ، وَالْوَلِيُّ هُنَا غَيْرُ مَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ وَالرَّقَبَةِ لِلرَّاهِنِ وَمِلْكَ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِلْمُرْتَهِنِ ، فَكَانَ الْعَبْدُ مُضَافًا إلَى الرَّاهِنِ مِنْ وَجْهٍ وَإِلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ وَجْهٍ ؛ فَصَارَ الْوَلِيُّ مُشْتَبَهًا مَجْهُولًا ، وَجَهَالَةُ الْوَلِيِّ تَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ كَعَبْدِ الْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ

عَمْدًا ، أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ ؛ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا ، أَنَّ لَهُمَا الِاقْتِصَاصَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْوِلَايَةَ لَهُمَا ثَابِتَةٌ عَلَى الشَّرِكَةِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَكَانَ الْوَلِيُّ مَعْلُومًا فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِلْكِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلرَّاهِنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَإِنَّمَا لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ فَقَطْ ، وَالْمِلْكُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَكَانَ الْوَلِيُّ مَعْلُومًا ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَوَقَّفَ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ ، إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ ، بِخِلَافِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَلِلْمُكَاتَبِ مِنْ وَجْهٍ ، فَلَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ فِيهِ ثَابِتًا لِلْمَوْلَى مُطْلَقًا وَلَا لِلْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا ؛ فَأَشْبَهَ الْوَلِيَّ فَامْتَنَعَ الِاسْتِيفَاءُ وَإِذَا اُقْتُصَّ الْقَاتِلُ سَقَطَ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا كَانَ رَهْنًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ ، وَقَدْ بَطَلَتْ مَالِيَّتُهُ بِالْقَتْلِ لَا إلَى بَدَلٍ ، إذْ الْقِصَاصُ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ هَلَكَ بِنَفْسِهِ ، هَذَا إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْقِصَاصِ ، ( فَأَمَّا ) إذَا اخْتَلَفَا لَا يُقْتَصُّ الْقَاتِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِ الِاقْتِصَاصِ لِلْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا لِلرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فَأَبْطَلَ الْقَاضِي الْقِصَاصَ ، ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَلَا قِصَاصَ ؛ لِأَنَّ

حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ بَطَلَ بِالْفِكَاكِ لَكِنْ بَعْدَ مَا حَكَمَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ الْقِصَاصِ ، فَلَا يَحْتَمِلُ الْعُودَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يَقْبِضُهَا الْمُرْتَهِنُ فَتَكُونُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ حَتَّى لَا تُزَادَ دِيَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ ، وَلَكِنَّهُ مَرْهُونٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ؛ فَجَازَ أَنْ تَقُومَ قِيمَتُهُ مَقَامَهُ وَتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مُؤَجَّلًا ، كَانَتْ فِي يَدِهِ إلَى حَلِّ الْأَجَلِ ، وَإِذَا حَلَّ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِنْ جِنْس الدَّيْنِ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ مِنْهَا ، وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ اسْتَوْفَى مِنْهَا مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا بِالْفَضْلِ أَيْ يَرْجِعُ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ حَبَسَهَا فِي يَدِهِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَالْحُكْمُ فِيهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَحَلَّ سَوَاءٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ وَفِي ضَمَانِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِهْلَاكِ يَجِبُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَضَمَانَ الرَّهْنِ يَجِبُ بِالْقَبْضِ ، فَيُعْتَبَرُ حَالُ وُجُودِ السَّبَبِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَتَرَاجَعَتْ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَقُتِلَ غَرِمَ الْقَاتِلُ خَمْسَمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَإِذَا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، كَانَتْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ رَهْنًا بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا كُلَّ الدَّيْنِ بِهَا وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِمَا

فِيهِ مِنْ الرِّبَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ عَبْدٌ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ فَدُفِعَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ كُلِّ الدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِيهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْمُرْتَهِنُ ، يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ قَتَلَهُ الرَّاهِنُ فَهَذَا ، وَمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ هَذَا إذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا .
( أَمَّا ) إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ، يُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَدْفُوعِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْمَدْفُوعُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِافْتِكَاكِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْمَدْفُوعِ مِائَةٌ فَهُوَ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَيْضًا وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِافْتِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، كَمَا كَانَ يُجْبَرُ عَلَى افْتِكَاكِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ لَوْ كَانَ حَيًّا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ لَمْ يَكُنْ بِقِيمَةِ الْقَاتِلِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، فَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْجَعْلِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَبْرِ عَلَى الِافْتِكَاكِ وَهُنَا تَعَذَّرَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالرَّاهِنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا دُفِعَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ ؛ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا ، وَالْأَوَّلُ كَانَ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَكَانَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِافْتِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، فَكَذَا الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ

كَانَ الْعَبْدُ الْمُرْتَهَنُ نَقَصَ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَقَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَدُفِعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، هَذَا إذَا كَانَ اخْتَارَ مَوْلَى الْقَاتِلِ الدَّفْعَ ، فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَإِنَّهُ يَفْدِيهِ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ حَبَسَهَا رَهْنًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ دَيْنِهِ ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِافْتِكَاكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ التَّرْكِ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ كَانَ الْجَانِي حُرًّا ، يَجِبُ أَرْشُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا .
( أَمَّا ) الْوُجُوبُ فِي مَالِهِ ؛ فَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ( وَأَمَّا ) التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ ؛ فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ؛ فَاسْتَوَى فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ فَكَانَ الْأَرْشُ رَهْنًا مَعَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مَرْهُونٍ ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا ، يُخَاطَبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ بِالْأَرْشِ كَانَ الْأَرْشُ مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رَهْنًا ، وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ يَكُونُ الْجَانِي مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رَهْنًا ، وَالْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَهُ ، وَالْجَانِي فَوَّتَ الْحَبْسَ عَنْ بَعْضِ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ بَدَلَ الْفَائِتِ فَيُقِيمَهُ مَقَامَهُ رَهْنًا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ جِنَايَةِ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ .

( وَأَمَّا ) حُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِ الرَّهْنِ : فَجِنَايَتُهُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ عَلَى بَنِي آدَمَ ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ بَنِي آدَمَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى بَنِي آدَمَ ، فَلَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ عَمْدًا وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ فِي مَعْنَاهُ فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا ، يُقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَهْنًا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ مَانِعًا فَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ سَوَاءٌ قَتَلَ أَجْنَبِيًّا أَوْ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ ضَمَانُ الدَّمِ ، وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي دَمِهِ بَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ ، وَكَذَا لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى إذْ الثَّابِتُ لَهُ الْحَقُّ وَالْحَقُّ دُونَ الْمِلْكِ فَصَارَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءً ، وَإِذَا قُتِلَ قِصَاصًا سَقَطَ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَسَقَطَ دِيَتُهُ ، كَمَا إذَا هَلَكَ بِنَفْسِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمْدًا ، ( فَأَمَّا ) إذَا كَانَتْ خَطَأً أَوْ مُلْحَقَةً بِالْخَطَأِ ، فَإِنْ كَانَتْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ كَانَتْ عَمْدًا ، لَكِنَّ الْقَاتِلَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ، أَوْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ أَوْ يُفْدَى ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَاتِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تُوجِبُ الدَّفْعَ أَوْ الْفِدَاءَ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ دُونَهُ ، نَحْوُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا ، وَالدَّيْنُ أَلْفًا ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسَمِائَةٍ يُخَاطَبُ الْمُرْتَهِنُ أَوَّلًا بِالْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ يَسْتَبْقِي حَقَّ نَفَسِهِ فِي الرَّهْنِ بِتَطْهِيرِهِ عَنْ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ

يُسْقِطَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ .
وَلَوْ بُدِئَ بِالرَّاهِنِ وَخُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى مَا هُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ الدَّفْعَ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِخِطَابِ الْمُرْتَهِنِ بِالْفِدَاءِ أَوْلَى .
وَإِذَا فَدَاهُ بِالْأَرْشِ ، فَقَدْ اسْتَخْلَصَهُ وَاسْتَصْفَاهُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ أَصْلًا ، فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا فَدَى عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ ، كَمَا لَوْ فَدَاهُ أَجْنَبِيٌّ وَلِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ أَصْلَحَ الرَّهْنَ بِاخْتِيَارِهِ وَاسْتَبْقَى حَقَّ نَفْسِهِ ، فَكَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِالْفِدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ ، وَإِنْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ ، يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخِطَابِ هُوَ الرَّاهِنُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ، وَإِنَّمَا يُبْدَأُ بِالْمُرْتَهِنِ بِخِطَابِ الْفِدَاءِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ ، فَإِذَا أَبَى عَادَ الْأَمْرُ إلَى الْأَصْلِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ بَطَلَ الرَّهْنُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ .
( أَمَّا ) بُطْلَانُ الرَّهْنِ ؛ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ إلَى خَلَفٍ فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا وَأَمَّا سُقُوطُ الدَّيْنِ ؛ فَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوَالِ حَصَلَ بِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا بِمَا فَدَى الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ فِي ضَمَانِهِ ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَبَى الْفِدَاءَ ، وَالرَّاهِنُ مُحْتَاجٌ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَبْدِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْفِدَاءِ ؛ فَكَانَ مُضْطَرًّا فِي الْفِدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا فَدَى ، وَلَهُ عَلَى الرَّاهِنِ مِثْلُهُ فَيَصِيرُ

قِصَاصًا بِهِ وَإِذَا صَارَ قَاضِيًا دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ مِمَّا فَدَى ، يُنْظَرُ إلَى مَا فَدَى وَإِلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَإِلَى الدَّيْنِ ، فَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ سَقَطَ الدَّيْنُ كُلُّهُ ، وَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْفِدَاءِ ، وَحُبِسَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِالْبَاقِي ، وَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ قَدْرَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَسْقُطُ أَكْثَرُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ ، لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ فَكَذَا عِنْدَ الْفِدَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَعْضُهُ مَضْمُونًا وَالْبَعْضُ أَمَانَةً ، بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَالدَّيْنِ أَلْفًا فَالْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مَضْمُونٌ وَنِصْفَهُ أَمَانَةٌ ، فَكَانَ فِدَاءُ نِصْفِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِدَاءُ نِصْفِ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ فَيُخَاطَبَانِ جَمِيعًا بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ ، وَالْمَعْنَى مِنْ خِطَابِ الدَّفْعِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ ، الرِّضَا بِالدَّفْعِ لَا فِعْلُ الدَّفْعِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الدَّفْعِ لَيْسَ إلَيْهِ ، ثُمَّ إذَا خُوطِبَ بِذَلِكَ ، ( إمَّا ) أَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ ، ( وَإِمَّا ) أَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْفِدَاءِ ، ( وَإِمَّا ) أَنْ اخْتَلَفَا ، فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الدَّفْعَ وَالْآخَرُ الْفِدَاءَ ، وَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا حَاضِرَيْنِ وَإِمَّا أَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا ، فَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ وَاجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ وَدَفَعَا ، فَقَدْ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْفِدَاءِ ، فَدَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْأَرْشِ ، وَإِذَا فَدَيَا طَهُرَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ رَهْنًا كَمَا كَانَ ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَبَرِّعًا حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ

بِمَا فَدَى ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفَسِهِ لَا عَنْ صَاحِبِهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْفِدَاءَ وَالْآخَرُ الدَّفْعَ ، فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَاخْتِيَارُهُ أَوْلَى .
( أَمَّا ) الْمُرْتَهِنُ ؛ فَلِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ يَسْتَبْقِي حَقَّ نَفَسِهِ وَلَا يُسْقِطُ حَقَّ الرَّاهِنِ ، وَالرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ يُسْقِطُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ اخْتِيَارُ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى وَأَمَّا الرَّاهِنُ ؛ فَلِأَنَّهُ يَسْتَبْقِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ بِالْفِدَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِ الدَّفْعِ يُرِيدُ إسْقَاطَ دَيْنِهِ وَإِبْطَالَ مِلْكِ الرَّاهِنِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي اخْتِيَارِ الدَّفْعِ نَفْعٌ بَلْ كَانَ سَفَهًا مَحْضًا وَتَعَنُّتًا بَارِدًا ؛ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ، فَكَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْدِيَ ثُمَّ أَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ وَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ دَفْعَهُ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الَّذِي اخْتَارَ الدَّفْعَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَفَدَى بِجَمِيعِ الْأَرْشِ ، بَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ طَهُرَتْ رَقَبَتُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْأَمَانَةِ ؟ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ : فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِدَيْنِهِ خَاصَّةً ، وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ الْتَزَمَ الْفِدَاءَ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ لَا يَلْتَزِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْتَزِمْ لَخُوطِبَ الرَّاهِنُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحِ قَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ قَدْرِ الْأَمَانَةِ ، فَكَانَ مُضْطَرًّا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي اخْتَارَ

الْفِدَاءَ هُوَ الرَّاهِنَ فَفَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ ، لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بَلْ يَكُونُ قَاضِيًا بِنِصْفِ الْفِدَاءِ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نِصْفُ الْفِدَاءِ مِثْلَ كُلِّ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ كُلُّهُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ وَيَحْبِسُهُ رَهْنًا بِهِ ، هَذَا إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ أَيَّهُمَا كَانَ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الرَّاهِنَ أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْعَبْدِ أَصْلًا ، وَالدَّفْعُ تَمْلِيكٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمِلْكِ .
وَأَمَّا الرَّاهِنُ ؛ فَلِأَنَّ الدَّفْعَ إسْقَاطُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْفِدَاءِ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَفَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ ، لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نِصْفِ الْفِدَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ وَبِنِصْفِ الْفِدَاءِ ، لَكِنَّهُ يَحْبِسُ الْعَبْدَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ رَهْنًا بِنِصْفِ الْفِدَاءِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُتَبَرِّعًا فِي نِصْفِ الْفِدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا بِدَيْنِهِ خَاصَّةً ، كَمَا لَوْ فَدَاهُ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ فَهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ الْغَيْبَةِ وَالْحَضْرَةِ وَجَعَلَاهُ مُتَبَرِّعًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَّقَ بَيْنَ حَالِ الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ فَجَعَلَهُ مُتَبَرِّعًا فِي الْحَضْرَةِ لَا فِي الْغَيْبَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ هُوَ الرَّاهِنَ فَفَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نِصْفِ الْفِدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يَكُونُ قَاضِيًا بِنِصْفِ الْفِدَاءِ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ، كَمَا لَوْ فَدَاهُ الرَّاهِنُ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ فَدَى مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا ، كَمَا لَوْ فَدَاهُ أَجْنَبِيٌّ ؛

وَلِهَذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا فِي حَالَةِ الْحَضْرَةِ كَمَا فِي الْغَيْبَةِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حَالِ الْحَضْرَةِ الْتَزَمَ الْفِدَاءَ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ إمْكَانِ خِطَابِ الرَّاهِنِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا ، وَالْخِطَابُ لَا يُمْكِنُ حَالَةَ الْغَيْبَةِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إصْلَاحِ قَدْرِ الْمَضْمُونِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ قَدْرِ الْأَمَانَةِ فَكَانَ مُضْطَرًّا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ .
( فَأَمَّا ) حُكْمُ جِنَايَةِ وَلَدِ الرَّهْنِ بِأَنْ قَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا فِدَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ، أَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْفِدَاءِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ فَلِأَنَّ خِطَابَهُ بِفِدَاءِ الرَّهْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ مِنْ الرَّهْنِ فِي ضَمَانِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَأَمَّا خِطَابُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَإِنْ دَفَعَهُ خَرَجَ الْوَلَدُ عَنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، أَمَّا خُرُوجُهُ عَنْ الرَّهْنِ فَلِزَوَالِ مِلْكِ الرَّاهِنِ عَنْهُ فَيَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ .
وَأَمَّا عَدَمُ سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ ؛ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أَنَّهُ عَلَى حَالِهِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الرَّاهِنُ الدَّفْعَ ، فَقَالَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ : أَنَا أَفْدِي فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَرْهُونٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلرَّهْنِ ثَابِتٌ فِيهِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ ، فَكَانَ الْفِدَاءُ مِنْهُ إصْلَاحًا لِلرَّهْنِ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ هَذَا إذَا جَنَى الرَّهْنُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ، فَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِ الْمُرْتَهِنِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ أَوْ عَلَى مَالِهِ فَهَدْرٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ ، وَالْمَوْلَى

لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَالِهِ ، عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْجِنَايَةَ لَمْ تَكُنْ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِ الْمُرْتَهِنِ فَهَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مُعْتَبَرَةٌ ، يُدْفَعُ أَوْ يُفْدَى إنْ رَضِيَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ ؛ لِمَا فِي الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ مِنْ سُقُوطٍ حَقِّي ، فَلَهُ ذَلِكَ وَبَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ .
هَكَذَا أَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ وَفَصَّلَ فَقَالَ : إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا وَبَعْضُهُ أَمَانَةً فَجِنَايَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ ، فَيُقَالُ لِلرَّاهِنِ : إنْ شِئْتَ فَادْفَعْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَافْدِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ وَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ ، بَطَلَ الدَّيْنُ كُلُّهُ وَصَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلرَّاهِنِ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَنِصْفُ الْفِدَاءِ عَلَى الرَّاهِنِ وَنِصْفُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَمَا كَانَ حِصَّةَ الْمُرْتَهِنِ يَبْطُلُ وَمَا كَانَ حِصَّةَ الرَّاهِنِ يُفْدَى ، وَالْعَبْدُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي جِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَصْبِ عَلَى الْغَاصِبِ أَنَّهَا هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ وَرَدَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً ، كَمَا إذَا وَرَدَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَاتِ اعْتِبَارُهَا ، وَسُقُوطُ الِاعْتِبَارِ لِمَكَانِ عَدَمِ الْفَائِدَةِ وَهُنَا فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهَا الدَّفْعُ وَلَهُ فِيهِ

فَائِدَةٌ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ سُقُوطُ دَيْنِهِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ لَكِنَّهَا وُجِدَتْ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ، فَوُرُودُهَا عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ إنْ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً ، فَوُجُودُهَا فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُعْتَبَرَ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْفِدَاءَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَهُ وَإِنَّهُ مُحَالٌ ، فَوَقَعَ الشَّكُّ وَالِاحْتِمَالُ فِي اعْتِبَارِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ .
هَذَا إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِ الْمُرْتَهِنِ ، فَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى مَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً وَلَيْسَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ ، إذْ لَيْسَ حُكْمُهَا وُجُوبَ الدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَمْلِكَهُ بَلْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ ، فَلَوْ بِيعَ وَأُخِذَ ثَمَنُهُ ؛ لَسَقَطَ دَيْنُهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَائِدَةٌ فَلَا تُعْتَبَرُ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ تُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ أَصْلًا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاعْتِبَارِ كَوْنُ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ، وَقَدْرُ الْأَمَانَةِ وَهُوَ الْفَضْلُ عَلَى الدَّيْنِ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ ، فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَضْمُونِ ؛ لِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِيهِ وَهُوَ الْحَبْسُ فَيُمْنَعُ الِاعْتِبَارُ وَأَمَّا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى ابْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاعْتِبَارِ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ هُوَ كَوْنُ الْعَبْدِ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَفِي حَقِّ

الْمُرْتَهِنِ كَوْنُهُ فِي ضَمَانِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءً هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى بَنِي آدَمَ .
وَأَمَّا حُكْمُ جِنَايَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ ، بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ فَحُكْمُهَا ، وَحُكْمُ جِنَايَةِ غَيْرِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ ، وَهُوَ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ ، إلَّا إذَا قَضَى الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ ، فَإِذَا قَضَاهُ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ فِيهِ وَالْحُكْمُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ جِنَايَتِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ سَوَاءٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ قَضَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ ، بَقِيَ دَيْنُهُ وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ اسْتَفْرَغَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ عَنْ الدَّيْنِ وَاسْتَصْفَاهَا عَنْهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِدَيْنِهِ ، كَمَا كَانَ لَوْ فَدَاهُ عَنْ الْجِنَايَةِ ، وَإِنْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْضِيَ وَقَضَاهُ الرَّاهِنُ ، بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ ، فَإِنْ امْتَنَعَا عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ ، يُبَاعُ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ وَيُقْضَى دَيْنُ الْغَرِيمِ مِنْ ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى ، فَعَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ ، ثُمَّ إذَا بِيعَ الْعَبْدُ وَقُضِيَ دَيْنُ الْغَرِيمِ مِنْ ثَمَنِهِ فَثَمَنُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِ الْغَرِيمِ ، وَإِمَّا أَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ ، فَدَيْنُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هَلَكَ ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ يَكُونُ لِلرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ

مِلْكِهِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ خَاصَّةً ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِهِ ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ فِيهِ فَيَبْقَى رَهْنًا ، ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ أَمْسَكَهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ إلَى أَنْ يَحِلَّ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ الْعَبْدِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ نِصْفُهُ مَضْمُونًا وَنِصْفُهُ أَمَانَةً ، لَا يُصْرَفُ الْفَاضِلُ كُلُّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بَلْ يُصْرَفُ نِصْفُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَنِصْفُهُ إلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْأَمَانَةِ لَا دَيْنَ فِيهِ ، فَيُصْرَفُ ذَلِكَ إلَى الرَّاهِنِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْرُ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَالْأَمَانَةِ عَلَى التَّفَاضُلِ ، يُصْرَفُ الْفَضْلُ إلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ تَفَاوُتِ الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ فِي ذَلِكَ ؛ لِمَا قُلْنَا لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الْغَرِيمُ ثَمَنَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعَتَاقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ، إنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ وَحُكْمُهُ : تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهَا ، فَإِذَا لَمْ تَفِ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ ، يَتَأَخَّرُ مَا بَقِيَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِذَا أُعْتِقَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ ، لَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ .
وَكَذَلِكَ حُكْمُ جِنَايَةِ وَلَدِ الرَّهْنِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَحُكْمُ جِنَايَةِ الْأُمِّ سَوَاءٌ ، فِي أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا فِي الْأُمِّ ، إلَّا أَنَّ هُنَا لَا يُخَاطَبُ الْمُرْتَهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدَّيْنِ لَمْ يُوجَدْ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ

لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِخِلَافِ الْأُمِّ ، بَلْ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الْوَلَدَ بِالدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، فَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ ، بَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا كَمَا كَانَ ، وَإِنْ بِيعَ بِالدَّيْنِ ، لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ ، بِخِلَافِ الْأُمِّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ جِنَايَةِ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ وَحُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِ الرَّهْنِ .

