كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَمَاثِلَةِ فَتُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَأَمَّا غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى عَيْنِهَا ، فَيُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْقِيمَةَ ؛ يُصَدِّقُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ إلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالتَّسَاوِي فِي دَلِيلِ الْمِلْكِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ ، فَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا وَأَعَانَهُ الْآخَرُ فِي عَمَلِهِ بِالْجَمْعِ وَالرَّبْطِ فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعِينِ لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْ الْعَامِلِ دُونَ الْمُعِينِ ، وَلِلْمُعِينِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قَدْرَ الْمُسَمَّى لَهُ مِنْ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ .
( أَمَّا ) وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْمُعِينِ ؛ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قِيمَةَ مَا سَمَّى وَقَاسَهُ عَلَى سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى هُنَاكَ ، كَذَا هَذَا هُنَا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رَضِيَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسَمَّى فَلَا يَسْتَحِقُّ وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ : بِعْ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَ ثَمَنِهِ فَبَاعَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الثَّمَنِ كَذَا هَذَا وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ ، بِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ قَدْرٌ مَعْلُومٌ مِنْ الْأُجْرَةِ فَكَانَ الرِّضَا بِهِ إسْقَاطًا لِمَا زَادَ عَلَيْهِ وَالْمُسَمَّى هُنَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ بَلْ هُوَ مَعْدُومٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا

سَمَّى إلَّا نِصْفَ الْحَطَبِ أَوْ ثُلُثَهُ ، وَالرِّضَا بِغَيْرِ الْمَعْلُومِ لَا يَتَحَقَّقُ ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ مُسْقِطَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ إذَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهَا أَنَّ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى مِنْ الرِّبْحِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْلَسَ فِي دُكَّانِهِ رَجُلًا يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ ، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الشَّرِكَةُ لِأَنَّهَا شَرِكَةُ الْعُرُوضِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ ، وَالْحَانُوتُ مِنْ الْعُرُوضِ ، وَشَرِكَةُ الْعُرُوضِ غَيْرُ جَائِزَةٍ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْأَعْمَالِ ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ ، وَتَقَبُّلُ الْعَمَلِ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ ، وَشَرِكَةُ الْأَعْمَالِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ ، بِأَنْ يُوَكِّلَ خَيَّاطٌ أَوْ قَصَّارٌ وَكِيلًا يَتَقَبَّلُ لَهُ عَمَلَ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ ، وَكَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ صَانِعٍ يَعْمَلُ بِأَجْرٍ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ فَإِنْ كَانَ لَهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا كَانَ مَا أَصَابَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ .
وَلَوْ كَانَ الْكَلْبُ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ فِي يَدِهِ فَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا فَمَا أَصَابَ الْكَلْبُ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ إرْسَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ مَعَ إرْسَالِ الْمَالِكِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ كَأَنَّ الْمَالِكُ أَرْسَلَهُ وَحْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبَهُ فَأَصَابَا صَيْدًا وَاحِدًا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي

سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ أَصَابَ كَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَيْدًا عَلَى حِدَةٍ كَانَ لَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ فَاخْتَصَّ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخِرِ بَعِيرٌ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَا ذَلِكَ فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَآجَرَاهُمَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ وَحِمْلٍ مَعْلُومٍ إنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ فَاسِدَةٌ وَيُقْسَمُ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْبَعِيرِ ، أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ .
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ : أَجِّرْ بَعِيرَكَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ بَيْنَنَا ؛ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ كَذَا الشَّرِكَةُ ؛ وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَصِحُّ فِي أَعْيَانِ الْحَيَوَانِ فَكَذَا فِي مَنَافِعِهَا .
وَأَمَّا قِسْمَةُ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْبَعِيرِ ؛ فَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا فَسَدَتْ فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ وَمِنْ حُكْمِ الْأُجْرَةِ أَنْ تُقَسَّمَ عَلَى قِيمَةِ الْمَنَافِعِ كَمَا يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَاجِرَا الْبَغْلَ وَالْبَعِيرَ وَلَكِنَّهُمَا تَقَبَّلَا حُمُولَةً مَعْلُومَةً بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ فَحَمَلَا الْحُمُولَةَ عَلَى ذَلِكَ ، فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّ الْحِمْلَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ عَمَلِ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ ، فَكَانَ الْبَدَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي الضَّمَانِ فَيَتَسَاوَيَا فِي الْأُجْرَةِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ حِمْلِ الْبَعِيرِ عَلَى الْبَغْلِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ عَمَلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَابِلُ الضَّمَانَ ، وَالْبَغْلُ وَالْبَعِيرُ هُنَا آلَةُ إيفَاءِ الْعَمَلِ وَلَوْ آجَرَ الْبَعِيرَ بِعَيْنِهِ ، كَانَتْ أُجْرَتُهُ لِصَاحِبِهِ

لَا لِصَاحِبِ الْبَغْلِ ، وَكَذَا إذَا آجَرَ الْبَغْلَ بِعَيْنِهِ ؛ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لِصَاحِبِ الْبَغْلِ لَا لِصَاحِبِ الْبَعِيرِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنَافِعِ الْبَعِيرِ وَالْبَغْلِ بِإِذْنِ مَالِكِهِمَا ، فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْآجِرُ أَعَانَهُ عَلَى الْحُمُولَةِ وَالنُّقْلَانِ ؛ كَانَ لِلَّذِي أَعَانَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ شَرِيكِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الْأَجْرِ الَّذِي آجَرَ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَرِكَةِ الِاحْتِطَابِ ، قَصَّارَانِ لَأَحَدِهِمَا أَدَاةُ الْقِصَارَةِ ، وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِأَدَاةِ هَذَا فِي بَيْتِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْكَسْبَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، وَكَذَلِكَ الصَّاغَةُ وَالْخَيَّاطُونَ وَالصَّبَّاغُونَ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ الْعَمَلِ لَا عَنْ الْآلَةِ ، وَقَدْ صَارَ الْعَمَلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا فَكَانَ بَدَلُهُ لَهُمَا وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُعِينًا لِلْآخَرِ بِنِصْفِ الْآلَةِ ، وَالْآخَرُ مُعِينًا لَهُ بِنِصْفِ الدُّكَّانِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنْ يَتَقَبَّلَا حُمُولَةً وَيَحْمِلَاهَا عَلَى دَابَّتِهِمَا .
وَلَوْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ إكَافٌ وَجُوَالِقَانِ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَا الدَّابَّةَ عَلَى أَنَّ أَجْرَهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً ، وَأَجْرُ الدَّابَّةِ لِصَاحِبِهَا وَلِلْآخَرِ مَعَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ كَذَا الشَّرِكَةُ .
وَأَمَّا الْأَجْرُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ مَنَافِعِ الدَّابَّةِ فَكَانَتْ لِصَاحِبِهَا وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ آلَةِ الْآخَرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا ، وَلَوْ دَفَعَ دَابَّةً إلَى رَجُلٍ لِيُؤَاجِرَهَا عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ بَيْنَهُمَا كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا ، وَالْأَجْرُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ

وَلِلْآجِرِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ وَالْبَيْتُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ فَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ وَالْأَجْرُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَلِلرَّجُلِ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَوْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الدَّابَّةَ لِيَبِيعَ عَلَيْهَا الطَّعَامَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ كَانَ فَاسِدًا ، وَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ ، وَلِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَجْرُ مِثْلِهَا ، وَكَذَا الْبَيْتُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَصَلَ بِعَمَلِهِ ، وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَجْرُهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ اتِّفَاقُ الْعَمَلِ ، وَيَجُوزُ إنْ اتَّفَقَتْ أَعْمَالُهَا أَوْ اخْتَلَفَتْ كَالْخَيَّاطِ مَعَ الْقَصَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا تَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ إلَّا عِنْدَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ كَالْقَصَّارِينَ وَالْخَيَّاطِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ تَجُوزُ بِالْمَالَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ عِنْدَنَا كَذَا بِالْعَمَلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَعِنْدَهُ لَا تَجُوزُ بِالْمَالَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَكَذَا بِالْعَمَلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِضَمَانِ الْعَمَلِ ، وَالْعَمَلُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا اتَّفَقَ الْعَمَلَانِ أَوْ اخْتَلَفَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الشَّرِكَةُ بِالْوُجُوهِ فَشَرْطُ الْمُفَاوَضَةِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ .
( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ بِمُشْتَرَكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، ( وَمِنْهَا ) أَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ لِمَا فَصَّلْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ .
( وَأَمَّا ) شَرِكَةُ الْعِنَانِ مِنْهَا فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا أَهْلِيَّةُ الْكَفَالَةِ وَلَا الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرَى حَتَّى لَوْ اشْتَرَكَا بِوُجُوهِهِمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا اشْتَرَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَاعًا وَكَيْفَ مَا شَرَطَا عَلَى التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ ؛ كَانَ جَائِزًا ، وَضَمَانُ ثَمَنِ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِي الْمُشْتَرَى وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ ، فَإِنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا فَضْلَ رِبْحٍ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الضَّمَانِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ضَمَانِهِمَا ثَمَنَ الْمُشْتَرَى ، لِأَنَّ الرِّبْحَ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّمَانِ ، فَإِذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَنَصِيبِهِ مِنْ الْمِلْكِ فَهُوَ شَرْطُ مِلْكٍ مِنْ غَيْرِ رِبْحٍ ، وَلَا ضَمَانَ فَلَا يَجُوزُ ، فَإِنْ قِيلَ : الرِّبْحُ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ وَالضَّمَانُ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ زِيَادَةَ الرِّبْحِ بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ إذَا كَانَ الْعَمَلُ فِي مَالٍ مَعْلُومٍ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَشَرِكَةِ الْعِنَانِ ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ، فَلَا يُسْتَحَقُّ كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ : أَدْفَعُ إلَيْكَ أَلْفًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا بِالنِّصْفِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَلْفَ ؛ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَمَلَ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا حُكْمُ الشَّرِكَةِ .
فَأَمَّا شَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ فَحُكْمُهَا فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَاحِدٌ ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ ، لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ أَوْ الْوِلَايَةُ وَلَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وِلَايَةٌ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ ؛ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا .
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ بَاعَاهُ إمَّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفٍ بَيْنَهُمَا أَقْرَضَاهُ إيَّاهُ ، أَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ عَلَيْهِمَا شَيْئًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ وَرِثَا دَيْنًا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ ، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ بَعْضَ نَصِيبِهِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا قَبَضَهُ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ الثَّابِتَ لِلشَّرِيكَيْنِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مَقْبُوضٌ مِنْ النَّصِيبَيْنِ ، إذْ لَوْ جُعِلَ لَأَحَدِهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقِسْمَةُ وَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ قِسْمَةُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : خُذْ مِنْهَا لَكَ هَذَا الْجَانِبُ ، وَلِيَ هَذَا الْجَانِبُ لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ التَّمْيِيزِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَفِي الدَّيْنِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْأَيْنِ إلَّا وَأَحَدُهُمَا مِلْكُهُ وَالْآخَرُ مِلْكُ صَاحِبِهِ ، فَكَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَعْضَ مِلْكِهِ ، وَبَعْضُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ ، فَكَانَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ

تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَجَعَلَ الْمَقْبُوضَ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى مَا قُلْنَا وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ بِعَيْنِهِ لَيْسَ لِلْقَابِضِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ بِأَنْ يَقُولَ : أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَ نِصْفِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ مَقْبُوضٌ عَنْ نَصِيبِهِ ، فَكَانَ عَيْنَ حَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَابِضُ مَنْعَهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِثْلَ حَقِّهِ أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ ، أَمَّا إذَا كَانَ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ فَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الرَّدِيءُ إذَا أَعْطَى الْجَيِّدَ يُجْبِرُ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ فَكَانَ قَبْضُهُ قَبْضًا لِعَيْنِ الْحَقِّ ، وَإِنْ كَانَ أَرْدَأَ فَقَبْضُ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَمَا قَبَضَ الشَّرِيكُ مِنْ شَرِيكِهِ يَكُونُ قَدْرُ ذَلِكَ لِلْقَابِضِ دَيْنًا عَلَى الْغَرِيمِ ، وَيَكُونُ مَا عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بَيْنَهُمَا ، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا خَمْسَمِائَةٍ فَجَاءَ الشَّرِيكُ فَأَخَذَ نِصْفَهَا كَانَ لِلْقَابِضِ مَا بَقِيَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَتَكُونُ الشَّرِكَةُ بَاقِيَةً فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ شَرِيكُهُ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ انْتَقَضَ قَبْضُهُ فِي نِصْفِ مَا قَبَضَ وَبَقِيَ الْبَاقِي مِنْ دَيْنِهِ عَلَى حَالِهِ .
فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ عَنْ يَدِهِ بِأَنْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ مَا قَبَضَ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَا قَبَضَهُ مِنْ نَصِيبِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ حِصَّتِهِ ، جَازَتْ الْبَرَاءَةُ ، وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ بَلْ أَتْلَفَ

حِصَّتَهُ لَا غَيْرُ ، فَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اقْتَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْغَرِيمِ ، فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمَّا أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ بَقِيَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلِشَرِيكِهِ خَمْسُمِائَةٍ ، فَيَضْرِبَانِ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ بِتِسْعَةِ أَسْهُمٍ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقَعُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا ، فَإِنْ اقْتَسَمَا الْمَقْبُوضَ نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا الْغَرِيمَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَالْقِسْمَةُ مَاضِيَةٌ وَلَا يَنْقُضُ إبْرَاؤُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَيْئًا مِمَّا اقْتَسَمَاهُ ، لِأَنَّهُمَا اقْتَسَمَا وَمِلْكُهُمَا سَوَاءٌ ، فَزَوَالُ الْمُسَاوَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْقِسْمَةِ .
وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَلَكِنْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا مِنْ الْغَرِيمِ ، فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ لَا بِمَا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ ، لِأَنَّهُ كَمَا اشْتَرَى وَجَبَ ثَمَنُ الثَّوْبِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ مِثْلُهُ ، فَصَارَ مَا فِي ذِمَّتِهِ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ ، فَإِنْ اجْتَمَعَا جَمِيعًا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الثَّوْبِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ ثَمَنِهِ ، فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ نِصْفَهُ بِذَلِكَ وَرَضِيَ شَرِيكُهُ بِهِ ؛ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ بِحِصَّتِهِ شَيْئًا وَلَكِنْ صَالَحَهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى ثَوْبٍ وَقَبَضَهُ ، ثُمَّ طَالَبَهُ شَرِيكُهُ بِمَا قَبَضَ فَإِنَّ الْقَابِضَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّوْبِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ نِصْفِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ

إلَى الْقَابِضِ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى الْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ ، وَالْإِبْرَاءُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ ، إلَّا أَنَّهُ قَبَضَ ثَوْبًا عَنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ نِصْفَهُ إلَى الشَّرِيكِ ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ : أَنَا أُعْطِيكَ نِصْفَ حَقِّكَ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِلشَّرِيكِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَنْ يُسَلِّمَ لِلشَّرِيكِ مَا قَبَضَهُ وَيَرْجِعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ : دَيْنِي قَدْ ثَبَتَ عَلَيْكَ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ ، فَتَسْلِيمُكَ إلَى غَيْرِي لَا يُسْقِطُ مَا لِي فِي ذِمَّتِكَ ، فَإِنْ سَلَّمَ لِلشَّرِيكِ مَا قَبَضَ ، ثُمَّ نَوَى الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّرِيكِ وَيَكُونَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ بَعْدَ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهَا ، وَيُعْطِيَهُ مِثْلَهَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْأَصْلِ كَانَ عَنْ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ ، وَإِنَّمَا سَلَّمَ بِهِ الشَّرِيكُ الْمَقْبُوضَ لِلْقَابِضِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي الْمَقْبُوضِ كَمَا كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ عَيْنِهَا بِالتَّسْلِيمِ ، حَيْثُ أَجَازَ تَمَلُّكَ الْقَابِضِ لَهَا فَسَقَطَ حَقُّهُ عَنْ عَيْنِهَا ، وَإِنَّمَا تَجَدَّدَ لَهُ ضَمَانٌ آخَرُ بِتَوَاءِ مَالِهِ ، فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
فَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا تَوَلَّى هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ ، وَأَمَّا

فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ نَصِيبَهُ مِلْكُهُ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَلِهَذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ إسْقَاطًا بِالْإِبْرَاءِ ، فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَأْخِيرَ نَصِيبِهِ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَأَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ أَنَّهُ وُجِدَ أَثَرُ الْقِسْمَةِ وَهُوَ انْفِرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِنَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ فِيهِ حَقٌّ ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ إذْ هُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ أَوْ لِمَالٍ حُكْمِيٍّ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَثَرُ الْقِسْمَةِ وَمَعْنَاهَا ، بَلْ هُوَ إتْلَافٌ لِنَصِيبِهِ فَإِنْ قِيلَ : قِسْمَةُ الدَّيْنِ تَصَرُّفٌ فِي الدَّيْنِ وَالتَّأْخِيرُ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي الدَّيْنِ بَلْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْقَاطِ ، فَالْجَوَابُ : أَنَّ التَّأْخِيرَ تَصَرُّفٌ فِي الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَغْيِيرَ الدَّيْنِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَهُ كَانَ عَلَى صِفَةٍ لَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ ، وَبَعْدَ التَّأْخِيرِ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَا دَامَ الْأَجَلُ قَائِمًا ، ثُمَّ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَالَ : إذَا قَبَضَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُؤَخِّرْ نَصِيبَهُ ؛ لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي أَخَّرَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا قَبَضَ حَتَّى يَحِلَّ دَيْنُهُ ، فَإِنْ حَلَّ دَيْنُهُ فَلَهُ أَنْ يُشْرِكَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا ضَمِنَهُ صَاحِبُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَقْبُوضِ ، فَإِذَا حَلَّ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ حَالًّا فَتَثْبُتُ لَهُ الشَّرِكَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ شَيْئًا حَتَّى حَلَّ دَيْنُ الَّذِي أَخَّرَ ؛ عَادَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ فَمَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْ شَيْءٍ يُشْرِكُهُ الْآخَرُ

فِيهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا حَلَّ فَقَدْ سَقَطَ الْأَجَلُ فَصَارَ كَمَا كَانَ قَبْلَ التَّأْجِيلِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، فَقَدْ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ النِّكَاحَ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ فِي ذِمَّتِهَا مِثْلُهُ فَصَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهَا ثَوْبًا بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَا يَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهَا عَنْ نَصِيبِهِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْغَرِيمَ بِنَصِيبِهِ فَإِنَّ شَرِيكَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَتِهَا بَدَلٌ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ، وَكَذَا الَّذِي سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ قَابِلٌ لِلشَّرِكَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَحَدَ الطَّالِبَيْنِ إذَا شَجَّ الْمَطْلُوبَ مُوضِحَةً عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَلَى حِصَّتِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِشَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا تُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ لَيْسَ فِي مُقَابِلَتِهِ بَدَلٌ مَضْمُونٌ ، فَلَمْ يُسَلِّمْ مَا تَصِحُّ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَأَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَ أَحَدُ الطَّالِبَيْنِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَالًا ، فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ أَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ شَيْئًا بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَدْرَ الْقَرْضِ وَقِيمَةَ الْمُسْتَهْلَكِ صَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ ، وَالِاقْتِصَاصُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ

مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَوْ كَانَ وَجَبَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِ الطَّالِبَيْنِ دَيْنٌ بِسَبَبٍ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمَا عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَصَارَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا بِمَا لِأَحَدِ الطَّالِبَيْنِ ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ لِشَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ بَلْ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ ، إذْ الْأَصْلُ فِي الدَّيْنَيْنِ إذَا الْتَقَيَا قِصَاصًا أَنْ يَصِيرَ الْأَوَّلُ مَقْضِيًّا بِالثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الثَّانِي ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُشَارَكَةُ ، إذْ الْمُشَارَكَةُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَوْفَى ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُمَا الْمَالُ قَتَلَ عَبْدَ الْمَطْلُوبِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَصَالَحَهُ الْمَطْلُوبُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، وَبَرِئَ مِنْ حِصَّةِ الْقَاتِلِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَكَانَ لِشَرِيكِ الْقَاتِلِ أَنْ يُشْرِكَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَمْسَمِائَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْغَرِيمَةَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُرْسَلَةٍ ، أَوْ اسْتَأْجَرَ الْغَرِيمَ بِخَمْسِمِائَةٍ مُرْسَلَةٍ ، فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى نَفْسِ الدَّيْنِ أَوْ تَزَوَّجَ بِهِ .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ أَنَّ الْعَقْدَ هُنَا وَهُوَ الصُّلْحُ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْمُقَاصَّةَ ؛ فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مَعْنًى بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى نَفْسِ الدَّيْنِ وَالتَّزَوُّجِ بِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ مَا وَقَعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ أُضِيفَ إلَى نَفْسِ الدَّيْنِ ، فَلَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَّةُ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ أَيْضًا مَا يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ فَلَا يَرْجِعُ وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَارِثُهُ وَتَرَك مَالًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ اشْتَرَكَا

بِالْحِصَصِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إلَى الْوَرَثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } رَتَّبَ الْمِيرَاثَ عَلَى الدَّيْنِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ إلَى الْوَارِثِ فَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ ، وَكَانَ دَيْنُ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ وَلَوْ أُعْطِيَ الْمَطْلُوبُ لِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِحِصَّتِهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ ، وَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ حُكْمًا فَكَانَ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً ، وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْمَطْلُوبِ عَبْدًا فَمَاتَ عِنْدَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لِقِيمَةِ الْعَبْدِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وَالِاسْتِنَادِ .
وَلَوْ ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْ الْعَبْدِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِك الْمَضْمُونَ ، فَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ نَفْسِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَسَلَّمَ لَهُ مَا يُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ كَمَا يَضْمَنُ فِي الْغَاصِبِ .
وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَرَدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) شَرِكَةُ الْعُقُودِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً أَوْ صَحِيحَةً ، أَمَّا الصَّحِيحَةُ ، فَأَمَّا الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ فَنُبَيِّنُ أَحْكَامَ الْعِنَانِ مِنْهَا وَالْمُفَاوَضَةِ وَمَا يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ، وَمَا لَا يَجُوزُ ، أَمَّا الْعِنَانُ فَلِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُمَا بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ بِبَيْعِ مَالِ الشَّرِكَةِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلَ صَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهُمَا مِنْ الشَّرِكَةِ الرِّبْحُ وَذَلِكَ بِالتِّجَارَةِ ، وَمَا التِّجَارَةُ إلَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ ، فَكَانَ إقْدَامُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ إذْنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ دَلَالَةً ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الشَّرِكَةِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْبَيْعِ بِمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ وُجِدَ مُطْلَقًا وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْبَيْعُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ وَكَثِيرِهِ لِمَا قُلْنَا إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحُ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَكَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَقْدِ دَلَالَةً ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ .
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَّلَ الْآخَرُ ، لَمْ يَجُزْ تَأْجِيلُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ ؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، هَذَا إذَا عَقَدَ أَحَدُهُمَا وَأَجَّلَ الْآخَرُ ، فَأَمَّا إذَا عَقَدَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَجَّلَ الْعَاقِدُ ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ

فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَعَاقِدٌ .
وَأَمَّا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ، أَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْخِيرَ الثَّمَنِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ .
( وَوَجْهُ ) الْبِنَاءِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَكِيلٌ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا أَخَّرَ يَضْمَنُ مِنْ مَالِهِ لِلْمُوَكِّلِ عِنْدَهُمَا ، وَهُنَا لَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ الْعَاقِدُ ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الْعَاقِدَ يَمْلِكُ أَنْ يُقَايِلَ الْبَيْعَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِنَسِيئَةٍ ، وَإِذَا لَمْ يُقَايِلْ وَأَخَّرَ الدَّيْنَ جَازَ ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُقَايِلَ وَيَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ ، فَإِذَا أَخَّرَ يَضْمَنُ ، وَلَهُ يَشْتَرِي بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ؛ لِمَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ شَيْئًا نَسِيئَةً وَكَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَاشْتَرَى بِذَلِكَ الْجِنْسِ شَيْئًا نَسِيئَةً فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ وَلَا دَنَانِيرُ ، فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ شَيْئًا ، كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا شِرَاءَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ لَصَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ ، وَالشَّرِيكُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ كَالْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَالُ الشَّرِكَةِ أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ ، فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ فَكَانَ الشِّرَاءُ بِالْأَثْمَانِ اسْتِدَانَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهَا وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ

بِاسْتِدَانَةٍ وَحَكَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دَنَانِيرُ ، فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ ؛ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زُفَرَ يَعْتَبِرُ الْمُجَانَسَةَ فِي رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ حَقِيقَةً حَتَّى أَبَى انْعِقَادَ الشَّرِكَةِ فِي الدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةً ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ صُورَةً بِالدَّرَاهِمِ وَعِنْدَهُ عُرُوضٌ ، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ الْمُجَانَسَةَ مَعْنًى وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ ، وَقَدْ تَجَانَسَا فِي الثَّمَنِيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَلَهُ أَنْ يُبْضِعَ مَالَ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ ، وَالْإِبْضَاعُ مِنْ عَادَاتِهِمْ ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْبِضَاعَةِ بِعِوَضٍ ، فَالْإِبْضَاعُ أَوْلَى ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبِضْعِ فِي الْبِضَاعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَهُ أَنْ يُودِعَ ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَمِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلتَّاجِرِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ اعْتِرَاضِ أَحْوَالٍ تَقَعُ عَادَةً ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَحْفِظَ الْمُودَعَ بِأَجْرٍ فَبِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْلَى ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ ، فَإِنْ شَارَكَ رَجُلًا شَرِكَةَ عِنَانٍ ، فَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ فَنِصْفُهُ لَهُ ، وَنِصْفُهُ لِلشَّرِيكَيْنِ ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الشَّرِكَةَ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ ، يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ ، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ ، فَكَانَ نِصْفُ مَا اشْتَرَاهُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ اشْتَرَى الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُشَارِكْ فَمَا اشْتَرَاهُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ فَبَقِيَ مَا اشْتَرَاهُ عَلَى حُكْمِ الشَّرِكَةِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : إذَا شَارَكَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ رَجُلًا شَرِكَةَ

مُفَاوَضَةٍ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ شَرِيكِهِ ؛ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً وَكَانَتْ شَرِكَةَ عِنَانٍ ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي فَسْخَ شَرِكَةِ الْعِنَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوِضَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكَهُ فِي كُلِّ الْمَالِ ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلشَّرِكَةِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ مَعَ غِيبَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ صَحَّتْ الْمُفَاوَضَةُ ؛ وَذَلِكَ إبْطَالٌ لِشَرِكَةِ الْعِنَانِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَ الشَّرِكَةِ مَعَ حُضُورِ صَاحِبِهِ ؛ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ لَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ إيجَابُ حَقٍّ فِي الْمَالِ ؛ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ رَبُّ الْمَالِ ؛ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الشَّرِكَةِ مُضَارَبَةً ؟ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ نَوْعُ شَرِكَةٍ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ يَشْتَرِكَانِ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الشَّرِكَةَ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ ، فَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارَبَةَ .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ؛ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الدَّفْعَ مُضَارَبَةً أَوْلَى لِأَنَّ الْأَجِيرَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ، سَوَاءٌ حَصَلَ فِي الشَّرِكَةِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِعَمَلِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ فَلَمَّا مَلَكَ الِاسْتِئْجَارَ ، فَلَأَنْ يَمْلِكَ الدَّفْعَ مُضَارَبَةً أَوْلَى ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالشَّرِكَةِ غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فَوْقَ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ؛ وَالْمُضَارَبَةُ تُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الْفَرْعِ لَا فِي الْأَصْلِ ، وَالشَّيْءُ يَسْتَتْبِعُ مَا هُوَ دُونَهُ وَلَا يَسْتَتْبِعُ مَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ؛

لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مِثْلُ الْمُضَارَبَةِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِإِطْلَاقِ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ مِثْلُ الْوَكَالَةِ ، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ كُلَّ مَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّرِيكِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ وَأَعَمَّ مِنْهُ ، فَمَا كَانَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَ فَالشَّرِيكُ أَوْلَى ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا مُضَارَبَةً ، وَيَكُونَ رِبْحَهُ لَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ ، فَيَخْتَصُّ بِهِ كَمَا لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ ، وَالتَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ عَادَاتِهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ لَا يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَةَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ بِنَفْسِهِ ، فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْكِيلِ ؛ فَكَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ بَلْ لَا يَمْلِكُ إلَّا الشِّرَاءَ فَيُمْكِنُهُ مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهِ ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ ؛ وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ أَعَمُّ مِنْ الْوَكَالَةِ ، وَالْوَكَالَةُ أَخَصُّ مِنْهَا وَالشَّيْءُ يَسْتَتْبِعُ دُونَهُ وَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي خَادِمٍ أَوْ ثَوْبٍ خَاصَّةً أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِبَيْعِهِ وَإِنْ وَكَّلَ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرِكَةُ مِلْكٍ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْلَاكِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ ؛

لِانْعِدَامِ الْمُطْلِقِ لِلتَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْوِلَايَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا ، وَيَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَيَأْمُرَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِمَا ، وَالْمَالُ مِنْ الشَّرِكَةِ ، لِمَا قُلْنَا إنَّ الشَّرِيكَ يَمْلِكَ التَّوْكِيلَ ، فَكَانَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ فَإِنْ أَخْرَجَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الْوَكِيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ إنْ كَانَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا مَلَكَ التَّوْكِيلَ عَلَى صَاحِبِهِ مَلَكَ الْعَزْلَ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَكِيلٌ لِشَرِيكِهِ ، فَإِذَا وَكَّلَ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِي تَقَاضِي مَا دَايَنَهُ ، فَلَيْسَ لِلْآخَرِ إخْرَاجُهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ شَرِيكَهُ ، فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ عَنْهُ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَجِيرًا لِشَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ التِّجَارَةِ حَتَّى يَمْلِكَهَا الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ ، وَهُوَ مِنْ عَادَاتِ التُّجَّارِ أَيْضًا ، وَمِنْ ضَرُورَات التِّجَارَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ لَا يَجِدْ بُدًّا مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ ، فَكَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ فَيَمْلِكُ الِاسْتِئْجَارَ ، وَالْأَجْرُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ يُطَالَبُ بِهِ دُونَ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ لَا شَرِيكُهُ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْعَقْدِ ، وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَهُوَ الشِّرَاءُ ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ بِمَا بَاعَهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءُ الدَّيْنِ وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاؤُهُ ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ .

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا ، لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ ، لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَهَنَ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِمَا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَ الْآخَرِ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِأَمْرِهِ ، فَلَا يَمْلِكُ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ ، وَاسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ ثَمَنِ مَا عَقَدَهُ شَرِيكُهُ لِنَفْسِهِ ، فَلَا يَمْلِكُ ارْتِهَانَهُ ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ، ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الرَّهْنَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ يَكُونُ مَضْمُونًا كَالصَّحِيحِ ، فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الِارْتِهَانِ وَإِنْ وَلِيَهُ غَيْرُهُ ، فَإِذَا ارْتَهَنَهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ صُورَةً ، فَذَهَبَ الرَّهْنُ بِحِصَّتِهِ ، وَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ تَقَرَّرَ اسْتِيفَاءُ كُلِّ الدَّيْنِ ، وَمَنْ اسْتَوْفَى كُلَّ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ؛ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِحِصَّتِهِ ، وَيَرْجِعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْقَابِضِ بِمَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ إلَيْهِ لِيَمْلِكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا سَلَّمَ ، وَلَمْ يَمْلِكْ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ، كَذَا هُنَا ، لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ دَيْنِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ

الْمُشْتَرَكَ كُلَّهُ ، كَانَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنَّ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ وَقَعَ لِلْقَابِضِ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ ، وَمَتَى شَارَكَهُ فِيهِ ، فَلِلْقَابِضِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِذَلِكَ ، ثُمَّ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ، هَكَذَا يَسْتَوْفِي هُوَ وَيُشَارِكُهُ الْآخَرُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَا الدَّيْنَ ، طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ : يَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ الشَّرِيكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ : لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ : أَعْطِنِي رَهْنًا بِدَيْنِ فُلَانٍ الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ فَأَعْطَاهُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَهَذَا الطَّعْنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ جَعَلَ الرَّهْنَ فِي يَدِ الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ رَهْنًا لِغَيْرِهِ ، وَشَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، فَقَدْ صَارَ عَدْلًا ، وَهَلَاكُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ بِقَبْضِ اسْتِيفَاءٍ ، وَهَهُنَا إنَّمَا قَبَضَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ ، وَالرَّهْنُ الْمَقْبُوضُ لِلِاسْتِيفَاءِ مَضْمُونٌ ، فَلَمْ يَصِحَّ الطَّعْنُ ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْمُلَاءَةِ وَالْإِفْلَاسِ وَكَوْنِ بَعْضِهِمْ أَمْلَأَ مِنْ بَعْضٍ ، وَفِي الْعَادَةِ يَخْتَارُ الْأَمْلَأَ فَالْأَمْلَأَ ، فَكَانَتْ الْحَوَالَةُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ فِي التَّوَثُّقِ لِلِاسْتِيفَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَالَ تَمْلِيكُ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمِثْلِهِ ؛ فَيَجُوزُ كَالصَّرْفِ ، وَحُقُوقُ عَقْدٍ تَوَلَّاهُ أَحَدُهُمَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ إنْسَانًا بِعَقْدٍ وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ قَبْضُهُ ، وَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ إلَيْهِ كَالْمُشْتَرِي مِنْ

الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَعُودُ إلَى الْعَاقِدِ ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحُقُوقَ لِلْمَالِكِ ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهَا الْعَاقِدُ ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْعَاقِدِ ، فَإِنْ دَفَعَ إلَى الشَّرِيكِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ بَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الدَّائِنِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ الدَّافِعُ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْقَابِضِ بَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، فَكَانَ الدَّافِعُ إلَى الْقَابِضِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَا يَبْرَأُ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ هَذَا الْقَبْضِ إذْ لَوْ نَقَضْنَاهُ لَاحْتَجْنَا إلَى إعَادَتِهِ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَى الْعَاقِدِ ، وَالْعَاقِدُ يَرُدُّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ إلَيْهِ ، فَلَا يُفِيدُ الْقَبْضُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ فِي الْحَالِ ، وَهَذَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَكِيلِ لَا يُطَالِبُ الشَّرِيكَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا أَدَانَهُ الْآخَرُ أَوْ بَاعَهُ وَالْخُصُومَةُ لِلَّذِي بَاعَ ، وَعَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الَّذِي لَمْ يَلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَلَا يُسْمَعُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فِيهِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ ، وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِمَا قُلْنَا ، وَلِلْعَاقِدِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فِيمَا اشْتَرَى وَبَاعَ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَايِلَ فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ

الشِّرَاءَ عَلَى الشَّرِكَةِ ، فَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَمَا بَاعَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ اشْتَرَى فَظَهَرَ عَيْبٌ لَا يَرُدُّ الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِهِ فِي مَتَاعٍ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ : وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فَرَدَّ الْقَاضِي الْمَبِيعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَثْبُتَ ، بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْبِ ثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُقَايِلَ فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَقْبَلَ الْعَقْدَ ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي جَازَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْمَبِيعِ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَإٍ بِالتَّعَاطِي ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَاعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَكَذَا الْقَبُولُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ ، وَإِقَالَةُ أَحَدِهِمَا تَنْفُذُ عَلَى الْآخَرِ ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَخَّرَ ثَمَنَهُ لِأَجْلِ الْعَيْبِ ، فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يُوجِبُ الرَّدَّ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ وَالْحَطُّ أَنْفَعَ مِنْ الرَّدِّ ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ حَطَّ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ أَوْ أَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ جَازَ فِي حِصَّتِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ تَبَرُّعٌ ، وَالْإِنْسَانُ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ ؛ لِأَنَّ

الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ ، وَمَا اشْتَرَى صَاحِبُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَيَاهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ مُرَابَحَةً وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ ؟ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا الْمُضَارِبُ وَالْمُبْضِعُ وَالْمُودَعُ لَهُمْ أَنْ يُسَافِرُوا .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ أَنْ يُسَافِرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ الْمُسَافَرَةَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ يُسَافِرُ أَيْضًا بِمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ وَلَا يُسَافِرُ بِمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفَرَ لَهُ خَطَرٌ ، فَلَا يَجُوزُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إلَّا بِإِذْنِهِ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، أَنَّهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهِ ، كَانَ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ .
( وَجْهُ ) الرِّوَايَةِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، وَمَا لَيْسَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، أَنَّ مَا لَهُ حِمْلٌ إذَا احْتَاجَ شَرِيكُهُ إلَى رَدِّهِ ، يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَلَا مُؤْنَةَ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ يُثْبِتُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ ، وَأَنَّهَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً عَنْ الْمَكَانِ ، وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا لِدَلِيلٍ ، وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ ، عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُودَعِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ كَالْمُودَعِ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ مَعَ مَا أَنَّ الشَّرِيكَ يَمْلِكُ أَمْرًا زَائِدًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُودَعُ ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ ، فَلَمَّا مَلَكَ الْمُودَعُ السَّفَرَ ؛

فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ الشَّرِيكُ أَوْلَى وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْمَالِ مُخَاطَرَةٌ بِهِ ، مُسَلَّمٌ ، إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا ( فَأَمَّا ) إذَا كَانَ آمِنًا ، فَلَا خَطَرَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالِابْتِغَاءِ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، وَرَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } ، وَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ لُزُومِ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غَرَامَةً فِي عَادَةِ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُؤْنَةٍ تَلْزَمُ تَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ : اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِكَ ، فَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُسَافَرَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُشَارَكَةُ ، وَخَلْطُ مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ لَهُ خَاصَّةً ، وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا ، وَإِذَا سَافَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ ، وَقَدْ أُذِنَ لَهُ بِالسَّفَرِ ، أَوْ قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ ، أَوْ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّرِكَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ فِي كِرَائِهِ وَنَفَقَتِهِ وَطَعَامِهِ وَإِدَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، رَوَى ذَلِكَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ ، لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ ؛ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ، وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّرَاضِي بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ

الْإِنْسَانَ لَا يُسَافِرُ بِمَالِ الشَّرِكَةِ ، وَيَلْتَزِمُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِرِبْحٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ ضَرَرٍ لِلْحَالِ لِنَفْعٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَكَانَ إقْدَامُهُمَا عَلَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ دَلِيلًا عَلَى التَّرَاضِي بِالنَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبِهِ كَالْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ فَرْعُ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الرِّبْحِ شَائِعًا كَالْمُضَارِبِ ، فَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَبِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، كَذَا هَذَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ : فَإِنْ رَبِحَتْ حُسِبَتْ النَّفَقَةُ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ جُزْءٌ تَالِفٌ مِنْ الْمَالِ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رِبْحٌ فَهُوَ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُضَارِبِ ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ ، لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ ، وَصَاحِبُهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَهَبَ ، وَلَا أَنْ يُقْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرَّعَ .
( أَمَّا ) الْهِبَةُ فَلَا شَكَّ فِيهَا .
( وَأَمَّا ) الْقَرْضُ ؛ فَلِأَنَّهُ لَا عِوَضَ لَهُ فِي الْحَالِ ، فَكَانَ تَبَرُّعًا فِي الْحَالِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ عَلَى شَرِيكِهِ ، وَسَوَاءٌ قَالَ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ ، أَوْ لَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَيْهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ مَالًا لَزِمَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِالْعَقْدِ ، فَكَانَ كَالصَّرْفِ ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ شَرِيكِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ اسْتِعَارَةً فِي الْحَالِ ، فَهُوَ

يَمْلِكُ الِاسْتِعَارَةَ ، وَإِنْ كَانَ تَمَلُّكًا يَمْلِكْهُ أَيْضًا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا ، وَلَا أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ ، وَالْكِتَابَةُ وَالْإِعْتَاقُ لَيْسَا مِنْ التِّجَارَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ ، وَسَوَاءٌ قَالَ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ ، أَوْ لَا ؛ لِمَا قُلْنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَة وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ ، فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنٍ نَصًّا ، وَكَذَلِكَ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .
وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَجُزْ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي إيجَابِ الْحَقِّ عَلَى شَرِيكِهِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمُفَاوَضَةِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ ، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ لَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ وَلَوْ أَقَرَّ بِجَارِيَةٍ فِي يَدِهِ مِنْ تِجَارَتِهِمَا ، أَنَّهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَجَازَ فِي نَصِيبِهِ ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ يَنْفُذُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ شَهَادَةٌ ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِيمَا تَتَضَمَّنُهُ الشَّرِكَةُ ، وَالشَّرِكَةُ لَمْ تَتَضَمَّنْ الْإِقْرَارَ ، وَمَا ضَاعَ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فِي ضَيَاعِ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ : فَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ إذَا فَعَلَهُ ، فَيَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَفْعَلَهُ ، وَإِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ أَعَمُّ مِنْ الْعِنَانِ ، فَلَمَّا جَازَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ فَجَوَازُهُ لِلْمُفَاوِضِ أَوْلَى ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ شَرْطًا لِصِحَّةِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ فَهُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَعَمَّ مِنْ الْعِنَانِ ، فَهُوَ يَقْتَضِي شُرُوطَ الْعِنَانِ ، وَزِيَادَةً وَكَذَا مَا فَسَدَتْ بِهِ شَرِكَةُ الْعِنَانِ ، تَفْسُدُ بِهِ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ يُفْسِدُهَا مَا لَا يُفْسِدُ الْعِنَانَ ، لِاخْتِصَاصِهَا بِشَرَائِطَ لَمْ تُشْتَرَطْ فِي الْعِنَانِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَالْآنَ نُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمُفَاوَضَةِ الَّتِي تَجُوزُ لِلْمُفَاوِضِ ، وَلَا تَجُوزُ لِلشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : يَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ ، وَيُطَالِبُ الْمُقِرُّ لَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ ؛ فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ ، وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ بِكَفَالَتِهِ ، وَكَذَلِكَ مَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ كَثَمَنِ الْمُشْتَرَى فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَقِيمَتِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَأُجْرَةِ الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْخِلَافِ فِي الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ وَالِاسْتِهْلَاكَات ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ أَخَذَ هَذَا بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ شَرِيكَهُ بِحَقِّ الْكَفَالَةِ ، أَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ، فِيمَا يَلْزَمُهُ

بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ ، وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَعْقِدْ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَهُ كَمَا لَزِمَ شَرِيكَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ شَرِيكِهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بِالدَّيْنِ تُسْمَعُ عَلَى الْكَفِيلِ كَمَا تُسْمَعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، وَكَذَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ ، وَكَذَا الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تِجَارَةٌ .
( وَأَمَّا ) الْغَصْبُ فَلِأَنَّ ضَمَانَهُ فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِيهِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ ، فَكَانَ فِي مَعْنَى ضَمَانِ الْبَيْعِ ، وَالْخِلَافُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ ، فَكَانَ ضَمَانُهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ .
( وَأَمَّا ) أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ وَلَا فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ أَيْضًا ؛ لِانْعِدَامِ مَعْنَى مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ رَأْسًا .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَلْزَمُ إلَّا فَاعِلَهُ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ ، وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَضَمَانَ الْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمَضْمُونَ عِوَضًا عَنْهُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْمَضْمُونَ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أَصْلًا .
وَلَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ إنْسَانٍ ، فَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ ، يَلْزَمُ شَرِيكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُ ، وَإِنْ كَفَلَ بِنَفْسٍ لَا يُؤْخَذْ بِذَلِكَ شَرِيكُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ ، فَلَا تَلْزَمُ صَاحِبَهُ

كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تَبَرُّعٌ اخْتِصَاصُ جَوَازِهَا بِأَهْلِ التَّبَرُّعِ ، حَتَّى لَا تَجُوزَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ، وَكَذَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَالشَّرِكَةُ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى التَّبَرُّعِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَقَعُ تَبَرُّعًا بِابْتِدَائِهَا ، ثُمَّ تَصِيرُ مُعَاوَضَةً بِانْتِهَائِهَا لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ ، حَتَّى يَرْجِعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِمَا كَفَلَ ، إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَقُلْنَا : لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَمَلًا بِالِابْتِدَاءِ ، وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ عَمَلًا بِالِانْتِهَاءِ ، وَحُقُوقُ عَقْدٍ تَوَلَّاهُ أَحَدُهُمَا تَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا ، حَتَّى لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ، يُطَالَبُ غَيْرُ الْبَائِعِ مِنْهُمَا بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، كَمَا يُطَالَبُ الْبَائِعُ ، وَيُطَالِبُ غَيْرُ الْبَائِعِ مِنْهُمَا الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ كَالْبَائِعِ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا يُطَالِبُ الْآخَرَ بِالثَّمَنِ ، كَمَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ ، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ كَمَا لِلْمُشْتَرِي .
وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا عَيْبًا بِالْمَبِيعِ ، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ كَمَا لِلْمُشْتَرِي ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُشْتَرِي .
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا سِلْعَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ .
وَلَوْ أَنْكَرَ الْعَيْبَ ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ عَلَى الْبَتَاتِ ، وَشَرِيكَهُ عَلَى الْعِلْمِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ .
وَلَوْ بَاعَا سِلْعَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ عَلَى

الْبَتَاتِ ، وَعَلَى النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ شَرِيكُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْعِلْمِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَتَاتِ فِيمَا بَاعَ ، وَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَهُمَا جَمِيعًا فِي خَرَاجِ التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا سَوَاءٌ ، فَفِعْلُ أَحَدِهِمَا فِيهَا كَفِعْلِهِمَا ، وَقَوْلُ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِمَا ، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ شَخْصَانِ وَفِي أَحْكَامِ التِّجَارَةِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ التِّجَارَةِ ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ عَامٌّ ، كَتَصَرُّفِ الْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : كُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ فَالْمُفَاوِضُ فِيهِ أَجْوَزُ أَمْرًا ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ كِتَابَةَ عَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِذْنَهُ بِالتِّجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ رَأْسًا ، فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْمُفَاوِضُ أَوْلَى .
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ شَيْئًا مِنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ ، وَيَبْقَى الْبَدَلُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ قَدْ يُسَلَّمُ لَهُ وَقَدْ لَا يُسَلَّمُ ، فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ يَتَعَلَّقَانِ بِرَقَبَتِهِ ، وَتَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهُ ، وَيَكُونُ وَلَدُهُ لِغَيْرِهِ ، فَكَانَ التَّزْوِيجُ ضَرَرًا مَحْضًا ، فَلَا يُمْلِكُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ نَفْعٌ مَحْضٌ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ وَالْوَلَدَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا ، وَتَصَرُّفُ الْمُفَاوِضِ نَافِذٌ فِي كُلِّ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ

أَوْ لَا ، بِخِلَافِ الشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فَإِنَّ نَفَاذَ تَصَرُّفِهِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، فَلَا يَنْفُذُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ كَتَصَرُّفِ الْمُفَاوِضِ لِوُجُودِ النَّفْعِ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الشَّرِيكِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ يَسْتَحِقُّهُ الْأَجِيرُ بِيَقِينٍ ، فَالدَّفْعُ مُضَارَبَةً أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ مِنْهَا بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَانٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ أَخَصُّ مِنْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ ، فَكَانَتْ دُونَهَا ، فَجَازَ أَنْ تَتَضَمَّنَهَا الْمُفَاوَضَةُ كَمَا تَتَضَمَّنُ الْعِنَانُ الْمُضَارَبَةَ ، لِأَنَّهَا دُونَهَا فَتَتْبَعُهَا ؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَالِ ابْنِهِ ، فَيَمْلِكُ الْمُفَاوِضُ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ حَقًّا فِي مَالِ شَرِيكِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، هَذَا إذَا شَارَكَ رَجُلًا شَرِكَةَ عِنَانٍ ، فَأَمَّا إذَا فَاوَضَ جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَجُوزُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ عَامٌّ فَيَصِيرُ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَتَصَرُّفِ الْآخَرِ ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ مِثْلُ الْمُفَاوَضَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ إيفَاءٌ ، وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ فِيمَا

عَقَدَهُ صَاحِبُهُ ، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْضِيَ مَا أَدَانَاهُ ، أَوْ ادَّانَهُ صَاحِبُهُ ، أَوْ مَا يُوجِبُ لَهُمَا مِنْ غَصْبٍ عَلَى رَجُلٍ أَوْ كَفَالَةٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلُ الْآخَرِ ، فَيَمْلِكُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حُقُوقَهُ بِالْوَكَالَةِ ، وَمَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ صَاحِبِهِ يُطَالَبُ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ، وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ خَصْمٌ فِيمَا يَدَّعِي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا مِنْ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَهُوَ لَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ ، لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَكُونَ لَهُ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَكَانَ مُسْتَثْنَى مِنْ الْمُفَاوَضَةِ فَاخْتَصَّ بِهِ الْمُشْتَرِي ، لَكِنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ ، وَإِنْ وَقَعَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ بِبَدَلِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ الشَّرِيكَ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ ثَمَنِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الِانْفِرَادِ بِمِلْكِهَا ، فَصَارَتْ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ

وَالْكِسْوَةِ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ ضَرُورَةً فَأُخْرِجَا عَنْ عُمُومِ الشَّرِكَةِ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرَرَ فِي الْجَارِيَةِ فَبَقِيَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ الْعُمُومِ ، فَإِنْ اشْتَرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا لِشَرِيكِهِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ ؛ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا ، فَهَذِهِ جَارِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَطَأَهَا ، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا جَارِيَةً لِيَطَأَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ، فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ ، أَنَّ الشَّرِيكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَوْ لَا يَرْجِعُ ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْخِلَافَ فَقَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ مُتَحَقِّقَةٌ فَتُلْحَقُ بِالْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً وَقَعَتْ لَهُ خَاصَّةً ، وَصَارَتْ مُسْتَثْنَاةً عَنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ ، فَقَدْ نَقَدَ مَا لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِالنِّصْفِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ إذَا اشْتَرَاهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ، أَنْ يَقَعَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الشَّرِيكِ بِالشِّرَاءِ إلَّا فِيمَا فِيهِ ضَرُورَةٌ ، وَهُوَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْوَطْءِ فَوَقَعَ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ بِالْإِذْنِ الثَّابِتِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى إذْنٍ آخَرَ ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِذْنُ الْجَدِيدُ مِنْ الشَّرِيكِ لِوُقُوعِ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الشَّرِكَةِ بِدُونِهِ ، فَكَانَ لِلتَّمْلِيكِ كَأَنَّهُ قَالَ : اشْتَرِ جَارِيَةً بَيْنَنَا ، وَقَدْ مَلَّكْتُكَ نَصِيبِي مِنْهَا فَكَانَتْ الْهِبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالشِّرَاءِ ، فَإِذَا اشْتَرَى وَقَبَضَ ، صَحَّتْ الْهِبَةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ قَبَضْتَ مَالِي عَلَى فُلَانٍ ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ ،

فَقَبَضَهُ ، يَمْلِكُهُ كَذَا هُوَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَ الْوَاقِعِ عَلَى الشَّرِكَةِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ ، فَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلْوَطْءِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ، فَعَلَى الْوَاطِئِ الْعُقْرُ ، يَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ بِالْعُقْرِ أَيَّهُمَا شَاءَ .
( وَأَمَّا ) وُجُوبُ الْعُقْرِ فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ وَطْءَ مِلْكِ الْغَيْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْغَرَامَتَيْنِ ، إمَّا الْحَدُّ وَإِمَّا الْعُقْرُ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ ، وَهِيَ صُورَةُ الْبَيْعِ ، فَيَجِبُ الْعُقْرُ .
وَأَمَّا وِلَايَةُ الْأَخْذِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ؛ فَلِأَنَّ هَذَا ضَمَانٌ وَجَبَ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ ، وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ التِّجَارَةِ ، فَكَانَ هَذَا ضَمَانَ التِّجَارَةِ ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ .
وَلَوْ أَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي بَيْعِ مَا بَاعَهُ الْآخَرُ ، جَازَتْ الْإِقَالَةُ عَلَيْهِمَا ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَلِأَنَّ الشَّرِيكَ شَرِكَةَ الْعِنَانِ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَالْمُفَاوِضُ أَوْلَى ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ تَفَرَّقَا ، لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي لَمْ يَلِ الْمُدَايَنَةَ أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَطَلَتْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ لِبُطْلَانِ أَمْرِهِ بِمَوْتِهِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ لِتَعَذُّرِ تَصَرُّفِهِ فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى الْعَقْدَ ، وَيَجُوزُ قَبْضُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ فِيهِ ، وَقَبْضُ الْوَكِيلِ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا .
(

وَأَمَّا ) الَّذِي وَلِيَ الْمُدَايَنَةَ ، فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْجَمِيعَ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، فَلَا يَبْطُلُ بِانْفِسَاخِ الشَّرِكَةِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِالْعَزْلِ .
وَلَوْ آجَرَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فِي الْخِيَاطَةِ أَوْ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ ، فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ فَالْأَجْرُ لَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ آجَرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ يَمْلِكُ أَنْ يَتَقَبَّلَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ ، فَإِذَا عَمِلَ فَقَدْ أَوْفَى مَا عَلَيْهِمَا ، فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا ، وَفِي الثَّانِي لَا يَمْلِكُ التَّقَبُّلَ عَلَى صَاحِبِهِ ، بَلْ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً ، فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ خَاصَّةً ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُفَاوَضَةِ ، فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَى فَقَدْ صَارَ الْمَقْضِيُّ دَيْنًا عَلَى الْقَاضِي أَوَّلًا ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَى الْقَاضِي ، فَكَانَ هَذَا تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ فَتَنَاوَلَهُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ ، فَمَلَكَهُ فَجَازَ الْقَضَاءُ ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ سَبِيلٌ عَلَى الَّذِي قَبَضَ الدَّيْنَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَبْضَهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لِلشَّرِيكِ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ ، وَيَرْجِعَ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ نَفْسِهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ ، وَلَا تَنْتَقِضُ الْمُفَاوَضَةُ ، وَإِنْ ازْدَادَ مَالُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَيْنٌ ، وَزِيَادَةُ مَالِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَانَتْ دَيْنًا ، لَا تُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُفَاوَضَةِ ، كَمَا لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَهَا ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ ، فَإِذَا اسْتَرْجَعَ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ ؛ لِأَنَّهُ ازْدَادَ لَهُ مَالٌ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ عَلَى مَالِ شَرِيكِهِ .
وَلَوْ رَهَنَ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ ، فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، ذَهَبَتْ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَا يَضْمَنُ مَا

بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ مُودَعًا فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ مِنْ الرَّهْنِ ، وَلِلْمُودَعِ وَالْمُفَاوِضِ أَنْ يُودِعَ ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ أَيْتَامٍ رَهَنَ أَمَةً لَهُمْ بِأَرْبَعِمِائَةٍ عَلَيْهِ ، وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، ذَهَبَتْ بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَذَلِكَ يَكُونُ دَيْنًا لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْوَصِيِّ ، وَهُوَ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ يَرْهَنُ أَمَةَ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ الْإِيدَاعَ وَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فَكَانَتْ وَدِيعَةً قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ أَقْرَضَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مَالًا فَأَعْطَاهُ رَجُلًا ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ سَفْتَجَةً كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَيْهِمَا ، وَلَا يَضْمَنُ ؛ تَوَى الْمَالُ أَوْ لَمْ يَتْوِ ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَقْرَضَ وَأَخَذَ السَّفْتَجَةَ يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّ الْكَفِيلَ فِي حُكْمِ الْمُقْرِضِ ، فَإِذَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ جَازَ الْقَرْضُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّبَرُّعِ ، فَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَقَالُوا فِي أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ، إذَا اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ لِيَحُجَّ وَيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعَ بَيْتِهِ فَلِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْأَجْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ ، الْمَنْفَعَةُ ؛ مِمَّا يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي الشَّرِكَةِ ، أَلَا تَرَى لَوْ أَبْدَلَهُ مِنْ حَمْلِ مَتَاعِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا مَتَاعَ الشَّرِكَةِ جَازَ ، وَإِذَا دَخَلَ فِي الشَّرِكَةِ كَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِمَا فَيُطَالِبُ بِهِ شَرِيكَهُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا لِنَفْسِهِ أَنَّ الْمُشْتَرَى يَقَعُ لَهُ وَيُطَالَبُ الشَّرِيكُ بِالثَّمَنِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَوْ آجَرَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا لَهُ وَرِثَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ

أَنْ يَقْبِضَ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَالٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الشَّرِكَةِ ؛ فَلَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ كَالدَّيْنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الشَّرِكَةُ بِالْأَعْمَالِ فَأَمَّا الْعِنَانُ مِنْهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ ، وَمَتَى تَقَبَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ أَذِنَ لِصَاحِبِهِ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ وَكِيلُهُ فِيهِ كَأَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْعَمَلِ أَيَّهُمَا شَاءَ لِوُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُطَالِبَ صَاحِبَ الْعَمَلِ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ كُلُّ الْعَمَلِ ، فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ ، وَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ صَاحِبُ الْعَمَلِ بَرِئَ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى مَنْ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَعَلَى أَيِّهِمَا وَجَبَ ضَمَانُ الْعَمَلِ ، وَهُوَ جِنَايَةُ يَدِهِ ، كَانَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ بِهِ اسْتِحْسَانًا ، كَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ : إذَا جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ، يَأْخُذُ صَاحِبُ الْعَمَلِ أَيَّهُمَا شَاءَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ عِنَانٍ لَا شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَنَّ مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِهِ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْآخَرُ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ ضَمَانٍ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ بِهِ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ مُقْتَضِيَةً وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، كَانَتْ مُقْتَضِيَةً وُجُوبَ ضَمَانِ الْعَمَلِ ، فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً حَقِيقَةً ؛ حَتَّى قَالُوا فِي الدَّيْنِ : إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ

مُسْتَهْلَكًا إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ ، كَذَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَجْرِ أَجِيرٍ أَوْ حَانُوتٍ بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْإِجَارَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ وَمُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَمْ تَمْضِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ جَحَدَهُ شَرِيكُهُ كَمَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْمُفَاوَضَةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا خَاصَّةً ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا ثَوْبًا عِنْدَهُمَا فَأَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَجَحَدَ الْآخَرُ ، جَازَ الْإِقْرَارُ عَلَى الْآخَرِ ، وَيَدْفَعُ الثَّوْبَ وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ ، قَالَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَفَاوِضَيْنِ حَتَّى يُصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بَلْ هُمَا شَرِيكَانِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ؛ فَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ كَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ فِي الْمَالِ إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَوْبٍ مِنْ شِرْكَتِهِمَا وَجَحَدَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إقْرَارَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي نَصِيبِهِ ، كَذَا هَذَا ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ : يَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَلَا يَنْفُذُ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ الشَّرِيكِ ( وَوَجْهُهُ ) مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْءَ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا أَقَرَّ بِثَوْبٍ فِي أَيْدِيهِمَا لَا يَنْفُذُ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّا ، وَأَلْحَقْنَاهَا بِالْمُفَاوَضَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ ، وَالْمُطَالَبَةِ بِالْأُجْرَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ ضَمَانِ الْعَمَلِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ حُكْمُ الْمُفَاوَضَةِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعَمَلِ وَهُوَ وُجُوبُهُ حَتَّى لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّ الْعَمَلِ ؛ وَجَبَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ ، وَعَلَيْهِ

بِكُلِّ الْعَمَلِ ، وَلَزِمَهُ ضَمَانُ مَا حَدَثَ عَلَى شَرِيكِهِ يَظْهَرُ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ أَيْضًا ، فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، بِأَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ ، أَوْ بَطَلَ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِالْعَمَلِ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ إذَا اسْتَعَانَ بِرَجُلٍ عَلَى الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ ، أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ ؛ لِوُجُودِ ضَمَانِ الْعَمَلِ مِنْهُ وَهَهُنَا شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا ، فَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا يَصِيرُ الشَّرِيكُ الْقَابِلُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي النِّصْفِ ، وَلِشَرِيكِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ، وَيَجُوزُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ فِي الْكَسْبِ ، إذَا شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِي الضَّمَانِ ، بِأَنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَيْ الْكَسْبِ ، وَهُوَ الْأَجْرُ ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَشَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ ، سَوَاءٌ عَمِلَ الَّذِي شَرَطَ لَهُ الْفَضْلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ بَعْدَ أَنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِالضَّمَانِ لَا بِالْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّ الْآخَرُ الْأَجْرَ ، وَإِذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُ أَصْلِ الْأَجْرِ بِأَصْلِ ضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِالْعَمَلِ ، كَانَ اسْتِحْقَاقُ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِزِيَادَةِ الضَّمَانِ ، لَا بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ ، وَحُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عَلَّلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : الْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ ، وَالشَّرِيكُ قَدْ قَوَّمَهَا بِمِقْدَارِ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْعَمَلِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَصَّاصُ وَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فَضْلَ الْأَجْرِ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا بِأَنْ شَرَطَا ثُلُثَا الْأُجْرَةِ لَهُ ، جَازَ ، فَدَلَّ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ فَضْلِ الْأُجْرَةِ

بِفَضْلِ الضَّمَانِ لَا بِفَضْلِ الْعَمَلِ .
وَلَوْ شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الْأُجْرَةِ فَجَعَلَاهَا أَثْلَاثًا ، وَلَمْ يَنْسِبَا الْعَمَلَ إلَى نِصْفَيْنِ ، فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الْكَسْبِ ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ التَّفَاضُلِ فِي الْعَمَلِ ، كَانَ ذَلِكَ اشْتِرَاطًا لِلتَّفَاضُلِ فِي الْعَمَلِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا عِنْدَ إمْكَانِ التَّصْحِيحِ .
وَلَوْ شَرَطَا الْكَسْبَ أَثْلَاثًا ، وَشَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ فَضْلَ الْأُجْرَةِ لَا يُقَابِلُهَا مَالٌ ، وَلَا عَمَلٌ وَلَا ضَمَانٌ ، وَالرِّبْحُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ .
( وَأَمَّا ) الْوَضِيعَةُ فَلَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا إلَّا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا أَنَّ مَا يَتَقَبَّلَانِهِ فَثُلُثَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَثُلُثُهُ عَلَى الْآخَرِ ، وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، كَانَتْ الْوَضِيعَةُ بَاطِلَةً وَالْقِبَالَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إذَا انْقَسَمَ عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الضَّمَانِ فِي الْوَضِيعَةِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الرِّبْحِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا ، وَهُوَ الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ حَتَّى لَا تَكُونَ الْوَضِيعَةُ فِيهَا إلَّا بِقَدْرِ الْمَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الرِّبْحِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا ، فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ فِيهِ إلَّا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ أَوْلَى .

( وَأَمَّا ) الْمُفَاوَضَةُ مِنْهُمَا فَمَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِسَبَبِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ ، يَلْزَمُ صَاحِبَهُ ، وَيُطَالَبُ بِهِ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ أَجْرِ أَجِيرٍ أَوْ حَانُوتٍ ، وَيَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ بِالدَّيْنِ ، وَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ وَالشَّرِيكَ بِكَفَالَتِهِ .
وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا بِثَوْبٍ فِي أَيْدِيهِمَا ، فَأَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَجَحَدَ صَاحِبُهُ ، يُصَدَّقُ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ .

( وَأَمَّا ) الشَّرِكَةُ بِالْوُجُوهِ فَالْعِنَانُ مِنْهَا وَالْمُفَاوَضَةُ فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ لَهُمَا وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا ، وَمَا يَجُوزُ فِيهِ فِعْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى شَرِيكِهِ ، وَمَا لَا يَجُوزُ ، بِمَنْزِلَةِ شَرِيكِ الْعِنَانِ ، وَالْمُفَاوَضَةِ فِي الْأَمْوَالِ .

( وَأَمَّا ) الشَّرِكَةُ الْفَاسِدَةُ وَهِيَ الَّتِي فَاتَهَا شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ ، فَلَا تُفِيدُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَعْمَلَهُ بِالشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَالرِّبْحُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَصِحَّ ، فَأُلْحِقَ بِالْعَدَمِ ، فَبَقِيَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَالِ ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَالِ ، وَلَا أَجْرَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهُ أُجْرَةٌ فِيمَا عَمِلَ لِصَاحِبِهِ ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ ، إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا صِفَةُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ .
فَهِيَ أَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْفَسْخِ ، إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْفَسْخِ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ ، أَيْ بِعِلْمِهِ ، حَتَّى لَوْ فُسِخَ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ جَازَ الْفَسْخُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا ، وَعَلِمَ بِالْفَسْخِ ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْفَسْخُ ؛ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ إضْرَارٌ بِصَاحِبِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ عَزْلُ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ مَعَ مَا أَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ ، وَعِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَزْلِ ، فَكَذَا فِي الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهُ الشَّرِكَةُ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : إذَا شَارَكَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ رَجُلًا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ ، أَنَّهُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً ، وَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ صَحَّتْ الْمُفَاوَضَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ مَعَ غَيْرِهِ تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعِنَانِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ ، وَيَمْلِكُ عِنْدَ حَضْرَتِهِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الشَّرِكَةِ عَيْنًا وَقْتَ الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا وَقْتَ الْفَسْخِ ، لَا يَصِحُّ الْفَسْخُ ، وَلَا تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي الشَّرِكَة وَفِي الْمُضَارَبَةِ رِوَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا نَهَى الْمُضَارِبَ عَنْ التَّصَرُّفِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ وَقْتَ النَّهْيِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، صَحَّ النَّهْيُ ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ إلَى الدَّنَانِيرَ وَالدَّنَانِيرَ إلَى الدَّرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ بِهَا شَيْئًا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عُرُوضًا وَإِنْ كَانَ

رَأْسُ الْمَالِ وَقْتَ النَّهْيِ عُرُوضًا ، فَلَا يَصِحُّ نَهْيُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهَا لِيَظْهَرَ الرِّبْحُ ، فَكَانَ الْفَسْخُ إبْطَالًا لِحَقِّهِ فِي التَّصَرُّفِ فَجَعَلَ الطَّحَاوِيُّ الشَّرِكَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارَبَةِ ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَقَالَ يَجُوزُ فَسْخُ الشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عُرُوضًا وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ فِي يَدِ الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَهُمَا جَمِيعًا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فَيَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَهْيَ صَاحِبِهِ عَيْنًا كَانَ الْمَالُ أَوْ عُرُوضًا ، فَأَمَّا مَالُ الْمُضَارَبَةِ فَفِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لَهُ لَا لِرَبِّ الْمَالِ ، فَلَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا .

فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ .
فَمَا يَبْطُلُ بِهِ نَوْعَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : يَعُمُّ الشَّرِكَاتِ كُلَّهَا ( وَالثَّانِي ) : يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ ، أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْكُلَّ فَأَنْوَاعٌ : ( مِنْهَا ) الْفَسْخُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ ، فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ ، فَإِذَا فَسَخَهُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ الْفَسْخِ يَنْفَسِخُ ، ( وَمِنْهَا ) مَوْتُ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا مَاتَ انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ لِبُطْلَانِ الْمِلْكِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِالْمَوْتِ ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ ، وَمَوْتُ الْمُوَكِّلِ يَكُونُ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ ، فَلَا يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ ( وَمِنْهَا ) رِدَّةُ أَحَدِهِمَا مَعَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ ، ( وَمِنْهَا ) جُنُونُهُ جُنُونًا مُطْبَقًا ؛ لِأَنَّ بِهِ يَخْرُجُ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ ، وَجَمِيعُ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الشَّرِكَة ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ عَلَى نَحْوِ مَا فَصَّلْنَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَأَنْوَاعٌ ( مِنْهَا ) : هَلَاكُ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ قَبْلَ الْخَلْطِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الشَّرِكَاتِ ، فَإِذَا هَلَكَتْ فَقَدْ هَلَكَ مَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ وَحُصُولِ الْمَعْقُودِ بِهِ ، فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ ، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ ، وَيَتَعَيَّنَانِ فِي الشَّرِكَاتِ ، ثُمَّ إنَّمَا لَمْ تَتَعَيَّنْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ ، وَتَتَعَيَّنُ فِي الشَّرِكَاتِ ؛ لِأَنَّهُمَا جُعِلَا ثَمَنَيْنِ شَرْعًا ، فَلَوْ تَعَيَّنَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَانْقَلَبَا مُثْمَنَيْنِ ، إذْ الْمُثْمَنُ اسْمٌ لِعَيْنٍ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ ، فَلَوْ تَعَيَّنَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَكَانَ عَيْنًا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ ، فَكَانَ مُثْمَنًا ، فَلَا يَكُونُ ثَمَنًا ، وَفِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الشَّرْعِ ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَيْسَ فِي تَعْيِينِهَا فِي بَابِ الشَّرِكَةِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُقَابِلُهَا عِنْدَ انْعِقَادِ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِمَا عِوَضٌ ، وَلِهَذَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الشَّرِكَةِ ، أَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ فِيهِمَا تَغْيِيرًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَهُوَ جَعْلُهُمَا مُثْمَنَيْنِ لِمَا لَا عِوَضَ لِلْحَالِ يُقَابِلهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ وُضِعَ وَسِيلَةً إلَى الشَّرِكَةِ ، وَالْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ حُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، فَجُعِلَ حُكْمُهُمَا فِي حَقِّ الْمَنْعِ مِنْ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حُكْمَ الشِّرَاءِ ، فَلَمْ يَتَعَيَّنَا بِالْعَقْدِ وَالْإِشَارَةِ ،

بَلْ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ ، فَإِنَّهَا وَإِنْ وَقَعَتْ وَسِيلَةً إلَى الشِّرَاءِ لَكِنْ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ سَبَبٍ يُوجِبُ تَعَيُّنَ رَأْسِ الْمَالِ لِمَا مَرَّ ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْقَبْضِ مُعَيِّنًا لِرَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْقَبْضِ فِيهِمَا لِيَتَعَيَّنَ رَأْسُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا مَشْرُوطٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ، وَكَوْنُ الْعَمَلِ مَشْرُوطًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ فِي يَدِهِ لِيُمْكِنَهُ الْعَمَلَ ، وَكَوْنُ عَمَلِ الْآخَرِ مَشْرُوطًا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ ، فَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لِلتَّعَارُضِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ يُوجِبُ تَعَيُّنَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعَقْدُ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْقَبْضِ إلَّا الْعَقْدُ ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْقَبْضِ جُعِلَ الْعَقْدُ مُوجِبًا تَعَيُّنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَى الشِّرَاءِ ، لَكِنْ هَذِهِ الضَّرُورَةُ أَوْجَبَتْ اسْتِدْرَاكَهُ بِحُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ مَا جُعِلَ هُوَ وَسِيلَةً لَهُ .
( فَأَمَّا ) فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَعَمَلُ رَبِّ الْمَالِ لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ ، بَلْ لَوْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ ؛ لَأَوْجَبَ فَسَادَهَا فَأَمْكَنَ جَعْلُ الْقَبْضِ سَبَبًا لِلتَّعْيِينِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ الْعَقْدِ سَبَبًا ، فَلَمْ يُوجِبْ الْعَقْدُ التَّعْيِينَ إلْحَاقًا لَهُ بِالشِّرَاءِ ، ثُمَّ إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ الشِّرَاءِ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ مَالٌ مَلَكَهُ أَحَدُهُمَا بِيَقِينٍ ، وَأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ ، فَيَهْلَكُ عَلَى صَاحِبِهِ خَاصَّةً ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَخُلِطَا ، ثُمَّ هَلَكَ أَنَّهُ يَهْلَكُ مُشْتَرَكًا ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ أَنَّ الْهَالِكَ مَالُ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
( وَمِنْهَا ) فَوَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ رَأْسَيْ الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ بِالْمَالِ بَعْدَ وُجُودِهَا فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُسَاوَاةِ

بَيْنَ الْمَالَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ ، فَبَقَاؤُهَا شَرْطُ بَقَائِهَا مُنْعَقِدَةً ؛ لِأَنَّهَا مُفَاوَضَةٌ فِي الْحَالَيْنِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنَاهَا فِي الْحَالَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا تَفَاوَضَا ، وَالْمَالُ مُسْتَوٍ ، ثُمَّ وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ مِنْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ، وَصَارَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ ، أَنَّهُ تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ ؛ لِبُطْلَانِ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْعَقْدِ ، وَإِنْ وَرِثَ عُرُوضًا لَا تَبْطُلُ ، وَكَذَا لَوْ وَرِثَ دُيُونًا لَا تَبْطُلُ ، مَا لَمْ يَقْبِضْ الدُّيُونَ ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ ، وَكَذَا لَوْ ازْدَادَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ ؛ لِمَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يَقِفُ تَمَامُهُ عَلَى الشِّرَاءِ فَكَانَ الْمَوْجُودُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، كَالْبَيْعِ لَمَّا كَانَ تَمَامُهُ بِالْقَبْضِ كَانَ هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَهَلَاكِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَالزِّيَادَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ تَمْنَعُ مِنْ الِانْعِقَادِ ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ ، ثُمَّ ازْدَادَ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَة لَا تَتِمُّ مَا لَمْ يَشْتَرِ بِالْمَالِ ، فَصَارَ كَأَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ وَقْتَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ زَادَ الْمَالُ الْمُشْتَرَى فِي قِيمَتِهِ كَانَتْ الْمُفَاوَضَةُ بِحَالِهَا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهَا ؛ لِأَنَّهَا رِبْحٌ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَى فَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقِيَاسُ إذَا اشْتَرَى بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ قَبْلَ صَاحِبِهِ أَنَّهُ تُنْتَقَضُ الْمُفَاوَضَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِ بِهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا ، وَقَدْ مَلَكَ صَاحِبُهَا نِصْفَ مَا اشْتَرَاهُ

الْآخَرُ ، فَصَارَ مَالُهُ أَكْثَرَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا ، وَقَالُوا لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي اشْتَرَى وَجَبَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ نِصْفُ الثَّمَنِ دَيْنًا ، فَلَمْ يَفْضُلْ الْمَالُ ، فَلَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ ) يُحْتَاجُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى مَعْرِفَةِ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ رُكْنِهِ ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ صِفَةِ الْعَقْدِ ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ مَا يَبْطُلُ بِهِ ، وَمَعْرِفَةِ حُكْمِهِ إذَا بَطَلَ ، وَإِلَى بَيَانِ حُكْمِ اخْتِلَافِ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ .
( أَمَّا ) الْأَوَّلُ ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ بَلْ بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ ، وَلِعَمَلٍ مَجْهُولٍ ، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
( أَمَّا ) الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } وَالْمُضَارِبُ يَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } وقَوْله تَعَالَى { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } ( وَأَمَّا ) السُّنَّةُ ، فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : { كَانَ سَيِّدُنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً ، اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا وَلَا يَنْزِلَ بِهِ وَادِيًا ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ دَابَّةً ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبَةٍ ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ فَبَلَغَ شَرْطُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَ شَرْطَهُ } وَكَذَا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَتَعَاقَدُونَ الْمُضَارَبَةَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ تَقْرِيرٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَالتَّقْرِيرُ أَحَدُ وُجُوهِ السُّنَّةِ .
( وَأَمَّا ) الْإِجْمَاعُ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ دَفَعُوا مَالَ الْيَتِيمِ ، مُضَارَبَةً مِنْهُمْ سَيِّدُنَا عُمَرُ وَسَيِّدُنَا عُثْمَانُ وَسَيِّدُنَا عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ

عُمَرَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ أَحَدٌ ، وَمِثْلُهُ يَكُونُ إجْمَاعًا .
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ سَيِّدِنَا عُمَرَ قَدِمَا الْعِرَاقَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَمِيرٌ بِهَا فَقَالَ لَهُمَا : لَوْ كَانَ عِنْدِي فَضْلٌ لَأَكْرَمَتْكُمَا ، وَلَكِنْ عِنْدِي مَالٌ لِبَيْتِ الْمَالِ أَدْفَعُهُ إلَيْكُمَا ، فَابْتَاعَا بِهِ مَتَاعًا وَاحْمِلَاهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَبِيعَاهُ ، وَادْفَعَا ثَمَنَهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا قَدِمَا الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُمَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَذَا مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَاجْعَلَا رِبْحَهُ لَهُمْ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : لَيْسَ لَك ذَلِكَ ، لَوْ هَلَكَ مِنَّا لَضَمِنَّا فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اجْعَلْهُمَا كَالْمُضَارِبَيْنِ فِي الْمَالِ ، لَهُمَا النِّصْفُ وَلِبَيْتِ الْمَالِ النِّصْفُ فَرَضِيَ بِهِ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا تَعَامَلَ النَّاسُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْ أَحَدٍ ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ ، فَتُرِكَ بِهِ الْقِيَاسُ ، وَنَوْعٌ مِنْ الْقِيَاسِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَى عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التِّجَارَةِ ، وَقَدْ يَهْتَدِي إلَى التِّجَارَةِ لَكِنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ، فَكَانَ فِي شَرْعِ هَذَا الْعَقْدِ دَفْعُ الْحَاجَتَيْنِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَا شَرَعَ الْعُقُودَ إلَّا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَدَفْعِ حَوَائِجِهِمْ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا رُكْنُ الْعَقْدِ فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ، وَذَلِكَ بِأَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهِمَا فَالْإِيجَابُ هُوَ لَفْظُ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُقَارَضَةِ وَالْمُعَامَلَةِ ، وَمَا يُؤَدِّي مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ، بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ أَطْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ مِنْ رِبْحٍ ، فَهُوَ بَيْنَنَا عَلَى كَذَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمَعْلُومَةِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : مُقَارَضَةً أَوْ : مُعَامَلَةً وَيَقُولُ الْمُضَارِبُ : أَخَذْتُ أَوْ : رَضِيتُ أَوْ : قَبِلْتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَتِمُّ الرُّكْنُ بَيْنَهُمَا ، أَمَّا لَفْظُ الْمُضَارَبَةِ فَصَرِيحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ ، وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا ، سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ وَيَسْعَى فِيهَا لِابْتِغَاءِ الْفَضْلِ .
وَكَذَا لَفْظُ الْمُقَارَضَةِ صَرِيحٌ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْمُضَارَبَةَ مُقَارَضَةً كَمَا يُسَمُّونَ الْإِجَارَةَ بَيْعًا ، وَلِأَنَّ الْمُقَارَضَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَرْضِ ، وَهُوَ الْقَطْعُ ، سُمِّيَتْ الْمُضَارَبَةُ مُقَارَضَةً لِمَا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَقْطَعُ يَدَهُ عَنْ رَأْسَ الْمَالِ وَيَجْعَلُهُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَالْمُعَامَلَةُ لَفْظٌ يَشْتَمِلُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَهَذَا مَعْنَى هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا عَلَى كَذَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَى هَذَا الْعَقْدِ ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِمَعَانِيهَا لَا لِصُوَرِ الْأَلْفَاظِ ، حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ بِلَا خِلَافٍ ، وَيَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ عِنْدَنَا وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ لَوْ قَالَ : خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ فَابْتَعْ بِهَا مَتَاعًا ، فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَلَكَ النِّصْفُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقَبِلَ

هَذَا كَانَ مُضَارَبَةً اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُضَارَبَةً .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ ذَكَرَ الشِّرَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَضْلَ ، وَلَا يَحْصُلُ الْفَضْلُ إلَّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ، فَكَانَ ذِكْرُ الِابْتِيَاعِ ذِكْرًا لِلْبَيْعِ ، وَهَذَا مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ بِالنِّصْفِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ كَانَ مُضَارَبَةً اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأَخْذَ ، وَالْأَخْذُ لَيْسَ عَمَلًا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ فِي الْمَأْخُوذِ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ ، فَتَضَمَّنَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاشْتَرِ بِهِ هَرَوِيًّا بِالنِّصْفِ أَوْ رَقِيقًا بِالنِّصْفِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا ، فَاشْتَرَى كَمَا أَمَرَهُ فَهَذَا فَاسِدٌ .
وَلِلْمُشْتَرِي أَجْرٌ مِثْلُ عَمَلِهِ فِيمَا اشْتَرَى ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى إلَّا بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشِّرَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ ، وَلَا ذَكَرَ مَا يُوجِبُ ذِكْرَ الْبَيْعِ ؛ لِيُحْمَلَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الشِّرَاءِ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ ، فَإِذَا اشْتَرَى كَمَا أَمَرَهُ فَالْمُسْتَأْجِرُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، فَاسْتَحَقَّ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لَا بِالْبَيْعِ فَكَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ، فَإِنْ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ رَبِّ الْمَالِ ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتْلِفًا مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ أَجَازَ رَبُّ الْمَالِ

الْبَيْعَ ، وَالْمَتَاعُ قَائِمٌ جَازَ ، وَالثَّمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَحِقَهُ ، فَإِذَا أَجَازَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ فَأَجَازَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ بَقَاءُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَعْلَمَ هَلَاكَهُ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ قِيَامَ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ صِحَّةَ الْإِجَازَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مَحِلًّا لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ ، لَا يَكُونُ مَحِلًّا لِإِجَازَةِ الْعَقْدِ فِيهِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَالْإِجَازَةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ؛ لِيَشْتَرِيَ بِهَا وَيَبِيعَ ، فَمَا رَبِحَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمَالَ مَا لَمْ يُخَالِفْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ فَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْمُضَارَبَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَضِيعَةَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ ، فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ، وَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ : مُضَارَبَةً وَلَا بِضَاعَةً ، وَلَا قَرْضًا وَلَا شَرِكَةً .
وَقَالَ : مَا رَبِحَتْ فَهُوَ بَيْنَنَا فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ، فَكَانَ ذِكْرُ الرِّبْحِ ذِكْرًا لِلشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ، وَهَذَا مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفُ الرِّبْحِ ، أَوْ ثُلُثُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ، وَلِلْمُضَارِبِ مَا شَرَطَ ، وَمَا بَقِيَ فَلِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ : أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ لَا بِالشَّرْطِ ، فَلَا يَفْتَقِرُ اسْتِحْقَاقُهُ إلَى الشَّرْطِ ،

بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الشَّرْطُ كَانَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لَهُ ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ ، وَالْعَمَلُ لَا يُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ .
إذَا عُرِفَ هَذَا ، فَنَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا سُمِّيَ لِلْمُضَارِبِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الرِّبْحِ ، فَقَدْ وَجَدَ فِي حَقِّهِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى اسْتِحْقَاقِهِ الرِّبْحَ فَيَسْتَحِقُّهُ ، وَالْبَاقِي يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ بِمَالِهِ ، وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِيَّ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَكِنَّهَا جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا ، وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ النِّصْفُ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُضَارِبِ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الرِّبْحِ ، وَإِنَّمَا سَمَّى لِنَفْسِهِ النِّصْفَ فَقَطْ ، وَتَسْمِيَتُهُ لِنَفْسِهِ لَغْوٌ ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ، فَكَانَ ذِكْرُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ ، فَكَانَ تَسْمِيَةُ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ لِنَفْسِهِ تَسْمِيَةَ الْبَاقِي لِلْمُضَارِبِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَكَ النِّصْفَ كَمَا فِي مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } لَمَّا كَانَ مِيرَاثُ الْمَيِّتِ لِأَبَوَيْهِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ لِلْأُمِّ مِنْهُ الثُّلُثَ كَانَ ذَلِكَ جَعَلَ الْبَاقِي لِلْأَبِ كَذَا هَذَا .
وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَكَ ثُلُثُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ، فَالثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُضَارِبِ الرِّبْحَ بِالشَّرْطِ ، وَاسْتِحْقَاقَ رَبِّ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مِنْ

نَمَاءِ مَالِهِ ، فَإِذَا سَلَّمَ الْمَشْرُوطَ لِلْمُضَارِبِ بِالشَّرْطِ يُسَلِّمُ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ ، وَهُوَ الْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ نَمَاءِ مَالِهِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ : عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَيْنَنَا جَازَ ذَلِكَ ، وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ ( الْبَيْنَ ) كَلِمَةُ قِسْمَةٍ ، وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ إذَا لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ : { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وَقَدْ فُهِمَ مِنْهَا التَّسَاوِي فِي الشِّرْبِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلِكَمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } هَذَا إذَا شُرِطَ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لِأَحَدِهِمَا ، إمَّا الْمُضَارِبُ وَإِمَّا رَبُّ الْمَالِ ، وَسَكَتَ عَنْ الْآخَرِ ، فَأَمَّا إذَا شَرَطَ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا ، بِأَنْ شَرَطَ فِيهِ الثُّلُثَ لِلْمُضَارِبِ ، وَالثُّلُثَ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالثُّلُثَ لِثَالِثٍ سِوَاهُمَا ، فَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ أَجْنَبِيًّا ، أَوْ كَانَ ابْنَ الْمُضَارِبِ ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ جَازَ ، وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ لَمْ يَجُزْ ، وَمَا شَرَطَ لَهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ ، وَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ عَبْدَ الْمُضَارِبِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ ، فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَمَا شَرَطَهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَجْنَبِيِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : الْمَشْرُوطُ لَهُ يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَهُ عِنْدَهُمَا ، كَمَا يَمْلِكُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ ، فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَيْضًا أَنَّهُ

إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إكْسَابَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَمَا شَرَطَ لَهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا .
وَعِنْدَهُمَا مَا شُرِطَ لَهُ فَهُوَ مَشْرُوطٌ لِمَوْلَاهُ ، عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَفِي عَبْدِ الْمُضَارِبِ الثُّلُثَانِ لِلْمُضَارِبِ ، وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى ، فَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مَشْرُوطًا لِلْمَوْلَى ، وَصَارَ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ الثُّلُثَيْنِ ، وَفِي عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ الثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ ، وَالثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ يَكُونُ مَشْرُوطًا لِمَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَصَارَ كَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَيْنِ ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا : لَوْ شَرَطَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ ، وَالثُّلُثَ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُضَارِبِ ، وَالثُّلُثَ لِرَبِّ الْمَالِ إنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْمُضَارِبِ ، وَالثُّلُثَ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ ، وَالثُّلُثَ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالثُّلُثَ لِقَضَاءِ دَيْنِ رَبِّ الْمَالِ إنَّ الثُّلُثَيْنِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالثُّلُثَ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِقَضَاءِ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْرُوطٌ لَهُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ ، وَهُمَا رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الرِّبْحِ .
( أَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ ، فَأَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ ، وَهَذَا مَعْنَى التَّوْكِيلِ ، وَقَدْ ذَكَرَ شَرَائِطَ أَهْلِيَّةِ التَّوْكِيلِ وَالْوَكَالَةِ ، فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُمَا فَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بَيْن أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ ، فَدَفَعَ مَالَهُ إلَى مُسْلِمٍ مُضَارَبَةً ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مُسْلِمٌ مَالَهُ مُضَارَبَةً فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ ، وَالْمُضَارَبَةُ مَعَ الذِّمِّيِّ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ ، فَكَذَلِكَ مَعَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُسْلِمُ فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَعَمِلَ بِالْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ دَارَ رَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ .
وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْحَرْبِيَّ ، فَرَجَعَ إلَى دَارِهِ الْحَرْبِيُّ ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا إنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا أَوْ بِأَمَانٍ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْمُضَارَبَةُ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمَّا عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ أَمَانُهُ وَعَادَ إلَى حُكْمِ الْحَرْبِ كَمَا كَانَ ، فَبَطَلَ أَمْرُ رَبِّ الْمَالِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَقَدْ تَعَدَّى بِالتَّصَرُّفِ فَمَلَكَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ بِأَمْرِ

