كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

الكلام على العهود عند ذكر الولايات فيما بعد إن شاء الله تعالى وإليهم ينسب إبراهيم النخعي الإمام الكبير المشهور
ومنها عنس بفتح العين الهملة وسكون النون وسين مهملة في الآخر وهم بنو عنس بن مذحج منهم عمار بن ياسر الصحابي المشهور وإليهم ينسب الأسود العنسي الكذاب الذي أخبر النبي بخروجه فادعى النبوة باليمن بعد ذلك
ومنها بنو الحارث ويقال بلحارث بن كعب وهم بنو الحارث بن كعب ابن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج قال في العبر وديارهم بنواحي نجران من اليمن مجاورون لبني ذهل بن مزيقياء منهم بشير الحارثي الذي قدم على النبي فقال له ما اسمك قال أكير قال بل أنت بشير
الحي الرابع من بني كهلان همدان بفتح الهاء وسكون الميم ودال مهملة ثم ألف ونون وهم بنو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن زيد بن كهلان قال في العبر وكانت ديارهم باليمن من شرقيه ولما جاء الإسلام تفرق من تفرق منهم وبقي من بقي باليمن قال وكانت همدان شيعة لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه عند وقوع الفتن بين الصحابة وفيهم يقول رضي الله عنه
( فلو كنت بوابا على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام )
قال في مسالك الأبصار وبالجبل المعروف بالطيبين من الشام فرقة من همدان
الحي الخامس من بني كهلان كندة بكسر الكاف وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر وهم بنو كندة واسمه ثور بن عفير بن

عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان قال صاحب حماة وسمي كندة لأنه كند أباه أي كفر نعمته قال وبلادهم باليمن قبلي حضرموت وكان لهم ملك بالحجاز واليمن ومنهم الأشعث بن قيس الصحابي المشهور ومنهم أيضا القاضي شريح قاضي علي رضي الله عنه وقد ذكر في مسالك الأبصار أن باللوى من بلاد الشام قوما ينسبون إلى كندة ولهم بطون منها السكون بضم السين المهملة والكاف ونون بعد الواو وهم بنو السكون بن أشرس بن كندة ومنهم معاوية بن حديج قاتل محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وعد منها صاحب حماة السكاسك أيضا بفتح السين الأولى وكسر الثانية والذي ذكره أبو عبيد أنه من حمير وقال هم بنو السكاسك بن واثلة بن حمير قال الجوهري والنسبة إلى السكاسك سكسكي ردا له إلى أصله كما ينسب إلى مساجد مسجدي
الحي السادس من بني كهلان مراد بضم الميم وفتح الراء المهملة ودال مهملة بعد الألف وهم بنو مراد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان قال الجوهري ويقال إن اسمه يحابر فتمرد فسمى مرادا وجعلهم في العبر بطنا من مذحج فقال مراد بن مذحج قال صاحب حماه وبلادهم إلى جانب زبيد من بلاد اليمن قال وإلى مراد هذا ينسب كل مرادي من عرب اليمن
الحي السابع من بني كهلان أنمار بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وراء مهملة بعد الألف وهم بنو أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ولهم بطنان الأولى بجيلة بفتح الباء الموحدة وكسر الجيم وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر وهم بنو عبقر والغوث وصهيبة وخزيمة بن أنمار بن

أراش قال أبو عبيد وبجيلة أمهم عرفوا بها وهي بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة قال في العبر وكانت بلادهم في سروات اليمن والحجاز إلى تبالة ثم افترقوا أيام الفتح الإسلامي في الآفاق فلم يبق منهم في مواطنهم إلا القليل قال الجوهري ويقال إنهم من العدنانية لأن نزار بن معد بن عدنان ولد له مضر وربيعة وإياد وأنمار وولد لأنمار بجيلة وخثعم فصاروا إلى اليمن وإلى بجيلة هؤلاء ينسب جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله وكان جميلا فائق الجمال حتى إنه كان يقال له يوسف الأمة وفيه يقول بعض الشعراء يمدحه
( لولا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى وبئست القبيلة )
الثانية خثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وميم في الآخر وهم بنو خثعم بن أنمار بن أراش المقدم ذكره ابن هند بنت مالك بن الغافق بن الشاهد بن عد وفيهم مثل ما تقدم من كلام الجوهري في الكلام على بجيلة أنهم من العدنانية لأن خثعم وبجيلة يرجعون إلى أنمار وكانت مساكنهم مع إخوتهم بجيلة بسروات اليمن فافترقوا في الفتوحات الإسلامية فلم يبق منهم في مواطنهم إلا القليل ومن خثعم هؤلاء أكلب بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم اللام وباء موحدة في الآخر وهم بنو أكلب بن عفير بن خلف بن خثعم قال أبو عبيد ويقال إن أكلب من ربيعة بن نزار قال الحمداني وهم بطون كثيرة ومنازلهم بيشة شرقي مكة المشرفة ومن خثعم أيضا بنو منبه والفرع وبنو نضلة ومعاوية وآل مهدي وبنو نصر وبنو حام والورد ونادر وآل الصعافير والشماء وبلوس قال الحمداني ومنازلهم على القرب من بيشة شرقي مكة أيضا

الحي الثامن من بني كهلان جذام بضم الجيم وفتح الذال المعجمة وألف ثم ميم وهم بنو جذام بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد ابن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان هذا ما ذكره أبو عبيد وجعلهم صاحب حماه في تاريخه من ولد عمرو بن سبإ قال الجوهري وتزعم نسابة مضر أنهم من مضر يعني من العدنانية وأنهم انتقلوا إلى اليمن فنزلوها فحسبوا من اليمن واستشهد له بقول الكميت يذكر انتقالهم إلى اليمن بانتسابهم فيهم
( نعاء جذاما غير موت ولا قتل ... ولكن فراقا للدعائم والأصل )
واستشهد له الحمداني أيضا بقول جنادة بن خشرم الجذامي
( وما قحطان لي بأب وأم ... ولا تصطادني شبه الضلال )
( وليس إليهم نسبي ولكن ... معديا وجدت أبي وخالي )
قال الحمداني ويقال إنهم من ولد أعصر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام واستشهد لذلك بما رواه محمد بن السائب أنه وفد على رسول الله وفد جذام فقال مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى قال صاحب حماه وكان فيهم العدد والشرف قال الحمداني وهو أول من سكن مصر من العرب حين جاءوا في الفتح مع عمرو بن العاص رضي الله عنه وأقطعوا فيها بلادا بعضها بأيدي بنيهم إلى الآن وكان لجذام ولدان هما حشم بكسر الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وميم في الآخر وحرام بفتح الحاء والراء المهملتين وألف ثم ميم ومن ولد حشم عتيت بفتح

العين المهملة وكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وتاء مثناة فوق في الآخر وهم بنو عتيت بن أسلم بن مالك بن شنوءة بن تديل ابن حشم بن جذام قال أبو عبيد وهم اليوم ينتسبون في بني شيبان ويقولون عتيت بن عوف بن شيبان قال وإليهم تنسب حفرة عتيت بالبصرة قال الجوهري أغار عليهم بعض الملوك فسبى الرجال فكانوا يقولون إذا كبر صبياننا لم يتركونا حتى يفتكونا فلم يزالوا عنده حتى هلكوا فضرب لهم العرب مثلا فقالوا أودى عتيت وفي ذلك يقول الشاعر
( ترجيها وقد وقعت بقر ... كما ترجو أصاغرها عتيت )
ثم لجذام الآن بطون كثيرة متفرقة في الأقطار منهم بالشرقية من الديار المصرية من بني زيد بن حرام بن جذام وبني محرمة بن زيد بن حرام بن جذام فأما بنو زيد فمنهم بنو سويد وبعجة وبردعة ورفاعة وناثل من بني زيد بن حرام بن جذام فمن ولد سويد هلبا سويد وهم بنو هلبا بن سويد بن زيد بن حرام بن جذام قال الحمداني ومنهم العطويون والجابريون والغتاورة وحمدان ورومان وصمران وأسود والحميديون ومن الحميديين أولاد راشد ومنهم البراجسة وأولاد يبرين بن والجراشنة والكعوك وأولاد غانم وآل حمود والأخيوة والزرقان والأساورة والحماريون ومن بني راشد أيضا الحراقيص والخنافيس وأولاد غالي وأولاد جوال وآل زيد ومن النجابية أولاد نجيب وبنو فضيل
ومن هلبا سويد أيضا بنو الوليد وهم بنو الوليد بن سويد المقدم ذكره

ومنهم الحيادرة وهم بنو حيدرة بن يعرب بن حبيب بن الوليد بن سويد قال الحمداني وهم طائفة كبيرة ومنهم بنو عمارة وهو عمارة بن الوليد ومنهم عدد والحبيون وهم بنو حبة بن راشد بن الوليد ومن ولد الوليد بن سويد المذكور طريف بن بكتوت الملقب زين الدولة كان من أكرم العرب وكان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفا تأكل عنده كل يوم وكان يهشم الثريد في المراكب ومن أولاده من أمر بالبوق والعلم وعد من أحلافهم أولاد الهوبرية والرداليين والحليفيين والحضينيين والربيعيين وهم أولاد شريف النجابين وذكر الحمداني أن لهم نسبا في قريش إلى عبد مناف بن قصي ومن هلبا سويد هؤلاء هلبا مالك وهم بنو مالك بن سويد ومن هلبا مالك بنو عبيد وهم بنو عبيد بن مالك ومن بني عبيد المذكور الحسنيون وهم بنو الحسن بن أبي بكر بن موهوب بن عبيد والغوارنة وهم بنو الغور بن أبي بكر بن موهوب بن عبيد وبنو أسير وهم بنو أسير بن عبيد ومن هلبا مالك أيضا اللبيديون والبكريون والعقيليون وهم بنو عقيل بن قرة بن موهوب بن عبيد ومنهم بنو رديني وهم بنو رديني بن زياد بن حسين بن مسعود بن مالك بن سويد ومن ولد بعجة هلبا بعجة وهم بنو هلبا ومنظور وردا وناثل بن بعجة بن زيد بن سويد بن بعجة فمن ولد هلبا بعجة مفرج بن سالم أمره المعز أيبك بالبوق والعلم ثم خلفه على إمرته ولده حسان ومنهم أولاد الهريم من بني غياث بن عصمة بن نجاد بن هلبا بن بعجة
ومنهم جوشن بن منظور بن بعجة وهو صاحب السراة المضروب به المثل في الكرم والشجاعة
ومن ولد ناثل مهنا بن علوان بن علي بن زبير بن حبيب بن ناثل كان

جوادا كريما طرقته ضيوف في شتاء ولم يكن عنده حطب لطعامهم فأوقد أحمال بز كانت عنده ومن بني حرام بن جذام أيضا بنو سعد قال الحمداني وفي جذام خمس سعود اختلطت بمصر وهم سعد بن إياس بن حرام بن جذام وسعد بن مالك بن أفصى بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام وإليه ينسب أكثر السعديين وسعد بن مالك بن حرام بن جذام وسعد بن سامة بن عنبس بن غطفان بن سعد بن مالك بن حرام بن جذام وهم عشائر كثيرة منهم بنو فضل والسلاحمة وبرشاش وجوشن وعدلان وفزارة قال وأكثرهم مشايخ بلاد وخفراء ولهم مزارع ومآكل وفسادهم كثير وسكنهم منية غمر إلى ريفها ومنهم شاور وزير العاضد الفاطمي وإليه تنسب أولاد شاور كبار منية غمر وخفراؤها على أن ابن خلكان قد ذكر أنه من سعد الذين أرضع فيهم النبي وأما بنو محرمة فمنهم الشواكر وهم بنو شاكر بن راشد ومنهم أولاد العجار أدلاء الحاج من زمن السلطان صلاح الدين وهلم جرا
ومن جذام أيضا بالشرقية العائد وهم بطن من جذام عليهم درك الحاج إلى العقبة ومنهم أيضا بالشرقية بنو حرام وقال الحمداني وقل في عرب مصر من يعرفها ومنهم بالدقهلية عمرو وزهير عد منهم الحمداني الحضينيين وردالة والأحامدة والحمارنة وهم بنو حمران قال الحمداني وفي زهير هؤلاء من بني عرين وبني شبيب وبني عبد الرحمن

وبني مالك وبني عبيد وبني عبد القوي وبني شاكر وبني حسن وبني سمان وهم يتواردون في أسماء بعض البطون مع غيرهم
ومن جذام أيضا ببلاد الشام بنو صخر بالكرك وبنو مهدي بالبلقاء وبنو عقبة وبنو زهير بالشوبك ومنهم بنو سعيد بصرخد وحوران ومنهم جماعة ببلاد الغور وجماعة ببلاد البربر من بلاد السودان
الحي التاسع من بني كهلان لخم بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وميم في الآخر وهم بنو لخم بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد ابن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ولخم أخو جذام المقدم ذكره وكل منهما عم لكندة المقدم ذكره أيضا وعد صاحب حماه لخما من بني عمرو بن سبإ كما عد جذاما إذ كانا أخوين كما تقدم وقد كان للمفاوزة من اللخميين ملك بالحيرة من بلاد العراق ثم كان لبني عباد من بقاياهم بالأندلس ملك بإشبيلية وذكر القضاعي أنهم حضروا فتح مصر واختلطوا بها هم ومن خالطهم من جذام قال الحمداني وبصعيد الديار المصرية منهم قوم يسكنون بالبر الشرقي ذكر منهم الحمداني سبع أبطن الأولى سماك وهم المعروفون بالسماكيين وبنو مر وبنو مليح وبنو نبهان وبنو عبس وبنو كريم وبنو بكير وديارهم من طارف ببا بالبهنسا إلى منحدر دير الجميرة في البر الشرقي الثانية بنو حدان وهم بنو محمد وبنو علي وبنو سالم وبنو مدلج وبنو رعيش وديارهم من دير الجميرة إلى ترعة صول الثالثة بنو راشد وهم بنو معمر وبنو واصل وبنو مرا وبنو

حبان وبنو معاد وبنو البيض وبنو حجرة وبنو شنوءة وديارهم من مسجد موسى إلى أسكر ونصف بلاد إطفيح ولبني البيض الحي الصغير ولبني شنوءة من ترعة شريف إلى معصرة بوش الرابعة بنو جعد وهم بنو مسعود وبنو حدير وهم المعروفون بالحديريين وبنو زبير وبنو ثمال وبنو نصار ومسكنهم ساحل إطفيح الخامسة بنو عدي وهم بنو موسى وبنو محرب ومساكنهم بالقرب منهم السادسة بنو بحر وهم بنو سهل وبنو معطار وبنو فهم وهم المعروفون بالفهميين وبنو عسير وبنو مسند وبنو سباع ومسكنهم الحي الكبير السابعة قيس وهم بنو غنيم وبنو عمرو وبنو حجرة ولبني غنيم منهم العدوية ودير الطين إلى جسر مصر ولبني عمرو الرستق ولهم نصف حلوان ولبني حجرة النصف الثاني ونصف طرا
ومن بطون لخم بنو الدار رهط تميم الداري صاحب النبي وهم بنو الدار بن هانىء بن حبيب بن نمارة بن لخم قال الحمداني وبلد الخليل عليه السلام معمور من بني تميم الداري رضي الله عنه وبيد بني تميم هؤلاء الرقعة التي كتبها النبي لتميم وإخوته بإقطاعهم بيت حبرون التي هي بلد الخليل عليه السلام وبعض بلادها ويقال إنها مكتوبة في قطعة من أدم من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبخطه
الحي العاشر من بني كهلان الأشعريون وهم بنو الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان قال وسمي الأشعر لأن

أمه ولدته وهو أشعر وجعله صاحب حماه من بني أشعر بن سبإ وهم رهط أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله
الحي الحادي عشر من بني كهلان عاملة وهم بنو عاملة واسمه الحارث بن عفير بن عدي بن الحارث بن وبرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان وذكر أبو عبيد أن بني عاملة هم بنو الحارث بن مالك يعني ابن الحارث بن مرة بن أدد وأنه كان تحته عاملة بنت مالك بن وديعة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد فعرفوا بها وذكر صاحب حماه أنهم من ولد عاملة بن سبإ وقد ذكر الحمداني أن بجبال عاملة من بلاد الشام منهم الجم الغفير

الضرب الثاني من العرب الباقين على ممر الزمان العرب المستعربة
قال الجوهري ويقال لهم المتعربة أيضا وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام سموا بذلك لأن لسان إسماعيل عليه السلام كان العبرانية أو السريانية فلما نزل جرهم من القحطانية عليه وعلى أمه بمكة المشرفة تزوج منهم وتعلم هو وبنوه العربية من جرهم المذكورين فسموا لذلك المستعربة واعلم أن الموجودين من العرب من ولد إسماعيل عليه السلام كلهم من بني عدنان بن أدد المقدم ذكره في عمود النسب على خلاف في نسبه إلى إسماعيل يطول ذكره قال في العبر ومن عدا عدنان من ولد إسماعيل قد انقرضوا ولم يبق لهم عقب ولذلك عرفت هذه العرب بالعدنانية ثم العدنانية صنفان
الصنف الأول من فوق قريش ولقبائلهم المتفرعة من عمود النسب ستة أصول

الأصل الأول نزار بن معد بن عدنان والمتفرع منه على حاشية عمود النسب ثلاث قبائل
القبيلة الأولى إياد بكسر الهمزة ودال مهملة في الآخر وهم بنو إياد ابن نزار المقدم ذكره قال المؤيد صاحب حماه وفارق إياد الحجاز وسار بأهله إلى أطراف العراق فأقام به
ومن إياد قس بن ساعدة الإيادي وكعب بن مامة الذي يضرب به المثل في الكرم يقال إنه كان معه ماء لا يفضل عنه وله رفيق فسقاه رفيقه ومات عطشا
القبيلة الثانية أنمار بفتح الهمزة وراء مهملة في الآخر وهم بنو أنمار بن نزار المقدم ذكره وقد اختلف في تعقيبه فذهب ذاهبون إلى أنه ذهب إلى اليمن ونزل بالسروات من مشارق اليمن وتناسل بنوه بها فعدوا في اليمانية وذهب آخرون إلى أنه لا عقب له إلا من بنت له زوجها لأراش من اليمانية فولدت له أنمار بن أراش المقدم ذكره في اليمانية فبنو أنمار المعدودون في اليمانية هم بنو أنمار بن أراش المقدم ذكره في اليمانية من بنت أنمار بن نزار ولذلك وقع اللبس فيهما قاله السهيلي
القبيلة الثالثة ربيعة وهم بنو ربيعة بن نزار ويعرف بربيعة الفرس لأن أباه نزارا أوصى له من ماله بالخيل قال في مسالك الأبصار وبالرحبة قوم منهم
ولربيعة بطنان وهما أسد وضبيعة ابنا ربيعة ولكل منهما عدة أفخاذ وديارهم إلى الآن بالجزيرة الفراتية تعرف بديار ربيعة أما أسد فأكثرها أفخاذا

فمن أسد بنو عنزة بفتح العين المهملة والنون والزاي وهاء في الآخر وهم بنو عنزة بن أسد المقدم ذكره وكانت منازلهم خيبر من ضواحي المدينة وجديلة بفتح الجيم وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر وهم بنو جديلة بن أسد المقدم ذكره والنسبة إليهم جدلي بحذف الياء بعد الدال
ومن جديلة عبد القيس وهم بنو عبد القيس بن أفصى بن دعمي ابن جديلة قال في العبر وكانت ديارهم بتهامة حتى خرجوا إلى البحرين وزاحموا من بها من بكر بن وائل وتميم وقاسموهم المواطن والنسبة إليهم عبدي ومنهم من ينسب إليهم عبدي قيسي وبعضهم يقول عبقسي
ومن عبد القيس هؤلاء الأشج الذي قال له رسول الله إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة
ومن جديلة أيضا بنو النمر بفتح النون وكسر الميم وهم بنو النمر ابن قاسط بن هنب بن دعمي بن جديلة قال في العبر وديارهم رأس العين من أعمال الجزيرة الفراتية
ومن جديلة أيضا بنو وائل بالياء المثناة تحت وهم بنو وائل بن قاسط ابن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة المقدم ذكره
ومن وائل بكر بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف وتغلب بالتاء المثناة في أوله والغين الساكنة المعجمة وكسر اللام وباء موحدة وهم بنو بكر وتغلب ابني وائل المقدم ذكره
ومن تغلب بن وائل كليب ملك بني وائل الذي قتله جساس وهاجت بسببه الحرب المعروفة بالبسوس أربعين سنة
ومن تغلب أقوام بزرع وبصرى وبالقريتين منهم نفر

ومن بكر أقوام بجينين وبلادها وبالرحبة قوم منهم
ومن بني تغلب كانت بنو حمدان ملوك حلب قديما
ومن بكر بن وائل شيبان وهم بنو شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر
ومن بني شيبان هؤلاء مرة وابنه جساس قاتل كليب المذكور ومنهم طرفة بن العبد الشاعر
ومن بني شيبان أيضا سدوس بفتح السين المهملة في أوله وسين ثانية في آخره وهم بنو سدوس بن ذهل بن شيبان
ومن بكر بن وائل أيضا بنو حنيفة رهط مسيلمة الكذاب الذي تنبأ في زمن النبي وقتل في خلافة الصديق رضي الله عنه وهم بنو حنيفة بن لحيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل
ومن بكر أيضا بنو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل قال في العبر وكانت منازلهم من اليمامة إلى البصرة قال ثم خلفهم الآن في تلك البلاد بنو عامر المنتفق بن عقيل بن عامر بن صعصعة وذكر الحمداني أن بلادهم في زمانه الجزيرة من بلاد حلب وأنه كان لهم دولة بالعراق
وأما ضبيعة بن ربيعة فبضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة تصغير ضبعة وهي قبيلة لم تكثر بطونها ومنهم المتلمس الشاعر الباهلي المشهور
الأصل الثاني مضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وهو مضر بن نزار المقدم ذكره ويعرف بمضر الحمراء لأن أباه أوصى له من ماله بالذهب وما في معناه وهي قبيلة عظيمة إلا أن أكثرها اندرج فيما بعدها لكونها على عمود النسب وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بنابلس من بلاد الشام بقية من مضر وبالرحبة رجال منهم وله على حاشية عمود النسب فرع واحد قد جمع عدة قبائل وهو قيس وقد اختلف في نسبه فقيل قيس بن عيلان بالعين

المهملة واسمه الناس بالنون ابن مضر وقيل هو قيس بن مضر لصلبه وعيلان المضاف إليه قيل فرسه وقيل كلبه قال صاحب حماه جعل الله تعالى لقيس من الكثرة أمرا عظيما ولكثرة بطونه غلب على سائر العدنانية حتى جعل في المثل في مقابل عرب اليمن قاطبة فيقال قيس ويمن
فمن قبائل قيس هوازن وهم بنو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان وهم الذين أغار عليهم النبي وسباهم
ومن هوازن بنو سعد الذين كان رسول الله رضيعا فيهم وهم بنو سعد بن بكر بن هوازن قال في العبر وقد افترق بنو سعد هؤلاء في الإسلام ولم يبق لهم حي فيطرق إلا أن منهم فرقة بإفريقية من بلاد المغرب بنواحي باجة يعسكرون مع جند السلطان
وقد ذكر ابن خلكان أن شاور السعدي وزير العاضد الفاطمي خليفة مصر منهم وإن كان الحمداني قد ذكر أنه من سعد جذام من القحطانية بالشرقية من الديار المصرية على ما سبق ذكره هناك
ومن هوازن أيضا بنو عامر بن صعصعة وهم بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وإليهم ينسب مجنون بني عامر الشاعر الذي كان يشبب بليلى ومن بني عامر بن صعصعة بنو كلاب وهم بنو كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة قال في العبر وكان لهم في الإسلام دولة باليمامة وكانت ديارهم حمى ضرية وهو حمى كليب وحمى الربذة في جهات المدينة النبوية وفدك والعوالي ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الشأم فكان لهم

في الجزيرة الفراتية صيت وملكوا حلب ونواحيها وكثيرا من مدن الشام ثم ضعفوا قال وهم الآن تحت خفارة الأمراء من آل ربيعة من عرب الشام
وذكر في مسالك الأبصار أنهم ينسبون إلى عبد الوهاب المذكور في سيرة البطال وذكر أن اسمه عبد الوهاب بن نوبخت
ثم قال وهم بأطراف حلب وهم عرب غز يتكلمون بالتركية ويركبون يركبون الأكاديش ولهم غارات عظيمة وأبناء الروم وبناتهم لا يزالون يباعون من سباياهم وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بحلب وبلادها طائفة من بني كلاب
ومن بني عامر بن صعصعة أيضا بنو هلال وهم بنو هلال بن عامر بن صعصعة قال الحمداني وكان لهم بلاد صعيد مصر كلها وذكرهم ابن سعيد في عرب برقة وقال منازلهم فيما بين مصر وإفريقية قال في العبر وكانت رياستهم أيام الحاكم العبيدي لماضي بن مقرب ولما بايعوا لأبي ركوة بالمغرب وقتله الحاكم سلط عليهم الجيوش والعرب فأفناهم وانتقل من بقي منهم إلى المغرب الأقصى فهم من بني جشم هناك وذكر الحمداني أن بحلب طائفة منهم ثم صار لهم بلاد أسوان وما تحتها ثم قال وبإخميم منهم بنو قرة إلى عيذاب وبساقية قلته منهم بنو عمرو وبطونهم وهم بنو

رفاعة وبنو حجير وبنو عزيز وبأصفون وإسنا منهم بنو عقبة وبنو جميلة
ومن بني هلال حرب فيما ذكره ابن سعيد قال الحمداني وهم ثلاث بطون بنو مسروح وبنو سالم وبنو عبيد الله قال ومساكنهم الحجاز ومن حرب زبيد الحجاز فيما ذكره الحمداني وذكر أن منهم بني عمرو ثم قال ومن بني عامر نمير بن عامر بن صعصعة قال في العبر وكانت منازلهم الجزيرة الفراتية والشام بعدوتي الفرات قال وهم إحدى جمرات العرب وكان لهم كثرة وعدة في الجاهلية والإسلام ودخلوا الجزيرة الفراتية وملكوا حران وغيرها ثم غلبهم عليها خلفاء بني العباس أيام المعتز بالله فهلكوا بعد ذلك وبادوا
ومن بني عامر بن صعصعة أيضا بنو عقيل بضم العين المهملة وفتح القاف وهم بنو عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قال في العبر وكانت مساكنهم بالبحرين في كثير من قبائل العرب وكان أعظم القبائل هناك بنو عقيل هؤلاء وبنو تغلب وبنو سليم وكان أظهرهم في الكثرة والغلب بنو تغلب ثم اجتمع بنو عقيل وبنو تغلب على بني سليم فأخرجوهم من البحرين ثم اختلف بنو عقيل وبنو تغلب بعد مدة فغلب بنو تغلب على بني عقيل فطردوهم عن البحرين فساروا إلى العراق وملكوا الكوفة والبلاد

الفراتية وتغلبوا على الجزيرة والموصل وملكوا تلك البلاد وكان منهم المقلد وقرواش وقريش وابنه مسلم ملوك الموصل وبقيت بأيديهم حتى غلبهم عليها ملوك بني سلجوق فتحولوا عنها إلى البحرين حيث كانوا أولا فوجدوا بني تغلب قد ضعف أمرهم فغلبوهم على البحرين وصار الأمر بالبحرين لبني عقيل
ومن بني عقيل هؤلاء آل عامر وهم بنو عامر بن عقيل المذكور وهم الذين بيدهم بلاد البحرين قال ابن سعيد سألت أهل البحرين في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة حين لقيتهم بالمدينة النبوية عن البحرين فقالوا المملكة بها لبني عامر بن عقيل وبنو تغلب من جملة رعاياهم على أن الحمداني قد وهم فقال وهم غير عامر المنتفق وعامر بن صعصعة وتبعه على ذلك في مسالك الأبصار وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بحلب وبلادها طائفة من بني عقيل
ومن بني عقيل أيضا بنو عبادة بضم العين المهملة وبالباء الموحدة والدال المهملة وهم بنو عبادة بن عقيل قال ابن سعيد ومنازلهم بالجزيرة الفراتية مما يلي العراق لهم عدد وكثرة قال ومنهم الآن بقية بن الخازر والزاب يقال لهم عرب شرف الدولة في تجمل وعدد ولهم إحسان من صاحب الموصل ثم قال وهم عدد قليل نحو المائة فارس
ومن بني عقيل أيضا خفاجة بفتح الخاء المعجمة وفتح الفاء وجيم مفتوحة بعد الألف وهاء في الآخر وهم بنو خفاجة بن عمرو بن عقيل وفيهم الإمرة بالعراق إلى الآن

ومن بطون هوازن أيضا بنو جشم بضم الجيم وفتح الشين المعجمة وميم في الآخر وهم بنو جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن قال في العبر وكانت مساكنهم بالسروات وهي تلال تفصل بين تهامة ونجد متصلة من البحرين إلى الشام كسروات الجبل قال وسروات جشم متصلة بسراة هذيل ثم قال وقد انتقل بعضهم إلى المغرب وهم الآن به ولم يبق بالسراة منهم إلا من ليس له صولة قال صاحب حماه ومن جشم هؤلاء دريد ابن الصمة
ومن بطون هوازن أيضا ثقيف بفتح الثاء المثلثة وكسر القاف وسكون الياء وفاء في الآخر وهم رهط الحجاج بن يوسف وهم بنو ثقيف واسمه قسي بن منبه بن بكر بن هوازن ويقال إنهم من إياد بن نزار المقدم ذكره وعن بعض النسابة أن ثقيفا من بقايا ثمود وكان الحجاج ينكره ويقول كذبوا قال الله تعالى ( وثمود فما أبقى ) أي أهلكهم ولم يبق منهم أحدا قال في العبر وثقيف بطن واسع وكانت منازلهم بالطائف وهي مدينة من أرض نجد على مرحلتين من مكة في شرقيها وشمالها كانت في القديم للعمالقة ثم نزلها ثمود قبل وادي القرى ويقال إن الذي سكنها بعد العمالقة عدوان ثم غلبهم عليها ثقيف فهي الآن دارهم
ومن قبائل قيس أيضا باهلة وهم بنو سعد مناة بن مالك بن أعصر واسمه منبه بن سعد بن قيس عيلان وجعلهم في العبر بني مالك بن أعصر وباهلة أم سعد مناة عرفوا بها وهي باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة من مذحج منهم أبو أمامة الباهلي صاحب رسول الله
ومن قبائل قيس بنو مازن وهم بنو مازن بن منصور بن خصفة بن قيس عيلان قال في العبر وعددهم قليل

ومن قبائل قيس أيضا بنو غطفان بن قيس عيلان قال في العبر وهم بطن متسع كثير الشعوب والبطون قال وكانت منازلهم مما يلي وادي القرى وجبلي طيء أجإ وسلمى ثم تفرقوا في الفتوحات الإسلامية واستولى على مواطنهم هناك قبائل طيء
ومن بطون غطفان بنو عبس بفتح العين وسكون الباء الموحدة وسين مهملة في الآخر وهم بنو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان منهم زهير ابن قيس صاحب حرب داحس والغبراء وهما فرسان كانت إحداهما وهي داحس لعبس والأخرى وهي الغبراء لفزارة فأجريتا فوقع الحرب بسببهما
ومن عبس هؤلاء عنترة بن شداد الشاعر الفارس المشهور
ومن غطفان أشجع بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الجيم وعين مهملة في الآخر وهم بنو أشجع بن ريث بن غطفان قال في العبر وكانوا هم عرب المدينة النبوية وكان سيدهم معقل بن سنان الصحابي قال ولم يبق أحد منهم بنجد إلا بقايا حول المدينة ثم قال وبالمغرب الأقصى منهم حي عظيم يظعنون مع عرب معقل بجهات سجلماسة ولهم عدد وذكر
ومن غطفان أيضا ذبيان قال الجوهري بكسر الذال يعني المعجمة وضمها وهم بنو ذبيان بن ريث بن غطفان ومنهم النابغة الذبياني الشاعر المشهور
ومن ذبيان فزارة بفتح الفاء والزاي والراء المهملة وهاء في الآخر وهم بنو فزارة بن ذبيان قال في العبر وكانت فزارة بنجد ووادي القرى فلم يبق منهم بنجد أحد ونزل جيرانهم من طيىء مكانهم وذكر أن بأرض

برقة إلى طرابلس الغرب منهم قبائل رواحة وهيت وفزان قال وبإفريقية والمغرب منهم الآن أحياء كثيرة اختلطوا مع أهله يحتاج المعقل من عرب المغرب الأقصى إلى الاستظهار بهم قال ومنهم مع سليم بإفريقية طائفة أخرى أحلاف لأولاد أبي الليل من شعوب بني سليم يستظهرون بهم في مواقف الحرب ويقيمونهم لأنفسهم مقام الوزراء للملوك ثم قال وفي برقة ببلاد هيت جماعة منهم نازلون بها ومنهم طائفة بصحراء المغرب قال الحمداني ومنهم بالديار المصرية جماعة بالصعيد وجماعة بضواحي القاهرة في قليوب وما حولها وبهم عرفت القرية المسماة بخراب فزارة هناك ومن فزارة بنو مازن وبنو بدر فأما بنو مازن فهم بنو مازن بن فزارة وأما بنو بدر فهم بنو بدر بن عدي بن فزارة قال في العبر وفيهم كانت رياسة بني فزارة في الجاهلية يرأسون جميع غطفان وتدين لهم قيس وإخوانهم بنو ثعلبة بن عدي ومنهم كان حذيفة بن بدر صاحب الفرس المعروفة بالغبراء المقدم ذكرها ومن بني بدر هؤلاء وبني عمهم بني مازن جماعة بالقليوبية من الديار المصرية
قلت وبنو بدر هم قبيلتنا التي إليها نعتزي وفيها ننتسب وأهل بلدتنا قلقشندة نصفهم من بني بدر ونصفهم من بني مازن
ومن قبائل قيس أيضا بنو سليم بضم السين وفتح اللام وهم بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان قال الحمداني وهم أكبر قبائل قيس وكان لسليم من الولد بهتة بضم الباء الموحدة في أوله وفتح المثناة بعد الهاء ومنه جميع أولاده قال في العبر وكانت منازلهم في عالية نجد بالقرب من خيبر
ومن منازلهم حرة سليم وحرة النار بين وادي القرى وتيما قال وليس لهم الآن بنجد عدد ولا بقية ثم قال وبإفريقية منهم حي عظيم وقد تقدم

أنه كان منهم جماعة بالبحرين فغلبهم عليها بنو عقيل بن كعب وبنو تغلب وقال الحمداني ومساكنهم برقة مما يلي المغرب ومما يلي مصر قال وفيهم الأبطال الأنجاد والخيل الجياد قال في العبر وقد استولوا على برقة وهي إقليم طويل واسع الأطراف وخربوا مدنه ولم يتركوا بها ولاية ولا إمرة إلا لمشايخهم قال في مسالك الأبصار والإمرة الآن فيهم في بني عزاز وهي الآن في زماننا لبني عريف
ومن سليم هؤلاء لبيد ببرقة وهم بطون كثيرة العدد
ومن قبائل قيس عدوان بفتح العين وسكون الدال المهملتين ونون في الآخر وهم بنو عدوان واسمه الحارث بن عمرو بن قيس عيلان قال أبو عبيد وسمي عدوان لأنه عدا على أخيه فهم فقتله قال في العبر وهم بطن متسع وكانت منازلهم بالطائف من أرض نجد نزلوها بعد إياد والعمالقة ثم غلبهم عليها ثقيف فخرجوا إلى تهامة وبإفريقية الآن منهم أحياء بادية وقد عد الحمداني عدوان من عرب برية الحجاز من أحلاف آل فضل من عرب الشام فيحتمل أنهم هؤلاء وأنهم غيرهم
الأصل الثالث إلياس بكسر الهمزة وسكون اللام وفتح الياء المثناة تحت وسين بعد الألف وهو إلياس بن مضر المقدم ذكره وكانت تحته خندف بكسر الخاء وسكون النون وكسر الدال المهملة وفاء في الآخر وهي خندف بنت حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة فعرف بنوه بها فقيل لهم خندف لأن زوجها إلياس رآها يوما تمشي فقال لها مالك تخندفين والخندفة أن يقلب ظهر قدمه إلى الأرض عند مشيه وله فرعان على حاشية عمود النسب
الفرع الأول طابخة بفتح الطاء المهملة وكسر الباء الموحدة بعد الألف وفتح الخاء المعجمة وهاء في الآخر وهم بنو طابخة واسمه عمرو ابن إلياس بن مضر وسمي طابخة لأنه كان هو وأخوه مدركة الآتي ذكره على

