كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

نكت سود قيل أشهب مفلس فإن اتسعت قليلا قيل اشهب مدنر فإن كان في شهبته طرائق قيل أشهب مجزع فإن كان فيه بقع من أي لون كان دون البياض قيل مبقع فان صغرت تلك البقع قيل ابقع فإن تفرقت واختلفت مقاديرها قيل أشيم فإن تعادل ذلك اللون مع البياض مع صغر النقط من اللونين قيل أنمش فإن تناهت في الصغر قيل أبرش فإن كان البياض نكتا صغيرة في ذلك اللون قيل مفوف فإن كان شيء من ذلك كله في عضو واحد قيد به مثل قولك مفوف القطاة وأنمش الصدر وما أشبه ذلك
الثاني السواد فإذا كان الفرس شديد السواد قيل فيه أدهم فإن اشتد سواده قيل أدهم غيهبي فإن علا السواد خضرة قيل أحوى والجمع حو فإن خالط سواده شقرة قيل أدبس فإن انضم إليه أدنى حمرة أو صفرة قيل أحم فإن ضرب سواده إلى يسير بياض قيل أورق ونحوه الأكهب وفي دونه من السواد يقال أربد
الثالث الحمرة إذا كان الفرس خالص الحمرة وعرفه وذيله أسودان قيل فيه أورد والجمع وراد والأنثى وردة فإن خالط حمرته سواد فهو كميت الذكر والأنثى فيه سواء فإن صفت حمرته شيئا قليلا قيل كميت مدمى فإن كان صافيا قليل الحمرة وعرفه وذيله أشقران قيل أشقر فإن كان أحمر وذيله وعرفه كذلك قيل أمغر فإن خالط شقرة الأشقر أو الكميت شعرة بيضاء قيل صنابي أخذا من الصناب وهو الخردل بالزبيب فإن كانت حمرته كصدإ الحديد قيل أصدأ فإن زاد فيه السواد شيئا يسيرا قيل أجأى والاسم الجؤوة
الرابع الصفرة فإن كانت صفرته خالصة تشبه لون الذهب وعرفه وذيله

أصبهان مائلان إلى البياض قيل أصفر خالص فإن كانا أبيضين قيل أصفر فاضح فإن كانا أسودين قيل أصفر مطرف وهو الذي يسمونه في زماننا الحبشي فإن كان أصفر ممتزجا ببياض قيل أشهب سوسني فإن كان في أكارعه خطوط سود قيل موشي
وأما شياتها وهي البياض المخالف للونها فمنها الغرة وهي البياض الذي يكون في وجه الفرس إذا كان قدره فوق الدرهم فإن كان دون الدرهم قيل في الفرس أقرح والعامة تقول فيه أغر شعرات فإن جاوز البياض قدر الدرهم قيل فيه أعرم ثم أول رتبة الغرة يقال له النجم فإن سالت الغرة ورقت ولم تجاوز جبهته قيل فيه أغر عصفوري فإن تمادت حتى جللت خيشومه ولم تبلغ جحفلته قيل أغر شمراخي فإن ملأت جبهته ولم تبلغ العينين قيل أشدخ فإن أصابت جميع وجهه إلا أنه ينظر في سواد قيل مبرقع فإن فشت حتى جاوزت عينيه وابيضت منها أشفاره قيل مغرب فإن أصابت منه خدا دون خد قيل لطيم أيمن أو أيسر فإن كان بشفته العليا بياض قيل أرثم وإن كان بالسفلى بياض قيل ألمظ فإن نالهما جميعا قيل أرثم ألمظ
ومنها التحجيل في الرجلين وما في معنى ذلك إن كان البياض في مؤخر الرسغ لم يستدر عليه قيل في الفرس منعل وإن كان في الأربع قيل منعل الأربع أو في بعضها أضيف إليه فقيل منعل اليدين أو الرجلين أو اليد أو الرجل

اليمنى أو اليسرى فإن استدار على الرسغ وهو المفصل الذي يكتنفه الوظيف والحافر وكان في إحدى الرجلين قيل أرجل وإن كان في الرجلين جميعا قيل مخدم وأخدم فإن جاوز رسغ الرجل واتصل بالوظيف وهو ما بين الكعب وبين أسفله ولم يجاوز ثلثيه قيل محجل أخذا من الحجل وهو الخلخال فإن كان في رجل واحدة قيل محجل الرجل اليمنى أو الرجل اليسرى فإن كان في الرجلين جميعا قيل محجل الرجلين فإن كان معه في إحدى اليدين بياض يجاوز الرسغ إلى دون ثلثي الوظيف قيل محجل الثلاث مطلق اليد اليمنى أو اليسرى فإن كان البياض في اليد الأخرى كذلك قيل محجل الأربع فإن كان البياض في اليدين فقط قيل أعصم سواء جاوز الرسغ أم لا ولا يطلق التحجيل على اليدين أو إحداهما إلا بانضمام إلى تحجيل الرجلين أو إحداهما فإن كان في اليد الواحدة قيل أعصم اليد اليمنى أو اليسرى وإن كان فيهما قيل أعصم اليدين وإن كان التحجيل في يد ورجل من جانب واحد قيل ممسك وإن كان ذلك من الجانب الأيمن قيل ممسك الأيامن مطلق الأياسر وإن كان بالعكس قيل ممسك الأياسر مطلق الأيامن وإن كان التحجيل في يد ورجل من خلاف فهو الشكال وقيل الشكال بياض القائمتين من جانب وقيل بياض ثلاث قوائم فإن تعدى البياض حتى جاوز عرقوبي الرجلين أو ركبتي اليدين قيل فيه مجبب فإن علا البياض حقوي رجليه ومرفقي يديه قيل أبلق فإن زاد على ذلك حتى بلغ الأفخاذ والأعضاد قيل أبلق مسرول فإن اختص البياض بيديه وطال حتى بلغ مرفقيه قيل أقفز ومقفز فإن كان البياض في الوظيف غير متصل بالرسغ ولا بالعرقوب ولا بالركبة قيل موقف

ومنها الشيات التي تتخلل سائر جسدها فإن كان الفرس مبيض الأذنين أو في أذنيه نقش بياض دون سائر لونه قيل فيه أذرأ وإن كان مبيض الرأس قيل أصقع فإن ابيض قفاه قيل أقنف فإن شابت ناصيته قيل أسعف فإن ابيضت جميعها قيل أصبغ الناصية فإن غشى البياض جميع رأسه قيل أغشى وربما قيل فيه أرخم فإن ابيض رأسه وعنقه جميعا قيل أدرع فإن أبيض ظهره قيل أرحل فإن كان ذلك البياض من أثر الدبر قيل مصرد فإن ابيض بطنه قيل أنبط فإن ابيض جنباه قيل أخصف فإن كان البياض بأحد جنبيه قيل أخصف الجنب الأيمن أو الأيسر فإن ابيض كفله قيل آزر فإن ابيض عرض ذنبه من أعلاه قيل أشعل فإن ابيض بعض هلبه دون بعض قيل مخصل فإن ابيض جميع هلبه قيل أصبغ هلب الذنب فإن عدا عرقوبه البياض جملة قيل بهيم ومصمت من أي لون كان
وأما ما يستحسن من أوصافها فقد قال العلماء بأمر الخيل يستحب في الفرس دقة الأذنين وطولهما وانتصابهما ودقة أطرافهما وقرب ما بينهما وكل ذلك من علامات العتق وفي الناصية اعتدال شعرها في الطول بحيث لا تكون خفيفة الشعر ولا مفرطة في كثرته ويقال في هذه الناصية الجثلة
ويستحب مع ذلك لين الشكير وهو ما طاف بجنب الناصية من الزغب ويستحب عظم الرأس وطوله وسعة الجبهة وأسالة الخد وملاسته ودقته وقلة لحم الوجه وعري الناهضين وهما عظمان في الخد وسعة العين وصفاء الحدقة وذلك كله من علامات العتق
ويستحب في العين السمو والحدة ورقة الجفون وبعد نظره

قال ابن قتيبة وهم يصفونها بالقبل والشوش والخوص وليس ذلك فيها عيبا ولا هو خلقة وإنما تفعله لعزة أنفسها
ويستحب في المنخر السعة لأنه إذا ضاق شق عليه النفس قال وربما شق منخره لذلك وبعد ما بين المنخرين
ويستحب في الفم الهرت وهو طول شق شدقيه من الجانبين لأنه أوسع لخروج نفسه ورقة الجحفلتين وهما الشفتان لأنه دليل العتق وطول اللسان ليكثر ريقه فلا ينبهر ورقته لأنه أسرع لقضمه العلف وصفاء الصهيل لأنه دليل صحة رئته وسهولة نفسه
ويستحب في العنق الطول فقد كان سلمان ابن ربيعة يفرق بين العتاق والهجن فدعا بطست من ماء فوضعت بالأرض ثم قدمت الخيل إليها واحدا واحدا فما ثنى سنبكه منها ثم شرب هجنه وما شرب ولم يثن سنبكه جعله عتيقا لأن في أعناق الهجن قصرا فلا تنال الماء حتى تثني سنابكها وقد روي أنه هجن فرس عمرو بن معدي كرب فاستعدى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال سلمان ادع بإناء فيه ماء ثم أتي بفرس عتيق لا شك في عتقه فأشرع في الإناء فصف بين سنبكيه ومد عنقه فشرب ثم قال ائتوني بهجين لا شك فيه فأشرع فبرك فشرب ثم أتي بفرس عمرو بن معدي كرب فأشرع فصف بين سنبكيه ومد عنقه ثم ثنى أحد سنبكيه قليلا فشرب فقال عمر أنت سلمان الخيل
ويستحب فيها مع ذلك الكبر لأنه أقرب لانقياده وعطفه وغلظ مركب عنقه

ودقة مذبحه
ويستحب فيه ارتفاع الكتفين والحارك والكاهل وقصر الظهر وعرض الصهوة وهي مقعد الفارس في الظهر وارتفاع القطاة وهي مقعد الردف من الظهر أيضا وقلة لحم المتنين وهما ما تحت دفتي السرج من الظهر
ويستحب في الكفل الاستواء والاستدارة والملاسة والتدوير
ويستحب طول السبيب وهو الشعر المسترسل في ذيله وقصر العسيب وهو عظم الذنب وجلده ولذلك قال بعض الأعراب اختره طويل الذنب قصير الذنب يعني طويل الشعر قصير العسيب
قال ابن قتيبة ويستحب أن يرفع ذنبه عند العدو ويقال إن ذلك من شدة الصلب ويستحب عرض الصدر وهو ما عرض حيث ملتقى أعلى لببه ويسمى اللبان والكلكل وكذلك ارتفاعه عن الأرض مع دقة الزور وهو ما استدق من صدره بين يديه بحيث يقرب ما بين المرفقين لأنه أشد له وأقوى لجريه
ويستحب فيه عرض الكتف وغلظه وقصر النسا وهو عرق في الساق مستبطن الفخذ وشنجه وقصر وظيف اليد وهو قصب يديه وقصر الرسغ ودقة إبرة العرقوب وتحديده لأنه أشد لقصب الساق وطول وظيف الرجل ليخذف الأرض بها فيكون أشد لعدوه وغلظ عظم القوائم وغلظ الحبال وهي عصب الذراعين ولطف الركبة وقرب ما بين الركبتين وشدة كعبه لأن ضعف الكعب داعية الجرد وانحناء الرجلين وتوترهما وبعد ما بين الرجلين وهو الفحج