فَأَمَّا حُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ نَوْعَانِ : جِنَايَةٌ عَلَى الرَّهْنِ نَفَسِهِ ، وَجِنَايَةٌ عَلَى جِنْسِهِ .
أَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى نَفَسِهِ : فَهِيَ وَالْهَلَاكُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ سَوَاءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا ، سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا وَبَعْضُهُ أَمَانَةً ، سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْمَضْمُونِ لَا مِنْ الْأَمَانَةِ وَأَمَّا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى نَفَسِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ أَيْضًا : جِنَايَةِ بَنِي آدَمَ عَلَى جِنْسِهِ ، وَجِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ عَلَى جِنْسِهَا وَعَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا .
أَمَّا جِنَايَةُ بَنِي آدَمَ عَلَى جِنْسِهِ : بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدَيْنِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَالْعَبْدَانِ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِمَّا إنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَتَيْنِ فَإِنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، فَجِنَايَتُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : جِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ وَجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ وَجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ وَجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ ، وَالْكُلُّ هَدَرٌ إلَّا وَاحِدَةً : وَهِيَ جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ ، فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ ، وَيَتَحَوَّلُ مَا فِي الْمَشْغُولِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَارِغِ ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ .
أَمَّا جِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ ؛ فَلِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ إمَّا أَنْ تُعْتَبَرَ لِحَقِّ الْمَوْلَى أَعْنِي الرَّاهِنَ ، وَإِمَّا أَنْ تُعْتَبَرَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالِاعْتِبَارُ لِحَقِّ الرَّهْنِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكُهُ ، وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَمْلُوكِ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ لِحَقِّ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا فِي حَقِّهِ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ عَلَيْهِ أَوْ الْفِدَاءِ لَهُ ، وَإِيجَابُ شَيْءٍ عَلَى الْإِنْسَانِ

لِنَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اعْتِبَارِ جِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِحَقِّهِ يُحَوِّلُ مَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْجَانِي ، وَالْجَانِي مَشْغُولٌ بِدَيْنِ نَفْسِهِ ، وَالْمَشْغُولُ بِنَفْسِهِ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ .
وَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ ؛ لِمَا قُلْنَا .
وَأَمَّا جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ ؛ فَلِأَنَّهُ لَا دَيْنَ لِلْفَارِغِ لِيَتَحَوَّلَ إلَى الْجَانِي فَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّهِ .
وَأَمَّا جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَمُمْكِنُ الِاعْتِبَارِ لِحَقٍّ يَتَحَوَّلُ مَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَارِغِ ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَسَائِلَ : إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْنِ وَالرَّهْنُ عَبْدَيْنِ ، يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا قَلَّ أَرْشُهَا أَوْ كَثُرَ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ ، وَلَا يَتَحَوَّلُ قَدْرُ مَا سَقَطَ إلَى الْجَانِي ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولٌ كُلُّهُ بِالدَّيْنِ وَجِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ هَدَرٌ فَجُعِلَ كَأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَلَا دَفْعَ وَلَا فِدَاءَ ، وَكَانَ الْقَاتِلُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَمِائَةٍ ، فَكَانَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَارِغًا وَنِصْفُهُ مَشْغُولًا ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَقَدْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ نِصْفَيْ الْقَاتِلِ عَلَى النِّصْفِ الْمَشْغُولِ وَالنِّصْفِ الْفَارِغِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
وَجِنَايَةُ قَدْرِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ وَقَدْرِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ وَقَدْرِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ هَدَرٌ ؛ لِمَا بَيَّنَّا ، فَيَسْقُطُ مَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا

يَتَحَوَّلُ إلَى الْجَانِي ، وَجِنَايَةُ قَدْرِ الْفَارِغِ عَلَى قَدْرِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ ، فَيَتَحَوَّلُ قَدْرُ مَا كَانَ فِيهِ إلَى الْجَانِي ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَانِي خَمْسُمِائَةٍ فَيَبْقَى رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ .
وَلَوْ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ صَاحِبِهِ ، تَحَوَّلَ نِصْفُ مَا كَانَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ إلَى الْبَاقِي فَيَصِيرُ الْبَاقِي رَهْنًا بِسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَبَقِيَ الْمَفْقُوءُ عَيْنُهُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْفَاقِئَ جَنَى عَلَى نِصْفِ الْعَبْدِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ نِصْفُهُ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ وَنِصْفُهُ فَارِغٌ مِنْ الدَّيْنِ ، وَالْفَاقِئُ جَنَى عَلَى النِّصْفِ الْمَشْغُولِ وَالْفَارِغِ جَمِيعًا ، وَالْفَاقِئُ نِصْفُهُ مَشْغُولٌ وَنِصْفُهُ فَارِغٌ إلَّا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَشْغُولِ عَلَى قَدْرِ الْمَشْغُولِ وَالْفَارِغِ ، وَجِنَايَةَ الْفَارِغِ عَلَى قَدْرِ الْفَارِغِ وَالْمَشْغُولِ ، فَقَدْرُ جِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى قَدْرِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ فَيَتَحَوَّلُ قَدْرُ مَا كَانَ فِي الْمَشْغُولِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَاقِئِ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَقَدْ كَانَ فِي الْفَاقِئِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَصِيرُ الْفَاقِئُ رَهْنًا بِسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَيَبْقَى الْمَفْقُوءُ عَيْنُهُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ؛ لِانْعِدَامِ وُرُودِ الْجِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ النِّصْفِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدَانِ رَهْنًا فِي صَفْقَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ ، بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا وَقَدْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ تُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ رَهْنًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا تَفَرَّقَتْ ، صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا عَلَى حِدَةٍ ، فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُنَاكَ يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ كَذَا هَهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ وَإِذَا