عمود النسب وكان اسمه عامرا في إبل لهما فصادا صيدا وقعدا يطبخانه فعدت عادية على إبلهما فاستاقتها فقال عامر لعمرو أتدرك الإبل أم تطبخ الصيد فقال عمرو بل أطبخ الصيد فلحق عامر الإبل فجاء بها فلما جاءا أباهما أخبراه الخبر فقال لعامر أنت مدركة وقال لعمرو أنت طابخة فسميا بذلك
ويتفرع عن طابخة قبائل كثيرة
فمن قبائل طابخة تميم بفتح التاء المثناة فوق وكسر الميم وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر وهم بنو تميم بن مر بن مراد بن طابخة قال في العبر وكانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة وامتدت إلى العذيب من أرض الكوفة ثم تفرقوا بعد ذلك في الحواضر ولم يبق منهم بادية وورث مساكنهم غزية من طيىء وخفاجة من بني عقيل بن كعب
ومن بطون تميم بنو العنبر وهم بنو العنبر بن عمرو بن تميم وإليهم ينسب جديلة بن عبد الله العنبري الصحابي
ومن بطون تميم بنو حنظلة وضبطه معروف وهم بنو حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم ويقال لهم حنظلة الأكرمون قال الجوهري وهم أكبر قبيلة في تميم ومن حنظلة بنو يربوع بفتح الياء المثناة تحت وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وسكون الواو وعين مهملة في الآخر وهم بنو يربوع بن حنظلة
ومن بني يربوع بنو العنبر بن يربوع ومنهم سجاح التي تنبأت في زمن مسيلمة الكذاب وهم غير بني العنبر المقدم ذكرهم
ومن قبائل طابخة بنو ضبة بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء قال

في العبر وكانت ديارهم بالناحية الشمالية من نجد بجوار بني تميم ثم انتقلوا في الإسلام إلى العراق وهم الذين قتلوا المتنبي الشاعر
ومن قبائل طابخة أيضا مزينة بضم الميم وفتح الزاي وسكون الياء المثناة تحت وفتح النون وهاء في الآخر وهم بنو عثمان وأوس ابني عمرو ابن أد بن طابخة ومزينة أمهما عرفوا بها وهي مزينة بنت كلب بن وبرة ومنهم كعب بن زهير ناظم القصيدة المعروفة ببانت سعاد وإليهم ينسب الإمام إسماعيل بن إبراهيم المزني صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنه
الفرع الثاني قمعة بفتح القاف والميم والعين المهملة وهاء في الآخر وهم بنو قمعة بن إلياس بن مضر قال الجوهري إن أباه سماه قمعة لما انقمع في بيته أي انقهر وذل ولم يشتهر عقبه
الأصل الرابع مدركة بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء المهملة وفتح الكاف وهاء في الآخر وهم بنو مدركة بن إلياس بن مضر وقد تقدم سبب تسميته مدركة وله فرع واحد على حاشية عمود النسب وهو هذيل بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ولام في الآخر وهم بنو هذيل بن مدركة وهي قبيلة متسعة لها بطون كثيرة والنسبة إليها هذلي بحذف الياء بعد الذال وإليهم ينسب عبد الله بن مسعود الصحابي رضي الله عنه
الأصل الخامس خزيمة بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وسكون الياء المثناة تحت وفتح الميم وهاء في الآخر وهو خزيمة بن مدركة وله فرعان على حاشية عمود النسب وهما الهون وأسد
فأما الهون فبضم الهاء وسكون الواو ونون في الآخر وهو الهون بن خزيمة وهي قبيلة مشهورة

ومن بطون الهون عضد بفتح العين المهملة والضاد المعجمة ودال مهملة في الآخر وهم بنو عضد بن الهون
ومن بطون الهون أيضا الديش بكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وشين معجمة في الآخر وهم بنو الديش بن مليح بن الهون ويقال لهاتين القبيلتين وهما عضد والديش القارة قال أبو عبيد وسموا بذلك لأن الشداخ الليثي أراد أن يفرقهم في بطون كنانة فقال بعضهم دعونا قارة لا نتفرق فسموا القارة
وأما أسد وضبطه معروف فهم بطن كبير متسع قال في العبر ومنازلهم مما يلي الكرخ من أرض نجد في مجاورة طيىء قال ويقال إن بلاد طيىء كانت لبني أسد فلما خرج بنو طيء من اليمن تغلبوا على أجأ وسلمى وتفرق بنو أسد بسبب ذلك في الأقطار ولم يبق لهم حي قال ابن سعيد وبلادهم الآن لطيىء قال في مسالك الأبصار وبغسل وما ينضم إليها من بلاد الشام قوم من بني أسد
ومن بطون أسد الكاهلية وهم بنو كاهل بن أسد ومن بطونهم دودان ابن أسد أيضا
الأصل السادس كنانة بكسر الكاف ونون بعدها ألف ثم نون مفتوحة بعدها هاء وهو كنانة بن خزيمة وهي قبيلة عظيمة اشتهرت على عمود

النسب وقد ذكر الحمداني أن منهم جماعة بالإخميمية من صعيد الديار المصرية يعرفون بكنانة طلحة وذكر في مسالك الأبصار أن طائفة منهم قدموا الديار المصرية في وزارة الصالح طلائع بن رزيك ونزلوا دمياط وما حولها وله على حاشية عمود النسب خمسة فروع
الفرع الأول ملكان بفتح الميم وسكون اللام ونون في الآخر وهم بنو ملكان بن كنانة
الفرع الثاني عبد مناة بإضافة عبد إلى مناة بميم مفتوحة بعدها نون وهم بنو عبد مناة بن كنانة ولهم عدة بطون
منهم غفار بكسر الغين المعجمة وفتح الفاء وراء بعد الألف وهم بنو غفار بن عبد مناة بن كنانة وهم رهط أبي ذر الغفاري صاحب رسول الله وإليهم الإشارة بقوله غفار غفر الله لها
ومنهم بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ومن بكر هؤلاء الدئل وهم بنو الدئل بن بكر بن عبد مناة وإليهم ينسب أبو الأسود الدؤلي واضع علم النحو بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ومنهم بنو ليث وهم بنو ليث بن بكر بن عبد مناة منهم الصعب بن جثامة الليثي الصحابي رضي الله عنه وقد ذكر الحمداني أن منهم طائفة بساقية قلتة بالإخميمية من صعيد مصر
ومنهم بنو الحارث ويقال فيهم بلحارث وهم بنو الحارث بن عبد مناة
ومنهم بنو مدلج بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وجيم في الآخر وهم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة وفي بني مدلج هؤلاء علم القيافة وهو إلحاق الإبن بالأب ونحو ذلك بالشبه ومنهم طائفة الآن بصرخد وحوران من بلاد الشام وطائفة بالأعمال الغربية من الديار المصرية

ومنهم بنو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر وهم بنو ضمرة بن بكر بن عبد مناة وإليهم ينسب عمرو بن أمية الضمري صاحب رسول الله وقد ذكر الحمداني أن منهم طائفة بساقية قلتة وما يليها من بلاد إخميم من صعيد مصر
الفرع الثالث عمرو بن كنانة وإليه ينسب العمريون من بني كنانة
الفرع الرابع عامر بن كنانة ومنه العامريون من كنانة
الفرع الخامس مالك بن كنانة ومن عقبه بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن الحارث بن مالك وفي بني فراس هؤلاء يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبعض من كان معه لوددت أن يكون لي بألف منكم سبعة من بني فراس بن غنم وقد ذكر الحمداني أن منهم جماعة بساقية قلتة وما يليها من الإخميمية بمصر وذكر الحمداني أيضا أن من كنانة ابن خزيمة طائفة بصعيد مصر بالأشمونين وما حولها تعرف بكنانة طلحة
الصنف الثاني من العرب العدنانية قريش بضم القاف وفتح الراء المهملة وهم بنو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن كنانة وقيل في تسميته بذلك إنه كان في سفينة ببحر فارس إذ خرجت عليهم دابة عظيمة يقال لها قريش فخافها أهل السفينة على أنفسهم فأخرج سهما من كنانته ورماها فأثبتها ثم قربت السفينة منها فأمسكها وقطع رأسها وحملها معه إلى مكة فسمي باسمها وقيل سمي بنوه بذلك لغلبتهم القبائل وقهرهم إياهم تشبيها بالدابة المقدم ذكرها من حيث إنها تقهر سائر دواب البحر وقيل أخذا من التقرش وهو الاجتماع لأن قصيا جمعهم عليه عند ولايته أمر قريش وقيل لتجارتهم أخذا من التقرش وهو التجارة
ثم لقريش عشرة أصول على عمود النسب
الأصل الأول فهر بن مالك ويتفرع عن فهر على حاشية عمود النسب قبيلتان

القبيلة الأولى بنو الحارث وهم بنو الحارث بن فهر ومن بني الحارث هؤلاء بنو الجراح رهط أبي عبيدة بن الجراح أحد العشرة أصحاب رسول الله المقطوع لهم بالجنة
القبيلة الثانية بنو محارب بن فهر المقدم ذكره منهم الضحاك بن قيس أحد أصحاب رسول الله
الأصل الثاني غالب بن فهر ويتفرع عنه على حاشية عمود النسب قبيلة واحدة وهم بنو الأدرم بن لؤي بن غالب والأدرم هو الناقص الذقن
الأصل الثالث لؤي بن غالب ويتفرع منه على حاشية عمود النسب ثلاث قبائل
القبيلة الأولى سعد وهم بنو سعد بن لؤي بن غالب كان له من الولد عمار وعماري ومخزوم من امرأته بنانة بضم الباء الموحدة وبها يعرفون فيقال لهم بنو بنانة ومنهم أبو الطفيل أحد أصحاب رسول الله
القبيلة الثانية خزيمة بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وهو بنو خزيمة ابن لؤي وكان تحته عائذة بالعين المهملة والياء المثناة تحت والذال المعجمة بنت الخمس بن قحافة فعرف ولده بها فقيل لهم بنو عائذة
القبيلة الثالثة بنو عامر وهم بنو عامر بن لؤي وكان له من الولد حسل وبغيض ومن ولد حسل سهيل بن عمرو الذي عقد الصلح مع النبي يوم الحديبية لقريش ومنهم عمرو بن عبد ود العامري فارس العرب الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه

الأصل الرابع كعب بن لؤي بن غالب ويتفرع منه خارجا عن عمود النسب قبيلتان
القبيلة الأولى هصيص بضم الهاء وفتح الصاد المهملة وسكون الياء المثناة تحت وصاد مهملة في الآخر ومن هصيص بنو سهم منهم عمرو ابن العاص رضي الله عنه وكانت خطة بني سهم بفسطاط مصر حول الجامع العتيق وقد ذكر الحمداني أن من بني عمرو بن العاص أشتاتا بالصعيد ولهم حصة في وقف عمرو على أهله بمصر
ومنهم بنو جمح بضم الجيم وفتح الميم وحاء مهملة في الآخر وهم بنو جمح بن هصيص المقدم ذكره ومنهم أمية بن خلف عدو رسول الله وقد ذكر في مسالك الأبصار أن من بني جمح قوما بأذرعات من بلاد الشام
القبيلة الثانية بنو عدي وهم بنو عدي بن كعب ومنهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعيد بن زيد أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة وقد ذكر القاضي شهاب الدين بن فضل الله في مسالك الأبصار أنه وفد من بني عدي جماعة إلى الديار المصرية في وزارة الصالح طلائع بن رزيك وزير الفائز الفاطمي ومنهم رجال من بني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومقدمهم خلف بن نصر العمري وأنهم لقوا من الصالح طلائع بن رزيك وافر الاكرام ونزلوا بالبرلس من سواحل الأعمال الغربية وذكر أن من العمريين ببلاد الشام فرقة بوادي بني زيد وفرقة بعجلون

الأصل الخامس مرة بن كعب ويتفرع عنه قبيلتان على حاشية عمود النسب
القبيلة الأولى تيم وهم بنو تيم بن مرة بن كعب ومنهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وطلحة أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة وقد ذكر الحمداني أن من بني الصديق رضي الله عنه من بني عبد الرحمن وبني محمد ولدي أبي بكر رضي الله عنه جماعة بالأشمونين والبهنسائية من صعيد مصر قال الحمداني وهم ثلاث فرق هم وأقرباؤهم وأطلق على الكل بنو طلحة فالفرقة الأولى منهم بنو إسحاق ويقال إن إسحاق ليس أبا لهم وإنما هو إسحاق مكان تحالفوا عنده فسموا به والفرقة الثانية فضاء طلحة وهم بطون كثيرة وأكثرهم أشتات كثيرة في البلاد لا حد لهم والفرقة الثالثة بنو محمد وهم بنو محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومنازلهم بالبرجين وسفط سكرة وطحا المدينة من بلاد الأشمونين فما ذكره الحمداني وأكثرهم الآن بدهروط من البهنسائية وخرج منهم جماعة من العلماء على مذهبي الإمامين مالك والشافعي رضي الله عنهما
القبيلة الثانية بنو يقظة وهم بنو يقظة بن مرة ومنهم بنو مخزوم بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وضم الزاي وسكون الواو وميم في الآخر وهم بنو مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب وبه اشتهرت القبيلة دون أبيه يقظة لكثرة عقبه دون أبيه منهم خالد بن الوليد أحد أصحاب رسول الله وأبو جهل ابن هشام عدو رسول الله وأخوه العاص بن هشام قتلا يوم بدر كافرين وأخوهما سلمة بن هشام أسلم وكان من خيار المسلمين ومنهم سعيد بن المسيب التابعي المشهور وقد ذكر الحمداني أن من بني مخزوم جماعة

بصعيد مصر بالأشمونين وفيهم بأس وشدة وذكر أيضا أن منهم خالد حمص وخالد الحجاز وذكر أن كلا منهم يدعي بنوة خالد بن الوليد رضي الله عنه ثم قال وقد أجمع أهل العلم بالنسب على انقراض عقبه قال ولعلهم من سواه من بني مخزوم فهم أكثر قريش بقية وأشرفهم جاهلية
الأصل السادس كلاب بن مرة ويتفرع منه على حاشية عمود النسب قبيلة واحدة وهي زهرة بيضم الزاي وسكون الهاء وفتح الراء وهاء في الآخر وهم بنو زهرة بن كلاب بن مرة قاله أبو عبيد وغيره وقد ذكر الجوهري أن زهرة اسم امرأة كلاب نسب ولده إليها منهم سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف كلاهما من العشرة المقطوع لهم بالجنة من أصحاب رسول الله ومنهم آمنة بنت وهب أم رسول الله وقد ذكر الحمداني أن منهم جماعة ببلاد الأشمونين بصعيد مصر
الأصل السابع قصي بني كلاب بن مرة وكان قصي عظيما في قريش وهو الذي جمعهم بعد التفرق وفي ذلك يقول الشاعر
( أبوكم قصي حين يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر )
وارتجع مفاتيح الكعبة من خزاعة بعد أن كانوا انتزعوها من بني إسماعيل على ماتقدم ذكره ويتفرع منه على حاشية عمود النسب قبيلتان
القبيلة الأولى بنو عبد الدار وهم بنو عبد الدار بن قصي وبيد بنيه كانت مفاتيح الكعبة دون سائر بني قصي وذلك أن قصيا لما أخذ مفاتيح الكعبة من أبي غبشان الخزاعي أرسلها مع ابنه عبد الدار هذا إلى البيت وقال يا بني إسماعيل هذه مفاتيح بيت أبيكم إبراهيم وقد أعادها الله تعالى إليكم فبقيت بيده من حينئذ ومن ولده عثمان بن صلحة الحجبي الذي انتزع النبي منه مفاتيح الكعبة عام حجة الوداع حين طلبها منه لتدخل عائشة رضي الله عنها البيت ليلا فامتنع من ذلك

وقال إن الكعبة لم تفتح ليلا قط فأنزل الله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) فأعادها إليه وقال هي فيكم إلى يوم القيامة وقد ذكر في المسالك أن بحماه أقواما من بني عبد الدار
ومن بني عبد الدار بنو شيبة بن عثمان المقدم ذكره ابن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وهم حجبة الكعبة ومفاتيحها بيدهم إلى الآن وقد ذكر الحمداني أن من بني شيبة هؤلاء قوما بصعيد مصر بسفط وما يليها من بلاد البهنسائية يعرفون بجماعة نهار
القبيلة الثانية بنو عبد العزى وهو عبد العزى بن قصي منهم هبار بن الأسود كان يهجو النبي ثم أسلم فحسن إسلامه ومدحه
ومن بني عبد العزى هؤلاء بنو أسد وهم بنو أسد بن عبد العزى المقدم ذكره
ومن بني أسد هؤلاء الزبير بن العوام أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة من أصحاب رسول الله
ومنهم خديجة أم المؤمنين زوج النبي وورقة بن نوفل الذي أتته خديجة في أمر النبي في ابتداء النبوة حين جاءه الملك بحراء وقد ذكر الحمداني من بني الزبير طائفة بصعيد مصر ببلاد البهنسا وما يليها فمن

ولد عبد الله بن الزبير بنو بدر وبنو مصلح وبنو رمضان
ومن بني مصعب بن الزبير جماعة يعرفون بجماعة محمد بن وراق ومن ولد عروة بن الزبير بنو غني
الأصل الثامن عبد مناف بن قصي ولبني عبد مناف في قريش النسب الصميم والحسب الكريم وإلى هذا أشار أبو طالب بقوله
( إذا افتخرت يوما قريش بمفخر ... فعبد مناف أصلها وصميمها )
ويتفرع منه على حاشية عمود النسب ثلاث قبائل
القبيلة الأولى بنو عبد شمس بن عبد مناف ومن عبد شمس بنو أمية وهم بنو أمية الأكبر وأمية الأصغر أبني عبد شمس بن عبد مناف
فأما أمية الأكبر فكان له عشرة أولاد أربعة يسمون الاعياص وهم العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص وستة يسمون العنابس وهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو
ومن بني أمية الأكبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان بن حرب والحكم بن العاص ومن ولده كانت المراونة خلفاء بني أمية
وأما أمية الأصغر فيقال لأولاده العبلات ومن عقب أمية الأصغر الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية التي كان يشبب بها عمر بن أبي ربيعة وكان تزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف وفيهما يقول عمر بن أبي ربيعة

( أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان )
( هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يماني )
وقد أختلف في النسبة إلى أمية على مذهبين أحدهما أنه أموي بضم الهمزة جريا على اللفظ في أمية وإليه يميل كلام الشيخ أثير الدين أبي حيان في شرح التسهيل الثاني أنه ينسب إليها أموي بفتحها لأن أمية تصغير أمة فإذا نسبت رددته إلى أصله وعليه اقتصر الجوهري
القبيلة الثانية نوفل وهم بنو نوفل بن عبد مناف ومنهم نافع بن طريب بن عمرو بن نوفل الذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان نوفل وعبد شمس متآلفين فجرى بنوهما على ذلك
القبيلة الثالثة بنو المطلب وهم بنو المطلب بن عبد مناف وكان المطلب متآلفا مع أخيه هاشم بن عبد مناف المقدم ذكره فجرى بنوهما على ذلك حتى قال النبي لم يفترق هاشم والمطلب في جاهلية ولا إسلام ومن بني المطلب الإمام الشافعي رضي الله عنه
الأصل التاسع هاشم بن عبد مناف واسمه عمرو وسمى هاشما لهشمه الثريد أيام المجاعة وفي ذلك يقول الشاعر
( عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف )
وانتهت إليه سيادة قريش وكان له على حاشية عمود النسب أربعة أولاد وهم نضلة وأسد وصيفي وأبو صيفي ولم يشتهروا كل الأشتهار
الأصل العاشر عبد المطلب بن هاشم وكان له اثنا عشر ولدا عبد

الله أبو النبي وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة والعباس وضرار وحمزة وحجل وأبو لهب وقثم والغيداق الملقب بالمقوم والحارث أعمام النبي على خلاف في العدد فيهم قال أبو عبيد والعقب منهم لستة حمزة والعباس رضي الله عنهما وأبو لهب وأبو طالب والحارث وعبد الله
فأما عبد الله فمن ولده النبي خلاصة الوجود وزبدة العالم وأما العباس فمن ولده الخلفاء من زمن أبي العباس السفاح أول خلفائهم وهلم جرا إلى المستعين بن المتوكل خليفة العصر وأما حمزة فقد ذكر ابن حزم وغيره أن عقبه انقرض وأما أبو طالب فله ثلاثة أولاد وهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وجعفر وعقيل فمن ولد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الحسن والحسين عليهما السلام من فاطمة بنت رسول الله وعقبهما قد ملأ الشرق والغرب وقد ذكر الحمداني أن منهم بصعيد مصر جماعة من الجعافرة بني جعفر الصادق من ولد الحسين بن علي وقال مسكنهم من بحري منفلوط إلى سملوط غربا وشرقا وعد من بطونهم الحيادرة وهم أولاد حيدرة والسلاطنة وهم أولاد أبي جحيش وذكر أنه كان منهم الشريف حصن الدين بن تغلب صاحب دروة سربام من الأشمونين وبه عرفت بدروة الشريف وكان قد سمت نفسه إلى الملك في أواخر الدولة الأيوبية وبقي حتى ملك الظاهر بيبرس فأعمل له غوائل الغدر حتى قبض عليه وشنقه بالإسكندرية قال ومن بني الحسين قوم بحرجة منفلوط وببني الحسين هؤلاء تعرف القرية المسماة ببني الحسين وفي أسيوط جماعة من أولاد جعفر الصادق يعرفون بأولاد الشريف قاسم وذكر في مسالك الأبصار أن بسلمية وحلب وبلادهما جماعة من بني الحسين

ومن ولد جعفر بن أبي طالب أقوام ببلاد الشام بوادي بني زيد وبصرخد وبلادها جماعة من عامر بن هلال يدعون أنهم من بني جعفر بن أبي طالب أيضا وفي بعض قرى أذرعات قوم يدعون أنهم منهم وأما الحارث وأبو لهب فقد ذكر في العبر أن لهما عقبا موجودا ولم يصرح بمحله

الضرب الثالث من العرب الموجودين المتردد في عروبتهم
وهم البربر بباءين موحدتين مفتوحتين بينهما راء مهملة ساكنة وراء مهملة في الآخر قال الجوهري ويقال فيهم البرابرة والهاء للعجمة والنسب ولا يمتنع حذفها وقد اختلف في نسبهم اختلافا كثيرا فذهبت طائفة من النسابين إلى أنهم من العرب ثم اختلف في ذلك فقيل أوزاع من اليمن وقيل من غسان وغيرهم تفرقوا عند سيل العرم قاله المسعودي وقيل خلفهم أبرهة ذو المنار أحد تبابعة اليمن حين غزا المغرب وقيل من ولد لقمان بن حمير بن سبإ بعث سرية من بنيه إلى المغرب ليعمروه فنزلوا وتناسلوا فيه وقيل من لخم وجذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر فمنعهم ملوكها من نزولها فذهبوا إلى المغرب فنزلوه وذهب قوم إلى أنهم من ولد لقشان بن إبراهيم الخليل عليه السلام وذكر الحمداني أنهم من ولد بربر بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام وأنه ارتكب ذنبا فقال له أبوه البر البر اذهب يا بر فما أنت ببر وقيل هم من ولد بربر بن ثميلا بن مازيع بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام وقيل من ولد بربر بن كسلاجيم بن حام بن نوح وقيل من ولد ثميلا بن ماراب بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح وقيل من ولد قبط بن حام بن نوح وقيل أخلاط من كنعان والعماليق وقيل من حمير ومصر والقبط وقيل من ولد جالوت ملك بني إسرائيل وإنه لما قتله داود تفرقوا في

البلاد فلما غزا أفريقش البلاد نقلهم من سواحل الشام إلى المغرب وهو الذي رجحه صاحب العبر وبالجملة فأكثر الأقوال جانحة إلى أنهم من العرب وإن لم نتحقق من أي عرب هم وهم قبائل متشعبة وبطون متفرقة وأكثرهم ببلاد المغرب وبديار مصر منهم طائفة عظيمة قال في العبر وهي على كثرتها راجعة إلى أصلين لا تخرج عنهما أحدهما البرانس وهم بنو برنس ابن بربر والثاني البتر وهم بنو مادغش الأبتر بن بربر وبعضهم يقول إنهم يرجعون إلى سبعة أصول وهي اردواحة ومصمودة وأوربة وعجية وكتامة وصنهاجة وأوريغة وزاد بعضهم لمطة وهسكورة وكزولة وقد ذكر صاحب العبر منهم الجم الغفير والذي تدعو الحاجة إلى ذكره من ذلك طائفتان
الطائفة الأولى الذين كان منهم ملوك المغرب للحاجة إلى ذلك لمعرفة أنساب الملوك عند المكاتبة إليهم وهم ثلاث قبائل
القبيلة الأولى مصمودة بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وضم الميم وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر وهم بنو مصمودة بن برنس بن بربر قال في العبر وهم أكبر قبائل البربر وأكثرهم عددا وأوسعهم شعوبا ومنهم الموحدون أصحاب المهدي بن تومرت القائم بقاياهم بأفريقية إلى الآن
ومن مصمودة هنتاتة بفتح الهاء وإسكان النون وفتح التاء المثناة فوق وبعدها ألف ثم تاء ثانية مفتوحة وهاء في الآخر ومنهم أبو حفص أحد أصحاب المهدي بن تومرت المقدم ذكره وهو الذي ينسب إليه الحفصيون

ملوك إفريقية القائمون بتونس إلى الآن على ما سيأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك
القبيلة الثانية زناتة بكسر الزاي وفتح النون وبعد الألف تاء مثناة فوق مفتوحة وهاء في الآخر وهم بطن من البتر من البربر قال في العبر واسم زناتة جانا بالجيم ويقال شانا بالشين ابن يحيى بن صولات بن ورساك بن ضري بن رحيك بن مادغش بن بربر ونقل ابن حزم عن بعضهم أن ضري بن شقعو بن تبدواد بن ثملا بن مادغش بن هوك بن برسق بن كداد بن مازيغ بن هراك بن هريك بن بدا بن بديان بن كنعان ابن حام بن نوح عليه السلام وقيل جانا بن يحيى بن ضريس بن جالوت بن هريك بن جديلات بن جالود بن رديلات بن عصي بن بادين بن رحيك بن مادغش الأبتر بن قيس عيلان وحينئذ تكون من العرب العدنانية وقيل جالوت بن جالود بن ديال بن قحطان بن فارس فتكون من الفرس قال في العبر وتزعم نسابة زناتة الآن أنهم من حمير من التبابعة فيكونون من القحطانية وبعضهم يقول إنهم من العمالقة وقد تقدم عددهم في العرب
ومن زنانة بنو مرين بفتح الميم وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر وهم بنو مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن وجريج بن فاتن بن بدر بن يحفت بن عبد الله بن زرتبيص بن المعز بن إبراهيم بن رحيك بن واشين بن نصبين بن سرا بن أحيا بن ورسيك بن أديت بن جانا وهو زناتة
ومن بني مرين هؤلاء بنو عبد الحق ملوك فاس القائمون بها إلى الآن على ما يأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك إن شاء الله
ومن زناتة أيضا بنو عبد الواد ملوك تلمسان من المغرب الأوسط القائمون بها إلى الآن

القبيلة الثالثة صنهاجة بفتح الصاد المهملة وسكون النون وفتح الهاء وألف بعدها جيم مفتوحة وهاء في الآخر وهم بنو صنهاجة بن برنس بن بربر وقيل صنهاج بن أوريغ بن برنس بن بربر ويقال إنهم من حمير من عرب اليمن قاله ابن الكلبي والطبري والبيهقي والمسعودي وعبد العزيز الجرجاني
وحكى ابن حزم أن صنهاج إنما هو ابن امرأة اسمها بصلى وليس له أب معروف وأنها تزوجت بأوريغ وهو معها فولدت له هوارة فكان صنهاج أخا هوارة لأمه
ومن صنهاجة لمتونة بفتح اللام وسكون الميم وضم التاء المثناة فوق وفتح النون وهاء في الآخر ومن لمتونة ملوك المرابطين الذين كان منهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين باني مدينة مراكش من الغرب الأقصى وهم الذين انقرض ملكهم بدولة الموحدين
الطائفة الثانية الذين منهم بالديار المصرية قال في العبر وهم قبيلتان
القبيلة الأولى هوارة بفتح الهاء وتشديد الواو وفتح الراء المهملة بعد الألف وهاء في الآخر وهم بنو هوارة بن أوريغ بن برنس بن بربر وذكر الحمداني أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام قال في العبر ونسابتهم يقولون إنهم من عرب اليمن فتارة يقولون إنهم من عاملة إحدى بطون قضاعة وتارة يقولون إنهم من ولد المسور بن السكاسك بن وائل بن حمير وتارة يقولون من ولد السكاسك بن أشرس بن كندة فيقولون هوار بن أوريغ بن حيور بن المثنى بن المسور وقد عد الحمداني من بطونهم بالديار المصرية بني مجريش وبني أسرات وبني

قطران وبني كريب ولكنهم الآن قد اتسعت بطونهم وكثرت شعوبهم وصار لهم بطون كثيرة
منها بنو محمد وأولاد مأمن وبندار والعرايا والشللة وأشحوم وأولاد مؤمنين والروابع والروكة والبروكية والبهاليل والأصابغة والدناجلة والمواسية والبلازد والصوامع والسدادرة والزيانية والخيافشة والطردة والأهلة وزلتين وأسلين وبنو قمير والتيه والتبابعة والغنائم وفزارة والعبابدة وساورة وغلبان وحديد والسبعة وذكر في مسالك الأبصار أن لهم بالديار المصرية البحيرة ومن الإسكندرية غربا إلى العقبة الكبيرة ولم يزل الأمر على ما ذكره إلى آخر المائة الثامنة في الدولة الظاهرية الشهيدية يرقوق فغلبهم على البحيرة زنارة وحلفاؤهم من بقية عرب البحيرة فخرجوا عنها إلى صعيد مصر ونزلوا به بالأعمال الإخميمية في جرجا وما حولها ثم قوي أمرهم واشتد بأسهم وكثر جمعهم حتى انتشروا في معظم الوجه القبلي فيما بين أعمال قوص وإلى غربي الأعمال البهنسائية وأقطعوا بها الإقطاعات وصارت الإمرة في بلاد إخميم لأولاد عمر وفي أعمال البهنسا وما حولها لأولاد غريب والأمر على ذلك إلى الآن
القبيلة الثانية لواثة بفتح اللام والواو والثاء المثلثة وهاء في الآخر قال الحمداني ويقال لواثا بالألف وهم بنو لواثا الأصغر بن لواثا الأكبر ابن رحيك بن مادغش الأبتر بن بربر قال الحمداني وهم يقولون إنهم من قيس من غطفان بن سعد بن قيس عيلان وذكر عن بعض النسابين أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام وأنه تزوج امرأة من العماليق فولدت له أولادا منهم لواثة
وحكى ابن حزم عن بعض النسابة أن لواثة من القبط ثم قال وليس

بصحيح قال الحمداني ولهم بمصر بطون كثيرة ومنهم بنو بلار وجد وخاص وبنو مجدول وبنو جديدي وقطوفة وبركين ومالو ومزورة قال وبنو جديدي تجمع أولاد قريش وأولاد زعازع وهم أشهر من في الصعيد وقطوفة تجمع مغاغة وواهلة وبركين تجمع بني زيد وبني روحين ومزورة تجمع بني وركان وبني غرواسن ثم قال فأما بنو بلار ففرقتان فرقة بالبهنسائية وهم بنو محمد وبنو علي وبنو نزار ونصف بني شهلان
وأما الفرقة التي بالجيزية فبنو مجدول وسقارة وبنو أبي كثير وبنو الحلالس قال ويقال لهذه الفرقة جد وخاص ويقال للأولى البلارية ومنهم مغاغة ولهم سملوط إلى الساقية ولبني بركين قلوسنا وما معها إلى بحري طنبدى ولبني جد وخاص الكفور الصولية وسفط أبو جرجا إلى طنبدى وإهريت ومنهم بنو محمد وبنو علي المقدم ذكرهما وأمراؤهم بنو زعازع
وأما مزورة فبنو وركان وبنو غرواسن وبنو جماز وبنو الحكم وبنو الوليد وبنو الحجاج وبنو الحرمية
وأما بنو نزار فمن بني زرية ومنهم نصف بني عامر والحماسنة والضباعنة وهم في إمارة بني زعازع ومنهم أيضا بنو زيد وأمراؤهم أولاد قريش ومساكنهم النويرة وبالجيزة منهم صلامس عرب البدرشين وبنو منصور عرب منية رهينة وبنو بكم عرب سقارة وبنو مجدول وبنو

يرني وبنو يوسف وبهم تعرف الكفور الثلاثة المسماة باسمهم وبالمنوفية منهم بنو يحي والسوة وعبيد ومصلة وبنو مختار ومن لواثة هؤلاء زنارة بضم الزاي وتشديد النون وألف ثم راء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر وهم بنو زنارة من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام وقال إنه أخو هوارة وأكثر زنارة ببلاد المغرب ومنهم جماعة بالبحيرة وجماعة بالمنوفية وقد عد الحمداني من بطونهم بالبحيرة بني مزديش وهم مزادشة وبني صالح وبني سام وزمران وأوريغة وعزهان ولقان وزاد بعضهم بني حبون وواكدة وفرطيطة وغرجومة وطازولة ونفاث وناطورة وبني السعوية ومزداشة وبني أبي سعيد وهم عرب بدر بن سلام ومن لواثة أيضا مزاتة بضم الميم وفتح الزاي والتاء المثناة فوق وهاء في الآخر وهم بنو مزاتة بن لواثة الأصغر ومنازلهم من البحيرة غربا إلى العقبة الكبيرة ببرقة

المقصد الثالث في معرفة أنساب العجم
وهم من عدا العرب من الفرس والترك والروم وغيرهم ويحتاج إلى ذلك في المكاتبات إلى ملوكهم وعقد الهدن معهم ونحو ذلك
والمشهور من الأمم العجمية ست وعشرون أمة
الأولى الترك بضم التاء المثناة فوق وسكون الراء المهملة وكاف في الآخر وهم الأمة المشهورة الذين منهم ملوك الديار المصرية الآن وهم من بني ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه السلام وقيل من بني طيراش بن يافث ونسبهم ابن سعيد إلى ترك بن عابر بن شمويل بن يافث قال في العبر ويدخل في جنس الترك القفجاق وهم الخفشاج والطغرغر وهم التتر ويقال فيهم التتار بزيادة ألف والططر بإبدال التاء طاء والخطا والخزلخية والخزر وهم الغز الذين كان منهم ملوك السلاجقة

والهياطلة وهم الصغدر والغور والعلان ويقال اللان والشركس والأزكش والروس فكلهم من جيل الترك ونسبهم داخل في نسبهم
الثانية الجرامقة بفتح الجيم وكسر الميم وفتح القاف وهاء في الآخر وهم أهل الموصل في الزمن القديم قال ابن سعيد وهم من ولد جرموق بن أشور بن سام بن نوح عليه السلام وقال غيره من ولد كاثر بن إرم بن سام
الثالثة الجيل بكسر الجيم وسكون المثناة تحت ولام في الآخر وهم أهل كيلان من بلاد الشرق قال ابن سعيد وهم من بني باسل بن أشور بن سام بن نوح عليه السلام
الرابعة الخزر بفتح الخاء والزاي المعجمتين وراء مهملة في الآخر وهم التركمان في الإسرائيليات أنهم من ولد توغربحا بن كومر بن يافث بن نوح وقيل هم من بني طيراش بن يافث وقيل نوع من الترك
الخامسة الديلم بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وميم في الآخر وهم الذين كان منهم ملوك بني بويه الخارجين على خلفاء بني العباس ببغداد قال في العبر هم من بني ماداي بن يافث بن نوح وقال ابن سعيد من بني باسل بن أشور بن سام بن نوح وقيل هم من العرب وضعفه أبو عبيد
السادسة الروم وضبطهم معروف وهم الأمة المعروفة الذين منهم ملوك القسطنطينية الآن قيل هم من بني كيتم بن يونان وهو يابان بن يافث بن نوح وقيل من ولد رومي بن يونان بن علجان بن يافث بن نوح وقيل من ولد رعويد بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وقال الجوهري من ولد روم بن عيصو بن إسحاق