لأنه أشد لتمكن رجليه من الأرض
ويستحب صفاء الحافر وصلابته وسعته وكونه أزرق أو أخضر غير مشوب ببياض لأن البياض دليل الضعف فيه وأن يكون مع ذلك فيه تعقب ولطف نسوره وهي شيء في باطن حافره كالنوى لأنه إذا ضاق موضعها كان أصلب لحافره وأن تكون أطراف سنابكه وهي مقادم حوافره رقيقة
ويستحب فيه مع ذلك كله اتساع إهابه وهو جلده ورقة أديمه وصفاء لونه ولين شعره وكثرة عرفه وكثرة نومه وسعة خطوه وخفة عنانه ولين ظهره وحسن استقلاله في أول سيره وخفة وقع قوائمه على الأرض إذا مشى وشدة وقعها إذا عدا مع حدة نفسه وسرعة عدوه واتساع طرقته وقد يغتفر القطاف في المشي في دواب الجري
ثم إنه قد يحتمل فوات آلة الحسن والفراهة في المشي ولا يغتفر النقص في آلة الجودة وشدة العدو والصبر لأن بهما يدرك ما يطلب وينجو مما يهرب
وأما ما يستقبح ويذم من أوصافها فقد ذكروا للفرس عدة عيوب بعضها خليقة وبعضها حادثة
فمن العيوب الخلقية البدد وهو بعد ما بين اليدين والصمم وهو ألا

يسمع وعلامته أن يراه يصر أذنيه أبدا إلى خلف وإذا جر خلفه خشبة ونحوها لا يشعر ولم ينفر عنها والخداء وهو أن تطول إحدى أذنيه وتصر الأخرى وكونه أسك وهو أن يكون أذناه مسترخيتين منكوستين نحو العينين أو الخدين كآذان الكلاب السلوقية والطول وهو أن تطول إحدى أذنيه وتقصر الأخرى وكونه أسك وهو أن يكون صغير الأذن
ومنها السفا وهو قلة شعر الناصية والغمم وهو أن يكثر شعر الناصية ويطول حتى يغطي العين وهو عيب خفيف والسفا وهو خفة الناصية
ومنها القرح وهو أن يكون البياض الذي في الوجه دون قدر الدرهم كما تقدم إلا أن يكون معه بياض آخر من تحجيل ونحوه فلا يكره حينئذ فإن كان في وسط البياض في الوجه سواد كان عيبا يتشاءم به
ومنها العشا وهو ألا يبصر ليلا فيصير بمثابة نصف فرس لأنه لا ينتفع به في الليل دون النهار وكونه قائم العين وهو الذي يكون على ناظره سواد يضرب للخضرة والكدرة يقل معها بصره والحول وهو أن يكون بإحدى عينيه بياض خارج سواد الحدقة من فوق ويكون خلاف العين الأخرى وهو مع ذلك مما يتبرك به بعض الناس ويقول إذا كان ذلك في العينين كان أعظم لبركته والخيف وهو أن تكون إحدى عينيه زرقاء وهو مما يتشاءم به لا سيما إذا كانت الزرقة في العين اليسرى فإن ازرقت العينان جميعا كان أقل لشؤمه وغور العينين وهو دخولهما في وجهه والغرب وهو بياض أشفار العينين يكون عنه ضعف بصره في القمر والحر الشديد والكمنة وهو أن يبصر قدامه ولا يبصر عن يمينه ولا شماله

ومنها القنا وهو احديداب في الأنف ويكون في الهجن والخنس وهو أن يرى فوق منخريه منخسفا لأنه يضيق نفسه إذا ركض
ومنها الفطس وهو أن تكون أسنانه العليا داخلة عن أسنانه السفلى والطبطبة وهو أن تسترخي جحفلته السفلى فإذا سار حركها وطبطبها كالبعير الأهدل وأن يكون في حنكه شامة سوداء وسائر فمه أبيض
ومنها قصر اللسان لأنه إذا فصر لسانه قل ريقه فيسرع إليه العطش والخرس وعلامته أن تراه يصهل ولا يحمحم وهو عيب لطيف
ومنها القصر وهو غلظ في العنق واللفف وهو استدارة فيه مع قصر والدنن وهو طمأنينة في أصل العنق والهنع وهو طمأنينة في وسط العنق والقود وهو يبس في العنق بحيث لا يقدر الفرس أن يدير عنقه يمينا ولا شمالا ولا يرفع رأسه إذا مشى وهو عيب شديد والجسأ وهو يبس المعطف
ومنها الكتف وهو انفراج يكون في أعالي كتفي الفرس مما يلي الكاهل والتقس وهو أن يطمئن الصلب من الظهر وترتفع القطاة والبزخ وهو أن يطمئن الصلب والقطاة جميعا وهو عيب رديء يضر بالعمل وكون الكفل فيه تحديد ويكون العجز صغيرا والفرق وهو نقصان إحدى حرقفتي الوركين فإن نقصتا جميعا فهو ممسوح الكفل ولا عيب فيه
ومنها الدنن وهو تطامن الصدر ودنوه من الأرض وهو من أسوإ

العيوب والزور وهو دخول إحدى فهدتي الصدر وخروج الأخرى
ومنها الهضم وهو استقامة الضلوع ودخول أعاليها والإخطاف وهو لحوق ما خلف المحزم من بطنه والثجل وهو خروج الخاصرة ورقة الصفاق
ومنها العصل وهو التواء عسيب الذنب حتى يبرز بعض باطنه الذي لا شعر عليه والكشف وهو أكثر من ذلك والصبغ وهو بياض الذنب والشعل وهو أن يبيض عرض الذنب وهو وسطه
ومنها الفحج وهو إفراط بعد ما بين الكعبين والحلل وهو رخاوة الكعبين ويلتحق به تقويس اليدين وهو عيب فاحش والطرق وهو أن ترى ركبتيه مفسوختين كالمقوستين إلى داخل وهو عيب فاحش والقسط وهو أن ترى رجلاه منتصبتين غير محنبتين والبدد وهو بعد ما بين اليدين والفحج وهو إفراط بعد ما بين العرقوبين والقفد وهو إنتصاب الرسغ وإقباله على الحافر ولا يكون إلا في الرجل والصدف وهو تداني الفخذين وتباعد الحافرين في التواء من الرسغين بحيث ترى رسغي يديه مفتوحين والتوجيه وهو نحو منه إلا الله أقل من ذلك والفدع وهو التواء الرسغ من عرضه الوحشي

من الجانبين من رأس الشظى ووطؤه على وحشي حافريه جميعا وهو الجانب الخارج والارتهاش وهو أن يصك بعرض حافره عرض عجايته من اليد الأخرى وذلك لضعف يده والحنف وهو أن يكون حافرا يديه مكبوبين إلى داخل والنقد وهو أن يرى الحافر كالمتقشر والشرج وهو أن يكون ذو الحافر له بيضة واحدة والأرح وهو أن يمس الأرض بباطن حافره
ومنها البدد في اليدين وهو أن يكون إذا مشى يدير حافره إلى خارج عند النقل وليس فيه ضرر في العمل والتلقف وهو أن يخبط بيديه مستوى لا يرفعهما إلى بطنه وهو خلاف البدد
ومنها التلويح وهو أن يكون الفرس إذا ضربته حرك ذنبه وهو عيب فاحش في الحجورة لأنه ربما بالت الحجر ورشت به صاحبها

الضرب الثاني العيوب الحادثة وهي عدة عيوب
منها الحدب ويكون في الظهر بمثابة حدبة الإنسان وهو عيب فاحش والغدة وتكون في الظهر أيضا بإزاء السرة
ومنها العنق وهو انتفاخ وورم بقدر الرمانة أو أقل مما يلي الخاصرة وهو عيب فاحش لا علاج فيه
ومنها الحمر وهو عيب يحدث عن تخمة الشعير وربما كان من شرب الماء على التعب فيحدث عنه ثقل الصدر

ومنها الانتشار وهو انتفاخ العصب بواسطة التعب ويكون من فوق الرسغ إلى آخر الركبة وهو عيب فاحش
ومنها تحرك الشظاة وهو عظم لاصق بالذراع وهو على الفرس أشق من الانتشار
ومنها الروح وهو داء يكون منه غلظ في القوائم كمثل داء الفيل في البشر
ومنها المشش وهو داء يكون في بدء أمره ماء أصفر ثم يصير دما ثم يصير عظما ويكون على الوظيف وفي مفصل الركبة وهو على العصب والركبة شر منه على الوظيف
ومنها القمع ويكون في الرجلين في طرف العرقوبين وهو غلظ يعتريهما والملح ويكون في الرجلين تحت القمع من خلف وهو انتفاخ مستطيل لا يضر بالعمل والجرذ وهو كالعظم الناتىء يكون في الرجلين تحت العرقوبين على المفصل من داخل ومن خارج وهو عيب فاحش تؤول منه الدابة إلى العطب والنفخ وهو انتفاخ يكون في مواضع الجرذ وهو من دواعي الجرذ والعقال وهو أن تقلص رجله وذلك يكون في عصب الرجل الواحدة دون الأخرى وربما كان في الرجلين جميعا وهو عيب فاحش يضر بالعمل وهو في البرد أشد منه في الحر
ومنها الشقاق وهو داء يصيبه في أرساغه وربما ارتفع إلى وظيفه والسرطان وهو داء يأخذ في الرسغ فييبس عروقه حتى ينقلب حافره

ومنها العرن وهو جسوء في رسغ رجله والدخس وهو ورم يكون في حافره والقفد وهو تشنج عصب رسغه حتى ينقلب حافره إلى داخل فيمشي على ظاهر الحافر
ومنها النملة وهي شق في الحافر من ظاهره والرهسة وهي ما يكون في الحافر من صدمة ونحوها والعامة تقولها بالصاد والقشر وهو أن تتقشر حوافره وهو عيب فاحش والناسور وهو الذي تسميه العامة الوقرة وهو داء يحدث في نسور الدابة فإذا قطع سال الدم منه
ومنها الأدرة وهي عظم الخصيتين وربما عظمت خصيتاه في الصيف واحمرت في الشتاء والمدلي وهو الذي يدلي ذكره ثم لا يرده وهو عيب قبيح بحيث يقبح ركوب الفرس الذي به هذا العيب
ومنها البرص وهو بياض يعتري الفرس في مرقاته كالجحفلة وجفون العينين وبين الفخذين والخصيتين
ومنها الحلد وهو داء شديد ينقب موضعه من بدن الدابة يسيل منه ماء أصفر فإذا كوي بالنار برا وانفتح موضع آخر فلا يزال كذلك حتى تعطب الدابة وهو عيب فاحش في عيوب أخرى يطول ذكرها
وفي كتب البيطرة ذكر الكثير من ذلك مع علاج ما له علاج منه وبيان ما لا علاج له

وأما الدوائر التي تكون في الخيل فقد عدها العرب ثماني عشرة دائرة بعضها مستحب وبعضها مكروه
الأولى دائرة المحيا وهو الوجه وهي اللاحقة بأسفل الناصية
الثانية دائرة اللطاة وهي دائرة تكون في وسط الجبهة
الثالثة دائرة النطيح وهي دائرة ثانية في الجبهة بأن يكون في الجبهة دائرتان
الرابعة دائرة اللهزمة وهي دائرة تكون في لهزمة الفرس
الخامسة دائرة المقود وهي التي تكون في موضع القلادة
السادسة دائرة السمامة وهي دائرة تكون في وسط العنق
السابعة والثامنة دائرتا البنيقتين وهما دائرتان في نحر الفرس فيما قاله الأصمعي
وقال أبو عبيد البنيقة الشعر المختلف في منتهى الخاصرة والشاكلة
التاسعة دائرة الناحرة وهي دائرة في باطن الحلق إلى أسفل من ذلك
العاشرة دائرة القالع وهي دائرة تكون تحت اللبد
الحادية عشرة دائرة الهقعة وهي دائرة تكون في عرض الزور
الثانية عشرة دائرة النافذة وهي دائرة ثانية تكون في الزور بأن تكون فيه دائرتان في الشقين في كل شق منهما دائرة وتسمى النافذة دائرة الحزام أيضا
الثالثة عشرة والرابعة عشرة دائرتا الخرب وهما اللتان يكونان تحت الصقرين وهما رأسا الحجبتين اللتين هما العظمان الناتئان المشرفان على الخاصرتين كأنهما صقران
الخامسة عشرة والسادسة عشرة دائرتا الصقرين وهما دائرتان بين الحجبتين والقصريين
السابعة عشرة والثامنة عشرة دائرتا الناخس وهما دائرتان تكونان تحت الجاعرتين