اُعْتُبِرَتْ الْجِنَايَةُ هُنَا ، يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَإِنْ شَاءَا جَعَلَا الْقَاتِلَ مَكَانَ الْمَقْتُولِ فَيَبْطُلُ مَا كَانَ فِي الْقَتْلِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَا فَدَيَا الْقَاتِلَ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَ الْمَقْتُولِ ، وَالْقَاتِلُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْنِ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ دَفَعَاهُ فِي الْجِنَايَةِ ، قَامَ الْمَدْفُوعُ مَقَامَ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ فِي الْقَاتِلِ ، وَإِنْ قَالَا : نَفْدِي ، فَالْفِدَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ كُلُّهُ بَلْ بَعْضُهُ ، وَهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ كُلُّهُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ دَفَعَ الرَّاهِنُ أَلْفًا وَأَخَذَ عَبْدَهُ ، وَكَانَتْ الْأَلْفُ الْأُخْرَى قِصَاصًا بِهَذِهِ الْأَلْفِ إذَا كَانَ مِثْلَهُ .
وَلَوْ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ ، قِيلَ لَهُمَا : ادْفَعَاهُ أَوْ افْدِيَاهُ ، فَإِنْ دَفَعَاهُ بَطَلَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ فَدَيَاهُ كَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَكَانَ الْفِدَاءُ رَهْنًا مَعَ الْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُعْتَبَرَةٌ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، فَصَارَ كَعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا جَنَى عَلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ : أَنَا لَا أَفْدِي وَلَكِنِّي أَدَعُ الرَّهْنَ عَلَى حَالِهِ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَكَانَ الْفَاقِئُ رَهْنًا مَكَانَهُ عَلَى حَالِهِ ، وَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ مَا كَانَ فِي الْمَفْقُوءِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجِنَايَةِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الرَّاهِنِ ، فَإِذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِهَدْرِ الْجِنَايَةِ ، صَارَ هَدَرًا .
وَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ : أَنَا أَفْدِي ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَا أَفْدِي ، كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْدِيَهُ ، وَهَذَا إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ حُكْمَ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ حُكْمَ الْجِنَايَةِ فَحُكْمُهَا التَّخْيِيرُ وَإِنْ أَبَى

الرَّاهِنُ الْفِدَاءَ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : أَنَا أَفْدِي وَالرَّاهِنُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ ، فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ .
( وَأَمَّا ) جِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ عَلَى جِنْسِهَا : فَهِيَ هَدَرٌ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ } أَيْ هَدَرٌ ، وَالْعَجْمَاءُ : الْبَهِيمَةُ ، وَالْجِنَايَةُ إذَا هُدِرَتْ ، سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَصَارَ الْهَلَاكُ بِهَا وَالْهَلَاكُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ سَوَاءً ، وَكَذَلِكَ جِنَايَتُهَا عَلَى خِلَافِ جِنْسِهَا هَدَرٌ ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا جِنَايَةُ بَنِي آدَمَ عَلَيْهَا فَحُكْمُهَا وَحُكْمُ جِنَايَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ سَوَاءٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْمَرْهُونُ عَنْ كَوْنِهِ مَرْهُونًا وَيَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الرَّهْنِ ، وَمَا لَا يَخْرُجُ وَلَا يَبْطُلُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : يَخْرُجُ الْمَرْهُونُ عَنْ كَوْنِهِ مَرْهُونًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ بِالْإِقَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا فَسْخُ الْعَقْدِ وَنَقْضُهُ ، وَالشَّيْءُ لَا يَبْقَى مَعَ مَا يَنْقُضُهُ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ بِنَفْسِ الْإِقَالَةِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ مَا لَمْ يَرُدَّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ عَلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ ، حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ فِي الْحُكْمِ بِدُونِ الْقَبْضِ فَلَا يَتِمُّ فَسْخُهُ بِدُونِ فَسْخِهِ ، أَيْضًا وَفَسْخُهُ بِالرَّدِّ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ، ثُمَّ جَاءَ الرَّاهِنُ بِجَارِيَةٍ وَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ : خُذْهَا مَكَانَ الْأُولَى وَرُدَّ الْعَبْدَ إلَيَّ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا إقَالَةُ الْعَقْدِ فِي الْأَوَّلِ وَإِنْشَاءُ الْعَقْدِ فِي الثَّانِي وَهُمَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ عَنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ ، يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي هَذَا الْبَابِ يَجْرِي مَجْرَى الرُّكْنِ ، حَتَّى لَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ بِدُونِهِ فَلَا يَتِمُّ الْفَسْخُ بِدُونِ نَقْضِ الْقَبْضِ ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي الضَّمَانِ إلَّا بِرَدِّ الْأَوَّلِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الثَّانِي فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّ الْأَوَّلِ وَيَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَرْضَ بِرَهْنِيَّتِهِمَا عَلَى الْجَمِيعِ وَإِنَّمَا رَضِيَ بِرَهْنِ أَحَدِهِمَا ، حَيْثُ رَهَنَ الثَّانِيَ وَطَلَبَ رَدَّ الْأَوَّلِ ، وَالْأَوَّلُ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِبَعْضِ الْقَبْضِ فِيهِ ؛ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي الضَّمَانِ .
وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ ، وَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ

بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَتَهْلِكُ هَلَاكَ الْأَمَانَاتِ وَلَوْ قَبَضَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ وَسَلَّمَ الْجَارِيَةَ ، خَرَجَ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَرْهُونًا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ مَضْمُونَةً حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ ، تَهْلِكُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا بِالدَّيْنِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِهِ ، وَالْعَبْدُ كَانَ مَضْمُونًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَكَذَا الْجَارِيَةُ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسَمِائَةٍ وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفٌ فَهَلَكَتْ تَهْلِكُ بِالْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْجَارِيَةَ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَتْ رَهْنًا ابْتِدَاءً ، إلَّا أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ مَضْمُونًا رَدُّ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرَهْنِهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي بَدَلَ الْأَوَّلِ ، بَلْ هُوَ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فِي كَوْنِهِ رَهْنًا ، فَكَانَ الْمَضْمُونُ قَدْرَ قِيمَتِهِ لَا قَدْرَ قِيمَةِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَالْجَارِيَةُ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، فَرَدَّ الْعَبْدَ عَلَى الرَّاهِنِ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ فَهِيَ رَهْنٌ بِالْأَلْفِ ، وَلَكِنَّهَا إنْ هَلَكَتْ تَهْلِكُ بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّانِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مَرْهُونًا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ ، فَيُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ قَدْرُ قِيمَتِهِ وَلَا يَخْرُجُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى ، وَيَخْرُجُ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَلَا يَخْرُجُ بِالْإِعَارَةِ وَيَخْرُجُ بِالْإِجَارَةِ بِأَنْ أَجَرَهُ الرَّاهِنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَخْرُجُ بِالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ، إذَا فَعَلَ

أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَيَخْرُجُ بِالْبَيْعِ بِأَنْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ بَاعَهُ الْعَدْلُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرْهُونِ قَدْ زَالَ بِالْبَيْعِ وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الثَّمَنُ فَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ خَرَجَ وَاخْتَلَفَ بَدَلًا ، وَيَخْرُجُ بِالْإِعْتَاقِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا بِالْإِنْفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَخْرُجُ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ نَافِذٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ لَا يَنْفُذُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ هَذَا إعْتَاقٌ تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّهْنِ وَيَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَعِصْمَةُ حَقِّهِ تَمْنَعُ مِنْ الْإِبْطَالِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ كَذَا الْإِعْتَاقُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الْإِبْطَالُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى دَيْنِهِ لِلْحَالِ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ .
( وَلَنَا ) أَنَّ إعْتَاقَهُ صَادَفَ مَوْقُوفًا هُوَ مَمْلُوكُهُ رَقَبَةً فَيَنْفُذُ كَإِعْتَاقِهِ الْآبِقَ وَالْمُسْتَأْجَرَ ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَمْلُوكٌ لِلرَّاهِنِ عَيْنًا وَرَقَبَةً إنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا يَدًا وَحَبْسًا ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ يَكْفِي لِنَفَاذِ الْإِعْتَاقِ ، كَمَا فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْآبِقِ ، وَقَوْلُهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ قُلْنَا : نَعَمْ ، لَكِنْ ضَرُورَةَ بُطْلَانِ مِلْكِ الرَّاهِنِ ، وَذَا لَا يَمْنَعُ النَّفَاذَ كَمَا فِي مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ ، مَعَ أَنَّ الثَّابِتَ لِلرَّاهِنِ حَقِيقَةً الْمِلْكُ ، وَالثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ الْحَقِيقَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ نَفَاذَهُ يَعْتَمِدُ قِيَامَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالْيَدِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ شَرْطُ نَفَاذِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي

الْمَرْهُونِ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا نَفَذَ إعْتَاقُهُ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْحُرُّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمُدَبَّرُ لَا يَصْلُحُ لِلرَّهْنِ فَالْحُرُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى ، وَلِهَذَا لَمْ يَصْلُحْ رَهْنًا فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالٌّ ، يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الضَّمَانِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ ، غَرِمَ الرَّاهِنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ رِضًا مَكَانَهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ ، أَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ فَلِأَنَّهُ أَبْطَلَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حَقَّهُ حَقًّا قَوِيًّا ، هُوَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ أَوْ هُوَ مِلْكُهُ مِنْ وَجْهٍ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ مَالِيَّتِهِ مِنْ وَجْهٍ ؛ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ رَهْنًا ؛ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَبْدِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ بَدَلُ مَالِيَّتِهِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ ، يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يُسْتَوْفَى مِنْهَا دَيْنُهُ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ رَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ يَرْجِعُ بِفَضْلِ الدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ ، حَبَسَهَا بِالدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ .
( وَأَمَّا ) عَدَمُ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بِسَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْإِتْلَافُ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ وُجِدَ مِنْ الرَّاهِنِ لَا مِنْ الْعَبْدِ ، وَمُؤَاخَذَةُ الْإِنْسَانِ بِالضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مِنْهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُبَاشَرَةِ

سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا أَقَلُّ قِيمَتِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ وَوَقْتَ الْإِعْتَاقِ ، وَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَمِنْ الدَّيْنِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَلْفَيْنِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَقْتَ الرَّهْنِ أَلْفًا فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَى الْعَبْدُ فِي أَلْفٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ وَلَوْ انْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، سَعَى فِي خَمْسِمِائَةٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ .
( أَمَّا ) اخْتِيَارُ الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ فَلِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالْإِعْتَاقِ .
( وَأَمَّا ) وِلَايَةُ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ ؛ فَلِأَنَّ بِالرَّهْنِ صَارَتْ مَالِيَّةُ هَذَا الْعَبْدِ مَمْلُوكَةً لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ مِنْ مَالِيَّتِهِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ فَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْمَالِيَّةُ مُحْتَبَسَةً عِنْدَ الْعَبْدِ ، فَوَصَلَتْ إلَى الْعَبْدِ بِالْإِتْلَافِ مَالِيَّةٌ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَخْرِجَهَا مِنْهُ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْيَسَارِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنَّمَا الْعَبْدُ جُعِلَ مَحَلًّا لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الرَّاهِنِ عَلَى مَا هُوَ مَوْضُوعُ الرَّهْنِ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الرَّاهِنَ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ التَّعَذُّرِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّهْنِ ، كَمَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالتَّعَذُّرِ عِنْدَ إعْسَارِ الرَّاهِنِ لَا عِنْدَ يَسَارِهِ ، فَيَسْعَى فِي حَالِ الْإِعْسَارِ لَا فِي حَالِ الْيَسَارِ ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُفْلِسٌ ، لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ

وِلَايَةُ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِالثَّمَنِ ، كَالْمَرْهُونِ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِنَفْسِ الْبَيْعِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُوجَدْ احْتِبَاسُ مَالِيَّةٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَائِعِ عِنْدَ الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا لِلْبَائِعِ مُجَرَّدُ حَقِّ الْحَبْسِ ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْحَبْسِ بِالْإِعْتَاقِ ، بَطَلَ حَقُّ الْحَبْسِ أَصْلًا وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَحَسْبُ ، أَمَّا هَهُنَا فَبِخِلَافِهِ .
( وَأَمَّا ) السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ؛ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ وَجْهٍ مُحْتَبَسَةً عِنْدَ الْعَبْدِ ، فَتُقَدَّرُ السِّعَايَةُ بِقَدْرِ الِاحْتِبَاسِ ، ثُمَّ إذَا سَعَى الْعَبْدُ ، يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ الرَّاهِنِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الِاضْطِرَارِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةَ وَالْقَاضِي أَلْزَمَهُ ، وَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ مُضْطَرًّا مِنْ مَالِ نَفَسِهِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ، كَالْوَارِثِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ نَفَسِهِ ، أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى التَّرِكَةِ كَذَا هَذَا ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ السِّعَايَةِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ نَقَصَ الْعَبْدُ فِي السِّعْرِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَقْتَ الرَّهْنِ أَلْفًا ، فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ حَتَّى عَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَى فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ إلَّا قَدْرُ خَمْسِمِائَةٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي وَلَوْ لَمْ يَنْقُصْ الْعَبْدُ فِي السِّعْرِ وَلَكِنَّهُ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَدُفِعَ

مَكَانَهُ ، فَأَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دُفِعَ بِهِ فَقَدْ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا فَصَارَ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْمَالِ ، كَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ وَتَرَاجَعَ سِعْرُهُ إلَى مِائَةٍ ؛ ، فَأَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ .
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَسَعَى فِي قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ كَذَا هَذَا .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَيَا فِي أَلْفٍ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِمَا أَلْفٌ .
وَلَوْ لَمْ تَلِدْ وَلَكِنْ قَتَلَهَا عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَدُفِعَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى سَعَى فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا بِهَذَا الْقَدْرِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَقْتُولَةِ لَحْمًا وَدَمًا ، وَهِيَ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِهَذَا الْقَدْرِ كَذَا هَذَا .
وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ : رَهَنْتُكَ عِنْدَ فُلَانٍ ، وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ مُعْسِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ، وَلَزِمَهُ السِّعَايَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى بِهَذَا الْإِقْرَارِ يُرِيدُ إلْزَامَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ ، وَقَوْلُهُ " فِي إلْزَامِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ " غَيْرُ مَقْبُولٍ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ .
( وَلَنَا ) أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَصِحُّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِ الْعَبْدِ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ لِلْحَالِ

إنْشَاءَهُ لِزَوَالِ مِلْكِ الْوِلَايَةِ بِالْإِعْتَاقِ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ ، فَأَمَّا إذَا دَبَّرَهُ فَيَجُوزُ تَدْبِيرُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا ، أَمَّا جَوَازُ التَّدْبِيرِ ؛ فَلِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِجَوَازِ الْإِعْتَاقِ ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ قَائِمٌ بَعْدَ الرَّهْنِ .
( وَأَمَّا ) خُرُوجُهُ عَنْ الرَّهْنِ ؛ فَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَصْلُحُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَالًا مُطْلَقًا شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَبِالتَّدْبِيرِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُطْلَقًا فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَصْلُحْ رَهْنًا ابْتِدَاءً فَكَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَهَلْ يَسْعَى لِلْمُرْتَهِنِ ؟ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى .
( وَأَمَّا ) إذَا كَانَ مُوسِرًا ، ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَسْعَى ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْعَى ، وَسَوَّى بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَبَيْنَ الْإِعْتَاقِ ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ إنْ كَانَ حَالًّا ، أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا ، أَخَذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ الرَّاهِنِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، كَمَا فِي الْإِعْتَاقِ .
( وَجْهُ ) مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْمَوْلَى ، وَكَسْبُ الْمُدَبَّرِ مِلْكُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى ، فَكَانَتْ سِعَايَةَ مَالِ الْمَوْلَى ، فَكَانَ صَرْفُ السِّعَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ قَضَاءَ دَيْنِ الْمَوْلَى مِنْ مَالِ الْمَوْلَى ، فَيَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الْإِعْسَارِ وَالْيَسَارِ بِخِلَافِ كَسْبِ الْمُعْتَقِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ الْحُرِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَسْبُ الْحُرِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِلْكُهُ فَكَانَتْ السِّعَايَةُ مِلْكَهُ ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُؤْمَرَ الْإِنْسَانُ بِقَضَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ مِنْ مَالِ نَفَسِهِ ؛ إلَّا عِنْدَ الْعَجْرِ عَنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِحَالِ الْعَجْزِ وَهِيَ حَالَةُ الْإِعْسَارِ .
( وَجْهُ ) مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ السِّعَايَةَ وَإِنْ