السابعة السريان بضم السين وسكون الراء المهملتين وفتح الياء المثناة تحت وألف ثم نون قال ابن الكلبي من بني سوريان بن نبيط بن ماش بن آدم بن سام بن نوح
الثامنة السند بكسر السين المهملة وسكون النون ودال مهملة في الآخر في الإسرائيليات أنهم من ولد شبا بن رعما بن كوش بن حام ابن نوح وحكى الطبري عن ابن إسحاق أنهم من بني كوش بن حام
التاسعة السودان وضبطهم معروف قال ابن سعيد جميع أحيائهم من ولد حام بن نوح ونقل الطبري عن ابن إسحاق أن الحبشة من ولد كوش بن حام والنوبة والزنج والزغاوة من ولد كنعان بن حام وذكر ابن سعيد أن الحبشة من بني حبش والنوبة من ولد نوبة أو بني نوبي والزنج من بني زنج ولم يرفع في نسبهم فيحتمل أنهم من بني حام وأنهم من بني غيره
العاشرة الصقالبة بفتح الصاد المهملة وفتح القاف وألف بعدها لام مكسورة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر وهم عند الإسرائيلين من بني بازان بن يافث بن نوح وقيل هم من بني اشكتاز بن توغرما بن كومر بن يافث
الحادية عشرة الصين وضبطهم معروف وقيل هم من بني صيني بن ماغوغ بن يافث بن نوح وقيل من بني طوبال بن يافث وذكر هرشيوش مؤرخ الروم أنهم من بني ماغوغ بن يافث
الثانية عشرة العبرانيون بكسر العين المهملة وسكون الباء الموحدة

وفتح الراء المهملة وألف بعدها نون مكسورة وياء مثناة تحت مشددة مضمومة وواو ساكنة ثم نون وهم الذين يتكلم اليهود بلسانهم إلى الآن قال الطبري وهم من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح
الثالثة عشرة الفرس بضم الفاء وسكون الراء المهملة وسين مهملة في الآخر وهم الذين كان منهم ملوك الأكاسرة قال ابن إسحاق هم من ولد فارس بن لاوذ بن سام بن نوح وقال ابن الكلبي هم من ولد فارس ابن طيراش بن أشور بن سام بن نوح وقيل من ولد طيراش بن همدان ابن يافث بن نوح وقيل من بني أميم بن لاوذ بن سام ووقع للطبري أنهم من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام قال في العبر ولا التفات إلى هذا القول لأن ملك الفرس أقدم من ذلك
الرابعة عشرة الفرنج بفتح الفاء والراء المهملة وسكون النون وجيم في الآخر قيل من ولد طوبال بن يافث وقيل من ولد غطرما بن كومر بن يافث
الخامسة عشرة القبط بكسر القاف وسكون الباء الموحدة وطاء مهملة في الآخر وهم الذين كان منهم أهل مصر في القديم قال إبراهيم بن وصيف شاه هم من بني قبطيم بن قفط بن مصر بن بيصر بن حام ابن نوح وعند الإسرائيليين أنهم من ولد قفط بن حام
السادسة عشرة القوط بضم القاف وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر وهم أهل الأندلس في القديم قال هرشيوش هم من ولد ماغوغ ابن يافث بن نوح وقيل هم من ولد قوط بن حام بن نوح
السابعة عشرة الكرد بضم الكاف وسكون الراء المهملة ودال مهملة

في الآخر وهم الذين كان منهم بنو أيوب ملوك مصر بعد الفاطميين قال في العبر هم من بني إيران بن أشور بن سام بن نوح قال المقر الشهابي ابن فضل الله في كتابه التعريف ويقال في المسلمين الكرد وفي الكفار الكرج وحينئذ فيكون الكرد والكرج نسبا واحدا
الثامنة عشرة الكنعانيون بفتح الكاف وسكون النون وفتح العين المهملة وضم الياء المثناة تحت المشددة وهم الذين كان منهم جبابرة الشام من ولد كنعان بن حام بن نوح
التاسعة عشرة اللمان بلام مفتوحة وميم بعدها ألف ونون وهم الذين كانوا قصدوا سواحل الشام في الدولة الأيوبية ومواطنهم في شمالي البحر الرومي غربا بشمال قال في العبر وهم من ولد طوبال بن يافث بن نوح
العشرون النبط بفتح النون والباء الموحدة وطاء مهملة في الآخر وهم أهل بابل من العراق في الزمن القديم وإليهم تنسب الفلاحة النبطية لابن وحشية قال ابن الكلبي هم من بني نبيط بن ماس بن إرم بن سام بن نوح وقال ابن سعيد هم من بني نبيط بن أشور بن سام بن نوح
الحادية والعشرون الهند وضبطه معروف في الإسرائيليات أنهم من ولد دادان بن رعما بن كوش بن حام ونقل الطبري عن ابن إسحاق أنهم من بني كوش بن حام بن نوح من غير واسطة

الثانية والعشرون الأرمن بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الميم ونون في الآخر وهم أهل أرمينية الذين بقاياهم ببلاد سيس قيل هم من ولد قهويل بن ناحور بن تارخ وهو آزر وتارخ أبو إبراهيم عليه السلام
الثالثة والعشرون الأشبان بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة وألف ثم نون قيل هم من ولد ماشح بن يافث بن نوح وعند الإسرائيليين من ولد ياوان وهو يونان بن يافث وعند آخرين أنهم من شعوب بني عيصو بن إسحاق وقال الطبري أشك أنهم من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق وهو قريب من الذي قبله
الرابعة والعشرون اليونان وهم الأمة الذين كان منهم الحكماء شرقي الخليج القسطنطيني وهم من ولد يونان وهو ياوان بن يافث بن نوح وقال البيهقي هم من ولد يونان بن خلجان بن يافث وشذ الكندي فقال يونان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح فجعل يونان أخا لقحطان أبي عرب اليمن وقال إنه خرج من بلاد العرب مغاضبا لأخيه قحطان فنزل شرقي الخليج القسطنطيني ورد عليه أبو العباس الناشي بقوله
( تخلط يونانا بقحطان ضلة ... لعمري لقد باعدت بينهما جدا )
ثم اليونانية على ثلاثة أصناف اللطينيون وهم بنو لطين بن يونان والإغريقيون وهم بنو إغريقن بن يونان واللكيم وهو بنو اللكيم بن يونان وهي أصل الروم فيما يقال على ما تقدم
الخامسة والعشرون زويلة بضم الزاي وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر وهم أهل برقة في القديم ومنهم الطائفة الذين وصلوا صحبة جوهر المعزي باني القاهرة المنسوب إليهم باب زويلة بالقاهرة يقال إنهم من بني حوبلا بن كوش بن حام بن نوح

السادسة والعشرون يأجوج ومأجوج وضبطهما معروف قيل إنهم من ولد ماغوغ بن يافث بن نوح وقيل من ولد كومر بن يافث

النوع الثالث عشر المعرفة بمفاخرات الأمم ومنافراتهم وما جرى بينهم في
ذلك من المحاورات والمراجعات والمناقضات وفيه مقصدان
المقصد الأول في بيان وجه احتياج الكاتب إلى ذلك
لا خفاء أنه يتعين على الكاتب معرفة المفاخرات الواقعة بينهم من معرفة وجوه الافتخار التي يمدح بمثلها مما يستعان بمثله على المدح والإطراء الواقع في الولايات وما يفضل به كل واحد من البلغاء على خصمه وما يرد عليه من الأجوبة المبطلة له لينسج على منوال ذلك فيما يرد عليه من المخاطبات والمكاتبات عند دعاية ضرورته إليه واحتياجه إلى إيراده
المقصد الثاني في ذكر أنموذج من المفاخرات والمنافرات ينسج على منواله
فأما المفاخرات فمنها ما روي أنه لما وفد على رسول الله وفد بني تميم سنة الوفود بعد فتح مكة فيهم عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي وقيس بن عاصم وقيس بن الحارث ونعيم بن زيد وعتبة ابن حصن بن حذيفة بن بدر والأقرع بن حابس في لفهم ولفيفهم ودخلوا المسجد ونادوا رسول الله من وراء حجراته أن اخرج إلينا يا محمد فتأذى رسول الله من صياحهم فخرج إليهم فقالوا يا محمد جئناك

لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا قال قد أذنت لخطيبكم فليقل فقام عطارد ابن حاجب فقال
الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل منها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددا وأشده عدة فمن مثلنا في الناس ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددناه وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكنا تنحينا عن الإكثار وأقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا ثم جلس
فقال رسول الله لثابت بن قيس الخزرجي قم فأجب الرجل في خطبته فقام ثابت بن قيس فقال
الحمد الله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه ولم يكن شيء قط إلا من فعله ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا وأصدقه حديثا وأفضله حسبا فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه وكان ذخيره من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس أحسابا وأحسنهم وجوها وخير الناس فعالا ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله نحن فنحن أنصار الله ووزراء رسول الله نقاتل الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله ورسوله متع بماله ودمه

ومن كفر جاهدناه في الله أبدا وكان قتله علينا يسيرا أقول هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم
فقام الزبرقان بن بدر التميمي فقال
( نحن الكرام فلا حي يفاخرنا ... منا الملوك وفينا تنصب البيع )
( وكم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب وفضل العز يتبع )
( ونحن نطعم عند القحط مطعمنا ... من الشواء إذا لم يونس القزع )
وهي أبيات
فقال رسول الله لحسان بن ثابت قم فأجب الرجل فيما قال فقال حسان رضي الله عنه
( إن الذوائب من فهر وإخوتهم ... قدبينوا سنة للناس تتبع )
( يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله وكل الخير يصطنع )
( قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا )
( سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع )
( إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع )
( لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم ... عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا )
( أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفاوتت الأهواء والشيع )
وهي أبيات
ويروى أن الزبرقان بن بدر قال
( أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا ... إذا اختلفوا عند احتضار المواسم )
( فإنا فروع الناس في كل موطن ... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم )
( وإنا بدور العالمين إذا انتخوا ... ونضرب رأس الأصيد المتفاقم )

( وإنا لنا المرباع في كل غارة ... نغير بنجد أو بأرض الأعاجم ) فقام حسان بن ثابت فأجابه فقال
( هل المجد إلا السودد العود والندى ... وجاه الملوك واحتمال العظائم )
( نصرنا وآوينا النبي محمدا ... على أنف راض من معد وراغم )
( نصرناه لما حل وسط ديارنا ... بأسيافنا من كل باغ وظالم )
( جعلنا بنينا دونه وبناتنا ... وطبنا له نفسا بفيء المغانم )
( ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا ... على دينه بالمرهفات الصوارم )
( ونحن ولدنا من قريش عظيمها ... ولدنا نبي الخير من آل هاشم )
( بني دارم لا تفخروا إن فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم )
( هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول من بين ظئر وخادم )
( فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم )
( فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ... ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم )
فلما فرغ حسان من قوله قال الأقرع بن حابس وأبي إن هذا الرجل مراد لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواته أعلى من أصواتنا فأسلموا وأحسن رسول الله جوائزهم
ففي هذا الوفد نزل ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم )
قلت وهذه مكابرة ظاهرة وتجاهل فاحش من بني تميم حيث طلبوا المفاخرة مع رسول الله وكل العرب على اختلاف شعوبهم وتتابع قبائلهم معترفون لبني هاشم بالسبق في الشرف والتقدم في الفضل مع ما

فضل الله تعالى به رسوله وخصه به من رفيع الشرف الذي لم يبلغه نبي مرسل ولا ملك مقرب
وقد تعرض أبو نواس في بعض أشعاره لمدح بني تميم وبالغ في فخرهم فأفحش فقال
( خزيمة خير بني خازم ... وخازم خير بني دارم )
( ودارم خير تميم وما ... مثل تميم في بني آدم )
ونقضه عليه الشيخ فتح الدين بن سيد الناس اليعمري فقال رحمه الله فأجاد القول وفاز بالقدح المعلى فقال
( محمد خير بني هاشم ... فمن تميم وبنو دارم )
( وهاشم خير قريش وما ... مثل قريش في بني آدم )
وهو مأخوذ من قول الأول
( قريش خيار بني آدم ... وخير قريش بنو هاشم )
( وخير بني هاشم أحمد ... رسول الإله إلى العالم )
وإليه ينظر قول ابن عرسية
( لله مما قد برا صفوة ... وصفوة الخلق بنو هاشم )
( وصفوة الصفوة من بينهم ... محمد النور أبو القاسم )
ولقد أنصف إسحاق بن إبراهيم الموصلي حيث قال
( إذا مضر الحمراء كانت أرومتي ... وقام بنصري خازم وابن خازم )
( عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثريا قاعدا غير قائم )

فإنه جعل مضر التي هي أرومة رسول الله أصل فخره وقعدد سؤدده فأصاب الفخر في قوله وفاز بالشرف في شعره
قال المولى صلاح الدين الصفدي رحمه الله في شرح لامية العجم وإنما ذكر خازما لأنه مولى خزيمة بن خازم التميمي وإنما نزل أبوه الموصل فنسب إليها
ومن لطيف ما يحكى أن معاوية بن أبي سفيان كان جالسا وعنده جماعة من الأشراف فقال معاوية من أكرم الناس أبا وأما وجدا وجدة وعما وعمة وخالا وخالة فقام النعمان بن العجلان الزرقي بعدما أخذ بيد الحسن فقال هذا أبوه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة وجده رسول الله وجدته خديجة وعمه جعفر وعمته أم هانيء ابنة أبي طالب وخاله القاسم وخالته زينب فهذا هو الشرف الذي لا يدانى والفضل الذي لا يبارى
( وقريب من ذلك ما يحكى أنه جرى بين عبد الله بن الزبير وبين معاوية كلام طويل في آخره فقال ابن الزبير ما مثلي يهارش ولكن عندك من قريش والأنصار ومن ساكني الحجون والآطام من إن سألته حملك على

محجة أبين من ظهر الجفير قال ومن ذلك قال هذا يعني أبا الجهم بن حذيفة فقال معاوية تكلم يا أبا الجهم فقال أعفني فقال عزمت عليك لتقولن قال نعم أمك هند وأمه أسماء بنت أبي بكر وأسماء خير من هند وأبوك أبو سفيان وأبوه الزبير ومعاذ الله أن يكون أبو سفيان مثل الزبير وأما الدنيا فلك وأما الآخرة فله إن شاء الله تعالى
ومن ذلك ما حكاه ابن الكلبي قال قال كسرى للنعمان بن المنذر يوما هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة قال نعم قال فبأي شيء قال من كانت له ثلاثة آباء متوالية رؤساء ثم اتصل ذلك بكمال الرابع فالبيت من قبيلته فيه وينسب إليه قال فاطلب ذلك فطلبه فلم يصبه إلا في آل حذيفة بن بدر وآل حاجب بن زرارة وآل ذي الجدين وآل الأشعث بن قيس ابن كندة قال فجمع هؤلاء الرهط ومن تبعهم من عشائرهم وأقعد لهم الحكام والعدول وقال ليتكلم كل رجل منكم بمآثر قومه وليصدق فكان حذيفة بن بدر الفزاري أول متكلم وكان ألسن القوم فقال قد علمت العرب أن فينا الشرف الأقدم والأعز الأعظم ومأثرة للصنيع الأكرم فقال من حوله ولم ذاك يا أخا فزارة فقال ألسنا الدعائم التي لا ترام والعز الذي لا يضام قيل صدقت ثم قام شاعرهم فقال

( فزارة بنت العز والعز فيهم ... فزارة قيس حسب قيس نضالها )
( لها العزة القعساء والحسب الذي ... بناه لقيس في القديم رجالها )
( فهيهات قد أعيا القرون التي مضت ... مآثر قيس مجدها وفعالها )
( وهل أحد إن هز يوما بكفه ... إلى الشمس في مجرى النجوم ينالها )
( فإن يصلحوا يصلح لذاك جميعها ... وإن يفسدوا يفسد من الناس حالها )
ثم قام الأشعث الكندي وإنما أذن له أن يقوم قبل ربيعة وتميم لقرابته من النعمان بن المنذر فقال قد علمت العرب أنا نقاتل عديدها الأكثر وزحفها الأكبر وإنا لغياث الكرات ومعدن المكرمات قالوا ولم يا أخا كندة قال لأنا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه وتقلدنا منكبه الأعظم وتوسطنا بحبوحه الأكرم ثم قام شاعرهم فقال
( إذا قست أبيات الرجال ببيتنا ... وجدت لنا فضلا على من يفاخر )
( فمن قال كلا أو أتانا بخطة ... ينافرنا فيها فنحن نخاطر )
( تعالوا قفوا كي يعلم الناس أينا ... له الفضل فيما أورثته الأكابر )
ثم قام بسطام الشيباني فقال قد علمت العرب أنا بناة بيتها الذي لا يزول ومغرس عزها الذي لا يحول قالوا ولم يا أخا شيبان قال لأنا أدركهم للثار وأضربهم للملك الجبار وأقومهم للحكم وألدهم للخصم ثم قام شاعرهم فقال
( لعمري بسطام أحق بفضلها ... وأول بيت العز عز القبائل )
( فسائل أبيت اللعن عن عز قومها ... إذا جد يوم الفخر كل مناقل )
( ألسنا أعز الناس قوما ونصرة ... وأضربهم للكبش بين القبائل )
( وقائع عز كلها ربعية ... تذل لها عزا رقاب المحافل )

( إذا ذكرت لم ينكر الناس فضلها ... وعاذ بها من شرها كل وائل )
( وإنا ملوك الناس في كل بلدة ... إذا نزلت بالناس إحدى الزلازل )
ثم قام حاجب بن زرارة التميمي فقال قد علمت معد أنا فرع دعامتها وقادة زحفها قالوا ولم ذاك يا أخا بني تميم قال لأنا أكثر الناس عديدا وأنجبهم طرا وليدا وأنا أعطاهم للجزيل وأحملهم للثقيل ثم قام شاعرهم فقال
( لقد علمت أبناء خندف أننا ... لنا العز قدما في الخطوب الأوائل )
( وأنا كرام أهل مجد وثروة ... وعز قديم ليس بالمتضائل )
( فكم فيهم من سيد وابن سيد ... أغر نجيب ذي فعال ونائل )
( فسائل أبيت اللعن عنا فإننا ... دعائم هذا الناس عند الجلائل )
ثم قام قيس بن عاصم السعدي فقال لقد علم هؤلاء أنا أرفعهم في المكرمات دعائم وأثبتهم في النائبات مقادم قالوا ولم ذاك يا أخا بني سعد قال لأنا أدركهم للثار وأمنعهم للجار وأنا لا ننكل إذا حملنا ولا نرام إذا حللنا ثم قام شاعرهم فقال
( لقد علمت قيس وخندف أننا ... وجل تميم والجميع الذي ترى )
( بأنا عماد في الأمور وأننا ... لنا الشرف الضخم المركب في الندى )
( وأنا ليوث الناس في كل مأزق ... إذا جز بالبيض الجماجم والطلى )
( فمن ذا ليوم الفخر يعدل عاصما ... وقيسا إذا مرت ألوف إلى العلا )
( فهيهات قد أعيا الجميع فعالهم ... وقاموا بيوم الفخر مسعاة من سعى )
فقال كسرى حينئذ ليس منهم إلا سيد يصلح لموضعه وأسنى حباءهم وأعظم صلاتهم وكرم مآبهم

قال أبو عبيدة كانت العرب تعد البيوتات المشهورة بعظم القدر والشرف تعد بيت هاشم بن عبد مناف وتعد أربعة أولها بيت آل حذيفة ابن بدر وبيت آل زرارة الدراميين بيت بني تميم وبيت آل ذي الجدين عبد الله بن عمرو بن الحارث بن هشام بيت بني شيبان وبيت بني الديان من بني الحارث بن كعب بيت اليمن قال فأما كندة فلا يعدون في البيوتات إنما كانوا ملوكا
واعلم أن المفاخرة قد تكون بحقيقة الحسب وقد تقوم فيها الفصاحة واللسن مقام الحسب كقول أبي تمام الطائي يفتخر
( أنا ابن الذين استرضع المجد فيهم ... وسمي فيهم وهو كهل ويافع )
( مضوا وكأن المكرمات لديهم ... لكثرة ما وصوا بهن شرائع )
( فأي يد في المجد مدت فلم يكن ... لها راحة من مجدهم وأصابع )
( هم استودعوا المعروف محفوظ مالنا ... فضاع وما ضاعت لدينا الودائع )
وقوله أيضا
( جرى حاتم في حلبة منه لو جرى ... بها القطر شأوا قيل أيهما القطر )
( فتى ذخر الدنيا أناس ولم يزل ... لها باذلا فانظر لمن بقي الذخر )
( فمن شاء فليفخر بما شاء من ندى ... فليس لحي غيرنا ذلك الفخر )
( جمعنا العلا بالجود بعد افتراقها ... إلينا كما الأيام يجمعها الشهر )
قال في شرح اللامية وعند أكثر الناس أن أبا تمام كان أبوه نصرانيا يقال له تدرس العطار من جاسم قرية من قرى حوران من الشام فغير اسم أبيه واندس في بني طيىء وذكر صاحب الأغاني أن رجلا قال لجرير من أشعر الناس قال قم حتى أعرفك الجواب فأخذ بيده وجاء به إلى أبيه عطية وقد أخذ عنزا له فاعتقلها وجعل يمص ضرعها فصاح به اخرج يا أبت فخرج شيخ دميم رث الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته فقال ترى هذا قال نعم قال أو تعرفه قال لا قال هذا أبي أو تدري لم كان

يشرب من ضرع العنز قال لا قال مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه ثم قال اشعر الناس من فاخر بهذا الأب ثمانين شاعرا وقارعهم فغلبهم
قال الصلاح الصفدي ما هذه إلا وقاحة عظيمة من جرير في مفاخرته أولئك الشعراء وهذا أبوه لكنه تغفر له هذه الوقاحة باعترافه لذلك الرجل وإظهار بخل أبيه
وربما كان الافتخار بالتورية والتعريض بالأمور المقتضية للشرف بحيث يظن السامع حقيقة الافتخار والشرف بمجرد السماع فإذا عرف المقصد تبين له خلاف ذلك كقول أبي الحسن الجزار
( الاقل للذي يسأل ... عن قومي وعن أهلي )
( لقد تسأل عن قوم ... كرام الفرع والأصل )
( يريقون دم الأنعام ... في حزن وفي سهل )
( وما زالوا لما يبدون ... من باس ومن بذل )
( يرجيهم بنو كلب ... ويخشاهم بنو عجل )
وقوله أيضا
( إني لمن معشر سفك الدماء لهم ... دأب وسل عنهم من رب تحقيق )
( تضيء بالدم إشراقا قواضبهم ... فكل أيامهم أيام تشريق )
وعلى هذا المنهج ما حكاه بعضهم قال وجدت على قبر مكتوبا أنا ابن من كانت الريح طوع أمره يحبسها إذا شاء ويطلقها إذا شاء قال فعظم في عيني ثم التفت إلى قبر آخر قبالته فإذا عليه مكتوب لا يغتر أحد بقوله فما كان أبوه إلا بعض الحدادين يحبس الريح في كيره إذا شاء ويرسلها إذا

شاء قال فعجبت منهما يتسابان ميتين فإذا طرق السمع شيء من ذلك ظن السامع أنه في غاية الفخر والشرف حتى يعلم حقيقته وأشباه ذلك ونظائره كثيرة وليس هذا موضع استيعاب القول في المفاخرة الحقيقية ولا غيرها
وأما أيام المنافرة وهي المحاكمة في الحسب فمن ذلك ما يحكى أن الأعشى أتى علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وهو يريد سلامة ذو فائش الحميري من التبابعة فسأل الأعشى علقمة أن يتليه أي يجيره فقال له علقمة أتليك على بني الأحوص قال لا يقنعني قال فعلى بني كلاب قال لا يقنعني قال فليس عندي أكثر من هذا فأتى عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب قال قد أتليك على الجن والإنس ثم أتى سلامة فانصرف من عنده بحبائه
وكان عامر وعلقمة المذكوران لما أسن أبو براء وهو عامر بن مالك بن جعفر بن ملاعب الأسنة تنازعا في الرياسة فقال علقمة كانت لجدي الأحوص وإنما صارت لعمك بسببه وقد قعد عمك عنها وأنا استرجعتها فأنا أولى بها منك فشري الشر بينهما وسارا إلى المنافرة وقدم الأعشى على تفيئة ذلك فصار هو ولبيد مع عامر وصار مع علقمة الحطيئة والسندري وتنافرا

فقال عامر لعلقمة والله إني لأكرم منك حسبا وأثبت منك نسبا وأطول منك قصبا
فقال علقمة والله لأنا خير منك ليلا ونهارا
فقال عامر والله لأنا أحب إلى نسائك أن أصبح فيهن منك
فقال علقمة أنافرك إني لبر وإنك لفاجر وإني لولود وإنك لعاقر وإني لعف وإنك لعاهر وإني لواف وإنك لغادر
فقال عامر أنت رجل ولود وأنا رجل عقيم وقد وفيت لبني عمرو بن تميم وقد زعموا أني غدرت بهم وهم كاذبون ولكني أنافرك أنا أنحر منك للقاح وخير منك في الصباح وأطعم منك في السنة الشياح
فقال علقمة أنت رجل تقاتل والناس تزعم أني جبان ولأن تلقى العدو وأنا أمامك أعز لك من أن تلقاهم وأنا خلفك وأنت رجل جواد والناس يزعمون أني بخيل ولست كذلك وأنت تعطي العشيرة إذا ألمت ولكني أنافرك أنا خير منك أثرا وأحد منك بصرا وأشرف منك ذكرا
فقال عامر أنت رجل فان وليس لبني الأحوص فضل على بني مالك في العدد وبصري ناقص وبصرك صحيح ولكني أنافرك أني أسمى منك سمة وأطول منك قمة وأحسن منك لمة وأجعد منك جمة وأسرع منك رحمة وأبعد منك همة
فقال علقمة أنت رجل جسيم وأنا رجل قضيف وأنت جميل وأنا قبيح ولكني أنافرك بآبائي وأعمامي

فقال عامر آباؤك أعمامي ولم أكن لأنافرك فيهم ولكني أنافرك أنا خير منك عقبا وأطعم منك جدبا
فقال علقمة قد علمت أن لك عقبا وقد أطعمت طيبا ولكني أنافرك أني خير منك وأولى بالخير منك
فقال عامر إني والله لأركب منك في الحماة وأقتل منك للكماة وخير منك للموالاة
فقال بعض بني خالد بن جعفر وكانوا يدا مع بني الأحوص على بني مالك بن جعفر إنك لن تطيق عامرا ولكن قل له أنافرك لخيرنا وأقربنا للخيرات
فقال علقمة له ذلك
فقال عامر عير وتيس وعنز فأرسلها مثلا نعم على مائة من الإبل إلى مائة يعطاها الحكم أينا ينفر عليه صاحبه أخرجها ففعلوا ووضعوا بها رهنا من أبنائهم على يدي رجل يقال له خزيمة بن عمرو بن الوحيد فسمي الضمين وصارت علما عليه إلى الآن وخرج علقمة ومن معه من بني خالد وعامر فيمن معه من بني مالك وقد أتى عامر بن الطفيل عمه عامر بن مالك بن جعفر وهو أبو براء فقال يا عماه أعني فقال يا ابن أخي سبني فقال لا أسبك وأنت عمي قال فسب الأحوص فقال عامر ولا أسب والله الأحوص وهو عمي فقال ولكن دونك بعلي فإني قد ربعت فيها أربعين مرباعا فاستعن بها على منافرتك وجعلا منافرتهما إل أبي سفيان بن حرب بن أمية فلم يقل بينهما شيئا وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما وقال لهما أنتما كركبتي

البعير الأدرم وأبى أن يقضي بينهما فانطلقا إلى أبي جهل بن هشام فأبى أن يقضي بينهما فوثب مروان بن سراقة بن قتادة بن عمرو بن الأحوص وكان مع علقمة فقال
( يا لقريش بينوا الكلاما ... إنا رضينا منكم الأحكاما )
( فبينوا إذ كنتم الحكاما ... كان أبونا لهم إماما )
( وعبد عمرو منع الفئاما ... في يوم فخر معلم إعلاما )
( يحسن فيه الكر والإقداما ... ودعلج أقدمه إقداما )
( لولا الذي أجشمتهم إجشاما ... لا تخذتهم مذحج أنعاما )
فأبوا أن يقولوا بينهما شيئا فأتيا غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي فردهما إلى حرملة بن الأشعر المري فردهما إلى هرم بن قطبة بن سنان الفزاري وإنهما ساقا الإبل حتى أشتت وأربعت لا يأتيان أحدا إلا هاب أن يقضي بينهما فوعدهما هرم إلى العام القابل فأتيا للوعد وقال لبيد وكان مع عامر يومئذ يرتجز
( يا هرم وأنت أهل عدل ... هل يذهبن فضلهم لفضلي )
( إن يفخر الأحوص يوما قبلي ... ليذهبن أهله بأهلي )
( لا تجمعن شكلهم وشكلي ... ونسل آبائهم ونسلي )
( قد علموا أنا كرام الأصل ... )

وقال أيضا
( إني آمرؤ من مالك بن جعفر ... علقم قد نافرت غير منفر )
( نافرت سقبا من سقاب العرعر ... )
فقال قحافة بن عوف بن الأحوص بن جعفر
( نهنه إليك الشعر يا لبيد ... واصدد فقد ينفعك الصدود )
( ساد أبونا قبل أن تسودوا ... سوددكم صغيره زهيد )
ثم قال
( إني إذا ما نسي الحياء ... وضاع يوم المشهد اللواء )
( أنمى وقد حق لي النماء ... إلى كهول ذكرها سناء )
( إذ لا تزال حلوة كوماء ... مبقورة لسقبها رغاء )
( لم ينهنا عن نحرها الصفاء ... لنا عليكم سورة ولاء )
( المجد والسؤدد والعطاء ... )
ثم قال
( أنتم عزلتم عامر بن مالك ... في سنوات مضر الهوالك )
( يا شر أحياء وشر هالك ... )
وكان السندري مع علقمة فارتفع صوته فقيل من ذا فقال
( أنا لمن أنكر صوتي السندري ... أنا الفتى الجعد الطوال الجعفري )
( من ولد الأحوص أخوالي غني ... )

فقال عامر للبيد أجبه فرغب عن إجابته وكان السندري يقال لجدته عيساء وكانت أمة لفاختة ابنه جعفر بن كلاب امرأة شريح بن الأحوص فوقع عليها شريح فولدت له زبان ويزيد وشهابا فقال لبيد
( لما دعاني عامر لأسبهم ... أبيت وإن كان ابن عيساء ظالما )
( ألا أينا ما كان شرا لمالك ... فلا زال يلقى في الحياة الملاوما )
( لكيلا يكون السندري نديدنا ... وأشتم أعماما عموما عماعما )
( وأنشر من تحت القبور أبوة ... كراما هم شدوا علي التمائما )
( لعبت على أكتافهم وحجورهم ... وليدا وسموني وليدا وعاصما )
( بلى أينا ما كان شرا لمالك ... فلا زال في الدنيا ملوما ولائما )
ووثب الحطيئة فقال
( ما يحسن الحكام بالفصل بعدما ... بدا سابق ذو غرة وحجول )
حتى أتى قصيدة كاملة ثم قال
( يا عام قد كنت ذا باع ومكرمة ... لو أن مسعاة من جاريته أمم )
وأقام القوم على ذلك أياما فأرسل هرم إلى عامر فأتاه سرا لا يعلم به أحد فقال يا عامر كنت أحسب أن لك رأيا وأن فيك خيرا وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك أتنافر رجلا لا تفخر أنت ولا قومك إلا بآبائه فما الذي أنت به خير منه فقال عامر أنشدك الله والرحم أن لا تفضل علي علقمة فو الله لئن فعلت لا أفلح بعدها أبدا هذه ناصيتي لك فاجززها وآحتكم في مالي فإن كنت لا بد فاعلا فسو بيني وبينه فقال أنصرف فسوف أرى رأيي فخرج عامر وهو لا يشك أنه سيفضله عليه ثم أرسل إلى علقمة

سرا وقال له مثل ما قال لعامر فرد عليه علقمة بما رد به عامر وانصرف وهو لا يشك أنه ينفر عامرا عليه ثم أن هرما أرسل إلى أخيه وبني أخيه إني قائل غدا بين هذين الرجلين مقالة فإذا فرغت فليطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن علقمة وليطرد بعضكم مثلها فلينحرها عن عامر وفرقوا بين الناس أن لا يكون لهم جماعة وأصبح هرم فجلس مجلسه وأقبل الناس وأقبل علقمة وعامر حتى جلسا فقال لبيد
( يا هرم ابن الأكرمين منصبا ... إنك قد وليت أمرا معجبا )
( فاحكم وصوب رأي من تصوبا ... إن الذي كنت عليه ترتبا )
( لخيرنا خالا وأما وأبا ... وعامر خيرهما مركبا )
( وعامر أدنى لقيس نسبا ... )
فقال هرم إنكما يا بني جعفر قد تحاكمتما عندي وأنتما كركبتي البعير الفحل تقعان الأرض معا فليس منكما واحد إلا وفيه ما ليس في صاحبه وكلاكما سيد كريم فعمد بنو هرم وبنو أخيه إلى تلك الجزر فنحروها حيث أمرهم هرم وفرقوا بين الناس ولم يفضل هرم واحدا منهما على صاحبه وكره أن يجلب بذلك شرا على الفئتين وهما آبنا عم فلما رأى ذلك الأعشى خرج وهو يقول
( شاقك من قتلة أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر )
( وقد رآها وسط أترابها ... في الحي ذي البهجة والثامر )
( إذ هي مثل الغصن هيالة ... تروق عيني ذي الحجا الزائر )
( كدمية صور محرابها ... بمذهب في مرمر مائر )
( تشفي غليل النفس لاه بها ... حوراء تسبي نظر الناظر )
( عهدي بها في الحي قد سربلت ... هيفاء مثل المهرة الضامر )

( ممشوقة القد غلامية ... موصوفة بالخلق الطاهر )
( قد نهد الثدي على نحرها ... في مشرق ذي صبح نائر )
( لو أسندت ميتا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر )
( حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر )
( علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر )
( والفارس الخيل بخيل إذا ... ثار غبار الكبة الثائر )
( سدت بني الأحوص لم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر )
( إن الذي فيه تماريتما ... بين للسامع والناظر )
( حكمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر )
( لا يأخذ الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر )
( فأعجب الدهر متى سويا ... كم ضاحك من ذا ومن ساخر )
( فاقن حياء أنت ضيعته ... مالك بعد الشيب من عاذر )
( ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر )
( أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر )
( علقم لا تسعفه ولا تجعلن ... عرضك للوارد والصادر )
( قد قلت قولا فقضى بينكم ... واعترف المنفور للنافر )
وعاش هرم حتى أدرك خلافة عمر رضي الله عنه فقال يا هرم أي الرجلين كنت مفضلا لو فعلت فقال لو قلت ذلك اليوم يا أمير المؤمنين عادت جذعة ولبلغت شعفات هجر فقال عمرو رضي الله عنه نعم مستودع السر أنت يا هرم مثلك فليستودع العشيرة أسرارهم وإلى مثلك فليستبضع القوم أحكامهم
قال أبو عبيدة ومات علقمة بحوران وهو والي عمر بن الخطاب وأما