قال ابن قتيبة وهم يكرهون منها أربع دوائر وهي دائرة الهقعة مع ذكره أن أبقى الخيل المهقوع
ودائرة القالع ودائرة الناخس ودائرة النطيح
قال وما سوى ذلك من الدوائر فليس بمكروه
وذكر صاحب زهر الآداب في اللغة أنهم يستحبون من الدوائر دائرة المقود ودائرة السمامة ودائرة الهقعة احتجاجا بأن أبقى الخيل المهقوع ويكرهون دائرة النطيح ودائرة اللهزمة ودائرة القالع
ورأيت في بعض كتب البيطرة أن المستحب منها ثلاث دوائر دائرة المقود ودائرة السمامة ودائرة الهقعة وما عدا ذلك فهو مكروه
وكره حكماء الهند دوائر أخرى ذكروها وهي أن يكون في مقدم يده دائرة أو في أصل ذنبه من الجانبين دائرتان أو على ناصيته دائرة أو على محجره دائرة أو في جحفلته السفلى دائرة أو على سرته دائرة أو على منسجه دائرتان
وأما أسنان الخيل فأول ما تضع الحجرة جنينها قيل مهر والأنثى مهرة فإذا فصل عن أمه قيل فلو فإذا استكمل حولا قيل حولي والأنثى حولية

فإذا دخل في الثانية قيل جذع والأنثى جذعة فإذا دخل في الثالثة قيل ثني والأنثى ثنية فإذا دخل في الرابعة قيل رباع والأنثى رباعية فإذا دخل في الخامسة قيل قارح للذكر والأنثى
وفي الغالب يلقي أسنانه في السنة الثالثة وربما تأخر إلقائها إلى السنة الرابعة وذلك إذا كان أبواه شابين وقد يلقي أسنانه في حول واحد وذلك إذا كان أبواه هرمين
ثم لكل مهر اثنثا عشرة سنا ست من فوق وست من أسفل ويليها من كل جانب ناب ويليها الأضراس وتنبت ثناياه بعد وضعه بخمسة أيام وتنبت رباعياته بعد ذلك إلى مدة شهرين وتنبت قوارحه بعد ذلك إلى ثمانية أشهر ويختص التبديل منها بالأسنان الاثنتي عشرة دون الأنياب والأضراس
وربما ألقى المهر بعض أسنانه ثم لا تنبت وإذا قرح المهر اصفرت أسنانه وأسودت رؤوسها وطالت فيبقى كذلك خمس سنين فإذا جاوزت ذلك ابيضت وحفي رؤوسها ثم تنتقل فتصير كلون العسل خمس سنين ثم تبيض فتصير كلون الغبار ويزداد طولها وربما دلس النخاسون فنشروا أسنانها وسووها
ومما وجد في الكتب القديمة أن الفرس تتحرك ثناياه في سبع وعشرين سنة وتتحرك الرباعيات في ثمان وعشرين سنة وتتحرك القوارح في تسع وعشرين سنة ثم تسقط الثنايا في ثلاثين سنة والرباعيات في إحدى وثلاثين سنة والقوارح في اثنتين وثلاثين سنة وهو عمر الدابة
وأما التفرس في الخيل فاعلم أن المهر وإن ظهرت فيه علامات النجابة أو العكس لا عبرة بذلك فإنه قد يتغير فيقبح منه ما كان حسنا ويحسن منه ما كان قبيحا وإنما يتفرس فيه إذا ركبه لحم العلف وذهب عنه لحم الرضاع
وأفضل الفراسة في المهر أخذه في الجري فإنه صنعته التي خلق عليها وإليها يؤول فإذا أحسن الأخذ في الجري فهو جواد ولكنه ربما تغير أخذه للجري إذا ركب لضعف فيه حينئذ وقصور عن بلوغ مدى قوته وقد لا يجري جذعا ويجري ثنيا وقد لا يجري ثنيا يجري رباعيا وقد لا يجري رباعيا ويجري

قارحا حين تجتمع له قوته ويعرف صنف الضعيف منها بتلويه تحت فارسه وعجزه عنه وفترته إذا نزل عنه
ومما يدل على جودة الفرس وحسن جريه أنه يراه إذا أخذ في الجري سما بهاديه وأثبت رأسه ولم يستعن بهما في حضره واجتمعت قوائمه وسبح بيديه وضرح برجليه ولها في حضره وامتد وبسط ضبعيه حتى لا يجد مزيدا وتكون يداه في قرن ورجلاه في قرن فإذا كان الفرس كذلك فهو الجواد السابق
وقد قيل إن خير الخيل الذي إذا مشى تكفأ وإذا عدا بسط يديه وإذا أدبر جفا وإذا أقبل أقعى

الصنف الثاني البغال
وفيها نوعية في الخيل والحمير ومن حيث أنها تتولد بين حصان وأتان أو بين حمار وحجرة
وفيها النفيس المختار لركوب الرؤساء من العلماء والوزراء والحكام وسائر رؤساء المتعممين
وأنه في يوم أحد كان راكبا بغلة ولولا شرفها ونفاستها وقيامها مقام الخيل لما ركبها النبي في موطن الحرب
وألوانها وأسنانها على ما تقدم في الخيل

ويستحسن فيها غالب ما يستحسن في الخيل وقد قيل إن خيار ما يقتنى من البغال ما اشتدت قوائمه وعظمت قصرته وعنقه وهامته وصفت عيناه ورحب جوفه وعرض كفله وسلم من جميع العيوب والعلل
ومما يستحسن في البغال دون الخيل السفا وهو خفة شعر الناصية وأن يكون بيديها ورجليها خطوط مختلفة جل ما تكون للسنور ويقال إن خير ما يختار للسرج والركوب البغال المصرية لأن أمهاتها عتاق وهجن وخيار ما يحتاج إليه للسرايا والمواكب والركض مع الخيل بغال الجزيرة وإفريقية
ومما ينبغي التنبيه عليه أن في البغلات منها شدة محبة للدواب إذا ربطت معها وفساد للدواب إذا اعتادتها حتى يصير أحدهما لا يفارق الآخر إلا بمشقة
ويحسن في البغال الخصي وفي البغلات التحويص ولا يعاب ركوب شيء منها حينئذ إذا كان نفيسا

الصنف الثالث الإبل
ويشتمل الغرض منها على معرفة أنواعها وألوانها وأسنانها وما يستقبح ويستحسن من صفاتها
أما أنواعها فإنها ترجع إلى نوعين
الأول البخاتي وهي جمال جفاة القدود طويلة الوبر تجلب من بلاد الترك
الثاني العراب وهي الإبل العربية وأصنافها لا يأخذها الحصر
وأما ألوانها فترجع إلى ثلاثة أصول

الأول البياض فالجمل إذا كان خالص البياض قيل آدم والأنثى ادماء على الضد من بني آدم فإن خالط البياض يسير شقرة قيل اعيس والأنثى عيساء
الثاني الحمرة فإن احمر وغلبت عليه الشقرة قيل أصهب والأنثى صهباء فإن خلصت حمرته قيل أحمر والأنثى حمراء فإن خالط حمرته قنوء قيل كميت فإن صفت حمرته قيل أحمر مدمى فإن خالط الحمرة خضرة قيل أحوى فإن خالطها صفرة قيل أحمر راداني بكسر الدال فإن خالطها سواد قيل أرمك والأنثى رمكاء فإن كانت حمرته كصدأ الحديد قيل أجأى
الثالث السواد فإن كان السواد فيه ضعيفا قيل أكلف فإن خالط السواد صفرة قيل أحوى فإن علق بسواده بياض قيل أورق فإن زادت ورقته حتى أظلم بياضه قيل أدهم فإن اشتد سواده قيل جون فإن كان بين الغبرة والحمرة قيل خوار والأنثى خوارة
وأما أسنانها فإنه يقال لولد الناقة عند الوضع قبل أن يعرف أذكر أم أنثى سليل فإن بان أنه ذكر قيل سقب وإن بان أنه أنثى قيل حائل ثم هو حوار حتى يفطم فإذا فطم وفصل عن أمه قيل فصيل وذلك في آخر السنة الأولى من وضعه فإذا دخل في الثانية قيل ابن مخاض لأن أمه فيها تكون من المخاض وهي الحوامل والأنثى بنت مخاض فإذا دخل في الثالثة قيل ابن لبون لأن أمه فيها تكون ذات لبن والأنثى بنت لبون وإذا دخل في الرابعة قيل حق لأنه يستحق أن يحمل عليه والأنثى حقة فإذا دخل في الخامسة قيل جذع والأنثى جذعة فإذا دخل في السادسة قيل ثني لأنه يلقي فيها ثنيته والأنثى ثنية فإذا دخل في السابعة قيل رباع بفتح الراء لأن فيها يلقي رباعيته والأنثى رباعية بالتخفيف فإذا دخل في الثامنة قيل سديس وسدس الذكر والأنثى فيه سواء وربما قيل في الأنثى سديسة فإذا دخل التاسعة قيل بازل لأنه فيها

يبزل نابه والذكر والأنثى فيه سواء وقد يقال فيه فاطر فإذا دخل في العاشرة قيل مخلف وليس وراء ذلك للإبل ضبط بل يقال مخلف عام ومخلف عامين فأكثر فإذا علا السن بعد ذلك قيل فيه عود والأنثى عودة فإن علا عن ذلك قيل قحر فإن تكسرت أنيابه لطول هرمه قيل ثلب والأنثى ثلبة ويقال في الناقة إذا كان فيها بعض الشباب عزوم وربما قيل شارف
وأما ما يستحسن من صفاتها فقد رأيت في بعض المصنفات أن كل ما يستحب في الفرس يستحب في البعير خلا عرض غاربه وفتل مرفقه ونكس جاعرته وهي أعلى الورك واندلاق بطنه وتفرش رجليه فإن ذلك يستحب في الإبل دون الخيل
وقد صرح الشعراء في أشعارهم بعدة أوصاف مستحسنة في الناقة
منها دقة الأذن وتحديد أطرافها وكبر الرأس واستطالة الوجه وعظم الوجنتين وقنو الأنف وطول العنق وغلظه ودقة المذبح وطول الظهر وعظم السنام وهي الكوماء وطول ذنبها وكثرة شعره غليظة الأطراف قليلة لحم القوائم ليست رهلة ولا مسترخية وأن تكون مع ذلك كثيرة اللحم ملساء الجلد تامة الخلق قوية صلبة خفيفة سريعة السير
وأما كرمها فإنه يقال لكل كريم خالص من الإبل هجان من نتاج مهرة وهي قبيلة من قضاعة باليمن والعيدية منسوبة إلى بني العيد من قبيلة مهرة المذكورة والأرحبية منسوبة إلى بني أرحب والغريرية منسوبة إلى غرير وهو فحل كريم مشهور في العرب والشذقمية منسوبة إلى شذقم فحل كريم أيضا والجديلية منسوبة إلى جديل فحل كريم والداعرية منسوبة إلى داعر فحل كريم كذلك
قال في كفاية المتحفظ والشدنية منسوبة إلى فحل أو بلد

