كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

كَلَّمْت إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الزَّوْجُ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فَكَانَ شَهَادَةً عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُقْبَلُ .

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ : إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ أَوْ قَالَ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الزَّوْجَ مَتَى أَضَافَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ إلَى امْرَأَتَيْنِ وَجَعَلَ وُجُودَهُ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِمَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْهُمَا كَانَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِمَا وُجُودُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا كَانَ وُجُودُهُ مِنْهُمَا شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ يَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَا أَمْكَنَ ، إنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ يُصَحَّحُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ يُصَحَّحْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ، إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ : إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ أَوْ إذَا وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَوِلَادَةً وَاحِدَةً مِنْ امْرَأَتَيْنِ مُحَالٌ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهِ كَلَامُ الْعَاقِلِ فَيَنْصَرِفُ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى اثْنَيْنِ عَلَى إرَادَةِ وُجُودِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا مُتَعَارَفٌ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى وَصَاحِبِهِ { : فَنَسِيَا حُوتَهُمَا } وَإِنَّمَا نَسِيَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ فَتَاهُ .
وَقَالَ تَعَالَى { : يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْبَحْرُ الْمَالِحُ دُونَ الْعَذْبِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَعَمِّهِ : { إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّأْذِينِ وَالْإِقَامَةِ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَكَانَ هَذَا تَعْلِيقَ طَلَاقِهِمَا بِحَيْضَةِ إحْدَاهُمَا وَبِوِلَادَةِ إحْدَاهُمَا ، وَلَوْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا : حِضْت إنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ طَلُقَتَا جَمِيعًا

؛ لِأَنَّ حَيْضَتَهَا فِي حَقِّهَا ثَبَتَ بِإِخْبَارِهَا وَفِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا ثَبَتَ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَذَّبَهَا طَلُقَتْ هِيَ وَلَا تَطْلُقُ صَاحِبَتُهَا ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا ثَبَتَ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا ، وَلَوْ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا : قَدْ حِضْتُ طَلُقَتَا جَمِيعًا ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُمَا الزَّوْجُ أَوْ كَذَّبَهُمَا أَمَّا إذَا صَدَّقَهُمَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ لَا يُثْبِتُ حَيْضَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا .
وَأَمَّا إذَا كَذَّبَهُمَا فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَيْضَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا لَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا .
وَثُبُوتُ حَيْضَتِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا يَكْفِي لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا : إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ : حِضْت ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ ، وَإِذَا وَلَدْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ لَا تَطْلُقَانِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْحَيْضُ وَالْوِلَادَةُ مِنْهَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحَيْضَ أَوْ الْوِلَادَةَ إلَيْهِمَا وَيُتَصَوَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْحَيْضُ وَالْوِلَادَةُ ، فَيُعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ الْحَيْضِ أَوْ الْوِلَادَةِ مِنْهَا جَمِيعًا عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ ، وَلَوْ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا : قَدْ حِضْت ، إنْ صَدَّقَهُمَا الزَّوْجُ طَلُقَتَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا بِوُجُودِ الْحَيْضِ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمَا مَعَ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضُهَا لَا حَيْضُ صَاحِبَتِهَا ، وَحَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ شَطْرُ الشَّرْطِ ، وَطَلَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِوُجُودِ حَيْضِهِمَا جَمِيعًا ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَنْزِلُ بِوُجُودِ بَعْضِ الشَّرْطِ وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ

الْأُخْرَى تَطْلُقُ الْمُكَذَّبَةُ وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ ؛ لِأَنَّ حَيْضَ الْمُكَذَّبَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّهَا بِإِخْبَارِهَا ، وَحَيْضَ الْمُصَدَّقَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ أَيْضًا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَثَبَتَ الْحَيْضَتَانِ جَمِيعًا فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ فَوُجِدَ كُلُّ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ إلَّا حَيْضُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهَا حَيْضُ الْمُكَذَّبَةِ لِتَكْذِيبِ الزَّوْجِ الْمُكَذَّبَةَ فِي ثُبُوتِ حَيْضِهَا عِنْدَ الْمُصَدَّقَةِ فَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ شَطْرَ الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إذَا حِضْتُمَا حَيْضَتَيْنِ أَوْ إذَا وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ ، فَهَذَا وَقَوْلُهُ إذَا حِضْتُمَا أَوْ وَلَدْتُمَا سَوَاءٌ فَمَا لَمْ يَحِيضَا جَمِيعًا أَوْ يَلِدَا جَمِيعًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ وُجُودَ حَيْضَتَيْنِ مِنْهُمَا وَوِلَادَةَ وَلَدَيْنِ مِنْهُمَا يَكُونُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ أَنْ تَحِيضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضَةً وَتَلِدَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدًا .
وَكَذَا إذَا قَالَ : إذَا دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ أَوْ كَلَّمْتُمَا فُلَانًا أَوْ لَبِسْتُمَا هَذَا الثَّوْبَ أَوْ رَكِبْتُمَا هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ أَكَلْتُمَا هَذَا الطَّعَامَ أَوْ شَرِبْتُمَا هَذَا الشَّرَابَ ؛ فَمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا جَمِيعًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ مِنْهُمَا فَيُعْمَلُ بِحَقِيقَةِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ ثُمَّ التَّعْلِيقُ فِي الْمُلْكِ كَمَا يَصِحُّ بِشَرْطِ الْوُجُودِ يَصِحُّ بِشَرْطِ الْعَدَمِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَامَةٌ مَحْضَةٌ وَالْعَدَمُ يَصْلُحُ عِلْمًا مَحْضًا فَيَصْلُحُ شَرْطًا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وَقَّتَ يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ انْتِهَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ أَطْلَقَ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ، بَيَانُ ذَلِكَ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ،

أَوْ قَالَ : إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَالْإِتْيَانِ مُطْلَقًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُثْبِتْهُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّطْلِيقِ مُطْلَقًا ، وَالْعَدَمُ الْمُطْلَقُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك وَإِذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك فَإِنْ أَرَادَ بِإِذَا إنْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ نَوَى بِهِ مَتَى يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَسَكَتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ بِمَعْنَى مَتَى ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } وَ { إذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } وَ { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى مَتَى ، وَلَوْ قَالَ : مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك يَقَعُ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الْفَرَاغِ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ إذَا سَكَتَ كَذَا هَذَا ، وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ قَالَ : مَتَى شِئْت ، وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ كَانَتْ لِلشَّرْطِ لَاقْتُصِرَتْ الْمَشِيئَةُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَمَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ ، تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الشَّرْطُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَزَمَ مَا بَعْدَهُ ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ بِهَا الْوَقْتَ يَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا

فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَسَكَتَ كَمَا فِي قَوْلِهِ مَتَى .
وَإِنْ قَالَ : أُرِيدُ بِهَا الشَّرْطَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي كَلِمَةِ إنْ ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا يَقَعُ مَعَ الشَّكِّ ، وَإِنَّمَا لَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَتْ الْمَشِيئَةُ فِي يَدِهَا بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت ، وَأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ وَلِلشَّرْطِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الشَّرْطُ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : إنْ شِئْت .
وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْوَقْتُ لَا يَبْطُلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : مَتَى شِئْت ؛ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْبُطْلَانِ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَا يَبْطُلُ مَعَ الشَّكِّ فَاطَّرَدَ كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَعْنَى بِحَمْدِ اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى .

وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا سَنَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَتْ السُّنَّةُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا أَوْ يُكَلِّمَهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْإِيلَاءُ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَقْرَبْهَا أَنَّهُ يَقَعُ طَلْقَةً بَائِنَةً ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي الشَّرْعِ جَعْلُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْفَيْءِ إلَيْهَا فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالتَّعْلِيقِ الْحُكْمِيِّ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ - وَهُوَ الْبِرُّ - تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ الْبِرِّ فِي الْمُدَّةِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا : إنْ لَمْ أَقْرَبْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّعْلِيقِ الْحُكْمِيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَهُوَ الْحِنْثُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ وَسَنَذْكُرُهُ بِحُكْمِهِ فِي مَوْضِعِهِ .

وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَاحْتَجْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } .
وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ مِمَّا لَا يُشْكِلُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ تَطْلِيقٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَقَعُ بِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ كَلَامٌ آخَرُ سِوَاهُ فَكَانَ الْكَلَامُ السَّابِقُ تَطْلِيقًا ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ لِلْحَالِ لِلْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ .
وَالتَّصَرُّفُ لَا يَنْعَقِدُ تَطْلِيقًا إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ هَهُنَا فَلَا يَنْعَقِدُ ( وَلَنَا ) أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ تَطْلِيقًا لِلْحَالِ ، بَلْ هُوَ تَطْلِيقٌ عِنْدَ الشَّرْطِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عِلْمٌ عَلَى الِانْطِلَاقِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ لَا فِي الْحَالِ ، وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَنَقُولُ بِمُوجَبِهِ : أَنْ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } وَهَذَا طَلَاقٌ بِغَيْرِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ جَعَلَهُ طَلَاقًا بَعْدَ النِّكَاحِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ جَعَلَهُ عِلْمًا عَلَى الِانْطِلَاقِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا أَنْ يُجْعَلَ مُنْشِئًا لِلطَّلَاقِ بَعْدَ النِّكَاحِ ، أَوْ يَبْقَى الْكَلَامُ السَّابِقُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحَالٌ ، وَالْأَوَّلَ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ ، وَإِضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الشَّرْعِ لَا إلَى الزَّوْجِ ، .
وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالْحُدُوثِ : إنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ ، بَلْ هُوَ يَمِينٌ وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ : التَّنْجِيزُ لَا يُشْكِلُ مُسَلَّمٌ بَعْدَ وُرُودِ الْحَدِيثِ .
فَأَمَّا قَبْلَهُ فَقَدْ كَانَ مُشْكِلًا ، فَإِنَّهُ رُوِيَ : أَنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ

الرَّجُلُ يُطَلِّقُ أَجْنَبِيَّةً وَيَعْتَقِدُ حُرْمَتَهَا فَأَبْطَلَ الْحَدِيثُ ذَلِكَ ، وَالْجَوَابُ : الْأَوَّلُ أَحَقُّ وَأَدَقُّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ عِنْدَنَا ، وَلَوْ تَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ .
وَكَذَا هَذَا فِي قَوْلِهِ : إنْ تَزَوَّجْتُك لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي كُلِّ مِرَّةٍ يَتَزَوَّجُهَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ دَخَلَتْ عَلَى الْعَيْنِ وَكَلِمَةَ كُلَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَطَلُقَتْ فِي كُلِّ مِرَّةٍ ، وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِمَنْكُوحَةٍ : كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ ثَلَاثَةَ مَرَّاتٍ وَطَلُقَتْ فِي كُلِّ مِرَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ هُنَاكَ طَلَقَاتُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ الْمُبْطِلَةُ لِلْحَالِ الْقَائِمِ ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ مِلْكٍ حَادِثٍ وَحِلٍّ مُسْتَأْنَفٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ مَا يَمْلِكُ بِهِ مِنْ الطَّلْقَاتِ وَهَهُنَا قَدْ عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا فَيَصِيرُ عِنْدَ كُلِّ تَزَوُّجٍ يُوجَدُ مِنْهُ لِامْرَأَةٍ قَائِلًا لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الَّتِي تَكَرَّرَ عَلَيْهَا طَلَاقُهَا أَوْ غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ فَوْقَنَا أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ هَذَا نَهَارًا أَوْ إنْ كَانَ هَذَا لَيْلًا وَهُمَا فِي اللَّيْلِ أَوْ فِي

النَّهَارِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَحْقِيقٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بِشَرْطٍ ؛ إذْ الشَّرْطُ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهَذَا مَوْجُودٌ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ تَحْقِيقُ النَّفْيِ حَيْثُ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مُحَالٍ .

وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْوَقْتِ فَالزَّوْجُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي وَإِمَّا أَنْ أَضَافَهُ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي يُنْظَرُ : إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ وَتَلْغُو الْإِضَافَةُ ، بَيَانُهُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِهِ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ عَلَى مَا أُخْبِرَ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ إلَّا بِإِبْطَالِ الْإِسْنَادِ إلَى الْمَاضِي فَكَانَ التَّصْحِيحُ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَا يَقَعُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ يَقَعُ السَّاعَةَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ الْإِخْبَار لِانْعِدَامِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَيَكُونُ كَذِبًا فَيُصَحَّحُ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ ، ثُمَّ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ إنْشَاءَ الْإِضَافَةِ ؛ لِأَنَّ إسْنَادَ الطَّلَاقِ الْمَوْجُودِ لِلْحَالِ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي مُحَالٌ فَبَطَلَتْ الْإِضَافَةُ وَاقْتَصَرَ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْحَالِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ .
وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ ثُمَّ أَضَافَ الْوَاقِعَ إلَى مَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْتُكِ فَتَزَوَّجَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ : قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك ، وَلَوْ قَدِمَ ذِكْرَ التَّزْوِيجِ فَقَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَقَعُ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ

الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ قَائِلًا عِنْدَ التَّزْوِيجِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لَا يَقَعُ كَذَا هَذَا .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ ثُمَّ أَضَافَ الْوَاقِعَ إلَى زَمَانِ مَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَتَلْغُو الْإِضَافَةُ وَيَبْقَى الْوَاقِعُ عَلَيَّ حَالِهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَلَوْ أَضَافَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ إلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ لَا مِلْكَ لَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَطْعًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي .
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِكَ ، ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِوُجُودِ الْمَوْتِ فَصَارَ الْمَوْتُ شَرْطًا إذْ الْجَزَاءُ يَعْقُبُ الشَّرْطَ فَكَانَ هَذَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا مِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَبَطَلَ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاكِ فَأَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَإِنَّ زَوْجَهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِعِتْقِ مَوْلَاهَا فَصَارَ عِتْقُ مَوْلَاهَا شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ بَعْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ ؛ وَهِيَ حُرَّةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَ غَدٌ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِمَجِيءِ الْغَدِ فَكَانَ حَالُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَاحِدًا وَهُوَ حَالُ مَجِيءِ الْغَدِ فَيَقَعَانِ مَعًا ، وَالْعِتْقُ حَالَ وُقُوعِهِ يَكُونُ وَاقِعًا ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ حَالَ وُجُودِهِ يَكُونُ مَوْجُودًا ، وَالشَّيْءُ فِي حَالِ قِيَامِهِ يَكُونُ قَائِمًا وَفِي حَالِ سَوَادِهِ يَكُونُ أَسْوَدَ ، فَالطَّلْقَتَانِ يُصَادِفَانِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ ، وَلِهَذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ ؛ وَلِهَذَا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ .
فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى كَذَا هَذَا .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا : أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَمَّا عُلِّقَا بِمَجِيءِ الْغَدِ وَقَعَا مَعًا ، ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ .
وَكَذَا الطَّلَاقُ فَيَثْبُتُ الْحُرْمَةُ

الْغَلِيظَةُ بِثِنْتَيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، لِأَنَّ ثَمَّةَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالْعِتْقِ فَيَقَعُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ ضَرُورَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْعِدَّةِ ؛ فَإِنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ يَتَعَقَّبُ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُصَادِفُهَا وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ ، وَلَا عِدَّةَ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ فَلَا يَكُونُ وُجُوبُهَا مُقَارِنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَكَانَ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ضَرُورَةً ، وَهِيَ حُرَّةٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَكَانَتْ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غَدٍ صَحَّ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَقْتَ الْإِضَافَةِ ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ ثُمَّ إذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ وَالشَّهْرِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّعْلِيقِ ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْكِ وَسَكَتَ أَنَّهَا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ مَتَى لِلْوَقْتِ فَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَا يُطَلِّقُهَا فِيهِ فَكَمَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَسَكَتَ وُجِدَ هَذَا الْوَقْتُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ .
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَيْ : فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا أُطَلِّقُكِ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ : مَا دُمْتَ تَفْعَلُ كَذَا افْعَلْ كَذَا أَيْ : فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَفْعَلُ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَبَرًا عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } أَيْ : وَقْتَ حَيَاتِي فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا أُطَلِّقُكِ ؛ فَكَمَا فَرَغَ وَسَكَتَ تَحَقَّقَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ يُطَلِّقُهَا مَوْصُولًا بِأَنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ أَنْتِ طَالِقٌ .
وَذَكَرَ الْعِبَارَتَيْنِ

الْأُخْرَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ هَذِهِ التَّطْلِيقَةَ دُونَ التَّطْلِيقَةِ الْمُضَافَةِ إلَى زَمَانٍ لَا يُطَلِّقُهَا فِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ أَنْتِ طَالِقٌ تَقَعُ هَذِهِ الطَّلْقَةُ لَا غَيْرَ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ .
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَا طَلَاقَ فِيهِ وَكَمَا فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ قَبْلَ قَوْلِهِ : طَالِقٌ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَيَقَعُ الْمُضَافُ ، وَلَنَا أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَقْتٌ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَمَّا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُوجَدْ وَقْتٌ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِجُمْلَتِهِ طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا ، فَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَقْتٌ لَا طَلَاقَ فِيهِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُضَافُ لِانْعِدَامِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا .
وَقَالَ : عَنَيْتُ آخِرَ النَّهَارِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ .
وَقَالَ عَنَيْتُ فِي آخِرِ النَّهَارِ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ بِلَا خِلَافٍ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْغَدَ اسْمُ زَمَانٍ ؛ وَالزَّمَانُ إذَا قُرِنَ بِالْفِعْلِ يَصِيرُ ظَرْفًا لَهُ ، سَوَاءٌ قُرِنَ بِهِ حَرْفُ الظَّرْفِ وَهُوَ حَرْفُ فِي أَوْ لَمْ يُقْرَنْ بِهِ ، فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ كَتَبْت فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ ، فَكَانَ ذِكْرُ حَرْفِ الظَّرْفِ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا .
وَقَالَ : عَنَيْت آخِرَ النَّهَارِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي

الْقَضَاءِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ حَقِيقَةً ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ ظَرْفًا لَهُ يُذْكَرُ بِدُونِ حَرْفِ الظَّرْفِ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ ظَرْفًا لَهُ مَجَازًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ ظَرْفًا لَهُ وَالْآخَرُ ظَرْفَ ظَرْفِهِ يُذْكَرُ مَعَ حُرُوفِ الظَّرْفِ ، فَلَمَّا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا بِدُونِ حَرْفِ الظَّرْفِ فَقَدْ جَعَلَ الْغَدَ كُلَّهُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كُلُّهُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ حَقِيقَةً إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ، فَإِذَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ يَبْقَى حُكْمًا وَتَقْدِيرًا فَيَكُونُ جَمِيعُ الْغَدِ ظَرْفًا لَهُ بَعْضُهُ حَقِيقَةً وَبَعْضُهُ تَقْدِيرًا أَمَّا إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَا يَكُونُ كُلُّ الْغَدِ ظَرْفًا لَهُ ، بَلْ يَكُونُ ظَرْفَ الظَّرْفِ ، فَإِذَا قَالَ : عَنَيْت آخِرَ النَّهَارِ فَقَدْ أَرَادَ الْعُدُولَ مِنْ الظَّاهِرِ فِيمَا يُتَّهَمُ فِيهِ بِالْكَذِبِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ ، وَلَمَّا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَلَمْ يَجْعَلْ الْغَدَ كَلِمَةَ ظَرْفٍ لِلطَّلَاقِ حَقِيقَةً ، بَلْ جَعَلَهُ ظَرْفَ الظَّرْفِ وَبَيَّنَ أَنَّ الظَّرْفَ الْحَقِيقِيَّ لِلطَّلَاقِ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْغَدِ .
وَذَلِكَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَكَانَ التَّعْيِينُ إلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ : عَنَيْتُ آخِرَ النَّهَارِ فَقَدْ عَيَّنَ فَيُصَدَّقُ فِي التَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ، وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ : إنْ صُمْت فِي الدَّهْرِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَصَامَ سَاعَةً يَحْنَثُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ صُمْتُ الدَّهْرَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِصَوْمٍ الْأَبَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ قَدْ تَعَارَضَتْ فَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ مِنْهَا احْتِيَاطًا لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ مِنْ وَجْهِ الِاحْتِمَالِ

أَنَّهُ ذَكَرَ حَرْفَ الظَّرْفِ لِتَأْكِيدِ ظَرْفِيَّةِ الْغَدِ لَا لِبَيَانِ أَنَّهُ ظَرْفُ الظَّرْفِ ؛ فَتَرَجَّحَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ عَلَى سَائِرِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْجَوَازِ بِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وَجْهٍ فَيَقَعُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا : إنَّ دُخُولَ حَرْفِ الظَّرْفِ فِي الْغَدِ وَعَدَمَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوِمَ وَغَدًا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا وَلَنْ يَكُونَ الْوَقْتَانِ جَمِيعًا ظَرْفًا إلَّا عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي أَوَّلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الْوُقُوعُ إلَى الْغَدِ لَكَانَ الظَّرْفُ أَحَدَهُمَا ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ ، يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي الْيَوْمِ وَوَصَفَ الْيَوْمَ بِأَنَّهُ غَدٌ وَهُوَ مُحَالٌ فَلَغَا قَوْلُهُ : غَدًا وَبَقِيَ قَوْلُهُ : الْيَوْمَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ ، وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْغَدِ وَوَصَفَ الْغَدَ بِأَنَّهُ الْيَوْمُ وَهُوَ مُحَالٌ فَلَغَا قَوْلُهُ : الْيَوْمَ وَبَقِيَ قَوْلُهُ : غَدًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي غَدٍ .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ أَوْ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْت أَوْ كُلَّمَا شِئْتِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِذَا شَاءَتْ وَقَعَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتِ مَشِيئَتِهَا وَوَقْتُ مَشِيئَتِهَا هُوَ الزَّمَانُ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ مَشِيئَتُهَا فَإِذَا شَاءَتْ فَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الزَّمَانُ فَيَقَعُ وَلَا يَقْتَصِرُ هَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : إنْ شِئْتِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا إضَافَةٌ وَذَا تَمْلِيكٌ لِمَا نُبَيِّنُ فِي مَوْضِعِهِ .