رَبِّ الْمَالِ صَارَ كَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ دَخَلَ مَعَهُ .
وَلَوْ دَخَلَ رَبُّ الْمَالِ مَعَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَبْطُلْ الْمُضَارَبَةُ ، فَكَذَا إذَا دَخَلَ بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ انْقَطَعَ حُكْمُ رَبِّ الْمَالِ عَنْهُ ، فَصَارَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ فَمَلَكَ الْأَمْرَ بِهِ وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ ، فَدَفَعَ إلَيْهِ حَرْبِيٌّ مَالًا مُضَارَبَةً مِائَةَ دِرْهَمٍ ، أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ جَائِزٌ ، فَإِنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَلَى هَذَا وَرَبِحَ أَوْ وُضِعَ فَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَ ، وَيَسْتَوْفِي الْمُضَارِبُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ إلَّا مِائَةً فَهِيَ كُلُّهَا لِلْمُضَارِبِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ فَذَلِكَ لِلْمُضَارِبِ أَيْضًا ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمِائَةَ إلَّا مِنْ الرِّبْحِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ ، وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَهَذَا فَرَّعَ اخْتِلَافَهُمْ فِي جَوَازِ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَا عُلِمَ .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَأَنْوَاعٌ .
( مِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ رِبْحَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَنْ ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهَا ، وَالْمُعَيَّنُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَارِبِ ، فَالرِّبْحُ عَلَيْهَا يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ .
{ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ } ، وَمَا لَا يُتَعَيَّنُ يَكُونُ مَضْمُونًا عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي بِهِ ضَمَانُهُ ، فَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ رِبْحَ الْمَضْمُونِ ، وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْعُرُوضِ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعُرُوضِ تُعْرَفُ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ ، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ ، وَالْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَالْمُنَازَعَةُ تُفْضِي إلَى الْفَسَادِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ قَالُوا : إنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عُرُوضًا ، فَقَالَ لَهُ : بِعْهَا وَاعْمَلْ بِثَمَنِهَا مُضَارَبَةً فَبَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَتَصَرَّفَ فِيهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْمُضَارَبَةَ إلَى الْعُرُوضِ وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إلَى الثَّمَنِ ، وَالثَّمَنُ تَصِحُّ بِهِ الْمُضَارَبَةُ ، فَإِنْ بَاعَهَا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ، أَنَّهُ يَبِيعُ بِالْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا ، إلَّا أَنَّ الْمُضَارَبَةَ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُضَافَةً إلَى مَا لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهِ ، وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ .
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَالْبَيْعُ لَا

يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ ، وَلَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ مُضَافَةً إلَى مَا لَا يَصْلُحُ بِهِ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ .
( وَأَمَّا ) تِبْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَدْ جَعَلَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ ، وَجَعَلَهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ، وَالْأَمْرُ فِيهِ مَوْكُولٌ إلَى التَّعَامُلِ ، فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فَتَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ فَهُوَ كَالْعُرُوضِ فَلَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ .
( وَأَمَّا ) الزُّيُوفُ وَالنَّبَهْرَجَةِ فَتَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ كَالْجِيَادِ .
( وَأَمَّا ) السَّتُّوقَةُ فَإِنْ كَانَتْ لَا تُرَوَّجُ فَهِيَ كَالْعُرُوضِ ، وَإِنْ كَانَتْ تُرَوَّجُ فَهِيَ كَالْفُلُوسِ ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الدَّرَاهِمِ التِّجَارِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا كَسَدَتْ عِنْدَهُمْ وَصَارَتْ سِلْعَةً .
قَالَ : وَلَوْ أَجَزْتُ الْمُضَارَبَةَ بِهَا ، أَجَزْتُهَا بِمَكَّةَ بِالطَّعَامِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَبَايَعُونَ بِالْحِنْطَةِ كَمَا يَتَبَايَعُ غَيْرُهُمْ بِالْفُلُوسِ .
( وَأَمَّا ) الْفُلُوسُ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِيهَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِهَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُضَارَبَةِ الْكَبِيرَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ : لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهَا تَجُوزُ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَهُ ، فَكَانَتْ أَثْمَانًا كَالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ تَتَعَيَّنُ ، فَكَانَتْ كَالْعُرُوضِ .
( وَمِنْهَا ) أَنْ

يَكُونَ مَعْلُومًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ رَأْسِ الْمَالِ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ ، وَكَوْنُ الرِّبْحِ مَعْلُومًا شَرْطَ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ .
( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا لَا دَيْنًا ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ ، فَقَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِدَيْنِي الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، إنَّ الْمُضَارَبَةَ فَاسِدَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ اشْتَرَى هَذَا الْمُضَارِبُ وَبَاعَ ، لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ بِحَالٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَهُمَا مَا اشْتَرَى وَبَاعَ لِرَبِّ الْمَالِ ، لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضَيْعَتُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى لَا يَبْرَأُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَهُ .
وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَصِحَّ إضَافَةُ الْمُضَارَبَةِ إلَى مَا فِي الذِّمَّةِ ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ، وَلَكِنْ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ فَتَصِيرُ الْمُضَارَبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مُضَارَبَةً بِالْعُرُوضِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْعُرُوضِ ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً فَتَصِيرُ مُضَارَبَةً بِالْعُرُوضِ فَلَا تَصِحُّ .
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ هُنَا أُضِيفَتْ إلَى الْمَقْبُوضِ ، فَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا لَا دَيْنًا .
وَلَوْ أَضَافَ الْمُضَارَبَةَ إلَى عَيْنٍ هِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِنْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ، بِأَنْ قَالَ لِلْمُودَعِ أَوْ الْمُسْتَبْضَعِ : اعْمَلْ بِمَا فِي يَدكَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ جَازَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَضَافَهَا إلَى مَضْمُونَةٍ فِي يَدِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَغْصُوبَةِ ، فَقَالَ لِلْغَاصِبِ : اعْمَلْ بِمَا

فِي يَدِكِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَالْمَغْصُوبُ مَغْصُوبٌ فِي يَدِهِ ، فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّصَرُّفُ لِلْمُضَارَبَةِ ، فَلَا يَصِحُّ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ إلَى أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ ، فَإِذَا أَخَذَ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الشِّرَاءُ تَصِيرُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ فَتَصِحُّ وَسَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَفْرُوزًا أَوْ مُشَاعًا ، بِأَنْ دَفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ ، بَعْضُهُ مُضَارَبَةً وَبَعْضُهُ غَيْرِ مُضَارَبَةٍ مُشَاعًا فِي الْمَالِ ، فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُشَاعِ ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ لَا تَمْنَعُ الْمُضَارَبَةَ ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ إذَا رَبِحَ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الْمَالِ ، وَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَإِذَا لَمْ يُمْنَعْ الْبَقَاءُ لَا يُمْنَعُ الِابْتِدَاءُ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : نِصْفُهَا عَلَيْكَ قَرْضٌ ، وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةٌ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ .
أَمَّا جَوَازُ الْمُضَارَبَةِ فَلِمَا قُلْنَا .
وَأَمَّا جَوَازُ الْقَرْضِ فِي الْمُشَاعِ وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ تَبَرُّعًا وَالشِّيَاعُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّبَرُّعِ كَالْهِبَةِ فَلِأَنَّ الْقَرْضَ لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ مُطْلَقٍ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ تَبَرُّعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ لِلْحَالِ ، فَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِعِوَضٍ فِي الثَّانِي .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ الْمِثْلِ لَا رَدُّ الْعَيْنِ ؟ فَلَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الشُّيُوعُ ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ فَعَمِلَ الشُّيُوعُ فِيهَا ، وَإِذَا جَازَ الْقَرْضُ وَالْمُضَارَبَةُ كَانَ نِصْفُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ مَلَكَهُ وَهُوَ الْقَرْضُ ،

وَوَضِيعَتُهُ عَلَيْهِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ مُسْتَفَادٌ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَوَضِيعَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِقِسْمَتِهِ .
قَالُوا : وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ : خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ عَلَيْكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي فَهَذَا مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً فِي مُقَابَلَةِ الْقَرْضِ ، وَقَدْ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا } فَإِنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا فَرَبِحَ أَوْ وُضِعَ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَكَذَا الْوَضِيعَةُ .
( أَمَّا ) الرِّبْحُ فَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ مَلَكَ نِصْفَ الْمَالِ بِالْقَرْضِ ، فَكَانَ نِصْفُ الرِّبْحِ لَهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِضَاعَةً فِي يَدِهِ ، فَكَانَ رِبْحُهُ لِرَبِّ الْمَالِ .
( وَأَمَّا ) الْوَضِيعَةُ فَلِأَنَّهَا جُزْءٌ هَالِكٌ مِنْ الْمَالِ ، وَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ ، فَكَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِهِ وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ وَنِصْفَهَا هِبَةٌ فَقَبَضَهَا الْمُضَارِبُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ مَقْسُومٍ ، فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ، فَإِنْ عَمِلَ فِي الْمَالِ فَرَبِحَ ، كَانَ نِصْفُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ حِصَّةَ الْهِبَةِ ، وَنِصْفُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا ، أَمَّا نِصْفُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ حِصَّةُ الْهِبَةِ ، فَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لَهُ فِيهِ إذَا قَبَضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، فَكَانَ رِبْحُهُ لَهُ .
وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا يَكُونُ رِبْحُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مُضَارَبَةً صَحِيحَةً .
( وَأَمَّا ) كَوْنُ الْوَضِيعَةِ عَلَيْهِمَا ، فَلِأَنَّهَا جُزْءٌ هَالِكٌ مِنْ الْمَالِ ، وَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ

الْمُضَارِبِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ أَوْ بَعْدَ مَا عَمِلَ ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ الْمَالِ وَهُوَ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ .
وَلَوْ كَانَ دَفَعَ نِصْفَ الْمَالِ بِضَاعَةً وَنِصْفَهُ مُضَارَبَةً ، فَقَبَضَهُ الْمُضَارِبُ عَلَى ذَلِكَ ، فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالْمَالُ عَلَى مَا سَمَّيَا مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْبِضَاعَةُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَنِصْفُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ وَنِصْفُهُ عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمَالِ مُضَارَبَةً وَبِضَاعَةً ، وَجَازَتْ الْمُضَارَبَةُ وَالْبِضَاعَةُ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُبْضِعِ وَالْمُضَارِبِ فِي الْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةُ وَحِصَّةُ الْبِضَاعَةِ مِنْ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ ، وَحِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارَبَةُ قَدْ صَحَّتْ ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عَلَى مَا سَمَّيَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْنِي الْوَدِيعَةَ وَالْمُضَارَبَةَ أَمَانَةٌ ، فَلَا يَتَنَافَيَانِ ، فَكَانَ نِصْفُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَدِيعَةً ، وَنِصْفُهُ مُضَارَبَةً إلَّا أَنَّ التَّصَرُّفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ بَعْضُهُ مُضَارَبَةٌ وَبَعْضُهُ وَدِيعَةٌ ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ لَا يَجُوزُ ، فَإِنْ قَسَمَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ نِصْفَيْنِ ثُمَّ عَمِلَ بِأَحَدِ النِّصْفَيْنِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَرَبِحَ أَوْ وُضِعَ فَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ نِصْفَانِ ، وَنِصْفُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ وَنِصْفُهُ عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمُضَارِبِ الْمَالَ لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهَا ،

فَإِذَا أُفْرِزَ بَعْضُهُ فَقَدْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَمَا كَانَ فِي حِصَّةِ الْوَدِيعَةِ فَهُوَ غَصْبٌ فَيَكُونُ رِبْحُهُ لِلْغَاصِبِ ، وَمَا كَانَ فِي حِصَّةِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ .
وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَتَاعًا ، فَبَاعَ نِصْفَهُ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْبَاقِي وَيَعْمَلَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ مُضَارَبَةً ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، فَبَاعَ الْمُضَارِبُ نِصْفَ الْمَتَاعِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ عَمِلَ بِهَا وَبِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ ، فَرَبِحَ فِي ذَلِكَ أَوْ وُضِعَ فَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ شَيْئًا لَا يَصِحُّ ، وَالْمُشْتَرَى يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ لَا لِلْآمِرِ ، وَيَكُونُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَالَّةً ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَهُنَا أَمْرٌ أَنْ يَعْمَلَ بِالدَّيْنِ وَبِنِصْفِ ثَمَنِ الْمُبَاعِ ، فَمَا رَبِحَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ فَهُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ رِبْحُهُ لَهُ ، وَمَا رَبِحَ فِي نَصِيبِ الدَّافِعِ فَهُوَ لِلدَّافِعِ ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْهَالِكُ بَيْنَهُمَا .
( وَأَمَّا ) فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَمِقْدَارُ مَا رَبِحَ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ الْمَتَاعِ بِهَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى مَا شَرَطَا ، وَمَا رَبِحَ فِي النِّصْفِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ ، وَتَكُونُ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى صَارَ عُرُوضًا ، وَالْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ لَا تَصِحُّ ، فَصَارَتْ الْمُضَارَبَةُ هُنَا جَائِزَةً فِي النِّصْفِ فَاسِدَةً فِي

النِّصْفِ ، فَالرِّبْحُ فِي الصَّحِيحَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَفِي الْفَاسِدَةِ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ شَرَطَ الدَّافِعُ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ وَلِلْمُضَارِبِ الثُّلُثَيْنِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ، فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : ثُلُثَا الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، نِصْفُ الرِّبْحِ مِنْ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ خَاصَّةً ، وَالسُّدُسُ مِنْ نَصِيبِ الدَّافِعِ ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِي نَصِيبِكَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَكَ ، وَاعْمَلْ فِي نَصِيبِي عَلَى أَنَّ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ مِنْ نَصِيبِي .
( وَأَمَّا ) عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا فَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهُ مُضَارَبَةً جَائِزَةً ، وَنِصْفَهُ مُضَارَبَةً فَاسِدَةً ، فَمَا رَبِحَ فِي النِّصْفِ الَّذِي كَانَ دَيْنًا فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَمَا رَبِحَ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ ثَمَنُ الْمَتَاعِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، فَصَارَ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَا الرِّبْحِ ، وَلِلْمُضَارِبِ الثُّلُثُ ، وَإِنْ كَانَ شَرَطَ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ ، وَلِلْمُضَارِبِ الثُّلُثُ ، فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرَطَ النِّصْفَ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ ، وَالزِّيَادَةَ مِنْ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا رَأْسِ مَالٍ بَاطِلٌ ، فَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا : نِصْفُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهِ فَاسِدَةٌ ، وَلِلْمُضَارِبِ ثُلُثُ رِبْحِ النِّصْفِ الْآخَرِ .
( وَمِنْهَا ) تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَهُوَ التَّخْلِيَةُ كَالْوَدِيعَةِ ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ يَدِ الدَّافِعِ عَلَى الْمَالِ ؛ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ يَدِهِ ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ بَقَاءَ يَدِ الْمَالِكِ عَلَى الْمَالِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ، لِمَا قُلْنَا فَرِّقْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّرِكَةِ ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى مَالِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ

الْمُضَارَبَةَ انْعَقَدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَعَلَى الْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَمَلُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِ رَبِّ الْمَالِ ، فَكَانَ هَذَا شَرْطًا مُوَافِقًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، فَشَرْطُ زَوَالِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ عَنْ الْعَمَلِ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
وَكَذَا لَوْ شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ ، فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ سَوَاءٌ عَمِلَ رَبُّ الْمَالِ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عَمَلِهِ مَعَهُ شَرْطُ بَقَاءِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ ، وَإِنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ .
وَلَوْ سَلَّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ ، ثُمَّ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِضَاعَةً جَازَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ لَا تُوجِبُ خُرُوجَ الْمَالِ عَنْ يَدِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ لَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ ؛ لِتَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ ، حَتَّى إنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا دَفَعَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً ، وَشَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ يَدَ الصَّغِيرِ بَاقِيَةٌ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فَتَمْنَعُ التَّسْلِيمَ ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ ، أَوْ الْعِنَانِ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً ، وَشَرَطَ عَمَلَ شَرِيكِهِ مَعَ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ فِيهِ مِلْكًا فَيُمْنَعُ التَّسْلِيمُ .
( فَأَمَّا ) الْعَاقِدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَالِ فَشَرَطَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْمَالِكِ مُضَارَبَةً لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ ، كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً ، وَشَرَطَا أَنْ يَعْمَلَا مَعَ الْمُضَارِبِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَخَذَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً بِأَنْفُسِهِمَا جَازَ ، فَكَذَا إذَا شَرَطَا عَمَلَهُمَا مَعَ الْمُضَارِبِ وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِمَّنْ

لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْمَالِكِ مُضَارَبَةً ، فَشَرَطَ عَمَلَهُ ، فَسَدَ الْعَقْدُ ، كَالْمَأْذُونِ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا رَقَبَةَ الْمَالِ فَيَدُ التَّصَرُّفِ ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَرُّفِ ، فَكَانَ قِيَامُ يَدِهِ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ ، فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ شَرَطَ الْمَأْذُونُ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَ الْمُضَارِبِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمَالِكُ لِلْمَالِ حَقِيقَةً ، فَإِذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَقَدْ وَجَدَ يَدَ الْمَالِكِ فَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ هَذَا الْمَالِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ .
( وَأَمَّا ) الْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إكْسَابَ مُكَاتَبِهِ ، وَهُوَ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ مَالًا مُضَارَبَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ ، وَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْمُضَارِبُ مَعَهُ أَوْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ ، فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْمُضَارِبِ وَالْمِلْكَ لِلْمَوْلَى ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُضَارِبِ : إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ فَالْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ ، وَالْمُضَارَبَةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا جَائِزَةٌ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى مَا شَرَطَا فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى ، وَلَا أَجْرَ لِرَبِّ الْمَالِ .
( وَأَمَّا ) فَسَادُ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ يَدَ رَبِّ الْمَالِ يَدُ مِلْكٍ ، وَيَدُ الْمِلْكِ مَعَ يَدِ الْمُضَارِبِ لَا يَجْتَمِعَانِ ، فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ ، وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى عَلَى

حَالِهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيُّ خِلَافًا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ : أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ زَوَالَ يَدِ رَبِّ الْمَالِ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ ، فَكَانَتْ إعَادَةُ يَدِهِ إلَيْهِ مُفْسِدَةً لَهَا .
( وَلَنَا ) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَصِيرُ مُعِينًا لِلْمُضَارِبِ ، وَالْإِعَانَةُ لَا تُوجِبُ إخْرَاجَ الْمَالِ عَنْ يَدِهِ ، فَيَبْقَى الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ، وَلَا أَجْرَ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الرِّبْحِ فَأَنْوَاعٌ .
( مِنْهَا ) إعْلَامُ مِقْدَارِ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرِّبْحُ ، وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الرِّبْحِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الرِّبْحِ جَازَ ذَلِكَ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ : فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ شِرْكًا فِي الرِّبْحِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّرِكَةَ هِيَ النَّصِيبُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ } أَيْ نَصِيبٌ .
وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ } أَيْ نَصِيبٍ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ ، وَالنَّصِيبُ مَجْهُولٌ فَصَارَ الرِّبْحُ مَجْهُولًا .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشِّرْكَ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ ، يُقَالُ : شَرَكْتُهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَشْرَكُهُ شِرْكَةً وَشِرْكًا قَالَ الْقَائِلُ : وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي بَقَاهَا وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ وَيُذْكَرُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ أَيْضًا ، لَكِنْ فِي الْحَمْلِ عَلَى الشَّرِكَةِ تَصْحِيحٌ لِلْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا .
( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ جُزْءًا شَائِعًا ، نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا ، فَإِنْ شَرَطَا عَدَدًا مُقَدَّرًا بِأَنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ لَا يَجُوزُ ، وَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ نَوْعٌ مِنْ الشَّرِكَةِ ، وَهِيَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ ، وَهَذَا شَرْطٌ يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَرْبَحَ الْمُضَارِبُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، فَلَا تَتَحَقَّقُ

الشَّرِكَةُ ، فَلَا يَكُونُ التَّصَرُّفُ مُضَارَبَةً ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ ، أَوْ قَالَا : إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ شَرْطٌ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا النِّصْفَ وَمِائَةً ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِائَتَيْنِ ، فَيَكُونَ كُلُّ الرِّبْحِ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ ، وَإِذَا شَرَطَا لَهُ النِّصْفَ إلَّا مِائَةً ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الرِّبْحِ مِائَةً ، فَلَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ .
وَلَوْ شَرَطَا فِي الْعَقْدِ أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا بَطَلَ الشَّرْطُ ، وَالْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا دَخَلَ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ، وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَشَرْطُ الْوَضِيعَةِ عَلَيْهِمَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ جُزْءٌ هَالِكٌ مِنْ الْمَالِ ، فَلَا يَكُونُ إلَّا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، لَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ تَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبْضِ ، فَلَا يُفْسِدُهُ الشَّرْطُ الزَّائِدُ الَّذِي لَا يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ ، وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ لَا يَعْمَلُ فِي الْوَكَالَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ : لَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَا عَمِلْتَ فِي الْمُضَارَبَةِ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ .
وَذَكَرَ فِي الْمُزَارَعَةِ : إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَجَعَلَ لَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ، فَالْمُزَارَعَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : فِي

الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، رِوَايَةُ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْمُضَارِبِ مِنْ الْمُشَاهَرَةِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَطَعَ عَنْهُ الشَّرِكَةَ ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ ، وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى رِبْحٍ مَعْلُومٍ ، ثُمَّ أَلْحَقَ بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا ، فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْمُضَارَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ، وَالْمُضَارَبَةُ لَا تَفْتَقِرُ صِحَّتُهَا إلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ ، فَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُضَارَبَةِ .
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ دَفَعَ أَلْفًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً أَوْ دَارًا لِيَسْكُنَهَا سَنَةً ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا شَرْطًا فَاسِدًا لَا تَقْتَضِيه ، فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الَّذِي شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا رَبُّ الْمَالِ سَنَةً ، أَوْ يَدْفَعَ دَارِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِيَسْكُنَهَا سَنَةً ، فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَعَنْ أُجْرَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ ، فَصَارَتْ حِصَّةُ الْعَمَلِ مَجْهُولَةً بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً ، عَلَى أَنْ يَبِيعَ فِي دَارِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَ فِي دَارِ الْمُضَارِبِ ، كَانَ جَائِزًا وَلَوْ شَرَطَا أَنْ يَسْكُنَ الْمُضَارِبُ دَارَ رَبِّ الْمَالِ ، أَوْ رَبُّ الْمَالِ دَارَ الْمُضَارِبِ ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّمَا خُصَّ الْبَيْعُ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان ، وَلَمْ