الصنف الرابع الحمير
ومنها النفيس الغالي الثمن وخيرها حمر الديار المصرية وأحسنها ما أتي به من صعيدها وهي تنتهي في الأثمان إلى ما يقارب أثمان أوساط الخيل وربما يميز العالي القدر منها على المنحط القدر من الخيل
والأحسن فيها ما كان غليظ القوائم تام الخلق حديد النفس
ولا عيب في ركوب الحمار ولا وهيصة فقد ثبت في الصحيح أن النبي ركب الحمار ولا عبرة بترفع من ترفع عن ركوبه بعد أن ركبه النبي
النوع الثالث ما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش وكريم صيوده وهو أصناف
الصنف الأول جليل الوحش
وهو ما يتخذه الملوك للزينة وما في معناها
ويحتاج الكاتب إليه لوصفه في الهدايا والمواكب وما يجري مجراهما
والمعول عليه من ذلك خمسة أضرب
الأول الأسد ويجتمع على أسد وأسد وأسود وآساد ويقال له أيضا الليث والضيغم والضرغام والهزبر والهيصم والهرماس والفرافصة وحيدرة والقسورة وله أسماء كثيرة سوى هذه لا تكاد تدخل تحت الحصر حتى

قال ابن خالويه للأسد خمسمائة اسم
ويقال لولده الشبل ولأنثاه اللبؤة
قال ابن السندي في كتابه المصايد والمطارد وإذا تأملت أصناف الحيوان وبحثت صورها وما أعطيت من الأسلحة ومقادير الخلق وجدت الأسد أعظم خلقة وأكثر آبدة وأشد إقداما من جميعها ليست له غريزة في الهرب البتة
ومن خصائصه وعجيب خلقه أن عظم عنقه عظم واحد ليست له خرز عظام كما في غيره من الحيوان بدليل أنه لا يلوي عنقه ولا يلتفت ومع ذلك فهو يبتلع الشيء العظيم
ولبوته لا تلد إلا جروا واحدا وأنها تضعه كاللحمة ليس فيه حس ولا حركة فتحرسه ثلاثة أيام ثم يأتي أبوه فينفخ فيه المرة بعد المرة حتى يتحرك ثم تأتي أمه فترضعه ولا يفتح عينيه إلا بعد سبعة أيام ويكتسب لنفسه بالتعليم من أبويه بعد ستة أشهر
وهو قليل الشرب للماء وإن كان لا يفارق الغياض وله صبر على الجوع ولكنه إذا جاع ساءت أخلاقه وليس يلقي رجيعه إلا مرة واحدة في اليوم ويرفع رجله عند البول كما يفعل الكلب ويبول إلى خلف كما تبول الجمال وهو أشد السباع ضراوة على أكل بني آدم وإذا افترس فريسة وأكل منها لا يعود إليها ولا يطأ أثره شيء من السباع
قال ابن السندي في المصايد والمطارد ولا يأكل من فريسة غيره من السباع
وقد قيل إنه يهرب من الهر ومن الجرو ومن الديك الأبيض وإنه إذا رأى النار عرضت له فكرة أورثته بهتة وأنه يهرب من عواء الجرو إذا عركت أذنه
ويقال إن جلده إذا جعل فيما يخاف عليه السوس من الثياب وغيرها أمن من

ذلك وإنه إذا عمل منه وتر قوس وأضيف إلى أوتار من فراء ومعى أو غيرهما أبطل أصواتها وعلا صوته عليها
ومن طبعه أنه لا يشرب ماء ولغ فيه كلب وإن مات عطشا
الثاني النمور جمع نمر بفتح النون وكسر الميم ويجمع أيضا على أنمار ونمار والأنثى نمرة
وهو حيوان مرقع اللون بسواد وبياض أقرب شيء من خلقة الفهد وهو أخبث من الأسد لا يملك نفسه عند الغضب حتى إنه ربما قتل نفسه من شدة غضبه
قال ابن السندي وهو ودود لجميع الحيوان عدو للنسر وينام ثلاثة أيام
والحيوان يطيف به ويميل إليه استحسانا لجلدته
وهو جنسان أحدهما عظيم الجثة صغير الذنب والثاني صغير الجثة عظيم الذنب
قال في المصايد والمطارد ويصاد بالحمر لأنه يحبها
قال ومن أراد قتله تمسح بشحم ضبع ودخل عليه فقتله
الثالث الكركدن بفتح الكافين وسكون الراء المهملة وفتح الدال المهملة ونون مشددة في الآخر
قال الزمخشري في ربيع الأبرار وهو وحش يكون ببلاد الهند يسمى الحمار الهندي له قرن واحد في جبهته يبلغ غلظه شبرين وهو محدد الرأس إلا أنه ليس بالطويل وأنه إذا قطع ظهرت فيه صورة عجيبة
وإنه ربما نطح الفيل فبعجه بقرنه
وإن أتثاه تحمل سبع سنين وإنه إذا كان بأرض لم يدع شيئا من

الحيوان حتى يكون بينه وبينه مائة فرسخ من جميع جهاته هيبة له وهربا منه
الرابع الفيل وهو حيوان يؤتى من بلاد الهند والحبشة قال الجاحظ وهو من الحيوانات المائية وإن كان لا يسكن الماء
وهو من ذوات الخراطيم وخرطومه أنفه كما أن لكل شيء من الحيوان أنفا وهو يده وبه يتناول الطعام والشراب ومنه يغني ويجر فيه الصوت كما يجره الزامر في القصبة بالنفخ قال وأصحابنا يزعمون أنه بينه وبين السنور عداوة وأن الفيل يهرب منه هربا شديدا
وذكر صاحب الحيل في الحروب أنه يقصر عن صوت الخنزير وأنه بذلك ينفر في الحروب
وقد ذكر الجوزي أن للفيل إقداما على السبع
قال الجاحظ وهو يعادي البعوض لأنه يثقب جلده بقرصه ومن ثم يرى الفيل دائما يحرك آذانه ليطرد عنه الناموس
وهو مخصوص بخفة وقع قوائمه على الأرض إذا مشى حتى لو أن إنسانا كان جالسا وجاء الفيل من خلفه لما شعر به
وذكر عبد القاهر البغدادي أن الفيلة تحمل سبع سنين وقيل سنتين وقيل ثلاث قبل أن تضع وأن لسان الفيل مقلوب طرفه داخل حلقه وأصله من خارج على العكس من سائر الحيوان وأن ثدييها على كبدها وترضع أولادها من تحت صدرها
وقد ذكر الغزالي أن فرجها تحت بطنها فإذا كان وقت الضراب ارتفع وبرز للفحل حتى يتمكن من إتيانها

اخامس الزرافة بفتح الزاي وضمها وهي حيوان يؤتى به من بلاد الحبشة واليمن طويل اليدين قصير الرجلين ذنبه وحوافره كذنب البقر وحوافرها ورقبته ورأسه كرقبة الجمل ورأسه ولونه موشى بالبياض والصفرة
قال الجاحظ وقد زعموا أن الزرافة تتولد بين الناقة من نوق الحبشة وبين بقر الوحش وبين الذيخ وهو ذكر الضباع وذلك أن الذيخ يعرض للناقة فيسفدها فتلقح بولد يجيء خلقه بين الناقة والضبع فإن كان الولد أنثى عرض لها الثور الوحشي فيضربها بها فيأتي الولد زرافة وإن كان ذكرا تعرض للمهاة فألقحها فيأتي الولد زرافة أيضا
قال ومنهم من يزعم أن الزرافة الأنثى لا تلقح من الزرافة الذكر ثم قال وهذا مشهور باليمن والحبشة
ثم إن كانت أسنانها سودا دلت على هرمها وإن كانت بيضا دلت على حداثة سنها
ومن أمراضها الكلب وهو كالجنون يعتريها كما يعتري الكلب فيقتلها وكل من عضته وهي على هذه الحالة قتلته إلا ابن آدم فإنه ربما عولج فسلم
ومن أمراضها أيضا الذبحة والنقرس

الصنف الثاني معلمات الصيد
وقد يعبر عنها بالضواري وهي كل ما يقبل التعليم من الوحوش كائنا ما كان حتى حكي عن السوداني القناص أنه بلغ من حذقه أنه ضرى ذئبا حتى اصطاد به الظباء وما دونها وألفه حتى رجع إليه من ثلاثين فرسخا وضرى أسدا حتى اصطاد به حمر الوحش
ويقال إن ابن عرس يجعل حبل في عنقه ويدخل على الثعلب فلا يخرج إلا به
وهي على ضربين
الأول الفهودة جمع فهد بكسر الهاء وقد زعم أرسطوطاليس

أنه يتولد من أسد ونمرة أو من نمر ولبؤة
وهو من السباع التي تصاد ثم تؤنس حتى تصيد
وهو من الحيوان المحدد الأسنان وأسنانه يدخل بعضها في بعض كالكلب وغيره
قال في التعريف وأول من صاد به كسرى أنوشروان أحد ملوك الطبقة الأخيرة من الفرس قال في المصايد والمطارد ويصطادونه بضروب من الصيد
منها الصوت الحسن فإنه يصغي إليه إصغاء شديدا
ومنها كده وإتعابه حتى يحمى ويعيا وينبهر ويحفى فإذا أخذ غطيت عيناه وأدخل في وعاء وجعل في بيت ما دام وحشيا ووضع عنده سراج ولازمه سائسه ليلا ونهارا ولم يدعه يرى الدنيا ويجعل له مركبا كظهر الدابة يعوده ركوبه ويطعمه على يده فلا يزال كذلك حتى يتأنس فإذا ركب مؤخر الدابة فقد صار داجنا وصاد
وفي طباعه أمور
منها كثرة النوم حتى يضرب بنومه المثل فيقال أنوم من فهد وكثرة الحياء حتى إنه لا يعلم أنه عاظل أنثى بين يدي الإنس وقد عني بمراعاته في ذلك فلم يوقف عليه وإن كان الأسد يفعل ذلك كثيرا
ونقل ابن السندي عن بعض الفهادة أن سائسه إذا أمر يده عليه اطمأن إليه ومال فإذا وضع يده على فرجه نفر وعض يده
ومنها الغضب حتى إنه إذا أرسل على صيد فلم يحصله احتد وإن لم يأخذ سائسه في تسليته قتل نفسه أو كاد
قال صاحب المصايد والمطارد والمسن من الفهود إذا صيد كان أسرع

في الصيد من الجرو الذي يربى ويؤدب
والأنثى أصيد من الذكر كعامة إناث الجوارح
قال وليس شيء من الوحش في قدر جرم الفهد إلا والفهد أفضل منه
قال في المصايد والمطارد وضد الفهد الظباء والوعول على اختلاف أجناسها
الثاني الكلاب جمع كلب ويجمع على أكلب أيضا وعلى كليب كعبد وعبيد
والأنثى كلبة وتجمع على كلبات بالفتح
وهو حيوان شديد الرياضة كثير الوفاء مشترك الطباع بين السبع والبهيمة لأنه لو تم له طباع السبعية لما ألف الناس ولو تم له طباع البهيمية لما أكل اللحم
ويقال إنه يحتلم وأنثاه تحيض وتحمل انثاه ستين يوما وربما حملت أقل من ذلك
ويسفد بعد سنة وربما تقدم على ذلك ولها عند السفاد اشتباك عظيم
وإذا سفد الأنثى كلبان مختلفان أتت من كل واحد بلونه
وفيه من اقتفاء الآثار وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوان
والميتة أحب إليه من اللحم الغريض
ومن طبعه إنه يحرس صاحبه شاهدا أو غائبا ذاكرا أو غافلا ونائما أو يقظان
وهو أيقظ حيوان في الليل وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقها لخفة نومه
ومن عجيب شأنه أنه يكرم الرئيس من الناس فلا ينبحه وإنما ينبح أوباش الناس
ومن طبعه أن الضبع إذا مشت على ظله في القمر رمى بنفسه بين يديها فتأكله وإذا ظفر بكلب غريب كاد يفترسه
وقد أجاز الشارع اتخاذها للصيد ونحوه وأباح صيدها مع نجاسة عينها
قال في التعريف وأول من اتخذها للصيد دارا أحد ملوك الفرس
قال في المصايد والمطارد وإذا كسر الكلب الأرانب فهو نهاية وإن كان يطيق فوق ذلك
والكلب يمسك لصاحبه ولذلك لا يأكل من الصيد بخلاف سائر

