كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

الموات وموالاة النعم الشامل عمومها لأولي الخصوص والخلوص في الموالات ما نزال نلحق درجات الأخلاف منهم في الاختصاص بالاستخلاص بالأسلاف فنوردهم من مشارع دولتنا ومشارب نعمتنا في الاصطفاء والاصطناع أعذب النطاف ونجنيهم من مغارس الرجاء ومجاري النماء في الإدناء والاجتباء ثمرات النعم الدانية القطاف ونفيض عليهم من مدارع البهجة والبهاء وحلل الثناء والسناء في الاكرام بالاحترام ما يضفوا على الأعطاف
ولما كان الشيخ فلان متوحدا بالنسب الأثير الأثيل والحسب الجلي الجليل والمحتد الأكيد الأصيل والفضل الموروث والمكتسب والزكاء في المنتمى والمنتسب والذكاء الذي أنارت في أفق التوفيق ذكاؤه والولاء الذي بان في شرعة الإخلاص صفاؤه والدين الذي علا سنا سنته في منار التحميد والخلوص الذي حلا جنى جنته في مذاق التوحيد والرياسة التي تضوع ريا رياضها المونقة والسماحة التي تنوح حيا حياضها المغدقة والأمانة التي نهضت بها فضائله والموالاة التي نجحت بها عندنا وسائله رأينا إجراءه على عادة والده في تولي المدرسة المعمورة التي أنشأها جده للشافعية بحلب وأوقافها وأسبابها وتدريسها وإعادتها واستنابة من يراه ويختاره في ذلك كله والنظر في جميع ما يتعلق بها كثرة وقلة وترتيب الفقهاء فيها وتقرير مشاهراتهم على ما يراه من تفضيل وتقديم وتفصيل وتقسيم وتخصيص وتعميم ونقص وتكميل وتتميم وحفظ الوقوف بالاحتياط في مصارفها والعمل فيها بشروط محبسيها وإطلاقها بقيود واقفيها بالابتداء بالعمارات التي تؤذن بتوفير الارتفاعات وتكثير المغلات وتنمية الثمرات مستشعرا تقوى الله التي هي حلية الأعمال الصالحات والعصمة الباقية والجنة الواقية عند

النائبات وفوضنا ذلك إلى أمانته وبعده إلى من يقوم مقامه من إخوته تشييدا لبيتهم الكريم وتجديدا لمجدهم القديم ورفعا لمكانتهم المكينة وحفظا لمرتبتهم المصونة وأمرنا بإعفاء جميع أوقاف المدرسة وسائر أوقافهم وأملاكه وأملاك إخوته وحمايتهم من جميع المظالم والمطالب والنوائب والشوائب والعوارض والعراض واللوازم والكلف والمؤن والسخر والتبن والحطب والأطباق والأنزال وسائر التوزيعات والتقسيطات والأنفال وإعفاء فلاحيها ومزارعيها من جميع ذلك وإطلاق كل ما يصل من مغلات الأوقاف والأملاك المذكورة إلى مدينة حلب من جميع المؤن على الإطلاق وكذلك جميع ما لهم من البضاعات والبياعات والتجارات معفاة مطلقة لا اعتراض عليها لأحد ولا تمد إلى شيء منها يد ذي يد وليتول ذلك على عادته المشكورة وأمانته المشهورة بنظر كاف شاف وكرم وافر واف وورع من الشوائب صاف وعزوف عن الدنيات بالدينيات متجاف وسداد لركن المصالح شائد وتذكر لترقي مواد المناجح رائد ورأي في ذمة الصواب راجح وسعي برتبة الرشاد ناجح وهمة عالية في نشر العلم بالمدرسة وإعلاء مناره وإلزام الفقهاء والطلبة بتدريسه وإعادته وحفظه وتكراره ومروءة تامة في الاشتمال على إخوته ومخلفي أبيه بما يصل به الرحم ويظهر به الكرم ويحيي من مفاخر آبائه الرمم ويقوي لهم من معاقد مكارمه العصم وسبيل الولاة والنواب وكل واقف على هذا المثال إمضاء ذلك كله على سبيل الاستمرار وتصرم الأعمار وتصرف الأعصار وتقلب الأحوال والأدوار وحفظه فيهم وفي أعقابهم على العصور والأحقاب ووصل أسبابه عند انقطاع الأسباب من فسخ ينقض مبرم معاقده أو نسخ يقوض محكم مقاعده أو تبديل يكدر صافي موارده ومشارعه أو تحويل يقلص ضافي ملابسه ومدارعه وليبذل لهم المساعدة في كل ما يعود له ولجماعته بصلاح الحال وفراغ البال ونجاح الآمال وإقامة الجاه في جميع الأحوال والعمل بالأمر العالي وبمقتضاه والاعتماد على التوقيع الأشرف به إن شاء الله تعالى

الصنف الثالث أرباب الوظائف الديوانية
وهذه نسخة توقيع بوزارة من إنشاء بعض بني الأثير وهي
الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده وأغنانا بمزيد عطائه عن ازدياده وجعلنا ممن استخلفه في الأرض فشكر عواقب إصداره ومباديء إيراده
نحمده ولسان أنعمه أفصح مقالا وأفسح مجالا وإذا اختلفت خواطر الحامدين روية كاثرها ارتجالا ونسأله أن يوفقنا لتلقي أوامره ونواهيه بالاتباع وأن يصغي بقلوبنا إلى إجابة داعي العدل الذي هو خير داع وينقذنا من تبعات ما استرعاناه يوم يسأل عن رعيته كل راع
أما بعد فإن الله قرن استخارته برشده وجعلها نورا يهتدى به في سلوك جدده ويستمد من يمن صوابه ما يغني عن الرأي ومدده ومن شأننا أن نتأدب بآداب الله في جليل الأمر ودقيقه وإذا دل التوفيق امرءا على عمله دل عملنا على توفيقه فمن عنوان ذلك أنا اصطفينا لوزارتنا من تحمدنا الأيام من أجله وتحسدنا الملوك على مثله ويعلم من أتى في عصره أنه فات السابقين من قبله وهو الوزير الأجل السيد الصدر الكبير جلال الدين شرف الإسلام

مجتبي الإمام فخر الأنام وليست هذه النعوت مما تزيد مكانه عرفا ولا تستوفي من أوصافه وصفا وإن عدها قوم جل ما يدخرونه من الأحساب ومعظم ما يخلفونه من التراث للأعقاب ولا يفخر بذلك إلا من أعدم من ثروة شرفه ورضي من الجوهر بصدفه وأنت فغير فاخربه ولا بما ورثته من مجد أبيك الذي أضحت الأيام به شهودا والجدود له جدودا وغدا وكأن عليه من شمس الضحى نورا ومن الصباح عمودا وقد علمت أنه كان إليك نسب المكارم وسيمها وكان ما بلغه منها أعظم ما بلغه من دنياه على عظمها لكنك خلفت لنفسك مجدا منك ميلاده وعنك إيجاده وإذا اقترن سعي الفتى بسعي أبيه فذلك هو الحسب الذي تقابل شرفاه وتلاقى طرفاه وغض الزمان عنه طرفه كما فتح بمدحه فاه وإذا استطرفت سادة قوم بنيت بالسؤدد الطريف التليد ولقد صدق الله لهجة المثني عليك إذ يقول إنك الرجل الذي تضرب به الأمثال والمهذب الذي لا يقال معه أي الرجال وإذا وازرت مملكة فقد حظيت منك بشد أزرها وسد ثغرها وأصبحت وأنت صدر لقلبها وقلب لصدرها فهي مزدانة منك بالفضل المبين معانة بالقوي الأمين فلا تبيت إلا مستخدما ضميرك في ولائها ولا تغدو إلا مستجديا كفايتك في تمهيدها وإعلائها
ومن صفاتك أنك الواحد في عدم النظير والمعدود بألف في صواب التدبير والمؤازر عند ذكر الخير على الإعانة وعند نسيانه على التذكير ولم ترق إلى هذه الدرجة حتى نكحت عقبات المعالي فقضيت أجلها وآنست من طور السعادة نارا فهديت لها ولم تبلغ من العمر أشده ولا نزع عنك الشباب برده بل أنت في ريعان عمرك المتجمل بريعان سؤدده المتقمص من سيما

الخلال ما أبرز وقار المشيب في أسوده وهذا المنصب الذي أهلت له وإن كان ثاني الملك محلا وتلوه عقدا وحلا فقد علا بك قدره وتأبل بك أمره وأصبح وشخصك في أرجائه منار ورأيك وفضلك من حوله سور وسوار وله من قلمك خطيب يجادل عن أحساب الدولة فينفحها فخرا وسيف يجالد عن حوزتها فيمنحها نصرا ولقد كان من قبلك وقبل أبيك مكرها على إجابة خاطبه والنزول إليه عن مراتبه فلما جئتماه استقر في مكانه ورضي بعلو شأنكما لعلو شأنه وقد علم الآن بأنك نزلته نزول الليث في أجمه واستقللت به استقلال الرمح باحدمه وما زالت المعالي تسفر بينك وبينه وأنت مشتغل بالسعي للسيادة وآدابها عن السعي للسعادة وطلابها فخذ ما وصلت إليه باستحقاق فضلك ومناقبه لا باتفاق طالعك وكواكبه
واعلم أن هذه النعمة وإن جاءتك في حفلها وأناخت بك بصاحبها وأهلها فلا يؤنسها بك إلا الشكر الذي يجعل دارها لك دارا وودها مستملكا لك لا معارا وقد قيل إن الشكر والنعمة توءمان وإنه لا يتم إلا باجتماع سر القلب وحديث اللسان فاجعله معروفها الذي تمسكها بإحسانه وتقيدها بأشطانه
وقد أفردنا لك من بيت المال ما تستعين به على فرائض خدمك ونوافله وترد فضله على ابتناء مجدك وفضائله وذلك شيء عائد على الدولة طيب سمعته فلها محمود ذكره ومنك موارد شرعته وإذا حمدت مناهل الغدر كان الفضل للسحاب الذي أغدرها والمفرد باسمك من بيت المال كذا وكذا

وكل ما تضمنه تقليد غيرك من الوصايا التي قرعت له عصاها ونبذت له حصاها فأنت مستغن عن استماعها مكتف باطلاع فكرك عن اطلاعها غير أنا نسألك كما سأل رسول الله معاذا ونسأل الله أن يجعل لك من أمرك يسرا ومن عزمك نفاذا وقد أجابنا لسان حالك بأنك تأخذ بتقوى الله التي ضمن لها العاقبة وجعل شيعتها الغالبة وأنك تجعلها بينك وبينه سببا ممدودا وبينك وبين الناس خلقا معهودا حتى تصبح وقد أمنت من دهرك عثارا ومن أبنائه أسماعا وأبصارا ومن شرائطها أن يكون الرجل المسلم الذي سلم الناس من يده ولسانه وفي هذين كفاية عن غيرهما من الشيم التي تحفظ بها سياسات الأمم فإن العدل هو الميزان الذي جعله الله ثاني الكتاب والإحسان الذي هو الطينة التي شاركتها القلوب في جبلتها مشاركة الأحباب
وأما ما سوى ذلك من سياسة الملك في تقرير أصوله وتدبير محصوله كالبلاد واستعمارها والأموال واستثمارها وولاة الأعمال واختبارها وتجنيد الجنود واختيارها فكل ذلك لا يصدر تدبيره إلا عن نظرك ولا يمشى فيه إلا على أثرك وأنت فيه الفقيه ابن الفقيه الذي سرى إليك علمه نفسا ودرسا وثمرة وغرسا فهذا كتاب عهدنا إليك فخذه بقوة الأمانة التي أبت السموات والأرض حملها وما أطاقت ثقلها والله يسلك بك سددا ويتحرى بك رشدا ويلزمك التوفيق قلبا ولسانا ويدا إن شاء الله تعالى

ومن ذلك نسخة توقيع بإعادة النظر بثغر الإسكندرية لابن بصاصة في شهور سنة ثمان وسبعين وستمائة وهي
الحمد لله الذي أضحك الثغور بعد عبوسها ورد لها جمالها وأنار أفقها بطلوع شموسها وأحيا معالم الخير فيها وقد كادت أن تشرف على دروسها وأقام لمصالح الأمة من يشرق وجه الحق ببياض أرائه وتلتذ الأسماع بتلاوة أوصافه الجميلة وأنبائه حمد من أسبغت عليه النعماء وتهادت إليه الآلاء وخطبته لنفسها العلياء
وبعد فأحق من أماس في أندية الرياسة عطفا واستجلى وجوه السعادة من حجب عزها فأبدت له جمالا ولطفا واصطفته الدولة القاهرة لمهماتها لما رأته خير كافل وتنقل في مراتبها السنية تنقل النيرات في المنازل
ولما كان المجلس السامي القاضي الأجل الصدر الكبير الرئيس الأوحد الكامل المجتبى المرتضى الفاضل الرشيد جمال الدين فخر الأنام شرف الأكابر جمال الصدور قدوة الأمناء ذخر الدولة رضي الملوك والسلاطين الحسين ابن القاضي زكي الدين أبي القاسم أدام الله رفعته ممن أشارت إليه المناقب الجليلة وصارت له إلى كل سؤل نعم الوسيلة رسم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي العادلي البدري ضاعف الله علاءه ونفاذه أن يفوض إليه نظر ثغر الإسكندرية المحروس ونظر متاجره ونظر زكواته ونظر صادره ونظر فوة والمزاحمتين فيقدم خيرة الله تعالى

ويباشر هذا المنصب المبارك بعزماته الماضية وهممه العالية برأي لا يساهم فيه ولا يشارك ليصبح هذا الثغر بمباشرته باسما حاليا وتعود بهجته له بجميل نظره ثانيا وينتصب لتدبير أحواله على عادته ويقرر قواعده بعالي همته ويجتهد في تحصيل أمواله وتحصين ذخائره واستخراج زكاته وتنمية متاجره ومعاملة التجار الواردين إليه بالعدل الذي كانوا ألفوه منه والرفق الذي نقلوا أخباره السارة عنه فإنهم هدايا البحور ودوالبة الثغور ومن ألسنتهم يطلع على ما تجنه الصدور وإذا بذر لهم حب الإحسان نشروا له أجنحة مراكبهم وحاموا عليه كالطيور وليعتمد معهم ما تضمنته المراسيم الكريمة المستقرة الحكم إلى آخر وقت ولا يسلك بهم حالة توجب لهم القلق والتظلم والمقت وليواصل بالحمول إلى بيت المال المعمور وليملأ الخزائن السلطانية من مستعملات الثغر وأمتعته وأصنافه بكل ما يستغنى به عن الواصل في البرور والبحور وليصرف همته العالية إلى تدبير أحوال المتاجر بهذا الثغر بحيث ترتفع رؤوس أموالها وتنمي وتجود سحائب فوائدها وتهمي وليراع أحوال المستخدمين في مباشراتهم ويكشف عن باطن سيرهم في جهاتهم ليتحققوا أنه مهيمن عليهم وناظر بعين الرأفة إليهم فتنكف يد الخائن منهم عن الخيانة وتتحلى أنامل الأمين بمحاسن الصيانة وليتفق فيما يأتيه ويذره ويقدمه من المهمات ويؤخره مع المجلس السامي الأمير الأجل الكبير المجاهد المقدم الأوحد النصير شمس الدين متولي الثغر المحروس أدام الله نعمته فإنه نعم المعين على تدبير المهمات ونعمت الشمس المشرقة في ظلم المشكلات وليطالع بالمتجددات في الثغر المحروس ليرد الجواب عليه عنها بما يشرح الصدور ويطيب النفوس وليتناول من الجامكية

والجراية عن ذلك في غرة كل شهر من استقبال مباشرته ما يشهد به الديوان المعمور لمن تقدمه من النظار بهذه الجهات وهي نظر الثغر وما أضيف إليه على ما شرح أعلاه
المرتبة الثانية أن تفتتح الولاية بلفظ أما بعد حمد الله أو أما بعد فإن كذا ويؤتى بما يناسب من ذكر الولاية والمولى ثم يذكر ما سنح من الوصايا ثم يقال وسبيل كل واقف عليه
فمن المكتتب لأرباب السيوف من هذه المرتبة ما كان يكتب لبعض الولاة
وهذه نسخة بولاية الشرقية وهي
أما بعد فإنا لما منحنا الله إياه من معجزات النصر المستنطق الألسنة بالتسبيح وآتاناه من نظر حمى ناضر عيش الأمة من التصويح وألبسناه من ثياب العظمة المخصوصة بأحسن التوشيع والتوشيح ووفقنا له من اصطفاء من نقبل عليه بوجه التأهيل للمهمات والترشيح وقواه من عزائمنا التي ترج بها أرض الكفر وتدوخ ووسعه لنا من الفتوح التي أنباؤها خير ما تصدر به السير وتؤرخ لا نزال نبالغ فيما صان الحوزة وحاطها ومد رواق الأمنة ومهد بساطها وقرب نوازح المصالح وجمع أشتاتها وأوجب انصرام حبال اختلال الأمور واقتضى انبتاتها
ولما كانت الأعمال الشرقية جديرة بمتابعة الاعتناء وموالاته وإعراق كرم التعهد فيما يحفظ نظامها بمغالاته وأحقها بأن تصرف إلى صونها وجوه الهمم الطوامح ويوقف عليها حسن الاحتفال الجامع دواعي تذليل الجامح إذ كانت

أجدر الأعمال بكلاءة الفروع من أوضاعها والأصول والباب الذي لا يجب أن يدخله إلا من أذن له في القدوم إليها والوصول ويتعين التحرز على الطرقات التي منها إليها الإفضاء ويوكل بما دونها من المياه عيون حفظة لا يلزمها النوم والإغضاء وكنت أيها الأمير اشد الأمراء باسا وأوفاهم لحسن الذكر الجميل لباسا وأكثرهم لمهج الأعداء اختلاسا وأجمعهم للمحاسن المختلفة ضروبا وأجناسا وقد تناصرت على قصودك الحسنة واضحات الدلائل وتحلت أجياد خلالك من جواهر المفاخر بقلائد غير قلائل واستطار لك أجمل سمعة وفطمت سيوفك أبناء الكفر عن ارتضاعها من الملة الإسلامية ثدي طمعة ولا استبهمت طرق السياسة إلا هديت إلى مجاهلها ولا حلأ التقصير سواك عن شرائع النعم إلا غدوت بكفايتك وارد مناهلها وكم شهدت مقام جلاد وموقف جهاد فمزقت ثوب ما رققه نسجا وأدلت في ليل قسطله عوادي صوارمك شرجا وقمت فيما وكل إليك من أمور الفاقوسية وقلعتي صدر وأيلة حرسهما الله تعالى قياما أحظاك بالثناء والصواب واستنبت في كل منها من أجرى أمورها على الصواب خرج أمر الملك الناصر بكتب هذا السجل بتقليدك ولاية الأعمال الشرقية المقدم ذكرها فاعتمد مباشرتها عاملا بتقوى الله التي مغنمها خير ما اقتاده مستشعروها لأنفسهم واستاقوه قال الله تعالى ( وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ) وأبسط العدل على أهل هذه الولاية واخصص أهل السلامة بما يسبل عليهم ستر الحياطة والحماية وتطلب المفسدين أتم تطلب واحظر عليهم التنقل في هذه البلاد والتقلب ومن

ظفرت به منهم فقابله بما يوجبه حكم جريرته ويقتضيه موقع جريمته ويجعله مزدجرا لسالكي طريقته وشد من المستخلف على الحكم العزيز شدا ينصر جانب الشرع ويعزه ويكر به على الباطل ترويع الحق وأزه وأعن المستخدمين في المال على استيفائه من وجوهه عند وجوبه وبلغ كلا منهم من الإعانة على تحصيله أقصى مطلوبه وقو أيديهم في تخضير البلاد وتعميرها وابعث المزارعين على مباشرة أحوال الزراعة وتقرير أمورها وفيما يسترعونه من مصالح الأعمال ويعود عليهم في موجبات الرجاء بمناحج الآمال وراع أمر السبل والطرقات واجعل احتراسك عليها الآن موفيا على المتقدم من سالف الأوقات ولا تن في إنفاذ المتخبرين إلى بلاد العدو وتحديهم في الرواح والغدو بما يمنعهم من الهدو وكشف أخبارهم وتتبع آثارهم وتسيير الجواسيس إلى ديارهم حتى لا تخفى عنك من شؤونهم خافية ولا يجدوا سبيل غرة يهتبلونها والعياذ بالله بالجملة الكافية وطالع بما يتجدد لك وما يرد من الأنباء عليك وغير ذلك مما يحتاج إلى علمه من جهتك وما تجري عليه أحكام خدمتك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة بولاية الغربية من هذه المرتبة وهي
أما بعد فإنا لما آتانا الله من سعادة لطرق الإرادات فيها تعبيد وأسبغه بنا من نعم لا يعدها التحديد ولا يحدها التعديد وأنهجنا به من اكتناف المطالب بنجاح لا يعقبه تعسير ولا يعسره تعقيد وأمضاه من عزائمنا التي ما فتكت قط بالأعداء فقيد منهم فقيد ولقاه الأمنة بنظرنا من نضرة عيش جانب الجفاف دوحه المخضل وأهداه بتبصيرنا من أنوار الهدى المتقدمة كل ذي جهل ظل ممن ضل لا نزال نستوضح أمور أمراء دولتنا متصفحين ونبلو أخبار

المؤهلين منهم لسياسة الرعية المرشحين ونكشف شؤونهم غير متجورين ولا متسمحين ونظهر في أحوالهم آثار الإيثارلرفع درجاتهم وأمارات الرفع منهم مقابلة على حياطة أموال من نكون عليه وصون منجاتهم ونبوئهم مبوأ صدق من تصديق آمالهم وتحقيقها ونزف إليهم عقائل المنح المانع شكرهم من تسيب سيبها وتطرق تطليقها ونحمل لكل منهم ما يؤمله من اجتهاده ويؤثره ولا نلغي الاهتمام بما يوطئ لهم مهاد الطول الجزيل ويؤثره عملا بآداب الله سبحانه في إجزال حظوظ المحسنين من إحسان المجازاة وإيلائهم المزيد الحاكم بنقص اعتدادهم عن الموازنة له والموازاة كما قال سبحانه وقوله هدى ونور وشفاء لما في الصدور ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور )
ولما كان الأمير والنعوت والدعاء من أنجحهم فالا وأرجحهم مقالا وأصلحهم أعمالا وأوضحهم كمالا وما زالت أغصان نهاه متتابعة في بسوقها وضرائبه نافقة أعلاق المحامد بسوقها وعزائمه في إذلال الفرق المبالغة في فسوقها مشمرة عن سوقها وما برح في شوط الفخر راكضا ولعقود مكروه الأمور التي تزيغ الأمانة رافضا وبأعباء القيام بفرائض الآلاء ناهضا وما انفكت مناقبه تعيي بيان الواصف وبنان العاد ومساعيه مدركة وهي وادعة ما يعجز عن أقله جد الجاد ورأيه يرتق كل متفتق ومنبثق من الأمور المهمة بسداد الراتق الساد وجميل ذكره يفوح بما يفوق المسك فيثوب إليه من الثواب بالنائي الناد وما فتيء دأب شيمته الإعراض عن الموبق من الأعراض واختيار الرفق والإغراق فيما يديمه إلى فك أعناق أسرى المسلمين من سرى العتق خرج أمر الملك الناصر بكتب هذا السجل له بتقليده ولاية

الأعمال الغربية
فليتقلد ما قلده معتمدا على تقوى الله التي صرف عن معتمدها شرب التكدير ومنحه من المكارم عنده ما يوفي على التقدير وليجر على عادته في بسط ظل المعدلة ومد رواقها وصون مساحي الرعايا عن إملاقها منها وإخفاقها والمساواة بها بين الأقوى والأضعف والأدنى والأشرف والبادي والحضار والمناوئين والأنصار والخاص والعام والأجنبي ورب الحرمة والذمام لينام المستورون على مهاد الأمن ويسلم جانب سلامة أموالهم وأرواحهم من الوهن وليعامل المستخلف على الحكم العزيز بما يستوجبه مثله من نصرة الأحكام ووكل إليه أمر الأمراء لمن آثرها والإحكام والإكرام الشامل لقدره والاهتمام الشارح لصدره وليتوخ المستخدمين في الأموال بما يكون لعللهم مريحا ليصل إليهم ما يرومونه نجيحا ويلزم من جرت عادته بلزوم الحدود واجتناب تعديها والتوفر على حفظ مسالكها والمترددين فيها وليطالع بما يتجدد قبله من الأحوال الطارية وما لم تزل الرسوم بإنهاء مثلها جارية إن شاء الله تعالى

المرتبة الثالثة أن تفتتح الولاية بلفظ رسم ثم يذكر أمر الولاية والمولى
ويوضح ثم يقال وسبيل كل واقف عليه
فمن المكتتب لأرباب السيوف من هذه المرتبة نسخة مرسوم بشد

ناحية وهي
رسم أعلى الله المراسيم وأدام نفاذها بالإنعام على الأمير فلان بما يفيض عليه ملابس الأصطفاء ويضفيها ويسمي لقدمه في الثبات مدارج الارتقاء ويسنيها ويعرب عن اختصاصه بالمنزلة التي يفضل بها على مباريه واستخلاصه للمرتبة التي يفوت بها شأو مجاريه ويؤهله لثغر حارم المحروس وشده وتوليه أموره بكفايته ونهضته وحزامته وجده وقد أمرنا بتسليم قلعة حارم وأعمالها وسائر ما يختص بها ويضاف إليها من ضياعها ومواضعها إليه والتعويل في ولايتها وتعميرها وتثميرها عليه بموجب ما يفصل من الديوان على ما كان جاريا في الإقطاع المحروس للحال وسبيل أهل الديوان أيدهم الله العمل بالأمر العالي وبمقتضاه والاعتماد على التوقيع الأشرف به إن شاء الله تعالى
ومن ذلك نسخة مرسوم بشد وقف وهي
رسم أعلى الله المراسيم وأدام نفاذها بالتعويل على الأمير فلان في تولية الوقوف بالجامع المعمور بحلب المحروسة والبيمارستان والمساجد والمشاهد بالأماكن والمواضع وظاهرها وباطنها وأعمالها وتفويضها إليه والاعتماد في جميعها عليه سكونا إلى نهضته وكفايته ووثوقا بخبرته ومعرفته وعلما بنزاهته وسداده وأمانته وذلك لاستقبال سنة سبع وثمانين وخمسمائة
فليتول ذلك بكفاية كافية ونهضة وافية وهمة لأدواء الأحوال شافية ونظر تام لشمل المصالح ضام وتدبير جميل في كل خاص من أسباب عمله وعام وتقوى لله عز و جل تقوى بها يده ويضح بالاستقامة على سننها جدده

ناظرا في الوقوف ومصارفها وتتبع شروط واقفها بكل ما يعود بتعمير أعمالها وتثمير أموالها وتدبير أحوالها مطالبا بحساب من تقدمه وتحقيق مبالغه تكميلا وإضافة واحتسابا وسيافة وليطلب شواهده وليبن على الصحة قواعده وليلتمس ما يصح من بواقيه من جهاتها وليكشف بما يوضحه من سبل الأمانة وجوه شبهاتها وقد أذن له في استخدام من يراه من النواب والمتصرفين والمشارفين والوكلاء والمستخدمين على ما جرت به العادة من غير زيادة وسبيل النواب أيدهم الله العمل بالأمر العالي وبمقتضاه والاعتماد على العلامة الشريفة إن شاء الله تعالى

المرتبة الرابعة أن يفتتح بلفظ إن أحق أو إن أولى أو من كانت صفته كذا
وما أشبه ذلك
فمن ذلك نسخة منشور بنقابة الأشراف وهي
من كانت أوصافه شائعة بين الأنام وصنوف فضائله منشورة لدى الخاص والعام مع شرف نسب شامخ الأعلام وتقى فخر به على الأنام وعلم يجلى به صدأ الأفهام وعفة مرائرها محكمة الإبرام كان جديرا بإفاضة سجال النعم عليه وقمينا بإرسال سيل المواهب إليه
ولما كان الشيخ فلان متصفا بهذه الصفات الجميلة ومتخصصا بمزاياها الجليلة وضاربا فيها بالسهم المعلى ونازلا منها في الشرف الأعلى ومتقمصا

ثوب الإخلاص والصفاء ومتشحا بوشاح العفة والولاء اختصصناه بزيادة التقديم والاجتباء وحبوناه بوفور الكرامة والاصطفاء وأجريناه على مستمر رسمه بالرعاية على ذرية أهل العباء حسب عادته المستقرة إلى آخر عهد من كانت الإيالة إليه وإلى رحمة الله مضى ليسير فيهم بكتاب الله العظيم وسنة رسوله ويسلك جدد الحق الذي يوصله من الزلفى إلى أقصى مناه وسوله ويحضهم على تلاوة القرآن ومعرفة ما يصلح للأديان وليسو في الحكم بين الضعيف فيهم والقوي ويعم بالإنصاف الفقير والغنى وليحسن إلى محسنهم وليجر على فضله لمسيئهم بعد أن يقدم إليه زجرا ووعيدا ويوسعه إنذارا وتهديدا فإن وعى وارعوى وإلا سلط عليه أسباب الأذى وتولاه بما يستحقه من الجزا ويعيده إلى حالة الاستقامة والاستواء ويكفه عن دواعي الهوى ومن وجب عليه حد أقامه فيه وبادر إلى اعتماده وتوخيه حسب ما يوجبه حكم الشرع ويقتضيه
وليكن رؤوفا بهم ما استقاموا ومنتقما منهم ما اعوجوا ومالوا وإن وجب على أحدهم حق لملي أو دني استخلصه منه ولم يمنعه تعلقه بنسب شريف علي وإن افترى منهم مفتر على أحد من الملل قابله عليه بما يزجره عن قبيح العمل فإن الناس في دار الإسلام ومن هو تحت الذمام سواسية وأقربهم إلى الله تعالى من كانت سيرته في الإسلام رضية وطويته في الإيمان خالصة نقية ومن حكم عليه حاكم من الحكام بحق ثبت عنده بالبينة العادلة أو الإعلام انتزعه منه أو سجنه عليه إلى أن يرضي خصمه أو يرد أمره إلى الحاكم ويفوضه إليه
وليحرس أنسابهم بإثبات أصولها وتحقيق فروعها ومن رام دخولا فيه بدعوى يبطل فيها نقب عن كشف حاله وإظهار محاله وجازاه بما يستحقه أمثاله ويرتدع فيما بعد مثاله ليخلص هذا النسب الكريم من دعوى

المجهول واندماجه في أسرة الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم ويمنع من اتصال أيم من الأسرة إلى عامي ولا يفسح أن يعقد عليها عقد إلا لكفء ملي ليبرأ هذا المجد الشريف من التكدير ولا تزيفه شوائب التغيير
ولينظر في الوقوف على المشاهد والذرية نظرا يحمده عليه من يعلمه من البرية ويحظيه بالصواب عند مالك المشية ويبتدئ بعمارة أصولها واستكمال فروعها وقسمة مغلها على ما تضمنه شرط الواقفين لها وليحتط على النذور وينفقها على عادتها في المصالح والجمهور عالما أن الله تعالى سائله عما توخاه في جميع الأمور وأنه لا يخفى عليه كل خفي مستور قال الله سبحانه ( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار )
وأذنا له أن يستنيب عنه في حال حياته وبعد وفاته فسح الله له في المهل وخوله صالح العمل الأرشد من بنيه ومن يختاره لهذا الأمر وله يرتضيه وقد أنعمنا عليه بإجراء ما كان باسمه مستمرا إلى الآن وأضفنا إليه ما يعينه على النظر في مصالح الأسرة أدام الله له علو الشان من تمليك وإدرار وتيسير وجعلناه له مستمرا وعليه مستقرا ولمن بعده من نسله والأعقاب على توالي الأزمان والأحقاب وحظرنا تغييره وفسخه وتبديله ونسخه ( فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ) وهو معين من ديوان الاستيفاء المعمور بهذا المنشور المسطور بالأمر العالي أعلاه الله وأمضاه عما كان قديما وما أنعم عليه به آخرا وهو القديم الذي كان له وشهد به الديوان المعمور وهو الإقطاع من ناحية كذا ويجرى على عادته في إطلاق ما قرر له من ناحية كذا بشهادة الديوان الفلاني والمحدد الذي

أنعم به عليه لاستقبال سنة سبع وسبعين وما بعدها وسبيل كافة الأسرة الطالبيين بمدينة كذا الانقياد إلى تباعته والامتثال لاشارته والتوفر على إجلاله وكرامته فإنه زعيمهم ومقدمهم ورئيسهم ومن خالفه منهم قابلناه وبأليم العقاب جازيناه والاعتماد في ذلك أجمع على التوقيع الاشرف العالي أعلاه الله والعلائم الديوانية فيه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة بولاية الشرقية وهي
لما كانت الأعمال الشرقية أجدر البلاد بأكيد الاهتمام وأخلق وأولاها بإضفاء سربال الاهتبال الذي لا يخلق إذا رث سواه وأخلق وأقمنها بحسن نظر يرسل لرسول علي الرسم الأعنة في إدامة نضرة العمارة عليها ويطلق وأحقها بأن يبرم لها سبب تفقد لا يلتصق به رهن ولا يغلق وأجراها باعتناء يقضي لأمرها بالاطراد وأولاها بتعهد يجعل مصالح الشؤون آلفة للثواء بها والمقام عائفة للنشوز عنها والشراد لأنها باب الشام وإليها ترد القوافل المترددة منه على مر الأيام ومنها يستكشف الأخبار ويستنهض الطوالع والمتخبرين وبمواصلة التفقد تعلم الأحوال الطارئة في كل وقت وحين فتجب المبالغة في حفظ طرقاتها ومياهها وأن تصرف الهمم إلى ضبط أحوالها وعامة أنقابها واتجاهها ويوضع بناء الحزم في صون أطرافها على أثبت قاعدة ويؤسس ويبالغ في إذكاء العيون على كل طارق يتخبر للعدو الملعون ويتجسس وكنت أيها الأمير من المشهورين بالشجاعة والإقدام وذوي الكفاية الموفي ثراؤهم فيها على عارض الإعدام وما زلت معدودا من خاص الأتراك الأعيان بسهم المقصر مجاروهم إلى غاية البسالة عن اللحاق بهم والإدراك وقد

تقدمت ولايتك هذه الأعمال فقصدت منها قصدا سديدا وألحفت الرعايا ظلا من الأمنة مديدا خرج الأمر بإيداع هذا المنشور ما أنعم به عليك من إعادتك إلى ولايتها فبالغ في استيضاح الأنباء وكشفها ورفع الونية في ذلك وصرفها ووكل به عزمة لا تلم سنة بطرفها وانته فيه إلى غاية تضيق سعة القول بوصفها وتابع في تسيير الطلائع وندبها وعول من كل قبيلة من العربان المستنهضين على شهمها وندبها واجتهد في حفظ الطرقات والمناهل واستنهض للتحرز عليها من هو عالم بها غير جاهل وتحفظ من جلل يتطرق والعياذ بالله على البلاد وخلل يتخللها وانتض لهذه المهمات بصارم حد تسلم مضاربه من عجز يفللها ولا تبق ممكنا في إنفاذ المتخبرين وإرسال من يغير على بلاد العدو من الخبيرين بما أن هذه سبيل المتدربين وألزم أرباب الحدود من جميع الأقطار حراسة حدودهم وخذهم باستنفاد وسعهم في الاحتياط واستفراغ مجهودهم وطالع بما يورد قبلك وأنه ما يزيح بسرعة إجابتك عنه في الخدمة عللك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة بولاية المرتاحية وهي
خرج الأمر بكتب هذا المنشور وتضمينه إن من أظهر خلاصة جوهره السبك وارتفع في إشكائه بالإنصاف عن كل شاك الشك وحصل عنده من الخلال الزكية نظم لا ينحل وعقد لا ينفك وأوفى على التقدير والظن في التدبير المفرج به عن الرعية الضنك استوجب أن تسند إليه حمايتهم وتجعل إليه كلاءتهم
ولما كنت أيها الأمير ممن أحمد عند بحر عزمه وتجريب نصل حزمه واعتبار فصل مقالته واختبار أصل أصالته وشكر استمراره على الاتصاف بمحض الولاء واستدراره أخلاف غرر الآلاء واستثماره أصناف جنى الثناء

واستقراره أكناف وهبي الاعتناء ولم تزل في رفعتك وجيها وما برح جميل الرأي يديم بعثا لتحف الإحسان نحوك وتوجيها وما انفكت مجاهدتك مجاهدة في مهام إقدام تنويها وشجاعتك ملقية على الكفار كل كفاح يلقون منه كلا ثقيلا ويوما كريها أودع هذا المنشور ما رسم من استخدامك في ولاية الأعمال المرتاحية
فباشرها معتمدا على تقوى الله سبحانه التي تقوى بها أسباب توفيقك وتناله وتسلم أمور مباشرتك من خلل يكدر استبشارك وينكد واعتمد العدل على من تشتمل عليه هذه الولاية وتحويه وبالغ فيما يزيل عنهم الحيف ويزويه واقصد ما يقضي لسربهم بالتأمين ويبلغهم من تحصين أوطانهم غاية التأميل واجعل أيدي المفسدين مكفوفة عن كافتهم ووجوه المعتدين مصروفة عن إخافتهم وتطلب الأشرار وتتبع الدعار ومن ظفرت به منهم فلا تكن عن التنكيل به ناكلا ولا تقصر في الحوطة عليه والمطالعة به عاجلا وعامل النائب في الحكم العزيز بإنهاضه وصون مديد باعه في تنفيذ الأحكام عن انقباضه واعضده في إنفاذ قضاياه واختصاصه بإكرام يقبل عليه مطلق محياه وشد من الضامن في استيداء حقوق الديوان واستنطافها على أحسن حال من غير خروج عن الضرائب المستقرة وعوائد العدل المستمرة وتحرز أن يكون لمناهضة العدو طروق إلى ناحيتك أو انتياب وشمر للتحفظ من مكايدهم تشميرا يزول عن حقيقته عارض الارتياب ولا تبق شيئا يمكن لأهل ولايتك قواعد الأمنة منهم وتبتل لوقايتهم أذاهم تبتل من لا ينام عنهم وطالع بما يحتاج إلى علمه من جهتك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة بولاية السمنودية وهي