يُعْقَدْ عَلَى مَنَافِعِ الدَّارِ ، وَإِذَا شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ السُّكْنَى فَقَدْ جَعَلَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أُجْرَةً لَهُ وَأَطْلَقَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ أَوْ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِي الشَّرْطِ لَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ شَرَطَ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا إذَا عَمِلَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ ، فَشَرْطُ قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيهَا يَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا .
( وَلَنَا ) أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهَا مُضَارَبَةً تُصَحَّحُ قَرْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْقَرْضِ ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِمَعَانِيهَا ، وَعَلَى هَذَا إذَا شَرَطَ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ ، فَهُوَ إبْضَاعٌ عِنْدَنَا ؛ لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِبْضَاعِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ ، فَالْمُضَارَبَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ .
أَمَّا أَحْكَامُ الصَّحِيحَةِ فَكَثِيرَةٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى حَالِ الْمُضَارِبِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى عَمَلِ الْمُضَارِبِ ، مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَعْمَلَهُ وَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُضَارِبُ بِالْعَمَلِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ بِالْمَالِ .
( أَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى حَالِ الْمُضَارِبِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُضَارِبُ بِهِ شَيْئًا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ ، وَهُوَ مَعْنَى الْوَكِيلِ فَيَكُونُ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ، كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَبَيْعِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ .
وَلَوْ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا يَمْلِكُ إذَا قَبَضَ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَيَكُونُ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
وَكَذَا إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَيْعًا فَاسِدًا لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا وَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مُطْلَقًا يَمْلِكُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ ، فَلَا يَصِيرُ مُخَالِفًا ، فَإِذَا ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ صَارَ شَرِيكًا فِيهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ الْمَشْرُوطِ بِعَمَلِهِ ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ ، فَإِذَا فَسَدَتْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ لِرَبِّ الْمَالِ ، فَإِذَا خَالَفَ شَرْطَ رَبِّ الْمَالِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ، وَيَصِيرُ الْمَالُ

مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ رِبْحُ الْمَالِ كُلُّهُ بَعْدَ مَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِالضَّمَانِ لَكِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَطِيبُ لَهُ وَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَا فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَا .
وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَالَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ ، فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقْرِضَ الْمَالَ مِنْ الْمُضَارِبِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ أَوْ بِالثُّلُثِ ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ فَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْعَمَلِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ الْقَرْضُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يَهْلِكْ وَرَبِحَ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُقْرِضَ رَبُّ الْمَالِ جَمِيعَ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا ، وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَيُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ إنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ شَرِكَةَ عِنَانٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الْمُقْرِضِ دِرْهَمًا وَرَأْسُ مَالِ الْمُسْتَقْرِضِ جَمِيعَ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا وَشَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْمَلُ الْمُسْتَقْرِضُ خَاصَّةً فِي الْمَالِ ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ كَانَ الْقَرْضُ عَلَى حَالِهِ .
وَلَوْ رَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى عَمَلِ الْمُضَارِبِ مِمَّا لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِالْعَقْدِ ، وَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ .
الْمُضَارَبَةَ نَوْعَانِ : مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ ، فَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَصِفَةِ الْعَمَلِ وَمَنْ يُعَامِلُهُ وَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُعَيِّنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَتَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ ، قِسْمٌ مِنْهُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، وَلَا إلَى قَوْلِ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فِيهِ وَقِسْمٌ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ وَلَوْ قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، وَقِسْمٌ مِنْهُ مَا لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ إذَا قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ، وَقِسْمٌ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ رَأْسًا وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ .
( وَأَمَّا ) الْقِسْمُ الَّذِي لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، وَلَا قَوْلِ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ كَالْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ الشَّرْطِ وَالْقَيْدِ ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهُ : خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَنَا عَلَى كَذَا أَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَال مُضَارَبَةً عَلَى كَذَا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ وَيَبِيعَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَمَلٍ هُوَ سَبَبُ حُصُولِ الرِّبْحِ ، وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ ، وَكَذَا الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ الرِّبْحُ ، وَالرِّبْحُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ إلَّا أَنَّ شِرَاءَهُ يَقَعُ عَلَى الْمَعْرُوفِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمِثْلِ قِيمَةِ الْمُشْتَرَى ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَشِرَاءُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَى الْمَعْرُوفِ ، فَإِنْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ

بِالشِّرَاءِ .
( وَأَمَّا ) بَيْعُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي التَّوْكِيلِ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ نَقْدًا وَنَسِيئَةً ، وَبِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ أَعَمُّ مِنْ الْوَكَالَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُمْلَكُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ ، وَلَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَدَا لَهُ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ فِي سَائِرِ الْأَمْكِنَةِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ بِضَاعَةً لِأَنَّ الْإِبْضَاعَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ هُوَ الرِّبْحُ ، وَالْإِبْضَاعُ طَرِيقٌ إلَى ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِئْجَارَ ، فَالْإِبْضَاعُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ اسْتِعْمَالٌ فِي الْمَالِ بِعِوَضٍ ، وَالْإِبْضَاعُ اسْتِعْمَالٌ فِيهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، فَكَانَ أَوْلَى ، وَلَهُ أَنْ يُودِعَ ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَمِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَجِيرِ .
وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبُيُوتَ لِيَجْعَلَ الْمَالَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ إلَّا بِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السُّفُنَ وَالدَّوَابَّ لِلْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان طَرِيقٌ يُحَصِّلُ الرِّبْحَ ، وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ، وَلِأَنَّهُ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الرِّبْحُ ، فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ كَالشَّرِيكِ ، وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ أَعَمُّ مِنْ الْوَكَالَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَفَادَ بِالشَّيْءِ مَا هُوَ دُونَهُ ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ

الْمُفْرَدَةِ ، أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِمُطْلَقِ الْوَكَالَةِ ، إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ التِّجَارَةُ وَحُصُولُ الرِّبْحِ ، بَلْ إدْخَالُ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ ، وَكَذَا الْوَكَالَةُ الثَّانِيَةُ مِثْلُ الْأُولَى ، وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ وَكُلُّ مَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ ، فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ غَيْرَهُ ، وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ وَكَالَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ فَبِوَكِيلِهِ أَوْلَى ، وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَأَنْ يَرْتَهِنَ بِدَيْنٍ لَهُ مِنْهَا عَلَى رَجُلٍ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِالدَّيْنِ وَالِارْتِهَانَ مِنْ بَابِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ ، فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ بَعْدَ نَهْيِ رَبِّ الْمَالِ عَنْ الْعَمَلِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَبْطُلُ بِالنَّهْيِ وَالْمَوْتِ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ يَنْضَرُّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ وَالرَّهْنُ لَيْسَ تَصَرُّفًا يَنْضَرُّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ ، فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا وَأَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِلثَّمَنِ عَادَةَ التُّجَّارِ .
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ تَأْخِيرَ الثَّمَنِ ، فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَعَمُّ مِنْ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ ، إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا أَخَّرَ الثَّمَنَ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَالْمُضَارِبُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَقِيلَ ثُمَّ يَبِيعَ نَسِيئَةً ، فَيَمْلِكُ التَّأْخِيرَ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَضْمَنْ .
فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ، ثُمَّ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ فَإِذَا أَخَّرَ ضَمِنَ .
( وَأَمَّا ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّمَا جَازَ تَأْخِيرُ الْمُضَارِبِ دُونَ الْوَكِيلِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا ، وَهُوَ

أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ أَوْ يَسْتَقِيلَ فِيهَا ، ثُمَّ يَبِيعَهَا نَسَاءً فَيَمْلِكُ تَأْخِيرَ ثَمَنِهَا وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ مُوسِرًا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الدَّيْنِ قَدْ يَكُونُ أَيْسَرَ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ إنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ أَصْلَحَ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّظَرِ ، وَتَصَرُّفَ الْمُضَارِبِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ ، وَيَشْتَرِيَ بِبَعْضِ الْمَالِ طَعَامًا فَيَزْرَعَهُ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُقَلِّبَهَا لِيَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ رُطَبًا ، فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ ، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ مِنْ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقُ حُصُولِ الرِّبْحِ ، وَكَذَا هُوَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ فَيَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ ، وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ اسْتِنْمَاءُ الْمَالِ ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ بِالسَّفَرِ أَوْفَرُ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مُطْلَقًا عَنْ الْمَكَانِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَلِأَنَّ مَأْخَذَ الِاسْمِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ ، وَهُوَ السَّيْرُ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } وَلِأَنَّهُ طَلَبُ الْفَضْلِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنَهُ : { وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ .
وَفِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الَّذِي يَثْبُتُ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ ، وَبَيْنَ

مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، وَبَيْنَ مَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فِي الشَّرِكَةِ ، فَالْمُضَارِبُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِالْكُوفَةِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِيهَا ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ .
وَلَوْ كَانَ الدَّفْعُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْكُوفَةِ ، فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ .
( وَأَمَّا ) وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ فَهُوَ أَنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْمَالِ مُخَاطَرَةٌ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً ، فَإِذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ فِي بَلَدِهِمَا فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالسَّفَرِ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ ، وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا فَقَدْ وَجَدَ دَلَالَةَ الْإِذْنِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَأْخُذُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَتْرُكُ بَلَدَهُ ، فَكَانَ دَفْعُ الْمَالِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا رِضًا بِالرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ ، فَكَانَ إذْنًا دَلَالَةً وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبِيدِ الْمُضَارَبَةِ بِالتِّجَارَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَمِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ أَيْضًا وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ : أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، فَلَا يَسْتَتْبِعُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ إذَا لَحِقَهُمْ دَيْنٌ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الدَّيْنِ مِنْ التِّجَارَةِ ، فَلَا يَقِفُ عَلَى حُضُورِ الْمَوْلَى .
وَلَوْ جَنَى عَبْدُ الْمُضَارَبَةِ بِأَنْ قَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً ، وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَالِ الْمُضَارِبِ ، بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَتَلَ

إنْسَانًا خَطَأً ، لَا يُخَاطَبُ الْمُضَارِبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَوْ الْفِدَاءَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَلَا مِلْكَ أَيْضًا لِلْمُضَارِبِ فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ وَالتَّدْبِيرِ فِي جِنَايَتِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ خَالِصُ مِلْكِهِ ، وَلَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا ، بِخِلَافِ عَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا جَنَى أَنَّهُ يُخَاطَبُ الْمَأْذُونُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ فِي التَّصَرُّفِ كَالْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ كَالْحُرِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ مُتَصَرِّفًا لِلْمَوْلَى لَرَجَعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَرْجِعْ دَلَّ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ ، فَإِذَا تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ صَارَتْ مَشْغُولَةً ، فَلَا يَظْهَرُ حَقُّ الْمَوْلَى فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ كَالْحُرِّ .
( فَأَمَّا ) الْمُضَارِبُ فَإِنَّهُ وَكِيلُ رَبِّ الْمَالِ فِي التَّصَرُّفِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يُخَاطَبُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ ، فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ الدَّفْعَ وَاخْتَارَ الْمُضَارِبُ الْفِدَاءَ ، فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ يَسْتَبْقِي مَالَ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ لِتَوَهُّمِ الرِّبْحِ .
وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ فَدَى خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ .
( أَمَّا ) إذَا دَفَعَ فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ زَالَ مِلْكُهُ لَا إلَى بَدَلٍ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ هَلَكَ وَإِذَا فَدَى فَقَدْ لَزِمَهُ ضَمَانٌ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الرِّبْحُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ .
وَلَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ فَجَنَى جِنَايَةً خَطَأً ، لَا يُخَاطَبُ الْمُضَارِبُ بِالدَّفْعِ أَوْ

الْفِدَاءِ إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ غَائِبًا لِمَا قُلْنَا ، وَلَيْسَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ وَلَا عَلَى الْغُلَامِ سَبِيلٌ ، إلَّا أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَوْثِقُوا مِنْ الْغُلَامِ بِكَفِيلٍ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْمَوْلَى ، وَكَذَا لَا يُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ إذَا كَانَ الْمُضَارِبُ غَائِبًا ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَفْدِيَ حَتَّى يَحْضُرَا جَمِيعًا ، فَإِنْ فَدَى كَانَ مُتَطَوِّعًا بِالْفِدَاءِ فَإِذَا حَضَرَا دَفَعَا أَوْ فَدَيَا ، فَإِنْ دَفَعَا فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ ، وَإِنْ فَدَيَا كَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا وَخَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : حُضُورُ الْمُضَارِبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِحُكْمِ الْجِنَايَة .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الرِّبْحِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ بِالْقِسْمَةِ ، وَلَمْ تُوجَدْ فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ ، فَكَانَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُضَارِبِ .
( وَلَهُمَا ) أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ كَانَ لِلْمُضَارِبِ مِلْكٌ فِي الْعَبْدِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ فِي نَصِيبِهِ ، وَإِذَا كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْعَبْدِ كَانَ فِدَاءُ نَصِيبِهِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ .
( وَأَمَّا ) قَوْلُهُ أَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الرِّبْحِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ رَأْسِ الْمَالِ فَمَمْنُوعٌ ، بَلْ تَعَيَّنَ ضَرُورَةُ لُزُومِ الْفِدَاءِ فِي نَصِيبِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِتَعْيِينِ حَقِّهِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ إلَّا بِتَعْيِينِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ رَأْسُ الْمَالِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ ، فَثَبَتَتْ الْقِسْمَةُ ضَرُورَةً فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الدَّفْعَ وَالْآخَرُ الْفِدَاءَ فَلَهُمَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، غَيْرَ أَنَّ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا حَضَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَغَابَ الْآخَرُ ، يُخَاطَبُ

الْآخَرُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ، وَهَهُنَا لَا يُخَاطَبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَحْضُرَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِهِمَا يَتَضَمَّنُ قِسْمَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَبْقَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ، وَالْقِسْمَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَتِهِمَا ، وَالدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ قِسْمَةً وَلَا حُكْمًا فِي حَقِّ الشَّرِيكِ الْآخَرِ ، فَلَا يَقِفُ عَلَى حُضُورِهِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَجَنَى جِنَايَةً خَطَأً أَنَّهُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ ، فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الدَّفْعَ وَالْآخَرُ الْفِدَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ ، وَيَلْزَمُهُمَا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ وَاحِدٌ فَاخْتِلَافُ اخْتِيَارِهِمَا يُوجِبُ تَبْعِيضَ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّ مَالِكٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَالْعَبْدِ الَّذِي لَيْسَ بِرَهْنٍ ، وَهُنَا مَالِكُ الْعَبْدِ اثْنَانِ فَلَوْ اخْتَلَفَ اخْتِيَارُهُمَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَبْعِيضَ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّ مَالِكٍ وَاحِدٍ .
وَقَدْ قَالُوا إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا وَادُّعِيَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ ، لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حَقُّ الْعَبْدِ ، فَكَانَ التَّدْبِيرُ فِي الْجِنَايَةِ إلَيْهِمَا ، فَلَا يَجُوزُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ ، وَإِنَّمَا أَخَذَ بِالْعَبْدِ كَفِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَغِيبَ فَيَسْقُطَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْثِقَ حَقَّهُ بِكَفِيلٍ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَى الْمُضَارِبِ لَا إلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْعَاقِدُ فَهُوَ الَّذِي يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَيُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ ، وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ ، وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَيُخَاصِمُ

وَيُخَاصَمُ لِمَا قُلْنَا .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا مَعِيبًا قَدْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ بِعَيْبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُضَارِبُ ، فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَلَوْ كَانَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُضَارِبِ لَا بِرَبِّ الْمَالِ ، فَيُعْتَبَرُ عِلْمُ الْمُضَارِبِ لَا عِلْمَ رَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ الشِّرَاءِ : رَضِيتُ بِهَذَا الْعَبْدِ بَطَلَ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّ نَفْسِهِ .
وَلَوْ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدَ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ ، ثُمَّ يَبِيعُهُ فَاشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ وَلَمْ يَرَهُ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَلَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الْعِلْمِ رِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ : قَدْ رَضِيتُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَعِيبَ لَا مَحَالَةَ حَتَّى يَكُونَ عِلْمُهُ دَلَالَةَ الرِّضَا بِهِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا أَجْنَبِيٌّ إلَى جَنْبِ دَارِ الْمُضَارِبِ ، أَوْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارًا لِنَفْسِهِ ، وَالْمُضَارِبُ شَفِيعُهَا بِدَارٍ أُخْرَى مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَجُلَيْنِ مُضَارَبَةً فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ، وَلَا يَعْمَلُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِمَّا لِلْمُضَارِبِ الْوَاحِدِ أَنْ يَعْمَلَهُ سَوَاءٌ قَالَ لَهُمَا : اعْمَلَا بِرَأْيِكُمَا أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا ، فَصَارَا كَالْوَكِيلَيْنِ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الشَّرِيكُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُ

فَقَدْ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُمَا عَقَدَا جَمِيعًا

( وَأَمَّا ) الْقِسْمُ الَّذِي لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ اسْتَدَانَ لَمْ يَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْمُضَارِبِ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ إثْبَاتُ زِيَادَةٍ فِي رَأْسِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا رَبِّ الْمَالِ ، بَلْ فِيهِ إثْبَاتُ زِيَادَةِ ضَمَانٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمُشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ مَضْمُونٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ هَلَكَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَرْجِعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ بِمِثْلِهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِدَانَةَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لَأَلْزَمْنَاهُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ثُمَّ الِاسْتِدَانَةُ هِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا بِثَمَنِ دَيْنٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ، بِأَنْ كَانَ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ سِلْعَةً ، ثُمَّ اشْتَرَى شَيْئًا بِالدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَكَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِثَمَنٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ ، فَكَانَ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَلَمْ تَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَجَازَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَيْهِ ، كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا خَالَفَ .
وَسَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَى بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى بِمَا لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ صَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ الْعَرْضِ يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَاشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لِيَبِيعَ الْعَرْضَ وَيُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ مِنْهَا ، لَمْ يَجُزْ ، سَوَاءٌ كَانَ

الثَّمَنُ حَالًا أَوْ مُؤَجَّلًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ .
وَلَوْ بَاعَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَرْضِ بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ، وَحَصَلَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَصَارَتْ السِّلْعَةُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ لِلْمُضَارَبَةِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ، فَلَا يَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُضَارَبَةِ .
وَكَذَا إذَا قَبَضَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ دَيْنًا ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا يُؤَدِّيهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَلْفٌ ، كَانَتْ حِصَّةُ الْأَلْفِ مِنْ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَاةِ لِلْمُضَارَبَةِ ، وَحِصَّةُ مَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً لَهُ رِبْحُ ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ ، وَالزِّيَادَةُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِالْأَلْفِ وَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِمَا زَادَ عَلَيْهَا لِلْمُضَارَبَةِ ، وَيَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَوَقَعَ لَهُ .
وَكَذَا إذَا قَبَضَ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْمُضَارَبَةِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَالثَّوْبِ الْمَوْصُوفِ الْمُؤَجَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ الْمَالِ يَكُونُ اسْتِدَانَةٌ عَلَى الْمَالِ .
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ ، فَاشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ ، كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِدَانَةً وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ نَسِيئَةً ، لَمْ يَكُنْ اسْتِدَانَةٌ ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ .

وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ ، أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً ، فَقَدْ اشْتَرَى بِمَا لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ ، فَيَكُونُ اسْتِدَانَةً ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِالْعُرُوضِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَ التُّجَّارِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ ، بِهِمَا تُقَدَّرُ النَّفَقَاتُ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ وَقِيمَةُ الْمُتْلَفَاتِ ، وَلَا يَتَعَذَّرُ نَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا بِثَمَنٍ فِي يَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ .
وَكَذَلِكَ .
لَوْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ هُوَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ ، لَكِنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي الصِّفَةِ بِأَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ بِيضٍ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ سُودٍ ، أَوْ اشْتَرَى بِصِحَاحٍ وَرَأْسُ الْمَالِ غَلَّةٌ ، أَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ سُودٍ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ بِيضٍ ، أَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ غَلَّةً وَرَأْسُ الْمَالِ صِحَاحٌ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَيَكُونُ اسْتِدَانَةً ، وَيُجْعَلُ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ اشْتَرَى بِمَا صِفَتُهُ أَنْقَصُ مِنْ صِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِمَا صِفَتُهُ أَزْيَدُ مِنْ صِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
( وَوَجْهُهُ ) أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِمَا صِفَتُهُ أَنْقَصُ مِنْ صِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَزِيَادَةً فَجَازَ ، وَإِذَا اشْتَرَى بِمَا صِفَتُهُ أَكْمَلُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا

جَازَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، فَلَأَنْ يَجُوزَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ تَفَاوُتَ الصِّفَةِ دُونَ تَفَاوُتِ الْجِنْسِ وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِفُلُوسٍ قِيمَةُ ذَلِكَ أَلْفٌ ، لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا بِأَلْفٍ أُخْرَى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، فَلَوْ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ لَصَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، فَإِنْ اشْتَرَى عَلَيْهَا أَوَّلًا عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ ، لَا يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا بِقَدْرِ خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ خَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ يَلْحَقُ رَأْسَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَحَقًّا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَقُّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، فَإِذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ صَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَا يَصِحُّ .

وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ وَاشْتَرَى وَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَحَصَلَ فِي يَدِهِ صُنُوفٌ مِنْ الْأَمْوَالِ : مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ وَلَا دَنَانِيرُ وَلَا فُلُوسٌ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا بِثَمَنٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ ، بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ ، فَإِنْ اشْتَرَى بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ وَفِي يَدِهِ الْوَسَطُ ، أَوْ بِكُرِّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ وَفِي يَدِهِ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَجْوَدَ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ أَوْ أَدْوَنَ ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارَبَةِ وَكَانَ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مِثْلُ الثَّمَنِ صَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ هُنَا كَاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فِي الدَّرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ هُنَاكَ بَيْنَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ ، فَاخْتِلَافُ الصِّفَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ ، وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ هُنَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ ، فَكَذَا اخْتِلَافُ الصِّفَةِ .
ثُمَّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ الْمُضَارِبِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَسْتَوِي فِيهِ مَا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ تَفْوِيضٌ إلَيْهِ ، فِيمَا هُوَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَالِاسْتِدَانَةُ لَمْ تَدْخُلْ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ بِهَا نَصًّا ، ثُمَّ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى إصْلَاحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِجَمِيعِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ثِيَابًا ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِهَا أَوْ عَلَى قِصَارَتِهَا أَوْ نَقْلِهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَارَ بِالِاسْتِئْجَارِ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ

فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا ، فَصَارَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ مُتَطَوِّعًا فِي مَالِ الْغَيْرِ ، كَمَا لَوْ حَمَلَ مَتَاعًا لِغَيْرِهِ ، أَوْ قَصَّرَ ثِيَابًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : وَكَذَلِكَ إذَا صَبَغَهَا سُودًا مِنْ مَالِهِ فَنَقَصَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لَا تَجُوزُ ، وَلَا يَصِيرُ شَرِيكًا بِالسَّوَادِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ فِي الْعَيْنِ زِيَادَةً ، بَلْ أَوْجَبَ نُقْصَانًا فِيهَا ، وَلَا يَضْمَنُ بِفِعْلِهِ ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَضْلٌ ، فَصَبَغَ الثِّيَابَ بِهِ سُودًا فَنَقَصَهَا ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَكَذَلِكَ إذَا صَبَغَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ صَبَغَ الْمَتَاعَ بِعُصْفُرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ صِبْغٍ يَزِيدُ فِيهَا ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْءٌ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُلْ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ مَتَاعِهِ يَوْمَ صَبَغَهُ ، وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَتَاعَ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْمَتَاعَ حَتَّى يُبَاعَ فَيَتَصَرَّفَ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ ، وَتَصَرَّفَ الْمُضَارِبُ بِمَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فَمَا أَصَابَ الْمَتَاعَ فَهُوَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ ، وَمَا زَادَ الصِّبْغُ فَلِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ اسْتِدَانَةٌ عَلَى الْمَالِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَصَارَ الصِّبْغُ مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ .

وَالْمُضَارِبُ إذَا خَلَطَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ يَضْمَنُ وَصَارَ كَأَجْنَبِيٍّ خَلَطَ الْمَالَ .
وَلَوْ صَبَغَ الثِّيَابَ أَجْنَبِيٌّ ، كَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الشَّرِكَةِ ، وَتَضَارَبَا بِثَمَنِهَا عَلَى الشَّرِكَةِ كَذَا هَذَا ، وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالصِّبْغُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِخَلْطِهِ ، وَصَارَ الْمَتَاعُ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا بِيعَ الْمَتَاعُ قُسِّمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ ، فَمَا أَصَابَ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ ، وَمَا أَصَابَ الصِّبْغُ كَانَ لِلْمُضَارِبِ ، وَإِذَا أَذِنَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ جَازَ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ ، وَمَا يَسْتَدِينُهُ يَكُونُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ وُجُوهٍ ، وَكَانَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَالِ عَيْنٍ فَتُجْعَلَ شَرِكَةَ وُجُوهٍ ، وَيَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ .
وَسَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُضَارَبَةِ نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يُبْنَى عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ ، إلَّا بِشَرْطِ التَّفَاضُلِ فِي الضَّمَانِ ، فَإِنْ شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الضَّمَانِ كَانَ الرِّبْحُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَطْلَقَا كَانَ الْمُشْتَرَى نِصْفَيْنِ ، لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ ، وَإِذَا صَارَتْ هَذِهِ شَرِكَةَ وُجُوهٍ ، صَارَ الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ مُضَارَبَةٍ ، فَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ أَنْ يَرْهَنَ بِهِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ، إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِجَمِيعِ

الثَّمَنِ ، فَقَدْ أَعَارَهُ نِصْفَ الرَّهْنِ لِيَرْهَنَ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ هَلَكَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ فِي الْحَالِ ، إذْ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ لِلْحَالِ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُبَادَلَةً فِي الثَّانِي ، وَمَالُ الْغَيْرِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ .
وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرُّعٌ ، وَلَا يَأْخُذُ سَفْتَجَةً ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا اسْتِدَانَةٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ ، وَكَذَا لَا يُعْطَى سَفْتَجَةً ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ السَّفْتَجَةِ إقْرَاضٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ سَفْتَجَةً ، حَتَّى يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ بِعَيْنِهِ ، فَيَقُولَ لَهُ : خُذْ السَّفَاتِجَ وَأَقْرِضْ إنْ أَحْبَبْتَ فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِكَ فَإِنَّمَا هَذَا عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَخَلْطِ الْمَالِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَوْلُنَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ : اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِكَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ ، وَالتَّبَرُّعُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُضَارَبَةِ ، وَكَذَا الِاسْتِدَانَةُ بَلْ هِيَ عِنْدَ الْإِذْنِ شَرِكَةُ وُجُوهٍ ، وَهِيَ عَقْدٌ آخَرُ وَرَاءَ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ إنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهِ الرَّأْيَ فِي الْمُفَاوَضَةِ خَاصَّةً ، لَا فِي عَقْدٍ آخَرَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا ، فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ .
وَلَوْ اشْتَرَى يَصِيرُ مُخَالِفًا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ ، وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ مُحَابَاةٌ ، وَالْمُحَابَاةُ تَبَرُّعٌ ، وَالتَّبَرُّعُ لَا يَدْخُلُ فِي عَقْدِ

الْمُضَارَبَةِ .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقَبَةِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ ، فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ إذْ التِّجَارَةُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، وَهَذَا مُبَادَلَةُ الْعِتْقِ بِالْمَالِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ ؛ لِانْعِدَامِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ ؛ لِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَإِنْ أَعْتَقَ لَمْ يَنْفُذْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ السَّابِقَ لَا يُفِيدُهُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ، فَالْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْلَى ، وَلَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْعَبْدِ مِمَّا لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ .
وَسَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مَالٌ آخَرُ سِوَى الْعَبْدِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ لَا فَضْلَ فِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ حَقٌّ ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ يَصِيرُ الْعَبْدُ رَأْسَ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ فَضْلٌ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ ، جَازَ إعْتَاقُهُ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَقَدْ تَعَيَّنَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ مِلْكٌ ، فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ ، كَعَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ عَبْدًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ كَعَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ، أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَالٍ ، فَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ ، وَكَانَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ ، وَلِرَبِّ الْمَالِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فِي الْحَالِ وَفِي الثَّانِي أَمَّا فِي

الْحَالِ ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ وَهِبَتِهِ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا .
( وَأَمَّا ) الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى وَعَتَقَ نَفْسُهُ ، يَفْسُدُ الْبَاقِي عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، فَأَكَّدَ دَفْعَ هَذَا الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ ، فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ ، كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا ، كَانَ لِشَرِيكِهِ نَقْضُ بَيْعِهِ ، وَإِنْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، لِمَا أَنَّ الشَّرِيكَ يَتَضَرَّرُ بِنَفَاذِ هَذَا الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ مَتَى أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ الدَّارَ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَيْنِ ؛ قِسْمَةِ الْبَيْتِ مَعَ الْمُشْتَرِي ، وَقِسْمَةِ بَقِيَّةِ الدَّارِ مَعَ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ ، وَيَتَضَرَّرُ ، فَكَانَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَّرَ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ ، أَوْ أَعْتَقَ إنَّهُ يَنْفُذُ ، وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا يُدْفَعُ إذَا أَمْكَنَ ، وَهُنَاكَ لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالْإِعْتَاقَ تَصَرُّفَانِ لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ قَبْلَ الْفَسْخِ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ، وَهُوَ الْأَدَاءُ ، إلَّا أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْ الْمُؤَدَّى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا .
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَى بِهَا الْمُضَارِبُ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ ، فَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَيْسَ إلَّا الْأَلْفَ ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ رِبْحًا ، وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ ، فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِي نَصِيبِهِ .
( وَلَنَا ) أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْمُضَارِبِ مِلْكٌ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ

الْمَالِ ، وَالْآخَرُ رِبْحًا ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يُجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَالْآخَرُ رِبْحًا ، أَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُضَارِبِ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الرِّبْحِ قَبْلَ تَعَيُّنِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَرَأْسُ الْمَالِ لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَّا بِتَعْيِينِ مِلْكِ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عِشْرُونَ عَبْدًا ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، إنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِلْكٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هُوَ رَأْسَ الْمَالِ ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْهُمْ لَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ ، مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ لَا يُقْسَمُونَ قِسْمَةً وَاحِدَةً ، بَلْ كُلُّ شَخْصٍ يُقْسَمُ عَلَى حِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لِلْمُضَارِبِ مِلْكٌ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ الْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُقْسَمُونَ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِمَنْزِلَةِ الدَّوَابِّ ، فَظَهَرَ الرِّبْحُ فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : إنَّ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَقْسِمُ الْقَاضِي قِسْمَةً وَاحِدَةً إذَا رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا ، بَلْ الْعَبِيدُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ ؛ لِهَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِدُونِ بَيَانِ الثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ ، كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ ؛ لِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَبِيدُ لِلْخِدْمَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِسَبَبِهِمْ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَفِيهِ فَضْلٌ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ ،

إنَّهُ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ ، وَيَتَعَيَّنُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فِيمَا زَادَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ ، فَلَا يَتَعَيَّنُ لِلْمُضَارِبِ فِي أَحَدِهِمَا مِلْكٌ ؛ لِاشْتِغَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَقَدْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : إنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبِيدَ نَفَذَ إعْتَاقُهُ فِي جَمِيعِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِلْكٌ ، نَفَذَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِذَا أَعْتَقَهُمْ بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ عَتَقُوا ، وَيَضْمَنُ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ فِيهِمْ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا .
( أَمَّا ) الضَّمَانُ فَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ الْعَبِيدِ ، فَقَدْ كَانَ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَتَمَلَّكَ ، وَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ فَيَضْمَنُ وَإِنَّمَا اسْتَوَى فِيهِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ الْكُلَّ مُبَاشَرَةً ، وَنَفَذَ إعْتَاقُهُ فِي الْكُلِّ ، فَصَارَ مُتْلِفًا الْمَالَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُعْتَقِ ابْتِدَاءً ، ثُمَّ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ إنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ جَازَتْ دَعْوَتُهُ وَعَتَقَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ ، وَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَازْدَادَتْ قِيمَةُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَظَهَرَ فِيهِ فَضْلٌ ، جَازَتْ دَعْوَتُهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ كَعَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَتَقَ عَلَى أَحَدِهِمَا نَصِيبُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، بِأَنْ وَرِثَ نَصِيبَهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى النَّسَبَ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَالِ ، كَانَتْ دَعْوَتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمِلْكِ فَإِذَا

ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فَقَدْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهُ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ ، كَمَنْ ادَّعَى النَّسَبَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَ إنَّهُ تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ ، إنَّهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْإِعْتَاقِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَتَوَقَّفُ ، كَمَنْ أَعْتَقَ مِلْكَ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ إذَا عَتَقَ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، لَا يَضْمَنُ لِلشَّرِيكِ شَيْئًا وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ ، وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَادَّعَى الْوَلَدَ ، لَا يَكُونُ وَلَدُهُ ، وَلَا تَكُونُ الْأُمُّ أَمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ هَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَلِقَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ يَتَغَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَغْرَمُ الْعُقْرَ مِائَةً ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ جَعَلَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَيُنْتَقَصُ رَأْسُ الْمَالِ وَصَارَ تِسْعَمِائَةٍ ، فَيَتَعَيَّنُ لِلْمُضَارِبِ مِلْكٌ فِيهِمَا جَمِيعًا ، فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ سَبْعَمِائَةٍ ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ تَمَامَ رَأْسِ مَالِهِ ، ثُمَّ يَغْرَمُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَهُوَ تَمَامُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَلَدَ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْوَلَدِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَيَسْعَى فِي النِّصْفِ لِرَبِّ الْمَالِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ : إنَّ هَذَا الْجَوَابَ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَسْأَلَةً أُخْرَى طَعَنَ فِيهَا عِيسَى ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُسَاوِي أَلْفًا ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا

يُسَاوِي أَلْفًا ، فَادَّعَاهُ الْمُضَارِبُ ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَيَغْرَمُ الْعُقْرَ ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بَعْضَهُ لِظُهُورِ الرِّبْحِ فِي الْوَلَدِ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ ، فَيَعْتِقُ رُبْعَهُ عَلَيْهِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ ، وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهَا ، وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْجَارِيَةُ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ رَبُّ الْمَالِ الْعُقْرَ وَالسِّعَايَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَظْهَرُ لَهُ الرِّبْحُ فِي الْجَارِيَةِ حَتَّى يَصِلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ ، فَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا صِحَّةَ لِلِاسْتِيلَادِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْوَلَدِ ، وَلَكِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ فَصَارَتْ أَلْفَيْنِ ، فَإِنَّ الْجَارِيَةَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لِظُهُورِ الرِّبْحِ فِيهَا بِزِيَادَةِ قِيمَتِهَا ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا لِرَبِّ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُنْعٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ؛ لِهَذَا اسْتَوَى فِيهِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ فَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِهِ ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مِنْ الْوَلَدِ شَيْئًا مَا لَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا فَصَارَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ بَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْفَضْلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ ، وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ تَمَامَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَعُقْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَظَهَرَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ ، وَاسْتَوْفَى مِنْ الرِّبْحِ أَلْفًا وَمِائَةً ، وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ رِبْحِ الْوَلَدِ

مِقْدَارَ أَلْفٍ وَمِائَةٍ فَعَتَقَ الْوَلَدُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ ، وَبَقِيَ مِنْ الْوَلَدِ مِقْدَارُ تِسْعِمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، فَمَا أَصَابَ الْمُضَارِبَ عَتَقَ وَمَا أَصَابَ رَبَّ الْمَالِ سَعَى فِيهِ الْوَلَدُ قَالَ عِيسَى : هَذَا الْجَوَابُ خَطَأٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ : يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأُمِّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ الْعُقْرِ ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ رِبْحًا بَيْنَهُمَا ، يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ النِّصْفُ بِحِصَّةِ الْمُضَارِبِ قَالَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عِيسَى هُوَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا ، إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ ، الزِّيَادَةُ تَجِبُ أَنْ يَقُولَ : إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ الْمُضَارِبُ أَلْفًا وَمِائَةً ، ثُمَّ يَسْتَوْفِي الْمُضَارِبُ مِنْ الْوَلَدِ مِائَةً ، وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ بَيْنَهُمَا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : الْقِيَاسُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ فِيهَا ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَغْرَمُ بَعْدَ مَا غَرِمَ تَمَامَ رَأْسِ مَالِهِ ، إلَّا نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْرَمَ الْكُلَّ ، وَاَلَّذِي أَجَابَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ ؛ لِأَنَّ فِي غُرْمِ تَمَامِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ تَكْثِيرُ الْعِتْقِ ، وَالْعِتْقُ وَالرِّقُّ إذَا اجْتَمَعَا غَلَبَتْ الْحُرِّيَّةُ الرِّقَّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّمَا افْتَرَقَتْ الْمَسْأَلَتَانِ لِوَصْفِهِمَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ زِيَادَةُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى سَبَبُ الْعِتْقِ قَبْضُ رَبِّ الْمَالِ الْعُقْرَ ، فَلَمَّا شَارَكَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ فِي سَبَبِ عِتْقِهِ أَنْ يَجْتَمِعَ رِبْحُهُ فِي الْجَارِيَةِ .
( وَأَمَّا ) فِي الْمَسْأَلَةِ

الْأُخْرَى لَمَّا كَانَ عِتْقُهُ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ ، صَرَفَ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ إلَى الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ قَدْ مَلَكَهَا وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا : إنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا قَصَدَ تَكْثِيرَ الْعِتْقِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى إذَا لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ لَا يَتَبَيَّنُ تَكْثِيرُ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ نِصْفِ الْعُشْرِ ، فَلَا يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ تَكْثِيرُ الْعِتْقِ ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُضَارِبِ : إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَادَّعَاهُ رَبُّ الْمَالِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ ، وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَانْتَقَضَتْ الْمُضَارَبَةُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَادَفَتْ مِلْكَهُ ، فَثَبَتَ النَّسَبُ وَاسْتَنَدَتْ الدَّعْوَةُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَلَا قِيمَةَ لِلْوَلَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَا فَضْلَ فِي الْمَالِ ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ، وَلَا الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الرَّحْمَةُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُزَوِّجُ الْأَمَةَ وَلَا يُزَوِّجُ الْعَبْدَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةً مِنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِنَفْسِهِ ، فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى جَارِيَةِ الْمُضَارَبَةِ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا مِلْكٌ ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ ، وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ .
( وَأَمَّا ) خُرُوجُ الْأَمَةِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ ، فَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً حَصَّنَهَا

وَمَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ ، وَالْمُضَارَبَةُ تَقْتَضِي الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَإِبْرَازَهَا لِلْمُشْتَرِي ، وَكَانَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى التَّزْوِيجِ إخْرَاجًا إيَّاهَا عَنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَيَحْسِبُ مِقْدَارَ قِيمَتِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهَا مِنْ الْمُضَارَبَةِ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةً مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِعَبْدٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُضَارِبِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ ، وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمْ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : إنْ كَانَ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ ، لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ .
وَلَوْ أَخَذَ الْمُضَارِبُ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ رَطْبَةً مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يُنْفِقَ الْمَالَ ، لَمْ يَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ مُعَامَلَةً عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ ، وَمَنَافِعُ نَفْسِ الْمُضَارِبِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا شَرَطَ مِنْ الْإِنْفَاقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْعَمَلِ ، كَالْخَيْطِ فِي إجَارَةِ الْخَيَّاطِ وَالصِّبْغِ فِي الصِّبَاغَةِ .
وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ تَفْوِيضَ الرَّأْيِ إلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارَبَةُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ ، وَهَذَا عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ ، وَمَنَافِعُ نَفْسِ الْمُضَارِبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَدَلَهَا رَبُّ الْمَالِ وَلَوْ أَخَذَ أَرْضًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا ، فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ نِصْفَيْنِ ، فَاشْتَرَى طَعَامًا بِبَعْضِ الْمُزَارَعَةِ فَزَرَعَهُ ، قَالَ مُحَمَّدٌ : هَذَا يَجُوزُ إنْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقًّا لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَارَكَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِشْرَاكَ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَقُلْ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَإِذَا قَالَ : مَلَكَ كَذَا هَذَا .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : إنَّ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَالْبَقَرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بَلْ يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ ، فَكَانَ لَهُ بَدَلُ مَنَافِعِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ ، وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ الْبَقَرَ عَلَى الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنْفَعَتِهِ ، وَإِنَّمَا الْبَقَرُ آلَةُ الْعَمَلِ ، وَالْآلَةُ تَبَعٌ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ وَلَوْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ أَيْضًا بِغَيْرِ بَذْرٍ مُزَارَعَةً جَازَتْ ، سَوَاءٌ قَالَ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ شَرِكَةً فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ ، إنَّمَا أَجَرَ أَرْضَهُ ، وَالْإِجَارَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الْقِسْمُ الَّذِي لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ إذَا قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ، فَالْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ ، فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ ، وَأَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ، وَأَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ ، إذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مِثْلُ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ ، فَلَا يُسْتَفَادُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مِثْلُهُ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ التَّوْكِيلَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَذَا هَذَا .
( وَأَمَّا ) الشَّرِكَةُ فَهِيَ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهَا الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ ، فَمَا فَوْقَهُ أَوْلَى .
( وَأَمَّا ) الْخَلْطُ فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ حَقًّا لِغَيْرِهِ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ ، فَدَفَعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ فَنَقُولُ : لَا يَخْلُو مِنْ وُجُوهٍ ، إمَّا أَنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتَا فَاسِدَتَيْنِ ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةً ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةً فَإِنْ كَانَتَا صَحِيحَتَيْنِ فَإِنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ إلَى الثَّانِي ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ يَهْلَكُ أَمَانَةً وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : يَصِيرُ مَضْمُونًا بِنَفْسِ الدَّفْعِ ، عَمِلَ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَعْمَلْ ، وَإِذَا هَلَكَ قَبْلَ الْعَمَلِ يَضْمَنُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا .
( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلْمُضَارِبِ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لَمْ يَمْلِكْ دَفْعَ الْمَالِ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَا دَفَعَ صَارَ بِالدَّفْعِ

مُخَالِفًا ، فَصَارَ ضَامِنًا كَالْمُودَعِ إذَا أُودِعَ .
( وَلَنَا ) أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّفْعِ إيدَاعٌ مِنْهُ ، وَهُوَ يَمْلِكُ إيدَاعَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَلَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَعْمَلَ الثَّانِي وَيَرْبَحَ ، فَإِذَا عَمِلَ بِهِ وَرَبِحَ كَانَ ضَامِنًا حِينَ رَبِحَ ، وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمَالِ فَلَمْ يَرْبَحْ حَتَّى ضَاعَ مِنْ يَدِهِ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ الثَّانِي ، فَإِذَا عَمِلَ ضَمِنَ ، رَبِحَ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَرْبَحْ وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ وَالْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ : أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا عَمِلَ فَقَدْ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ، فَيَتَعَيَّنُ بِهِ الضَّمَانُ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ : لَا سَبِيلَ إلَى التَّضْمِينِ بِالدَّفْعِ ؛ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ وَإِبْضَاعٌ ، وَلَا بِالْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَرْبَحْ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُبْضَعِ ، وَالْمُبْضِعُ لَا يَضْمَنُ بِالْعَمَلِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ قَوْلٍ ، وَمُجَرَّدُ الْقَوْلِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ ؛ لَكِنَّهُ إذَا رَبِحَ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ بِإِثْبَاتِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ، فَصَارَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ ، كَمَا لَوْ خَلَطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِغَيْرِهِ ، أَوْ شَارَكَ بِهِ ، وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِالْعَمَلِ وَالرِّبْحِ أَوْ بِنَفْسِ الْعَمَلِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ ، فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِي .
أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمُودِعِ إذَا أَوْدَعَ ، فَظَاهِرٌ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ

تَعَدَّى بِالدَّفْعِ ، وَالثَّانِي تَعَدَّى بِالْقَبْضِ ، فَصَارَ عِنْدَهُمَا كَالْمُودِعِ إذَا أَوْدَعَ .
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَهُ عَلَى الْمُودِعِ الْأَوَّلِ ، لَا عَلَى الثَّانِي ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُضَارَبَةِ أَثْبَتَ لَهُ خِيَارَ تَضْمِينِ الثَّانِي ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الثَّانِي يَعْمَلُ فِي الْمَالِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ ، وَهِيَ الرِّبْحُ ، فَكَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَضْمَنَ وَالْمُودِعُ الثَّانِي لَمْ يَقْبِضْ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ ، بَلْ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ ؛ لِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَضْمَنْ ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الثَّانِي ، وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَرَّرَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ ، فَقَدْ مَلَكَ الْمَضْمُونَ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ مُضَارَبَةً إلَى الثَّانِي ، فَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ صَحَّ .
وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَصَارَ حَاصِلُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَرَّهُ بِالْعَقْدِ ، فَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ ، كَمُودِعِ الْغَاصِبِ ، وَهُوَ ضَمَانُ كَفَالَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ الْتَزَمَ لَهُ سَلَامَةَ الْمَقْبُوضِ عَنْ الضَّمَانِ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ ، وَهُوَ مَا إذَا غَصَبَ رَجُلٌ شَيْئًا فَرَهَنَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، فَاخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ ، وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الرَّهْنِ .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ أَنَّ قَبْضَ الْمَرْهُونِ شَرْطُ صِحَّةِ الرَّهْنِ ، وَلَمَّا ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَهُ لَمْ يَصِحَّ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ ، إذْ لَا صِحَّةَ لَهُ بِدُونِ الْقَبْضِ ، فَأَمَّا فِي الْمُضَارَبَةِ فَيَضْمَنُ الثَّانِي إبْطَالَ الْقَبْضِ بَعْدَ وُجُودِهِ ؛ لِأَنَّ

الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ ، كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْعَقْدَ بَعْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ ، فَكَانَ التَّضْمِينُ إبْطَالَ الْقَبْضِ بَعْدَ وُجُودِهِ ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْمُضَارَبَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ بَاعَ الْمَالَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ لَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ وَإِنْ بَطَلَ قَبَضَهُ وَلَوْ رَدَّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ عَلَى الرَّاهِنِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ لِذَلِكَ افْتَرَقَا وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْأَسْفَلِ ، وَلَا يَطِيبُ لِلْأَعْلَى عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَسْفَلِ بِعَمَلِهِ ، وَلَا خَطَرَ فِي عَمَلِهِ ، فَيَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ ، فَأَمَّا الْأَعْلَى فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَالْمِلْكُ فِي رَأْسِ الْمَالِ إنَّمَا حَصَلَ لَهُ بِالضَّمَانِ ، فَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ ، فَلَا يَطِيبُ لَهُ وَإِنْ كَانَتَا فَاسِدَتَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَجِيرٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالثَّانِي أَجِيرُ الْأَوَّلِ ، فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَعْمَلُ فِي مَالِهِ ، فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ رَجُلًا ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةً وَالْأُخْرَى فَاسِدَةً ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً وَالْأُخْرَى فَاسِدَةً فَكَذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ عَمِلَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الثَّانِي أَجِيرُ الْأَوَّلِ ، وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَرِكَةٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ ، فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ، فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ، وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ لِوُقُوعِ الْمُضَارَبَةِ صَحِيحَةً .
وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى فَاسِدَةً

وَالثَّانِيَةُ صَحِيحَةً فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَجِيرٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الرِّبْحِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ شَرْطُهُ فِيهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذْ الضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ بِإِثْبَاتِ الشَّرِكَةِ ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ فِي مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ ، وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ عَمِلَ بِنَفْسِهِ وَلِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ مُضَارَبَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَقَدْ سَمَّى لَهُ أَشْيَاءَ ، فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْغَيْرِ فَيَضْمَنُ هَذَا ، إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِ ، وَقَدْ رَأَى أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ ، ثُمَّ إذَا عَمِلَ الثَّانِي وَرَبِحَ ، كَيْفَ يَقْسِمُ الرِّبْحَ ؟ فَنَقُولُ : جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ أَطْلَقَ الرِّبْحَ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمُضَارِبِ ، بِأَنْ قَالَ : عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، أَوْ قَالَ : مَا أَطْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ وَإِمَّا أَنْ أَضَافَهُ إلَى الْمُضَارِبِ ، بِأَنْ قَالَ : عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَكَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرِّبْحِ ، أَوْ مَا أَطْعَمَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رِبْحٍ أَوْ : عَلَى أَنَّ مَا رَبِحْتَ مِنْ شَيْءٍ ، أَوْ مَا أَصَبْتَ مِنْ رِبْحٍ ، فَإِنْ أَطْلَقَ الرِّبْحَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمُضَارِبِ ، ثُمَّ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ فَرَبِحَ الثَّانِي ، فَثُلُثُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي قَدْ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَ الرِّبْحِ ، فَكَانَ ثُلُثُ جَمِيعِ الرِّبْحِ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْأَوَّلُ ، فَجَازَ شَرْطُهُ لِلثَّانِي ، فَكَانَ

ثُلُثُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِلثَّانِي ، وَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا ، فَانْصَرَفَ شَرْطُهُ إلَى نَصِيبِهِ لَا إلَى نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ ، فَبَقِيَ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ ، وَهُوَ النِّصْفُ ، وَسُدُسُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ لِلثَّانِي فَبَقِيَ لَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُضَارِبِ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ عَمِلَ بِنَفْسِهِ ، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ ، فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ مَنْ خَاطَهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ، طَابَ لَهُ الْفَضْلُ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ أَجِيرِهِ وَقَعَ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ عَمِلَ بِنَفْسِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَوْ دَفَعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَنِصْفُ الرِّبْحِ لِلثَّانِي ، وَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ نِصْفُ الرِّبْحِ لِلثَّانِي ، وَصَحَّ جَعْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلنِّصْفِ ، وَالنِّصْفُ لِرَبِّ الْمَالِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ مَنْ خَاطَهُ بِدِرْهَمٍ .
وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثَيْنِ ، فَنِصْفُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَنِصْفُهُ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمِثْلِ سُدُسِ الرِّبْحِ الَّذِي شَرَطَهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ لَمَّا لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ ، فَقَدْ صَحَّ فِيمَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَرَّ الثَّانِي بِتَسْمِيَةِ الزِّيَادَةِ ، وَالْغُرُورُ فِي الْعُقُودِ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوَّل صَارَ مُلْتَزِمًا سَلَامَةَ هَذَا الْقَدْرِ لِلثَّانِي ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَيَغْرَمُ لِلثَّانِي مِثْلَ سُدُسِ الرِّبْحِ ، وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُخَالِفًا ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَمْ يَنْفُذْ فِي

حَقِّ رَبِّ الْمَالِ ، فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فِي حَقِّهِ ، فَلَا يَضْمَنُ وَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ ، فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ مَنْ يَخِيطُهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ إنَّهُ يَضْمَنُ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ كَذَا هَذَا .
وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمُضَارِبِ فَدَفَعَهُ الْأَوَّلُ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ بِالثُّلُثِ ، أَوْ بِالنِّصْفِ ، أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ ، فَجَمِيعُ مَا شَرَطَ لِلثَّانِي مِنْ الرِّبْحِ يُسَلَّمُ لَهُ ، وَمَا شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ نِصْفَيْنِ ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ أَنَّ هُنَا شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُضَارِبِ ، أَوْ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ ، فَإِذَا دَفَعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ كَانَ الَّذِي رَزَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ الثُّلُثَيْنِ ، فَكَانَ الثُّلُثُ لِلثَّانِي وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَإِذَا دَفَعَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ كَانَ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ النِّصْفَ ، فَكَانَ النِّصْفُ لِلثَّانِي وَالنِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِذَا دَفَعَهُ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثَيْنِ كَانَ الَّذِي رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالثُّلُثَانِ لِلثَّانِي ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ رَبُّ الْمَالِ إنَّمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَنِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ الرِّبْحِ .
وَكَذَا لَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِ ، وَقَدْ رَأَى الْخَلْطَ وَإِذَا رَبِحَ قَسَّمَ الرِّبْحَ عَلَى الْمَالَيْنِ ، فَرِبْحُ مَالِهِ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً ، وَرِبْحُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ شَرِكَةَ عِنَانٍ لِمَا قُلْنَا ، وَيَقْسِمُ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ

الشَّرْطَ قَدْ صَحَّ وَإِذَا قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعَ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَيَسْتَوْفِي مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ، وَمَا فَضَلَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .

( وَأَمَّا ) الْقِسْمُ الَّذِي لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ أَصْلًا وَرَأْسًا ، فَشِرَاءُ مَا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِيهِ إذَا قَبَضَهُ .
( أَمَّا ) الْأَوَّلُ فَنَحْوُ شِرَاءِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ ، وَالرِّبْحُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ، فَمَا لَا يُمْلَكُ بِالشِّرَاءِ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الرِّبْحُ ، وَمَا يُمْلَكُ بِالشِّرَاءِ لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ ، لَا يَحْصُلُ فِيهِ الرِّبْحُ أَيْضًا ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ ، فَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُضَارَبَةِ ، فَإِنْ دَفَعَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَضْمَنُ ، وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا ، أَوْ عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا سِوَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ، فَالشِّرَاءُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَا مِمَّا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ ، فَكَانَ هَذَا شِرَاءً فَاسِدًا وَالْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ الْمُسْتَفَادِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ .
( وَأَمَّا ) إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا ، فَمَا اشْتَرَى بِهِ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ لَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ أَصْلًا .
( وَأَمَّا ) الثَّانِي فَنَحْوُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَا رَحِم مَحْرَمٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ، فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ ، بَلْ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ شِرَاؤُهُ لِلْمُضَارَبَةِ لَعَتَقَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ ، وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نَفْسِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَالشِّرَاءُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَكُنْ

الشِّرَاءُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ يَمْلِكُ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَيَعْتِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَا عَلَى بَيْعِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ لَا يَكُونُ لِلْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا .
( وَأَمَّا ) الْمُضَارَبَةُ الْمُقَيَّدَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا ، لَا تُفَارِقُهَا إلَّا فِي قَدْرِ الْقَيْدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَيْدَ إنْ كَانَ مُفِيدًا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّرُوطِ اعْتِبَارُهَا مَا أَمْكَنَ ، وَإِذَا كَانَ الْقَيْدُ مُفِيدًا كَانَ يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ فَيُعْتَبَرُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَذْكُورِ وَيَبْقَى مُطْلَقًا فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي الْمُطْلَقِ إذَا قُيِّدَ بِبَعْضِ الْمَذْكُورِ ، إنَّهُ يَبْقَى مُطْلَقًا فِيمَا وَرَاءَهُ ، كَالْعَامِّ إذَا خُصَّ مِنْهُ بَعْضُهُ ، إنَّهُ يَبْقَى عَامًّا فِيمَا وَرَاءَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لَا يَثْبُتُ بَلْ يَبْقَى مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ يَلْغُو وَيُلْحَقُ بِالْعَدَمِ .
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : إذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ تَخْتَلِفُ بِالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ ، وَكَذَا فِي السَّفَرِ خَطَرٌ فَيُعْتَبَرُ ، وَحَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِذْنَ كَانَ عَدَمًا وَإِنَّمَا يَحْدُثُ بِالْعَقْدِ ، فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ ، وَكَذَا لَا يُعْطِيهَا بِضَاعَةً لِمَنْ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ ، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْأَمْرَ بِذَلِكَ أَوْلَى ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْكُوفَةِ فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا وَبَاعَ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ

تَصَرُّفٌ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فَصَارَ فِيهِ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ ، وَكَانَ الْمُشْتَرَى لِنَفْسِهِ ، لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضَيْعَتُهُ ، لَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ بِهَا شَيْئًا ، حَتَّى رَدَّهَا إلَى الْكُوفَةِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ ، وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْخِلَافِ ، فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ، كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ .
وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى هَلَكَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَصَرَّفْ لَمْ يَتَقَرَّرْ الْخِلَافُ ، فَلَا يَضْمَنُ .
وَلَوْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَرَدَّ بَعْضَهُ فَمَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ لَهُ وَمَا رَدَّ رَجَعَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ الْخِلَافُ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَى ، وَزَالَ عَنْ الْقَدْرِ الْمَرْدُودِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي الْكُوفَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ ، فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ مُعَيَّنٍ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِسُوقِ الْكُوفَةِ غَيْرُ مُفِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْبَلَدَ الْوَاحِدَ بِمَنْزِلَةِ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعْلِيقِ بِهَذَا الشَّرْطِ فَيَلْغُو الشَّرْطُ وَلَوْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِهِ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ ، أَوْ : لَا تَعْمَلْ بِهِ إلَّا فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي غَيْرِ سُوقِ الْكُوفَةِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : لَا تَعْمَلْ إلَّا فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَجْرٌ لَهُ ، فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ ، بَلْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ فِي السُّوقِ ، وَالشَّرْطُ غَيْرُ مُفِيدٍ فَلَغَا وَلَوْ قَالَ لَهُ : خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ فِي

غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ .
فِي كَلِمَةُ ظَرْفٍ فَقَدْ جَعَلَ الْكُوفَةَ ظَرْفًا لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ ، فَلَوْ جَازَ فِي غَيْرِهَا لَمْ تَكُنْ الْكُوفَةُ ظَرْفًا لِتَصَرُّفِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ : فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِمَا قُلْنَا ، وَلِأَنَّ الْفَاءَ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيقِ ، فَتُوجِبُ تَعَلُّقَ مَا قَبْلَهَا بِمَا بَعْدَهَا ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ إذَا لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي غَيْرِهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ بِالتَّصَرُّفِ بِالْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ حَرْفُ إلْصَاقٍ فَتَقْتَضِي الْتِصَاقَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ ، وَهَذَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً ، وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يُعْمِلَهُ بِالْكُوفَةِ ، وَحَيْثُ مَا بَدَا لَهُ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً ، إذْنٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا وَقَوْلَهُ : وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ إذْنٌ لَهُ بِالْعَمَلِ فِي الْكُوفَةِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ ، كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَعْتِقْ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَعْتِقْ عَبْدِي سَالِمًا إنَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَيَّ عَبْدٍ شَاءَ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِإِعْتَاقِ سَالِمٍ ، كَذَا هَذَا إذْ الْمُضَارَبَةُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَى سَنَةٍ جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّهُ إذَا وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهَا فِي الْوَقْتِ ، فَلَا يُفِيدُ الْعَقْدُ فَائِدَةً .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ ، وَالتَّوْكِيلُ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ : لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَوْقِيتُ الْمُضَارَبَةِ وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِي الْوَكَالَةِ ، أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ الْيَوْمَ ، فَبَاعَهُ غَدًا جَازَ ، كَالْوَكَالَةِ

الْمُطْلَقَةِ وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْوَكِيلِ : إذَا قِيلَ لَهُ : بِعْهُ الْيَوْمَ ، وَلَا تَبِعْهُ غَدًا جَازَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ غَدًا .
وَكَذَا إذَا قِيلَ لَهُ : عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ الْيَوْمَ دُونَ غَدٍ وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ أَوْ قَالَ : فَاشْتَرِ بِهِ الطَّعَامَ أَوْ قَالَ تَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ أَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الطَّعَامِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِوَى الطَّعَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا ، عَلَى أَنَّ إنْ لِلشَّرْطِ وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي الْكَلَامِ اعْتِبَارُهُ ، وَالْفَاءُ لِتَعْلِيقِ مَا قَبْلَهَا بِمَا بَعْدَهَا ، وَقَوْلُهُ : يَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ تَفْسِيرُ التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ بِهِ وَقَوْلُهُ فِي الطَّعَامِ فَفِي كَلِمَةُ ظَرْفٍ ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا تَصِيرُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ، وَأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ بَعْضٍ .
وَكَذَا النَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ ، فَقَدْ يَهْتَدِي الْإِنْسَانُ إلَى بَعْضِ التِّجَارَةِ دُونَ بَعْضٍ ، فَكَانَ الشَّرْطُ مُفِيدًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَ الطَّعَامِ ، وَالطَّعَامُ هُوَ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا ، إذْ لَا يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُتَطَعَّمُ ، بَلْ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ ، وَالْأَمْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ الْبُلْدَانِ ، فَاسْمُ الطَّعَامِ فِي عُرْفِهِمْ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ جِنْسًا آخَرَ بِأَنْ قَالَ لَهُ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الدَّقِيقَ أَوْ الْخُبْزَ أَوْ الْبُرَّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بِلَا خِلَافٍ ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ الْجِنْسَ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ ، وَأَنْ يُبْضِعَ فِيهِ ،

وَأَنْ يَعْمَلَ فِيهِ جَمِيعَ مَا يَعْمَلُهُ الْمُضَارِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّفْظَ الْمُطْلَقَ إذَا قُيِّدَ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ فِيمَا وَرَاءَهُ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدًا قَالَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً ، فَقَالَ لَهُ : إنْ اشْتَرَيْتَ بِهِ الْحِنْطَةَ فَلَكَ مِنْ الرِّبْحِ النِّصْفُ وَلِيَ النِّصْفُ ، وَإِنْ اشْتَرَيْتَ بِهِ الدَّقِيقَ فَلَكَ الثُّلُثُ وَلِيَ الثُّلُثَانِ فَقَالَ : هَذَا جَائِزٌ ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ عَلَى مَا سَمَّى لَهُ رَبُّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ خَيَّرَ الْخَيَّاطَ بَيْنَ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَمِلَ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَهُ النِّصْفُ جَازَ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، إنْ عَمِلَ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ الثُّلُثُ ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَهُ النِّصْفُ ، وَلَوْ اشْتَرَى فِي الْمِصْرِ وَبَاعَ فِي السَّفَرِ ، أَوْ اشْتَرَى فِي السَّفَرِ وَبَاعَ فِي الْمِصْرِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : الْمُضَارَبَةُ فِي هَذَا عَلَى الشِّرَاءِ ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الْمِصْرِ فَمَا رَبِحَ فِي ذَلِكَ الْمَتَاعِ ، فَهُوَ عَلَى مَا شُرِطَ فِي الْمِصْرِ .
سَوَاءٌ بَاعَهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالْعَمَلِ ، وَالْعَمَلُ يَحْصُلُ بِالشِّرَاءِ ، فَإِذَا اشْتَرَى فِي الْمِصْرِ تَعَيَّنَ أَحَدُ الْعَمَلَيْنِ ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ ، وَإِنْ عَمِلَ بِبَعْضِ الْمَالِ فِي السَّفَرِ وَبِالْبَعْضِ فِي الْحَضَرِ ، فَرِبْحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ عَلَى مَا شَرَطَ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ ، جَازَ عِنْدَنَا وَهُوَ عَلَى فُلَانٍ خَاصَّةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الشَّخْصِ تَضْيِيقَ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ

مِنْ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الرِّبْحُ ، وَتَغْيِيرَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ التَّصَرُّفُ مَعَ مَنْ شَاءَ .
( وَلَنَا ) أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُفِيدٌ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ قَدْ يَكُونُ أَرْبَحَ لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ فِي الْبَيْعِ ، وَقَدْ يَكُونُ أَوْثَقَ عَلَى الْمَالِ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا ، كَالتَّقْيِيدِ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَقَوْلُهُ : التَّعْيِينُ يُغَيِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ قُلْنَا : لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ مُفِيدًا مِنْ الِابْتِدَاءِ ، وَإِنَّهُ قَيْدٌ مُفِيدٌ ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَتَبِيعَ فَاشْتَرَى وَبَاعَ مِنْ رِجَالٍ بِالْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُفِيدُ إلَّا تَرْكَ السَّفَرِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِمَّنْ بِالْكُوفَةِ .
وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً فِي الصَّرْفِ ، عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَيَبِيعَ ، كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالصَّيَارِفَةِ لَا يُفِيدُ إلَّا تَخْصِيصَ الْبَلَدِ ، أَوْ النَّوْعِ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ صَيْرَفِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : اشْتَرِ بِهِ الْبَزَّ وَبِعْ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَزَّ وَغَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ الْبَزِّ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ : خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً ، وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْقَيْدَ مُقَارَنٌ ، وَهَهُنَا مُتَرَاخٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَهَاهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ، وَالْحُكْمُ فِي التَّقْيِيدِ الطَّارِئِ عَلَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ يَعْمَلُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا اشْتَرَى بِهِ لَا يَعْمَلُ ، إلَى

أَنْ يَبِيعَهُ بِمَالِ عَيْنٍ ، فَيَعْمَلُ التَّقْيِيدُ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا مَا قَالَ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِالنَّقْدِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ إلَّا بِالنَّقْدِ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَذْكُورِ وَلَوْ قَالَ لَهُ : بِعْ بِنَسِيئَةٍ ، وَلَا تَبِعْ بِالنَّقْدِ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ أَنْفَعُ مِنْ النَّسِيئَةِ ، فَلَمْ يَكُنِ التَّقْيِيدُ بِهَا مُفِيدًا فَلَا يَثْبُتُ الْقَيْدُ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ : بِعْ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَازَ هَذَا .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مِمَّا لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ ، وَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا : إذَا بَاعَ رَبُّ الْمَالِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ بَيْعُهُ ، وَإِذَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ ، إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمُضَارِبُ ، سَوَاءٌ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، أَوْ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ طَرِيقِ الْإِعَانَةِ لِلْمُضَارِبِ ، وَلَيْسَ مِنْ الْإِعَانَةِ إدْخَالُ النَّقْصِ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ فَلَا يَتَحَمَّلُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ اثْنَيْنِ ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهُ ، إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، أَوْ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمُضَارِبُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُضَارِبَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، بَلْ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَلَا يَمْلِكُ الْأَمْرَ بِهِ ، وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مَتَاعًا وَفِيهِ فَضْلٌ ، أَوْ لَا فَضْلَ فِيهِ ، فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ بَيْعَ ذَلِكَ فَأَبَى الْمُضَارِبُ ، وَأَرَادَ إمْسَاكَهُ حَتَّى يَجِدَ رِبْحًا ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِكِ عَنْ تَنْفِيذِ إرَادَتِهِ فِي مِلْكِهِ لِحَقٍ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ وَالْعَدَمَ ، وَهُوَ الرِّبْحُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ : إنْ أَرَدْتَ الْإِمْسَاكَ فَرُدَّ عَلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ يُقَالُ لَهُ : ادْفَعْ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ ، وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَيُسَلِّمُ الْمَتَاعَ إلَيْكَ .
وَلَوْ أَخَذَ رَجُلٌ مَالًا لِيَعْمَلَ لِأَجْلِ ابْنِهِ مُضَارَبَةً ، فَإِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، فَالْمُضَارَبَةُ لِلْأَبِ ، وَلَا شَيْءَ لِلِابْنِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ يُسْتَحَقُّ

بِالْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، فَإِنْ كَانَ الِابْنُ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ فَالْمُضَارَبَةُ لِلِابْنِ وَالرِّبْحُ لَهُ إنْ عَمِلَ ، فَإِنْ عَمِلَ الْأَبُ بِأَمْرِ الِابْنِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ، وَإِنْ عَمِلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ .
وَقَدْ قَالُوا : فِي الْمُضَارِبِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً ، فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَهَا ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ ، فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ مِلْكًا وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ ، فَلِلْمُضَارِبِ فِيهَا حَقٌّ يُشْبِهُ الْمِلْكَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ .
وَلَوْ مَاتَ كَانَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَهَا فَصَارَتْ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57