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ الْكَلَامِ فِيهِ : أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ خُلْعٍ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ، سَوَاءٌ كَانَ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً لِقِيَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَيَثْبُتُ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ .
وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ خُلْعٍ وَهِيَ الْمُبَانَةُ أَوْ الْمُخْتَلِعَةُ فَيَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَلْحَقُهَا .
وَجْهُ قَوْلِهِ : أَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْإِزَالَةِ ، وَالْمِلْكُ قَدْ زَالَ بِالْخُلْعِ وَالْإِبَانَةِ ، وَإِزَالَةُ الزَّائِلِ مُحَالٌ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ وَالْإِبَانَةُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَالَ { : الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ } ؛ وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ وَلِأَنَّهَا بِالْخُلْعِ وَالْإِبَانَةِ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ مَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً - وَهُوَ الِانْطِلَاقُ وَالتَّخَلِّي وَزَوَالُ الْقَيْدِ - فَهِيَ مَحِلٌّ لِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ فِي حَالِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالتَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ ، وَالْقَيْدُ هُوَ الْمَنْعُ وَإِنْ كَانَ مَا لَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً - وَهُوَ زَوَالُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا - فَحِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ قَائِمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ وَلَمْ تُوجَدْ فَكَانَتْ الْمُبَانَةُ وَالْمُخْتَلِعَةُ مَحِلَّيْنِ لِلطَّلَاقِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ : - الطَّلَاقُ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بِالْإِزَالَةِ - غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً وَلَا يَدُلُّ

عَلَيْهِ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ وَاقِعٌ .
وَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ رَاجَعَهَا لَا يَنْعَدِمُ الطَّلَاقُ ، بَلْ يَبْقَى أَثَرُهُ فِي حَقِّ زَوَالِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنْ انْعَدَمَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ زَوَالِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ ؛ لِأَنَّهَا إزَالَةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ دَلِيلٌ .
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَهَلْ يَلْحَقُهَا ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً وَهِيَ أَلْفَاظٌ وَهِيَ قَوْلُهُ : اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ يَلْحَقُهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا اعْتَدِّي لَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ .
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ كِنَايَةٌ ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَعْمَلُ إلَّا فِي حَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْكِنَايَةِ رَجْعِيٌّ فَكَانَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ فَيَلْحَقُ الْخُلْعَ وَالْإِبَانَةَ فِي الْعِدَّةِ كَالصَّرِيحِ .
وَإِنْ كَانَتْ بَائِنَةً كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ ، وَالْوَصْلَةُ مُنْقَطِعَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ قَطْعُهَا ثَانِيًا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْقَيْدِ وَإِزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَائِمٌ ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذَا الْكَلَامِ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ ؛ لِأَنَّ إبَانَةَ الْمُبَانِ مُحَالٌ فَيُصَحَّحُ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا فَيُصَحَّحُ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِبَانَةَ تَحْرِيمٌ شَرْعًا ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَتَحْرِيمُ الْمُحَرَّمِ مُحَالٌ ، وَسَوَاءٌ نَجَّزَ الْإِبَانَةَ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ أَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ، وَنَوَى الطَّلَاقَ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ

الْإِبَانَةَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا فِي حَالِ قِيَامِ الْوَصْلَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَنْعَقِدُ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ أَبَانَهَا أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَقَعُ وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ تَنْجِيزًا عِنْدَ الشَّرْطِ تَقْدِيرًا ، وَلَوْ نَجَزَ الْإِبَانَةَ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ .
( وَلَنَا ) أَنَّ التَّعْلِيقَ وَقَعَ صَحِيحًا لِقِيَامِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَانْعَقَدَ مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ وَزَالَ الْمِلْكُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، إلَّا أَنَّ الْإِبَانَةَ الطَّارِئَةَ أَوْجَبَتْ زَوَالَ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ لِلْحَالِ وَبَقِيَ مِنْ وَجْهٍ حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِقِيَامِ بَعْضِ آثَارِ الْمِلْكِ فَخَرَجَ التَّعْلِيقُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِزَوَالِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ لِلْحَالِ بِالتَّنْجِيزِ فَبَقِيَ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ ، وَفِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفَيْنِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ أَحَدِهِمَا وَإِبْطَالِ الْآخَرِ ، بِخِلَافِ تَنْجِيزِ الْإِبَانَةِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ الْمُبَانَةِ وَتَعْلِيقِهَا أَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْمِلْكَ وَقْتَ التَّنْجِيزِ ، وَالتَّعْلِيقُ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَقِيَامُهُ مِنْ وَجْهٍ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ يُوجِبُ الصِّحَّةَ ، وَزَوَالُهُ مِنْ وَجْهٍ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَمَا لَمْ تُعْرَفْ صِحَّتُهُ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي صِحَّتِهِ لَا يَصِحُّ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ فِي مَسْأَلَتِنَا ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا بِيَقِينٍ لِقِيَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَتَنْجِيزُ الْإِبَانَةِ الْمُعْتَرِضَةِ يَقَعُ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ فَلَا يَبْطُلُ مَعَ الشَّكِّ فَهُوَ الْفَرْقُ

بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَلَوْ آلَى مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ إيلَاؤُهُ فِي حُكْمِ الْبِرِّ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ - وَهُوَ الْبِرُّ - تَعْلِيقُ الْإِبَانَةِ شَرْعًا ، وَشَرْطُ الْبِرِّ - وَهُوَ عَدَمُ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ وَقِيَامُ الْمِلْكِ - شَرْطُ صِحَّةِ الْإِبَانَةِ تَنْجِيزًا كَانَ أَوْ تَعْلِيقًا كَمَا فِي التَّعْلِيقِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْإِيلَاءِ إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ قُرْبَانِهَا ، وَيَصِيرُ فِيهِ ظَالِمًا يَمْنَعُ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا حَقَّ لِلْمُبَانَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ فِي الْوَطْءِ فَلَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ أَوْ خَلَعَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِبَانَةَ النَّاجِزَةَ يَلْحَقُهَا الْإِبَانَةُ بِتَعْلِيقٍ سَابِقٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ .
وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمٌ وَالْمُحَرَّمَةُ قَدْ تَثْبُتُ بِالْإِبَانَةِ وَالْخُلْعِ السَّابِقِ وَتَحْرِيمُ الْمُحَرَّمِ مُمْتَنِعٌ .
وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ فِي الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا حُجَّةُ زُفَرَ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَنَا بَيْنَ الظِّهَارِ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ الْبَائِنَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً بِالْكَفَّارَةِ وَقَدْ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْإِبَانَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ بِالظِّهَارِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ الْمُنَجَّزَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يُمْنَعُ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ ، وَالثَّانِي أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ حُرْمَةً تَرْتَفِعُ

بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْإِبَانَةُ تُوجِبُ حُرْمَةً لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ الثَّابِتَةُ بِالْإِبَانَةِ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ ، وَالثَّابِتَةُ بِالظِّهَارِ أَضْعَفَهُمَا فَلَا تَظْهَرُ بِمُقَابَلَةِ الْأَقْوَى بِخِلَافِ تَنْجِيزِ الْكِنَايَةِ وَتَعْلِيقِهَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إيجَابِ الْبَيْنُونَةِ وَزَوَالِ الْمُلْكِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَفِيمَا قُلْنَا عَمِلَ بِهِمَا جَمِيعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا .
وَلَوْ خَيَّرَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ لَهَا : اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ حَتَّى لَا يَقَعَ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكَ بِلَا مِلْكٍ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي ، ثُمَّ أَبَانَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا أَيْضًا حُجَّةُ زُفَرَ ، وَالْفَرْقُ لَنَا بَيْنَ التَّنْجِيزِ وَبَيْنَ تَعْلِيقِ الْكِنَايَةِ الثَّابِتَةِ بِشَرْطٍ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي فَقَدْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ غَدًا ، وَلَمَّا أَبَانَهَا فَقَدْ أَزَالَ الْمِلْكَ لِلْحَالِ مِنْ وَجْهٍ وَبَقِيَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْمُلْكُ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلتَّمْلِيكِ وَيَكْفِي لِلْإِزَالَةِ كَمَا فِي الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدَبُّرِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُهُمَا كَذَا هَذَا ، وَلِأَنَّ التَّنْجِيزَ يُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ الِاخْتِيَارِ لَا جَانِبُ التَّنْجِيزِ ، وَالتَّعْلِيقُ يُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ الْيَمِينِ لَا جَانِبُ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّنْجِيزِ وَشَاهِدَانِ بِالِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى شَاهِدَيْ التَّنْجِيزِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِالدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شُهُودُ الْيَمِينِ لَا شُهُودُ الدُّخُولِ .
وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّنْجِيزِ هُوَ اخْتِيَارُ الْمَرْأَةِ

لَا تَخْيِيرُ الزَّوْجِ يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ اخْتِيَارِهَا ، وَهِيَ مُبَانَةٌ وَقْتَ اخْتِيَارِهَا فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّعْلِيقِ هُوَ الْيَمِينُ لَا الشَّرْطُ يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْيَمِينِ لَا وَقْتَ الشَّرْطِ ، وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا لَا يُلَاعِنُ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { : وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْإِبَانَةِ وَالْخُلْعِ ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِالطَّلَاقِ حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَالثَّابِتُ بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ فَلَا يَظْهَرُ الْأَضْعَفُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَقْوَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ بِحَالٍ ؟ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَتِهِ وَهِيَ أَمَةُ الْغَيْرِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَجَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ أَوْ الْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةُ الْغَيْرِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ لِظُهُورِ حُكْمِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ .

وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ ؛ ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بَيْنَهُمَا بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ ، كَمَا لَا يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الطَّلَاقِ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ وَقَدْ زَالَ فَإِنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِلِحَاقِهَا فِي بِدَارِ الْحَرْبِ فَصَارَتْ كَالْمُنْقَضِيَةِ الْعِدَّةَ ، فَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهَا لِلْحَالِ لِمَانِعٍ وَهُوَ اللَّحَاقُ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ ، فَإِنْ عَادَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَظَهَرَ حُكْمُ الْعِدَّةِ كَمَا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ بِلِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَتْ كَالْحَرْبِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُسْتَرَقُّ كَالْحَرْبِيَّةِ فَبَطَلَتْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّهَا أَصْلًا فَلَا تَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ .

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ عَدَدُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ إنْ أُوقِعَ مُجْتَمِعًا يَقَعُ الْكُلُّ وَإِنْ أُوقِعَ مُتَفَرِّقًا لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ إذَا كَانَ مُجْتَمِعًا فَقَدْ صَادَفَ الْكُلُّ مَحِلَّهُ - وَهُوَ الْمِلْكُ - فَيَقَعُ الْكُلُّ .
وَإِذَا كَانَ مُفْتَرِقًا فَقَدْ بَانَتْ بِالْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ صَادَفَهَا وَلَا مِلْكَ وَلَا عِدَّةَ فَلَا يَقَعُ ، وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ فِي مَسَائِلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَقَعَ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَيَلْغُو قَوْلُهُ : ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ إنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ كَلَامٌ تَامٌّ لِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَقَدْ سَبَقَ الْعَدَدُ فِي الذِّكْرِ فَيَسْبِقُ فِي الْوُقُوعِ فَبِينَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَالْعَدَدُ يُصَادِفُهَا بَعْدَ حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ .
( وَلَنَا ) أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا أَنَّ الْعَدَدَ هُوَ الْوَاقِعُ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَقَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُجْتَمِعًا ، وَالثَّانِي أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رُبَّمَا يُعَلِّقُ كَلَامَهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِصِفَةٍ إلَى وَقْتٍ أَوْ يُلْحِقُ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَقِفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ صَارَ الْكُلُّ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَقَعُ الْكُلُّ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَلَا يَتَقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ وَذَلِكَ وُجِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ

اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى وُجُودِ آخِرِهِ الْمُغَيِّرِ لَهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَوَّلِهِ حُكْمٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ، وَلَا يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ التَّطْلِيقِ عِنْدَ وُجُودِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَدَمِ الْمَحِلِّ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ وَقَعَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ مَعَ الْمَوْصُوفِ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يُفْصَلُ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ فِي الْوُقُوعِ .
وَفَائِدَةُ هَذَا لَا تَظْهَرُ فِي التَّنْجِيزِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَقَعُ إلَّا بَائِنًا سَوَاءً وَصَفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ أَمْ لَمْ يَصِفْهُ ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إنَّهُ لَا يَتَنَجَّزُ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : بَائِنٌ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالشَّرْطِ لَا يَقَعُ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصِّفَةَ مَعَ الْمَوْصُوفِ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ حَائِلًا بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالشَّرْطِ فَلَا يَمْنَعُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَيْنِ مَعًا فَيَقَعَانِ مَعًا كَمَا لَوْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا إيقَاعُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْحَالِ وَإِضَافَةُ طَلْقَةٍ أُخْرَى إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَلَمْ تَصِحَّ إضَافَةُ الْأُخْرَى إلَى الْمَاضِي لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَأَعْقَبَهَا بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى فَوَقَعَتْ الْأُولَى وَلَغَتْ الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ .

وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَرَّرَ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ نَجَّزَ أَوْ عَلَّقَ .
فَإِنْ كَرَّرَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَنَجَّزَ بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ؛ يَقَعُ الْأُولَى وَيَلْغُو الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مُتَفَرِّقًا أَمَّا فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ؛ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ كَلَامٌ تَامٌّ ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ مُتَفَرِّقًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيقَاعًا مُتَفَرِّقًا فَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُتَفَرِّقًا فَتَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ بِالْأُولَى ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يُصَادِفُهَا وَلَا مِلْكَ وَلَا عِدَّةَ فَيَلْغُوَا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ خَبَرٌ لَا مُبْتَدَأَ لَهُ فَيُعَادُ الْمُبْتَدَأُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ .
وَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ فَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ، فَالْأُولَى يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لِوُجُودِ التَّعْلِيقِ الصَّحِيحِ وَهُوَ ذِكْرُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ فِي الْمِلْكِ ، وَالثَّانِي يَنْزِلُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعٌ تَامٌّ ، وَقَوْلُهُ : وَطَالِقٌ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنَّهُ إيقَاعٌ تَامٌّ ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَقَدْ صَادَفَ مَحِلَّهُ - وَهُوَ الْمَنْكُوحَةُ - فَيَقَعُ وَيَلْغُو الثَّالِثُ لِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ بِالْإِيقَاعِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْإِبَانَةِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي مُلْكِهِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ ، وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ؛ فَالْأَوَّلُ يَتَعَلَّقُ

بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يَنْزِلَانِ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيقَاعٌ صَحِيحٌ لِمُصَادَفَتِهِ مَحِلَّهُ ، وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَالْأَوَّلُ يَنْزِلُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ تَامٌّ صَادَفَ مَحِلَّهُ ، وَيَلْغُو الثَّانِي وَالثَّالِثُ بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِالْأُولَى فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِلْحَالِ وَيَتَعَلَّقُ الثَّالِثُ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيقَاعٌ تَامٌّ لِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَقَدْ صَادَفَ مَحِلَّهُ فَوَقَعَ لِلْحَالِ ، وَالثَّالِثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ فَتَعَلَّقَ بِهِ لِحُصُولِ التَّعْلِيقِ حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ فَصَادَفَ التَّعْلِيقُ مَحِلَّهُ فَصَحَّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .

وَإِنْ كَرَّرَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَإِنْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقًا لِوُجُودِ حُرُوفٍ مَوْضُوعَةٍ لِلتَّفَرُّقِ ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي وَالْفَاءَ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّعْقِيبِ .
وَوُقُوعُ الطَّلْقَةِ الْأَوْلَى يَمْنَعُ مِنْ تَرْتِيبِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَقَعُ الثَّلَاثُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَكَانَ هَذَا إيقَاعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ ، وَالْجَمْعُ الْمُطْلَقُ فِي الْوُجُودِ لَا يُتَصَوَّرُ ، بَلْ يَكُونُ وُجُودُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَضْعَيْنِ عَيْنًا ، إمَّا الْقِرَانُ وَإِمَّا التَّرْتِيبُ فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِصِفَةِ التَّرْتِيبِ لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ ، وَإِنْ كَانَ بِصِفَةِ الْقِرَانِ يَقَعُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ ، وَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ فَإِمَّا أَنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ عَلَى الْجَزَاءِ وَإِمَّا أَنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ، تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَقَعَ شَيْءٌ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ ، فَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّعَاقُبِ ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا

يَقَعُ الثَّلَاثُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّيّ فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ وَلَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ، وَلَوْ قَدِمَ الظِّهَارَ عَلَى الطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، كَمَا إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ جَمَعَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ - وَهُوَ الْوَاوُ - وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لُغَةً وَشَرْعًا : أَمَّا اللُّغَةُ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : جَاءَنِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ وَزَيْدٌ ، وَقَوْلُهُ : جَاءَنِي الزَّيْدُونَ سَوَاءٌ .
وَأَمَّا الشَّرْعُ فَإِنَّ مَنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ .
وَكَذَا الْفُضُولِيُّ إذَا زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَفُضُولِيٌّ آخَرُ زَوَّجَ أُخْتَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَبَلَغَهُ النِّكَاحَانِ فَقَالَ أَجَزْتُ نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ ، بَطَلَ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا كَمَا لَوْ قَالَ : أَجَزْت نِكَاحَهُمَا فَثَبَتَ أَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، وَلَوْ جَمَعَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَوَقَعَ الثَّلَاثُ سَوَاءً دَخَلَتْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ كَذَا هَذَا ، وَلَا يَلْزَمُ التَّنْجِيزُ فَإِنَّهُ لَوْ ذَكَرَ لَفْظَ الْجَمْعِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَلَوْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِأَنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ وَالْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إذَا صَحَّ الْعَطْفُ وَالْجَمْعُ فِي التَّنْجِيزِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ

لَمَّا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَامْتَنَعَ وُقُوعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِانْعِدَامِ مَحِلِّ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ قَدْ صَحَّ ، وَصَحَّ التَّكَلُّمُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ بَعْدَ التَّعْلِيقِ فَصَحَّ التَّكَلُّمُ بِهِ ، وَإِذَا صَحَّ التَّكَلُّمُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ صَارَ التَّكَلُّمُ بِهِ كَالتَّكَلُّمِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ؛ وَلِهَذَا وَقَعَ الثَّلَاثُ إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ كَذَا هَذَا ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إيقَاعُ الثَّلَاثِ مُتَفَرِّقًا فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ فَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُتَفَرِّقًا كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا أُخْرَى .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيقَاعَ إنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا يَكُونُ بِالْوُقُوعِ مُتَفَرِّقًا ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى حَسَبِ الْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ هُوَ كَلَامُهُ السَّابِقُ إذْ لَا كَلَامَ مِنْهُ سِوَاهُ ، وَكَلَامُهُ مُتَفَرِّقٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ : طَالِقٌ كَلَامٌ تَامٌّ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ ، وَقَوْلُهُ : وَطَالِقٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ تَابِعًا فَيَكُونُ خَبَرُ الْأَوَّلِ خَبَرًا لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُتَفَرِّقًا ضَرُورَةً فَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُتَفَرِّقًا ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا فَدُخُولُ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَقِيبَهُ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي التَّنْجِيزِ إلَّا وَاحِدَةٌ لِكَوْنِ الْإِيقَاعِ مُتَفَرِّقًا إلَّا أَنَّ هُنَاكَ أُوقِعَ مُتَفَرِّقًا فِي الْحَالِ فِي زَمَانِ بَعْدَ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا :

إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَدَخَلَتْهَا إنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقًا ، أَوْقَعَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَوْضُوعُ الْعَدَدِ مَعْلُومٌ لُغَة أَلَا تَرَى أَنَّ فِي التَّنْجِيزِ كَذَلِكَ ؟ فَكَذَا فِي التَّعْلِيقِ ، وَلَا يُلْزَمُ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ ؛ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا هَذَا الْكَلَامَ عِنْدَ تَأْخِيرِ الشَّرْطِ ذِكْرًا لِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لِضَرُورَةٍ دَعَتْهُمْ إلَى ذَلِكَ ؛ وَهِيَ ضَرُورَةُ تَدَارُكِ الْغَلَطِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ مِمَّا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ غَلَطًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، فَوَضَعُوا الشَّرْطَ وَالِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكَلَامِ لِتَدَارُكِ الْغَلَطِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ قَصْدِ الْحَقِّ الرَّجُلُ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فَيَقُولُ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ يَقُولُ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَصَارَ هَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ تَأْخِيرِ الشَّرْطِ لِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَضْعًا وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ مُتَفَرِّقًا لِحَاجَتِهِمْ إلَى تَدَارُكِ الْغَلَطِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ فَلَهُمْ وِلَايَةُ الْوَضْعِ ، وَالْحَاجَةُ إلَى تَدَارُكِ الْغَلَطِ عِنْدَ تَأْخِيرِ الشَّرْطِ لَا عِنْدَ تَقْدِيمِهِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْوَضْعِ الْآخَرِ عِنْدَ التَّقْدِيمِ .
وَلَا يُلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلْتِ الدَّارَ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَإِنْ كَانَ الْإِيقَاعُ مُتَفَرِّقًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقًا فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جُعِلَتْ عِلْمًا عَلَى الِانْطِلَاقِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الشَّرْطِ فَكَانَ زَمَانُ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ - وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ - وَقْتَ

الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا فَيَقَعُ جُمْلَةً ضَرُورَةً حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي : إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ بِكُلِّ دَخْلَةٍ إلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمَوْجُودَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَهَا شَرْطٌ وَاحِدٌ .
وَقَدْ جَعَلَ الْحَالِفُ جَزَاءَ هَذِهِ الْيَمِينِ إيقَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفَرُّقِ الْإِيقَاعَاتِ فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ فَيَقَعُ كُلُّ جَزَاءٍ فِي زَمَانٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ : إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا أُخْرَى ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنِصْفً ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا أَوْقَعَ مُتَفَرِّقًا ، بَلْ مُجْتَمِعًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : طَالِقٌ وَنِصْفٌ اسْمٌ وَاحِدٌ بِمُسَمًّى وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مَعْطُوفًا عَلَى الْوَاحِدِ كَقَوْلِنَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ تَطْلِيقَتَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ وَلِهَذَا كَانَ فِي التَّخْيِيرِ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ .
وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ عِلَّةً فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ ثُمَّ تَدَارَكَ الْغَلَطَ بِإِقَامَةِ الثِّنْتَيْنِ مَقَامَ الْوَاحِدَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ ، وَالرُّجُوعُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ ، وَصَحَّ إيقَاعُ التَّطْلِيقَتَيْنِ فَكَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ بَعْدَ الشَّرْطِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِيقَاعَاتِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْوَاوُ ؛ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدِهِمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ التَّعَرُّضِ لِصِفَةِ الْقِرَانِ وَالتَّرْتِيبِ ، وَالْجَمْعُ الْمُطْلَقُ فِي الْوُجُودِ لَا يُتَصَوَّرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَيَّدًا بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ ، فَبَعْدَ ذَلِكَ حَمْلُهُ عَلَى الْقِرَانِ يَكُونُ عُدُولًا عَنْ حَقِيقَةِ الْكَلِمَةِ وَجَعْلِهَا مَجَازًا عَنْ كَلِمَةِ مَعَ ، وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَنَجْعَلُهُ مَجَازًا عَنْ كَلِمَةِ ثُمَّ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِحَرْفِ الْوَاوِ مَعَ مَا أَنَّ التَّرْجِيحَ مَعَنَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى التَّرْتِيبِ مُوَافِقٌ لِلْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ الْإِيقَاعِ مُتَفَرِّقًا حَقِيقَةً لَا مُوجَبَ حَرْفِ الْوَاوِ ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْقِرَانِ يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْلَى .
وَالثَّانِي أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى التَّرْتِيبِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْقِرَانِ يُوجِبُ الْوُقُوعَ فَلَا يَثْبُتُ الْوُقُوعُ بِالشَّكِّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ إنَّ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا ، وَوَقْعُ الشَّكِّ فِي ثُبُوتِهِ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ عَلَى الْمُقَارَنَةِ لَا يَجُوزُ عَلَى التَّرْتِيبِ فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَرْفِ الْوَاوِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ تَوَقَّفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ لِضَرُورَةِ تَدَارُكِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ ؛ إذْ قَدْ يَكُونُ عَلَى إنْسَانٍ حَقٌّ لِاثْنَيْنِ فَيُقِرُّ بِكُلِّ الْحَقِّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ ثُمَّ يَتَذَكَّرُ فَيَتَدَارَكُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَوَقَفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ وَصَارَتْ الْجُمْلَةُ إقْرَارًا وَاحِدًا لَهُمَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا قُلْنَا فِي تَأْخِيرِ الشَّرْطِ فِي الطَّلَاقِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ الضَّرُورَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُنْعَدِمَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ .

وَلَوْ عَلَّقَ بِحَرْفِ الْفَاءِ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ ، فَجَعَلَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ حَرْفَ الْفَاءِ هَهُنَا كَحَرْفِ الْوَاوِ وَأَثْبَتَا الْخِلَافَ فِيهِ .
وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ جَعَلَهُ مِثْلَ كَلِمَةِ بَعْدَ وَعَدَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَقَالَ : إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ عَلَاءُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّعْقِيبِ وَوُقُوعُ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ مِنْ تَعَقُّبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ فَالْأَوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ وَالثَّانِي يَقَعُ لِلْحَالِ وَيَلْغُو الثَّالِثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَاوَ وَلَا الْفَاءَ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ وَلَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ الدَّارَ نَزَلَ الْمُعَلَّقُ ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَتَعَلَّقُ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَتَقَعُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ دَخَلَتْهَا بَعْدَ أَنْ رَاجَعَهَا نَزَلَ الْمُعَلَّقُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَا يَقَعَ شَيْءٌ فِي الْحَالِ وَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الثَّلَاثُ عَلَى التَّعَاقُبِ كَمَا إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَبَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَرْفِ الْوَاوِ : وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ عَطْفَ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ؛ لِأَنَّ ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ كَالْوَاوِ فَيَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ ، ثُمَّ الْوُقُوعُ بَعْدَ الشَّرْطِ يَكُونُ عَلَى التَّعَاقُبِ بِمُقْتَضَى حَرْفِ ثُمَّ ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي فَيُعْتَبَرُ أَنَّ

مَعْنَى الْعَطْفِ فِي التَّعْلِيقِ وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي الْوُقُوعِ عَلَى مَا نَذْكُرُ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَمِينٌ تَامَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ لِحُصُولِهَا فِي الْمِلْكِ ، فَلَمَّا قَالَ : ثُمَّ طَالِقٌ فَقَدْ تَرَاخَى الْكَلَامُ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ مَعْنَى الْكَلِمَةِ وَهُوَ التَّرَاخِي فِي نَفْسِ الْكَلَامِ فَكَانَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالتَّرَاخِي كَالْفَصْلِ بِالسُّكُوتِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوا هَذَا الْكَلَامَ عَلَى تَأْخِيرِ الشَّرْطِ لِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى تَدَارُكِ الْغَلَطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، أَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا ، يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالدُّخُولِ فَمَا لَمْ تَدْخُلْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ، وَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ دَخْلَةً وَاحِدَةً يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا أَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ لَهَا شَرْطٌ وَاحِدٌ ؛ كُلُّ يَمِينٍ إيقَاعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ فَكَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً - فِي زَمَانِ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ - لَا مُتَفَرِّقًا فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَقَعُ جُمْلَةً .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَالْأَوَّلُ يَقَعُ لِلْحَالِ وَيَلْغُو الثَّانِي وَالثَّالِثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِلْحَالِ وَيَتَعَلَّقُ الثَّالِثُ بِالشَّرْطِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ وَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الثَّلَاثُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، وَجُعِلَ ثُمَّ عِنْدَهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا : أَنَّ ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَلَهَا مَعْنًى خَاصٌّ ، وَهُوَ التَّرَاخِي فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا فَاعْتَبَرْنَا مَعْنَى الْعَطْفِ فِي تَعْلِيقِ الْكُلِّ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي حَرْفِ الْوَاوِ

وَالْفَاءِ ، وَاعْتَبَرْنَا مَعْنَى التَّرَاخِي فِي الْوُقُوعِ وَهَذَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّرَاخِي وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى الْإِيقَاعِ فَيَقْتَضِي تَرَاخِيَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِيقَاعِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ : فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَقَعُ الْأَوَّلُ لِلْحَالِ وَيَلْغُو الثَّانِي وَالثَّالِثُ ؛ لِأَنَّهُمَا حَصَلَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ بِالْأَوَّلِ فَلَا يَقَعَانِ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ أَيْضًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ مَعْنَى التَّرَاخِي فِي الْوُقُوعِ لَا فِي الْإِيقَاعِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّرَاخِي فِي الْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْإِيقَاعُ ، وَاعْتِبَارُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّرَاخِي دَخَلَتْ عَلَى الْإِيقَاعِ وَالتَّرَاخِي فِي الْإِيقَاعِ يُوجِبُ التَّرَاخِي فِي الْوُقُوعِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ ، .
فَأَمَّا الْقَوْلُ بِتَرَاخِي الْوُقُوعِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخِي الْإِيقَاعِ فَقَوْلٌ بِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْعِلَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَقْتَضِيهِ الْعِلَّةُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ .

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ - أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ - إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، مَوْصُولًا أَوْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقَعُ فِي الْقَضَاءِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلَامٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالطَّلَاقِ فَيَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ فَيَمْنَعُ التَّعْلِيقَ كَمَا لَوْ سَكَتَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ السُّعَالِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَا يُصَدَّقُ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّعْلِيقَ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ .
وَكَذَا إذَا تَنَحْنَحَ مِنْ غَيْرِ سُعَالٍ غَشِيَهُ أَوْ تَسَاعَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَنَحْنَحَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ تَسَاعَلَ فَقَدْ قَطَعَ كَلَامَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ بِالسُّكُوتِ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَثَلَاثِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ قَالَ : أَحَدًا وَعِشْرِينَ أَوْ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ وَقَعَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ .
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقًا ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَدَدًا عَلَى عَدَدٍ ، فَوُقُوعُ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الثَّانِي كَمَا إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ فَطَالِقٌ ، وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ : أَحَدًا وَعِشْرِينَ فِي الْوَضْعِ كَلَامٌ وَاحِدٌ وُضِعَ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؟ فَلَا يَفْصِلُ الْبَعْضَ عَنْ الْبَعْضِ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ أَوْ قَالَ : اثْنَيْ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَيْ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَيْ وَأَرْبَعِينَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ اثْنَتَانِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى عَشْرَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِاللَّفْظِ الْمُعْتَادِ فَيَقُولُ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَإِذَا لَمْ يَقُلْ يُعْتَبَرُ عَطْفًا عَلَى الْوَاحِدِ فَكَانَ إيقَاعُ الْعَشَرَةِ بَعْدَ الْوَاحِدِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ فَطَالِقٌ أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى وَعَشْرَةَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُنَا أَحَدَ عَشَرَ فَكَانَ مِثْلَهُ .

قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَمِائَةً أَوْ وَاحِدَةً وَأَلْفًا كَانَ وَاحِدَةً كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ مِائَةً وَوَاحِدَةً وَأَلْفًا وَوَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَإِذَا قَدَّمَ الْوَاحِدَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْمُعْتَادَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْكُلَّ عَدَدًا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ عَطْفًا فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا قَالَ : وَاحِدَةً وَمِائَةً تَقَعُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي ذَلِكَ مُعْتَادٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْعَادَةِ مِائَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَمِائَةً عَلَى السَّوَاءِ ؟ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا يَقَعُ اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؟ فَكَانَ هَذَا اسْمًا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهِ ذِكْرًا لِلْكُلِّ ، فَكَانَ هَذَا إيقَاعَ تَطْلِيقَتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفًا وَوَاحِدَةً يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاحِدَةٌ ، لَهُ أَنَّ التَّكَلُّمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مُعْتَادٍ بَلْ الْعَادَةُ قَوْلُهُمْ وَاحِدَةً وَنِصْفًا ، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ الْمُعْتَادِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْكُلَّ عَدَدًا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ عَطْفًا ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : الِاسْتِعْمَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُعْتَادٌ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَوَاحِدَةً عَلَى السَّوَاءِ .

وَمِنْهَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ أَضَافَ الزَّوْجُ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ : أَنَا مِنْك طَالِقٌ ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى وَهَذَا عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْإِضَافَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ : أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَصِحُّ .
وَجْهُ قَوْلِهِ : أَنَّ الزَّوْجَ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى مَحِلِّهِ فَيَصِحُّ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا : أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ .
وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّ مَحِلَّ الطَّلَاقِ الْمُقَيَّدُ ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَالرَّجُلُ مُقَيَّدٌ إذْ الْمُقَيَّدُ هُوَ الْمَمْنُوعُ ، وَالزَّوْجُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّزَوُّجِ بِأُخْتِهَا وَعَنْ التَّزَوُّجِ بِأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَكَانَ مُقَيَّدًا فَكَانَ مَحِلًّا لِإِضَافَةِ الْكِنَايَةِ الْمُبِينَةِ إلَيْهِ لِمَا أَنَّ الْإِبَانَةَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ وَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ مِنْ جَانِبِهِ كَذَا هَذَا ، وَلَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَطْلِيقِهِنَّ وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهِ وَتَطْلِيقُ نَفْسِهِ تَرْكٌ لِتَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى نَفْسِهِ لَا إلَى امْرَأَتِهِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مَنْهِيًّا ، وَالْمَنْهِيُّ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ ، وَالتَّصَرُّفُ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا وَهُوَ تَفْسِيرُ عَدَمِ الصِّحَّةِ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ } ، نَهَى عَنْ التَّطْلِيقِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ أَوْ إلَى الزَّوْجَةِ وَأَكَّدَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ : فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّطْلِيقُ مَنْهِيًّا سَوَاءٌ أُضِيفَ إلَى

الزَّوْجِ أَوْ إلَيْهَا ثُمَّ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ فِي التَّطْلِيقِ الْمُضَافِ إلَى الزَّوْجَةِ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وقَوْله تَعَالَى { فَإِنْ طَلَّقَهَا } وقَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبَقِيَ التَّطْلِيقُ الْمُضَافُ إلَى الزَّوْجِ عَلَى أَصْلِ النَّهْيِ ، وَالْمَنْهِيُّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَالتَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَوِّعًا ، لَا وُجُودَ لَهُ شَرْعًا فَلَا يَصِحُّ ضَرُورَةً .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنَّا مِنْك طَالِقٌ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ إخْبَارًا عَنْ كَوْنِهِ طَالِقًا كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الصِّيغَةِ وَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ إنْشَاءً - وَهُوَ إثْبَاتُ الِانْطِلَاقِ - وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَيْدُ النِّكَاحِ .
وَإِثْبَاتُ الثَّابِتِ مُحَالٌ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا عَنْ كَوْنِهِ طَالِقًا وَهُوَ صَادِقٌ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَيْدُ النِّكَاحِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ إنَّمَا ثَبَتَ لِضَرُورَةِ تَحْقِيقِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ - وَهُوَ السَّكَنُ وَالنَّسَبُ ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ وَالْبُرُوزَ يُرِيبُ فَلَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ إلَيْهَا ، وَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثِقُ بِكَوْنِهِ مِنْهُ ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَيْدُ النِّكَاحِ ، وَالثَّانِي أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ هُوَ مِلْكُ النِّكَاحِ وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ الْحَاجِزُ وَالزَّوْجُ مَالِكٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَمْلُوكَةٌ مِلْكَ النِّكَاحِ ، وَالْمَمْلُوكُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَا مِلْكَ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فِيهَا فَعُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكُهَا ؛ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا ، فَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا لِكَوْنِهَا غَيْرَ

مُنْطَلِقَةٍ لِثُبُوتِ قَيْدِ النِّكَاحِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِنْشَاءِ أَنَّهُ مُمْكِنٌ لِعَدَمِ الِانْطِلَاقِ قَبْلَهُ ، بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ الْمُبِينَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ وَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا زَالَتْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ تَزُولُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ ضَرُورَةً ؛ لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَالِ شَيْءٍ بِمَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ، وَالتَّحْرِيمُ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ ، وَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ حَلَالًا لِمَنْ هُوَ حَرَامٌ ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الِانْطِلَاقِ وَرَفْعُ الْقَيْدِ ، وَالْقَيْدُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّهُ قَائِمٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ : الزَّوْجُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّزَوُّجِ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَنَعَمْ لَكِنْ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّهُ قَائِمٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَهَذَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى لَوْ تَزَوَّجَهُمَا جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ ؟ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ : إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا صَحَّتْ الْإِضَافَةُ .
وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ : لَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْمُعَيَّنَةِ وَجْهُ قَوْلِهِمْ : لَمْ يَصْلُحْ مَحِلًّا لِلنِّكَاحِ فَلَا يَصْلُحُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ ؛ إذْ الطَّلَاقُ يَرْفَعُ مَا ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ .
وَكَذَا لَمْ يَصْلُحْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَكَذَا الطَّلَاقُ .
وَأَمَّا عُمُومَاتُ الطَّلَاقِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَقَوْلِهِ { : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } ، وَقَوْلِهِ { : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ

طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ طَلَاقٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْمُعَيَّنِ وَالْمَجْهُولِ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ فِي الْحَقِيقَةِ ، بَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِشَرْطِ الْبَيَانِ لِمَا نَذْكُرُ ، وَالطَّلَاقُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ ؟ فَكَذَا بِهَذَا الشَّرْطِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَلَا تَكُونُ الْمَجْهُولَةُ مَحِلًّا لِلنِّكَاحِ .
وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ هَذَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْمَجْهُولَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ الْبَيَانِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْمُبَيَّنَةِ لَا فِي الْمَجْهُولَةِ ، عَلَى أَنَّا إنْ قُلْنَا بِالْوُقُوعِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَهَذِهِ جَهَالَةٌ يُمْكِنُ رَفْعُهَا بِالْبَيَانِ ، فَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ خَطَرًا لِجَهَالَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ خَطَرَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ بِحَقِيقَةِ أَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ جَرَيَانَ الْجَهَالَةِ ؟ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ جَازَ .
وَكَذَا إذَا بَاعَ أَحَدَ شَيْئَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدُّ الْآخَرَ جَازَ ، فَالطَّلَاقُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِي احْتِمَالِ الْخَطَرِ فَوْقَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ خَطَرَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ؟ فَلَمَّا جَازَ بَيْعُ الْمَجْهُولِ فَالطَّلَاقُ أَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُقَارِنَةً أَوْ طَارِئَةً بِأَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ عَيْنًا ثُمَّ نَسِيَ الْمُطَلَّقَةَ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ الْمُقَارِنَ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْإِضَافَةِ فَالطَّارِئُ لَأَنْ لَا يَرْفَعَ الْإِضَافَةَ الصَّحِيحَةَ أَوْلَى ، لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنْ

الرَّفْعِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَمِنْهَا الْإِضَافَةُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا أَوْ إلَى جُزْءٍ جَامِعٍ مِنْهَا أَوْ شَائِعٍ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُزْءٍ جَامِعٍ مِنْهَا كَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْفَرْجِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يُقَالُ : فُلَانٌ يَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا رَأْسًا مِنْ الرَّقِيقِ وَكَذَا وَكَذَا رَقَبَةً .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَالْمُرَادُ بِهَا الْجُمْلَةُ ، وَفِي الْخَبَرِ { : لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ } ، وَالْوَجْهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الذَّاتُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } أَيْ إلَّا هُوَ ، وَمَنْ كَفَلَ بِوَجْهِ فُلَانٍ يَصِيرُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَيَثْبُتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَكَانَ ذِكْرُهَا ذِكْرًا لِلْبَدَنِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَكَذَا إذَا أَضَافَ إلَى وَجْهِهَا ؛ لِأَنَّ قِوَامَ النَّفْسِ بِهَا ؛ وَلِأَنَّ الرُّوحَ تُسَمَّى نَفْسًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } ، وَلَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى دُبُرِهَا لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الدُّبُرَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْفَرْجِ ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا بِأَنْ قَالَ : نِصْفُكِ طَالِقٌ أَوْ ثُلُثُكِ طَالِقٌ أَوْ رُبْعُك طَالِقٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْك ، أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحِلٌّ لِلنِّكَاحِ حَتَّى تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ تَقْتَضِي ثُبُوتَ حُكْمِ الطَّلَاقِ فِيهِ ، وَإِنَّهُ شَائِعٌ فِي جُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ بِعُذْرِ الِاسْتِمْتَاعِ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ لِمَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ اسْتِمْتَاعٌ بِالْجُزْءِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ فَيَزُولَ ضَرُورَةً .

وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ وَنَحْوِهَا ؛ قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَقَعُ الطَّلَاقَ .
وَقَالَ زُفَرُ : يَقَعُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْيَدَ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ فَيَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا كَمَا لَوْ أَضَافَ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْهَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْيَدَ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ أَنَّ الْبَدَنَ عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْهَا الْيَدُ فَكَانَتْ الْيَدُ بَعْضَ الْجُمْلَةِ الْمُرَكَّبَةِ ، وَالْإِضَافَةُ إلَى بَعْضِ الْبَدَنِ إضَافَةٌ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَطْلِيقِ النِّسَاءِ ، وَالنِّسَاءُ جَمْعُ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا .
وَالْأَمْرُ بِتَطْلِيقِ الْجُمْلَةِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ تَطْلِيقِ جُزْءٍ مِنْهَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِتَطْلِيقِ جُمْلَةِ الْبَدَنِ ، وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهِ وَالْمَنْهِيُّ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فَلَا يَصِحُّ شَرْعًا ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : يَدُكِ طَالِقٌ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى مَا لَيْسَ مَحَلَّ الطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى خِمَارِهَا ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى يَدِهَا ، وَيَدُهَا لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلطَّلَاقِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهَا فَلَا تَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ مَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَحِلًّا لِلْإِقَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا فَسْخُ مَا ثَبَتَ بِالْبَيْعِ كَذَا هَذَا ، وَالثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ مَحَلُّ حُكْمٍ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ، وَحُكْمُ الطَّلَاقِ زَوَالُ قَيْدِ النِّكَاحِ ، وَقَيْدُ النِّكَاحِ ثَبَتَ فِي جُمْلَةِ الْبَدَنِ لَا فِي الْيَدِ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ أُضِيفَ إلَى جُمْلَةِ

الْبَدَنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَيْدُ الثَّابِتُ فِي جُمْلَةِ الْبَدَنِ فِي الْيَدِ وَحْدَهَا فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَدِ وَحْدَهَا إضَافَةً إلَى مَا لَيْسَ مَحِلَّ الطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ .
وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْبَدَنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ - وَهُوَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ - فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ ، أَوْ يُضَافُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ كَمَنْ قَطَعَ حَبْلًا مَمْلُوكًا لَهُ تَعَلَّقَ بِهِ قِنْدِيلُ غَيْرِهِ وَهَهُنَا لَا ضَرُورَةَ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ فِي الْجُزْءِ الْمُعَيَّن مَقْصُورًا عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِبَاقِي الْبَدَنِ فَكَانَ بَقَاءُ النِّكَاحِ مُفِيدًا ، لَكِنْ لَا قَائِلَ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : الْيَدُ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ فَنَقُولُ : إنْ سَلِمَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلِمَ يَكُنْ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْجُزْءَ إذَا كَانَ شَائِعًا فَمَا مِنْ جُزْءٍ يُشَارُ إلَيْهِ إلَّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ فَتَعَذَّرَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْبَدَنِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ عَلَى مَا مَرَّ .