إن أولى من ولي الأعمال وتعلقت بكفايته الآمال وعدقت به المهمات وأسندت إليه الولايات من نطقت بمعدلته الألسنة وانتفت عن عين خبرته السنة وكان حسن السياسة لرعيته كثير العمارة مدة توليته شهما في استخراج الحقوق من جهاتها صارما في ردع المجرمين عن زلات النفس وهفواتها حسنة سيرته خالصة مناصحته وسريرته
ولما كنت أيها الأمير فلان أدام الله تأييدك وتسديدك وحراستك وتمهيدك أنت المتوشح بهذه الصفات الحسان المتصف بما تقدم من الشرح والبيان الذي نطقت شمائلك بشهامتك وشهدت مخايلك بنباهتك خرج الأمر الفلاني بأن تتولى مدينة سمنود وضواحيها وما هو معروف بها ومنسوب إليها بشرط بسط العدل ونشره وإعباق عرف الحق ونشره وأن تخفف الوطأة عنهم وتفعل ما هو أولى وتعلم أنك تسأل من الله تعالى في الأخرى ومنا في الأولى وأن تصون الرعايا وتجتلب لنا أدعيتهم وتعاملهم بما يطيب نفوسهم ويبلغهم بغيتهم حتى يتساوى في الحق ضعيفهم وقويهم ورشيدهم وغويهم ومليهم ودنيهم وأن لا تقيم الحدود على من وجبت عليه إلا بمقتضى الشرع الشريف والعدل المنيف وأن تشد من نواب الحكم العزيز وتفعل في ذلك فعل المهذب ذي التمييز وأن تحسر عن ساعد الاجتهاد في الجمع بين استخراج جميع الحقوق الديوانية والعمارة وتجعل تقوى الله هي البطانة لك والظهارة وأن تبذل النهضة في استخراج الأموال وتحصيل الغلال على التمام والكمال بحيث لا يتأخر منها الدرهم الفرد ولا القدح الواحد وتفعل في ذلك فعل المشفق المشمر الجاهد وأن تديم مباشرتك للأقصاب في حال برشها وزراعتها وتربيتها وحملها واعتصارها وطبخها وتزكية أثمارها بحيث

لا تكل الأمر في شيء من ذلك إلى غير ذي ذمة بمفرده ولا إلى من ليس بذي خبرة لا يعلم مشقي التصرف من مسعده وقد جعلنا لك النظر على جميع النواحي الجارية في ديواننا بالوجه البحري خاصة لتنظر في أمرها وتزجر أهل الجنايات بها وتفعل فيها كل ما يحمد به الأثر ويطيب بسماعه الخبر
فتقلد ما قلدت وقم حق القيام بما إليه ندبت واعمل فيه بتقوى الله في سرك وجهرك وقدم الخوف من الله على جميع ما تأتيه أو تذره من أمرك وتسلمه شاكرا لما أسديناه إليك متمسكا بما أوجبناه عليك فإن الشكر يوجب مزيدك ويكثر عديدك
وهذه نسخة بولاية النستراوية وهي
من عادتنا في التدبير وشيمتنا وسنتنا في السياسة وسيرتنا إسباغ المواهب والنعم وتنقيل عبيدنا في مراتب الخدم استرشادا بأسلافنا الملوك واقتداء واستضاءة بأنوارهم المشرقة واهتداء
ولما كنت أيها الأمير ممن عرفت بسالته واشتهرت شجاعته وصرامته واستحق أن يلحظ بعين الرعاية وأن يشرف بالارتضاء للتعويل عليه في ولاية رأينا وبالله توفيقنا استخدامك في ولاية الأعمال النستراوية وخرج أمرنا إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل بتقليدك ذلك وتضمينه ما تعتمد عليه وتنتهي إلى الممثل لك فيه
فتقلد ما قلدته عاملا بتقوى الله فيما تسره وتعلنه معتمدا فيها غاية ما يستطيعه المكلف ونهاية ما يمكنه فالله تعالى يقول إرشادا للمؤمنين وتفهيما

( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) وساو بين القوي من هذه الولاية والضعيف ولا تجعل في الحق فرقا بين المشروف والشريف وامدد على كافتهم رواق السكون والأمنة وأجرهم في المعدلة على العادة الجميلة الحسنة وافعل في إقامة الحدود على من تجب عليه ما يوجبه كتاب الله الكريم وتقضي به سنة نبيه محمد وآدأب في حفظ السبل والمسالك واجتهد في ذلك الاجتهاد الذي يجب على أنظارك وأمثالك ومتى ظفرت بمن يؤذي مسافرا أو يخيف واردا أو صادرا فطالع بحاله ليمثل لك في التمثيل بما تعتمده وتؤمر في شأنه بما تنتهي إليه وتقصده وراع المستخدمين على الحكم والدعوة فهما يتوليان ما بإعزازه يقوم منار الإسلام وتجري أمور الشريعة على أجمل وضع وأحسن نظام وخذ المستخدمين في الأموال الديوانية بالاجتهاد في العمارة وحمل المعاملين على ما توجبه المعدلة والحرص على ما وفر الارتفاع وحماه من أسباب التفريط والضياع واستنهض الرجال المستخدمين معك فيما ترى ندبهم إليه واستنهاضهم فيه فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة بولاية الإسكندرية وهي
اهتمامنا بما حاط ثغر الإسكندرية حماه الله تعالى وحصنه ومنحه أتم حظ التفقد وأكمله وأجمل وضع التعهد وأحسنه وقوى سبب استقامة شؤونه واتساق أموره ومكنه ومد ظل الدعة والسكون على كافة من تديره وسكنه وحفظ عليه نظام النضارة وأماط عنه مكروه الأحوال الضارة وأنام أهله على

مضجع الأمن ومهاده وحكم بإحلالهم نجود الاتحاد على المصالح وإجلالهم عن وهاده وحمى سوام أموالهم من مشروب ورد أجاج ومرعى نبت وخيم وجباهم من رسوم الإحسان وعوائده مالا ينطق لسان على زوائده بترخيم وملا آمال الأعداء عن التطرق إليه إخفاقا ورد نصول سهام مكايدهم عنه على ما عهد من فضل الله سبحانه أفواقا إذ كان من أجل الثغور الإسلامية أوزارا وأسبقها إلى غاية التفضيل ابتدارا وأكثرها بمن حواه من صدور الدين وأئمة المسلمين افتخارا وأفضلها محلا ولم يزل مفزع السفار من كل جهة رسلا وتجارا أوجب أن نسند ولايته ونرد كلاءته إلى من يجري في التدبير على حكم سياسته المعلوم الحسني الآخذ بيد المظلوم ويقوم بحسن التفويض والائتمان ويعطي بدل السلامة من حقوق انتقامه عهدة الأمان ويسلك فيما يعدق به طريق السداد ويلزم نهجه ولا يمكن أن يكون له على غير الصواب معاج ولا عرجة ويأخذ في كل أحواله بوثائق الحزم وتحل له أعماله الصالحة من مثوى المنازل الرفيعة ما هو على غيره من الحرام الجزم
ولما كان الأمير المعني بهذا الوصف الواضح البيان المتكافئة في ذكر مناقبه شهادة السماع والعيان الكاليء ما يناط به بقلب ألمعي وطرف يقظان الحال من الورع في أسمى مكان وأعلى مظان الجامع في إقامة شرع الإخلاص بين الفرائض والسنن الموفية عزائمه على مضارب المهندة التي لا تقي منها مانعات الجنن الفائح من نبئه ما تؤثر صحاح الأنباء عن عليل نسيمه الجدير بما يزف إليه من عقائل جزيل الإنعام وجسيمه وقد أبان في ولايته بمطابقته بين شدته ولينه وإقامة منار الإنصاف المعرب عن امتداد باعه في الحرب وانقباض يمينه وإروائه كافة أهلها من نمير العون على استتباب الأمور ومعينه خرج أمر الملك العادل بتقليده ولاية ثغر الإسكندرية حماه الله تعالى والبحيرة

فليتقلد ما قلده إياه ويباشره منشرحا صدره متهللا محياه وليعتمد على تقوى الله التي هي خير عتاد وأفضل ما اعتمد عليه في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وهي نجاة أهل اليقين وفوز المتقين قال الله تعالى ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )
وليبالغ في نشر راية العدل ومد جناحه وتعفية أذى الجور واجتياحه وليشمل الصغير والكبير من أهل هذه الولاية برداء النصفة ويعاملهم بالجميل الموفي على الصفة ويقم الحدود على مستوجبيها وينته إلى الغاية في تجنب إضاعتها وتوقيها وليدل على المفسدين عين من يتتبع وقوعهم في قبضته ويتطلب ويقابل كلا منهم بما يرى متعقبا بإيماض برق المعاقبة غير خلب ولا يبق ممكنا في التنقيب على مرتكبي الآثام والمرتكنين على سفك الدم الحرام ومن ظفر به منهم فليحكم فيه شبا ظفر الانتقام ونابه ويقابله من الردع بما يؤمن من معاودة عادات التعدي على كل حقير ونابه وليجر على عادته فيما يسير عنه أحسن السمعة ويشهد له بالتنزه عن خبيث الطعمة وقبيح الطمعة ويشد من القاضي متولي الحكم فيما يصدره ويورده ويحله ويعقده ويمضيه من الأحكام الشرعية ويعتمده في القضايا بما لديه من الألمعية ويعاضد المستخدمين في الأموال معاضدة تثمره وتنمي الارتفاع وتوفره وتعود على الديوان بالحظ الوافي وتعرب عن كونه بمثل هذه الولاية نعم الكفء الكافي ويعامل التجار على تباين بلدانهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم معاملة يجمل أثرها ويحسن ويتلقهم ببشر وطلاقة تنطق بشكر استبشارهم بها الألسن

ويحفظهم في أنفسهم وبضائعهم ويستنفد الوسع في دفع مضارهم وروائعهم ويعتمد بعث رجاله على الاستعداد للجهاد والتأهب لقراع الأضداد وينته إلى الغاية فيما يزيل منهم اعتذارا ويزيح اعتلالا ويوجب لهم الاقتدار على مكافحة عدو إن طرق الثغر والعياذ بالله تعالى
وهذه نسخة بولاية برقة وهي
من حق الأطراف المتناهية في بعد أقطارها والبلاد الشاسعة عن ثواء المملكة ومحل استقرارها التي انتظمت في سلك أعمال المملكة الناصرية وانخرطت واستدركت معداتها لمن حوته فوائت الفوائد التي سلفت وفرطت أن يديم أكيد الاهتمام لها التحصين والتحسين ولا يغب أهلها ما يغشاهم من الملاحظات مصبحين وممسين وتزجي لها سحائب كرم التعهد عهاده غدقا ويعمل الأولياء في حياطتها من الغمود ألسنة ويذكون دونها من القنا حدقا ويفوض أمورهم إلى من تخف على يده كلفتهم وتجتمع بحسن سيرته ألفتهم ويشتمل من عنايته عليهم اشتمال الصدفة على القلوب وتنيلهم مهابته من كف عدوى العدا كل مؤثر مطلوب
ولما كنت أيها الأمير من أميز سالكي هذه الطرائق وأمثل فرسان الحروب وحماة الحقائق واشجع المجاهدين في الله حق جهاده وأجسرهم على إصلاء الشرك ضرام فتك لا يخشى إصلاد زناده ولك السياسة التي ترتب بين الأسود والظباء اصطحابا والمخالصة التي لا تناجي إذا وصفت بالتغالي فيها ولا تحابى خرج أمر الملك العادل بكتب هذا المنشور لك بما أنعم عليك بولايته وإقطاعه وهو برقة بجميع أعمالها وحقوقها من العقبة الصغرى وإلى

آخر حدودها وبما أمر به كافة العربان المقيمين بهذه البلاد وجميع أهلها من حاضر وباد من الإعلان لك بشعار الطاعة وصون ما يلزمهم أداؤه إليك من فروض النصح عن الإضاعة وأن يبذلوا في موافقتك غاية الاجتهاد ويعتمدوا من امتثال مراسمك أحسن اعتماد ويحذروا من العدول عن أمرك ويجتنبوا مخالفة نهيك وزجرك فاستمسك بحبل التقوى الفائز من يعتصم به ويتعلق واستشعر من خيفة الله ما يشرق لأجله عليك نور الرضوان ويتألق قال الله تعالى في كتابه المكنون ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) وعامل أهل هذه الولاية بالإنصاف وإياك ومكروه العدول عن محجة العدل والانحراف وتوق العسف بهم والحيف عليهم واجتنب الترخيص لأصحابك في مد يد أحد منهم بعدوان إليهم وسر فيهم سيرة ترؤف بهم وترفق وجانب سبيل من تقوم عنده أسواق اختلاق المتخرصين وتنفق ولا تخرج في تدبير الأمور عن قانون الشريعة ولا تجعل لك إلى فوز الآخرة عن تقديم العمل الصالح من ذريعة وغل عنهم أيدي حاضري المفسدين وأياديهم وأبنهم بالمهابة عن إصرارهم على المنكرات وتماديهم وكل بهم عزما رادعا لهم وازعا ونكل بمن ظفرت به منهم تنكيلا يزجر من يظل بحر الضلال نازعا وشد من خلفاء الحكم العزيز في تنفيذ قضاياه وخصهم من الكرامة بما تقتضيه إقامة مناره وإنارة مزاياه واعتمد ما يعيد الحقائق بوجوه ناضرة ويرد الأباطيل بصفقة خاسرة وراع أمور التجار والحجاج مراعاة تشملهم في السفر والإقامة وتحميهم من تطرق استهانة إلى أحد منهم واستضامة وطالع بما يتجدد من أحوال خدمتك وما يحتاج إلى علمه من جهتك إن شاء الله عز و جل
وهذه نسخة بولاية الفرما وهي

نحن لما ضاعفه الله لدينا من إحسانه وأجزله وعدقه بنا من تدبير أمور الخلق وأسنده إلينا ووكله نعتمد عبيدنا بتوفير الرعاية لهم والإكرام ونحافظ على ما يغمرهم من شامل الإفضال وسابغ الإنعام فنقدم للخدم من خطبها بخلوص طاعته ونؤهل للرتب من أبانت شيمه عن خبرته ومناصحته
ولما كنت أيها الأمير ممن ظهرت مشايعته وموالاته وحسنت في مكافحة الأعداء مشاهده ومقاماته ووضحت في أفعاله دلائل النصح وبانت عليه سماته ولك مساع مشكورة ومواقف مشهورة ومقاصد هي من مآثرك معدودة وفي فضائلك مذكورة رأينا وبالله توفيقنا استخدامك في ولاية الفرما والجفار سكونا إلى رضا مذهبك وثقة بانتظام الحال فيما يرد إليك ويناط بك وخرج أمرنا إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل بتقليدك الولاية المذكورة وتضمينه ما نأمر به ونرسمه مما يهديك إلى الصواب فتتمسك به وتعكف عليه وتلزمه
فتقلد ما قلدته شاكرا على هذه النعمى عاملا بطاعة الله تعالى ومراقبته في السر والنجوى واعتدها زادا إلى الآخرة تطمئن به القلوب وتقوى قال الله عز من قائل في كتابه ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) واعتمد في أهل هذه الولاية نصفة تعمهم ومعدلة وسسهم سياسة تكون لسنة الخير مؤكدة ولسنة الجور مبدلة وماثل في الحق بين قويهم وضعيفهم ولا تجعل مزية في الواجب لشريفهم على مشروفهم وانتصف للمظلوم من المتعدي الظالم

واعمل بالكتاب والسنة في الحدود التي تقيمها على ذوي الجرائر والجرائم وانتصب لحفظ الطرقات وصون الصادرين والواردين في جميع الأوقات ونكل بمن تظفر به من المفسدين واجعله عظة لأمثاله من الظالمين والمعتدين وعاضد النائب في الحكم العزيز معاضدة تقضي بإعزاز الجانب وساعدة مساعدة تنفذ بها أحكامه على قضية الواجب وكذلك متولي الدعوة الهادية فهي مصباح الزمان وبإشادة ذكره تقوى دعائم الإيمان فاجتهد في تمييز متوليها وإكرامه وبلغه في ذلك غاية مطلوبه ومرامه وتوفر على الشد من المستخدمين في الأموال وراع ما يحسن لدينا فيما تنظر فيه من الأعمال واحرص على ما عاد بوفور ارتفاعها وأجر أحوالها على أفضل رسومها وأوضاعها بحيث يكون العدل منبسطا منبثا والحيف منحسما مستأصلا مجتثا وأجمل صحبة الرجال المستخدمين معك وأحسن معاشرتهم مع مطالبتهم بملازمة الخدمة واستنهاضهم في الأمور الشاقة المهمة فاعلم هذا واعمل به وطالع بما تحتاج إلى المطالعة به إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة بولاية عسقلان وهي
من شيمنا التي غدت للمصالح ضوامن وعلت فكل متطاول عندها متطامن وهممنا الكافلة للرعية بما يقر عيونها والقاضية للخاصة والعامة بما يوجب طمأنينتها وسكونها أنعمنا النظر فيما نرعاها به ونسوسها

وأعملنا الفكر فيما يستقيم به أمرها ويزول معه بوسها فيقف بنا الاجتهاد في ذلك على محجة الصواب التي لا ضلال في سلوكها ويفضي منا الحرص إلى غاية لم يبلغها أحد من مدبري الدول وملوكها فننتخب لخطير الخدم من كان قؤوما بها مستقلا بآصارها وننتجب لجليل الرتب الأعيان من أمراء دولتنا وأنصارها حفظا لما استحفظناه من أمور العباد والبلاد ورفعا لعماد الصلاح وحسما لمواد الفساد
ولما كنت أيها الأمير من الأولياء الذين صفت في المخالصة ضمائرهم وحسنت في الطاعة عقائدهم وسرائرهم ونالوا من نبيه الحظ ما أطنب الواصف فيما يذكره منه ويرويه وأحمدوا المناصحة فيما رقوا فيه من درج التنويه وقد استكفيت مهمات من الخدم فكفيت همها وخففت ثقلها وأهلت لولايات سنية فحملت كلها وكنت مستحقا لها وأهلها فلك موات حميدة من حسن المقاصد ومشكور المساعي وحرمات أكيدة ظلت على اصطفائك من أوفى البواعث وأقوى الدواعي وكانت مدينة عسقلان حماها الله تعالى ثغر الإسلام الذي لا ثغر له في الشام سواه والرباط الذي من كان به فقد نال الثواب الجزيل وأحرزه وحواه وهو في عيون الكفار خذلهم الله نكتة وأسباب طمعهم فيه منقطعة بمحاماته منبتة ونحن نوفر اهتمامنا عليه رعاية لمكانه المكين وننتصي الكفاة لتوليه توصلا إلى النكاية في المشركين وهو معقل للمسلمين المجاهدين ورد ومجاوروه قوم لد وأمرهم أمر إد فيجب أن يرتاد لضبطه الندب الذي لا تهتبل غرته ويسام لحفظه العضب الذي لا

تتقى ضربته ويختار لصونه الشهم الذي تقف على المصالح همته وتنفذ فيها عزمته
وحين كانت هذه الصفات فيك موجودة وظلت محسوبة من خلالك معدودة رأينا وبالله توفيقنا ما خرج به أمرنا إلى ديوان الإنشاء من كتب هذا السجل بتقليدك ولاية هذا الثغر وضواحيه وعمله ونواحيه ثقة بمشهور مضائك وعلما بإبرارك على نظرائك
فتقلد هذه الخدمة عارفا قدر ما خولت منها وعاملا بتقوى الله وخيفته في جميع ما تأمر به وتنهى فإن تقواه الجنة الواقية وإن خيفته الذخيرة الباقية وقد وعد الله المتقين بتيسير الأمور وتكفير السيئات وإعظام الأجور قال الله عز من قائل ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) ثم قال ( ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) واستعمل العدل في جميع من يشتمل عليه عملك ويجري عليه توليك ونظرك وساو في الحق بين الضعيف والقوي وماثل في الحكم بين القريب والقصي وإذا ثبت على شريف حق فلا تحابه لرتبته وإذا ثبت لوضيع فخذه ممن لزمه واستقر في جهته
واعتمد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يستنطق بالثناء عليك ألسنة المادحين وينظمك فيمن عناهم الله تعالى بقوله ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين )
وأقم الحدود على من لزمته بما أمر الله به إقامة تجري بها مجراها

وتوق الزيادة فيها والنقص توقي من يتمثل المجازاة كأنه يراها وهذا الثغر لمحله وسمو مقداره وقرب العدو منه ودنو داره لا يقنع له بمركزيته ولا يكتفى في حقه بمرابطيته وقراريته فنحن نسير إليه العساكر المظفرة دفعتين في كل سنة على حكم البدل فيرده عسكر جديد مزاح العلة كثيف العدة وافر العدة يؤثر أن يظهر أثره ويحافظ على ما يطيب به ذكره وخبره فبث السرايا وشن الغارات وضيق على العدو فسيح النواحي والجهات وجهز إليه من يخيفه في مآمنه وابعث عليه من يطرقه في أحرز أماكنه واندب من يطالعك بخفي أخباره ويظهر لك باطن أموره ومستور أسراره لتنتهز فيه الفرصة إذا لاحت مخايلها وتبادر الغفلة منه إذا ظهرت دلائلها واجعل للمتطوعين من الكنانيين نصيبا من ثواب الجهاد واحملهم على استفراغ الوسع بغاية الحرص والاجتهاد وافعل في هذا الباب ما تتضاعف به مواد الأجر وتنتسخ به الأوزار كما ينتسخ الظلام بضياء الفجر واعضد متولي الحكم العزيز عضدا يعلي أمره ويشد أزره ويحرس نظامه وينفذ قضاياه وأحكامه وكذلك متولي الدعوة الهادية ثبتها الله تعالى فاعتمده بما يشرح صدره فيما يوضحه للمؤمنين ويهدي به المستجيبين والمتدينين ووفر موفر اهتمامك على مرافدة من يتولى أمر المال وما يجري في الخاص لتدر أخلافه ويزكو ارتفاعه وتغزر مادته ويتوفر مستخرجه ويحتمي من خيانة وتحيف ويسلم استيداؤه من تريث وتوقف واستنهض الرجال المستخدمين في الأمور السوانح وصرفهم فيما ترى تصريفهم عليه من أسباب المنافع والمصالح واستمطر الإحسان لمن أحمدت طريقته وقوم بالتأديب من ذممت فعله وكرهت سيرته فاعلم هذا واعمل به وطالع بما يحتاج إلى المطالعة بمثله إن شاء الله عز و جل
ومن المكتتب بالوظائف الديوانية من هذه المرتبة نسخة توقيع بنظر

الدواوين وهي
أحق الأعمال بأن ينعم فيها النظر الشافي ويندب لحمل عبئها الأمين الكافي ويحال النظر في تقليدها للقيم بأمرها ويعمل الرأي لارتياد القوي على ضبطها وحصرها ما كان منها جامعا لمصالح الدولة حائزا لمهام المملكة وهي أعمال الديوان والنظر في حفظ وجوه الأموال وما يعين على استنمائها ويعود بالزيادة في أصول أبوابها إذ كان ذلك ملاك الأمور وزمام التدبير في حفظ الجمهور والمعونة العظمى على الاستكثار من الرجال الذين بهم يتم حفظ البلاد وحماية الثغور
ولما سلطنا البحث على استصلاح من نؤهله لهذه المنزلة واستخلاص من نحله بهذه المرتبة أدانا الاختبار والانتقاد وانتهى بنا الاعتيام والارتياد إلى اختيار الشيخ فلان حين سفرت له النباهة في الكفاية والوجاهة في الخبرة والدراية وجب على اختصاصه بالفضل الذي تحلى بأدبه والعفاف الذي اشتهر من مذهبه من الخصال الحميدة والخلال الرشيدة والفضائل الموروثة والمكتسبة والخلائق المنتقاة المهذبة ورأيناه أهلا لإحلال هذه المكانة وعدلا قيما باحتمال هذه الأمانة وعلمنا أن الصنيعة عنده زاكية المغارس والنعمة المفاضة عليه ضافية الملابس فقلدناه أمر الديوان بحلب وما معها من البلاد المضافة إليها والداخلة في حكمها قاصي ذلك ودانيه وأواسطه وحواشيه مقدمين الاستخارة فيما نبديه من قول ونعزم عليه من فعل
وأمرناه أن يستشعر تقوى الله سبحانه فإنها الجنة الواقية والذخيرة النافعة الباقية ويعتلق أسبابها فإنها المنجية من المهالك الهادية إلى السبل الواضحة

إذا اشتبهت المسالك محققا ما توسمناه فيه من مخايل الأصالة ودلائل الجزالة مصدقا ما استلمحناه من كفايته وغنائه واستوضحناه من استقلاله واستقصائه وأن يبدأ فيرتب في كل معاملة من الثقات الكفاة مشهودا له بالنهضة والأمانة المستوفاة وأن يزم الأعمال القاصية والدانية والبلاد القريبة والنائية بالضبط المستقصي والحفظ المستوفي وبمن يرتبه عليها من الكتاب الأمناء ويستصلحه لها من الحفظة النصحاء ويتتبع حال من بها من النواب فمن شهدت له التجربة بالكفاية ودل الاختبار منه على العفة والأمانة استدامه في خدمه المنوطة به وطالع من حاله بما يقضي له حسن النظر بحسبه ومن ألفاه متنكبا سبيل الأمانة مقارفا طريق العجز والخيانة بادر إلى الاستبدال به وعجل قطع ما بينه من الخدمة وبين سببه وأن يسترفع البواقي من الأموال في سائر الجهات والأعمال إلى آخر التاريخ الذي تليه مباشرته ويتصل بآخره مبدأ نظره وفاتحته موشحة أوراق ذلك بخطوط الأمناء مفصلة جهاته بأسماء المعاملين والضمناء حتى إذا حملت إليه وصارت حجة على رافعها في يديه طالبه بمواقفة من هو في ذمته وتقدم بعد تصديقه على ذلك بمضايقته بعد المطالعة بجلي الحال وحقيقته ثم يسترفع من مستوفي الديوان وعماله شروط الضمان ورسومهم وقواعدهم في الضمان وعوائدهم ليكون علم ذلك عنده مبينا ووقت مساس الحاجة إليه حاضرا ويطالب بجرائد الضياع خاصها ومقطعها المشتملة على ذكر رسومها وحقوقها وعدد فدنها ومقاسها وجرائد الخراج اللازم لأرباب الأملاك على أملاكهم وتحقيق المصفوح عنه والمسامح به والباقي على الأداء في جهته وجرائد الجزية مفصلة في نواحيها وأسماء أربابها إلى حين رفعها وأن يطالب نواب الجزية في كل شهر بختمة

تتضمن ذكر مصارف ما يحول إليهم وإقامة وجوه المال الذي جمع عليهم مفصلة مميزة الابتياعات عن الإطلاقات والضيافات عن السفرات والإصطبلات وكذلك نواب الأهراء يسترفع منهم ما يدل على مثل ذلك وسائر المتولين في سائر الخدم يطالبهم بهذه المطالبة ويضيق عليهم في مثل ذلك سبيل المغالطة والمواربة ويجعل مؤاخذتهم بذلك من الأمور الراتبة والوظائف اللازمة الواجبة حتى يتبين له الكافي من العاجز والأمين من الخائن
وليتأمل وجوه الإخراجات ومبلغ الإطلاقات والإدرارات ويسترفعه من مظانه مفصلا بجهاته منسوبا إلى أربابه ويتقدم بكتب مؤامرة جامعة لذلك التفصيل دالة على المقدار المطلق في كل سنة محكم النظر الدقيق دون الجليل وليعتمد في إطلاق ما يطلق منها على سبيل ما يوقع به عند ذلك وليكن هذا من الأمور الجارية على العادة والرسم ويلزمه كل من نواب الديوان
ومن المكتتب منها بالوظائف الدينية نسخة تقليد بولاية الحسبة من إنشاء الوزير ضياء الدين بن الأثير وهي
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )
هذا أمر يشتمل على معنى الخصوص دون العموم ولا يختص به إلا ذوو

الأوامر المطاعة أو ذوو العلوم وقد منحنا الله هذين الوصفين كليهما وجعلنا من المستخلفين عليهما
فلنبدأ أولا بحمده الذي هو سبب للمزيد ثم لنأخذ في القيام بأمره الذي هو على كل نفس منه رقيب عتيد ولا ريب أن إصلاح العباد يسري إلى الأرض حتى تزكو بطونها وتنمو عيونها ويشترك في بركات السماء ساكنها ومسكونها والأمر بذلك حمل إن لم تتوزعه الأكف ثقل على الرقاب وإذا انتشرت أطراف البلاد فإنها تفتقر إلى مساعدة من مستنيب ومستناب وقد اخترنا لمدينة كذا رجلا لم نأل في اختياره جهدا وقدمنا فيه خيرة الله التي إذا صدقت نيتها صادفت رشدا وهو أنت أيها الشيخ فلان
فابسط يدك بقوة إلى أخذ هذا الكتاب وكن حسنة من حسناتنا التي ثم يرجح بها ميزان الثواب وحقق نظرنا فيك فإنه من نور الله الذي ليس دونه من حجاب
واعلم أن أمر الشريعة مبني على التيسير لا على التعسير ولا يضع اللسان موضع السوط إلا من أوتي زيادة في التفسير وفي سنة رسول الله مندوحة لمن لزمها وهي هدى لمن عمل بها ونور لمن علمها ويكفي من ذلك قصة الأعرابي الذي أتى حاجته في المسجد فسارع الناس إليه فنهاهم رسول الله وقال إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ثم دعا بذنوب من ماء فصبه عليه وقال يا أخا العرب إن المساجد لم توضع لشيء من هذا وإنما وضعت للصلاة وقراءة القرآن
فانظر إلى هذا الرفق النبوي الذي شفى وكفى وعفى على أثر المعصية لما عفا ولو دعا ذلك الأعرابي لمثلها لنقل عن لين التهذيب إلى

شدة التأديب وكذلك فكن أنت في الرفق الذي حدثت عنه ومن عاد فينتقم الله منه
ونحن نأمرك أن تحتسب أولا بلين القول لا بالأنف والنكير وأن تترفق في الموعظة التي هي طريق إلى الخشية والتذكير وأن لا تكون باحتسابك مدلا بأنك على الصراط المستقيم وأن الناس بين يديك على سنن التثقيف والتقويم فإن من أكبر الذنوب ذنب الإعجاب والأولى لك حينئذ أن تعود على نفسك بالاحتساب ومن أدبك وأدب أمثالك أن يقف في أمره بالمعروف مع التقوى لا مع هواه وأن لا يفرق في إزالة المعصية أن تكون بيده أو بيد أحد سواه وإذا كنت كذلك قرنك الله بمن أنزل السكينة على لسانه ويده وقوم له أود الناس لتقويم أوده والله ينظر إلى قلب ابن آدم لا إلى عمله ولا إلى جسده وعليك بالمجاهدين الذين سلب عنهم ثوب العافية ومن اختفى منك بالاستتار فلا تكشف عن حاله الخافية وأما ذوو الهيئات فإن عثراتهم تقال وأعراضهم لا تذال ولربما كان التجاوز عنهم داعيا إلى الانتقال وفي قصة أبي محجن وسعد ما ينبئك أن الحياة أغنى في الازدجار وفي الناس أذناب لا قدر لها تذب عنه ورؤوس تذب عما لها من الأقدار وهاهنا من ضروريات الوصايا ما يؤتى في مثله بتوكيد الأقوال وأكثر ذلك يدور في المعاملات التي ألفها قوم دون قوم واستمروا عليها يوما دون يوم وقد أتى منها ما اتفق على العمل به

كل فريق وأيسر ذلك إزالة النخامة من المسجد وإماطة الأذى عن الطريق
وهذه الوصايا كلها لا تفتقر فيها إلى التوقيف وأنت عالم بوضع كلمها في مواضعه وغيرك الذي يتعدى إلى التحريف فامض على السنن وأت بالحسن وسو بين حالتيك في السر والعلن وكن من خوف الله ورجائه بين رحلة سفر وقرارة وطن وهذا عهدنا إليك تتقمص اليوم منه رداء جميلا وستحمل غدا منه عبئا ثقيلا وقد فرضنا لك عن حق سعيك فريضة تجد بها كفافا وتمنعك أن تمد عينيك إلى غيرها استشرافا فإن العمل الذي توليته يستغرق أوقاتك أن تكون للدنيا كاسبة وتشغل نفسك بالعمل والنصب لا أن تكون عاملة ناصبة وإذا نظرت إلى ما نيط بك وجدته قد استحصى الزمن أو كاد وأنت فيه بمنزلة الباني وقواعده وكل بناء على قدر بانيه وما شاد ونحن نأمر ولاتنا على اختلاف مراتبهم أن يرفعوا من قدرك ويسددوا من أمرك وإذا استوعر عليك أمر من الجوانب سهلوا من وعرك والله أمر أهل طاعته بأن يكون بعضهم لبعض من الأعوان فقال جل وتعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )

الحالة الرابعة مما يكتب عن ملوك الديار المصرية من الولايات ما عليه مصطلح كتاب الزمان بديوان الإنشاء بالديار المصرية مما يكتب عن السلطان لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم من التقاليد والمراسيم والتفاويض والتواقيع على ما سيأتي بيانه وفيه ثلاثة مقاصد

المقصد الأول في مقدمات هذه الولايات وفيه مهيعان
المهيع الأول في بيان رجوع هذه الولايات إلى الطريق الشرعي
قد تقدم في أول الكلام على العهود أن السلطنة في زماننا دائرة بين إمارة الاستيلاء وهي أن يقلده الخليفة الإمارة على بلاد ويفوض إليه تدبيرها فيستولي عليها بالقوة وبين وزارة التفويض وهي أن يستوزر الخليفة من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وفصلها على اجتهاده وأنها بإمارة الاستيلاء أشبه على ما تقدم بيانه هناك وهد صرح الماوردي في الأحكام السلطانية أنه إذا كمل في المستولي على الأمر بالقوة بعد تولية الخليفة له مع اشتماله على الصفات المعتبرة في المولى في الولاية الصادرة عن اختيار الخليفة الإسلام والحرية والأمانة وصدق اللهجة وقلة الطمع والسلامة من الميل مع الهوى والبراءة من الشحناء والذكاء والفطنة جاز له ما يجوز للخليفة من تولية وزارة التفويض وغيرها من سائر النيابات وجرى على من استوزره أو استنابه

أحكام من استوزره الخليفة أو استنابه وان لم يستكمل الصفات المعتبرة في الولاية الصادرة عن اختيار الخليفة استناب له الخليفة لكل ولاية من تتكامل فيه شروطها
قلت وقد كانت ملوك بني بويه وبني سلجوق مع غلبتهم على أمر الخلفاء ببغداد واستيلائهم يقتصرون في تصرفهم على متعلقات الملك في الجهاد والتصرف في الأموال ويكلون أمر الولايات إلى الخليفة يباشرها بنفسه وتكتب عنه العهود والتقاليد على ما تشهد به نسخها الموجودة من إنشاء الصابي وغيره وكذلك الخلفاء الفاطميون بمصر عند غلبة وزرائهم على الأمر من لدن خلافة المستنصر وإلى انقراض خلافتهم من الديار المصرية كالصالح طلائع بن رزيك في وزارته للفائز والعاضد ونحو ذلك فإن الخليفة هو الذي كانت الولايات تصدر عنه تارة بإشارة الوزير وتارة بغير إشارته على ما تشهد به نسخ السجلات المكتتبة في دولتهم على ما تقدم بيانه في الفصل الأول من هذا الباب على أن أصحابنا الشافعية وغيرهم من أئمة الفقهاء رحمهم الله قد صححوا الإمامة بغلبة الشوكة والاستيلاء على الأمر بالقهر دون استكمال شروط الإمامة تصحيحا للأحكام الشرعية الصادرة عن المستولي بالشوكة من العقود والفسوخ وإقامة الحدود وغيرها على ما هو مذكور من باب الإمامة وحينئذ فتكون جميع الولايات الصادرة عن السلطان صحيحة شرعا وإن لم يستنبه عنه الخليفة وكذلك ما يترتب عليها على ما الأمر جار عليه الآن