عامر بن الطفيل فأصابته دعوة رسول فأصابته الغدة ومات في بيت سلولية فقال أغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية
وفي هذه القصة مقنع في المنافرة عن غيرها وفي كتاب الريحان والريعان لبعض الأندلسيين جملة من هذه المفاخرات والمنافرات

النوع الثالث عشر المعرفة بأيام الحروب الواقعة وفيه ثلاثة مقاصد
المقصد الأول في وجه احتياج الكاتب إلى ذلك
قد ذكر في حسن التوسل أن الكاتب يحتاج إلى معرفة أيام العرب وتسمية الأيام التي كانت بينهم ومعرفة يوم كل قبيلة على الأخرى وما جرى بينهم من الأشعار والمناقضات وذكر فارس مشهور أو ملك مذكور أو واقعة معينة لشخص خاص وما ادعاه كل منهم لنفسه أو ليومه لما في ذلك من العلم بما يستشهد به من واقعة قديمة أو يرد عليه في مكاتبة من ذكر يوم مشهور أو فارس معين ونحو ذلك مما مضى عليه أمر الجاهلية أو حدث في الإسلام فإن الكاتب إذا لم يكن عارفا بالوقائع عالما بما جرى منها لم يدر كيف يجيب عما يرد عليه من مثلها ولا ما يقول إذا سئل عنها
المقصد الثاني في ذكر أيام من ذلك ترشد إلى معرفة المقصد منه
ومن أشهرها ذكرا وأعظمها حربا يوم خزاز خزاز اسم جبل بين البصرة ومكة كانت الواقعة عنده فعرفت به وكانت الحرب فيه بين بني

ربيعة الفرس وهو ربيعة نزار وبين قبائل اليمن وكانت الغلبة فيه لبني ربيعة فقتلوا من قبائل اليمن خلقا كثيرا وكان قائد ربيعة كليب بن ربيعة قد ملك بني وائل ( واسمه وائل وكليب لقب عليه ) وهو من ربيعة الفرس وكان قد ملك على بني معد وقبائل جموع العرب وهزمهم وعظم شأنه وبقي زمانا من الدهر ثم داخله زهو شديد وبغى على قومه فصار يحمي عليهم مواقع السحاب ولا يرعى حماه ويقول وحش أرض كذا في جواري فلا يصاد ولا ترد إبل مع إبله ولا توقد نار مع ناره وبقي كذلك حتى قتله جساس بن مرة الوائلي أيضا ولما قتل كليب توالت الحروب بسبب قتله بين بني تغلب وبين بكر ابني وائل وكان قائد بني تغلب مهلهل أخو كليب وقائد بني بكر مرة أبو جساس المقدم ذكره فكان بينهم يوم عنيزة وتكافأ فيه الفريقان ثم كان بينهم يوم واردات وانتصر فيه بنو تغلب على بكر ثم كان بينهم يوم الحنو وانتصرت فيه بكر على تغلب ثم كان بينهم يوم العصيات وانتصرت فيه تغلب على بكر وأصيب بنو بكر حتى ظنوا أنهم قد بادوا ثم كان بينهم يوم قضة وهو يوم التحالق كثر فيه القتل بين الفريقين في أيام أخر لم يشتد فيها القتال
ومن أيام غيرهم المشهورة يوم عين أباغ وعين أباغ موضع يقال له ذات الخيار وكان الحرب فيه بين غسان ولخم وكان قائد غسان الحارث الذي طلب أدرع امريء القيس وقيل غيره وكان قائد لخم

المنذر بن ماء السماء بغير خلاف وفي هذا اليوم قتل المنذر وانهزمت لخم وتبعتهم غسان إلى الحيرة وأكثروا فيهم القتل ويوم مرج حليمة وكان بين غسان ولخم أيضا وكان من أعظم الأيام وأشدها حربا بلغت الجيوش فيه عددا كثيرا وعظم الغبار حتى قيل إن الشمس احتجبت وظهرت الكواكب التي في غير جهة الغبار ويوم الكديد وكان بين كنانة وسليم وانتصرت فيه سليم على كنانة وقتل فيه ربيعة بن مكدم فارس كنانة وبه يضرب المثل في الشجاعة وكان يعقر على قبره في الجاهلية ولم يعقر على قبر غيره ويوم الكلاب الأول والكلاب موضع بين البصرة والكوفة وكان بين الأخوين شراحيل وسلمة ابني الحارث بن عمرو الكندي وشراحيل هو الأكبر وكان معه بكر وائل وغيرهم وسلمة الأصغر وكان معه تغلب وائل وغيرهم واشتد القتال بينهم وانتصر سلمة وتغلب على شراحيل وبكر وانهزم شراحيل وتبعته خيل أخيه فقتلوه ويوم الكلاب الثاني وكان بين بكر ووائل ويوم أوارة وأوارة اسم جبل وكانت الحرب فيه بين المنذر ابن امريء القيس ملك الحيرة وبين منذر وائل بسبب الحيرة وظفر فيه المنذر وأقسم أنه لا يزال يذبحهم حتى يسيل دمهم من رأس أوارة إلى حضيضه وبقي يذبحهم والدم يجمد فسكب عليه ماء حتى سال الدم من رأس الجبل إلى حضيضه وبرت يمينه ويوم رحرحان ورحرحان اسم واد

بالحجاز وكانت الحرب فيه بين الأحوص بن جعفر بن كلاب وبني دارم وبني ماوية وبني معبد بن زرارة وبني تميم وانهزمت فيه بنو تميم ومن معهم وأسر معبد بن زرارة وقصد أخوه لقيط بن زرارة أن يستفكه فلم يقدر وعذبوا معبدا حتى مات ويوم شعب جبلة وشعب جبلة هضبة حمراء بين الشريف والشرف وكان من شأنه أنه لما انقضت وقعة رحرحان المتقدمة ومضى لها سنة وذاك في العام الذي ولد فيه رسول الله استنجد لقيط بن زرارة التميمي بني ذبيان لثأر أخيه فأنجدته وتجمعت بنو تميم غير بني سعد وخرجت معه بنو أسد وسار بهم لقيط إلى بني عامر وبني عبس في طلب ثأر أخيه معبد فأدخلت بنو عامر وبنو عبس أموالهم في شعب جبلة فحضرهم لقيط فخرجوا عليه من الشعب وكسروا جمائع لقيط وقتلوا لقيطا وأسروا أخاه حاجب بن زرارة وانتصرت بنو عامر وبنو عبس نصرا عظيما وقتل أيضا من بني ذبيان وبني تميم ومن بني أسد جماعة مستكثرة وكان هذا اليوم من أعظم أيامهم ويوم ذي قار وهو أقرب الوقائع المشهورة في الجاهلية عهدا وكان في سنة أربعين من مولد رسول الله وقيل عام بدر
وكان من حديثه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة فحبسه فهلك في الحبس وكان النعمان قد أودع حلقته وهي السلاح والدروع عند هانىء بن مسعود البكري فأرسل أبرويز يطلبها من هانىء فقال هذه أمانة والحر لا يسلم أمانته وكان أبرويز لما أمسك النعمان جعل مكانه في ملك الحيرة إياس بن قبيصة الطائي فاستشار أبرويز إياسا فقال إياس المصلحة التغافل عن هانىء بن مسعود حتى يطمئن ونتبعه

فندركه فقال أبرويز إنه من أخوالك لا تألوه نصحا فقال إياس رأي الملك أفضل فبعث أبرويز الهزبران في ألفين من الأعاجم وبعث ألفا من بهراء فلما بلغ بكر بن وائل خبرهم أتوا مكانا من بطن ذي قار فنزلوه ووصلت إليهم الأعاجم واقتتلوا ساعة فانهزمت الأعاجم هزيمة قبيحة فيروى أن النبي خبر بذلك أصحابه فقال اليوم أول يوم انتصف فيه العرب من العجم وبي نصروا
ولأبي عبيدة مصنف مفرد في أيام العرب وقد أورد منها ابن عبد ربه في كتاب العقد جملة مستكثرة وفي آخر كتاب الأمثال للميداني نبذة محررة من ذلك وليس بنا حاجة إلى استيعابها هنا
وأما الحروب الواقعة في صدر الإسلام فمنها وقعة الجمل وكانت بين علي كرم الله وجهه ومعه أهل الكوفة وبين عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وكانت راكبة يومئذ على جمل اسمه عسكر وبه عرفت الوقعة وقتل بين الفريقين خلق كثير وكانت النصرة فيه لعلي ومن معه
ومنها وقعة صفين وكان بين علي كرم الله وجهه ومعه أهل العراق وبين معاوية بن أبي سفيان ومعه أهل الشام وكان ابتداؤها في سنة ست وثلاثين وكان مدة مقامهم بصفين مائة وعشرة أيام أوقعوا فيها وقعات كثيرة قيل تسعين وقعة وكانت عدة القتلى بينهم فيما يقال من أهل الشام خمسة وأربعين ألفا ومن أهل العراق ستة وعشرين ألفا منهم ستة وعشرون من أهل بدر وكان عمار بن ياسر مع علي رضي الله عنه وقاتل حتى قتل وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله قال يقتل عمارا الفئة الباغية ومضت

عليهما مدة وعلي رضي الله عنه على العراق ومعاوية على الشام ومصر إلى أن قتل علي رضي الله عنه
ولا حاجة بنا إلى الخوض في أكثر من ذلك فإن ذلك محمول على اجتهادهم والإمساك عما شجر بينهم واجب
ومنها وقعة مرج راهط وكان من حديثها أنه لما هلك يزيد بن معاوية كان سعيد بن بحدل على قنسرين فوثب عليه زفر بن الحارث فأخرجه منها وبايع عبد الله بن الزبير فلما قعد زفر على المنبر قال الحمد لله الذي أقعدني مقعد الغادر الفاجر وحصر فضحك الناس من قوله وكان حسان بن بحدل على فلسطين والأردن فاستعمل على فلسطين روح ابن زنباع الجذامي ونزل هو الأردن فوثب ناتل بن قيس الجذامي على روح ابن زنباع فأخرجه من فلسطين وبايع ابن الزبير وكان النعمان بن بشير على حمص فبايع لابن الزبير وكان الضحاك بن قيس على دمشق فجعل يقدم رجلا ويؤخر أخرى فقدم عليه مروان بن الحكم فقال الضحاك هل لك أن تقدم على ابن الزبير بيعة أهل الشام قال نعم ووافق على ذلك بنو أمية واليمانيون فلما فشا ذلك أرسل الضحاك إلى بني أمية تصدر إليهم وقال لمروان وعمرو بن سعيد اكتبوا إلى حسان بن بحدل فيسير من الأردن حتى ينزل الجابية ونسير نحن من هنا حتى نلقاه فننظر هناك رجلا ترضونه فلما استقلت رايات الضحاك من دمشق قالت القيسية لا نصحبك دعوتنا إلى بيعة ابن الزبير وهو رجل هذه الأمة فلما بايعناك خرجت تابعا لهذه الأعراب بني كلب فأجابهم إلى إظهار بيعة ابن الزبير وسار حتى نزل مرج راهط وأقبل حسان حتى لقي مروان فسار مع مروان حتى لقوا الضحاك وهم نحو من

سبعة آلاف والضحاك في نحو ثلاثين ألفا واقتتلوا فقتل الضحاك وقتل معه أشراف من قريش

المقصد الثالث في كيفية استعمال الكاتب ذكر هذه الوقائع في كلامه
لا يخفى أن الكاتب المترشح للكتابة إذا كان من المعرفة بأيام الحرب والعلم بتفاصيل أخبارها ومن يعد من فرسان حروبها ومصاقع خطبائها ومفلقي شعرائها وما جرى بينهم في ذلك من الخطب والأشعار والمناقضات كان مستعدا لما يستشهد به من واقعة قديمة أو يرد عليه في مكاتبة أو شعر من ذكر أيام مشهورة أو ذكر فارس معين كما قال أبو تمام الطائي يمدح بني شيبان
( إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... وزادت على ما وطدت من مناقب )
( فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب )
يشير إلى أن حاجب بن زارة التميمي وفد على كسرى في سنة جدب فقال الحاجب من أنت قال رجل من العرب فلما دخل على كسرى قال له من أنت قال سيد العرب قال ألم تقل بالباب إنك رجل من العرب قال كنت بالباب رجلا منهم فلما حضرت بين يدي الملك سدتهم فملأ فمه درا وشكا إليه محل الحجاز وطلب منه حمل ألف بعير برا على أن يعيد قيمتها فقال وما ترهنني على ذلك قال قوسي فاستعظم همته وقال قبلت وأعطاه حمل ألف بعير برا ومات حاجب فأحضر بنوه المال بعد موته وطلبوا منه قوس أبيهم فافتخرت تميم بذلك فأشار أبو تمام في بيتيه إلى هذه المنقبة يقول يا بني شيبان في يوم ذي قار أبدتم جيوش كسرى الذي استرهن قوس حاجب

وكما قال أبو نصر الفتح بن خاقان في خطبة كتابه قلائد العقيان لو جاوره كليب ما طرق حماه أو استجار به أحد من الدهر حماه أو كان بوادي الأخرم لطاف به ربيعة وأحرم أو استنجده الكندي ما كساه الملاءة أو كان حاضرا بسطام لما خر على الألاءه
وكما قلت في المفاخرة بين السيف والقلم عند التعرض لذكر المقر الزيني أبي يزيد الدوادار الذي من أجله وضعت فلو لقيه فارس عبس لولى عابسا أو طرق حمى كليب لبات من حماه آيسا أو قارعه ربيعة بن مكدم لعلا بالسيف مفرقه أو نازله بسطام لبدد جمعه وفرقه
إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى وينتظم في هذا السلك
قال في حسن التوسل وإذا لم يكن صاحب هذا الفن عارفا بكل يوم من هذه الأيام عالما بما جرى فيها لم يدر كيف يجيب عما يرد عليه من مثلها ولا ما يقول إذا سئل عنها قال وحسبه ذلك نقصا في صناعته وقصورا عما يتعين عليه من معرفته وحسن الجواب عنه عند السؤال عنه
وأما الوقائع التي وردت في حوادث خاصة بأقوام فقد قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في المثل السائر إنها كالأمثال في الاستشهاد بها وذكر لها أمثلة منها قوله من كتاب ولا يعد البر برا حتى يلحق الغيب بالحضور ويصل من لم يصله بجزاء ولا شكور فزنة الغائب بالشاهد من

كرم الإحسان ولهذا نابت شمال رسول الله عن يمين عثمان يشير إلى أن النبي في بيعة الحديبية كان قد أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة في حاجة ولم يحضر البيعة فضرب رسول الله بيده الشمال على اليمين وقال هذه عن عثمان وشمالي خير من يمينه
ومنها قوله من تقليد لبعض الملوك من ديوان الخلافة وإذا استعنت بأحد على عملك فاضرب عليه بالأرصاد ولا ترض بما عرفته من مبدإ حاله فإن الأحوال تنتقل بنقل الأجساد وإياك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطاب بالربيع بن زياد
يشير بذلك إلى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استدعى أبا موسى الأشعري ومن يليه من العمال وكان منهم الربيع بن زياد الحارثي فذهب الربيع بن زياد إلى بعض موالي عمر وسأله عما يروج عنده وينفق عليه فأشار إلى خشونة العيش فمضى ولبس جبة صوف وعمامة رثاء وخفا مطابقا وحضر بين يديه في جملة العمال فصوب عمر نظره وصعده فلم يقع إلا عليه فأدناه وسأله عن حاله ثم أوصى أبا موسى الأشعري به
ومنها قوله في معارضة كتاب القاضي الفاضل إلى ديوان الخلافة يعدد فيه مساعي الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وما قاساه في الفتوح من الأهوال وهو ومن جملتها ما فعل الخادم في الدولة المصرية وقد قام بها منبر وسرير وقالت منا أمير ومنكم أمير فرد الدعوة العباسية إلى معادها

وأذكر المنابر ما نسيته بها من زهو أعوادها يشير بذلك إلى ماتقدم من اجتماع الأنصار في اليوم الذي مات فيه النبي في سقيفة بني ساعدة إلى سعد بن عبادة وكيف ذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وقال الحباب بن المنذر منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر رضي الله عنه لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى وينتظم في هذا السلك

النوع الرابع عشر في أوابد العرب
وهي أمور كانت العرب عليها في الجاهلية بعضها يجري مجرى الديانات وبعضها يجري مجرى الاصطلاحات والعادات وبعضها يجري مجرى الخرافات وجاء الإسلام بإبطالها وهي عدة أمور
منها الكهانة وكان موضوعها عندهم الإخبار عن أمور غيبية بواسطة استراق الشياطين السمع من السماء وإلقاء ما يستمعونه من الغيبيات إليهم وقد كان في العرب قبل البعثة عدة كهنة تعتمد العرب كلامهم ويرجعون إلى حكمهم فيما يخبرون به
ومن عجيب أخبارهم في ذلك أن هند ابنة عتبة بن ربيعة كانت تحت الفاكه بن المغيرة المخزومي وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن فخلا البيت يوما فاضطجع الفاكه هو وهند فيه ثم نهض الفاكه لبعض حاجته وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رآها ولى هاربا وأبصره الفاكه فأقبل إلى هند فركضها برجله وهي نائمة فانتبهت فقال من ذا الذي خرج من عندك فقالت لم أر أحدا وأنت الذي أنبهتني فقال لها اذهبي إلى بيت أبيك فأقيمي عنده وتكلم الناس فيها فقال له أبوها إنك قد رميت ابنتي

بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرجا في جماعة من قومهما إلى كاهن من كهان اليمن ومعهما هند ونسوة أخر فلما شارفوا بلاد الكاهن قالت هند لأبيها إنكم تأتون بشرا يصيب ويخطىء ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون علي سبة فقال أبوها سأختبره لك فصفر لفرسه حتى أدلى فأدخل في إحليله حبة حنطة وشد عليها بسير فلما دخلوا على الكاهن قال له عتبة إنا قد جئناك في أمر وقد خبأت لك خبأ أختبرك به فانظر ما هو فقال ثمرة في كمرة فقال أريد أبين من هذا فقال حبة بر في إحليل مهر فقال له انظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول انهضي حتى دنا من هند فقال لها انهضي غير رسحاء ولا زانية ولتلدن ملكا اسمه معاوية فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها فجذبت يدها من يده وقالت إليك عني فوالله لأحرص على أن يكون من غيرك فتزوجها أبو سفيان ابن حرب فولدت له معاوية فكان من أمره ما كان إلى أن انتهت به الحال إلى الخلافة وقد أخبر جماعة من الكهنة بمبعث النبي قرب ظهوره منهم سطيح الكاهن وغيره
ولما بعث النبي حرست السماء ومنعت الشياطين من استراق السمع كما أخبر تعالى بقوله ( وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا )
ومنها الزجر والطيرة وهما في معنى واحد وأصله أنهم كانوا إذا أرادوا فعل أمر أو تركه زجروا الطير حتى يطير فإن طار يمينا كان له حكم وإن طار

شمالا كان له حكم وإن طار أماما كان له حكم وإن طار من فوق رأسه كان له حكم ومن ثم سميت الطيرة أخذا من اسم الطير وأكثر ما عولوا عليه من ذلك الغراب ثم تعدوه إلى غير الطير من الحيوان ثم جاوزا ذلك إلى ما يحدث في الجمادات من كسر أو صدع أو نحو ذلك وربما انتهى بعض الزجر إلى حد الكهانة
ومما يحكى من زجر الطير أن رجلا من لهب وهم بطن من العرب يعرفون بالعيافة خرج في حاجة له ومعه سقاء من لبن فسار صدر يومه فعطش فأناخ ليشرب فإذا غراب فنعب فأثار راحلته ثم سار حتى كان وقت الظهيرة أناخ ليشرب فنعب الغراب وتمرغ في التراب فضرب الرجل السقاء بسيفه فإذا فيه ثعبان عظيم فقتله ثم سار فإذا غراب واقع على سدرة فصاح به فوقع على سلمة فصاح به فوقع على صخرة فانتهى إليها فأثار من تحتها كنزا فلما رجع إلى أبيه قال له ما صنعت قال سرت صدر يومي فأنخت لأشرب فنعب الغراب فقال أثر راحلتك وإلا فلست بابني قال فعلت قال ثم ماذا قال سرت حتى وقت الظهيرة فأنخت لأشرب فنعب الغراب وتمرغ في التراب فقال اضرب السقاء وإلا فلست بابني قال فعلت فوقع على صخرة قال أثر ما تحتها وإلا فلست بابني قال فعلت فوجدت كنزا
وقد وردت السنة بإبطال حكم الزجر والطيرة بقوله أقروا الطير في وكناتها وقوله ولا عدوى ولا طيرة واستحسن الفأل فقال ويعجبني الفأل وهي الكلمة الطيبة أسمعها وقد فرق العلماء بين الفأل والطيرة بأن الطيرة تقصد والفأل يأتي من غير قصد
ومنها الميسر وهو ضرب من القمار كانوا يقتسمون به لحم الجزر التي يذبحونها بحسب قداح يضربونها لكل قدح منها نصيب معلوم وهي أحد عشر قدحا سبعة منها لها حظ إن فازت وعليها غرم وإن خابت بقدر مالها من الحظ عند الفوز وأربعة منها تثقل بها القداح لا حظ لها إن فازت ولا غرم

عليها إن خابت فأما السبعة التي لها الحظ إن فازت وعليها الغرم إن خابت فأولها الفذ وهو قدح في صدره حز واحد وله نصيب واحد في الأخذ والغرم والثاني التوأم وفي صدره حزان وله نصيبان في الأخذ والغرم والثالث الضريب ويسمى الرقيب وفيه ثلاثة حزوز وله ثلاثة أنصباء والرابع الحلس وفيه أربعة حزوز وله أربعة أنصباء والخامس النافس وفيه خمسة حزوز وله خمسة أنصباء والسادس المسبل ويسمى المصفح أيضا وفيه ستة حزوز وله ستة أنصباء والسابع المعلى وفيه سبعة حزوز وله سبعة أنصباء وهو أوفرها حظا ولذلك يضرب به المثل في الحظ فيقال قدحه المعلى
وأما الأربعة التي تثقل بها القدح فهي السفيح والمنيح والمضعف والوغد وكان طريقهم في ذلك أن القوم يجتمعون فيشترون جزورا فينحرونها ويفصلونها على عشرة أجزاء ويستهمون فيها على سبعة أنصباء لا أكثر وتسمى الأنصباء فيها الأيسار فإن كانوا أقل من سبعة وأراد أحدهم قدحين أو أكثر أخذ وكان له فوزها وعليه غرمها فإذا جزؤا الجزور على ذلك أتوا برجل يسمونه الحرضة من شأنه أنه لم يأكل لحما قط بثمن ويؤتى بالقداح فتشد مجموعة في قطعة جلد تسمى الربابة ثم يلف الحرضة على يده اليمنى ثوبا لئلا يجد مس قدح له مع صاحبه هوى فيحابيه في إخراجه ثم يؤتى بثوب أبيض يسمى المجول فيبسط بين يدي الحرضة ويقوم على رأسه رجل يسمى الرقيب ويدفع ربابة القداح إلى الحرضة وهو محول الوجه عنها فيأخذ الربابة التي تجمع فيها القداح ويدخل يده تحت الثوب فينكر القداح فإذا نهد فيها قدح يناوله دفعة إلى الرقيب فإذا كان مما لاحظ له رد إلى الربابة فإن خرج بعده المسبل مثلا أخذ الثلاثة الباقية وغرم الذين

خابوا ثلاثة أنصباء من جزور آخر وعلى ذلك أبدا يفعل بمن فاز ومن خاب فربما نحروا عدة جزر ولا يغرم الذين فازوا من ثمنها شيئا وإنما الغرم على الذين خابوا وكان عندهم أنه لا يحل للخائبين أن يأكلوا من ذلك اللحم شيئا فإن فاز قدح الرجل فأرادوا أن يعيدوا قدحه ثانية على خطإ فعلوا ذلك به وقد نظم الصاحب إسماعيل بن عباد أسماء القداح التي لها النصيب فوزا وغرما في أبيات فقال
( إن القداح أمرها عجيب ... الفذ والتوأم والرقيب )
( والحلس ثم النافس المصيب ... والمصفح المشتهر النجيب )
( ثم المعلى حظه الرغيب ... هاك فقد جاء بها الترتيب )
ومنها الأزلام وهي ضرب من الطيرة كانوا إذا أرادوا فعل أمر ولا يدرون ما الأمر فيه أخذوا قداحا مكتوبا على بعضها افعل لا تفعل وعلى بعضها نعم وعلى بعضها لا وعلى بعضها خذ وعلى بعضها سر وعلى بعضها سريع فإذا أراد أحدهم سفرا مثلا أتى سادن الأوثان فيضرب له بتلك القداح ويقول اللهم أيها كان خيرا له فأخرجه فما خرج له عمل به وإذا شكوا في نسب رجل أجالوا القداح وفي بعضها مكتوب صريح وفي بعضها مكتوب ملحق فإن خرج الصريح أثبتوا نسبه وإن خرج الملحق نفوه وإن كان بين اثنين اختلاف في حق سمى كل منهما له سهما وأجالوا القداح فمن خرج سهمه فالحق له وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله ( وأن تستقسموا بالأزلام )
ومنها البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
فأما البحيرة فكانت الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس منها ما لم يكن ذكرا فشقوا أذنها وتركوها فلا يجز لها وبر ولا يحمل عليها

شيء ولا يذكر عليها إن ذكيت اسم الله تعالى وتكون ألبانها للرجال دون النساء
وأما السائبة فكان الرجل يسيب الشيء من ماله بهيمة أو عبدا فيكون حراما أبدا وتكون منافع ذلك للرجال دون النساء
وأما الوصيلة فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع فإن كان ذكرا ذبح وإن كان أنثى تركت في الغنم وإن كان ذكرا وأنثى قيل وصلت أخاها فحرما جميعا وكانت منافعهما ولبن الأنثى منهما للرجال دون النساء
وأما الحام فكان الفحل إذا صار من أولاده عشرة أبطن قالوا حمى ظهره فيترك ولا يحمل عليه شيء ولا يركب ولا يمنع ماء ولا مرعى وقد أخبر الله تعالى ببطلان ذلك بقوله ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام )
ومنها إغلاق الظهر كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة عمد إلى البعير الذي كملت به مائة فأغلق ظهره بأن ينزع شيئا من فقراته ويعقر سنامه كي لا يركب ليعلم أن إبل صاحبه قد أمأت
ومنها التفقئة والتعمية كان الرجل إذا بلغت إبله ألفا فقأ عين الفحل وهي التفقئة فإن زادت على ذلك فقأ العين الأخرى وهي التعمية ويزعمون أن ذلك يدفع العين عن الإبل قال الشاعر
( وهبتها وأنت ذو امتنان ... تفقأ فيها أعين البعران )
ومنها نكاح المقت وهو نكاح زوجة الأب وكان من شأنهم فيه أن

الرجل إذا مات قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها فإن لم يكن له فيها حاجة يزوجها بعض إخوته بمهر جديد فكانوا يتوارثون النكاح كما يرثون المال فأنزل الله تعالى ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) وحرم زوجة الأب بقوله ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) ومن ثم سمي نكاح المقت
ومنها رمي البعرة كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها دخلت حفشا يعني خصا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمضي عليها سنة ثم يؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به أي تتمسح به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج بعد ذلك فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع ما شاءت من طيب أو غيره فنسخ الإسلام ذلك بقوله تعالى ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا )
ومنها وأد البنات وهو قتلهن كانوا يقتلونهن خشية العار وممن فعل ذلك قيس بن عاصم المنقري وكان من وجوه قومه ومن ذوي المال وكان سبب ذلك أن النعمان بن المنذر أغزاهم جيشا فسبوا ذراريهم فأناب القوم وسألوه فيهم فقال النعمان كل امرأة اختارت أباها ردت إليه وكل من اختارت صاحبها تركت معه فكلهن اخترن آباءهن إلا ابنة لقيس بن عاصم فإنها اختارت صاحبها عمرو بن الجموح فنذر قيس أنه لا يولد له ابنة إلا قتلها فكان يقتلهن بعد ذلك وورد القرآن بإعظام ذلك بقوله ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت )
ومنها قتل الأولاد خشية الإملاق والفاقة فكان الرجل منهم يقتل ولده مخافة أن يطعم معه إلى أن نهى الله تعالى عن ذلك بقوله ( ولا تقتلوا أولادكم

خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا )
ومنها حبس البلايا كانوا إذا مات الرجل يشدون ناقته إلى قبره ويقبلون برأسها إلى ورائها ويغطون رأسها بويلة وهي البرذعة فإذا أفلتت لم ترد عن ماء ولا مرعى ويزعمون أنهم إذا فعلوا ذلك حشرت معه في المعاد ليركبها قال أبو زبيد
( كالبلايا رؤوسها في الولايا ... مانحات السموم حر الخدود )
ومنها الهامة كانوا يزعمون أن الإنسان إذا قتل ولم يطالب بثأره خرج من رأسه طائر يسمى الهامة وصاح اسقوني اسقوني حتى يطالب بثأره قال ذو الأصبع
( يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني )
ومنها تأخير البكاء على المقتول للأخذ بثأره كان النساء لا يبكين المقتول منهم حتى يؤخذ بثأره فإذا أخذ به بكينه حينئذ قال الشاعر
( من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار )
( يجد النساء حواسرا يندبنه ... يلطمن حر الوجه بالأسحار )
ومنها تصفيق الضال كان الرجل منهم إذا ضل في الفلاة قلب ثيابه وحبس ناقته وصاح في أذنها كأنه يومىء إلى إنسان وصفق بيديه قائلا الوحا

الوحا النجاء النجاء هيكل الساعة الساعة إلي إلي عجل ثم يحرك ناقته فيزعمون أنها تهتدي إلى الطريق حينئذ قال الشاعر
( وآذن بالتصفيق من ساء ظنه ... فلم يدر من أي اليدين جوابها )
يريد إذا ساء ظنه بنفسه حين يضل
ومنها الفول كانوا يزعمون أن الغول تتراءى لأحدهم في الفلاة فيتبعها فتستهويه وربما ادعى أحدهم أنه قابلها وقاتلها قال تأبط شرا
( ألا من مخبر فتيان فهم ... بما لاقيت عند رحا بطان )
( بأني قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان )
( فقلت لها كلانا نضو أرض ... أخو سفر فخلي لي مكاني )
( فشدت شدة نحوي فأهوت ... لها كفي بمصقول يماني )
( فأضربها بلا دهش فخرت ... صريعا لليدين وللجران )
ومنها ضرب الثور ليشرب البقر كانوا يزعمون أن الجن تركب الثيران فتصد البقر عن الشرب فيضربون الثور ليشرب البقر قال الشاعر
( كذاك الثور يضرب بالهراوى ... إذا ما عافت البقر الظماء )
ومنها تعليق سن الثعلب وسن الهرة وحيض السمرة كانوا يزعمون أن الصبي إذاخيف عليه نظرة أو خطفة فعلق عليه شيء من ذلك سلم من آفته وأن الجنية إذا أرادته لم تقدر عليه قالت امرأة تصف ولدا
( كانت عليه سنة من هرة ... وثعلب والحيض حيض السمرة )

ومنها تعليق كعب الأرنب كانوا يعلقونه على أنفسهم ويزعمون أنه وقاية من العين والسحر قائلين إن الجن تنفر من الأرنب لكونها تحيض قال الشاعر
( ولا ينفع التعشير إن حم واقع ... ولا ودع يغني ولا كعب أرنب )
ومنها تعليق الحلي على السليم وهو الملسوع كانوا إذا لسع فيهم إنسان علقوا عليه الحلي من الأساور وغيرها ويتركونه سبعة أيام ويمنع من النوم فيفيق قال النابغة
( يسهد من وقت العشاء سليمها ... لحلي النساء في يديه قعاقع )
ومنها وطء المقاليت القتلى كانوا يزعمون أن المرأة المقلات وهي التي لا يعيش لها ولد إذا وطئت قتيلا شريفا بقي أولادها قال بشر بن أبي خازم
( يظل مقاليت النساء يطأنه ... يقلن ألا يلقى على المرء مئزر )
ومنها مسح الطارف عين المطروف كانوا يزعمون أن الرجل إذا طرف عين صاحبه فهاجت فمسح الطارف عين المطروف سبع مرات يقول في كل مرة بإحدى جاءت من المدينة باثنتين جاءتا من المدينة بثلاث جئن من المدينة إلى سبع سكن هيجانها
ومنها كي السليم من الإبل ليبرأ الجرب منها كانوا يزعمون أن الإبل إذا أصابها عر وهو الجرب فكووا صحيحا إلى جانبه ليشم رائحته بريء وربما زعموا أنه يؤمن معه العدوى قال النابغة
( وكلفتني ذنب امرىء وتركته ... كذي العر يكوى غيره وهو راتع )
ومنها ذهاب الخدر من الرجل كانوا يقولون إن الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحب الناس إليه ذهب عنه الخدر قالت أمرأة من كلاب

( إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعب ... فإن قلت عبد الله أجلى فتورها )
ومنها الحلى عن الصبيان بجباية الحي وإطعامه الكلاب كانوا يرون أن الفتى إذا ظهر فيه الحلى بشفته وهي بثور تنبت بالشفة فيأخذ منخلا على رأسه ويمر بين بيوت الحي وينادي الحلى الحلى فيلقى في منخله من هنا تمرة ومن هنا كسرة ومن هنا قطعة لحم فإذا امتلأ نثره بين الكلاب فيذهب عنه الحلى
ومنها شق الرداء والبرقع لدوام المحبة زعموا أن المرأة إذا أحبت رجلا أو أحبها ولم تشق عليه رداءه ويشق عليها برقعها فسد حبهما قال الشاعر
( إذا شق برد شق بالبرد برقع ... دواليك حتى كلنا غير لابس )
( فكم قد شققنا من رداء محبر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس )
ومنها رمي سن الصبي المثغر في الشمس يقولون إن الغلام إذا أثغر فرمى سنه في عين الشمس بسبابته وإبهامه وقال أبدليني بها أحسن منها أمن على أسنانه العوج والفلج والنغل قال طرفة
( بدلته الشمس من منبته ... بردا أبيض مصقول الأشر )
ومنها التعشير زعموا أن الرجل إذا أراد دخول قرية فخاف وباءها فوقف على بابها قبل أن يدخلها فعشر كما ينهق الحمار ثم دخلها لم يصبه وباؤها قال عروة بن الورد
( لعمري لئن عشرت من خشية الردى ... نهاق حمير إنني لجزوع )

ومنها عقد الرتم وهو نبت معروف كان الرجل إذا أراد سفرا عمد إلى رتم فعقده فإن رجع ورآه معقودا اعتقد أن امرأته لم تخنه وإن رآه محلولا اعتقد أنها خانته قال الشاعر
( خانته لما رأت شيبا بمفرقه ... وغره حلفها والعقد للرتم )
ومنها اعتبار دائرة المهقوع وهي دائرة تكون في عنق الفرس يقال لها الهقعة على ما يأتي ذكره في الكلام على الخيل في الطرف الآتي كانوا يزعمون أن الفرس المهقوع إذا عرق تحت صاحبه اغتلمت حليلته وطلبت الرجال قال الشاعر
( إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وزداد حرا عجانها )
ومنها خضاب نحر الفرس السابق كان من عادتهم إذا أرسلوا خيلا على صيد فسبق أحدها خضبوا صدره بدم الصيد علامة له قال الشاعر
( كأن دماء العاويات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل )
ومنها جز ناصية الأسير كانوا إذا أسروا رجلا ثم منوا عليه فأطلقوه جزوا ناصيته ووضعوها في كنانة قالت الخنساء
( جززنا نواصي فرسانهم ... وكانوا يظنون أن لا تجزا )