وَمِنْهَا قَبُولُ الْعِوَضِ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْخُلْعِ وَفِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَائِلٌ آخَرُ سِوَاهَا ، أَمَّا الْخُلْعُ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْخُلْعَ نَوْعَانِ : خُلْعٌ بِعِوَضٍ ، وَخُلْعٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَمَّا الَّذِي هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَنَحْوُ أَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : خَالَعْتكِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ عِنْدَنَا ، وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا .
وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - خِلَافًا لِزُفَرَ - بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ .
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِالْعِوَضِ لِمَا ذَكَرْنَا بِأَنْ قَالَ : خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا وَذَكَرَ عِوَضًا .
وَاسْمُ الْخُلْعِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى النَّوْعِ الثَّانِي فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَشَرْعِيَّةً حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْلَعْ امْرَأَتِي فَخَلَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَصْلُحْ .
وَكَذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ : لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ دَلِيلُ إرَادَةِ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا فَلَا يَصْدُقُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا : خَالَعْتكِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ ثُمَّ قَالَ : مَا أَرَدْتُ بِهِ الطَّلَاقَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلَالَةُ حَالٍ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ مِنْ غَضَبٍ أَوْ ذِكْرِ طَلَاقٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْكِنَايَاتِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ التَّعْوِيضِ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَفِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِيَنْصَرِفَ إلَى الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا ذُكِرَ الْعِوَضُ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ إلَّا لِلطَّلَاقِ ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذَا النَّوْعِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي

بَيَانِ مَاهِيَّتِهِ ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ صِحَّتِهِ ، ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ وُجُوبِ الْعِوَضِ ، وَفِي بَيَانِ قَدْرِ مَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَخْذُهُ مِنْهَا مِنْ الْعِوَضِ ، وَمَا لَا يَحِلُّ وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَاهِيَّةِ الْخُلْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا : هُوَ طَلَاقٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : فِي قَوْلٍ مِثْلِ قَوْلِنَا ، وَفِي قَوْلٍ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ، بَلْ هُوَ فَسْخٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَعُودُ إلَيْهِ بِطَلَاقَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَطْلِيقَتَيْنِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ لَا تُحَرَّمُ إلَّا بِثَلَاثٍ ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } إلَى قَوْلِهِ { فَإِنْ طَلَّقَهَا } .
ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخُلْعَ بِقَوْلِهِ { : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } ثُمَّ ذَكَرَ الطَّلَاقَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { : فَإِنْ طَلَّقَهَا } فَلَوْ جَعَلَ الْخُلْعَ طَلَاقًا لَازْدَادَ عَدَدُ الطَّلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي النِّكَاحِ قَدْ تَكُونُ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ تَكُونُ بِالْفَسْخِ كَالْفُرْقَةِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَخِيَارِ الْعَتَاقَةِ وَالرِّدَّةِ وَإِبَاءِ الْإِسْلَامِ ، وَلَفْظُ الْخُلْعِ دَلِيلُ الْفَسْخِ ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ رَفْعُهُ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَمَا لَوْ قَالَ : طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ ، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ حَصَلَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَتَكُونُ طَلَاقًا .
وَقَوْلُهُ : الْفُرْقَةُ فِي النِّكَاحِ قَدْ تَكُونُ مِنْ طَرِيقِ الْفَسْخِ مُسَلَّمٌ ، لَكِنْ ضَرُورَةً لَا مَقْصُودًا إذْ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مَقْصُودًا عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ ثَبَتَ مَعَ قِيَامِ الْمُنَافِي

لِلْجَوَازِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فِي الْحُرَّةِ وَقِيَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْأَمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْمُنَافِي وَأَلْحَقهُ بِالْعَدَمِ لِحَاجَةِ النَّاسِ ، وَحَاجَتُهُمْ تَنْدَفِعُ بِالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ ، وَانْفِسَاخُهُ ضَرُورَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ مَقْصُودًا فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمُنَافِي فِي حَقِّ الْفَسْخِ مَقْصُودًا ، وَالِانْفِسَاخُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَوَاضِعِ مَا ثَبَتَ مَقْصُودًا بَلْ ضَرُورَةً وَلَا كَلَامَ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ لَا عَلَى الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخُلْعِ وَهُوَ النَّزْعُ ، وَالنَّزْعُ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } أَيْ أَخْرَجْنَا .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { : وَنَزَعَ يَدَهُ } أَيْ : أَخْرَجَهَا مِنْ جَيْبِهِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ : خَلَعَهَا أَيْ : أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ ، وَهَذَا مَعْنَى الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَفَسْخُ النِّكَاحِ رَفْعُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَجَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ رَأْسًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْإِخْرَاجِ ، وَإِثْبَاتُ حُكْمِ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لُغَةً أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَالْإِقَالَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، وَالْخُلْعُ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَعَلَى غَيْرِهِ جَائِزٌ فَلَمْ يَكُنْ فَسْخًا .
وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْخُلْعِ يَرْجِعُ إلَى الطَّلَاقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِعِوَضٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } فَلَمْ تَلْزَمْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ ، بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَلْزَمَنَا الْقَوْلُ بِتَغْيِيرِ الْمَشْرُوعِ مَعَ مَا أَنَّهُ قَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } أَيْ : ثَلَاثًا وَبَيَّنَ حُكْمَ الطَّلَقَاتِ

الثَّلَاثِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَلَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَ الْخُلْعَ طَلَاقًا شَرْعُ الطَّلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ هَذَا النَّوْعِ فَنَقُولُ لَهُ كَيْفِيَّتَانِ : إحْدَاهُمَا أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ، وَإِنَّهَا بَوَائِنُ عِنْدَنَا ؛ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ ، وَقَدْ مَلَكَ الزَّوْجُ الْعِوَضَ بِقَبُولِهَا فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَمْلِكَ هِيَ نَفْسهَا تَحْقِيقًا لِلْمُعَاوَضَةِ ، وَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا إلَّا بِالْبَائِنِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا ؛ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا بَذَلَتْ الْعِوَضَ لِتَخْلِيصِ نَفْسِهَا عَنْ حِبَالَةِ الزَّوْجِ وَلَا تَتَخَلَّصُ إلَّا بِالْبَائِنِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُرَاجِعُهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَلَا تَتَخَلَّصُ وَيَذْهَبُ مَالُهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَكَانَ الْوَاقِعُ بَائِنًا .
وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَبُولُهَا الْعِوَضَ وَمِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةُ الْمَالِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِعِوَضٍ حَتَّى لَوْ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ الْخُلْعَ فَقَالَ : خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلَا فَسْخَهُ وَلَا نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَبُولِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا وَلَا بِشَرْطِ حُضُورِ الْمَرْأَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فَبَلَغَهَا فَلَهَا الْقَبُولُ ، لَكِنْ فِي مَجْلِسِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةً لِمَا نَذْكُرُ ، وَلَهُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ وَيُضِيفَهُ إلَى وَقْتٍ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يَقُولُ : خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا .
وَالْقَبُولُ إلَيْهَا بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ وَبَعْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ قَبِلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْوَقْتِ تَطْلِيقٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ ، فَكَانَ قَبُولُهَا قَبْلَ ذَلِكَ هَدَرًا ، وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ : خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَصِحَّ

الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ إذَا قَبِلَتْ ، وَإِنْ كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِأَنْ قَالَتْ : اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ أَيْضًا ، وَلَا يَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا حَتَّى لَوْ بَلَغَهُ وَقَبِلَ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْطٍ وَلَا يَنْضَافُ إلَى وَقْتٍ ، وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لَهَا بِأَنْ قَالَ : خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَقَبِلَتْ جَازَ الشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ حَتَّى إنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ فِي الْمُدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ ، وَإِنْ رُدَّتْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ شَرْطُ الْخِيَارِ بَاطِلٌ ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَانِبَانِ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا النَّوْعِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عِنْدَنَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ ، بَلْ هُوَ مِلْكُ الزَّوْجِ لَا مِلْكُ الْمَرْأَةِ ، فَإِنَّمَا يَقَعُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُهُ : خَالَعْتكِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَطْلِيقًا إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ ، وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْوَقْتِ لَا تَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَالْفَسْخَ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَقِفُ الْغَائِبُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ ، بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الطَّلَاقُ .
وَأَمَّا فِي جَانِبِهَا فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِعِوَضٍ ، وَهَذَا مَعْنَى مُعَاوَضَةِ الْمَالِ فَتُرَاعَى فِيهِ أَحْكَامُ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِهَا ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ : إنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْفَسْخِ ، وَالْخُلْعُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عِنْدَنَا ، وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هَذَا أَنْ

يُحْمَلَ الْخِيَارُ فِي مَنْعِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَكُنِ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ ، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ فِي عِلْمِنَا إلَى وَقْتِ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَحِينَئِذٍ يُعْلَمُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ ، وَلَا يُسْتَحَقُّ الْعِوَضُ بِدُونِ الْقَبُولِ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : خَالَعْتكِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ، سَوَاءٌ قَبِلَتْ أَوْ لَمْ تَقْبَلْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ وَحَضْرَةُ السُّلْطَانِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْخُلْعِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَيَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَوَّزُوا الْخُلْعَ بِدُونِ السُّلْطَانِ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ فَكَذَا الْخُلْعُ .

ثُمَّ الْخُلْعُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي فِي اللُّغَةِ وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ الْأَمْرُ وَالِاسْتِفْهَامُ ؟ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَفْظَةِ الْخُلْعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَفْظَةِ الْبَيْعِ .
وَالشِّرَاءُ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظَةِ الْخُلْعِ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ يَتِمُّ .
إذَا كَانَ الْبَدَلُ مَعْلُومًا مَذْكُورًا بِلَا خِلَافٍ بِأَنْ قَالَ لَهَا : اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَقُولُ : خَلَعْتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مَذْكُورًا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِأَنْ قَالَ لَهَا : اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ : خَلَعْتُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ خَلَعْت ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْخُلْعِ بِبَدَلٍ مُتَقَوِّمٍ تَوْكِيلٌ لَهَا .
وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى الْخُلْعَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ كَانَ هَذَا النَّوْعُ مُعَاوَضَةً - وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْبَيْعِ - ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِلتَّنَافِي فِي الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَلَا تَنَافِيَ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ فِي بَابِ الْخُلْعِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَمْرِ بِالْخُلْعِ تَوْكِيلًا لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ فَلَوْ تَمَّ الْعَقْدُ بِالْوَاحِدِ لَصَارَ الْوَاحِدُ مُسْتَزِيدًا وَمُسْتَنْقِصًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا : أَخَلَعْتِ نَفْسَك مِنَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ؟ فَقَالَتْ : خَلَعْتُ ، اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : يَتِمُّ الْعَقْدُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ نَوَى بِهِ التَّحْقِيقَ يَتِمُّ وَإِنْ نَوَى بِهِ السَّوْمَ لَا يَتِمُّ ؛ لِأَنَّ

قَوْلَهُ : أَخَلَعْت نَفْسَك مِنِّي ؟ يَحْتَمِلُ السَّوْمَ ، بَلْ ظَاهِرُهُ السَّوْمُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَطُلِبَ مِنْكِ أَنْ تَخْلَعِي نَفْسَك مِنَى فَلَا يُصْرَفُ إلَى التَّحْقِيقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِذَا نَوَى يَصِيرُ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ وَالْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا : اشْتَرِي نَفْسَك مِنِّي ؛ فَإِنْ ذَكَرَ بَدَلًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ : بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَتْ اشْتَرَيْتُ ، اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : يَتِمُّ الْعَقْدُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَتِمُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ بَدَلًا مَعْلُومًا صَحَّ الْأَمْرُ وَالتَّوْكِيلُ وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْخُلْعِ لِمَا بَيَّنَّا .
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ : خويشتن أزمن نجر بهزاردم يابكابين وهر نيه وعدت لَهُ وَاجِب شودا ازبس طَلَاق فَقَالَتْ : خريدم فَهُوَ عَلَى هَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ - بِأَنْ قَالَ لَهَا : اشْتَرِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْتُ - لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ : خويشتن ارمننجر فَقَالَتْ : خريدم وَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ فروختم لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ وَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ فروختم فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لَهَا بِلَفْظَةِ الْخُلْعِ : اخْلَعِي نَفْسَك مِنَى وَنَوَى الطَّلَاقَ فَقَالَتْ : خَلَعْت أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : لَهَا اخْلَعِي مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ أَمْرٌ لَهَا بِالطَّلَاقِ بِلَفْظَةِ الْخُلْعِ وَإِنَّهَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَتَوْكِيلِهِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَالْأَمْرُ فَيُتَوَلَّى الْخُلْعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَوْلُهُ لَهَا : اشْتَرِي نَفْسَكِ خويشتن ازمننجر أَمْرٌ بِالْخُلْعِ بِعِوَضٍ ، وَالْعِوَضُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ .
وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ بِأَنْ قَالَ لَهَا : ابْتَعْتِ نَفْسَك مِنِّي ؟ ، فَإِنْ ذَكَرَ بَدَلًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ

: بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ : بِمَهْرِك وَنَفَقَةِ عِدَّتِك فَقَالَتْ : ابْتَعْتُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : يَتِمُّ الْعَقْدُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَتِمُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ : يَتِمُّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ دُونَ الْمُسَاوَمَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي لَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْأَمْرِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهَا بِالْأَمْرِ صَارَتْ وَكِيلَةً إذْ الْأَمْرُ بِالْخُلْعِ تَوْكِيلٌ بِهِ - إذَا كَانَ الْبَدَلُ مُقَدَّرًا - وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْخُلْعِ وَلَمْ يُوجَدْ الْأَمْرُ هَهُنَا فَلَمْ يُوجَدْ التَّوْكِيلُ فَيَبْقَى الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مُسْتَزِيدًا وَمُسْتَنْقِصًا ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ بِأَنْ قَالَ لَهَا : ابْتَعْتِ نَفْسَكِ مِنِّي ؟ فَقَالَتْ : ابْتَعْت لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْتُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ فِي الْأَمْرِ فَلَأَنْ لَا يَتِمَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ أَوْلَى ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَبُولُ مِنْهَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ لِأَنَّهَا لَوْ قَبِلَتْ بِنَفْسِهَا يَلْزَمُهَا الْبَدَلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْلِكَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِإِنْسَانٍ شَيْئًا ، عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْأَجْنَبِيَّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ بِمُقَابَلَةِ الْبَدَلِ شَيْئًا وَالْأَجْنَبِيُّ لَا ، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُهُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا قَالَ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك أَلْفًا أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفٍ هُوَ عَلَيَّ ، أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ ، أَوْ عَبْدِي هَذَا ، أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَفَعَلَ صَحَّ الْخُلْعُ وَاسْتَحَقَّ الْمَالَ ،

وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وُقِفَ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ .

وَلَوْ خَلَعَ ابْنَتَهُ - وَهِيَ صَغِيرَةٌ - عَلَى مَا لِهَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ رَأْسًا أَوْ لَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْبَدَلُ فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَوَاقِعٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْخِلَافِ ابْتِدَاءُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا .
وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ : رِوَايَتَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالصَّغِيرَةُ تَتَضَرَّرُ بِهَا ، وَتَصَرُّفُ الْإِضْرَارِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ كَالْهِبَةِ وَلَا الصَّدَقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ .
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ صِحَّةَ الْخُلْعِ لَا تَقِفُ عَلَى وُجُوبِ الْعِوَضِ فَإِنَّ الْخُلْعَ يَصِحُّ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ .
وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْخُلْعَ مَتَى وَقَعَ عَلَى بَدَلٍ - هُوَ مَالٌ - يَتَعَلَّقُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِقَبُولٍ يَجِبُ بِهِ الْمَالُ .
وَقَبُولُ الْأَبِ لَا يَجِبُ بِهِ الْمَالُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبُولِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا بِهَا فَإِنْ خَلَعَهَا الْأَبُ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ ، وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْخُلْعِ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَوُجُوبِ الْبَدَلِ قَبُولَ مَا يَصْلُحْ بَدَلًا مِمَّنْ هُوَ أَهْلُ الْقَبُولِ ، وَالْمَرْأَةُ وَالْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا .

وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِ الْعِوَضِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عَقْدِ الْخُلْعِ لَهُ شَرْطَانِ : أَحَدُهُمَا قَبُولُ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعِوَضِ كَمَا هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جَانِبِهِ فَهُوَ شَرْطُ لُزُومِ الْعِوَضِ مِنْ جَانِبِهَا لِمَا ذَكَرْنَا ، سَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ الْمَذْكُورُ فِي الْخُلْعِ مِنْ مَهْرِهَا الَّذِي اسْتَحَقَّتْهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ مَالًا آخَرَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْجُعْلِ فَهَذَا الشَّرْطُ يَعُمُّ الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا ، وَالثَّانِي يَخُصُّ الْجُعْلَ ؛ لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ يَصْلُحُ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ بَابَ الْخُلْعِ أَوْسَعُ إذْ هُوَ يَتَحَمَّلُ جَهَالَةً لَا يَتَحَمَّلُهَا النِّكَاحُ عَلَى مَا نَذْكُرُ ، لِذَلِكَ اُخْتُصَّ وُجُوبُ الْمُسَمَّى فِيهِ بِشَرْطٍ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي النِّكَاحِ لِوُجُوبِ الْمُسَمَّى وَهُوَ تَسْمِيَةُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مَوْجُودٍ وَقْتَ الْخُلْعِ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ جَهَالَةً قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُتَفَاحِشَةً فَإِنْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ وَجَبَ الْعَمَلُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ .
وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا اسْتَحَقَّتْهُ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا وَقْتَ الْخُلْعِ أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا أَصْلًا وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ .

الْجُعْلُ فِي الْخُلْعِ : إنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَهْرِ أَعْنِي أَنَّ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ إنْ كَانَ مِمَّا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى تَسْلِيمِ عَيْنِهِ إلَى الْمَرْأَةِ فَفِي الْخُلْعِ تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى تَسْلِيمِ عَيْنِهِ إلَى الزَّوْجِ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْوَسَطِ مِنْهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِ قِيمَتِهِ فَفِي الْخُلْعِ تُتَخَيَّرُ الْمَرْأَةُ ، كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا عِوَضٌ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ فِي أَحَدِهِمَا عِوَضٌ عَنْهُ ثُبُوتًا وَفِي الْآخَرِ سُقُوطًا فَيَعْتَبِرُ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ بِالْآخَرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَالْقِيمَةُ فِيمَا يُوجَبُ الْوَسَطُ مِنْهُ أَصْلٌ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ وَسَطًا يُعْرَفُ بِهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .

وَبَيَانُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ فِي مَسَائِلَ إذَا خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الْجُعْلِ ، وَلَا يَرُدُّ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا .
أَمَّا وُقُوعُ الْفُرْقَةِ فَلِأَنَّ الْخُلْعَ بِعِوَضٍ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ مَا جُعِلَ عِوَضًا ذِكْرًا وَتَسْمِيَةً ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى مِمَّا يَصْلُحُ عِوَضًا أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ وَقَدْ قَبِلَتْ فَصَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِقَبُولِهَا الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ فَقَبِلَتْ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا قَبِلَتْ كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ ، وَالطَّلَاقَ قَدْ يَكُونُ بِعِوَضٍ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَالْمَيْتَةُ وَالدَّمُ لَيْسَتْ بِمَالِ فِي حَقِّ أَحَدٍ فَلَا تَصْلُحُ عِوَضًا ، وَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ لَا قِيمَةَ لَهُمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَصْلُحَا عِوَضًا فِي حَقِّهِمْ فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا خَلَعَهَا عَلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْفُرْقَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ ، وَلِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ إسْقَاطُ الْمِلْكِ ، وَإِسْقَاطُ الْمِلْكِ قَدْ يَكُونُ بِعِوَضٍ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِعْتَاقِ ، فَإِذَا ذَكَرَ مَا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا أَصْلًا أَوْ مَا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْإِسْقَاطِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا شَيْئًا ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْأَصْلِ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ مُتَقَوِّمَةٍ إلَّا أَنَّهَا جُعِلَتْ مُتَقَوِّمَةً عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَعِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ تَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ؛ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا أَخَذَتْ حُكْمَ التَّقَوُّمِ فِي بَابِ النِّكَاحِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ احْتِرَامًا لَهَا تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ

لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِحُصُولِهِ فَجُعِلَتْ مُتَقَوِّمَةً شَرْعًا صِيَانَةً لَهَا عَنْ الِابْتِذَالِ ، وَالْحَاجَةُ إلَى الصِّيَانَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ لَا عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الْمُلْكِ ؛ لِأَنَّ بِالْخُرُوجِ يَزُولُ الِابْتِذَالُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقَوُّمِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ ، وَجُعِلَ الْفَرْقُ بِمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْخُلْعِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَع إلَّا بِعِوَضٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ وَالْمَذْكُورُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَالْتَحَقَ ذَلِكَ بِالْعَدَمِ وَوَجَبَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ .
فَأَمَّا الْخُلْعُ فَالْعِوَضُ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ ، بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهِ لُزُومُ الْعِوَضِ .
وَكَذَا النِّكَاحُ تَمْلِيكُ الْبُضْعِ بِعِوَضٍ ، وَالْخُلْعُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ .
وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ عِنْدَ الدُّخُولِ أُعْطِيَ لَهَا حُكْمُ التَّقَوُّمِ شَرْعًا لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً إلَى حُصُولِ الْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ ، وَالْخُلْعُ إبْطَالُ مَعْنَى التَّوَسُّلِ فَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى التَّقَوُّمِ فِيهِ .

وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى شَيْءٍ - أَشَارَتْ إلَيْهِ - مَجْهُولٍ فَقَالَتْ : عَلَى مَا فِي بُطُونِ غَنَمِي أَوْ نَعَمِي مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَلَى مَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ لَبَنٍ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَلَى مَا فِي نَخْلِي أَوْ شَجَرِي مِنْ ثَمَرٍ ؛ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا شَيْءَ لَهُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْجَنِينَ فِي الْبَطْنِ وَاللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ .
وَلَنَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ بَابَ الْخُلْعِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى لَوْ خَلَعَهَا عَلَى عَبْدٍ لَهُ آبِقٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ ؟ وَلَوْ زَوَّجَهَا عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى مَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَوْجُودٌ كَمَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ذَاكَ لَهُ خَطَرُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَهَذَا مَوْجُودٌ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْخُلْعِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ .
وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ شَرْطٌ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَا اسْتَحَقَّتْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَقَدْ غَرَّتْهُ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَصَارَتْ مُلْتَزِمَةً تَسْلِيمَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ ضَامِنَةً لَهُ ذَلِكَ ، وَالزَّوْجُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِعَدَمِهِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ لِجَهَالَتِهَا وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ لِمَا أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْبُضْعِ عِنْدَ

الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ لِمَا ذَكَرْنَا ؛ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قَوَّمَ الْبُضْعَ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ مَا اسْتَحَقَّتْهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ : عَلَيَّ مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَتَاعٍ إنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَتَاعٌ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ بِتَسْمِيَةِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَلْزَمُهَا ضَمَانُ الْغُرُورِ - وَهُوَ رَدُّ الْمَهْرِ الْمُسْتَحَقِّ - لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ قَالَتْ : عَلَيَّ مَا فِي بَطْنِ غَنَمِي أَوْ ضُرُوعِهَا أَوْ عَلَيَّ مَا فِي نَخْلِي أَوْ شَجَرِي وَلَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مَوْجُودٍ لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ ، لَكِنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ بِمُتَفَاحِشَةٍ فَلَا تَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الشَّيْءِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِانْعِدَامِ تَسْمِيَةِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَقَدْ يَكُونُ فِي بَطْنِهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ تَصِرْ بِذِكْرِهِ غَارَّةً لِزَوْجِهَا بَلْ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي غَرَّ نَفْسَهُ ، وَالرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَلَا غُرُورَ مِنْهَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ، وَإِنْ قَالَتْ : اخْتَلَعْتُ مِنْك عَلَى مَا تَلِدُ غَنَمِي أَوْ تَحْلُبُ أَوْ بِثَمَرِ نَخْلِي أَوْ شَجَرِي أَوْ عَلَى مَا أَرِثُهُ الْعَامَ أَوْ أَكْسِبُهُ أَوْ مَا أَسْتَغِلُّ مِنْ عَقَارِي ، فَقَبِلَ الزَّوْجُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْغَنَمُ وَأَثْمَرَ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ .
أَمَّا وُقُوعُ الْفُرْقَةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى قَبُولِ مَا يَصْلُحُ عِوَضًا صَحَّتْ تَسْمِيَتُهُ عِوَضًا وَأَمَّا وُجُوبُ رَدِّ الْمُسْتَحَقِّ ؛ فَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى ؛ لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا وَقْتَ الْخُلْعِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدَ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْمَعْدُومِ الَّذِي لَهُ خَطَرُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فِي عَقْدِ

الْمُعَاوَضَةِ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ وَوَرَدَ بِتَحَمُّلِ الْجَهَالَةِ إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَعْقُودُ فِي قَدْرِ مَا يَتَحَمَّلُ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي احْتِمَالِ السَّعَةِ وَالضِّيقِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إهْدَارِ التَّسْمِيَةِ رَأْسًا ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَلَزِمَ الرُّجُوعُ إلَى الْمَهْرِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، وَلَوْ قَالَتْ : اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسٍ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا ، وَالْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولَ الْقِيمَةِ وَلَهُ مَا فِي يَدِهَا مِنْ الْجِنْسِ الْمَذْكُورِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ بِاسْمِ الْجَمْعِ فَيَتَنَاوَلُ الثَّلَاثَ فَصَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ صِنْفٍ سَمَّتْهُ ثَلَاثَةٌ وَزْنًا فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَعَدَدًا فِي الْفُلُوسِ لِوُجُودِ تَسْمِيَةِ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْفُلُوسَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ ، وَالْمَذْكُورُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ .
وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا وَيَتَعَيَّنُ الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا ، وَاعْتُبِرَ الْمُسَمَّى مَعَ جَهَالَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ مُتَقَوِّمَةٌ .
وَكَذَا الْعَبْدُ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْمُسَمَّى الْمَجْهُولِ ، وَلَوْ

قَالَتْ : عَلَى مَا فِي يَدِي ، وَلَمْ تُزِدْ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مَوْجُودٍ فَصَحَّتْ وَاسْتُحِقَّ عَلَيْهَا مَا فِي يَدِهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ فِيمَا لَا يُعْلَمُ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَمْ تُوجَدْ تَسْمِيَةُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَا فِي يَدِهَا وَقَدْ يَكُونُ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ .

وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْأَمَةُ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى جُعْلٍ بِغَيْرِ أَمْرِ مَوْلَاهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ الْجُعْلِ حَتَّى تُعْتَقَ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ ؛ فَلِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى قَبُولِ مَا جُعِلَ عِوَضًا وَقَدْ وُجِدَ .
وَأَمَّا وُجُوبُ الْجُعْلِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ فَلِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَوْجُودًا وَهُوَ مَعْلُومٌ أَيْضًا وَهِيَ مِنْ أَهْلِ التَّسْمِيَةِ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْوُجُوبُ لِلْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَزِمَهَا الْجُعْلُ وَتُبَاعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَتُبَاعُ فِيهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى جُعْلٍ ؛ يَجُوزُ الْخُلْعُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَتَأَخَّرُ الْجُعْلُ إلَى مَا بَعْدَ الْعَتَاقِ وَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ فَلَا تَحْتَمِلُ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِهَا .

وَلَوْ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى رَضَاعِ ابْنِهِ مِنْهَا سَنَتَيْنِ جَازَ الْخُلْعُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَرْضِعَهُ سَنَتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ ابْنُهَا قَبْلَ أَنْ تُرْضِعَهُ شَيْئًا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الرَّضَاعِ لِلْمُدَّةِ ، وَإِنْ مَاتَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ جُعَلًا فِي الْخُلْعِ ، وَهَلَاكُ الْوَلَدِ قَبْلَ الرَّضَاعِ كَهَلَاكِ عِوَضٍ اخْتَلَعَتْ عَلَيْهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهِ ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثَ سِنِينَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ تَمَامِ الرَّضَاعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَ لَهَا مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَلَكِنْ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ لِمَا ذَكَرْنَا .

وَلَوْ اخْتَلَعَتْ فِي مَرَضِهَا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَبَرِّعَةٌ فِي قَبُولِ الْبَدَلِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا .
وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ فَعَلَيْهَا الْمَهْرُ الَّذِي اسْتَحَقَّتْهُ بَعْدَ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى الْحُكْمِ خُلْعٌ بِتَسْمِيَةٍ فَاسِدَةٍ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ وَالْخَطَرِ أَيْضًا فَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى الْحُكْمِ خُلْعٌ عَلَى مَا يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ وَلَا يَقَعُ إلَّا بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ عَادَةً ، فَكَانَ الْخُلْعُ عَلَى الْحُكْمِ خُلْعًا عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَقَدْ غَرَّتْهُ بِتَسْمِيَةِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ إلَّا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِحْقَاقِ مَا يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَتَرْجِعُ إلَى مَا اسْتَحَقَّتْهُ مِنْ الْمَهْرِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْحُكْمُ إلَى الزَّوْجِ فَإِنْ حَكَمَ بِمِقْدَارِ الْمَهْرِ تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ .
وَكَذَلِكَ إنْ حَكَمَ بِأَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ حَطَّ بَعْضَهُ فَهُوَ تَمَلَّكَ حَطَّ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ حَطَّ الْكُلِّ فَالْبَعْضُ أَوْلَى ، وَإِنْ حَكَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَهْرِ لَمْ تَلْزَمْهَا الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهَا ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ إلَيْهَا فَإِنْ حَكَمَتْ بِقَدْرِ الْمَهْرِ جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا حَكَمَتْ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَكَذَلِكَ إنْ حَكَمَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهَا حَكَمَتْ لِنَفْسِهَا بِالزِّيَادَةِ وَهِيَ تَمْلِكُ بَذْلَ الزِّيَادَةِ وَإِنْ حَكَمَتْ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَهْرِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا حَطَّتْ بَعْضَ مَا عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تَمْلِكُ حَطَّ مَا عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ حَكَمَ

بِقَدْرِ الْمَهْرِ جَازَ وَإِنْ حَكَمَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ إلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ وَالنُّقْصَانُ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ إبْطَالَ حَقِّ الْمَرْأَةِ وَفِي النُّقْصَانِ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ ، ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَدَلِ إلَى الْمَرْأَةِ ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي عَلَيْهَا شَيْئًا وَهِيَ تُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلَّقْتُكِ أَمْسِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي ، فَقَالَتْ : لَا بَلْ كُنْتُ قَبِلْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِإِنْسَانٍ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ : لَا ، بَلْ قَبِلْتُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الزَّوْجَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ لَمْ يَصِرْ مُنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ فَلَمْ تَقْبَلِي ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقَتْك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ يُسَمَّى طَلَاقًا عَلَى أَلْفٍ قَبِلَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ لَمْ تَقْبَلْ فَلَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ فِي قَوْلِهِ فَلَمْ تَقْبَلِي مُنَاقِضًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِدُونِ الْقَبُولِ لَا يُسَمَّى بَيْعًا فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِالْإِيجَابِ إقْرَارًا بِالْقَبُولِ فَصَارَ الْبَائِعُ مُنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ تَدَّعِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي وُجُودَ شَرْطِ الْوُقُوعِ ، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ الْوُقُوعَ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْوُقُوعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ قَدْرِ مَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ وَمَا لَا يَحِلُّ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ النُّشُوزَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَإِمَّا إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْعِوَضِ عَلَى الْمُخْلِعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } نَهَى عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا آتَاهَا مِنْ الْمَهْرِ وَأَكَّدَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ : { أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } ، وَقَوْلُهُ : { وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } أَيْ : لَا تُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } أَيْ : إلَّا أَنْ يَنْشُزْنَ ؛ نَهَى الْأَزْوَاجَ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَوْهُنَّ وَاسْتَثْنَى حَالَ نُشُوزِهِنَّ .
وَحُكْمُ الْمُسْتَثْنَى يُخَالِفُ حُكْمَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَوْهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ النُّشُوزِ مِنْهُنَّ ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الدِّيَانَةِ ، فَإِنْ أَخْذَ جَازَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ وَلَزِمَ حَتَّى لَا يَمْلِكَ اسْتِرْدَادَهُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَسْقَطَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِعِوَضٍ رَضِيَتْ بِهِ ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ .
وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْمُعَاوَضَةِ وَالرِّضَا فَيَجُوزُ فِي الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ ، وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا قَدْرَ الْمَهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } أَيْ : إلَّا أَنْ يَنْشُزْنَ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّهْيِ إبَاحَةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ، وَقَوْلُهُ { : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } ؛ قِيلَ أَيْ : لَا جُنَاحَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْأَخْذِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْإِعْطَاءِ .
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَهْرِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ

عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ .
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ - وَهُوَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ - وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ .
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } ، رَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْهُمَا فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ زِيَادَةً عَلَيْهِ ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِ النَّصِّ ، وَلِأَنَّهَا أَعْطَتْ مَالَ نَفْسِهَا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ ؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كَانَتْ هِيَ مَجْبُورَةً فِي دَفْعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مَعَ رَغْبَتِهَا فِي الزَّوْجِ لَا تُعْطِي إذَا كَانَتْ مُضْطَرَّةً مِنْ جِهَتِهِ بِأَسْبَابٍ أَوْ مُغْتَرَّةً بِأَنْوَاعٍ التَّغْرِيرِ وَالتَّزْوِيرِ فَكُرِهَ الْأَخْذُ .
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } نَهَى عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهَا مِنْ الْمَهْرِ وَاسْتَثْنَى الْقَدْرَ الَّذِي أَعْطَاهَا مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ خَوْفِهِمَا تَرْكَ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ ، وَالنَّهْيُ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ نَهْيٌ عَنْ أَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَهْرِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى كَالنَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ أَنَّهُ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الضَّرْبِ - الَّذِي هُوَ فَوْقَهُ - بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى .
وَرُوِيَ أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ

وَزِيَادَةً قَالَ : أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا } نَهَى عَنْ الزِّيَادَةِ مَعَ كَوْنِ النُّشُوزِ مِنْ قِبَلِهَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ { فِيمَا افْتَدَتْ } قَدْرُ الْمَهْرِ لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عَامًّا عَرَفْنَا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ غَيْرُ مَتْلُوٍّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى : فِي صَدْرِ الْآيَةِ { : وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ مَا آتَاهَا فَكَانَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِهَا - وَهُوَ قَوْلُهُ : { فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } - مَرْدُودًا إلَى أَوَّلِهَا فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ { : فِيمَا افْتَدَتْ } أَيْ : بِمَا آتَاهَا وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ : إنَّهُ يَحِلُّ لَهُ قَدْرُ مَا آتَاهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَنَّهَا أَعْطَتْهُ مَالَ نَفْسِهَا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهَا فَنَعَمْ لَكِنَّ ذَاكَ دَلِيلُ الْجَوَازِ ، وَبِهِ نَقُولُ : إنَّ الزِّيَادَةَ جَائِزَةٌ فِي الْحُكْمِ ، وَالْقَضَاءِ ، وَلِأَنَّ الْخُلْعَ - مِنْ جَانِبِهَا - مُعَاوَضَةُ حَالَةٍ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَإِسْقَاطُ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْمِلْكِ ، وَدَفْعُ الْمَالِ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُرْغَبُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَازَ الْعِتْقُ عَلَى قَلِيلِ الْمَالِ ، وَكَثِيرِهِ ، وَأَخْذُ الْمَالِ بَدَلًا عَنْ إسْقَاطِ الْمِلْكِ ، وَالرِّقِّ ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لِمَا جَازَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَهُوَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَكَذَا جَازَ أَنْ تَضْمَنَهُ الْمَرْأَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ سَلَامَةِ الْبُضْعِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا ، إلَّا أَنَّهُ نَهَى عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَهْرِ لَا لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ شُبْهَةُ الرِّبَا ، وَالْإِضْرَارِ بِهَا ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ فَحَلَّ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْمَهْرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا حُكْمُ الْخُلْعِ فَنَقُولُ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : يَتَعَلَّقُ بِالْخُلْعِ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا يَعُمُّ كُلَّ طَلَاقٍ بَائِنٍ ، وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْخُلْعَ أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ كُلَّ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَنَذْكُرُهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ الْخُلْعَ ؛ فَالْخُلْعُ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ بِبَدَلٍ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ بِأَنْ قَالَ : خَالَعْتكِ ، وَنَوَى الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ ، وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ هُوَ الْمَهْرُ بِأَنْ خَلَعَهَا عَلَى الْمَهْرِ فَحُكْمُهُ أَنَّ الْمَهْرَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَهْرُ عَنْ الزَّوْجِ ، وَتَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّهُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مَالًا آخَرَ سِوَى الْمَهْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سُقُوطِ كُلِّ حُكْمٍ ، وَجَبَ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الْخُلْعِ مِنْ الْمَهْرِ ، وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ ، وَوُجُوبِ الْبَدَلِ حَتَّى لَوْ خَلَعَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا آخَرَ فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ كَانَ لَمْ يُعْطِهَا الْمَهْرَ بَرِئَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا بَارَأَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مِثْلُ الْخُلْعِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ فِي الْخُلْعِ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ إلَّا مَا سَمَّيَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ جَمِيعًا إلَّا مَا سَمَّيَا حَتَّى إنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ - ، وَمَهْرُهَا أَلْفِ دِرْهَمٍ - فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ

فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَهُ عَلَيْهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَلَهُ عَلَيْهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَيَصِيرُ قَدْرُ الْمِائَةِ قِصَاصًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِكُلِّ الْمَهْرِ إلَّا قَدْرَ الْمِائَةِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِتِسْعِمِائَةٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَهُ عَلَيْهَا الْمِائَةُ لَا غَيْرَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمُبَارَأَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَهُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ : الْخُلْعَ ، وَالْمُبَارَأَةَ وَالْمُبَارَأَةَ وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ الَّتِي وَجَبَتْ لَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ .
وَأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْخُلْعِ ، وَالْمُبَارَأَةِ ، وَاتَّفَقَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ ، وَاخْتَلَفَ جَوَابُهُمَا فِي الْخُلْعِ ، وَاتَّفَقَ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ ، وَاخْتَلَفَ فِي الْمُبَارَأَةِ فَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ ، وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ لَا يَسْقُطُ مِنْ غَيْرِ إسْقَاطِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا إسْقَاطُ مَا

سَمَّيَا ، فَلَا يَسْقُطُ مَا لَمْ تَجُزْ بِهِ التَّسْمِيَةُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ سَائِرُ الدُّيُونِ الَّتِي لَمْ تَجِبْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ .
وَكَذَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ كَذَا هَذَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُلْعِ ، وَالْمُبَارَأَةِ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ صَرِيحٌ فِي إيجَابِ الْبَرَاءَةِ ؛ لِأَنَّهَا إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ نَصًّا فَيَقْتَضِي ثُبُوتَ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا فَيَظْهَرُ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ ، .
فَأَمَّا الْخُلْعُ فَلَيْسَ نَصًّا فِي إيجَابِ الْبَرَاءَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَرَاءَةِ ، وَإِنَّمَا تُثْبِتُ الْبَرَاءَةُ مُقْتَضَاهُ ، وَالثَّابِتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لَا يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَثَبَتَتْ الْبَرَاءَةُ بِقَدْرِ مَا وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ لَا غَيْرُ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ فِي مَعْنَى الْمُبَارَأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَارَأَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ فَكَانَ إسْقَاطًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْحُقُوقَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْعَقْدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَالْمُتَخَاصَمِينَ فِي الدُّيُونِ إذَا اصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ سَقَطَ بِالصُّلْحِ جَمِيعُ مَا تَنَازَعَا كَذَا بِالْمُبَارَأَةِ ، ، وَالْخُلْعُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَلْعِ ، وَهُوَ النَّزْعُ ، وَالنَّزْعُ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ الشَّيْءِ فَمَعْنَى قَوْلِنَا خَلَعَهَا أَيْ : أَخْرَجَهَا مِنْ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَحْكَامِ بِالنِّكَاحِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِسُقُوطِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ فَكَانَ الْخُلْعُ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ .
، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ .
وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا إسْقَاطُ غَيْرِ الْمُسَمَّى فَنَقُولُ : إنْ لَمْ يُوجَدْ نَصًّا فَقَدْ وُجِدَ دَلَالَةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ ؛

وَلِأَنَّ قَصْدَهُمَا مِنْ الْخُلْعِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ ، وَإِزَالَةُ الْخُلْفِ بَيْنَهُمَا ، وَالْمُنَازَعَةُ ، وَالْخُلْفُ إنَّمَا وَقَعَا فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْمُنَازَعَةُ ، وَالْخُلْفُ إلَّا بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ فَكَانَ ذَلِكَ تَسْمِيَةً مِنْهَا لِسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ دَلَالَةً بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالنِّكَاحِ ، وَلَمْ تَقَعْ الْمُنَازَعَةُ فِيهَا ، وَلَا فِي سَبَبِهَا ، فَلَا يَنْصَرِفُ الْإِسْقَاطُ إلَيْهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ بِالنِّكَاحِ لَا نَصًّا ، وَلَا دَلَالَةً .
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ ؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلَ الْخُلْعِ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إسْقَاطُهَا بِالْخُلْعِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَ الْخُلْعِ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي فَكَانَ الْخُلْعُ إسْقَاطًا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَصَحَّ .
وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ صَحَّ ، وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ ، وَلَوْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ عَنْ النَّفَقَةِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ ، وَتَجِبُ النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي النِّكَاحِ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الزَّمَانِ يَوْمًا فَيَوْمًا فَكَانَ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا إبْرَاءً قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَصِحَّ ، .
فَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ الْخُلْعِ فَكَانَ الْخُلْعُ عَلَى النَّفَقَةِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهَا ، وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى السُّكْنَى ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } ، فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ فِي أَحْكَامِهِ كَالْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْعِوَضَ إذَا أُبْطِلَ فِي الْخُلْعِ بِأَنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ يَبْقَى الطَّلَاقُ بَائِنًا ، وَفِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ إذَا أُبْطِلَ الْعِوَضُ بِأَنْ سَمَّيَا مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَالطَّلَاقُ يَكُونُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ كِنَايَةٌ ، وَالْكِنَايَاتُ مُبَيِّنَاتٌ عِنْدَنَا ، .
فَأَمَّا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَصَرِيحٌ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِتَسْمِيَةِ الْعِوَضِ إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ صَرِيحُ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ رَجْعِيًّا .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ ، وَعَلَيْهَا أَلْفٌ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ حَرْفُ إلْصَاقٍ فَيَقْتَضِي إلْصَاقَ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ عَلَى كَلِمَةُ شَرْطٍ يُقَالُ : زُرْتُك عَلَى أَنْ تَزُورَنِي أَيْ : بِشَرْطِ أَنْ تَزُورَنِي .
وَكَذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ دُخُولُ الدَّارِ شَرْطًا كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، وَهِيَ كَلِمَةُ إلْزَامٍ أَيْضًا فَكَانَ هَذَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ أَنْ تُعْطِيَهُ الْأَلْفَ عَقِيبَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِهَا ، وَتَجِبُ عَلَيْهَا الْأَلْفُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجْعِيَّةُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَلْفِ سَوَاءٌ قَبِلَتْ أَوْ لَمْ تَقْبَلْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ إذَا قَبِلَتْ طَلُقَتْ بَائِنَةً ، وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي ، وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا أَنَّهُ يَقَعُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْبَدَلُ فِي قَوْلِ

أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَعْتِقُ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا إذَا قَبِلَ يُعْتَقُ ، وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنْ هَذِهِ الْوَاوَ وَاوُ حَالٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْأَلْفِ حَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِبْدَالِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ : احْمِلْ هَذَا الشَّيْءَ إلَى مَكَانِ كَذَا ، وَلَك دِرْهَمٌ فَحَمَلَ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ : احْمِلْ بِدِرْهَمٍ ، ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ أَعْنِي : قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ وَقَوْلَهُ : وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبْتَدَأٌ ، وَخَبَرٌ ، فَلَا يُجْعَلُ الثَّانِي مُتَّصِلًا بِالْأَوَّلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَالضَّرُورَةُ فِيمَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِعِوَضٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ احْمِلْ هَذَا إلَى بَيْتِي ، وَلَكَ أَلْفٌ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُهُمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ، فَلَا يُجْعَلُ الثَّانِي مُتَّصِلًا بِالْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمَا الْوَاوُ وَاوُ حَالٍ فَمَمْنُوعٌ بَلْ وَاوُ عَطْفٍ فِي الْإِخْبَارِ مَعْنَاهُ أُخْبِرُكِ أَنَّك طَالِقٌ ، وَأُخْبِرُكِ أَنَّ عَلَيْكِ أَلْفُ دِرْهَمٍ .
وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِأَلْفٍ ، وَهَذَا مِمَّا لَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ ، وَلَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ

الْأَلْفِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَحَرْفَ الْبَاءِ سَوَاءٌ يُقَالُ بِعْت عَنْك بِأَلْفٍ ، وَبِعْت مِنْك عَلَى أَلْفٍ ، وَيُفْهَمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَوْنُ الْأَلْفِ بَدَلًا .
وَكَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ احْمِلْ هَذَا الشَّيْءَ إلَى بَيْتِي عَلَى دِرْهَمٍ وَقَوْلُهُ : بِدِرْهَمٍ سَوَاءٌ حَتَّى يُسْتَحَقُّ الْبَدَلُ فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَالْأَصْلُ أَنَّ أَجْزَاءَ الْبَدَلِ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُبْدَلِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فِي نَفْسِهِ فَتَنْقَسِمُ الْأَلْفُ عَلَى الثَّلَاثِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ كَمَا لَوْ ذُكِرَتْ بِحَرْفِ الْبَاءِ فَكَانَتْ بَائِنَةً ؛ لِأَنَّهَا طَلَاقٌ بِعِوَضٍ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى كَلِمَةُ شَرْطٍ فَكَانَ وُجُودُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْأَلْفِ فَكَانَتْ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ بَعْضَ الشَّرْطِ ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِوُجُودِ بَعْضِ الشَّرْطِ فَلَمَّا لَمْ يُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ بِخِلَافِ حَرْفِ الْبَاءِ فَإِنَّهُ حَرْفُ مُبَادَلَةٍ فَيَقْتَضِي انْقِسَامَ الْبَدَلِ عَلَى الْمُبْدَلِ فَتَنْقَسِمُ الْأَلْفُ عَلَى التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فَكَانَ بِمُقَابِلَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثُ الْأَلْفِ ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا الْقَدْرُ بِمَا إذَا قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِكُلِّ الْأَلْفِ ، فَلَا يَجُوزُ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ بِبَعْضِهَا ، فَإِذَا أَمَرَتْهُ بِالطَّلَاقِ فَقَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَدْ سَأَلَتْ الزَّوْجَ أَنْ يُبِينَهَا بِأَلْفٍ وَقَدْ أَبَانَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ زَادَهَا خَيْرًا ، وَالْإِشْكَالُ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الْإِبَانَةَ الْغَلِيظَةَ بِأَلْفٍ ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا بَلْ أَتَى بِالْخَفِيفَةِ ، وَلَعَلَّ لَهَا غَرَضًا فِي الْغَلِيظَةِ ، وَالْجَوَابُ أَنَّ غَرَضَهَا فِي اسْتِيفَاءِ مَا لِهَا مَعَ حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ الَّتِي وَضَعَ لَهَا الطَّلَاقُ أَشَدُّ .
(