المهيع الثاني فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة هذه الولايات
واعلم أنه يجب على الكاتب في ذلك مراعاة أمور
الأمر الأول براعة الاستهلال بذكر اسم المولى أو نعته أو لقبه أو الوظيفة أو حال الولاية مع استصحاب براعة الاستهلال إلى آخر الخطبة ونحوها من الافتتاحات كما أشار إليه الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله في كتابه حسن التوسل كما تقدم ذكره في الكلام على البيعات والعهود
الأمر الثاني مراعاة قطع الورق في الجملة لكل ما يكتب من ديوان الإنشاء من المكاتبات والولايات وغيرها والذي يختص بهذا المكان ذكر مقادير قطع الورق فيما يتعلق بهذه الولايات خاصة وهي خمسة مقادير أحدها قطع الثلثين ويختص في الولايات بكبار التقاليد دون غيرها وثانيها قطع النصف وفيه تكتب صغار التقاليد والمراسيم المكبرة والتفاويض وكبار التواقيع وثالثها قطع الثلث وفيه تكتب صغار المراسيم المكبرة والتواقيع المتوسطة ورابعها قطع العادة المنصوري وفيه تكتب صغار التواقيع والمراسيم التي لأصحابها بعض ميزة لا تنتهي بهم إلى رتبة قطع الثلث وخامسها قطع العادة الصغير وفيه تكتب صغار التواقيع والمراسيم التي هي في الرتبة الأخيرة
الأمر الثالث معرفة ما يناسب كل قطع من هذه المقادير من الأقلام وقد تقدم في المقالة الثالثة نقلا عن التعريف ما لكل مقدار من الأقلام

والمتعلق بهذا الموضع من ذلك أن لقطع الثلثين قلم الثلث الثقيل ولقطع النصف قلم الثلث الخفيف ولقطع الثلث قلم التوقيعات ولقطع العادة مطلقا قلم الرقاع
الأمر الرابع معرفة اللقب المطابق لرتبة كل ولاية وصاحبها من الألقاب الأصول المتقدم ذكرها في الكلام على الألقاب من المقالة الثالثة وهي المقر والجناب والمجلس ومجلس كذا على الإضافة وما يناسب كل لقب من هذه الألقاب من الفروع المرتبة عليها كوصف المقر بالكريم العالي ووصف الجناب تارة بالكريم العالي وتارة بالعالي مجردا عن الكريم ووصف المجلس تارة بالعالي وتارة بالسامي وإضافة مجلس في حق أرباب السيوف إلى الأمير فيقال مجلس الأمير وفي حق أرباب الأقلام من العلماء وأصحاب الدواوين إلى القاضي فيقال مجلس القاضي وفي حق الصلحاء إلى الشيخ فيقال مجلس الشيخ وأن لمن دون هؤلاء الصدر ويوصف بالأجل فيقال الصدر الأجل وأن لكل أصل من هذه الأصول فروعا شتى تترتب عليه وتقدم أيضا في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في زماننا إلى أهل المملكة مكاتبة كل واحد ممن جرت العادة بالمكاتبة إليه وما يختص به من الألقاب الأصول والفروع
واعلم أن الولايات أعم من المكاتبات فقد يكون للشخص ولاية من الأبواب السلطانية وليس له مكاتبة إذ المكاتبات إنما تكون لقوم مخصوصين من أرباب الولايات إذا علم ذلك فكل من له مكاتبة عن الأبواب السلطانية من أرباب السيوف والأقلام ممن تقدم ذكره في الكلام على المكاتبات إذا كتبت له ولاية نعت بألقابه ونعوته التي بها يكاتب عن الأبواب السلطانية إلا أن الدعاء المصدر به المكاتبة يجعل في الآخر دون الأول فإذا كانت المكاتبة إلى أحد أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم قيل في ألقابه في الولاية المقر الكريم إلى آخر ما يقتضيه الحال ثم يقال فلان أعز الله تعالى أنصاره وكذلك في

البواقي أما من لم تجر العادة بمكاتبة إليه عن الأبواب السلطانية ممن يولي عنها فإن لكل طبقة ألقابا تخصهم ونحن نذكر الألقاب الأصول وما يتفرع عليها لكل طبقة من كل طائفة على الوضع الذي تقتضيه الولايات دون المكاتبات ليجرى كل من أرباب الولايات على ما يناسبه من الألقاب
وقد علمت فيما تقدم في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أن الألقاب على خمسة أنواع

النوع الأول ألقاب أرباب السيوف
والمستعمل منها بديوان الإنشاء تسع مراتب
المرتبة الأولى المقر الكريم مع الدعاء بعز الأنصار وهي المقر الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري العابدي الناسكي الأتابكي الكفيلي معز الإسلام والمسلمين سيد أمراء العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين فلان باسمه الفلاني بلقب الإضافة إلى لقب السلطان أعز الله تعالى أنصاره
المرتبة الثانية الجناب الكريم مع الدعاء بعز النصرة وهي الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري الكافلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين مقدم العساكر ممهد الدول مشيد

الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين فلان باسمه الفلاني بلقب الإضافة إلى لقب السلطان أعز الله تعالى نصرته
المرتبة الثالثة الجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة وهي الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني الزعيمي الممهدي المشيدي الظهيري الكافلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين فلان باسمه الفلاني بلقب الإضافة إلى السلطان ضاعف الله تعالى نعمته
المرتبة الرابعة الجناب العالي مع الدعاء بدوام النعمة وهي الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي المؤيدي الأوحدي النصيري العوني الهمامي المقدمي الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة عماد المملكة ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين فلان الفلاني أدام الله تعالى نعمته
المرتبة الخامسة المجلس العالي والدعاء بدوام النعمة وهي المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي العوني الأوحدي النصيري الهمامي المقدمي الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين فلان الفلاني أدام الله تعالى نعمته
المرتبة السادسة المجلس السامي بالياء والدعاء بدوام التأييد ونحوه وهي المجلس السامي الأميري الكبيري الذخري النصيري الأوحدي المؤيدي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الأمراء ذخر

المجاهدين عضد الملوك والسلاطين فلان الفلاني أدام الله تأييده
المرتبة السابعة السامي بغير ياء والدعاء أدام الله رفعته ونحو ذلك وهي المجلس السامي الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد المرتضى فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام فخر الأمراء زين المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين أدام الله رفعته
المرتبة الثامنة مجلس الأمير والدعاء أدام الله سعده ونحوه وهي مجلس الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد المرتضى فلان الدين مجد الأمراء زين المجاهدين عدة الملوك والسلاطين فلان الفلاني أدام الله سعده
المرتبة التاسعة الأمير مجردا عن المضاف إليه وهي الأمير الأجل وربما زيد فيه فقيل الكبير المحترم ونحو ذلك

النوع الثاني ألقاب أرباب الوظائف الديوانية وهي على ست مراتب
المرتبة الأولى الجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة وفيها أسلوبان
الأسلوب الأول ألقاب الوزير وهي الجناب العالي الصاحبي الكبيري العالمي العادلي الأوحدي الأكملي القوامي النظامي الأثيري البليغي المنفذي المسددي المتصرفي الممهدي العوني المدبري المشيري الوزيري الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الوزراء في العالمين رئيس الكبراء كبير الرؤساء أوحد الأصحاب ملاذ الكتاب قوام الدول نظام الملك مفيد المناجح معتمد المصالح مرتب

الجيوش عماد الملة عون الأمة مشير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين فلان الفلاني ضاعف الله تعالى نعمته
الأسلوب الثاني ألقاب كاتب السر عندما استقر ما يكتب له تقليدا في قطع الثلثين وهي الجناب العالي القاضوي الكبيري العالمي العادلي العلامي الأفضلي الأكملي البليغي المسددي المنفذي المشيدي العوني المشيري اليميني السفيري الأصيلي العريقي الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين قدوة العلماء العاملين جمال البلغاء أوحد الفضلاء جلال الأصحاب كهف الكتاب يمين المملكة لسان السلطنة سفير الأمة سليل الأكابر مشير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين فلان الفلاني ضاعف الله تعالى نعمته
قلت وقد كان رتبته المجلس العالي عندما كان يكتب له توقيع في قطع النصف
المرتبة الثانية المجلس العالي مع الدعاء بدوام النعمة وفيها أربعة أساليب
الأسلوب الأول ألقاب كاتب السر على ما كان الأمر عليه في كتابة توقيع في قطع النصف ويدعى له أدام الله نعمته وهي المجلس العالي بالألقاب المتقدمة له مع الجناب العالي على ما استقر عليه الحال
الاسلوب الثاني ألقاب ناظر الخاص وهي المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الأكملي الرئيسي البليغي

البارعي القوامي النظامي الماجدي الأثيري المنفذي المسددي المتصرفي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين قوام المصالح نظام المناجح جلال الأكابر قدوة الكتاب رئيس الأصحاب عماد الملة صفوة الدولة خالصة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين فلان الفلاني أدام الله تعالى نعمته
الأسلوب الثالث ألقاب وزير دمشق إذا صرح له بالوزارة وهي المجلس العالي الصاحبي الوزيري الأجلي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الأوحدي القوامي النظامي الماجدي الأثيري المشيري الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الوزراء في العالمين رئيس الكبراء كبير الرؤساء بقية الأصحاب ملاذ الكتاب عماد الملة خالصة الدولة مشير الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين فلان الفلاني أدام الله تعالى نعمته
الأسلوب الرابع ألقاب ناظر النظار بالشام إذا لم يكن وزيرا وهي المجلس العالي القضائي الكبيري العالمي العاملي الأوحدي الرئيسي الأثيري القوامي النظامي المنفذي المتصرفي الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الرؤساء في العالمين أوحد الفضلاء جلال الكبراء حجة الكتاب صفوة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين فلان الفلاني أدام الله تعالى نعمته
المرتبة الثالثة المجلس السامي بالياء مع الدعاء بدوام الرفعة وما في معناها وهي المجلس السامي القضائي الأجلي الكبيري العالمي

الفاضلي الكاملي الرئيسي الأوحدي الأصيلي الأثيري البليغي الفلاني مجد الإسلام شرف الرؤساء في الأنام زين البلغاء جمال الفضلاء أوحد الكتاب فخر الحساب صفوة الملوك والسلاطين أدام الله تعالى رفعته
فإن كان من كتاب الإنشاء أسقط منه فخر الحساب
المرتبة الرابعة السامي بغير ياء مع الدعاء بدوام الرفعة ونحوه أيضا وهي المجلس السامي القاضي الأجل الكبير الصدر الرئيس الأوحد البارع الكامل الأصيل الفاضل فلان الدين جمال الإسلام بهاء الأنام شرف الأكابر زين الرؤساء أوحد الفضلاء زين الكتاب صفوة الملوك والسلاطين أدام الله تعالى رفعته
المرتبة الخامسة مجلس القاضي وهي مجلس القاضي الأجل الكبير الفاضل الأوحد الأثير الرئيس البليغ العريق الأصيل فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الرؤساء زين الكتاب مرتضى الملوك والسلاطين أدام الله رفعته
المرتبة السادسة القاضي وهي القاضي الأجل وربما زيد في التعظيم الصدر الرئيس الكبير ونحو ذلك

النوع الثالث ألقاب أرباب الوظائف الدينية وهي أيضا على ست مراتب
المرتبة الأولى الجناب العالي وهي لمن استقر له كتابة تقليد في قطع الثلثين من قضاة القضاة بالديار المصرية وهو الشافعي وهي الجناب العالي القاضوي الشيخي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الورعي الخاشعي الناسكي الإمامي العلامي الأصيلي

العريقي الحاكمي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء حجة الأمة عمدة المحققين فخر المدرسين مفتي المسلمين جلال الحكام بركة الدولة صدر مصر والشام معز السنة مؤيد الملة شمس الشريعة رئيس الأصحاب لسان المتكلمين حكم الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين فلان بنسبه أعز الله تعالى أحكامه
وكذلك قاضي القضاة الحنفي بالديار المصرية عندما استقر المكتوب له تقليدا
المرتبة الثانية المجلس العالي وبها كان يكتب لقاضي القضاة الشافعي قبل أن يستقر ما يكتب له تقليدا بالألقاب والنعوت السابقة له مع الجناب وكذلك الثلاثة الباقون باختصار في الألقاب والنعوت وهي المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الإمامي الأصيلي العريقي الحاكمي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين سيد العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء حجة الأمة عمدة المحدثين فخر المدرسين مفتي المسلمين جلال الحكام حكم الملوك والسلاطين فلان الفلاني بنسبه أعز الله تعالى أحكامه
المرتبة الثالثة المجلس السامي بالياء وهي المجلس السامي القضائي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الرئيسي المفيدي البليغي القدوي الأثيري مجد الإسلام والمسلمين جمال العلماء العاملين أوحد الفضلاء صدر المدرسين عمدة المفتين خالصة الملوك والسلاطين فلان الفلاني أدام الله تعالى تأييده
المرتبة الرابعة السامي بغير ياء وهي المجلس السامي القاضي

الأجل الكبير الصدر الرئيس العالم الفاضل الكامل فلان الدين مجد الصدور زين الأعيان مرتضى الملوك والسلاطين فلان أدام الله تعالى رفعته
المرتبة الخامسة مرتبة مجلس القاضي وهي مجلس القاضي الأجل الكبير العالم الفاضل الأوحد الصدر الرئيس مجد الإسلام بهاء الأنام زين الأعيان فخر الصدور مرتضى الملوك والسلاطين فلان أعزه الله تعالى
المرتبة السادسة مرتبة القاضي وهي القاضي الأجل وربما زيد في التعظيم نحو الكبير الصدر الرئيس ونحو ذلك

النوع الرابع ألقاب مشايخ الصوفية وهي على خمس مراتب
المرتبة الأولى المجلس العالي وبها يكتب لشيخ الشيوخ بالديار المصرية وهي المجلس العالي الشيخي الكبيري العالمي العاملي السالكي الأوحدي الزاهدي العابدي الخاشعي الناسكي المفيدي القدوي الإمامي النظامي الملاذي جلال الإسلام والمسلمين شرف الصلحاء في العالمين شيخ شيوخ الإسلام أوحد العلماء في الأنام قدوة السالكين بركة الملوك والسلاطين فلان أعاد الله تعالى من بركاته
المرتبة الثانية المجلس السامي بالياء وهي المجلس السامي الشيخي الكبيري الأوحدي الأكملي العابدي الخاشعي الناسكي

جمال الإسلام زين الأنام صفوة الصلحاء فخر العباد بركة الملوك والسلاطين أعاد الله تعالى من بركته
المرتبة الثالثة المجلس السامي بغير ياء وهي المجلس السامي الشيخ الصالح الزاهد العابد الورع الخاشع الناسك السالك فلان الدين مجد الصلحاء زين المشايخ قدوة السالكين بركة الملوك والسلاطين نفع الله تعالى ببركته
المرتبة الرابعة مجلس الشيخ وهي مجلس الشيخ الصالح الزاهد العابد الناسك السالك فلان الدين مجد الصلحاء زين المشايخ بركة الملوك والسلاطين أدام الله تعالى بركته
المرتبة الخامسة مرتبة الشيخ وهي الشيخ الصالح الورع الزاهد ونحو ذلك نفع الله تعالى به

النوع الخامس ألقاب من قد يكتب له بولاية من رؤساء العامة من التجار
وغيرهم
وفيها أربع مراتب
المرتبة الأولى المجلس السامي بالياء وهي المجلس السامي الصدري الأجلي الكبيري الرئيسي الفلاني
المرتبة الثانية المجلس السامي بغير ياء وهي المجلس السامي الصدر الأجل الكبير الرئيس المحترم
المرتبة الثالثة مجلس الصدر وهي مجلس الصدر الأجل الكبير المحترم المؤتمن فلان الدين ويقال في ألقاب المهتارية ونحوهم الحاج فلان

المرتبة الرابعة مرتبة الصدر وهي الصدر الأجل فإن زيد في تكريمه قبل بعد ذلك الكبير المحترم

النوع السادس ألقاب زعماء أهل الذمة وهم ثلاثة
الأول بطرك النصارى اليعاقبة وهي الحضرة السامية الشيخ الرئيس المبجل المكرم الكافي المعزز المفخر القديس شمس الرياسة عماد بني المعمودية كنز الطائفة الصليبية
الثاني بطرك الملكانية وتختصر ألقابه عما يكتب به لبطرك اليعاقبة بعض الاختصار
الثالث رئيس اليهود وهي الرئيس الأوحد الأجل الأعز الأخص الكبير شرف الداووديين فلان أبو فلان سدده الله في أقواله وثبته في أفعاله
قلت ومما يجب التنبه له أن ما تقدم من الألقاب والنعوت المفرعة على الألقاب الأصول ليست مما يوقف عند حد بل محتملة للزيادة والنقص بحسب

ما تقتضيه الحال ويحتمله المقال بل ربما ولي بعض المناصب من فيه صفات تستحق ألقابا ونعوتا خاصة فيكتب له بذلك مراعاة لما يقتضيه حاله ويستوجبه مقامه ثم يلي ذلك المنصب بعده من لا يستحق الوصف بالألقاب والنعوت التي تخص المتقدم فيؤتى بها للثاني كما اتفق فيما كتب به في نيابة الشام حين وليها الأمير بيدمر الخوارزمي رحمه الله وكان من الديانة على ما لا يوجد في غيره فكتب في ألقابه حينئذ العابدي الناسكي الخاشعي فلزمت فيمن بعده وصارت مما يكتب به إلى الآن سواء اتصف نائبها بدين أم لا وكما اتفق في الصاحب علم الدين بن زنبور حين اجتمع له الوزارة ونظر الخاص والجيش فكتب له بألقاب ونعوت جامعة لألقاب تلك الوظائف ونعوتها فاستمر ذلك فيما يكتب به لكل من ولي الوزارة بعده إلى الآن حتى إنه يكتب في ألقاب الوزير الآن مرتب الجيوش وهو الألقاب الخاصة بناظر الجيش استطرادا لما كتب به لابن زنبور لانضمام نظر الجيش إليه على ما تقدم وكما اتفق فيما كتب به للشيخ تقي الدين السبكي من الألقاب الجليلة المقدار الرفيعة المكانة في قضاء الشام لرفعة مقامه واتساع باعه في العلم وعلو مكانته في الخاصة والعامة فلزم كتابة ذلك لقاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية من حيث إنه لا يليق بالحال أن يكون قاضي الشام أعلى رتبة من قاضي الديار المصرية ثم سرى ذلك في كل من ولي المنصب بعد ذلك وهلم جرا إلى زماننا
ومما يلتحق بذلك أنه قد جرت العادة في الزمن المتقدم وهلم جرا إلى

زماننا أنه كان يكتب في الطرة لأرباب السيوف بعد الأميري الكبيري الفلاني بلقب الإضافة إلى لقب السلطان كالناصري ونحوه بخلاف أرباب الأقلام فإنه لم تجر العادة بأن يكتب لهم ذلك في شيء من طرة تقاليدهم ولا تواقيعهم إلى أن لبس القاضي سعد الدين بن غراب الكلوتة واستقر إستادارا في الدولة الناصرية فرج بن برقوق ثم استقر مشيرا وكتب له تقليد بالإشارة كتب له في طرة تقليده بعد الكبيري الناصري لجمعه بين السيف والقلم ثم جرى بعض الكتاب على مثل ذلك في غيره من أرباب الأقلام الأكابر كالوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ومن في معناهم من أرباب الوظائف الديوانية والحجة فيه ظاهرة من حيث إن كلا من المذكورين إذا كتب عنه كتاب كتب في أعلاه تحت البسملة الملكي الناصري وإذا كتب عنه قصة كتب فيها تحت البسملة الملكي الفلاني ومقتضى ذلك أن يكتب لقب الإضافة إلى لقب السلطنة في تقليده أو توقيعه على ما تقدمت الإشارة إليه من فعل بعض الكتاب
الأمر الخامس مما يجب على الكاتب مراعاته معرفة الوصف اللائق بصاحب الوظيفة
فيجب عليه مراعاة ما يناسبه من الأوصاف التي يقع بها تقريظه ومدحه
فإن كان نائب سلطنة وصفه بالشجاعة والنجدة وقوة العزم والشهامة وشدة الشكيمة ونصرة الدين وكف الأيدي العادية وإرهاب العدو

وقمع المفسدين وإرغام أهل العدوان وحماية الثغور إن كان في ثغر ووفور الهيبة وبعد الصيت وطيران السمعة مع بسط المعدلة والرفق بالرعية والرأفة بخلق الله تعالى والشفقة عليهم والإحسان إلى الكافة والأخذ بقلوبهم والوقوف مع أحكام الشريعة وبذل الطاعة والمناصحة والمخالصة وقدم هجرته في الدولة إن كان قديم هجرة ومرور الدول عليه إن كان قد مرت عليه دول وأنه نشء الدولة إن كان ابتداء أمره فيها ونحو ذلك
وإن كان نائب قلعة وصفه بالحذق واليقظة وقوة الحزم وشدة التحرز والمعرفة بأحوال الحصار وضروب القتال وطرق التحصين والمدافعة ونحو ذلك
وإن كان وزيرا وصفه بحسن التدبير وجزالة الرأي والاحتياط في الأمور والقيام بمصالح الإسلام وعمارة البلاد والنهوض في المهمات وكف الأيدي العادية والأخذ على يد المتعدي وتنمية الأموال وتثميرها وتسهيل ما يجري من الأرزاق على يده وبذل المجهود في معاضدة الشريعة وشبه ذلك مما يجري هذا المجرى
وإن كان كاتب سر وصفه بالفصاحة والبلاغة وقيام أقلامه في التأثير في العدو مقام السيوف والرماح وكتبه في تفريق الكتائب مقام الجيوش والعساكر وسداد الرأي وكتم الأسرار وحماية الممالك بنتائج أفكاره وما شاكل ذلك
وإن كان ناظر جيش وصفه بالمعرفة بأمور الجيوش وترتيبها واصناف الأمراء والجند والمستخدمين وترتيب مقاماتهم وما ينخرط في هذا السلك
وإن كان ناظر الخاص وصفه بالمعرفة بأمور الحساب والنهضة في المهمات والمعرفة بأحوال ديوان الخاص وجهاته والقدرة على تحصيل

الأموال وزيادتها ومعرفة ما يحتاج إليه من اصناف الأقمشة والطرز وغيرها مع الأمانة والعفة وما يجري مجرى ذلك
وإن كان مستوفي الصحبة وصفه بالمعرفة بفنون الكتابة ونظم الحسبانات والاحتياط في استرفاعها مع الضبط والاحتراز والأمانة والعفة وما هو من هذا القبيل
وإن كان ناظر خزانة الخاص وصفة بالأمانة والعفة والمعرفة بأصناف الخزانة من الأقمشة والتشاريف والطرز ومعرفة مراتب أربابها وما يناسب كل واحد منهم من أنواع التشاريف من عاليها وهابطها وما يطابق ذلك
وإن كان قاضيا وصفه بغزارة العلم وسعة الفضل ونصرة السنة وقمع البدعة والعدل في الاحكام وإنصاف المظلوم من الظالم والأخذ للضعيف من القوي والنزاهة عن المطاعم الوخيمة والمطامع الردية والبعد عن الأهواء في الحكم وما ينخرط في هذا السلك
وإن كان محتسبا وصفه بعد وصفه بالفضل بالعفة والأمانة وعلو الهمة وقوة العزم والصرامة ووفور الهيبة والنهوض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنظر في مصالح المسلمين وعدم محاباة أهل الدنيا وأرباب الجاه وأنه لا يفرق في الحق بين الجليل والحقير وما في معنى ذلك
وإن كان وكيل بيت المال وصفه بعد العلم والديانة بالوقوف مع الحق والتثبت فيه ومراعاته المصلحة العامة في كل ما يتعلق به والمعرفة بشروط

الاعذار ومواقع إبداء الدافع ونفيه وأنه يقدم مصالح المسلمين على مصالح نفسه وما يقارب ذلك
وإن كان مدرسا وصفه بسعة العلم والتضلع بالفنون والأخذ من كل منها بحظ وافر وطول الباع في البحث والمناظرة والوقوف مع الحق فيها وعدم الجدال في الباطل وتربية الطلبة وتأديبهم والتقريب على من عسر على فهمه شيء من المسائل وعدم الترفع عليهم وتنزيلهم منازلهم في الفضل وتقديم من برع منهم
وإن كان خطيبا وصفه بالفصاحة والبلاغة وقوة اللسن وشدة الشكيمة في الكلام وتأثير وعظه في القلوب وانسكاب الدموع من وقع عظاته وما أشبه ذلك
وإن كان شيخ خانقاه وصفه بالورع والزهد والنسك وقطع العلائق من الدنيا وتربية المريدين وتسليكهم والوقوف مع طريق السلف الصالح
وإن كان رئيس الأطباء وصفه بالحذق في الطب والمهارة فيه وتقدمه على غيره في الفن والمعرفة بالعقاقير وما فيها من نفع وضر والمعرفة بالأمراض والعلل وطرق العلاج وما يجري مجرى ذلك
وإن كان رئيس الكحالين وصفه بالمعرفة في صنعة الكحل والتقدم على أبناء صنعته فيه والمعرفة بحال العين وأمراضها وأصناف الأكحال وما يوافق كل علة من ذلك وما ينخرط في هذا السلك
وإن كان رئيس اليهود أو بطركا من بطاركة النصارى وصفه بالمعرفة بأمور

ملته والوقوف مع قوانين شرعته ومعاطاة العدل في جماعته والتزام شروط الذمة والوقوف عند حدها والدخول تحت الطاعة والوقوف عند ما حد له ونحو ذلك
الأمر السادس مما يجب على الكاتب مراعاته وصية رب كل ولاية من الولايات المعتبرة بما يناسبها
واعلم أن كل ما حسن وصية المولى به حسن وصفه به والوصايا مختلفة باختلاف موضوعاتها إلا أن الجميع يشترك في الوصية بتقوى الله فهي الأس الذي يبنى عليه والركن الذي يستند إليه وهذا الباب هو الذي يطول فيه سبح الكاتب ويحتاج فيه إلى سعة الباع فإنه ما لم يكن الكاتب حاذقا بما يلزم رب كل ولاية ليوفيها في الوصية حقها وإلا ضل عن الطريق وحاد عن جادة الصنعة ولذلك يقال للكاتب القلم الأكبر لأنه بصدد أن يعلم كل واحد من أرباب الولايات ما يلزمه في ولايته
وحينئذ فإن كان المتولي نائب سلطنة وصي بتفقد العساكر وعرض الجيوش وإنهاضها للخدمة وانتقائه للوظائف من يليق بها وتنفيذ الأحكام الشرعية ومعاضدة حكام الشرع الشريف وإجراء الأوقاف على شروط واقفيها وملاحظة البلاد وعمارتها وإطابة قلوب أهلها والشد من مباشري الأموال وتقوية أيديهم وملازمة العدل وعدم الانفكاك عنه وتحصين ما لديه من القلاع واستطلاع الأخبار والمطالعة بها والعمل بما يرد عليه من المراسيم السلطانية وأن ما أشكل عليه يستضيء فيه بالآراء الشريفة والإحسان إلى الجند وتعيين إقطاع من مات منهم لولده إن كان صالحا ونحو ذلك
وإن كان نائب قلعة وصي بحفظ تلك القلعة وعمارة ما دعت الحاجة إلى عمارته منها والأخذ بقلوب من فيها وجمعهم على الطاعة وأخذ قلوبهم

بالإحسان إليهم وتحصينها بآلات الحصار وادخار آلات الحرب من المجانيق والقسي وسائر الآلات من السهام واللبوس والستائر وغير ذلك وكذلك آلات أرباب الصنائع كآلات الحدادين وصناع القسي ومن في معناهم مما يحتاج إلى عمله في آلات القلعة والاعتناء بغلق أبواب القلعة وفتحها وتفقد متجددات أحوالها في كل مساء وصباح وإقامة الحرس وإدامة العسس وتعرف أخبار المجاورين لها من الأعداء وإقامة نوب الحمام بها والمطالعة بكل ما يتجدد لديه من الأخبار
وإن كان وزيرا وصي بالعدل وزيادة الأموال وتثميرها والإقبال على تحصيلها من جهات الحل واختيار الكفاة الأمناء وتجنب الخونة وتطهير بابه وتسهيل حجابه والنظر في المصالح وأنه لا يستبدل إلا بمن ظهر لديه عجزه أو خيانته والنظر في أمر الرواتب وإجرائها على أربابها
وإن كان كاتب سر وصي بالاهتمام بتلقي أخبار الممالك وعرضها على المواقف الشريفة والاجابة عنها بما تبرز به المراسيم الشريفة وتعريف النواب في الوصايا التي تكتب في تقاليدهم عن المواقف الشريفة ما أبهم عليهم ويبين لهم ما يقفون عند حده والنظر في تجهيز البريد والنجابة وما

يبعث فيه من المصالح وينفذ فيه من المهمات والقصاد ومعرفة حقوق ذوي الخدمة والنصيحة وإجرائهم في رسوم الرواتب وعوائد البر والإحسان على أتم العوائد وتأليف قلوبهم والأخذ بخواطرهم والنظر في أمر الكشافة والديادب والنظارة والمناور والمحرقات وأبراج الحمام وصرف نظره إلى رسل الملوك الواردة ومعاملتهم بالإكرام والأخذ في صون سر الملك وكتمانه حتى عن نفسه وضبط ألواح البريد والاحتراز فيما تؤخذ عليه العلامة الشريفة ومراعاة كتاب ديوان الإنشاء والإحسان إليهم وأن لا يستكتب في ديوانه إلا من علم صلاحه لذلك وكفايته ووثق منه بكتمان السر كما يثق به من نفسه
وان كان ناظر جيش وصي بالاحتياط في أمر ديوانه والوقوف على معالم هذه المباشرة وجرائد الجند والإقطاعات وتحرير الكشوف والمحاسبات واستيضاح أمر من يموت من أرباب الإقطاعات من ديوان المواريث أو من المقدمين والنقباء والاحتراز في أمر المربعات وجهات

الإقطاعات وما يترتب عليها من المناشير والنظر في أمر المقطعين من الجند والعرب والتركمان والأكراد ومن عليه تقدمة أو درك بلاد أو غير ذلك
وإن كان ناظر خاص وصي بالاحتياط لديوانه والأخذ في تحصيل أموال جهاته وتنميتها وتثميرها وزيادتها وتوفيرها والتحرز فيما يرفع من حسباناتها والاهتمام بأمر التشاريف والخلع وما يختص بكل ولاية وغيرها من التشاريف وما جرت به العادة من الهدايا المحضرة إلى ملوك الأقطار والأخذ في ذلك كله بالحظ الأوفى للديوان السلطاني وما يجري مجرى ذلك
وإن كان مستوفي صحبة وصي بإلزام الكتاب بما يلزمهم من الأعمال وتحريرها وعمل المكلفات وتقدير المساحات وتمييز ما بين تسجيل الفدن في كل بلد بحسب ما يصلح لها من الزراعة وتمييز قيم بعضها على بعض ومستجد الجرائد وما يقابل عليه من ديوان الإقطاعات والأحباس وغير ذلك
وإن كان ناظرا لخزانة الخاص وصي بتحصيل ما يحتاج إليه لتفصيل الخاص وتشاريف أرباب السيوف والأقلام العرب والتركمان والأكراد وغيرهم وهدايا الملوك وما يجري مجرى ذلك من العتابي والأطلس والمشربش والمقندس والمتمر والطرازات على اختلافها من الزركش والباهي وأنواع المستعملات وما يحمل من دار الطراز وما

يبتاع للخزانة العالية وما هو مرصد لها من الجهات التي يحمل إليها متحصلها لينفق في أثمان المبيعات ومصروف المستعملات والاحتراز فيما ينفق من الأثمان وقيمة المبتاع وشهادات الرسائل المكتتبة إليه بالحمول وما يكتب بها من الرجعات وأن يحصل كل شيء هو بصدد الحاجة إليه قبل الاحتياج
وإن كان قاضيا وصي بالتروي في أحكامه قبل إمضائها وأن يراجع الأمر مرة بعد أخرى واستشارة أهل العلم والرجوع إليهم فيما أشكل عليه واستخارة الله تعالى قبل الإقدام على الحكم والقضاء بحق الخصم بعد وضوحه والتسجيل له به والإشهاد على نفسه بذلك والتسوية بين الخصوم حتى في تقسيم النظر إلى الخصمين والتحري في استيداء الشهادات وأن لا يقبل من الشهود إلا من عرف بالعدالة من رب قلم أو سيف والتنقيب عما يصدر من العقود ولا يعول من شهود القيمة إلا على كل عارف بالقيم خبير بها والنظر في أمر الرسل والوكلاء والنظر في أمور أهل مذهبه والاعتناء بشأنهم
ويزاد الشافعي التوصية بالنظر في دعاوى بيت المال ومحاكماته والاحتراز في قضاياها ولا يقبل فيها بينة لوكيل بيت المال فيها مدفع ولا يعمل فيها بمسألة ضعيفة والنظر في أمر أموال الأيتام وأمر المتحدثين فيها بالإحسان إليهم وكذلك أموال الصدقات الجارية تحت نظره والتيقظ لإجرائها على السداد في صرفها في وجوه استحقاقها وأن لا يعمل في مسألة تفرد بها مذهبه

إلا بما نص عليه إمامه أو كان عليه أكثر أصحابه ولا يعتمد في ذلك مرجوحا ولا ما تفرد به قائله وأن لا يولي في البر نائبا إلا من عرف استحقاقه وأهليته لما يتولاه
ويزاد الحنفي الوصية بالعمل بما اقتضاه مذهبه من الأمور التي فيها صلاح لكثير من الناس كتزويج المعصرات وشفعة الجوار ونفقة المعتدة البائن وعدم سماع بينة الإعسار إلا بعد مضي المدة المعتبرة في مذهبه والإحسان إلى من ضمه نطاق ولايته ممن نزح إليه من أهل الشرق وأقاصي الشمال
ويزاد المالكي الوصية بالتحري في بينات الدماء والإعذار إلى الخصم ليبدي ما لديه من دافع والعمل بما تفرد به مذهبه مما فيه فسحة للناس كالثبوت بالشهادة على الخط وولاية الأوصياء وإسقاط الريع والوقف المسترد بعد البيع والإحسان إلى من لديه من غرباء أهل مذهبه لا سيما من أتاه من بلاد المغرب
ويزاد الحنبلي الوصية بالاحتياط في بيع ما دثر من الأوقاف والاستبدال بها ورعاية المصلحة في ذلك لأهل الوقف بما أمكن والفسخ على من غاب عن زوجته الغيبة المستوجبة للفسخ عندهم ووقف الإنسان على نفسه وأمر الجوائح التي يحصل بها التخفيف عن ضعفاء الناس والمعامل على الزرع بالحرث ونحوه وغير ذلك مما يجري هذا المجرى والوصية بأهل مذهبه الذين هم أقل المذاهب عدة وأنزرهم وظائف وأوقافا ومعاملتهم بالإحسان

وإن كان قاضي عسكر وصي بحو ما يوصي به القاضي وأن يتخذ معه كاتبا يكتب للناس وأن يقبل من الجند من كان ظاهره العدالة فإن الشهود المعدين لتحمل الشهادة يعز وجودهم في العسكر وأن يكون له منزل معروف يقصد فيه إذا نصبت الخيام وأحسن ما يكون ذلك عن يمين الأعلام السلطانية وأن يكون مستعدا للأحكام التي يكثر فصلها في العسكر كالغنائم والشركة والقسمة والمبيعات والرد بالعيب وأن يسرع في فصل القضاء بين الخصوم لئلا يكون في ذلك تشاغل عن مواقع الحرب ومقدماته وغير ذلك مما يجري هذا المجرى
وإن كان محتسبا وصي بالنظر في أمر المكاييل والموازين وسائر المقادير والتحذير من الغش في الطعام والشراب وأن يتعرف الأسعار ويستعلم الأخبار في كل سوق من غير علم أهله وأن يقيم على الأسواق وأرباب المعايش من ينوب عنه في النظر في أمورهم من الأمناء المأمونين وأن لا يمكن أحدا من العطارين من بيع غرائب العقاقير إلا ممن لا يستراب به بخط متطبب لمريض وأن يمنع المتحيلين على أكل أموال الناس بالباطل من الطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى بني ساسان من تعاطي ما يتعاطونه من ذلك ويقمعهم ويحسم مادتهم والتصدي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمنع من الغش وإخبار المشتري بأزيد مما اشترى به والنظر في أمر فقهاء المكاتب والعالمات من النساء ولا يمكن منهم أحدا أن يتعاطى

