كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

وَأَمَّا قِيَامُ الْمَبِيعِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الزِّيَادَةِ ؟ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ : أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ كَانَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ أَوْ أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ مِلْكِهِ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ بِالتَّغْيِيرِ ، وَالْعَقْدُ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ لِقِيَامِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَمْ يَبْقَ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَلَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِالزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَثْبُتُ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ ، وَالْمُسْتَنِدُ يَثْبُتُ لِلْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَبِيعِ بِمُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ لِلْحَالِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَلَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِنَادَ ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهَا حِصَّةٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بَعْدَ الْهَلَاكِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ لَا تَسْتَدْعِي الْمُقَابَلَةَ ؛ لِأَنَّهَا رِبْحٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَبِيعًا وَثَمَنًا صُورَةً وَتَسْمِيَةً .
وَمِنْ شَأْنِ الرِّبْحِ أَنْ لَا يُقَابِلَهُ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ قِيَامُ الْمَبِيعِ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا ، وَقَوْلُهُ : الْعَقْدُ مُنْعَدِمٌ عِنْدَ الزِّيَادَةِ قُلْنَا : الزِّيَادَةُ عِنْدَنَا تُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ عِنْدَ وُجُودِهِ يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ تَغْيِيرًا ، عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قِيَامَ الْمَبِيعِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ يَحْتَمِلُ الِانْتِفَاضَ

فِي الْجُمْلَةِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ بِهِ قَبْلَ الْهَلَاكِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ ، وَالرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ فِي قَدْرِ الْفَائِتِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَلَاكِ جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، دَلَّ أَنَّ الْعَقْدَ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ فِي بَقَائِهِ فَائِدَةٌ ، وَهَهُنَا فِي بَقَائِهِ فَائِدَةٌ ، فَيَبْقَى فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ .
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزِّيَادَةُ فِي مَهْرِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّهَا جَائِزَةٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ لَا تَجُوزُ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : فَلِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ ، وَالْعَقْدُ عِنْدَهُ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ بِعَيْنٍ فَهَلَاكُ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا لَكِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ شَيْئًا جَازَتْ الزِّيَادَةُ .
( أَمَّا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ ، فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى ( وَأَمَّا ) عِنْدَهُمَا : فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَائِمٌ فَكَانَ الْعَقْدُ قَائِمًا فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّغْيِيرِ بِالزِّيَادَةِ ، وَلَوْ رَهَنَ الْمَبِيعَ أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ جَازَتْ الزِّيَادَةُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ وَزَادَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَالزِّيَادَةُ جَائِزَةٌ

؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ تَثْبُتُ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ قَائِمٌ ، وَلَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ تَثْبُتُ مُقَابَلَةً بِالْمَبِيعِ وَأَنَّهُ هَالِكٌ ، وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا " إنَّ قِيَامَ الْمَبِيعِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ " فَهَلَاكُهُ يَكُونُ مَانِعًا ، أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : فَالزِّيَادَةُ فِي الْحَالَيْنِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الزِّيَادَةِ فَلَا يَكُونُ هَلَاكُهُ مَانِعًا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ : فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَطِّ بِالْإِجْمَاعِ ( أَمَّا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الزِّيَادَةِ ، فَالْحَطُّ أَوْلَى ( وَأَمَّا ) عِنْدَهُمَا : فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحَطِّ أَنْ يَلْتَحِقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْحَطُّ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ فَلَا يَلْتَحِقُ ، إذْ لَوْ الْتَحَقَ لَعَرِيَ الْعَقْدُ عَنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَلْتَحِقْ وَاعْتُبِرَ حَطًّا لِلْحَالِ وَلِأَنَّ الْحَطَّ لَيْسَ تَصَرُّفَ مُقَابَلَةٍ لِيُشْتَرَطَ لَهُ قِيَامُ الْمَحِلِّ الْقَابِلِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِي الثَّمَنِ بِإِسْقَاطِ شَطْرِهِ ، فَلَا يُرَاعَى لَهُ قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ مَعَ الْحَطِّ يَخْتَلِفَانِ فِي حُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَنْقَسِمُ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ ، وَالْحَطُّ لَا يَنْقَسِمُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَزَادَهُ الْمُشْتَرِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَنْقَسِمُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا سَوَاءٌ اشْتَرَى وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ سَمَّى .
وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مِائَةَ دِرْهَمٍ كَانَ الْحَطُّ نِصْفَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقَابِلُ الْمَبِيعَ فَإِذَا زَادَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعَيْنِ مُطْلَقًا فَلَا بُدَّ وَأَنْ تُقَابِلَهُمَا الزِّيَادَةُ كَأَصْلِ الثَّمَنِ ، وَالْمُقَابَلَةُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا تَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْمُزَاحَمَةِ كَمُقَابَلَةِ أَصْلِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الْحَطِّ فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ خَاصَّةً بِإِسْقَاطِ بَعْضِهِ ، فَإِذَا حَطَّ مِنْ ثَمَنِهِمَا مُطْلَقًا فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْحَطِّ فَكَانَ الْحَطُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى زِيَادَةِ قَدْرِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ

الْحَطَّ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِالثَّمَنِ حَتَّى تُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْقَدْرِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) كَيْفِيَّةُ الْجَوَازِ : فَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عِنْدَنَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، كَأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَرُدَّ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ الِالْتِحَاقُ فَسَادَ أَصْلِ الْعَقْدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، وَكَذَلِكَ الْحَطُّ ، فَأَمَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَهَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ وَيُفْسِدُهُ أَمْ لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْحَطُّ ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيُفْسِدَانِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُبْطِلَانِهِ وَلَا يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلٍ ، وَأَصْلُ الْعَقْدِ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَى حَالِهِ ، وَالْحَطُّ جَائِزٌ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ إذَا أُلْحِقَ بِهِ هَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ وَيُؤَثِّرُ فِي فَسَادِهِ أَمْ لَا ؟ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ أُلْحِقَ بِهِ ، فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ صَحَّ لَالْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ .
وَلَوْ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَأَوْجَبَ فَسَادَ أَصْلِ الْعَقْدِ لِتَحَقُّقِ الرِّبَا فَلَمْ يَصِحَّ فَبَقِيَ أَصْلُ الْعَقْدِ صَحِيحًا كَمَا كَانَ ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ لِمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ وَيَصِحُّ الْحَطُّ ؛ لِأَنَّ الِالْتِحَاقَ مِنْ لَوَازِمِ الزِّيَادَةِ ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الزِّيَادَةِ فَلَا يَصِحُّ الْحَطُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ صَحِيحَانِ زِيَادَةً وَحَطًّا ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْقَعَاهُمَا زِيَادَةً وَحَطًّا وَلَهُمَا

وِلَايَةُ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ زِيَادَةً وَحَطًّا ، وَمِنْ شَأْنِ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَلْتَحِقَانِ بِهِ ، فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ هَهُنَا إبْطَالًا لِلْعَقْدِ السَّابِقِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ بِالْفَسْخِ وَكَذَا بِالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ حُكْمِهِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ .
أَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : الْخِيَارَاتُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يَثْبُتُ شَرْطًا ، وَنَوْعٌ يَثْبُتُ شَرْعًا لَا شَرْطًا ، وَالشَّرْطُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ نَصًّا ، وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ دَلَالَةً .
( أَمَّا ) الْخِيَارُ الثَّابِتُ بِالشَّرْطِ فَنَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا يُسَمَّى خِيَارُ التَّعْيِينِ ، وَالثَّانِي خِيَارُ الشَّرْطِ .
( أَمَّا ) خِيَارُ التَّعْيِينِ : فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ ، قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ هَهُنَا إلَى .
بَيَانِ حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ ، وَإِلَى بَيَانِ صِفَةِ الْحُكْمِ ، وَإِلَى بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَيَلْزَمُ ( أَمَّا ) الْأَوَّلُ : فَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ إلَيْهِ ، عُرِفَ ذَلِكَ بِنَصِّ كَلَامِهِمَا حَيْثُ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت مِنْك أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ أَيَّهُمَا شِئْت وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ، وَهَذَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي أَحَدِهِمَا وَثُبُوتَ خِيَارِ التَّعْيِينِ لَهُ ، وَالْآخَرُ يَكُونُ مِلْكُ الْبَائِعِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ إذَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الثُّبُوتِ فَكَانَ أَمَانَةً ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ هُوَ الْمَبِيعُ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ فَلَا يَبْطُلُ ، وَالْبَيْعُ قَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ ، وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ

تَرَكَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالتَّعْيِينِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اشْتَرَى أَحَدَ الْأَثْوَابِ الثَّلَاثَةِ فَهَلَكَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَبَقِيَ اثْنَانِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِمَا قُلْنَا ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَبِيعَ كَانَ الْمَبِيعُ أَحَدَ الْبَاقِينَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ هَلَكَ بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) صِفَةُ هَذَا الْحُكْمِ : فَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهَذَا الْبَيْعِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ مِلْكٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَمْنَعُ لُزُومَ الْمِلْكِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَعَامُلِ النَّاسِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَلَا تَنْعَدِمُ حَاجَتُهُمْ إلَّا بَعْدَ اللُّزُومِ ؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يُوَافِقُهُ كِلَاهُمَا جَمِيعًا فَيَحْتَاجَ إلَى رَدِّهِمَا .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ : اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ وَالِاخْتِيَارِيُّ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا صَرِيحُ الِاخْتِيَارِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ ، وَالثَّانِي : الِاخْتِيَارُ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ ( أَمَّا ) الصَّرِيحُ : فَهُوَ أَنْ يَقُولَ اخْتَرْت هَذَا الثَّوْبَ أَوْ شِئْته أَوْ رَضِيت بِهِ أَوْ اخْتَرْته وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَقَدْ عَيَّنَ مِلْكَهُ فِيهِ فَيَسْقُطُ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ .
( وَأَمَّا ) الِاخْتِيَارُ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ : فَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ فِعْلٌ فِي أَحَدِهِمَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْمِلْكِ فِيهِ ، وَهُوَ كُلُّ تَصَرُّفٍ هُوَ دَلِيلُ اخْتِيَارِ الْمِلْكِ فِي الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي أَحَدِهِمَا فَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ إنْ تَعَيَّنَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ لِلْبَيْعِ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَإِنْ تَعَيَّنَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ لِلْأَمَانَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ .
( وَأَمَّا ) الضَّرُورِيُّ : فَنَحْوَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَبْطُلَ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ مِنْهُمَا تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَبِيعٌ وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ ، وَالْأَمَانَةُ مِنْهُمَا مُسْتَحَقُّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ خَرَجَ الْهَالِكُ عَنْ احْتِمَالِ الرَّدِّ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلرَّدِّ فَتَعَيَّنَ الْهَالِكُ لِلْبَيْعِ ضَرُورَةً ، وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَإِمَّا أَنْ هَلَكَا مَعًا ، فَإِنْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَالْأَوَّلُ يَهْلِكُ مَبِيعًا ، وَالْآخَرُ أَمَانَةً لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ هَلَكَا

مَعًا لَزِمَهُ ثَمَنُ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّعْيِينِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَاعَ الْبَيْعُ فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَلَوْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي تَرْتِيبِ الْهَلَاكِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُمَا مُتَسَاوِيًا فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ ؛ لِأَنَّ أَيَّهُمَا هَلَكَ أَوَّلًا فَثَمَنُ الْآخَرِ مِثْلُهُ فَلَا يُفِيدُ الِاخْتِلَافُ ، وَإِنْ كَانَ مُتَفَاوِتًا بِأَنْ كَانَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَادَّعَى الْبَائِعُ هَلَاكَ أَكْثَرِهِمَا ثَمَنًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي هَلَاكَ أَقَلِّهِمَا ثَمَنًا كَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ : يَتَحَالَفَانِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ ، وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا هَلَكَا مَعًا وَيَلْزَمُهُ ثَمَنُ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَتَى وَقَعَ بَيْنَ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ الْمَدْيُونِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ أَوْ فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَسَقَطَتْ الْيَمِينُ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ زِيَادَةً ، وَلَوْ تَعَيَّبَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَعِيبُ لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَمْ يُوجَدْ لَا نَصًّا وَلَا دَلَالَةً ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّعْيِينِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَعِيبَ مِنْهُمَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْآخَرَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَيَّبْ أَصْلًا ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَعِيبَ مِنْهُمَا أَخَذَهُ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ

الْمَبِيعُ مِنْ الْأَصْلِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَيَّبَا جَمِيعًا فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ تَعَيَّنَ الْمَعِيبُ لِلْبَيْعِ وَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ كَمَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ تَعَيُّبَ الْمَبِيعِ هَلَاكُ بَعْضِهِ فَلِهَذَا مُنِعَ الرَّدُّ وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ ، فَكَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَتَعَيَّنَ الْمَبِيعُ ، وَلَوْ تَعَيَّبَا جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِلْبَيْعِ وَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَيُرَدُّ الْآخَرُ لِمَا قُلْنَا ، وَلَا يَغْرَمُ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ شَيْئًا لِمَا قُلْنَا إنَّهُ أَمَانَةٌ ، وَإِنْ تَعَيَّبَا مَعًا لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّعْيِينِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا لِلْبَيْعِ بَقِيَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَ فِي أَحَدِهِمَا بِتَعْيِينِهِمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَبَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ .
وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمَشَايِخِ : إنَّ هَذَا الْبَيْعَ فِيهِ خِيَارَانِ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ رُتْبَةٍ مَعْلُومَةٍ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَمَلَكَ رَدَّهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَيَّبْ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لَكِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ ؛ لِأَنَّ رَدَّهُمَا جَمِيعًا قَبْلَ التَّعْيِيبِ ثَبَتَ حُكْمًا لِخِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ بَعْدَ تَعَيُّنِهِمَا مَعًا فَلَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُمَا وَبَقِيَ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَيَمْلِكُ رَدَّ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ ازْدَادَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا أَوْ حَدَثَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ لِلْمُزَاحَمَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ بِزِيَادَةِ عَيْبِ أَحَدِهِمَا أَوْ حُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ مَعَهُ ، وَلَا يَبْطُلُ هَذَا الْخِيَارُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي بَلْ يُورَثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ

خِيَارَ التَّعْيِينِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُوَرِّثِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ وَقَدْ قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُمَا شَاءَ دُونَ الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ، وَقَدْ كَانَ لِلْمُوَرِّثِ ذَلِكَ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ أُولَئِكَ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خِيَارَيْنِ فِي هَذَا الْبَيْعِ ، وَقَدْ بَطَلَ أَحَدُهُمَا " وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ " بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا فَبَطَلَ الْحُكْمُ الْمُخْتَصُّ بِهِ " وَهُوَ وِلَايَةُ رَدِّهِمَا جَمِيعًا " هَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا شِرَاءً صَحِيحًا .

فَأَمَّا ) إذَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا شِرَاءً فَاسِدًا بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ : بِعْت مِنْك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِيَارَ أَصْلًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَإِنْ قَبَضَهُمَا مَلَكَ أَحَدَهُمَا مِلْكًا فَاسِدًا ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِالْقِيمَةِ ، وَلَوْ هَلَكَا فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ لَزِمَتْهُ قِيمَةُ الْهَالِكِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ هَلَكَا مَعًا لَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِتَعْيِينِهِ لِلْبَيْعِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَاعَ الْبَيْعُ فِيهِمَا ، وَلَوْ تَعَيَّبَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ، أَمَّا غَيْرُ الْمَعِيبِ ؛ فَلِأَنَّهُ أَمَانَةٌ .
وَأَمَّا الْمَعِيبُ ؛ فَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَاجِبُ الرَّدِّ فَيَرُدَّهُمَا وَيَرُدَّ مَعَهُمَا نِصْفَ نُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَيِّبَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَبِيعُ فَيَجِبُ نُقْصَانُ الْعَيْبِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَمَانَةُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى التَّعْيِينِ فَيَتَنَصَّفَ الْوَاجِبُ وَلَوْ تَعَيَّبَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَكَذَا الْجَوَابُ فِي نُقْصَانِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَمَانَةٌ وَالْآخَرَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ تَعَيَّبَا مَعًا ، فَكَذَلِكَ يَرُدُّهُمَا مَعَ نِصْفِ نُقْصَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي التَّعْيِينِ لِلْبَيْعِ ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِهِمَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَرَّفَ فِيهِ تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي أَحَدِهِمَا فَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ إنْ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ نَفَذَ

تَصَرُّفُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَبَطَلَ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
هَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ، أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَلَا يَزُولُ أَحَدُهُمَا عَنْ مِلْكِهِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ ، وَلَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ أَيَّ ثَوْبٍ شَاءَ قَبْضَهُ لِلْخِيَارِ ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ التَّرْكِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتَ فِي جَانِبِهِ ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُمَا الْمُشْتَرِيَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَهْلِكُ أَمَانَةً لِمَا ذَكَرْنَا فِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي ، وَخِيَارُ الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ إنْ شَاءَ أَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْهَالِكَ ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ أَمَانَةً ، وَإِنْ هَلَكَا جَمِيعًا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِيَقِينٍ ، وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ الْهَالِكُ أَمَانَةً أَيْضًا كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَلْزَمَهُ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ السِّلْعَةِ عَنْ مِلْكِهِ فَيَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَهُ الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ هَلَكَا جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ هَلَاكُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَالْأَوَّلُ يَهْلِكُ أَمَانَةً وَعَلَيْهِ قِيمَةُ آخَرِهِمَا هَلَاكًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ ، وَأَنَّهُ مَبِيعٌ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَفِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ

فَتَجِبُ قِيمَتُهُ .
وَإِنْ هَلَكَا مَعًا لَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّعْيِينِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، وَلَوْ تَعَيَّبَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَا مَعًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَخِيَارُ الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْعَيْبِ لِانْعِدَامِ الْمُعَيَّنِ فَكَانَ الْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا قَبْلَ التَّعَيُّبِ ، ثُمَّ إذَا لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ الْمُتَعَيَّبِ مِنْهُمَا لَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَرْكِهِ لِانْعِدَامِ التَّعْيِينِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مَا لَزِمَهُ هُوَ الْمُتَعَيَّبُ فَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَتَغَيُّرُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِنْ تَعَيَّبَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّعَيُّبَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، وَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ فَسَخَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّهُمَا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ تَعَيُّبُهُمَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَعَيَّبَا لَا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي .
وَإِنْ كَانَ تَعَيُّبُهُمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ نُقْصَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَضْمُونٌ عِنْدَهُ بِالْقِيمَةِ وَالْآخَرُ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ بِيَقِينٍ وَالْآخَرُ مَبِيعٌ لَكِنْ لِبَائِعِهِ فِيهِ خِيَارٌ ، وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِلْبَيْعِ ، وَلَهُ خِيَارُ الْإِلْزَامُ فِيهِ وَالْفَسْخُ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِمَا جَمِيعًا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِمَا وَيَكُونُ

فَسْخًا لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِمَا دَلِيلُ إقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِمَا فَيَضْمَنُ فَسْخَ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) خِيَارُ الشَّرْطِ : فَالْكَلَامُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَشِرَائِهِ قَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ هَهُنَا إلَى بَيَانِ صِفَةِ هَذَا الْبَيْعِ وَإِلَى بَيَانِ حُكْمِهِ وَإِلَى بَيَانِ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ وَإِلَى بَيَانِ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ .

( أَمَّا ) صِفَتُهُ : فَهِيَ أَنَّهُ بَيْعٌ غَيْرُ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ لُزُومَ الصَّفْقَةِ قَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ هُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَازَةِ وَهَذَا يَمْنَعُ اللُّزُومَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، ثُمَّ الْخِيَارُ كَمَا يَمْنَعُ لُزُومَ الصَّفْقَةِ فَعَدَمُ الْقَبْضِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِنَفْسِ الْبَيْعِ مِلْكٌ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ وَإِنَّمَا التَّأَكُّدُ بِالْقَبْضِ ، .

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ سَوَاءً كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَسَوَاءً كَانَ الْبَيْعُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي اللُّزُومِ ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَصْلِ الصَّفْقَةِ " وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ " إلَّا بِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ بِأَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ بَعْدَ إضَافَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَى الْجُمْلَةِ وَيُوجَبُ الْبَيْعُ بَعْدَ إضَافَةِ الْقَبُولِ إلَى جُمْلَتِهِ لَا يَجُوزُ فِي وَصْفِهَا وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ الْبَيْعُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ إلَّا بِرِضَاهُمَا .

وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِي الْبَاقِي إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ فِي قَدْرِ الْهَالِكِ فَالْإِجَازَةُ فِي الْبَاقِي تَكُونُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِي الْبَاقِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِي الْبَاقِي وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَهَلَكَ بَعْضُهُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِي الْبَاقِي بِلَا خِلَافٍ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِجَازَةَ هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ لِلْإِجَازَةِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ ، وَالْهَالِكُ مِنْهُمَا خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ الْإِنْشَاءِ ، وَالْإِنْشَاءُ فِي الْبَاقِي تَمْلِيكٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَلَمْ يَحْتَمِلْ الْإِنْشَاءَ وَفِيمَا لَهُ مِثْلٌ مَعْلُومَةٌ فَاحْتَمَلَ الْإِنْشَاءَ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الْإِجَازَةَ تُظْهِرُ أَنَّ الْعَقْدَ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَلَمْ يَكُنْ الْهَلَاكُ مَانِعًا مِنْ الْإِجَازَةِ ، وَقَوْلُهُ " الْإِجَازَةُ هَهُنَا إنْشَاءٌ " قُلْنَا مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِدُونِ الْإِجَازَةِ مِنْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَبِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَازَةُ إنْشَاءً لَتَوَقَّفَ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى وُجُودِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَهُ الْمَالِكُ لَمْ يَجُزْ ، وَهَهُنَا جَازَ فَهَلَاكُ الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ يَمْنَعُ مِنْ الْإِجَازَةِ وَهَهُنَا لَا يَمْنَعُ .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ أَنَّ بِيعَ الْفُضُولِيِّ

يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَالْمُسْتَنَدُ ظَاهِرٌ مِنْ وَجْهٍ مُقْتَصِرٌ مِنْ وَجْهٍ ، فَكَانَتْ الْإِجَازَةُ إظْهَارًا مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا إظْهَارٌ كَانَ لَا يَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى قِيَامِ الْمَحِلِّ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا إنْشَاءٌ يَقِفُ عَلَيْهِ ( فَأَمَّا ) فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ : فَالْحُكْمُ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ فَكَانَتْ الْإِجَازَةُ لِإِظْهَارِ أَنَّ الْعَقْدَ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَالْمَحِلُّ كَانَ قَابِلًا وَقْتَ الْعَقْدِ ، فَهَلَاكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَاخْتَارَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْآخَرُ الْفَسْخَ احْتِرَازًا عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي اللُّزُومِ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( وَأَمَّا ) حُكْمُ هَذَا الْبَيْعِ : فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا حُكْمَ لَهُ لِلْحَالِ ، وَالْخِيَارُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي الْحُكْمِ لِلْحَالِ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَلْ هُوَ لِلْحَالِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ حُكْمُهُ لِلْحَالِ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ يَتَّصِلُ بِهِ الْفَسْخُ أَوْ الْإِجَازَةُ فَيُتَوَقَّفُ فِي الْجَوَابِ لِلْحَالِ ، وَهَذَا تَفْسِيرُ التَّوَقُّفِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلٍ مِثْلَ قَوْلِنَا وَفِي قَوْلٍ " هُوَ مُنْعَقِدٌ مُفِيدٌ لِلتَّمَلُّكِ لَكِنَّ مِلْكًا مُسَلَّطًا عَلَى فَسْخِهِ بِالْخِيَارِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يُفَارِقُ الْبَيْعَ الْبَاتَّ إلَّا فِي الْخِيَارِ ، وَالْخِيَارُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى أَصْلِكُمْ .
( وَلَنَا ) أَنَّ جَوَازَ هَذَا الْبَيْعِ مَعَ أَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ وَلَا انْدِفَاعَ لِهَذِهِ الْحَاجَةِ إلَّا بِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى قَرِيبَ الْمُشْتَرِي فَلَوْ مَلَكَهُ لِلْحَالِ لَعَتَقَ عَلَيْهِ لِلْحَالِ فَلَا تَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ .

ثُمَّ الْخِيَارُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا وَإِمَّا إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ وَإِمَّا إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَإِمَّا إنْ كَانَ لِغَيْرِهِمَا بِأَنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِثَالِثٍ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا فَلَا يَزُولُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَكَذَا لَا يَزُولُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ حُكْمٍ مَوْجُودٍ فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا ، وَهُوَ الْخِيَارُ ، وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَزُولَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ ، وَيَخْرُجُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي حَقِّهِ ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ : يَدْخُلُ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَزُولَ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ .
وَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إذَا كَانَ عَيْنًا ، وَلَا يَسْتَحِقَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ دَيْنًا ، وَيَخْرُجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي حَقِّهِ ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؟ لَا يَدْخُلُ ، وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسْتَدْعِي هُوَ الْأَصْلُ ، وَالِامْتِنَاعُ بِعَارِضٍ ، وَالْمَانِعُ هَهُنَا هُوَ الْخِيَارُ وَأَنَّهُ وُجِدَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لَا غَيْرُ ، فَيَعْمَلُ فِي الْمَنْعِ فِيهِ لَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ أَلَا تَرَى كَيْفَ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ، وَالثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ؟ ، فَدَلَّ أَنَّ

الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي حَقِّ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ ، فَيَعْمَلُ فِي بَتَاتِ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ ، فَالْمَبِيعُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي ، فَالثَّمَنُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ ، وَهَذَا يَمْنَعُ دُخُولَ الثَّمَنِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فِي الْأَوَّلِ وَدُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي الثَّانِي ؛ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي عَقْدِ الْمُبَادَلَةِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَالثَّانِي : إنَّ فِي هَذَا تَرْكَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالتَّفَاوُتِ ، وَقَوْلُهُمَا : الْبَيْعُ بَاتٌّ فِي حَقِّ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ قُلْنَا هَذَا يُوجِبُ الْبَتَاتَ فِي حَقِّ الزَّوَالِ لَا فِي حَقِّ الثُّبُوتِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ الزَّوَالِ ، وَامْتِنَاعُ الزَّوَالِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ الزَّوَالَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ .

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَصَاحِبَيْهِ مَسَائِلُ : ( مِنْهَا ) إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ ، وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ ، فَإِنْ فَسَخَ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ أَجَازَهُ عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْخِيَارُ ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ ، فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ .

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُكَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ( أَمَّا ) عِنْدَهُمَا ، فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ، فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ ، فَعَتَقَ ( وَأَمَّا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ نُجِزَ عِتْقُهُ بَعْدَ شِرَائِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَتَقَ ، وَسَقَطَ خِيَارُهُ ؛ لِكَوْنِ الْإِعْتَاقِ إجَازَةً ، وَاخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا نَذْكُرُ كَذَا هَذَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَعَادَتْ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ ، وَعِنْدَهُمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ ، فَبَطَلَ خِيَارُهُ ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ .

( وَمِنْهَا ) إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا فَسَدَ ؛ لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ ، وَمِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رَقَبَةَ صَاحِبِهِ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ ، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ إجَازَةً بِالْإِجْمَاعِ ( أَمَّا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَلِأَجْلِ النُّقْصَانِ بِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ ، وَهِيَ الْعُذْرَةُ لَا لِأَجْلِ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ ، فَكَانَ حِلُّ الْوَطْءِ قَائِمًا ، فَلَا حَاجَةَ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ ( وَأَمَّا ) عِنْدَهُمَا ، فَلِأَجْلِ النُّقْصَانِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا ، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ لِضَرُورَةِ حِلِّ الْوَطْءِ ، وَلَا ضَرُورَةَ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ ، فَكَانَ حِلُّ الْوَطْءِ ثَابِتًا ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ بِحِلِّ الْوَطْءِ ، فَلَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ .
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ لِضَرُورَةِ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ زَوْجَةً لَهُ وَوَطِئَهَا أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ هُنَاكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِانْعِدَامِ النِّكَاحِ ، فَكَانَ إقْدَامُهُ عَلَى الْوَطْءِ اخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ ، فَيَبْطُلُ الْخِيَارُ .

( وَمِنْهَا ) إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَقَبَضَهَا فَحَاضَتْ عِنْدَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَيْضَةً كَامِلَةً أَوْ بَعْضَ حَيْضَةٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، فَاخْتَارَ الْبَيْعَ لَا تُجْزِئ تِلْكَ الْحَيْضَةُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَعِنْدَهُمَا يَحْتَسِبُ بِهَا لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ ، فَكَانَتْ الْحَيْضَةُ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ ، فَكَانَتْ مَحْسُوبَةً مِنْهُ ، وَلَوْ اخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ ، وَرَدَّ الْجَارِيَةَ ، فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ قِيَاسًا ، وَاسْتِحْسَانًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ، فَفَسَخَ الْعَقْدَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِنْ أَجَازَهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَالْقَبْضِ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ مِلْكًا مُطْلَقًا .

( وَمِنْهَا ) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَقَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ، ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْبَائِعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، فَهَلَكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهَا يَهْلِكُ عَلَى الْبَائِعِ ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَلَمَّا دَخَلَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ ، فَقَدْ ارْتَفَعَ قَبْضُهُ ، فَهَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَعِنْدَهُمَا يَهْلِكُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ أَعْنِي الْمُشْتَرِيَ ، فَقَدْ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَيَدُ الْمُودَعِ يَدُهُ ، فَهَلَاكُهُ فِي يَدِهِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ، فَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِي أَوْدَعَهُ الْبَائِعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، فَهَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ جَوَازِ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ .

، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا ، فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ أَوْ مُؤَجَّلٌ ، وَلَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ ، فَأَوْدَعَهُ الْبَائِعَ ، فَهَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَهْلِكُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ ، فَكَانَ مُودِعًا مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَقَبَضَهُ ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَالْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ بِالْبَيْعِ ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ ، وَلَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي جَانِبِهِ ، وَالْإِسْلَامُ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ ؛ جَازَ ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ، وَإِنْ فَسَخَهُ انْفَسَخَ ، وَصَارَ الْخَمْرُ لِلْبَائِعِ حُكْمًا ، وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْخَمْرَ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهَا بِالْمِيرَاثِ ؟ ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ، فَأَسْلَمَ الْبَائِعُ بَطَلَ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ السِّلْعَةِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ إخْرَاجَ الْخَمْرِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْعَقْدِ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي جَانِبِهِ .
وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ ، فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ عَادَتْ الْخَمْرُ إلَيْهِ ، وَإِنْ أَجَازَهُ صَارَ الْخَمْرُ لِلْمُشْتَرِي حُكْمًا ، وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا حُكْمًا ، كَمَا فِي الْإِرْثِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا ، فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَتَى وَرَدَ وَالْحَرَامُ مَقْبُوضٌ يُلَاقِيهِ بِالْعَفْوِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ ؛ لِثُبُوتِهَا بِالْعَقْدِ وَالْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ دَوَامُ الْمِلْكِ ، وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيه ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ ، فَلَا يُؤْمَرُ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِيهَا هَذَا كُلُّهُ إذَا

أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَتَى وَرَدَ وَالْحَرَامُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ يُمْنَعُ مِنْ قَبْضِهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لِمَا فِي الْقَبْضِ مِنْ مَعْنَى إنْشَاءِ الْعَقْدِ مِنْ وَجْهٍ ، فَيُلْحَقُ بِهِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ احْتِيَاطًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَقَدْ تَظْهَرُ فَوَائِدُ هَذَا الْأَصْلِ فِي فُرُوعٍ أُخَرَ يَطُولُ ذِكْرُهَا .

، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ بِالْإِجْمَاعِ ( أَمَّا ) عَلَى أَصْلِهِمَا ، فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ( وَأَمَّا ) عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمَبِيعُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ قَدْ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ مِلْكِ الْبَائِعِ لَا ثُبُوتَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَلَوْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ، فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ نَفَذَ إعْتَاقُهُ ، وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ ، فَقَدْ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَنَفَذَ ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ نَفَذَ أَيْضًا ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ ( أَمَّا ) عَلَى أَصْلِهِمَا ، فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا ، فَأَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ ( وَأَمَّا ) عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا بِالْعَقْدِ لَكِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْإِعْتَاقِ دَلِيلُ عَقْدِ الْمِلْكِ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعِتْقِ إلَّا بِالْمِلْكِ ، وَلَا مِلْكَ إلَّا بِسُقُوطِ الْخِيَارِ ، فَتَضَمَّنَ إقْدَامُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ إسْقَاطَ الْخِيَارِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا ؛ نَفَذَ إعْتَاقُهُمَا جَمِيعًا ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ ، وَعِنْدَهُمَا نَفَذَ إعْتَاقُهُمَا ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَمَّا نُفُوذُ إعْتَاقِهِمَا ( أَمَّا ) الْعَبْدُ ، فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِلَا خِلَافٍ ( وَأَمَّا ) الْجَارِيَةُ ، فَكَذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، فَقَدْ دَخَلَتْ بِمُقْتَضَى الْإِقْدَامِ عَلَى إعْتَاقِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَإِعْتَاقُهُمَا صَادَفَ مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْمُعْتِقِ ، فَنَفَذَ .
( وَأَمَّا ) لُزُومُ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَلِأَنَّ الْعَبْدَ بَدَلُ الْجَارِيَةِ ، وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِالْإِعْتَاقِ ، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ ، وَجَبَ رَدُّ الْجَارِيَةِ ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا بِسَبَبِ الْعِتْقِ ، فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْجَارِيَةَ لَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ ( أَمَّا ) الْعَبْدُ ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ( وَأَمَّا ) الْجَارِيَةُ ؛ فَلِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ ، وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ ، فَمَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُهُ ، وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ نَوْعَانِ فِي الْأَصْلِ : أَحَدُهُمَا : اخْتِيَارِيٌّ ، وَالْآخَرُ ضَرُورِيٌّ أَمَّا الِاخْتِيَارِيُّ ، فَالْإِجَازَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ لُزُومُ الْبَيْعِ ، وَالِامْتِنَاعُ بِعَارِضِ الْخِيَارِ ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْإِجَازَةِ ، فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ ، وَالْإِجَازَةُ نَوْعَانِ : صَرِيحٌ ، وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ ، وَدَلَالَةٌ ( أَمَّا ) الْأَوَّلُ ، فَنَحْوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ : أَجَزْتُ الْبَيْعَ أَوْ أَوْجَبْتُهُ أَوْ أَسْقَطْتُ الْخِيَارَ أَوْ أَبْطَلْتُهُ ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْإِجَازَةَ ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ( وَأَمَّا ) الْإِجَازَةُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَهِيَ : أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِي الثَّمَنِ يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِيجَابِ الْبَيْعِ ، فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ يَكُونُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ دَلَالَةً ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ ، فَاخْتَارِي ، وَإِنْ وَطِئَك زَوْجُكِ ، فَلَا خِيَارَ لَكِ } ، فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَمْكِينَهَا مِنْ الْوَطْءِ دَلِيلَ بُطْلَانِ الْخِيَارِ ، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ، كَمَا يَسْقُطُ بِصَرِيحِ الْإِسْقَاطِ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا ، فَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ سَاوَمَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ رَهَنَهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ .
( أَمَّا ) عَلَى أَصْلِهِمَا ، فَلِأَنَّ الثَّمَنَ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ، فَكَانَ التَّصَرُّفُ فِيهِ دَلِيلَ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ ، وَأَنَّهُ دَلِيلُ إجَازَةِ الْبَيْعِ ( وَأَمَّا ) عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَالْإِقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ يَكُونُ دَلِيلَ اخْتِيَارِ

الْمِلْكِ فِيهِ ، وَذَا دَلِيلُ الْإِجَازَةِ .

وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا ، فَأَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ، فَهُوَ إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ لِمَا قُلْنَا ، وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ وَالشِّرَاءَ بِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ ، وَكَذَا لَوْ سَاوَمَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَمَلُّكَ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّمَلُّكَ إلَّا بِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي الثَّمَنِ أَوْ تَقَرُّرِهِ فِيهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالثَّمَنِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ ، وَكَانَ إجَازَةً ( أَمَّا ) عَدَمُ صِحَّةِ الشِّرَاءِ ؛ فَلِأَنَّهُ شِرَاءٌ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ .
( وَأَمَّا ) كَوْنُهُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ ؛ فَلِأَنَّ الشِّرَاءَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَكِنَّهُ قَصَدَ التَّمَلُّكَ ، وَذَا دَلِيلُ الْإِجَازَةِ ، كَمَا إذَا سَاوَمَهُ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى قَصْدِهِ التَّمَلُّكَ فَوْقَ الْمُسَاوَمَةِ ، فَلَمَّا كَانَتْ الْمُسَاوَمَةُ إجَازَةً ، فَالشِّرَاءُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ الَّذِي هُوَ دَيْنٌ ، فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقِّ الرَّدِّ عِنْدَ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ عِنْدَنَا فِي الْفَسْخِ ، كَمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ فِيهِ مُسْتَحَقَّ الرَّدِّ ، فَلَا يَكُونُ التَّصَرُّفُ فِيهِ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الشِّرَاءَ إلَى عَيْنِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ ، فَكَانَ دَلِيلَ الْقَصْدِ إلَى الْمِلْكِ أَوْ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ فِيهِ عَلَى مَا قُلْنَا ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ، فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ وُجُوبَ الثَّمَنِ ، وَالْإِبْرَاءُ

إسْقَاطٌ وَإِسْقَاطُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ لَا يُتَصَوَّرُ .
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْبَيْعَ نَفَذَ الْإِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ وَاجِبًا ، فَكَانَ إبْرَاؤُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ ، فَيَنْفُذُ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الضَّرُورِيُّ ، فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ ( أَحَدُهُمَا ) مُضِيُّ مُدَّةِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُؤَقَّتٌ بِهِ ، وَالْمُؤَقَّتُ إلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي عِنْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ لَكِنْ هَلْ تَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ بِأَنْ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى الْغَدِ هَلْ يَدْخُلُ اللَّيْلُ أَوْ الْغَدُ ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ : تَدْخُلُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا تَدْخُلُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا إنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } حَتَّى لَا يَجِبَ الصَّوْمُ فِي اللَّيْلِ ، وَكَمَا فِي التَّأْجِيلِ إلَى غَايَةٍ ، أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَجَلِ كَذَا هَذَا ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْغَايَاتِ مُنْقَسِمَةٌ : غَايَةُ إخْرَاجٍ ، وَغَايَةُ إثْبَاتٍ ، فَغَايَةُ الْإِخْرَاجِ تَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { ، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ، وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } وَالْغَايَةُ هَهُنَا فِي مَعْنَى غَايَةِ الْإِخْرَاجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ أَصْلًا لَاقْتَضَى ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا حَتَّى لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى شَرْطِ خِيَارٍ مُؤَبَّدٍ بِخِلَافِ التَّأْجِيلِ إلَى غَايَةٍ ، فَإِنَّهُ لَوْ لَا ذِكْرُ الْغَايَةِ لَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ أَصْلًا ، فَكَانَتْ الْغَايَةُ غَايَةَ إثْبَاتٍ ، فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ .

وَالثَّانِي مَوْتُ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِمَوْتِهِ ، بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ، وَلَقَبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ هَلْ يُوَرَّثُ أَمْ لَا ؟ عِنْدَنَا يُوَرَّثُ ، وَعِنْدَهُ لَا يُوَرَّثُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُوَرَّثُ ، وَكَذَا خِيَارُ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا يُوَرَّثُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا الْأَجَلُ لَا يُوَرَّثُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ ، وَخِيَارَ التَّعْيِينِ يُوَرَّثُ .
( وَأَمَّا ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ ، وَذَكَرَ فِي الْحِيَلِ أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ ، وَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِظَوَاهِرِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ حَيْثُ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِرْثَ فِي الْمَتْرُوكِ مُطْلَقًا ، وَالْخِيَارُ مَتْرُوكٌ ، فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ } وَالْخِيَارُ حَقٌّ تَرَكَهُ ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ ، فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَالْمِلْكِ الثَّابِتِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ ، كَمَا يَثْبُتُ فِي الْأَمْلَاكِ يَثْبُتُ فِي الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيْعِ ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ ، وَخِيَارِ التَّعْيِينِ كَذَا هَذَا ، وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَوْ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ ابْتِدَاءً أَوْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَارِثِ ابْتِدَاءً ، وَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهُ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ شَرْطِ الْخِيَارِ مِنْهُ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ الْبَاقِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ ، وَخِيَارُهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يُخَيِّرُهُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ،

وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَلَا يُوَرَّثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْرُوثَ هُنَاكَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِرْثِ ، وَهُوَ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ ( وَأَمَّا ) الْآيَةُ ، وَالْحَدِيثُ ، فَنَقُولُ : بِمُوجِبِهِمَا لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْخِيَارَ مَتْرُوكٌ ؟ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ عَيْنٌ تَبْقَى ، وَالْخِيَارُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى ، فَلَمْ يَكُنْ مَتْرُوكًا ، فَلَا يُوَرَّثُ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَالثَّالِثُ ) إجَازَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنْ تَبَايَعَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ، فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْخِيَارُ ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ صَاحِبُهُ الْفَسْخَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ ، وَخِيَارُ الْآخَرِ عَلَى حَالِهِ ، وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ .

، وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِنَفْسِهِ فِي بَيْعِ مَالِ الصَّبِيِّ هَلْ يَبْطُلُ الْخِيَارُ ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَبْطُلُ ، وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : تُنْقَلُ الْإِجَازَةُ إلَى الصَّبِيِّ ، فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ الْإِجَازَةَ لَكِنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْوَلِيَّ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ شَرْعًا لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ ، وَقَدْ زَالَ الْعَجْزُ بِالْبُلُوغِ ، فَتَنْتَقِلُ الْإِجَازَةُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْحَقِّ ، فَيَمْلِكُهُ كَالْفُضُولِيِّ فِي الْبَيْعِ إنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْإِجَازَةَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ ، وَهُوَ وِلَايَةُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةُ ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْبُلُوغِ ، فَلَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّبِيِّ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ .

وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ شَرْطِهِ لِنَفْسِهِ فِي الْبَيْعِ بَطَلَ الْخِيَارُ ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ ، وَرُدَّ إلَى الرِّقِّ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ، فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً كَمَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ لِمَا قُلْنَا .

وَلَوْ اشْتَرَى الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ ؛ جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا ، وَالصَّبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ ( أَمَّا ) الْجَوَازُ عَلَيْهِمَا ؛ فَلِأَنَّ ، وِلَايَتَهُمَا قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْبُلُوغِ ، فَلَا يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ، فَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا ، وَجَازَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِمَا ( وَأَمَّا ) خِيَارُ الصَّبِيِّ ؛ فَلِأَنَّ الْجَوَازَ وَاللُّزُومَ لَمْ يَثْبُتَا فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمَا ، فَكَانَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةُ .

( وَأَمَّا ) خِيَارُ الْمُشْتَرِي ، فَيَسْقُطُ بِمَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْبَائِعِ ، وَبِغَيْرِهِ أَيْضًا ، فَيَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَبِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَنَا ، وَإِجَازَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْإِجَازَةُ صَرِيحٌ ، وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ ، وَدَلَالَةٌ ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ كَالْبَيْعِ ، وَالْمُسَاوَمَةِ ، وَالْإِعْتَاقِ ، وَالتَّدْبِيرِ ، وَالْكِتَابَةِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالرَّهْنِ سُلِّمَ أَوْ لَمْ يُسَلَّمْ لِأَنَّ جَوَازَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ ، فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا يَكُونُ دَلِيلَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَوْ تَقَرُّرَ الْمِلْكِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ ، وَذَا دَلِيلُ الْإِجَازَةِ ، وَكَذَا الْوَطْءُ مِنْهُ وَالتَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ ، وَالْمُبَاشَرَةُ لِشَهْوَةٍ ، وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ يَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ .
وَأَمَّا الْمَسُّ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ ، وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ، فَلَا يَكُونُ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ الْمِلْكِ لِلطَّبِيبِ ، وَالْقَابِلَةِ ، وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ ، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إجَازَةً بِمَنْزِلَةِ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ إجَازَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّجْرِبَةِ ، وَالِامْتِحَانِ لِيَنْظُرَ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ أَمْ لَا عَلَى أَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِأَنْ يَسْأَلَهُ ثَوْبَهُ عِنْدَ إرَادَةِ الرَّدِّ ، فَيَرُدَّهُ أَوْ يَسْتَسْرِجَهُ دَابَّتَهُ ؛ لِيَرْكَبَهَا ، فَيَرُدَّهُ ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ ، وَلَوْ قَبَّلَتْ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرِي بِشَهْوَةٍ أَوْ بَاشَرَتْهُ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَمْكِينٍ بِأَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا ، وَتَرَكَهَا حَتَّى فَعَلَتْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَكَذَا هَذَا فِي حَقِّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ إذَا قَبَّلَتْهُ

بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَكَذَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إذَا ، وَجَدَ بِهَا عَيْبًا ثُمَّ قَبَّلَتْهُ ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ رَجْعَةً ، وَإِنْ اخْتَلَسَتْ اخْتِلَاسًا مِنْ غَيْرِ تَمْكِينِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِ ، وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ رَجْعَةً ، وَلَا إجَازَةً لِلْبَيْعِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَكُونُ فِعْلُهَا إجَازَةً لِلْبَيْعِ كَيْفَمَا كَانَ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ بَاضَعَتْهُ ، وَهُوَ نَائِمٌ بِأَنْ أَدْخَلَتْ فَرْجَهُ فَرْجَهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ الْخِيَارُ ، وَيَكُونُ رَجْعَةً .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْخِيَارَ حَقُّ شَرْطٍ لَهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُبْطِلُهُ نَصًّا ، وَلَا دَلَالَةً ، وَهُوَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، فَلَا يَبْطُلُ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الِاحْتِيَاطَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْخِيَارِ إذْ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ لِتَبْيِينِ أَنَّ الْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ حَصَلَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ ، فَكَانَ سُقُوطُ الْخِيَارِ ، وَثُبُوتُ الرَّجْعَةِ بِطَرِيقِ الصِّيَانَةِ عَنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ ، وَالسَّبَبُ الْمُفْضِي إلَى الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ ، فَأُقِيمَ ذَلِكَ مَقَامَ الْوَطْءِ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِكَوْنِهِ سَبَبًا مُفْضِيًا إلَى الْوَطْءِ ، فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَذَا هَذَا .

