كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ لَا يَحْنَثُ .
وَكَذَا لَوْ ذَهَبَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَأْسِ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُوَ الْإِخْبَارُ ، وَالْإِشَارَةُ لَيْسَتْ بِخَبَرٍ وَكَذَا الْإِيقَافُ عَلَى رَأْسِهِ إذْ الْخَبَرُ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا أَقْسَامُ الْكَلَامِ أَرْبَعَةٌ : أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ ، وَيُحَدُّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ عُرِّيَ عَنْ مَعْنَى التَّكْلِيفِ وَالْإِشَارَةُ لَيْسَتْ بِكَلَامٍ فَلَمْ تَكُنْ خَبَرًا .
وَالْإِيقَافُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ بَابِ الْإِعْلَامِ لَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ ، وَكُلُّ خَبَرٍ إعْلَامٌ وَلَيْسَ كُلُّ إعْلَامٍ خَبَرًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكِتَابَ إذَا قُرِئَ عَلَى إنْسَانٍ .
وَقِيلَ لَهُ أَهُوَ كَمَا كُتِبَ فِيهِ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا ، وَكُلُّ إقْرَارٍ إخْبَارٌ .
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُقِرُّ لِفُلَانٍ بِمَالٍ فَقِيلَ لَهُ أَلِفُلَانٍ عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إقْرَارًا .
وَكَذَا إذَا قَرَأَ عَلَى إنْسَانٍ كِتَابَ الْأَخْبَارِ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ كَمَا قَرَأْتُ عَلَيْكَ ؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا ، وَكُلُّ إقْرَارٍ إخْبَارٌ .
وَكَذَا إذَا قَرَأَ عَلَى إنْسَانٍ كِتَابَ الْأَخْبَارِ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ كَمَا قَرَأْتُ عَلَيْكَ ؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ بِحَدَّثَنَا وَلَا بِأَخْبَرَنَا فَدَلَّ أَنَّ الْإِيمَاءَ لَيْسَ بِإِخْبَارٍ ، وَلَوْ نَوَى بِالْإِخْبَارِ الْإِظْهَارَ أَوْ الْإِعْلَامَ يَحْنَثُ إذَا أَوْمَأَ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَجَازًا عَنْ الْإِظْهَارِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ ، ثَمَّ فِي يَمِينِ الْإِظْهَارِ وَالْإِعْلَامِ لَوْ أَرَادَ الْحَالِفُ أَنْ لَا يَحْنَثَ وَيَحْصُلَ الْعِلْمُ وَالظُّهُورُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهُ إنَّا نَعُدُّ عَلَيْكَ أَمْكِنَةً أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ الْأَسْرَارِ فَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِمَكَانِ فُلَانٍ وَلَا سِرِّهِ فَقُلْ لَنَا لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ .
وَإِنْ تَكَلَّمْنَا بِسِرِّهِ أَوْ بِمَكَانِهِ

فَاسْكُتْ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ وَالْإِعْلَامُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِظْهَارَ هُوَ إثْبَاتُ الظُّهُورِ ، وَالْإِعْلَامُ هُوَ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَلَمْ يُوجَدْ ، لِأَنَّ الظُّهُورَ وَالْعِلْمَ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَدُلُّهُمْ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَهَذَا لَيْسَ بِدَلَالَةٍ لِأَنَّ الْحَالِفَ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الدَّلَالَةُ لَا عَلَى فِعْلِهِمْ وَهُوَ الِاسْتِدْلَال ، وَالْمَوْجُودُ هَهُنَا فِعْلُهُمْ لَا فِعْلُهُ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ فَلَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ أَوْمَأَ إلَيْهِمْ بِرَأْسِهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ دَلَالَةً إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِالدَّلَالَةِ الْخَبَرَ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْكِتَابِ فَيَكُونُ عَلَى مَا عَنَى لِأَنَّ اسْمَ الدَّلَالَةِ يَقَعُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهِمَا ، فَإِذَا نَوَى بِهِ أَحَدَهُمَا فَقَدْ نَوَى تَخْصِيصَ مَا فِي لَفْظِهِ فَيُصَدَّقُ ، وَالْبِشَارَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَبَرِ فِي أَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الْكَلَامَ أَوْ الْكِتَابَ لِأَنَّهَا خَبَرٌ إلَّا أَنَّهَا خَبَرٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ وَهُوَ الْخَبَرُ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي بَشَرَةِ وَجْهِ الْمُخْبَرِ لَهُ بِإِظْهَارِ أَثَرِ السُّرُورِ ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُؤَثِّرُ فِي بَشَرَتِهِ بِإِظْهَارِ أَثَرِ الْحُزْنِ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَقَعُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الثَّانِي بِالْقَرِينَةِ .
وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُقِرَّ لِفُلَانٍ بِحَقِّهِ فَهُوَ عَلَى مِثْلِ الْخَبَرِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ الْمَاضِي ، ثُمَّ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالْإِعْلَامِ وَبَيْنَ الْإِخْبَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِعْلَامَ وَالْبِشَارَةَ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهَا الصِّدْقُ ، فَلَا يَثْبُتَانِ بِالْكَذِبِ وَلَا بِمَا عَلِمَهُ الْمُخَاطَبُ قَبْلَ الْإِعْلَامِ

وَالْبِشَارَةِ ، سَوَاءٌ وَصَلَ ذَلِكَ بِحَرْفِ الْبَاءِ أَوْ بِكَلِمَةِ إنْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ أَعْلَمْتنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ أَوْ قَالَ إنْ أَعْلَمْتنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ فَأَخْبَرَهُ كَاذِبًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْكَذِبُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِقُدُومِهِ لِأَنَّ إثْبَاتَ الثَّابِتِ مُحَالٌ .
وَكَذَا فِي الْبِشَارَةِ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ وَالْكَذِبُ لَا يَسُرُّ ، وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِقُدُومِهِ فَالسُّرُورُ كَانَ حَاصِلًا وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُسْتَحِيلٌ .
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَإِنْ وَصَلَهُ بِحَرْفِ الْبَاءِ بِأَنْ قَالَ : إنْ أَخْبَرْتَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ فَالْجَوَابُ فِيهِ وَفِي الْإِعْلَامِ وَالْبِشَارَةِ سَوَاءٌ ، وَإِنْ وَصَلَهُ بِكَلِمَةِ إنْ بِأَنْ قَالَ : إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَأَخْبَرَهُ كَاذِبًا أَوْ أَخْبَرَهُ بَعْدَمَا كَانَ عَلِمَ الْمُخَاطَبُ بِقُدُومِهِ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ يَحْنَثْ ، وَالْفَرْقُ يُعْرَفُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ بِسِرِّ فُلَانٍ وَلَا بِمَكَانِهِ فَكَتَبَ أَوْ أَشَارَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالْإِشَارَةَ لَيْسَتْ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا تَقُومُ مَقَامَهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ إلَيْنَا كِتَابًا ؟ وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعُرْفِ كَلَّمَنَا ؟ فَإِنْ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ نَعَمْ فَقَدْ تَكَلَّمَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَيُضْمَرُ فِيهِ السُّؤَالُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - { فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } أَيْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا ، فَقَدْ أُتِيَ بِكَلَامٍ دَالٍّ عَلَى الْمُرَادِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ فُلَانَةَ فَاسْتَخْدَمَهَا بِكَلَامٍ أَوْ أَمَرَهَا بِشَيْءٍ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا بِالْخِدْمَةِ فَقَدْ اسْتَخْدَمَهَا فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ طَلَبُ الْخِدْمَةِ وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ خَرِسَ فَصَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ كَانَتْ

أَيْمَانُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِسِرِّ فُلَانٍ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالتَّكَلُّمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْعُرْفِيَّ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَفْهُومٍ وَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي الْإِشَارَةِ وَالْخَبَرِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِظْهَارِ مِنْ الْأَخْرَسِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ فَيَحْنَثُ بِهِمَا وَكُلُّ شَيْءٍ حَنِثَ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْإِشَارَةِ فَقَالَ أَشَرْتُ وَأَنَا لَا أُرِيدُ الَّذِي حَلَفْتُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ جَوَابًا بِالشَّيْءِ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِيهَا احْتِمَالٌ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَلَالَةُ حَالٍ زَالَ الِاحْتِمَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعْ إلَى نِيَّتِهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقُولُ كَذَا لِفُلَانٍ فَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْخَبَرِ وَالْبِشَارَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقُولُ لِفُلَانٍ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَقَالَ قُلْ لِفُلَانٍ يَقُولُ لَكَ فُلَانٌ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَإِنَّهُ حَانِثٌ .
قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَائِلَ هُوَ الْمُرْسِلُ وَأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ لِفُلَانٍ ؟ وَلَوْ كَانَ هُوَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَنَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ كَذَا ؟ وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا بِهَذَا الْأَمْرِ فَهَذَا عَلَى الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ لَا يَحْنَثُ بِكِتَابٍ وَلَا رَسُولٍ .
أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَا تَقُولُ كَلَّمَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - بِكَذَا ؟ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَهُوَ عَلَى الْمُشَافَهَةِ لِأَنَّ مَا سِوَى الْكَلَامِ لَيْسَ بِحَدِيثٍ .
وَلَوْ قَالَ أَيُّ عَبِيدِي يُبَشِّرُنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرُوهُ جَمِيعًا عَتَقُوا لِوُجُودِ الْبِشَارَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوُجُودِ حَدِّ الْبِشَارَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَوْ

بَشَّرَهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ يَعْتِقْ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَشِّرٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْبِرٌ .
أَلَا تَرَى أَنَّ خَبَرَ الثَّانِي لَا يُؤَثِّرُ فِي وَجْهِ الْمُخْبَرِ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ } وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بَشَّرَنِي بِهِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ أَخْبَرَنِي بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَإِنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ أَحَدُهُمْ رَسُولًا فَإِنْ أَضَافَ الرَّسُولُ الْخَبَرَ إلَى الْمُرْسِلِ فَقَالَ إنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا يُخْبِرُكَ بِكَذَا عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ الْمُبَشِّرُ ، وَإِنْ أَخْبَرَ الرَّسُولُ وَلَمْ يُضِفْ ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ مِنْهُ لَا مِنْ الْمُرْسِلِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ إلَى فُلَانٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَكَتَبَ فَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلَنِي هَارُونُ الرَّشِيدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - أَصْلَحَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا فَقُلْتُ : إنْ كَانَ سُلْطَانًا يَأْمُرُ بِالْكِتَابِ وَلَا يَكَادُ هُوَ يَكْتُبُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إذًا كَانَ لَا يُبَاشِرُ الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ عَادَةً بَلْ يَسْتَكْتِبُ غَيْرَهُ فَيَمِينُهُ تَقَعُ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ .
قَالَ هِشَامٌ : قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَمَا تَقُولُ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ لِفُلَانٍ كِتَابًا فَنَظَرَ فِي كِتَابِهِ حَتَّى أَتَى آخِرَهُ وَفَهِمَهُ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ ؟ قَالَ : سَأَلَ هَارُونُ أَبَا يُوسُفَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَقَالَ لَا يَحْنَثُ ، وَلَا أَرَى أَنَا ذَلِكَ ، وَقَدْ رَوَى خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ وَدَاوُد بْنُ رَشِيدٍ وَابْنُ رُسْتُمَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ ، فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ حَقِيقَةً إذْ الْقِرَاءَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْحُرُوفِ

وَلَمْ يُوجَدْ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ الْقَادِرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ بِالْحُرُوفِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ .
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَنَظَرَ فِيهَا وَفَهِمَهَا وَلَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ ، وَمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وَقَفَ عَلَى مَا فِيهِ فَيَحْنَثُ .
قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ : إذَا قَرَأَ الْكِتَابَ إلَّا سَطْرًا قَالَ كَأَنَّهُ قَرَأَهُ ، قُلْتُ : فَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهُ قَالَ لَا يَعْنِي لَمْ يَقْرَأْهُ .
قَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا قَرَأَ بَعْضَهُ فَإِنْ أَتَى عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَكَأَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْكِتَابِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً فَتَرَكَ مِنْهَا حَرْفًا حَنِثَ ، وَإِنْ تَرَكَ آيَةً طَوِيلَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُسَمَّى قَارِئًا لِلسُّورَةِ مَعَ تَرْكِ حَرْفٍ مِنْهَا وَلَا يُسَمَّى مَعَ تَرْكِ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ .
وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُبْلِغُكَ مِثْلُ لَا أُخْبِرُكَ ، وَكَذَلِكَ أُذَكِّرُكَ بِشَيْءٍ أَوْ لَا أُذَكِّرُكَ شَيْئًا ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْكِتَابِ ، .
فَأَمَّا الذِّكْرُ وَالْإِخْبَارُ وَالْإِعْلَامُ وَالْإِبْلَاغُ عَلَى الْكِتَابِ وَالْقَوْلِ وَالْكَلَامُ عَلَى الْكِتَابِ أَيْضًا قَالَ عُمَرُ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَتَمَثَّلُ بِشِعْرٍ فَتَمَثَّلَ بِنِصْفِ بَيْتٍ قَالَ : لَا يَحْنَثُ .
قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْبَيْتِ مِنْ شِعْرِ آخَرَ ؟ قَالَ لَا أَدْرِي مَا هَذَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشِّعْرَ مَا ظَهَرَ فِيهِ النَّظْمُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي بَيْتٍ .
قَالَ : وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ فَارِسِيٍّ حَلَفَ أَنْ يَقْرَأَ ( الْحَمْدُ ) بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَرَأَهَا فَلَحَنَ قَالَ لَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ فَصِيحٌ أَنْ يَقْرَأَ ( الْحَمْدُ ) بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَرَأَهَا فَلَحَنَ حَنِثَ إذَا

لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا نِيَّةٌ لِأَنَّ الْعَرَبِيَّ إنَّمَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ أَنْ يَقْرَأَ بِمَوْضُوعِ الْعَرَبِ وَذَلِكَ الْمُعَرَّبُ دُونَ الْمَلْحُونِ ، .
فَأَمَّا الْعَجَمِيُّ فَإِنَّمَا يُرِيدُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ دُونَ الْعَجَمِيَّةِ وَالْمَلْحُونُ يُعَدُّ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّوْقِ وَالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَالسُّحُورِ وَالضَّحْوَةِ وَالتَّصَبُّحِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، فَالْأَكْلُ هُوَ إيصَالُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَضْغُ بِفِيهِ إلَى الْجَوْفِ مُضِغَ أَوْ لَمْ يُمْضَغْ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا ، وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ مِثْلِ الْمَاءِ وَالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَالْمَمْخُوضِ وَالسَّوِيقِ الْمَمْخُوضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ يَحْنَثْ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ يُسَمَّى ذَلِكَ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَيَحْنَثُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ كَذَا وَلَا يَشْرَبُهُ فَأَدْخَلَهُ فِي فِيهِ وَمَضَغَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُدْخِلَهُ فِي جَوْفِهِ لِأَنَّهُ بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَكْلًا وَشُرْبًا بَلْ يَكُونُ ذَوْقًا لِمَا نَذْكُرُ مَعْنَى الذَّوْقِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ ، قَالَ هِشَامٌ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْبَيْضَةَ أَوْ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْجَوْزَةَ فَابْتَلَعَهَا قَالَ قَدْ حَنِثَ لِوُجُودِ حَدِّ الْأَكْلِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمْضُغُهُ وَيَرْمِي بِثِفَلِهِ وَيَبْلَعُ مَاءَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي الشُّرْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ بَلْ هُوَ مَصٌّ .
وَإِنْ عَصَرَ مَاءَ الْعِنَبِ فَلَمْ يَشْرَبْهُ بِهِ وَأَكَلَ قِشْرَهُ وَحِصْرِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ الذَّاهِبَ لَيْسَ إلَّا الْمَاءَ وَذَهَابُ الْمَاءِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَكْلًا لَهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا مَضَغَهُ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْلًا بِابْتِلَاعِ الْمَاءِ بَلْ بِابْتِلَاعِ الْحِصْرِمِ فَدَلَّ أَنَّ أَكْلَ الْعِنَبِ هُوَ أَكْلُ الْقِشْرِ وَالْحِصْرِمِ مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَ فَيَحْنَثُ .
وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا فَأَخَذَ سُكَّرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ

فَجَعَلَ يَبْلَعُ مَاءَهَا حَتَّى ذَابَتْ قَالَ لَمْ يَأْكُلْ لِأَنَّهُ حِينَ أَوْصَلَهَا إلَى فِيهِ وَصَلَتْ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْمَضْغَ .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُمَّانًا فَمَصَّ رُمَّانَةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخَلَّ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ أَكْلَ اللَّبَنِ هَكَذَا يَكُونُ وَكَذَلِكَ الْخَلُّ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْإِدَامِ فَيَكُونُ أَكْلُهُ بِالْخُبْزِ كَاللَّبَنِ ، فَإِنْ أَكَلَ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ لَا يَحْنَثْ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ ، فَإِنْ صَبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءَ ثُمَّ شَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِهِ لَا آكُلُ لِعَدَمِ الْأَكْلِ ، وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ لِوُجُودِ الشُّرْبِ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ لَا أَكْلٌ ، فَإِنْ أَكَلَهُ مَبْلُولًا أَوْ غَيْرَ مَبْلُولٍ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْخُبْزَ هَكَذَا يُؤْكَلُ عَادَةً ، وَكَذَلِكَ السَّوِيقُ إذَا شَرِبَهُ بِالْمَاءِ فَهُوَ شَارِبٌ وَلَيْسَ بِآكِلٍ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ سِوَى التَّمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيَقَعُ عَلَى مَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ الْإِدَامِ مَعَ الْخُبْزِ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ اخْتَصَّ بِمَا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَادَةً وَلَا يَقَعُ عَلَى الْهَلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَطْعُومًا فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَخَذَ مِنْ خَلِّهِ أَوْ زَيْتِهِ أَوْ كَامَخِهِ أَوْ مِلْحِهِ فَأَكَلَ بِطَعَامِ نَفْسِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ الْخُبْزِ إدَامًا لَهُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ } فَكَانَ طَعَامًا عُرْفًا فَيَحْنَثُ ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ نَبِيذِ فُلَانٍ أَوْ مَائِهِ فَأَكَلَ بِهِ خُبْزًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ عَادَةً فَلَا يُسَمَّى طَعَامًا .
وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْخَلُّ طَعَامٌ وَالنَّبِيذُ وَالْمَاءُ شَرَابٌ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : الْخَلُّ وَالْمِلْحُ طَعَامٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْخَلَّ وَالْمِلْحَ مِمَّا يُؤْكَلُ مَعَ غَيْرِهِ عَادَةً ، وَالنَّبِيذُ وَالْمَاءُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا ، وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَقَعَ عَلَى جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْبَائِعِ ، وَبَائِعُ الْحِنْطَةِ يُسَمَّى بَائِعَ الطَّعَامِ فِي الْعُرْفِ ، وَالْأَكْلُ يَتِمُّ بِنَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ نَفْسُ الْأَكْلِ دُونَ غَيْرِهِ وَصَارَ هَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَاشْتَرَى سَيْفًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ حَدِيدًا فَمَسَّ سَيْفًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَسَّ فِعْلٌ يَتِمُّ بِنَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا بَابُ الزِّيَادَاتِ .

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَاضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ .
وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ .
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَيْتَةَ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ طَعَامٌ مُبَاحٌ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الطَّعَامِ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَعَامًا عُرْفًا وَعَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً ، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ فَأَكَلَهَا قَالَ لَا يَحْنَثُ .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حَانِثٌ فِي يَمِينِهِ وَإِثْمُهُ مَوْضُوعٌ .
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةٌ ، وَالرُّخْصَةُ أَثَرُهَا فِي تَغْيِيرِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ لَا فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ كَالْمُكْرَهِ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ .
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْمَيْتَةَ حَالَ الْمَخْمَصَةِ مُبَاحَةٌ مُطْلَقًا لَا حَظْرَ فِيهَا بِوَجْهٍ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ ، وَأَثَرُ الرُّخْصَةِ فِي تَغْيِيرِ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ حَتَّى مَاتَ يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ بَقِيَتْ الْحُرْمَةُ لَمْ تَثْبُتْ الْمُؤَاخَذَةُ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ أَوْ الْإِكْرَاهِ .
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ : سَأَلْتُ أَسَدَ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَأَكَلَ لَحْمَ قِرْدٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ حِدَأَةٍ أَوْ غُرَابٍ قَالَ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ ذَلِكَ فَيَحْنَثَ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْحَرَامِ هُوَ مَا تَثْبُتُ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَحُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ .
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ :

سَأَلْت الْحَسَنَ فَقَالَ : هَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا بِهِ .

وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَرَامًا قَالَ هَذَا عَلَى الزِّنَا لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَهُوَ الزِّنَا ، وَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الزِّنَا فِي الْعُرْفِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا فَهُوَ عَلَى الْقُبْلَةِ الْحَرَامِ وَمَا أَشْبَهَهَا ، .

ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ امْرَأَةً وَطْئًا حَرَامًا فَوَطِئَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِعَارِضِ الْحَيْضِ وَالظِّهَارِ وَمُطْلَقُ التَّحْرِيمِ لَا يَقَعُ عَلَى التَّحْرِيمِ الْعَارِضِ .

ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ غَصَبَهُ مِنْ إنْسَانٍ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْحَرَامِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةُ هَذَا لِحَقِّ الْعَبْدِ ، وَلَوْ غَصَبَ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ بِعُرْفِ النَّاسِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ مَعَ آخَرَ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شِرَاءَهُ وَحْدَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ مَلَكَهُ فُلَانٌ لِأَنَّ بَعْضَ الطَّعَامِ طَعَامٌ حَقِيقَةً وَيُسَمَّى طَعَامًا عُرْفًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ بَعْضَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا يَمْلِكُهُ فُلَانٌ أَوْ يَشْتَرِيهِ فُلَانٌ فَلَبِسَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ مَعَ آخَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا فَالْإِدَامُ كُلُّ مَا يُضْطَبَعُ بِهِ مَعَ الْخُبْزِ عَادَةً كَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا لَا يُضْطَبَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ مِثْلُ اللَّحْمِ وَالشَّوَى وَالْجُبْنِ وَالْبِيضِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ كُلَّ مَا يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ فَهُوَ إدَامٌ مِثْلُ اللَّحْمِ وَالشَّوَى وَالْبَيْضِ وَالْجُبْنِ .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوْزَ الْيَابِسَ إدَامٌ ، وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ وَسَيِّدُ رَيَاحِينِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفَاغِيَةُ وَهِيَ وَرْدُ الْحِنَّاءِ } وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الِائْتِدَامِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُغِيرَةَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً : { لَوْ نَظَرْتَ إلَيْهَا لَكَانَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا } أَيْ يَكُونَ بَيْنَكُمَا الْمُوَافَقَةُ ، وَمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الْخُبْزِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْأَكْلِ ظَاهِرٌ فَكَانَتْ إدَامًا ، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَأْتَدِمُونَ بِهَا عُرْفًا وَعَادَةً ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَعْنَى الْإِدَامِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَالْكَمَالُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا بَلْ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَادَةً .
وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَافَقَةِ ، وَمَا لَا يُضْطَبَعُ يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ فَيَخْتَلُّ مَعْنَى الْإِدَامِ فِيهِ ، وَاللَّحْمُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ عَادَةً مَعَ أَنَّ مِنْ سُكَّانِ الْبَرَارِيِّ مَنْ لَا يَتَغَذَّى إلَّا بِاللَّحْمِ وَبِهِ تَبَيَّنَّ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْإِدَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ .
وَالْبِطِّيخُ لَيْسَ بِإِدَامٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ

الِاضْطِبَاعُ بِهِ وَلَا يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ عَادَةً .
وَكَذَا الْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ فِي قَوْلِهِمْ .
أَلَا تَرَى أَنَّ آكِلَهُ لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا ؟ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا مَأْدُومًا ؟ فَقَالَ الْخُبْزُ الْمَأْدُومُ الَّذِي يُثْرَدُ ثَرْدًا يَعْنِي فِي الْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَمَا أَشْبَهَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : فَإِنْ ثَرَدَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِلْحٍ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَأْدُومًا لِأَنَّ مَنْ أَكَلَ خُبْزًا بِمَاءٍ لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا فِي الْعُرْفِ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : إنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا يَعْرِفُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ فِي كَلَامِهِمْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ إلَّا إنْ كَانَ الْحَالِفُ فِي بَلَدٍ لَا يُؤْكَلُ فِيهَا إلَّا خُبْزُ الْحِنْطَةِ فَإِنَّ يَمِينَهُ تَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا غَيْر ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ لَوْزِينَجٍ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَاهُ ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بِلَادٍ ذَلِكَ طَعَامُهُمْ حَنِثَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا يَأْكُلُ ذَلِكَ عَامَّتُهُمْ لَا يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الْخُبْزِ يَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يُرَادُ بِهِ خُبْزُ الْقَطَائِفِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ .
وَكَذَا خُبْزُ الْأَرُزِّ فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ فِيهَا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَيُّ لَحْمٍ أَكَلَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرَ السَّمَكِ يَحْنَثُ ، ثُمَّ يُسْتَوَى فِيهِ الْمُحَرَّمُ وَغَيْرُ الْمُحَرَّمِ وَالْمَطْبُوخُ وَالْمَشْوِيُّ وَالضَّعِيفُ لِأَنَّ اللَّحْمَ اسْمٌ لِأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ فَيَحْنَثُ إذَا أَكَلَ لَحْمَ مَيْتَةٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ إنْسَانٍ أَوْ لَحْمَ شَاةٍ تَرَكَ ذَابِحُهَا التَّسْمِيَةَ عَلَى ذَبْحِهَا عَمْدًا أَوْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مَجُوسِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ .
وَيَسْتَوِي فِيهِ لَحْمُ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ، وَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا لَا يَحْنَثْ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَحْمًا طَرِيًّا } لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اسْمُ اللَّحْمِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ مَا أَكَلْت اللَّحْمَ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَكَلَ سَمَكًا .
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثْ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - دَابَّةً بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : { إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بَيْتًا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ : { وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَسْكُنُ الْمَاءَ فَهُوَ مِثْلُ السَّمَكِ .
وَلَوْ أَكَلَ أَحْشَاءَ الْبَطْنِ مِثْلَ الْكَرِشِ وَالْكَبِدِ وَالْفُؤَادِ وَالْكُلَى وَالرِّئَةِ وَالْأَمْعَاءِ وَالطِّحَالِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا فِي شَحْمِ الْبَطْنِ ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ .
وَأَمَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَا يُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ أَيْضًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ، .
فَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَلَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا

يُتَّخَذُ مِنْهُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا يُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ أَيْضًا ، فَإِنْ نَوَاهُ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْأَلْيَةُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ ، فَإِنْ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أَوْ مَا هُوَ عَلَى اللَّحْمِ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَحْمٌ لَكِنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لَحْمٌ سَمِينٌ ؟ وَكَذَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّحْمِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكَلَ رُءُوسَ الْحَيَوَانَاتِ مَا خَلَا السَّمَكَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ فَكَانَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ لَا يُسَمَّى مُشْتَرِيَ لَحْمٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ اشْتَرَى رَأْسًا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَاشْتَرَى شَحْمَ الظَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ .
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا فَأَيَّ شَحْمٍ اشْتَرَى لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ شَحْمَ الْبَطْنِ .
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا ، وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَدَلَّ أَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ شَحْمٌ حَقِيقَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا عُرْفًا وَعَادَةً بَلْ يُسَمَّى لَحْمًا سَمِينًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّحْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ شَحْمًا لَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِ تَحْتَ الْيَمِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ مُتَعَارَفًا لِأَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ كَمَا ضَرَبْنَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ فِي لَحْمِ السَّمَكِ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا } .
وَقَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - : { الْأَرْضَ بِسَاطًا } ثُمَّ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْبِسَاطِ وَالسِّرَاجِ كَذَا هَذَا ، وَقَدْ قَالُوا

فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا وَلَا لَحْمًا فَاشْتَرَى أَلْيَةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَحْمٍ وَلَا لَحْمٍ .
وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَحْمًا فَاشْتَرَى شَحْمَ الظَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَمْرِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الشَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ شَحْمَ الظَّهْرِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَهُ لَحْمَ دَجَاجٍ فَأَكَلَ لَحْمَ دِيكٍ حَنِثَ لِأَنَّ الدَّجَاجَ اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالذَّكَرِ جَمِيعًا .
قَالَ جَرِيرٌ لَمَّا مَرَرْت بِدَيْرِ الْهِنْدِ أَرَّقَنِي صَوْتُ الدَّجَاجِ وَضَرْبٌ بِالنَّوَاقِيسِ .
فَأَمَّا الدَّجَاجَةُ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلْأُنْثَى ، وَالدِّيكُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ ، وَاسْمُ الْإِبِلِ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ } وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ خَاصَّةً .
وَكَذَا اسْمُ الْجَمَلِ وَالْبَعِيرِ وَالْجَزُورِ .
وَكَذَا هَذِهِ الْأَسَامِي الْأَرْبَعَةُ تَقَعُ عَلَى الْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِبِلِ وَاسْمُ الْبُخْتِيِّ لَا يَقَعُ عَلَى الْعَرَبِيِّ وَكَذَا اسْمُ الْعَرَبِيِّ لَا يَقَعُ عَلَى الْبُخْتِيِّ ، وَاسْمُ الْبَقَرِ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ } وَأَرَادَ بِهِ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ جَمِيعًا .
وَكَذَا اسْمُ الْبَقَرَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } وَقِيلَ إنَّ بَقَرَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ ذَكَرًا وَتَأْنِيثُهَا بِالذِّكْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ } لِتَأْنِيثِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } وَالشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : فِي أَرْبَعِينَ شَاةٌ } وَالْمُرَادُ مِنْهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ .
وَكَذَا الْغَنَمُ اسْمُ جِنْسٍ ، وَالنَّعْجَةُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى ، وَالْكَبْشُ لِلذَّكَرِ ، وَالْفَرَسُ اسْمٌ لِلْعِرَابِ ذَكَرِهَا وَأُنْثَاهَا ، وَالْبِرْذَوْنُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْعِرَابِ مِنْ الطَّحَارِيَّةِ ذَكَرِهَا وَأُنْثَاهَا ، وَقَالُوا إنَّ الْبِرْذَوْنَ اسْمٌ لِلتُّرْكِيِّ ذَكَرِهِ وَأُنْثَاهُ وَالْخَيْلُ اسْمُ جِنْسٍ

يَتَنَاوَلُ الْأَفْرَاسَ الْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينَ ، وَالْحِمَارُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْحِمَارَةُ وَالْأَتَانُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى ، وَالْبَغْلُ وَالْبَغْلَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَإِنْ نَوَى الرُّءُوسَ كُلَّهَا مِنْ السَّمَكِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا فَأَيَّ ذَلِكَ أَكَلَ حَنِثَ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ خَاصَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْيَمِينُ الْيَوْمَ عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا آكُلُ رَأْسًا فَبِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ رَأْسٍ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْعُصْفُورِ وَرَأْسِ الْجَرَادِ وَيُعْلَمُ أَنَّ الْحَالِفَ مَا أَرَادَ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ الْمُرَادُ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ وَهُوَ الَّذِي يُكْبَسُ فِي التَّنُّورِ وَيُبَاعُ فِي السُّوقِ عَادَةً ، فَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَأَى أَهْلَ الْكُوفَةِ يَكْبِسُونَ رُءُوسَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَيَبِيعُونَهَا فِي السُّوقِ فَحُمِلَ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَآهُمْ تَرَكُوا رُءُوسَ الْإِبِلِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَحَمَلَ الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ دَخَلَا بَغْدَادَ وَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ الْبَقَرَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْغَنَمِ فَحَمَلَا الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَإِنْ نَوَى بَيْضَ كُلِّ شَيْءٍ بَيْضَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ فَأَيَّ ذَلِكَ أَكَلَ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى بَيْضِ الطَّيْرِ كُلِّهِ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَ بَيْضَ السَّمَكِ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْضِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ فَإِذَا نَوَى فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ الِاسْمُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيَقَعُ عَلَى مَا لَهُ قِشْرٌ وَهُوَ بَيْضُ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا فَالْقِيَاسُ يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ طَبِيخٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ صُرِفَ إلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً وَهُوَ اللَّحْمُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْمَاءِ وَيُطْبَخُ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ لِلْعُرْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَاقِلَاءَ إنَّهُ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ كَانَ طَبِيخًا حَقِيقَةً وَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا مَطْبُوخًا لَا يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فِي الْعُرْفِ فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا مِنْ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ طَبِيخٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً وَهُوَ يَنْوِي كُلَّ شَيْءٍ يُشْوَى فَأَيَّ ذَلِكَ أَكَلَ الْحِنْث وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشِّوَاءِ هِيَ مَا يُشْوَى بِالنَّارِ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ دُونَ غَيْرِهِ لِلْعُرْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ لَمْ يَأْكُلْ الشِّوَاءَ وَإِنْ أَكَلَ الْبَاذِنْجَانَ الْمَشْوِيَّ وَالْجَزَرَ الْمَشْوِيَّ وَيُسَمَّى بَائِعُ اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ شَاوِيًا فَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا مَشْوِيًّا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ أَكَلَ قَلِيَّةً يَابِسَةً أَوْ لَوْنًا مِنْ الْأَلْوَانِ لَا مَرَقَ فِيهِ لَا يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى طَبِيخًا وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ لَحْمٌ مَقْلِيٌّ وَلَا يُقَالُ مَطْبُوخٌ إلَّا لِلَحْمٍ طُبِخَ فِي الْمَاءِ فَإِنْ طَبَخَ مِنْ اللَّحْمِ طَبِيخًا لَهُ مَرَقٌ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ أَوْ مِنْ مَرَقِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَحْمَهُ لِأَنَّ الْمَرَقَ فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّحْمِ .
قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الطَّبِيخِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى طَبِيخًا فِي الْعَادَةِ فَإِنْ طَبَخَ عَدَسًا بِوَدِكٍ فَهُوَ طَبِيخٌ وَكَذَلِكَ إنْ طَبَخَهُ بِشَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ فَإِنْ طَبَخَهُ بِسَمْنٍ

أَوْ زَيْتٍ لَمْ يَكُنْ طَبِيخًا وَلَا يَكُونُ الْأَرُزُّ طَبِيخًا وَلَا يَكُونُ الطَّبَاهِجُ طَبِيخًا وَلَا الْجَوَاذِبُ طَبِيخًا وَالِاعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى الْعُرْفِ .
وَقَالَ دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَبِيخِ امْرَأَتِهِ فَسَخَّنَتْ لَهُ قِدْرًا قَدْ طَبَخَهَا غَيْرُهَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّبِيخَ فَعِيلٌ مِنْ طَبَخَ وَهُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَسْهُلُ بِهِ أَكْلُ اللَّحْمِ وَذَلِكَ وُجِدَ مِنْ الْأَوَّلِ مِنْهَا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحُلْوُ فَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْحُلْوَ عِنْدَهُمْ كُلُّ حُلْوٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ فَلَيْسَ بِحُلْوٍ وَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِأَكَلِ الْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالنَّاطِفِ وَالرَّبِّ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ .
وَكَذَا رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَكَلَ تِينًا رَطْبًا أَوْ يَابِسًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا حَامِضٌ فَخَلَصَ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فِيهِ وَلَوْ أَكَلَ عِنَبًا حُلْوًا أَوْ بِطِّيخًا حُلْوًا أَوْ رُمَّانًا حُلْوًا أَوْ إجَّاصًا حُلْوًا لَوْ يَحْنَث لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ مَا لَيْسَ بِحُلْوٍ فَلَمْ يَخْلُصْ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فِيهِ وَكَذَا الزَّبِيبُ لَيْسَ مِنْ الْحُلْوِ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ حَامِضٌ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلَاوَةً فَهُوَ مِثْلُ الْحَلْوَى .

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ قَضْبًا لَا يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إذَا أَكْل بُسْرًا مَطْبُوخًا أَوْ رُطَبًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى تَمْرًا فِي الْعُرْفِ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمْرٌ حَقِيقَةً وَقَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ أَكَلَ حَيْسًا حَنِثَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِتَمْرٍ يُنْقَعُ فِي اللَّبَنِ وَيَتَشَرَّبُ فِيهِ اللَّبَنُ فَكَانَ الِاسْمُ بَاقِيًا لَهُ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ .
وَقِيلَ هُوَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَالِبُ هُوَ التَّمْرُ فَكَأَنَّ أَجْزَاءَ التَّمْرِ بِحَالِهَا فَيَبْقَى الِاسْمُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا .
هَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ ثِنْتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَثِنْتَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا أَمَّا الْأُولَيَانِ فَإِنَّ مَنْ يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ يَحْنَثْ فِيهِمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْمُذَنِّبَ هُوَ الْبُسْرُ الَّذِي ذَنَّبَ أَيْ رَطُبَ ذَنَبُهُ فَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَكَانَ الِاسْمُ بَاقِيًا وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَإِنَّ مَنْ يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَيَأْكُلْ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَيَأْكُلُ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةً وَمُحَمَّدٌ يَحْنَثُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ الِاسْمَ لِلْغَالِبِ فِي الْعُرْفِ وَالْمَغْلُوبُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَكَذَا الْمَقْصُودُ فِي الْأَكْلِ هُوَ الَّذِي لَهُ الْغَلَبَةُ وَالْغَلَبَةُ لِلْبُسْرِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي لِلرُّطَبِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَكَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَيَّزَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَقَطَعَهُ وَأَكَلَهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ فَنَعَمْ لَكِنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُوجِبُ اسْتِهْلَاك الْمَغْلُوبِ فِي اخْتِلَاط

الْمُمَازَجَةِ أَمَّا فِي اخْتِلَاط الْمُجَاوَرَةِ فَلَا لِأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا أَوْ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا قَدْ لُتَّ بِسَمْنٍ بِحَيْثُ يَسْتَبِينُ أَجْزَاءَ السَّوِيقِ فِي السَّمْنِ يَحْنَثُ لِقِيَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ بِعَيْنِهِ كَذَا هَذَا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَبًّا فَأَيَّ حَبٍّ أَكَلَ مِنْ سِمْسِمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَأْكُلُهُ النَّاسُ عَادَةً يَحْنَثُ لِأَنَّ مُطْلَقَ يَمِينِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَنَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أَوْ سَمَّاهُ حَنِثَ فِيهِ وَلَمْ يَحْنَثْ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْمَلْفُوظِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا ابْتَلَعَ لُؤْلُؤَةً لِأَنَّ الْأَوْهَامَ لَا تَنْصَرِفُ .

إلَى اللُّؤْلُؤَةِ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَبِّ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْعِنَبِ لَا يَتَنَاوَلَهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ جَوْزًا فَأَكَلَ مِنْهُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا حَنِثَ وَكَذَلِكَ اللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ وَالتِّينُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ جَمِيعًا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ سَفَرْجَلًا أَوْ كُمَّثْرَى أَوْ خَوْخًا أَوْ تِينًا أَوْ إجَّاصًا أَوْ مِشْمِشًا أَوْ بِطِّيخًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَزَرًا لَا يَحْنَثْ وَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا لَا يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثْ وَلَوْ أَكَلَ زَبِيبًا أَوْ حَبَّ الرُّمَّانِ أَوْ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُسَمَّى فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ بَلْ تُعَدُّ مِنْ رُءُوسِ الْفَوَاكِهِ وَلِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَتَفَكُّهُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرٌ فَكَانَتْ فَوَاكِهَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } عَطَفَ الْفَاكِهَةَ عَلَى الْعِنَبِ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } عَطَفَ الرُّمَّانَ عَلَى الْفَاكِهَةِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهِ التَّفَكُّهُ وَهُوَ التَّنَعُّمُ وَالتَّلَذُّذُ دُونَ الشِّبَعِ وَالطَّعَامُ مَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهِ التَّغَذِّي وَالشِّبَعُ وَالتَّمْرُ عِنْدَهُمْ يُؤْكَلُ بِطَرِيقِ التَّغَذِّي وَالشِّبَعِ .
حَتَّى رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ } .
وَقَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَوْمَ الْفِطْرِ : { أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ } ثُمَّ ذَكَرَ فِي جُمْلَةِ مَا تَقَعُ بِهِ الْغُنْيَةُ التَّمْرَ وَفِي بَعْضِهَا الزَّبِيبَ وَلِأَنَّ الْفَاكِهَةَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا فَمَا كَانَ رَطْبُهُ فَاكِهَةً كَانَ يَابِسُهُ فَاكِهَةً كَالتِّينِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْيَابِسُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَحَبُّ الرُّمَّانِ فَكَذَا رَطْبُهَا وَمَا ذَكَرَاهُ

مِنْ الْعُرْفِ مَمْنُوعٌ بَلْ الْعُرْفُ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ فِي كَرْمِ فُلَانٍ فَاكِهَةٌ إنَّمَا فِيهِ الْعِنَبُ فَحَسْبُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَمَرَ الشَّجَرِ كُلِّهَا فَاكِهَةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ كَذَلِكَ إلَّا ثَمَرَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَشَجَرِ الرُّمَّانِ لِأَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ مِنْ التُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِهَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهَا التَّفَكُّهُ دُونَ الشِّبَعِ وَكَذَا يَابِسُهَا فَاكِهَةٌ كَذَا رَطْبُهَا قَالَ مُحَمَّدٌ التُّوتُ فَاكِهَةٌ لِأَنَّهُ يُتَفَكَّهُ بِهِ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْجَزَرُ وَالْبَاقِلَّاءُ الرَّطْبُ إدَامٌ وَلَيْسَ بِفَاكِهَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِلتَّفَكُّهِ وَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ لَا آكُلُ فَاكِهَةً الْعِنَبَ وَالرُّطَبَ وَالرُّمَّانَ فَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَنِثَ كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْفَاكِهَةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بُسْرُ السُّكَّرِ وَالْبُسْرُ الْأَحْمَرُ فَاكِهَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اللَّوْزُ وَالْعُنَّابُ فَاكِهَةٌ رَطْبُ ذَلِكَ مِنْ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ وَيَابِسُهُ مِنْ الْيَابِسَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْكَلُ عَلَى وَجْهِ التَّفَكُّهِ قَالَ وَالْجَوْزُ رَطْبُهُ فَاكِهَةٌ وَيَابِسُهُ إدَامٌ .
وَقَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ الْفَاكِهَةُ الْيَابِسَةُ فَيَدْخُلُ فِيهَا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَأَشْبَاهُهُمَا وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَوْزَ الْيَابِسَ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا .
فَأَمَّا رَطْبُهُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا لِلتَّفَكُّهِ وَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ فَاكِهَةٌ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ رَطْبَهُ وَيَابِسَهُ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ فَصَارَ كَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ وَذَكَرَ الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ الثِّمَارِ شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَإِنْ أَكْل تِينًا يَابِسًا أَوْ لَوْزًا يَابِسًا حَنِثَ فَجَعَلَ الثِّمَارَ كَالْفَاكِهَةِ لِأَنَّ أَحَدَ

الِاسْمَيْنِ كَالْآخَرِ وَقَالَ الْمُعَلَّى قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ فَاكِهَةِ الْعَامِ أَوْ مِنْ ثِمَارِ الْعَامِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالَ إنْ حَلَفَ فِي أَيَّامِ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ فَهَذَا عَلَى الرَّطْبِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ فَاكِهَةِ ذَلِكَ الْعَامِ شَيْئًا يَابِسًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ وَإِنْ حَلَفَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ مِنْ فَاكِهَةِ ذَلِكَ الْعَامِ وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَ وَقْتُ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ أَنْ يَحْنَثَ فِي الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاكِهَةِ يَتَنَاوَلُهَا إلَّا أَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي قَوْلِهِمْ فَاكِهَةُ الْعَامِ إذَا كَانَ فِي وَقْتِ الرَّطْبِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الرَّطْبَ دُونَ الْيَابِسِ فَإِذَا مَضَى وَقْتُ الرَّطْبِ فَلَا تَقَعُ الْيَمِينُ إلَّا عَلَى الْيَابِسِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَإِنْ عَنَى بِهَا أَنْ لَا يَأْكُلَهَا حَبًّا كَمَا هِيَ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا أَوْ مِنْ سَوِيقِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا قَضَمَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحْنَثْ وَهَلْ يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا أَكَلَ عَيْنَهَا ؟ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ الْيَمِينَ تَقَعُ عَلَى مَا يَصْنَعُ النَّاسُ وَذَكَرَ عَنْهُمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ فَإِنَّهُ قَالَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ أَكَلَهَا خُبْزًا حَنِثَ أَيْضًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَضَمَهَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا كَمَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهَا خُبْزًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي إطْلَاقِ أَكْلِ الْحِنْطَةِ أَكْلُ الْمُتَّخَذِ مِنْهَا وَهُوَ الْخُبْزُ لَا أَكْلُ عَيْنِهَا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ حِنْطَةِ كَذَا أَيْ مِنْ خُبْزِهَا وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ خُصُوصًا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَجْهٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اسْمَ الْحِنْطَةِ لَا يَقَعُ عَلَى الْخُبْزِ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا اسْمٌ لِذَاتٍ مَخْصُوصَةٍ مُرَكَّبَةٍ فَيَزُولُ الِاسْمُ بِزَوَالِ التَّرْكِيبِ حَقِيقَةً فَالْحَمْلُ عَلَى الْخُبْزِ يَكُونُ حَمْلًا عَلَى الْمَجَازِ فَكَانَ صَرْفُ الْكَلَامِ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى وَأَمَّا قَوْلُهُمَا : إنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فَنَعَمْ لَكِنْ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ كَمَا يَقُولُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لَا عَلَى الْمُتَعَارَفِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ كَمَا يَقُولُ مَشَايِخُ بَلَخ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ الْآدَمِيِّ أَوْ الْخِنْزِيرِ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ أَكْلُهُ لِوُجُودِ التَّعَارُفِ فِي الِاسْمِ وَاسْتِعْمَالُ اسْمِ الْحِنْطَةِ فِي مُسَمَّاهَا مُتَعَارَفٌ عِنْدَ

أَهْلِ اللِّسَانِ إلَّا أَنَّهُ يَقِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ لَكِنَّ قِلَّةَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لِقِلَّةِ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا فِي لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِعْلٌ ثَابِتٌ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تُطْبَخُ وَتُقْلَى فَتُؤْكَلُ مَطْبُوخًا وَقَلْيًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَثْرَةِ مِثْلَ أَكْلِهَا خُبْزًا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتٌ مِنْ شَعِيرٍ حَنِثَ وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يُسَمَّى مُشْتَرِي الْحِنْطَةِ لَا مُشْتَرِي الشَّعِيرِ وَصَرْفُ الْكَلَامِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْلَى مِنْ الصِّرْفِ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَجَازِ أَكْثَرَ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ شَارَكَتْ الْمَجَازَ فِي أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْمَجَازُ مَا شَارَكَ الْحَقِيقَةَ فِي الْوَضْعِ رَأْسًا فَكَانَ الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ لِأَنَّ الدَّقِيقَ هَكَذَا يُؤْكَلُ عَادَةً وَلَا يُسْتَفُّ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَلَهُ مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ وَهُوَ كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَأْكُلَ الدَّقِيقَ بِعَيْنِهِ لَا يَحْنَثُ بِأَكَلِ مَا يُخْبَزُ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكُفُرَّى شَيْئًا فَصَارَ بُسْرًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ شَيْئًا فَصَارَ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ شَيْئًا فَصَارَ تَمْرًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ شَيْئًا فَصَارَ زَبِيبًا فَأَكَلَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَيْئًا فَأَكَلَ مِنْ جُبْنٍ صُنِعَ مِنْهُ أَوْ مَصْلٍ أَوْ أَقِطٍ أَوْ شِيرَازَ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَصَارَتْ فَرْخًا فَأَكَلَ مِنْ فَرْخٍ خَرَجَ مِنْهَا أَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ شَيْئًا فَصَارَتْ خَلًّا لَمْ يَحْنَثْ فِي جَمِيع ذَلِكَ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ تَبْقَى بِبَقَاءِ الْعَيْنِ وَتَزُولُ بِزَوَالِهَا وَالصِّفَةُ فِي الْعَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّ الصِّفَةَ لِتَمْيِيزِ الْمَوْصُوفِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْإِشَارَة تُكْفَى لِلتَّعْرِيفِ فَوَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِشَارَة فَيَكُونُ تَعْرِيفُهُ بِالْوَصْفِ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا نَقُولُ الْعَيْنُ بُدِّلَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْعَيْنُ فِي الرُّطَبِ وَإِنْ لَمْ تُبَدَّلْ لَكِنْ زَالَ بَعْضُهَا وَهُوَ الْمَاءُ بِالْجَفَافِ لِأَنَّ اسْمَ الرُّطَبِ يُسْتَعْمَلُ عَلَى الْعَيْنِ وَالْمَاءِ الَّذِي فِيهَا فَإِذَا جَفَّ فَقَدْ زَالَ عَنْهَا الْمَاءُ فَصَارَ آكِلًا بَعْضَ الْعَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا صَارَ شَيْخًا أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ وَإِنَّمَا الْفَائِتُ هُوَ الْوَصْفُ لَا بَعْضُ الشَّخْصِ فَيَبْقَى كُلُّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ مِمَّا تُقْصَدُ بِالْيَمِينِ مَنْعًا وَحَمْلًا كَالرُّطُوبَةِ الَّتِي هِيَ فِي التَّمْرِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّ الْمَرْطُوبَ تَضْرِبُهُ الرُّطُوبَاتُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهَا .

وَالصِّبَا وَالشَّبَابُ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ بَلْ الذَّاتُ هِيَ الَّتِي تُقْصَدُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالذَّاتِ دُونَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذَا الْحَوْلِيِّ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا أَوْ مِنْ لَحْمِ هَذَا الْجَدْيِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَيْسًا يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ فَجَامَعَهَا بَعْدَمَا صَارَتْ امْرَأَةً يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ نَوَى فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحَدِّ حَبَّةً فَأَكَلَهَا بَعْدَمَا صَارَتْ بِطِّيخًا لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَذُوقُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَيْئًا أَوْ لَا يَشْرَبُ فَصُبَّ فِيهِ مَاءٌ فَذَاقَهُ أَوْ شَرِبَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا حَنِثَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَالِبًا يُسَمَّى لَبَنًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى نَبِيذٍ فَصَبَّهُ فِي خَلٍّ أَوْ عَلَى مَاءٍ مِلْحٍ فَصُبَّ عَلَى مَاءٍ عَذْبٍ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَطَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْغَلَبَةَ فِي اللَّوْنِ أَوْ الطَّعْمِ لَا فِي الْأَجْزَاءِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَسْتَبِينُ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ لَهُ لَوْنٌ وَلَا طَعْمٌ لَا يَحْنَثْ سَوَاءٌ كَانَتْ أَجْزَاءَهُ أَكْثَرَ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ غَلَبَةَ الْأَجْزَاءِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ غَالِبًا يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً لَا يَحْنَثْ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ : إنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْثَرِ وَالْأَقَلُّ يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ كَانَ الِاسْمُ بَاقِيًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لَبَنٌ مَغْشُوشٌ وَخَلٌّ مَغْشُوشٌ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ لَوْنٌ وَلَا طَعْمٌ لَا يُبْقِي الِاسْمُ وَيُقَالُ مَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ وَمَاءٌ فِيهِ خَلٌّ فَلَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ كَانَ طَعْمُهُمَا وَاحِدًا أَوْ لَوْنُهُمَا وَاحِدًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هِيَ الْغَالِبَةُ يَحْنَثْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَزَاءَ الْمُخَالِطَ لَهُ أَكْثَرُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِيهِ وَلَا يُدْرَى ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عِنْدَ احْتِمَالِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ عَلَى السَّوَاءِ فَالْقَوْلُ بِالْجُودِ أَوْلَى احْتِيَاطًا لِمَا فِيهِ

مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ وَهَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَاطُ فِي إيجَابِهَا .
فَأَمَّا فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا يَجْرِي فِيهَا الِاحْتِيَاطُ لِلتَّعَارُضِ فَيُعْمَلُ فِيهَا بِالْقِيَاسِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا قَدْ لُتَّ بِسَمْنٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ أَجْزَاءَ السَّمْنِ إذَا كَانَتْ تَسْتَبِينُ فِي السَّوِيقِ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ طَعْمُهُ وَلَا يُرَى مَكَانُهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا إذَا اسْتَبَانَتْ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَأَنَّهُ أَكَلَ السَّمْنَ بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا وَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ فَقَدْ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّمْنُ مُسْتَبِينًا فِي السَّوِيقِ وَكَانَ إذَا عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَاف الرِّوَايَةِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْنَثُ إذَا عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا وَإِذَا لَمْ يَسِلْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَإِذَا اخْتَلَطَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِجِنْسِهِ كَاللَّبَنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَطَ بِلَبَنٍ آخَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ وَإِنْ كَانَ الْغَلَبَةُ لِغَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَمِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ صَارَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ .
وَقَالَ الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ فَصَبَّهَا فِي مَاءٍ فَغَلَبَ عَلَى الْخَمْرِ حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهَا وَطَعْمُهَا فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَقَدْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ .
وَلَوْ

حَلَفَ عَلَى مَاءٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ لَا يَشْرَبُ مِنْهُ شَيْئًا فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ غَيْرِهِ كَثِيرًا حَتَّى صَارَ مَغْلُوبًا فَشَرِبَهُ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ وَلَوْ صَبَّهُ فِي بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ عَظِيمٍ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ عُيُونَ الْبِئْرِ تَغُورُ بِمَا صُبَّ فِيهَا وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي صُبَّ فِي الْحَوْضِ الْعَظِيمِ لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ كُلِّهِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا الْمَاءَ الْعَذْبَ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ مَالِحٍ فَغَلَبَ عَلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَجُعِلَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ ضَأْنٍ فَخَلَطَهُ بِلَبَنِ مَعْزٍ فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ فَكَانَا كَالْجِنْسَيْنِ قَالَ الْكَرْخِيُّ .
وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الشَّاةِ لِشَاةٍ مَعْزٍ أَوْ ضَأْنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ لَبَنِ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ حَنِثَ إذَا شَرِبَهُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ وَالْغَلَبَةُ وَعَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَمِينِهِ ضَأْنٌ وَلَوْ مَعْزٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى لَبَنٍ وَاخْتِلَاطُهُ بِلَبَنٍ آخَرَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَبَنًا وَالْيَمِينُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَعَتْ عَلَى لَبَنِ الضَّأْنِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ لَبَنُ الْمَعْزِ فَقَدْ اُسْتُهْلِكَتْ صِفَتُهُ وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ وَلَا تُشْبِهُ الشَّاةُ إذَا حَلَفَ عَلَيْهَا بِعَيْنِهَا حَلِفَهُ عَلَى لَبَنِ الْمَعْزِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ الْغَالِبُ .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي هَذِهِ الرُّطَبَةَ لِرُطَبَةٍ فِي كِبَاسَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى الْكِبَاسَةَ حَنِثَ وَنَظِيرُ هَذَا مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مَا يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ

يَعْنِي مَا يَجِيءُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَك مِمَّا يُؤْكَلُ فَدَفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَحْمًا لِيَطْبُخَهُ فَطَبَخَهُ وَأُلْقِي فِيهِ قِطْعَةً مِنْ كَرِشِ بَقَرٍ ثُمَّ طُبِخَ الْقِدْرُ بِهِ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ الْمَرَقِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُرَاهُ يَحْنَثُ إذَا أُلْقِيَ فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ مَا لَا يُطْبَخُ وَحْدَهُ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ مَرَقَةٌ لِقِلَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ يُطْبَخُ وَيَكُونُ لَهُ مَرَقَةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ فُلَانٌ وَعَلَى مَرَقَتِهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِدَسَمِ اللَّحْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَإِذَا اخْتَلَطَ بِهِ لَحْمٌ لَا يَكُونُ لَهُ مَرَقٌ لِقِلَّتِهِ فَلَمْ يَأْكُلْ مَا جَاءَ بِهِ فُلَانٌ وَإِذَا كَانَ مِمَّا يُفْرَدُ بِالطَّبْخِ وَيَكُونُ لَهُ مَرَقٌ وَالْمَرَقُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَمْ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ وَحَنِثَ .

وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ لَا آكُلُ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ فَجَاءَ فُلَانٌ بِلَحْمٍ فَشَوَاهُ وَجَعَلَ تَحْتَهُ أَرُزًّا لِلْحَالِفِ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ جَوَانِبِهِ حَنِثَ وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِحِمِّصٍ فَطَبَخَهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ مَرَقَتِهِ وَفِيهِ طَعْمُ الْحِمِّصِ حَنِثَ وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَ بِرُطَبٍ فَسَالَ مِنْهُ رُبٌّ فَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ جَاءَ بِزَيْتُونٍ فَعُصِرَ فَأَكَلَ مِنْ زَيْتِهِ حَنِثَ .

قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكْلُ مِنْ ثَمَرَةِ هَذَا الْبُسْتَانِ وَفِيهِ نَخْلٌ يُحْصَى أَوْ لَا آكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ هَذَا النَّخْلِ وَهِيَ عَشَرَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ لَا آكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ هَاتَيْنِ النَّخْلَتَيْنِ أَوْ مِنْ هَاتَيْنِ الرَّطْبَتَيْنِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ التُّفَّاحَاتِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ أَوْ لَا أَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ فَأَكَلَ بَعْضَ ذَلِكَ أَوْ شَرِبَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِ بَعْضِ الْمَذْكُورِ وَشُرْبِ بَعْضِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ كُلِّ شَاةٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى شُرْبِ لَبَنِهِمَا فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ لَبَنِ إحْدَاهُمَا وَإِذَا شَرِبَ جُزْءًا مِنْ لَبَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْرَبَ جَمِيعِ لَبَنِ الشَّاةِ فَلَا يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ فَيَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الْبَحْرِ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَبَنٌ قَدْ حُلِبَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَبَن هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ لِلَبَنٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ لَبَنًا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِهِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَحْنَثْ .
بِشُرْبِ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ لَبَنًا لَا يَسْتَطِيعُ شُرْبَهُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى شُرْبِ الْكُلِّ حَقِيقَةً فَإِذَا اسْتَطَاعَ شُرْبَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ شُرْبَهُ دَفْعَةً يُحْمَلُ عَلَى الْجُزْءِ كَمَا فِي مَاءِ الْبَحْرِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِيمَنْ قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ دَيْنًا عَلَيْهِ فَوَجَدَ فِيهِ دِرْهَمَيْنِ زَائِفَيْنِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا آخُذُ مِنْهُمَا شَيْئًا

فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ .
وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذَا الْخَرُوفِ فَهَذَا عَلَى بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُ كُلِّهِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَادَةً وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِيمَنْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ حَنِثَ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ أَكَلَ رُمَّانَةً وَتَرَكَ مِنْهَا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ إنَّهُ أَكَلَ رُمَّانَةً وَإِنْ تَرَكَ نِصْفِهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْرِي فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الرُّمَّانَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى آكِلًا لِجَمِيعِهَا .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُك لَحْمَ هَذَا الْخَرُوفِ أَوْ خَابِيَةَ الزَّيْتِ فَبَاعَ بَعْضَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ هَهُنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ بَيْعَ الْكُلِّ مُمْكِنٌ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِيمَنْ قَالَ لَا أَشْتَرِي مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَشْتَرِيَ مِنْهُمَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلَهُ لَا آكُلُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالتَّبْعِيضِ فِي الْأَكْلِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَبَعَّضُ فَيُحْمَلُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَمْ يُكَلِّمْ بَنِي آدَمَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْكُلِّ فَيُحْمَلُ عَلَى بَعْضِ الْجِنْسِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ .

حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ فُلَانٍ فَالْكَسْبُ مَا صَارَ لَلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْأَخْذِ فِي الْمُبَاحَاتِ .
فَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا يَكُونُ كَسْبًا لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَسَبَ شَيْئًا فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْوَارِثِ يُسَمَّى كَسْبَ الْمَيِّتِ بِمَعْنَى مَكْسُوبِهِ عُرْفًا فَلَوْ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ صَارَ لِلثَّانِي بِفِعْلِهِ فَبَطَلَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْأَوَّلِ .
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَا لَك إذَا قَالَ لَا آكُلُ مِمَّا مَلَكْت أَوْ مِمَّا يُمْلَكُ لَهُ أَوْ مِنْ مِلْكِكَ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ الثَّانِي لَمْ يَبْقَ مِلْكَ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَيْهِ بِالْمِلْكِ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَى فُلَانٌ أَوْ مِمَّا يَشْتَرِي فَاشْتَرَى الْمَحْلُوفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ حَنِثَ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرَى لَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا طَرَأَ عَلَى الشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ الْأُولَى وَتَجَدَّدَتْ إضَافَةٌ أُخْرَى لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْيَمِينُ وَإِنَّمَا كَانَ الشِّرَاءُ لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ سَوَاءً لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرِي فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لَا إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مِيرَاثِ فُلَانٍ شَيْئًا فَمَاتَ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَنِثَ فَإِنْ مَاتَ وَارِثُهُ فَأُورِثَ ذَلِكَ الْمِيرَاثُ فَأَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِنَسْخِ الْمِيرَاثِ الْأَخِيرِ الْمِيرَاثَ الْأَوَّلَ كَذَا ذَكَرَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمِيرَاثِ بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ الْأُولَى وَمِنْ هَذَا

الْقَبِيلِ مَا قَالُوا .
فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا زَرَعَ فُلَانٌ فَبَاعَ فُلَانٌ زَرْعَهُ فَأَكَلَهُ الْحَالِفُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَنِثَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْأَوَّلِ لَا تَبْطُلُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَذَرَهُ الْمُشْتَرِي وَزَرَعَهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ هَذَا الزَّرْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِالزَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ يَصْنَعُهُ فُلَانٌ أَوْ مِنْ خُبْزٍ يَخْبِزُهُ فُلَانٌ فَتَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ ثُمَّ أَكَلَ الْحَالِفُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ مِنْ خُبْزِ فُلَانٍ وَمِنْ طَبِيخِهِ وَإِنْ بَاعَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَ فُلَانٌ ثَوْبًا فَبَاعَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُبْطِلُ الْإِضَافَةَ وَلَوْ كَانَ ثَوْبَ خَزٍّ فَنُقِضَ وَنَسَجَهُ آخَرُ ثُمَّ لَبِسَهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ النَّسْجَ الثَّانِيَ أَبْطَلَ الْإِضَافَةَ الْأُولَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَوْبًا مَسَّهُ فُلَانٌ فَمَسَّ فُلَانٌ ثَوْبًا وَتَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِالْمَسِّ لَا تُبْطِلُ الْبَيْعَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَشْتَرِي ثَوْبًا كَانَ فُلَانٌ مَسَّهُ .

بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَى بِهَا طَعَامًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ وَإِنْ بَدَّلَهَا بِغَيْرِهَا وَاشْتَرَى مِمَّا أَبْدَلَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ بِعَيْنِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْأَكْلَ وَإِنَّمَا أَكْلُهَا فِي الْمُتَعَارَفِ أَكْلُ مَا يُشْتَرَى بِهَا وَلَمَّا اشْتَرَى بِبَدَلِهَا لَمْ يُوجَدْ أَكْلُ مَا اشْتَرَى بِهَا فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ فَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ شَيْئًا وَأَبُوهُ حَيٌّ فَمَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَ مِنْهُ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ فَفِي الْقِيَاسِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمُشْتَرَى لَيْسَ بِمِيرَاثٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَوَارِيثَ هَكَذَا تُؤْكَلُ وَيُسَمَّى ذَلِكَ أَكْلَ الْمِيرَاثِ عُرْفًا وَعَادَةً فَإِنْ اشْتَرَى بِالْمِيرَاثِ شَيْئًا فَاشْتَرَى بِذَلِكَ الشَّيْءِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ بِكَسْبِهِ وَلَيْسَ بِمُشْتَرٍ بِمِيرَاثِهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمِيرَاثِ بِعَيْنِهِ إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَغَيَّرَهُ وَاشْتَرَى بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا قُلْنَا قَالَ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَا آكُلُ مِيرَاثًا يَكُونُ لِفُلَانٍ فَكَيْفَ مَا غَيَّرَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمُطْلَقَةَ تُعْتَبَرُ فِيهَا الصِّفَةُ الْمُعْتَادَةُ وَفِي الْعَادَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَا وَرِثَهُ الْإِنْسَانُ إنَّهُ مِيرَاثٌ وَإِنْ غَيَّرَهُ وَقَالَ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا حَلَفَ لَا يُطْعِمُ فُلَانًا مِمَّا وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ وَرِثَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ مِنْهُ حَنِثَ فَإِنْ اشْتَرَى بِذَلِكَ الطَّعَامِ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى الطَّعَامِ الْمَوْرُوثِ فَإِذَا بَاعَهُ بِطَعَامٍ آخَرَ فَالثَّانِي لَيْسَ بِمَوْرُوثٍ وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا تُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ وَرِثَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ

مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَحُمِلَتْ عَلَى الْمَجَازِ .
وَقَالَ هِشَامٌ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ فِي رَجُلٍ مَعَهُ دَرَاهِمُ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهَا فَاشْتَرَى بِهَا دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسًا ثُمَّ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الْفُلُوسِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا عَرَضًا ثُمَّ بَاعَ ذَلِكَ الْعَرْضَ بِطَعَامٍ فَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي قَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الِامْتِنَاعُ مِنْ إنْفَاقِهَا فِي الطَّعَامِ وَالنَّفَقَةُ تَارَةً تَكُونُ بِالِابْتِيَاعِ وَتَارَةً بِتَصْرِيفِهَا بِمَا يُنْفَقُ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْعَادَةِ .
فَأَمَّا ابْتِيَاعُ الْعُرُوضِ بِالدَّرَاهِمِ فَلَيْسَ بِنَفَقَةٍ فِي الطَّعَامِ فِي الْعَادَةِ فَلَا تُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَهَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .

ابْنُ رُسْتُمَ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مِنْ طَعَامِك وَهُوَ يَبِيعُ الطَّعَامَ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَأَكَلَ حَنِثَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْيَمِينِ يُرَادُ بِهَا مَنْعُ النَّفْسِ عَنْ الِابْتِيَاعِ قَالَ مُحَمَّدٌ .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مِنْ طَعَامِك هَذَا الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ فَأَهْدَاهُ لَهُ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ قَالَ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا فُلَانٌ ثُمَّ دَخَلَهَا وَالْمَسْأَلَةُ تَجِيءُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الطَّعَامِ يُسَمَّى طَعَامًا فَقَدْ أَكَلَ مِنْ طَعَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ .

عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ مِنْ ثَمَنِ الْغَلَّةِ حَنِثَ لِأَنَّ هَذَا فِي الْعَادَةِ يُرَادُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ فَإِنْ نَوَى أَكْلَ نَفْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَأَكَلَ مِنْ ثَمَنِهِ دَيَّنْتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ أُدَيِّنْهُ فِي الْقَضَاءِ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَنَوَى الْجِنْسَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ فَيُصَدَّقُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ شَيْئًا وَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا أَوْ جُمَّارِهَا أَوْ طَلْعِهَا أَوْ بُسْرِهَا أَوْ الدِّبْسِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ رُطَبِهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ النَّخْلَةَ لَا يَتَأَتَّى أَكْلُهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَالدِّبْسُ اسْمٌ لِمَا يَسِيلُ مِنْ الرُّطَبِ لَا الْمَطْبُوخِ مِنْهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ شَيْئًا فَأَكَلَ مِنْ عِنَبِهِ أَوْ زَبِيبِهِ أَوْ عَصِيرِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْكَرْمِ إذْ عَيْنُ الْكَرْمِ لَا تَحْتَمِلُ الْأَكْلَ كَمَا فِي النَّخْلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَظَرَ إلَى عِنَبٍ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَكَلَ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَأَكَلَ مِنْ زَبِيبِهِ أَوْ عَصِيرِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعِنَبَ مِمَّا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْحَمْلِ عَلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ زُبْدِهَا أَوْ سَمْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشَّاةَ مَأْكُولَةٌ فِي نَفْسِهَا فَأَمْكَنَ حَمْلُ الْيَمِينِ عَلَى أَجْزَائِهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا لَا عَلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا قَالَ مُحَمَّدٌ .
وَلَوْ أَكَلَ مِنْ نَاطِفٍ جُعِلَ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلَةِ أَوْ نَبِيذٍ نُبِذَ مِنْ ثَمَرِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَقَدْ خَرَجَ هَذَا مَحْذُوفَ الصِّيغَةِ عَنْ

حَالِ الِابْتِدَاءِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْيَمِينُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ زُبْدِهِ أَوْ سَمْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَأْكُولٌ بِنَفْسِهِ فَتُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الشُّرْبِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الشُّرْبِ أَنَّهُ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ الْمَضْغُ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ فَأَكَلَ لَا يَحْنَثُ .
كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ } عَطَفَ الشُّرْبَ عَلَى الْأَكْلِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَيَّ شَرَابٍ شَرِبَ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَنْعَ نَفْسَهُ عَنْ الشُّرْبِ عَامًّا وَسَوَاءٌ شَرِبَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرَابِ يُسَمَّى شَرَابًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ شَيْئًا يَسِيرًا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَلِيلَ الطَّعَامِ طَعَامٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا فَأَيَّ نَبِيذٍ شَرِبَ حَنِثَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَإِنْ شَرِبَ سَكَرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّكَرَ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا لِأَنَّهُ اسْمٌ لِخَمْرِ التَّمْرِ وَهُوَ الَّذِي مِنْ مَاءِ التَّمْرِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ أَوْ لَمْ يَقْذِفْ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَكَذَا لَوْ شَرِبَ فَضِيخًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا إذْ هُوَ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ يُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ وَكَذَا لَوْ شَرِبَ عَصِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا .

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَعَ فُلَانٍ شَرَابًا فَشَرِبَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ شَرَابٍ وَاحِدٍ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ الَّذِي يَشْرَبَانِ فِيهِ مُخْتَلِفًا وَكَذَا لَوْ شَرِبَ الْحَالِفُ مِنْ شَرَابٍ وَشَرِبَ الْآخَرُ مِنْ شَرَابٍ غَيْرِهِ وَقَدْ ضَمَّهُمَا مَجْلِسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الشُّرْبِ مَعَ فُلَانٍ فِي الْعُرْفِ هُوَ أَنْ يَشْرَبَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اتَّحَدَ الْإِنَاءُ وَالشَّرَابُ أَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ ضَمَّهُمَا مَجْلِسٌ وَاحِدٌ يُقَالُ شَرِبْنَا مَعَ فُلَانٍ وَشَرِبْنَا مَعَ الْمَلِكِ وَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يَتَفَرَّدُ بِالشُّرْبِ مِنْ إنَاءٍ فَإِنْ نَوَى شَرَابًا وَاحِدًا وَمِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ أَوْ مِنْ الْفُرَاتِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَرْعًا وَهُوَ أَنْ يَضَعَ فَاهُ عَلَيْهِ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنْ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدِهِ أَوْ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ شَرِبَ كَرْعًا أَوْ بِإِنَاءٍ أَوْ اغْتَرَفَ بِيَدِهِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ يُصْرَفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ الْفُرَاتِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَوَانِي أَنَّهُ يُسَمَّى شَارِبًا مِنْ الْفُرَاتِ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْكَلَامِ عَلَى غَلَبَةِ الْمُتَعَارَفِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَعَارَفًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ هَذَا الْقِدْرِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرَةِ مِنْ الثَّمَرِ وَإِلَى مَا يُطْبَخُ فِي الْقِدْرِ مِنْ الطَّعَامِ كَذَلِكَ هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَحَقِيقَةُ الشُّرْبِ مِنْ الْفُرَاتِ هُوَ أَنْ يَكْرَعَ مِنْهُ كَرْعًا لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ هَهُنَا اُسْتُعْمِلَتْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى التَّبْعِيضِ إذْ الْفُرَاتُ اسْمٌ لِلنَّهْرِ الْمَعْرُوفِ وَالنَّهْرُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ ضِفَّتَيْ الْوَادِي لَا لِلْمَاءِ الْجَارِي فِيهِ فَكَانَتْ كَلِمَةُ مِنْ هَهُنَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَلَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ مِنْهُ إلَّا وَأَنْ يَضَعَ فَاهُ عَلَيْهِ فَيَشْرَبَ مِنْهُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْكَرْعِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ أُخِذَ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْفُرَاتِ كَانَ شَارِبًا مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ حَقِيقَةً لَا مِنْ الْفُرَاتِ وَالْمَاءُ الْوَاحِدُ لَا يُشْرَبُ مِنْ مَكَانَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَوْ قَالَ شَرِبْت مِنْ الْإِنَاءِ لَا مِنْ الْفُرَاتِ كَانَ مُصَدَّقًا وَلَوْ قَالَ عَلَى الْقَلْبِ كَانَ مُكَذَّبًا فَدَلَّ أَنَّ الشُّرْبَ

مِنْ الْفُرَاتِ هُوَ الْكَرْعُ مِنْهُ وَأَنَّهُ مُمْكِنٌ وَمُسْتَعْمَلٌ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَى قَوْمًا فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ مَاءٍ بَاتَ فِي شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعْنَا } وَيَسْتَعْمِلُهُ كَثِيرٌ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا مُسْتَعْمَلًا فَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَ الِاسْمِ مَنْقُولًا عَنْ الْحَقِيقَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الِاسْمُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ تَسْمِيَةً وَنُطْقًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً تَسْمِيَةً وَنُطْقًا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قِلَّةَ الْحَقِيقَةِ وُجُودًا لَا يَسْلُبُ اسْمَ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ هَذَا الْقِدْرِ لِأَنَّ هَهُنَا كَمَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِتَبْعِيضِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِخُرُوجِ الشَّجَرَةِ وَالْقِدْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْأَكْلِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا ابْتِدَاءَيْنِ لِغَايَةِ الْأَكْلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ لَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَكَانِ بَلْ مِنْ الْيَدِ لِأَنَّ الْمَأْكُولَ مُسْتَمْسِكٌ فِي نَفْسِهِ وَالْأَكْلُ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَلْعِ عَنْ مَضْغٍ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَأُضْمِرَ فِيهِ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَكْلُ وَهُوَ الثَّمَرَةُ فِي الشَّجَرَةِ وَالْمَطْبُوخُ فِي الْقِدْرِ فَكَانَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَهَهُنَا أَمْكَنَ جَعْلُهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ يُشْرَبُ مِنْ مَكَان لَا مَحَالَةَ لِانْعِدَامِ اسْتِمْسَاكِهِ فِي نَفْسِهِ إذْ الشُّرْبُ هُوَ الْبَلْعُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ وَمَا يُمْكِنُ ابْتِلَاعُهُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ لَا يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِهِ اسْتِمْسَاكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ حَامِلٍ لَهُ يُشْرَبُ مِنْهُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّ هَذَا

النَّهْرَ لَيْسَ بِفُرَاتٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرِبَ مِنْ آنِيَةٍ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فُلَانهمَا يَعْتَبِرَانِ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ وَمَنْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَا يُعْرَفُ شَارِبًا مِنْ الْفُرَاتِ لِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْ الْفُرَاتِ عِنْدَهُمَا هُوَ أَخْذُ الْمَاءِ الْمُفْضِي إلَى الشُّرْبِ مِنْ الْفُرَاتِ وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ نَهْرٍ لَا يُسَمَّى فُرَاتًا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْ الْفُرَاتِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْهُ بِالِاغْتِرَافِ بِالْآنِيَةِ أَوْ بِالِاسْتِقَاءِ بِرَاوِيَةٍ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَرَعَ مِنْهُ يَحْنَثْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّهْرَ لَمَّا أَخَذَ الْمَاءَ مِنْ الْفُرَاتِ فَقَدْ صَارَ مُضَافًا إلَيْهِ فَانْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْفُرَاتِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ شُرْبِ جُزْءٍ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ دَخَلَتْ فِي الْمَاءِ صِلَةً لِلشُّرْبِ وَهُوَ قَابِلٌ لِفِعْلِ الشُّرْبِ فَكَانَتْ لِلتَّجْزِئَةِ وَبِالدُّخُولِ فِي نَهْرٍ انْشَعَبَ مِنْ الْفُرَاتِ لَا تَنْقَطِعُ إلَيْهِ النِّسْبَةُ كَمَا لَا تَنْقَطِعُ بِالِاغْتِرَافِ بِالْآنِيَةِ وَالِاسْتِقَاءِ بِالرَّاوِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ يُنْقَلُ إلَيْنَا وَنَتَبَرَّكُ بِهِ وَنَقُولُ شَرِبْنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَهَذَا وَقَوْلُهُ لَا أَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشُّرْبَ مِنْ النَّهْرِ فَكَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ .

وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ نَهْرٍ يَجْرِي ذَلِكَ النَّهْرُ إلَى دِجْلَةَ فَأَخَذَ مِنْ دِجْلَةَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ لِزَوَالِ الْإِضَافَةِ إلَى النَّهْرِ الْأَوَّلِ بِحُصُولِهِ فِي دِجْلَةَ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْجُبِّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ حَتَّى لَوْ اغْتَرَفَ مِنْ مَائِهِ فِي إنَاءٍ آخَرَ فَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى الْجُبِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مِنْ قَسَّمَ الْجَوَابَ فِي الْجُبِّ فَقَالَ إنْ كَانَ مَلْآنَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَقْصُورَةُ الْوُجُودِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَلْآنَ فَاغْتَرَفَ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْحَقِيقَةِ فَتَنْصَرِفَ يَمِينُهُ إلَى الْمَجَازِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى الْحَقِيقَةِ إجْمَاعًا لِتَصَوُّرِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِلْعُرْفِ فَإِنْ نُقِلَ الْمَاءُ مِنْ كُوزٍ إلَى كُوزٍ وَشَرِبَ مِنْ الثَّانِي لَا يُسَمَّى شَارِبًا مِنْ الْكُوزِ الْأَوَّلِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا الْجُبِّ فَاغْتَرَفَ مِنْهُ بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَاءِ ذَلِكَ الْجُبِّ وَقَدْ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ فَإِنْ حَوَّلَ مَاءَهُ إلَى جُبٍّ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ الْمَاءَ مِنْ الْفُرَاتِ وَقَدْ مَرَّ وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا الْجُبِّ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَائِهَا فَاسْتَقَى مِنْهَا وَشَرِبَ حَنِثَ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةِ الْوُجُودِ فَيُصْرَفُ إلَى الْمَجَازِ .

وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَمُدَّتْ الدِّجْلَةُ مِنْ الْمَطَرِ فَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي الدِّجْلَةِ انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ مَاءِ وَادٍ سَالَ مِنْ الْمَطَرِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ جَاءَ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ مُسْتَنْقَعٍ فِي قَاعٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُضَفْ إلَى النَّهْرِ بَقِيَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ كَمَا كَانَتْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ فَشَرِبَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ نَهْرٍ آخَرَ أَوْ بِئْرٍ عَذْبَةٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شُرْبِ مَاءٍ عَذْبٍ إذْ الْفُرَاتُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذْبِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا } وَلَمَّا أَطْلَقَ الْمَاءَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْفُرَاتِ فَقَدْ جَعَلَ الْفُرَاتَ نَعْتًا لِلْمَاءِ وَقَدْ شَرِبَ مِنْ الْمَاءِ الْمَنْعُوتِ فَيَحْنَثُ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَضَافَ الْمَاءَ إلَى الْفُرَاتِ وَعَرَّفَ الْفُرَاتَ بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ فَيُصْرَفُ إلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ الْمُسَمَّى بِالْفُرَاتِ .

( وَأَمَّا ) الْحَلِفُ عَلَى الذَّوْقِ فَالذَّوْقُ هُوَ إيصَالُ الْمَذُوقِ إلَى الْفَمِ ابْتَلَعَهُ أَوْ لَا بَعْدَ أَنْ وَجَدَ طَعْمَهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعِلْمِ بِالْمَذُوقَاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَاللَّمْسِ لِلْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْعِلْمُ بِالطَّعْمِ يَحْصُلُ بِحُصُولِ الذَّوْقِ فِي فَمِهِ سَوَاءٌ ابْتَلَعَهُ أَوْ مَجَّهُ فَكُلُّ أَكْلٍ فِيهِ ذَوْقٌ وَلَيْسَ كُلُّ ذَوْقٍ أَكْلًا إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا حَلَفَ لَا يَذُوقُ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا فَأَدْخَلَهُ فِي فِيهِ حَنِثَ لِحُصُولِ الذَّوْقِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي لَا أَذُوقُهُ لَا آكُلُهُ وَلَا أَشْرَبُهُ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالذَّوْقِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ مَا ذُقْت الْيَوْمَ شَيْئًا وَمَا ذُقْت إلَّا الْمَاءَ وَيُرَادُ بِهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِعُدُولِهِ عَنْ الظَّاهِرِ .
قَالَ هِشَامٌ وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلً حَلَفَ لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ مِنْهُ شَيْئًا أَدْخَلَهُ فَاهُ وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا عَلَى الذَّوْقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ كَلَامٌ قُلْت فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَغَدَّ عِنْدِي الْيَوْمَ فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِهِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا عَلَى الْأَكْلِ لَيْسَ عَلَى الذَّوْقِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الذَّوْقِ هِيَ اكْتِسَاب سَبَبِ الْعِلْمِ بِالْمَذُوقِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ دَلَالَةُ حَالٍ خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ حُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَإِلَّا عَمِلْت بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ

الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ لِلصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِطَعْمِ الْمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى ذَوْقًا عُرْفًا وَعَادَةً إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ لَا مَعْرِفَةُ طَعْمِ الْمَذُوقِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا أَوْ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا أَوْ لَا يَذُوقُ وَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ أَوْ شَرَابًا دُونَ شَرَابٍ .
فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْوِيَ تَحْصِيص مَا هُوَ مَذْكُورٌ وَإِمَّا أَنْ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فَإِنْ نَوَى تَخْصِيصَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظًا عَامًّا وَأَرَادَ بِهِ بَعْضَ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِالْعَامِّ عَلَى إرَادَةِ الْخَاصِّ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى الْعُمُومِ وَالظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ دَلَالَةً عَلَى الْعُمُومِ فِي اللُّغَةِ إرَادَةُ الْعُمُومِ فَكَانَ نِيَّةُ الْخُصُوصِ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ لَا يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءٌ كَانَ التَّخْصِيصُ رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ أَوْ إلَى الصِّفَةِ أَوْ إلَى الْحَالِ لِأَنَّ الْخُصُوصَ وَالْعُمُومَ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي فَغَيْرُ الْمَلْفُوظِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْمِيمَ وَالتَّخْصِيصَ وَالتَّقْيِيدَ فَإِذَا نَوَى التَّخْصِيصَ فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ رَأْسًا وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتُخَرَّجُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ إذَا قَالَ إنْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا أَوْ إنْ ذُقْت طَعَامًا أَوْ شَرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ ، وَقَالَ عَنَيْت اللَّحْمَ أَوْ الْخُبْزَ فَأَكَلَ غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي مَوْضِعِ الْعُمُومِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ

أَكَلْت طَعَامًا بِمَعْنَى قَوْلِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا فَيَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ كُلَّ طَعَامٍ فَإِذَا نَوَى بِهِ بَعْضَ الْأَطْعِمَةِ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ ذُقْت أَوْ شَرِبْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَهُوَ يَنْوِي طَعَامًا بِعَيْنِهِ أَوْ شَرَابًا بِعَيْنِهِ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ غَيْرَهُ فَإِنَّ عَبْدَهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ إذْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لَيْسَا بِمَذْكُورَيْنِ بَلْ يَثْبُتَانِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَزْعُمُ أَنَّ لِلْمُقْتَضَى عُمُومًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ مِنْ صِفَاتِ الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَحْتَمِلُ الصِّفَةَ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يُجْعَلُ مَوْجُودًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ لِصِحَّةِ الْكَلَامِ فَيُبْقِي فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى حُكْمِ الْعَدَمِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ الرَّاجِعُ إلَى الصِّفَةِ وَالْحَالِ فَنَحْوُ مَا حَكَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَهُوَ قَائِمٌ وَعَنَى بِهِ وَمَا دَامَ قَائِمًا لَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْقِيَامِ كَانَتْ نِيَّتُهُ بَاطِلَةً وَحَنِثَ إنْ كَلَّمَهُ لِأَنَّ الْحَالَ وَالصِّفَةَ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْقَائِمَ يُعْنَى بِهِ مَا دَامَ قَائِمًا وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِوُرُودِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْمَلْفُوظِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا خَمْسِينَ وَهُوَ يَنْوِي بِسَوْطٍ بِعَيْنِهِ فَبِأَيِّ سَوْطٍ ضَرَبَهُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ يَمِينِهِ وَالنِّيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ آلَةَ الضَّرْبِ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَبَطَلَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَنَظِيرُ هَذَا مَا

حَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ ، وَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَهُوَ يَنْوِي كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا نِيَّةٌ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فِي الْقَضَاءِ .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَعْنِي امْرَأَةً كَانَ أَبُوهَا يَعْمَلُ كَذَا وَكَذَا فَهَذَا كُلُّهُ لَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَعْنِي امْرَأَةً عَرَبِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً قَالَ هَذَا جَائِزٌ يَدِينُ فِيمَا نَوَاهُ فَقَدْ جَعَلَ قَوْلَهُ عَرَبِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً بَيَانَ النَّوْعِ وَقَوْلَهُ كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً وَصْفًا فَجَوَّزَ تَخْصِيصَ النَّوْعِ وَلَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ وَالْجِنْسُ مَذْكُورٌ وَهُوَ قَوْلُهُ امْرَأَةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ لِاشْتِمَالِ اسْمِ الْجِنْسِ عَلَى الْأَنْوَاعِ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَنْوِي امْرَأَةً بِعَيْنِهَا قَالَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَ جِنْسِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ قَالَ .
وَلَوْ قَالَ لَا أَشْتَرِي جَارِيَةً وَنَوَى مُوَلَّدَةً فَإِنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصِ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْصِيصُ صِفَةٍ فَأَشْبَهَ الْكُوفِيَّةَ وَالْبَصْرِيَّةَ .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ الطَّعَامَ أَوْ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَيَمِينُهُ عَلَى بَعْضِ الْجِنْسِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ صُدِّقَ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ .

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَعْنَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَمَعْرِفَةِ وَقْتِهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ أَكْلِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً فَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَمَا كَانَ غَدَاءً عِنْدَهُمْ حُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالُوا فِي أَهْلِ الْحَضَرِ إذَا حَلَفُوا عَلَى تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبُوا اللَّبَنَ لَمْ يَحْنَثُوا لِأَنَّهُمْ لَا يَتَنَاوَلُونَ ذَلِكَ لِلشِّبَعِ عَادَةً وَلَوْ حَلَفَ الْبَدَوِيُّ فَشَرِبَ اللَّبَنَ حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ غَدَاءٌ فِي الْبَادِيَةِ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ غَيْرَ الْخُبْزِ مِنْ أَرُزٍّ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غَدَاءً وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَ لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ .
كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَالَ .
وَقَالَا لَيْسَ الْغَدَاءُ فِي مِثْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ إلَّا عَلَى الْخُبْزِ وَالْمَرْجِعُ فِي هَذَا إلَى الْعَادَةِ فَمَا كَانَ غَدَاءً مُتَعَادًّا عِنْدَ الْحَالِفِ حَنِثَ وَمَا لَا فَلَا وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْلِ الْهَرِيسَةِ وَالْأَرُزِّ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْهَرِيسَةِ وَالْفَالُوذَجِ وَالْخَبِيصِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَدَاءَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ غَدَاءَ كُلِّ بَلَدٍ مَا تَعَارَفُونَهُ غَدَاءً فَيُعْتَبَرُ عَادَةُ الْحَالِفِ فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ كُوفِيًّا يَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ بَدَوِيًّا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا يَقَعُ عَلَى السَّوِيقِ وَفِي بِلَادِنَا يَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَنَقُولُ وَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ لِأَنَّ الْغَدَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ أَكْلِ الْغُدْوَةِ وَمَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لَا يَكُونُ غُدْوَةً وَالْعَشَاءُ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ

لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَكْلِ الْعَشِيَّةِ وَأَوَّلُ أَوْقَاتِ الْعِشَاءِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ } يُرِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَفِي عُرْفِ دِيَارِنَا الْعِشَاءُ مَا بَعْدَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَأَمَّا السُّحُورُ فَمَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ وَهُوَ وَقْتُ السَّحَرِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ لَمْ تَتَعَشَّ اللَّيْلَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَكَلَتْ لُقْمَةً وَاحِدَةً لَمْ تَزِدْ عَلَيْهَا فَلَيْسَ هَذَا بِعَشَاءٍ وَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شِبَعِهَا لِأَنَّ مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً يَقُولُ فِي الْعَادَةِ مَا تَغَدَّيْت وَلَا تَعَشَّيْت فَإِذَا أَكَلَ أَكْثَرَ أَكْلِهِ يُسَمَّى ذَلِكَ غَدَاءً فِي الْعَادَةِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنه غُدْوَةً أَنَّهُ إذَا أَتَاهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَدْ بَرَّ وَهُوَ غُدْوَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا وَقْتُ الْغَدَاءِ وَلَوْ قَالَ لَيَأْتِيَنه ضَحْوَةً فَهُوَ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى قَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا حَلَفَ لَا يُصْبِحُ ، فَالتَّصْبِيحُ عِنْدِي مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَيْنَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الضُّحَى الْأَكْبَرُ ذَهَبَ وَقْتُ التَّصْبِيحِ لِأَنَّ التَّصْبِيحَ تَفْعِيلٌ مِنْ الصُّبْحِ وَالتَّفْعِيلُ لِلتَّكْثِيرِ فَيَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْإِصْبَاحِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَلْيُكَلِّمْهُ لِأَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَجْرِ قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ إذَا زَالَتْ

الشَّمْسُ كَيْفَ أَمْسَيْت ؟ وَالْمَسَاءُ الْأَخِيرُ إذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى اللُّبْسِ وَالْكِسْوَةِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ رِدَاءً فَاِتَّزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ أَوْ الْقَمِيصِ أَوْ الرِّدَاءِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا أَعْتَمَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَادَةُ وَالِاتِّزَارُ وَالتَّعَمُّمُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ أَوْ هَذَا الرِّدَاءَ فَعَلَى أَيِّ حَالٍ لَبِسَ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ اتَّزَرَ بِالرِّدَاءِ وَارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اغْتَسَلَ فَلَفَّ الْقَمِيصَ عَلَى رَأْسِهِ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذِهِ الْعِمَامَةَ فَالِقَاهَا عَلَى عَاتِقِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ اُعْتُبِرَ فِيهَا وُجُودُ الِاسْمِ وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الصِّفَةُ الْمُعْتَادَةُ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْحَاضِرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَالِاسْمُ بَاقٍ وَهَذَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَيَحْنَثُ بِهِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حَرِيرًا فَلَبِسَ مُصَمَّتًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُنْسَبُ إلَى اللُّحْمَةِ دُونَ السَّدَاءِ لِأَنَّهَا هِيَ الظَّاهِرَةُ مِنْهُ وَالسِّدَاءُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَنَظِيرُ مَسَائِلِ الْبَابِ مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصَيْنِ فَلَبِسَ قَمِيصًا ثُمَّ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَلْبَسَهُمَا مَعًا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لُبْسِ الْقَمِيصَيْنِ فِي الْعُرْفِ هُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ هَذَيْنِ الْقَمِيصَيْنِ فَلَبِسَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ نَزَعَهُ وَلَبِسَ الْآخَرَ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ هَهُنَا وَقَعَتْ عَلَى عَيْنٍ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الِاسْمُ دُونَ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَبِسَ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ دِرْعَ امْرَأَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ اللُّبْسِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سِلَاحًا فَتَقَلَّدَ سَيْفًا أَوْ تَنَكَّبَ قَوْسًا أَوْ تُرْسًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى لُبْسًا

يُقَالُ تَقَلَّدَ السَّيْفَ وَلَا يُقَالُ لَبِسَهُ وَلَوْ لَبِسَ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ لِأَنَّ السِّلَاحَ هَكَذَا يُلْبَسُ وَقَالُوا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قُطْنًا فَلَبِسَ ثَوْبَ قُطْنٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَا يَحْتَمِلُ اللُّبْسَ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَى لُبْسِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَإِنْ لَبِسَ قَبَاءً لَيْسَ بِقُطْنٍ وَحَشْوُهُ قُطْنٌ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْحَشْوَ لِأَنَّ الْحَشْوَ لَيْسَ بِمَلْبُوسٍ فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ فَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْقُطْنِ تَتَنَاوَلُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَبَعْضُ الثَّوْبِ يُتَّخَذُ مِنْهُ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَيَقْطَعَن مِنْ هَذَا الثَّوْبِ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا فَلَبِسَهُ مَا شَاءَ ثُمَّ قَطَعَ مِنْ الْقَمِيصِ سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْقَمِيصَ يُسَمَّى ثَوْبًا فَقَدْ قُطِعَ الثَّوْبُ سَرَاوِيلَ وَاسْمُ الثَّوْبِ لَمْ يَزُلْ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَيَقْطَعَن مِنْهُ قَبَاءً وَسَرَاوِيلَ فَقَطَعَ مِنْهُ قَبَاءً فَلَبِسَهُ أَوْ لَمْ يَلْبَسْهُ ثُمَّ قَطَعَ مِنْ الْقَبَاءِ سَرَاوِيلَ فَإِنَّهُ قَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ حِينَ قَطَعَ الْقَمِيصَ قَبَاءً لِأَنَّهُ قَطَعَ السَّرَاوِيلَ مِمَّا لَا يُسَمَّى قَمِيصًا وَيَمِينُهُ أَقْتَضَتْ أَنْ يَقْطَعَ السَّرَاوِيلَ مِنْ قَمِيصٍ لَا مِنْ قَبَاءٍ .
وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَجْعَلْ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ قَبَاءً وَسَرَاوِيلَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَجَعَلَهُ كُلَّهُ قَبَاءً وَخَاطَهُ ثُمَّ نَقَضَ الْقَبَاءَ وَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْ بَعْضِهِ هَذَا أَوْ بَعْضِهِ هَذَا وَهُوَ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى .
وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَعَهُ سَرَاوِيلِينَ فَلَبِسَ سَرَاوِيلَ بَعْدَ سَرَاوِيلَ لَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا صَارَ سَرَاوِيلِينَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا لِأَنَّ لُبْسَ الثَّوْبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يُلْبَسُ

جَمِيعُهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَأَخَذَ مِنْهُ قَلَنْسُوَاتٍ فَلَبِسَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ قَلَنْسُوَاتٍ لَمْ يَبْقَ اسْمُ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تُسَمَّى ثَوْبًا وَإِنْ قَطَعَهُ قَمِيصًا فَفَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةٌ عَنْ الْقَمِيصِ رُقْعَةٌ صَغِيرَةٌ يَتَّخِذُ مِنْهَا لَبِنَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ لَابِسًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُمَّانَةً فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ مِنْ الثَّوْبِ جَوَارِبَ فَلَبِسَهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ جَوَارِبَ زَالَ اسْمُ الثَّوْبِ عَنْهَا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَقَطَعَ بَعْضَهُ فَلَبِسَهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ مَا قَطَعَ إزَارًا أَوْ رِدَاءً لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ قَطَعَهُ سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ حَنِثَ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ وَأَدْنَى ذَلِكَ الْإِزَارُ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِلُبْسِ ثَوْبٍ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا حَلَفَتْ لَا تَلْبَسُ ثَوْبًا فَلَبِسَتْ خِمَارًا أَوْ مِقْنَعَةً لَمْ تَحْنَثْ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْخِمَارُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْإِزَارَ حَنِثَ بِلُبْسِهِ وَإِنْ لَمْ تُسْتَرْ بِهِ الْعَوْرَةُ وَكَذَلِكَ إذَا لَبِسَ الْحَالِفُ عِمَامَةً لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَلُفَّ عَلَى رَأْسِهِ وَيَكُونَ قَدْرَ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ يَقْطَعَ مِنْ مِثْلِهَا قَمِيصًا أَوْ دِرْعًا أَوْ سَرَاوِيلَ لِأَنَّ الْعِمَامَةَ إذَا لَمْ تَبْلُغْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ فَلَابِسُهَا لَا يُسَمَّى لَابِسَ ثَوْبٍ فَلَمْ يَحْنَثْ وَإِذَا بَلَغَتْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ أَوْ الرِّدَاءِ فَقَدْ لَبِسَ مَا يُسَمَّى ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ بَدَنِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ عَلَى رَأْسِهِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ وَلَمْ يَقُلْ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ فِي التِّكَّةِ وَالزِّرِّ

وَالْعُرْوَةِ وَاللَّبِنَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلُبْسٍ فِي الْعَادَةِ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ لَابِسٌ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ لَبِسَ رُقْعَةً فِي ثَوْبٍ شِبْرًا فِي شِبْرٍ حَنِثَ لِأَنَّ هَذَا عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ فَصَارَ لَابِسًا لَهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا لَا يَحْنَثُ فِي الْعِمَامَةِ وَالْمِقْنَعَةِ وَيَحْنَثُ فِي السَّرَاوِيلِ وَقَدْ قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ ثَوْبَ خَزٍّ غَزَلَتْهُ حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْسَبُ إلَى الثَّوْبِ فَإِنَّهُ كَانَ كِسَاءٌ مِنْ غَزْلِهَا سُدَاهُ قُطْنٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُسَمَّى ثَوْبًا حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَهُ غِلْمَانُهُ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ يَعْمَلُ بِيَدِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَا يَعْمَلُ بِيَدِهِ حَنِثَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّسْجِ مَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُحْمَلْ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَازِ فَإِذَا كَانَ فُلَانٌ لَا يَنْسِجُ بِيَدِهِ لَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِالْيَمِينِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْعَمَلِ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا مِنْ السَّوَادِ قَالَ هَذَا عَلَى مَا يَلْبَسُ مِثْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي التِّكَّةِ وَالزِّرِّ وَالْعُرْوَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلُبْسٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكَسَاهُ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ حَنِثَ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ اسْمٌ لِمَا يُكْسَى بِهِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَرَوَى عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يَكْسُو امْرَأَةً فَبَعَثَ إلَيْهَا مِقْنَعَةً قَالَ لَا يَحْنَثُ فَجَعَلَ الْكِسْوَةَ عِبَارَةً عَمَّا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَأَجْرَى ذَلِكَ مَجْرَى قَوْلِهِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ

لِأَنَّهُ لَمْ يَكْسُهُ وَإِنَّمَا وَهَبَ لَهُ دَرَاهِمَ وَشَاوَرَهُ فِيمَا يَفْعَلُ بِهَا وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِثَوْبٍ كِسْوَةً حَنِثَ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْسَلِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الرُّكُوبِ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَهُوَ عَلَى الدَّوَابِّ الَّتِي يَرْكَبُهَا النَّاسُ فِي حَوَائِجِهِمْ فِي مَوَاضِعِ إقَامَتِهِمْ فَإِنْ رَكِبَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي رُكُوبِ كُلِّ حَيَوَانٍ لِأَنَّ الدَّابَّةَ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا وَحَمَلُوا الْيَمِينَ عَلَى مَا يَرْكَبُهُ النَّاسُ فِي الْأَمْصَارِ وَلِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ غَالِبًا وَهُوَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ تَخْصِيصًا لِلْعُمُومِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ كُلَّ حَيَوَانٍ فَحَمَلْنَا مُطْلَقَ كَلَامِهِ عَلَى الْعَادَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفِيلَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ لَا يُرْكَبُ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ فِي الْأَمْصَارِ عَادَةً فَإِنْ نَوَى فِي يَمِينِهِ الْخَيْلَ خَاصَّةً دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ بِرْذَوْنًا فَرَكِبَ فَرَسًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْفَرَسَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَرَبِيِّ وَالْبِرْذَوْنَ عَنْ الشَّهْرِيِّ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا عَرَبِيًّا فَكَلَّمَ عَجَمِيًّا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ ، وَقَالَ نَوَيْت الْخَيْلَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ الرُّكُوبَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الْخَيْلَ فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَوْ فَرَسًا يَحْنَثْ لِأَنَّ الْخَيْلَ اسْمُ جِنْسٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَالْمُرَادُ بِهِ