ذلك إلا من عرفت أمانته وأثرت صيانته وأن لا يستنيب إلا أهل العفة والأمانة والنزاهة ممن بعد عن الطمع ونأى عن مطاعم السوء
وإن كان وكيل بيت المال وصي بالعمل بالشرع الشريف في جميع أحكامه وأن من مات وله ورثة تستوعب ميراثه لا يكلفهم ثبوتا فيه تعنت ومدافعة عن حقهم والتشديد في أمر من كانت قصته منكرة والتحرز من شهود الزور في مثل ذلك وأن يرجع في كل ما يباع ويؤجر إلى العوائد وأن يتحرز في شهادة شهود القيمة ولا يرجع فيها إلا لمن يوثق به ممن يكون عنده معرفة بقيم الأشياء وينبه على أن له أن يدعي بحق المسلمين حيث شاء عند من يشاء من أصحاب المذاهب وأن الدعوى عليه لا تكون إلا في مجلس الحكم العزيز الشافعي على ما جرت به العادة القديمة والاحتياط في حق بيت المال وليختر للاستنابة في الأعمال من يصلح لذلك
وإن كان مدرسا وصي بأن يقبل على جماعة درسة بطلاقة وجه وأن يستميلهم إليه جهد استطاعته ويربيهم كما يربي الوالد ولده ويستحسن نتائج أفكارهم التي يأتون بها في درسه ويقدم منهم من يجب تقديمه وينزل كل واحد منهم منزلته ليهزهم ذلك إلى الإكباب على الاشتغال والازدياد في التحصيل ثم يأتي في كل مدرس بما يناسبه من أمور العلم الذي يدرس فيه إن كان يدرس في علم خاص
وإن كان خطيبا وصي برعاية حق رتبة الخطابة والقيام بحق ازدواجها وأن يأتي من المواعظ بما يقرع الأسماع بالوعد والوعيد ويلين القلوب القاسية وأن يعد لكل مقام مقالا يقوله وأن يخفف الخطبة ويأتي بها بليغة مفهومة إلى غير ذلك من متعلقات الخطابة

وإن كان شيخ خانقاه وصي بالاجتهاد في العبادة والمشي على طريق السلف من الزهد والورع والعفاف وأن يأخذ جماعته بمآخذه في الأمور وأن يعرف لجماعة مكانه حقوقهم الواجبة لهم وينزلهم منازلهم خصوصا أولي السابقة منهم ويأخذ في الرفق بهم ومداراتهم مع ترتيب من استجد منهم وإجرائهم على طرائق الصوفية وتعريفهم الطريق إلى الله تعالى وتدريج المريدين على قدر ما تحتمله أفهامهم دون أن يهجم عليهم من أحوال الطريق بما لا تحتمله عقولهم واتباع سبيل الكتاب والسنة اللذين من حاد عنهما ضل ومن خرج عن جادتهما زل وكفهم عن ارتكاب البدع والجري على مناهجها ومن أتى ذنبا فخذه بالتوبة والاستغفار والإنكار على من أخذ في الشطحات والخروج عن قانون ظاهر الشريعة ومنع من نحا هذا النحو أو جرى على هذه الجادة والإحسان إلى من يقدم عليه من الآفاق وحسن التلقي له وإكرام نزله بعد أن يعجل له بالإذن والأمر بأخذ عكازة وفرش سجادة وما ينخرط في سلك ذلك
وإن كان رئيس الأطباء وصي بالنظر في أمر طائفته ومعرفة أحوالهم ويأمر المعالج أن يعرف أولا حقيقة المرض وأسبابه وعلاماته ثم ينظر إلى السن والفصل والبلد وحينئذ يشرع في تخفيف الحاصل وقطع الواصل مع حفظ القوة وأن لا يهاجم الداء ولا يستغرب الدواء ولا يقدم على الأبدان إلا ما يلائمها ولا يخرج عن عادة الأطباء ولو غلب على ظنه الإصابة حتى يتبصر فيه برأي أمثاله ويتجنب الدواء ما أمكنته المعالجة بالغذاء والمركب ما أمكنته المعالجة بالمفرد ويتجنب القياس إلا ما صح بتجريب غيره في مثل من أخذ في علاجه وما عرض له وسنه وفصله وبلده ودرجة الدواء وأن يحذر التجربة فإنها خطر مع الاحتراز في المقادير والكيفيات وفي الاستعمال والأوقات وما يتقدم ذلك الدواء أو يتأخر عنه ولا يأمر باستعمال دواء ولا ما

يستغرب من غذاء حتى يحقق حقيقته ويعرف جديده من عتيقه ليعرف مقدار قوته في الفعل
وإن كان رئيس الكحالين وصي بالنظر في حال جماعته أيضا ومعرفة أحوالهم وأن لا يصرف منهم إلا من عرف بحسن المداراة والملازمة في العلاج ويأمر كلا منهم أن لا يقدم على مداواة عين حتى يعرف حقيقة المرض وأن يلاطفها بما يناسبها من الغذاء وأن يتخير من الكحل ما فيه شفاء العين وجلاء البصر وأن يستشير الأطباء الطبائعية فيما أهم مما لا يستغنى عن رأي مثلهم فيه من تخفيف المادة بالاستفراغ أو نقص دم أو غير ذلك
وإن كان رئيس اليهود وصي بضم جماعته ولم شملهم والحكم فيهم بقواعد ملته والنظر في أمور الأنكحة عندهم وما يعتبر عندهم فيها على الإطلاق وما يفتقر إلى الرضا من الجانبين في العقد والطلاق والنظر فيمن أوجب حكم دينه عليه التحريم والتوجه في صلاتهم تلقاء بيت المقدس إلى جهة قبلتهم وإقامة حدود التوراة على ما أنزل الله تعالى من غير تحريف ولا تبديل للكلمة بتأويل ولا غيره واتباع ما أعطوا عليه العهد مع إلزامه لهم ما التزموه من حكم أمثالهم من أهل الذمة الذين أقروا في دار الإسلام على الصغار والإذعان لأهل الإسلام وعدم مضايقتهم للمسلمين في الطرق وتميزهم بشعارهم في الحمام كي لا يحصل اللبس بالمسلمين وحمل شعار الذمة على رؤوسهم وهي العمائم الصفر ويأخذهم بتجديد صبغه في كل حين وعدم التظاهر بما يقتضي المناقضة من ذكر الله تعالى أو رسوله بسوء أو إظهار الخمر أو معتقدهم في العزير عليه السلام وله أن يرتب طبقاتهم على ما تقتضيه مراتبهم عنده وكذلك له التحدث في كنائس

اليهود المستمرة إلى الآن بأيديهم من حين عقد الذمة من غير تجديد متخرب ولا فعل مالم تعقد عليه الذمة ويقرهم عليه السلف الأول
وإن كان بطرك النصارى الملكانية وصي بما عليه بناء شرعته من المسامحة والاحتمال والصبر على الأذى وعدم الاكتراث به وأخذ نفسه بهذه الآداب وأنه يقدم المصالحة بين المتحاكمين إليه قبل فصلها على البت فإنه قاعدة دينه المسيحي ولم تخالف فيه الملة الإسلامية وأنه ينقي صدور إخوانه من الغل ويتخلق بكل خلق جميل ولا يستكثر من الدنيا ويتنزه عن أموال جماعته والتوسل إلى أخذها وأن إليه أمر الكنائس والبيع وعليه أن يتفقدها في كل وقت ويرفع ما فيها من الشبهات ويحذر رهبان الديارات من جعلها مصيدة للمال وأن يتجنبوا فيها الخلوة بالنساء ولا يؤوي إليه أحدا من الغرباء القادمين عليه يكون فيه ريبة ولا يكتم ما اطلع عليه من ذلك عن المسامع الشريفة السلطانية ولا يخفي كتابا يرد عليه من أحد من الملوك أو يكتب له جوابا ويتجنب البحر وما يرد منه من مظان الريب
وإن كان بطرك اليعاقبة قيل في وصيته نحو ما تقدم في وصية بطرك الملكانيين إلا أنه لا يقال واعلم أنك في المدخل إلى شريعتك طريق الباب بل يقال واعلم أنك في المدخل إلى شريعتك قسيم الباب ومساو له في الأمر والنهي والتحليل والتحريم ويقال بدل قوله وليتجنب البحر وليتوق ما يأتيه سرا من تلقاء الحبشة
قلت وهذه الوصايا مدخل إلى ما يرضى به أصحاب الولايات ممن تقدم ذكره والأمر في الزيادة والنقص في ذلك بحسب المناسبة راجع إلى نظر الكاتب على أن المقر الشهابي ابن فضل الله رحمه الله قد ذكر في التعريف عدة وصايا ليست مما يكتب الآن فأضربنا عن ذكر مقاصدها هنا لتورد برمتها في الكلام على ما يكتب في متن التقاليد والتواقيع ونحوها مع النسخ التي تورد هناك على صورة ما أوردها لينسج على منوالها إن أمر بكتابة شيء منها

المقصد الثاني في بيان مقاصد ما يكتب في الولايات وفيه جملتان
الجملة الأولى في بيان الرسوم في ذلك ومقادير قطع الورق لكل صنف منها على
سبيل الإجمال
وهي على أربعة أنواع
النوع الأول التقاليد
جمع تقليد يقال قلدته أمر كذا إذا وليته إياه قال الجوهري وهو مأخوذ من القلادة في العنق يقال قلدت المرأة فتقلدت قال ومنه التقليد في الدين أيضا
ثم التقاليد تشتمل على طرة ومتن فأما الطرة فقد أشار إليها في التعريف بقوله وعنوانها تقليد شريف لفلان بكذا وأوضح ذلك في التثقيف فقال وصورته أن يكتب تقليد شريف بأن يفوض إلى المقر الكريم أو الى الجناب الكريم أو الى الجناب العالي الأميري الكبيري الكافلي الفلاني أعز الله تعالى أنصاره أو نصرته أو ضاعف الله تعالى نعمته نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس أو بحلب المحروسة أو بطرابلس المحروسة أو نحوها على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد على ما شرح فيه
قلت وتفصيل هذا الإجمال إن كان المكتوب له التقليد هو النائب الكافل كتب في طرة تقليده تقليد شريف بأن يفوض إلى المقر

الكريم العالي الأميري الكبيري الكفيلي الفلاني فلان الفلاني بلقب الإضافة إلى لقب السلطان كالناصري مثلا كفالة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلامة أعلاها الله تعالى على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بكفالة السلطنة بالشام كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى المقر الكريم العالي الأميري الكبيري الكفيلي فلان الناصري مثلا كفالة السلطنة بالشام المحروس على أتم العوائد في ذلك وأجمل القواعد على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بحلب كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري الكافلي الفلاني فلان الناصري أعز الله تعالى نصرته نيابة السلطنة الشريفة بحلب المحروسة على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بنيابة طرابلس كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى الجناب العالي الأميري الكبيري الكافلي الفلاني فلان الناصري ضاعف الله تعالى نعمته نيابة السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بحماة أبدل لفظ طرابلس بحماة
وإن كان بنيابة السلطنة بصفد أبدل لفظ طرابلس وحماة بصفد والباقي على ما ذكر في طرابلس
وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بغزة حيث جعلت نيابة كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى الجناب العالي الأميري الكبيري الكافلي الفلاني

فلان الناصري أدام الله تعالى نعمته نيابة السلطنة الشريفة بغزة المحروسة على أجمل العوائد وأكمل القواعد على ما شرح فيه
فإن كان مقدم العسكر كما هو الآن أبدل لفظ نيابة السلطنة الشريفة بلفظ تقدمة العسكر المنصور والباقي على ما ذكر
وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بالكرك كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي الأميري الكبيري الفلاني فلان الناصري أدام الله تعالى نعمته نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس على أجمل العوائد وأكمل القواعد على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بالوزارة كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى الجناب العالي الصاحبي الفلاني فلان الناصري ضاعف الله تعالى نعمته الوزارة الشريفة بالممالك الإسلامية أعلاها الله تعالى على أجمل العوائد وأكمل القواعد بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بكتابة السر كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى الجناب العالي القاضوي الكبيري اليميني الفلاني فلان الناصري ضاعف الله تعالى نعمته صحابة دواوين الإنشاء الشريفة بالممالك الإسلامية أعلاها الله تعالى على أجمل العوائد وأكمل القواعد بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى الجناب العالي القاضوي الكبيري الفلاني فلان أعز الله تعالى أحكامه قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية على أجمل العوائد وأكمل القواعد بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه
وإن كان التقليد بقضاء قضاة الحنفية كتب كذلك إلا أنه يبدل لفظ الشافعية بلفظ الحنفية

وإن كان التقليد لأمير مكة كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي الأميري الكبيري الشريفي فلان الفلاني أدام الله تعالى نعمته إمرة مكة المشرفة على أجمل العوائد وأكمل القواعد على ما شرح فيه
وإن كان بإمرة المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام كتب كذلك إلا أنه يبدل لفظ مكة المشرفة بلفظ المدينة الشريفة
وإن كان بإمرة آل فضل كتب تقليد شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي الأميري الكبيري الفلاني أدام الله تعالى نعمته إمرة آل فضل على أجمل العوائد وأكمل القواعد على ما شرح فيه
هذه جملة ما عهدت كتابته من التقاليد المكتتبة من ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة فإن حدث كتابه ما يستحق أن يكتب له تقليد كالأتابكية ونحوها كتب بالألقاب اللائقة بصاحبه
ثم وراء ذلك أمران أحدهما أنه قد تقدم نقلا عن التعريف أنه يكتب في العنوان الذي هو الطرة تقليد شريف لفلان بكذا فإن كتب تقليد بكفالة السلطنة مثلا كتب تقليد شريف للمقر الكريم العالي الأميري

الكبيري الفلاني بكفالة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلامية على أجمل العوائد وأكمل القواعد على ما شرح فيه
الثاني أنه اقتصر في التثقيف على قوله في آخر الطرة على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد وليس الأمر منحصرا في ذلك بل لو عكس بأن قيل تقليد شريف بأن يفوض إلى فلان كذا أو تقليد شريف لفلان بكذا على أكمل القواعد وأجمل العوائد على ما شرح فيه لكان سائغا
فإن كان صاحب التقليد علي الرتبة كالنائب الكافل ونائب الشام ونائب حلب والوزير وكاتب السر ونحوهم كتب على أجمل العوائد وأتمها وأكمل القواعد وأعمها أو بالعكس بأن يكتب على أجمل العوائد وأعمها وأكمل القواعد وأتمها على ما شرح فيه
وأما متن التقليد فقد قال في التعريف إن التقاليد كلها لا تفتتح إلا بالحمد لله وليس إلا ثم يقال بعدها أما بعد ثم يذكر ما سنح من حال الولاية وحال المولى وحسن الفكر فيمن يصلح وأنه لم ير أحق من ذلك المولى ويسمى ثم يقال ما يفهم أنه هو المقدم الوصف أو المتقدم إليه بالإشارة ثم يقال رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني ويدعى له أن يقلد كذا أو أن يفوض إليه كذا والأول أجل ثم يوصى بما يناسب تلك الولاية مما لا بد منه تارة جمليا وتارة تفصيليا وينبه فيه على تقوى الله تعالى ثم يختم بالدعاء للمولى ثم يقال وسبيل كل واقف عليه العمل به بعد الخط الشريف أعلاه
قال ولفضلاء الكتاب في هذا أساليب وتفنن كثير الأعاجيب وكل مألوف غريب ومن طالع كلامهم في هذا وجد ما قلناه وتجلى له ما أبهمناه
وذكره في التثقيف بأوضح معنى وأبين فقال ويكتب بعد الصدر بخطبة مناسبة أولها الحمد لله إلى آخرها ثم أما بعد ويذكر ما يرى ذكره من حال الولاية والمولى ويذكر اسمه وهو أن يقال ولما كان المقر أو الجناب

وألقابه ونعوته إلى آخرها ويدعى له أعز الله أنصاره أو نصرته أو نحوه على ما جرت به عادته ولا يزاد على دعوة واحدة ثم يقال ما يفهم أنه المراد بهذه الأوصاف أو المعني بهذه الإشارة أو نحو ذلك ثم يقال اقتضى حسن رأينا الشريف ويذكر ما يقتضي تكريمه وتعظيمه ثم يقال فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني ويدعى له بما يناسب الحال ثلاث دعوات أو أربعا أن يفوض إلى المشار إليه كذا ثم يقال فليتقلد ذلك أو فليتلق هذا التفويض أو نحو هذا ثم يوصى بما يناسب تلك الولاية مما لا بد منه ويحرص أن ينبه فيه على العمل بالتقوى ثم يختم بالدعاء للمولى بالإعانة والتأييد ونحو ذلك ثلاث دعوات وأكثرها أربع وأقلها اثنتان ثم يقال بعد الخط الشريف شرفه الله تعالى وأعلاه أعلاه إن شاء الله تعالى ثم التاريخ والمستند والحمدلة والحسبلة على العادة ولم يقل فيه وسبيل كل واقف عليه كما قال في التعريف
واعلم أن التقاليد على اختلافها لا تخرج في مقادير قطع الورق عن مقدارين
الأول قطع الثلثين بقلم الثلث الثقيل وفيه يكتب لنواب السلطنة بمصر والشام مطلقا وكذلك الوزير والمشير وكاتب السر وقاضي قضاة الشافعية والحنفية بالديار المصرية
الثاني قطع النصف بقلم الثلث الخفيف وفيه يكتب لذوي التقاليد من أمراء العرب وهم أمير مكة المشرفة وأمير المدينة الشريفة وأمير آل فضل من عرب الشام على ما تقدم ذكره ولا يكتب من التقاليد شيء فيما دون هذا المقدار من قطع الورق بحال وسيأتي الكلام على نسخ التقاليد فيما بعد إن شاء الله تعالى

النوع الثاني مما يكتب في الولايات السلطانية المراسيم
جمع مرسوم أخذا من قولهم رسمت له كذا فارتسمه إذا امتثله أو من قولهم رسم علي كذا إذا كتب ويحتمل أن يكون منهما جميعا
وهي على ضربين
الضرب الأول المراسيم المكبرة
لم يتعرض لها المقر الشهابي ابن فضل الله في التعريف لأنها لم تكن مستعملة في زمنه وإنما حدثت بعده
قال في التثقيف وهي على نمط التقاليد ليس بينهما اختلاف إلا في أمرين أحدهما أنه لا يكتب شيء من المراسيم في قطع الثلثين بل في قطع النصف أو الثلث الثاني أنه لا يقال فيها تقليد شريف بل مرسوم شريف
قلت ويفترقان من أربعة وجوه أحدها أنه يقتصر في طرة المرسوم على الأميري دون الكبيري بخلاف التقاليد فإنه يقال فيها الأميري الكبيري الثاني أنه يقال في المرسوم أن يستقر ولا يقال أن يفوض ولا أن يقلد الثالث أنه لا يقال على أجمل العوائد وأتم القواعد بل يقال على عادة من تقدمه وقاعدته الرابع أنه لا يقال في الصدر أما بعد بل وبعد
قال وهي تختص بنواب القلاع المنصورة بالممالك الإسلامية وأمراء العربان ممن بالشام وحلب وشادي مراكز البريد وغيرهم

ثم هي على طبقتين
الطبقة الأولى ما يكتب في قطع النصف بقلم خفيف الثلث وذلك للنواب بالقلاع من مقدمي الألوف والطبلخانات كنائب حمص والرحبة والبيرة وقلعة المسلمين وملطية وطرسوس وأذنة وبهسنى والفتوحات الجاهانية وغيرها ممن يكتب له المجلس العالي والسامي بالياء أو بغير ياء على ما تقدم بيانه في المكاتبات إليهم وكذلك بعض أمراء العربان وهم أمير آل علي وأمير آل مرا وأمير بني عقبة قال في التثقيف وصورة ما يكتب في الطرة أن يكتب مرسوم شريف بأن يستقر المجلس العالي أو السامي الأميري الفلاني فلان ويدعى له بما يناسبه في النيابة في الجهة الفلانية على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه
فإن كانت النيابة تقدمة ألف كنيابة الرحبة ونحوها كتب في طرة مرسوم نائبها مرسوم شريف بأن يستقر المجلس العالي الأميري الفلاني فلان أدام الله تعالى نعمته في المكان الفلاني على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كانت النيابة طبلخاناه كتب مرسوم شريف بأن يستقر المجلس السامي الأمير فلان أدام الله تعالى تأييده في النيابة بمكان كذا على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته أو كتب مرسوم شريف أن يستقر المجلس السامي الأمير فلان الدين فلان أدام الله تعالى تأييده في النيابة بمكان كذا على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته

وإن كانت نيابة قلعة دمشق كتب مرسوم شريف بأن يستقر المجلس العالي الأميري فلان أدام الله تعالى نعمته في النيابة بالقلعة المنصورة بدمشق المحروسة على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه وكذلك كل قلعة بحسب ألقاب نائبها التي يكاتب بها
ثم يكتب في الصدر بعد البسملة خطبة مفتتحة بالحمد لله ثم يقول وبعد ويأتي بنحو ما تقدم ذكره في التقاليد ثم يقال ولما كان المجلس العالي أو السامي إلى آخر ألقابه ثم يقال فلان ويدعى له بما جرت به عادته ويقال ما يفهم منه أنه المقصود بما تقدم ذكره من المدح والأوصاف السابقة ثم يقال فلذلك رسم بالأمر الشريف إلى آخره أن يستقر المشار إليه في كذا على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته فليتلق ذلك ونحوه ثم يوصى بما يناسب وظيفته التي تولاها ويختم بنظير ما تقدم ذكره في ختم التقاليد
الطبقة الثانية من المراسيم المكبرة ما يكتب في قطع الثلث بقلم التوقيعات قال في التثقيف وصورته في الطرة والصدر على ما تقدم في الطبقة الأولى إلا أن خطبته تفتتح بأما بعد حمد الله وتختتم بما تقدم ذكره قال وقد تكتب لنواب القلاع من أمراء العشرات مثل نائب بغراس ونائب الدربساك ونائب كركر ونائب الكختا ونحوها قال وكذلك أرباب الوظائف غير النيابات مثل شاد الدواوين بالشام وحلب وشاد مراكز البريد بهما ونحو ذلك وبعض أمراء العرب كأمير بني مهدي ومقدم عرب جرم ومقدم عرب زبيد على ندرة فيه فإن كان المرسوم بنيابة من النيابات

المذكورة وغيرها كتب مرسوم كريم بأن يستقر المجلس السامي الأمير فلان الدين أعزه الله تعالى في النيابة ببغراس أو بالدربساك أو بكركر وما أشبه ذلك على عادة من تقدمه وقاعدته وإن كان بشد بالشام أو بحلب كتب مرسوم كريم أن يستقر المجلس السامي الأمير فلان الدين أعزه الله تعالى في شد الدواوين بالمكان الفلاني على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه وإن كان بشد مراكز البريد أبدل لفظ شد الدواوين بلفظ شد مراكز البريد بالمكان الفلاني وإن كان بإمرة بني مهدي كتب في إمرة بني مهدي على عادة من تقدمه وقاعدته وإن كان بتقدمة عرب جرم كتب في تقدمة عرب جرم على عادة من تقدمه وقاعدته وإن كان بتقدمة عرب زبيد أبدل لفظ جرم بزبيد وعلى ذلك

الضرب الثاني من المراسيم التي تكتب بالولايات المراسيم المصغرة
وهي ما يكتب في قطع العادة وبها يكتب لأرباب السيوف بالولايات الصغيرة مثل نظر الأوقاف ونحوه وهي صنفان
الصنف الأول ما يترك فيه أوصال بياض بين الطرة والبسملة وهي أعلاها ويكتب بالسامي بغير ياء أو مجلس الأمير
وصورتها أن يكتب في الطرة مرسوم شريف أن يستقر المجلس السامي الأمير فلان الدين أو مجلس الأمير فلان في كذا وكذا بما لذلك من المعلوم

الشاهد به ديوان الوقف أو نحو ذلك على ما شرح فيه ثم يكتب في الصدر بعد البسملة ما صورته رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني باللقب الخاص ولقب السلطنة ويدعى له بما فيه براعة الاستهلال بذكر الوظيفة أو اسم صاحبها أو لقبه ونحو ذلك وأقلها ثلاث فقرات فما زاد أن يستقر المجلس السامي الأمير الأجل إلى آخر ألقابه أو أن يستقر مجلس الأمير الأجل إلى آخر الألقاب لما له من كذا وكذا ويأتي من صفات المدح بما يناسب المقام ثم يقال فليباشر ذلك أو فليتلق ذلك أو فليقابل صدقاتنا الشريفة بكذا ونحو ذلك ثم يوصى بما يليق به ويدعى له بدعوتين فقط ثم يقال بعد الخط الشريف العالي أعلاه الله تعالى
قلت وهذا الصنف إن روعي صاحبه كتب في قطع العادة المنصوري وإلا ففي قطع العادة الصغير قال في التثقيف ومما ينبه عليه أنه لا يكتب مرسوم شريف في قطع العادة إلا بمثل نيابة الشقيف بصفد وصرخد وعجلون والصبيبة فإنه لا يولى فيها إلا مقدم حلقة أو جندي ومثل هذا لا يكتب عن

المواقف الشريفة إلا نادرا فإن كفال الممالك يستبدون بالتولية في ذلك
الصنف الثاني ما يكتب في هيئة ورقة الطريق ويكون في ثلاثة أوصال وصورته أن يكتب في الطرة ما صورته مرسوم شريف أن يستقر فلان أو أن يرتب فلان في كذا وكذا على ما شرح فيه ويكون ذلك في سطرين ولا يكتب في أعلاه الاسم الشريف كما يكتب في غيره لأن من المعلوم أن لا يكتب في هذا إلا الاسم الشريف فيستغنى عن ذكره ثم يكتب في آخر ذلك الوصل رسم بالأمر الشريف على نحو ما تقدم إلا أنه لا يحتاج في الدعاء إلى ما يكون فيه براعة استهلال بل يكفي أعلاه الله وشرفه وأنفذه في الآفاق وصرفه ونحو ذلك أن يستقر فلان في كذا أو يرتب في كذا فليعتمد ذلك ويعمل بحسبه ومقتضاه بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه إن شاء الله تعالى

النوع الثالث مما يكتب في الولايات السلطانية التفاويض
جمع تفويض وهو مصدر فوض الأمر إلى زيد إذا رده إليه ومنه قوله تعالى ( وأفوض أمري إلى الله ) أي أرده إليه قال في التعريف وبه يكتب لعامة القضاة يعني ممن دون أرباب التقاليد وهي من نمط التقاليد غير أنها يقال في تعريفها تفويض شريف لفلان بكذا ومقتضى ما ذكره أنه إذا كتب تفويض شريف بقضاء قضاة الديار المصرية مثلا يكتب في الطرة تفويض شريف للمجلس العالي القاضوي الكبيري بقضاء قضاة المالكية بالديار المصرية على أجمل العوائد وأكمل القواعد بالمعلوم الشاهد به الديوان

المعمور على ما شرح فيه ثم يأتي بنحو ما تقدم ترتيبه في التقاليد إلا أنه يكون أخصر
قلت ولم أقف على نسخة تفويض غير نسخة واحدة من إنشاء المقر الشهابي ابن فضل الله لبعض قضاة دمشق وقد أنشأت أنا تفويضا بقضاء قضاة المالكية بالديار المصرية لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي حين ولي على أثر ولاية قاضي القضاة جلال الدين البلقيني قضاء قضاة الشافعية افتتحته بلفظ الحمد لله الذي شفع جلال الإسلام بجماله وكتبت له به وكتبت في طرته تفويض شريف للمجلس العالي القاضوي الجمالي يوسف البساطي المالكي أعز الله تعالى أحكامه بقضاء قضاة المالكية بالديار المصرية على أجمل العوائد وأكمل القواعد على ما شرح فيه وقرأته بالمجلس العام بالمدرسة المنصورية وسيأتي ذكر نسخته في الكلام على النسخ في المقصد الثاني من هذا الطرف إن شاء الله تعالى

النوع الرابع التواقيع جمع توقيع
قد تقدم في مقدمة الكتاب عن ابن حاجب النعمان في ذخيرة

الكتاب أن التوقيع معناه في اللغة التأثير الخفيف ومنه قولهم ناقة موقعة الجنبة إذا أثر فيها الرحل تأثيرا خفيفا وأنه يحتمل غير ذلك وفي اصطلاح الأقدمين من الكتاب أنه اسم لما يكتب في حواشي القصص كخط الخليفة أو الوزير في الزمن المتقدم وخط كاتب السر الآن ثم غلب حتى صار علما على نوع خاص مما يكتب في الولايات وغيرها قال في التعريف وهي على أنموذج التفاويض قال وقد يقال أن يرتب وأن يقدم ثم قال وعنوانها توقيع شريف لفلان بكذا ولا يقال فيها على اختلافها وسبيل كل واقف عليه كما في التقاليد بل يقال فليعتمد ما رسم به فيه بعد الخط الشريف أعلاه وقد ذكر في التعريف أنها تكون لعامة أرباب الوظائف جليلها وحقيرها وكبيرها وصغيرها حتى الطبلخانات اللاحقين بشأو الكبار فمن دونهم وقال في التثقيف إنها مختصة بالمتعممين من أرباب الوظائف الدينية والديوانية ولا يكتب لأرباب السيوف منها إلا القليل مثل نظر البيمارستان ونظر الجامع الجديد ونظر الحرمين الشريفين يعني حرم القدس وحرم الخليل عليه السلام
قلت والجامع بين كلاميهما أنه في زمن صاحب التعريف كانت

التواقيع تكتب بالوظائف لأرباب السيوف من النيابات وغيرها قبل أن تحدث المراسيم المكبرة المقدمة الذكر ثم خصت التواقيع بعد ذلك بالمتعممين دون أرباب السيوف ومضى الأمر على ذلك في زمن صاحب التثقيف فجرى على حكمه ولم يبق ممن يكتب له توقيع من أرباب السيوف سوى نظار الجهات الثلاث المتقدمة الذكر من البيمارستان المنصوري والجامع الجديد الناصري بمصر ونظر الحرمين حرم القدس الشريف وحرم الخليل عليه السلام والحكم باق على ذلك إلى الآن
ثم التواقيع على اختلافها لا تخرج عن أربع طبقات

الطبقة الأولى ما يفتتح بخطبة مفتتحة بالحمد لله وفيها مرتبتان
المرتبة الأولى ما يكتب في قطع النصف بقلم خفيف الثلث قال في التثقيف وصورته يعني ما يكتب به لأرباب الأقلام أن يكتب في الطرة توقيع شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي القاضوي الكبيري الفلاني ويدعى له دعوة واحدة نظر الجامع الجديد الناصري بما جرت به عادته على أجمل العوائد وأكمل القواعد بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت على ما شرح فيه
قال فإن كان حاكما كتب له بعد الكبيري الحاكمي وإن كان كاتب السر كتب له بعد الكبيري اليميني لا غير ثم يكتب في الصدر خطبة مفتتحة بالحمد لله ثم يقال أما بعد والتتمة على نظير ما ذكر في التقاليد إلا فيما يليق بالوظيفة والمتولي لها مما يناسب الحال وقد ذكر في التثقيف أنه كان يكتب بذلك للقضاة الأربعة بالديار المصرية والقضاة الأربعة بالشام

وكاتب السر بمصر والشام وناظر الجيش بهما وناظر الدواوين المعمورة والصحبة الشريفة وهو ناظر الدولة
وحينئذ فإن كتب بذلك لقاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية على ما كان الأمر عليه أولا كتب في الطرة توقيع شريف بأن يستقر المجلس العالي القاضوي الكبيري الفلاني فلان أعز الله تعالى أحكامه في قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية على أجمل العوائد وأتمها وأكمل القواعد وأعمها بما لذلك من المعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه
وإن كتب به لقاضي القضاة الحنفية على ما كان الأمر عليه أولا أيضا كتب له نظير قاضي القضاة الشافعية إلا أنه يبدل لفظ الشافعية بالحنفية
وإن كتب لقاضي القضاة المالكية على ما الأمر مستقر عليه الآن كتب له كذلك وأبدل لفظ الشافعية والحنفية بالمالكية
وإن كتب لقاضي القضاة الحنابلة فكذلك ويقال فيه الحنابلة
وإن كتب به لأحد من القضاة الأربعة بالشام فكذلك إلا أنه يقال قضاء قضاة الشافعية أو الحنفية أو المالكية أو الحنابلة بالشام المحروس
وإن كتب به لكاتب السر على ما كان الأمر عليه أولا كتب توقيع شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي القاضوي الكبيري اليميني فلان ضاعف الله تعالى نعمته صحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية أعلاها الله تعالى على أجمل العوائد وأكمل القواعد بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه
وإن كتب به لكاتب السر بالشام أبدل لفظ الممالك الإسلامية بالشام المحروس

وإن كتب به لناظر الجيش بالديار المصرية كتب توقيع شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي القاضوي الكبيري الفلاني ضاعف الله تعالى نعمته نظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية أعلاها الله تعالى على ما شرح فيه
وإن كتب به لناظر الجيش بالشام أبدل لفظ الممالك الإسلامية بالشام المحروس
وإن كتب به لناظر الدولة كتب توقيع شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي القاضوي الكبيري الفلاني فلان ضاعف الله تعالى نعمته نظر الدواوين المعمورة والصحبة الشريفة على أجمل العوائد وأكمل القواعد بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه
وإن كتب به لناظر البيمارستان وكان صاحب سيف كتب توقيع شريف أن يفوض إلى المقر الكريم أو الجناب الكريم أو العالي على قدر رتبته الأميري الكبيري الفلاني فلان الناصري مثلا أعز الله أنصاره أو نصرته أو ضاعف الله تعالى نعمته بحسب ما يليق به نظر البيمارستان المعمور المنصوري على أجمل العوائد وأكمل القواعد بما لذلك من المعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه وكذلك نظر الجامع الجديد ونظر الحرمين الشريفين كل بما يناسب الألقاب وعلى ذلك
المرتبة الثانية من التواقيع ما يكتب في قطع الثلث بقلم التوقيعات وهو لمن مرتبته السامي بالياء قال في التثقيف وصورته في الطرة والصدر على ما تقدم شرحه لكن بأخصر مما تقدم قال وبذلك يكتب لنقيب الأشراف

ولقضاة القضاة بحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك وكذلك لقضاة العسكر بالممالك المذكورة والمفتين بدار العدل بها ووكلاء بيت المال بها والمحتسبين ونظار الجيش بها وكتاب الدست بمصر والشام وناظر البيوت بالديار المصرية وكذلك ناظر خزائن السلاح ومستوفي الصحبة وناظر بيت المال وناظر الخزانة الكبرى وخزانة الخاص وناظر الأحباس ومشايخ الخوانق الكبار كسعيد السعداء وبيبرس بالقاهرة والشميصاتية بدمشق وكذلك تقدمة التركمان بالشام وتقدمة الأكراد به ومشيخة العائد
فإن كتب بذلك لنقيب الأشراف كتب توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي الأميري الفلاني فلان أدام الله تعالى علوه في نقابة الأشراف بالديار المصرية على عادة من تقدمه وقاعدته على ما شرح فيه
وإن كتب لقاضي قضاة الشافعية بحلب كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني فلان أيد الله تعالى أحكامه في قضاء

قضاة الشافعية بحلب المحروسة على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه
وإن كتب للحنفي بها كتب كذلك وأبدل لفظ الشافعية بالحنفية وكذا في المالكية والحنابلة
وإن كتب لأحذ قضاة القضاة بغيرها كطرابلس وحماة وصفد والكرك أبدل لفظ حلب بلفظ تلك المدينة والباقي على حكمه
وإن كتب لأحد من قضاة العسكر بالممالك المذكورة كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي فلان الشافعي مثلا أو نحو ذلك أيد الله تعالى أحكامه في قضاء العسكر المنصور بالمكان الفلاني على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب بإفتاء دار العدل بشيء من هذه الممالك أبدل لفظ قضاء العسكر بلفظ إفتاء دار العدل والباقي على حكمه
وإن كتب لأحد من وكلاء بيت المال بها كتب توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني فلان أدام الله تعالى رفعته في وكالة بيت المال المعمور بالمكان الفلاني على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب لأحد من المحتسبين بهذه الممالك كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني فلان أدام الله تعالى رفعته في نظر الحسبة الشريفة بالمكان الفلاني على عادة من تقدمه وقاعدته
وإن كتب لأحد من نظار الجيش بها كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني فلان أدام الله تعالى رفعته في نظر الجيوش المنصورة بالمملكة الفلانية على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب لأحد من كتاب الدست بالديار المصرية كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني فلان أدام الله تعالى رفعته

في كتابة الدست الشريف بالأبواب الشريفة ثم إن كان عن وفاة عينه أو بنزول عينه
وإن كان بالشام أبدل لفظ بالأبواب الشريفة بلفظ بالشام المحروس
وإن كتب بذلك في نظر البيوت بالديار المصرية كتب توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني أدام الله رفعته في نظر البيوت المعمورة
وإن كتب لأحد بنظر خزائن السلاح بالديار المصرية كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني أدام الله رفعته في خزائن السلاح المنصورة على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب باستيفاء الصحبة كتب توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني أدام الله رفعته في استيفاء الصحبة الشريفة على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب بنظر بيت المال كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني أدام الله رفعته في نظر بيت المال المعمور على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب بنظر الخزانة الكبرى كتب توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني أدام الله رفعته في نظر الخزانة العالية الكبرى على عادة من تقدمه وقاعدته
وإن كتب بنظر خزانة الخاص أبدل لفظ الخزانة العالية الكبرى بلفظ