الجوارح
قال وإناثها أسرع تعلما من الذكور وأطول أعمارا حتى إنها تعيش عشرين سنة
ومن خاصية الكلب أنه إذا عاين الظباء قريبة كانت أو بعيدة عرف منها العليل من غيره والعنز من التيس فيتبع التيس منها دون العنز وإن كان التيس أشد عدوا وأبعد وثبة لأنه يعلم أن التيس إذا عدا شوطا أو شوطين غلب عليه البول ولا يستطيع إرساله في عدوه فيقل عند ذلك عدوه ويقصر مدى خطاه فيدركه الكلب بخلاف العنز فإنها إذا اعتراها البول أرسلته لسعة مسيله والكلب يعرف ذلك طبعا وكذلك يعرف جحرة الأرانب والثعالب وإن ركبها الثلج والجليد يشمه فيقف عليه ويثير ما فيها من الوحش وإذا صعد منه أرنب إلى أعلى جبل شاهق كان له من التلطف في الارتقاء والصعود ما لا يلحقه غيره بل لا يخفى عليه من الصيد الميت من المتماوت
ومن خصائص الأنثى أنها تحمل ستين يوما ويبقى جروها بعد الولادة اثني عشر يوما أعمى وأكثر ما تضع ثمانية أجراء وربما وضعت واحدا فقط
ورأس الكلب كله عظم واحد
والكلب يطرح مقادم أسنانه ويخلفها ولكنه لا يظهر لكثير من الناس لأنه لا يلقي منها شيئا حتى ينبت في مكانه غيره
والفرق بين الذكر والأنثى أن الذكر إذا أدرك يرفع رجله عند البول والأنثى تبول مقعية وربما رفعت رجلها والذكر يهيج للسفاد في السنة قبل الأنثى وأسنان الذكر أكثر ومضغه أشد
قال الجاحظ وخير الكلاب ما كان لونه يذهب إلى لون الأسد بين الصفرة والحمرة ثم البيض إذا كانت عيونها سوداء
وذكر صاحب المصايد والمطارد أن الأبيض أفره والأسود أصبر على الحر والبرد
ومن علامة النجابة والفراهة فيه أن يكون تحت حنكه طاقة شعر مفردة غليظة وأن يكون شعر حديه جافيا
ومن علامة الفراهة طول ما بين يديه

ورجليه وقصر ظهره وصغر رأسه وطول عنقه وغضف أذنيه وبعد ما بينهما وزرقة عينيه وضخامة مقلتيه ونتوء حدقته وطول خطمه وذقنه وسعة شدقه ونتو جبهته وعرضها
ويستحب فيه أن يكون قصير اليدين طويل الرجلين طويل الصدر غليظه قريبه من الأرض ناتيء الزور غليظ العضدين مستقيم اليدين منضم الأظافير عريض ما بين مفاصل الأعطاف عريض ما بين عظمي أصل الفخذين مع طولهما وشدة لحمهما دقيق الوسط مستقيم الرجلين قصير الساقين غير محني الركبتين قصير الذنب إن كان ذكرا مع دقة وصلابة
وإن الكلبة إذا ولدت واحدا كان أفره من أبويه وإن ولدت اثنين كان الذكر منهما أفره من الأنثى وإن ولدت ثلاثة فيها أنثى في شبه الأم كانت أفره من الثلاثة وإن كان في الثلاثة ذكر واحد كان أفرهها وإذا ألقيت الجراء وهي صغار في مكان ندي فأيها مشى على أربع فهو أفره
ومن أعظم أدوائها الكلب بفتح اللام وهو داء كالجنون يعتري الكلب يؤثر فيمن عضه أنه يخرج من ذكره جراء صغار
ومن عجيب ما يحكى في ذلك أن رجلا عضه كلب كلب فتلقاه بكمه فأصابته أسنانه ولعابه فشمر كمه ساعة ثم نشره فتساقط منه جراء صغار
ثم كلاب الصيد على ضربين سلوقية بفتح السين وزغارية بضم الزاي
فأما السلوقية فمنسوبة إلى سلوق بلدة من اليمن كما قاله صاحب المصايد والمطارد والمؤيد صاحب حماه في تقويم البلدان والمقر

الشهابي ابن فضل الله في التعريف
قال في التعريف وهي مولدة بين الثعالب والكلاب ولذلك لا تقبل التعليم إلا في البطن الثالث منها قال ولها سلاح جيد
قال في المصايد والمطارد ولها أنساب كأنساب الخيل قال وقل أن يعرض لها مرض الكلب
وأما الزغارية فهي ألطف قدا من السلوقية ولم أدر إلى ماذا تنسب

الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش والمشهور منه عشرون ضربا
الأول الحمارة العتابية وهي حيوان في صورة البرذون موشى الجلد بالبياض والسواد يروق الناظر حسنها
وقد كان أهدي للظاهر برقوق سقى الله عهده حمارة من هذا النوع فأقامت مدة ثم أعطاها فقيرا من فقراء العجم فكان يركبها كما تركب الخيل والحمير ويمشي بها في القاهرة ثم عوضه الناصر بن الظاهر سلطان العصر عنها عوضا واعتادها منه وأرسلها في هدية لابن عثمان صاحب بلاد الروم غربي الخليج القسطنطيني
الثاني البقر الوحشية وتعرف بالمها وهي دون البقر الأهلية في المقدار ولها قرنان في رأسها في كل قرن منهما شعب وهي من جليل الصيد ويقال للفتي منها المها وبها يضرب المثل في حسن العيون وسوادها
ومن طبعه الشبق وشدة الشهوة ولذلك إذا حملت أنثاه هربت منه خوفا من تعبثه بها وهي حامل وربما ركب الذكر الذكر لشدة شبقه
قال صاحب المصايد والمطارد وكل إناث الحيوان أرق صوتا من الذكور إلا البقر الوحشية فإن الأنثى أفخم صوتا وأظهر من الذكر
ومواضعها من البرية الوهدات وما استوى من الأرض ودنا من الماء والعشب وليست مما يسكن الجبل ولذلك عيب في ذلك محمد بن عبد الملك الزيات كاتب المعتصم ووزيره حيث وصف ثورا من ثيرانها برعيه في الجبل

وهي مما يصاد بالطرد على الخيل
ويقال إن أول من طردها على الخيل ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان فإنه أول من ركب الخيل على قول ولما ركبها رأى بقرة وحشية فطردها فلجأت إلى مكان يمكنه أخذها منه فرق لها وتركها
ويقال إن من الكلاب ما يتسلط عليها ويتعلق بها وأقدر معين له عليها من جوارح الطير العقاب
قال ابن السندي ودمها أسرع إلى الجمود من دم سائر الحيوان
الثالث الحمر الوحشية ويقال للأنثى من حمر الوحش أتان وللذكر حمار وعير كما يقال في الحمر الإنسية وربما قيل الفراء وهو من أشد الصيد عدوا ولذلك يضرب به المثل فيقال كل الصيد في جنب الفرا أوفي جوف الفرا
وبه تشبه العرب خيلها وإبلها في السرعة
ويقال إن الحمار الوحشي لا ينزو إلا إذا كان له من العمر ثلاثون شهرا وإن الأنثى لا تلقح منه حتى يتم له ثلاث سنين وقيل سنتان وستة أشهر
ويوصف بشدة الغيرة على أتنه حتى يقال إن فيها ما إذا ولد له ولد ذكر كدم قضيبه وخصيبه حتى يقطعهما
قال في المصايد والمطارد وليس يتعلق به شيء من الضواري ولا الجوارح إلا العقاب ولا شيء أبلغ في صيده من الرمي بالنشاب
الرابع الغزلان ويقال لها الظباء بكسر الظاء واحدها ظبي
ثم الظباء على ثلاثة أضرب
أحدها البيض ويقال لها الآرام جمع رئم ومساكنها الرمل ويقال هي ضأن الظباء
وثانيها الأدم وهي ظباء سمر الظهور بيض البطون طويلة الأعناق والقوائم وهي أسرعها عدوا ومساكنها الجبال والشعاب

وثالثها العفر وهو صنف يعلوه مع البياض حمرة قصار الأعناق ومسكنها صلاب الأرض
ويصيد جميعها الفهد والكلب والعقاب وتصاد أيضا بالحبالة والشرك وربما صيدت بإيقاد النار بإزائها لأن الظبي إذا رأى النار في الليل تأملها وأدمن النظر إليها وغشي بصره وذهل وقد يضاف إلى النار تحريك جرس ونحوه فيزداد ذهوله فيؤخذ وتصاد بأمور أخرى غير ذلك
الخامس الأياييل جمع أيل بضم الهمزة وتشديد الياء المثناة تحت ولام في الآخر
وهو حيوان قريب الشبه من الظباء له قرنان في رأسه كالظبي
قال في المصايد والمطارد وهو معتصم بالجبل قلما يحل السهل وقرونه مصمتة لا تجويف فيها ويخلفها في كل عام غيرها ويبتديء في ذلك بعد مضي سنتين من ولادته وله أربع أسنان في كل ناحية من ناحيتي فيه وذكره عصب لا لحم فيه ولا غضروف ولا عظم ودم كل حيوان يجمد إلا دمه وليس للأنثى منها قرون البتة وأصوات ذكورها أحمد من أصوات إناثها وهو يرتاح لسماع الغناء
وإذا مر بشجرة الزيتون ذل لها ويأكل الحيات ولا يضره سمها
وسيأتي في الكلام على الأحجار أن البادزهر الحيواني من صنف منه
ومن خواصه أنه إذا بخر بقرنه مع كبريت أحمر هربت الحيات
السادس الأرانب جمع أرنب والأرنب مؤنثة وهي حيوان صغيرة الجثة قصيرة اليدين قريب من لون الثعلب وليس شيء مما يوصف بقصر اليدين أسرع منها
ومن خصائصها كثرة الشعر حتى إنه لينبت في بطون شدقيها وتحت رجليها
وقضيب ذكر الأرنب من عظم وربما ركبت الأنثى الذكر في السفاد

ولا ينام الأرنب إلا مفتوح العين
ومن طبعها أنها تطأ الأرض بباطن كفها لتعفي أثرها إلا أن الكلب الماهر يدرك أثر قوائمها
ومن شأنها ألا تأوي إلى ساحل البحر وإذا طردت لجأت إلى الجبال واشتد عدوها فيها والأنثى لا تسمن وهي عند العرب مما يحيض وتسفد وهي حبلى وتلد الأول والثاني على ما في بطنها
السابع الذئاب جمع ذئب وهو حيوان في صورة الكلب في لونه بلق بكمودة والذئبة أجرأ من الذئب وأشد عدوا وأسنانه عظم مخلوق في فكيه ليست مغروسة فيهما كسائر الحيوان
قال ابن السندي وأخبرني أبو بكر الدقيشي أن هذه الخلقة في أسنان الضبع أيضا
والذئب صاحب خلوة وانفراد ومتى رأى الإنسان قبل أن يراه أخفى صوته وإن رآه جزع منه اجترأ عليه وساوره
وإذا تسافد هو وأنثاه التحما التحاما شديدا حتى يقال إنه إذا هجم عليهما داخل في هذه الحالة قتلهما كيف شاء ولذلك يبعدان في هذه الحال إلى مكان لا يريان فيه
وإذا تهارش ذئبان فأدمى أحدهما الآخر عدا الذي أدمى على المدمى فقتله خوفا من أخذ الثأر وإذا عجز الذئب عن الدفع عوى فاجتمع إليه الذئاب نصرة له وإذا لقي الفارس والأرض مثلوجة خمش الثلج بيديه ورمى به في وجه الفارس ليدهشه ثم يعقر دابته فيتمكن منه ومتى وطيء الفرس أثر الذئب رعد وخرج الدخان من جسده كله ولذلك قل من يطرد من الفرسان ولا يتفطن لوطء أثره ويصاد بالكلاب وغيرها وقد تقدم أن السوداني ضرى ذئبا حتى اصطاد له الظباء
الثامن الثعالب جمع ثعلب وهو حيوان معروف موصوف بكثرة الروغان في عدوه وبالحيل حتى إنه يتماوت عند رؤية الغراب فينزل عليه الغراب