الْجِنْسُ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا فَمَكَثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً وَاقِفًا أَوْ سَائِرًا حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرُّكُوبَ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ وَيَتَجَدَّدُ أَمْثَالُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ وَهُوَ لَابِسٌ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَهُوَ جَالِسٌ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ نَزَلَ عَقِيبَ يَمِينِهِ أَوْ نَزَعَ أَوْ قَامَ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِ فُلَانٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْعَبْدِ دُونَ الْمَوْلَى وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْعَبْدِ فَلَمْ يَحْنَثْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِرُكُوبِهَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا وَلَا نَوَى شَيْئًا فَرَكِبَ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً بِإِكَافٍ أَوْ سَرْجٍ حَنِثَ لِوُجُودِ الرُّكُوبِ أَمَّا فِي الدَّابَّةِ بِالسَّرْجِ وَالْإِكَافِ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا فِي السَّفِينَةِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى ذَلِكَ رُكُوبًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا } وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْجُلُوسِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ثِيَابِهِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَصِيرٌ أَوْ بِوَرَى أَوْ بِسَاطٌ أَوْ كُرْسِيٌّ أَوْ شَيْءٌ بَسَطَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْأَرْضِ مَنْ بَاشَرَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ هَذَا هُوَ الْجُلُوسُ عَلَى الْأَرْضِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهَا بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ مِنْ ثِيَابِهِ يُسَمَّى جُلُوسًا عَلَى الْأَرْضِ عُرْفًا وَإِذَا حَالَ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مِنْ الْبِسَاطِ وَالْحَصِيرِ لَا يُسَمَّى جُلُوسًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ جَلَسَ عَلَى الْبِسَاطِ وَالْحَصِيرِ لَا عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ أَوْ هَذَا الْحَصِيرِ أَوْ هَذَا الْبِسَاطِ فَجَعَلَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ ثُمَّ جَلَسَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْجُلُوسَ يُضَافُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطِّنْفِسَةَ إذَا جُعِلَتْ عَلَى الْبُورِيِّ لَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى الْبُورِيِّ بَلْ يُقَالُ جَلَسَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ الْفِرَاشَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ الْبِسَاطَ عَلَى الْبِسَاطِ .
وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْفِرَاشِ خَاصَّةً فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ وَنَامَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مَقْصُودَانِ بِالنَّوْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُجْعَلُ لِزِيَادَةِ التَّوْطِئَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ قِرَامًا أَوْ مَحْبِسًا حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ نَامَ عَلَى الْفِرَاشِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ أَوْ عَلَى هَذَا الدُّكَّانِ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ فَجَعَلَ فَوْقه مُصَلًّى أَوْ فُرُشًا أَوْ بِسَاطًا ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ جَلَسَ الْأَمِيرُ عَلَى السَّرِيرِ وَإِنْ كَانَ فَوْقَهُ فِرَاشٌ وَيُقَالُ نَامَ عَلَى السَّطْحِ وَإِنْ كَانَ نَامَ عَلَى

فِرَاشٍ فَلَوْ جَعَلَ فَوْقَ السَّرِيرِ سَرِيرًا أَوْ بَنَى فَوْقَ الدُّكَّانِ دُكَّانًا أَوْ فَوْقَ السَّطْحِ سَطْحًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْجُلُوسَ يُضَافُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ نَوَى مُبَاشَرَتَهُ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ فَوْقَهُ شَيْءٌ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ يُعْنَى بِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى السَّرِيرِ فَنَامَ عَلَى الْفِرَاشِ فَوْقَ السَّرِيرِ لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ أَوْ أَلْوَاحِ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَفَرَشَ عَلَى ذَلِكَ فِرَاشًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَا نَامَ عَلَى أَلْوَاحٍ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا وَفِي رِجْلِهِ خُفٌّ أَوْ نَعْلٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْأَرْضِ هَكَذَا يَكُونُ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَإِنْ مَشَى عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَشَى عَلَى الْبِسَاطِ وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقِ نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقِ وَلَوْ مَشَى عَلَى السَّطْحِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ هَذِهِ أَرْضُ السَّطْحِ وَيُقَالُ لِمَنْ عَلَى السَّطْحِ لَا تَنَمْ عَلَى الْأَرْضِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَالْإِيوَاءِ وَالْبَيْتُوتَةِ أَمَّا السُّكْنَى فَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنًا فَالسُّكْنَى فِيهَا أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلَ إلَيْهَا مِنْ مَتَاعِهِ مَا يَتَأَثَّثُ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ سَاكِنٌ وَحَانِثٌ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ السُّكْنَى هِيَ الْكَوْنُ فِي الْمَكَانِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْرَارِ فَإِنَّ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَبَاتَ فِيهِ لَا يُسَمَّى سَاكِنَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ أَقَامَ فِيهِ بِمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ يُسَمَّى بِهِ فَدَلَّ أَنَّ السُّكْنَى مَا ذَكَرْنَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَسْكُنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَذَلِكَ مَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنًا فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ وَمَتَاعِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْوِيهَا لِخِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ حَنِثَ .
هَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ أَحَدُهَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فَانْتَقَلَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الرَّاكِبِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَاللَّابِسِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ فَنَزَلَ وَنَزَعَ فِي الْحَالِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِي إذَا انْتَقَلَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ سُكْنَاهُ وَلَمْ يَسْكُنْ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي بَلَدٍ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ فِيهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مُحْتَجًّا عَلَيْنَا إذَا خَرَجْت مِنْ مَكَّةَ وَخَلَّفْت دُفَيْتِرَاتٍ بِهَا أَفَأَكُونُ سَاكِنًا بِمَكَّةَ وَلَنَا أَنَّ سُكْنَى الدَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يُسْكَنُ

بِهِ فِي الْعَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ اسْمٌ لِلْكَوْنِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَا يَكُونُ الْكَوْنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إلَّا بِمَا يُسْكَنُ بِهِ عَادَةً فَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَهُوَ فِيهَا فَالْبِرُّ فِي إزَالَةِ مَا كَانَ بِهِ سَاكِنًا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَقَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ وَكُرِهَ سُكْنَاهَا لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الدَّارِ وَالْإِنْسَانُ كَمَا يَصُونُ نَفْسَهُ عَمَّا يَكْرَهُ يَصُونُ أَهْلَهُ عَنْهُ عَادَةً فَكَانَتْ يَمِينُهُ وَاقِعَةً عَلَى السُّكْنَى وَمَا يُسْكَنُ بِهِ عَادَةً فَإِذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ فَيَحْنَثُ .
وَالدَّفَاتِرُ لَا يُسْكَنُ بِهَا فِي الدُّورِ عَادَةً فَبَقَاؤُهَا لَا يُوجِبُ بَقَاءَ السُّكْنَى فَهَذَا كَانَ تَشْنِيعًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ سَاكِنَ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ وَهُوَ فِي السُّوقِ أَيْنَ تَسْكُنُ ؟ يَقُولُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِيهِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَلَدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ بِالْبَصْرَةِ إنَّهُ سَاكِنٌ بِالْكُوفَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَمَتَاعِهِ وَتَرَكَ مِنْ أَثَاثِهِ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْنَثُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ الْمَتْرُوكُ لَا يَشْغَلُ بَيْتًا وَلَا بَعْضَ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَلَسْت أَجِدُ فِي هَذَا حَدًّا وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَعَلَى مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ .
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ شَيْئًا يَسِيرًا يَعْنِي مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيُسْكَنُ بِمِثْلِهِ .
فَأَمَّا إذَا خَلَّفَ فِيهَا وَتَدًا أَوْ مِكْنَسَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَثَاثِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ يُسْكَنُ بِمِثْلِهِ فَصَارَ كَالْوَتَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ شَرْطَ الْبِرِّ إزَالَةُ مَا بِهِ صَارَ سَاكِنًا

فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ بِكَمَالِهِ فَيَحْنَثُ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالتَّحَوُّلِ بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَأَوْقَعُوهُ وَقَهَرُوهُ لَا يَحْنَثْ وَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا لِأَنَّهُ مَا يَسْكُنُهَا بَلْ أَسْكَنَ فِيهَا فَلَا يَحْنَثْ وَلِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى السُّكْنَى يَجْرِي مَجْرَى الِابْتِدَاءِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ خَارِجُ الدَّارِ فَحُمِلَ إلَيْهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ كَذَا الْبَقَاءُ إذَا كَانَ بِإِكْرَاهٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا خَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ وَخَلَّفَ مَتَاعَهُ كُلَّهُ فِي الْمَسْكَنِ فَمَكَثَ فِي طَلَبِ الْمَنْزِلِ أَيَّامًا ثَلَاثًا فَلَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَأْجِرُهُ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَنْزِلِ وَيَضَعَ مَتَاعَهُ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ النُّقْلَةِ إذْ النُّقْلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَنْزِلٍ إلَى مَنْزِلٍ وَلِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِ الْمَنْزِلِ فَهُوَ مُتَشَاغِلٌ بِالِانْتِقَالِ كَمَا لَوْ خَرَجَ يَطْلُبُ مَنْ يَحْمِلُ رَحْلَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ السَّاكِنُ مُوسِرًا وَلَهُ مَتَاعٌ كَثِيرٌ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ فِي يَوْمٍ فَلَمْ يَفْعَلْ وَجَعَلَ يَنْقُلُ بِنَفْسِهِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَمَكَثَ فِي ذَلِكَ سَنَةً قَالَ إنْ كَانَ النَّقْلَانُ لَا يُفَتِّرَانِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِالِاسْتِقْرَارِ بِالدَّارِ وَالْمُتَشَاغِلُ بِالِانْتِقَالِ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ عَلَى أَسْرَعِ الْوُجُوهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِالِانْتِقَالِ الْمُعْتَادِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَسْرَعَ مِنْهُ فَإِنْ تَحَوَّلَ بِبَدَنِهِ .
وَقَالَ ذَلِكَ أَرَدْت فَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَإِنْ كَانَ حَلَفَ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ .
وَقَالَ نَوَيْت الِانْتِقَالَ

بِبَدَنِي دِينَ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا الْمُسَاكَنَةُ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ سَاكِنًا مَعَ رَجُلٍ فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُسَاكِنَ صَاحِبَهُ فَإِنْ أَخَذَ فِي النُّقْلَةِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ وَإِلَّا حَنِثَ وَالنُّقْلَةُ عَلَى مَا وَصَفْت لَك إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي الدَّارِ فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا لَمْ يَنْتَقِلْ فِي الْحَالِ فَالْبَقَاءُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ فَيَحْنَثُ فَإِنْ وَهَبَ الْحَالِفُ مَتَاعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ مَنْزِلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْزِلًا أَيَّامًا وَلَمْ يَأْتِ الدَّارَ الَّتِي فِيهَا صَاحِبُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ وَهَبَ لَهُ الْمَتَاعَ وَقَبَضَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُسَاكِنٍ لَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ لِأَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ وَخَرَجَ فَلَيْسَ بِمُسَاكِنٍ إيَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِمَالِهِ وَإِذَا أَوْدَعَهُ فَلَيْسَ بِسَاكِنٍ بِهِ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ ثُمَّ خَرَجَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي يَدِ الْمُودَعِ وَكَذَلِكَ إذَا أَعَارَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ زَوْجَةٌ فَرَاوَدَهَا عَلَى الْخُرُوجِ فَأَبَتْ وَامْتَنَعَتْ وَحَرَصَ عَلَى خُرُوجِهَا وَاجْتَهَدَ فَلَمْ تَفْعَلْ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَهَا لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ هُوَ فِي الدَّارِ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ اخْتِيَاره السُّكْنَى بِهِ فَكَذَا إذَا بَقِيَ مَا يُسْكَنُ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَاره وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ غُرْفَةٍ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ الْقُرَبُ وَالِاخْتِلَاطُ فَإِذَا سَكَنَهَا فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى فَقَدْ وُجِدَ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ هَذَا فِي حُجْرَةٍ وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ

أَوْ هَذَا فِي مَنْزِلٍ وَهَذَا فِي مَنْزِلٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَارًا كَبِيرَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلُ دَارِ الرَّقِيقِ وَنَحْوِهَا وَدَارِ الْوَلِيدِ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا كُلُّ دَارٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ وَمَنَازِلُ .
وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا فَسَكَنَ هَذَا فِي حُجْرَةٍ وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ هِشَامٌ قُلْت فَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَسَكَنَ هَذَا فِي حُجْرَةٍ وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ قَالَ يَحْنَثُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْحُجْرَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ كَالدَّارَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّارِقَ مِنْ إحْدَاهُمَا إذَا نَقَلَ الْمَسْرُوقَ إلَى الْأُخْرَى قُطِعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي دَارٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنْ لَا يَجْمَعَهُمَا دَارٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ جَمَعْتَهُمَا وَإِنْ كَانَا فِي حُجَرِهَا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ الِاخْتِلَاطُ وَالْقُرْبُ فَإِذَا كَانَا فِي حُجْرَتَيْنِ فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَقَدْ وُجِدَ الْقُرَبُ فَهُوَ كَبَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ وَإِنْ كَانَا فِي حُجْرَتَيْنِ مِنْ دَارٍ عَظِيمَةٍ فَلَا يُوجَدُ الْقُرَبُ فَهُوَ كَدَارَيْنِ فِي مَحَلَّةٍ فَإِنْ سَكَنَ هَذَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ وَهَذَا فِي بَيْتٍ وَقَدْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كَالْبَيْتِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ نَقَلَ الْمَسْرُوقَ مِنْ أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ إلَى الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي حَانُوتٍ فِي السُّوقِ يَعْمَلَانِ فِيهِ عَمَلًا أَوْ يَبِيعَانِ فِيهِ تِجَارَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمَنَازِلِ الَّتِي هِيَ الْمَأْوَى وَفِيهَا الْأَهْلُ وَالْعِيَالُ .
فَأَمَّا حَوَانِيتُ الْبَيْعِ وَالْعَمَلِ فَلَيْسَ يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْيَمِينِ بَدَلٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا فَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِمَا

وَمَعَانِيهِمَا لِأَنَّ السُّكْنَى عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْوِي إلَيْهِ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ السُّوقَ وَإِنْ كَانَ يَتَّجِرُ فِيهَا فَإِنَّهُ جَعَلَ السُّوقَ مَأْوَاهُ قِيلَ إنَّهُ يَسْكُنُ السُّوقَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْيَمِينِ تَرْكَ الْمُسَاكَنَةِ فِي السُّوقِ حُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلَالَةٌ فَقَالَ نَوَيْت الْمُسَاكَنَةَ فِي السُّوقِ أَيْضًا فَقَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ أَحَدَهُمَا فِي دَارٍ وَالْآخَرُ فِي دَارٍ أُخْرَى فِي قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ دَرْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى تَجْمَعَهُمَا السُّكْنَى فِي دَارٍ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ الْمُقَارَبَةُ وَالْمُخَالَطَةُ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إذَا كَانَا فِي دَارَيْنِ وَذَكَرَ الْكُوفَةَ لِتَخْصِيصِ الْيَمِينِ بِهَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِمُسَاكَنَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ لَا أَسْكُنَ الْكُوفَةَ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ صُدِّقَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي الدَّارِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَنَّ مَلَّاحًا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ إذَا جَمَعَتْهُمْ خَيْمَةٌ .
وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَقَارَبَتْ لِأَنَّ السُّكْنَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ وَعَادَةُ الْمَلَّاحِينَ السُّكْنَى فِي السُّفُنِ وَعَادَةُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ السُّكْنَى فِي الْأَخْبِيَةِ فَتُحْمَلُ يَمِينُهُمْ عَلَى عَادَاتِهِمْ وَأَمَّا الْإِيوَاءُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَأْوِي فِي مَكَان أَوْ دَارٍ أَوْ فِي بَيْتٍ فَالْإِيوَاءُ الْكَوْنُ سَاكِنًا فِي الْمَكَانِ فَأَوَى مَعَ فُلَانٍ فِي مَكَان قَلِيلًا كَانَ الْمُكْثُ أَوْ كَثِيرًا لَيْلًا كَانَ أَوْ

نَهَارًا حَنِثَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَى وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْوِيهِ وَفُلَانًا بَيْتٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيوَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَصِيرِ فِي الْمَوْضِعِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ } أَيْ أَلْتَجِئُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي قَلِيلِ الْوَقْتِ وَكَثِيرِهِ وَقَدْ كَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ : إنَّ الْإِيوَاءَ مِثْلُ الْبَيْتُوتَةِ وَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُقِيمَ فِي الْمَكَانِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْإِيوَاءَ كَمَا يَذْكُرُونَ الْبَيْتُوتَةَ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ يَأْوِي فِي هَذِهِ الدَّارِ كَمَا يَقُولُونَ يَبِيتُ فِيهَا وَأَمَّا إذَا نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْإِيوَاءَ وَيُرِيدُونَ بِهِ السُّكْنَى وَالْمَقَامَ وَقَدْ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ آوَانِي وَإِيَّاكَ بَيْتٌ أَبَدًا عَلَى طَرْفَةِ عَيْنٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَقَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّ اللَّفْظَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي فُلَانًا وَقَدْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي عِيَالِ الْحَالِفِ وَمَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُعِيدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا كَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي عِيَالِ الْحَالِفِ فَهَذَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ نَوَى أَنْ لَا يَعُولَهُ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى لَا يُدْخِلُهُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَأْوِيهِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ ضَمُّهُ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْزِلِهِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْقِيَامُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ دَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَرَآهُ فَسَكَتَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى

فِعْلِ نَفْسِهِ فَإِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلُهُ .
وَقَالَ عُمَرُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْإِيوَاءُ عِنْدَ الْبَيْتُوتَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنْ نَوَى الْمَبِيتَ فَهُوَ عَلَى ذَهَابِ الْأَكْثَرِ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى ذَهَابِ سَاعَةٍ .
( وَأَمَّا ) الْبَيُّوتَةُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيتُ مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَبِيتُ فِي مَكَانِ كَذَا فَالْمَبِيتُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَإِذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَحْنَثْ وَسَوَاءٌ نَامَ فِي الْمَوْضِعِ أَوْ لَمْ يَنَمْ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ لَيْلًا يُقِيمُ عِنْدَهُ قِطْعَةً مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يُقَالُ بَاتَ عِنْدَهُ وَإِذَا أَقَامَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ يُقَالُ بَاتَ عِنْدَهُ وَيُقَالُ فُلَانٌ بَائِتٌ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فِي غَيْرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ النَّوْمُ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ لُغَةً كَمَا لَا يَقْتَضِي الْيَقَظَةَ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهِ وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ ثُمَّ بَاتَ بَقِيَّةَ اللَّيْلِ قَالَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ إذَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى أَكْثَرِ اللَّيْلِ فَقَدْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَسْتَخْدِمُ خَادِمَةً لَهُ قَدْ كَانَتْ تَخْدُمُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَجَعَلَتْ الْخَادِمَةُ تَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهَا حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَكَّنَهَا مِنْ الْخِدْمَةِ فَقَدْ تَرَكَهَا عَلَى الِاسْتِخْدَامِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْهَا فَقَدْ اسْتَخْدَمَهَا دَلَالَةً وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْ نَصًّا صَرِيحًا وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى خَادِمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا فَخَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ سَبْقِ الِاسْتِخْدَامِ لِيَكُونَ التَّمْكِينُ مِنْ الْخِدْمَةِ إبْقَاءً لَهَا عَلَى الِاسْتِخْدَامِ وَلِتَعَذُّرِ جَعْلِ التَّمْكِينِ دَلَالَةَ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ جَارِيَةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ إذْنًا بِهِ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَهُوَ الْفَرْقُ حَتَّى لَوْ كَانَ نَهَى خَادِمَتَهُ الَّتِي كَانَتْ تَخْدُمُهُ عَنْ خِدْمَتِهِ ثُمَّ خَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قِيلَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ بِالتَّمْكِينِ قَطَعَ اسْتِخْدَامَهَا السَّابِقَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهَا بِغَيْرِ اسْتِخْدَامٍ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْدُمُهُ فُلَانَةُ فَخَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَهِيَ خَادِمَتُهُ أَوْ خَادِمَةُ غَيْرِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهَا وَهُوَ خِدْمَتُهَا لَا عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ اسْتِخْدَامُهُ وَقَدْ خَدَمَتْهُ .
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ بَيْتِهِ فَهُوَ خِدْمَتُهُ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ خَادِمَةً لِفُلَانٍ فَسَأَلَهَا وَضُوءًا أَوْ شَرَابًا أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ إنْ فَعَلْت ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَفْعَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِهَا فَتُعِينَهُ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تُعِينَهُ لِأَنَّهُ عَقَّهُ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ وَقَدْ اسْتَخْدَمَ وَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ فَإِنْ عَنَى أَنْ تَخْدُمَهُ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ

وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ حَلَفَ لَا يَخْدُمُنِي خَادِمٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ وَالصَّغِيرُ الَّذِي يَخْدُمُ وَالْكَبِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ اسْمَ الْخَادِمِ يَجْمَعُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ فَإِذَا حَلَفَ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفَ اسْمَهُ لَمْ يَعْرِفْهُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { سَأَلَ رَجُلًا عَنْ رَجُلٍ ، وَقَالَ لَهُ هَلْ تَعْرِفُهُ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا اسْمُهُ ؟ فَقَالَ لَا فَقَالَ إنَّك لَمْ تَعْرِفْهُ } وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ بِاسْمِهِ وَإِنْ عَرَفَهُ بِوَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَمِنْ شَرْطِ حِنْثِهِ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَلَا يَدْرِي مَا اسْمُهَا فَحَلَفَ إنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا قَالَ لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَخْرَجَهُ إلَى جَارٍ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَمَّاهُ بَعْدُ فَحَلَفَ جَارُهُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِمَعْرِفَةِ اسْمِهِ فَلَا يُعْرَفُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَقَبْضِهِ وَقَضَائِهِ وَاقْتِضَائِهِ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَأْخُذَن مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ أَوْ لَيَقْبِضَن مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ فَأَخَذَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ وَكِيلُهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ ضَامِنٍ عَنْهُ أَوْ مُحْتَالٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بَرَّ لِأَنَّ حُقُوقَ الْقَضَاءِ لَا تَرْجِعُ إلَى الْفَاعِلِ فَتَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِ الطَّالِبِ قَبْضُهُ مَعْنًى وَكَذَا الْقَبْضُ مِنْ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ أَوْ كَفِيلِهِ أَوْ الْمُحْتَالِ بِأَمْرِهِ عَلَيْهِ قَبْضًا مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَوْ قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ أَوْ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَبَرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الْمَطْلُوبِ حَقَّهُ حَقِيقَةً فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ قَابِضًا عَنْهُ مَعْنًى فِي مَوْضِعِ الْآمِرِ وَجُعِلَ الْقَبْضُ مِنْ الْغَيْرِ كَالْقَبْضِ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ لَمْ تَكُنْ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى الدَّافِعِ إلَيْهِ بِمَا أَعْطَاهُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبْضُ حَقِّهِ فَلَمْ يَبَرَّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ فَحَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا حَقَّهُ أَوْ لَيُعْطِيَن فَأَعْطَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَسُولٍ أَوْ بِإِحَالَةٍ أَوْ أَمْرِ مَنْ ضَمِنَهُ لَهُ فَأَخَذَهُ الطَّالِبُ بَرَّ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْقَضَاءِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْفَاعِلِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْآمِرِ .
فَكَانَ هُوَ الْقَاضِيَ وَالْمُعْطِيَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّهُ وَلَا أَعْطَاهُ أَصْلًا وَرَأْسًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الدَّافِعُ إلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِنَفْسِي كَانَ كَمَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ

حَنِثَ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ لَا أُعْطِيَهُ أَنَا بِنَفْسِي لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ وَدُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَطَاءَ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْقَصْدِ فَتَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يُعْطِيَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَأَرَادَ التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ ثَوْبًا أَوْ عَرَضًا فَقَبَضَ الْعَرْضَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ لِلْمَالِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَخْذِ الْعِوَضِ كَمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَخْذِ نَفْسِ الْحَقِّ وَلَوْ حَلَفَ الطَّالِبُ لَيَأْخُذَن مَالَهُ مِنْهُ أَوْ لَيَقْضِيَنه أَوْ لَيَسْتَوْفِيَنه وَلَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا فَأَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَلَا اسْتِيفَاءٍ فَفَاتَ شَرْطُ الْبِرِّ فَحَنِثَ وَلَوْ كَانَ وَقَّتَ وَقْتًا فَقَالَ الْيَوْمَ أَوْ إلَى كَذَا وَكَذَا فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمُوَقَّتَةَ يَتَعَلَّقُ انْعِقَادُهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَأَقْبِضَنَّ مِنْهُ دَيْنِي وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا وَتَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَحْنَثُ .
أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ لَيَشْرَبَن الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأُهْرِيقَ الْمَاءُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قَبَضَ الدَّيْنَ فَوَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً فَهُوَ قَبْضٌ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُمَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ فَوَقَعَ بِهِمَا الِاقْتِضَاءُ وَإِنْ كَانَتْ سَتُّوقَةً فَلَيْسَ هَذَا بِقَبْضٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهَا فِي