خزانة الخاص الشريف والباقي على ما تقدم
وإن كتب بنظر الأحباس كتب توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي القضائي الفلاني فلان أدام الله تعالى رفعته في نظر الأحباس المبرورة على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب بمشيخة الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء كتب توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي الشيخي الفلاني أعاد الله تعالى من بركاته في مشيخة الخانقاه الصلاحية على عادة من تقدمه وقاعدته
وإن كتب بمشيخة خانقاه بيبرس أبدل لفظ الخانقاه الصلاحية بلفظ الخانقاه الركنية بيبرس والباقي على ما تقدم
وإن كتب بمشيخة الشميصاتية بدمشق أبدل ذلك بلفظ الخانقاه الشميصاتية بالشام المحروس
وإن كتب بتقدمة التركمان بالشام كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي الفلاني أعزه الله تعالى في تقدمة التركمان بالشام المحروس على عادة من تقدمه وقاعدته
وإن كتب بتقدمة الأكراد أبدل لفظ التركمان بلفظ الأكراد
وإن كتب بمشيخة العائد كتب توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي الفلاني أعزه الله تعالى في مشيخة العائد على عادة من تقدمه وقاعدته وعلى ذلك

الطبقة الثانية من التواقيع ما يفتتح بلفظ أما بعد حمد الله وهو لمن
رتبته السامي بغير ياء وهي على مرتبتين
المرتبة الأولى ما يكتب في قطع الثلث وهو الأصل فيما يكتب في الثلث ثم ترقي عنه إلى رتبة الافتتاح بالحمد ألا ترى أن المناشير التي تكتب

في قطع الثلث بقلم التوقيعات تفتتح كلها بلفظ أما بعد على ما سيأتي بيانه في المقالة السادسة في الكلام على المناشير إن شاء الله تعالى
وصورته أن يكتب في الطرة توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القضائي فلان الدين أو الشيخ فلان الدين في كذا على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه ثم يكتب في الصدر أما بعد حمد الله ويصلي على النبي ثم يقول فإن أولى الأمور بكذا من هو بصفة كذا أو إن أولى الناس بالتقديم من هو متصف بكذا ونحو ذلك ثم يقال ولما كان المجلس ويؤتى بنحو ما تقدم من المفتتح بالحمد لله
قلت وقد قل استعمال هذا الضرب بديوان الإنشاء الشريف وإن كان هو الأصل فيما يكتب في هذا القطع حتى لا يكاد يكتب به إلا في النادر تغاليا في رفعة المكتوب لهم مع المسامحة لهم في مثل ذلك
المرتبة الثانية ما يكتب من هذه الطبقة في قطع الثلث قال في التثقيف وهو قليل جدا لا يكون إلا في تدريس كبير أو نظر وقف كبير أو مشيخة الحرم الشريف بالقدس الشريف إن لم يكن في قطع الثلث أو لرجل كبير قديم الهجرة في الخدمة الشريفة إلا أن الوظيفة صغيرة لا تقتضي أن تكون في قطع الثلث

الطبقة الثالثة من التواقيع ما يفتتح بلفظ رسم بالأمر الشريف وهي على
مرتبتين
المرتبة الأولى ما يكتب في قطع العادة المنصوري بقلم الرقاع وهو لمن رتبته السامي بغير ياء ممن لم تبلغ رتبته قطع الثلث قال في التثقيف وصورته أن يكتب في الطرة توقيع شريف بأن يستقر المجلس السامي القاضي

فلان الدين أعزه الله تعالى في كذا أو أن يرتب أو أن يقدم ويذكر ما تضمنه الشاهد من قصة أو قائمة من ديوان الوزارة أو الخاص أو غير ذلك على ما شرح فيه قال ثم يكتب في الصدر بعد البسملة رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني باللقب الخاص ولقب السلطنة مثل الناصري الزيني ونحو ذلك ويدعى للسلطان بأدعية تناسب الوظيفة والمتولي لها وأقلها ثلاث فقرات فما زاد أن يستقر المجلس السامي القاضي فلان الدين فلان أو مجلس القاضي فلان الدين فلان أعزه الله تعالى في كذا لما له من صفات هي كذا وكذا ويأتي من صفات المدح بما يناسب المقام ثم يقال فليباشر ذلك أو فليتلق هذا الإحسان أو فليقابل صدقاتنا الشريفة ونحو ذلك ثم يوصي بما يليق بتلك الرتبة ويدعى له بسجعتين فقط ثم يقال بعد الخط الشريف أعلاه ثم قال وبذلك يكتب لكتاب الدرج ومستوفي الدولة وناظر الأهراء وناظر المطابخ ومشايخ الخوانق الصغار والتداريس الصغار وأنظار الأوقاف الصغار ونحو ذلك مما لا يأخذه حصر
وحينئذ فإن كتب بذلك لكاتب درج كتب في الطرة توقيع شريف أن

يستقر مجلس القاضي فلان الدين فلان أعزه الله تعالى في كتابة الدرج الشريف
وإن كتب به لمستوف من مستوفي الدولة كتب أن يستقر المجلس السامي القاضي فلان الدين فلان أدام الله نعمته في استيفاء الدولة الشريفة على عادة من تقدمه
وإن كتب لناظر الأهراء كتب أن يستقر المجلس السامي القاضي فلان الدين فلان أدام الله رفعته في نظر الأهراء السعيدة
وإن كتب بنظر مطابخ السكر كتب أن يستقر المجلس السامي القاضي فلان الدين فلان أدام الله تعالى رفعته في نظر المطابخ السعيدة
وإن كتب بمشيخة خانقاه صغيرة كتب أن يستقر المجلس السامي الشيخي فلان الدين فلان أو مجلس الشيخ فلان الدين فلان نفع الله تعالى ببركته في مشيخة الخانقاه الفلانية على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته
وإن كتب بتدريس صغير كتب أن يستقر في تدريس المدرسة الفلانية على عادة من تقدمه وقاعدته
وإن كتب بنظر وقف كتب أن يستقر في نظر الوقف الفلاني ونحو ذلك
ثم إن كان لشيء من ذلك معلوم يشهد به الديوان السلطاني ككتابة الدرج واستيفاء الدولة كتب بعد قوله وقاعدته بما لذلك من المعلوم الشاهد به الديوان المعمور
وإن كان الشاهد بالمعلوم كتاب وقف كتب بما لذلك من المعلوم الشاهد به كتاب الوقف المبرور ويقول في آخر طرة كل ولاية من التقاليد والتفاويض والمراسيم والتواقيع على اختلافها على ما شرح فيه

الطبقة الرابعة التواقيع الصغار وهي لأصغر ما يكون من الولايات من نظر
وقف صغير ونحو ذلك وتكون في ثلاثة أوصال ونحوها
وهي على ضربين
الضرب الأول ما يكتب على مثال أوراق الطريق
وصورتها أن يكتب في أعلى الدرج توقيع شريف بأن يستقر فلان في كذا على ما شرح فيه ويكون ذلك في سطرين ثم يكتب في آخر ذلك الوصل رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني إلى آخر ما تقدم في الطبقة الثالثة ويقال في الدعاء أعلاه الله وشرفه وأنفذه وصرفه ونحو ذلك ثم يقال أن يستقر فلان في كذا ويشرح ما تضمنه الجواب في هامش القصة ثم يقال فليعتمد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه ويعمل بحسبه ومقتضاه من غير عدول عنه ولا خروج عن معناه بعد الخط الشريف أعلاه
الضرب الثاني ما يكتب على ظهور القصص
وكيفيته أن تلصق القصة التي شملها جواب كاتب السر أو غيره على وصلين من ورق العادة الصغير قال في التثقيف وصورتها أن يكتب في ظاهر القصة بغير بسملة قبل الوصل الذي وصله بنحو أربعة أصابع ما صورته رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني على نحو ما تقدم ويدعى له أعلاه الله وشرفه وأنفذه وصرفه على ما تقدم في الضرب الأول ثم يقال أن يتأمل ما أنهاه رافعها باطنا وليتقدم بكذا وكذا ويشرح ما تضمنه الجواب في هامش القصة ثم يقال فليعتمد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه ويعمل بحسبه ومقتضاه بعد الخط الشريف أعلاه قال وإن كان رافع القصة ممن هو متميز بعض التميز قيل مترجمها بدل رافعها فإن زيد في قدره قيل ما ذكره مجلس القاضي أو المجلس السامي القاضي إن كان

من هذه الرتبة وتذكر بعض ألقابه ثم يقال أدام الله علوه أو أعزه الله فليتقدم ويكمل إلى آخره
واعلم أن المقر الشهابي ابن فضل الله رحمه الله قد ذكر في التعريف افتتاحات أخرى للتواقيع بين رتبة أما بعد حمد الله ورتبة رسم بالأمر الشريف فقال بعد الافتتاح بأما بعد حمد الله وقد تستفتح بقول أما بعد فإن أولى ما كان كذا أو ما هذا معناه وقد تستفتح بقول من حسنت طرائقه وحمدت خلائقه أو ما هذا معناه وجعلها رتبة بعد رتبة
قلت وهذه الافتتاحات كانت مستعملة في الدولة العباسية ببغداد وفي الدولة الفاطمية بالديار المصرية والبلاد الشامية ثم في الدولة التركية إلى زمن المقر الشهابي المشار إليه في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون ثم رفضت بعد ذلك وترك استعمالها بالديار المصرية البتة فلم يكن أحد من كتاب ديوان الإنشاء يستعمل شيئا منها

المقصد الثالث في بيان كيفية وضع ما يكتب في هذه الولايات في الورق
ويتعلق به عشرة أمور
الأمر الأول الطرة وهي في اصطلاحهم عبارة عن طرف الدرج من أعلاه ثم أطلقوه على ما يكتب في رأس الدرج مجازا تسمية للشيء باسم محله
قلت وليس صحيحا من حيث اللغة فإنه في الأصل مأخوذ من طرة الثوب وقد ذكر الجوهري وغيره أن طرة الثوب هي طرفه الذي لا هدب فيه والذي لا هدب فيه من الثوب هو حاشيتاه بخلاف أعلاه وأسفله نعم يجوز أن تكون مأخوذة من الطر بمعنى القطع لأن الطرة مقتطعة عن كتابة المتن يفصل بينهما بياض ومنه سمي الشعر المرسل على الصدغ طرة وقد جرت العادة في كل ما يكتب له طرة أن يكتب في أعلى الدرج في الوسط بقلم الرقاع بكل حال

ما صورته الاسم الشريف ثم تكتب الطرة تلو ذلك من أول عرض الدرج إلى آخره دون هامش عن يمين ولا شمال بحيث تكون أطراف المنتصبات من أول السطر الأول ملاصقة لأسفل ما كتب في أعلى الدرج مما تقدم ذكره ويأتي بالطرة المناسبة من تقليد أو مرسوم أو تفويض أو توقيع بالقلم المناسب لمقدار قطع ذلك الورق على ما تقدم بيانه ويأتي على ما يكتب في الطرة على ما تقتضيه الحال على ما سبق ذكره إلى أن ينتهي إلى آخره فإن انتهى في أثناء سطر ترك باقيه بياضا وكتب في آخره على ما شرح فيه بحيث يوافي آخر ذلك آخر السطر وإن انتهى ما يكتب في الطرة في آخر السطر كتب تحت ذلك السطر على حيال آخره على ما شرح فيه كما تقدم لا يختلف الحال في ذلك في مكتوب ولاية إلا فيما يكتب على ظهور القصص فإن العادة جرت فيه أن لا يكون له طرة ولا يكتب في أعلاه الاسم الشريف لأنه قد علم أنه لا يكتب فيه إلا الاسم الشريف فلم يحتج إلى تنبيه على ذلك
الأمر الثاني البسملة الشريفة ومن شأنها أن تكتب في أول كل ولاية لها شأن عملا بقوله كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم يعني ناقص البركة ومحلها من كتب الولايات في أول الوصل الرابع بعد أوصال البياض أما ما لا بال له من كتب الولايات كالتواقيع التي على ظهور القصص وما هو منها على صورة أوراق الطريق فقد جرى الاصطلاح على أنه لا يكتب في أولها بسملة أصلا بل تفتتح برسم بالأمر الشريف
قلت وقد كان القاضي علاء الدين علي الكركي حين ولي كتابة السر الشريف بالديار المصرية في أول سلطنة الظاهر برقوق الثانية أمر أن تكتب في أول هذه التواقيع بسملة لطيفة المقدار طلبا للتبرك ثم ترك ذلك بعد موته وانتقال الوظيفة إلى غيره ولا يخفى أن ما عليه الاصطلاح هو الوجه فإن النبي قد قيد ما يبدأ بالبسملة بما يكون له بال من الأمور ومقتضاه أن ما لا بال له لا يبدأ فيه ببسملة على أنه قد كان أمر أن تجعل البسملة قبل قوله رسم بالأمر الشريف ومقتضى ذلك أن تقع العلامة فوق البسملة وفيه مالا

يخفى بخلاف غيره من الولايات الكبار فإن العلامة تكون فيها تحت السطر الثاني من البسملة على ما سيأتي بيانه
الأمر الثالث الافتتاح الذي يلي البسملة وقد علمت مما تقدم أن الذي استقر عليه افتتاح كتب الولايات على اختلافها من أعلى وأدنى لا يخرج عن ثلاثة أصناف
أحدها الافتتاح بالحمد لله وهو أعلاها ثم تختلف رتبته بعد ذلك باختلاف ما يكتب فيه من مقادير قطع الورق إذ هو تارة تفتتح به التقاليد وتارة تفتتح به المراسيم المكبرة وتارة تفتتح به التفاويض وتارة تفتتح به كبار التواقيع
الثاني الافتتاح بأما بعد حمد الله وهو المرتبة الثانية من المراسيم المكبرة والتواقيع الكبار وتكون في قطع الثلث تارة وفي قطع العادة المنصوري أخرى
الثالث الافتتاح برسم بالأمر الشريف وهو المرتبة الثالثة من المراسيم والتواقيع وهي أدنى رتبها وتكون في قطع العادة الصغير وربما كتب بها في قطع العادة المنصوري
الأمر الرابع البعدية فيما يفتتح فيه بالحمد لله وهو على ضربين
الأول أن يقال بعد التحميد والتشهد والصلاة على النبي أما بعد وهو الأعلى وتكون في التقاليد خاصة
الثاني وبعد وهي دون أما بعد وتكون في التفاويض وكبار المراسيم والتواقيع وقد مر القول على ذلك مستوفى في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة
الأمر الخامس وصف المتولي بما يناسب مقامه ومقام الولاية من المدح والتقريظ وقد مر القول على ذلك في المقصد الأول من هذا الطرف في

الكلام على مقدمات الولايات
الأمر السادس الألقاب المختصة بصاحب الولاية قد تقدم أنه يذكر في الطرة بعض الألقاب التابعة للقب الأصلي من المقر والجناب وغيرهما مع التصريح باسم المولى والدعاء له بما يناسبه على ما تقدم بيانه هناك أما في أثناء الولاية فإنه يستوعب جميع ألقابه ويعاد ذكر الاسم والدعاء المذكور في الطرة وقد تقدم ذكر الألقاب مستوفى في المقصد الأول من هذا الفصل في الكلام على مقدمات الولايات
الأمر السابع وصية صاحب الولاية بما يناسب ولايته وقد تقدم التنبيه على ذلك في الكلام على مقدمات الولايات أيضا
الأمر الثامن الدعاء لصاحب الولاية بما يناسبه إذا كان مستحقا لذلك وقد ذكر في التعريف أن من استصغر من المولين لا يدعى له في أول ولاية ولا آخرها وربما قيل بدل الدعاء أو بعده والخير يكون
الأمر التاسع الخواتم من كتابة إن شاء الله تعالى والتاريخ والمستند والحمدلة والتصلية على نحو ما تقدم في المكاتبات
فأما المشيئة فإنه يكتب في آخر مكتوب كل ولاية إن شاء الله تعالى في سطر منفرد
وأما التاريخ فإنه يكتب في سطرين كما تقدم في المكاتبات فيكتب كتب في يوم كذا من شهر كذا في سطر ويكتب سنة كذا وكذا في سطر تحته
وأما المستند فإنه يكتب تحت التاريخ كما تقدم في المكاتبات فإن كان بتلقي كاتب السر كتب في سطر واحد حسب المرسوم الشريف وإن كان برسالة الدوادار كتب حسب المرسوم الشريف في سطر ثم كتب في سطر تحته برسالة الجناب العالي الأميري الكبيري الفلاني الدوادار

الناصري مثلا وإن كان بخط السلطان كتب حسب الخط الشريف وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية في سطر وكتب كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى في سطر تحته وإن كان بإشارة الوزير كتب بالإشارة العالية الصاحبية الوزيرية الفلانية في سطر ثم كتب في السطر الثاني مدبر الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى وإن كان الوزير صاحب سيف أسقط منها الصاحبية أللهم إلا أن يكون مرسوما صغيرا أو توقيعا صغيرا مما كتب في هيئة ورقة الطريق أو على ظهر القصة فإنه إن كان بتلقي كاتب السر كتب المستند على حاشية التوقيع على سمت ما بين السطر الأول والثاني وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب هناك بالإشارة العالية سطرين على نحو ما تقدم فيما يكتب تحت التاريخ وإن كان بإشارة الوزير فالأمر كذلك وإن كان برسالة الدوادار كتب على الحاشية هناك حسب المرسوم الشريف ثم كتب تحت التاريخ برسالة الجناب العالي إلى آخر المستند وأما الحمدله والصلاة على النبي ففي سطر تحت المستند كما في المكاتبات يكتب فيها الحمد لله وحده ثم يخلي بياضا ثم يكتب وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه
وأما الحسبلة ففي سطر تحت ذلك يكتب فيه حسبنا الله ونعم الوكيل على ما تقدم في المكاتبات
الأمر العاشر البياض الواقع في كتب الولايات وله ستة مواضع
الأول فيما بين الطرة والبسملة وهي ثلاثة أوصال بالوصل الذي فيه الطرة لا يتجاوز ذلك في مقدار قطع كبير ولا صغير إلا أنه ربما اقتصر على وصلين فيما استصغر شأنه من الرتبة الثالثة من التواقيع
الثاني الحاشية فيما على يمين البسملة وما بعدها وأهل زماننا يعبرون عن ذلك بالهامش ولم أجد له أصلا في اللغة وقد تقدم القول عليها في

المقالة الثالثة في الكلام على متعلقات قطع الورق وما ينخرط في سلكه أما آخر الأسطر فإنه لا بياض فيه على أن ملوك الروم يجعلون لكتبهم حاشية من أول الأسطر وحاشية من آخرها على ما تقدم القول عليها في الكتب الواردة عن صاحب القسطنطينية
الثالث بيت العلامة وهو فيما بين السطر الأول وهو الذي يلي البسملة وبين السطر الثاني وهو الذي يكون في آخر وصل البسملة وقد تقدم في الكلام على مقادير الورق في المقالة الثالثة أن مقداره في الزمن القديم كان قدر شبر وقد شاهدناه دون ذلك بقليل فيما كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون على ما يشهد به الموجود من تواقيعهم ثم تناقص قليلا فلما غلا الورق وقصرت الأوصال نقص مقداره حتى صار نحو نصف شبر وهو على ذلك إلى الآن ويزيد ذلك وينقص باعتبار قطع الورق فإنه في القطع الكبير يكون الوصل أطول منه في القطع الصغير
الرابع ما بين الأسطر في متن الولاية وهو على مقدار النصف من بيت العلامة في القطع الكبير والقطع الصغير لا يكاد ذلك يختلف إلا في التواقيع والمراسيم التي هي على هيئة أوراق الطريق والتي على ظهور القصص فإن ما بين السطرين منها يكون متضايقا حتى يكون بقدر ثلاثة أصابع مطبوقة
الخامس ما بين أسطر اللواحق فيما بعد إن شاء الله تعالى فإنه يكون ما بين كل سطرين من ذلك قدر نصف ما بين السطرين في متن الولاية إلا في المستند إذا كان سطرين مثل أن يكون برسالة الدوادار ونحوها فإن السطرين يكونان متلاصقين
السادس ما بعد اللواحق في آخر الكتاب وهو قدر يسير يكون قدر إصبعين مطبوقين أو ثلاثة أصابع مطبوقات وما قارب ذلك

المهيع الثاني في ذكر نسخ مما يكتب في متن الولايات من التقاليد
والمراسيم المكبرة والتفاويض والتواقيع
قلت وقد كنت هممت أن أجعل ابتداآت التقاليد والتفاويض والمراسيم والتواقيع من الافتتاح بالحمد لله أو بأما بعد حمد الله أو برسم بالأمر الشريف في فصل مستقل ومقاصدها المتعلقة بالوظيفة في فصل على حدة ليختار الكاتب الذي لا يحسن الإنشاء ما أحب من الابتداآت المناسبة للاسم أو اللقب ونحوهما ثم يبين القصد المتعلق بالوصف ثم أضربت عن ذلك وأتيت بالنسخ على صورتها لأمور منها أن في تضييع النسخة إفسادا لصورتها وضياع فضيلة المنشئين وإشاعة ذكرهم ومنها أن يعرف أن الصورة التي تورد مما كتب به في الزمن السابق وأنها مصطلح قد اصطلح عليه أهل ذلك الزمان ومنها أن يعرف المنشيء ترتيب من تقدم لينسج على منواله وإذا أراد من لا دربة له بالإنشاء أخذ تحميدة من تقليد أو توقيع وغيرهما ونقلها إلى مقصد من مقاصد الولاية لم يعجزه ذلك
ثم قسمته على ثلاثة أقسام

القسم الأول ولايات وظائف الديار المصرية وهي على نوعين
النوع الأول الولايات بالحضرة وهي على ستة أضرب
الضرب الأول ولايات أرباب السيوف وهي على طبقتين
الطبقة الأولى ذوات التقاليد وهي ثلاث وظائف
الوظيفة الأولى الكفالة وهي نيابة السلطنة بالحضرة
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف المملكة في المقالة الثانية أن الكفالة هي أعلى رتب نيابة السلطنة وأن النائب الكافل يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان ويعلم في التقاليد والتواقيع والمناشير وغير ذلك بخلاف غيره من النواب فإن كل نائب لا يعلم إلا على ما يختص بخاصة نيابته وقد تقدم في مقدمة الولايات أن لقبه المقر الكريم على ما استقر عليه الحال
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة كتب بها من إنشاء الشهاب محمود الحلبي رحمه الله وهي
الحمد لله الذي جعل ركن الدولة في دولتنا القاهرة ثابت القواعد على فرقد الفراقد راقيا في رتب العلو الآخذة من أفق التأييد بالمطالع ومن نطق العز بالمعاقد حاليا بعقود المهابة التي لا تزال لرعبها على الأعداء طلائع خيل في

المراقب وروائع خيال في المراقد حاويا من أنواع المفاخر ما لو كاثرته الدراري غدت وهي لمجموعه فراقد أو فاخرته الدرر ثقبتها الأفكار النواقد مقلدا من سيوف الظفر مالا تنبو في نصرة الإسلام مضاربه وكيف تنبو وأوامرنا لعقود حمائلها على عواتق مجده عواقد
نحمده على نعمه التي عدقت أمور دولتنا بمن يرفع بأسه منارها وعقدت قواعد مملكتنا بمن يوالي فضله أنوارها وعضدت همم أوليائنا بمن إذا تخيلت أعداء الدين مواقع صوارمه كان أمنع صونها إسارها وأنفع سلاحها فرارها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشرق الهمم بلوامعها وتشرف الكلم بجوامعها وتزكو الأمم بما تنقل الألسنة منها عن القلوب إلى مسامعها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا الله لنصر دينه وألهمنا تفويض مصالح أمته إلى كل ولي ما رفعت راية نصر إلا تلقاها عرابة مجده بيمينه وعضدنا في جهاد أعدائه بأعز صفي ينوب بأسه للجيش عن طليعته ويقوم رأيه في الحرب مقام كمينه وعلى آله وصحبه الذين اختارهم لصحبته وارتضاهم وأرهفهم لإقامة ملته وانتضاهم فمنهم من فاز بمزيتي سبقه وتصديقه ومنهم من كان الشيطان ينكب عن طريقه ومنهم من اختار الشهادة على الانتصار بفريقه ورفيقه ومنهم من أقامه بشرف الأخوة معه مقام شقيقه صلاة يبلغه إخلاص مقيمها ويعرض عليه إيمان مديمها وسلم
أما بعد فإنا من حين أورثنا الله ملك الإسلام لا عن كلالة وألبسنا في مواقف الذب عن دينه حلل العز المعلمة بالجلالة ومكن لنا في أرضه وأنهضنا بمسنون الجهاد وفرضه ونشر دعوة ملكنا في طول الوجود وعرضه لم نزل نرتاد لكفالة الممالك الإسلامية من تأوي

منه إلى ركن شديد ورأي سديد وحزم يقرب من مواهب النصر كل بعيد وعزم إذا أرهف صوارمه من أدنى الصعيد وجف لهول مواقعها باب الحديد فهو المطوي في أثناء ضمائرنا وإن تقلدنا قبله سواه والمنوي في أحناء سرائرنا وإنما لامريء ما نواه قد حلب قدم هجرته الدهر أشطره وكتب حسن خبرته من عنوان السير أسطره وتمثلت مرآة الزمان لفكره فاجتلى صور الوقائع في صفائها وترددت تجارب الأمم على سمعه فعلم ما يأتي وما يذر في تركها واقتفائها واستقبل دولة أسلافنا الشريفة من فواتحها فكان لسان محاسنها وبنان ميامنها وخزانة سرها وكنانة نهيها وأمرها وطليعة تأييدها وذريعة أوليائها إلى عوارفها وجودها وعنوان أخبارها وعنان سوابقها التي لا تدرك مآثر من سلف شق غبارها ويمين قبضتها المصرفة بين البأس والندى وأمين آرائها المؤيدة بالتوفيق اللدني على العدا وركنها المشيد بالأسل وهو ما تبنى عليه الممالك وحصنها المصفح بالصفاح فلا تستطيع الأهواء أن تتوقل إليه تلك المسالك وزعيم جيوشها التي اجتنت من قصب قواضبه ثمر النصر غير مرة ومتقدم عساكرها التي اجتلت به وجوه الظفر الحلوة في أيام الكريهة المرة
ولما كان المقر الكريم الفلاني هو معنى هذه الصفات المبهمة ومبنى هذه القواعد المحكمة وطراز حلل هذه الأحوال المعلمة وسر المقاصد

الظاهرة وسلك هذه النجوم الزاهية بل فلك هذه الدراري الزاهرة تحلق صوادح البراعة فتقع دون أوصافه بمراحل وتغوص سوابح اليراعة فيلقيها العجز عن استخراج درر نعوته بالسواحل فأوصافه تذكر على وجه الإجمال لضيق نطاق الفصاحة عن تفصيلها ومناقبه تشكر بلسان الإجماع لعجز ألسنة الأقلام عن بلوغها إلى غايتها ووصولها فلذلك اقتضت آراؤنا الشريفة أن نفسح مجال الهدى بتفويض إيالة الممالك إليه وأن نقطع آمال العدا بالاعتماد في زعامة الجيوش الإسلامية عليه وأن نقر عيون الرعايا بإلقاء مقاليد العدل والإحسان إلى يديه وأن نصون عقائل الممالك من مهابته بما يغدو سورا لعواصمها وسوارا لمعاصمها وشنبا تفتر ثغورها عن بروقه أو لهبا يقطع طريق أمل العدا عن تخيل خيالها في طروقه ليعتضد الدين منه بركنه ويتغلب على الشرك في حالتي حربه ووهنه ويتقلب كل من رعايانا بين وهاد يمنه ومهاد أمنه رسم بالأمر الشريف لا زال ملكه علي الأركان راقيا من أفق النصر إلى أعلى مكانة وأرفع مكان أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالديار المصرية والممالك الإسلامية على أكمل العوائد وأجمل القواعد تفويضا تمضي أحكامه في الممالك الإسلامية شرقا وغربا وبعدا وقربا فلا يخرج منها شيء عن أوامره وأحكامه ولا يعدل في سلمها وحربها عن حكمي سيوفه وأقلامه
فليستقر في هذه الرتبة العالية استقرار الأركان المواكث والأطواد اللوابث والأصول النوابت والنجوم الثوابت مؤثلا قواعدها برأيه السديد ورايته معوذا كمالها بسيف النصر وآيته مبتدئا في إعلاء منارها من العدل بأقصاه ومن الإحسان بغايته مكثرا أعداد الجيوش الإسلامية برأيه السعيد مقربا

من مطامح النصر النائية كل بعيد موكلا بحركات العدو وسكناته جفنا لا يألف الغرار وسيفا لا يعرف القرار وعزما لا يرضى من عدوه دون اصطلامه الفرار فلا تزال جيوش الإسلام بجميل تعاهده مزاحة العوائق مزالة العلائق لا مانع لها عن الركوب ولا قاطع عن الوثوب قد أعدتها عزائمه فكل زمانها بالتأهب للقاء وقت إمكانه وأمدت بأسها صوارمه فهي لا تسأل عن عدد عدوها بل عن مكانه مقيما منار العدل الذي هو أساس الملك ودعامته ورأس الحكم بأمر الله في خلقه وهامته ونور الخصب الكافل بمصالح العباد والبلاد وعامته ناشرا له في أقطار الممالك ماحيا بنور إقامته آية ليل الظلم الحالك معاضدا أحكام الشريعة المطهرة بالانقياد إليها والاعتماد في الحل والعقد عليها والاحتفال برفع منارها فإن ذلك من أفضل ما قدمته الدول الصالحة بين يديها مقدما عمارة البلاد على كل منهم فإنها الأصل الذي تتفرع عنه المصالح على افتراقها والمادة التي تستطيل الجيوش الإسلامية على العدا بتوسعها في إنقادها وإنفاقها والأسباب التي تعين الغيوث على نماء ما بسط الله لعباده من أرزاقها وآكد مصالحها الرفق الذي ما كان في شيء إلا زانه والعدل الذي ما اتصف به ملك إلا حفظه وصانه فقد جعلنا أمره في ذلك جميعه من أمرنا المطاع واقتصرنا عن ذكر الوصايا بما في خصائصه الكريمة من حسن الاضطلاع وجميل الاطلاع واكتفينا بما في خلائقه الجميلة من محاسن لو تخير نفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع والله تعالى يؤيده وقد فعل ويجعل ركنه من أثبت قواعد الدين وقد جعل إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة أيضا وهي

الحمد لله الذي زان دولتنا القاهرة من حسامها بتقليده وصان حمى ممالكنا الشريفة من أوليائنا بمن تغدو مواقع سيوفه من كل عدو قلائد جيده وزاد جلالة الملك بمن إذا ركب في مواكب نيابته أورد جياد رعبه من كل متوج من ملوك العدا مناهل وريده وفوض تقدمة جيوشنا المنصورة إلى من تضاعف مهابته في عيون العدا عدد جنوده وتغزوه سرايا خيله في يقظته وتطلع عليه طلائع خياله في هجوده وإذا صلت سيوفه في موقف وغى أعرت رأس كل مستكبر لم يعرف الله قبل ركوعه بسجوده مشرف أقدار أوليائنا من المراتب بما تشرف به أقدار المراتب في نفسها ومفضل أيام دولتنا على الدول بما ألفته من جلالة ملكنا في أمسها ومجمل سير أصفيائنا من المعدلة بما إذا غرسته في قلوب الرعايا كان الدعاء الصالح ثمرة غرسها ومقلد خواصنا من إيالة الملك ما إذا خطبت به الأقلام على منابر الأنامل نقلت البلاغة في تلك الأوصاف عن قسها ومفيض حلل الأنباء المرقومة بأسنى الرتب على من إذا زانت حبرها اللابس زانها بلبسها وإذا أشرقت به هالة المواكب لوغى سقطت فوارس ملوك العدا عن مراكبها واضطربت الأسرة بملوك فرسها وإذا كتمته الأعداء أنباءها نطقت ألسنة رياحه بأسرار أهل الشرك ولا يرى أسمع من صمها ولا أفصح من خرسها وإذا تطاولت أبطال الوقائع للقائه افترت ثغور سيوفه عن شنب النصر لإلفها بمعانقة الأعناق وأنسها
نحمده على نعمه التي جادت شرف أسمائنا إلى أسماع المنابر وأنطقت بمضاعفة الأنباء لأوليائنا ألسنة الأقلام في أفواه المحابر وأعادت بسيف النصر حقوق ملكنا الذي تلقيناه مع الأولية والأولوية من أسلافنا الكرام كابرا عن كابر
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال سيوفنا بإعلاء منارها

ناهضة وجياد جهادنا لنشر دعوتها في الآفاق راكضة ومواد نعمنا ونقمنا لآمال حامليها باسطة ولأرواح جاحديها قابضة ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله تعالى بنصره وآتاه من معجزاته ما يحول البصر دون حصره وجعله أمام الأنبياء وإمامهم مع تأخر عصره ونصره بالرعب الذي زحزح كل ملك عن سريره وأنزل كل متوج من قصره وعلى آله وصحبه الذين هجروا في نصرته مألوف الأوطان والأوطار وركبوا في إقامة ملته مخوف الأهوال والأخطار وفتحوا بيمن دعوته ما اشتملت عليه المشارق والمغارب من الأرجاء الممتدة والأقطار صلاة لا يزال سيف جهادنا لدوامها مقيما وحكم جلادنا لإقامتها مديما وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من سمت التقاليد بأوصافه وصرفت أمور الممالك بين بأسه وإنصافه وحليت مواقف الخدمة الشريفة من جواهر مهابته بما هو جدير بحلى السيف وزينت مجالس العدل من إيالته بما هو مبرأ من الميل والهوى منزه عن الظلم والحيف وملئت القلوب من مخافته بما يمنع ذا القوة في الباطل من توهم البطش وذا الصبوة في الهوى من استزاره ويحسن لها الفرار ويهون عليها في جنب ما تتوقعه من مواقع سيوفه السبي والإسار وعدق به من مصالح الأقاليم ما يصرفه بيمين دأبها اليمن ويسار شأنها اليسار وفوضت زعامة الجيوش منه إلى همام يقوم بأمرها على ما يجب وليث لو لم ينهض بألوفها المؤلفة في الوقائع لكان من نفسه وحدها في جحفل لجب ومقدام آلاف العدا في شجاعته آحاد وضرغام قسور أهل الكفر بين يدي وثباته واسودهم تقاد من لم نزل نعده في

أركان البيت الشريف المنصوري بالخناصر ونعده للمواقف التي ليس للدين فيها غير تأييد الله وحد السيف ناصر وندخره من معادن أوليائنا الذين تمسكوا من الانتماء إلينا بأمكن الأسباب وأقوى الأواصر ونقلد أعطاف الأواصر منه سيفا يرمى منه بيت العدا ومعاقلهم بأفتك حاصد وأفلل حاصر فكم من مواقف شفع فيها الشجاعة بالخضوع لربه ومواطن لبس فيها قلبه على الدرع إذا لبس غيره الدرع على قلبه ومسالك سلكها في طاعة الله وطاعتنا والسيوف تنفر من قربها ومشاهد شهدها في طاعة الله وطاعتنا والقلوب تفر من حجبها وليال قطعها في خدمتنا لم يصحب غير ألسنة أسنته وأعين شهبها ومقاصد للدين بلغها والسهام لا تحملها من الفرق قوادم النسور وسرايا وقف بينها وبين العدا فضرب بينهم من شجاعته بسور وبحار حرب لم تتجاسر السوابح على قطعها حتى مد عليها من معوجات سيوفه قناطر ومن مقومات ذوابله جسور وكم أنام الرعايا في مهاد عدله فلم يطرقهم طيف ظالم في الكرا ولا روع سربهم خيال مغير أوهمهم السرى بل كانوا محفوظين بمهابته محفوفين بمواهبه وادعين في ظله الذي ما دجا عليهم ليل خطب إلا أطلع لهم بدور الأمن في غياهبه
ولما كان فلان هو الذي سار بذكر مهابته المثل وصار له في قلوب الأعداء من الرعب ما تشابه فيه القاتلان الوجل والخجل وجمع محاسن الصفات فما أخذ عنه أو نطق به أو نظر إليه إلا وجد ملء المسامع والأفواه والمقل ولا جرد على العدا سيفا إلا وودعت أرواحهم الأجساد ولا أرهف في مجالس العدل والإحسان قلما إلا وضمنت له الآجام التي نشأ بها كرم السيول وسطوة الآساد ولا طلع في أفق مواكب إلا وهالت العدا هالة بدره ودلت على عظم سلطاننا رفعة قدره وشهدت له بحسن طاعتنا طاعة أمرائنا لأمره وأسلف من خدمة والدنا السلطان الشهيد ما لم تزل له به عندنا حقوق مرعية وسوابق مرضية ورتبة تقديم سنية ومزية تقريب جعلته مشاهدا بالعيان مقدما في النية اقتضت آراؤنا الشريفة أن نروع العدا بسيفه ونريهم من تقدمته على الجيوش