على ظن موته ليأكل منه فيقبضه هو
ومن خبثه وحيلته يختلط بكبار الوحوش وجلتها
قال في المصايد والمطارد ومن فضائله تشبيههم مشية الخيل بمشيته التي يقال لها الثعلبية
ومن عجائبه أن قضيبه في خلقة الأنبوبة أوسطه عظم في صورة الثقب والباقي عصب ولحم
وهو كريم الوبر والأسود من وبره في الغاية القصوى والأبيض منه لا يكاد يفرق بينه وبين الفنك
ومن خصائصه أنه يتمرغ في الزرع فلا ينبت موضعه وربما سفد الكلبة فولدت كلبا في خلقة السلوقي الذي لا يقدر على مثله وقد تقدم ذكر ذلك في الكلام على الكلاب السلوقية
ومواضعه الكروم والآجام
ويصيده الفهد والكلب وجوارح الطير
التاسع الضباع جمع ضبع ويقال لها أم عامر وهي مما يؤكل وإن كانت من ذوات الناب لورود النص بذلك
وتزعم العرب أنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى
ومن خصائصها أنها إذا رأت الكلب في ليلة مقمرة على سطح ووطئت ظله وقع فأكلته
وإذا اقتحم عليها مقتحم وجارها وقد سد جميع منافذ جحرها حتى يمتنع منه الضوء فلا يبقى فيه خرم إبرة ربطها بحبل وخرج بها وإن بقي ما يدخل منه الضوء ولو قدر سم إبرة وثبت عليه فأكلته ومن كان معه شيء من الحنظل لم تقربه الضبع
العاشر سنور البر وهو التفا
وفي حله عند الشافعية وجهان

أصحهما التحريم
وصيده يحتاج إلى علاج كبير وربما وثب على وجوه الناس وطرده بالخيل من أعسر الطراد وأولى ما يصاد به الرمي
ومنهم من يعده في السباع
قال في المصايد والمطارد وقلما انتفع به في صيد إلا أنه يثب على الكركي وما في مقداره من الطيور فيصيده
أما السنور الأهلي وهو الهر المعروف فغير مأكول ولا يصيد إلا الفأر وما في معناه من خشاش الأرض ولذلك قال النبي في الهرة ولكنها من الطوافين عليكم بمعنى تطوف على النائم في بيته فتقبض ما لعله يسرح عليه من الخشاش
الحادي عشر الدب وهو حيوان قريب في الصورة من السبع وهو يسكن الجبال والمغاير والأنثى ترفع ولدها أياما هربا به من الذر والنمل لأنها تضعه كقطعة لحم فلا تزال تنقله وتراعيه حتى تشتد أعضاؤه وتجعله تحت شجرة الجوز وتصعدها فتجمع الجوز في كفها ثم تضرب اليمنى على اليسرى وترمي إليه فإذا شبع نزلت وربما قطعت من الشجرة العود الذي يعجز الناس عنه وتقبض عليه في موضع مقبض العصا وتشد به على الفارس وغيره فلا تصيب به شيئا إلا أهلكته
ومن خصيصته أنه يستتر في الشتاء فلا يظهر إلا في الصيف بخلاف سائر الحيوان
الثاني عشر الخنزير وهو حرام بنص القرآن نجس في مذهب الشافعي رضي الله عنه قياسا على الكلب بل قالوا إنه أسوأ حالا منه لعدم حل اقتنائه إلا أنه مباح القتل فيكون في معنى الصيد
وهو حيوان في نحو مقدار

الحمار وشعرة كالإبر وله نابان بارزان من فكه الأسفل
ومن خاصته أنه لا يلقي شيئا من أسنانه بخلاف سائر الحيوان فإنها تلقي أسنانها خلا الأضراس
وهو كثير السفاد كثير النسل حتى إنه ربما بلغت عدة خنانيصه وهي أولاده اثني عشر خنوصا
قال في المصايد والمطارد وهو من الحيوان البري الجاهل الذي لا يقبل التأدب والتعليم ويقبل السمن سريعا ويقال إنه إذا جعل بين الخيل سمنت
الثالث عشر السمور بفتح السين وبالميم المشددة المضمومة على وزن السفود والكلوب وهو حيوان بري يشبه السنور وقد يكون أكبر منه
قال عبد اللطيف البغدادي وهو حيوان جريء ليس في الحيوان أجرا منه على الإنسان لا يصاد إلا بالحيل
ووقع للنووي في تهذيب الأسماء واللغات أن السمور طير ولعله سبق قلم منه
وأغرب ابن هشام البستي في شرح الفصيح فقال إنه ضرب من الجن
والتحقيق أنه من جملة الوحوش كما تقدم
وحكمه حل أكله
ومنه يتخذ نفيس الفراء التي لا يلبسها إلا الملوك وأكابر الأعيان ممن يداني الملوك لحسنها ودفائها وأحسنه ما كان منه شديد النعومة مائلا إلى السواد

الرابع عشر الفنك بفتح الفاء والنون وهو دويبة لطيفة لها وبر حسن أبيض يخالطه بعض حمرة يتخذ من جلوده الفراء
قال ابن البيطار وفروه أطيب من جميع الفراء ومزاجه أبرد من السمور وأحر من السنجاب ويصلح للأبدان المعتدلة قال وكثيرا ما يجلب من بلاد الصقالبة
الخامس عشر القاقم بقافين الثانية منهما مضمومة وهو دويبة في قدر الفأر لها شعر أبيض ناعم ومنه يتخذ الفراء
وهو أبرد مزاجا وأرطب من السنجاب ولذلك كان لونه البياض وهو أعز قيمة من السنجاب
السادس عشر الدلق بفتح الدال المهملة واللام وقاف في الآخر فارسي معرب وهو دويبة تقرب من السمور
قال عبد اللطيف البغدادي وهو يفترس في بعض الأحايين ويكرع في الدم
وذكر ابن فارس أنه النمس
وقد ذكر الرافعي أنه يسمى ابن مقرض والمعروف أن الدلق حيوان تتخذ منه الفراء
السابع عشر السنجاب وهو حيوان أكبر من الفأر ووبره في غاية

النعومة وجلده في نهاية القوة
وحكمه الحل وقال بتحريمه بعض الحنابلة
ويتخذ من جلده الفراء النفيسة التي يلبسها أعيان الناس ورؤساؤهم
ومن شأنه أنه إذا أبصر الإنسان صعد الشجر العالي وفيها يأوي ومنها يأكل
وهو كثير ببلاد الفرنج والصقالبة وأحسن ألوانه الأزرق ثم إنه يقال إنه ربما تبقى زرقته لأنه يخنق ولا يذكى فإن صح ذلك فهو ميتة لا يطهر شعره بالدباغ على أظهر القولين من مذهب الشافعي رضي الله عنه خلافا للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني وابن أبي عصرون فإنهما يريان طهارة الشعر بالدباغ وهو رواية الربيع الجيزي عن الشافعي واختاره الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله
الثامن عشر سنور الزباد وهو في صورة السنور الأهلي إلا أنه أطول ذنبا منه وأكبر جثة ولونه إلى السواد أميل وربما كان أنمر وهو يجلب من بلاد الهند والسند والزباد فيه شبيه بالوسخ الأسود اللزج ذفر الرائحة يخالطه طيب كطيب المسك ويوجد في باطن إبطه وباطن أفخاذه وباطن ذنبه وحول دبره فيؤخذ من هذه الأماكن بملعقة ونحوها
التاسع عشر السنور الأهلي وهو الهر ويقال في أصل خلقه إن

أهل السفينة شكوا إلى نوح عليه السلام ضرر الفأر فمسح على وجه الأسد بيده فعطس فخرج السنور من أنفه ولذلك هو يشبهه في التكوين وكيفية الأعضاء
وفيه مشاركة للإنسان في خصال
منها أنه يعطس ويتثاءب ويتناول الشيء بيده ويأكل اللحم ويمسح وجهه بلعابه كأنه يغسله وإذا اتسخ شيء من بدنه نظفه وإذا قضى حاجته خبأ ما يخرج منه ويشمه حتى تخفى رائحته
ويقال إنه يفعل ذلك كيلا يشمه الفأر فيهرب وهو يهيج للسفاد في آخر الشتاء ويكثر الصياح حينئذ وتحمل الأنثى منه مرة في السنة وتقيم حاملا خمسين يوما وإذا ألف منزلا منع غيره من السنانير من الدخول إليه وإذا طرده أهل البيت تملق لهم وترقق وإذا اختطف شيئا هرب به خوف المعاقبة عليه
والهرة إذا جاعت أكلت أولادها ويقال إنها تفعل ذلك من شدة الحنو
وقد ذكر القزويني أن نوعا من السنانير له أجنحة كأجنحة الخفافيش متصلة من أذنها إلى ذنبها
العشرون النمس قال الجوهري وهو دويبة عريضة كأنها قطعة قديد تكون بأرض مصر تقتل الثعبان والنمس بمصر معروف وهو حيوان قصير اليدين والرجلين أغبر اللون طويل الذنب يصيد الدجاج وإذا رأى ثعبانا قبض عليه وقتله وربما صيد وأنس فتأنس
فإذا علم الكاتب صفات الوحوش وخصائصها عرف كيف يورد الجليل منها من الأسد والفيل ونحوها موارده في الوصف وكيف يصف ضواري الصيد

كالفهد وكيف يصف وحوش الصيد كالظباء وبقر الوحش وحمر الوحش وغيرها وكذلك ما يقع من التشبيهات بشيء من الحيوان كما قال بعض الشعراء
( وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب يلغن فيه )
وكما أنشد الجاحظ
( جاءت مع الأفشين في هودج ... نزجي إلى البصرة أجنادها )
( كأنها في فعلها هرة ... تريد أن تأكل أولادها )
مشيرا بذلك إلى ما تقدم من أكل الهرة أولادها وغير ذلك مما يجري هذا المجرى وسيأتي ذكر ما في معنى ذلك من الرسائل المتعلقة بأوصاف الحيوان في المقالة العاشرة المعدة لذلك إن شاء الله تعالى

النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور
ويحتاج الكاتب إلى ذلك في رسائل الصيد وإهداء الجوارح والجواب عن إهدائها وكتابة قدم البندق وما يجري مجرى ذلك وهو على أربعة أصناف
الصنف الأول الجوارح
وهي يصاد بها الطير والوحش ويحتاج الكاتب إلى وصفها في الرسائل الصيدية وفي إهداء شيء من الجوارح أو الجواب عنها