ثَمَنِ الصَّرْفِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّ الثَّوْبَ الَّذِي أَخَذَ عَنْ الدَّيْنِ بِعَيْبٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ كَانَ قَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَانَ هَذَا قَبْضًا لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَكَذَا الْمُسْتَحَقُّ يَصِحُّ قَبْضُهُ ثُمَّ يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْإِجَازَةِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنِهِ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْحَقِّ فَهُوَ قَابِضٌ لِدَيْنِهِ وَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْقِيمَةُ لَا الْمُسَمَّى وَلَوْ غَصَبَ الْحَالِفُ مَالًا مِثْلَ دَيْنِهِ بَرَّ لِأَنَّهُ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَتَّزِنْ مِنْ فُلَانٍ مَا لِي عَلَيْهِ أَوْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْهِ فِي كِيسٍ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْك دَرَاهِمَ أَوْ بِالْمِيزَانِ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ دَرَاهِمَ قَضَاءً مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَأَخَذَ بِذَلِكَ عَرَضًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْوَزْنَ وَالْكِيسَ وَالدَّرَاهِمَ فَقَدْ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا عَنْهُ حَنِثَ

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَالِفُ عَلَى الْهَدْمِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَسَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَهْدِمَن هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ هَدَمَ سُقُوفَهَا بَرَّ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُزِيلَ اسْمَ الدَّارِ بِالْهَدْمِ لِأَنَّهُ لَوْ هَدَمَ جَمِيعَ بِنَائِهَا لَكَانَتْ بِذَلِكَ تُسَمَّى دَارَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْكَسْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَيَنْقُضَن هَذَا الْحَائِطَ أَوْ لَيَهْدِمَنهُ الْيَوْمَ فَنَقَضَ بَعْضَهُ أَوْ هَدَمَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَهْدِمْ مَا بَقِيَ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ يَحْنَثُ قَالَ وَالْهَدْمُ عِنْدَنَا أَنْ يَهْدِمَ حَتَّى يُبْقِيَ مِنْهُ مَا لَا يُسَمَّى حَائِطًا لِأَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ هَدْمُهُ حَتَّى يُزِيلَ الِاسْمَ عَنْهُ فَوَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنْ نَوَى هَدْمَ بَعْضِهِ صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى هَدْمًا بِمَعْنَى الْكَسْرِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَيَكْسِرَن هَذَا الْحَائِطَ فَكَسَرَ بَعْضَهُ بَرَّ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ حَائِطٌ مَكْسُورٌ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُزِيلُ بِهِ اسْمَ الْحَائِطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَهُنَا أَلْفَاظًا ثَلَاثَةً الْهَدْمُ وَالنَّقْضُ وَالْكَسْرُ وَالْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى كُلِّ لَفْظٍ فَالْهَدْمُ اسْمٌ لِإِزَالَةِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْبِنَاءِ فَإِنْ فَعَلَ فِي الْحَائِطِ فِعْلًا يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ بَعْدَهُ مَا يُسَمَّى مَبْنِيًّا حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ مَعَ وُجُودِ مَا يُضَادُّهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَا يُسَمَّى مَبْنِيًّا بَرَّ لِتَحْقِيقِهِ فِي نَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } وَالْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِئْصَالُهَا لَا إحْدَاث صَدْعٍ أَوْ وَهَنٍ فِي أَبْنِيَتِهَا وَكَذَلِكَ النَّقْضُ يُقَالُ فُلَانٌ نَقَضَ بَيْتَهُ كَذَا أَيْ أَزَالَهَا وَلَوْ نَقَضَ بَعْضَ الْحَائِطِ أَوْ هَدَمَ بَعْضَهُ .
وَقَالَ عَنَيْت بِهِ بَعْضَهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ

فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَالْكَسْرُ عِبَارَةٌ عَنْ إحْدَاثِ صَدْعٍ أَوْ شَقٍّ فِيمَا صَلُبَ مِنْ الْأَجْسَامِ بِمَنْزِلَةِ الْخَرْقِ فِيمَا اسْتَرْخَى مِنْهَا فَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ هَذَا فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ بَقِيَ التَّرْكِيبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ قَالَ الْمُعَلَّى سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَضْرِبَنهَا حَتَّى يَقْتُلَهَا أَوْ حَتَّى تُرْفَعَ مَيِّتَةً وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالَ إنْ ضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا كَأَشَدِّ الضَّرْبِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْعَادَةِ شِدَّةُ الضَّرْبِ دُونَ الْمَوْتِ قَالَ فَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهَا حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهَا أَوْ حَتَّى تَبُولَ فَمَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرْبِ غَالِبًا فَيُرَاعَى وُجُودُهُ لِلْبِرِّ .
وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَن غُلَامَهُ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَهُ فِي كُلِّ مَا شُكِيَ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الضَّرْبُ عِنْدَ كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا يَكُونُ عِنْدَ الشِّكَايَةِ فَإِذًا يَكُونُ الْمَوْلَى فِي ضَرْبِهِ أَبَدًا فَحُمِلَ الضَّرْبُ عَلَى الشِّكَايَةِ لِلْعُرْفِ وَلَا يَكُونُ الضَّرْبُ فِي هَذَا عِنْدَ الشِّكَايَةِ أَيْ لَا يُحْمَلُ الضَّرْبُ عَلَى فَوْرِ الشِّكَايَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْوَاقِعَةَ عَلَى فِعْلٍ مُطْلَقٍ عَنْ زَمَانٍ لَا تَتَوَقَّتُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ بَلْ تَقَعُ عَلَى الْعُمْرِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِهِ الْحَالَ فَيَكُونَ قَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ شُكِيَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ ثُمَّ شُكِيَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ مَرَّةً أُخْرَى وَالْمَوْلَى يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ لِلشِّكَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ ضَرَبَهُ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ الَّذِي وَقَعَتْ الشِّكَايَةُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ فِي الْعُرْفِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَخْبَرْتنِي بِكَذَا فَلَكَ دِرْهَمٌ فَأَخْبَرَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي إخْبَارًا كَالْأَوَّلِ كَذَا هَذَا .
وَقَالَ الْمُعَلَّى سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ

حَلَفَ لَيَقْتُلَن فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا نَوَيْت أَنْ آلِي عَلَى نَفْسِي بِالْقَتْلِ قَالَ أَدِينُهُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا تَشْدِيدَ الْقَتْلِ دُونَ تَكَرُّرِهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى أَتْرُكَك لَا حَيَّةً وَلَا مَيِّتَةً فَهَذَا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا يَوْجَعُهَا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَرَّ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا حَيَّةً سَلِيمَةً وَلَا مَيِّتَةً وَذَلِكَ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَقَدْ سَمِعَ فُلَانًا يُطَلِّق امْرَأَتَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ وَقَدْ سَمِعَهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ حُكْمَ الثَّلَاثِ حُكْمُ الْأَلْفِ فِي الْإِيقَاعِ وَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِمِثْلِهِ أَكْثَرُ عَدَدِ الطَّلَاقِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَقِيَ فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ وَقَدْ لَقِيَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَلْفَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ كَثْرَةَ اللِّقَاءِ وَلَمْ يُرِدْ الْعَدَدَ إنِّي أَدِينُهُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُذْكَرُ فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ لِلتَّكْثِيرِ دُونَ الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ السَّبْعِينَ بَلْ ذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلتَّكْثِيرِ كَذَا هَذَا .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْتُلُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ بِالْكُوفَةِ فَضَرَبَهُ الْحَالِفُ بِبَغْدَادَ فَمَاتَ بِالْكُوفَةِ أَوْ زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ امْرَأَةً كَبِيرَةً بِبَغْدَادَ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ بِالْكُوفَةِ فَأَجَازَتْ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى الزَّمَانِ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَاتَ يَوْمَ

الْجُمُعَةِ أَوْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَنِثَ الْحَالِفُ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ لَيَفْعَلَن ذَلِكَ بِالْكُوفَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ قَتْلٌ إنْ وُجِدَ بِبَغْدَادَ وَيَوْمَ السَّبْتِ لَكِنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَوْصُوفًا بِالْإِضَافَةِ وَقْتَ ثُبُوتِ أَثَرِهِ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ وَذَلِكَ وُجِدَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَنَظِيرُهُ لَوْ قَالَ إنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى لِفُلَانٍ ابْنًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَحَصَلَ لَهُ وَلَدٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ خَلْقُ اللَّهِ أَزَلِيًّا لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَخْلُوقِ إنَّمَا تَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِ أَثَرِهِ وَهُوَ وُجُودُ الْوَلَدِ كَذَا هَهُنَا وَالنِّكَاحُ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ الْحِلِّ وَذَلِكَ إنَّمَا يُوجَدُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ بَلَغَ الْمَوْلَى فَأَجَازَ فَإِنَّهُ مُشْتَرَى يَوْمَ أَجَازَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَوْمُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَالْفَاسِدِ إنَّهُ بَائِعٌ يَوْمَ بَاعَ وَمُشْتَرٍ يَوْمَ اشْتَرَى وَقَالَ فِي الْقَتْلِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ إنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِجَازَةِ وَلَوْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ وُجِدَ الْقَتْلُ الْمُضَافُ إلَى الْمُخَاطَبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يُتَصَوَّرُ امْتِنَاعُهُ عَنْ اتِّصَافِهِ بِصِفَةِ الْإِضَافَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إذْ مَقْصُودُ الْحَالِفِ الْبِرُّ لَا الْحِنْثُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا

يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَأَخَذَ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحْنَثُ فَإِنْ وَجَدَ السُّكْنَى وَعَرَفَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ قَتْلٍ مُضَافٍ إلَى مُخَاطَبٍ بَاشَرَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَجَاءَ غَدٌ فَطَلُقَتْ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ .
وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاءَ غَدٌ وَطَلُقَتْ عَتَقَ عَبْدَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَا هَذَا .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ وَالْوَزْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا عَلَيْهِ وَاشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ فَارَقَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا فَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا مِنْ غَيْرِ بَرَاءَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ فَارَقَهُ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ بِحَالِهِ لَمْ يُسْتَوْفَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا يَبَرَّ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَحَنِثَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ دَيْنٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ وَفَارَقَهَا وَكَانَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ جَائِزَةً فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالنِّكَاحِ مِثْلُ دَيْنِهِ وَصَارَ قِصَاصًا فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَنِثَ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا وَسَقَطَ مَهْرُهَا وَفَارَقَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَهْرَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ قَدْ سَقَطَ وَإِنَّمَا عَادَ لَهُ دَيْنٌ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ انْحِلَال الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لِيَزِنَن مَا عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ عَدَدًا فَكَانَتْ وَازِنَةً حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الْوَزْنِ وَالْوَزْنُ فِعْلُهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضَن مَا لِي عَلَيْك إلَّا جَمِيعًا وَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الطَّالِبِ لِرَجُلٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَمَرَ الَّذِي لَهُ الْخَمْسَةُ هَذَا الْحَالِفَ أَنْ

يَحْتَسِبَ لِلْمَطْلُوبِ بِالْخَمْسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَجَعَلَهَا قِصَاصًا وَدَفَعَ فُلَانٌ الْمَطْلُوبَ إلَى الْحَالِفِ خَمْسَةً فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ مُتَوَافِرًا فَهُوَ جَائِزٌ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ دَفْعَةً وَاحِدَةً يَقَعُ عَلَى الْقَبْضِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ يُعْرَفَ الْوَزْنُ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مَالًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ فِي وَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ قَبَضَ الْخَمْسَةَ حَقِيقَةً وَالْخَمْسَةَ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آخُذُ مَا لِي عَلَيْك إلَّا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَوَزَنَ خَمْسَمِائَةٍ وَأَخَذَهَا ثُمَّ وَزَنَ خَمْسَمِائَةٍ قَالَ فَقَدْ أَخَذَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ مُتَفَرِّقًا قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ يَزِنُهَا دِرْهَمًا دِرْهَمًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَخَذَهَا الْيَوْمَ مِنْك دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى أَخْذِ الْأَلْفِ مُتَفَرِّقَةً فِي الْيَوْمِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْأَلْفَ بَلْ بَعْضَ الْأَلْفِ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَخَذَ مِنْهَا الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَحْنَثُ حِينَ أَخْذِ الْخَمْسَةِ لِأَنَّ يَمِينَهُ مَا وَقَعَتْ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا بَلْ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَخَذَهَا الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بَعْضَهَا وَفِي آخِرِ النَّهَارِ الْبَاقِيَ حَنِثَ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَخْذَ إلَى الْكُلِّ وَقَدْ أَخَذَ الْكُلَّ فِي يَوْمٍ مُتَفَرِّقًا .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَهَرَبَ أَوْ كَابَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ إنْسَانٌ كُرْهًا حَتَّى ذَهَبَ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ

مُفَارَقَتُهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلُ الْمُفَارَقَةِ وَلَوْ كَانَ قَالَ لَا تُفَارِقْنِي حَتَّى آخُذَ مَا لِي عَلَيْك حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَرِيمِ وَقَدْ وُجِدَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى مَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْحَالِفِ بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِمَّا أَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالْإِضَافَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةَ نِسْبَةٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ فَإِنْ اقْتَصَرَ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالْإِضَافَةُ إضَافَةُ مِلْكٍ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا فِي مِلْكِ فُلَانٍ يَوْمَ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْنَثَ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَضَافَهُ إلَى مِلْكِ فُلَانٍ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَشْرَبُ شَرَابَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ ثُمَّ اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهَا هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَاتِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْإِضَافَةَ إذَا كَانَتْ فِيمَا يُسْتَحْدَثُ الْمِلْكُ فِيهِ حَالًا فَحَالًا فِي الْعَادَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَقَعُ عَلَى مَا فِي مَلَكَهُ يَوْمَ فَعَلَ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالدُّهْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ الْمِلْكُ وَلَا يُسْتَحْدَثُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَادَةً فَالْيَمِينُ عَلَى مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَ فُلَانَةَ أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ ابْنَ فُلَانٍ أَوْ أَخ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا تَقَعُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَالصَّدَاقَةِ وَالْوَلَدِ فَفَرَّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي النَّوَادِرِ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّ

الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْوُجُودَ حَقِيقَةً إذْ الْمَوْجُودُ يُضَافُ لَا الْمَعْدُومُ فَلَا تَقَعُ يَمِينُهُ إلَّا عَلَى الْمَوْجُودِ يَوْمَ الْحَلِفِ وَلِهَذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَوْجُودِ فِي إحْدَى الْإِضَافَتَيْنِ وَهِيَ إضَافَةُ النِّسْبَةِ كَذَا فِي الْأُخْرَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ أَنَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَذْكُورٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا عَنْ الْجِهَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَيْهِ بِمِلْكٍ كَانَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَوْ بِمِلْكٍ اُسْتُحْدِثَ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ عِنْدَ الْفِعْلِ فَيَحْنَثُ وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ قَامَ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَهِيَ أَنَّ أَعْيَانَهُمْ مَقْصُودَةٌ بِالْيَمِينِ لِأَجْلِهِمْ عُرْفًا وَعَادَةً لِمَا تَبَيَّنَ فَانْعَقَدَتْ عَلَى الْوُجُودِ وَصَارَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُمْ بِأَسَامِيهِمْ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَلَا يُقْصَدُ بِالْيَمِينِ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَالِكٍ فَيَزُولُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ ادَّعَى تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْعُرْفِ .
وَقَالَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ فِي الدَّارِ وَنَحْوِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ النُّدْرَةِ حَتَّى يُقَالَ الدَّارُ هِيَ أَوَّلُ مَا يُشْتَرَى وَآخِرُ مَا يُبَاعُ وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالْعُرْفِ جَائِزٌ فَتَقْيِيدُ الْيَمِينِ فِيهَا بِالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَلِفِ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ اسْتِحْدَاثَ الْمِلْكِ فِيهَا مُعْتَادٌ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ دَعْوَى الْعُرْفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِعَادَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ كُلَّ إضَافَةٍ تُقَدَّرُ فِيهَا اللَّامُ فَكَانَ الْفَصْلَانِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الِاخْتِلَافِ ثُمَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ الْحَالِفِ وَقْتَ

الْحَلِفِ فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ فَعَلَ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ .

( وَأَمَّا ) فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ .
وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَحَصَلَ تَعْرِيفُ الْمَوْجُودِ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْعُرْفِ لَا بِالْإِضَافَةِ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ تَكْلِيمِ امْرَأَةٍ لِمَعْنًى فِيهَا وَقَدْ يَمْنَعُ مِنْ تَكْلِيمِهَا لِمَعْنًى فِي زَوْجِهَا فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ مَعَ لِاحْتِمَالِ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالْإِشَارَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ لَا أَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ هَذَا فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَكَلَّمَ أَوْ دَخَلَ أَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ خَاصَّةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ مَا دَامَتْ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْإِشَارَةَ وَالْإِضَافَةَ جَمِيعًا وَقْتَ الْفِعْلِ لِلْحِنْثِ فَمَا لَمْ يُوجَدَا لَا يَحْنَثُ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْإِشَارَةَ دُونَ الْإِضَافَةِ وَأَمَّا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْإِضَافَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ لِلْحِنْثِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا فَبَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ فَكَلَّمَ يَحْنَثُ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِضَافَةَ وَالْإِشَارَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا تُخَصِّصُ

الْعَيْنَ وَتَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فَتَلْغُو الْإِضَافَةُ كَمَا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ الْحَالِفَ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ لَزِمَ اعْتِبَارُهُمَا مَا أَمْكَنَ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ مَا أَمْكَنَ وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ هَهُنَا مَعَ وُجُودِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ الْمَحْلُوفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ شَيْءٍ مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ إلَّا لِدَاعٍ يَدْعُوهُ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْأَعْيَانُ لَا تُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي الْمَالِكِ أَمَّا الدَّارُ وَنَحْوُهَا فَلَا شَكَّ فِيهِ وَكَذَا الْعَبْدُ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِخَسَّتِهِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ مَوْلَاهُ وَقَدْ زَالَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَالِكِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَهْمَا دَامَتْ لِفُلَانٍ مِلْكًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ لِأَنَّهُمَا يُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ لِأَنْفُسِهِمَا فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِذَاتَيْهِمَا وَالذَّاتُ لَا تَتَبَدَّلُ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمُعَادَاةِ فَيَحْنَثُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا صَارَ شَيْخًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَ الطَّيْلَسَانَ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الطَّيْلَسَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ ذَاتُ صَاحِبِهِ وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّ فُلَانٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا آكُلُ أَطْعِمَةَ فُلَانٍ أَوْ لَا أَشْرَبُ أَشْرِبَةَ فُلَانٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْعِمَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْرِبَةٍ لِمَا قُلْنَا وَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ فِيهَا وَقْتَ الْفِعْلِ لَا وَقْتَ الْحَلِفِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنْ

قَالَ أَرَدْت جَمِيعَ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ فَيُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنَوَى الْجَمِيعَ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى إخْوَةِ فُلَانٍ أَوْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ نِسَاءِ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ مِنْهُمْ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْحَلِفِ لِأَنَّ هَذِهِ إضَافَةُ نِسْبَةٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُحْصَى فَالْيَمِينُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ وَيُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ فَكَانَ كَالْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْصَى إلَّا بِكِتَابٍ حَنِثَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ فَيُصْرَفُ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَمِمَّا يُجَانِسُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَا قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ سَأَلْت أَسَدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ بِنْتًا لِفُلَانٍ فَوُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ وَلَا بَنَاتَ لَهُ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ بَقَرَةِ فُلَانٍ وَلَا بَقَرَةَ لَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بَقَرَةً فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِك فَبَلَغَ فَوُلِدَ لَهُ فَتَزَوَّجَ مِنْهُنَّ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ ، وَقَالَ لَا آكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَةِ فُلَانٍ وَلَا شَجَرَةَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَى شَجَرَةً فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا قَالَ أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ بَقَرَةِ فُلَانٍ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَةِ فُلَانٍ فَلَا يَحْنَثُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِ

فُلَانٍ أَوْ بِنْتًا لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَتَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَلَفَ يَوْمَ حَلَفَ عَلَى مَا لَمْ يُخْلَقْ حَالَ حَلَفَ وَسَأَلْت الْحَسَنَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ يَقْتَضِي بِنْتًا مَوْجُودَةً فِي الْحَالِ فَلَمْ تُعْقَدْ الْيَمِينُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِذَا قَالَ بِنْتًا لِفُلَانٍ فَقَدْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى الْإِضَافَةِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا يَوْمَ الْحَلِفِ كَقَوْلِهِ عَبْدًا لِفُلَانٍ وَأَمَّا أَسَدٌ فَاعْتَبَرَ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَا كَانَ مَعْدُومًا لَا تَصِحُّ الْإِضَافَةُ فِيهِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ خَلَفٌ سَأَلْت أَسَدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ وَلَيْسَ لِلدَّارِ أَهْلٌ ثُمَّ سَكَنَهَا قَوْمٌ فَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ قَالَ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِي وَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ اعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَالِفِ أَوْ لَا يَخْرُجُ إذَا قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ أَوْ رَكِبَ دَابَّتِي أَوْ ضَرَبَ عَبْدِي فَفَعَلَ ذَلِكَ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدٌ نَكِرَةٌ وَالْحَالِفُ صَارَ مَعْرِفَةً بِيَاءِ الْإِضَافَةِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مَا يَكُونُ مُتَمَيِّزَ الذَّاتِ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ وَالنَّكِرَةُ مَا لَا يَكُونُ مُتَمَيِّزَ الذَّاتِ عَنْ بَنِي جِنْسِهِ بَلْ يَكُونُ مُسَمَّاهُ شَائِعًا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُتَمَيِّزَ الذَّاتِ وَغَيْرَ مُتَمَيِّزِ الذَّاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ دَخَلَ دَارَك هَذِهِ أَحَدٌ أَوْ لَبِسَ ثَوْبَك أَوْ ضَرَبَ غُلَامَك فَفَعَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ صَارَ مَعْرِفَةً بِكَافِ الْخِطَابِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَإِنْ فَعَلَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ لِانْعِدَامِ مَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْرِفَةً فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ النَّكِرَةِ .
وَلَوْ قَالَ إنْ أَلْبَسْت هَذَا الْقَمِيصَ أَحَدًا فَلَبِسَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْرِفَةً بِتَاءِ الْخِطَابِ وَإِنْ أَلْبَسَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْحَالِفَ حَنِثَ لِأَنَّ الْحَالِفَ نَكِرَةٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ نَكِرَةٍ وَإِنْ قَالَ إنْ مَسَّ هَذَا الرَّأْسَ أَحَدٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَالِفُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ رَأْسَهُ مُتَّصِلٌ بِهِ خِلْقَةً فَكَانَ أَقْوَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمَ غُلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَحَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَ الْحَالِفُ وَهُوَ غُلَامُ الْحَالِفِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَنِثَ وَطَعَنَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذَا فِي الْجَامِعِ .
وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ الْحَلِفَ تَحْتِ اسْمِ الْعَلَمِ وَالْأَعْلَامُ مَعَارِفُ وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ

مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَكَذَا عَرَّفَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى أَبِيهِ بِقَوْلِهِ ابْنِ مُحَمَّدٍ فَامْتَنَعَ دُخُولُهُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَعْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَارِفَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ حَتَّى يُجْعَلَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ سَبْقِ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمَا بِذَلِكَ إمَّا بِتَعَيُّنِ الْمُسَمَّى بِالْعَلَمِ بِاسْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ وَالْعَلَمُ وَاحْتِمَالُ الْمُزَاحَمَةِ ثَابِتٌ وَإِذَا جَازَ اسْتِعْمَالُ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا دَلِيلُ انْصِرَافِ التَّسْمِيَةِ إلَى غَيْرِ الْحَالِفِ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعُرْفِ الظَّاهِرِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ نَفْسَهُ بِاسْمِ الْعَلَمِ بَلْ يُضِيفُ غُلَامَهُ إلَيْهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ فَيَقُولُ غُلَامِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْسَهُ وَأَنَّهُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْعَلَمِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ الْحَالِفُ عَنْ عُمُومِ هَذِهِ النَّكِرَةِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى أُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَا يَقَعُ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ أَوْ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ مِثْلِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالنِّحْلَة وَالْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً فَاشْتَرَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً أَوْ تِبْرًا أَوْ مَصُوغَ حِلْيَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْحَقِيقَةَ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْعُرْفَ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا أُطْلِقَ لَا يُرَادُ بِهِ الدِّرْهَمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْعُرْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ اسْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَكَوْنُهُ مَضْرُوبًا وَمَصُوغًا وَتِبْرًا أَسْمَاءُ أَنْوَاعٍ لَهُ وَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ كَاسْمِ الْآدَمِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فَدَخَلَ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ كَأَثَرِ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَهُوَ عَلَى مَضْرُوبِ ذَلِكَ وَتِبْرِهِ سِلَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سِلَاحٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَدِيدًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْحَدِيدِ يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ بَائِعُهُ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا لَا يَحْنَثُ وَبَائِعُ التِّبْرِ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الْحَدِيدِ وَلَهَا اسْمٌ يَخُصُّهَا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَدِيدَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْمَعْمُولَ وَغَيْرَ الْمَعْمُولِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي بَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ .
وَالنِّيَّةُ فِي هَذَا وَاسِعَةٌ لِأَنَّهَا تَخْصِيصُ الْمَذْكُورِ .
وَقَالَ فِي بَابِ الْحَدِيدِ لَوْ قَالَ عَنَيْت التِّبْرَ فَاشْتَرَى إنَاءً لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ قَالَ عَنَيْت قُمْقُمًا فَاشْتَرَى سَيْفًا أَوْ إبَرًا أَوْ سَكَاكِينَ أَوْ شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ لَمْ يَحْنَثْ وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الِاسْمَ عِنْدَهُ عَامٌّ فَإِذَا نَوَى شَيْئًا مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْعُمُومِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَاشْتَرَى دِرْعَ حَدِيدٍ أَوْ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ سَاعِدَيْنِ أَوْ بَيْضَةً أَوْ إبَرًا أَوْ مَسَالَّ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا غَيْرَ مَضْرُوبٍ أَوْ إنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْحَدِيدِ أَوْ مَسَامِيرَ وَأَقْفَالًا أَوْ كَانُونَ حَدِيدٍ يَحْنَثُ قَالَ لِأَنَّ الَّذِي يَبِيعُ السِّلَاحَ وَالْإِبَرَ وَالْمَسَالَّ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا وَاَلَّذِي يَبِيعُ مَا وَصَفْت لَك يُسَمَّى حَدَّادًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اشْتَرَى بَابَ حَدِيدٍ أَوْ كَانُونَ حَدِيدٍ أَوْ إنَاءَ حَدِيدٍ مَكْسُورٍ أَوْ نَصْلَ سَيْفٍ مَكْسُورٍ حَنِثَ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَدِيدٌ فَتَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ

وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْعُرْفَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَدِيدًا فِي الْعُرْفِ حَتَّى لَا يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُفْرًا فَاشْتَرَى طَشْتَ صُفْرٍ أَوْ كُوزًا أَوْ تَوْرًا حَنِثَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ بَائِعَ ذَلِكَ يُسَمَّى صَفَّارًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صُفْرًا فِي كَلَامِ النَّاسِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ لَمْ يَحْنَثْ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَيْئًا فَاشْتَرَى غَيْرَهُ وَدَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ دَخَلَ مَقْصُودًا يَحْنَثْ وَالصُّوفُ هَهُنَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الصُّوفَ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِلشَّاةِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي آجُرًّا أَوْ خَشَبًا أَوْ قَصَبًا فَاشْتَرَى دَارًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَمَرَ نَخْلٍ فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ مُثْمِرَةٌ وَشَرَطَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ يَحْنَثْ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ دَخَلْت فِي الْعَقْدِ مَقْصُودَةً لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقْلًا فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بَقْلٌ وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَقْلَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِدُخُولِ الْبَقْلِ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى شَاةً حَيَّةً لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ لَحْمَهَا لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ الْحَيَّةِ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ زَيْتًا فَاشْتَرَى زَيْتُونًا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الزَّيْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ؟ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي قَصَبًا وَلَا خُوصًا فَاشْتَرَى بُورِيًّا أَوْ زِنْبِيلًا مِنْ خُوصٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي جَدْيًا فَاشْتَرَى شَاةً حَامِلًا بِجَدْيٍ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا فَاشْتَرَى شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مَمْلُوكًا صَغِيرًا فَاشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دَقِيقًا

فَاشْتَرَى حِنْطَةً وَقَالُوا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِعْلٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي عَيْنَيْنِ لَمْ تَتْبَعْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى .
فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَهُوَ عَقْدٌ وَبَعْضُ الْعَيْنِ مَقْصُودَةٌ بِالْعَقْدِ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَقَدْ كَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ يَحْنَثُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا فَاشْتَرَى شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْنَثْ .
وَقَالَ لِأَنَّ الصُّوفَ ظَاهِرٌ فَتَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ ( وَأَمَّا ) اللَّبَنُ فَبَاطِنٌ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ ثُمَّ رَجَعَ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهُوَ عَلَى دُهْنٍ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ يَدَّهِنُوا بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَدَّهِنُوا بِهِ مِثْلَ الزَّيْتِ وَالْبَزْرِ وَدُهْنِ الْأَكَارِعِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدُّهْنَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُدْهَنُ بِهِ وَالْإِيمَان مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَدْهَانِ الطَّيِّبَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدَّهِنُ بِدُهْنٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَادَّهَنَ بِزَيْتٍ حَنِثَ وَإِنْ ادَّهَنَ بِسَمْنٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الزَّيْتَ لَوْ طُبِخَ بِالطِّيبِ صَارَ دُهْنًا فَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْأَدْهَانِ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُجْرِهِ مَجْرَاهَا مِنْ وَجْهٍ حَنِثَ قَالَ فِي الشِّرَاءِ لَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَدْهَانِ يَحْنَثُ .
فَأَمَّا السَّمْنُ فَإِنَّهُ لَا يُدَّهَنُ بِهِ بِحَالٍ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَمْ يَحْنَثْ .
وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَالْبُزُورِ وَلَوْ اشْتَرَى زَيْتًا مَطْبُوخًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ حِينَ حَلَفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الزَّيْتَ مَطْبُوخٌ بِالنَّارِ وَالزِّئْبَقُ دُهْنٌ يُدَّهَنُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَدْهَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ حِنَّاءً أَوْ حَلَفَ لَا يَشُمُّهُمَا فَهُوَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرَقِ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَنَّهُ عَلَى الدُّهْنِ دُونَ الْوَرَقِ وَهَذَا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا الْبَنَفْسَجَ أَرَادُوا بِهِ الدُّهْنَ .
فَأَمَّا فِي غَيْرِ عُرْفِ الْكُوفَةِ فَالِاسْمُ عَلَى الْوَرَقِ فَتُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَالْكَرْخِيُّ حَمَلَهُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْحِنَّاءُ وَالْوَرْدُ فَهُوَ عَلَى الْوَرَقِ دُونَ الدُّهْنِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدُّهْنَ فَيَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الْوَرَقُ لَا الدُّهْنُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْبَنَفْسَجَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرْدَ عَلَى وَرَقِ الْوَرْدِ وَجَعَلَ فِي الْأَصْلِ الْخَيْرِيَّ مِثْلَ الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ فَحَمَلَهُ عَلَى

الْوَرَقِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَزْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَزْرٌ حَنِثَ وَإِنْ اشْتَرَى حَبًّا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْبَزْرِ يَقَعُ عَلَى الدُّهْنِ لَا عَلَى الْحَبِّ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ إنَّ فِعْلَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حُقُوقٌ أَوْ لَا حُقُوقَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ حُقُوقٌ .
فَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْفَاعِلِ أَوْ إلَى الْآمِرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهُ حُقُوقٌ تَرْجِعُ إلَى الْفَاعِلِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ حُقُوقَ هَذِهِ الْعُقُودِ إذَا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى فَاعِلِهَا لَا إلَى الْآمِرِ بِهَا كَانَتْ الْعُقُودُ مُضَافَةً إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْآمِرِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الْعَاقِدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِعْلُهُ وَإِنَّمَا لِلْآمِرِ حُكْمُ الْعَقْدِ شَرْعًا لَا لِفِعْلِهِ .
وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَقَعُ الْحُكْمُ لَهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْعُقُودَ بِنَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عَمَّا يُوجَدُ مِنْهُ عَادَةً وَهُوَ الْآمِرُ بِذَلِكَ لَا الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْحَالِفَ قَالُوا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُقُوقَ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ وَأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً لَا الْآمِرُ وَإِنْ كَانَتْ حُقُوقُهُ رَاجِعَةً إلَى الْآمِرِ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا حُقُوقَ لَهُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالِاقْتِضَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْحُقُوقِ وَالْخُصُومَةِ وَالشَّرِكَةِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ رَجُلًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَعَقَدَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ وَالذَّبْحِ وَالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا فَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ حَنِثَ لِأَنَّ مَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَوْ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْآمِرِ لَا إلَى الْفَاعِلِ يُضَافُ إلَى الْآمِرِ لَا إلَى الْفَاعِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَقُولُ

تَزَوَّجْت وَإِنَّمَا يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانًا وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَقُولُ طَلَّقْت امْرَأَةَ فُلَانٍ فَكَانَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ مُضَافًا إلَى الْآمِرِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الصُّلْحِ .
رَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَالِحُ فَوَكَّلَ بِالصُّلْحِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ الصُّلْحَ إسْقَاطُ حَقٍّ كَالْإِبْرَاءِ فَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ فِيمَا لَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْفَاعِلِ بَلْ إلَى الْآمِرِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ نَوَيْت أَنْ أَلِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِي يُدَيَّنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ جُعِلَتْ مُضَافَةً إلَى الْآمِرِ لِرُجُوعِ حُقُوقِهَا إلَيْهِ لَا إلَى الْفَاعِلِ وَقَدْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى الْمُحْتَمَلَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ .
وَلَوْ قَالَ فِيمَا لَا حُقُوقَ لَهُ مِنْ الضَّرْبِ وَالذَّبْحِ عَنَيْت أَنْ أَلِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِي يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ الضَّرْبَ وَالذَّبْحَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحَقِيقِيَّةِ وَأَنَّهُ بِحَقِيقَتِهِ وُجِدَ مِنْ الْمُبَاشِرِ وَلَيْسَ بِتَصَرُّفٍ حُكِيَ فِيهِ لِتَغْيِيرِ وُقُوعِهِ حُكْمًا لِغَيْرِ الْمُبَاشِرِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ فِيهِ لِلْمُبَاشَرَةِ فَإِذَا نَوَى بِهِ أَنْ يَلِيَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لِفُلَانٍ شَيْئًا أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُعِيرُهُ أَوْ لَا يُنْحِلُ لَهُ أَوْ لَا يُعْطِيهِ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ نَحَلَهُ أَوْ أَعْطَاهُ فَلَمْ يَقْبَلْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَحْنَثُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ وَنَذْكُرُ

الْمَسْأَلَةَ وَالْفَرْقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْقَرْضُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْنَثُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَرْضَ لَا تَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى تَسْمِيَةِ عِوَضٍ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْقَرْضَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بَعُوضٍ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَقْرِضُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَاسْتَقْرَضَهُ فَلَمْ يُقْرِضْهُ أَنَّهُ حَانِثٌ فَرْقٌ بَيْنَ الْقَرْضِ وَبَيْنَ الِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ لَيْسَ بِقَرْضٍ بَلْ هُوَ طَلَبُ الْقَرْضِ كَالسَّوْمِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَهُوَ مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْعِوَضِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَاهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَلِانْعِدَامِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ وَلَوْ بَاعَ بَيْعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَحَنِثَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ الثَّابِتِ يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى بَيْعًا فِي الْعُرْفِ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَقِفُ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ وَهُوَ الْإِجَازَةُ أَوْ عَلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ

فَأَشْبَهَ الْإِيجَابَ بِدُونِ الْقَبُولِ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِيمَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ الثَّلَاثُ وَوَجَبَ الْبَيْعُ يَعْتِقُ وَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ عِنْدَهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَلَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِنَفْسِ الْقَبُولِ بَلْ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَالْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ ذَلِكَ يَعْتِقُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَأَصَّلَ فِيهِ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ أَوْ تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ يَحْنَثُ بِهِ وَمَا لَا فَلَا هَذَا إذَا حَلَفَ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عَتَاقِ عَبْدِهِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ .
فَأَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى أَوْ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يُنْظَرُ إنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً جَائِزًا بَاتًّا عَتَقَ بِلَا شَكٍّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِالْخِيَارِ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُتَكَلَّمِ بِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ يَعْتِقُ لِأَنَّ إقْدَامه عَلَى الْإِعْتَاقِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْخِيَارِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ فِيهِ بِالْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يُجِزْ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِجَازَةِ لَا بِالْعَقْدِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ

الْبَائِعُ الْبَيْعَ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ هَذَا كُلُّهُ إنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا فَإِنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَمَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً أَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ لَا يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا عَقِيبَ الْعَقْدِ هَذَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَيْعِ فَقَالَ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا جَائِزًا أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ فَيَعْتِقُ وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا عَنْهُ بِأَمَانَةٍ أَوْ بِرَهْنٍ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يَعْتِقْ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ بِالْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ وَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَا يَصُومُ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ صَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ صَامَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ إنْ كُنْت صَلَّيْت أَوْ صُمْت أَوْ تَزَوَّجْت فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ .
لِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْحِلُّ وَالتَّقَرُّبُ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ وَالِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الصَّحِيحَ دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الْمَعْنَوِيُّ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ سَجْدَةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لِأَنَّهُ كَمَا شَرَعَ فِيهِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُصَلِّي فَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَشَرَعَ فِيهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الصَّوْمِ أَنَّ الْحَالِفَ جَعَلَ شَرْطَ جِنْسه فِعْلَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِعِبَادَةٍ مُتَرَكِّبَة مِنْ أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُتَرَكِّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَقَعُ اسْمُ كُلِّهِ عَلَى بَعْضِهِ كَالسَّكَنْجَبِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ لَا يُوجَدُ فِعْلُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ بِصَوْمِ سَاعَةٍ يَحْصُلُ فِعْلُ صَوْمٍ كَامِلٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِعِبَادَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَّفِقَةٍ وَهِيَ الْإِمْسَاكَاتُ وَمَا هَذَا حَالُهُ

فَاسْمُ كُلِّهِ يَنْطَلِقُ عَلَى بَعْضِهِ حَقِيقَةً كَاسْمِ الْمَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ يَنْطَلِقُ عَلَى قَطْرَةٍ مِنْهُ وَقَطْرَةٌ مِنْ خَلٍّ مِنْ جُمْلَةِ دَنٍّ مِنْ خَلٍّ أَنَّهُ يُسَمَّى خَلًّا حَقِيقَةً فَإِذَا صَامَ سَاعَةً فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ فِعْلُ الصَّوْمِ الَّذِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ فَيَحْنَثُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلَّى صَلَاةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصَّلَاةَ فَقَدْ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ مَا هُوَ صَلَاةٌ شَرْعًا وَأَقَلُّ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ثَمَّةَ شَرْطُ الْحِنْثِ هُنَاكَ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَفِعْلُ الصَّلَاةِ يُوجَدُ بِوُجُودِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَمَا يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَمَامِ مَا يَصِيرُ عِبَادَةً مَعْهُودَةً مُعْتَبَرَةً شَرْعًا تَكْرَارٌ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَلَا تَقِفُ تَسْمِيَةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ عَلَى وُجُودِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاةَ } وَأَرَادَ بِهِ الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ ثُمَّ قَالَ : { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك } وَأَرَادَ بِهِ رَكْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ لَا يُصَلُّونَ إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ يَوْمًا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا تَامًّا لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ صَوْمًا مُقَدَّرًا بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْيَوْمِ ظَرْفًا لَهُ وَلَا يَكُونُ كُلُّ الْيَوْمِ ظَرْفًا لَهُ إلَّا بِاسْتِيعَابِ الصَّوْمِ جَمِيعَ الْيَوْمِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَصْدَرَ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ اسْمٌ لِعِبَادَةٍ مُقَدَّرَةٍ بِالْيَوْمِ شَرْعًا فَيُصْرَفُ إلَى الْمَعْهُودِ الْمُعْتَبَرِ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَصُومُ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِعْلَ الصَّوْمِ شَرْطًا وَبِصَوْمِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وُجِدَ فِعْلُ الصَّوْمِ وَلَوْ حَلَفَ لَا

يُصَلِّي الظُّهْرَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَتَشَهَّدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ لِأَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَمَا لَمْ تُوجَدْ الْأَرْبَعُ لَا تُوجَدُ الظُّهْرُ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَدْرَكَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ فَأَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَدَخَلَ مَعَهُ حَنِثَ لِأَنَّ إدْرَاك الشَّيْءِ لُحُوقُ آخِرِهِ يُقَالُ أَدْرَكَ فُلَانٌ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرَادُ بِهِ لُحُوقَ آخِرِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ } وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ انْتَهَى يَوْمًا إلَى الْإِمَامِ فَأَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَدْرَكْنَا مَعَهُ الصَّلَاةَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَصَلَّاهَا مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ هُوَ الثَّانِيَةَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلْكُلِّ وَهُوَ مَا صَلَّى الْكُلَّ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ أَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ فَجَاءَ وَقَدْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَاتَّبَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مُقَارِنًا لِلْإِمَامِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ هَهُنَا لَا يُرَادُ بِهَا حَقِيقَةُ الْقُرْآنِ بَلْ كَوْنُهُ تَابِعًا لَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَفْعَالَهُ وَانْتِقَالَهُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ لَوْ حَصَلَ عَلَى التَّعَاقُبِ دُونَ الْمُقَارَنَةِ عُرِفَ مُصَلِّيًا مَعَهُ كَذَا هَهُنَا وَقَدْ وُجِدَ لِبَقَائِهِ مُقْتَدِيًا بِهِ تَابِعًا لَهُ وَلَوْ نَوَى حَقِيقَةَ الْمُقَارَنَةِ صَدَقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ حَجَّةً أَوْ قَالَ لَا أَحُجُّ وَلَمْ يَقُلْ حَجَّةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَطُوفَ أَكْثَرَ طَوَافِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ حَجَّةً اسْمٌ لِعِبَادَةٍ رُكِّبَتْ مِنْ أَجْنَاسِ أَفْعَالٍ كَالصَّلَاةِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ كُلُّ الطَّوَافِ أَوْ أَكْثَرُهُ لَا يُوجَدُ الْحَجُّ فَإِنْ جَامَعَ فِيهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ فَيَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ فَأَحْرَمَ وَطَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ حَنِثَ لِأَنَّ رُكْنَ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ .

قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بَعْدَ امْرَأَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً ثُمَّ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَى الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ امْرَأَةٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فَكَانَ لَهُ التَّعْيِينُ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَهُمَا طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ امْرَأَةٍ وَالْأُولَيَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَكَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ لِلشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ صَبِيَّةً طَلُقَتْ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِهَذِهِ الْيَمِينِ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ النِّكَاحِ فَيَتَنَاوَلُ الْبَالِغَةَ وَالصَّبِيَّةَ فَصَارَ قَوْلُهُ امْرَأَةً كَقَوْلِهِ أُنْثَى قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ إنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ فَإِنَّهُ تَطْلُقُ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ فَوَقَعَ عَلَى ثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ بِاثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثَةٌ وَلَيْسَ أَحَدَاهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُزَوِّجُ ابْنَتِي الصَّغِيرَةَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ قَالَ هُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْمُجِيزِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنًا لَهُ كَبِيرًا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ فَأَجَازَ أَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ وَأَجَازَ الْأَبُ وَرَضِيَ الِابْنُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَمَّا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْعَاقِدِ تَعَلَّقَتْ بِالْمُجِيزِ فَنُسِبَ الْعَقْدُ إلَيْهِ .

هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا لَا يُزَوِّجُ بِنْتًا لَهُ صَغِيرَةً فَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ غَرِيبٌ وَالْأَبُ حَاضِرٌ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ حِينَ زُوِّجَتْ إلَّا أَنَّهُ سَاكِتٌ حَتَّى قَالَ الَّذِي زَوَّجَ لِلَّذِي خَطَبَ قَدْ زَوَّجْتُكهَا .
وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْت وَالْأَبُ سَاكِتٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا وَقَعَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ قَدْ أَجَزْت النِّكَاحَ فَزَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الَّذِي زَوَّجَ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ هُوَ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمَتِهِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى التَّزْوِيجِ وَالْإِجَازَةُ تُسَمَّى نِكَاحًا وَتَزْوِيجًا فَقَدْ فَعَلَ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الِاسْمُ فَلَا يَحْنَثُ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا زَوَّجَهُ وَلِيُّهَا ثُمَّ حَلَفَ الْمُتَزَوِّجُ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا ثُمَّ بَلَغَهَا فَرَضِيَتْ بِالنِّكَاحِ أَوْ كَانَ رَجُلٌ زَوَّجَهَا مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ حَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا ثُمَّ بَلَغَهُ النِّكَاحُ فَأَجَازَ لَمْ يَحْنَثْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّمَا أَجَازَ نِكَاحًا قَبْلَ يَمِينِهِ أَوْ أَجَازَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ بِالْكُوفَةِ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا إيَّاهُ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ بِبَغْدَادَ كَانَ حَانِثًا وَإِنَّمَا أَجَازَ السَّاعَةَ بِإِجَازَتِهَا النِّكَاحَ الَّذِي كَانَ بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَامِعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَعِنْدَ انْضِمَامِ الْإِجَازَةِ إلَيْهِمَا كَانَ النِّكَاحُ حَاصِلًا بِالْكُوفَةِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَصَارَ مَعْتُوهًا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهُ قَالَ هُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ

تَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ لَهُ فَكَانَ هُوَ الْمُتَزَوِّجَ فَحَنِثَ قَالَ الْمُعَلَّى سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ امْرَأَةٍ حَلَفَتْ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا مِنْ فُلَانٍ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهَا فَهِيَ حَانِثَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ فَرَضِيَتْ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا جَازَ بِرِضَاهَا وَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهَا عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَرَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ أَنَّهُ إنْ سَكَتَ كَانَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ السُّكُوت إذْنٌ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ إذْنٌ مِنْهُ لَهُ بِالنُّطْقِ .
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطُ حَقِّهِ عَنْ الْمَنْعِ مِنْ تَصَرُّفِ الْعَبْدِ ثُمَّ الْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ بِمَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ فَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ لِفُلَانٍ شُفْعَةً فَبَلَغَهُ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا هُوَ شَفِيعُهَا فَسَكَتَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّاكِتَ لَيْسَ بِمُسَلِّمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْقِطٌ حَقَّهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الطَّلَبِ .
قَالَ عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ فَتَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى يَحْنَثُ .
وَلَوْ حَلَفَ الْأَبُ لَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ فَزَوَّجَهَا عَمُّهَا وَأَجَازَ الْأَبُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى بِالْيَمِينِ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ حُقُوقُ النِّكَاحِ وَقَدْ عَلَّقَ بِالْإِجَازَةِ وَغَرَضَ الْأَبِ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَا يُسَمَّى نِكَاحًا وَالْإِجَازَةُ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ .
وَقَالَ عَلِيٌّ وَبِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ حَلَفَ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ فُلَانٍ حَقَّهُ شَهْرًا وَسَكَتَ عَنْ تَقَاضِيهِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ هُوَ التَّأْجِيلُ وَتَرْكُ التَّقَاضِي لَيْسَ بِتَأْجِيلٍ قَالَ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً

حَلَفَتْ لَا تَأْذَنُ فِي تَزْوِيجِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ فَإِنَّهَا لَا تَحْنَثُ وَالنِّكَاحُ لَهَا لَازِمٌ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْإِذْنِ بِالسُّنَّةِ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ إلَّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِخَمْسَةٍ وَدِينَارٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ بَيْعٍ وَاسْتَثْنَى بَيْعَهُ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ وَبِغَيْرِهَا وَالْعَشَرَةُ مُسْتَثْنَى .

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ حَتَّى تَزِيدَنِي فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ وَبِالْقِيَاسِ آخُذُ ( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ وَمَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ بَلْ بِتِسْعَةٍ ( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْعُرْفِ أَنْ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِالْأَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةٍ وَقَدْ بَاعَهُ لَا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَيَحْنَثُ .
وَقَالَ الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ قَالَ إنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ حَانِثٌ .
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا أَبِيعُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ بَيْعٍ وَاسْتَثْنَى بَيْعًا وَاحِدًا وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ ثَمَنُهُ عَلَى عَشَرَةٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ أَيْ لَا أَبِيعُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْعَشَرَةِ لِيَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَا بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ فَيَحْنَثَ وَلَوْ قَالَ حَتَّى ازْدَادَ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ حَنِثَ وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى بَيْعٍ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِعَشَرَةٍ فَإِذَا بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ اشْتَرَاهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَاشْتَرَاهُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِينَارًا حَنِثَ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ زِيَادَةٌ .
وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ آخِرُ عَبْدٍ أَوْ أَوْسَطُ عَبْدٍ فَالْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْآخِرُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْأَوْسَطُ اسْمٌ لِفَرْدٍ اكْتَنَفَتْهُ حَاشِيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا وَاحِدًا بَعْدَ يَمِينِهِ عَتَقَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ لِكَوْنِهِ فَرْدًا لَمْ

يَتَقَدَّمْهُ غَيْرُهُ فِي الشِّرَاءِ فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ لَا غَيْرُ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَا يُسَمَّى عَبْدًا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَثَوْبًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَشْتَرِيهِ صَدَقَةٌ فَاشْتَرَى كُرًّا وَنِصْفًا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْكُرَّ لَيْسَ بِأَوَّلٍ بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ عَزَلْنَا كُرًّا فَالنِّصْفُ الْبَاقِي مَعَ نِصْفِ الْمَعْزُولِ يُسَمَّى كُرًّا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا أَوَّلَ كُرٍّ اشْتَرَاهُ فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَى بَعْدَهُمَا أَيْضًا لِانْعِدَامِ مَعْنَى الِانْفِرَادِ فِيهِمَا وَلِانْعِدَامِ مَعْنَى السَّبْقِ فِيمَا بَعْدَهُمَا وَلَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا وَاحِدًا بَعْدَ غَيْرِهِ أَوْ يَمُوتَ الْمَوْلَى لِأَنَّ عِنْدَهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ آخِرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ مَا دَامَ حَيًّا وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ عِتْقِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ حَتَّى يَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَيَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَسَنَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَلَوْ قَالَ أَوْسَطُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَكُلُّ فَرْدٍ لَهُ حَاشِيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِيمَا قِبَلَهُ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَهُوَ أَوْسَطُ وَلَا يَكُونُ الْأَوَّلُ وَلَا الْآخِرُ وَسَطًا أَبَدًا وَلَا يَكُونُ الْوَسَطُ إلَّا فِي وِتْرٍ وَلَا يَكُونُ فِي شَفْعٍ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَالثَّانِي هُوَ الْأَوْسَطُ فَإِنْ اشْتَرَى رَابِعًا خَرَجَ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ فَإِنْ اشْتَرَى خَامِسًا صَارَ الثَّالِثُ هُوَ الْأَوْسَطَ فَإِنْ اشْتَرَى سَادِسًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا صَارَ الْعَدَدُ شَفْعًا فَلَا وَسَطَ لَهُ وَكُلُّ مَنْ حَصَلَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَسَطًا .

( فَصْلٌ ) : ( وَأَمَّا ) الْحَلِفُ عَلَى أُمُورٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا قَالَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ حِنْطَةً فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِذَا هِيَ حِنْطَةٌ وَتَمْرٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ كَوْنَ الْجُمْلَةِ حِنْطَةً وَالْجُمْلَةُ لَيْسَتْ بِحِنْطَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إلَّا حِنْطَةً فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَكَانَتْ تَمْرًا وَحِنْطَةً يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ كُلُّهَا حِنْطَةً لَا يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : إنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إنْ كَانَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ غَيْرُ حِنْطَةٍ فَامْرَأَتُهُ كَذَا وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ فِي تِلْكَ الْجُمْلَةِ غَيْرَ حِنْطَةٍ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَ الْيَمِينِ إنَّمَا الدَّاخِلُ تَحْتَهَا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ لَا وُجُودُ الْمُسْتَثْنَى وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ وُجُودُهُ لَا يُعْلَمُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّهُ وُجِدَ أَمْ لَا فَلَا يَحْنَثُ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ إنْ كَانَ لِي إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ مُسْتَثْنَاةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمْهُ الْكَذِبُ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا حَلِفٌ عَلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ فَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ نَذْرٍ لَزِمَهُ وَإِنْ كَانَ بِاَللَّهِ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ سِوَى الْحِنْطَةِ أَوْ غَيْرَ الْحِنْطَةِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا حِنْطَةً لِأَنَّ غَيْرَ وَسِوَى مِنْ أَلْفَاظِ الِاسْتِثْنَاءِ .
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْت

هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا فَإِنَّ عَبْدَهُ لَا يَعْتِقُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ أَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا وَهُوَ عَالِمٌ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهَا يَمِينُ غَمُوسٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَهِيَ يَمِينُ اللَّغْوِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَأَمَّا عَدَمُ عِتْقِ عَبْدِهِ فَلِأَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى لَيْسَ مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ حَتَّى يَصِيرَ الْحُكْمُ بِهِ إكْذَابًا لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا يَمِينٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِالْيَمِينِ الْأُولَى فِي الْحُكْمِ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ إذَا قَالَ بَعْدَمَا حَلَفَ بِالْأُولَى أَوْ هَمَّتْ أَوْ نِيسَتْ أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ آخَرَ أَوْ عَتَاقٍ أَنَّهُ دَخَلَهَا لَزِمَهُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْآخَرُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَكَذَبَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَمِينَيْنِ بِالْأُخْرَى وَأَعْتَرِف بِوُقُوعِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّهُ أَكَذَبَ نَفْسَهُ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى بِالْآخِرَةِ وَلَمْ يُكْذِبْ نَفْسَهُ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بَعْدَمَا عَقَدَهَا وَالْأَكْذَبُ قَبْلَ عَقْدِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَلَمْ يَحْنَثْ فِيهَا فَإِنْ رَجَعَ فَحَلَفَ ثَالِثًا لَمْ يَعْتِقْ الثَّالِثُ وَعَتَقَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَكَذَبَ نَفْسَهُ فِي الْيَمِينِ بَعْدَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَةً فَقَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَمَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ وَارِثُهُ لَا

وَرَاثَ لَهُ غَيْرُهُ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَمَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ لَمْ يَعْتِقْ فِي قَوْلِهِمَا وَتَعْتِقُ عِنْدَ زُفَرَ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَرْجِعُ إلَى مَعْرِفَةِ أَوَانِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ فَزُفَرُ يَقُولُ وَقْتُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ عَقِيبَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بِلَا فَصْلٍ فَكَمَا مَاتَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى حَالِ الْمِلْكِ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَلَمْ تَصِحَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ لِأَنَّ حَالَ الْمِلْكِ حَالُ زَوَالِ النِّكَاحِ فَلَمْ تَصِحَّ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ لِلْوَارِثِ يَثْبُتُ لَهُ عَقِيبَ زَوَالِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَيَزُولُ مِلْكُ الْمَيِّتِ عَقِيبَ الْمَوْتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مُضَافَانِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِلَا فَصْلٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ زَمَانُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ لَمْ تَصِحَّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَيْهِ إذْ الْعِتْقُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَصِحَّةُ إضَافَةِ الطَّلَاقِ لِانْعِدَامِ الْإِضَافَةِ إلَى حَالَةِ زَوَالِ النِّكَاحِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ الْقِيَاسُ مَا قَالَ زُفَرُ إنَّ الْمِلْكَ لِلْوَارِثِ لَهُ يَثْبُتُ عَقِيبَ الْمَوْتِ بِلَا فَصْلٍ فَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَصِحَّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَيْهِ إلَّا إنِّي اسْتَحْسَنْتُ أَنْ لَا تَصِحَّ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَالْإِزَالَةُ تَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الثُّبُوتِ وَالْعِتْقُ مَعَ الْمِلْكِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَلَوْ قَالَ إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَمَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ وَارِثُهُ عَتَقَتْ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمِلْكِ وَلَوْ قَالَ إذَا مَاتَ مَوْلَاك

فَمَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا فَقَدْ زَالَ النِّكَاحُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الطَّلَاقُ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ وَارِثُهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَقَعُ الْعَتَاقُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَقَعَانِ جَمِيعًا .
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ الْعَتَاقُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَدَمُ الْوُقُوعِ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَعَدَمُ ثُبُوتِ الْعِتْقِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِمَا ذَكَرْنَا وَزُفَرُ يَقُولُ وُجِدَ عَقْدُ الْيَمِينِ فِي مِلْكِهِ وَالشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا وَاشْتَرَاهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الطَّلَاقِ ) : قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْأَصْلِ يَقَعُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ .
فِي بَيَانِ صِفَةِ الطَّلَاقِ وَفِي بَيَانِ قَدْرِهِ وَفِي بَيَانِ رُكْنِهِ وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالطَّلَاقُ بِحَقِّ الصِّفَةِ نَوْعَانِ : طَلَاقُ سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ ، وَإِنْ شِئْت قُلْتَ طَلَاقٌ مَسْنُونٌ وَطَلَاقٌ مَكْرُوهٌ أَمَّا .
طَلَاقُ السُّنَّةِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي تَفْسِيرِ طَلَاقِ السُّنَّةِ : أَنَّهُ مَا هُوَ ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَطَلَاقُ السُّنَّةِ نَوْعَانِ ؛ نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْوَقْتِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْعَدَدِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعَانِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ ، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَصْنَافِ النِّسَاءِ ، وَهُنَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى صِنْفَيْنِ حَرَائِرُ وَإِمَاءٌ وَكُلُّ صِنْفٍ عَلَى صِنْفَيْنِ حَائِلَاتٌ وَحَامِلَاتٌ ، وَالْحَائِلَاتُ عَلَى صِنْفَيْنِ ذَوَاتُ الْإِقْرَاءِ وَذَوَاتُ الْأَشْهُرِ .
إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ فِي ذَوَاتِ الْقُرْءِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَلَا طَلَاقَ وَلَا فِي حَيْضَةِ طَلَاقٍ وَلَا جِمَاعٍ وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حَيْضَاتٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً حَيْضَتَانِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْسِنُونَ أَنْ لَا يُطَلِّقُوا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً ثُمَّ لَا يُطَلِّقُوا غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ : وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ وَمِثْلُهُ لَا يَكْذِبُ وَلِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَكَانِ احْتِمَالِ

النَّدَمِ ، وَالطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ النَّدَمِ لِأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي لَا جِمَاعَ فِيهِ زَمَانُ كَمَالِ الرَّغْبَةِ .
وَالْفَحْلُ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ كَمَالِ الرَّغْبَةِ إلَّا لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ إلَى الطَّلَاقِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ النَّدَمُ فَكَانَ طَلَاقٌ لِحَاجَةٍ فَكَانَ مَسْنُونًا ، وَلَوْ لَحِقَهُ النَّدَمُ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّدَارُكِ مِنْ الثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَكَانَ أَحْسَنَ وَإِنَّمَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ فِي طُهْرٍ لَا طَلَاقَ فِيهِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ أَوْ الطَّلْقَتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا شَرَطْنَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَيْضَةِ جِمَاعٍ وَلَا طَلَاقَ لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَهَا فِي حَيْضِ هَذَا الطُّهْرِ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ وَقَعَ الْجِمَاعُ مُعَلَّقًا فَيَظْهَرُ الْحَبَلُ فَيَنْدَمُ عَلَى صَنِيعِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ طَلَّقَ لَا لِحَاجَةٍ وَإِذَا طَلَّقَهَا فِيهِ فَالطَّلَاقُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَيْضَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ يُكْرَه لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِيهِ فَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ثُمَّ طَهُرَتْ .
وَأَمَّا فِي الْحَامِلِ إذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا وَطَلَّقَهَا عَقِيبَ الْجِمَاعِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَوَاتِ الْقُرْءِ لِاحْتِمَالِ النَّدَامَةِ لَا لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فَمَتَى طَلَّقَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَبَلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْدَمُ ، وَكَذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الشَّهْرِ مِنْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِنْ كَانَ عَقِيبَ طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ يُفْصَلُ بَيْنَ طَلَاقِ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَبَيْنَ جِمَاعِهِمَا بِشَهْرٍ وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضَةِ فِيمَنْ تَحِيضُ ثُمَّ يُفْصَلُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ بَيْنَ

الْوَطْءِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ بِحَيْضَةٍ ، فَكَذَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا فِيمَنْ لَا تَحِيضُ بِشَهْرٍ كَمَا يُفْصَلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ وَلَنَا أَنَّ كَرَاهَةَ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي وُجِدَ الْجِمَاعُ فِيهِ فِي ذَوَاتِ الْإِقْرَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحْبَلَ بِالْجِمَاعِ فَيَنْدَمَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَإِنْ وُجِدَ الْجِمَاعُ ؛ وَلِأَنَّ الْإِيَاسَ وَالصِّغَرَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَوْقَ الْحَيْضَةِ فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَلَمَّا جَازَ الْإِيقَاعُ ثَمَّةَ عَقِيبَ الْحَيْضَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ هُنَا عَقِيبَ الْجِمَاعِ أَوْلَى .
وَأَمَّا الْحُسْنُ فِي الْحُرَّةِ الَّتِي هِيَ ذَاتُ الْقُرْءِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَا جِمَاعَ فِيهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ طَلَاقَ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا .
وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ الطَّلَاقَ الْمَسْنُونَ هُوَ الطَّلَاقُ لِحَاجَةٍ ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فَكَانَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ تَطْلِيقًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَيُكْرَهُ لِهَذَا أَكْرَهُ الْجَمْعَ كَذَا التَّفْرِيقُ إذْ كُلُّ ذَلِكَ طَلَاقٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ( وَلَنَا ) قَوْله تَعَالَى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أَيْ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَذَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ { عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ رَبُّكَ إنَّ مِنْ السُّنَّةِ

أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ بِالثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ النَّدْبُ ، وَالْمَنْدُوبُ إلَيْهِ يَكُونُ حَسَنًا وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى كَوْنِهِ سُنَّةً حَيْثُ قَالَ : " إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً " وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فِي حِكَايَتِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَحْسَنَ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كَانَ هَذَا حَسَنًا فِي نَفْسِهِ ضَرُورَةً .
وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ تَطْلِيقٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَمَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى حَسْمِ بَابِ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ نِكَاحَهَا لَيْسَ بِسَبَبِ الْمَصْلَحَةِ لَهُ دُنْيَا وَدِينًا لَكِنْ يَمِيلُ قَلْبُهُ إلَيْهَا لِحُسْنِ ظَاهِرِهَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَسْمِ عَلَى وَجْهٍ يَنْسَدُّ بَابُ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَلَا يَلْحَقُهُ النَّدَمُ غَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ هَذِهِ الْحَاجَةِ بِالثَّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تُعَقِّبُ النَّدَمَ عَسَى وَلَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَقَعَ فِي الزِّنَا فَيَحْتَاجَ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ ، فَيُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَيُجَرِّبُ نَفْسَهُ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهَا ؟ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَاجَعَهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً أُخْرَى فِي الطُّهْرِ الثَّانِي وَيُجَرِّبُ نَفْسَهُ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثَالِثَةً فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ فَيَنْحَسِمُ بَابُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَدَمٍ يَلْحَقُهُ ظَاهِرًا

أَوْ غَالِبًا ، فَكَانَ إيقَاعُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ طَلَاقًا لِحَاجَةٍ فَكَانَ مَسْنُونًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِدَلِيلِ الْحَاجَةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا لِكَوْنِهَا أَمْرًا بَاطِنًا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَيُقَامُ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ مَقَامَ الْحَاجَةِ إلَى الطَّلَاقِ فَكَانَ تَكْرَارُ الطُّهْرِ دَلِيلَ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ عِنْدَنَا ، وَبَقِيَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ فِي طُهْرَيْنِ فَقَدْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَةٌ وَبَقِيَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا .
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ، ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ وَبَقِيَ شَهْرٌ وَاحِدٌ مِنْ عِدَّتِهَا فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ آخَرُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَوَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ فِي شَهْرٍ وَبَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا نِصْفُ شَهْرٍ فَإِذَا مَضَى نِصْفُ شَهْرٍ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْهَا بِشَهْرٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُطَلِّقُ الْحَامِلَ لِلسُّنَّةِ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ : بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُمْتَدَّ طُهْرُهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ

وَزُفَرَ : أَنَّ إبَاحَةَ التَّفْرِيقِ فِي الشَّرْعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَجَدُّدِ فُصُولِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ كُلَّ قُرْءٍ فِي ذَوَاتِ الْإِقْرَاءِ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ وَكُلَّ شَهْرٍ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ ، وَمُدَّةُ الْحَمْلِ كُلُّهَا فَصْلٌ وَاحِدٌ مِنْ الْعِدَّةِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِبْرَاءِ بِهِ فِي حَقِّ الْحَامِلِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ فَلَا يُفْصَلُ بِالشَّهْرِ وَلِهَذَا لَمْ يُفْصَلْ فِي الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا بِالشَّهْرِ كَذَا هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَوْله تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } شَرَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَاتٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْحَامِلِ وَالْحَائِلِ أَمَّا شَرْعِيَّةُ طَلْقَةٍ وَطَلْقَةٍ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } لِأَنَّ مَعْنَاهُ دَفْعَتَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرْعِيَّةُ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } أَوْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَيُفْصَلُ بَيْنَ طَلَاقَيْهَا بِشَهْرٍ كَالْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْفَصْلَ هُنَاكَ بِشَهْرٍ لِكَوْنِ الشَّهْرِ زَمَانَ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ زَمَانَ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْحَامِلِ فَيَفْصِلُ .
فَأَمَّا كَوْنُ الشَّهْرِ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا أَثَرَ لَهُ فَكَانَ مِنْ أَوْصَافِ الْوُجُودِ لَا مِنْ أَوْصَافِ التَّأْثِيرِ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ مَا ذَكَرْنَا فَيَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ { أَفْضَلُ طَلَاقِ الْحَامِلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا } وَبِهِ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَأَمَّا الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا فَإِنَّمَا لَا تَطْلُقُ لِلسَّنَةِ

إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا قَدْ رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ شَابَّةٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ إلَّا أَنَّهُ امْتَدَّ طُهْرُهَا لِدَاءٍ فِيهَا يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ سَاعَةً فَسَاعَةً فَبَقِيَ أَحْكَامُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ ذَوَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُطَلَّقُ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِلسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ .
وَلَوْ أَبَانَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ ( وَجْهُ ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : إنَّ الطُّهْرَ طُهْرٌ وَاحِدٌ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ سُنَّةً كَمَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا فَقَدْ أَبْطَلَ حُكْمَ الطَّلَاقِ وَجَعَلَ الطَّلَاقَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَلِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى الْحَالَةِ الْأَوْلَى بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى كَمَا إذَا أَبَانَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا رَاجَعَهَا بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِاللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ فَقَالَ لَهَا فِي حَالِ الْمُلَامَسَةِ بِشَهْوَةٍ بِأَنْ كَانَ أَخَذَ بِيَدِهَا لِشَهْوَةٍ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَذَلِكَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَى التَّعَاقُبِ لِلسُّنَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ

فَتَقَعُ التَّطْلِيقَةُ الْأَوْلَى وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا بِالْإِمْسَاكِ عَنْ شَهْوَةٍ ثُمَّ تَقَعُ الْأُخْرَى وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْإِمْسَاكِ ثُمَّ تَقَعُ الثَّالِثَةُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَالطَّلَاقَانِ الْبَاقِيَانِ إنَّمَا يَقَعَانِ فِي الطُّهْرَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ ، وَهَذَا إذَا رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ ، .
فَأَمَّا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ جَامَعَهَا حَتَّى صَارَ مُرَاجِعًا لَهَا ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ قَدْ بَطَلَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَبَقِيَ ذَلِكَ الطُّهْرُ طُهْرًا مُبْتَدَأً جَامَعَهَا فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ هَذَا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : هَذَا طُهْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الرَّجْعَةَ أَبْطَلَتْ حُكْمَ الطَّلَاقِ وَأَلْحَقَتْهُ بِالْعَدَمِ وَكَرَاهَةُ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ لِمَكَانِ النَّدَمِ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ فَإِذَا طَلَّقَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَمْلِ لَا يَنْدَمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ وَلَكِنَّهُ جَامَعَهَا فِيهِ فَحَمَلَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا .
وَلَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ تَطْلِيقَةً ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهَا لَمَّا حَاضَتْ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الشَّهْرِ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا بَدَلٌ مِنْ الْحَيْضِ وَلَا حُكْمَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْمُبْدَلِ .
وَأَمَّا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ

يُطَلِّقَهَا أُخْرَى حَتَّى تَيْأَسَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ هَذَا طُهْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَحْتَمِلُ طَلَاقَيْنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ قَدْ بَطَلَ بِالْيَأْسِ وَانْتَقَلَ حَالُهَا مِنْ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ إلَى الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ وَذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ كَالِانْتِقَالِ مِنْ الشُّهُورِ إلَى الْحَيْضِ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ ، وَهَذَا التَّفْرِيعُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَدَّرَتْ لِلْإِيَاسِ حَدًّا مَعْلُومًا خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ سِتِّينَ سَنَةً ، فَإِذَا تَمَّتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا .
فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تُقَدِّرْ لِلْإِيَاسِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَإِنَّمَا عَلَّقَتْهُ بِالْعَادَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا التَّفْرِيعُ .
وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ أَرَادَ طَلَاقَهَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ : مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ { مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يَدَعْهَا إلَى أَنْ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ } أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرْكِ الطَّلَاقِ إلَى غَايَةِ الطُّهْرِ الثَّانِي فَدَلَّ أَنَّ وَقْتَ طَلَاقِ السُّنَّةِ هُوَ الطُّهْرُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ فَكَانَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِيهَا كَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي

الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا ، وَلَوْ طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِ أُخْرَى كَذَا هَذَا وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا طُهْرٌ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَلَا طَلَاقَ حَقِيقَةً فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ كَالطُّهْرِ الثَّانِي .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ { أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً } جَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّلَاقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلَاقًا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَالطُّهْرُ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ طُهْرٌ فَكَانَ الْإِيقَاعُ فِيهِ إيقَاعًا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَتُحْمَلُ تِلْكَ الرِّوَايَةُ عَلَى الْأَحْسَنِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ الطَّلَاقِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى الْحُسْنِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ عَمَلًا بِهِمَا ؛ جَمْعًا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ : فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ نَوْعَانِ : نَصٌّ وَدَلَالَةٌ ( أَمَّا ) النَّصُّ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ لِلْحَالِ إنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَمْ تَقَعْ السَّاعَةَ ، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَقَعَتْ بِهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إيقَاعُ تَطْلِيقَةٍ بِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ بِاللَّامِ لِأَنَّ اللَّامَ الْأُولَى لِلِاخْتِصَاصِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ التَّطْلِيقَةُ مُخْتَصَّةً بِالسُّنَّةِ فَإِذَا أَدْخَلَ لَامَ التَّعْرِيفِ فِي السُّنَّةِ فَيَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ السُّنَّةِ وَهَذَا يُوجِبُ تَمَحُّضُهَا سُنَّةً بِحَيْثُ لَا يَشُوبُهَا مَعْنَى الْبِدْعَةِ أَوْ تَنْصَرِفُ إلَى السُّنَّةِ الْمُتَعَارَفَةِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ .
وَالسُّنَّةُ الْمُتَعَارَفَةُ الْمَعْهُودَةُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ مَا لَا يَشُوبُهَا مَعْنَى الْبِدْعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْوَاقِعَ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ نَوْعَانِ : حَسَنٌ وَأَحْسَنُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ، وَالْحَسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَةَ فَقَدْ نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْ التَّطْلِيقَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالسُّنَّةِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً بَائِنَةً لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَكَذَا لَفْظُ السُّنَّةِ بَلْ تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَيْسَتْ بِمَسْنُونَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَثْبُتَ بِاللَّفْظِ

مَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ وَإِنْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ لَمْ يَكُنْ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كُلُّ جِنْسِ الطَّلَاقِ وَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : " طَالِقٌ " وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ : " لِلسُّنَّةِ " أُخْرَى لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " أَنْتِ لِلسُّنَّةِ " وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ لِلسُّنَّةِ " أَوْ " ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّهَا هِيَ التَّطْلِيقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " وَنَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَيَقَعُ الثَّلَاثُ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ : لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَتَتَفَرَّقُ عَلَى الْأَطْهَارِ .
وَجْهُ قَوْلِهِ : أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَتَبْطُلُ نِيَّتُهُ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " إيقَاعُ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لِأَنَّهَا هِيَ التَّطْلِيقَاتُ الْمُخْتَصَّةُ بِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ " ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَنَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ كَذَا هَذَا ( وَلَنَا ) أَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْحَظْرُ وَالْحُرْمَةُ فِي غَيْرِهِ لِمَا تَبَيَّنَ فَكَانَ كُلُّ طَلَاقٍ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ سُنَّةً ، فَكَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ فِي الْحَالِ إيقَاعًا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا لَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الْبِدْعَةِ بِمُلَازَمَةِ الْحَرَامِ إيَّاهُ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِذَا نَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ نَوْعَانِ : سُنَّةُ

إيقَاعٍ وَسُنَّةُ وُقُوعٍ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لِمَا تَبَيَّنَ فَإِذَا نَوَى الْوُقُوعَ لِلْحَالِ فَقَدْ نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْ السُّنَّةِ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُحْتَمِلَةً لِمَا نَوَى فَصَحَّتْ وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَقَالَ لَهَا : " أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ " وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ لِلْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَكَذَا فِي الْحَامِلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ السُّنَّةِ .
( وَأَمَّا ) الدَّلَالَةُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْعِدَّةِ أَوْ طَلَاقَ الْعَدْلِ أَوْ طَلَاقَ الدِّينِ أَوْ طَلَاقَ الْإِسْلَامِ أَوْ طَلَاقَ الْحَقِّ أَوْ طَلَاقَ الْقُرْآنِ أَوْ طَلَاقَ الْكِتَابِ أَمَّا طَلَاقُ الْعِدَّةِ فَلِأَنَّهُ الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ، وَطَلَاقُ الْعَدْلِ هُوَ الْمَائِلُ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ لِأَنَّ الْعَدْلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الِاسْمُ فِي اللُّغَةِ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى مُطْلَقِ الْمَيْلِ كَاسْمِ الْجَوْرِ ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَيْلِ مِنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ وَإِنْ وُضِعَ فِي اللُّغَةِ دَلَالَةً عَلَى مُطْلَقِ الْمَيْلِ وَالطَّلَاقُ الْمَائِلُ مِنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَطَلَاقُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ وَالْكِتَابِ هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الدِّينُ وَالْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَالْكِتَابُ وَهُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ ،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57