يقظة ما كانوا يرونه حلما من طيفه وليعلم الأعداء معاجلة أخذهم بالعنف والحيف وأننا لا تأخذنا في الله لومة لائم فليس بيننا وبين أعداء الله ورسوله إلا السيف
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت ممالك الإسلام به مفترة المباسم عالية مدى المهابة إذا طرقتها عواصف رياح العدا وقفت دون بلوغها دامية المناسم أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلامية على العادة في ذلك والقاعدة تفويضا يفيض على الممالك حلل المهابة ويسلب أعداء الدين رداء الأمن فلا ينفعهم الخضوع ولا الإنابة ويضاعف لنا أدعية الرعايا الصالحة بإجرائهم على ما ألفوه من العدل والإحسان فمنهم الدعاء الصالح ومن كرم الله الإجابة
فليتقلد هذه الرتبة الدالة على ارتفاع قدره لدينا الشاهدة له باحتفالنا بما أوجبه إخلاصه من حقوق الطاعة والولاء علينا المنبهة على أنه سيفنا الذي نصون الممالك بحده ونصول على العدا بمضائه الذي تهلل وجوه النصر كلما أسفر من غمده وليستقر في ذلك نافذا في المصالح الإسلامية أمره مغيرا على جيوش الأعداء ذكره معملة في حماية الدين بيضه المرهفة وسمره مجملة بإشراق طلعته مطالع المواكب مسيرة نجوم أسنته إلى قلوب أعداء الدين مسير الكواكب مخفقة بخفوق رايته مساعي الكفر الصادرة عن آمالهم الكواذب ليعلم عدو الله أنه أشد طلبا له من أجله وألزم لعنقه من عمله وأسبق إليه من رجع صوته وأنزل عليه من مفاجأة موته وليجمل النظر في مصالح الجيوش الإسلامية بما يضاعف عدتها ويبقي على توالي الأحقاب حدتها وجدتها ويأخذهم بإدامة التمرن في الحروب وإطالة عنان التأهب للركوب ويعين كلا منهم بملاحظة حاله على استدامة قوته وإمكانه ويجعلهم بالاقتباس من شجاعته من القوم الذين لا يسألون عن عدد عدوهم بل عن مكانه وليكن لكلمة الشريعة الشريفة رافعا ولشبه من يمتنع عن الانقياد إلى الأحكام دافعا وعلى يد من يتطرق إلى الخروج عن أحكامه آخذا ولمن لم يسلك

الأدب بين يدي حكامه بما يقتضيه تعظيم الحكم العزيز مؤاخذا وليأمر النواب بإقامة منار العدل الذي يوم منه خير للأرض من أن تمطر أربعين يوما ويصرف إلى مصالح الثغور الإسلامية وحمايتها فكرا لم يختر دعة ونظرا يأنف أن يألف نوما وملاك الوصايا تقوى الله وهي من خصائص نفسه الكريمة وراحة روحه التي هي للفكر في مصالح الإسلام مديمة فليجتهد في المحافظة عليها ما استطاع ويمض بها في مصالح الإسلام أمره الذي جعلناه من أمرنا مطاع
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة أيضا كتب به عن السلطان الملك أبي بكر ابن الناصر محمد بن قلاوون للأمير طقزدمر أمير مجلس في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بعد أن بطلت النيابة في دولة أبيه الملك الناصر عدة سنين وهي
الحمد لله الذي اصطفى لسلطاننا المنصور من ينوب عنا في رعاية الجمهور أحسن مناب واضفى على ملكنا المعمور من رياسته أسر سربال ومن حراسته أجل جلباب وكفى دولتنا الشريفة بسياسته مهمات الأمور فلتأييدها بقيامه دوام ولتشييدها باهتمامه استصحاب وشفى الصدور بصدور إشارته المباركة التي لها بأوامرنا العالية اقتران ومن ضمائرنا الصافية اقتراب وأوفى له من برنا العميم بحقه الذي له بعهده استحقاق للتقديم وإيجاب وسبقه القديم الذي له من سعيد المصاهرة أكرم اتشاج ومن حميد المظاهرة ألزم انتساب

نحمده على أن بصر آراءنا بطرق الوفاق وسبل الصواب ونشكره على أن نضر راياتنا في الآفاق فلقلوب العدا من خوفها إرهاق وإرهاب
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة منزهة عن الشك والارتياب موجهة إلى قبلتها التي ترضاها الألباب ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أظفر عزمه بالثبات وقهر خصمه بالتباب ووفر قسمه من الإنجاد ويسر حزبه للإنجاب وأظهر اسمه بعد اسمه فحلا في الأفواه ذكره وطاب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا من بعده في رعاية عهده أحسن الآداب صلاة متصلة الأسباب موصلة إلى خير مآل متكفلة بنعم باب لا يزال لسحب جودها في الوجود انصباب ولمقترب وفودها ورود إلى مظان الرضوان من غير إغباب ما جرد انتقامنا على الأعداء سيف سطا يقد الرقاب وأورد إنعامنا الأولياء بحر ندى زاخر العباب وجدد قيامنا بعلم هدى مرت عليه الأعوام وما لمح له أثر ولا فتح له باب واعتمد مقامنا الشريف في الجمع للقلوب والتأليف على أعلى ولي وأعلى جناب وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن أولى من اعتمدنا في الإنجاب والإنجاح على ديانته وانتجدنا فيما أردنا من الاستصحاب للصلاح بإعانته واعتضدنا في تقطين الممالك وتأمين المسالك بصيالته وصيانته ورعينا عند والدنا الشهيد سقى الله عهده صوب الرضوان على علو مكانه ودنو مكانته فاكتفينا في كفالة الأمة وإيالة النعمة بخشيته من ربه واستكانته من حمدت سجاياه وتعددت مزاياه واستندت إلى ما أمر الله تعالى به من العدل والإحسان في الأحكام قضاياه ووجدت منه الزهد والرفق رعاة الإسلام ورعاياه فهو الممدوح فعله من جميع

الألسنة الممنوح فضله في سائر الأزمنة الملموح عليه آثار القبول الظاهر من عناية الله لما نواه من الخير لخلق الله وأبطنه فهو عاضد السلطنة الذي حل من العلياء موطنه وكافل المملكة الذي سبق إلى كل مجد فأدركه وسيف الدولة الحامي الحوزة البادي الصولة ومن له اشتمال على العليا ومن يقارن التحقيق له رأيا ولا يباين التوفيق له سعيا ويعاون الهدى والنهي على طول المدى له أمرا ونهيا ويعاين الورى لسلطاننا المنصور منه مهديا يجمل لدولتنا حفظا ويحسن لملكنا رعيا
وكان فلان هو الذي لم يزل متعين المحاسن متبين الميامن متمكن الرياسة في كل الأماكن فحلمه إذا اضطربت الجبال الرواسي ثابت ساكن وعلمه الزائد بأوضاع السياسة وأنواع النفاسة للوجود من بهجته زائن ورأيه الصائب للبلاد والعباد صائن ورعيه للخلق بالحق القوي منه خائف والضعيف إليه راكن وبشره هاد للرائي وباد للمعاين وذكره الجميل سائر في الآفاق والأقطار والمدائن حتى أظهر الله تعالى بإمداد نيرنا الأعظم من إشراق بدره الكامل ما هو في سر الغيب كامن وشهر سيفه الذي يغدو الإيمان من مهابته في كنف منيع وحرم آمن
ولما مضت على منصب النيابة الشريفة في أيام والدنا الشهيد بضع سنين وانقضت الأيام والليالي والدهر بموهبتها ضنين ولا وطيت لها ربوة ولا امتطيت لها صهوة وكانت في سلك ملكه مندرجة وبصفو سلطنته ممتزجة إلى أن قضى عليه الرضوان النحب وأفضى من الجنان إلى المحل الرحب رأينا بعده بمن كان يتحقق وده أن نستأنس وأمضينا وصيته المباركة في اختيار ثمرة الإخلاص بمن كان له الاختصاص يغرس وأفضينا إليه بالمناب عنا لما كان من أنوار والدنا الشهيد في كل تسديد يقتبس ومن الاستئثار بمجالسته يفوز فيحوز حكم الحكم لأنه كان أمير ذلك المجلس وقضينا باعتماد أمره الكريم بعد أمرنا الشريف لأنه الخبير الذي لا ينبهم عليه شيء من خفايا القضايا ولا يلتبس اقتضى حسن الرأي الشريف إلقاء ما في أيدينا من مقاليد الممالك إلى

يده وإبقاء وديعة هذا الأمر العظيم إلى صونه وعونه وتشدده وإيفاء جنابه إلى حميد هذه الغاية التي هي للمناسبة مناسبة لسؤدده
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يجمع شمل الإسلام بتعينه وتفرده ويرجع أمر الأنام منه إلى مأمون الرأي رشيده سفاح السيف مهنده منصور العزم مؤيده ويوسع الخليقة إذا وليهم بالرأفة والرحمة ومن أولى من أبي بكر بأن يخص أصحاب محمد عند الخلافة بإعذاب منهل الجود ومورده أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلامية أعلاها الله تعالى نيابة شاملة محيطة كاملة بسيطة تعني كل أمير ومأمور وتدني أمرها الذي يعامل بالإجلال ويقابل بالسرور برا وبحرا وسهلا ووعرا غورا ونجدا بعدا وقربا شرقا وغربا وما منحه الله تعالى لوالدنا الناصر من الممالك ويدخر لسلطاننا المنصور ويخبي تستوعب أمر ما نأى من هذه الأقاليم ودنا وتجب طاعته فيها على كل من كان مؤمنا ويمتثل في ذلك كله أمره وتعمل فيه الروية فيجمل فكره ويؤمل فيه فتحه ونصره وينقل به مدحه وشكره ولا ينفصل منحه وبره ناظرا في هذه النيابة الشريفة بفكره التام سائرا فيها السير الجميل من الدربة والإلهام ناشرا ظلال المعدلة على من سار أو أقام مظاهرا بجنابه منا أجل مقام ونحن وإن كنا نتحقق من خلاله الحسنى كل وصف يسنى ونثق منه بذي الصدر السليم الذي هو على المقاصد يعان وبالمحامد يعنى فلسنا نخل بالوصية التي نعلم أن له عنها استغنا ولكننا لا نترك بها التبرك ولا ندع ما سن الله تعالى منها وشرع ولا نغفل ما يجب به أن يحتفل فقد وصى رسول الله أصحابه وأمضى أمره المسموع كل ذي رجوع إلى الله تعالى منهم وإنابة فقد أولاه الله تعالى كل جميل قبل أن ولاه وحلاه بالسمات والمكرمات قبل أن رفع علاه وأعطاه ما أرهب العدا من سطاه وهداه إلى كل رشد تأتم به الهداة
فأهم ذلك تقوى الله تعالى وهو عليها مجبول وأمرها عنده متلقى بالقبول والعدل فهو منه مأمول والاتصاف بالإنصاف فهو دأبه فيما يفعل

ويقول والجهاد فعزائمه في ميدانه تجول وصوارمه بها من قراع فرسانه فلول والزعماء والأكابر فلهم من محافظته اعتناء وبملاحظته شمول والعساكر الإسلامية فبتأييده تبطش أيديهم بالعدا وتصول وزعماء البلاد فلهم إلى ظل رحمته إيواء وبكنف نعمته ظلول وممالك الإسلام فما منها إلا معمور بما أوته كفالته مأهول وثغوره فكلها بسام بفتكاته التي ألقى رعبها في البحر فهو بين كل فاجر وبين لبحر يحول وما هو بذلك من حميد المسالك موصول ومحله المقدم لأنه أهم الأصول من إكرام الحكام وإبرام الأحكام واستيفاء الحدود واقتفاء السنن المعهود من إنجاز الوعود وإحراز السعود والإجهاز على كل كفور وجحود والاحتراز من فظاظة الناس بإفاضة الجود فكل ذلك على خاطره مسرود ولما آثره مورود وفي ذخائره موجود ومن خبرته معلوم معهود وعن فكرته مشهور ومن فطرته مشهود فليسع أمرنا هذا جميع الأمراء والجنود وليرجع إليه كل من هو من جملة الملة معدود وليقابل مرسومنا بالسمع والطاعة أهل السنة والجماعة ساعة الوقوف عليه وحالة الورود والله تعالى يصلح ببقائه الوجود ويمنح باهتمامه المقصود ويفتح المعاقل باعتزامه الذي ليس بمردود عن مراده ولا مصدود بل يصبح الكفر من خوفه محصورا ويمسي وهو بسيفه محصود والعلامة الشريفة أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه وصية لنائب سلطنة أوردها في التعريف قال
يوصى بتقوى الله تعالى وتنفيذ الأحكام الشرعية ومعاضدة حكامها واستخدام السيوف لمساعدة أقلامها وتفقد العساكر المنصورة وعرضها وإنهاضهم لنوافل الخدمة وفرضها والتخير للوظائف وإجراء الأوقاف على شرط كل واقف والملاحظة الحسنى للبلاد وعمارة أوطانها وإطابة قلوب سكانها ومعاضدة مباشري الأموال مع عدم الخروج عما ألف من عدل هذه الأيام الشريفة وإحسانها وتحصين ما لديه وتحسين كل ما أمره إليه

واستطلاع الأخبار والمطالعة بها والعمل بما يرد عليه من المراسيم المطاعة والتمسك بسببها وأنه مهما أشكل عليه يستضيء فيه بنور آرائنا العالية فهو يكفيه ومن قتل من الجند أو مات وخلف ولدا يصلح لإقطاعه يعين له ليقوم بمخلفيه ويقال من هذا ما يقوم بتمام الغرض ويوفيه

الوظيفة الثانية الوزارة لصاحب سيف
واعلم أن أول من أطلق عليه لقب الوزارة في الإسلام أبو حفص الخلال وزير أبي العباس السفاح أول خلفائهم كما ذكره القضاعي في عيون المعارف في أخبار الخلائف ثم صارت الوزارة بعد ذلك للخلفاء والملوك دائرة بين أرباب السيوف والأقلام تارة يليها صاحب سيف وتارة يليها صاحب قلم إلا أنها في أرباب الأقلام أكثر وعلى ذلك جرى عرف الديار المصرية من ابتداء الأمر وإلى الآن
ومما ينبه عليه أن الوزير إذا كان صاحب سيف كان في مجلس السلطان قائما في جملة الأمراء القائمين وإذا كان صاحب قلم كان جالسا كما يجلس أرباب الأقلام من كاتب السر وغيره
وهذه نسخة تقليد بالوزارة كتب به للأمير سيف الدين بكتمر وهي
الحمد لله الذي شد أزر دولتنا القاهرة من أوليائنا بأمضى سيف وعضد أيامنا الزاهرة من أصفيائنا بأعدل ولي لا يوجد في حكمه حيف وعدق تدبير

أمور ممالكنا الشريفة بمن تحجب مهابته ذوي الأطماع الطامحة عما لا يحب فلا يلم بهم فيها خاطر ولا يطرقهم بها طيف جاعل التأييد لآرائنا مصاحبا والتوفيق موافقا لأوامرنا التي لا تهمل من مصالح الإسلام مندوبا ولا تدع من مهمات الملك واجبا والإقبال تاليا لمراسيمنا في ارتياد من يغدو قلب المحق من حيفه ساكنا وقلب المبطل من خوفه واجبا واليمن تابعا لاستخارتنا في انتخاب من لم يزل في خدمتنا الشريفة للأدعية الصالحة جالبا ولمنافع الإسلام والملك طالبا ولمضارهما حاجبا
نحمده على نعمه التي عضدت أيامنا بمن جمعت أدواته رتبتي السيف والقلم وعدقت تدبير ممالكنا بمن أحرزت صفاته مزيتي العلم والعلم وشد أزر دولتنا بمن يبيض بمعدلته من صحائف أيامنا ما هو أحب إلينا من حمر النعم
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعدها للقائه ونتيمن بها في افتقاد من نعتضد به في مصالح أهلها وانتقائه ونقدمها أمام كل أمر ندخره لاعتلاء ولينا بالتقى وارتقائه ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله إلى الأمم طرا وخصه بالأمة التي جعل أمارة سبقها إلى الخيرات أن غدت محجلة غرا وأيده بنصره وبالمؤمنين الذين ما منهم إلا من أعرض عن زخرف الدنيا وإن كان حلوا وقال الحق وإن كان مرا وعلى آله وصحبه الذين ولوا أمته فعدلوا والذين تمسكوا بسنن سنته فما حادوا عنها ولا عدلوا صلاة لا تزال الألسن لإقامتها مديمة والقلوب لإدامتها مقيمة وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من أبرزت الضمائر في الاعتضاد به مكنون طويتها واعتمدت الخواطر في تصريح علانيتها بأولويته لمصالح الإسلام على نيتها وتشوفت البلاغة لرقم مفاخره وتنافست المعاني في تخليد مآثره وهنأت

المعدلة نفسها برافع لوائها وأبدت الدولة أنسها بناشر برها في الاقطار وآلائها وافترت ثغور الاقاليم المحروسة بمن تلهج بمصالحها ألسنة أقلامه واخضرت ربى آمال الأولياء بما يسفر عنه من تهلل بهاء غرر أيامه من هززنا منه لمصالح الإسلام سيفا يصل ما أمر الله به أن يوصل ويفصل من مهمات الممالك ما يقتضي الحق أن يفصل ويبرز من معادن العدل والإحسان ما هو في سر خلائقه كامن وينزل من استقامت سيرته في الحمى المخصب والحرم الآمن ويصون الأموال بمهابته فلا تمتد إليها هواجس الأطماع ولا تتجاسر ابصار غير الأمناء أن تقص نبأ رؤيتها على الأسماع ويضاعفها بخبرته التي تهديها الأمانة إلى معادنها وتدلها النزاهة على مواطنها وتبدي لها ظواهر الأعمال أسرار بواطنها ويعمر بيوت الأموال بعمارة البلاد ويثمر فروع الطوارف من مصالحها بحفظ أصول التلاد ويكف أكف الظلم عن الرعايا فلا يخشى محق على حقه ولا يخاف مستقيم على ما قسم له من رزقه ولا يطمح قوي إلى من يستضعف جانبه ولا يطمع باغ في الحيف على أحد مخالطه في نشب كان أو مجانبه
ولما كان الجناب العالي الفلاني هو الذي أشير إلى مناقبه واعتضد منه بمطيع لله في السر والعلن ومراقبه وفوض تدبير الممالك منه إلى من لا تأخذه في الحق لومة لائم واعتمدت أيامنا الزاهرة منه على من طالما سرى في مصالحها على جياد العزائم وشد أزر الملك من موازرته بمن يكسو دست الوزارة أبهة وجلالا ويلبس منصبها سنا لو ملكته الشمس ما رامت عن بروج شرفها انتقالا ويمد على الرعايا لواء عدل لا يقلص له هجير الظلم كما تتقلص الظلال ظلالا وتطلع به شموس الأرزاق على أولياء دولتنا لكن لا ترهب

كالشموس غروبا ولا زوالا مع مهابة تخيف الأسد في أجماتها ومعدلة تعين الغيوث على رفع محول البلاد ودفع أزماتها وديانة زانها التقى وخبرة صانها الورع وهما أفضل ما به يرتقى
وكانت الوزارة الشريفة نظام المملكة وقوامها وذروة الدولة وسنامها وتاج المراتب وإكليلها وعتاد الخزائن الجامع دقيق المصالح الإسلامية وجليلها اقتضت آراؤنا الشريفة أن تزين هذه الرتبة بجوهر فرنده وأن يصدر منصبها عن مناقب لا تصدر إلا عن جهته ومفاخر لا ترد إلا من عنده وأن يطلق في مصالحها قلمه ويمضي في قواعدها إشاراته وكلمه ويطلع في أفقها شمس تدبيره ويعدق به ما يراه في أمورها من صغير الأمر وكبيره وأن نجعل مسامع الأقاليم على سعتها إلى أوامره ونواهيه مصغية وأن نصد بسمعته عمن بعد عوارض الإمهال الملهية ومواقع الإهمال المطغية
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت سحائب بره مستهلة وركائب المحامد إلى حرم نعمة مهلة أن تفوض إليه الوزارة الشريفة بالممالك الإسلامية على أكمل القواعد وأجمل العوائد تفويضا يعلي مرامه ويمضي مضاء ألسنة الأسنة أقلامه ويبسط في مصالح الأقاليم المحروسة يده ولسانه ويلقي إليه من مهمات كل قطر أزمته ليصرف على ما يراه من المصالح عنانه
فليستقر في هذه الرتبة السنية استقرار الدرر في أسلاكها والدراري في أفلاكها نافذ الأمر في مصالح شرقها وغربها مطاع القول في بعد أماكنها منه وقربها ناشرا كلمة العدل في أرجائها محققا بالإحسان آمال أمم قصرت على كرمنا ممدود رجائها معليا منار الشرع الشريف بمعاضدة حكامه والوقوف عند أوامره المطاعة وأحكامه حافظا أقدار الرتب بأكفائها معتمدا على ذوي البيوت المحافظين على أتباع سير أسلافهم واقتفائها معولا على ذوي الخبرة التامة مع الديانة مراعيا مع ظهور المعرفة جانب العفة والنزاهة والصيانة موكلا بمصالح بيوت الأموال والخزائن المعمورة مواد الأموال ومعينها صارفا إلى عمارة البلاد

جميل تدبير تعتضد البحار والسحب منه بمساعدها على ري الأرض ومعينها ميسرا مواد أرزاق خدم دولتنا القاهرة وأوليائها بجميل بشره وحسن روائه مسهلا مطالب أرباب الرواتب والصدقات بطلاقة وجه لو تأمله امرؤ صادي الجوانح لارتوى من مائه ليتوفر أهل الوظائف على خدمهم بقلوب منبسطة الآمال ويناضل عنها الفقراء بسهام الليل التي لا تطيش إذا طاشت النبال فقد جعلنا أمره في ذلك جميعه من أمرنا فليكتب يمتثل وليقل في مصالحنا بما يراه يسر كلامه سري الرياح ويسر قوله سير المثل ولا يمض عقد ولا حل ولا ولاية ولا عزل ولا رفع ولا خفض ولا إبرام ولا نقض إلا عن رأيه وإشارته وبنص خطه وعبارته
وفي سيرته السرية وديانته التي هي من أسباب الهوى عرية ما يغني عن وصايا تملى على فكره وقواعد تجلى على ذكره وملاكها تقوى الله وهي من أخص أوصافه ونشر العدل والإحسان وهما من نتائج إنصاته لأمور الرعايا وإنصافه لكن على سبيل الذكرى التي تنفع المؤمنين وترفع درجات المتقين فليجعلها نجي خاطره وقبلة ناظره والله تعالى يعلي قدره وقد فعل ويجعله من عباده المتقين وقد جعل بمنه وكرمه والاعتماد على الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى

الوظيفة الثالثة الإشارة وهي وظيفة قد حدثت كتابتها ولم يعهد بها كتابة
في الزمن القديم
وهذه نسخة تقليد أنشأته بالإشارة للأمير جمال الدين يوسف البشاسي

إستادار في الدولة الناصرية فرج حين فوضت إليه الإشارة مضافة إلى الإستدارية وكتب له به المقر الشمسي العمري كاتب الدست الشريف في شعبان سنة تسع وثمانمائة وهي
الحمد لله الذي جدد للديار المصرية بالمحاسن اليوسفية رونق جمالها وأعز جانبها بأجل عزيز ملأت هيبته الوافرة فسيح مجالها وأسعد جدها بأسعد مشير أدارت آراؤه الصائبة متقاعس الأمور ما بين يمينها وشمالها وأكرم مآبها بأمثل كاف عاد حسن تدبيره بضروب من المصالح أنام الخلق في ظلالها وأجاب سؤلها بأكمل لم تعدل عن خطبتها له وإن أطال في مطالها
نحمده على أن أغاث الدولة القاهرة بمن أخصب به بعد الإمحال ربعها وطال بطوله بعد القصور فرعها وحسن في المناظر بحسن تأتيه لذي التأمل ينعها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي شرع المشورة وحث عليها وعدق أمور السيف والقلم بها فردهما عند اختلاف الرأي إليها شهادة ترفع قائلها إلى اسنى المراتب وتعليه وتقرب المخلص في انتحالها من مقام الاستخلاص وتدنيه ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ورد وارد الأمة من منهل شرعته المطهرة ما عذب مشرعه وردا وصدرا والتقطت السيارة أحاديث فضله فصيرتها للرفاق سمرا وعلى آله وصحبه الذين تقيلوا مساحب أذياله في العدل فعدلوا ولزموا منهج سننه الواضح فما حادوا عن سواء السبيل ولا عدلوا صلاة تفوق العد حصرا وترفع بركاتها عن الأمة حصرا وتبدل العسر يسرا فتعيد عجاف الزمان سمانا وسنبلات الوقت بعد اليبس خضرا وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن للمملكة قواعد تبنى عليها وأركانا تستند إليها ودعائم يشد بالاعتضاد بها بنيانها وعمدا يعتمد عليها في المهمات سلطانها وهذه المباني وإن اتسع نطاقها وامتد بامتداد المملكة رواقها فإن بالسيف والقلم قوامها

وبالتعلق بحبالها بقاءها ودوامها إذ كانا قطبين عليهما مدار فلكها ونقطتين عنهما ينشأ الخط المستقيم في تدبير ملكها وزعيمين يترافع إليهما عند التخاصم وحكمين يرجع إلى حكمهما عند التحاكم إلا أنهما لا يستقلان عند التحالف ولا يقوم أحدهما برأسه لدى التخالف بل لهما إمام يرجعان إليه ويعولان عند اضطراب الأمور عليه وهو الرأي الذي لا يقطع أمر دون حكمه ولا يهتدي سار في مهامه المهمات إلا بنجمه إذ كان على الشجاعة مقدما ودليله من المعقول والمنقول مسلما والمتسم به لا يزال عند الملوك مبجلا معظما لا يقدمون عليه ولدا ولا والدا ولا يؤثرون على معاضدته عضدا ولا ساعدا إن أشار برأي تمسك الملك منه بالحبل المتين أو محضه كلام نصح قال ( إنك اليوم لدينا مكين أمين )
ولما كان الجناب العالي الأميري الكبيري إلى آخر ألقابه يوسف الناصري ضاعف الله تعالى نعمته هو الذي حنكته التجارب وحلب الدهر أشطره وعرف بتقليب الأمور على ممر الزمان مخبره مع ما اشتمل عليه من الرأي الصائب والفكر الذي إذا أبدت قريحته في الارتياء عجبا أتت فطرته السليمة بالعجائب
هذا وقد علا في الدولة القاهرة مقامه ورشقت أغراض مقاصدها بانقضاء الآجال في الوقائع سهامه وساس العساكر فأحسن في سياستها التدبير وبذل في نفقاتها الأموال فمال فيها إلى الإسراف دون التقتير واستجلب الخواطر فأخذ منها بمجامع القلوب واقتاد النفوس الأبية قهرا فأطاعه من بين الشمال والجنوب وقام من المهمات الشريفة بما لم يسبقه إليه سابق وأتى من خوارق العادات في التنفيذ بما لم يلحقه فيه لاحق وبادر إلى ترتيب المصالح فرتبها ولم يعقه في انتهاز الفرصة عن دفع المفاسد عائق وأخذ في حط الأسعار فورد منهلا من المعروف صافيا وأمر بإبطال المعاملين فكان له عملا على توالي

الأزمان باقيا ولازم بعد رضا الله تعالى رضا ملكه ففاز بأشرف المآثر في الحديث والقديم وتأسى في تعريفه بنفسه بيوسف عليه السلام فقال ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) اقتضى حسن الرأي الشريف تنويهنا بذكره وتقديمه على غيره ممن رام هذه الرتبة فحجب دونها ( والله غالب على أمره )
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الزيني لا زال يجمع لأوليائه شمل المعالي ويرقي أصفياءه في درجات العز على ممر الأيام والليالي أن تفوض إلى المشار إليه الإشارة الشريفة التي هي أسنى المقامات وأعلاها وأقصى المرامات لدينا وأغياها مع ما انضم إلى ذلك من النظر في الوزارة الشريفة التي جل قدرها وعلا في المناصب ذكرها والخاص الذي اختص بمهماتنا الشريفة والديوان المفرد الذي غمر من ممالكنا السعيدة ذا الوظيفة وغير ذي الوظيفة وتعلقات المملكة شرقا وغربا ولوازمها المفترقة بعدا وقربا
فليتلق ما فوض إليه بيمينه التي طالما ربحت في الطاعة صفقتها ويقابله بالقبول الذي محله من القلوب مهجتها مقدما تقوى الله تعالى فيما خفي من مقاصده وظهر مؤثرا رضاه في كل ما يأتي ويذر معتمدا في المصالح اعتماد ذي اليقظة الساهر آتيا من غرائب الرغائب بما يحقق قول القائل كم ترك الأول للآخر
والوصايا كثيرة ومن بحره تستخرج دررها ومن سوابق آرائه تستوضح

أوضاحها وغررها والله تعالى يديم عليه نعم إقبالنا الباطنة والظاهرة ويتولاه من العناية بما يحقق له دائم قوله ( أنت وليي في الدنيا والآخرة ) والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه إن شاء الله تعالى

الطبقة الثانية ممن يكتب له من أرباب السيوف ذوات التواقيع وفيها وظائف
الوظيفة الأولى نظر البيمارستان لصاحب سيف
الحمد لله رافع قدر من كان في خدمتنا الشريفة كريم الخلال ومعلي درجة من أضفى عليه الإخلاص في طاعتنا العلية مديد الظلال ومجدد نعم من لم يخصه اعتناؤنا بغاية إلا رقته هممه فيها إلى أسنى رتب الكمال ومفوض النظر في قرب الملوك السالفة إلى من لم يلاحظ من خواصنا أمرا إلا سرنا ما نشاهد فيه من الأحوال الحوال
نحمده على نعمه التي لا تزال تسري إلى الأولياء عوارفها ومناهله التي لا تبرح تشتمل على الأصفياء عواطفها وآلائه التي تسدد آراءنا في تفويض القرب إلى من إذا باشرها سر بسيرته السرية مستحقها وواقفها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة رفع الإخلاص لواءها وأفاض الإيمان على وجوه حملتها إشراقها وضياءها ووالى الايقان إعادة أدائها بمواقف الحق وإبداءها
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بعموم الشفاعة العظمى

المقصوص في السنة ذكر حوضه الذي من شرب منه شربة فإنه بعدها لا يظما المنصوص على نبوته في الصحف المنزلة وبشرت به الهواتف نثرا ونظما وعلى آله وصحبه الذين فازوا من طاعته بالرتب الفاخرة وحازوا بالإخلاص في محبته سعادة الدنيا والآخرة وأقبلوا على حظوظهم من رضا الله ورضاه فلم يلووا على خدع الدنيا الساحرة صلاة دائمة الاتصال آمنة شمس دولتها من الغروب والزوال وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى الأمور بالنظر في مصالحها وأحقها بتوفير الفكر على اعتباد مناهجها واعتماد مناجحها أمر جهات البر التي تقرب بها السلطان الشهيد الملك المنصور قدس الله روحه إلى من أفاض نعمه عليه وتنوع في إنشائها فأحسن فيها كما أحسن الله إليه ورغب بها فيما عند الله لعلمه أن ذلك من أنفس الذخائر التي أعدها بين يديه وحل منها في أكرم بقعة نقله الله بها عن سريره إلى مقعد صدق عند ربه وعمر بها مواطن العباد في يوم سلمه بعد أن عفى بها معاقل الكفر في يوم حربه وأقام بها منار العلوم فعلا منالها وأعد للضعفاء بها من مواد البر والإلطاف مالو تعاطته الأغنياء قصرت عن التطاول إليه أموالها وأن نرتاد لها من إذا فوضنا إليه أمرا تحققنا صلاحه وتيقنا نجاحه واعتقدنا تنمية أمواله واعتمدنا في مضاعفة ارتفاعه وانتفاعه على أقواله وأفعاله وعلمنا من ذلك مالا نحتاج فيه إلى اختبار ولا اعتبار ولا يحتاج في بيان الخيرة فيه إلى دليل إلا إذا احتاج إليه النهار لنكون في ذلك بمثابة من ضاعف لهذه القرب أسباب ثوابها أو جدد لها وقفا لكونه أتى بيوت الإحسان في ارتياد أكفاء النظر لها من أبوابها
ولما كان فلان هو الذي نبهت أوصافه على أنه ما ولي أمرا إلا وكان فوق ذلك قدرا ولا اعتمد عليه فيما تضيق عنه همم الأولياء إلا رحب به صدرا ولا طلع في أفق رتبة هلالا إلا وتأملته العيون لأجل رتب الكمال بدرا يدرك ما نأى من مصالح ما يليه بأدنى نظر ويسبق في سداد ما يباشره على ما يجب سداد الآراء ومواقع الفكر ونحن نزداد غبطة بتدبيره ونتحقق أن كل ما عدقنا به إليه

من أمر جليل فقد أسندناه إلى عارفه وفوضناه إلى خبيره اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق بجميل نظره هذا المهم المقدم لدينا وأن نفوض إليه نظر هذه الأوقاف التي النظر في مصالحها من آكد الأمور المتعينة علينا
فرسم بالأمر الشريف لا زال فضله عميما وبره يقدم في الرتب من كان من خواص الأولياء كريما أن يفوض إليه كيت وكيت
فليل هذه الرتبة التي أريد بها وجه الله وما كان لله فهو أهم وقصد بها النفع المتعدي إلى العلماء والفقراء والضعفاء ومراعاة ذلك من أخص المصالح وأعم ولينظر في عموم مصالحها وخصوصها نظرا يسد خللها ويزيح عللها ويعمر أصولها ويثمر محصولها ويحفظ في أماكنها أموالها ويقيم بها معالم العلوم في أرجائها ويستنزل بها مواد الرحمة لساكنها بألسنة قرائها ويستعيد صحة من بها من الضعفاء بإعداد الذخائر لملاطفة أسقامها ومعالجة أدوائها ويحافظ على شروط الواقف في إقامة وظائفها واعتبار مصارفها وتقديم ما قدمه مع ملاءة تدبيره باستكمال ذلك على أكمل ما يجب وتمييز حواصلها بما يستدعي إليها من الأصناف التي يعز وجودها ويجتلب وضبط تلك الحواصل التي لا خزائن لها أوثق من أيدي أمنائه وثقاته ولا مودع لها أوفق من أمانة من يتقي الله حق تقاته فلذلك وكلناه في الوصايا إلى حسن معرفته واطلاعه ويمن نهوضه بمصالحنا واضطلاعه إن شاء الله تعالى

الوظيفة الثانية نظر الجامع الطولوني
من إنشاء المقر البدري ابن المقر العلائي بن فضل الله صاحب ديوان

الإنشاء الشريف في الدولة الظاهرية برقوق كتب به المقر الشمسي العمري كاتب الدست الشريف لأبي يزيد الدوادار وهي
الحمد لله الذي أقام من أوليائنا خير ناظر يقر به كل ناظر وأدام بنا بناء المعروف الزاهر وحسنه الباهر وأنام الأنام في مهاد الأمن بانتقاء ولي لسان الكون حامد له ومادح وشاكر وفتح أبواب السعادة باصطفاء صفي طاب بسفارته كل خاطر من مقيم وخاطر ومنح أسباب السيادة بأوفى وفي عمر بوجوده الوجود وغمر بجوده كل باد وحاضر وأبصر بالدين المتين والفضل المبين فأقمناه للنظر على بيوت الله تعالى لأولويته بذلك ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر )
نحمده على نعمه التي ظهرت بالمزيد فسرت السرائر وظهرت بنور الرشد المديد فأشرق بها الباطن والظاهر ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز القادر شهادة صدقت في الإخلاص بها الألسنة والضمائر ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله معدن الأسرار وبحر الجود الزاخر ومنبع الأنوار صاحب الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة والمفاخر الذي يبعثه الله مقاما محمودا يحمده الأوائل والأواخر وعلى آله وأصحابه النجوم الزواهر الذين جاهدوا في الله حق جهاده فكان كل منهم للدين الحنيف أعظم مجتهد ومؤيد وناصر وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من ألقيت إليه مقاليد الأمور وصرفناه في جميع مصالح

الجمهور وفوضنا إليه النظر في بيوت الله تعالى ليعمرها بنظره السعيد وتضاعف له الأجور ومكنا له في دولتنا الشريفة حتى صار قطب فلكها عليه تدور وبسطنا يده ولسانه فهو ينطق عنا ويأمر بالقضاء والقدر في الورود والصدور وقيدنا الأرزاق بقلمه والمهمات بكلمه فلا فضل إلا من فيضه المنشور من امتاز على غيره بفضيلتي السيف والقلم وتقدم في الطاعة الشريفة بأثبت قدم كان بها من السابقين الأولين من القدم واتصف بالشجاعة والشهامة والمعرفة التامة والحلم والعدل والحكم فهو الترجمان عنا الناطق بفصل الخطاب في السر للترك والعرب والعجم وعرف بالرأي السديد والنظر السعيد والتدبير الحميد والقول المفيد والجود والكرم وطبع على الخير الجزيل والدين الجميل عمره في الحق قائم لا تأخذه في الحق لومة لائم طالما أحيا بحسن السفارة من العدم
( هو واحد في الفضل والنظر السعيد ... لأبي سعيد )
( فمن الذي يحكيه في الشرف العتيد ... بطل الوغى أبو يزيد )
قد تفرد في العفة والديانة والثقة والأمانة والتحف بالصفا وتردى بالوفا وشفى بالخير والجبر من كان بالفقر على شفا فحصل له الشفا ووفى بالعهود والمواثيق وذلك أمر ما خفى ولحق في الجود والدين بسميه أبي يزيد البسطامي الولي
( قالوا الولي أبو يزيد قد مضى ... وهو الفريد بفضله والصادق )