وَأَمَّا ) قَوْلُهُمَا إنَّ كَلِمَةَ عَلَى تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِبْدَالِ فَنَعَمْ لَكِنْ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ، وَلَا تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَفِي الْبَيْعِ ، وَنَحْوِهِ ضَرُورَةٌ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ لِمَا بَيَّنَّا ، وَاعْتِبَارُ الْبَدَلِ يُوجِبُ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي الْوُجُوبِ ، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَتَانِ لَهُ طَلِّقْنَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا عَلَيْهِمَا بِالْأَلْفِ ، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ ، وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فِي طَلَاقِ الْأُخْرَى فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَعْنَى الشَّرْطِ ، وَلِلْمَرْأَةِ غَرَضٌ فِي اجْتِمَاعِ تَطْلِيقَاتِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى لِلتَّحْرِيمِ لِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ بِهَا فَاعْتُبِرَ مَعْنَى الشَّرْطِ ، وَلَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٍ ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِأَلْفٍ ، وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تَصْلُحُ جَوَابًا لِلْوَاحِدَةِ فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا فَقَدْ عَدَلَ عَمَّا سَأَلَتْهُ فَصَارَ مُبْتَدِئًا بِالطَّلَاقِ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ فِي الثَّلَاثِ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ فَقَدْ أَتَى بِمَا سَأَلَتْهُ ، وَزِيَادَةٍ فَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَوَاحِدَةً ، وَوَاحِدَةً ، وَلَوْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وُقِفَ عَلَى قَبُولِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ

قَبِلَتْ جَازَ ، وَإِلَّا بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا سَأَلَتْهُ فَصَارَ مُبْتَدِئًا طَلَاقًا بِعِوَضٍ فَيَقِفُ عَلَى قَبُولِهَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ يَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِأَلْفٍ كَمَا سَأَلَتْ ، وَاثْنَتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَحَكَى الْجَصَّاصُ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ الثَّلَاثَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِثُلُثِ الْأَلْفِ ، وَالِاثْنَتَانِ تَقِفَانِ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفًا فَإِذَا أَوْقَعَهَا بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَقَدْ زَادَهَا خَيْرًا ، وَابْتَدَأَ تَطْلِيقَتَيْنِ بِثُلُثَيْ الْأَلْفِ فَوَقَفَ ذَلِكَ عَلَى قَبُولِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ فَمِنْهَا أَنْ لَا يَلْحَقَهُ اسْتِثْنَاءٌ أَصْلًا ، وَرَأْسًا سَوَاءٌ كَانَ وَضْعِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ الِاسْتِثْنَاءُ الْعُرْفِيُّ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الشَّرْطِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَفِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ كُلِّ نَوْعٍ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ صِحَّتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ : اسْتِثْنَاءٌ وَضْعِيٌّ ، وَاسْتِثْنَاءٌ عُرْفِيٌّ أَمَّا الْوَضْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِلِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ كَلِمَةُ إلَّا ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا نَحْوُ سِوَى ، وَغَيْرَ ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْعُرْفِيُّ فَهُوَ تَعْلِيقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ فِي الْوَضْعِ لِانْعِدَامِ كَلِمَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ الْمَوْجُودُ كَلِمَةُ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُمْ تَعَارَفُوا إطْلَاقَ اسْمِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ } أَيْ : لَا يَقُولُونَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ مُنَاسَبَةٌ فِي مَعْنَى ظَاهِرِ لَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ الْمَنْعُ ، وَالصَّرْفُ دُونَ الْحَقِيقَةِ فَأُطْلِقَ اسْمُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ اسْتِثْنَاءُ تَحْصِيلٍ ، وَاسْتِثْنَاءُ تَعْطِيلٍ فَسُمِّيَ الْأَوَّلُ اسْتِثْنَاءَ تَحْصِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا ، وَالثَّانِي تَعْطِيلًا لِمَا أَنَّهُ يَتَعَطَّلُ الْكَلَامُ بِهِ .

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ كُلِّ نَوْعٍ أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ الْمُخْتَارَةُ دُونَ قَوْلِهِمْ اسْتِخْرَاجُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَثْنَى إمَّا أَنْ يَدْخُلَ بَعْدَ نَصِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَدْخُلَ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِخْرَاجُ ، وَإِنْ دَخَلَ يَتَنَاقَضُ الْكَلَامُ ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يُثْبِتُ ، وَنَصُّ الِاسْتِثْنَاءِ يَنْفِي ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْوَاحِدُ فِي زَمَانٍ مُثْبَتًا ، وَمَنْفِيًّا ، وَلِهَذَا فُهِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } مَا ذَكَرْنَا حَتَّى يَصِيرَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ : فَلَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ ، وَخَمْسِينَ عَامًا لَا مَعْنَى الْإِخْرَاجِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْخُلْفِ فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى .
( وَأَمَّا ) النَّوْعُ الثَّانِي فَهُوَ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مِمَّا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ، وَيُعْلَمُ وُجُودُهُ يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ وُجُودِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ لَا يَنْزِلُ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّعْلِيقِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( وَأَمَّا ) شَرْطُ صِحَّتِهِ فَلِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ شَرَائِطُ : بَعْضُهَا يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ ، وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا أَمَّا الَّذِي يَعُمُّهُمَا جَمِيعًا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَوْصُولًا بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ حَصَلَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يَصِحُّ ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَيَصِحُّ مُتَّصِلًا ، وَمُنْفَصِلًا وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى } ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمَا قَالَ .
وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاء فِي مَعْنَى التَّخْصِيصِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيَانٌ ثُمَّ التَّخْصِيصُ يَصِحُّ مُقَارِنًا ، وَمُتَرَاخِيًا فَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا ، وَمُنْفَصِلًا ، وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ كَلَامٍ تَامٍّ بِنَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُبْتَدَأً ، وَخَبَرًا أَنْ لَا يَقِفَ حُكْمُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَالْوَقْفُ عِنْدَ الْوَصْلِ لِضَرُورَةٍ ، وَهِيَ ضَرُورَةُ اسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ ، وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْمَوْصُولِ ، فَلَا يَقِفُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْلِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَقِفْ عَلَى الشَّرْطِ الْمُنْقَطِعِ فَكَذَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ ؛ وَلِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوُصُولِ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ لُغَةً ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ لَا يَعُدُّونَهُ اسْتِثْنَاءً بَلْ يَسْخَرُونَ مِنْهُ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا تَكَادُ تَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إمَامًا فِي اللُّغَةِ كَمَا كَانَ إمَامًا فِي الشَّرِيعَةِ .
وَأَمَّا التَّخْصِيصُ الْمُتَرَاخِي فَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لَيْسَ بِبَيَانٍ بَلْ هُوَ فَسْخٌ ، فَلَا يَلْزَمُ ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَيَانٌ لَكِنَّ إلْحَاقَ الْبَيَانِ

بِالْمُجْمَلِ ، وَالْعَامِّ الَّذِي يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ مُتَرَاخِيًا مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ ، وَإِنَّهُ كَثِيرُ النَّظِيرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بِسَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَصْحِيحَ الِاسْتِثْنَاءِ فَيُحْمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْتِدْرَاكَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } أَيْ : إلَّا أَنْ تَقُولَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَسِيَ ذَلِكَ فَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَأُمِرَ بِاسْتِدْرَاكِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى { ، وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ } ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ أَمْرًا ، وَأَرَادَ فِي قَلْبِهِ ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ فَأَظْهَرَ الِاسْتِثْنَاءَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَمِثْلُ هَذَا مُعْتَادٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ ، فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الْفَصْلُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، .
فَأَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةِ التَّنَفُّسِ ، فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ فَصْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ سَكْتَةً هَكَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْفَصْلِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، فَلَا يُعْتَبَرُ فَصْلًا ، وَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْوَصْلِ لِلضَّرُورَةِ .
وَأَمَّا كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مَسْمُوعًا فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ ؟ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ ، وَأَتَى بِحُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ يَصِحُّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا .
وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ شَرْطٌ ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِدُونِهِ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ .
فَأَمَّا السَّمَاعُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ كَلَامًا فَإِنَّ الْأَصَمَّ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ ،

وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ الْمَنْظُومَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ كَلَامًا - عِنْدَ الْكَرْخِيِّ ، وَعِنْدَنَا - هِيَ دَلَالَةٌ عَلَى الْكَلَامِ ، وَعِبَارَةٌ عَنْهُ لَا نَفْسِ الْكَلَامِ فِي الْغَائِبِ ، وَالشَّاهِدِ جَمِيعًا فَلَمْ تُوجَدْ الْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الصَّوْتِ فَالْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَصْوَاتِ الْمُتَقَطِّعَةِ بِتَقْطِيعٍ خَاصٍّ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الصَّوْتُ لَمْ تُوجَدْ الْحُرُوفُ فَلَمْ يُوجَدْ الْكَلَامُ عِنْدَهُ ، وَلَا دَلَالَةُ الْكَلَامِ عِنْدَنَا فَلَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاءً ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الْوَضْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى بَعْضَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا كُلَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ، وَلَا يَكُونُ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى بَعْضَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا كُلَّهُ ، ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَجْرِي مَجْرَى التَّخْصِيصِ ، وَالتَّخْصِيصُ يَرِدُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ لَا عَلَى الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا .
وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ نَسْخُ الْحُكْمِ ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَالطَّلَاقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ : إنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إنَّمَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ ، وَالطَّلَاقُ مِمَّا لَا يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ .
وَكَذَا الْعَتَاقُ .
وَكَذَا الْإِعْتَاقُ .
وَكَذَا الْإِقْرَارُ ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ - وَهُوَ الْوَصِيَّةُ - وَمَعَ هَذَا لَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فَدَلَّ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَيْسَ لِمَكَانِ الرُّجُوعِ بَلْ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ .

، وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَعَامَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ بَابِ اللُّغَةِ ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِاسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وُضِعَ فِي الْأَصْلِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ ، وَالْغَلَطُ يَجْرِي فِي الْأَقَلِّ لَا فِي الْأَكْثَرِ ، وَلَنَا أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا : الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَقَلِّ ، وَالْأَكْثَرِ إلَّا أَنَّهُ قَلَّ اسْتِعْمَالُهُمْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي مِثْلِهِ لِقِلَّةِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ لِقِلَّةِ وُقُوعِ الْغَلَطِ فِيهِ .
وَهَذَا لَا يَكُونُ مِنْهُمْ إخْرَاجًا لِلَّفْظِ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً كَمَنْ أَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ لَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، وَإِنْ كَانَ يَقِلُّ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ ، لَكِنْ قِلَّةُ اسْتِعْمَالِهَا لِقِلَّةِ وُجُودِ الْأَكْلِ لَا لِانْعِدَامِ مَعْنَى اللَّفْظِ حَقِيقَةً كَذَا هَذَا ، وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ مَسَائِلُ هَذَا النَّوْعِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ، وَالْبَاقِي بَعْدَ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الثَّلَاثِ ثِنْتَانِ إلَّا أَنَّ لِلثِّنْتَيْنِ اسْمَيْنِ : أَحَدَهُمَا ثِنْتَانِ ، وَالْآخَرُ ثَلَاثٌ إلَّا وَاحِدَةً ، وَلَوْ قَالَ : إلَّا اثْنَتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ قَالَ : إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا

وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ ، وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْأُولَى ، وَالثَّانِيَةِ ، وَبَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ ، وَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأُولَى ، وَالثَّانِيَةِ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ فَصَحَّ إلَّا أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ لَجَازَ ، .
فَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ فَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَلَمْ يَصِحَّ فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ ، ، وَلِأَبِي حَنِيفَةً ، وَمُحَمَّدٍ أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ يَقِفُ عَلَى آخِرِهِ فَكَانَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إلَّا وَاحِدَةً ، وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْكُلِّ بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا كَانَ مَوْصُولًا يَقِفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إلَى الْكُلِّ فَبَطَلَ ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ كُلِّ جُمْلَةٍ بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَكَانَ اسْتِثْنَاءَ الْجُمْلَةِ مِنْ الْجُمْلَةِ ، فَلَا يَصِحُّ ، وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ أَيْضًا ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَمَتَى انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِيهِ ؛ كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ ، فَلَا يَصِحُّ ، وَلَهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُصَحِّحُ مَا أَمْكَنَ ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ

مِمَّا يَلِيهِ لَبَطَلَ ، وَلَوْ صُرِفَ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَثْنِيًا مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً فَبَقِيَ مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٌ .
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا إنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءِ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ وَقَفَ عَلَى آخِرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَثْنِيًا مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ تَطْلِيقَةً ، وَنِصْفًا ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءُ جَمِيعِ الْجُمْلَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ وَاحِدَةٍ ، وَنِصْفٍ اسْتِثْنَاءُ ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَعْضِ فِيمَا لَا يَتَبَعَّضُ ذِكْرٌ لِكُلِّهِ فَكَانَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ ، وَزِيَادَةً ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصْرَفَ اثْنَتَانِ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ إلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ تَصَرُّفِهِ ، وَإِنْشَاءُ تَصَرُّفٍ آخَرَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَبَطَلَ ، وَالْإِشْكَالُ عَلَى الْقَسَمِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذِكْرَ الْبَعْضِ فِيمَا لَا يَتَبَعَّضُ لَا يَكُونُ ذِكْرًا لِلْكُلِّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ، وَنِصْفًا يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ ، وَلَوْ كَانَ ذِكْرُ بَعْضِ الطَّلَاقِ ذِكْرًا لِكُلِّهِ فِي الِاسْتِثْنَاءَ لَوَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ ، وَكَانَ الْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَيُنْظَرُ إلَى الْبَاقِي ، وَالْبَاقِي هَهُنَا تَطْلِيقَةٌ ، وَنِصْفٌ ، وَنِصْفُ تَطْلِيقَةٍ

تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ ، وَإِذَا لَمْ يَصِرْ ذِكْرُ الْبَعْضِ ذِكْرًا لِلْكُلِّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ يَصِرْ مُسْتَثْنِيًا مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً ، وَتَلْغُو وَاحِدَةٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ الْكُلِّ فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ عَلَى مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ .
وَرَوَى هِشَامٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعًا إلَّا خَمْسًا أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالصَّرْفِ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ عَلَى الشُّيُوعِ ، وَلَا بِالصَّرْفِ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَلَا يُصْرَفُ الْبَعْضُ عَيْنًا إلَى جُمْلَةٍ ، وَالْبَعْضُ إلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى لِمَا قُلْنَا ، وَالْإِشْكَالُ عَلَى الْقَسَمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ أَنَّهُ ثَلَاثٌ - ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - ، وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا ، وَالْإِشْكَالُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا ، هَذَا إذَا كَانَ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .

كَانَ شَيْئًا خِلَافَ جِنْسِهِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَا تَطْلُقُ ، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمُسَمَّى نَحْوُ أَنْ يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَا تُطْلَقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ ، وَالْإِشَارَةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ مُخْتَلِفَانِ لَفْظًا فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي ؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ يَكُونُ مَعْنَاهُ نِسَائِي غَيْرَ هَؤُلَاءِ طَوَالِقُ ، وَهَذَا إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ ، .
وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْأَرْبَعُ مَا دُونَ هَؤُلَاءِ ، فَإِذَا كُنَّ أَرْبَعًا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَطْلُقْنَ كُلُّهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِثْنَاءُ غَيْرِهِنَّ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : نِسَائِي طَوَالِقُ ، وَلَا نِسَاءَ لَهُ ، وَهُنَاكَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيُطَلَّقْنَ كُلُّهُنَّ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : نِسَائِي إلَّا نِسَائِي طَوَالِقُ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ طُلِّقْنَ كَذَا هَذَا .
وَكَذَا هَذَا فِي الْعَتَاقِ إذَا قَالَ : عَبِيدِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَعَتَقُوا جَمِيعًا ، وَلَوْ قَالَ : عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ ، وَلَيْسَ لَهُ عَبِيدٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إذَا قَالَ : أَوْصَيْتَ بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ أَوْ أَوْصَيْتَ لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَمَاتَ ، وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ .

قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا يَقَعُ وَاحِدَةً ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إلَى جُمْلَةِ الْكَلَامِ لَا إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَصِحُّ وُقُوعُهُ ، وَهُوَ الثَّلَاثُ خَاصَّةً فَيَتْبَعُ اللَّفْظَ لَا الْحُكْمَ ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى ، وَيَثْبُتُ فِيمَا بَقِيَ قَدْرُ مَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ، فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا يَقَعُ وَاحِدَةً ، وَلَوْ قَالَ : إلَّا ثَمَانِيًا يَقَعُ اثْنَتَانِ ، وَإِذَا قَالَ : إلَّا سَبْعًا يَقَعُ ثَلَاثٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَتْبَعُ اللَّفْظَ لَا الْحُكْمَ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَدَخَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ ، وَعَمِلَ فِيهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الْجُمْلَةِ ، فَلَا يَقَعُ قَدْرُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَقَعُ الْبَاقِي - وَهُوَ الثَّلَاثُ - ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ وُقُوعُهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إلَّا سِتًّا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ هِيَ الَّتِي يَصِحُّ وُقُوعُهَا مِمَّا بَقِيَ إذْ لَا يَزِيدُ الطَّلَاقُ عَلَى الثَّلَاثِ .

قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً ، وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الِاسْتِثْنَاء أَنَّ لِتَخْرِيجِهَا طَرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ فَيُجْعَلُ اسْتِثْنَاءً مِمَّا يَلِيهِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْهُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِمَّا يَلِيهِ هَكَذَا إلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ فَمَا بَقِيَ مِنْهَا الْوَاقِعُ ، فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً - يَسْتَثْنِي الْوَاحِدَةَ مِنْ الثَّلَاثَةِ - يَبْقَى اثْنَتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثَةِ فَتَبْقَى وَاحِدَةٌ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ يَقَعُ اثْنَتَانِ ؛ لِأَنَّك تَسْتَثْنِي الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَتَبْقَى وَاحِدَةٌ تَسْتَثْنِيهَا مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيَبْقَى اثْنَتَانِ .
فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّك تَسْتَثْنِي الْوَاحِدَةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ تَسْتَثْنِيهَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْقَى اثْنَتَانِ تَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ هِيَ الْوَاقِعُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا إلَّا ثَمَانِيًا إنَّكَ تَسْتَثْنِي ثَمَانِيًا مِنْ تِسْعٍ فَبَقِيَ وَاحِدَةٌ نَسْتَثْنِيهَا مِنْ الْعَشْرِ فَيَبْقَى تِسْعٌ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ تِسْعًا فَيَقَعُ ثَلَاثٌ فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّك إذَا اسْتَثْنَيْت الْوَاحِدَةَ مِنْ التِّسْعِ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تَسْتَثْنِيهَا مِنْ الْعَشْرِ فَيَبْقَى اثْنَتَانِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا ثَمَانِيًا ، وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ هَذَا الْوَجْهِ ، وَقِيَاسُهُ ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى عَقْدِ الْيَدِ ، وَهُوَ أَنْ تَعْقِدَ الْعَدَدَ الْأَوَّلَ

بِيَمِينِكَ ، وَالثَّانِي بِيَسَارِكَ ، وَالثَّالِثَ تَضُمُّهُ إلَى مَا فِي يَمِينِك ، وَالرَّابِعَ بِيَسَارِك تَضُمُّهُ إلَى مَا بِيَسَارِك ثُمَّ تَطْرَحُ مَا اجْتَمَعَ فِي يَسَارِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا اجْتَمَعَ فِي يَمِينِكَ فَمَا بَقِيَ فِي يَمِينِك فَهُوَ الْوَاقِعُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا مَسَائِلُ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِثْنَاء ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَقُولُ : إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، سَوَاءٌ قَدَّمَ الطَّلَاقَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي الذِّكْرِ بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ ، وَعَلَى هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ ، وَالنَّذْرِ ، وَالْيَمِينِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى .
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيَّةٌ لَا تَحْتَمِلُ الْعَدَمَ فَكَانَ هَذَا تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَحْقِيقًا لَا تَعْلِيقًا كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ فَوْقَنَا ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ خَبَرًا عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ ، وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ ، وَالسَّلَامِ { سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } وَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ حَتَّى لَمْ يَصِرْ بِتَرْكِ الصَّبْرِ مُخْلِفًا فِي الْوَعْدِ .
وَلَوْلَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَصَارَ مُخْلِفًا فِي الْوَعْدِ بِالصَّبْرِ ، وَالْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ لَا يَجُوزُ ، وَالنَّبِيُّ مَعْصُومٌ .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى { ، وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } أَيْ إلَّا أَنْ تَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ صِيَانَةُ الْخَبَرِ عَنْ الْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِهِ مَعْنًى .
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ ، وَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ } ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ } ؛ وَلِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ

بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْلِيقٌ بِمَا لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّهُ شَاءَ وُقُوعَ هَذَا الطَّلَاقِ أَوْ لَمْ يَشَأْ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ وُقُوعَ هَذَا الطَّلَاقِ هَلْ دَخَلَ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ؟ فَإِنْ دَخَلَ وَقَعَ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ كَائِنٍ ؛ وَلِأَنَّ دُخُولَ الْوُقُوعِ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ فَقَالَ : لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَيَقَعُ الْعَتَاقُ ، وَزَعَمَ بِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ فِي الطَّلَاقِ ، وَوُجِدَتْ فِي الْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَكْرُوهُ الشَّرْعِ ، وَالْعِتْقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ ، وَالطَّاعَاتِ لَا بِالْمَكَانِ ، وَالْمَعَاصِي ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ كُلَّ خَيْرٍ وَصَلَاحٍ مِنْ الْعَبْدِ ثُمَّ الْعَبْدُ قَدْ لَا يَفْعَلُهُ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ ، وَبُطْلَانُ مَذْهَبِهِمْ يُعْرَفُ فِي مَسَائِلِ الْكَلَامِ ثُمَّ أَنَّهُمْ نَاقَضُوا حَيْثُ قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ فَقَالَ : لَأَصُومَنَّ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَالَ : لَأُصَلِّيَنَّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ فَمَضَى الْغَدُ ، وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ خَيْرٍ لَحَنِثَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ خَيْرَاتٌ وَقَدْ شَاءَهَا عِنْدَهُمْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَالَ أَنْ لَوْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمَا قُلْنَا .
وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا يَقَعَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الَّذِي شَاءَهُ اللَّهُ ،

تَعَالَى .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ الْمُسْتَثْنَى كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقٌ بِعَدَمِ دُخُولِ الْوُقُوعِ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ : فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنِ اسْتِثْنَاءً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَ الطَّلَاقِ ، وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ - حَرْفٌ - هُوَ حَشْوٌ - فَيَصِيرُ فَاصِلًا بِمَنْزِلَةِ السَّكْتَةِ فَيُمْنَعُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ .

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ : أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَوْصُولِ يَقِفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ : ثَلَاثًا ، وَثَلَاثًا كَلَامًا وَاحِدًا فَيَعْمَلُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ ، وَهُوَ حَرْفُ الْوَاوِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَدَ الثَّانِيَ وَقَعَ لَغْوًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ إذْ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ فَصَارَ فَاصِلًا فَمَنَعَ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا لَوْ سَكَتَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ سِتًّا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْكُلَّ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، فَلَا يُمْكِنُ فَصْلُ الْبَعْضِ عَنْ الْبَعْضِ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِي هَهُنَا لَيْسَ بِلَغْوٍ ؛ لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ فَلَمْ يَصِرْ فَاصِلًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ بِحَرْفِ الْوَاوِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ قَالَ : امْرَأَتُهُ طَالِقٌ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ بِالِاتِّفَاقِ .
وَكَذَا إذَا ذَكَرَ الشَّرْطَ فِي آخِرِ الْجُمْلَتَيْنِ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا .
وَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ انْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجُمَلِ ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَنَوْا مَسْأَلَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وَشَهِدَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } مُنْصَرِفٌ إلَى مَا يَلِيهِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُمْ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ .
وَجْهُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ إذَا دَخَلَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ يَجْعَلُهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي زَيْدٌ ، وَعَمْرٌو مَعْنَاهُ جَاءَانِي ، وَكَمَا إذَا قَالَ : امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، أَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُمْلَةً تَامَّةً لَكِنْ لَمَّا دَخَلَ بَيْنَهُمَا وَاوُ الْعَطْفِ جُعِلَ كَلَامًا وَاحِدًا ، وَتَعَلَّقَا جَمِيعًا بِالشَّرْطِ كَذَا هَذَا ، وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ نَاقِصًا شَارَكَ الْأَوَّلَ فِي حُكْمِهِ وَجَعَلَ الْكُلَّ كَلَامًا وَاحِدًا بِأَنْ قَالَ : لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَفُلَانَةُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا كَذَا هَذَا ،

وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى مَا يَلِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ ، وَمُتَّصِلٌ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مُفِيدٍ بِنَفْسِهِ مُسْتَقِلٍّ بِذَاتِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَبْطِهِ بِغَيْرِهِ لِيَصِيرَ مُفِيدًا ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالصَّرْفِ إلَى مَا يَلِيهِ ، فَانْصَرَفَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْعَطْفِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ فَيَجْعَلُهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا وَجُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ كَلَامًا وَاحِدًا وَالْجُمْلَتَانِ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِوَاوِ الْعَطْفِ إذَا كَانَتْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ نَاقِصَةً بِحَيْثُ لَوْ فُصِلَتْ عَنْ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى لَا تَكُونُ مُفِيدَةً ، .
فَأَمَّا إذَا كَانَتْ كَامِلَةً بِحَيْثُ لَوْ فُصِلَتْ عَنْ الْأُخْرَى كَانَتْ مُفِيدَةً ، فَلَا يُجْعَلَانِ كَلَامًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الْجَعْلَ لِلْعَطْفِ الْمُوجِبِ لِلشَّرِكَةِ وَالشَّرِكَةُ ثَابِتَةٌ بِدُونِ حُرُوفِ الْوَاوِ فَكَانَ الْوَصْلُ وَالْإِشْرَاكُ بِحَرْفِ الْوَاوِ ، وَعَدَمِهِ سَوَاءً ؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ الْكَلَامَيْنِ كَلَامًا وَاحِدًا خِلَافُ الْحَقِيقَةِ ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ - وَهِيَ أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ نَاقِصَةً إمَّا صُورَةً أَوْ مَعْنًى - كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي زَيْدٌ ، وَعَمْرٌو فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ نَاقِصَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأٌ لَا خَبَرَ لَهُ فَجُعِلَتْ كَامِلَةً بِالْإِشْرَاكِ بِحَرْفِ الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتَيْهِ : زَيْنَبُ طَالِقٌ ، وَعَمْرَةُ لِمَا قُلْنَا ، أَوْ تَكُونُ نَاقِصَةً مَعْنًى فِي حَقِّ حُصُولِ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّ هُنَاكَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ نَاقِصَةٌ فِي حَقِّ حُصُولِ غَرَضِ الْحَالِفِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَجْعَلَهُمَا جَمِيعًا جَزَاءً وَاحِدًا لِلشَّرْطِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَفْسِهِ يَصْلُحُ جَزَاءً تَامًّا ، وَهَذَا الْغَرَضُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِشْرَاكِ وَالْوَصْلِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا بَعْضَ

الْجَزَاءِ فَكَانَتْ جُمْلَةً نَاقِصَةً فِي الْمَعْنَى - ، وَهُوَ تَحْصِيلُ غَرَضِهِ - فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ نَاقِصٌ فِي أَصْلِ الْإِفَادَةِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ الضَّرُورَةِ لَمْ تُوجَدْ هَهُنَا فَبَقِيَتْ كُلُّ جُمْلَةٍ مُنْفَرِدَةً بِحُكْمِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً بِحَرْفِ الْوَاوِ كَمَا لَوْ قَالَ جَاءَنِي زَيْدٌ ، وَذَهَبَ عَمْرٌو فَإِنَّ هَذَا عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ بِحَرْفِ الْوَاوِ ، وَلَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْخَبَرِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا .

وَلَوْ أَدْخَلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى جُمْلَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَمِينٌ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاء إلَى مَا يَلِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ، وَلَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَلَا الْعَتَاقُ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْكَلَامَ مَعْطُوفٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى بِحَرْفِ الْوَاوِ فَيَجْعَلُهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا كَمَا فِي التَّنْجِيزِ بِأَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ ؟ ، وَحُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ لِمَا يَلِيهِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَانْصِرَافُهُ إلَى غَيْرِهِ لِتَتِمَّ الْجُمْلَةُ النَّاقِصَةُ صُورَةً ، وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَهَهُنَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ تَامَّةٌ صُورَةً ، وَمَعْنًى أَمَّا الصُّورَةُ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا الْمَعْنَى ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ كُلَّ جَزَاءٍ بِشَرْطٍ عَلَى حِدَةٍ عُلِمَ أَنَّ غَرَضَهُ لَيْسَ جَعْلُهُمَا جَمِيعًا جَزَاءً وَاحِدًا ؛ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَزَاءً تَامًّا صُورَةً ، وَمَعْنًى .

قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ الطَّلَاقَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ ، وَهُوَ الْفَاءُ ؛ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَتَصِيرُ الْجُمْلَةُ كَلَامًا وَاحِدًا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَزَاءَ إذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حَرْفِ الِاتِّصَالِ - وَهُوَ حَرْفُ الْفَاءِ - لِيَتَّصِلَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتَّصِلْ فَكَانَ قَوْلُهُ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا فَلَمْ يَصِحَّ ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ لِعَدَمِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ - وَهُوَ حَرْفُ الْفَاءِ - فَيَبْقَى تَنْجِيزًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَذَا هَذَا ، وَلَهُمَا أَنَّ الْفَاءَ يُضْمَرُ فِي كَلَامِهِ تَصْحِيحًا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَالْإِضْمَارُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ جَائِزٌ قَالَ الشَّاعِرُ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ أَيْ : فَاَللَّهُ يَشْكُرُهَا ، أَوْ يُجْعَلُ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ تَصْحِيحًا لِلِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْكَلَامِ جَائِزٌ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ .
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَصِحَّانِ لِتَصْحِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافُ الظَّاهِرِ ، فَلَا يُصَدِّقُهُ

الْقَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَتَعَلَّقُ ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ التَّعْلِيقِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لَمْ يَتَعَلَّقْ ، وَلَا يَصْدُقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّعْلِيقَ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرَ كَذَا هَذَا ( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذِكْرِ حَرْفِ الْفَاءِ فِي التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ - إذَا كَانَ الْجَزَاءُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ - لِيَتَّصِلَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ فَيُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَالْعِلْمُ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْلِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَوُقُوعُ هَذَا الطَّلَاقِ مِمَّا لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ رَأْسًا حَتَّى تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى وَصْلِ الْجَزَاءِ بِهِ لِيُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ فَكَانَ تَعْطِيلًا فِي عِلْمِنَا ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ حَرْفِ الْوَصْلِ قَبْلَ هَذَا الشَّرْطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ أَنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ، يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ ، وَلَوْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ التَّعْلِيقَ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً ، وَلَا دِيَانَةً لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا ، هَذَا كُلُّهُ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ مَنْ يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ مِنْ الْعِبَادِ بِأَنْ قَالَ : إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَالطَّلَاقُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يُعْلَمُ فِيهِ بِالتَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّعْلِيقِ تَمْلِيكٌ لِمَا نَذْكُرُ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا

يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : إنْ شَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ الشَّيَاطِينُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَةِ هَؤُلَاءِ كَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ مَشِيئَةِ الْعِبَادِ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَشَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطَيْنِ لَا يُعْلَمُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ زَيْدٌ ، وَعُمَرُ فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

( وَمِنْهَا ) أَنْ لَا يَكُونَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَيَقَعُ ، وَإِنْ جُعِلَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ لَا يُشْتَرَطُ وَقَالَ زُفَرُ يُشْتَرَطُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ عِنْدَ زُفَرَ الْغَايَتَانِ لَا يَدْخُلَانِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَقَعَ ، وَإِلَّا ، فَلَا .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ الْغَايَتَانِ تَدْخُلَانِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى تَدْخُلُ لَا الثَّانِيَةُ ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَى اثْنَتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَهُمَا هِيَ اثْنَتَانِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَهِيَ اثْنَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا هِيَ ثَلَاثٌ ، وَعِنْدَ زُفَرَ هِيَ وَاحِدَةٌ ( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ كَلِمَةَ مَنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، وَكَلِمَةَ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ ؛ يُقَالُ سِرْت مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْكُوفَةِ أَيْ : الْبَصْرَةُ كَانَتْ ابْتِدَاءَ غَايَةِ الْمَسِيرِ وَالْكُوفَةُ كَانَتْ غَايَةَ الْمَسِيرِ ، وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذْ قَالَ : بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَالْحَائِطَانِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ هَذَا مِنْهُ إيقَاعَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ لَا الْغَايَةُ ، فَيَقَعُ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ لَا الْغَايَةُ .
وَكَذَا إذَا قَالَ : بِعْتُك مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَانِ فِي الْبَيْعِ كَذَا هَهُنَا ، وَلِهَذَا لَمْ تَدْخُلْ إحْدَى الْغَايَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا الْأُخْرَى ، وَلَهُمَا أَنَّ مَا جُعِلَ غَايَةً لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ

غَايَةً ، وَمِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِهِ وُقُوعُهُ ، وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى فَكَذَا الثَّانِيَةُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْغَايَةَ هُنَاكَ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهَا بِالْبَيْعِ لِيَكُونَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِهَا بِالْبَيْعِ دُخُولُهَا فِيهِ فَلَمْ تَدْخُلْ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ بَنَى الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ ، وَيُرِيدُ بِهِ دُخُولَ الْغَايَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ .
وَكَذَا يُقَالُ سِنُّ فُلَانٍ مِنْ تِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ ، وَيُرَادُ بِهِ دُخُولُ الْغَايَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ .
وَكَذَا إذَا قِيلَ مَا بَيْنَ تِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ ، .
وَقِيلَ إنَّ الْأَصْمَعِيَّ أَلْزَمَ زُفَرَ هَذَا الْفَصْلَ عَلَى بَابِ الرَّشِيدِ فَقَالَ لَهُ : كَمْ سِنُّكَ ؟ فَقَالَ مِنْ سَبْعِينَ إلَى ثَمَانِينَ ، وَكَانَ سِنُّهُ أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ فَتَحَيَّرَ زُفَرُ ؛ ؛ وَلِأَنَّ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ قَدْ تَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ وَقَدْ لَا تَدْخُلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } وَاللَّيْلُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ فِيهِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي دُخُولِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي كَلَامِهِ ، فَلَا يَدْخُلُ مَعَ الشَّكِّ ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَقِيَاسُ ظَاهِرِ أَصْلِهِمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى اثْنَتَيْنِ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ الْغَايَتَيْنِ يَدْخُلَانِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَعَلَ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ دَاخِلَةً فِي الثِّنْتَيْنِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَعَلَهَا غَيْرَ الثِّنْتَيْنِ ، فَلَا تَقَعُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ بِالشَّكِّ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ

اثْنَتَيْنِ إلَى اثْنَتَيْنِ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ الِابْتِدَاءَ هُوَ الْغَايَةُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ اثْنَتَيْنِ إلَيْهِمَا .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ ، وَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَ الثَّلَاثَ غَايَةً ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَ مَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ - وَهُوَ وَاحِدَةٌ - فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ - فَهِيَ وَاحِدَةٌ - أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ فَلِأَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى تَدْخُلُ ، وَلَا تَدْخُلُ الثَّانِيَةُ فَتَقَعُ وَاحِدَةً .
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَالْغَايَتَانِ ، وَإِنْ كَانَتَا يَدْخُلَانِ جَمِيعًا لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ أَيْ : مِنْهَا وَإِلَيْهَا ، فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ فَالْغَايَتَانِ لَا يَدْخُلَانِ ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) أَنْ لَا يَكُونَ مَضْرُوبًا فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ ، وَيَقَعُ الْمَضْرُوبُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَيَقَعُ الْمَضْرُوبُ وَالْمَضْرُوبُ فِيهِ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً فِي ثَلَاثٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ ؛ وَجُمْلَةُ الْجَوَابِ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ الظَّرْفَ وَالْوِعَاءَ لَا يَقَعُ إلَّا الْمَضْرُوبُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا ، وَإِنْ نَوَى مَعَ يَقَعُ الْمَضْرُوبُ وَالْمَضْرُوبُ فِيهِ بِقَدْرِ مَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَقَعُ الْمَضْرُوبُ لَا الْمَضْرُوبُ فِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ الْمَضْرُوبُ وَالْمَضْرُوبُ فِيهِ بِقَدْرِ مَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي اثْنَتَيْنِ اثْنَانِ عَلَى طَرِيقِ الضَّرْبِ وَالْحِسَابِ وَالْوَاحِدُ فِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ وَالِاثْنَانِ فِي الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَةٌ ، وَهَذَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الْمَضْرُوبِ وَالْمَضْرُوبِ فِيهِ ؛ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا إلَّا أَنَّ الْعَدَدَ الْمُجْتَمِعَ لَهُ عِبَارَتَانِ : إحْدَاهُمَا الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ ، وَالْأُخْرَى وَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ ، وَوَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةٍ وَاثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ ( وَلَنَا ) وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ : أَحَدُهَا أَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ فِيمَا لَهُ مِسَاحَةٌ .
فَأَمَّا مَا لَا مِسَاحَةَ لَهُ ، فَلَا يَتَقَدَّرُ فِيهِ الضَّرْبُ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ خَطَّانِ يُضَمُّ إلَيْهِمَا خَطَّانِ آخَرَانِ ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ الِاثْنَانِ فِي الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ الْمِسَاحَةَ ، فَإِذَا نَوَى فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ الضَّرْبَ فَقَدْ أَرَادَ مُحَالًا فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ .
وَالثَّانِي أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَعَدَّدُ بِالضَّرْبِ ، وَإِنَّمَا يَتَكَرَّرُ

أَجْزَاؤُهُ فَوَاحِدٌ فِي اثْنَيْنِ وَاحِدٌ لَهُ جُزْءَانِ وَاثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ اثْنَانِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ ، وَطَلَاقٌ لَهُ جُزْءٌ ، وَطَلَاقٌ لَهُ جُزْءَانِ ، وَثَلَاثَةٌ ، وَأَرْبَعَةٌ ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ .
وَالثَّالِثُ إنَّهُ جَعَلَ الْمَضْرُوبَ فِيهِ ظَرْفًا لِلْمَضْرُوبِ وَالطَّلَاقُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا إذْ ظَرْفُ الشَّيْءِ هُوَ الْمُحْتَوِي عَلَيْهِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ احْتِوَاءُ الطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِوَاءَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَجْسَامِ ، فَلَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلْمَضْرُوبِ ، فَلَا يَقَعُ ، وَهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ ، أَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضَتِك لَا يَقَعُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ وَالْحَيْضَ ظَرْفًا ، وَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ ظَرْفًا لِاسْتِحَالَةِ تَحَقُّقِ مَعْنَى الظَّرْفِ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ ثَمَّةَ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ وَالْحَيْضِ ، وَيُجْعَلُ فِي بِمَعْنَى مَعَ لِمُنَاسِبَةٍ ؛ لِأَنَّ مَعَ كَلِمَةُ مُقَارَنَةٍ وَالْمَظْرُوفُ يُقَارِنُ الظَّرْفَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِ الدَّارِ أَوْ مَعَ حَيْضِك ، وَهَهُنَا لَوْ أَرَادَ بِفِي مَعَ فِي قَوْلِهِ : فِي اثْنَيْنِ أَوْ فِي ثَلَاثٍ يَقَعُ الثَّلَاثُ .
وَكَذَا لَوْ أَرَادَ بِكَلِمَةِ فِي حَرْفَ الْوَاوِ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يُجَامِعُ الْمَظْرُوفَ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ كُلُّهُ وَالظَّرْفُ عَلَى إرَادَةِ الْمُقَارَنَةِ أَوْ الِاجْتِمَاعِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْوَقْتِ فَهُوَ مُضِيُّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ، وَهُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْإِيلَاءِ حَتَّى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ - ، وَهُوَ الْبِرُّ - طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ تَرْكِ الْفَيْءِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ عَزْمَ الطَّلَاقِ تَرْكُ الْفَيْءِ إلَيْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ جَعَلَ تَرَكَ الْفَيْءَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ .

وَالْكَلَامُ فِي الْإِيلَاءِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي .
تَفْسِيرِ الْإِيلَاءِ لُغَةً ، وَشَرْعًا ، وَفِي بَيَانِ رُكْنِ الْإِيلَاءِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِيلَاءُ أَمَّا تَفْسِيرُهُ فَالْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ يُقَالُ آلَى أَيْ : حَلَفَ ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْيَمِينُ أَلِيَّةً وَجَمْعُهَا أَلَايَا ؛ قَالَ الشَّاعِرُ قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ وَإِنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بُرَّتْ ، وَفِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِلَّذِينَ يُقْسِمُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ، وَالْقَسَمُ وَالْيَمِينُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ، وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ } أَيْ : وَلَا يَحْلِفُ .
وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ ، نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَاتِهِ أَوْ بِالْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ جِمَاعِهَا أَوْ هَجْرِهَا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ قَوْلِيٌّ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ ، وَلَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إيلَاءً فِي حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبِرِّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِصَيْرُورَتِهِ ظَالِمًا بِتَرْكِ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِيهِ .
وَلَوْ ذَكَرَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ نَفْسِهِ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ بِطَرِيقٍ يُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ إيلَاءً ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ بِالْمَنْعِ وَالْمَنْعُ لَا يَتَأَكَّدُ إلَّا بِالْيَمِينِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ : لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، فَظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَدْفَعُ هَذَا الْقَوْلَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } فَالْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ وَاسْمُ الْيَمِينِ يَقَعُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَيَقَعُ عَلَى الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْيَمِينِ ، وَهُوَ الْقُوَّةُ .
وَلَوْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ قَرِبَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ - وَهُوَ الْقُوَّةُ - .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ } ، وَرُوِيَ { مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ } .

أَمَّا الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْجِمَاعِ فَأَنْوَاعُ بَعْضِهَا صَرِيحٌ ، وَبَعْضُهَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ ، وَبَعْضُهَا كِنَايَةٌ أَمَّا الصَّرِيحُ فَلَفْظُ الْمُجَامَعَةِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا .
وَأَمَّا الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ فَلَفْظُ الْقُرْبَانِ وَالْوَطْءِ وَالْمُبَاضَعَةِ وَالِافْتِضَاضِ فِي الْبِكْرِ ؛ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَوْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يُبَاضِعَهَا أَوْ لَا يَفْتَضَّهَا ، وَهِيَ بِكْرٌ .
؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ الْمُضَافَ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ فِي الْعُرْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } .
وَكَذَا الْوَطْءُ الْمُضَافُ إلَيْهَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِمَاعِ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ { أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ } ، وَالْمُبَاضَعَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبُضْعِ ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْفَرْجُ ، وَالِافْتِضَاضُ فِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ جِمَاعِ الْبِكْرِ - ، وَهُوَ كَسْرُ الْعُذْرَةِ - مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَضِّ ، وَهُوَ الْكَسْرُ .
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْجِمَاعِ ، فَأَمَّا الْجِمَاعُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَالِاغْتِسَالُ لَا يَكُونُ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِنْزَالِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ مَا لَمْ يُنْزِلْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ .
وَفِي الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لَا يَقِفُ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَى وُجُودِ الْإِنْزَالِ ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ فِي الْجُمْلَةِ .
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَنَحْوُ لَفْظَةِ الْإِتْيَانِ وَالْإِصَابَةِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا أَوْ لَا يُصِيبُ مِنْهَا يُرِيدُ الْجِمَاعَ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ الْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْجِمَاعِ ، وَفِي غَيْرِهِ اسْتِعْمَالًا عَلَى السَّوَاءِ ، فَلَا

بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ .
وَكَذَا لَفْظَةُ الْغَشَيَانِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَغْشَاهَا ؛ لِأَنَّ الْغَشَيَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أَيْ : جَامَعَهَا ، وَيُسْتَعْمَل فِي الْمَجِيءِ ، وَفِي السِّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ } قِيلَ : يَأْتِيهِمْ ، .
وَقِيلَ يَسْتُرُهُمْ ، وَيُغَطِّيهِمْ ، فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ .
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ جِلْدُهُ جِلْدَهَا .
وَقَالَ : لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ ، وَيَحْتَمِلُ الْمَسَّ الْمُطْلَقَ فَيَحْنَثُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ ، وَالْإِيلَاءُ مَا وَقَفَ الْحِنْثُ فِيهِ عَلَى الْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا بِغَيْرِ مُمَاسَّةِ الْجِلْدِ بِأَنْ يَلُفَّ ذَكَرَهُ بِحَرِيرَةٍ فَيُجَامِعُهَا وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسَّهَا لِمَا قُلْنَا .
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُضَاجِعُهَا أَوْ لَا يَقْرَبُ فِرَاشَهَا .
وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ مُضَاجَعَةٍ ، وَلَا قُرْبِ فِرَاشٍ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي ، وَرَأْسُك فَإِنْ عَنَى بِهِ الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْجِمَاعُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى فِرَاشٍ ، وَلَا مِرْفَقَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ ، وَلَهُ جِمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعٍ عَلَى الْفِرَاشِ ، وَلَا شَيْءَ يَجْمَعُ رَأْسَهَا عَلَيْهِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي ، وَرَأْسَكِ وِسَادَةٌ أَوْ لَا يُؤْوِينِي ، وَإِيَّاكِ بَيْتٌ أَوْ لَا أَبِيت مَعَك فِي فِرَاشٍ فَإِنْ عَنَى الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْجِمَاعُ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ ، وَكَيْفَمَا جَامَعَهَا فَهُوَ حَانِثٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ فَلَيْسَ بِمُولٍ ، وَلَا يَأْوِي مَعَهَا فِي بَيْتٍ ، وَلَا يَبِيتُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى وِسَادَةٍ لِئَلَّا تَلْزَمَهُ

الْكَفَّارَةُ ، وَيَطَؤُهَا عَلَى الْأَرْضِ وَالْبَوَادِي ، وَلَوْ حَلَفَ لَأَسُوءَنَّكِ أَوْ لَأَغِيظَنَّكِ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا إذَا عَنَى بِهِ تَرْكَ الْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمَسَاءَةَ قَدْ تَكُونُ بِتَرْكِ الْجِمَاعِ وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِهِ .
وَكَذَا الْغَيْظُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ .
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَبِصِفَاتِهِ فَهِيَ الْحَلِفُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ بِلَفْظٍ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الصِّفَةِ أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ ، وَفِي غَيْرِهَا لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الصِّفَةِ ، وَمَوْضِعُ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كِتَابُ الْأَيْمَانِ .