وَلَوْ قَبَّلَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ ، ثُمَّ قَالَ : قَبَّلْتُهَا لِغَيْرِ شَهْوَةٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ ، فَهُوَ بِقَوْلِهِ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ يُنْكِرُ سُقُوطُهُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ .

وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : فِي الْجَارِيَةِ إذَا قَبَّلْت الْمُشْتَرِي بِشَهْوَةٍ إنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ ، وَيَلْزَمُهُ الْعَقْدُ إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي إنَّهَا ، فَعَلَتْ بِشَهْوَةٍ ( فَأَمَّا ) إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ ، فَلَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي بِسُقُوطِ حَقِّهِ ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إقْرَارِهِ ، وَلَوْ حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ بَطَلَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْخِيَارِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ وَالرَّدِّ ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ الرَّدِّ لَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ الْخِيَارِ فَائِدَةٌ ، فَلَا يَبْقَى ، وَذَلِكَ نَحْوَ مَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ انْتَقَصَ بِأَنْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ لَا يَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ ، فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ .
( أَمَّا ) الْهَلَاكُ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا النُّقْصَانُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّدِّ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبَضَ ، كَمَا قَبَضَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْهُ ، فَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْقَدْرِ الْفَائِتِ ، فَتَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ فَوَاتَهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ رَدَّ الْبَاقِي كَانَ ذَلِكَ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بَطَلَ الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ مَا إذَا انْتَقَصَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا عَلَى خِيَارِهِ عِنْدَهُ إنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ ، وَأَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ الْبَائِعِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ الِاخْتِلَافَ ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ

بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ كَالْمَرَضِ ، فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ فَسَخَ ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَارِضٍ عَلَى أَصْلٍ إذَا ارْتَفَعَ يَلْحَقُ بِالْعَدَمِ ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إلَّا أَنْ يَرْتَفِعَ الْعَيْبُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ، وَالْعَيْبُ قَائِمٌ بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا ازْدَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ ، كَمَا إذَا كَانَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ ، أَوْ كَانَ أَرْضًا ، فَبَنَى عَلَيْهَا أَوْ غَرَسَ فِيهَا أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الرَّدِّ بِالْإِجْمَاعِ ، فَكَانَتْ مُسْقِطَةً لِلْخِيَارِ وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْحُسْنِ ، وَالْجَمَالِ ، وَالسِّمَنِ ، وَالْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ ، وَانْجِلَاءِ الْبَيَاضِ مِنْ الْعَيْنِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَمْنَعُ الرَّدَّ عِنْدَهُمَا ، كَمَا فِي الْعَيْبِ فِي الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ ، وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ ، وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهَا ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ لَكِنَّهَا بَدَلُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ كَالْأَرْشِ ، أَوْ بَدَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْجُزْءِ كَالْعُقْرِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الرَّدِّ عِنْدَنَا ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ ، وَلَا هِيَ بَدَلُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْجُزْءِ كَالصَّدَقَةِ وَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ ، فَلَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ .
فَإِنْ اخْتَارَ الْبَيْعَ ، فَالزَّوَائِدُ لَهُ مَعَ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَسْبٌ مَلَكَهُ ، فَكَانَتْ مِلْكَهُ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ رَدَّ الْأَصْلَ مَعَ الزَّوَائِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الزَّوَائِدُ تَكُونُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ كَانَ مَوْقُوفًا ، فَإِذَا فُسِخَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، فَيَرُدُّهَا إلَيْهِ مَعَ

الْأَصْلِ ، وَعِنْدَهُمَا الْمَبِيعُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، فَكَانَتْ الزَّوَائِدُ حَاصِلَةً عَلَى مِلْكِهِ ، وَالْفَسْخُ يَظْهَرُ فِي الْأَصْلِ لَا فِي الزِّيَادَةِ ، فَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي .

وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَابَّةً ، فَرَكِبَهَا ، فَإِنْ رَكِبَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ كَانَ إجَازَةً ، وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا ، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إجَازَةً ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَوْدًا ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ إجَازَةً ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ صَعْبَةً لَا تَنْقَادُ بِالْقَوْدِ ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الرَّدِّ ، فَلَا يُجْعَلُ إجَازَةً ، وَلَوْ رَكِبَهَا ؛ لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ لِلِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّهُ إذَا رَكِبَهَا بَعْدَمَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الرُّكُوبِ هُنَاكَ لِمَعْرِفَةِ سَيْرِهَا ، فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا بِالْعَيْبِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا ، فَلَبِسَهُ ؛ لِيَنْظُرَ إلَى قِصَرِهِ مِنْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ أَمْ لَا ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ ، وَلَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ ؛ لِيَعْرِفَ سَيْرَهَا ثُمَّ رَكِبَهَا مَرَّةً أُخْرَى يُنْظَرُ إنْ رَكِبَهَا لِمَعْرِفَةِ سَيْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ بِأَنْ رَكِبَهَا مَرَّةً ؛ لِيَعْرِفَ أَنَّهَا هِمْلَاجٌ ، ثُمَّ رَكِبَهَا ثَانِيًا لِيَعْرِفَ سُرْعَةَ عَدْوِهَا ، فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ السَّيْرَيْنِ مَقْصُودَةٌ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الدَّوَابِّ ، وَإِنْ رَكِبَهَا لِمَعْرِفَةِ السَّيْرِ الْأَوَّلِ قَالُوا : يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الرَّقِيقِ إذَا اسْتَخْدَمَهُ فِي نَوْعٍ ، ثُمَّ اسْتَخْدَمَهُ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ قَالُوا : يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا : لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِبَارَ لَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَوَّلَ ، وَقَعَ اتِّفَاقًا ، فَيُحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ لِمَعْرِفَةِ الْعَادَةِ ، وَفِي الثَّوْبِ إذَا

لَبِسَهُ مَرَّةً لِمَعْرِفَةِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ ، ثُمَّ لَبِسَهُ ثَانِيًا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَكْرَارِ اللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاللُّبْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً .
وَلَوْ حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ عَلَفًا ، فَهُوَ إجَازَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ حَمْلُ الْعَلَفِ عَلَى غَيْرِهَا ، وَلَوْ قَصَّ حَوَافِرَهَا أَوْ أَخَذَ مِنْ عُرْفِهَا شَيْئًا ، فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ إذْ هُوَ مِنْ بَابِ إصْلَاحِ الدَّابَّةِ ، فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ ، وَيَكُونُ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً ، كَمَا إذَا عَلَفَهَا أَوْ سَقَاهَا ، وَلَوْ وَدَجَهَا أَوْ بَزَغَهَا ، فَهُوَ إجَازَةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا بِالتَّنْقِيصِ ، فَإِنْ كَانَ شَاةً ، فَحَلَبَهَا أَوْ شَرِبَ لَبَنَهَا ، فَهُوَ إجَازَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ أَوْ الْإِذْنِ مِنْ الْمَالِكِ ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ ، فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَوْ التَّقْرِيرِ ، فَيَكُونُ إجَازَةً .

، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا ، فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ، أَوْ أَسْكَنَهَا غَيْرَهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرٍ أَجْرٍ ، أَوْ رَمَّ شَيْئًا مِنْهَا ، أَوْ جَصَّصَهَا ، أَوْ طَيَّنَهَا ، أَوْ أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا ، أَوْ هَدَمَ فِيهَا شَيْئًا ، فَذَلِكَ كُلُّهُ إجَازَةٌ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ اخْتِيَارِ الْمِلْكِ أَوْ تَقْرِيرِهِ ، فَكَانَ إجَازَةً دَلَالَةً ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ فِي سُكْنَى الْمُشْتَرِي رِوَايَتَانِ ، وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا ، فَحَمَلَ إحْدَاهُمَا عَلَى ابْتِدَاءِ السُّكْنَى ، وَالْأُخْرَى عَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا سَاكِنٌ بِأَجْرٍ ، فَبَاعَهَا الْبَائِعُ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ، فَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ اسْتَأْوَى الْغَلَّةَ ، فَهُوَ إجَازَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ، فَكَانَ أَخْذُهَا دَلَالَةً قَصْدَ تَمَلُّكِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَقْرِيرَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ ، وَذَلِكَ قَصَدَ تَمَلُّكَ الدَّارِ أَوْ تَقَرَّرَ مِلْكِهِ فِيهَا ، فَكَانَ إجَازَةً .

، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَرْضًا فِيهَا حَرْثٌ ، فَسَقَاهُ أَوْ حَصَدَهُ أَوْ قَصَلَ مِنْهُ شَيْئًا ، فَهُوَ إجَازَةٌ ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ تَصَرُّفٌ فِي الْحَرْثِ بِالتَّزْكِيَةِ ، فَكَانَ فِي دَلِيلِ اخْتِيَارِ الْبَيْعِ وَإِيجَابِهِ وَكَذَلِكَ الْقَصْلُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِالتَّنْقِيصِ ، فَكَانَ دَلِيلَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَوْ التَّقَرُّرِ ، وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرِ تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ سَقَى مِنْهُ دَوَابَّهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ .

، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ رَحًى ، فَطَحَنَ فِيهَا ، فَإِنْ هُوَ طَحَنَ ؛ لِيَعْرِفَ مِقْدَارَ طَحْنِهَا ، فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مَا شُرِعَ لَهُ الْخِيَارُ ، وَلَوْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ إجَازَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ لِلِاخْتِيَارِ ، فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا بِوُجُوبِ الْبَيْعِ .

( وَأَمَّا ) خِيَارُ الْبَائِعِ ، وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا ، فَيَسْقُطُ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ ، فَأَيَّهُمَا أَجَازَ صَرِيحًا أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ جَانِبِهِ ، وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ أَجَازَ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ ، وَأَيَّهُمَا فَسَخَ صَرِيحًا أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ أَوْ ، فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسْخِ انْفَسَخَ أَصْلًا وَرَأْسًا ، وَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ مِنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ بِالْإِبْطَالِ ، وَالْعَقْدُ بَعْدَ مَا بَطَلَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مُتَلَاشٍ ( وَأَمَّا ) الْإِجَازَةُ ، فَهِيَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ بِالتَّغْيِيرِ ، وَهُوَ الْإِلْزَامُ لَا بِالْإِعْدَامِ ، فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ احْتِمَالِ الْفَسْخِ ، وَالْإِجَازَةِ ، وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا ، وَفَسَخَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ عَلَى الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى مِنْ الْإِجَازَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْحَقُ الْإِجَازَةَ ، فَإِنَّ الْمُجَازَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، فَأَمَّا الْإِجَازَةُ ، فَلَا تَلْحَقُ الْفَسْخَ ، فَإِنَّ الْمَفْسُوخَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ ، فَكَانَ الْفَسْخُ أَقْوَى مِنْ الْإِجَازَةِ ، فَكَانَ أَوْلَى .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْفَسْخِ ، وَالْإِجَازَةِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : فَسَخْنَا الْبَيْعَ ، وَقَالَ الْآخَرُ : لَا بَلْ أَجَزْنَا الْبَيْعَ جَمِيعًا ، فَاخْتِلَافُهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسْخَ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ ، وَأَحَدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِجَازَةِ ، وَلَوْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : مَضَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ الْفَسْخِ ، وَقَالَ

الْآخَرُ : بَعْدَ الْإِجَازَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الْجَوَازِ ، وَهُوَ مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِشَهَادَةِ الْحَالِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَلَوْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا بِخِلَافِ الظَّاهِرِ ، وَالْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لَهُ .
وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا ، وَاخْتَلَفَا فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ ادَّعَى الْفَسْخَ أَوْ الْإِجَازَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي ، وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ أَيَّهُمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الْجَوَازِ ، وَهِيَ مَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَلَوْ أُرِّخَتْ الْبَيِّنَاتُ فِي هَذَا كُلِّهِ ، فَأَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى سَوَاءٌ قَامَتْ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ عَلَى الْإِجَازَةِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ، وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ بِأَنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَلِلشَّارِطِ ، وَالْمَشْرُوطِ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ .
وَأَيُّهُمَا أَجَازَ جَازَ ، وَأَيُّهُمَا ، فَسَخَ انْفَسَخَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِطًا لِنَفْسِهِ مُقْتَضَى الشَّرْطِ لِغَيْرِهِ ، وَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لِلشَّارِطِ فِي الْفَسْخِ ، وَالْإِجَازَةِ ، فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا ، وَفَسَخَ الْآخَرُ ، فَإِنْ كَانَا عَلَى التَّعَاقُبِ ، فَأَوَّلُهُمَا أَوْلَى ، فَسْخًا كَانَ أَوْ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالشَّرْطِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ ، وُجُودُهُ بَطَلَ الْآخَرُ ، وَإِنْ كَانَا مَعًا ذُكِرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ عَنْ ، وِلَايَةِ الْمِلْكِ أَوْلَى نَقْضًا كَانَ أَوْ إجَازَةً ، وَذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ النَّقْضَ أَوْلَى مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ

الْبُيُوعِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةِ الْمِلْكِ ، فَلَا يُعَارِضُهُ الصَّادِرُ عَنْ وِلَايَةِ النِّيَابَةِ .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ أَنَّ النَّقْضَ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُجَازَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، أَمَّا الْمَفْسُوخُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ ، فَكَانَ الرُّجْحَانُ فِي الْمَأْذُونِ لِلنَّقْضِ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ ، وَقِيلَ مَا رُوِيَ فِي الْبُيُوعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ وِلَايَةَ الْمِلْكِ عَلَى وِلَايَةِ النِّيَابَةِ ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْدِيمَ وِلَايَةِ الْمِلْكِ ، وَأَصْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ إنْسَانٍ وَبَاعَ الْمَالِكُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعَ أَنَّ بَيْعَ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ ، فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فِي بَيَانِ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ ، فَنَقُولُ : وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ : اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ ، وَالِاخْتِيَارِيُّ نَوْعَانِ : أَيْضًا صَرِيحٌ ، وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ ، وَدَلَالَةٌ ( أَمَّا ) الْأَوَّلُ : فَنَحْوَ أَنْ يَقُولَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ، فَسَخْتُ الْبَيْعَ أَوْ نَقَضْتُهُ أَوْ أَبْطَلْتُهُ ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى ، فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ التَّرَاضِي ، وَلَا قَضَاءُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ .
( وَأَمَّا ) الْفَسْخُ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ ، فَهُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ، وَفِي الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَيْنًا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ ، فَتَصَرُّفُهُ فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ دَلِيلُ اسْتِبْقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي ، فَتَصَرُّفُهُ فِي الثَّمَنِ إذَا كَانَ عَيْنًا تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ دَلِيلُ اسْتِبْقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْفَسْخِ ، فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ دَلَالَةً ، وَالْحَاصِلُ إنْ وُجِدَ مِنْ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ مَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ فِي الثَّمَنِ ؛ لَكَانَ إجَازَةً لِلْبَيْعِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْفَسْخِ لَا يَقِفُ عَلَى عِلْمِ صَاحِبِهِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ هَهُنَا لَا يَثْبُتُ بِالْفَسْخِ مَقْصُودًا ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِغَيْرِهِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ مَقْصُودًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ ، وَالطَّرِيقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَقْصُودًا ، وَيَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
( وَأَمَّا ) الضَّرُورِيُّ ،

فَنَحْوَ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاتًّا لَبَطَلَ ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ، فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَلَكِنْ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ ، وَالْمِثْلُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ إمَّا بُطْلَانُ الْبَيْعِ ، فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ بِحَالٍ لَا يَحْتَمِلُ إنْشَاءَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ ، فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ ، فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ضَرُورَةً .
وَأَمَّا لُزُومُ الْقِيمَةِ ، فَقَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْخِيَارَ مَنَعَ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ ، فَكَانَ الْمَبِيعُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْبَائِعِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، فَيَهْلِكُ هَلَاكَ الْأَمَانَاتِ .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْبَيْعَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لَكِنَّ الْمَبِيعَ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرِي عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ ، فَلَا يَكُونُ دُونَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بَلْ هُوَ فَوْقَهُ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ لَا بِنَفْسِهِ ، وَلَا بِحُكْمِهِ ، وَهَهُنَا إنْ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْعَقْدِ ، فَقَدْ وُجِدَ بِنَفْسِهِ ، وَذَلِكَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْمِثْلِ ، فَهَذَا أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَلَكِنْ يَبْطُلُ الْخِيَارُ ، وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ ، وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ إمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا ، فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ ، فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ ، فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ ، كَمَا كَانَ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ .
( وَإِمَّا ) عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَالْمُشْتَرِي ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ ، فَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَهُوَ التَّعَيُّبُ بِعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَائِعِ ؛

لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِي يَدِهِ لَا يَخْلُو عَنْ تَقَدُّمِ عَيْبٍ عَادَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ سَبَبِ مَوْتِهِ فِي الْهَلَاكِ عَادَةً ، وَأَنَّهُ يَكُونُ عَيْبًا ، وَتَعَيُّبُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ .

وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ أَجْنَبِيٌّ ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ، وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ إلَى خَلَفٍ ، وَهُوَ الضَّمَانُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِلضَّمَانِ ، وَهُوَ إتْلَافُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَالْهَالِكُ إلَى خَلَفٍ قَائِمٌ مَعْنًى ، فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا ، فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ فِي يَدِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا ، فَإِنْ شَاءَ ، فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَاتَّبَعَ الْجَانِي بِالضَّمَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ ، وَالضَّمَانُ بَدَلُ الْمَضْمُونِ ، فَيَقُومُ مَقَامَهُ ، فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا مَعْنًى ، فَكَانَ الْخِيَارُ عَلَى حَالِهِ إنْ شَاءَ ، فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَاتَّبَعَ الْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ ، وَاتَّبَعَهُ بِالثَّمَنِ .

وَلَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَإِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ ، فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ بِإِبْقَاءِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ ، فَإِنْ أَجَازَهُ ، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ بِفِعْلِهِ ، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ قَدْرِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَالْإِجَازَةُ تَتَضَمَّنُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ النُّقْصَانِ هَلَكَ إلَى خَلَفٍ ، وَهُوَ الضَّمَانُ ، فَكَانَ قَائِمًا مَعْنًى ، وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْهَالِكِ .
فَكَانَ الْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ ؛ فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ ، وَإِنْ شَاءَ ؛ أَجَازَ ، وَاتَّبَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ، وَالْمُشْتَرِي يَتَّبِعُ الْجَانِي بِالْأَرْشِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، فَكَانَ قَدْرُ النُّقْصَانِ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَكَانَ هَلَاكًا إلَى خَلَفٍ ، فَكَانَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ ، وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ ؛ فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَاتَّبَعَ الْمُشْتَرِيَ بِالضَّمَانِ ، وَإِنْ شَاءَ ؛ أَجَازَهُ ، وَاتَّبَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ .
فَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ ، فَإِنْ شَاءَ ؛ أَجَازَ الْبَيْعَ

، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ ، فَإِنْ أَجَازَ ؛ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ سَوَاءٌ كَانَ التَّعَيُّبُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ جَازَ فِي الْكُلِّ ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرَّدِّ بِحُدُوثِ التَّغَيُّرِ فِي الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي يَدِهِ فِي ضَمَانِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّعَيُّبُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ ، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَّبِعَ الْجَانِي بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَبْدَ بِإِجَازَةِ الْبَائِعِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ فَسَخَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّعَيُّبُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ، فَإِنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ الْبَاقِي ، وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ، وَبِالْفَسْخِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ قَدْرِ الْفَائِتِ ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهِ .
وَكَذَا إذَا تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَ التَّعَيُّبُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ، فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ؛ اتَّبَعَ الْأَجْنَبِيَّ بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ؛ اتَّبَعَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ اخْتَارَ اتِّبَاعَ الْأَجْنَبِيِّ ؛ فَالْأَجْنَبِيُّ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ اخْتَارَ اتِّبَاعَ الْمُشْتَرِي ، فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْأَرْشِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَامَ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي حَقِّ مِلْكِ بَدَلِ الْفَائِتِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ فِي حَقِّ مِلْكِ نَفْسِ الْفَائِتِ كَغَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا قُتِلَ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِهِ ، وَضَمِنَهُ لِلْمَالِكِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَ الْمُدَبَّرِ كَذَا

هَذَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) شَرَائِطُ جَوَازِ الْفَسْخِ ، فَمِنْهَا قِيَامُ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا بَطَلَ ، فَقَدْ لَزِمَ الْبَيْعُ ، فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَمِنْهَا عِلْمُ صَاحِبِهِ بِالْفَسْخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ فُسِخَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَانَ فَسْخُهُ مَوْقُوفًا عِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ بِفَسْخِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَفَذَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَ الْعَقْدُ ، وَكَذَا لَوْ أَجَازَ الْفَاسِخُ الْعَقْدَ ؛ نَفَذَ فَسْخُهُ قَبْلَ عِلْمِ صَاحِبِهِ وَجَازَتْ إجَازَتُهُ ، وَلَزِمَ الْعُقَدُ وَبَطَلَ فَسْخُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ : عِلْمُ صَاحِبِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ فُسِخَ يَصِحُّ فَسْخُهُ عَلِمَ صَاحِبُهُ بِالْفَسْخِ أَوْ لَا .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ، فَصَلَ بَيْنَ خِيَارِ الْبَائِعِ ، وَخِيَارِ الْمُشْتَرِي ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعِلْمَ فِي خِيَارِ الْبَائِعِ ، وَشَرَطَ فِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي .
( وَأَمَّا ) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْفَسْخِ فِيهِ شَرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَهُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَزْلَ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ، وَإِنْ ، فَسَخَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الشَّرِكَةَ أَوْ نَهَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَصِحُّ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِجَازَةَ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ ، فَيَمْلِكُ الْفَسْخَ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ وَرِضَاهُ ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ عَلَى عِلْمِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفَسْخَ لَوْ نَفَذَ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُهُ ، فَلَا يَنْفُذُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَالْمُوَكِّلِ إذَا عَزَلَ ، وَكِيلَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ، وَبَيَانُ الضَّرَرِ أَنَّ صَاحِبَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ

بِالْفَسْخِ ، فَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مِلْكَهُ ، فَلَوْ جَازَ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ ؛ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ عَزْلُ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ ، وَكَذَا لَا ضَرَرَ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْفَسْخِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِجَازَةَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ .

( وَأَمَّا ) الْخِيَارُ الثَّابِتُ بِالشَّرْطِ دَلَالَةً ، فَهُوَ خِيَارُ الْعَيْبِ ، وَالْكَلَامُ فِي .
بَيْعِ الْمَعِيبِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ حُكْمِهِ ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْحُكْمِ ، وَفِي بَيَانِ تَفْسِيرِ الْعَيْبِ الَّذِي يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَتَفْصِيلِ الْمُفَسَّرِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ، وَفِي طَرِيقِ إثْبَاتِ الْعَيْبِ ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ ، وَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ ، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، وَمَا لَا يَمْنَعُ ، وَفِي بَيَانِ طَرِيقِ الرُّجُوعِ .

( أَمَّا ) حُكْمُهُ ، فَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ مُطْلَقٌ عَنْ الشَّرْطِ ، وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ شَرْطُ السَّلَامَةِ لَا شَرْطُ السَّبَبِ ، وَلَا شَرْطُ الْحُكْمِ ، وَأَثَرُهُ فِي مَنْعِ اللُّزُومِ لَا فِي مَنْعِ أَصْلِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُنَاكَ دَخَلَ عَلَى السَّبَبِ ، فَيَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ .

( وَأَمَّا ) صِفَتُهُ ، فَهِيَ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً ، فَمَا لَمْ يُسَلَّمْ الْمَبِيعُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ ، فَلَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السَّلَامَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً أَنَّ السَّلَامَةَ فِي الْبَيْعِ مَطْلُوبَةُ الْمُشْتَرِي عَادَةً إلَى آخِرِهِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ ، وَلَا يَتَكَامَلُ انْتِفَاعُهُ إلَّا بِقَيْدِ السَّلَامَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ ، فَكَانَتْ السَّلَامَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً ، فَكَانَتْ كَالْمَشْرُوطَةِ نَصًّا ، فَإِذَا ، فَاتَتْ الْمُسَاوَاةُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ ، كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ ، فَلَمْ يَجِدْهَا كَذَلِكَ ، وَكَذَا السَّلَامَةُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ، وَالْمُعَاوَضَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ عَادَةً وَحَقِيقَةً ، وَتَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ ، وَالسَّلَامَةِ بِالسَّلَامَةِ ، فَكَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ مُقْتَضِيًا لِلسَّلَامَةِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ قَدْرِ الْفَائِتِ بِالْعَيْبِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ ، وَلِأَنَّ السَّلَامَةَ لَمَّا كَانَتْ مَرْغُوبَةَ الْمُشْتَرِي ، وَلَمْ يَحْصُلْ ، فَقَدْ اخْتَلَّ رِضَاهُ ، وَهَذَا يُوجِبُ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } ، فَانْعِدَامُ الرِّضَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ، وَاخْتِلَالُهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ فِيهِ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ عَلَى قَدْرِ الدَّلِيلِ ، وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّةِ هَذَا الْخِيَارِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ اشْتَرَى شَاةً

مُحَفَّلَةً ، فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ ، فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ ، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ } ، وَالنَّظَرَانِ الْمَذْكُورَانِ هُمَا نَظَرُ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ ، وَذِكْرُ الثَّلَاثِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ لِلتَّوْقِيتِ ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْخِيَارِ لَيْسَ بِمُوَقَّتٍ بَلْ هُوَ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى إنْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ يَقِفُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَةً ، فَيَرْضَى بِهِ ، فَيُمْسِكُهُ أَوْ لَا يَرْضَى بِهِ ، فَيَرُدُّهُ ، وَالصَّاعُ مِنْ التَّمْرِ كَأَنَّهُ قِيمَةُ اللَّبَنِ الَّذِي حَلَبَهُ الْمُشْتَرِي عَلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) تَفْسِيرُ الْعَيْبِ الَّذِي يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَتَفْصِيلُ الْمُفَسَّرِ ، فَكُلُّ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ نُقْصَانًا فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا ، فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَمَا لَا فَلَا نَحْوَ الْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالْحَوَلِ وَالْقَبَلِ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَوْلِ مَصْدَرُ الْأَقْبَلِ ، وَهُوَ الَّذِي كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى طَرَفِ أَنْفِهِ ، وَالسَّبَلِ ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْأَجْفَانِ ، وَالْعَشَا مَصْدَرُ الْأَعْشَى ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ ، وَالْخَوَصِ مَصْدَرُ الْأَخْوَصِ ، وَهُوَ غَائِرُ الْعَيْنِ ، وَالْحَوَصِ مَصْدَرُ الْأَحْوَصِ ، وَهُوَ الضَّيِّقُ مُؤَخَّرِ الْعَيْنِ ، وَالْغَرَبِ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الْآمَاقِ ، وَهِيَ أَطْرَافُ الْعَيْنِ الَّتِي تَلِي الْأَنْفَ ، وَقِيلَ هُوَ دُرُورُ الدَّمْعِ دَائِمًا ، وَالظَّفَرَةُ ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ ناخنه ، وَالشَّتَرِ ، وَهُوَ انْقِلَابُ جَفْنِ الْعَيْنِ وَالْبَرَصِ وَالْقَرَعِ ، وَالسَّلْعِ وَالشَّلَلِ وَالزَّمَانَةِ ، وَالْفَدَعِ ، وَهُوَ اعْوِجَاجٌ فِي الرُّسْغِ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَالْفَجَجِ مَصْدَرُ الْأَفْجَجُ ، وَهُوَ الَّذِي يَتَدَانَى عَقِبَاهُ ، وَيَنْكَشِفُ سَاقَاهُ فِي الْمَشْيِ ، وَالصَّكَكِ مَصْدَرُ الْأَصَكِّ ، وَهُوَ الَّذِي تَصْطَكُّ رُكْبَتَاهُ .
وَالْحَنَفُ مَصْدَرُ الْأَحْنَفِ ، وَهُوَ الَّذِي أَقْبَلَتْ إحْدَى إبْهَامِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ، وَالْبَزَا مَصْدَرُ الْأَبْزَى ، وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ ، وَالْعُسْرِ مَصْدَرُ الْأَعْسَرِ ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِشِمَالِهِ ، وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاغِيَةِ وَالسَّوْدَاءِ وَالنَّاقِصَةِ وَالظُّفْرِ الْأَسْوَدِ ، وَالْبَخَرِ ، وَهُوَ نَتْنُ الْفَمِ فِي الْجَوَارِي لَا فِي الْعَبِيدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَنْ دَاءٍ ، وَالزَّفَرِ ، وَهُوَ نَتْنُ الْإِبِطِ فِي الْجَارِيَةِ لَا فِي الْغُلَامِ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ ، فَيَكُونُ عَيْبًا فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَالْأَدَرِ مَصْدَرُ الْأُدْرَةِ ، وَهُوَ الَّذِي بِهِ أُدْرَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ : فَتْحُ ،

وَالرَّتَقِ وَهُوَ انْسِدَادُ فَرْجِ الْجَارِيَةِ وَالْفَتْقِ وَهُوَ انْفِتَاحُ فَرْجِهَا وَالْقَرَنِ ، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ كَالْأُدْرَةِ فِي الرِّجَالِ وَالشَّمَطِ ، وَالشَّيْبِ فِي الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ وَالسَّلُول وَالْقُرُوحِ وَالشِّجَاجِ وَالْأَمْرَاضِ كُلِّهَا وَالْحَبَلِ فِي الْجَوَارِي لَا فِي الْبَهَائِمِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْبَهِيمَةِ ، وَحَذْفِ الْحُرُوفِ فِي الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ أَوْ فِي بَعْضِهِ ، وَالزِّنَا فِي الْجَارِيَةِ لَا فِي الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْفِرَاشَ ، وَقَدْ يُقْصَدُ الْفِرَاشُ فِي الْإِمَاءِ بِخِلَافِ الْغُلَامِ إلَّا إذَا فَحُشَ .
وَصَارَ اتِّبَاعُ النِّسَاءِ عَادَةً لَهُ ، فَيَكُونُ عَيْبًا فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَعْطِيلَ مَنَافِعِهِ عَلَى الْمَوْلَى ، وَكَذَا إذَا ظَهَرَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، فَهُوَ عَيْبٌ ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : بِبَلْخٍ : الزِّنَا يَكُونُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ ، فَلَا يُسْتَخْدَمُ وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ الْكَبِيرَ لَا يُشْتَرَى لِلِاسْتِخْدَامِ فِي الْبَيْتِ بَلْ لِلْأَعْمَالِ الْخَارِجَةِ ، وَكَوْنُ الْمُشْتَرَى وَلَدَ الزِّنَا فِي الْجَارِيَةِ لَا فِي الْعَبِيدِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ الْفِرَاشُ مِنْ الْجَوَارِي ، فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ يُعَيَّرُ وَلَدُهُ بِأُمِّهِ بِخِلَافِ الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَى لِلْخِدْمَةِ عَادَةً ، وَالْكُفْرُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْكَافِرِ .
( وَأَمَّا ) الْإِسْلَامُ ، فَلَيْسَ بِعَيْبٍ بِأَنْ اشْتَرَى نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا ، فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ زِيَادَةٌ ، وَالنِّكَاحُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ مَمْلُوكَةٌ لِلزَّوْجِ ، وَالْعَبْدُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي ثَمَنِهِمَا ، وَالْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ ، وَالثَّلَاثِ ، وَاحْتِبَاسُ الْحَيْضَةِ فِي

الْجَارِيَةِ الْبَالِغَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً شَهْرَانِ فَصَاعِدًا ، وَالِاسْتِحَاضَةُ ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ فِي أَوَانِهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَاءٍ عَادَةً ، وَكَذَا اسْتِمْرَارُ الدَّمِ فِي أَيَّامِ الطُّهْرِ ، وَالْإِحْرَامُ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ إزَالَتَهُ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا ، وَالْحُرْمَةُ بِالرَّضَاعِ أَوْ الصِّهْرِيَّةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْجَوَارِيَ لَا يُشْتَرَيْنَ لِلِاسْتِمْتَاعِ عَادَةً بَلْ لِلِاسْتِخْدَامِ فِي الْبَيْتِ ، وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ لَا تَقْدَحُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَكُونُ عَيْبًا ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ إلَّا حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يَخِلُّ بِالِاسْتِخْدَامِ .
وَالثِّيَابَةُ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا عَلَى شَرْطِ الْبَكَارَةِ ، فَيَرُدَّهَا بَعْدَ الشَّرْطِ ، وَالدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ ؛ لِأَنَّهُ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ ، وَيُبَاعُ بِالدَّيْنِ ، وَالْجَهْلُ بِالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ بَلْ هُوَ حِرْفَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا ، فَانْعِدَامُهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ ، فَيَرُدَّهَا لِفَوَاتِ الشَّرْطِ لَا لِلْعَيْبِ ، وَلَوْ كَانَتْ تُحْسِنُ الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، ثُمَّ نَسِيَتْ فِي يَدِهِ ، فَاشْتَرَاهَا فَوَجَدَهَا لَا تُحْسِنُ ذَلِكَ رَدَّهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُحْسِنُ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَهِيَ صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ تُشْتَرَى لَهَا الْجَارِيَةُ عَادَةً .
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا رَغْبَةً فِيهَا ، فَصَارَتْ مَشْرُوطَةً دَلَالَةً ، فَيَرُدُّهَا لِانْعِدَامِ الْمَشْرُوطِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ نَصًّا ، وَانْعِدَامُ الْخِتَانِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ إذَا كَانَا مَوْلُودَيْنِ كَبِيرَيْنِ ، فَإِنْ كَانَا مَوْلُودَيْنِ صَغِيرَيْنِ ، فَلَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ فِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ ،

وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي الْجَارِيَةِ فِي عُرْفِ بِلَادِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتِنُونَ الْجَوَارِيَ ، فَأَمَّا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا ، فَالْجَارِيَةُ لَا تُخْتَنُ ، فَعَدَمُ الْخِتَانِ فِيهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا أَصْلًا ، وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ كَبِيرًا حَرْبِيًّا لَا يَكُونُ عَيْبًا ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ ضَرُورَةٌ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرَّقِيقِ يُؤْتَى بِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، وَأَهْلُ الْحَرْبِ لَا خِتَانَ لَهُمْ ، فَلَوْ جُعِلَ ذَلِكَ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ ، وَلِأَنَّ الْخِتَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَعَادَتِهِمْ ، وَمَعَ ذَلِكَ اشْتَرَاهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الرِّضَا بِالْعَيْبِ ، وَالْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ، وَاحِدٍ مِنْهَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ نُقْصَانًا ، فَاحِشًا ، فَكَانَ عَيْبًا إلَّا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ اتِّحَادُ الْحَالَةِ ؟ .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِالْحُجَّةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ ؟ فَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْحَنَفُ مَصْدَرُ الْأَحْنَفِ مِنْ الْخَيَلِ ، وَهُوَ الَّذِي إحْدَى عَيْنَيْهِ زَرْقَاءُ ، وَالْأُخْرَى كَحْلَاءُ ، وَالصَّدَفِ مَصْدَرُ الْأَصْدَفِ ، وَهُوَ الدَّابَّةُ الَّتِي يَتَدَانَى فَخْذَاهَا ، وَيَتَبَاعَدُ حَافِرَاهَا ، وَيَلْتَوِي رُسْغَاهَا ، وَالْعَزْلُ مَصْدَرُ الْأَعْزَلِ ، وَهُوَ مِنْ الدَّوَابِّ الَّذِي يَقَعُ ذَنَبُهُ مِنْ جَانِبٍ عَادَةً لَا خِلْقَةً ، وَالْمَشَشُ ، وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْعَظْمِ لِآفَةٍ أَصَابَتْهُ ، وَالْجَرَدُ مَصْدَرُ الْأَجْرَدِ ، وَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ الَّذِي أَصَابَهُ انْقِطَاعُ عَصَبٍ مِنْ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ ، فَهُوَ يُنْقِصُهَا إذَا سَارَ ، وَالْحَرَّانُ ، وَالْحَرُونُ مَصْدَرُ الْحَرُونِ ، وَهُوَ الَّذِي يَقِفُ ، وَلَا يَنْقَادُ لِلسَّائِقِ ، وَلَا لِلْقَائِدِ ، وَالْجِمَاحُ وَالْجُمُوحُ مَصْدَرُ الْجَمُوحِ ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَدَّ الْفَرَسُ ، فَيَغْلِبُ رَاكِبَهُ ، وَخَلْعُ الرَّسَنِ ظَاهِرٌ ، وَبَلُّ الْمِخْلَاةِ كَذَلِكَ ،

وَالْهَشْمُ فِي الْأَوَانِي ، وَالصَّدْعُ فِي الْحَوَائِطِ وَالْجُذُوعِ ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْعُيُوبِ ، فَأَنْوَاعُ الْعُيُوبِ فِيهَا كَثِيرَةٌ لَا وَجْهَ لِذِكْرِهَا هَهُنَا كُلِّهَا ، وَالتَّعْوِيلُ فِي الْبَابِ عَلَى عُرْفِ التُّجَّارِ ، فَمَا نَقَصَ الثَّمَنَ فِي عُرْفِهِمْ ، فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَمَا لَا فَلَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

، وَأَمَّا شَرَائِطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ( فَمِنْهَا ) ثُبُوتُ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِفَوَاتِ صِفَةِ السَّلَامَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً ، وَقَدْ حُصِّلَتْ السِّلْعَةُ سَلِيمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ( وَمِنْهَا ) ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا قَبَضَ الْمَبِيعَ ، وَلَا يُكْتَفَى بِالثُّبُوتِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فِيمَا سِوَى الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْإِبَاقِ ، وَالسَّرِقَةِ ، وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ ، وَالْجُنُونِ ، فَكَذَلِكَ ، فَأَمَّا فِي الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَثُبُوتُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْبَائِعِ كَافٍ ، وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ فِي الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَقَالَ : لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجُنُونِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مَنْ فَصَّلَ هَذِهِ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ مِنْ سَائِرِهَا فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ عُيُوبٌ لَازِمَةٌ لَا زَوَالَ لَهَا إذَا ثَبَتَتْ فِي شَخْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ ، فَثُبُوتُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَكَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُيُوبِ ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُنُونِ ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْجُنُونَ لِفَسَادٍ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ ، وَهُوَ الدِّمَاغُ ، وَهَذَا مِمَّا لَا زَوَالَ لَهُ عَادَةً إذَا ثَبَتَ ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ : إنَّ الْجُنُونَ عَيْبٌ لَازِمٌ بِخِلَافِ الْإِبَاقِ ، وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ بَلْ تَحْتَمِلُ الزَّوَالَ لِزَوَالِ أَسْبَابِهَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِ الْعَامَّةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ نَصًّا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرَّدِّ فِي هَذِهِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا بَعْدَ

ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ ، فَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَ الْبَائِعِ مُحْتَمِلُ الزَّوَالِ قَابِلُ الِارْتِفَاعِ ، فَأَمَّا مَا سِوَى الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَهَا فِي الذَّاتِ لِلْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُدُوثِ ، وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلزَّوَالِ ، فَكَانَتْ هِيَ مُحْتَمِلَةً لِلزَّوَالِ لِاحْتِمَالِ زَوَالِ أَسْبَابِهَا ، فَإِنْ بَقِيَتْ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ ، وَإِنْ ارْتَفَعَتْ لَا يَثْبُتُ ، فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِالِاحْتِمَالِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا قَائِمَةٌ ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ الْجُنُونُ إذَا ثَبَتَ لَا يَزُولُ عَادَةً مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يُفِيقُ ، وَيَزُولُ جُنُونُهُ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ ، كَمَا فِي الْأَنْوَاعِ الْأُخَرِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ هُنَاكَ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالَةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ .
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي حَالَةِ الصِّغَرِ أَوْ فِي حَالِ الْكِبَرِ حَتَّى لَوْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ فِي الْفِرَاشِ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَهُوَ صَغِيرٌ عَاقِلٌ ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ، وَفِي الْجُنُونِ اتِّحَادُ الْحَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحَالِ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْبَوْلِ عَلَى الْفِرَاشِ فِي حَالِ الصِّغَرِ هُوَ ضَعْفٌ فِي الْمَثَانَةِ ، وَفِي الْكِبَرِ هُوَ دَاءٌ فِي الْبَاطِنِ ، وَالسَّبَبُ فِي الْإِبَاقِ ، وَالسَّرِقَةِ فِي الصِّغَرِ هُوَ الْجَهْلُ ، وَقِلَّةُ التَّمْيِيزِ ، وَفِي الْكِبَرِ الشَّرَارَةُ وَخُبْثُ الطَّبِيعَةِ ، وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ ، فَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ غَيْرَ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَكَانَ عَيْبًا

حَادِثًا ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ ، وَهُوَ فَسَادٌ فِي مَحَلِّ الْعَقْلِ ، وَهُوَ الدِّمَاغُ ، فَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ عَيْنَ الْمَوْجُودِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ ، وَهَذَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ الْجُنُونُ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا لَا مَا قَالَهُ أُولَئِكَ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ ( وَمِنْهَا ) عَقْلُ الصَّبِيِّ فِي الْإِبَاقِ ، وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ عَلَى الْفِرَاشِ حَتَّى لَوْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ عَلَى الْفِرَاشِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَعْقِلُ ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ، وَهَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَعْقِلُ ، ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا عَقَلَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ بِعَيْبٍ ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ ( وَمِنْهَا ) اتِّحَادُ الْحَالِ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الرَّدِّ بِأَنْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ عَلَى الْفِرَاشِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَهُوَ صَغِيرٌ عَاقِلٌ ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحَالِ دَلِيلُ اخْتِلَافِ سَبَبِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَاخْتِلَافُ سَبَبِ الْعَيْبِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعَيْبِ ، فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَيْبًا حَادِثًا عِنْدَ الرَّدِّ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
( وَمِنْهَا ) جَهْلُ الْمُشْتَرِي بِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا ، فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ دَلَالَةً ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبْضِ ، فَكَانَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْقَبْضِ كَالْعِلْمِ عِنْدَ الْعَقْدِ (

وَمِنْهَا ) عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ شَرَطَ ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ ، فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ ، فَصَحَّ الْإِسْقَاطُ ، فَيَسْقُطُ ضَرُورَةً .