كَانَتْ مِلْكَ الْمَوْلَى لَكِنْ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِي الْكِتَابَةِ بِسَبَبِ وُجُوبِهَا ، إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِي التَّدْبِيرِ بَلْ هُوَ فِعْلُ الْمَوْلَى ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ مُبَاشَرَةٌ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ كَانَ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهِ عَلَى مَنْ لَا صُنْعَ فِيهِ أَصْلًا وَرَأْسًا ، فَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا كَانَ الْإِمْكَانُ ثَابِتًا فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ ، ثُمَّ إذَا سَعَى فِي حَالَةِ الْإِعْسَارِ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ مَالُ الْمَوْلَى ، فَكَانَ الِاسْتِسْعَاءُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِتَمَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا ؛ لِمَا قُلْنَا وَقِيلَ : إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَكَذَلِكَ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا يَسْعَى إلَّا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ ( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ حَالًّا ، كَانَ وَاجِبَ الْقَضَاءِ لِلْحَالِ عَلَى سَبِيلِ التَّضْيِيقِ ، وَهَذَا مَالُ الْمَوْلَى فَيُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ عَلَى الْكَمَالِ ، وَإِذَا كَانَ مُؤَجَّلًا ، لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِلْحَالِ أَصْلًا وَلَا يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّضْيِيقِ ، إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ بِالتَّدْبِيرِ فَوَّتَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ؛ فَتَجِبُ إعَادَةُ حَقِّهِ إلَيْهِ بِعِوَضٍ يَقُومُ مَقَامَهُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ ، فَيَتَقَدَّرُ الْجَائِزُ بِقَدْرِ الْفَائِتِ فَيَسْتَسْعِيهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُدَبَّرُ بِمَا يَسْعَى عَلَى الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ فِي مَوْضِعَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ ، وَالْمُعْتَقَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَسْعَى عَلَى

الْمَوْلَى ، وَالْمُعْتَقَ يَرْجِعُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَرْجِعُ إلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ سِعَايَةَ الْمُدَبَّرِ مِلْكُ مَوْلَاهُ ؛ لِكَوْنِ الْمُدَبَّرِ مِلْكَهُ ؛ إذْ الْفَائِتُ بِالتَّدْبِيرِ لَيْسَ إلَّا مَنْفَعَةَ الْبَيْعِ ، فَكَانَ الِاسْتِسْعَاءُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا يَسْعَى عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ الْمَوْلَى مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فَكَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؟ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ ؛ لِأَنَّ سِعَايَةَ مِلْكِهِ عَلَى الْخُصُوصِ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ خَالِصٌ إلَّا أَنَّهُ لَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ لِاسْتِخْرَاجِ مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ وَجْهٍ الْمُحْتَبَسِ عِنْدَهُ وَهُوَ مَالٌ فَتَتَقَدَّرُ السِّعَايَةُ بِقَدْرِ الِاحْتِبَاسِ ، وَيَرْجِعُ بِالسِّعَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى إذَا كَانَ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا وَاجِبًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفَسِهِ مُضْطَرًّا فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ أَيْضًا : وَهُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى مَعَ إيسَارِ الْمَوْلَى ، وَالْمُعْتَقَ لَا يَسْعَى مَعَ إيسَارِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ هَذَا إذَا أُعْتِقَ أَوْ دُبِّرَ فَأَمَّا إذَا اُسْتُوْلِدَ بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، فَادَّعَاهُ الرَّاهِنُ ، فَدَعْوَاهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ ، صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ الْوَلَدُ مِنْهُ ، وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَخَرَجَتْ عَنْ الرَّهْنِ .
( أَمَّا ) صِحَّةُ الدَّعْوَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِلْكُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِصِحَّةِ الدَّعْوَةِ ، فَالْمِلْكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ حُكْمُ صِحَّةِ الدَّعْوَةِ ، وَصَيْرُورَةُ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حُكْمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَخُرُوجُ

الْجَارِيَةِ عَنْ الرَّهْنِ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَصْلُحُ لِلرَّهْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ رَهْنًا ابْتِدَاءً ، فَكَذَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا قَبْلَ الْوِلَادَةِ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ .
( وَأَمَّا ) الْجَارِيَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَضَعَتْ الْحَمْلَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّاهِنُ الْوَلَدَ ، صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَ حُرًّا ، وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَخَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، إلَّا أَنَّ هُنَا صَارَ الْوَلَدُ حُرًّا بَعْدَ مَا دَخَلَ فِي الرَّهْنِ ، وَصَارَتْ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الرَّهْنِ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الرَّهْنِ ، وَقِيمَةَ الْوَلَدِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الدَّعْوَةِ ، فَيَكُونُ حُكْمُ الْجَارِيَةِ فِي حِصَّتِهَا مِنْ الدَّيْنِ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَحُكْمُ الْوَلَدِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ حُكْمُ الْمُعْتَقِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يُنْظَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَقْتَ الرَّهْنِ ، وَإِلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ ، وَإِلَى الدَّيْنِ ، فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَهُنَا يُنْظَرُ فَقَطْ إلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ وَإِلَى حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، فَيَسْعَى فِي أَقَلِّهِمَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا ، وَيَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَيْهِ .

( وَأَمَّا ) حُكْمُ اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْعَدْلِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَاخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِ الْمَرْهُونِ بِهِ فَقَالَ الرَّاهِنُ : إنَّهُ رُهِنَ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَدَّعِي عَلَى الرَّاهِنِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ .
وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ : رَهَنْتُهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ ، وَهُوَ أَلْفٌ وَالرَّهْنُ يُسَاوِي أَلْفًا ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ ارْتَهَنْتُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ ، فَأَشْبَهَ اخْتِلَافَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، وَهُنَاكَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ كَذَا هُنَا ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَالَفَا ، كَانَ كَمَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ ، وَهُوَ يُنْكِرُ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ كَانَ بِأَلْفٍ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ فِي مِقْدَارِ الضَّمَانِ فَكَذَا هَذَا .
وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ ثَوْبَيْنِ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ ، وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الرَّهْنِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : رَهَنْتَنِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ

بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ : رَهَنْتُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ يُحَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَمَا فِي بَابِ الْبَيْعِ .
وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ .
وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ : هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِكَ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : قَبَضْتَهُ مِنِّي بَعْدَ الرَّهْنِ فَهَلَكَ فِي يَدِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ ، وَالْمُرْتَهِنُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي ذَلِكَ فَالْمُثْبِتَةُ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ : هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي دُخُولَهُ فِي الضَّمَانِ ، وَهُوَ يُنْكِرُ .
وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الضَّمَانَ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَاعْوَرَّ ، فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ : كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا ، فَذَهَبَ بِالِاعْوِرَارِ النِّصْفُ خَمْسُمِائَةٍ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَا ، بَلْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ خَمْسَمِائَةٍ وَإِنَّمَا ازْدَادَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا ذَهَبَ مِنْ حَقِّي الرُّبُعُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْحَالِ عَلَى الْمَاضِي فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِائَةً وَالرَّهْنُ فِي يَدِ عَدْلٍ فَبَاعَهُ ، فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ : بَاعَهُ بِمِائَةٍ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بِخَمْسِينَ وَدَفَعَ إلَيَّ ، وَصَدَّقَ الْعَدْلُ الرَّاهِنَ فَالْقَوْلُ

قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا بِالْمَبِيعِ ، وَتَحَوَّلَ الضَّمَانُ إلَى الثَّمَنِ ، فَالرَّاهِنُ يَدَّعِي تَحَوُّلَ زِيَادَةِ ضَمَانٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِهِ .
وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي تِلْكَ الزِّيَادَةَ فَالْمُثْبِتَةُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى الرَّهْنِ اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا عَلَى الدُّخُولِ فِي الضَّمَانِ ، فَالْمُرْتَهِنُ بِدَعْوَى الْبَيْعِ يَدَّعِي خُرُوجَهُ عَنْ الضَّمَانِ وَتَحَوُّلَ الضَّمَانِ إلَى الثَّمَنِ ، وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ الدَّيْنِ فِي الْقِيمَةِ ، وَالْمُرْتَهِنُ مُسَلَّطٌ عَلَى بَيْعِهِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَلْفٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ : بِعْتُهُ بِتِسْعِمِائَةٍ ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ ضَاعَ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالنُّقْصَانِ إلَى أَنْ تَجِيءَ بَيِّنَتُهُ أَوْ يُصَدِّقَهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي انْتِقَالِ الضَّمَانِ .
وَكَذَلِكَ الْعَدْلُ إذَا قَالَ : بِعْتُ بِتِسْعِمِائَةٍ ، وَلَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَدْلِ إلَّا تِسْعُمِائَةٍ وَيَكُونُ الرَّاهِنُ رَاهِنًا بِمَا فِيهِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْمِائَةِ الْفَاضِلَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِي بَرَاءَةِ نَفَسِهِ ، غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ بَعْضِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَلَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ : إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ ، وَأَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أُخِذَ بِبَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ .

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الرَّاهِنِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ الرَّاهِنِ تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ بِنَفْيِهَا بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ ، فَكَانَتْ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ تُثْبِتُ أَمْرًا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ تَحَوُّلُ الضَّمَانِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الثَّمَنِ ، وَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ تُقَرِّرُ ضَمَانًا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْمَوْتِ ، فَكَانَتْ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ ) الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ فِي مَعْنَى الْمُزَارَعَةِ لُغَةً وَشَرْعًا ، وَفِي بَيَانِ شَرْعِيَّتِهَا ، وَفِي بَيَانِ رُكْنِ الْمُزَارَعَةِ ، وَفِي بَيَانِ الشَّرَائِطِ الْمُصَحِّحَةِ لِلرُّكْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْمُزَارَعَةَ ، وَالشَّرَائِطِ الْمُفْسِدَةِ لَهَا ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَفِي بَيَانِ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ ، وَفِي بَيَانِ الَّذِي يَنْفَسِخُ بِهِ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ بَعْدَ وُجُودِهَا ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الْمُنْفَسِخَةِ .
( أَمَّا ) الْأَوَّلُ فَالْمُزَارَعَةُ فِي اللُّغَةَ : مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ ، وَهُوَ الْإِنْبَاتُ ، وَالْإِنْبَاتُ الْمُضَافُ إلَى الْعَبْدِ مُبَاشَرَةً فِعْلٌ أَجْرَى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْعَادَةَ بِحُصُولِ النَّبَاتِ عَقِيبَهُ لَا بِتَخْلِيقِهِ وَإِيجَادِهِ ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ : عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ عَلَى الْمُزَارَعَةِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ بِشَرَائِطِهِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ شَرْعًا ، فَإِنْ قِيلَ : الْمُزَارَعَةُ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْفِعْلِ مِنْ اثْنَيْنِ ، كَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَفِعْلُ الزَّرْعِ يُوجَدُ مِنْ الْعَامِلِ دُونَ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُسَمَّى هُوَ مُزَارِعًا دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَمَنْ لَا عَمَلَ مِنْ جِهَتِهِ ، فَكَيْفَ يُسَمَّى هَذَا الْعَقْدُ مُزَارَعَةً ؟ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ جَازَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِيمَا لَا يُوجَدُ الْفِعْلُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ ، كَالْمُدَاوَاةِ وَالْمُعَالَجَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ الطَّبِيبِ وَالْمُعَالِجِ ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ - { قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .
وَلَا أَحَدَ يَقْصِدُ مُقَاتَلَةَ اللَّهِ - عَزَّ شَأْنَهُ - فَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ جَازَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ .
وَالثَّانِي : إنْ كَانَ أَصْلُ الْبَابِ مَا ذُكِرَ فَقَدْ وُجِدَ الْفِعْلُ هُنَا مِنْ اثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ

الْمُزَارَعَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ ، وَالزَّرْعُ هُوَ الْإِنْبَاتُ لُغَةً وَشَرْعًا ، وَالْإِنْبَاتُ الْمُتَصَوَّرُ مِنْ الْعَبْدِ هُوَ التَّسْبِيبُ لِحُصُولِ النَّبَاتِ ، وَفِعْلُ التَّسْبِيبِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ التَّسْبِيبَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ وَمِنْ الْآخَرِ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الْعَمَلِ بِإِعْطَاءِ الْآلَاتِ وَالْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يَحْصُلُ الْعَمَلُ بِدُونِهَا عَادَةً ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُزَارِعًا حَقِيقَةً ؛ لِوُجُودِ فِعْلِ الزَّرْعِ مِنْهُ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ إلَّا أَنَّهُ اُخْتُصَّ الْعَامِلُ بِهَذَا الِاسْمِ فِي الْعُرْفِ ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ ، كَاسْمِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا شَرْعِيَّةُ الْمُزَارَعَةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - : أَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - إنَّهَا مَشْرُوعَةٌ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَفَعَ نَخْلَ خَيْبَرَ مُعَامَلَةً ، وَأَرْضَهَا مُزَارَعَةً } ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْجَوَازُ ، وَكَذَا هِيَ شَرِيعَةٌ مُتَوَارَثَةٌ لِتَعَامُلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ ، وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ ( أَمَّا ) النَّصُّ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { قَالَ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَائِطٍ لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ } ، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ } ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فِي مَعْنَاهُ ، وَالْمَنْهِيُّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ .
( وَأَمَّا ) الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِ اسْتِئْجَارٌ بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَدِيثَ خَيْبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِزْيَةِ دُونَ الْمُزَارَعَةِ صِيَانَةً لِدَلَائِلِ الشَّرْعِ عَنْ التَّنَاقُضِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِيهِ { أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ } ، وَهَذَا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَجْهِيلُ الْمُدَّةِ ، وَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُزَارَعَةِ بِلَا خِلَافٍ .
بَقِيَ تَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَى التَّعَامُلِ ، وَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْجَوَازِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ الِاحْتِمَالِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57