النوع الخامس عشر في معرفة عادات العرب وهي صنفان الصنف الأول نيران
العرب
قد ذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل للعرب ثلاث عشرة نارا
الأولى نار المزدلفة وهي نار توقد بالمزدلفة من مشاعر الحج ليراها من دفع من عرفة وأول من أوقدها قصي بن كلاب فهي توقد إلى الآن
الثانية نار الاستمطار كانوا في الجاهلية الأولى إذا احتبس المطر جمعوا البقر وعقدوا في أذنابها وعراقيبها السلع والعشر ويصعدون بها في الجبل الوعر ويشعلون فيها النار ويزعمون أن ذلك من أسباب المطر قال الشاعر
( أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... وسيلة منك بين الله والمطر )
الثالثة نار الحلف كانوا إذا أرادوا عقد حلف أوقدوا النار وعقدوا الحلف عندها ويذكرون خيرها ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد وحل العقد قال العسكري وإنما كانوا يخصون النار بذلك لأن منفعتها تختص بالإنسان لا يشاركه فيها شيء من الحيوان غيره
الرابعة نار الطرد وهي نار كانوا يوقدونها خلف من يمضي ولا يحبون رجوعه

الخامسة نار الحرب كانوا إذا أرادوا حربا أو توقعوا جيشا أوقدوا نارا على جبلهم ليبلغ الخبر أصحابهم
السادسة نار الحرتين كانت في بلاد عبس فإذا كان الليل تضيء نار تسطع وفي النهار دخان مرتفع وربما بدر منها عنق فأحرق من مر بها فحفر خالد بن سنان النبي فدفنها فكانت معجزة له
السابعة نار السعالي ترفع للمتقفر فيتبعها فتهوي به الغول على زعمهم كما تقدم في الكلام على أوابد العرب
الثامنة نار الصيد وهي نار توقد للظباء تغشاها إذا نظرت إليها
التاسعة نار الأسد وهي نار توقد إذا خافوا الأسد لينفر عنهم فإن من شأنه النفار عن النار يقال إنه إذا رأى النار حدث له فكر يصده عن قصده
العاشرة نار القرى وهي نار توقد ليلا ليراها الأضياف فيهتدوا إليها
الحادية عشر نار السليم وهو الملسوع كانوا يوقدون النار للملسوع إذا لدغ يساهرونه بها وكذلك المجروح إذا نزف دمه والمضروب بالسياط ومن عضه الكلب كي لا يناموا فيشتد الأمر بهم فيؤديهم إلى الهلكة
الثانية عشر نار الفداء كان الملوك منهم إذا أسروا نساء قبيلة خرجت إليهم السادة منهم للفداء أو الاستيهاب فيكرهون أن يعرضوا النساء نهارا فيفتضحن أو في الظلمة فيخفى قدر ما يحبسونه لأنفسهم من الصفي فيوقدون النار لعرضهن
الثالثة عشرة نار الوسم وهي النار يسم بها الرجل منهم إبله فيقال له ما سمة إبلك فيقول كذا

الصنف الثاني أسواق العرب المعروفة فيما قبل الإسلام
قد كان للعرب أسواق يقيمونها في شهور السنة وينتقلون من بعضها إلى بعض ويحضرها سائر قبائل العرب ممن قرب منهم وبعد فكانوا ينزلون دومة الجندل أول يوم من ربيع الأول فيقيمون أسواقها بالبيع والشراء والأخذ والعطاء وكان يعشوهم فيها أكيدردومة وهو ملكها وربما غلب على السوق كلب فيعشوهم بعض رؤساء كلب فيقوم سوقهم هناك إلى آخر الشهر ثم ينتقلون إلى سوق هجر من البحرين في شهر ربيع الآخر فتكون أسواقهم بها وكان يعشوهم في هذا السوق المنذر بن ساوى أحد بني عبد الله بن دارم وهو ملك البحرين ثم يترحلون نحو عمان من البحرين أيضا فتقوم سوقهم بها ثم يرتحلون فينزلون إرم وقرى الشحر من اليمن فتقوم أسواقهم بها أياما ثم يرتحلون فينزلون عدن من اليمن أيضا فيشترون منه اللطائم وأنواع الطيب ثم يرتحلون فينزلون حضرموت من بلاد اليمن ومنهم من يجوزها فيرد صنعاء فتقوم أسواقهم بها ويجلبون منها الخرز والأدم والبرود وكانت تجلب إليها من معافر ثم يرتحلون إلى عكاظ في الأشهر الحرم فتقوم أسواقهم ويتناشدون الأشعار ويتحاجون ومن له أسير سعى في فدائه ومن له حكومة ارتفع إلى من له الحكومة وكان الذي يقوم بأمر الحكومة فيها من بني تميم وكان آخر من قام بها منهم الأقرع بن حابس التميمي ثم يقفون بعرفة ويقضون مناسك الحج ثم يرجعون إلى أوطانهم قد حصلوا على الغنيمة وآبوا بالسلامة

النوع السادس عشر النظر في كتب التاريخ والمعرفة بالأحوال
اعلم أن الكاتب يحتاج إلى معرفة وقائع التاريخ وتفاصيلها ولا يكاد يستغني عن العلم بشيء منها لأمور منها العلم بأزمنة الوقائع والماجريات وأحوال الملوك والأعيان والحوادث والماجريات الحاصلة بينهم فيحتج بكل واقعة منها في موضعها ويستشهد بها فيما يلائمها ويحتج لمثل ذلك فإنه متى أخل بمعرفة ذلك احتج بالقصة في غير موضعها أو نسبها إلى غير من هي له أو لبس عليه خصمه بالاستشهاد بواقعة لا حقيقة لها أو نسبها إلى غير من هي له ليظهر حجته عليه وما يجري مجرى ذلك وفيه مقصدان
المقصد الأول في ذكر نبذة تاريخية لا يسع الكاتب جهلها مما يحتج به
الكاتب تارة ويذاكر به ملكه أو رئيسه أخرى
اعلم أن التاريخ بحر لا ساحل له وقد أكثر الناس فيه من التصنيف على اختلاف فنونه ما بين مختصر ومبسوط من مقتصر على فن ومستوعب لفنون وفي خلال تلك المصنفات نوادر غريبة ولطائف عجيبة لا يحصل الوقوف عليها إلا بعد استيعابها بالمطالعة كما لا يقع الظفر بالجوهرة في المعدن إلا بعد عمل كثير يحصل في خلالها بغتة فإذا التقطت الجواهر من المعدن سهل تناولها لمريدها وهي على ضربين
الضرب الأول الأوائل
وهي معرفة مبادىء الأمور المهمة وقد أفردها أبو هلال العسكري بالتصنيف وأورد الثعالبي منها في كتابه لطائف المعارف نبذة صاحلة وتضمنت كتب التاريخ منها جملة مما لم يتعرضا إليه وقد اقتصرت منها على

ما تتشوف نفوس أكثر الناس إلى معرفته والاطلاع عليه مما توفرت الدواعي عليه فاستمر وجوده وانسحب عليه حكم الاستعمال إلى الآن أو اشتهر في مبدإ أمره ثم زال بعد ذلك جاريا في ترتيبه على وجه يقرب تناوله مقدما الأهم فالأهم بالنسبة إلى حال الكاتب

أمور تتعلق بالأنبياء عليهم السلام سوى ما يأتي ذكره مما شاكل غيره
أول من استرق الرقيق إدريس عليه السلام أول من شاب إبراهيم الخليل عليه السلام وهو أول من قص شاربه وأول من فرق شعره وأول من تمضمض وأول من استاك وأول من قلم الأظفار وأول من استنجى وأول من اختتن وأول من رمى الجمار
الخلافة وما يتعلق بها
أول من سمي خليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين ولي الخلافة بعد وفاة رسول الله وكان يخاطب بخليفة رسول الله وسيأتي ذكره في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة إن شاء الله تعالى وهو أول من استخلف من الخلفاء استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مرض موته وسيأتي ذكره في الكلام على ولاية الخلفاء في المقالة الخامسة وهو أول خليفة فرض له العطاء في بيت المال عن الخلافة ولما أدركته الوفاة أوصى بإعادة جميع ما حمل إليه من ذلك إلى بيت المال من ماله
أول من سمي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسيأتي ذكره في الكلام على هذا اللقب في جملة الألقاب في المقالة الثالثة وهو أول من رتب بيت المال فيما ذكره العسكري لكنه قد ذكر في موضع آخر أن

عمر كان على بيت المال من قبل أبي بكر رضي الله عنه فيكون أبو بكر قد سبقه إلى ذلك وسيأتي ذكره في الكلام على وكالة بيت المال في المقالة الخامسة وهو أول من كور الكور ومسح أرض السواد ورتب الخراج على الأرضين والجزية على الجماجم وهو أول من حمل الطعام من مصر إلى الحجاز وذلك في عام الرمادة عند غلو السعر بالحجاز وسيأتي ذكره في الكلام على خليج القاهرة في أوائل المسالك والممالك
أول من أقطع القطائع من الخلفاء أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وسيأتي ذكره في الكلام على الإقطاعات في المقالة السادسة وهو أول من حمى الحمى لنعم الصدقة من الخلفاء وهو أول من اتخذ صاحب شرطة من الخلفاء
أول من اتخذ بيتا ترمى فيه قصص أهل الظلامات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وبقي حتى كتب له شتمه في رقعة وطرحت في البيت فتركه ثم اتخذه المهدي بعده ثم ترك بعد ذلك
أول من سلم عليه بالخلافة فقيل السلام عليك يا أمير المؤمنين معاوية وكانوا قبل ذلك يقولون السلام عليكم وهو أول من عهد إلى ابنه بالخلافة عهد بها إلى ابنه يزيد ثم تبعه الكثير من الخلفاء على ذلك وهو أول من استخلف في حال صحته وإلا فأبو بكر لم يستخلف عمر إلا في مرض موته وعمر لم يجعل الأمر شورى إلا وهو مطعون وسيأتي ذكر ذلك جميعه في الكلام على ولاية الخلفاء في المقالة الخامسة وهو أول من اتخذ المقصورة في المسجد لصلاة الجمعة وقيل اتخذها مروان قبله وقيل عثمان وهو أول من نهى عن الكلام بحضرته من الخلفاء وكان الناس قبل ذلك يردون

على الخليفة ويعترضونه فيما يقول وهو أول من اتخذ ديوان الخاتم لختم الكتب وسيأتي ذكره في الكلام على اللواحق من المقالة الثالثة وهو أول من اتخذ البريد في الإسلام وسيأتي ذكره في الكلام على البريد في خاتمة الكتاب
أول من سار في الناس بالجبرية من الخلفاء وأمر أن لا يخاطب باسمه كما يخاطب الخلفاء قبله الوليد بن عبد الملك فاتفق أن خالف رجل فخاطبه باسمه فأمر به فوطيء
أول من رتب مراتب الخلافة وأقام حاجبا للاستئذان عليه أبو جعفر المنصور واتخذ في قصره بيتا يجلس فيه الناس حتى يؤذن لهم وهو أول من اتخذ الأتراك اتخذ حمادا التركي ثم اتخذ المهدي بعده مباركا التركي ثم أكثر الخلفاء من الأتراك بعد ذلك
أول من جلس للمصائب من الخلفاء على البساط دون الأنماط هارون الرشيد حين نعي إليه قريبه إبراهيم بن علي فاتخذ الخلفاء ذلك دأبا في المآتم
أول من نعت على المنبر بنعت الخلافة الأمين بن الرشيد فقيل اللهم وأصلح عبدك وخليفتك عبد الله محمدا الأمين
أول من أضيف لقبه من الخلفاء إلى اسم الله المعتصم فقيل المعتصم بالله ثم تبعه الخلفاء على ذلك وسيأتي ذكره في الكلام على الخلفاء في المقالة الثانية
أول من حول السنة الشمسية إلى السنة القمرية وأقر النيروز المتوكل وسيأتي ذكره في تحويل السنين في المقالة السابعة وهو أول من أمر بتغيير زي أهل الذمة وسيأتي ذكره في الكلام على عقد الصلح لأهل الذمة في المقالة السابعة

أمور تتعلق بالملوك والأمراء
أول من لبس التاج الضحاك أحد ملوك الفرس وهو النمرود فيما يقال وفي زمنه كان إبراهيم الخليل عليه السلام
أول من مسح الأرضين ووضع الدواوين ووضع الخراج على الأرضين ووظف الموظفات على البلاد قيذار أحد ملوك الفرس واتخذ لذلك ديوانا وسماه ديوان العدل
أول من جلس على السرير من ملوك العرب جذيمة الأبرش وهو أول من وقعت له السمعة من ملوك العرب وأول من لبس الطوق منهم
أول من مشت الرجال معه وهو راكب الأشعث بن قيس كانت بنو عمرو بن معاوية ملكوه عليهم وتوجوه
أول من مشي بين يديه بالأعمدة الحديد زياد بن أبيه وهو أول من جلس الناس بين يديه على الكرسي وهو أول من اتخذ العسس والحرس
أول من سلم عليه بالإمرة المغيرة بن شعبة فقيل السلام عليك أيها الأمير وكانوا قبل ذلك يقولون السلام عليكم ثم تبعه الأمراء على ذلك
أول من حمل إليه الثلج الحجاج بن يوسف وسيأتي ذكره في الكلام على حمل الثلج لصاحب الديار المصرية في خاتمة الكتاب
أول من نقش اسمه من الملوك على الدنانير والدراهم مع الخلفاء عز الدولة بن بويه وإخوته ملوك الديلم القائمين على الخلفاء العباسيين ببغداد في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ثم تبعهم الملوك على ذلك

أول من حمل السنجق على رأسه من الملوك غازي بن زنكي صاحب الموصل وهو أول من أختار الأجناد أن يركبو بالسيوف في أوساطهم والدبابيس تحت ركبهم
أول من حمل الشمع معه على البغال في الليل من ملوك الديار المصرية محمد بن طغج الإخشيد وكانت الشمعة تجعل على مؤخر البغل وفراش راكب أمامها وهويلتفت في كل قليل يصلحها فأبدلها الملوك بعده بهذه الفوانيس التي تحمل على البغال مع الفانوسية أمام ملوك الديار المصرية في الليل
أول من لقب من وزراء الفاطميين بالديار المصرية بالملك فلان رضوان ابن ولخشي وزير الحافظ لقب بالملك الأفضل وكان من قبله من الوزراء لا ينعت بالملك
أول من لف العمامة على الكلوتة من ملوك الديار المصرية الأشرف خليل بن قلاوون وكانت ملوك بني أيوب يلبسون كلوتة صفراء بغير عمامة ولذلك تراهم يطلقون على أرباب الأقلام المتعممين في مقابلة أن الجند كانوا بغير عمائم
أول من اعتاد حلق رأسه من ملوك الديار المصرية الملك الناصر محمد ابن قلاوون حين حج وتبعه الأمراء والجند على ذلك واستمر الأمر على ذلك إلى الآن وكان لهم قبل ذلك غدائر شعر مرسلة كعرب الحجاز ونحوهم

الوزراء
أول من سمي وزيرا في الإسلام أحمد بن سليمان الخلال وزير السفاح أول خلفاء بني العباس ثم تبعه وزراء الخلفاء والملوك على ذلك وكانوا قبل ذلك يقولون كاتبا
أول من لقب بالصاحب من الوزراء كافي الكفاة إسماعيل بن عباد وكان السبب في ذلك أنه كان يصحب الأستاذ ابن العميد فكانوا يقولون صاحب ابن العميد ثم غلب عليه اللقب حتى قيل له الصاحب مجردا وتبعه الخلفاء على ذلك وسيأتي ذكره في الكلام على هذا اللقب في المقالة الثالثة
أول من لقب بالملك الفلاني من وزراء الفاطميين بالديار المصرية رضوان بن ولخشي وزير الحافظ لقب الملك الأفضل ثم صار رسما لوزرائهم بعد ذلك وتبعهم ملوك الديار المصرية على ذلك إلى الآن
القضاة
أول قاض كان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه استقضاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته فمكث سنة لا يأتيه أحد في قضية
أول قاض بالمدينة النبوية عبد الله بن نوفل استقضاه عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته
أول قاض بالكوفة جبير بن القشعم
أول قاض بالبصرة أبو مريم الحنفي أحد بني حنيفة استقضاه أميرها عروة بن غزوان في سنة أربع عشرة من الهجرة
أول قاض بمصر قيس بن أبي العاص السهمي استقضاه عليها عمر

ابن الخطاب رضي الله عنه في خلافته في سنة ثلاث وعشرين من الهجرة
أول قاض جمع له القضاء والشرطة بمصر عائش بن سعيد وليهما من قبل أميرها مسلمة بن مخلد
أول قاض بمصر نظر في الأحباس يعني الأوقاف بمصر أبو محجن توبة في خلافة هشام بن عبد الملك وكانت الأوقاف قبل ذلك بيد أربابها أو أوصيائهم فقال هذه مآلها إلى الفقراء والمساكين فأنا أضع يدي عليها فما مضت له سنة حتى صار لها ديوان عظيم
أول قاض بمصر خرج لرؤية الهلال عبد الله بن لهيعة قال أبو عمر الكندي وهو أول قاض ولي مصر عن خليفة وليها عن أبي جعفر المنصور في أول سنة خمس وخمسين ومائة
أول قاض ولي مصر ممن يقول بقول أبي حنيفة أبو الفضل إسماعيل بن اليسع الكندي وكان أهل مصر قبله لم يعرفوا مذهب أبي حنيفة ولم يألفوه وكان يرى بطلان الأوقاف فكتب الليث فيه إلى أبي جعفر المنصور فكتب إليه بعزله
أول قاض بمصر أدخل النصارى في خصوماتهم إلى المسجد أبو عبد الرحمن محمد بن مسروق وكانت ولايته من قبل الرشيد في سنة سبع وسبعين ومائة وهو أول من اتخذ لمجلسه الشهود من قضاة مصر
أول قاض ولي مصر ممن يقول بقول مالك أبو نعيم إسحاق بن الفرات مولى معاوية بن حديج وللشافعي عليه ثناء جميل في معرفة الخلاف وهو

أول قاض اتخذ للشهود ديوانا وكتب أسماءهم فيه وكانت ولايته من قبل الرشيد في سنة بضع وثمانين ومائة
أول قاض ولي على المصاحف أمينا بجامع الفسطاط الحارث بن مسكين وكانت ولايته في خلافة المتوكل
أول ما استقرت قضاة الديار المصرية أربعة من كل مذهب قاض في سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري وذلك أن القضاء بها كان بيد القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز وكان شافعيا فكانت تأتيه المكاتيب المخالفة لمذهبه فيتوقف فيها فشق ذلك على السلطان والأمراء فاتفق رأيهم على أن يجعلوا من كل مذهب قاضيا ليقضي كل منهم بمذهبه
أول ما خص قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية بالتولية في أعمالها دون رفقته الثلاثة في سلطنة المنصور قلاوون في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة ذكره ابن المكرم في تذكرته

الأمور العلمية
أول من أخطأ في القياس إبليس حيث قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين أو لم يعلم أن ما ألقي إلى جوهر الطين زاد ونما وما ألقي إلى جوهر النار اضمحل وتلاشى
أول من نطق بالحكمة أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام
أول من دل على تركيب الأفلاك وقدر مسير الكواكب وكشف عن أحوال تأثيراتها ونبه على عجائب الصنع فيها إدريس عليه السلام

أول من نظر في الطب أفريدون ملك الفرس بعد الضحاك وفي أيامه ظهرت الفلاسفة وتكلموا في علومهم
أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو أول من نقط المصاحف النقط الأول على الإعراب
أول من صنف في علم الكلام واصل بن عطاء المعتزلي
أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وغيرها من كتب العلوم الفلسفية خالد بن يزيد ثم تلاه المأمون فأكثر من ذلك
أول من صنف في غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى
أول من صنف في أصول الفقه الإمام الشافعي رضي الله عنه صنف فيه كتابه الرسالة
أول من صنف في الفقه مالك بن أنس صنف كتابه الموطأ
أول من عمل العروض الخليل بن أحمد وهو أول من صنف اللغة مرتبة على حروف المعجم صنف كتابه العين
أول من صنف في علم البديع عبد الله بن المعتز
أول من سن الإساءة والاجتراء في البحث فرعون بينا هو وموسى عليه السلام في مقام المناظرة حيث قال ( وما رب العالمين ) فأجابه موسى

بقوله ( رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) إلى آخر المناظرة بينهما إذ قال ( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين )

الخطابة
أول من جمع قريشا وخطبهم ونبه على أن النبي منهم قصي بن كلاب وسيأتي ذكره في الكلام على مكة في المسالك والممالك في المقالة الثانية
أول من خطب على العصا وعلى الراحلة قس بن ساعدة الإيادي وقد تقدم ذكر خطبته التي خطبها على الراحلة في الكلام على الخطب
أول من عمل المنبر تميم الداري عمله للنبي وكان قد رأى منابر الكنائس بالشام
أول من أرتج عليه في الخطبة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال أيها الناس إن اللذين كانا من قبلي كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل وستأتيكم الخطبة على وجهها في الجمعة الأخرى ثم نزل
أول من خطب جالسا معاوية حين كثر شحمه
أول من أقام الجمعة بالمدينة قبل مقدم النبي أسعد بن زرارة الأنصاري ببني بياضة
أول من رفع يده في الخطبة يوم الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن عمر

أول من أخرج المنبر في العيد مروان بن الحكم ولم يكن قبل ذلك يخرج

الخط
أول من خط بالقلم في الجملة قيل آدم عليه السلام وقيل إدريس
أول من كتب بالعربية قيل هود عليه السلام أنزل عليه وقيل إسماعيل وقيل ثلاث نفر من بولان من طيىء اصطلحوا على ذلك وسيأتي ذكره في الكلام على الخط في الباب الثاني من هذه المقالة
كتابة الإنشاء
أول من كتب في أول الكتب بسم الله الرحمن الرحيم سليمان عليه السلام حين كتب لبلقيس كما أخبر الله تعالى عنه بقوله ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) ثم كتبها النبي لما نزلت
أول من كتب في أول الكتب باسمك اللهم أمية بن أبي الصلت فكتبها قريش في كتبهم وكان النبي يكتبها في ابتداء الأمر وسيأتي ذكر جميع ذلك في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة
أول من كتب من فلان إلى فلان قس بن ساعدة فيما قاله العسكري وأقره النبي في مكاتباته وسيأتي ذكره في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة
أول من زاد في أوائل الكتب بعد التحميد وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله هارون الرشيد وسيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة

أول من أرخ بالهجرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وسيأتي ذكره في الكلام على الخواتم في المقالة الثالثة
أول من كتب في آخر كتابه وكتب فلان بن فلان أبي بن كعب قاله العسكري
أول من ختم الكتب سليمان عليه السلام فقد قيل في قوله تعالى حكاية عن بلقيس ( إني ألقي إلي كتاب كريم ) إن المراد به المختوم وأول من ختمها في الإسلام النبي حين قيل له إن ملوك الأعاجم لا يقرؤون كتابا غير مختوم فاتخذ خاتما نقش فصه محمد رسول الله فكان يختم به الكتب وسيأتي ذكر ذلك في الكلام على الخواتم
أول من اتخذ الطين لختم الكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاله الثعالبي في لطائف المعارف
أول من اتخذ ديوان الخاتم معاوية بن أبي سفيان حين كتب لرجل بمائة ألف درهم ففك الكتاب فأصلحها مائتين قاله الثعالبي في لطائف المعارف

كتابة الأموال وما في معناها
أول من اتخذ الديوان في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وضع ديوان الجيوش وسيأتي ذكره في الكلام على الإقطاعات في المقالة السادسة
أول من جعل الحساب في دفاتر خالد بن برمك فيما قاله الثعالبي وكان قبل ذلك في أدراج من كاغد ورق

أول من نقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان نقله له صالح بن عبد الرحمن كاتب كاتبه زاذان فروخ فكان كتاب العراقين علماء وتلاميذ
أول من نقل ديوان الشام من الرومية إلى العربية عبد الملك بن مروان نقله له سليمان بن سعيد مولى الحسين كاتب رسائل عبد الملك فولاه عبد الملك جميع دواوين الشام
أول من نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية عبد العزيز بن مروان في إمارته على مصر ذكره صاحب المنهاج في صنعة الخراج
أول من وسع في أرزاق الكتاب الفضل بن سهل وزير المأمون

الخراج والجزية
أول من وضع الخراج وأزال المقاسمة كسرى أنوشروان وذلك أنه مر على زرع وامرأة تمنع ولدها منه فسألها عن ذلك فقالت إن للملك فيه حقا ولا نستحله حتى يأخذ الملك حقه فقرر على الزرع قدرا معلوما وخلى بين الغلة وأصحابها
أول من وضع الخراج على الأرضين والجزية على الجماجم في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين مسح السواد ثم رسم بالمقاسمة أبو جعفر المنصور حين خرب السواد
أول من ألزم الخراج كلفة الحمل ومؤونته زياد بن أبيه فبقي حتى أسقطه زياد بن أبيه

أول من عرف العرفاء على الناس لجباية المال وغيره زياد وكان يقول العرفاء كالأيدي والمناكب فوقها

المعاملات
أول من ضرب الدنانير والدراهم في الإسلام عبد الملك بن مروان ضربها بالشأم من فضة خالصة وكان الناس قبل ذلك يتعاملون بدراهم الفرس والروم ولما ضربها عبد الملك كتب إلى الحجاج بالعراق باقامة رسم ذلك فضرب الدراهم ونقش عليها ( قل هو الله أحد ) إلى آخر السورة فسميت الدراهم الأحدية وكرهها الناس لنقش القرآن عليها مع أنه قد يحملها المحدث فسميت المكروهة
قلت وقد رأيت درهما من هذه الدراهم الأحدية أرانيه بعض أعيان حلب وذكر لي أن فلاحا أصاب ركازا لطيفا بها فأحضره إلى نائب حلب خوف عهدته فاقتسمه هو وأهل مجلسه وعوضه من كل درهم أضعافه فحصل لوالد ذلك الرئيس هذا الدرهم فوصل إليه بعده
أول من شدد في العيار في الدراهم يوسف بن عمر أمر أن لا يضرب درهم بنقص حبة فما فوقها ثم استخف درهما فوجده ينقص حبة فأمر أن يضرب كل رجل من الضرابين ألف سوط وكانوا مائة ضراب فضرب في نقص حبة واحدة مائة ألف سوط
أول من شدد في خلوص الذهب أحمد بن طولون صاحب مصر والشام وذلك أنه حين وجد الكنز المشهور بعين شمس وأتي له منه بميت وعلى صدره لوح ذهب مكتوب بالقبطية فعرب فإذا فيه أنا أكبر الملوك وذهبي أخلص الذهب فقال قاتل الله من يكون هذا اللعين أكبر منه أو ذهبه أخلص

من ذهبه ثم شدد في التعليق حتى كان قاضي القضاة يحضره بنفسه وسيأتي الكلام على ذلك في معاملة الديار المصرية في المقالة الثانية
أول من ضرب الدراهم الزيوف في الإسلام عبيد الله بن زياد
أول من اتخذ ألسنة الموازين من الحديد عبد الله بن عامر أمير المدينة من قبل عثمان
أول من عمل الأوزان الحجاج بن يوسف عملها له سمير اليهودي وذلك أن الحجاج حين ضرب الدراهم الأحدية على ما تقدم ضربها سمير اليهودي من فضة خالصة أيضا وجعل فيها ذهبا فأراد الحجاج قتله فقال ألا أدلك على ما هو خير للمسلمين من قتلي قال هاته فوضع الأوزان وزن ألف ووزن خمسمائة ووزن ثلثمائة إلى وزن ربع قيراط فجعلها حديدا ونقشها وأتى بها إلى الحجاج فعفا عنه وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره
أول من اتخذ الذراع التي يذرع بها الأرضون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين مسح السواد وقيل أول من اتخذها زياد نظر إلى ثلاثة نفر من أطولهم ذراعا وأوسطه وأقصره فجمعها وأخذ ثلثها فجعلها ذراعا

العمارة
أول بيت وضع في الأرض الكعبة بنتها الملائكة قال تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة )
أول من جعل للكعبة بابا أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام
أول من سقف بمكة سقفا قصي بن كلاب وكان الناس قبل ذلك إنما ينزلون في العريش
أول من بوب بمكة بابا حاطب بن أبي بلتعة
أول من اتخذ بمكة روشنا بديل بن ورقاء الخزاعي وهو أول من بنى بها بيتا مربعا وكانوا قبل ذلك يتحامون التربيع في البناء كيلا يشبه بناء الكعبة
أول قرية بنيت بعد الطوفان قرية ثمانين من الجزيرة الفراتية بناها نوح عليه السلام وأنزل بها من كان معه في السفينة وهم ثمانون رجلا
أول مدينة بنيت بمصر بعد الطوفان مدينة منف وأصلها بالسريانية مافه ومعناها ثلاثون سميت باسم جماعة مصر بن بيصر الذين كانوا معه وسيأتي ذكرها في جملة قواعد مصر القديمة في المقالة الثانية
أول من عمل الحمام سليمان عليه السلام صنعها له الجن وعملوا له النورة لإزالة شعر كان على بلقيس حين تزوجها فيما يقال

أول من اتخذ الآجر هامان لفرعون حيث قال له ( فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا )
أول من بنى بالجص والآجر في الإسلام زياد بن أبيه بالبصرة

الزرع
أول من غرس النخلة أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام
الصناعات
أول من خاط الثياب إدريس عليه السلام وكان الناس قبل ذلك يلبسون الجلود
أول من عمل القراطيس يوسف عليه السلام وقيل غيره وسيأتي ذكره في الكلام على ما يكتب فيه في المقالة الثالثة
أول من عمل الصابون سليمان عليه السلام قاله الثعالبي
أول من عمل الكيمياء قارون ويقال إنه المراد بقوله تعالى حكاية عنه ( قال إنما أتيته على علم عندي )
أول من عمل الزجاج ملكي أحد ملوك مصر بعد الطوفان وسيأتي ذكره في الكلام على ملوكها في المقالة الثانية
أول من تخذ الرحال علاف بن زبان الحميري وكانت العرب قبل

ذلك يركبون المخاصر
أول من كسا الكعبة في الجاهلية تبع أسعد أبو كرب
أول من اتخذ المحامل له الحجاج بن يوسف
أول من اتخذ السياط الأصبح بن مالك أحد ملوك اليمن فقيل السياط الأصبحية

اللباس
أول من لبس الثياب الحمر قارون ويقال إنه المراد بقوله تعالى ( فخرج على قومه في زينته ) وهو أول من أطال ثيابه وسحبها على الأرض عجبا وتيها
أول من قور طيلسانا من العرب في الإسلام عبد الله بن عامر أمير المدينة من قبل عثمان والطيلسان المقور على نحو الطرحة التي يلبسها الوزراء وقضاة القضاة الآن وكانت وزراء الفاطميين يلبسونها وهو أول من لبس الخز فقال أهل المدينة لبس الأمير جلد دب
أول ما لبس بنو العباس السواد حين قتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إبراهيم بن محمد الإمام أول قائم منهم بطلب الخلافة حزنا عليه فاستمر فيهم وفيه كلام يأتي في المقالة الثانية عند الكلام على لبس الخلفاء
أول من لبس الخفاف الساذجة بالبصرة زياد بن أبيه
أول من احتذى النعال من العرب جذيمة الأبرش

أول من خلع نعليه عند دخول الكعبة في الجاهلية الوليد بن المغيرة
أول من لبس النعال الصرارة المرواني كان قصيرا فاتخذ النعال الغلاظ الصرارة لتزيد في طوله وليسمعه جواريه وحرمه عند دخول بيته فتصلح شأنها من كانت على غير هيئة صالحة قال العسكري من ثم اتخذ الناس نعال الخشب يعني القباقيب
أول من أمر بتغيير زي أهل الذمة المتوكل أمرهم أن يلبسوا العسلي ويتخذوا ركب الخشب ونحو ذلك فيمتازوا عن المسلمين وسيأتي ذكره في عقد صلح أهل الذمة في المقالة السابعة

الحرب وآلاته
أول من ركب الخيل إسماعيل عليه السلام وكانت قبله وحوشا لا تركب فراضها وركبها وتعلم بنوه رياضتها منه فصارت فيهم إلى الآن ولذلك العرب أعرف الناس بالخيل وهو أول من ميز بين العتاق منها والهجن في سهام أصحابها فسبقت العتاق الهجن
أول من اتخذ الدروع ولبسها داود عليه السلام إذ يقول تعالى ( وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد ) وكانوا قبل ذلك يلبسون تنانير من حديد
أول من اتخذ السلاح وجاهد سليمان عليه السلام فيما قاله العسكري وفيه نظر
أول من اتخذ الحديد من العرب ذو يزن الحميري وكانت أسنتهم قبل ذلك صياصي البقر

أول من اتخذ الحصن من الجبل للكمائن الإسكندر
أول من اتخذ المنجنيق الضحاك حين أراد إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار وضعه فيه ورمى به في النار فكانت عليه بردا وسلاما وأول من اتخذه من العرب جذيمة الأبرش
أول من اتخذ الجواسيس والعيون على العدو الإسكندر
أول لواء عقده النبي لواء أبيض لعمه حمزة وقال خذه يا أسد الله وذلك في رمضان من السنة التي هاجر فيها وحمله له يزيد بن أبي يزيد
أول ما عقدت الرايات في الإسلام يوم حنين عقد راية سوداء من برد عائشة وكانوا قبل ذلك لا يعرفون إلا الألوية قاله العسكري
أول من قتله النبي بيده أبي بن خلف لعنه الله طعنه طعنة خفيفة فوجد لها ألما شديدا فقيل له لن تبالي فقال لو أن ما بي بأهل الأرض لقتلهم ومات منها
أول حرب كانت بين أهل القبلة يوم صفين بين عائشة وعلي رضي الله عنهما

الأسماء والألقاب
أول من سمى المصحف مصحفا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين جمع القرآن
أول من سمي باسم النبي محمد بن حاطب حين ولد بأرض الحبشة في الهجرة الأولى

أول من سمي بالحسن والحسين السبطان ولدا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله قال أبو أحمد العسكري في كتابه التصحيف والتحريف قال المفضل حجب الله هذين الاسمين عن ان يسمى بهما حتى سمى بهما النبي ابنيه عليهما السلام أما حسن وحسين الموجودان في أنساب طيىء فالأول بسكون السين والثاني بفتح الحاء وكسر السين
أول من سمى عبد الملك في الإسلام عبد الملك بن مروان
أول من سمي بعد النبي أحمد أبو الخليل واضع العروض ولذلك يقال فيه الخليل بن أحمد
أول من سمى الغالية غالية معاوية بن أبي سفيان شمها من عبد الله ابن جعفر فوصفها له فقال إنها غالية
أول ما سميت العطيات جوائز في زمن عثمان رضي الله عنه وذلك أن ابن عامر كان على العراق من قبل عثمان فبعث جيشا مع قطن بن عبد عوف الهلالي إلى كرمان فجرى الوادي بسيل خيف منه الغرق فقال قطن من عبره فله ألف درهم فعبره رجل ثم آخر حتى جاز جميعهم فأعطاهم قطن ألفا ألفا فكان جملة ذلك أربعة آلاف ألف فاستكثرها ابن عامر فكتب بها إلى عثمان فأجازها وقال كل ما كان في سبيل الله فهو جائز
أول ما لقب بفلان الدولة في أيام المكتفي بالله
أول ما لقب بفلان الدين في أيام القادر بالله وسيأتي ذكره في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة

الضيفان
أول من قرى الضيف إبراهيم الخليل عليه السلام حتى كني أبا الضيفان لكثرة قراه لهم
أول من سن للضيف صدر المجلس بهرام جور أحد ملوك الفرس
أول من هشم الثريد للقرى في زمن المحل هاشم بن عبد مناف وبذلك سمي هاشما وكان اسمه قبل عمرا
أول من فطر جيرانه في شهر رمضان عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وهو أول من حمل الطعام على رؤوس الناس لكثرته وأول من أنهبه
وجوه البر
أول من اتخذ البيمارستان بالشام للمرضى الوليد بن عبد الملك
أول من اتخذ البيمارستان بمصر أحمد بن طولون بناه بالفسطاط وهو موجود إلى الآن
أول من فوض إلى الناس إخراج زكاتهم بأنفسهم عثمان بن عفان رضي الله عنه
الأعياد والمواسم
أول من اتخذ النيروز من الفرس جما الملك وهو الذي بنى مدينة طوس يقال إنه كان في زمن هود عليه السلام كان الدين قبله قد تغير وظهر الجور فلما ملك جدد الدين وأظهر العدل فسمي اليوم الذي ملك فيه نوروز أي يوم جديد عربته العرب فقلبوا الواو فقالوا نيروز