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فِي جَوَازِهِ ، وَالثَّانِي : فِي بَيَانِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَمَّا الْكَلَامُ فِي جَوَازِهِ ، فَقَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ هَهُنَا إلَى بَيَانِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْبَرَاءَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ عَامَّةً بِأَنْ قَالَ : بِعْت عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْ قَالَ : مِنْ كُلِّ عَيْبٍ .
وَأَمَّا أَنْ كَانَتْ خَاصَّةً بِأَنْ قَالَ : مِنْ عَيْبِ كَذَا ، وَسَمَّاهُ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ قَيَّدَ الْبَرَاءَةَ بِعَيْبٍ قَائِمٍ حَالَةَ الْعَقْدِ ، وَإِمَّا أَنْ أَطْلَقَهَا إطْلَاقًا .
وَإِمَّا أَنْ أَضَافَهَا إلَى عَيْبٍ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَإِنْ قَيَّدَهَا بِعَيْبٍ قَائِمٍ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَيْبَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ عَامَّةً بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ أَوْ خَاصَّةً بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا بِهِ مِنْ عَيْبِ كَذَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُقَيَّدَ بِوَصْفٍ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَإِنْ أَطْلَقَهَا إطْلَاقًا دَخَلَ فِيهِ الْقَائِمُ ، وَالْحَادِثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْعَيْبِ يَقْتَضِي ، وُجُودَ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَعْدُومِ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَالْحَادِثُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَيْعِ ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِبْرَاءِ ، فَلَوْ دَخَلَ إنَّمَا يَدْخُلُ بِالْإِضَافَةِ إلَى حَالَةِ الْحُدُوثِ ، وَالْإِبْرَاءُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ ، وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ نَصًّا ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْلَى ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ

يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ نَصًّا ، وَدَلَالَةً ( أَمَّا ) النَّصُّ ، فَإِنَّهُ عَمَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْعُيُوبِ كُلِّهَا أَوْ خَصَّهَا بِجِنْسٍ مِنْ الْعُيُوبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَصًّا ، فَتَخْصِيصُهُ أَوْ تَقْيِيدُهُ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ ( وَأَمَّا ) الدَّلَالَةُ ، فَهِيَ أَنَّ غَرَضَ الْبَائِعِ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ انْسِدَادُ طَرِيقِ الرَّدِّ ، وَلَا يَنْسَدُّ إلَّا بِدُخُولِ الْحَادِثِ ، فَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ دَلَالَةً .
( وَأَمَّا ) قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ هَذَا إبْرَاءٌ عَمَّا لَيْسَ بِثَابِتٍ ، فَعِبَارَةُ الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَرْفِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ : هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ إبْرَاءٌ عَنْ الثَّابِتِ لَكِنْ تَقْدِيرًا ، وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِهِ ، كَمَا يَثْبُتُ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْضَ حُكْمُ الْعَقْدِ ، فَكَانَ هَذَا إبْرَاءً عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ تَقْدِيرًا ، وَالثَّانِي : أَنَّ سَبَبَ حَقِّ الرَّدِّ مَوْجُودٌ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ لِيُسَلَّمَ لَهُ الثَّمَنُ ، فَكَانَ ، وُجُودُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ ، وَالْبَيْعُ سَبَبٌ لِوُجُودِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، فَكَانَ ثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ حُكْمَ الْبَيْعِ السَّابِقِ ، وَالْبَيْعُ سَبَبٌ ، فَكَانَ هَذَا إبْرَاءً عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بَعْدَ ، وُجُودِ سَبَبِهِ ، وَسَبَبُ الشَّيْءِ إذَا ، وُجِدَ يُجْعَلُ هُوَ ثُبُوتًا تَقْدِيرًا لِاسْتِحَالَةِ خُلُوِّ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ ، فَكَانَ إبْرَاءً عَنْ الثَّابِتِ تَقْدِيرًا .
وَلِهَذَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْجِرَاحَةِ ؛ لِكَوْنِ الْجُرْحِ سَبَبَ السِّرَايَةِ ، فَكَانَ إبْرَاءً عَمَّا يَحْدُثُ مِنْ الْجُرْحِ تَقْدِيرًا ، وَكَذَا الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يَصِحُّ ،

وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لَا تُمَلَّكُ عِنْدَنَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا ، وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ عَنْ حَقٍّ لَيْسَ بِثَابِتٍ لَكِنْ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْجُرْحِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ كُلِّ حَقٍّ لَهُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ مَعْدُومٌ لِلْحَالِ بِنَفْسِهِ وَبِسَبَبِهِ ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَيْهِ الْإِبْرَاءُ ؛ لَكَانَ ذَلِكَ إبْرَاءً عَمَّا لَيْسَ بِثَابِتٍ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً ، وَلَا تَقْدِيرًا لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْحَقِّ ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ لَوْ تَنَاوَلَ الْحَادِثَ ؛ لَكَانَ هَذَا تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ بِشَرْطٍ أَوْ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ مَمْنُوعٍ بَلْ هَذَا إبْرَاءٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ ، وَقْتَ الْإِبْرَاءِ تَقْدِيرًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا تَعْلِيقًا ، وَلَا إضَافَةً ، فَيَصِحُّ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ، وَإِنْ أَضَافَهَا إلَى عَيْبٍ حَادِثٍ بِأَنْ قَالَ : عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ ، فَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ ؛ لِأَنَّهُ .
وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا ، فَفِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْتَمِلُ الِارْتِدَادَ بِالرَّدِّ ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ نَصَّا ، كَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، فَكَانَ هَذَا بَيْعًا أَدْخَلَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا ، فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ ، فَقَالَ الْبَائِعُ : هُوَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ، فَدَخَلَ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ هُوَ حَادِثٌ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقَةً ، فَهَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ الْمُطْلَقَةِ عِنْدَهُ ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ

، وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمُبْرِئُ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيمَا أَبْرَأَ ، قَوْلُهُ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَامَّةٌ ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي حَقَّ الرَّدِّ بِعُمُومِ الْبَرَاءَةِ عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَمَا لَوْ أَبْرَأْهُ عَنْ الدَّعَاوَى كُلِّهَا ، ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ ، وَهُوَ يُنْكِرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ دُونَ الْمُشْتَرِي لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا ، وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِعَيْبٍ يَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ ، فَاخْتَلَفَ الْبَائِعُ ، وَالْمُشْتَرِي عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِحَالِ الْعَقْدِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَ حَالَةَ الْعَقْدِ ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الْعَيْبَ لِأَقْرَبِ الْوَقْتَيْنِ ، وَالْبَائِعُ يَدَّعِيهِ لِأَبْعَدِهِمَا ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُشْتَرِي ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَيْبِ أَصْلٌ ، وَالْوُجُودُ عَارِضٌ ، فَكَانَ إحَالَةُ الْمَوْجُودِ إلَى أَقْرَبِ الْوَقْتَيْنِ أَقْرَبُ إلَى الْأَصْلِ ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي ذَلِكَ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ، وَقَبَضَهُ فَسَاوَمَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرِهِ ، فَإِنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَتَّفِقْ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ : إنَّك أَقْرَرْتَ أَنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ ، فَقَدْ أَكْذَبْت شُهُودَكَ لَا يَبْطُلُ بِهَذَا الْكَلَامِ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْمُتَعَارَفِ لَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ لِتَرْوِيجِ السِّلْعَةِ ، وَلِأَنَّ ظَاهِرَهُ كَذِبٌ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى عَنْهُ الْعُيُوبَ كُلَّهَا ، وَالْآدَمِيُّ لَا يَخْلُو عَنْ عَيْبٍ ، فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ

يَتَكَلَّمْ بِهِ ، وَلَوْ عَيَّنَ نَوْعًا مِنْ الْعُيُوبِ بِأَنْ قَالَ : اشْتَرِهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِهِ عَيْبُ كَذَا ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ، وَأَرَادَ الرَّدَّ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَوْعًا آخَرَ سِوَى النَّوْعِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا إقْرَارَ مِنْهُ بِهَذَا النَّوْعِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي عَيَّنَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ فِي الْمُتَعَارَفِ لَا تَرْوِيجُ السِّلْعَةِ ، فَصَارَ مُنَاقِضًا ؛ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ يَخْلُو عَنْ عَيْبٍ مُعِينٍ ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِكَذِبِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهِ حَقِيقَةً ، فَالْتَحَقَ كَلَامُهُ بِالْعَدَمِ .
وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ عَيْبٍ ، وَاحِدٍ شَجَّةٍ أَوْ جُرْحٍ ، فَوَجَدَ شَجَّتَيْنِ أَوْ جُرْحَيْنِ ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي يَرُدُّ أَيَّهمَا شَاءَ ، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِاعْتِرَاضِ أَسْبَابِ الِامْتِنَاعِ مِنْ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ حُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ الرَّدِّ ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، فَأَمَّا عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ ، فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي ، وَالِاحْتِمَالُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَطْلَقَ الْبَرَاءَةَ إلَى شَجَّةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ عَيْنٍ ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَالُ مِنْهُ كَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَكِنَّ مَنْفَعَةَ الْإِبْرَاءِ عَائِدَةٌ إلَى الْبَائِعِ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ، فَوَّضَ التَّعْيِينَ إلَيْهِ ، فَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ

دَاءٍ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْبَاطِنِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُسَمَّى مَرَضًا لَا دَاءً .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دَاءٌ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ ، فَهِيَ عَلَى السَّرِقَةِ ، وَالْإِبَاقِ وَالْفُجُورِ وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْغَائِلَةَ هِيَ الْجِنَايَةُ ، وَهِيَ الَّتِي تُكْتَبُ فِي عُهْدَةِ الْمَمَالِيكِ لَا دَاءَ ، وَلَا غَائِلَةَ عَلَى مَا { كُتِبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَمَا اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً ، وَهَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ بِهِ ، وَلَا غَائِلَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ } ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) طَرِيقُ إثْبَاتِ الْعَيْبِ ، فَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْعُيُوبِ ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ إثْبَاتِ الْعَيْبِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَيْبِ ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْعَيْبُ لَا يَخْلُو ( إمَّا ) أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا شَاهِدًا يَقِفُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاغِيَةِ وَالسَّاقِطَةِ وَبَيَاضِ الْعَيْنِ وَالْعَوَرِ وَالْقُرُوحِ وَالشِّجَاجِ وَنَحْوِهَا ( وَإِمَّا ) أَنْ يَكُونَ بَاطِنًا خَفِيًّا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ ، وَهُمْ الْأَطِبَّاءُ ، وَالْبَيَاطِرَةُ .
( وَإِمَّا ) أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ بِأَنْ كَانَ عَلَى فَرْجِ الْجَارِيَةِ أَوْ مَوَاضِعِ الْعَوْرَةِ مِنْهَا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ بِأَنْ كَانَ دَاخِلَ الْفَرْجِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ كَارْتِفَاعِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرِيدَ إثْبَاتَ كَوْنِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ لِلْحَالِ ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ إثْبَاتَ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْبَيْعِ ، وَالْقَبْضِ فَإِنْ أَرَادَ إثْبَاتَ كَوْنِهِ لِلْحَالِ ، فَإِنْ كَانَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْحِسِّ وَالْعِيَانِ ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِنَظَرِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيَّانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَطِبَّاءُ وَالْبَيَاطِرَةُ ، فَيَثْبُتُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { ، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ، وَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ فَيُسْأَلُونَ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ ؟ .
ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي

شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ ، وَذَكَرَ شَيْخِي الْإِمَامُ الزَّاهِدُ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَيَثْبُتُ بِقَوْلِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ مِنْهُمْ ، وَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو الْمَعِينِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ تَصَانِيفِهِ ( وَجْهُ ) هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا يَتَّصِلُ بِهَا الْقَضَاءُ ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِهَا الْخُصُومَةُ ، فَقَطْ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ ثَبَتَ تَعَبُّدًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي خَبَرِ الْمُسْلِمِ لَا يَقِفُ عَلَى عَدَدٍ بَلْ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَدَالَةِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ ، وَرَدَ بِهِ تَعَبُّدًا ، فَيُرَاعَى فِيهِ مَوْرِدُ التَّعَبُّدِ ، وَهُوَ شَهَادَةٌ يَتَّصِلُ بِهَا الْقَضَاءُ ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَا يَتَّصِلُ بِهَا الْقَضَاءُ ، فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ .
وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ النُّصُوصُ الْمُقْتَضِيَةُ لِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ فِي عُمُومِ الشَّهَادَةِ ، وَالْمَعْقُولُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَّصِلُ بِهَا الْقَضَاءُ لَكِنَّهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الْقَضَاءِ لَا وُجُودَ لِلْقَضَاءِ بِدُونِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْعَيْبُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالرَّدِّ ، فَكَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْقَضَاءِ ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ ، كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ ، فَالْقَاضِي يُرِيهُنَّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { ، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ، وَالنِّسَاءُ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ أَهْلُ الذِّكْرِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ مِنْهُنَّ بَلْ يُكْتَفَى بِقَوْلِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَدْلٍ ، وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ

عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِ كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فِي النَّسَبِ .
لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرَجِّحُ جَانِبَ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ ، وَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ الْعَيْبِ مُبَاحٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِنَّ ، وَرُخْصَةُ النَّظَرِ ثَابِتَةٌ لَهُنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ ، فَيُلْحَقُ هَذَا بِمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ ، فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا ؛ لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً ، وَإِنْ كَانَ فِي دَاخِلِ فَرْجِهَا ، فَلَا طَرِيقَ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ أَصْلًا ، فَكَانَ الطَّرِيقُ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ هُوَ اسْتِحْلَافُ الْبَائِعِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِهِ لِلْحَالِ هَذَا الْعَيْبُ .
( وَأَمَّا ) الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ ، وَالْجُنُونُ ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْخَبَرِ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ فِيهِ ، كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ لِلْمُشْتَرِي حُجَّةً عَلَى إثْبَاتِ الْعَيْبِ لِلْحَالِ فِي هَذِهِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ هَلْ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ ؟ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَسَكَتَ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ : يُسْتَحْلَفُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مُخَالِفُهُمَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ ذُكِرَتْ فِي النَّوَادِرِ ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحْلَفُ ، وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي حَقَّ الرَّدِّ ، وَلَا يُمْكِنُهُ

الرَّدُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ عِنْدَ نَفْسِهِ ، وَطَرِيقُ الْإِثْبَاتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ نُكُولُ الْبَائِعِ ، فَإِذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُسْتَحْلَفُ لِيَنْكُلَ الْبَائِعُ ، فَيَثْبُتُ الْعَيْبُ عِنْدَ نَفْسِهِ ، وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَذَا هَذَا ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَكُونُ عَقِيبَ الدَّعْوَى عَلَى الْبَائِعِ ، وَلَا دَعْوَى لَهُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ عِنْدَ نَفْسِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ ، فَلَمْ تَثْبُتْ دَعْوَاهُ عَلَى الْبَائِعِ ، فَلَا يُسْتَحْلَفُ ، وَقَوْلُهُمَا لَهُ طَرِيقُ الْإِثْبَاتِ ، وَهُوَ النُّكُولَ قُلْنَا النُّكُولُ بَعْدَ الِاسْتِحْلَافِ وَانْعِدَامُ الدَّعْوَى يَمْنَعُ الِاسْتِحْلَافَ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَافَ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الْعُيُوبِ عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتَاتِ وَبِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَلَا سَرَقَ وَلَا بَالَ عَلَى الْفِرَاشِ وَلَا جُنَّ ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَيَّ غَيْرِ فِعْلِهِ .
وَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِ فِعْلِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا لَيْسَ بِفِعْلِهِ ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَصْلُهُ خَبَرُ الْمَثْنَوِيِّ ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَثْبُتْ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ نَكَلَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ ، فَيُحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ عِنْدَهُ .
وَإِذَا أَرَادَ إثْبَاتَ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ ، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْحُدُوثَ أَصْلًا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ ، وَنَحْوِهَا أَوْ لَا يَحْتَمِلُ حُدُوثَ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالسِّنِّ الشَّاغِيَةِ ، وَنَحْوِهَا ثَبَتَ كَوْنُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِثُبُوتِ كَوْنِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْحُدُوثَ أَوَّلًا يَحْتَمِلُ حُدُوثَ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَمَلُ حُدُوثُ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يُكْتَفَى بِثُبُوتِ

كَوْنِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى إثْبَاتِ كَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ حُدُوثُ مِثْلَهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِالِاحْتِمَالِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ طَبِيبَتَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ طَبِيبَتَيْنِ .
وَإِنَّمَا شُرِطَ الْعَدَدُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْخَصْمِ ، فَكَانَ الْعَدَدُ فِيهَا شَرْطًا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي يُقْضَى بِهَا عَلَى الْخُصُومِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ يُرَدُّ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالثُّبُوتِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ حُجَّةٌ ضَرُورَةً ، وَالضَّرُورَةُ فِي الْقَبُولِ فِي حَقِّ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي حَقِّ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ ، وَإِذَا كَانَ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ شَرْطًا لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ .
فَيَقُولُ الْقَاضِي : هَلْ كَانَ هَذَا الْعَيْبُ عِنْدَكَ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، رُدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الرِّضَا أَوْ الْإِبْرَاءَ ، وَإِنْ قَالَ : لَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرَّدِّ وَهُوَ يُنْكِرُ ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ الدَّفْعَ أَوْ الْإِبْرَاءَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ

فَتَنْدَفِعُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ وَإِلَّا أَبْرَأَهُ عَنْهُ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُنْذُ رَآهُ ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الدَّفْعَ بِالرِّضَا وَالْإِبْرَاءَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : لَا يَفْسَخُ مَا لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ وَلَا أَبْرَأَهُ عَنْهُ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ مَا عَلِمَ بِهِ مِنْ الْعَيْبِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِالْفَسْخِ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالدَّفْعِ بِدَعْوَى الرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَيُفْسَخُ قَضَاؤُهُ ، فَكَانَ الِاسْتِحْلَافُ قَبْلَ الْفَسْخِ فِيهِ صِيَانَةٌ لِلْقَضَاءِ عَنْ النَّقْضِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يَطْلُبْ يَمِينَ الْمُشْتَرِي فَتَحْلِيفُ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْخَصْمِ إنْشَاءُ الْخُصُومَةِ ، وَالْقَاضِي نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِنْشَائِهَا ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي هَذَا صِيَانَةَ قَضَاءِ الْقَاضِي عَنْ الْفَسْخِ فَنَقُولُ : الصِّيَانَةُ حَاصِلَةٌ بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي ، إذْ لَوْ عَلِمَ لَادَّعَى الدَّفْعَ بِدَعْوَى ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ دَعْوَى الدَّفْعِ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَدَّعِي الدَّفْعَ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى إثْبَاتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَهُ فَفِيمَا سِوَى الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ بِعْتُهُ وَسَلَّمْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ،

وَإِنَّمَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فِي الِاسْتِحْلَافِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْبَيْعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا احْتِيَاطَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحْلِفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمِنْ الْجَائِزِ حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَكُونُ الْبَائِعُ صَادِقًا فِي يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجُودُ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ جَمِيعًا فَلَا يَحْنَثُ بِوُجُودِهِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي هَذَا الِاسْتِحْلَافِ عَلَى حَاصِلِ الدَّعْوَى بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِهَذَا الْعَيْبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ سَلَّمْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ الَّذِي يَدَّعِي وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالْحَادِثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحْلِفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ " وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ " بِصِفَةِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إذَا حَلَفَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِالْعَيْبِ أَوْ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ أَوْ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَيَبْرَأُ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُشْتَرِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ ، وَلَا يُحَلِّفْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
( وَأَمَّا ) فِي الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ : فَفِي الثَّلَاثَةِ مِنْهَا وَهِيَ الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا أَبِقَ عِنْدَكَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ،

وَفِي الْجُنُونِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا جُنَّ عِنْدَك قَطُّ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِحْلَافِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اتِّحَادَ الْحَالَةِ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ شَرْطُ ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْجُنُونِ بَلْ هُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا .

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ : فَالْمَبِيعُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي " رَدَدْتُ " وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا إلَى التَّرَاضِي بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْفَسِخُ بِقَوْلِهِ " رَدَدْتُ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى رِضَا الْبَائِعِ " وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ ، وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ مُتَّصِلًا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ( وَجْهُ ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا نَوْعُ فَسْخٍ فَلَا تَفْتَقِرُ صِحَّتُهُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى الرِّضَا كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى أَصْلِكُمْ ، وَلِهَذَا لَمْ يُفْتَقَرْ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا بَعْدَهُ .
( وَلَنَا ) أَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ ، وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الصَّفْقَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا كَالْإِقَالَةِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَسْخَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ ، ثُمَّ الْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ بِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَلَا يَنْفَسِخُ بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ وَمِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ بَلْ تَمَامُهَا بِالْقَبْضِ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِدَّ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ فَكَانَ الرَّدُّ فِي مَعْنَى الدَّفْعِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْقَبُولِ ، وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ مَنْعُ تَمَامِ الصَّفْقَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ خَلَلًا فِي الرِّضَا ، فَكَانَ الرَّدُّ كَالدَّفْعِ

أَمَّا هَهُنَا إذْ الصَّفْقَةُ قَدْ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ فَلَا تَحْتَمِلُ الِانْفِسَاخَ بِنَفْسِ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةِ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

بَيَانُ مَنْ تَلْزَمُهُ الْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ .
فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : الْخُصُومَةُ فِي الْبَيْعِ تَلْزَمُ الْبَائِعَ سَوَاءً كَانَ حُكْمُ الْعَقْدِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ تَلْزَمَهُ الْخُصُومَةُ إلَّا الْقَاضِيَ أَوْ أَمِينَهُ كَالْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِي الْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِي هَذَا الْبَابِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ إذَا كَانَ أَهْلًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَحْجُورًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا فَالْخُصُومَةُ لَا تَلْزَمُهُ وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَأَمَّا الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ : فَالْخُصُومَةُ لَا تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْقَاضِي إنَّمَا ثَبَتَتْ شَرْعًا نَظَرًا لِمَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ ، فَلَوْ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ لَامْتَنَعَ عَنْ النَّظَرِ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الْعُهْدَةِ ، فَكَانَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْبَابِ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ فِيهِ وَالْوَكِيلِ فِي بَابِ النِّكَاحِ ، وَمَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ .
وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ لَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكِّلِ نِيَابَةً عَنْهُ ، وَتَصَرُّفُ النَّائِبِ كَتَصَرُّفِ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ : فَإِنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِأَنْفُسِهِمَا لَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَوْلَى لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ ، فَإِذَا زَالَ الْحَجْرُ بِالْإِذْنِ فَالْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ بِمَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ فَكَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ لَا لِمَوْلَاهُ ، وَاَلَّذِي يَقَعُ لِلْمَوْلَى هُوَ حُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا غَيْرُ ، وَإِذَا كَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ عَلَى الْوَكِيلِ هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ؟ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : .
( إمَّا ) أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ

عَلَى الْعَيْبِ ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ ، فَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى الْعَيْبِ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ ، وَهُوَ نَائِبٌ عَنْهُ فَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ ، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا مُلْجَأً إلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْخُصُومَةِ وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا الِاضْطِرَارُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُوَكِّلِ ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِيهِ فَكَانَ مُضَافًا إلَيْهِ ، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرُدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ بِيَقِينٍ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ، فَإِنْ كَانَ رَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ لَا يَرُدُّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ يَلْزَمُهُ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَكَانَ حُجَّةً فِي حَقِّهِ خَاصَّةً لَا فِي حَقِّ مُوَكِّلِهِ .
وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ خَاصَّةً سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَهُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَمْلِكُ الرَّدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ ، فَأَمَّا الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ فَبِقَبُولِهِمَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ وَالشَّرِيكَ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ شَرِكَتِهِمَا تَلْزَمُهُمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَيَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَسْقُطُ وَلَا يَلْزَمُ .
فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : الرَّدُّ يَمْتَنِعُ بِأَسْبَابٍ ( مِنْهَا ) : الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ لِفَوَاتِ السَّلَامَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً وَلَمَّا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ دَلَّ أَنَّهُ مَا شَرَطَ السَّلَامَةَ ؛ وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، فَإِذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ وَرَضِيَ بِالضَّرَرِ ثُمَّ الرِّضَا نَوْعَانِ : صَرِيحٌ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ ، وَدَلَالَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ : فَنَحْوُ قَوْلِهِ " رَضِيت بِالْعَيْبِ أَوْ أَجَزْت هَذَا الْبَيْعَ أَوْ أَوْجَبْته " وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَأَمَّا الثَّانِي : فَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ نَحْوُ مَا إذَا كَانَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ قَطَعَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ أَرْضًا فَبَنَى عَلَيْهَا أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ لَحْمًا فَشَوَاهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، أَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ أَوْ لَيْسَ بِعَالِمٍ أَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ ، وَيَكُونُ الْعِلْمُ بِالْعَيْبِ وَكُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ الرَّدِّ .
وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ سَوَاءً كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَ قَبِلَهُ الْبَائِعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ

اللَّهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ خُرُوجُ السِّلْعَةِ عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا عَادَتْ إلَيْهِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ وَلِهَذَا إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ، وَكَذَا إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ عَلَى أَصْلِكُمْ .
( وَلَنَا ) أَنَّ الْقَبُولَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ ، بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَادَ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ عَلَى بَائِعِهِ كَذَا هَذَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ مَوْجُودٌ فَكَانَ شُبْهَةُ الشِّرَاءِ قَائِمَةً فَكَانَ الرَّدُّ عِنْدَ التَّرَاضِي بَيْعًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَبَقِيَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ الْمُبْتَدَإِ ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ أَصْلًا ؛ لِانْعِدَامِ التَّرَاضِي فَكَانَ فَسْخًا وَالْفَسْخُ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ وَجَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ ، وَبِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَمَامَ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ ؟ ، فَكَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْقَبُولِ ، كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَدَّ إيجَابَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ .
وَلِهَذَا لَمْ يَفْتَقِرْ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى الْقَاضِي ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ لَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الرَّدِّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى بَائِعِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ

فَكَانَ فَسْخًا وَرَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ أَوْ لَمَسَهَا لِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَا بِدُونِ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بِكْرًا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا بِدُونِ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَوْ قَبَّلَتْ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرِيَ لِشَهْوَةٍ فَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْقُطَ خِيَارُهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَسْقُطُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى دَابَّةً فَرَكِبَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَإِنْ رَكِبَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَفِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ كَمَا فِي الِاسْتِخْدَامِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ رَكِبَهَا لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رِضًا يُسْقِطُ خِيَارَهُ ، وَفِي شَرْطِ الْخِيَارِ لَا يُسْقِطُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَلَبِسَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ لِيَنْظُرَ إلَى طُولِهِ وَعَرْضِهِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَبْطُلُ .
( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا فَسَكَنَهَا بَعْدَ مَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَوْ رَمَّ مِنْهَا شَيْئًا أَوْ هَدَمَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ فِي السُّكْنَى رِوَايَتَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُوجَدُ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْمُشْتَرَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا

بِالْعَيْبِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَيُلْزِمُ الْبَيْعَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) إسْقَاطُ الْخِيَارِ صَرِيحًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي : أَسْقَطْت الْخِيَارَ أَوْ أَبْطَلْته أَوْ أَلْزَمْتُ الْبَيْعَ أَوْ أَوْجَبْتُهُ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ حَقُّهُ ، وَالْإِنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا .

( وَمِنْهَا ) إبْرَاءُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِسْقَاطِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ حَقُّهُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلسُّقُوطِ ، أَلَا تَرَى كَيْفَ احْتَمَلَ السُّقُوطَ بِالْإِسْقَاطِ صَرِيحًا ؟ فَإِذَا أَسْقَطَهُ يَسْقُطُ .

( وَمِنْهَا ) هَلَاكُ الْمَبِيعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرَّدِّ .

( وَمِنْهَا ) نُقْصَانُهُ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ نُقْصَانَ الْمَبِيعِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ فَهَذَا وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَيْبٌ سَوَاءٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي بَيْعِ الْبَاتِّ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ نُقْصَانَ قَدْرٍ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانَ وَصْفٍ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِمَا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيهِ ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَيْبٌ سَوَاءٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَطُرِحَ عَنْهُ قَدْرُ النُّقْصَانِ الَّذِي حَصَلَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ كَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لَا خِيَارَ لَهُ وَيَصِيرُ قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ وَجَدَ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ : أَنَا آخُذُهُ مَعَ النُّقْصَانِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهُ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ جَمِيعُ الثَّمَنِ ، وَسَنَذْكُرُ الْأَصْلَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَيَانِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَمَا لَا يَمْنَعُ ، هَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْبَائِعِ مَنْعُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ ، فَأَمَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ مَنْعٌ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ

عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ نَاقِضًا ذَلِكَ الْقَبْضَ فَانْتَقَضَ وَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ، فَكَانَ حَقُّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَّا قَدْرَ مَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ .
وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَاتَّبَعَ الْبَائِعُ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ كَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا ، هَذَا إذَا حَدَثَ النُّقْصَانُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ، فَأَمَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرُدَّ مَعَهُ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ امْتَنَعَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ نَظَرًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ النَّظَرِ أَوْلَى مِنْ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَلِّسْ الْعَيْبَ وَالْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ ( وَلَنَا ) أَنَّ شَرْطَ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مَعِيبًا بِعَيْبٍ وَاحِدٍ وَيَعُودُ عَلَى مِلْكِهِ مَعِيبًا بِعَيْبَيْنِ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الرَّدِّ فَلَا يُرَدُّ .

وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَرُدَّهَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : تُرَدُّ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ مَعَ شَرْطِهِ وَمَا بَعْدَ السَّبَبِ وَشَرْطِهِ إلَّا الْحُكْمُ ( أَمَّا ) السَّبَبُ فَهُوَ الْعَيْبُ وَقَدْ وُجِدَ ( وَأَمَّا ) الشَّرْطُ : فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ وَقْتَ الرَّدِّ كَمَا كَانَ وَقْتَ الْقَبْضِ وَقَدْ وُجِدَ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الْعَيْنِ إذْ هُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِخْدَامَ ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْبِكْرِ ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ عُضْوٌ مِنْهَا وَقَدْ أَزَالَهَا بِالْوَطْءِ ، وَلَنَا أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَهَا حُكْمُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْعَيْنِ ، وَغَيْرُ الْعَيْنِ لَا يُضْمَنُ بِالْعَيْنِ هُوَ الْأَصْلُ ، وَإِذْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ عِنْدَنَا أَصْلًا فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهَا فِي حُكْمِ إتْلَافِ الْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الرَّدِّ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَمَا إذَا قَطَعَ طَرَفًا مِنْهَا ، وَكَمَا فِي وَطْءِ الْبِكْرِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ مَحْضَةٍ مَا لَهَا حُكْمُ الْجُزْءِ وَالْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْجَارِيَةَ وَفَسَخَ الْعَقْدَ رُفِعَ مِنْ الْأَصْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ صَادَفَ مِلْكَ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَأَنَّهُ حَرَامٌ ، فَكَانَ الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ طَرِيقَ الصِّيَانَةِ عَنْ الْحَرَامِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ .

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ رَجُلَانِ شَيْئًا ثُمَّ اطَّلَعَا عَلَى عَيْبٍ بِهِ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ دُونَ صَاحِبِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ رَدَّ الْمُشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَيَصِحُّ ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَدَّ النِّصْفَ ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَيَا الْعَبْدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ ، وَقَدْ رَدَّ النِّصْفَ فَقَدْ رَدَّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرَّدِّ .
وَثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ عِنْدَ انْعِدَامِ شَرْطِهِ مُمْتَنِعٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرَّدِّ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ مَقْبُوضًا ، وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبٍ زَائِدٍ ، فَلَوْ رَدَّهُ لَرَدَّهُ وَهُوَ مَعِيبٌ بِعَيْبٍ زَائِدٍ وَهُوَ عَيْبُ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يُشْتَرَى بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فَلَمْ يُوجَدْ رَدُّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ لِاثْنَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا عَنْ الْجُمْلَةِ فَإِذَا قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَقَدْ فَرَّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَصِحَّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَذَا هَذَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ

وَوَجَبَ الْأَرْشُ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا وَوَجَبَ الْعُقْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ لِمَا قُلْنَا وَلِمَعْنًى آخَرَ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ أَنَّ النُّقْصَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يُؤْخَذُ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَلِهَذَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَلَوْ اشْتَرَى مَأْكُولًا فِي جَوْفِهِ كَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهَا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَهَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ وَجَدَهُ كُلَّهُ فَاسِدًا ، وَإِمَّا أَنْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَالْبَعْضَ صَحِيحًا ، فَإِنْ وَجَدَهُ كُلَّهُ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَصْلًا فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ ، وَبَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَنْعَقِدُ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُرٌّ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ مِنْهُ فَقَدْ سَلَّطَهُ عَلَى الْكَسْرِ فَكَانَ الْكَسْرُ حَاصِلًا بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ وَقْتَ الرَّدِّ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ زَائِدٍ بِالْكَسْرِ فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ لَرُدَّ مَعِيبًا بِعَيْبَيْنِ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الرَّدِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ " الْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَى الْكَسْرِ " فَنَعَمْ ، لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْ الْكَسْرِ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ فَيَكُونُ هُوَ بِالْكَسْرِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَمْرِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الرِّضَا بِالْكَسْرِ ، وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهُ فَاسِدًا دُونَ الْبَعْضِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْفَاسِدُ كَثِيرًا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فِي الْقَدْرِ الْفَاسِدِ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَإِذَا بَطَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ يَفْسُدُ فِي الْبَاقِي كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً ، وَإِنْ

كَانَ قَلِيلًا فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَلَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الْفَسَادِ فِيهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الْعَادَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ فَسَادٍ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةً فَيَلْتَحِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِالْعَدَمِ ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ فَصَّلَ تَفْصِيلًا آخَرَ فَقَالَ : إذَا وَجَدَ كُلَّهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ .
وَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ كَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ فَالْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ كَانَ الْقِشْرُ مَالًا ، وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا وَقَبِلَ قِشْرَهُ وَرَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ زَائِدٍ ، وَرَدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْمَعِيبِ جَبْرًا لِحَقِّهِ ، وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهُ فَاسِدًا فَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ دُونَ الْقِشْرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَ الْفَاسِدُ مِنْهُ قَلِيلًا قَدْرَ مَا لَا يَخْلُو مِثْلُهُ عَنْ مِثْلِهِ فَلَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الزِّيَادَةِ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِمَّا أَنْ حَدَثَتْ بَعْدَهُ ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الزِّيَادَتَيْنِ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً ، وَالْمُتَّصِلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالْكِبَرِ وَالسِّمَنِ وَالسَّمْعِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالسَّمْنِ أَوْ الْعَسَلِ الْمَلْتُوتِ بِالسَّوِيقِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا ، وَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهَا ، أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ وَالصَّدَقَةِ وَالْغَلَّةِ ، وَالْبَيْعُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا .
( أَمَّا ) الزِّيَادَةُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَحُكْمُهَا نَذْكُرُهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَأَمَّا ) فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ : فَإِنْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ حَقِيقَةً لِقِيَامِهَا بِالْأَصْلِ فَكَانَتْ مَبِيعَةً تَبَعًا ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ تَابِعًا فِي الْعَقْدِ يَكُونُ تَابِعًا فِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفَعَ الْعَقْدَ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ بِالْفَسْخِ فِيهِ مَقْصُودًا ، وَيَنْفَسِخُ فِي الزِّيَادَةِ تَبَعًا لِلِانْفِسَاخِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ بَلْ هِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيهَا أَصْلًا وَرَأْسًا ؟ فَلَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ لَكَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ

بِدُونِ الزِّيَادَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ مَعَ الزِّيَادَةِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ لِتَعَذُّرِ الْفَصْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ فِي الْعَقْدِ فَلَا تَكُونُ تَابِعَةً فِي الْفَسْخِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بِإِحْدَاثِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَصَارَ كَأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَحُدُوثُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .
وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُمَا جَمِيعًا ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، وَسَنَذْكُرُ الْفَرْقَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يَجِدْ بِالْأَصْلِ عَيْبًا وَلَكِنْ وَجَدَ بِالزِّيَادَةِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَبِيعَةٌ تَبَعًا ، وَالْمَبِيعُ تَبَعًا لَا يُحْتَمَلُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهِ مَقْصُودًا إلَّا إذَا كَانَ حُدُوثُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْمَبِيعِ كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ فَلَهُ خِيَارُ الرَّدِّ لَكِنْ لَا لِلزِّيَادَةِ بَلْ لِلنُّقْصَانِ .
وَلَوْ قَبَضَ الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ جَمِيعًا ثُمَّ وَجَدَ بِالْأَصْلِ عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَمَا قَسَّمَ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ الْأَصْلِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ بِالْقَبْضِ ، كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ قَبْضُهَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ بِالْأَصْلِ عَيْبًا وَلَكِنَّهُ وَجَدَ بِالزِّيَادَةِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا خَاصَّةً بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالْقَبْضِ فَيَرُدُّهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ

بِمَبِيعَةٍ لِانْعِدَامِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا هِيَ مَمْلُوكَةٌ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَبِالرَّدِّ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ وَتَبْقَى الزِّيَادَةُ مَمْلُوكَةً بِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ مَقْصُودًا أَوْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ لَا بِالْبَيْعِ فَكَانَتْ رِبْحًا لَا رِبًا لِاخْتِصَاصِ الرِّبَا بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُ مَالٍ قُصِدَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْبَيْعِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ إذَا رَدَّ الْأَصْلَ فَالزِّيَادَةُ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ ثَمَنٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّهَا لَا تَطِيبُ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهَا رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَلَا تَطِيبُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الزِّيَادَةُ تَكُونُ لِلْبَائِعِ لَكِنَّهَا لَا تَطِيبُ لَهُ وَهَذَا إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَإِنْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَالزِّيَادَةُ لَا تَطِيبُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهَا رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ تَفْسِيرُ الرِّبَا وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا : فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ هَالِكَةً لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ خَاصَّةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَرُدُّ مَعَهُ الزِّيَادَةَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ فَلَا تَتْبَعُهُ فِي حُكْمِ الْفَسْخِ وَلَوْ وَجَدَ بِالزِّيَادَةِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا تَحْتَمِلُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ لَرُدَّتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ هَذَا إذَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَمَّا إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ

الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ إنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهَا مَعَ الْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ حَقِيقَةً وَقْتَ الْفَسْخِ ، فَبِالرَّدِّ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ مَقْصُودًا وَيَنْفَسِخُ فِي الزِّيَادَةِ تَبَعًا .
وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّهُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نُقْصَانَ الْعَيْبِ مِنْ الْبَائِعِ وَأَبَى الْبَائِعُ إلَّا الرَّدَّ مَعَ الْعَيْبِ وَدَفَعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ اُخْتُلِفَ فِيهِ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبُو يُوسُفَ : لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ نُقْصَانَ الْعَيْبِ مِنْ الْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَطْلُبَ الرَّدَّ وَيَقُولَ : لَا أُعْطِيك نُقْصَانَ الْعَيْبِ وَلَكِنْ رُدَّ عَلَيَّ الْمَبِيعَ مَعِيبًا لِأَدْفَعَ إلَيْك جَمِيعَ الثَّمَنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا أَبَى ذَلِكَ ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ لَهُ : رُدَّ عَلَيَّ الْمَبِيعَ حَتَّى أَرُدَّ إلَيْك الثَّمَنَ كُلَّهُ وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الْأَصْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ هَلْ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إذَا لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ - وَهُوَ الْمُشْتَرِي - بِرَدِّ الزِّيَادَةِ وَيُرِيدُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؟ عِنْدَهُمَا يَمْنَعُ ، وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ .
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي النِّكَاحِ إذَا ازْدَادَ الْمَهْرُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ وَرَدَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهَا هَلْ تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ ؟ عِنْدَهُمَا تَمْنَعُ ، وَعَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَتْ ، وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْأَصْلَ فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ مَعَ الزِّيَادَةِ ، وَالرَّدُّ وَحْدَهُ لَا يُمْكِنُ وَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ

بِتَابِعَةٍ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهَا تَابِعَةً فِي الْفَسْخِ إلَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ جَدِيدٍ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَمْنَعُ ، وَيَرُدُّ الْأَصْلَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا مِنْ الْإِقَالَةِ ، وَالرَّدُّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عِنْدَنَا مَبِيعَةٌ تَبَعًا لِثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ تَبَعًا ، وَبِالرَّدِّ بِدُونِ الزِّيَادَةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ مَقْصُودًا وَتَبْقَى الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَبِيعًا مَقْصُودًا بِلَا ثَمَنٍ لِيَسْتَحِقَّ بِالْبَيْعِ ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الرِّبَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ .
بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِدُونِ الْأَصْلِ أَيْضًا احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا بَلْ تُرَدُّ مَعَ الْأَصْلِ ، وَرَدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ لَا يَتَضَمَّنُ الرِّبَا ثُمَّ إنَّمَا لَا يُرَدُّ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ هَهُنَا وَرُدَّ هُنَاكَ ، أَمَّا امْتِنَاعُ رَدِّ الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ فَلِمَا قُلْنَا إنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ( وَأَمَّا ) رَدُّهُ مَعَ الزِّيَادَةِ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ التَّابِعُ بَعْدَ الرَّدِّ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الزِّيَادَةِ ، وَيَعُودُ إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَ الْوَلَدُ لِلْبَائِعِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا الْوَلَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدْ حَصَلَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ لَا يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ بَلْ رِبْحَ مَا ضُمِنَ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ

بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ الْأَصْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي طَيِّبَةٌ لَهُ ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ أَصْلًا لِانْعِدَامِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيهَا بَلْ مُلِكَتْ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ فَأَمْكَنَ إثْبَاتُ حُكْمِ الْفَسْخِ فِيهِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ فَيُرَدُّ الْأَصْلُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ وَتَبْقَى الزِّيَادَةُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهَا شَرْعًا ، فَتَطِيبُ لَهُ .
هَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً فَهَلَاكُهَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ : فَإِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْأَصْلَ بِالْعَيْبِ وَتُجْعَلُ الزِّيَادَةُ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَرَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ وَيَرُدَّ نُقْصَانَ الْعَيْبِ ، سَوَاءٌ كَانَ حُدُوثُ ذَلِكَ أَوْجَبَ نُقْصَانًا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانًا فِيهِ ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ جُزْءٍ مُتَّصِلٍ بِالْأَصْلِ لِكَوْنِهَا مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ ، وَذَا يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَيَقُومُ الضَّمَانُ مَقَامَ الْعَيْنِ فَكَأَنَّ عَيْنَهُ قَائِمَةٌ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يُفْسَخُ بِهِ الْعَقْدُ فَالْكَلَامُ هَهُنَا يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِ الْفَسْخِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَوْعَانِ : اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ ، فَالِاخْتِيَارِيُّ نَحْوُ قَوْلِهِ فَسَخْتُهُ أَوْ نَقَضْتُهُ أَوْ رَدَدْته وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ ، وَالضَّرُورِيُّ هَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ .

( وَأَمَّا ) شَرَائِطُ جَوَازِ الْفَسْخِ فَمِنْهَا سُقُوطُ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ فَيَخْرُجُ عَنْ احْتِمَالِ الْفَسْخِ وَمِنْهَا عِلْمُ صَاحِبِهِ بِالْفَسْخِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَضَاءُ أَوْ الرِّضَا ؟ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ قَضَاءُ الْقَاضِي وَلَا رِضَا الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَضَاءُ أَوْ الرِّضَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ الْفَسْخُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ فَإِنْ تَضَمَّنَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ إضْرَارٌ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ ، وَالضَّرَرُ وَاجِبُ الدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمَرْضِيَّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَضَرِّرِ وَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ .

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مَعِيبًا فَأَرَادَ رَدَّ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا ؛ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً كَالْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ وَالدَّابَّتَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ فِي وِعَاءَيْنِ أَوْ صُبْرَتَيْنِ وَكُلِّ شَيْئَيْنِ يُنْتَفَعُ بِأَحَدِهِمَا فِيمَا وُضِعَ لَهُ بِدُونِ الْآخَرِ ( وَإِمَّا ) أَنْ يَكُونَ شَيْئَيْنِ حَقِيقَةً وَشَيْئًا وَاحِدًا تَقْدِيرًا كَالْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَالْمُكَعَّبَيْنِ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُنْتَفَعُ بِأَحَدِهِمَا فِيمَا وُضِعَ لَهُ بِدُونِ الْآخَرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ كُلَّ الْمَبِيعِ وَإِمَّا أَنْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ قَبَضَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ .
وَالْحَادِثُ فِي الْمَبِيعِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا أَوْ اسْتِحْقَاقًا : أَمَّا الْعَيْبُ فَإِنْ وَجَدَهُ بِبَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِشَيْءٍ مِنْهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْكُلِّ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْكُلَّ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَمَامَ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا بَاطِلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّ الْمَوْجُودَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَصْلُ الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ لَا صِفَةَ التَّأْكِيدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الِانْفِسَاخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ عَدَمُ التَّأْكِيدِ وَإِذَا قَبَضَ وَقَعَ الْأَمْرُ عَنْ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ فَكَانَ حُصُولُ التَّأْكِيدِ بِالْقَبْضِ ، وَالتَّأْكِيدُ إثْبَاتٌ مِنْ وَجْهٍ أَوْ لَهُ

شُبْهَةُ الْإِثْبَاتِ ، وَكَذَا مِلْكُ التَّصَرُّفِ يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ فَيَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَنُقْصَانُ الْمِلْكِ دَلِيلُ نُقْصَانِ الْعَقْدِ وَكَذَا الْمُشْتَرَى إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا إلَى التَّرَاضِي .
وَلَوْ كَانَتْ الصَّفْقَةُ تَامَّةً قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَا احْتَمَلَ الِانْفِسَاخَ بِنَفْسِ الرَّدِّ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَثْبُتُ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَمَامِهَا أَنَّ التَّفْرِيقَ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ ، وَالضَّرَرُ وَاجِبُ الدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ ، وَبَيَانُ الضَّرَرِ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً شَيْئًا وَاحِدًا تَقْدِيرًا ، وَالتَّفْرِيقُ تَضَمَّنَ الشَّرِكَةَ وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ فَكَانَ التَّفْرِيقُ عَيْبًا وَأَنَّهُ عَيْبٌ زَائِدٌ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ .
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ فَالتَّفْرِيقُ يَتَضَمَّنُ ضَرَرًا آخَرَ وَهُوَ لُزُومُ الْبَيْعِ فِي الْجَيِّدِ بِثَمَنِ الرَّدِيءِ ؛ لِأَنَّ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ وَالْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الصَّفْقَةِ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ تَرْوِيجًا لِلرَّدِيءِ بِوَاسِطَةِ الْجَيِّدِ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَرَى الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ بِالرَّدِيءِ فَيَرُدَّهُ فَيَلْزَمَ الْبَيْعُ فِي الْجَيِّدِ بِثَمَنِ الرَّدِيءِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ فَدَلَّ أَنَّ فِي التَّفْرِيقِ ضَرَرًا فَيَجِبُ دَفْعُهُ مَا أَمْكَنَ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ فِي الْقَبُولِ بِأَنْ أَضَافَ الْإِيجَابَ إلَى جُمْلَةٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ بِلُزُومِ حُكْمِ الْبَيْعِ فِي الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ إلَّا فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ إلَّا فِي الْجُمْلَةِ لِئَلَّا يَزُولَ

مِلْكُهُ مِنْ غَيْرِ إزَالَتِهِ فَيَتَضَرَّرَ بِهِ ، عَلَى أَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالْقَبْضِ كَانَ الْقَبْضُ فِي مَعْنَى الْقَبُولِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ رَدُّ الْبَعْضِ وَقَبْضُ الْبَعْضِ تَفْرِيقًا فِي الْقَبُولِ وَمِنْ وَجْهٍ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِرَدِّ الْمَعِيبِ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَيَجُوزَ وَيَأْخُذَ الْمُشْتَرِي الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ فَلَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ ، وَسَوَاءٌ وَجَدَ الْعَيْبَ بِغَيْرِ الْمَقْبُوضِ أَوْ بِالْمَقْبُوضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكَانَ رَدُّ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْعَيْبَ بِغَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَكَذَلِكَ فَأَمَّا إذَا وَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَهُوَ نَظَرَ إلَى الْمَعِيبِ مِنْهُمَا أَيِّهِمَا كَانَ وَاعْتَبَرَ الْآخَرَ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ غَيْرَ الْمَقْبُوضِ اُعْتُبِرَ الْآخَرُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَقْبِضَا جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ مَقْبُوضًا اُعْتُبِرَ الْآخَرُ مَقْبُوضًا فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَدِّ التَّعَارُضِ إذْ لَيْسَ اعْتِبَارُ غَيْرِ الْمَعِيبِ بِالْمَعِيبِ فِي الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمَعِيبِ بِغَيْرِ الْمَعِيبِ فِي الْقَبْضِ بَلْ هَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ ، وَالْعَمَلُ بِالْأَصْلِ عِنْدَ التَّعَارُضِ أَوْلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْ الْمَبِيعِ أَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ دُونَ

الْبَعْضِ .

فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْكُلَّ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْكُلِّ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْكُلَّ وَاسْتَرَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ قَدْرَ الْمَعِيبِ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ إلْزَامَ عَيْبِ الشَّرِكَةِ وَأَنَّهَا عَيْبٌ حَادِثُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً ؛ شَيْئًا وَاحِدًا تَقْدِيرًا - فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ إذْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِأَحَدِهِمَا فِيمَا وُضِعَ لَهُ بِدُونِ الْآخَرِ فَكَانَا فِيمَا وُضِعَا لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَبِالرَّدِّ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ وَإِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِأَحَدِهِمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ كَانَ التَّفْرِيقُ فَيَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ زَائِدٍ حَادِثٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ إلَّا عِنْدَ التَّرَاضِي وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَرُدُّهُمَا أَوْ يُمْسِكُهُمَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ لِيُرَوِّجَ الرَّدِيءَ بِوَاسِطَةِ الْجَيِّدِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَيْبُ بِالرَّدِيءِ فَيَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فِي الْجَيِّدِ بِثَمَنِ الرَّدِيءِ ، وَهَذَا إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَا هَذَا .
( وَلَنَا ) أَنَّ مَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا ؛ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ

الرَّدِّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِفَوَاتِ السَّلَامَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً ؛ وَالثَّابِتَةِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالسَّلَامَةُ فَاتَتْ فِي أَحَدِهِمَا فَكَانَ لَهُ رَدُّهُ خَاصَّةً فَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ إنَّمَا يَمْتَنِعُ لِتَضَمُّنِهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ ، وَتَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَاطِلٌ قَبْلَ التَّمَامِ لَا بَعْدَهُ وَالصَّفْقَةُ قَدْ تَمَّتْ بِقَبْضِهِمَا فَزَالَ الْمَانِعُ .
( وَأَمَّا ) قَوْلُهُمَا : يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِرَدِّ الرَّدِيءِ خَاصَّةً ، فَنَعَمْ لَكِنَّ هَذَا ضَرَرٌ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى بَيْعِ الْمَعِيبِ وَتَدْلِيسِ الْعَيْبِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِالْعَيْبِ - دَلَالَةُ الرِّضَا بِالرَّدِّ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَمَامَ لِلْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ قَبْلَ الْقَبْضِ دَلَالَةَ الرِّضَا بِالرَّدِّ فَكَانَ الرَّدُّ ضَرَرًا غَيْرَ مَرْضِيٍّ بِهِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ سَوَاءٌ قَبَضَ الْكُلَّ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا أَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ .
وَلَوْ تَمَّتْ الصَّفْقَةُ لَمَا اُحْتُمِلَ الرَّدُّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي دَلَّ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ، وَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : أَنَا أُمْسِكُ الْمَعِيبَ وَآخُذُ النُّقْصَانَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أُمْسِكُ الْمَعِيبَ - دَلَالَةُ الرِّضَا بِالْمَعِيبِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ فَوَجَدَ بِالْكُلِّ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ أَنَّ

الْمَرْدُودَ إنْ كَانَ مِمَّا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ بِهِ وَحْدَهُ لَكَانَ لَهُ رَدُّهُ وَحْدَهُ كَالْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ - فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ الْبَعْضَ فَقَدْ رَضِيَ بِعَيْنِهِ فَبَطَل حَقُّ الرَّدِّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ صِفَةَ السَّلَامَةِ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً وَلَا مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ كَانَ صَحِيحًا فِي الْأَصْلِ وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَيَرُدُّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ مِمَّا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ بِهِ وَحْدَهُ لَكَانَ لَا يَرُدُّهُ كَالْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا تَعْيِيبٌ .

وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَبَضَ الْمَعِيبَ - وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الْعَبْدَانِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَعِيبِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ دَلِيلُ الرِّضَا وَلِلْقَبْضِ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَكَانَ الرِّضَا بِهِ عِنْدَ الْقَبْضِ كَالرِّضَا بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فَلَزِمَاهُ جَمِيعًا ، كَذَا هَذَا وَلَوْ قَبَضَ الصَّحِيحَ مِنْهُمَا ، وَلَوْ كَانَا مَعِيبَيْنِ فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالصَّفْقَةُ لَا تَتِمُّ بِقَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ بِقَبْضِ الْكُلِّ فَلَوْ لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِي الْمَقْبُوضِ دُونَ الْآخَرِ لَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَتَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بَاطِلٌ وَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ حَقِّهِ عَنْ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَبَقِيَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى مَا كَانَ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَجُزْ الْمُسْتَحَقُّ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الْبَائِعِ ، وَلَمْ تُوجَدْ الْإِجَازَةُ مِنْ الْمَالِكِ فَبَطَلَ ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّهُ يُوجِبُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي أَوْ لَا يُوجِبُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَحِقُّ فَقَدَ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ فَصَارَ كَعَيْبٍ ظَهَرَ بِالسِّلْعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخِيَارَ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ قَبْضِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ سَوَاءٌ وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْمَقْبُوضِ وَعَلَى غَيْرِ الْمَقْبُوضِ .
فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْكُلَّ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ لِمَا قُلْنَا ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ يُوجِبُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي بِأَنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا كَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالْأَرْضِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهَا - فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي الْبَاقِي إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ شَيْئًا وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي وَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ لَا يُوجِبُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي بِأَنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى كَالْعَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا أَوْ كَانَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ أَوْ جُمْلَةَ وَزْنِيٍّ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَمَا لَا يَمْنَعُ .
فَالْكَلَامُ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ شَرَائِطِ ثُبُوتِ حَقِّ الرُّجُوعِ ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ هَذَا الْحَقُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَمَا لَا يَبْطُلُ ( أَمَّا ) الشَّرَائِطُ ( فَمِنْهَا ) امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَتَعَذُّرُهُ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ كَالْخُلْفِ عَنْ الرَّدِّ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى الْخُلْفِ وَلِأَنَّ إمْسَاكَ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ مَعَ عِلْمِهِ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ ، وَالرِّضَا بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ كَمَا يَمْنَعُ الرَّدَّ .

( وَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ لَا مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَابِسًا الْمَبِيعَ بِفِعْلِهِ مُمْسِكًا عَنْ الرَّدِّ ، وَهَذَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْحَقِّ أَصْلًا وَرَأْسًا وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ انْتَقَصَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِي الْهَلَاكِ لِضَرُورَةِ فَوَاتِ الْمَحَلِّ ، وَفِي النُّقْصَانِ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ وَهُوَ دَفْعُ ضَرَرٍ زَائِدٍ يَلْحَقُهُ بِالرَّدِّ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ : أَنَا أَقْبَلُهُ مَعَ النُّقْصَانِ فَأَدْفَعُ إلَيْك جَمِيعَ الثَّمَنِ ؟ وَإِذَا كَانَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَهُوَ لُزُومُ الضَّرَرِ إيَّاهُ بِالرَّدِّ فَإِذَا دَفَعَ الضَّرَرَ عَنْهُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ يَرْجِعُ إلَى الذَّاتِ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ امْتَنَعَ لَا مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي بَلْ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا مَوْطُوءَةً ؟ .
وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ عِنْدَ الْبَائِعِ فَوَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا قَدْ وَطِئَهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَإِمْكَانُ الرَّدِّ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْهَا عِنْدَ الْبَائِعِ فَوَطِئَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْبِكْرِ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْعَيْنِ بِإِزَالَةِ الْعُذْرَةِ ، وَالِامْتِنَاعُ هَهُنَا لَيْسَ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي بَلْ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ

بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ أَمْ لَا ؟ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا حَقِيقَةً هَالِكًا تَقْدِيرًا بِأَنْ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْهَلَاكِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ ، أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا ، أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ ، أَوْ لَحْمًا فَشَوَاهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ وَلَوْ حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ أَوْ بِسَبَبِهِ زِيَادَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الرَّدِّ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ هَهُنَا لَا مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي بَلْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْأَصْلَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ مَبِيعًا مَقْصُودًا بِلَا ثَمَنٍ ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الرِّبَا فِي مُتَعَارَفِ الشَّرْعِ .
وَحُرْمَةُ الرِّبَا تَثْبُتُ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَلِهَذَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ لَا يُقْضَى بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ حَقًّا لِلشَّرْعِ لَا تَسْقُطُ بِرِضَا الْعَبْدِ وَإِذَا كَانَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الشَّرْعِ لَا إلَى الْمُشْتَرِي بَقِيَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ وَاجِبَ الرِّعَايَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ جَبْرًا لِحَقِّهِ وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمَانِعَةُ سَمْنًا أَوْ عَسَلًا لَتَّهُ بِسَوِيقٍ أَوْ عُصْفُرًا أَوْ زَعْفَرَانًا صَبَغَ بِهِ الثَّوْبَ أَوْ بِنَاءً عَلَى الْأَرْضِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ التَّعَذُّرَ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ بَلْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهُ كَذَلِكَ ؟ وَتَعَذُّرُ الرَّدِّ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ لِمَا ذَكَرْنَا .

وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ هَهُنَا مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ صَارَ مُمْسِكًا عَنْ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَامَ مَقَامَهُ فَصَارَ مُبْطِلًا لِلرَّدِّ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ صَيْرُورَةَ الْعَبْدِ حُرًّا يَدًا فَصَارَ بِالْكِتَابَةِ مُمْسِكًا عَنْ الرَّدِّ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ فِي حَقِّ الْمُعْتِقِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ بِمُقَابَلَتِهِ ، وَالْبَيْعُ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ ، كَذَا هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّ الرَّدَّ امْتَنَعَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ أَوْ الْكِتَابَةَ ( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ هَهُنَا لَيْسَ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَيْسَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ بَلْ الْمِلْكُ يَنْتَهِي بِالْإِعْتَاقِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّ عَدَمُ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ إذْ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْحُرَّيْنِ يَكُونُ حُرًّا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ ضَرَبَ الْمِلْكَ وَالْمَالِيَّةَ عَلَيْهِ بِعَارِضِ الْكُفْرِ مُؤَقَّتًا إلَى غَايَةِ الْإِعْتَاقِ ، وَالْمُؤَقَّتُ إلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي عِنْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ فَيَنْتَهِي الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْتَهَى بِالْمَوْتِ ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَيْسَ بِحَبْسٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي مَقَامَ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَبَقَاهُ عَلَى

مِلْكِهِ فَصَارَ حَابِسًا إيَّاهُ بِفِعْلِهِ مُمْسِكًا عَنْ الرَّدِّ فَلَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي بَلْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ وَلَوْ قَتَلَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَتَنْتَهِي حَيَاتُهُ عِنْدَ الْقَتْلِ كَمَا تَنْتَهِي عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ، وَهُنَاكَ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَذَا هَهُنَا ( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فَوَاتَ الْحَيَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَثَرُ فِعْلِ الْقَاتِلِ حَقِيقَةً فَهُوَ أَثَرُ فِعْلِهِ عَادَةً فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ كَأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ حَقِيقَةً وَإِزَالَتُهَا وَإِنْ كَانَ انْتِهَاءً حَقِيقَةً كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُعْتِقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَصَارَ حَابِسًا لِلْعَبْدِ بِصُنْعِهِ مُمْسِكًا .

وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَتَّى تَخَرَّقَ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَرْجِعُ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ أَكْلَ الطَّعَامِ وَلُبْسَ الثَّوْبِ اسْتِعْمَالُ الشَّيْءِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا إتْلَافٌ ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ إزَالَةُ الْحَيَاةِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ فَكَانَ حَبْسًا وَإِمْسَاكًا ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِأَكْلِ الطَّعَامِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ أَخْرَجَهُمَا عَنْ مِلْكِهِ حَقِيقَةً إذْ الْمِلْكُ فِيهِمَا ثَبَتَ مُطْلَقًا لَا مُؤَقَّتًا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَأَشْبَهَ الْقَتْلَ وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ الطَّعَامُ أَوْ الثَّوْبُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَرَاءَ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِهْلَاكَهُمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ إبْطَالٌ مَحْضٌ فَيُشْبِهُ الْقَتْلَ وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِي وَلَا أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ امْتَنَعَ رَدُّ بَعْضِهِ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ حَقُّهُ أَصْلًا فِي الرَّدِّ وَالرُّجُوعِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَ الطَّعَامِ دُونَ بَعْضٍ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : يَرُدُّ الْبَاقِي وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْكُلِّ الْمَأْكُولِ وَالْبَاقِي إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : يَرُدُّ الْبَاقِي وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِيمَا أَكَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَبْعِيضِ الطَّعَامِ ضَرَرٌ فَيُمْكِنُ رَدُّ الْبَعْضِ فِيهِ دُونَ الْبَعْضِ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرُ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ بَاعَ بَعْضَ الطَّعَامِ دُونَ الْبَعْضِ لَمْ يَرُدَّ الْبَاقِي وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ

أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَرُدُّ الْبَاقِي وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ وَالرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ لِأَجْلِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَيَمْتَنِعُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ بِقَدْرِ الْمَانِعِ .
( وَلَنَا ) مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الطَّعَامَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَالْعَبْدِ فَالِامْتِنَاعُ فِي الْبَعْضِ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي الْكُلِّ .

وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَنَاهَا مَسْجِدًا فَقَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا .

وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَكَفَّنَ بِهِ مَيِّتًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَارِثَ الْمَيِّتِ وَقَدْ اشْتَرَى مِنْ التَّرِكَةِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْكَفَنِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْمَيِّتِ وَقَدْ امْتَنَعَ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ لَا مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا فَتَبَرَّعَ بِالْكَفَنِ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُشْتَرَى وَقَعَ لَهُ فَإِذَا كَفَّنَ بِهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّكْفِينِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) عَدَمُ وُصُولِ عِوَضِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي مَعَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ عِوَضُهُ بِأَنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِهِ خَطَأً لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَقِيقَةُ الْعَيْبِ وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ قِيمَةُ الْمَعِيبِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِقْدَارِ الْعَيْبِ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ قِيمَتُهُ قَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ فَكَأَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ عِوَضُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ ، كَذَا هَذَا .

وَمِنْهَا عَدَمُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ صَرِيحًا وَدَلَالَةً وَهِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الرَّدِّ وَالرُّجُوعِ جَمِيعًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَمْنَعُ الرَّدَّ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مَا لَا يُخْرِجُ السِّلْعَةَ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا الْكِتَابَةَ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ الرِّضَا ، وَفِي الْكِتَابَةِ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا يُخْرِجُ السِّلْعَةَ عَنْ مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا الْإِعْتَاقُ لَا عَلَى مَالٍ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَمَا لَا يَبْطُلُ : .
فَحَقُّ الرُّجُوعِ يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ نَحْوَ قَوْلِهِ : أَبْطَلْته أَوْ أَسْقَطْته أَوْ أَبْرَأْتُك عَنْهُ ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّجُوعِ حَقُّهُ كَخِيَارِ الرَّدِّ لِثُبُوتِهِ بِالشَّرْطِ وَهِيَ السَّلَامَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَالْإِنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا وَيَسْقُطُ أَيْضًا بِالرِّضَا بِالْعَيْبِ ، وَهُوَ نَوْعَانِ : صَرِيحٌ ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ ، وَدَلَالَةٌ فَالصَّرِيحُ هُوَ أَنْ يَقُولَ : رَضِيت بِالْعَيْبِ الَّذِي بِهِ أَوْ اخْتَرْت أَوْ أَجَزْت الْبَيْعَ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ، وَالدَّلَالَةُ هِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ ، كَمَا إذَا انْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ النُّقْصَانِ وَوَجَبَ الْأَرْشُ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُخْرِجَ عَنْ الْمِلْكِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ دَلَالَةُ الْإِمْسَاكِ عَنْ الرَّدِّ ، وَذَا دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَغَيْرِهِ ، أَوْ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الْأَصْلِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْهُ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ ، وَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالصَّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ بَلْ يَبْقَى الْأَرْشُ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنْ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ

خِيَارُ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ مَعَ الْعَيْبِ وَأَرُدُّ إلَيْك جَمِيعَ الثَّمَنِ ؟ وَإِذَا كَانَ الرَّدُّ مُمْتَنِعًا قَبْلَ التَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ هُوَ بِالتَّصَرُّفِ مُمْسِكًا عَنْ الرَّدِّ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا فَبَقِيَ الْأَرْشُ وَاجِبًا كَمَا كَانَ .
بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَكُنْ الرَّدُّ مُمْتَنِعًا حَتْمًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَهُ نَاقِصًا مَعَ الْعَيْبِ ؟ فَكَانَ الْمُشْتَرِي بِتَصَرُّفِهِ مُفَوِّتًا عَلَى نَفْسِهِ حَقَّ الرَّدِّ فَكَانَ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ بِفِعْلِهِ مُمْسِكًا إيَّاهُ عَنْ الرَّدِّ وَأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ وُجُوبَ الْأَرْشِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ وَالْإِلْزَامِ بَلْ كَانَ خِيَارُ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ مَعَ الْعَيْبِ فَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا مُخْرِجًا عَنْ الْمِلْكِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَرْشِ ، وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهُ ثَابِتًا حَتْمًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الِاسْتِرْدَادِ فَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ الْأَرْشَ ( وَجْهُ ) الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

وَأَمَّا بَيَانُ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ فَطَرِيقُهُ أَنْ تُقَوَّمَ السِّلْعَةُ وَلَيْسَ بِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ وَتُقَوَّمَ وَبِهَا ذَلِكَ ؛ فَيُنْظَرُ إلَى نُقْصَانِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ ؛ فَيُرْجَعُ عَلَى بَائِعِهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ ثَمَنِهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ قَدْرَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يُرْجَعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ خُمْسِهَا يُرْجَعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ مِثَالُهُ : إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ يُنْقِصُهُ عُشْرَ قِيمَتِهِ - وَهُوَ دِرْهَمٌ - يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ بِعَشَرَةٍ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ يُنْقِصُهُ عُشْرَ الْقِيمَةِ - وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ - فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً وَقَدْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ ، وَالْعَيْبُ يُنْقِصُهُ عُشْرَ الْقِيمَةِ - وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ - يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَافْهَمْ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الْخِيَارُ الثَّابِتُ شَرْعًا لَا شَرْطًا .
فَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ : فِي بَيَانِ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَفِي بَيَانِ صِفَتِهِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِهِ ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَسْقُطُ وَلَا يَلْزَمُ .
( وَأَمَّا ) الْكَلَامُ فِي شَرْعِيَّتِهِ فَقَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ .

( وَأَمَّا ) صِفَتُهُ فَهِيَ أَنَّ شِرَاءَ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي غَيْرُ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } وَلِأَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ تُؤَثِّرُ فِي الرِّضَا فَتُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ ، وَاخْتِلَافُ الرِّضَا فِي الْبَيْعِ يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ اعْتِرَاضَ النَّدَمِ لِمَا عَسَى لَا يَصْلُحُ لَهُ إذَا رَآهُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّدَارُكِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ نَظَرًا لَهُ ، كَمَا ثَبَتَ خِيَارُ الرَّجْعَةِ شَرْعًا نَظَرًا لِلزَّوْجِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } ( وَأَمَّا ) بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ الْبَائِعُ فَهَلْ يَلْزَمُ ؟ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَلْزَمُ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَلْزَمُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا يَثْبُتُ لَهُ فِي شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي - وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي - مَوْجُودٌ فِي بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْبَائِعُ ، فَوُرُودُ الشَّرْعِ بِالْخِيَارِ ثَمَّةَ يَكُونُ وُرُودًا هَهُنَا دَلَالَةً ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ الْآخَرِ مَا رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَكُونَا رَأَيَاهَا ، فَقِيلَ لِسَيِّدِنَا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : غُبِنْت ، فَقَالَ : لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ ، وَقِيلَ لِطَلْحَةَ مِثْلُ ذَلِكَ فَقَالَ : لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ ، فَحَكَّمَا فِي ذَلِكَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ

إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَالِاعْتِبَارُ بِجَانِبِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِسَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ مَا لَمْ يَرَهُ مُشْتَرٍ عَلَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا ظَنَّهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مُشْتَرٍ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ جَيِّدٌ فَإِذَا هُوَ رَدِيءٌ ، وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ جَيِّدٌ فَإِذَا هُوَ رَدِيءٌ فَلَهُ الْخِيَارُ ، وَبَائِعُ شَيْءٍ لَمْ يَرَهُ يَبِيعُ عَلَى أَنَّهُ أَدْوَنُ مِمَّا ظَنَّهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ بَائِعِ شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ رَدِيءٌ فَإِذَا هُوَ جَيِّدٌ ، وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ رَدِيءٌ فَإِذَا هُوَ جَيِّدٌ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا .

( وَأَمَّا ) حُكْمُهُ فَحُكْمُ الْمَبِيعِ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَلِّ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ لِلْحَالِّ ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ الْخِيَارُ شَرْعًا لَا شَرْطًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِنَصِّ كَلَامِ الْعَاقِدَيْنِ فَأَثَّرَ فِي الرُّكْنِ بِالْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) شَرَائِطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ .
( فَمِنْهَا ) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ حَتَّى إنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَوْ تَبَايَعَا دَيْنًا بِدَيْنٍ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَلَوْ اشْتَرَى عَيْنًا بِدَيْنٍ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْعَقْدِ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْفَسْخِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ ، وَقِيَامُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِمِثْلِهِ ، فَإِذَا قَبَضَ يَرُدُّهُ هَكَذَا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ الرَّدُّ مُفِيدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَيْنًا لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ ، فَيَتَعَيَّنُ فِي الْفَسْخِ أَيْضًا ، فَكَانَ الرَّدُّ مُفِيدًا ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِالْعَقْدِ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ وَالْقِسْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَنْفَسِخُ بِرَدِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَحْتَمِلُ الِانْفِسَاخَ بِرَدِّ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ بِرَدِّهِ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَمَا لَا فَلَا ، وَالْفِقْهُ مَا ذَكَرْنَا ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) عَدَمُ الرُّؤْيَةِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ لُزُومُ الْعَقْدِ وَانْبِرَامُهُ ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْعَقْدِ وُجِدَ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطٍ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا ثُبُوتَ الْخِيَارِ شَرْعًا بِالنَّصِّ ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالْخِيَارِ فِيمَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } ، فَبَقِيَ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ مَبْقِيًّا عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرَهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ ، وَلَكِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ نُظِرَ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ وَقْتَ الشِّرَاءِ عَلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ - فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ وَهَذَا قَدْ اشْتَرَى شَيْئًا قَدْ رَآهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ فَقَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ فَكَانَ مُشْتَرِيًا شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ وَعَدَمِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ : لَمْ يَتَغَيَّرْ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ تَغَيَّرَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ وَالتَّغَيُّرُ عَارِضٌ فَكَانَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ وَالْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا أَمْرًا عَارِضًا ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ لَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ أَمْرٌ يَجْرِي فِيهِ الْبَدَلُ وَالْإِقْرَارُ فَيَجْرِي فِيهِ الِاسْتِحْلَافُ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِدَعْوَى التَّغَيُّرِ يَدَّعِي حَقَّ الرَّدِّ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي : رَأَيْته وَقْتَ الشِّرَاءِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ أَرَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ أَصْلٌ وَالرُّؤْيَةَ عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُشْتَرِي فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ

يَمِينِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ بِدَعْوَى الرُّؤْيَةِ يَدَّعِي عَلَيْهِ إلْزَامَ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ : لَيْسَ هَذَا الَّذِي بِعْتُك ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : هُوَ ذَاكَ بِعَيْنِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ بِعَيْنِهِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ ( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ بِقَوْلِهِ : هَذَا مَالُك ، لَا يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الرَّدِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ ثَابِتٌ لَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا ، وَلَكِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ هَذَا الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعًا إلَى الْمَقْبُوضِ ، وَالِاخْتِلَافُ مَتَى وَقَعَ فِي تَعْيِينِ نَفْسِ الْمَقْبُوضِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَقَبْضِ الْغَصْبِ فَفِي الْقَبْضِ الْحَقُّ أَوْلَى ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي ؟ فَكَانَ هُوَ بِقَوْلِهِ : هَذَا مَالُك بِعَيْنِهِ ، مُدَّعِيًا حَقَّ الرَّدِّ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ ، وَالْبَائِعُ يُنْكَرُ ثُبُوتَ حَقِّ الرَّدِّ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
هَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي بَصِيرًا ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَعْمَى فَشَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ عَدَمُ الْحَبْسِ فِيمَا يُحْبَسُ وَالذَّوْقُ فِيمَا يُذَاقُ وَالشَّمُّ فِيمَا يُشَمُّ وَالْوَصْفُ فِيمَا يُوصَفُ وَقْتَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ ، فَكَانَ انْعِدَامُهَا شَرْطًا لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ ، فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ ، وَكَذَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَبْضِ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ وُجُودِهِ

عِنْدَ الْعَقْدِ كَالرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ بِأَنْ رَآهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ الرِّضَا بِلُزُومِ الْعَقْدِ عَلَى مَا نَذْكُرهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي كُلَّ الْمَبِيعِ وَقْتَ الشِّرَاءِ .

( فَأَمَّا ) إذَا رَأَى بَعْضَهُ دُونَ الْبَعْضِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشْيَاءَ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا فَرَأَى بَعْضَهُ لَا يَخْلُو ( إمَّا ) إنْ كَانَ مَا رَآهُ مِنْهُ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ وَمَا لَمْ يَرَهُ مِنْهُ تَبَعًا ( وَإِمَّا ) إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مَا لَمْ يَرَهُ تَبَعًا لِمَا رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ ، سَوَاءٌ كَانَ رُؤْيَةُ مَا رَآهُ تُفِيدُ لَهُ الْعِلْمَ بِحَالِ مَا لَمْ يَرَهُ أَوْ لَا تُفِيدُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِ حُكْمُ الْأَصْلِ فَكَانَ رُؤْيَةُ الْأَصْلِ رُؤْيَةَ التَّبَعِ ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ رُؤْيَةُ مَا رَأَى تُفِيدُ لَهُ الْعِلْمَ بِحَالِ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْعِلْمُ بِحَالِ الْبَاقِي فَكَأَنَّهُ رَأَى الْكُلَّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ لَهُ الْعِلْمَ بِحَالِ الْبَاقِي فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ بِرُؤْيَةِ مَا رَأَى فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ أَصْلًا .
فَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ : إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً فَرَأَى وَجْهَهُ دُونَ سَائِرِ أَعْضَائِهِ لَا خِيَارَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ لَا تُفِيدُ لَهُ الْعِلْمَ بِمَا وَرَاءَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ أَصْلٌ فِي الرُّؤْيَةِ فِي بَنِي آدَمَ ، وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ تَبَعٌ لَهُ فِيهَا وَلَوْ رَأَى سَائِرَ أَعْضَائِهِ دُونَ الْوَجْهِ فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ التَّبَعِ لَا تَكُونُ رُؤْيَةَ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ .

وَلَوْ اشْتَرَى فَرَسًا أَوْ بَغْلًا أَوْ حِمَارًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَرَأَى وَجْهَهُ لَا غَيْرُ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقِيقِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ مَا لَمْ يَرَ وَجْهَهُ وَمُؤَخَّرَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُضْوٌ مَقْصُودٌ فِي الرُّؤْيَةِ فِي هَذَا الْجِنْسِ فَمَا لَمْ يَرَهُمَا فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ .

وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً فَإِنْ كَانَتْ نَعْجَةً حَلُوبًا اشْتَرَاهَا لِلْقُنْيَةِ أَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً حَلُوبًا أَوْ نَاقَةً حَلُوبًا اشْتَرَاهَا لِلْقُنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ضَرْعِهَا ، وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ حَتَّى لَوْ رَآهَا مِنْ بَعِيدٍ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَقْصُودٌ مِنْ شَاةِ اللَّحْمِ وَالضَّرْعَ مَقْصُودٌ مِنْ الْحَلُوبِ ، وَالرُّؤْيَةُ مِنْ بَعِيدٍ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِهَذَيْنِ الْمَقْصُودَيْنِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ ( وَأَمَّا ) الْبُسُطُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ وَجْهُهُ وَظَهْرُهُ فَرَأَى وَجْهَهُ دُونَ ظَهْرِهِ كَالْمَغَافِرِ وَنَحْوِهَا لَا خِيَارَ لَهُ ، وَإِنْ رَأَى الظَّهْرَ دُونَ الْوَجْهِ فَلَهُ الْخِيَارُ ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .

وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا فَرَأَى ظَاهِرَهُ مَطْوِيًّا وَلَمْ يَنْشُرْهُ فَإِنْ كَانَ سَاذَجًا لَيْسَ بِمُنَقَّشٍ وَلَا بِذِي عَلَمٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ ظَاهِرِهِ مَطْوِيًّا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْبَاقِي ، وَإِنْ كَانَ مُنَقَّشًا فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ مَا لَمْ يَنْشُرْهُ وَيَرَى نَقْشَهُ ؛ لِأَنَّ النَّقْشَ فِي الثَّوْبِ الْمُنَقَّشِ مَقْصُودٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنَقَّشًا وَلَكِنَّهُ ذُو عَلَمٍ فَرَأَى عَلَمَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَرَ كُلَّهُ ، وَلَوْ رَأَى كُلَّهُ إلَّا عَلَمَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ الْمُعْلَمِ مَقْصُودٌ كَالنَّقْشِ فِي الْمُنَقَّشِ .

وَلَوْ - اشْتَرَى دَارًا فَرَأَى خَارِجَهَا أَوْ بُسْتَانًا فَرَأَى خَارِجَهُ وَرُءُوسَ الْأَشْجَارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ ، كَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْبُسْتَانُ فَكَانَ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ رُؤْيَةَ الْكُلِّ ، إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا إنَّ هَذَا مُؤَوَّلٌ وَتَأْوِيلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي دَاخِلِ الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبْنِيَةٌ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ دَاخِلَهَا أَبْنِيَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَرَ دَاخِلَهَا ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّارِ وَالْخَارِجُ كَالتَّابِعِ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ الْمُعَلَّمِ إذَا رَأَى كُلَّهُ إلَّا عَلَمَهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أَجَابَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَنِهِ ، فَإِنَّ دُورَهُمْ فِي زَمَنِهِ كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْبِنَاءِ ، وَكَانَتْ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ وَهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، وَالْعِلْمُ بِهِ يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ .
وَأَمَّا الْآنَ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الدَّارِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاخْتِلَافِ الْأَبْنِيَةِ فِي دَاخِلِ الدُّورِ فِي زَمَانِنَا اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَرُؤْيَةُ الْخَارِجِ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرَى شَيْئًا وَاحِدًا فَرَأَى بَعْضَهُ .

فَأَمَّا إنْ كَانَ أَشْيَاءَ فَرَأَى وَقْتَ الشِّرَاءِ بَعْضَهَا دُونَ الْبَعْضِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ فَرَأَى بَعْضَهَا وَقْتَ الشِّرَاءِ ، فَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ فِيهَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْبَاقِي فَكَانَ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ إلَّا إذَا وَجَدَ الْبَاقِي ، بِخِلَافِ مَا رَأَى فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لَكِنْ خِيَارُ الْعَيْبِ لَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ .
وَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَعَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ؛ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ : لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْوِعَاءَيْنِ جَعَلَهُمَا كَجِنْسَيْنِ ، وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ : لَا خِيَارَ لَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْبَاقِي سَوَاءٌ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي وِعَاءَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَعَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى صِفَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ مِنْ جِنْسٍ وَعَلَى وَصْفٍ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِجِنْسٍ آخَرَ وَعَلَى وَصْفٍ آخَرَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ بِأَنْ اشْتَرَى جَمَاعَةَ عَبِيدٍ أَوْ جَوَارٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ قَطِيعَ غَنَمٍ أَوْ جِرَابٍ هَرَوِيٌّ فَرَأَى بَعْضَهَا أَوْ كُلَّهَا إلَّا وَاحِدًا فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ أَوْ يُمْسِكَ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِمَا وَرَاءَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ مِنْهُ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْبَاقِي .

وَلَوْ اشْتَرَى جَمَاعَةَ ثِيَابٍ فِي جِرَابٍ وَرَأَى أَطْرَافَ الْكُلِّ أَوْ طَيَّ الْكُلِّ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْلَمَةً أَوْ مُنَقَّشَةً ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْلَمَةً وَلَا مُنَقَّشَةً وَلَمْ يَكُنْ الْبَعْضُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَقْصُودًا وَالْبَعْضُ تَبَعًا ، وَرُؤْيَةُ الْبَعْضِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِحَالِ الْبَاقِي فَكَانَ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ رُؤْيَةَ الْكُلِّ .

كَمَا إذَا اشْتَرَى الْبِطِّيخَ فِي السريجة وَالرُّمَّانَ فِي الْقُفَّةِ فَرَأَى الْبَعْضَ فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا لَيْسَ تَبَعًا لِلْبَعْضِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فَرُؤْيَةُ الْبَعْضِ مِنْهَا لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْبَاقِي لِكَوْنِهَا مُتَفَاوِتَةً تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَرَأَى الْبَعْضَ مِنْهَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ لَهُ الْخِيَارُ وَأَلْحَقَهُ بِالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ لِاخْتِلَافِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ صَغِيرِ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَكَبِيرِهِمَا مُتَقَارِبٌ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ عُرْفًا وَعَادَةً وَشَرْعًا ، وَلِهَذَا أُلْحِقَ بِالْعَدَمِ فِي السَّلَمِ حَتَّى جَازَ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، خِلَافًا لِزُفَرَ فَكَانَ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ مُعَرِّفًا حَالَ الْبَاقِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ السَّلَمِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْضَ وَالْجَوْزَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ حَقِيقَةً وَالْأَصْلُ فِي الْحَقَائِقِ اعْتِبَارُهَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ هَذَا التَّفَاوُتَ وَأَلْحَقَهُ بِالْعَدَمِ فِي السَّلَمِ لِحَاجَةِ النَّاسِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِهْدَارِ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَبَقِيَ التَّفَاوُتُ فِيهِ مُعْتَبَرًا فَرُؤْيَةُ الْبَعْضِ لَا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِحَالِ الْبَاقِي ، فَبَقِيَ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنًا فِي قَارُورَةٍ فَرَأَى خَارِجَ الْقَارُورَةِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ : رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ الْخَارِجِ تُقَيِّدُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ ، فَكَأَنَّهُ رَآهُ وَهُوَ خَارِجٌ .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَا فِي دَاخِلِ الْقَارُورَةِ لَا يَحْصُلُ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ خَارِجِ الْقَارُورَةِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الدَّاخِلِ يَتَلَوَّنُ بِلَوْنِ الْقَارُورَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ ، وَقَالُوا فِي الْمُشْتَرِي إذَا رَأَى الْمَبِيعَ فِي الْمِرْآةِ : إنَّ لَهُ الْخِيَارَ ، وَكَذَا فِي الْمَاءِ .
وَقَالُوا : لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَيْنَهُ ، وَإِنَّمَا رَأَى مِثَالَهُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ لَا إنْ غَيْرَ الْمَبِيعِ فِي الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ بَلْ يَرَاهُ حَيْثُ هُوَ لَكِنْ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ بِخَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِيهِ الرُّؤْيَةُ ، وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّا نَرَى اللَّهَ - تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ - بِلَا مُقَابَلَةٍ ، وَلَكِنْ قَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِهَيْئَتِهِ لِتَفَاوُتِ الْمِرْآةِ فَيَعْلَمُ بِأَصْلِهِ لَا بِهَيْئَتِهِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لَا لِمَا قَالُوا ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ فِي الْعُرْفِ لَا يَشْتَرِي الْإِنْسَانُ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ لِيَرَاهُ فِي الْمِرْآةِ أَوْ فِي الْمَاءِ لِيَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، فَلَا تَكُونُ رُؤْيَتُهُ فِي الْمِرْآةِ ، وَإِنْ رَأَى عَيْنَهُ مُسْقِطَةً لِلْخِيَارِ ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ رَأَى فَرْجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ فِي الْمَاءِ ، أَوْ فِي الْمِرْآةِ فَنَظَرَ إلَيْهِ بِشَهْوَةٍ لَا تَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ، وَكَذَا لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِلْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لِمَا قُلْنَا .

وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي دَائِرَةٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ وَحِيلَةٍ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ مَا رَآهُ كَمَا هُوَ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ كَمَا هُوَ بَلْ يُرَى أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ ، فَلَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ ، وَهُوَ مَعْرِفَتُهُ كَمَا هُوَ فَلَهُ الْخِيَارُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ وَقْتِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ .
فَوَقْتُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُوَ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ، وَرَضِيَ بِهِ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ : أَجَزْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ مَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى ، ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ، فَلَوْ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْإِجَازَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَة وَأَجَازَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ ، وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ مَجْهُولُ الْوَصْفِ ، وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَالْعِلْمُ بِوُجُودِ سَبَبِهِ مُحَالٌ ، فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ ( وَأَمَّا ) الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ، وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الْإِجَازَةُ فَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ ، فَكَانَ مَحَلَّ الْفَسْخِ كَالْعَقْدِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَعَقْدِ الْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ لَا خِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْفَسْخِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمًا لِلْخِيَارِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمًا لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ ، فَيَبْطُلُ حِينَئِذٍ ، وَإِلَّا فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بِإِمْكَانِ الْفَسْخِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ هُوَ اخْتِلَالُ الرِّضَا ، وَالْحُكْمُ يَبْقَى مَا بَقِيَ سَبَبُهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ يَثْبُتُ مُوَقَّتًا إلَى غَايَةِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ حَتَّى لَوْ رَآهُ وَأَمْكَنَهُ الْفَسْخُ وَلَمْ يَفْسَخْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْأَسْبَابُ الْمُسْقِطَةُ لِلْخِيَارِ عَلَى مَا نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُسْقِطَةِ لِلْخِيَارِ الرِّضَا وَالْإِجَازَةَ ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الْإِمْكَانِ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ وَالرِّضَا ، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَسْقُطُ وَلَا يَلْزَمُ .
فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ : اخْتِيَارِيٌّ ، وَضَرُورِيٌّ ، وَالِاخْتِيَارِيُّ نَوْعَانِ : صَرِيحٌ ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ دَلَالَةً ( أَمَّا ) الصَّرِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ : أَجَزْتُ الْبَيْعَ أَوْ رَضِيتُ أَوْ اخْتَرْتُ ، أَوْ مَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى سَوَاءٌ عَلِمَ الْبَائِعُ بِالْإِجَازَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ هُوَ اللُّزُومُ ، وَالِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا فَإِذَا أَجَازَ وَرَضِيَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَيَلْزَمُ .
( وَأَمَّا ) الدَّلَالَةُ فَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ بَعْد الرُّؤْيَةِ يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالرِّضَا نَحْوُ مَا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ دَلِيلُ الرِّضَا بِلُزُومِ الْبَيْعِ لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْعَقْدِ فَكَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ كَالْعَقْدِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَذَاكَ دَلِيلُ الرِّضَا كَذَا هَذَا ، وَسَوَاءٌ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ بِأَنْ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ ، وَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ مَعَ رُؤْيَتِهِ ، وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ بِالْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ ، وَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ رَوِيَّةَ الْمُوَكِّلِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ ، وَلَا تَكُونُ رُؤْيَتُهُ رُؤْيَةَ الْمُرْسَلِ ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُرْسَلِ إذَا لَمْ يَرَهُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَكِيلَ مُتَصَرِّفٌ بِحُكْمِ الْأَمْرِ ، وَالْمُتَصَرِّفُ بِحُكْمِ

الْأَمْرِ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَوْرِدِ الْأَمْرِ ، وَهُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِ الْعَيْبِ وَلَا خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَكَذَا الرَّسُولُ لَا يَمْلِكُ فَكَذَا الْوَكِيلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَكِنْ بِقَبْضٍ تَامٍّ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشَّيْءِ وَكِيلٌ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَلِهَذَا كَانَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ ، وَتَمَامُ الْقَبْضِ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِإِبْطَالِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ عِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْخِيَارِ مَقْصُودًا ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ ؟ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ فِي ضِمْنِ الْقَبْضِ بِأَنَّ قَبْضَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ أَرَادَ بُطْلَانَ الْخِيَارِ لَا يَمْلِكُهُ ، وَالشَّيْءُ قَدْ يَثْبُتُ ضِمْنًا لِغَيْرِهِ .
وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْقَبْضِ ؟ ، وَكَذَا الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَكُنْ رَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ ، بِخِلَافِ الرَّدِّ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَبِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلِاخْتِبَارِ ، وَالْقَبْضُ وَسِيلَةٌ إلَى الِاخْتِبَارِ فَلَمْ يَصْلُحْ الْقَبْضُ دَلِيلَ الرِّضَا ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِخَلَلٍ فِي الرِّضَا ، وَالْقَبْضُ مَعَ الرُّؤْيَةِ دَلِيلُ الرِّضَا عَلَى الْكَمَالِ ، فَأَوْجَبَ بُطْلَانَ الْخِيَارِ ، وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْمُرْسَلِ ، فَكَانَ قَبْضُهُ قَبْضَ الْمُرْسَلِ ، فَكَانَ إتْمَامُ الْقَبْضِ إلَى الْمُرْسَلِ .
( وَأَمَّا ) الْوَكِيلُ فَأَصْلٌ فِي نَفْسِ الْقَبْضِ ،

وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ لِلْمُوَكِّلِ حُكْمُ فِعْلِهِ ، فَكَانَ الْإِتْمَامُ إلَى الْوَكِيلِ ، وَكَذَا إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِأَنْ كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ أَرْضًا فَبَنَى عَلَيْهَا أَوْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ أَوْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ دَلَالَةُ الْإِجَازَةِ وَالرِّضَا بِلُزُومِ الْبَيْعِ وَالْمِلْكِ بِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَفَسَخَ الْبَيْعَ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ فَجُعِلَ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ، وَكَذَا إذَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ بَاعَ أَوْ لَمْ يَبِعْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ فَقَدْ قَصَدَ إثْبَاتَ الْمِلْكِ اللَّازِمِ لِلْمُشْتَرِي وَمِنْ ضَرُورَتِهِ لُزُومُ الْمِلْكِ لَهُ لِيُمْكِنَهُ إثْبَاتُهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ عَرَضَ بَعْضَهُ عَلَى الْبَيْعِ سَقَطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ وَلُزُومَ الْبَيْعِ بِالْعَرْضِ لِكَوْنِ الْعَرْضِ دَلَالَةَ الْإِجَازَةِ وَالرِّضَا ، وَدَلَالَةَ الْإِجَازَةِ دُونَ صَرِيحِ الْإِجَازَةِ .
ثُمَّ لَوْ صَرَّحَ بِالْإِجَازَةِ فِي الْبَعْضِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ فَلَأَنْ لَا يَسْقُطَ بِدَلَالَةِ الْإِجَازَةِ أَوْلَى ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْهِبَةِ لَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِقَرِينَةِ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا فَكَانَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا دَلَالَةَ قَصْدِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ اللَّازِمِ فَيَقْتَضِي لُزُومَ الْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ ، وَكَذَا إذَا رَهَنَهُ وَسَلَّمَ أَوْ آجَرَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ لَازِمٌ فِي نَفْسِهِ ، وَالثَّابِتُ بِهِمَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57