ثُمَّ الْإِيلَاءُ إذَا كَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَالْمُولِي لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْإِيلَاءَ .
وَأَمَّا إنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ ، وَأَمَّا إنْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ ، وَأَمَّا إنْ وَقَّتَهُ إلَى غَايَةٍ فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك كَانَ مُولِيًا لِلْحَالِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا ، وَبِمَا يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً يَصِيرُ مُولِيًا ، أَوْ يُقَالُ : مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ فَهُوَ مُولٍ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَصْلُحُ مَانِعًا - تَحَرُّزًا عَنْ الْهَتْكِ - ، وَهُوَ مَا يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً ، وَعُرْفًا .
وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ - وَهُوَ الْكَفَّارَةُ - فَيَصِيرُ مُولِيًا .

وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا ، وَهَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا أَوْ يَقُولَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ ، وَهُمَا فَصْلٌ وَاحِدٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا أَوْ إحْدَاكُنَّ ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا أَوْ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا صَارَ مُولِيًا مِنْهُمَا لِلْحَالِ حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَلَمْ يَقْرَبْهُمَا فِيهَا بَانَتَا جَمِيعًا ، وَيَبْطُلُ .
وَكَذَا إذَا قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ لِلْحَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَبْهُنَّ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَّ جَمِيعًا ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ - وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُولِيًا فِي الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الْأُخْرَى .
وَفِي الثَّانِي مَا لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الْأُخْرَى ، وَفِي الثَّالِثِ مَا لَمْ يَطَأْ الثَّالِثَةَ مِنْهُنَّ فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ ، وَهَهُنَا يُمْكِنُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قُرْبَانُ إحْدَاهُمَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا إذْ جُعِلَ شَرْطُ الْحِنْثِ قُرْبَانَهُمَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ الثَّلَاثِ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْءِ الثَّلَاثِ مِنْهُنَّ فَلِمَ يُوجَدْ حَدُّ الْمُولِي ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا ، وَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ ، فَلَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَوُجِدَ حَدُّ الْإِيلَاءِ فَيَصِيرُ مُولِيًا .
وَجْهُ

الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ .
وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ لَزِمَهُ تَعْيِينُ الْأُخْرَى لِلْإِيلَاءِ ، وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ وَقَدْ وُجِدَ حَدُّ الْإِيلَاءِ فَيَكُونُ مُولِيًا ، وَلَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ ، وَهُوَ قُرْبَانُهُمَا ، وَلَكِنْ يَبْطُلُ إيلَاؤُهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْقُرْبَانِ وَقَدْ وُجِدَ ، وَالْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَةِ عَلَى حَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمُبْطِلِ فِي حَقِّهِمَا ، وَهُوَ الْقُرْبَانُ ، وَلَوْ قَرِبَهُمَا جَمِيعًا بَطَلَ إيلَاؤُهُمَا ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِوُجُودِ الْمُبْطِلِ لَهُمَا وَالْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ ، وَهُوَ قُرْبَانُهُمَا .
وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَطَلَ إيلَاؤُهَا ، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ وَطِئَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قُرْبَانُهُمَا ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ .

وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ، وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ ، وَهُوَ قُرْبَانُ إحْدَاهُمَا ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا أَوْ بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ تَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَةُ لِلْإِيلَاءِ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَبْ إحْدَاهُمَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، وَلَهُ خِيَارٌ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ شَرْعًا بِشَرْطِ تَرْكِ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ لَمْ أَقْرَبْ إحْدَاكُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِي إحْدَاكُمَا طَالِقٌ بَائِنٌ .
وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ، وَلَمْ يَقْرَبْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ ، وَلَهُ الْخِيَارُ يُوقِعُ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ كَذَا هَذَا ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ الْإِيلَاءَ فِي إحْدَاهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ بَلْ يَقَعُ عَلَى إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، وَيُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَالتَّعْيِينُ يَكُونُ تَغْيِيرَ الْيَمِينِ ، فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْيَمِينِ إبْطَالُهَا مِنْ وَجْهٍ وَالْيَمِينُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ ، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ ؛ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ ، وَمَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَرَادَ التَّعْلِيقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَذَا هَذَا فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ ، وَبَانَتْ

إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَجْهُولَةِ يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي التَّعْيِينِ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَلَوْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى ، وَبَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأُخْرَى .
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ آلَى مِنْ إحْدَاهُمَا لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، فَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِيلَاءُ إلَّا إحْدَاهُمَا .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ لِعَدَمِ الْحِنْثِ فَكَانَ تَعْلِيقُ طَلَاقِ إحْدَاهُمَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ بَاقِيًا ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فَقَدْ زَالَتْ مُزَاحَمَتُهُمَا وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا ، وَتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا كَمَا لَوْ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ بِالْمَوْتِ بِأَنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَلَيْسَ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى كَذَا هَهُنَا .
وَهَلْ يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُولَيْ مِنْهَا بِالْإِيلَاءِ السَّابِقِ بِتَكْرَارِ الْمُدَّةِ ؟ لَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، وَتَرْجِيحُ بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ فِيهِ عَلَى الْبَعْضِ يُعْرَفُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَانَتْ الْأُخْرَى بِتَطْلِيقَةٍ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .

وَأَمَّا الثَّالِثُ ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَلَمْ يَقْرَبْهُمَا فِيهَا بَانَتَا جَمِيعًا كَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا .
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا ، وَهُوَ الْقِيَاسُ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُمَا بَلْ عَنْ إحْدَاهُمَا ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا قَرِبَ إحْدَاهُمَا يَحْنَثُ ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَدَلَّ أَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ إحْدَاهُمَا لَا غَيْرَ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ - وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ - أَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْكِنَايَةِ وَالْكِنَايَاتُ مَعَارِفُ بَلْ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَالْمُضَافُ إلَى الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةٌ ، وَالْمَعْرِفَةُ تَخْتَصُّ فِي النَّفْيِ كَمَا تَخْتَصُّ فِي الْإِثْبَاتِ وَقَوْلُهُ : وَاحِدَةً مِنْكُمَا نَكِرَةٌ ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ بِنَفْسِهَا ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ صَيْرُورَتَهَا مَعْرِفَةً ، وَهُوَ اللَّامُ أَوْ الْإِضَافَةُ فَبَقِيَتْ نَكِرَةً ، وَأَنَّهَا فِي مَحَلِّ النَّفْيِ فَتَعُمُّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ إدْخَالُ كَلِمَةِ الْإِحَاطَةِ وَالِاشْتِمَالِ - وَهِيَ كَلِمَةُ كُلٍّ - عَلَى وَاحِدَة مِنْكُمَا .
وَلَا يَسْتَقِيمُ إدْخَالُهَا عَلَى إحْدَاكُمَا حَتَّى يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ كُلَّ إحْدَاكُمَا فَدَلَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَوْلُهُ : إحْدَاكُمَا لَا يَصْلُحُ لَهُمَا ، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ

وَاحِدَةً مِنْكُمَا فَقَرِبَ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ إيلَاؤُهُمَا جَمِيعًا ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ ، وَهُوَ قُرْبَانُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا فَقَرِبَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إنَّهُ يَبْطُلُ إيلَاؤُهُمَا ، وَلَا يَبْطُلُ إيلَاءُ الْبَاقِيَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ؛ أَمَّا بُطْلَانُ إيلَاءِ الَّتِي قَرِبَهَا فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْبُطْلَانِ ، وَهُوَ الْقُرْبَانُ ، وَلَمْ يُوجَدْ الْقُرْبَانُ فِي الْبَاقِيَةِ ، فَلَا يَبْطُلُ إيلَاؤُهَا ، وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِعَدَمِ شَرْطِ الْوُجُوبِ ، وَهُوَ قُرْبَانُهُمَا جَمِيعًا .

قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا ، لَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَمْ يَقْرَبْ الْأَمَةَ فَإِذَا قَرِبَ الْأَمَةَ صَارَ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ، وَقَبْلَ أَنْ يَقْرَبَ الْأَمَةَ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحِنْثَ بِقُرْبَانِهِمَا ، فَلَا يَثْبُتُ بِقُرْبَانِ إحْدَاهُمَا ، فَإِذَا قَرِبَ الْأَمَةَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَصَارَ مُولِيًا .
وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا ، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فِي حَقِّ الْبِرِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْمَعْرِفَةِ ، وَالْمَعْرِفَةُ تَخُصُّ ، وَلَا تَعُمُّ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلِّ الْإِثْبَاتِ أَوْ فِي مَحَلِّ النَّفْيِ ، فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا إحْدَاهُمَا ، وَالْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ تَرْكِ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ لَمْ أَقْرَبْ إحْدَاكُمَا فِي الْمُدَّةِ فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا عَنَى امْرَأَتَهُ ، وَمَا عَنَى هَهُنَا ، فَلَا يُمْكِنُهُ جَعْلُهُ إيلَاءً فِي حَقِّ الْبِرِّ .
وَلَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ يَمِينًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَرِبَهَا حَنِثَ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إيلَاءً فِي حَقِّ الْبِرِّ كَذَا هَذَا .
وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا كَانَ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاحِدَةَ نَكِرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْأَفْرَادِ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ وَاحِدًا مِنْ رِجَالِ حَلَبَ إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قُرْبَانُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا قُرْبَانُهُمَا وَقَدْ وُجِدَ ،

وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ حُرَّةٌ ، وَأَمَةٌ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا صَارَ مُولِيًا مِنْهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِيلَاءِ فَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ ، وَلَمْ يَقْرَبْهُمَا بَانَتْ الْأَمَةُ لِمُضِيِّ مُدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ قُرْبَانٍ ، وَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ آخَرَانِ بَانَتْ الْحُرَّةُ أَيْضًا لِتَمَامِ مُدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِيلَاءِ وَقَدْ أَضَافَ الْإِيلَاءَ إلَى إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ ، وَلَمْ يَقْرَبْهُمَا بَانَتْ الْأَمَةُ لَا ؛ لِأَنَّهَا عُيِّنَتْ لِلْإِيلَاءِ بَلْ لِسَبْقِ مُدَّتِهَا ، وَاسْتَوْثَقَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ عَلَى الْحُرَّةِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ الْحُرَّةُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ فَكَانَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى إحْدَاهُمَا بَاقِيًا ، فَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَمَةِ فَقَدْ زَالَتْ مُزَاحَمَتُهَا وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَتَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ لِبَقَاءِ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّهَا ، وَتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَإِنَّمَا اسْتَوْثَقَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ عَلَى الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ انْعَقَدَتْ لَإِحْدَاهُمَا وَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْأَمَةُ لِلسَّبْقِ فَيَبْتَدِئُ الْإِيلَاءُ عَلَى الْحُرَّةِ مِنْ وَقْتِ بَيْنُونَةِ الْأَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ انْعَقَدَتْ الْمُدَّةُ لَهُمَا فَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ فَقَدْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْأَمَةِ فَتُتِمُّ مُدَّةُ الْحُرَّةِ بِشَهْرَيْنِ آخَرَيْنِ ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأَمَةُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ لِلْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ

مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ تَبِينُ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ بِمَوْتِ الْأَمَةِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ مَضَى شَهْرَانِ تَبِينُ الْأَمَةُ ، ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرَانِ آخَرَانِ تَبِينُ الْحُرَّةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا إلَّا أَنَّ هَهُنَا إذَا قَرِبَ إحْدَاهُمَا حَنِثَ ، وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلُ ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ ، وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك .

إذَا أَضَافَهُ إلَى الْوَقْتِ بِأَنْ قَالَ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ، أَوْ قَالَ : إذَا جَاءَ رَأْسُ شَهْرِ كَذَا فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ، وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ الْوَقْتُ فَيَصِيرُ مُولِيًا ، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ ، وَالْيَمِينُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ ، وَإِنَّ وَقَّتَهُ إلَى غَايَةٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَجْعُولُ غَايَةً لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَكُونُ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ : وَهُوَ فِي شَعْبَانَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِهَا بِمَا يَصْلُحُ مَانِعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْغَايَةِ - وَهُوَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ - فِي الْمُدَّةِ ، وَكَذَلِكَ يُعَدُّ مَانِعًا فِي الْعُرْفِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا فِي مَكَانِ كَذَا ، وَبَيَّنَهُ ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِإِمْكَانِ الْقُرْبَانِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَفْطِمِي صَبِيَّكِ ، وَبَيْنَهَا ، وَبَيْنَ الْفِطَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَكُونُ مُولِيًا ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا .
فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا لِتَصَوُّرِ وُجُودِ الْغَايَةِ فِي الْمُدَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُولِيًا ؛

لِأَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَهَا عَلَامَاتٌ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْإِيلَاء عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْإِخْبَارُ ، فَلَا تُوجَدُ هَذِهِ الْغَايَةُ فِي زَمَانِنَا فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَادَةً فَلَمْ تَكُنِ الْغَايَةُ مُتَصَوَّرَةَ الْوُجُودِ عَادَةً ، فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ عَادَةً فَيَكُونُ مُولِيًا ؛ وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُذْكَرُ عَلَى إرَادَةِ التَّأْبِيدِ فِي الْعُرْفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا وَكَذَا إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تُقَوَّمَ السَّاعَةُ كَانَ مُولِيًا ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فِي الْعَقْلِ قِيَامُ السَّاعَةِ سَاعَةً فَسَاعَةً لَكِنْ قَامَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَقُومُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ أَشْرَاطِهَا الْعِظَامِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ ، وَمَأْجُوجَ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَلَمْ تَكُنْ الْغَايَةُ قَبْلَهَا مُتَصَوَّرَةَ الْوُجُودِ عَادَةً عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْغَايَةِ تُذْكَرُ ، وَيُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } أَيْ : لَا يَدْخُلُونَهَا أَصْلًا ، وَرَأْسًا ، وَكَمَا يُقَالُ : لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يَبْيَضَّ الْفَأْرُ ، وَيَشِيبَ الْغُرَابُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَمُوتِي أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ حَتَّى تُقْتَلِي أَوْ حَتَّى أُقْتَلَ أَوْ حَتَّى أَقْبَلَك أَوْ حَتَّى تَقْبَلِينِي كَانَ مُولِيًا ، وَإِنْ كَانَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمُدَّةِ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ النِّكَاحِ بَعْدَ وُجُودِهَا فَيَصِيرُ حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك مَا دُمْت زَوْجَكِ أَوْ مَا دُمْتِ زَوْجَتِي أَوْ مَا دُمْتُ حَيًّا أَوْ مَا دُمْتِ حَيَّةً ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ مُولِيًا إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا

لَمَا تُصُوِّرَ انْعِقَادُ الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْإِيلَاءِ .

قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةُ الْغَيْرِ - وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَمْلِكَكِ أَوْ أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْك يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْقَى بَعْدَ مِلْكِهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك مَا دُمْتُ زَوْجَكِ أَوْ مَا دُمْتِ زَوْجَتِي ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَشْتَرِيَك لَا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُطْلَقِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِغَيْرِهِ ، فَلَا يَمْلِكُهَا ، فَلَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ .
وَكَذَا إذَا قَالَ : حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا شِرَاءً فَاسِدًا ، فَلَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ ، فَلَا يَمْلِكُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ قَالَ : حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي ، وَأَقْبِضَك كَانَ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَيَرْتَفِعُ النِّكَاحُ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك مَا دُمْت فِي نِكَاحِي ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ النِّكَاحِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَوْ حَلَفَ بِهِ لَكَانَ مُولِيًا يَصِيرُ مُولِيًا إذَا جَعَلَهُ غَايَةً ، وَإِلَّا ، فَلَا .
هَذَا أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ .
وَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُهَا فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَعْتِقَ عَبْدِي فُلَانًا أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي فُلَانَةَ أَوْ حَتَّى أَصُومَ شَهْرًا أَنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا ، لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ هَذِهِ الْغَايَاتِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَدْخُلَ الدَّارَ أَوْ حَتَّى أُكَلِّمَ فُلَانًا ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا ،

وَبِمَا يُحْلَفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَهُوَ عِتْقُ عَبْدِهِ ، وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَصَوْمُ الشَّهْرِ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكَانَ مُولِيًا فَكَذَا إذَا جَعَلَهَا غَايَةً .
وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ : إمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ عِتْقُ الْعَبْدِ أَوْ طَلَاقُ الْمَرْأَةِ أَوْ صَوْمُ الشَّهْرِ ، فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ مُولِيًا كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ .

قَالَ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَقْتُلَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أَشْتُمَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أَشْتُمَ فُلَانًا أَوْ أَضْرِبَ فُلَانًا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْلَفْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُرْفًا ، وَعَادَةً ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ غَايَةً لِلْإِيلَاءِ .
وَكَذَا إذَا قَالَ : إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ قَتْلُ عَبْدِي أَوْ ضَرْبُ عَبْدِي أَوْ شَتْمُ عَبْدِي أَوْ قَتْلُ فُلَانٍ أَوْ ضَرْبُ فُلَانٍ أَوْ شَتْمُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ : فَعَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ أَوْ أُكَلِّمَ فُلَانًا لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

وَأَمَّا الْيَمِينُ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَنَحْوُ قَوْلِهِ : إنْ قَرِبْتُك فَامْرَأَتِي الْأُخْرَى طَالِقٌ ، أَوْ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ : فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ أَوْ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ : فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ فَعَلَيَّ هَدْيٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ اعْتِكَافٌ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ ، وَالْحَالِفُ يَتَقَوَّى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ قُرْبَانِ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَى الطَّبْعِ ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِحُصُولِ مَا وُضِعَ لَهُ الْيَمِينُ ، وَهُوَ التَّقَوِّي عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ .
وَكَذَا يُعَدُّ مَانِعًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ .
وَكَذَا لِبَعْضِهَا مَدْخَلٌ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَهُوَ الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ ، وَهِيَ الْإِطْعَامُ وَالصَّوْمُ وَالْهَدْيُ ، وَالِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَدْخَلٌ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِمَا إلَّا بِمَالٍ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ وَالصَّدَقَةَ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْخِلَافَ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ ، وَهَهُنَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِأَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَهَا ثُمَّ يَقْرَبُهَا ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا ( وَجْهُ )

قَوْلِهِمَا أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ قُرْبَانِهَا بِمَا يَصْلُحُ مَانِعًا ، وَيُعَدُّ مَانِعًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَكَانَ مُولِيًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ قَبْلَ الْقُرْبَانِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْقُرْبَانِ ، فَيَكُونُ الْمِلْكُ قَائِمًا لِلْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَالْبَيْعُ مَوْهُومٌ فَكَانَ الْحِنْثُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ لَازِمًا عَلَى اعْتِبَارِ الْحَالِ ظَاهِرًا ، وَغَالِبًا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ قَرِبْتُك فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرًّا .
وَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ مُولٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَكُونُ مُولِيًا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ بِالْقُرْبَانِ ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْقُرْبَانِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ التَّمْلِيكِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْجَزَاءُ الْمَانِعُ مِنْ الْقُرْبَانِ مَا يُلْزَمُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ التَّمَلُّكِ وَالتَّزَوُّجِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُرْبَانَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ ، وَكَوْنُ الْقُرْبَانِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ يَصْلُحُ مَانِعًا لَهُ عَنْ الْقُرْبَانِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرِبَهَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ وَالْيَمِينُ إذَا انْعَقَدَتْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ خَوْفًا عَنْ نُزُولِ الْجَزَاءِ ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَقْتَ الْقُرْبَانِ ، وَهُوَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ الَّتِي يَلْزَمُ عِنْدَ انْحِلَالِهَا حُكْمُ الْحِنْثِ فَيَصِيرُ مُولِيًا وَقَوْلُهُ : يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قُلْنَا وَقَدْ يَمْلِكُ مِنْ غَيْرِ تَمَلُّكٍ بِالْإِرْثِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ .

لَوْ قَالَ : إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ يَمْضِي قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ مُولٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِصِيَامٍ يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَغْزُوَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي - فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ - الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّا يَصِحُّ إيجَابُهَا بِالنَّذْرِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَيَصِيرُ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ : عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْقُلُ عَلَى الطَّبْعِ بَلْ يَسْهُلُ ، وَلَا يُعَدُّ مَانِعًا فِي الْعُرْفِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ ، فَلَا يَصِيرُ مُولِيًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ .
وَكَذَا لَا مَدْخَلَ لِلصَّلَاةِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ ، وَلَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ أَوْ قَالَ : فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَهُوَ مُولٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ نَصًّا ، وَقَوْلُهُ : عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبُ الْيَمِينِ ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ : إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي أَنَّهُ مُولٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ بِنَحْرِ الْوَلَدِ يَصِحُّ ، وَيَجِبُ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَنَا ،

وَعِنْدَ زُفَرَ هُوَ بَاطِلٌ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَوْ قَالَ : إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ ، وَفُلَانٍ كَانَ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ كَانَ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ آلَى مِنْهَا زَوْجُهَا لِإِتْيَانِهِ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِلتَّشْبِيهِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الْإِيلَاءَ انْصَرَفَ التَّشْبِيهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّحْرِيمَ وَلَا الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنَا مِنْك مُولٍ إنَّهُ إنْ عَنَى بِهِ الْخَبَرَ بِالْكَذِبِ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْخَبَرِ ، وَخَبَرُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ يُحْمَلُ عَلَى الصِّدْقِ وَلَا يَكُونُ صَادِقًا إلَّا بِثُبُوتِ الْمُخْبَر بِهِ ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْإِيجَابَ كَانَ مُولِيًا فِي الْقَضَاءِ ، وَفِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك فِي إيلَائِهَا كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِيلَاءِ لَوْ صَحَّتْ لَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57