واعلم أن الصائد الكبير الجثة المعتبر في الصيد في جميع أجناس الجوارح هي الإناث أما ذكورها فإنها ألطف في المقدار وأضعف في الصيد على ما يأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى
قال في التعريف ويستحب في الجوارح كبر هامتها ونتو صدرها واتساع حماليقها وقوة إبصارها وحدة مناسرها وصفاء ألوانها ونعومة رياشها وقوة قوادمها وتكاثف خوافيها وثقل محملها وخفة وثباتها واشتدادها في الطلب ونهمها في الأكل وقد قسمها في التعريف إلى قسمين صقور وبزاة وفرق بينهما بأن الصقر ما كان أسود العين والبازي ما كان أصفر العين على اختلاف المسميات ثم قال أما العقاب فإنه لا يعد في الصقور ولا في البزاة وهو معدود في الجوارح وفي الطير الجليل
وبالجملة فالجوارح على ثلاثة أقسام

القسم الأول العقاب وهو ضربان
الضرب الأول المخصوص باسم العقاب وهي مؤنثة لا تذكر وتجمع على عقبان وأعقب
قال في المصايد والمطارد وهي من أعظم الجوارح وليس بعد النسر في الطير أعظم منها وأصل لونها السواد
فمنها سوداء دجوجية وخدارية وهي التي لا بياض فيها
ومنها البقعاء وهي التي يخالط سوادها بياض

ومنها الشقراء وهي التي في رأسها نقط بياض
قال أبو عبيدة ويونس ويقال لذكر العقاب الغرن بفتح الغين والراء المهملة ويقال إن ذكور العقبان من طير آخر لطاف الجرم لا تساوي شيئا تلعب بها الصبيان والعقاب من أسرع الطير طيرانا فقد حكي أن عقابا حملت كف عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد المسمى بيعسوب قريش المقتول يوم الجمل بالكوفة فألقتها بمكة فأخذت فوجد بها حلقة فعرف أنها كفه وأرخ ذلك الوقت فتبين أنها ألقتها يوم الجمل الذي قتل فيه
وأول من صادها أهل المغرب فلما نظرت الروم إلى شدة أمرها وإفراط سلاحها قال حكماؤهم هذا لا يفي خيره بشره
وصفة الوثيق النجيب منها وثاقة الخلق وثبوت الأركان وحمرة اللون وغؤور العين بالحماليق وأن تكون صقعاء عجزاء لا سيما ما كان منها من أرض سرت أو جبال المغرب
وهي تصيد الظباء والثعالب والأرانب وقد تصيد حمر الوحش وطريق صيدها إياها أنها إذا نظرت حمار الوحش رمت بنفسها في الماء حتى يبتل جناحاها ثم تخرج فتقع على التراب فتحمل منه ومن الرمل ما يعلق بهما ثم تطير طيرانا ثقيلا حتى تقع على هامته فتصفق على عينيه بجناحيها فيمتلئان ترابا من ذلك التراب الذي علق بجناحيها فلا تستطيع المسير بعد ذلك فيدركها القانص فيأخذها وربما كسرت الآدمي

ومما يحكي في ذلك أن قيصر ملك الروم أهدى إلى كسرى ملك الفرس عقابا وكتب إليه إنها تعمل أكثر من عمل الصقور فأمر بها كسرى فأرسلت على ظبي فاقتنصته فأعجبه ما رأى منها فانصرف وجوعها ليصيد بها فوثبت على صبي له فقتله فقال كسرى إن قيصر قد جعل بيننا وبينه دما ثائرا بغير جيش ثم إن كسرى أهدى إلى قيصر نمرا وكتب إليه أن قد بعثت إليك فهدا يقتل الظباء وأمثالها من الوحوش وكتم ما صنعت العقاب فأعجب قيصر حسن النمر ووافق صفته ما وصف من الفهد وغفل عنه فافترس بعض فتيانه فقال صادنا كسرى
ومن شأنها أنها لا تطلب شيئا من الوحش الذي تصيده وهي لا تقرب إنسانا أبدا خوفا من أن يطلب صيدها ولا تزال مرقبة على مرقب عال فإذا رأت بعض سباع الطير قد صاد شيئا انقضت عليه فإذا أبصرها هرب وترك الصيد لها فإن جاعت لم يمتنع عليها الذئب في صيدها وربما اغتالت البزاة فقتلتها
ومن خصائصها أنها أشد إخفاء لفراخها من سائر الطير
قال غطريف بن قدامة الغساني صاحب صيد هشام بن عبد الملك وأول من لعب بالعقاب أهل المغرب فلما عرفوا أسرارها نفذوها إلى ملك الروم فاستدعى جميع حكمائه فقال لهم انظروا في قوة هذا الطير وعظم سلاحه كيف تجب تربيته وتعرفوا أسراره في صيده وتعليمه وكيف ينبغي أن يكون فأجابوا جميعا بأن هذا الطائر دون سائر أجناسه كالأسد في سائر الوحوش وكما أن الأسد ملك كذلك هذا ملك بين سائر سباع الطير
وعند العداوة والغضب كل الأجناس عنده من سائر الحيوان على اختلاف أنواعه واحد لقوة غضبه وشدة بأسه فهو لا يستعظم الآدمي ولا غيره من الحيوان
الضرب الثاني الزمج بضم الزاي وفتح الميم المشددة ثم جيم والعامة تبدل الزاي جيما والجيم زايا وهو طائر معروف تصيد به الملوك الوحش

وأهل البيزرة يعدونه من خفاف الطير الجوارح إلا أنهم يصفونه بالغدر وقلة الإلف لكثافة طبعه وكونه لا يقبل التعليم إلا بعد بطء
ومن عادته أنه يصيد على وجه الأرض وأحسن صفاته أن يكون أحمر اللون
وقال الليث الزمج طائر دون العقاب حمرته غالبة والعجم تسميه دوبرا دران ومعناه أنه إن عجز عن الصيد أعانه عليه أخوه

القسم الثاني من الجوارح البزاة وهي ما اصفرت عينه وهي على خمسة أضرب
الأول البازي المختص في زماننا باسم البازي وفي ضبطه ثلاث لغات أفصحها بازي بكسر الزاي وتخفيف الياء في الآخر والثاني باز بغير ياء في آخره والثالث بازي باثبات الياء وتشديدها حكاها ابن سيده ويقال في التثنية بازيان وفي الجمع بواز وبزاة ولفظه مشتق من البزوان وهو الوثب
وهو خفيف الجناح سريع الطيران وهو من أشرف الطيور الجوارح وأحرصها على طلب صيده
ففي أخبار نصر بن سيار أن بعض كبراء الدهاقين غدا عليه

بطبرستان ومعه منديل فيه شيء ملفف فكشف عنه بين يديه فإذا فيه شلوباز ودراجة فأطلقه عليها فأحست به وكنت قد أمرت بإحراق قصب قد أفسد أرضا لي فتحاملت الدراجة حتى اقتحمت النار هاربة من البازي واشتد طلبه لها وحرصه عليها فلم ترده النار عنها واقتحمها في أثرها فأسرعت فيهما فأدركهما وقد آحترقا فأحضرهما إلى الأمير ليراهما فيرى بهما ثمرة إفراط الحرص وإفراط الجبن وهو من أشد الحيوان كبرا وأضيقها خلقا
قال القزويني ولا يكون إلا أنثى وذكرها نوع آخر من حدأة أو شاهين أو غيرهما ولذلك تختلف أشكالها
والبازي قليل الصبر على العطش ومأواه مساقط الشجر
ومن فضيلته أن الصيد فيه طبيعة لأنه يؤخذ من وكره فرخا من غير أن يكون يصيد مع أبويه فيصيد ابتداء وقريحة من غير تضرية بخلاف الصقر فإنه إذا أخذ قبل أن يتصيد مع أبويه لم ينجب ولم يصد وإذا كان قد لحق أبويه وصاد معهما ثم عود أكثر مما يوجد عنده في تلك الحال وجريء على ما هو أكبر من الظباء اعتاد ذلك ومهر فيه
قال صاحب المصايد والمطارد وعدد ريش جناح البازي عشرون ريشة أربع قوادم وأربع مناكب وأربع أباهر وأربع كلى وأربع خواف ويقال سبع قوادم وسبع خواف وسائره لغب
والخوافي أخف من القوادم

والمستحب من صفاته صغر المنسر والرأس وغلظ العنق وسعة اللحيين ودائرتي الأذنين والشدقين وسعة الحدقة وطول القوادم وقصر الخوافي والذنب وشدة اللحم وعرض ما بين المنكبين والزور وسعة الحوصلاء وسعة ما ينتقل إليه طعمه وعرض المخالب ورزانة المحمل وغلظ خطوط الصدر وذكاء القلب والتشمير وكثرة الأكل وتتابع النهش وسرعة الاستمراء وشدة الانتفاض وضخامة السلاح وبعد الذرق
وأن تراه كأنه مقعيا إذا استقبلته على يد حامله تشبيها بالغراب الأبقع
قال صاحب المصايد المطارد والمختار من ألوانها الأحمر الأكثر سوادا الغليظ خطوط الصدر والأشهب الشديد الشهبة والثبيه بالأبيض والأصفر المدبج الظهر قال وسواد لسانه أدل على نجابته
والبازي يصيد الكلب والأرنب والغزال والكركي وما في معناه والدراج والحجل وسائر الحمام والبط وسائر طيور الماء
ومن محاسن البازي عدم الإباق فإنه إن صاد بقي على فريسته وإن لم يصد وقف مكانه فلا يحتاج إلى كد ولا تعب ولا تعب ولا طرد خيل
وأول من صاده من الملوك قسطنطين ملك الروم وذلك أنه مر يوما بلحف جبل فرأى بازيا يطير ثم نزل على شجرة كثيرة الأغصان كبيرة الشوك فأعجبته صورته وراقه حسن لباسه فأمر بأن يصاد له جملة من البزاة فصيدت له وحملت إليه فارتبطها في مجلسه فعرض لبعضها في بعض الأيام أيم فوثب عليه فقتله فقال هذا ملك يغضبه ما يغضب الملوك فنصب له بين يديه كندرة وكان هناك ثعلب داجن وهو الذي يربى في البيوت فوثب عليه فما أفلت إلا جريحا فقال

هذا ملك جبار لا يحتمل ضيما ثم مر به طائر فكسره ونهش منه فقال هذا ملك نوعه لما جاع أخذ طعامه بسلطان وقدرة فحمله على يده وصاد به
الثاني الزرق بضم الزاي المعجمة وتشديد الراء المهملة المفتوحة وقاف في الآخر وهو ذكر البازي
قال في المصايد والمطارد وهو يصيد ما يصيد البازي من دق الطير ولا ينتهي إلى صيد الكركي
الثالث الفقيمي وهو باز قضيف قليل الصيد ذاهل النفس
الرابع الباشق بكسر الشين وفتحها فارسي معرب وهو طائر لطيف وصفاته المحمودة كصفات البازي المحمودة وأفضلها أثقلها وزنا
قال في المصايد والمطارد وهو يصيد العصافير وما قاربها
وقال في حياة الحيوان إنه يصيد أفخر ما يصيده البازي وهو الدراج والحمام والورشان وإذا قوي على صيده لا يتركه إلا أن يتلف أحدهما
الخامس البيدق وهو دون الباشق وصيده العصافير

القسم الثالث من الجوارح الصقور وهي السود العيون من الجوارح وهي ضربان
الضرب الأول الشواهين واحدها شاهين وهي صنفان الأول