أول هدية كانت في النيروز لجما الملك المتقدم ذكره وذلك أنه لم يظهر القصب إلا في أيامه فذاقه بعض الناس فاستحلاه فصنع منه السكر فوافق فراغه في أول يوم ملك فيه جما وهو يوم النيروز فأهدي إليه منه في ذلك اليوم فصار سنة عندهم فهم يتهادون فيه بالسكر ثم توسعوا فيه فتهادوا بغير السكر
أول ما ظهر المهرجان في زمن أفريدون القائم بعد الضحاك من ملوك الفرس وذلك أنه لما ظفر بالضحاك فقيده وانقطع ما كان في زمنه من الظلم والفساد سمى اليوم الذي ظفر به فيه المهرجان قال العسكري والمهر الوفاء كأن معناه سلطان الوفاء وكان سبيل الملوك فيه سبيل النيروز
أول من افتتح المكاتبة بتهنئة النيروز والمهرجان أحمد بن يوسف أهدى إلى المأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه وكتب معه هذا يوم جرت فيه العادة بإلطاف العبيد السادة

الأقوال
أول من قال أما بعد داود عليه السلام ويقال إنها فصل الخطاب المشار إليه بقوله تعالى ( وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ) وقيل أول من قالها قس بن ساعدة
أول من قال مرحبا سيف بن ذي يزن قال ذلك لعبد المطلب جد النبي حين وفد عليه ليهنئه برجوع الملك إليه فقال له مرحبا وأهلا وناقة ورحلا ومناخا سهلا وملكا ربحلا يعطي عطاء جزلا

أول من قال جعلت فداك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالها لرسول الله حين ذكر النبي الفتنة فقال جعلت فداك يا رسول الله فما أصنع وقيل أول من قالها له علي بن أبي طالب حين دعا عمرو بن ود العامري إلى المبارزة فقال علي جعلت فداك يا رسول الله أتأذن لي ثم استعملها الكتاب بعد ذلك في مكاتباتهم
أول من قال أطال الله بقاءك عمر بن الخطاب رضي الله عنه تكلم علي رضي الله عنه بحضرته في العدل بكلام أعجبه فقال له صدقت أطال الله بقاءك ثم نقلها الكتاب إلى استعمالها في مكاتباتهم
أول من قال أيدك الله عمر بن الخطاب قاله لعلي عليه السلام أيضا

الشعر والغناء
أول من قصد القصائد مهلهل خال امرىء القيس والقصيد ما زاد على سبعة أبيات
أول من أطال الرجز العجاج قيل إن الرجز كان في الجاهلية إنما يقول منه الرجل البيتين أو الثلاثة في الحرب ونحوه حتى جاء العجاج ففتح أبوابه وشبهه بالشعر ووصف فيه الديار وأهلها والرسوم والفلوات ونعت الإبل والطلول وكان في أول الإسلام يشبه بأمريء القيس
أول من استخرج اللطيف من المعاني في الشعر وجرى على طريقة البديع مسلم بن الوليد

أول من أخرج الغناء العربي جرادة جارية ابن جدعان فيما قاله العسكري وفيه نظر فإن الغناء معهود من عهد عاد حتى كان من جملة مغنياتهم الجرادتان اللتان يضرب بهما المثل فيقال غنته الجرادتان
أول من علم الجواري المنمنمات الغناء إبراهيم الموصلي وكان الناس بمكة لا يعلمون الجارية الحسناء الغناء

النساء
أول امرأة خفضت هاجر أم إسماعيل وذلك أنها حين تغيرت عليها سارة لتسري إبراهيم عليه السلام بها حلفت لتقطعن شيئا من جسدها فأشار عليها إبراهيم أن تخفضها وتثقب أذنيها وتجعل فيهما قرطين ففعلت فزادت حسنا
أول امرأة اكتحلت بالإثمد زرقاء اليمامة وكانت تنظر مسيرة ثلاثة أيام
أول امرأة تنبأت سجاح التميمية التي تزوجها مسيلمة الكذاب
أول امرأة لبست المصبغات في الإسلام شميلة زوج عباس وهي أول من عبأت الطيب

الموت والدفن
أول امرأة حملت في نعش زينب بنت جحش زوج النبي
أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة
أول من دفن بقرافة مصر رجل اسمه عامر فقال عمرو بن العاص عمرت والله
أمور تنسب للجاهلية
أول من حرم الخمر في الجاهلية الوليد بن المغيرة وقيل قيس بن عاصم ثم جاء الإسلام بتقريره
أول من حرم القمار في الجاهلية الأقرع بن حابس التميمي ثم جاء الإسلام بتقريره
أول من رجم في الزنا في الجاهلية ربيع بن حدان ثم جاء الإسلام بتقريره في المحصن
أول من حكم أن الولد للفراش في الجاهلية أكثم بن صيفي حكيم

العرب ثم جاء الإسلام بتقريره
أول من قطع في السرقة في الجاهلية الوليد بن المغيرة ثم جاء الإسلام بتقريره
أول من سن الدية مائة من الإبل عبد المطلب جد النبي وذلك أنه نذر إن ولد له عشرة ذكور ليذبحن العاشر فولد له عشرة وكان عاشرهم عبد الله أبو النبي فرام ذبحه فعارضه قريش في أمره وأشير عليه بأن يقرع بينه وبين الإبل حتى تخرج القرعة على الإبل فأقرع بينه وبين عشرة فخرجت القرعة عليه ثم زاد عشرة بعد عشرة وهي تقع عليه حتى بلغ مائة من الإبل فوقعت القرعة عليها فنحرها فكان النبي يقول أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد الله ثم جاء الإسلام بتقريرها
أول من أوقد النار بالمزدلفة حتى يراها من بالموقف قصي بن كلاب فهي توقد إلى الآن
أول من أهدى البدن إلى البيت إلياس بن مضر
أول من أظهر التوحيد بمكة قبل البعثة قس بن ساعدة
أول من خضب بالوسمة من قريش عبد المطلب
أول من نسأ النسيء وسيب السوائب وجعل الوصيلة والحامي عمرو بن لحي وهو أبو خزاعة

الضرب الثاني من النبذ التاريخية التي لا يسع الكاتب جهلها نوادر الأمور
ولطائف الوقائع والماجريات
العراقة وشرف الآباء
قال الثعالبي أشرف الأنبياء في النبوة يعني تواصل الآباء فيها يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وشاهد ما قاله أن النبي يقول الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ولا يخفى أن إخوته عليهم السلام في هذه الرتبة في العراقة
أعرق الأكاسرة في الملك شيرويه بن أبرويز بن أردشير بن بابك ملك ابن ملك ابن ملك
أعرق الناس في صحبة النبي محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بن أبي قحافة رضي الله عنهم أربعتهم رأوا النبي وصحبوه
أعرق الخلفاء في الخلافة المنتصر بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور في آبائه خمسة آباء خلفاء وهو سادسهم فيها وفي معناه أخواه المعتمد والمعتز أما عبد الله بن المعتز وإن زاد أبا في

الخلافة فإنه لم تمض عليه مدة تعتبر ولذلك لا يعده أكثر المؤرخين في جملة الخلفاء
أعرق الناس في الملك والخلافة جميعا باعتبار الأصول والحواشي من الذكور والإناث يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان أما من جهة الخلافة فهو خليفة وأبوه خليفة وجده خليفة وجد أبيه خليفة وعمومته خلفاء وأما من جهة الملك فأمه شاهر بنت فيروز بن يزدجرد بن شهريار وأمها من بنات شيرويه بن أبرويز وأم شيرويه مريم بنت قيصر وأم فيروز بنت خاقان ملك الترك
أعرق الوزارء في الوزارة أبو علي الحسين بن القاسم بن عبيد الله ابن سليمان بن وهب وأخوه أبو جعفر محمد بن القاسم فإن القاسم وزر للمتقدر ومحمد وزر للقائم وأباهما القاسم وزر للمعتضد ثم للمكتفي بعده وعبيد الله وزر للمعتضد وسلميان وزر للمهتدي وبعده للمعتمد فكل من الحسين ومحمد وزير ابن وزير ابن وزير ابن وزير يعني في آبائه ثلاثة وزراء وهو الرابع فيها
أعرق الناس في القتل عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد قتل عمارة وأبوه حمزة جميعا يوم قديد في حرب الإباضية وقتل مصعب بدير الجاثليق في الحرب بينه وبين عبد الملك وقتل الزبير بوادي السباع في توبة الجمل وقتل العوام في حرب الفجار وقتل خويلد في

حرب خزاعة قال الثعالبي ولا يعرف في العرب والعجم ستة مغبونون في نسق واحد إلا آل الزبير
أعرق الناس في الفقه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة كان كل من إسماعيل وحماد فقيها وأبو حنيفة الإمام الأعظم
أعرق الناس في القضاء بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كان بلال قاضيا على البصرة وأبو بردة قاضيا على الكوفة وأبو موسى قاضيا لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
أعرق الناس في حجابه الخلفاء العباس بن الفضل بن الربيع فإن العباس حجب الأمين والفضل حجب الرشيد قبل أن يتقلد عنه الوزارة والربيع حجب المنصور والمهدي وفي ذلك يقول أبو نواس من أبيات
( ساد الربيع وساد فضل بعده ... ونمت بعباس الكريم فروع )
( عباس عباس إذا احتدم الوغى ... والفضل فضل والربيع ربيع )
أعرق الناس في الشعر سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ستة كلهم شعراء على نسق ثم كانت العراقة في الشعر بعده مع زيادة آباء لمتوج بن محمود بن مروان بن يحيى بن مروان بن الحبوب بن مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه عشرة على نسق

الغايات من طبقات الناس
أشرف الناس في الأمة نسبا الحسن والحسين عليهما السلام رسول الله جدهما والقاسم بن رسول الله خالهما وعلي بن أبي طالب أبوهما وفاطمة بنت رسول الله أمهما وخديجة بنت خويلد جدتهما
أشرف النساء في النسب والصهر فاطمة رسول الله أبوها وخديجة أمها وعلي بن أبي طالب زوجها والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداها
أشرف الناس في المصاهرة عبد الله بن عمرو بن عثمان تزوج إليه أربعة من الخلفاء تزوج الوليد بن عبد الملك بنته عبدة وسليمان بن عبد الملك بنته عائشة ويزيد بن عبد الملك بنته أم سعيد وهشام بن عبد الملك بنته رقية قال الثعالبي ولا يعرف رجل له أربعة أختان خلفاء إلا هو
غرائب أمور تتعلق بالخفاء أمراة ولدها رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وهي حفصة ابنة محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبوها محمد المدبج وأمها خديجة بنت عثمان بن عروة بن الزبير وأم عروة أسماء بنت أبي بكر وأم المدبج فاطمة بنت الحسين بن علي وأم الحسين فاطمة بنت رسول الله وأم فاطمة بنت الحسين أم إسحاق بنت عبيد الله وأم عبد الله بن عمروب زينب بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب فهي من ولد كل من المذكورين
أربع نسوة في الإسلام ولدت كل واحدة منهن خليفتين فاطمة بنت رسول الله ولدت الحسن والحسين وقد بويع لهما بالخلافة وولادة بنت العباس العبسية زوجة عبد الملك بن مروان ولدت له الوليد وسليمان وهما خليفتان وساهر بنت فيروز بن يزدجرد زوجة الوليد بن عبد الملك

ولدت له يزيد وإبراهيم فوليا الخلافة والخيزران ولدت للمهدي موسى الهادي وهارون الرشيد
امرأة لها اثنا عشر محرما كل منهم خليفة وهي عاتكة بنت يزيد بن معاوية يزيد أبوها ومعاوية بن أبي سفيان جدها ومعاوية بن يزيد أخوها وعبد الملك بن مروان زوجها ومروان بن الحكم حموها ويزيد بن عبد الملك ابنها والوليد وسليمان وهشام أبناء عبد الملك أولاد زوجها
ومثلها من بني العباس زبيدة بنت جعفر بن المنصور جدها المنصور وأخو جدها السفاح وزوجها الرشيد وعمها المهدي وابنها الأمين وأبناء زوجها المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل
خليفة سلم عليه بالخلافة عمه وعم أبيه وعم جده وهو هارون الرشيد سلم عليه سليمان بن المنصور والعباس بن محمد عم أبيه المهدي وعبد الصمد بن علي عم جده أبي جعفر المنصور
خليفة سلم عليه من أهل بيته سبعة كل منهم ابن خليفة وهو المتوكل سلم عليه أحمد بن الواثق وأحمد بن المعتصم وسليمان بن المأمون وعبد الله بن الأمين وأبو محمد بن الرشيد والعباس بن الهادي ومنصور ابن المهدي
خليفة قبل هو وابنه يد خليفة فأجاز ابنه بجائزة ثم قبل المقبلة يده هو وابنه يد المقبل أولا وهو خليفة فأجاز ابنه بمثل تلك الجائزة وهو المعتصم وقف لإبراهيم بن المهدي أيام خلافته ثم نزل المعتصم فقبل يده ثم أدنى منه ابنه هارون فقبل يده وقال يا أمير المؤمنين عبدك هارون ابني فأمر له بعشرة

آلاف درهم فلما استخلف المعتصم وقف له إبراهيم بن المهدي ثم ترجل في ذلك الموضع بعينه وقبل يده وأدنى منه ابنه هبة الله فقبل يده وقال يا أمير المؤمنين عبدك هبة الله ابني فأمر له بعشرة آلاف درهم قال الصولي ولا يعرف مثل ذلك لخليفتين وابنيهما
خليفة جرت أموره كلها على ثمانية وهو المعتصم فهو الثامن من خلفاء بني العباس ومولده سنة ثمان وسبعين ومائة وعمره ثمان وأربعون سنة وكان ثامن أولاد الرشيد وملك ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام وخلف ثمانية بنين وثمان بنات وثمانية آلاف دينار وثمانية وعشرين ألف درهم وثمانية عشر ألف دابة وله ثمان فتوحات وتوفي لثمان بقين من شهر ربيع الأول ومن ثم سمي المثمن
خليفة له عشرة أولاد إخوة وعشرة أولاد إخوة وهو مروان بن الحكم فأولاده العشرة عبد الملك ومعاوية وعبد العزيز وقس وعمر ومحمد وعبيد الله وعبد الله وأيوب وداود وإخوته عبد الواحد وعبد الملك وعبد العزيز وسعيد بنو الحارث بن الحكم وحرب وعثمان وعمر بنو عبد الرحمن بن الحكم ويوسف وسليمان ويحي بنو يحي بن الحكم
ليلة ولد فيها خليفة ومات فيها خليفة وولي فيها خليفة وهي ليلة السبت لأربع بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة ولد فيها المأمون ومات فيها الهادي واستخلف فيها الرشيد ولا يعهد مثل ذلك في زمن من الأزمان
خليفتان أحدهما ابن الآخر بين قبريهما بعد كبير وهما الرشيد

والمأمون قبر الرشيد بطوس وقبر المأمون بطرسوس
خليفة ركب البريد وهو موسى الهادي مات أبوه المهدي وهو نائبه على جرجان فكتب إليه الرشيد بالخبر والبيعة ووجه إليه الخاتم والبردة والقضيب فركب البريد وأتى إلى بغداد بعد ثلاثة عشر يوما من موت المهدي ولا يعرف خليفة ركب البريد غيره
خليفتان اسم كل منهما جعفر قتل كل منهما في يوم الأربعاء وهما المتوكل والمقتدر
خليفة ولي الخلافة ستين سنة متوالية وهو المستنصر بالله الفاطمي خليفة مصر على أن الثعالبي في لطائف المعارف قال استقرت ولاية معاوية ابن أبي سفيان أربعين سنة عشرون منها إمارة وعشرون منها خلافة
خليفة كانت خلافته يوما أبو بعض يوم هو عبد الله بن المعتز بويع بعد خلع المقتدر فلما كان من الغد حاربه غلمان المقتدر وعاونهم العامة فهرب واختفى ثم ظفر به
أربعة إخوة ولي كل منهم الخلافة وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام أولاد عبد الملك بن مروان
لم يل الخلافة من أبوه حي سوى أبي بكر الصديق والطائع لله وكلاهما اسمه أبو بكر
لم يل الخلافة من أبواه هاشميان سوى الحسن بن علي من فاطمة ومحمد الأمين ابن الرشيد من زبيدة
لم يل الخلافة من اسمه العباس سوى أمير المؤمنين المستعين بالله أبي

الفضل العباس بن المتوكل على الله محمد خليفة العصر على كثرة هذا الاسم في أولاد الخلفاء العباسيين وكونه اسم جدهم الأكبر قلت وقد أخبرني أمير المؤمنين المستعين المشار إليه أن تسميته العباس كانت برؤيا رآها الشيخ بدر الدين البهنسي بمكة المشرفة رأى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في النوم وهو يقول له قل لولدي محمد يعني المتوكل على الله إذا ولد له ولد يسميه العباس وسيأتي ذكر ذلك في الكلام على العهد الذي أنشأته قبل ولايته الخلافة بنحو ثمان سنين امتحانا للخاطر في جملة العهود في المقالة الخامسة
أعجوبة قال الصولي الناس يرون أن كل سادس يقوم بأمر الدين منذ أول الإسلام لا بد أن يخلع النبي وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن فخلع ثم معاوية ويزيد ومعاوية ومروان وعبد الملك وعبد الله بن الزبير فخلع ثم الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد وهشام والوليد بن يزيد فخلع ثم كان منهم يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد وهو آخرهم ولم يكن بعده من بني أمية من يتم العدد بهم ستة فألغي
ثم كانت الدولة العباسية فكان السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين فخلع ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين فخلع ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر فخلع في فتنة المعتز ثم رد إلى الخلافة ثم قتل ولم يعتد بخلافة ابن المعتز لخلعه في يومه قال صاحب رأس مال

النديم والثعالبي في لطائف المعارف ثم القاهر ثم الراضي ثم المتقي ثم المستكفي ثم المطيع ثم الطائع فخلع قال الصلاح الصفدي ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد فخلع ثم المقتفي والمستنجد والمستضيء والناصر والظاهر والمستعصم فخلع وقتل أيام هولاكو عند استيلائه على بغداد
قلت هذا غلط فاحش من الصلاح الصفدي لا يليق بمثله فإنه أسقط قبل المستعصم المستنصر وهو السادس
وقد ذكر الشيخ شمس الدين بن نباتة في تاريخ الخلفاء أنهم لما بايعوا المستنصر المذكور خلعوه ثم أعادوه فرارا من التطير بخلع السادس وحينئذ فيكون من بعد المستنصر المستعصم المذكور ثم المستنصر أحمد الذي أتى به الظاهر بيبرس وتوجه إلى الديار المصرية ثم الحاكم أحمد ثم ابنه المستكفي سليمان ثم ابنه المستعصم أحمد ثم الواثق إبراهيم فخلع ثم المعتضد أبو بكر بن المستكفي ثم ابنه المتوكل ثم المستعصم زكريا ثم الواثق عمر ثم المستعين أبو الفضل العباس خليفة العصر أدام الله أيامه وهو الخامس والله تعالى أعلم بمن يكون السادس وما يكون من أمره
قال الصلاح الصفدي وكذلك العبيديون المعروفون بالفاطميين كان منهم بالمغرب عبيد الله المهدي والقائم بأمر الله والمنصور والمعز باني القاهرة بالمغرب ثم بمصر والعزيز والحاكم فقتلته أخته ثم الظاهر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر فخلع وقتل ثم الفائز والعاضد وهو آخرهم قال وكذلك بنو أيوب في ملك مصر أولهم صلاح الدين ثم ولده العزيز وأخوه الأفضل بن صلاح الدين والعادل الكبير أخو صلاح الدين والكامل ولده والعادل الصغير فخلع ثم كان منهم الصالح

نجم الدين أيوب ثم المعظم توران شاه ثم أم خليل شجرة الدر ثم الأشرف موسى وهو الرابع ولم يكن منهم من يكمل الستة قال وكذلك دولة الأتراك ملوك مصر أولهم المعز أيبك وابنه المنصور والمظفر قطز والظاهر بيبرس وابنه السعيد بركة وأخوه العادل سلامش فخلع وملك السلطان الملك المنصور قلاوون
قلت ثم ابنه الأشرف خليل ثم المعظم بيدرا ولم يعتد به لخلعه من يومه كما لم يعتد بابن المعتز في الخلفاء ثم الناصر محمد بن قلاوون ثم العادل كتبغا ثم المنصور لاجين ثم المظفر بيبرس الجاشنكير فخلع ثم المنصور أبو بكر بن الناصر محمد ثم الأشرف كجك بن الناصر محمد ثم الناصر أحمد بن الناصر محمد ثم الصالح إسماعيل بن الناصر محمد ثم الكامل شعبان بن الناصر محمد ثم المظفر حاجي بن الناصر محمد فخلع ثم الناصر حسن بن الناصر محمد ثم الصالح صالح بن الناصر محمد ثم المنصور محمد بن المظفر حاجي ثم الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد ثم ابنه المنصور علي ثم الصالح حاجي بن الأشرف شعبان فخلع ثم الظاهر برقوق ثم الناصر فرج سلطان العصر وهو الثاني والله أعلم بمن يكون السادس

غرائب تتعلق بالملوك
ملك ملك وهو في بطن أمه وهو سابور ذو الأكتاف أحد ملوك الفرس مات أبوه وهو حمل ولم يكن له ولد سواه فعقدوا التاج على رأس أمه على أن يكون من في بطنها هو الملك كائنا من كان فلما وضعته ملكوه
ثلاثة من ملوك فارس ابن وأب وجد اسمهم واحد وهو بهرام بن بهرام بن بهرام ومثلهم من ملوك غسان من العرب الحارث بن الحارث بن الحارث قال الثعالبي وهذا التناسق لا يقع إلا في الأكابر والرؤساء وقد جاء من هذا النمط في سادات الإسلام الحسن بن الحسن بن الحسن السبط

ملكان إسلاميان أول اسم كل واحد منهما عين قتل كل واحد منهما ثلاثة ملوك أول اسم كل واحد منهم عين أحدهما عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث والثاني أبو جعفر المنصور اسمه عبد الله قتل أبا مسلم الخراساني واسمه عبد الرحمن وعمه عبد الرحمن بن علي وعبد الجبار بن عبد الرحمن والي خرسان
قال الثعالبي أربعة في الإسلام قتل كل واحد منهم أكثر من ألف ألف رجل وهم الحجاج بن يوسف وأبو مسلم الخراساني وبابك والبرقعي
قلت وقد وقع لتيمور كوركان المعروف بتمرلنك صاحب ما وراء النهر على رأس الثمانمائة من الهجرة ما هو أكثر من ذلك فإنه قد فتح من الهند إلى الخليج القسطنطيني وقتل من كل إقليم من الخلق مالا يحصى حتى كان يبني بالرؤوس في كل مدينة يفتحها منارا

غرائب تتعلق بسراة الناس
ثلاثة بنو أعمام في زمن واحد كل منهم سيد جليل لم يصلح للإمامة أو الرياسة ثم كان لكل منهم ابن اسمه محمد كذلك وهم علي بن عبد الله ابن عباس وابنه محمد وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابنه محمد وعلي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وابنه محمد قال الجاحظ وهذا من غرائب ما يتفق في العالم فإن هذا أمر لم يشاركهم فيه أحد
أب وابن تقارب ما بينهما من العمر تقاربا شديدا وهما عمرو بن العاص

وابنه عبد الله كان بينهما في السن ثلاث عشرة سنة قال الثعالبي ولا يعهد مثل ذلك
أخوان تباعد ما بينهما في السن تباعدا شديدا وهما موسى بن عبيدة الربذي المحدث وأخوه عبد الله كان بينهما في السن مائة سنة ولم يعرف مثل ذلك في غيرهما
أربعة أخوة كل واحد منهم أسن من الآخر بعشر سنين وهم أولاد أبي طالب كان طالب أسن من عقيل بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وجعفر أسن من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعشر سنين
ثلاثة إخوة ولدوا في سنة واحدة وقتلوا في يوم واحد وسن كل واحد منهم اثنان وأربعون سنة وهم مزيد وزياد ومدرك أولاد المهلب بن أبي صفرة وهذه من غرائب النوادر
رجل مكث عشر سنين لا يولد له إلا رجل ولا يموت له إلا أنثى وهو المهلب بن أبي صفرة في غير أولاده الثلاثة المذكورين
أربعة رجال في الإسلام لم يمت كل منهم حتى رأى من ولده وولد ولده أكثر من مائة فيما قاله الثعالبي وغيره وهم أنس بن مالك خادم رسول الله وخليفة بن براء السعدي وعبد الرحمن بن عمر الليثي وجعفر بن سليمان الهاشمي ومنهم من يذكر بدله أبا بكرة مولى النبي
خمسة إخوة تباعدت قبورهم أشد تباعد وهم بنو العباس بن عبد المطلب قبر عبد الله بالطائف وقبر عبيد الله بالمدينة وقبر معد بإفريقية وقبر الفضل بالشام وقبر قثم بسمرقند

قاض قضى في الإسلام خمسا وسبعين سنة وهو شريح بن الحارث الكندي استقضاه عمر على الكوفة فبقي بها خلافة عمر وما بعدها إلى تمام المدة المذكورة لم يتعطل منها سوى ثلاث سنين امتنع فيها من القضاء في فتنة ابن الزبير

أوصاف جماعة من المشاهير
من كان من الخلفاء أصلع قال الثعالبي كان الصلع في عمر وعثمان وعلي ومروان بن الحكم وعمر بن عبد العزيز قال ثم انقطع الصلع من الخلفاء
من كان في غاية الطول كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كأنه راكب والناس يمشون لطوله وكان عدي بن حاتم إذا ركب تكاد رجلاه تخط في الأرض وكذلك جرير بن عبد الله البجلي وكان قس بن ساعدة في نهاية الطول والجسامة وكان عبد الله بن زياد إذا رآه الرائي وهو ماش ظن أنه راكب لطوله وكان علي بن عبد الله بن عباس في غاية من الطول وكان أبوه عبد الله أطول منه وجده العباس أطول من أبيه ويقال إن جبلة بن الأيهم الغساني كان طوله اثني عشر شبرا
من كان في غاية القصر قال الثعالبي كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه شديد القصر يكاد الجلوس يوازونه من قصره وكان إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قصيرا دحداحا وكان الحطيئة الشاعر مفرط القصر ولذلك لقب بالحطيئة وكان ذو الرمة الشاعر قصيرا جدا ورأيت في بعض التواريخ أن كثير عزة كان طوله ثلاثة أشبار وكان العباس بن الحسن في غاية من القصر وفيه قيل
( لا تنظرن إلى العباس من قصر ... وانظر إلى الفضل والمجد الذي شادا )
( إن النجوم نجوم الجو أصغرها ... في العين أبعدها في الجو إصعادا )

من عرف بالدهاء من العرب معاوية بن أبي سفيان زياد بن أبيه عمرو بن العاص المغيرة بن شعبة قيس بن سعد بن عبادة عبد الله بن بديل الخزاعي
من نسب منهم إلى الحمق عامر بن كريز معاوية بن مروان بن الحكم بكار بن عبد الملك بن مروان العاص بن هشام عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان سهل بن عمرو وأخوه سهيل العاص بن سعيد بن العاص
المؤلفة قلوبهم في أول الإسلام قال الثعالبي هم من قريش أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وهبار بن الأسود والحارث بن هشام وحكيم بن حزام وصفوان بن أمية وأنس بن عدي ومن فزارة عيينة بن حصن ومن تميم الأقرع بن حابس ومن بني سليم العباس بن مرداس ومن ثقيف العلاء بن الحارث
من أصيبت عينه أبو سفيان بن حرب ذهبت عينه يوم الطائف ثم عمي بعد ذلك الأشعث بن قيس ذهبت عينه يوم اليرموك المغيرة بن شعبة كذلك الأشتر النخعي جرير بن عبد الله البجلي عدي بن حاتم عتبة بن أبي سفيان المختار بن أبي عبيد الأحنف بن قيس المهلب بن أبي صفرة طاهر بن الحسين عمرو بن الليث الصفار
من سملت عيناه من الخلفاء والملوك أما من الخلفاء فالقاهر والمتقي والمكتفي وأما من الملوك فهرمز بن أنوشروان أحد الملوك

الأكاسرة صمصام الدولة بن بويه منصور بن نوح بن منصور الساماني
من كان مكفوف البصر من أشراف الناس زهرة بن كلاب بن كعب عبد المطلب بن هشام العباس بن عبد المطلب الحكم بن العاص أبو سفيان بن حرب الحارث بن العباس بن عبد المطلب مطعم ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة عتبة بن مسعود الهذلي عبد الله بن عبيد الله بن عتبة أبو أحمد بن جحش بن مسعود الأسدي جابر بن عبد الله الأنصاري عبد الله ابن أرقم البراء بن عازب حسان بن ثابت أبو أسيد الساعدي قتادة بن دعامة دريد بن الصمة الجشمي عزمة بن نوفل الزهري الفاكه بن المغيرة المخزومي جذيمة بن حازم النهشلي

أبو العباس الشاعر علي بن زيد بن جدعان المغيرة بن مقسم الضبي الترمذي الكبير الحافظ الفقيه منصور الشاعر المصري ابن سيدة اللغوي أبو العلاء المعري بشار بن برد أبو البقاء العكبري أبو العيناء هشام بن معاوية الضرير النحوي الكوفي أبو القاسم السهيلي صاحب الروض الأنف أبو القاسم الشاطبي الصرصري الشاعر أبو الحسن علي بن عبد الغني الحصري أبو عبد الله بن خلصة المغربي النحوي أبو عبد الله بن الخياط

أصحاب العاهات من الملوك
من ملوك اليونان الإسكندر كان أحنف ومن ملوك الفرس أنو شروان كان أعور يزدجر كان أعرج ومن ملوك العرب جذيمة الوضاح كان

أبرص النعمان بن المنذر كان أحمر العينين والشعر ومن الخلفاء عبد الملك بن مروان أبخر يزيد بن عبد الملك أفقم هشام بن عبد الملك أحول مروان الحمار أشقر أزرق موسى الهادي شفته العليا متقلصة حتى كان أبوه المهدي قد رتب له خادما يلازمه متى غفل وفتح فاه قال موسى أطبق إبراهيم بن المهدي كان أسود سمينا يلقب بالتنين
ومن أشراف قريش وغيرهم أبو طالب أعرج وأبو جهل أحول أبو لهب كذلك وكذلك زياد وعدي بن زيد الأحنف بن قيس أحنف متراكب الأسنان صعل الرأس مائل الذقن والربيع بن زياد أبرص وكذلك الحارث بن حلزة وأيمن بن خريم والحسن بن قحطبة وكان عبيدة السلماني أصم وكذلك ابن سيرين والكميت الشاعر والمرقش الأكبر الشاعر أجدع

أصحاب النوادر
ابن أبي عتيق أشعب الطمع أبو الغصن جحا أبو العبر

أبو العنبس ابن الجصاص مزيد المدني

أجواد الإسلام
عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية عبد الله بن عامر بن كريز حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي خالد بن عبد الله بن خالد بن أسد بن العاص قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري عتاب بن أبي ورقاء الحنظلي أسماء بن خارجة بن حصن بن بدر الفزاري عبد الله بن أبي بكرة مولى رسول الله
الطلحات المعروفون بالجود
طلحة الفياض وهو طلحة بن عبيد الله أحد العشرة وطلحة الجود وهو طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وطلحة الدراهم وهو طلحة ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وطلحة الخير وهو طلحة ابن الحسن بن علي بن أبي طالب وطلحة الندى وهو طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري وطلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي
أزواد الركب ثلاثة من قريش وهم مسافر بن أبي عمرو بن أمية

وزمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى بن قصي والمغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم سموا بذلك لأنهم لم يتزود معهم أحد في سفر قط لجودهم

من اشتهر عند أهل الأثر بلقبه
غسيل الملائكة وهو حنظلة بن أبي عامر الأنصاري أصيب يوم أحد فأخبر النبي أن الملائكة غسلته قتيل الجن هو سعد بن عبادة بال في جحر فقتله الجن مصافح الملائكة هو عمران بن حصين حمي الدبر هو عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح حمته النحل إلى أن كان الليل ذو الشهادتين هو خزيمة بن ثابت الأنصاري شهد لرسول الله بقضاء دين اليهودي حين أخبر النبي أنه وفاه اعتمادا على خبر النبي فجعل شهادته بشهادتين ذو العين هو قتادة بن النعمان أصيبت عينه يوم أحد فردها رسول الله ذو اليدين هو عبيد بن عبد عمرو الخزاعي كان يعمل بيديه معا ذو العمامة هو أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية كان إذا لبس عمامته لم يلبس قرشي عمامته حتى ينزعها ذو الثدية كانت إحدى يديه مخدجة كالثدي كان رأس الخوارج ذو الثفنات كان يقال ذلك

لعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولعلي بن عبد الله بن عباس لما علا أعضاء السجدات منهما من شبه ثفنات العبير ذو السيفين هو أبو الهيثم بن التيهان سمي بذلك لتقلده في الحرب بسيفين سيف الله هو خالد بن الوليد أسد الله هو حمزة بن عبد المطلب ذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر سميت بذلك لأنها شقت نطاقها للسفرة في الليلة التي هاجر النبي هو وأبوها إلى المدينة عروة الصعاليك هو عروة بن الورد كان إذا شكا إليه أحد أعطاه فرسا ورمحا وقال له إن لم تستغن بذلك فلا أغناك الله سليك المقانب هو سليك بن سلكة كان أعدى الناس حتى إن الفرس لا يدركه طفيل الأعراس رجل من غطفان وقيل هو من موالي عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتتبع الأعراس فيأتيها من غير دعوة وإليه تنسب الطفيلية أشج بني أمية هو عمر بن عبد العزيز جبار بني العباس هو هارون الرشيد لأنه أغزى ابنه القاسم الروم فقتل منهم خمسين ألفا وأخذ منهم خمسة آلاف دابة بالسروج واللجم الفضة وأغزى علي بن عيسى بن ماهان بلاد الترك فقتل منهم أربعين ألفا وغزا هو بنفسه بلاد الروم ففتح هرقلة وأخذ الجزية من ملك الروم بنات طارق هن بنات العلاء بن طارق بن أمية بن عبد شمس سمين بجدهن يضرب بهن المثل في الحسن والشرف بنات الحارث هن بنات الحارث بن هشام يضرب بهن المثل في الحسن وغلو المهر

من كان فردا في زمانه بحيث يضرب به المثل في أمثاله
كان الإسكندر في طوفان الأرض وكسرى أنوشروان في العدل وزرقاء اليمامة في حدة النظر وحاتم الطائي في الكرم وكعب بن مامة

في الإيثار وأرسطاطاليس في الحكمة وبقراط في الطب وقس بن ساعدة في الفصاحة وسحبان وائل في البلاغة وعمرو بن الأهتم في البيان وباقل في العي وأبو بكر الصديق رضي الله عنه في معرفة الأنساب وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوة الهيبة وعثمان بن عفان رضي الله عنه في التلاوة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في القضاء ومعاوية في كثرة الاحتمال وأبو عبيدة بن الجراح في الأمانة وأبو ذر في صدق اللهجة وأبي بن كعب في القرآن وزيد بن ثابت في الفرائض وابن عباس في تفسير القرآن وعمرو بن العاص في الدهاء وأبو موسى الأشعري في سلامة الباطن والحسن البصري في الوعظ والتذكير ووهب ابن منبه في القصص وابن سيرين في تعبير الرؤيا ونافع في القراءة وأبو حنيفة في القياس في الفقه وابن إسحاق في المغازي ومقاتل في التأويل والكلبي في قصص القرآن وابن الكلبي الصغير في النسب وأبو الحسن المدائني في الأخبار ومحمد بن جرير الطبري في علوم الأثر والخليل بن أحمد في العروض وفضيل بن عياض في