( قلت الأمير أبو يزيد مثله ... هذاك سابقه وهذا اللاحق )
ولما كان فلان هو المشار إليه بهذه الصفات الحسنة والمناقب التي تنوعت في مدائحها الألسنة وعرف بالجود فملك حبه الأفئدة فارتفعت الأصوات بالدعاء له معلنة طالما أنال النعم وأزال النقم وجبر القلوب وكشف الكروب وجلا ظلام الخطوب ونشر المعروف وأغاث الملهوف وأنقذ من المهالك وعمر بتدبيره الممالك ووصل الأرزاق وأجرى الأطلاق على الإطلاق اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعتمد في جميع الأشياء عليه ونلقي مقاليد الأمور إليه وننوط به المهمات وغيرها ليكون العلم بالكليات والجزئيات لديه
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يتحف بالمزيد من كرمه ويسبغ جلابيب نعمه ويجري بحر فضله الواسع ويعم بنظره المقربين من أوليائه كل جامع للخير جامع أن يستقر
فليتلق هذا التفويض الجليل بقبوله ويبلغ الجامع المذكور ما يرتقبه من عمارته التي هي غاية مأموله ومنه تؤخذ الوصايا لأنه لساننا الناطق وسفير مملكتنا العالم بالحقائق والدقائق فلا يحتاج أن يوصى ولا أن نفتح معه في الوصية بابا وما يصلح أن يقال لغيره لا يجوز أن يكون خطابا
( ومثلك لا يدل على صواب ... وأنت تعلم الناس الصوابا )
والله تعالى يؤيد في القول والعمل ويعم بوجوده وجوده الوجود وقد فعل ويبقيه مدى الدهر ويستخدم لسعوده الساعة واليوم والجمعة والشهر ويجعل بابه الطاهر مفتوحا للقاصدين على الدوام ويقيمه واسطة عقد الملك

فإنه مبارك أينما كان ورحمة للأنام والاعتماد على الخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى

الوظيفة الثالثة نقابة الأشراف
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية في المقالة الثانية أن موضوعها التحدث على الأشراف وهم أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من فاطمة بنت رسول الله
قلت وقد جرت العادة أن الذي يتولى هذه الوظيفة يكون من رؤوس الأشراف وأن يكون من أرباب الأقلام وإنما أوردته مع أرباب السيوف لأن المقر الشهابي بن فضل الله قد ذكر في بعض دساتيره الشامية أنه يكتب لنقيب الأشراف الأميري ولا يكتب له القضائي ولو كان صاحب قلم وقد رأيت له عدة تواقيع على ذلك مكتتبة من الأبواب السلطانية وعن نائبي الشام وحلب وغيرهما معبرا عنه فيها بالأميري وتوقيعه في قطع الثلث مفتتح بخطبة مفتتحة بالحمد لله
وهذه نسخة توقيع بنقابة الأشراف وهي
الحمد لله مشرف الأنساب وموفي الأحساب حقوق ملاحظتهم بغير حساب وجاعل أيامنا الشريفة تحمد الاكتساب
نحمده بمحامد حسنة الإيجاد والإيجاب ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا شك في مقالها ولا ارتياب ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيه الذي أنزل عليه الكتاب وشرف به الذراري من شجرته المباركة الأعقاب وعلى آله وصحبه صلاة لا تتوارى شمسها بحجاب
وبعد فإن خير ما صرفت الهمم إلى تشييد مبانيه وتقييد مهمل رواعيه

وملاحظة قاصيه ودانيه المحافظة على كل ما يرفع قدر الآل ويعليه ويرد إليهم عنان الاعتناء ويثنيه
ولما كانت العترة الطاهرة النبوية وراث الوحي الذين آل إليهم ميزاته وأهل البيت الذين حصل لهم من السؤدد آياته وقد سأل الله وهو المسؤول لهم القربى وخصهم بمزايا حقيق بمثل متصرفهم أنه بها يحبى وأنها لهم تجبى لما في ذلك من بركات ترضي سيد المرسلين وتعجبه ويسطر الله الأجر لفاعله ويكتبه وكان لا بد لهم من رئيس ينضد سلكهم وينظمه ويعظم فخرهم ويفخمه ويحفظ أنسابهم ويصقل بمكارمه أحسابهم وينمي بتدبيره ريعهم ويتابع تحت ظل هذه الشجرة الزكية ما زكى ينعهم ويحفظهم في ودائع النسل ويصد عن شرف أرومتهم من الأدعياء المدعين بكل بسل ويحرس نظامهم ويوالي إكرامهم ويأخذهم بمكارم الأخلاق ويمدهم بأنواع الإرفاد والإرفاق ويتولى ردع جانيهم إذا لم يسمع ويتدبر فيه قوله أنفك منك وإن كان أجدع
ولما كان فلان هو المشار إليه من بني هذه السلالة وله من بينهم ميزة باطنة وظاهرة وإن كانوا كلهم شيئا واحدا في الإجلال والإعظام فقد تميزت من بين الأنامل السبابة على الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام وكم ثمر جني فضل بعضه على بعض في الأكل وهو يسقى بماء واحد وقد امتاز على بني هاشم سيد المرسلين اقتضى حسن الرأي المنيف أن رسم بالأمر الشريف لا برح يختار وينتقي ويجتبي من يخشى

الله ويتقي أن تفوض إليه نقابة الأشراف الطالبيين على عادة من تقدمه من النقباء السادة
فليجمع لهم من الخير ما يبهج الزهراء البتول فعله ويفعل مع أهله وقرابته منهم ما هو أهله وليحفظ مواليدهم ويحرز أسانيدهم ويضبط أوقافهم ويعتمد إنصافهم ويثمر متحصلاتهم ويكثر بالتدبير غلاتهم ويأخذ نفسه بمساواتهم في جميع حالاتهم وليأخذهم بالتجمع عن كل ما يشين والعمل بما يزين حتى يضيفوا إلى السؤدد حسن الشيم وإلى المفاخر فاخر القيم وكل ما يفعله معهم من خير أو غيره هو له وعليه ومنه وإليه والله يحفظه من خلفه ومن بين يديه بمنه وكرمه
وهذه نسخة وصية لنقيب الأشراف أوردها في التعريف فقال
ونحن نجلك عن الوصايا إلا ما نتبرك بذكره ويسرك إذا اشتملت على سره فأهلك أهلك راقب الله ورسوله جدك فيما أنت عنه من أمورهم مسؤول وارفق بهم فهم أولاد أمك وأبيك حيدرة والبتول وكف يد من علمت أنه قد استطال بشرفه فمد إلى العناد يدا واعلم أن الشريف والمشروف سواء في الإسلام إلا من اعتدى وأن الأعمال محفوظة ثم معروضة بين يدي الله فقدم في اليوم ما تفرح به غدا وأزل البدع التي ينسب إليها أهل الغلو في ولائهم والعلو فيما يوجب الطعن على آبائهم لأنه يعلم أن السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا منزهين عما يدعيه خلف السوء من افتراق ذات بينهم ويتعرض منهم أقوام إلى ما يجرهم إلى مصارع حينهم فللشيعة

عثرات لا تقال من أقوال ثقال فسد هذا الباب سد لبيب واعمل في حسم موادهم عمل أريب وقم في نهيهم والسيف في يدك قيام خطيب وخوفهم من قوارعك مواقع كل سهم مصيب فما دعي بحي على خير العمل إلى خير من الكتاب والسنة والإجماع فانظم في نادي قومك عليها عقود الاجتماع ومن اعتزى إلى اعتزال أو مال إلى الزيدية في زيادة مقال أو ادعى في الأئمة الماضين مالم يدعوه أو اقتفى في طرق الإمامية بعض ما ابتدعوه أو كذب في قول على صادقهم أو تكلم بما أراد على لسان ناطقهم أو قال إنه تلقى عنهم سرا ضنوا على الأمة ببلاغه وذادوهم عن لذة مساغه أو روى عن يوم السقيفة والجمل غير ما ورد أخبارا أو تمثل بقول من يقول عبد شمس قد أوقدت لبني هاشم نارا أو تمسك من عقائد الباطن بظاهر أو قال إن الذات القائمة بالمعنى تختلف في مظاهر أو تعلق له بأئمة الستر رجاء أو انتظر مقيما برضوى عنده عسل وماء أو ربط على السرداب فرسه لمن يقود الخيل يقدمها اللواء أو تلفت بوجهه يظن عليا كرم الله وجهه في الغمام أو تفلت من عقال العقل في اشتراط العصمة في الإمام فعرفهم أجمعين أن هذا من فساد أذهانهم وسوء عقائد أديانهم فإنهم عدلوا في التقرب بأهل هذا البيت الشريف عن مطلوبهم وإن قال قائل إنهم طلبوا فقل له ( كلا بل ران على قلوبهم )

وانظر في أمور أنسابهم نظرا لا يدع مجالا للريب ولا يستطيع معه أحد أن يدخل فيهم بغير نسب ولا يخرج منهم بغير سبب وساوق المتصرفين في أموالهم في كل حساب واحفظ لهم كل حسب وأنت أولى من أحسن لمن طعن في أسانيد هذا الحديث الشريف أو تأول فيه على غير مراد قائله تأديبا وأراهم مما يوصلهم إلى الله تعالى وإلى رسوله طريقا قريبا ونكل بمن علمت أنه قد مالأ على الحق أو مال إلى فريق الباطل فرقا وطوى صدره على الغل وغلب من أجله على ما سبق في علم الله تعالى من تقديم من تقدم حنقا وجار وقد أوضحت لهم الطريقة المثلى طرقا واردعهم إن تعرضوا في القدح إلى نضال نصال وامنعهم فإن فرقهم كلها وإن كثرت خابطة في ظلال ضلال وقدم تقوى الله في كل عقد وحل واعمل بالشريعة الشريفة فإنها النسب الموصول الحبل
واعلم أن المقر الشهابي بن فضل الله قد ذكر في التعريف عدة وصايا لجماعة من أرباب السيوف لم يكتب لأحد منهم في زماننا بل رفض استعمالها وأهمل ونحن نذكرها حفظا لذكرها واحتياطا أن يقتضي الحال في زمن كتابة شيء منها
إحداها وصية أتابك المجاهدين
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أن أصله أطابك بالطاء المهملة ومعناه الأب الأمير وأن أول من لقب بذلك زنكي أطابك صاحب الموصل ثم غلبت فيه التاء المثناة بدل الطاء وهي
وأنت ابن ذلك الأب حقيقة وولد ذلك الوالد الذي لم تعمل له إلا من

دماء الأعداء عقيقة وقد عرفت مثله بثبات الجنان وصلت بيدك ووصلت إلى مالم يصل إليه رمح ولا قدر عليه سنان ولم يزاحمك عدو إلا قال له أيها البادي المقاتل كيف تزاحم الحديد ولا سمي اسمك لجبار إلا قال له ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) وأنت أولى من قام بهذه الوظيفة وألف قلوب هذه الطائفة التي ما حلم بها حالم إلا وبات يرعد خيفة فليأخذ هذا الأمر بزمامه وليعمل لله ولإمامه وليرم في حب البقاء الدائم بنفسه على المنية ولينادم على معاقرة الدماء زهور سكاكينه الحنية واطبع منهم زبرا تطاول السيوف بسكاكينها وتأخذ بها الأسود في عرينها وتمتد كأنها آمال لما تريد وترسل كأنها آجال ولهذا هي إلى كل عدو أقرب من حبل الوريد وأذك منهم شعلا إذا دعيت بأحسابها لا تجد إلا متحاميا وارم منهم سهاما إذا دعيت بأنسابها الإسماعيلية فقد جاء أن إسماعيل كان راميا وفرج بهم عن الإسلام كل مضيق واقلع عن المسلمين من العوانية كل حجر في الطريق وصرف رجالك الميامين وتصيد بهم فإنهم صقور ومناسرهم السكاكين واخطف بهم الأبصار فبأيمانهم كل سكينة كأنها البرق الخاطف واقطف الرؤوس فإنها ثمرات أينعت لقاطف واعرف لهم حقهم وضاعف لهم تكريما وأدم لهم بنا برا عميما وقدم أهل النفع منهم فقد قدمهم الله ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما )
واعلم أنهم مثل الوحوش فزد في تأنيسهم واشكر إقدامهم فطالما اقتحموا على الملوك وما هابوا يقظة حرسهم وارفع بعضهم على بعض درجات في نفقات تسافيرهم وقعود مجلسهم ولا تسو بينهم فما هم سواء ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدين في سبيل الله

بأموالهم وأنفسهم ) وأصل هذه الدعوة ما زالت تنتقل بالمواريث حتى انتهت إلينا حقوقها وأومضت بنا حيث خلعت هياكلها بجرعاء الحمى بروقها والله تعالى يوفقه ويرشده ويطول باعه لما قصرت عنه سواعد الرماح ووصلت إليه يده
الثانية وصية أستاذ الدار
وليتفقد أحوال الحاشية على اختلاف طوائفها وأنواع وظائفها وليرتبها في الخدمة على ما يجب وينظر في أمورهم نظرا لا يخفى معه شيء مما هم عليه ولا يحتجب وليبدأ بمهم السماط المقدم الذي يقدم وما يتنوع فيه من كل مطعم وما يمد منه في كل يوم بكرة والعصر وما يستدعى معه من الطوارئ التي لا يحدها الحد ولا يحصرها الحصر وأحوال المطبخ الكريم الذي منه ظهور تلك المخافي ووفاء ذلك الكرم الوافي والتقدم إلى الأمناء والمشرفين فيه بأمانة الإنفاق وصيانة المآكل مما يعاب على الإطلاق ثم أمر المشروب وما تغلق عليه أبواب الشراب خاناه السعيدة من لطائف مأكول ومشروب وشيء عزيز لا يجود إلا فيها إذا عز المطلوب ومراجعة الأطباء فيما تجري عليه قوانينها وتشب لطبخه من حمر اليواقيت كوانينها وإفراز ما هو للخاص والشريف منها وما هو للتفرقة وما لا يصرف إلا بخط الطبيب ولا يسلم إلا إلى ثقة ثم الطشت خاناه السعيدة التي هي خزانة اللباس وموضع

ما نبرز به من الزينة للناس وما يحتاج إليه من آلات التطبيب وما يعين لها من الصابون وماء الورد والطيب وغير ذلك من بقية ما هي مستقرة ويؤخذ منها مستدره ومن يستخدم بها ممن برأ من الريب وعرف بالعفاف والأدب وعلم أنه من أهل الصيانة وعلى ما سلم إليه ومن خالطه الأمانة ثم الفراش خاناه وما ينصب فيها من الخيام وما يكون فيها من فرش سفر ومقام وشمع يفضض كافور كافوريته آبنوس الظلام ثم غلمان الإصطبل السعيد والنجابة وإن كان إلى سواه استخدامهم ولدي غيره مستقرهم ومقامهم لكنهم ما خرجوا من عديده ولا يروقهم ويروعهم إلا حسن وعده وخشن وعيده ثم المناخات السلطانية وما بها من جمال وما يسرح فيها من مال وجمال ومن يستخدم فيها من سيروان ومهمرد وما فيها من قطار مزدوج وفرد فيوفر لهذه الجهة نصيبا من النظر يشاهد أمورها وقد غابت في الأقطار وتفرقت كالسحب يلزمها القطار القطار وليكونوا على باله فإنهم يسرقون الذرة من العين ومعهم الذهب العين محملا بالقنطار فليحسن منهم الارتياد وليتخير أرقهم أفئدة فإنهم بكثرة ملازمتهم للإبل مثلها حتى في غلظ الأكباد وطوائف المعاملين والأبقار ومن عليها من العاملين وزرائب الغنم وخولها ورعائها وأصناف البيوت الكريمة وما تطلبه في استدعائها ونفقات

الأمراء المماليك السلطانية في إهلال كل هلال وما يصرف في كساهم على جاري عادتهم أو إذا دعت إليه ضرورة الحال وما يؤخذ عليه خطه من وصولات تكتب واستدعاآت تحسب من لوازمه وهي للكثرة لا تحسب فليكن لهذا كله مراعيا ولأموره واعيا ولما يجب فيه دون مالا يجب مستدعيا وإليه داعيا وهو كبير البيت وإليه يرجع أمر كل مملوك ومستخدم وبأمره يؤخر من يؤخر ويقدم من يقدم ومثله يتعلم منه ولا يعلم وعصاه على الكل محمولة على الرقاب مبسوطة في العفو والعقاب ومكانه بين يدينا حيث نراه ويرانا ولدينا قاب قوسين أو أدنى من قاب
وعليه بتقوى الله فبها تمام الوصايا وكمال الشروط والأمر بها فعصاه محكمة وأمره مبسوط وكل ما يناط بنا من خاصة أمورنا في بيتنا عمره الله ببقائنا وزاد تعميره بتدبيره منوط
الثالثة وصية أمير آخور
وقد تقدم في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنه مركب من لفظين عربي وهو أمير ومعناه معروف وأخور فارسي ومعناه العلف والمعنى أمير العلف وكأنه في الأصل كان هو المتولي لعلوفة الخيل ثم ارتفعت وظيفته حتى صار صاحبها من أكبار الأمراء المقدمين وهو يتحدث في الإصطبلات السلطانية وما حوته من خيل وبغال ودواب وجمال وأثاث وغير ذلك
وهذه نسخة وصيته
وليكن على أكمل ما يكون من إزاحة الأعذار والتأهب لحركاتنا الشريفة في ليل كان أو نهار مقدما الأهم فالأهم من الأمور والأبدا فالأبدا من تقديم مراكبنا السعيدة وتهيئة موكبنا المنصور وترتيب ذلك كله على ما

جرت به العوائد وتحصيل ما تدعو الحاجة إليه على قدر الكفاية والزوائد والنظر في جميع إصطبلاتنا الشريفة والجشارات السعيدة وخيل البريد والركائب المعدة لقطع كل مدى بعيد وما يجتمع في ذلك وينقسم وما يركب منها ويجنب مما يسم الأرض بالبدور والأهلة من كل حافر ومنسم وما هو برسم الإطلاق وما يعد لمماليك الطباق وخيل التلاد وما يجلب من قود كل قبيلة من القبائل ويجيء من كل بلد من البلاد والمشترى مما يباع من المواريث ويستعرض من الأسواق وما يعد للمواكب وللسباق وليجل رأيه في ترتيب ذلك كله في مراتبه على ما تقتضيه المهمات والاحتراز في التلاد مما لعله يبدل ويقال هو هذا أو يؤخذ بحجة أنه مات وليجتهد في تحقيق ما نفق وليحرره على حكم ما يتحقق عنده لا على ما اتفق وكذلك فليكن فحصه عمن يستخدم عنده من الغلمان ولا يهمل أمورهم مع معاملتهم بالإحسان ولا يستخدم إلا من تشكر سيرته في أحواله وتعرف خبرته فيما يراد من أمثاله وكذلك الركابة الذين تملك أيديهم أعنة هذه الكرائم والتحرز في أمرهم ممن لعله يأوي إليهم من أرباب الجرائم والأوشاقية الذين هم مثل مماليكه وهم في الحقيقة إخوانه وجماعة المباشرين الذين هم في مباشرة الإصطبلات السعيدة ديوانه وكل هؤلاء يلزمهم بما يلزم أمثالهم من السلوك ويعلمهم بما

يجب عليهم أن يتعلموه من خدمة الملوك ولا يسمح لأحد منهم في أمر يفضي إلى إخلال ولا يقتضي فرط إدلال وليقم أودهم بالأدب فإن الأدب ما فيه إذلال وكل هؤلاء الطوائف ممن يتجنب العامة مخالطتهم لما طار في أيام من تقدم عن أمثالهم من سوء السمعة ويتخوف منهم السرعة فليكن لهم منك أعظم زاجر ومن شكي إليك منهم فسارع إلى التنكيل به وبادر واشهر من فعلك بهم ما يوجب منهم الطمأنينة ولا يعود أحذ بعده يكذب يقينه وأمراء أخورية الذين هم أتباعك وبهم يمتد باعك هم بحسب ما تجعلهم بصدده وما منهم إلا من يقدر أن يتعدى حده في مقام قدمه وبسط يده فاجعل لكل منهم مقاما معلوما وشيئا تجعل له فيه تحكيما وتثمين الخيول المشتراة والتقادم قومها بأهل الخبرة تقويم عدل وقل الحق ولا يأخذك فيه لوم ولا عذل وما يصرف من العليق برسم الخيول السلطانية ومن له من صدقاتنا الشريفة عليق مر بصرفه عند الاستحقاق واضبطه بالتعليق وتصرف في ذلك كله ولا تتصرف إلا تصرف شفيق وصنه بأقلام جماعة الديوان ولا تقنع في غير أوقات الضرورة برفيق عن رفيق وكذلك البراسيم السلطانية أصلا وزيادة ولا تصرف إلا ما نأمر به وإلا فلا تخرج فيه عن العادة ونزلاؤك من أمراء العربان عاملهم بالجميل وزد في أخذ خواطرهم ولو ببسط بساط الأنس لهم فما هو قليل لتتضاعف رغبتهم في كل عام وليستدلوا ببشاشة وجهك لهم على ما بعده من الإنعام وبغال الكؤوسات السعيدة والأعلام المنصورة وأثقال الخزانة العالية المعمورة اجعلها من المهمات المقدمة والمقدمات لنتائج أيام النصر المعلمة ورتبها في مواقفها وأتمها أتم ما يكون من وظائفها فبها تثبت مواقف العسكر المنصور وإليها يأوي كل مستظل ورحى الحرب تدور وغير ذلك من قماش الإصطبلات السعيدة من الذهب والفضة والحرير وكل قليل

وكثير باشره مباشرة من لا يتخلى وأحصه خرجا ودخلا وإياك والأخذ بالرخص أو إهمال الفرص أو طلب فائت جرم أهملته حتى نكص
الرابعة وصية مقدم المماليك
وقد تقدم في الكلام على أرباب الوظائف أنه يتحدث في أمر المماليك السلطانية والحكم بينهم ويركب خلفهم إذا ركب السلطان كأنه يحفظهم والوصية هي
وليحسن إليهم وليعلم أنه واحد منهم ولكنه مقدم عليهم وليأخذ بقلوبهم مع إقامة المهابة التي يخيل إليهم بها أنه معهم وخلفهم وبين يديهم وليلزم مقدم كل طبقة بما يلزمه عند تقسيم صدقاتنا الجارية عليهم من ترتيب الطباق وإجراء ساقية جارية من إحساننا إليهم ولا ينس السواق وليكن لأحوالهم متعهدا ولأمورهم متفقدا وليستعلم أخبارهم حتى لا يزال منها على بصيرة وليعرف ما هم عليه مما لا يخفى عليه فإنهم وإن لم يكونوا له أهلا فإنهم جيرة وليأمر كلا منهم ومن مقدميهم والسواقين لهم بما يلزمهم من الخدمة وليرتبهم على حكم مكانتهم منا فإن تساووا فليقدم من له قدمة وليعدل في كل تفرقة وليحسن في كل عرض ونفقة وليفرق فيهم مالهم من الكساوى ويسبل عليهم رداء الشفقة وليعد منهم لغابنا المحمي سباعا تفترس العادية وليجمل النظر في أمر الصغار منهم والكبار أصحاب الطبقات العالية وليأخذهم بالركوب في الأيام المعتادة والدخول إلى مكان الخدمة الشريفة والخروج على العادة وليدرهم في أوقات البياكير والاسفار نطاقا دائر الدهليز المنصور

وليأمرهم أمرا عاما بأن لا يركب أحد منهم إلا بدستور ولا ينزل إلا بدستور وليحترز عليهم من طوائف الغلمان ولا يستخدم منهم إلا معروفا بالخير ويقيم عليهم الضمان وليحرر على من دخل عليهم وخرج ولا يفتح لأحد منهم إلا من علم أنه ليس في مثله حرج ولا يدع للريبة بينهم مجالا للاضطراب وليوص مقدميهم بتفقد ما يدخل إليهم فإن الغش أكثره من الطعام والشراب وليدم مراجعتنا في أمرهم فإن بها يعرف الصواب وليعمل بما نأمره به ولا يجد جوى في جواب

الضرب الثاني ممن يكتب له بالولايات بالديار المصرية أرباب الوظائف
الدينية وهو على طبقتين
الطبقة الأولى أصحاب التقاليد ممن يكتب له بالجناب العالي
وتشتمل على عدة وظائف
الوظيفة الأولى القضاء
قد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب الوظائف أن الديار المصرية كان يليها قاض واحد إلى أن كانت الدولة الظاهرية بيبرس في أوائل الدولة التركية وقاضي القضاة يومئذ القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن

بنت الأعز الشافعي فاضطرب الأمر لاختلاف المذاهب فاقتضى رأي السلطان تقرير أربعة قضاة من كل مذهب قاض وقرر القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في قضاء قضاة الشافعية على حاله وكتب لكل منهم تقليد بذلك ثم خص قاضي القضاة الشافعية بالتولية في بلاد الريف دون غيره من القضاة الثلاثة واستمر الأمر على ذلك إلى الآن إلا أنه لما حدث بديوان الإنشاء تنويع ما يكتب لأرباب الأقلام إلى تقاليد في قطع الثلثين وتفاويض وتواقيع في قطع النصف تقرر الحال على أن يكتب للقضاة الأربعة تواقيع في قطع النصف بالمجلس العالي ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ولي القاضي عماد الدين أحمد الكركي الأزرقي قضاء قضاة الشافعية في أول سلطنة الظاهر برقوق الثانية وأخوه القاضي علاء الدين علي كاتب السر فعني بأخيه عماد الدين المذكور فكتب له تقليدا في قطع الثلثين بالجناب العالي وبقي الثلاثة على ما كانوا عليه من كتابة التواقيع إلى أن ولي القاضي جمال الدين محمود الحلبي القيسري المعروف بالعجمي رحمه الله قضاء قضاة الحنفية في الدولة الظاهرية أيضا مضافا إلى نظر الجيش فكتب له تقليد في قطع الثلثين بالجناب العالي أيضا وبقي المالكي والحنبلي على ما كانا عليه من كتابة التواقيع في قطع النصف ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ولي قاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي قضاء قضاة المالكية في الدولة الناصرية فرج بن الظاهر برقوق فأنشأت له تفويضا وكتبت له به ولم يكن أحد ممن

عاصرناه كتب له تفويض غيره ثم لما ولي الشيخ جمال الدين عبد الله الأقفهسي قضاء المالكية كتب له توقيع في قطع النصف إلا أنه كتب له بالجناب العالي كما يكتب لأصحاب التقاليد وجرى الأمر فيمن بعده على ذلك ولم يبق من هو على النمط الأول سوى قاضي القضاة الحنابلة ويوشك أن يكتب لكل من المالكي والحنبلي أيضا تقليد لمساواتهم بغيرهم من الأربعة وقد ذكرت ما يكتب لهم من تقاليد وتواقيع هنا جمعا للمفترق وتقريبا للمأخذ
وهأنا أذكر ما يكتب للأربعة على الترتيب
الأول قضاء القضاة الشافعية
وهذه نسخة تقليد بقضاء القضاة الشافعية كتب به لقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز رحمه الله حين استقر أحد القضاة الأربعة بعد انفراده بالوظيفة على ما تقدم وهي من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله تعالى وهي
الحمد لله مجرد سيف الحق على من اعتدى وموسع مجاله لمن راح إليه

واغتدى وموضح طريقه لمن اقتاد واقتدى ومزين سمائه بنجوم تستمد الأنوار من شمس الهدى الذي أعذب لشرعة الشريعة المحمدية ينبوعا وأقامها أصلا مد بثمار الرشد فروعا
نحمده على نعمه التي ألزمتنا لتشييد مبانيها شروعا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعمر بها من القلوب والأفواه ربوعا ونصلي على سيدنا محمد الذي أرسله الله إلى الخلائق جميعا وقام بعبء الأمر يصنع حسنا ويحسن صنيعا وعلى آله صلاة لا يبرح برقها ملموعا ولا ينفك وترها بالتسليم مشفوعا
وبعد فإن أحق من جدد له شرف التقريض وخلد له إرضاء الأحكام وإمضاء التفويض وريش جناحه وإن لم يكن المهيض وفسح مجاله وإن كان الطويل العريض ورفع قدره على الأقدار وتقسمت من سحائبه الأنواء ومن أشعته الأنوار من غزر مده فجرت منه في رياض الحق الأنهار وغدا تخشع لتقواه القلوب وتنصت لقوله الأسماع وترنو لمحياه الأبصار قد أوفد من إرشاده للأمة لطفا فلطفا وأوقد من علمه جذوة لا تخبو وقبسا بالهوى لا يطفى وفات النظراء والنظار فلا يرسل أحدا معه طرفا ولا يمد إليه من حيائه طرفا واحتوى من علوم الشريعة على ما تفرق في غيره وغدا خير دليل إلى الحق فلا يقتدى في المشكلات إلا برأي اجتهاده ولا يهتدى في المذاهب إلا بسيره وكان لفلك الشريعة المحمدية قطبا ولجثمانها قلبا ولسوارها قلبا ولدليلها برهانا ولإنسانها عينا ولعينها إنسانا فكم أرضى بني الأنام عن الأيام وكم أغضى حياء مع قدرته على الانتقام وكم أمضى لله حكما لا انفصال لعروته ولا انفصام وكم قضى بالجور في ماله وبالعدل في الأيتام فلو استعداه الليل على النهار لأنصفه من تعديه ولم يداجه لما ستره عليه من تعديه في دياجيه فهو

الصادع بما أمر الله به ولو على نفسه والمسترد الحقوق الذاهبة من غير محاباة حتى لغده من يومه وليومه من أمسه
ولما كان قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ممن هو في أحسن هذه السمات قد تصور وكادت نجوم السماء بأنواره تتكثر وتجوهر بالعلوم فأصبح حقيقة هو التاج المجوهر وله مزايا السؤدد التي لا يشك فيها ولا يرتاب وسجايا الفضل التي إذا دخل إليه غيره من باب واحد دخل هو إليه من عدة أبواب وهو شجرة الأحكام ومصعد كلم الحكام ومطلع أنجم شرائع الإسلام ومهبط وحي المقدمات والارتسام ومجتمع رفاق القضايا في الحلال والحرام خرج الأمر الشريف بتجديد هذا التقليد الشريف له بقضاء القضاة بالديار المصرية فليستصحب من الحق ما هو ملي باستصحابه وليستمر على إقامة منار الحق الذي هو موثق عراه ومؤكد أسبابه وليحتلب من أخلاف الإنصاف ما حفله اجتهاده ليد احتلابه عالما بأن كل إضاءة إنارتها من قبسه وإن استضاء بها في دياجي المنى وكل ثمرة من مغترسه وإن مد إليها يد الاجتنا وكل جدول هو من بحره وإن بسط إليه راحة الاغتراف وكل منهج هو من جادته وإن ثنى إلى سلوكه عنان الانصراف لا الانحراف وهو بحمد الله المجتهد المصيب والمادة للعناصر وإن كان نصيبه منها أوفر نصيب وسجاياه يتعلم منها كيف يوصى ويعلم ومزاياه تقوم الأود كيف يقوم والله الموفق بمنه وكرمه
الثاني قاضي قضاة الحنفية على ما استقر عليه الحال من لدن القاضي جمال الدين محمود القيسري وإلى آخر وقت وموضوعها النظر في الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ويختص نظره بمصر والقاهرة خاصة
وهذه نسخة تقليد بقضاء قضاة الحنفية كتب به لمن لقبه شمس الدين وهي

الحمد لله الذي أطلع في أفق الدين الحنيف شمسا منيرة ورفع درجة من جعله من العلم على شريعة ومن الحكم على بصيرة وقلد أمور الأمة لمن يعلم أن بين يديه كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ووفق لفصل القضاء من مشى على قدم أقدم الأئمة فسار في مذهبه المذهب أحسن سيرة الذي أدخر للحكم في أيامنا الشريفة من نفائس العلماء أفضل ذخيرة وقضى بإرجاء أمره لنختار له من تحلى به بعد العطل وكل قضاء خيرة وأيقظ عنايتنا لمن رقد الدهر عن فضله فباتت عين الاستحقاق باستقرار رتبته قريرة
نحمده حمد من توافت إليه النعم الغزيرة وتوالت عليه المنن الكثيرة في المدد اليسيرة وأخصبت في أيامه رياض الفضائل فهي بكل عالم عدم النظير نضيرة وافتتح دولته برفع منار العدل فآمال أهل الظلم عن تعاطيه قاصرة وأيدي أهل الباطل عن الامتداد إليه قصيرة وخص المناصب في ممالكه بالأكفاء فإذا تلبست بها همم غيرهم عادت خاسئة أو امتدت إليها أبصار من دونهم رجعت حسيرة
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تصلح العلن والسريرة وتصبح بها القلوب موقنة والألسن ناطقة والأصابع مشيرة ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعث الله به الرسل مخبرة وأنزل الكتب بمبعثه بشيرة واجتباه من خير أمة من أكرم أرومة وأشرف عشيرة وأظهر أنوار ملته إلا لمن أعمى الغي بصيرته وهل ينفع العمي شمس الظهيرة وخصه بالأئمة الذين وفقهم للاستعانة بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة وجعل علماءهم ورثة الأنبياء فلو ادعيت لأحكامهم العصمة لكانت بذلك جديرة وعلى آله وصحبه صلاة نتقرب بدوامها إلى الله فيضاعفها لنا اضعافا كثيرة وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى الأمور بأن تشاد قواعده وتتعهد معاهده ويعلى مناره

وتفاض بطلوع شمسه أنواره ويحلى به بعد العطل جيده وينظم في سلك عقود الأمة فريده وتكمل به قوى الدين تكملة الأجساد بقوى الطبائع الأربع وتعمر به ربوع الملة التي ليس بعدها من مصيف لملة ولا مربع وتثبت به قوائم الشرع التي ما للباطل في إمالة بعضها من مطمع وتجلى به عمن ضاق عليه المجال في بعض المذاهب الغمة ويستقر به عدد الحكام على عدد الأئمة المستقر على عدد الخلفاء الراشدين من خلفاء الأمة ويمد به على الخلق جناح الرحمة وافر القوادم وارف الظلال ويجمع به عليهم ما جمع الله في أقوال أئمتهم من الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال أمر القضاء على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه الذي اشتق الله له من الملة الحنيفية نسبة سرت في الآفاق وأفاض عليه من مواد القياس الجلي كنوزا نمت على الإنفاق وعضد أيامه بوليي عهد قولهما حجة فيما تفردا به من الخلاف أو اجتمعا عليه من الوفاق وعد من التابعين لقدم عهده وسمي سراج الأمة لإضاءة نوره بهما من بعده
ولما خلا بانتقال مباشره إلى الله تعالى توقف مدة على ارتياد الأكفاء وارتياء من هو أهل الاصطفاء واختيار من تكمل به رفعة قدره ويعيد لدسته بتصدره على بساط سليمانه بهجة صدره ويغدو لسر إمامه بعد إماتة هذه الفترة باعثا ويصبح وإن كان واحد عصره لأبي يوسف ثانيا ولمحمد بن الحسن ثالثا ويشبه به البلخي زهدا وعلما والطحاوي تمسكا بالسنة وفهما ويغترف القدوري من بحره ويعترف الحصري بالحصر عن إحصاء فضله وحصره

ويقف من مذهب ابن ثابت على أثبت قدم وينتمي من فقه النعمان إلى فرع زاك وأصل ثابت وينشر من أحكامه ما إن وافق الأئمة فهو حجة قاطعة ومحجة ساطعة أو خالفهم بمذهبه فهو رحمة واسعة ونعمة وإن كانت بين الطرق فارقة فإنها على الحق جامعة
ولما كان فلان هو المنتظر لهذه الرتبة انتظار الشمس بعد الغسق والمرتقب لبلوغ هذه المنزلة التي تقدمت إليها بوادر استحقاقه في السبق والمعطوف على من وصف من الأئمة وإن تأخر عن زمانه عطف النسق وهو الذي ما دام يعدل دم الشهداء مداد أقلامه وتضع الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع من نقل خطواته في طلب العلم وسعي أقدامه ودخل في خشية الله تعالى في زمرة من حصر بإنما وهجر المضاجع في طاعة الله لتحصيل العلم فلو عدت هجعاته لقلما وهجر في إحراز الفضائل فقيد أوابدها وأحرز شواردها ولجج في بحار المعاني فغاص على جواهرها ونظر نظرة في نجوم العلوم فاحتوى على زهرها وراد خمائل الفضائل فاستولى على أزاهرها وانتهى إليه علم مذهبه فبرز على من سلف وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره وما وقف ونحا نحو إمامه فلو قابله يعقوب مع معرفته في بحث لانصرف وتعين عليه القضاء وإن كان فرض كفاية لا فرض عين وقدمه الترجيح الذي جعل رتبته همزة استفهام ورتبة غيره بين بين اقتضى رأينا الشريف اختصاصه بهذا التمييز والتنبيه على فضله البسيط بهذا اللفظ الوجيز
فلذلك رسم أن يفوض إليه كيت وكيت فليتول هذه الرتبة التي أصبح فيها عن رسول الله نائبا وبشرعه قائما ويتقلدها تقلد من يعلم أنه قد أصبح على حكم الله مقدما وعلى الله قادما ويتثبت تثبت من يعتصم بالله في حكمه فإن أحد الخصمين قد يكون ألحن بحجته وإن كان ظالما ويلبس لهذا