العبادة ومالك بن أنس في العلم والشافعي في فقه الحديث وأبو عبيدة في الغريب وعلي بن المديني في علل الحديث ويحيى بن معين في رجال الحديث وأحمد بن حنبل في السنة والبخاري في نقد الصحيح والجنيد في التصوف ومحمد بن نصر المروزي في الاختلاف وأبو علي الجبائي في الاعتزال وأبو الحسن الأشعري في علم الكلام وأبو القاسم الطبراني في عوالي الحديث وعبد الرزاق في ارتحال الناس إليه وابن منده في سعة الرحلة وأبو بكر الخطيب في سرعة القراءة وابن حزم في مذهب الظاهر وسيبويه في النحو وأبو الحسن البكري السيري في الكذب وإياس بن معاوية في

الذكاء والتفرس وعبد الحميد في الكتابة والوفاء وأبو مسلم الخراساني في علو الهمة والحزم وإسحاق الموصلي النديم في الغناء وأبو الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني في المحاضرة وأبو معشر في النجوم والرازي في الطب وعمار بن حمزة في التيه والفضل بن يحيى في الجود وجعفر بن يحيى في التوقيع وابن زيدون في سعة العبارة وابن القرية في البلاغة والجاحظ في الأدب والبيان والحريري في المقامات والبديع الهمذاني في الحفظ وأبو نواس في المجون والخلاعة وابن حجاج الشاعر في سخف الألفاظ والمتنبي في الحكم والأمثال شعرا والزمخشري في تعاطي العربية والنسفي في الجدل وجرير الشاعر في الهجاء الخبيث وحماد الراوية في شعر العرب والأحنف بن قيس في الحلم والمأمون في حب العفو

والوليد في شرب الخمر وعطاء السلمي في الخوف من الله تعالى وابن البواب في الكتابة والقاضي الفاضل في الترسل والعماد الكاتب في الجناس وأشعب في الطمع وأبو نصر الفارابي في معرفة كلام القدماء ونقله وتفسيره وحنين بن إسحاق في ترجمة اليوناني إلى العربي وابن سينا في الفلسفة وعلوم الأوائل والإمام فخر الدين الرازي في الاطلاع على العلوم والجاحظ في سعة العبارة والسيف الآمدي في التحقيق والنصير الطوسي في معرفة المجسطي وابن الهيثم في الرياض ونجم الدين الكاتبي في المنطق وابن

الأعرابي في الاطلاع على اللغة وأبو العيناء في الأجوبة المسكتة ومزيد في البخل والقاضي أحمد بن أبي دواد في المروءة وحسن التقاضي وابن المعتز في التشبيه وابن الرومي في التطير والصولي في الشطرنج والغزالي في الجمع بين المعقول والمنقول وأبو الوليد بن رشد في تلخيص كتب الأقدمين الفلسفية والطبية ومحيي الدين بن عربي في علوم التصوف وجابر بن حيان في علم الكيمياء

غرائب اتفاق
اتفاقية جليلة ولد النبي يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين وهاجر يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين
اتفاقية أخرى قتل عبد الله بن زياد الحسين بن علي عليهما السلام يوم عاشوراء وقتله الله على يد إبراهيم بن الأشتر في يوم عاشوراء
أخرى قال عبد الملك بن عمير الليثي رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين بن علي بين يدي عبد الله بن زياد على ترس ثم رأيت فيه رأس عبد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد ثم رأيت فيه رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ثم رأيت فيه رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان قال فحدثت بهذا عبد الملك بن مروان فتطير منه ففارق مكانه

أخرى قال الصولي حدثني الحسين بن يحيى الكاتب أنه لما ولي المعتز لم تمض مدة لطيفة حتى أحضر الناس وأخرج المؤيد وقيل اشهدوا أنه دعي فأجاب وليس به أثر ثم مضت مدة شهر فأحضر الناس وأخرج المستعين وقال إن منيته أتت عليه وها هو لا أثر به فاشهدوا ثم خلع المعتز واستحلف المهتدي ولم يمض إلا مديدة حتى أخرج المعتز ميتا وقال أشهدوا أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتا وقال اشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته فتعجب الناس من تلاحقهم في مدة يسيرة
عبرة مات المكتفي بالله عن مائة ألف ألف دينار ولما غسل لم توجد مجمرة يبخر فيها إلا مجمرة من خزف أحمر وكان فيما خلف ألوف من مجامر الذهب والفضة قال أحمد بن أبي دواد لقد شددت لحيي المأمون والمعتصم والواثق بعد موتهم فلم أجد خرقة أشد بها لحيي واحد منهم إلا ما أخرقه من الدراريع التي تكون علي
لطيفة في سنة ثلاث وثمانين ومائتين أمر المعتضد برد فاضل سهام المواريث على ذوي الأرحام وأبطل ديوان الموايث وكتب بذلك إلى الآفاق
لطيفة في سنة أربع وثمانين ومائتين أخبر المنجمون بغرق أكثر الأقاليم بسبب كثرة الأمطار وزيادة الأنهار فتحفظ الناس من ذلك فقلت الأمطار حتى استسقوا ببغداد مرات
غريبة ذكر ابن سينا في المقالة الأولى من كتابه الشفاء أنه نزل

بجرجان صاعقة من الهواء فنشبت في الأرض ثم نبت نبوة الكرة وسمع الناس لذلك صوتا عظيما هائلا فحفروا عليها فإذا هي قطعة من حديد تقدير مائة وخمسين منا وهي أجزاء جاورشية صغار مستديرة التصق بعضها ببعض فكتب محمود بن سبكتكين صاحب خراسان بإنفاذه إليه أو قطعة منه فتعذر نقله لثقله فحاولوا كسر قطعة منه فلم تعمل فيه الآلات فعولج كسره فقطع منه قطعة لطيفة وحملت إليه فرام أن يطبع منها سيفا فتعذر عليه
لطيفة أخرى في سنة إحدى عشرة وخمسمائة جاء سيل عظيم فغرق مدينة سنجار من بلاد الجزيرة وهدم المنازل وأغرق خلقا كثيرا ومن غريب ما حكي أن السيل حمل مهدا فيه صبي صغير فتعلق المهد بشجرة زيتون وغاض الماء وبقي المهد معلقا بالشجرة فسلم الصغير
أعجوبة في سنة ستين وأربعمائة كان بمصر وفلسطين زلزلة عظيمة طلع فيها الماء من رؤوس الآبار وزال البحر عن الساحل مسيرة يوم فنزل الناس إلى أرض البحر يلتقطون ما انكشف البحر عنه مما في أرضه فرجع الماء عليهم فأهلك منهم خلقا كثيرا
ثم في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وقع ببلاد الشام زلزلة عظيمة خربت شيزر وحماه وحمص وحصن الأكراد وطرابلس وأنطاكية وغيرها من البلاد التي حولها ووقعت الأسواق والقلاع حتى تداركها نور الدين الشهيد رحمه الله بالعمارة

فائدة في سنة اثنتين وخمسمائة قلع المقتفي الخليفة باب الكعبة وعمل عوضه بابا مصفحا بالفضة المذهبة وعمل لنفسه من الباب الأول تابوتا ليدفن فيه
نادرة في سنة خمس وستين وسبعمائة وقع ثلج عظيم بالشام فكسر الأشجار وقطع الطرق لا سيما بعكبراء وما حولها
أخرى في سنة سبعين وسبعمائة ظهر بالشام جراد عظيم لم يسمع بمثله وامتد من مكة إلى الشام وعظم بحوران حتى أكل الأشجار والأخشاب وأبواب الدور وما وصل إليه من الأصبغة والقماش وسدت أعين الماء خوفا من أن يفسدها وكان من شأنه بعجلون أنه امتلأت منه المدينة وغلقت الأسواق وطبقت أبواب الدكاكين والطاقات وسدت الأبواب وحضروا لصلاة الجمعة فملأ عليهم الجامع وترامى على الخطيب على المنبر حتى شغله عن الخطبة وكذلك حير الناس حتى خرجوا من الجامع يخبون فيه خبا إلى الركب وأنتنت لكثرة ما قتل منه حتى صار أهل البلد يشمون القطران ليغطي رائحته ( وما يعلم جنود ربك إلا هو )
أخرى في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة رأى أهل الشام في السماء بعد مغيب الشفق حمرة عظيمة من جهة الشمال ثم اشتدت الحمرة حتى صارت كالنار الموقدة وانتشرت في السماء حتى كاد يغطي ثلثها وعم بلاد الشام حتى كان بدمشق وبعلبك وحلب وقاقون والرملة والقدس وطرابلس حتى خاف جميع أهل هذه البلاد على أنفسهم الهلاك وضرعوا إلى الله تعالى وابتهلوا إليه فكشف الله عنهم بعد نصف الليل
قلت وقد رأيت مثل هذه الآية العظيمة بمصر في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وهو أنه ظهرت حمرة عظيمة من جهة الغرب فوق حمرة النار وجاء

من وراء تلك الحمرة برق ساطع فصار كلما لمع البرق داخل تلك الحمرة يخال الناظر أنها نار لا محالة حتى داخلني منه أنه عذاب قد صب على الناس ثم انقشع بعد العشاء بقليل فلذلك لم ينتبه له أهل مصر وبالجملة فوقائع الدهر وعجائبه أكثر من أن تحصر ولا يحتمل هذا الموضع أكثر من هذا القدر
( والليالي كما علمت حبالى ... مقربات يلدن كل عجيب )

المقصد الثاني في بيان وجه استعمال الكاتب ذلك في خلاله كلامه
لا يخفى أن الكاتب إذا عرف أحوال المتقدمين وسيرهم وأخبارهم ومن برع منهم صار عنده علم بما لعله يسأل عنه واعتداد لما يرد عليه من ذكر واقعة بعينها أو يحتج عليه به من صور قديمة ليكون على يقين منها مع ما يحتاج إلى إيراده في خلال مكاتباته ورسائله من ذكر من حسن الاحتجاج بذكره في أمر من الأمور أو حالة من الحالات كما كتب به البديع الهمذاني إلى أبي الحسين بن فارس وقد بلغه أنه ذكر في مجلسه فقال إن البديع قد نسى حق تعليمنا إياه وعقنا وشمخ بأنفه عنا والحمد لله على فساد الزمان وتغير نوع الإنسان فكتب إليه
نعم أطال الله بقاء الشيخ الإمام إنه الحمأ المسنون وإن ظنت الظنون والناس لآدم وإن العهد قد تقادم وارتكبت الأضداد واختلط الميلاد والشيخ يقول فسد الزمان أفلا يقول متى كان صالحا أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها وسمعنا أولها أم المدة المروانية وفي أخبارها لا

تكسع الشول بأغبارها أم السنين الحربية والسيف يغمد في الطلا والرمح يركز في الكلا وميت جحر في الفلا والحرتان وكربلا أم البيعة الهاشمية وعلي يقول ليت العشرة منكم برأس من بني فراس أم الأيام الأموية والنفير إلى الحجاز والعيون إلى الأعجاز أم الإمارة العدوية وصاحبها يقول وهل بعد البزول إلا النزول أم الخلافة التيمية وصاحبها يقول طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة أم في الجاهلية ولبيد يقول
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب )
أم قبل ذلك وأخو عاد يقول
( بلاد بها كنا وكنا نحبها ... إذا الناس ناس والزمان زمان )
أم قبل ذلك ويروى لآدم عليه السلام
( تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مسود قبيح )
أم قبل ذلك والملائكة تقول ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) وما فسد الناس ولكن اطرد القياس ولا ظلمت الأيام إنما امتد الإظلام وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ويمسي المرء إلا عن

صباح ولعمري لئن كان كرم العهد كتابا يرد وجوابا يصدر إنه لقريب المنال وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه شفيق على بقائه منتسب إلى ولائه شاكر لآلائه
والغاية القصوى في ذلك ما كتب به ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون رحمه الله على لسان محبوبته ولادة بنت محمد بن عبد الرحمن الناصر إلى إنسان استمالها عنه إلى نفسه وهي
أما بعد أيها المصاب بعقله المورط بجهله البين سقطه الفاحش غلطه العاثر في ذيل اغتراره الأعمى عن شمس نهاره الساقط سقوط الذباب على الشراب المتهافت تهافت الفراش في الشهاب فإن العجب أكذب ومعرفة المرء نفسه أصوب وإنك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك متصديا من خلتي لما قدعت فيه أنوف أشكالك مرسلا خليلتك مرتادة مستعملا عشيقتك قوادة كاذبا نفسك في أنك ستنزل عنها إلي وتخلف بعدها علي
( ولست بأول ذي همة ... دعته لما ليس بالنائل )
ولا شك أنها قلتك إذ لم تضن بك وملتك إذ لم تغر عليك فإنها أعذرت في السفارة لك وما قصرت في النيابة عنك زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه والإنسانية اسم أنت جسمه وهيولاه قاطعة أنك انفردت بالجمال واستأثرت بالكمال واستعليت في مراتب الخلال حتى خيلت أن يوسف عليه السلام حاسنك فغضضت منه وأن امرأة العزيز رأتك فسلت عنه وأن قارون أصاب بعض ما كنزت والنطف عثر على فضل ما

ركزت وكسرى حمل غاشيتك وقيصر رعى ماشيتك والإسكندر قتل دارا في طاعتك وأردشير جاهد ملوك الطوائف بخروجهم عن جماعتك والضحاك استدعى مسالمتك وجذيمة الأبرش تمنى منادمتك وشيرين قد نافست بوران فيك وبلقيس غايرت الزباء عليك وأن مالك بن نويرة إنما أردف لك وعروة بن جعفر إنما رحل إليك وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزتك وجساسا إنما قتله بأنفتك ومهلهلا إنما طلب ثأره بهمتك والسموءل إنما وفى عن عهدك والأحنف إنما اجتبى في بردك وحاتما إنما جاد بوفرك ولقي الأضياف ببشرك وزيد بن مهلهل إنما ركب بفخذيك والسليك بن السلكة إنما عدا على رجليك وعامر بن مالك إنما لاعب الأسنة بيديك وقيس بن زهير إنما استعان بدهائك وإياس بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك وسحبان وائل إنما تكلم بلسانك وعمرو بن الأهتم إنما سحر ببيانك وأن الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك والحمالات في دماء عبس وذبيان أسندت إلى كفالتك وأن احتيال هرم لعامر وعلقمة حتى رضيا كان عن إشارتك وجوابه لعمر وقد سأله عن أيهما كان ينفر وقع بعد مشورتك وأن الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك والمهلب أوهن شوكة الأزارقة بأيدك وأفسد ذات بينهم بكيدك وأن هرمس أعطى بيلينوس ما أخذ منك وأفلاطون أورد على أرسطاطاليس ما حدث عنك وبطليموس سوى الإصطرلاب بتدبيرك وصور الكرة على تقديرك وأبقراط علم العلل والأمراض بلطف حسك وجالينوس عرف طبائع

الحشائش بدقة حدسك وكلاهما قلدك في العلاج وسألك عن المزاج واستوصفك تركيب الأعضاء واستشارك في الداء والدواء وأنك نبحت لأبي معشر طريق الفضاء وأظهرت جابر بن حيان على سر الكيمياء وأعطيت النظام أصلا أدرك به الحقائق وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق وأن صناعة الألحان اختراعك وتأليف الأنقار توليدك وابتداعك وأن عبد الحميد بن يحيى باري أقلامك وسهل بن هارون مدون كلامك وعمرو بن بحر مستمليك ومالك بن أنس مستفتيك وأنت الذي أقام البراهين ووضع القوانين وحد الماهية وبين الكيفية والكمية وناظر في الجوهر والعرض وميز الصحة من المرض وحل المعمى وفصل بين الاسم والمسمى وضرب وقسم وعدل وقوم وصنف الأسماء والأفعال وبوب الظرف والحال وبنى وأعرب ونفى وتعجب ووصل وقطع وثنى وجمع وأظهر وأضمر وابتدأ وأخبر واستفهم وأهمل وقيد وأرسل وأسند الجعد وقتل بشار بن برد وأنك لو شئت خرقت العادات وخالفت المعهودات فأحلت البحار عذبة وأعدت السلام رطبة ونقلت غدا فصار أمسا وزدت في العناصر فكانت خمسا وأنك المقول فيك كل الصيد في جوف الفرا والمقول فيك

( ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد )
والمعني بقول أبي تمام
( فلو صورت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطباع )
والمراد بقول أبي الطيب
( ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ... كنت البديع الفرد من أبياتها )
فكدمت في غير مكدم واستسمنت ذا ورم ونفخت في غير ضرم ولم تجد لرمح هزا ولا لشفرة مجزا بل رضيت من الغنيمة بالإياب وتمنت الرجوع بخفي حنين لأني قلت لها
( لقد ذل من بالت عليه الثعالب ... )
وأنشدت
( على أنها الأيام قد صرن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب )
ونخرت وكفرت وعبست وبسرت وأبدأت وأعدت وأبرقت وأرعدت

وهممت ولم أفعل وكدت وليتني ولولا أن للجوار ذمة وللضيافة حرمة لكان الجواب في قذال الدمستق والنعل حاضرة إن عادت العقرب والعقوبة ممكنة إن أصر المذنب وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ملؤها حبيبها وحسن فيها من تود وكانت إنما حلتك بحلاك ووسمتك بسيماك ولم تعرك شهادة ولا تكلفت لك زيادة بل صدقت سن بكرها فيما ذكرته عنك ووضعت الهناء مواضع النقب فيما نسبته إليك ولم تكن كاذبة فيما أثنت به عليك فالمعيدي تسمع به خير من أن تراه هجين القذال أرعن السبال طويل العنق والعلاوة مفرط الحمق والغباوة جافي الطبع سيء الإجابة والسمع بغيض الهيئة سخيف الذهاب والجيئة ظاهر الوسواس منتن الأنفاس كثير المعايب مشهور المثالب كلامك تمتمة وحديثك غمغمة وبيانك فهفهة وضحكك قهقهة ومشيك هرولة وغناك مسألة ودينك زندقة وعلمك مخرقة
( مساو لو قسمن على الغواني ... لما أمهرن إلا بالطلاق )
حتى إن باقلا موصوف بالبلاغة إذا قرن بك وهبنقة مستحق لاسم

العقل إذا أضيف إليك وأبا غبشان محمود منه سداد الفعل إذا نسب إليك وطويسا مأثور عنه يمن الطائر إذا قيس عليك فوجودك عدم والاعتناء بك ندم والخيبة منك ظفر والجنة معك سقر كيف رأيت لؤمك لكرمي كفاء وضعتك لشرفي وفاء وأني جهلت أن الأشياء إنما تنجذب إلى أشكالها والطير إنما تقع على آلافها وهلا علمت أن الشرق والغرب لا يجتمعان وشعرت أن ناري المؤمن والكافر لا تتراءيان وقلت الخبيث والطيب لا يستويان وتمثلت
عمرك الله كيف يلتقيان
وذكرت أني علق لا يباع ممن زاد وطائر لا يصيده من أراد وغرض لا يصيبه إلا من أجاد فما أحسبك إلا قد كنت تهيأت للتهنية وترشحت للترفية لولا أن جرح العجماء جبار للقيت ما لقي من الكواعب يسار فما هم إلا بدون ما هممت به ولا تعرض إلا لأيسر مما تعرضت له أين ادعاؤك رواية الأشعار وتعاطيك حفظ السير والأخبار أما ثاب لك قول الشاعر

( بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع ... وتنكح في أكفائها الحبطات )
وهلا عشيت ولم تغتر وما أمنك أن تكون وافد البراجم أو ترجع بصحيفة المتلمس أو أفعل بك ما فعله عقيل بن علفة بالجهني الذي جاء خاطبا فدهن استه بزيت وأدناه من قرية النمل ومتى كثر تلاقينا واتصل ترائينا فيدعوني إليك ما دعا ابنة الخس إلى عبدها من طول السواد وقرب الوساد وهل فقدت الأراقم فأنكح في جنب أو عضلني همام بن مرة فأقول زوج من عود خير من قعود ولعمري لو بلغت هذا المبلغ لارتفعت عن هذه الحطة وما رضيت بهذه الخطة فالنار ولا العار والمنية ولا الدنية والحرة تجوع ولا تأكل بثدييها
( فكيف وفي أبناء قومي منكح ... وفتيان هزان الطوال الغرانقة )

ما كنت لأتخطى المسك إلى الرماد ولا أمتطي الثور دون الجواد وإنما يتيمم من لا يجد ماء ويرعى الهشيم من عدم الجميم ويركب الصعب من لا ذلول له ولعلك إنما غرك من علمت صبوتي إليه وشهرت مساعفتي له من أقمار العصر ورياحين المصر الذين هم الكواكب علوهمم والرياض طيب شيم
ومن تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
فحن قدح ليس منها ما أنت وهم وأين تقع منهم وهل أنت إلا واو عمرو فيهم وكالوشيظة في العظم بينهم وإن كنت إنما بلغت قعر تابوتك وتجافيت لقميصك عن بعض قوتك وعطرت أردانك وجررت هميانك واختلت في مشيتك وحذفت فضول لحيتك وأصلحت شاربك ومططت حاجبك ورققت خط عذارك واستأنفت عقد إزارك رجاء الاكتنان فيهم وطمعا في الاعتداد منهم فظننت عجزا وأخطأت استك الحفرة والله لو كساك محرق البردين وحلتك مارية بالقرطين وقلدك عمرو الصمصامة وحملك الحارث على النعامة ما شككت فيك ولا تكلمت بملء فيك ولا سترت إياك ولا كنت إلا ذاك وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب وجاريتهم في غاية الظرف والأدب ألست تأوى إلى بيت قعيدته لكاع إذ كلهم عزب خالي الذراع وأين من أنفرد به ممن

لا غلب إلا على الأقل الأخس منه وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة والشهوة الوافرة والنفس المصروفة إلي واللذة الموقوفة علي وبين آخر قد نزحت بيره ونضب غديره وذهب نشاطه ولم يبق إلا ضراطه وهل كان يجتمع لي فيك إلا الحشف وسوء الكيلة ويقترن علي بك إلا الغدة والموت في بيت سلولية
( تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال )
ما كان أخلقك بأن تقدر بذرعك وتربع بذلك على ظلعك ولا تكون براقش الدالة على أهلها وعنز السوء المستثيرة لحتفها فما أراك إلا قد سقط العشاء بك على سرحان وبك لا بظبي أعفر قد

أعذرت إن أغنيت شيا وأسمعت لو ناديت حيا وقرعت عصا العتاب وحذرت سوء العقاب
( إن العصا قرعت لذي الحلم ... والشيء تحقره وقد ينمي )
فإن بادرت بالندامة ورجعت على نفسك بالملامة كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك وإن قلت جعجعة ولا طحن قرب صلف تحت الراعدة وأنشدت
( لا يؤئسنك من مخدرة ... قول تغلظه وإن حرجا )
فعدت لما نهيت عنه وراجعت ما استعفيت منه بعثت من يزعجك إلى الخضراء دفعا ويستحثك نحوها وكزا وصفعا فإذا صرت إليها عبثت أكاروها بك وتسلط نواطيرها عليك فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ومن فجلة منتنة ترمى بها تحت خصاك ذلك بما قدمت يداك لكي تذوق وبال أمرك وترى ميزان قدرك
( فمن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه ما لا يرى )
فلولا المعرفة بالتاريخ والإحاطة بالوقائع والسير والأقاصيص والأمثال السائرة في معنى ذلك لما تأتى للناثر الاقتدار على سبك هذه الوقائع والتلويح بمقتضياتها

النوع السابع عشر المعرفة بخزائن الكتب وأنواع العلوم والكتب المصنفة
فيها وأسماء الرجال المبرزين في فنونها وفيه مقصدان
المقصد الأول في ذكر خزائن الكتب المشهورة
قد كان للخلفاء والملوك في القديم بها مزيد اهتمام وكمال اعتناء حتى حصلوا منها على العدد الجم وحصلوا على الخزائن الجليلة ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن
إحداها خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد فكان فيها من الكتب مالا يحصى كثرة ولا يقوم عليه نفاسة ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب وذهبت معاملها وأعفيت آثارها
الثانية خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر وكانت من أعظم الخزائن وأكثرها جمعا للكتب النفيسة من جميع العلوم على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية في المقالة الثانية ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم بموت العاضد آخر خلفائهم واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على المملكة بعدهم فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل
الثالثة خزانة خلفاء بني أمية بالأندلس وكانت من أجل خزائن الكتب أيضا ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس فذهبت كتبها كل مذهب
أما الآن فقد قلت عناية الملوك بخزائن الكتب اكتفاء بخزائن كتب المدارس التي ابتنوها من حيث إنها بذلك أمس

واعلم أن الكتب المصنفة أكثر من أن تحصى وأجل من أن تحصر لا سيما الكتب المصنفة في الملة الإسلامية فإنها لم يصنف مثلها في ملة من الملل ولا قام بنظيرها أمة من الأمم إلا أن منها كتبا مشهورة قد توفرت الدواعي على نقلها والإكثار من نسخها وطارت سمعتها في الآفاق ورغب في اقتنائها

المقصد الثاني في ذكر العلوم المتداولة بين العلماء والمشهور من الكتب
المصنفة فيها ومؤلفيهم
ويرجع المقصد فيها إلى سبعة أصول يتفرع عنها أربعة وخمسون علما
الأصل الأول علم الأدب وفيه عشرة علوم
الأول علم اللغة من الكتب المختصرة فيه المنتخب والمجرد لكراع وأدب الكاتب لابن قتيبة وفقه اللغة للثعالبي والفصيح لثعلب وكفاية المتحفظ لابن الأجدابي والألفية لأبن اصبع ومن

المتوسطة فيه المجمل لابن فارس وديوان الأدب للفارابي وإصلاح المنطق لابن السكيت ومن المبسوطة الجامع للأزهري والعباب الزاخر للصاغاني والصحاح للجوهري قال في إرشاد القاصد ولا أنفع ولا أجمع من المحكم لابن سيده
الثاني علم التصريف من الكتب المختصرة فيه التصريف الملوكي لابن جني والتعريف لابن مالك ومن المتوسطة تصريف ابن الحاجب وهو من أحسن الكتب الموضوعة فيه وأجمعها ومن المبسوطة

فيه الممتع لابن عصفور وشروح تصريف ابن الحاجب وغيره
الثالث علم النحو من الكتب المختصرة فيه الكافية لابن الحاجب والدرة الألفية لابن معطي والخلاصة لابن مالك ومن المتوسطة المفصل للزمخشري والمقرب لابن عصفور والكافية الشافية لابن مالك وتسهيل الفوائد له وهو الجامع على شدة اختصاره ومن المبسوطة كتاب سيبويه وشروحه وشرح ابن قاسم على الألفية وشرحه على التسهيل وشرح شهاب الدين السمين عليه وأوسع الكل شرح الشيخ أثير الدين أبي حيان على التسهيل
الرابع علم المعاني من الكتب المنفردة فيه مصنف تميثم الحربي وهو عزيز الوجود

الخامس علم البيان من الكتب المنفردة به كتاب نهاية الإعجاز للإمام فخر الدين الرازي والجامع الكبير لابن الأثير الجزري
السادس علم البديع من الكتب المنفردة به المختصرة فيه زهر الربيع للمطرزي ومن المتوسطة فيه البديع للتيفاشي وشرح البديعية للصفي الحلي ومن المبسوطة كتاب التحبير لابن أبي الأصبع
تنبيه ومن الكتب المشتملة على علوم المعاني والبيان والبديع روض الأزهار لابن مالك والإيضاح لابن مالك وأعظمها شهرة بالديار المصرية تلخيص المفتاح لقاضي القضاة جلال الدين القزويني وعليه عدة شروح منها شرح الخلخالي وشرح الشيخ أكمل الدين وشرح الشيخ بهاء الدين السبكي وهو من أجل شروحه والمعول عليه منها شرح الشيخ

سعد الدين التفتازاني
السابع علم العروض من الكتب المختصرة فيه عروض ابن مالك ولابن الحاجب فيه لامية كافية اعتنى الناس بشرحها وممن شرحها الشيخ جمال الدين بن واصل والشيخ جمال الدين الأسنوي وللساوي لامية ضاهى فيها لامية ابن الحاجب وللإمام القزويني عليها شرح حسن وللأيكي فيه مختصر بديع وللجوهري فيه مختصر ومن المتوسطة فيه عروض ابن القطاع وعروض ابن الخطيب التبريزي ومن المبسوطة كتاب الأمين المحلي وعروض الأستاذ أبي الحسن العروضي المعروف بأستاذ المقتدر وقد نظم فيه صاحبنا شعبان

الآثاري محتسب مصر ألفية فائقة سماها هداية الضليل إلىعلم الخليل جمع فيها فأوعى
الثامن علم القوافي من الكتب المختصرة فيها قوافي الأيكي ومن المتوسطة قوافي ابن القطاع ومن المبسوطة قوافي ابن سيده
التاسع علم قوانين الخط في أصل الخط ألفية لشعبان الآثاري ولابن الحسين كتاب في قلم الثلث ولابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام مصنف في قلم النسخ وفي صناعة الهجاء المختصة بالقرآن الرائية للشاطبي وفي خلال كتب النحو الجامعة كالتسهيل وغيره جملة من الهجاء وقد أودعت في هذا الكتاب ما فيه كفاية من ذلك
العاشر قوانين القراءة فيه كتاب التنبيه لأبي عمرو الداني

الأصل الثاني العلوم الشرعية وفيه تسعة علوم
الأول علم النواميس المتعلق بالنبوات وفيه كتاب لأرسطاطاليس وكتاب لأفلاطن وأكثر مسائله في كتاب المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي وفي آخر الطوالع والمصباح للبيضاوي مسائل من ذلك

الثاني علم القراءات من الكتب المختصرة فيه التيسير لأبي عمرو الداني ونظمه الشاطبي في قصيدته التي وسمها بحرز الأماني فأغنت عما سواها من كتب القراءات واعتنى الناس بشرحها ولابن مالك دالية بديعة في علم القراءات لكنها لم تشتهر ومن الكتب المبسوطة فيه كتاب الروضة في القراءات وشروح الشاطبية كالفاسي وغيره
الثالث علم التفسير من الكتب المختصرة فيه زاد المسير لابن الجوزي والوجيز للواحدي والنهر لأبي حيان ومن المتوسطة فيه الوسيط للواحدي والكشاف للزمخشري ومعالم التنزيل للبغوي ومن المبسوطة البسيط للواحدي وتفسير القرطبي وتفسير الإمام فخر الدين والبحر المحيط لأبي حيان
واعلم أن كل واحد من المفسرين قد غلب عليه فن من الفنون يميل إليه في تفسيره فالتيفاشي تغلب عليه القصص وابن عطية تغلب عليه العربية

وابن عطية تغلب عليه أحكام الفقه والزجاج تغلب عليه المعاني وغير ذلك
الرابع علم رواية الحديث أضبط الكتب المصنفة فيه وأصحها رواية صحيح البخاري وصحيح مسلم رضي الله عنهما وبعدهما بقية كتب السنن المشهورة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والمسندات المشهورة كمسند أحمد وابن أبي شيبة والبزار ونحوها
ومن كتب السير السيرة لابن هشام وزهر الخمائل لابن سيد الناس ومن الكتب المبسوطة المشتملة على متون الأحاديث دون الرواة جامع الأصول لابن الأثير ومن المتوسطة الجمع في ذلك الجمع بين الصحيحين للحميدي ومختصر جامع الأصول لمصنفه ومن

المختصرة فيما يتعلق بالأحكام الإلمام بأحاديث الأحكام للشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد وعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي
ومما يتعلق بالترغيب والترهيب رياض الصالحين للنووي ومما يتعلق بالأدعية كتاب الأذكار له وسلاح المؤمن لابن الإمام إلى غير ذلك من أنواع المصنفات المختلفة المقاصد مما لا يحصى كثرة
الخامس علم دراية الحديث من الكتب الموصلة للدخول في ذلك علوم الحديث لابن الصلاح وتقريب التيسير للنووي وعلوم الحديث للحاكم والكافية للخطيب أبي بكر وفي أول جامع الأصول المقدم ذكره في كتب رواية الحديث قطعة من ذلك ومن الكتب المبسوطة في أسماء الرجال الكمال ومن الكتب المبسوطة في معاني الحديث شرح البخاري لابن

بطال وشرحه لابن التين المغربي وشرحه لمغلطاي وشرحه للكرماني وشرحه لشيخنا سراج الدين بن الملقن وشرح مسلم للقاضي عياض وشرحه للشيخ محي الدين النووي وشرح سنن أبي داود للخطابي وشرح العمدة للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وشرحها للشيخ تاج الدين الفاكهاني
ومن الكتب في غريب الحديث كتاب الغريبين للهروي والنهاية لأبي السعادات بن الأثير وغير ذلك من سائر الأنواع

السادس علم أصول الدين من الكتب المختصرة فيه الطوالع للقاضي ناصر الدين البيضاوي والمصباح له وقواعد العقائد للخواجا نصير الدين الطوسي وكتاب الأربعين للقاضي جمال الدين بن واصل ومن المتوسطة المحصل للإمام فخر الدين والصحائف للسمرقندي وشرح الطوالع للسيد العبري وشرحها للشيخ عز الدين الأصفهاني
السباع علم أصول الفقه من الكتب المختصرة فيه مختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي والتنقيح للقرافي والقواعد لابن

الساعاتي ومن المتوسطة فيه التحصيل للأرموي ومن المبسوطة فيه الأحكام للآمدي والمحصول للإمام فخر الدين وشروح مختصر ابن الحاجب كشرح القطب الشيرازي وشرحي المسيلي وشرح الشيخ شمس الدين الأصفهاني وأتقن شرح عليه للعضد وكشرح منهاج البيضاوي لابن المطهر وشرحه للشيخ جمال الدين الأسنوي وغير ذلك وكشرح التنقيح لمصنفه

الثامن علم الجدل من الكتب المختصرة فيه المغني للأبهري والفصول للنسفي والخلاصة للمراغي والمعونة لأبي إسحاق الشيرازي ومن المتوسطة فيه النفائس للعميدي والوسائل للأرموي ومن المبسوطة تهذيب النكت للأبهري
التاسع علم الفقه من كتب الشافعية المختصرة مختصر المزني ومختصر البويطي والوجيز للغزالي والتنبيه لأبي إسحاق الشيرازي والمحرر للرافعي والمنهاج للنووي والحاوي الصغير لعبد الغفار

القزويني والعجب العجاب وجامع المختصرات ومختصر الجوامع للشيخ كمال الدين الشيباني ومن المتوسطة المهذب لأبي إسحاق الشيرازي والوسيط للغزالي والشرح الصغير للرافعي والروضة للنووي والجواهر للقمولي وأجمعها على أختصار المنتقى للشيخ كمال الدين الشيباني ومن المبسوطة الأم للإمام الشافعي والحاوي للماوردي والبحر للروياني والنهاية لإمام الحرمين والبسيط للغزالي والشامل لابن الصباغ والتتمة للمتولي والعدة لأبي

المكارم الروياني والشرح الكبير على الوجيز للرافعي وشرح المهذب للنووي انتهى فيه إلى أثناء الربا ولو كمل لأغنى عن جل كتب المذهب والكفاية في شرح التنبيه لابن الرفعة والمطلب في شرح الوسيط له والبحر المحيط في شرح الوسيط للقمولي ومن محاسنها المهمات على الرافعي والروضة للشيخ جمال الدين الأسنوي
ومن كتب الحنفية المختصرة البداية والنافع والكنز ومجمع البحرين ومختار الفتوى ومن المتوسطة الهداية ومن المبسوطة المحيط والمبسوط والتحرير والجامع الكبير وغير ذلك
ومن كتب المالكية المختصرة التلقين للقاضي عبد الوهاب ومختصر ابن الجلاب ومختصر ابن الحاجب ومن نفيس المختصرات فيها مختصر الشيخ خليل المالكي حذا فيه قريبا من حذو جامع المختصرات ومن المتوسطة التهذيب للبرادعي والجواهر لابن

شاس ونظم الدار للشارمساحي ومن المبسوطة النوادر لابن أبي زيد والبيان والتحصيل وكتاب ابن يونس وشرح التلقين للمازري وليس بكامل والذخيرة للقرافي
ومن كتب الحنابلة المختصرة مختصر الحذقي والنهاية الصغرى لابن رزين ومن المتوسطة المقنع والكافي ومن المبسوطة المغني لابن قدامة
ومن كتب الخلاف في المذاهب الأربعة الاختلاف والجمع لابن هبيرة الحنبلي ومن المشتمل على مذاهب السلف الإشراف لابن المنذر

الأصل الثالث العلم الطبيعي وفيه اثنا عشر علما
الأول علم الطب من الكتب المختصرة فيه الموجز لابن النفيس والفصول لأبقراط ومن المتوسطة المختار لابن هبل والمائة للمسيحي والشافي لابن القف ومن المبسوطة كامل الصناعة المعروف بالملكي والقانون للرئيس أبي علي بن سينا وهو الذي أخرج الطب من التلفيق إلى التهذيب والترتيب وهو أجمع الكتب وأبلغها لفظا وأحسنها تصنيفا
الثاني علم البيطرة من الكتب المصنفة فيه كتاب حنين بن إسحاق
الثالث علم البيزرة من الكتب المصنفة فيه كتاب القانون الواضح

وفي كتاب العلاجين لابن العوام جملة كافية من البيطرة والبيزرة
الرابع علم الفراسة من الكتب المصنفة فيه كتاب ارسطاطاليس وكتاب الفراسة للإمام فخر الدين الرازي ولفيلن فيه كتاب مختص بالتفرس في النساء
الخامس علم تعبير الرؤيا من الكتب المختصرة فيه فوائد الفرائد لابن الدقاق وتعبير الحنبلي المرتب على حروف المعجم ومن المتوسطة فيه شرح البدر المنير للحنبلي ومن المبسوطة فيه تأليف أبي سهيل المسيحي والبشرى في شرح كتاب الكرماني
السادس علم أحكام النجوم من الكتب المختصرة فيه مجمل الأصول

لكوشيار والجامع الصغير لمحي الدين المغربي ومن المتوسطة كتاب التاريخ والمغني لابن هنبتا ومن المبسوطة مجموع ابن سريج ومن الكتب المنفردة ببعض أجزائه الأدوار لأبي معشر والإرشاد لأبي الريحان البيروني والمواليد للخصيبي والتحاويل للسحرتي والمسائل للقيصراني ودرج الفلك لسكلوشا ومن المدخل إليه مدخل القبيصي والتفهيم للبيروني مدخل إلى هذا الفن وفيه ما يحتاج إليه من الرياض أيضا

السابع علم السحر وعلم الحرف والأوفاق ومن كتب السحر المعتبرة في بعض طرائقه السر المكتوم المنسوب للإمام فخر الدين وكتاب الجمهرة للخوارزمي وكتاب طيمارس لارسطاطاليس وفي غاية الحكم للمجريطي فصول كافية في بعض طرقه أيضا
ومن كتب علم الحرف كتاب لطائف الإشارات للبوني وشمس المعارف له وهو عزيز الوجود وفي النسخ المعتبرة من اللمعة النورانية للبوني قطعة كافية منه
الثامن علم الطلسمات في كتاب طبتانا الذي نقله ابن وحشية عن النبط أنموذج لعمل الطلسمات ومدخل إلى علمها وفي غاية الحكم للمجريطي قواعد هذا العلم قال في إرشاد القاصد إلا أنه ضن بالتعليم كل

الضن ولأبي يعقوب السكاسكي فيه كتاب جليل القدر
التاسع علم السيميا رأيت فيه كتبا مجهولة المصنفين
العاشر علم الكيميا من الكتب المطولة فيه كتب جابر بن حيان قال في إرشاد القاصد وأمثل كتب الإسلاميين في ذلك التذكرة لابن كمونه ورتبة الحكيم للمجريطي وشرح الفصول لعون بن المنذر ومن النظم الرائق فيه نظم الشذوري
الحادي عشر علم الفلاحة من الكتب المختصرة فيه الفلاحة المصرية ومن المبسوطة فيه الفلاحة النبطية ترجمة أبي بكر بن وحشية
الثاني عشر علم ضرب الرمل من الكتب المصنفة فيه تجارب العرب وفي مثلثات ابن محقق حصر صوره
تنبيه لارسطاطاليس ثمانية كتب في الطبيعي يختص كل كتاب منها بجزء جردها ابن سينا في مختصر ترجمه بالمقتضبات ولخصها أبو الوليد بن رشد تلخيصا مفيدا والمتأخرون جمعوا في غالب كتبهم بينه وبين الإلهي في التصنيف كما في الطوالع والمصباح للبيضاوي

الأصل الرابع علم الهندسة وفيه عشرة علوم
الأول علم عقود الأبنية من الكتب المصنفة فيه مصنف لابن الهيثم ومصنف للكرخي
الثاني علم المناظر من الكتب المختصرة فيه كتاب اقليدس ومن المتوسطة كتاب علي بن عيسى الوزير ومن المبسوطة كتاب ابن الهيثم
الثالث علم المرايا المحرقة من الكتب المصنفة فيه كتاب لابن الهيثم
الرابع علم مراكز الأثقال من الكتب المعتبرة فيه كتاب ابن الهيثم وفيه كتاب لأبي سهل الكوهي
الخامس علم المساحة من الكتب المختصرة فيه كتاب ابن مجلي

الموصلي ومن المتوسطة كتاب ابن المختار ومن المبسوطة كتاب أرشميدس
السادس علم إنباط المياه للكرخي فيه مختصر جليل وفي خلال الفلاحة النبطية لابن وحشية مهمات هذا العلم
السابع علم جر الأثقال فيه كتاب لفيلن
الثامن علم البنكامات فيه كتاب لأرشميدس عمدة في بابه
التاسع علم الآلات الحربية فيه كتاب لبني موسى بن شاكر
العاشر علم الآلات الروحانية أشهر كتبه الكتاب المعروف بحيل بني موسى وفيه كتاب مختصر لفيلن وكتاب مبسوط للبديع الجزري

الأصل الخامس
علم الهيئة وفيه خمسة علوم
الأول علم الزيجات قال في إرشاد القاصد أقرب الزيجات عهدا

بالرصد الزيج العلائي قال وأهل مصر في زماننا إنما يقيمون دفتر السنة من زيج لفقوه من عدة أزياج ولقبوه بالمصطلح وأتم الزيجات في زماننا الذي نحن فيه زيج الشيخ علاء الدين بن الشاطر الدمشقي وهو عزيز الوجود لم ينتشر ولم تكثر نسخه بعد
الثاني علم المواقيت من الكتب المختصرة فيه نفائس اليواقيت في علم المواقيت ومن المبسوطة جامع المبادي والغايات لأبي علي المراكشي
الثالث علم كيفية الأرصاد من الكتب المعتبرة فيه كتاب الأرصاد لابن الهيثم وكتاب الآلات العجيبة للحارثي يشتمل عليه
الرابع علم تسطيح الكرة من الكتب القديمة فيه كتاب تسطيح الكرة لبطليموس ومن الكتب المحدثة فيه الكامل للفرغاني والاستيعاب للبيروني وآلات التقويم للمراكشي

الخامس علم الآلات الظلية فيه عدة مصنفات ولإبراهيم بن سنان الحراني فيه كتاب مبرهن

الأصل السادس علم العدد المعروف بالارتماطيقي وفيه خمسة علوم
الأول علم الحساب المفتوح من الكتب المختصرة فيه مختصر ابن مجلي الموصلي ومختصر ابن فلوس المارديني ومختصر السموأل بن يحيى المغربي ومن المتوسطة الكافي للكرخي ومن المبسوطة الكامل لأبي القاسم بن السمح
الثاني علم حساب التخت والميل من الكتب المصنفة فيه على طريق الهندي كتب معدة ومن الكتب المصنفة فيه على طريق الغبار كتاب الحصار وكتاب المدخل وغيرهما
الثالث علم الجبر والمقابلة من الكتب المختصرة فيه نصاب الجبر لابن فلوس المارديني والمفيد لابن مجلي الموصلي ومن المتوسطة فيه كتاب

المظفر الطوسي ومن المبسوطة جامع الأصول لابن المجلي والكامل لأبي شجاع بن أسلم
الرابع علم حساب الخطأين وفيه من الكتب الجامعة كتاب لزين الدين المعري
الخامس علم حساب الدور والوصايا ومن الكتب المصنفة فيه كتاب لأفضل الدين الحويحي

الأصل السابع العلوم العملية وفيه ثلاثة علوم
الأول علم السياسة ومن الكتب المصنفة فيه كتاب السياسة لأرسطاطاليس الذي ألفه للإسكندر وكتاب المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي وللشيخ تقي الدين بن تيمية كتاب حسن في السياسة الشرعية
الثاني علم الأخلاق ومن الكتب المختصرة فيه كتاب للشيخ أبي علي بن سينا ومن المتوسطة كتاب الفوز لأبي علي بن مسكويه ومن

المبسوطة كتاب للإمام فخر الدين الرازي
الثالث علم تدبير المنزل ويحصل الانتفاع فيها بالاطلاع على السير الفاضلة المحمودة للملوك وغيرهم ولا أنفع من السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
فإذا عرف الكاتب هذه العلوم والفنون وما صنف فيها من الكتب أمكنه التصرف فيها في كتابه بذكر علم نبيل لمساواته أو التفضيل عليه وذكر كتاب مصنف في ذلك حيث تدعو الحاجة إلى ذكره كما وقع لي في تقريظ مولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن ابن سيدنا شيخ الإسلام أبي حفص عمر البلقيني الكناني الشافعي إن تكلم في الفقه فكأنما بلسان الشافعي تكلم والربيع عنه يروي والمزني منه يتعلم أو خاض في أصول الفقه قال الغزالي هذا هو الإمام باتفاق وقطع السيف الآمدي بأنه المقدم في هذا الفن على الإطلاق أو جرى في التفسير قال الواحدي هذا هو العالم الأوحد وأعطاه ابن عطية صفقة يده بأن مثله في التفسير لا يوجد واعترف له صاحب الكشاف بالكشف عن الغوامض وقال الإمام فخر الدين هذه مفاتيح الغيب وأسرار التنزيل فارتفع الخلاف واندفع المعارض أو أخذ في القراءات والرسم أزرى بأبي عمرو الداني وعدا شأو الشاطبي في الرائية وتقدمه في حرز الأماني أو تحدث في الحديث

شهد له السفيانان بعلو الرتبة في الرواية واعترف له ابن معين في التبريز والتقدم في الدراية وهتف الخطيب البغدادي بذكره على المنابر وقال ابن الصلاح لمثل هذه الفوائد تتعين الرحلة وفي تحصيلها تنفد المحابر أو أبدى في أصول الدين نظرا تعلق منه أبو الحسن الأشعري بأوفى زمام وسد باب الكلام على المعتزلة حتى يقول عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ليتنا لم نفتح بابا في الكلام أو دقق النظر في المنطق بهر الأبهري في مناظرته وكتب الكاشي وثيقة على نفسه بالعجز عن مقاومته أو ألم بالجدل رمى الأرمومي نفسه بين يديه وجعل العميدي عمدته في آداب البحث عليه أو بسط في اللغة لسانه اعترف له ابن سيده بالسيادة وأقر بالعجز لديه الجوهري وجلس ابن فارس بين يديه مجلس الاستفادة أو نحا إلى النحو والتصريف أربى فيه على سيبويه وصرف الكسائي له عزمه فسار من البعد إليه أو وضع أنموذجا في علوم البلاغة وقف عنده الجرجاني ولم يتعد حده ابن أبي الأصبع ولم يجاوز وضعه الرماني أو روى أشعار العرب أزرى بالأصمعي في حفظه وفاق أبا عبيدة في كثرة روايته وغزير

لفظه أو تعرض للعروض والقوافي استحقهما على الخليل وقال الأخفش عنه أخذت المتدارك واعترف الجوهري بأنه ليس له في هذا الفن مثيل أو أصل في الطب أصلا قال ابن سينا هذا هو القانون المعتبر في الأصول وأقسم الرازي بمحي الموتى أن بقراط لو سمعه لما صنف الفصول أو جنح إلى غيره من العلوم الطبيعية فكأنما طبع عليه أو جذبه بزمام فانقاد ذلك العلم إليه أو سلك في علوم الهندسة طريقا لقال اقليدس هذا هو الخط المستقيم وأعرض ابن الهيثم عن حل الشكوك وولى وهو كظيم وحمد المؤتمن بن هود عدم إكمال كتابه الاستكمال وقال عرفت بذلك نفسي وفوق كل ذي علم عليم أو عرج على علوم الهيئة لاعترف أبو الريحان البيروني أنه الأعجوبة النادرة وقال ابن أفلح هذا العالم قطب هذه الدائرة أو صرف إلى علم الحساب نظره لقال السموأل بن يحيى لقد أحيا هذا العز الدارس وانجلت عن هذا العلم غياهبه حتى لم يبق عمه لعامه ولا غمة على ممارس
( وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل )
وسوف أورد هذه الرسالة في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وكذلك يجري القول فيما يكتب به من إجازات أهل العلوم ونحوها في كل علم وقد تقدم ذكر شيء مما يجري هذا المجرى في الكلام على النحو ونحوه
تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني
أوله النوع الثامن عشر
المعرفة بالأحكام السلطانية

بسم الله الرحمن الرحيم
النوع الثامن عشر المعرفة بالأحكام السلطانية
ليعرف كيف يخلص قلمه على حكم الشريعة المطهرة وما يشترط في كل ولاية من الشروط فينبه عليها ويقف عندها وما يلزم رب كل وظيفة من أرباب الوظائف وما يندب له فيورده في وصاياه
وقد أورد أقضى القضاة أبو الحسن علي ابن حبيب الماوردي رحمه الله في الأحكام السلطانية ما فيه مقنع من ذلك
ونحن نورد في هذا الكتاب نبذة من كل باب مما به يستغني الناظر فيه عن مراجعة غيره
والذي تكلم عليه الماوردي من الوظائف الأصول الإمامة والوزارة وتقليد الإمارة على البلاد وتقليد الإمارة على الجهاد والولاية على ضروب المصالح وولاية القضاء وولاية المظالم وولاية النقابة على ذوي الأنساب والولاية

على إقامة الصلوات والولاية على الحج والولاية على الصدقات وقسم الفيء والغنيمة ووضع الجزية والخراج ومعرفة ما تختلف أحكامه من البلاد وإحياء الموات واستخراج المياه والحمى والأوقاف وأحكام الإقطاع وأحكام وأحكام الجرائم الديوان وأحكام الحسبة
وأنا أقتصر من ذلك هنا على ما تفضي إليه حاجة الكاتب من الأحكام دون ما عداه من الفروع الزائدة على ذلك فإذا عرف حكم كل ولاية من هذه الولايات وما يوجب توليتها وما يعتبر في متوليها من الشروط وما يلزمه من الأمور إذا تولاها وما ينافي أمورها ويجانب أحوالها عرف ما يأتي من ذلك وما يذر فيكون ما ينشئه من البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض والتواقيع وما يجري مجرى ذلك جاريا منه على السداد ماشيا على القواعد الشرعية التي من حاد عنها ضل ومن سلك خلاف طريقها زل
وكذلك المناشير المتعلقة بالإقطاعات وعقد الجزية والمهادنات والمفاسخات وما يجري مجرى ذلك من الأمور السلطانية
فإذا عرف حكم كل قضية وما يجب على الكاتب فيها وفاها حقها وأتى بذكر ما يتعلق بها من الشروط وجرى في وصايا الولايات بما

يناسب كل ولاية منها فجرى الأمر في ذلك على السداد ومشت كتابته فيها على أتم المراد إن كتب بيعة أو عهدا لخليفة تعرض تعرض فيه إلى وجوب القيام بأمر الخلافة ونصب إمام للناس يقوم بأمرهم وتعرض إلى اجتماع شروط الخلافة في المولى وأنه أحق بها من غيره
ثم إن كانت بيعة نشأت عن موت خليفة تعرض لذكر الخليفة الميت وما كان عليه أمره من القيام بأعباء الخلافة وأنه درج بالوفاة وأن المولى استحقها من بعده دون غيره
وإن كانت ناشئة عن خلع خليفة تعرض للسبب الموجب لخلعه من الخروج عن سنن الطريق والعدول عن منهج الحق ونحو ذلك مما يوجب الخلع لتصح ولاية الثاني
وإن كان عهدا تعرض فيه إلى عهد الخليفة السابق إليه بالخلافة وأنه أصاب في ذلك الغرض وجرى فيه على سواء الصراط ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى من سائر الولايات على ما سيأتي ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى
وهذه فقرة من بيعة أنشأتها توضح ما أشرت إليه من ذلك
فمن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى وجوب القيام بالإمامة
أما بعد فإن عقد الإمامة لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع مستند لأقوى دليل تنقطع دون نقضه الأطماع وتنبو عن سماع ما يخالفه الأسماع
ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى اجتماع شروط الخلافة في المولى وهو وكان فلان أمير المؤمنين هو الذي جمع شروطها فوفاها وأحاط منها بصفات الكمال واستوفاها ورامت به أدنى مراتبها فبلغت أغياها وتسور معاليها فرقي إلى أعلاها واتحد بها فكان صورتها ومعناها
ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى عقد البيعة فجمع أهل الحل والعقد المعتبرين للاعتبار والعارفين بالنقد من القضاة والعلماء وأهل الخير

والصلحاء وأرباب الرأي والنصحاء واستشارهم في ذلك فصوبوه ولم يروا العدول عنه إلى غيره بوجه من الوجوه
ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى القبول وقابل عقدها بالقبول بمحضر من القضاة والشهود فلزمت ومضى حكمها على الصحة فانبرمت إلى غير ذلك مما ينخرط في هذا من سائر الولايات وغيرها
قلت وكما يجب عليه معرفة الأحكام السلطانية يتعين عليه معرفة ما عدا ذلك من الأمور الصناعية التي ينتظم أصحابها في سلك الولايات كالهندسة ونحوها وسيأتي التنبيه فيما يجب على كل واحد من أرباب الولايات عند ذكر ولاية كل منهم إن شاء الله تعالى

الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في أصناف الكتابة مما
تدعوه ضرورة الكتابة إليه على اختلاف أنواعها ويشتمل على أنواع
النوع الأول مما يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني وهو على ضربين
الضرب الأول أوصافه الجسمية وهي على ثلاثة أقسام
القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء وهي عدة أمور
منها حسن اللون والألوان في البشر ترجع إلى ثلاثة أصول وهي البياض والسمرة والسواد ويعبر عن السواد بشدة الأدمة وربما عبر عن البياض برقة السمرة ويستحسن من هذه الألوان البياض وأحسن البياض ما كان

مشربا بحمرة وقد جاء في حديث ضمام بن ثعلبة أنه حين سأل عن النبي عند وفوده عليه بقوله أيكم ابن عبد المطلب قيل هو ذاك الأمغر المتكيء والأمغر هو المشرب بحمرة أخذا من المغرة وهي الصبغ المعروف
وقد جاء في وصفه أنه أزهر اللون والأزهر هو الأبيض بصفرة خفيفة
والسمرة مستحسنة عند كثير من الناس وهو الغالب في لون العرب وقد قيل في قوله بعثت إلى الأحمر والأسود إن المراد بالأحمر العجم لغلبة البياض فيهم والمراد بالأسود العرب لغلبة السمرة فيهم أما السواد فإنه غير ممدوح بل قد ذم الله تعالى السواد ومدح البياض بقوله ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) الآية على أن كثيرا من الناس قد جنحوا إلى استحسان السودان والميل إليهم وتأنقوا في الاحتفال بأمرهم وقد نص أصحابنا الشافعية على أنه لو قال لزوجته إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق لم تطلق وإن كانت زنجية سوداء فقد قال تعالى ( وصوركم فأحسن صوركم )
وبالجملة فالحسن في كل لون مستحسن ولله القائل
( إن المليح مليح ... يحب في كل لون )
ومنها حسن القد وأحسن القدود الربعة وهو المعتدل القامة الذي لا طول فيه ولا قصر وليس كما يقع في بعض الأذهان من أن المراد منه دون الاعتدال
وقد جاء في وصف النبي أنه كان ربعة ويستحسن في القد القوام والرشاقة ويشبه بالرمح وبالغصن وأكثر ما يشبه به في ذلك أغصان البان لقوامها
ومنها سواد الشعر وأكثر ما يكون ذلك في السمر فإن اجتمع مع البياض

سواد الشعر كان ذلك في غاية من الحسن ويشبه سواد الشعر بالليل وربما وقعت المبالغة فيه فشبه بفحمة الليل وبدجى الليل وبفحمة الدجى وقد يشبه بالأبنوس ونحوه مما يغلب فيه حلك السواد
وقد اختلف الناس في جعودة الشعر وسبوطته أيهما أحسن فذهب قوم إلى استحسان الجعودة وهي انقباض الشعر بعض انقباض وهو مما يستحسنه العرب وإليه ذهب الفقهاء حتى لو شرط البائع في عبد كونه جعد الشعر وظهر سبط الشعر رد بذلك بخلاف العكس وذهب آخرون إلى استحسان السبوطة وهي استرسال الشعر وانبساطه من غير انكماش وأكثر ما يوجد ذلك في الترك ومن في معناهم
ثم الذاهبون إلى استحسان الجعودة يستحسنون التواء شعر الصدغ ويشبهونه بالواو تارة وبالعقرب أخرى
ومنها وضوح الجبين وسعة الجبهة وانحسار الشعر عنها فيستقبح الغمم وهو عموم الجبهة أو بعضها بشعر الرأس
ومنها وسامة الوجه وحسن المحيا
ويشبه الوجه في الحسن بالشمس وبالقمر وبالسيف إلا أن التشبيه بالشمس وبالقمر أتم من التشبيه بالسيف لما فيه من صورة الاستطالة وقد جاء في بعض الآثار أنه قيل لبعض الصحابة رضي الله عنهم هل كان وجه رسول الله كالسيف فقال بل كالشمس والقمر
ويستحسن في الوجه حمرة الوجنتين ويشبه لونهما بالورد وبالشقيق وبالعقيق وبالعندم وما يجري مجرى ذلك مما تغلب فيه الحمرة المشرقة
ومنها بلج الحاجبين وزججهما فالبلج انقطاع شعر الحاجبين بألا يكون بينهما شعر يصل ما بينهما وهو خلاف القرن وربما استحسن الخفي من القرن وهو الذي دق فيه شعر ما بين الحاجبين حتى لا يظهر فيه إلا خضرة خفية

والزجج دقة الحاجب مع طوله بحيث ينتهي إلى مؤخر العين وقد جاء في وصف النبي أنه كان أزج الحاجبين
ويستحسن في الحاجبين سواد شعرهما وأن يكونا مقوسين ويشبه تقويسهما بالنون تارة وبالقوس أخرى
ومنها حسن العينين ويستحسن في العين الحور وهو خلوص بياض العين والنجل وهو سعتها ويقال فيه حينئذ انجل وربما قيل أعين ومنه قيل للحور عين
والدعج وهو شدة سواد الحدقة
والكحل وهو أن تسود مواضع الكحل من العين خلقة
وتشبه العين بالصاد تارة وبالجيم أخرى وتشبه بالنرجس وربما شبهت بنور الباقلي واعترض بأن فيه حولا
وربما شبهت العين بالسيف وبالسهم وبالسنان وقد يستحسن في العينين الفتور وضعف الأجفان
ومنها حسن الأنف ويستحسن فيه القنا وهو ارتفاع وسط الأنف قليلا عن طرفيه مع دقة فيه وهو الغالب في العرب وقد جاء في وصفه أنه كان أقنى الأنف ويستحسن فيه الشمم أيضا وهو استواء قصبة الأنف وعلو أرنبته
ويشبه الأنف بالسيف في بريقه
ومنها حسن الفم ويستحسن فيه الضيق ويشبه بالميم وبالصاد وبالخاتم
ومنها حسن الشفتين ويستحسن فيهما الحمرة وتشبه حمرتهما بما تشبه به الوجنة من الورد والعقيق والمرجان ونحوها ويستحسن فيهما اللمى وهو سمرة تعلو حمرتهما
ومنها حسن الأسنان ويستحسن فيها الشنب وهو بياض وبريق

يعلوهما وتشبه الأسنان في البياض وحسن النظم باللؤلؤ وبالبرد وبالطلع وهو نبت أبيض وبالأقاح وبالحبب وهو الذي يعلو الكأس عند شجه بالماء وقد تشبه بالجوهر ويستحسن فيها الأشر وهو تحديد الأسنان كما يقع في كثير من الصبيان ويستحسن في السنخ وهو لحم الأسنان حمرة لونه ويشبه بالعقيق والورد وسائر ما يشبه به الخد
ومنها حسن الجيد وهو العنق ويستحسن فيه طوله وبياضه من الأبيض ويشبه بإبريق فضة
ومنها دقة الخصر وهو مقعد الإزار حتى إنهم يشبهونه بدور دملج ودور خلخال وما أشبه ذلك
قلت وهذه الصفات وإن كان مستحسنة في الرجال والنساء جميعا فإنها في النساء آكد فإن الأمر في الحسن منوط بهن فمهما كانت المرأة أحسن كان أعظم لشأنها وأعز لمكانها
وقد قيل لرجل من بني عذرة ما بال الرجل منكم يموت في هوى امرأة إنما ذلك لضعف فيكم يا بني عذرة فقال أما والله لو رأيتم النواظر الدعج فوقها الحواجب الزج تحتها المباسم الفلج لاتخذتموها اللات والعزى
وقد أكثر الشعراء من التغزل بهذه المحاسن بما يملأ الدفاتر مما لا حاجة بنا إلى ذكره هنا

القسم الثاني ما يختص به الرجال
وأخص ما يختص به الرجال من المحاسن اللحية وقد قيل في قوله تعالى ( يزيد في الخلق ما يشاء ) إن المراد اللحية على خلاف في ذلك ويستحسن في اللحية استدارتها وتوسطها في المقدار وسواد شعرها
فإذا حسنت اللحية من الرجل كملت محاسنه وتزيد الأحداث على الرجال في الحسن بمقدمات ذلك فيستحسن منهم خضرة الشارب وخضرة العارض والعذار ويشبه كل منهما بالآس وبالريحان وبدبيب النمل ونحو ذلك
ويشبه العذار بالألف وباللام والباء
ويشبه الشارب الأخضر فوق حمرة الشفتين بقوس قزح وبالآس مع الورد ونحو ذلك على أن أهل الفراسة قد استحسنوا في الرجل أمورا تخالف ما تقدم
منها سعة الفم وغلظ الشفتين وما أشبه ذلك قائلين إن ذلك مما يدل على الشجاعة وهو أمر مطلوب في الرجال كما تقدم
القسم الثالث ما يختص به النساء
ومما ينفرد به النساء من الأوصاف الجسمية السمن فهو أمر مطلوب في المرأة ما لم يفرط ويخرج عن الحد المطلوب ففي الصحيحين من حديث أم زرع بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع ملء كسائها وغيظ جارتها إشارة إلى

امتلائها بالشحم
ووصف أعرابي امرأة فقال بيضاء رعبوبة بالشحم مكروبة بالمسك مشبوبة
وهذا بخلاف الرجال فإن المطلوب فيهم الخفة وقلة اللحم لأجل قوة النهضة وسرعة الحركة في الحرب وغيره والسمن يمنع ذلك مع ما يقال إن فيه تبليدا للذهن قال بعضهم ما رأيت حبرا سمينا إلا محمد بن الحسن يعني صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه
وربما استحسن قلة اللحم في المرأة أيضا وتوصف حينئذ بالهيف
ومن ذلك ثقل الردف فهو مما يتمدح به من النساء بخلاف الرجل فإن ذلك فيه غير محمود
ومن غريب ما يحكى في ذلك أن رجلا أخذ خطرا من قوم على أن يغضب معاوية بن أبي سفيان مع غلبة حلمه فعمد إلى معاوية وهو ساجد في الصلاة فوضع يده على عجيزته وقال ما أشبه هذه العجيزة بعجيزة هند يعني أم معاوية فلما سلم من صلاته التفت إلى ذلك الرجل وقال يا هذا إن أبا سفيان كان محتاجا من هند إلى ذلك وإن كان وأجد جعل لك شيئا على ذلك فخذه
ومما يستحسن في المرأة طول الشعر في الرأس ودقة العظم وصغر القدم ونعومة الجسد وقلة شعر البدن في أمور أخرى يطول ذكرها

الضرب الثاني الصفات الخارجة عن الجسد وهي على ثلاثة أقسام أيضا
القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء
وهو يرجع إلى أصلين العقل والعفة ويدخل تحت كل من هذين الأصلين عدة من أوصاف المدح
فأما العقل فيدخل تحته العلم وصفاته المعرفة والحياء والبيان والسياسة والكفاية والصدع بالحجة والحلم عن سفاهة الجهلة وغير ذلك مما يجري هذا المجرى
ولا يخفى أن هذه الأوصاف مطلوبة في الرجال والنساء جميعا وإن كان أكثرها بالرجال أليق
وأما العفة فيدخل تحتها القناعة وقلة الشره وطهارة الإزار وغير ذلك مما لا يستغني عنه رجل ولا امرأة وإذا ركب العقل مع العفة حدث عنهما صفات أخرى مما يتمدح به كالنزاهة والرغبة عن المسألة والاقتصار على أدنى معيشة ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك
القسم الثاني ما يختص به الرجال دون النساء
وهو يرجع إلى أصلين أيضا وهما العدل والشجاعة ويدخل تحت كل من الأصلين عدة أوصاف من أوصاف المدح فيدخل تحت العدل السماحة والتبرع بالنائل وإجابة السائل وقرى الضيف وما شابه ذلك
ويدخل تحت الشجاعة عدة أوصاف كالحماية والدفاع والأخذ بالثأر والنكاية في العدو والمهابة وقتل الأقران والسير في المهامه الموحشة وما أشبه ذلك وإذا ركب العقل مع

الشجاعة حدث عنهما صفات أخرى مما يتمدح به كالصبر على الملمات ونوازل الخطوب والوفاء بالوعد ونحو ذلك

القسم الثالث ما يختص به النساء
ويرجع إلى أصلين مذمومين في الرجل وهما الجبن والبخل وذلك أن المرأة إذا جبنت كفت عن المساوي خوفا على نفسها أو عرضها وإذا بخلت حفظت مال زوجها عن الضياع والإتلاف وحينئذ فتكون أوصاف الرجال الممدوحة أربعة أوصاف اثنان يشتركون فيهما مع النساء وهما العقل والعفة واثنان ينفردون بهما عن النساء وهما العدل والشجاعة
وتكون أوصاف النساء الممدوحة أربعة أيضا اثنان يشتركن فيهما مع الرجال وهما العقل والعفة واثنان ينفردن بهما عن الرجال وهما الجبن والبخل فيمدح كل من الصنفين بما هو مشتمل عليه بحسب ما يقتضيه المقام وما يوجبه الحال
قال قدامة بن جعفر الكاتب في نقد الشعر ومدائح الرجال تنقسم بحسب الممدوحين من أصناف الناس في الارتفاع والاتضاع وضروب الصناعات والتبدي والتحضر فيحتاج إلى الوقوع على المعنى اللائق بمدح كل فمدح الملوك يكون بما يلائم قدرهم من رفعة القدر وعلو الرتبة والانفراد عن المثل والقرين كقول النابغة في النعمان بن المنذر
( ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب )
( بأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب )

وما يجري مجرى ذلك ومدح الوزير الكاتب بما يليق بالعقل والدربة وحسن التنفيذ والسياسة فإن أضيف إلى ذلك الوصف بالسرعة في إصابة الحزم والاستغناء بحضور الذهن عن الإبطاء لطلب الإصابة كان أحسن وأكمل للمدح كما قيل
( بديهته مثل تفكيره ... متى رمته فهو مستجمع )
وكما قيل
( يرى ساكن الأوصال باسط وجهه ... يريك الهويني والأمور تطير )
ويمدح القائد يعني الأمير الذي يقود الجيش بما يجانس البأس والنجدة ويدخل في باب البطش والبسالة فإن أضيف إلى ذلك المدح بالجود والسماحة والحذق والبذل والعطية كان أحسن وأتم من حيث إن السخاء أخو الشجاعة وهما في أكثر الأمور موجودان في ذوي بعد الهمة والإقدام والصولة كما قال بعضهم جامعا بين البأس والجود
( فتى دهره شطران مما ينوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر )
( فلا من بغاة الخير في عينه قذى ... ولا من زئير الحرب في أذنه وقر )
قال وتمدح السوقة والمتعيشون بأصناف الحرف وضروب المكاسب والصعاليك بما يضاهي الفضائل النفسانية من العقل والعفة والعدل والشجاعة خاليا عن مثل الملوك ومن تقدم ذكره من الوزراء والكتاب والقواد
ويمدح ذوو الشجاعة منهم بالإقدام والفتك والتشمير والتيقظ والصبر مع التحذق والسماحة وقلة الاكتراث بالخطوب الملمة ونحو ذلك
قلت ويؤخذ مما ذكره قدامة أن القضاة والعلماء يوصفون بما يليق بمحلهم من ذلك فيوصف العالم بثقابة الذهن وحدة الفهم وسعة الباع في الفضل ومنا يجري مجرى ذلك ويوصف القضاة بذلك وبالعدل والعفة ومباينة الجور ونحو ذلك وستقف في قسم الولايات في نسخ البيعات والعهود والتقاليد والتواقيع

والتفاويض والمراسيم ونحوها من ذلك بما يتضح لك به سواء السبيل
واعلم أن الكاتب كما يحتاج إلى معرفة الصفات المحمودة من النوع الإنساني كذلك يحتاج إلى معرفة الصفات المذمومة منه فربما أحتاج إلى الكتابة بذم شيء من ذلك فيكون عنده من العلم بالصفات المذمومة ما يتفق معه كما حكي أن بعض العمال بعث إلى الرشيد بعبد أسود فقلب كتابه ووقع عليه أما بعد فإنك لو وجدت عددا أقل من الواحد أو لونا شرا من السواد لبعثت به إلينا والسلام
ولا يخفى أن كل ما خالف صفة من الصفات المستحسنة المتقدمة فهو مستقبح مع ما هو معلوم من الصفات المذمومة الجسمية كالحدب والحول ونحوهما ومن الصفات المعنوية كسوء الخلق وبذاءة اللسان ونحو ذلك
وفي هذا مقنع في الإرشاد إلى المراد والتنبيه على القصد

النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب وهي أربعة أصناف
الصنف الأول الخيل
ويحتاج إلى المعرفة بوصفها في مواضع من أهمها وصفها عند بعث شيء منها في الإنعام والهدايا والجواب عن ذلك ووصفها في ترتيب الجيوش والمواكب وذكرها في مجالات الحرب وما يجري مجرى ذلك ويشتمل الغرض منه على معرفة أصنافها وألوانها وشياتها وما يستحسن ويستقبح من صفاتها ومعرفة الدوائر التي تكون فيها والبصر بأمور أسنانها وأعمارها

أما أصنافها فثلاثة
الأول العراب وهي أفضلها وأعلاها قيمة وأغلاها ثمنا تطلب للسبق واللحاق والملوك تتغالى في أثمانها وتعدها لمهم الحرب وتوجد ببلاد العرب ومحلاتهم في أقطار الأرض كالحجاز ونجد واليمن والعراق والشأم ومصر وبرقة وبلاد المغرب وغيرها
الثاني العجميات وهي البراذين ويقال لها الهماليج وتعرف الآن بالأكاديش وتجلب من بلاد الترك ومن بلاد الروم وغالب ما توجد مشقوقة المناخر وتطلب للصبر على السير وسرعة المشي
والثالث المولد بين العراب والبراذين فإن كان الأب عجميا والأم عربية قيل له هجين وإن كان بالعكس قيل له مقرف وهي تكون في الجري والمشي متوسطة بين النوعين
وأما ألوانها فقد ذكر ابن أبي أصبع أن أصول الألوان فيها ترجع إلى أربعة ألوان وما سواها مفرع عنها
الأول البياض وقل أن يخلص من لون يخالطه فإن صفا بياضه قيل فيه أشهب قرطاسي فإن كان أذناه وقوائمه وعرفه وذيله سودا قبل مطرف فإن خالط البياض شعر أسود والأغلب فيه البياض قيل أشهب كافوري وإن كان السواد فيه أغلب قيل أشهب حديدي وأشهب أشمط وأشهب مخلس فإن كان فيه

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39