المنصب حلة تمنع المبطل من الإقدام عليه وتدفع الظالم عن التطاول إلى أمر نزعه الشرع من يديه وتؤمن الحق من امتداد يدي الجور والحيف إليه وليسو بين الخصمين في مجلسه ولحظه ويعدل بينهما في إنصاته ولفظه ليعلم ذو الجاه أنه مساو في الحق لخصمه مكفوف باستماع حجته عن الطمع في ظلمه ولا ينقض حكما لم يخالف نصا ولا سنة ولا إجماعا وليشارك فيما لا يجهله من القضايا غيره من العلماء ليتزيد بذلك مع اطلاعه اطلاعا وليغتنم في ذلك الاستعانة بآرائهم فإن الله تعالى لا ينتزع هذا العلم انتزاعا وليسد مسالك الهوى عن فكره ويصرف دواعي الغضب لغير الله عن المرور بذكره وليجعل العمل لوجه الله نتيجة علمه وليحكم بما أراه الله ( والله يحكم لا معقب لحكمه ) إن شاء الله تعالى
الثالث قاضي قضاة المالكية
وهذه نسخة تقليد بقضاء قضاة المالكية لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي المقدم ذكره في العشر الأخير من رجب الفرد سنة أربع وثمانمائة وهو
الحمد لله الذي شفع جلال الإسلام بجماله وناط أحكامه الشرعية بمن اقترن بحميد مقاله جميل فعاله وخص مذهب عالم المدينة بخير حاكم ما جرى حديثه الحسن يوما إلا وكان معدودا من رجاله وعدق النظر في أحكامه بأجل عالم لو طلب له في الفضل مثل لعجز الزمان أن يأتي بمثاله
نحمده على أن أخلف من النبعة الزكية صنوا زاكيا وأدال من الأخ

الصالح أخا للعلوم شافيا ولمنصبه العلي ولله الحمد وافيا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مجرد سيف الحق على كل مبطل معاند ومرهف حده القاضب لكل ملحد عن سواء السبيل حائد وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبي فاق الأنام بفضله وعم البرية بعدله وسد باب التوبة على متنقصه فلم تكن لتقبل توبة مثله وكان إلى مالك مصيره فلا جرم قضى بإهدار دمه وتحتم قتله وعلى آله وصحبه الذين ذبوا عن حمى الدين وذادوا وسلكوا سبيل المعدلة إذ حكموا فما ضلوا عن سنن الطريق ولا حادوا صلاة تبقى ببقاء الدهور ولا تزول بهجة جمالها بتوالي الأعوام والشهور وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن أولى ما قصر عليه النظر واستغرقت فيه الفكر وعرا العيون فيه السهر وصرفت إليه الهمم ورغبت في البراءة من تخلفه الذمم النظر في أمر منصب الشرع الشريف الذي يأوي الملهوف إلى ظله ويلجأ المستجير إلى عدله ويتعلق العفاة بوثيق عروته ومتين حبله وبرهبته يكف الظالم عن ظلمه وينتصف الخصم من خصمه ويذعن العاصي إلى طاعته وينقاد الأبي إلى حكمه ويأتم به الحائر في دجى الجهل فيستضيء بنوره ويهتدي بنجمه لا سيما مذهب مالك الذي لم يزل للدين من أهل الإلحاد مثئرا وللقصاص من أهل العناد مبتدرا وبسل سيف الحق على الطغاة المتمردين مشتهرا ففاز من سطوات الإرهاب بأرفع المراتب وعلا رقاب الملحدين بأرهف القواضب وخص من سفك دماء المبطلين على البت بما لم يشاركه فيه غيره من المذاهب فوجب أن يختار له من ينص الاختبار على أنه أهل للاختيار ويقطع المنافس أنه الراجح وزنا عند الاعتبار وتأخذ مناقبه البسيطة في البسط فلا تنفد إذا نفدت مناقب غيره المركبة عند الاختصار ويشهد له ضده بالتقدم في الفضل وإن لم تتقدم منه دعوى ويعترف له بالاستحقاق خصمه فيتمسك من عدم الدافع فيه بالسبب الأقوى ويحكم له بعلو الرتبة مناوئه فيرتفع الخلاف وتنقطع النجوى ويسجل له حاسده بثبوت المفاخر المحكوم بصحتها فلا ينقضها حاكم وإن بلغ

من تدقيق النظر الغاية القصوى وتنفذ أحكامه في البرية فلا يوجد لها مخالف وتحذر شيعة الباطل سطوته فلا يرى لباطل محالف ويشتهر عنه من نصرة الحق ما يأمن معه المستضعف الخائف ويتحقق فيه من قيام العدل ما يرتدع به الظالم الحائف ويستوي عنده في لزوم الحق القوي والضعيف ولا يفرق في لازمه بين المشروف والشريف ولا يميز في حمل الأعباء الشرعية بين الشاق وغيره ولا بين الثقيل والخفيف ولا يحابي قريبا لقرابته ولا جليلا لجلالته ولا ظالما خوف ظلمه ولا ذا استطالة لاستطالته ولا يستزله ذو لسن للسنه ولا بليغ لبلاغته ولا يخالف بين الصديق الملاطف وغيره إلا في منع قبول شهادته
ولما كان المجلس العالي القاضوي الكبيري الإمامي العالمي الصدري الرئيسي الأوحدي العلامي الكاملي الفاضلي المفيدي الفريدي الحجي القدوي الخاشعي الناسكي الحاكمي الجمالي جمال الإسلام شرف الأنام حاكم الحكام أوحد الأئمة مفيد الأمة مؤيد الملة معز السنة شمس الشريعة سيف المناظرين لسان المتكلمين حكم الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين أبو المحاسن يوسف البساطي المالكي أدام الله تعالى نعمته هو المراد من هذه الصفات التي وقعت من محله الكريم موقعها والمقصود من هذه السمات التي ألفت من سيرته الفاضلة موضعها وقارع صفاة هذه الذروة التي ما كان ينبغي لغيره أن يقرعها وشمس الفضل الحقيق بمثلها أن لا يتوارى جمالها بحجاب الغروب وفاصل مشكلات القضايا إذا اشتد إشكالها وعظمت في فصلها الخطوب ومتعين الولاية التي إذا كانت في حق غيره على الإباحة كانت في حقه على الوجوب وقد درب الأحكام وخبرها وعرف على التحقيق حالها وخبرها وورد من مشاربها الرائقة أصفى المناهل فأحسن وردها وصدرها ونفست جواهر فوائده ففاقت جواهر المعادن وغطت محاسن فضله فضائل غيره ولا تنكر المحاسن ليوسف وهو أبو المحاسن فعلومه المدونة بالبيان والتحصيل كافلة ومقدمات تنبيهاته بنتائج النوادر الحسنة متواصلة وتهذيب ألفاظه المنقحة تؤذن

بالتحرير وعيون مسائله المتواردة لا تدخل تحت حصر ولا تقدير فلو رآه مالك لقال ما أعظم هذه الهمة أو أدركه ابن القاسم لوفر من الثناء عليه قسمة أو عاصره ابن عبد الحكم لحكم له بأن سهمه قد اصاب الغرض وغيره أطاش الريح سهمه أو عاينه أشهب لقال قد ركب هذا الشهباء أنى يلحق أو سمع ابن وهب كلامه لقطع بأنه هبة ربانية وبمثله لم يسبق أو بلغ ابن حبيب خبره لأحب لقاءه أو بصر به سحنون لتحقق أنه عالم المذهب ما وراءه أو استشعر بقدومه ابن سيرين لبشر به أو جاوره ابن عوف لعاف مجاورة غيره أو مجاوزة طنبه أو جالسه ابن يونس لتأنس بمجالسته أو حاضره أبو الحسن بن القصار لأشجى قلبه بحسن محاضرته أو جاراه القاضي عبد الوهاب لقضى بعلو مكانته أو اتصل ذكره بالمازري لزرى على مازر لبعدها عن دار إقامته أو اطلع القاضي عياض على تحقيقاته لاستحسن تلك المدارك أو ناظره ابن عبد السلام لسلم أنه ليس له في المناظرة نظير ولا في تدقيق البحث مشارك أو مر به ابن الجلاب لجلب فوائده إلى بلاده أو حضره ابن الحاجب لتحقق أنه جامع الأمهات على انفراده
هذا وقد حف بجلال لا عهد لأحد مثله ولا طاقة لفاضل بمقاومة فضله ولا يسمح الزمان بنظيره من بعده كما لم يسمح به من قبله فاجتمع من جمال الجلال وجلال الجمال ما لم يكن ليدخل تحت الإمكان وعزز عددهما من أعلام الأئمة بثالث ورابع فقام بناء الدين من المذاهب الأربعة على أربعة أركان ولا عبرة بما يذهب إليه الذاهبون من كراهة التربيع تبعا للمنجمين في اعتقادهم الفاسد فقد ورد أن زوايا الحوض على التربيع وذلك فيه أعظم دليل وأقوم شاهد
وكان مذهب مالك رحمه الله هو المراد من هذه الولاية بالتخصيص والمجلس الجمالي المشار إليه هو المقصود بهذا التفويض بالتنصيص اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوفي مرتبته السنية حقها ونبوئ النعم مستحقها ونملك

رقاب المعالي مسترقها ونقدم على طائفة المالكية من أضحى لهم جمالا ونتحفهم بمن أمسى لعزهم كمالا ونفوض قضاء مذهبهم إلى من إذا جرى في ميدان حكمه قالت محاسن قضاياه هكذا هكذا وإلا فلا لا ونسند الأحكام الشرعية إلى من هو بها أعرف ونقفها على من عرف أنه على الحقائق ماض وعند السنة يتوقف ونعدق أمرها بمن ألف النزاهة فنكرة المطامع عنده لا تتعرف ونكل النظر فيها إلى من أمسى لشروط الاستيجاب جامعا ونقدم في ولاية هذا المنصب من شفع له استحقاقه وكفى بالاستحقاق شافعا
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يبسط لأوليائه من بساط الأنس ما كان مطويا وينيلهم من رغائب الآمال ما كان عنهم من سالف الأزمان مزويا أن يفوض إليه قضاء قضاة مذهب عالم المدينة وإمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي قدس الله تعالى روحه فليتلق ما فوض إليه بأفضل تلق يليق بمثله ويتقبله تقبلا يناسب رفعة محله ويبتهج بأجل تفويض لم يسمح بتمنيه لآخر من قبله
ومن أهم ما نوصيه به ونوجه القول إليه بسببه تقوى الله تعالى التي هي ملاك الأمر كله وقوام الدين من أصله والاشتمال عليها في سره وجهره والعمل بها في قوله وفعله ثم بر الخلق والإحسان إليهم والتجاوز عنهم إلا فيما أوجبه الشرع من الحقوق عليهم ففي التقوى رضا الله وفي البر رضا الخلق وناهيك بجمعهما من رتبة فاخرة إذ لا شك أن من حصل رضا الله ورضا الخلق فقد حصل على خير الدنيا والآخرة ووراء ذلك قاعدة في الوصايا جامعة وتذكرة لذوي الذكرى نافعة وهي أن يتأمل أحوال غيره تأمل من جعلها لنفسه مثالا ولنسجة منوالا فما استحسنه منها أتى مثله وما استقبحه تجنب فعله واقفا في ذلك عند ما وردت به الشريعة المطهرة بنص صريح أو تأويل صحيح معرضا عن العقليات المحضة فلا مجال للعقل في تحسين ولا تقبيح
وأما أدب القضاء الجاري ذكر مثله في العهود والنظر في أمر النواب

وكتاب الحكم والشهود فهو به أدرب وأدرى وبمعرفة ذلك لهم وعليهم أحق وأحرى غير أنا نوصيه بالتثبت في أمر الدماء وعلاقتها وتحقق حكمها قبل الحكم بإراقتها فإن ذلك لمادة القلق فيها أحسم ومن تبعاتها في الدارين أسلم والوصايا كثيرة ولكنها منه تستفاد وعنه تؤخذ وإليه تعاد والله تعالى يتولاه ويحوطه فيما ولاه ويديم عليه هذه النعمة فما فوق منصبه منصب يتمناه والاعتماد إن شاء الله تعالى
وكتب لست إن بقين من شهر رجب الفرد عام أربع وثمانمائة حسب المرسوم الشريف بمقتضى الخط الشريف
وهذه نسخة توقيع بقضاء القضاة الحنفية بدمشق من إنشاء القاضي ناصر الدين ابن النشائي وهي
الحمد لله الذي جعل منار الشرع الشريف مستمرا على الدوام وشمل منصب الحكم العزيز للعالم بعد العالم على ممر الأيام وأجمل انتخاب من يقوم بأعباء القضايا ومن تدوم به مزايا السجايا فيتخير لذلك الإمام بعد الإمام وأقبل بوجه اجتبائه على ولي نتأكد بإنصاته وإنصافه إحكام الأحكام وعدل باعتنائه إلى تعيين من ترتفع به في العلوم أعلام الإعلام ومن يتأيد به الحق في كل نقض وإبرام
نحمده على نعمه الوافرة الأقسام السافرة اللثام عن وجوه الزيادة الوسام ونشكره على مننه الجسام ومواهبه التي لا تبرح ثغور إحسانها لذوي الاستحقاق واضحة الابتسام

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة كفيلة بالمرام منيلة للإكرام جميلة التلفظ والالتئام جزيلة الكنف والاعتصام ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقام الله به شعائر الإسلام وأظهر شرائع الدين الحنيف بحسام نصره الحسام وأورث من أهله من أمته كنوز العلوم التي لا تنفد فوائدها مع كثرة الإنفاق مدى السنين والأعوام وعلى آله وصحبه الذين هادوا المؤمنين بإلهام الكلام وعدوا على المشركين بسهام الكلام وأبدوا من إرشادهم إلى خفايا القضايا ما يظهر بتهذيبهم ظهور بدر التمام صلاة دائمة باقية تجزل لقائلها الأجر التام وترسل إليه سحائب المواهب هاطلة الغمام وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من تذهب به مذهبه وتحلى به محل الشرع الشريف ومنصبه وأنار بنور إرشاده ليل الشك وغيهبه وسهل بتقريبه على فهم الطالب مطلبه وهمى به وابل العلم وصيبه وأتيح به للمستفيد كنز الفوائد التي يدنو بها أربه وشيم من برق شيمه بالشام ما وجد في الجود صادقه وفقد خلبه من علا في العلوم نسبه وتأكد في الدين سببه وشيد مبني المعالي معربه وصقل مرايا الأفهام مهذبه وزاحم منكب الجوزاء في ارتفاع القدر منكبه وجمل مواكب المباحث في الأصول والفروع موكبه وسحت بدقائق الحقائق سحبه واشتاق إلى قربه موطن الحكم العزيز فما زال يرتقبه وارتاح الزمان إلى عفافه وإنصافه فأرشد حيث نختاره لذلك وننتخبه
ولما كان المجلس العالي أيد الله أحكامه هو الذي أرشد الطالبين في البداية وأفاد المنتهين درجات النهاية وأفهم

المستفيدين صواب الهداية وغدا سابقا في حلبة العلماء إلى أقصى غاية كم قرب إلى الأذهان غامض المشكل وأوضح مفهومه وكم أشاع فرائد فوائده التي طبق الأرض بها علومه وكم أباح لقط ألفاظه المشحونة بالحكم فتحلى الناس بدررها المنثورة والمنظومة مع ما له من دين متين واستحقاق للتقدم مبين وصلاح بلغ به درجات المتقين المرتقين واتباع لسنن الحق في الحكم بين الخلق عن يقين اقتضى حسن الرأي الشريف أن يقرن منصب القضاء بجماله وأن يعوض عن إمامه المفقود بإمامه الموجود ليستمر الأمر على حاله
فلذلك رسم لا زالت أئمة العلم الشريف في أيامه يخلف بعضهم بعضا وأقدارهم تدوم رفعتها مدى المدد فلا تجد نقصا ولا نقضا أن يفوض
فليباشر ذلك بعلمه المأثور وحكمه المشهور وإنصافه الذي يعدل فيه واتصافه بالحق الذي ما برح يوفيه قاضيا بين الخصوم بما أمر الله عز و جل مراقبا لخشية الله على عادته مذيعا للملة الحنيفية أنواع إفادته قاطعا بنصل نصه مشكل الإلباس جامعا في أحكامه المسددة بمقتضى مذهبه بين الكتاب والسنة والقياس والوصايا كثيرة وملاكها التقوى وهي مادته وطريقه المستقيم وجادته وما زالت عمدته التي يعتمد عليها وعدته التي يستند في إسناد أمره إليها والله تعالى يجمل الأيام بأحكامه ويبلغه من خير الدنيا والآخرة غاية مراده ومرامه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية أيضا أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين البساطي المذكور عند عوده إلى الوظيفة لأربع بقين من ذي القعدة سنة سبع وثمانمائة وقد وافق عوده عود شيخ الإسلام جلال الدين عبد

الرحمن البلقيني إلى قضاء قضاة الشافعية أيضا وهي
الحمد لله الذي أعاد لرتبة القضاء رونق جمالها وأسعد جدها بأسعد قران ظهرت آثار يمنه بما آثرته من ظهور جلالها وأجاب سؤلها بأجل حاكم لم تعدل عنه يوما في سؤالها وأسعد طلبتها بأكمل كفء لم تنفك عن خطبته وإن أطال في مطالها وأكرم مآبها بأكرم كاف ما فاتها منال ماض إلا أدركته به في مآلها
نحمده على أن أعطيت القوس باريها وأعيدت مياه الاستحقاق إلى مجاريها وردت الشاردة إلى مالك ألفت منه بالآخرة ما ألفت من خيره في مباديها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يخفق بالإخلاص مناطها ويزداد مع طول الأمد نشاطها ولا ينطوي على ممر الأيام إن شاء الله تعالى بساطها ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبي رفع قواعد الدين وشاد وقام في الله حق القيام فحسم بسيف الشرع مادة الفساد وأحكم بسد الذرائع سداد الأمور فجرت أحكام شريعته المطهرة على السداد وعلى آله وصحبه الذين استنشق من معدلتهم أطيب عرف وخصوا من صفات الكمال بأحسن حلية وأكمل وصف صلاة توهي عرا الإلحاد وتفصمها وتبك أعناق أهل العناد وتقصمها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فلا خفاء في أن الأبصار تتشوف لرؤية الهلال مع قرب الغيبة للأخذ منه بنصيبها والشمس يترقب طلوعها في كل يوم وإن قرب زمان مغيبها والمسافر يسر بإيابه وإن تكرر قدومه من بعيد المسافة وقريبها والسهران يتطلع من ليلته الطويلة إلى طلوع فجرها والمناصب السنية تأرز إلى

مستحقها كما تأرز الحية إلى جحرها
ولما كان المجلس العالي القاضوي إلى آخر ألقابه أعز الله تعالى أحكامه هو الذي حمدت في القضاء آثاره وسارت بحسن السيرة في الآفاق أخباره وحسن بحسن تأتيه في الورد والصدر إيراده وإصداره وتنافس في جميل وصفه الطرس والقلم وظهرت فضائله ظهور نار القرى ليلا على علم ونشرت الأيام من علومه ما تطوى إليه المراحل وجادت مواطر فكره بما يخصب به جناب المربع الماحل وعمرت من منصب القضاء بولايته معاهده وجرت بقضايا الخير في البدء والعود عوائده ونفذت بنفاذ أوامره في الوجود أحكامه ورقم في صحائف الأيام على توالي الدهور نقضه وإبرامه وسجل بثبوت أحقيته فانقطعت دون بلوغ شأوه الأطماع وحكم بموجب فضله فانعقد على صحة تقدمه الإجماع ففرائد فوائده المدونة تؤذن بالبيان والتحصيل ومقدمات تنبيهاته المحققة تكفي نتائج إفضالها عن الإجمال والتفصيل وجواهر ألفاظه الرائقة نعم الذخيرة التي تقتنى ومدارك معانيه الفائقة حسبك من ثمرة فكر تجتنى وتهذيب إيراداته الواضحة تغني في إدراكها عن الوسائل وتحقيق مسائله الدقيقة تحقق فيها أنها عيون المسائل وكانت وظيفة قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية في رفيع رتبتها ووافر حرمتها قد ألقت إليه مقاليدها ورفعت بالانتماء إلى مجلسه العالي أسانيدها وعرفت محله الرفيع فتعلقت منه بأعز منال وحظيت بجماله اليوسفي المرة بعد الأخرى فقالت لا براح لي عن هذا الجمال وعجمت بتكرر العود عوده فأعرضت عن السوى وقرت بالإياب إليه عينا فألقت عصاها واستقر بها النوى اقتضى حسن الرأي الشريف أن نعيد الوظيفة المذكورة إليه ونعول في استكشاف مشكلات الأحكام على ما لديه إقرارا للأمر في نصابه وردا له بعد الشراد إلى مثابه وإسعافا للمنصب بطلبته وإن أتعب غيره نفسه في طلابه
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يبدئ المعروف ويعيده ويوفر نصيب الأولياء ويزيده أن يفوض إلى المجلس العالي المشار إليه قضاء القضاة

بمذهب عالم المدينة وإمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي رضي الله عنه على جاري عادته المتقدمة في ذلك وأن يضاف إليه تدريس قبة الصالح والأنظار الشاهد بها توقيعه الشريف وأن لا يقرر أحد في دروس المالكية من مدرس ومعيد إلا بتعيينه على أتم العوائد وأجملها وأعم القواعد وأكملها
فليعد إلى رتبته السنية برفيع قدره وعلي همته ويقابل إحساننا بالشكر نتحفه بمزيد الإقبال إذ لا زيادة في العلو على رتبته ثم أول ما نوصيه به ونؤكد القول عليه بسببه تقوى الله التي هي ملاك الأمور كلها وأولى المفترضات في عقد الأمور وحلها فهي العصمة التي من لجأ إليها نجا والوقاية التي ليس لمن حاد عنها من لحاق قوارع الله ملتجا ونتبع ذلك بالتلويح إلى الاحتياط في المسائل التي تفرد بها مذهبه الشريف ضيقا وسعة واختص بها إمامه الأصبحي دون غيره من الأئمة الأربعة وهي مسائل قليلة آثارها في الورى كثيرة جليلة منها سفك دم المنتقص والساب وتحتم قتله على البت وإن تاب فعليه أن يأخذ في ذلك بالاهتمام ولا يعطي رخصة في حق أحد من الأنبياء والملائكة عليهم السلام ليكون ذلك وسيلة إلى الخلوص عن القذى وذريعة إلى سلامة الشرف الرفيع من الأذى إلا أنا نوصيه بالتثبت في الثبوت وأن لا يعجل بالحكم بإراقة الدم فإنه لا يمكن تداركه بعد أن يفوت ومنها الشهادة على الخط وإحياء ما مات من كتب الأوقاف والأملاك وتقريب ما شط فلا يقبل فيه إلا اليقظ الواقف مع تحققه دون حدسه ولا يطلق عنان الشهود فإن الكاتب ربما اشتبه عليه خط نفسه ومنها ثبوت الولاية للأوصياء فيجريها على اعتقاده ولكن إذا ظهرت المصلحة في ذلك على وفق مراده ومنها إسقاط غلة الوقف إذا استرد بعد بيعه مدة بقائه في يد المشتري تحذيرا من الإقدام

على بيع الوقف وعقوبة رادعة لبائعه المجتري إلى غير ذلك من مسائل الانفراد وما شاركه فيه غيره من المذاهب لموافقة الاعتقاد فيمضي الحكم فيه بأقوى العزائم ويلزم فيها بما استبان له من الحق ولا تأخذه في الله لومة لائم
وأما غير ذلك من الوصايا الراجعة إلى أدب القضاء فلديه منها الخبر والخبر ومنه تستملى فوصيته بها كنقل التمر إلى هجر والله تعالى يعامله بلطفه الجميل ويحفه بالعناية الشاملة في المقام والرحيل إن شاء الله تعالى والاعتماد
وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة وهي
الحمد لله الذي أطلع في أفق الدين القيم شمسا منيرة ورفع درجة من جعله من العلم على شريعة ومن الحكم على بصيرة وقلد أمور الأمة بمن يعلم أن بين يديه كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ووفق لفصل القضاء من مشى على قدم إمامه الذي ادخر منه للحكم في أيامنا الشريفة من نفائس العلماء أفضل ذخيرة وقضى بإرجاء أمره لنختار له من تحلى به بعد العطل وكل قضاء خيرة وأيقظ عنايتنا لمن رقد الدهر عن فضله فباتت عين الاستحقاق باستقرار رتبته قريرة
نحمده حمد من توافت إليه النعم الغزيرة وتوالت عليه المنن الكثيرة في المدد اليسيرة وأخصبت في أيامه رياض الفضائل فهي بكل عالم عدم النظير نضيرة وافتتح دولته برفع منار العدل فآمال أهل الظلم عن تعاطيه قاصرة وأيدي أهل الباطل عن الامتداد إليه قصيرة وخص المناصب في ممالكه بالأكفاء فإذا

تلبست بها همم غيرهم عادت خاسئة أو امتدت إليها أبصار من دونهم رجعت حسيرة
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تصلح العلن والسريرة وتصبح بها القلوب موقنة والألسن ناطقة والأصابع مشيرة ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعث الله به الرسل مخبرة وأنزل الكتب بمبعثه بشيرة واجتباه في خير أمة من أكرم أرومة وأشرف عشيرة وأظهر أنوار ملته إلا لمن أعمى الغي بصيرته وهل تنفع العمي شمس الظهيرة وعلى آله وصحبه صلاة نتقرب بدوامها إلى الله فيضاعفها لنا أضعافا كثيرة وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى الأمور بأن تشاد قواعده وتتعهد معاهده ويعلى مناره وتفاض بطلوع شمسه أنواره وتكمل به قوى الدين تكملة الأجساد بقوى الطبائع الأربع وتعمر به ربوع الملة التي ليس بعدها من مصيف لملة ولا مربع وتثبت به قوائم الشرع التي ما للباطل في إمالة بعضها من مطمع أمر القضاء على مذهب الإمام الرباني أحمد بن حنبل رضي الله عنه وكان قد خلا بانتقال مباشره إلى الله تعالى وتوقف مدة على ارتياد الأكفاء والإرشاد إلى من هو أهل الاصطفاء واختيار من تكمل به رفعة قدره ويعيد لدسته على بساط سليمانه بهجة صدره
ولما كان فلان هو المنتظر لهذه الرتبة انتظار الشمس بعد الغسق والمرتقب لبلوغ هذه المنزلة التي تقدمت إليها بوادر استحقاقه في السبق والمعطوف على الأئمة من أصحاب إمامه وأن تأخر زمانه عطف النسق وهو الذي ما زال يعدل دم الشهداء مداد أقلامه وتضع الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع من نقل خطواته في طلب العلم وسعي أقدامه ودخل من خشية الله تعالى في زمرة من حصر بإنما وهجر المضاجع في طاعة الله لتحصيل العلم فلو عدت هجعاته لقلما وهجر في إحراز الفضائل فقيد أوابدها وأحرز شواردها ولجج في بحار المعاني فغاص على جواهرها ونظر نظرة في نجوم العلوم

فاحتوى على زهرها وزار خمائل الفضائل فاستوى على أزاهرها وانتهى إليه علم مذهبه فبرز على من سلف وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره وما وقف وتعين عليه القضاء وإن كان فرض كفاية لا فرض عين وقدمه الترجيح الذي جعل رتبته همزة استفهام ورتبة غيره بين بين اقتضى رأينا الشريف اختصاصه بهذا التمييز والتنبيه على فضله البسيط بهذا اللفظ الوجيز
فلذلك رسم أن يفوض إليه كيت وكيت فليتول هذه الرتبة التي أصبح فيها عن رسول الله نائبا وبشرعه قائما ويتقلدها تقلد من يعلم أنه قد أصبح على حكم الله تعالى مقدما وعلى الله قادما ويتثبت تثبت من يعتصم بحبل الله في حكمه فإن أحد الخصمين قد يكون ألحن بحجته وإن كان ظالما ويلبس لهذا المنصب حلة تمنع المبطل من الإقدام عليه وتدفع الظالم عن التطاول إلى أمر نزعه الشرع الشريف من يديه ويؤمن الحق من امتداد يد الجور والحيف إليه وليسو بين الخصمين في مجلسه ولحظه ويعدل بينهما في إنصاته ولفظه ليعلم ذو الجاه أنه مساو في الحق لخصمه مكفوف باستماع حجته عن الطمع في ظلمه ولا ينقض حكما لم يخالف نصا ولا سنة ولا إجماعا وليشارك فيما لا يجهله من القضايا غيره من العلماء ليتزيد بذلك مع اطلاعه اطلاعا وليغتنم في ذلك الاستعانة بآرائهم فإن الله تعالى لا ينتزع هذا العلم انتزاعا وليسد مسالك الهوى عن فكره ويصرف دواعي الغضب لغير الله عن المرور بذكره وليجعل العمل لوجه الله نتيجة عمله وليحكم بما أراه الله ( والله يحكم لا معقب لحكمه )
وهذه نسخة وصية أوردها في التعريف تشمل القضاة الأربعة قال وصية جامعة لقاض من أي مذهب كان وهي

وهذه الرتبة التي جعل الله إليها منتهى القضايا وإنهاء الشكايا ولا يكون صاحبها إلا من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ومتولي الأحكام الشرعية بها كما ورث عن نبي الله علمه كذلك ورث حكمه وقد أصبح بيده زمام الأحكام وفصل القضاة الذي يعرض بعضه بعده على غيره من الحكام وما منهم إلا من ينقد نقد الصيرفي وينفذ حكمه نفاذ المشرفي فليترو في أحكامه قبل إمضائها وفي المحاكمات إليه قبل فصل قضائها وليراجع الأمر مرة بعد مرة حتى يزول عنه الالتباس ويعاود فيه بعد التأمل كتاب الله وسنة رسوله والإجماع والقياس وما أشكل عليه بعد ذلك فليجل ظلمه بالاستخارة وليحل مشكله بالاستشاره ولا ير نقصا عليه إذا استشار فقد أمر الله رسوله بالشورى ومر من أول السلف من جعلها بينه وبين خطإ الاجتهاد سورا فقد يسنح للمرء ما أعيا غيره وقد أكثر فيه الدأب ويتفطن الصغير لما لم يفطن إليه الكبير كما فطن ابن عمر رضي الله عنهما للنخلة وما منعه أن يتكلم إلا صغر سنه ولزوما مع من هو أكبر منه للأدب ثم إذا وضح له الحق قضى به لمستحقه وسجل له به وأشهد على نفسه بثبوت حقه وحكم له به حكما يسره يوم القيامة أن يراه وإذا كتب له به ذكر بخير إذا بلي وبقي الدهر ما كتبت يداه وليسو بين الخصوم حتى في تقسيم النظر وليجعل كل عمله على الحق فيما أباح وما حظر وليجد النظر في أمر الشهود حتى لا يدخل عليه زيف وليتحر في استيداء الشهادات فرب قاض ذبح بغير سكين وشاهد قتل بغير سيف ولا يقبل منهم إلا من عرف بالعدالة وألف منه أن يرى أوامر النفس أشد العدا له وغير هؤلاء ممن لم تجر له بالشهادة عادة ولا تصدى للارتزاق بسحتها ومات وهو حي على الشهادة فليقبل منهم من لا يكون في قبول مثله ملامة فرب عدل بين منطقة وسيف وفاسق في فرجية وعمامة ولينقب على

ما يصدر من العقود التي يؤسس أكثرها على شفا جرف هار ويوقع في مثل السفاح إلا أن الحدود تدرأ بالشبهات ويبقى العار وشهود القيمة الذين يقطع بقولهم في حق كل مستحق ومال كل يتيم ويقلد شهاداتهم على كل أمر عظيم فلا يعول منهم إلا على كل رب مال عارف لا تخفى عليه القيم ولا يخاف معه خطأ الحدس وقد صقل التجريب مرآة فهمه على طول القدم وليتأن في ذلك كله أناة لا تقضي بإضاعة الحق ولا إلى المطاولة التي تفضي إلى ملل من استحق وليمهد لرمسه ولا يتعلل بأن القاضي أسير الشهود وهو كذلك وإنما يسعى لخلاص نفسه والوكلاء هم البلاء المبرم والشياطين المسولون لمن توكلوا له الباطل ليقضى لهم به وإنما تقطع لهم قطعة من جهنم فليكف بمهابته وساوس أفكارهم ومساوي فجارهم ولا يدع لمجنى أحد منهم ثمرة إلا ممنوعة ولا يد اعتداء تمتد إلا مغلولة إلى عنقه أو مقطوعة وليطهر بابه من دنس الرسل الذين يمشون على غير الطريق وإذا رأى واحد منهم درهما ود لو حصل في يده ووقع في نار الحريق وغير هذا مما لا يحتاج به مثله أن يوصى ولا أن يحصى عليه منه أفراد عمله وهو لا يحصى ومنها النظر في أمور أوقاف أهل مذهبه نظر العموم فليعمرها بجميل نظره فرب نظرة أنفع من مواضع الغيوم وليأخذ بقلوب طائفته الذين خص من بينهم بالتقديم وتفاوت بعد ما بينه وبينهم حتى صار يزيل عارض الرجل منهم النظرة منه ويأسو جراحه منه التكليم وهذه الوصايا إنما ذكرت على سبيل الذكرى وفيه بحمد الله أضعافها ولهذا وليناه والحمد لله شكرا وقد جعلنا له أن يستنيب من يكون بمثل أوصافه أو قريبا من هذه المثابة ومن يرضى له أن يحمل عنه الكل ويقاسمه ثوابه وتقوى الله تعالى هي جماع الخير ولا سيما لصاحب هذه الوظيفة ولمن وليها أصلا وفرعا لا يستغني عنها رب حكم مطلق التصرف ولا خليفة

ويزاد الشافعي
وليعلم أنه صدر المجلس وأنه أدنى القوم وإن كانوا أشباهه منا حيث نجلس وأنه ذو الطيلسان الذي يخضع له رب كل سيف ويبلس وليتحقق أنه إنما رفعه علمه وتقاه وأن سبب دينه لا دنياه هو الذي رقاه فليقدر حق هذه النعم وليقف عند حد منصبه الذي يود لو اشترى سواد مداده بحمر النعم
ويقال في وصيته وأمر دعاوى بيت المال المعمور ومحاكماته التي فيها حق كل فرد فرد من الجمهور فليحترز في قضاياها غاية الاحتراز وليعمل بما يقتضيه لها الحق من الصيانة والإحراز ولا يقبل فيها كل بينة للوكيل عن المسلمين فيها مدفع ولا يعمل فيها بمسألة ضعيفة يظن أنها ما تضر عنه الله فإنها ما تنفع وله حقوق فلا يجد من يسعى في تملك شيء منها بالباطل منه إلا الياس ولا يلتفت إلى من رخص لنفسه وقال ( هو مال السلطان ) فإنه مالنا فيه إلا ما لواحد من الناس وأموال الأيتام الذين حذر الله من أكل مالهم إلا بالمعروف لا بالشبهات وقد مات آباؤهم ومنهم صغار لا يهتدون إلى غير الثدي للرضاع ومنهم حمل في بطون الأمهات فليأمر المتحدثين لهم بالإحسان إليهم وليعرفهم بأنهم سيجزون في بنيهم بمثل ما يعملون معهم إذا ماتوا وتركوا ما في يديهم وليحذر منهم من لا ولد له ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ) وليقص عليهم في مثل ذلك أنباء من سلف تذكيرا وليتل عليهم القرآن ويذكرهم بقوله تعالى ( إن الذين يأكلون أموال

اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) والصدقات الموكولة إلى تصريف قلمه المأكولة بعدم أمانة المباشرين وهي في ذممه يتيقظ لإجرائها على السداد في صرفها في وجوه استحقاقها والعمل بما لا يجب سواه في أخذها وإنفاقها والمسائل التي تفرد بها مذهبه وترجح عنده بها العمل وأعد عنها الجواب لله إذا سأل لا يعمل فيها بمرجوح إلا إذا كان نص مذهب إمامه أو عليه أكثر الأصحاب ورآه قد حكم به أهل العلم ممن تقدمه لرجحانه عنده وللاستصحاب ونواب البر لا يقلد منهم إلا من تحقق استحقاقه فإنه إنما يوليه على مسلمين لا علم لأكثرهم فهم إلى ذي العلم أشد فاقة هذا إلى ما يتعرف من ديانتهم ومن عفافهم الذي يتجرع المرء منهم به مرارة الصبر من الفاقة وهو به يتحلى ثم لا يزال له عين عليهم فإن الرجال كالصناديق المقفلة لا يعرف الرجل ما هو حتى يتولى
ويزاد الحنفي
وليعلم أن إمامه أول من دون الفقة وجمعه وتقدم وأسبق العلماء من تبعه وفي مذهبه ومذاهب أصحابه أقوال في المذهب ومسائل ما لحقه فيها مالك وهو أول من جاء بعده وممن يعد من سوابقه أشهب ومن أهمها تزويج الصغائر وتحصينهن بالأكفاء من الأزواج خوفا عليهن من الكبائر وشفعة الجوار التي لو لم تكن من رأيهم لما أمن جار السوء على رغم الأنوف ولأقام الرجل الدهر ساكنا في داره بين أهله وهو يتوقع المخوف وكذلك نفقة المعتدة التي هي في أسر من طلقها وإن بتت من حباله وبقيت لا هو بالذي ينفق عليها ولا هي بالتي تستطيع أن تتزوج من رجل ينفق عليها من ماله ومن استدان مالا فأكله وادعى الإعسار ولفق له بينة أراد أن تسمع له ولم يدخل الحبس ولا أرهق من أمره الإعسار وأهل مذهبه على أنه يسجن ويمكث مدة ثم إذا ادعى أن له بينة أحضرت ثم هل تقبل أو لا فهذا وأمثاله مما فيه عموم صلاح وعظيم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39