المشتهر باسم الشاهين وقد ذكر العلماء بالجوارح أن الشواهين هي أسرع الجوارح كلها وأشجعها وأخفها وأحسنها تقلبا وإقبالا وإدبارا وأشدها ضراوة على الصيد إلا أنهم عابوها بالإباق وما يعتريها من شدة الحرص حتى أنها ربما ضربت نفسها على الغلط من الأرض فماتت وهي أصلب عظاما من غيرها من سائر الجوارح ويقال إن صدرها عصب مجدول ملحم ولذلك تجدها تضرب بصدرها ثم تعلق بكفها وهم يحمدون منها ما قرنص داجنا دون ما قرنص وحشيا
ومن كلام بعضهم الشاهين كاسمه يعني كالميزان المسمى بالشاهين فإنها لا تحمل أيسر حال من الشبع ولا أيسر حال من الجوع بل حالها معتدل كاعتدال الميزان ويقال إن الحمام يخافها أكثر مما يخاف غيرها من الصقور
ثم المختار من صفاتها فيما ذكره صاحب المصايد والمطارد الأحمر اللون إذا كان عظيم الهامة واسع العينين حادهما سائل السفعتين تام المنسر طويل العنق رحب الصدر ممتليء الزور عريض الوسط جليل الفخذين قصير الساقين قريب العقدة من القفا طويل الجناحين قصير الذنب سبط الكف غليظ دائرة الخصر قليل الريش لينه تام الخوافي ممتليء العكوة رقيق الذنب إذا صلب عليه جناحيه لم يفضل عنهما شيء من ذنبه
قال صاحب المصايد والمطارد وأهل الاسكندرية يزعمون أن السود منها هي المحمودة وأن السواد هو أصل لونها وإنما انقلبت إلى لون البراري فحالت قال والحمر منها تكون في الأرياف والمواضع السهلة والشهب في الجبال والبراري ثم قال ولا يصيد منها الكركي والحبرج إلا البحرية

وأول من صادها فيما يقال قسطنطين ملك الروم أيضا وذلك أنه رأى شاهينا محلقا على طير الماء يصطاده فأعجبه ما عاين من فراهته وسرعة طيرانه وحسن صيده فإنه رآه يحلق في طيرانه حتى يلحق بعنان الجو ثم يعود فيطرفة عين فيضرب طير الماء فيأخذه قناصا فقال ينبغي أن يصاد هذا الطائر ويعلم فإن كان قابلا للتعليم ظهر منه أعجوبة في أمر الصيد فأمر بصيده وتعليمه فصيد وعلم وحمله على يده
قال في المصايد والمطارد وأنه كان من رتبة ملوك الروم أنه إذا ركب سارت الشواهين حائمة على رأس الملك حتى ينزل فتقع حوله إلى أن ركب بها ملك منهم وسار وهي على رأسه فطار طائر فانقض بعض تلك الشواهين عليه فاقتنصه وأعجب الملك به فضراها على الصيد وصاد بها
وقال ابن عفير كانت ملوك العرب إذا ركبت في مواكبها طيروا الشواهين فوق رؤوسهم وكان ذلك عندهم هو الرتبة العظيمة
الثاني من الشواهين الأنيوه قال في المصايد والمطارد وهو دون الشاهين في القوة وله سرعة لا تزيد على صيد العصافير
الضرب الثاني من الصقور ما عدا الشواهين وهي أصناف
الأول السنقر قال في التعريف وهو أشرف الجوارح وإن كان لا ذكر له في القديم
قال والسناقر تجلب من البحر الشامي مغالى في أثمانها ثم قال وكان الواحد منها يبلغ ألف دينار ثم نزل عن تلك الرتبة وانحط عن تلك الهضبة
الثاني المخصوص في زماننا باسم الصقر ويجمع على أصقر

وصقور وصقورة قال في التعريف والعرب تسمي هذا النوع ويقال له الأكدر والأجدل
قال في المصايد والمطارد ويقال لها بغال الطير لأنها أصبر على الأذى وأحمل لغليظ الغذاء وأحسن إلفا وأشد إقداما على جلة الطير ومزاجه أبرد من البازي والشاهين
وبسبب ذلك يضرى على الغزال والأرنب ولا يضرى على الطير لأنه يفوته وهو أهدى من البازي نفسا وأسرع استئناسا بالناس وأكثرها قنعا وأبرد مزاجا لا يشرب ماء وإن أقام دهرا ونوعه يوصف بالبخر ونتن الفم ومسكنه المغائر والكهوف وصدوع الجبال دون رؤوس الأشجار وأعالي الجبال
والعرب تحمد من الصقور ما قرنص وحشيا وتذم ما قرنص داجنا وتقول إنه يتبلد ولا يكاد يفلح
وهي تصيد الكركي وما في معناه والبط وسائر طير الماء
والصقور من أثبت الجوارح جنانا في الطيران وأحرصها في اتباع الصيد حتى يحكى أن بعض ملوك مصر أرسل صقرا على كركي صبيحة يوم الجمعة بمصر فبينما الناس يصلون الجمعة بدمشق إذ وقع هو والكركي بالجامع الأموي بدمشق فأخذ فيه لوح السلطان فعرف به فكتب نائب الشام إلى السلطان يخبره وأرسله إليه هو وصيده
قال في المصايد والمطارد ومن ألوان الصقر كونه أحمر وأبغث وأحوى وأبيض وأخرج وهو الذي فيه نقط بيض
قال ويستحب في الصقر أن يكون أحمر اللون عظيم الهامة واسع العينين تام المنسر طويل العنق رحب الصدر ممتلىء الزور عريض الوسط جليل الفخذين قصير

الساقين قريب القعدة من القفا طويل الجناحين قصير الذنب سبط الكف غليظ الأصابع فير وزجها أسود اللسان
قال وتجمع هذه الصفات الفراهة والوثاقة والسرعة
قال أدهم بن محرز وأول من لعب بالصقر الحارث بن معاوية بن كندة الكندي خرج يوما إلى الصيد فرأى صيادين قد نصبوا شباكا عدة فوقع فيها عصافير عدة فحين رآها صقر من الجو انقض عليها يطلبها فأمر الحارث بنصب الشباك للصقور فنصبت لها فاصطاد منها جملة
ويقال إن صيد الصقر غير طبيعي له وإنما يستفيد ذلك بالتعليم بدليل أن فراخ الباز إذا أخذت من العش وعلمت اصطادت أجود صيد لأن صيدها طبيعي بخلاف الصقر فإنه إذا أخذ من الوكر ثم كبر فإنه لا يصطاد غير طعمه فلذلك ينهى عن تربية الصقر
الثالث الكونج قال في حياة الحيوان نسبته من الصقور كنسبة الزرق إلى البازي إلا أنه أحر منه ولذلك كان أخف جناحا وأقل بخرا
قال ويصيد أشياء من طير الماء ويعجز عن الغزال لصغره
الرابع الكوهية وهي موشاة بالبياض والسواد يخالط لونها صفرة وقال في التعريف وتجلب من البحر
الخامس السقاوة وهي قريبة الشكل من الصقر
السادس اليؤيؤ بضم الياء المثناة تحت وهمزة بعدها وضم الثانية وهمزة بعدها أيضا
قال في المصايد والمطاريد وتسميه أهل مصر والشام الجلم

وبهذا سماه في التعريف وهو طائر صغير أسود اللون يضرب للزرقة وهي مع صغرها يجتمع الاثنان منها على الكركي فيصيدانه وسموه الجلم أخذا من الجلم وهو المقص تشبيها به لأن له سرعة كسرعة المقص في قطعه ومزاجه بالنسبة إلى الباشق بارد رطب لأنه أصبر نفسا منه وأثقل حركة
وهو يشرب الماء شربا ضروريا كما يشربه الباشق ومزاجه بالنسبة إلى الصقر حار يابس ولذلك هو أشجع منه
ويقال إن أول من ضراه على الصيد واصطاد به بهرام جور أحد ملوك الفرس وذلك أنه رأى يؤيؤا يطارد قنبرة ويراوغها ويرتفع معها ثم لم يتركها حتى صادها فأمر بتأديبه والصيد به

الصنف الثاني الطير الجليل
وهو المعبر عنه بطير الواجب وبه تعتني رماة البندق ونحوها وتفتخر بإصابته وصرعه ويحتاج إليه في الرسائل الصيدية وفي كتابة قدم البندق ونحوها
وهو أربعة عشر طائرا وهي على ضربين
الضرب الأول طيور الشتاء وهي التي يكثر وجدانها فيه وهي عشرة طيور
الأول الكركي وهو طائر أغبر طويل الساقين في قدر الإوزة ويجمع على كراكي وفي طبعه خور يحمله على التحارس حتى أنه إذا اجتمع جماعة من الكراكي لا بد لها من حارس يحرسها بالنوبة بينها
ومن شأن الذي يحرس منها أن يهتف بصوت خفي كأنه ينذر بأنه حارس فإذا قضى نوبته قام واحد ممن كان نائما يحرس مكانه حتى يقضي كل منها نوبته من الحراسة ولا تطير متفرقة بل صفا واحدا يقدمها واحد منها كالرئيس لها وهي تتبعه يكون ذلك حينا ثم يخلفه آخر منها مقدما حتى يصير الذي كان مقدما مؤخرا وفي طبعها

التناصر والتعاضد
ومن خاصتها أن أنثاها لا تقعد للسفاد بل يسفدها وهي قائمة ويكون سفاده سريعا كالعصفور
وذكر جميع بن عمير التميمي أن الكراكي تبيض في السماء ولا تقع فراخها وكذبه المحدثون في ذلك وإن كان قد روى عنه أهل السنن
قال القزويني في عجائب المخلوقات والكركي لا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه ويعلق الأخرى وإن وضعها وضعا خفيفا مخافة أن تخسف به الأرض
قال في المصايد والمطارد وهو من أبعد الطير صوتا يسمع على أميال
قال وإذا تقدم مجيئها في الفصل استدل بذلك على قوة الشتاء
ويقال إن الكراكي تأتي إلى مصر من بلاد الترك
وفي طلبه وصيده تتغالى ملوك مصر تغاليا لا يدرك حده وتنفق في ذلك الأموال الجمة التي لا نهاية لها وكان لهم من علو الشأن بذلك ما لا يكون لغيرهم
وأكله حلال بلا نزاع
الثاني الإوز بكسر الهمزة وفتح الواو واحدته إوزة وجمعوه على إوزون والمراد هنا الإوز المعروف بالتركي وهو طير في قدر الإوز البلدي أبيض اللون
وله تبختر في مشيته كالحجل
وهو من جملة طير الماء مقطوع بحل أكله
الثالث اللغلغ وهو دون الإوز في المقدار لونه كلون الإوز الحبشي إلى السواد أبيض الجفن أصفر العين ويعرف في مصر بالعراقي ويأتي إليها في مباديء طلوع زرعها في زمن إتيان الكراكي إليها ومن شأنها أن يتقدمها واحد منها كالدليل لها ثم قد تكون صفا واحدا ممتدا كالحبل ودليلها في وسطها متقدم عليها بعض التقدم وقد يصف خلفه صفين ممتدين يلقيانه في زاوية حادة حتى يصير كأنه حرف جيم بلا عراقة متساوية الطرفين ومن خاصتها

أنها إذا كبرت حدث في بياض بطونها وصدورها نقط سود والفرخ منها لا يعتريه ذلك
الرابع الحبرج بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وضم الراء المهملة وجيم في الآخر وهو الحبارى
قال في المصايد والمطارد ويقع على الذكر والأنثى ويجمع على حباريات وذكر غيره أن واحده وجمعه سواء وبعضهم يقول إن الحبرج هو ذكر الحبارى
قال في المصايد والمطارد وهو طائر في قدر الديك كثير الريش ويقال لها دجاجة البر
قال في حياة الحيوان وهي طائر طويل العنق رمادي اللون في منقاره بعض طول يقال لذكر الحبارى الخرب بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وباء موحدة في الآخر ويجمع على خراب وأخراب وخربان
ومن خاصته أن الجارح إذا اعتنقها أرسلت عليه ذرقا حاصلا معها متى أحبت أرسلته فيه حدة تمعط ريشه ولذلك يقال سلاحها سلامها
قال في حياة الحيوان وهي من أشد الطير طيرانا وأبعدها شوطا فإنها تصاد بالبصرة فيوجد في حواصلها الحبة الخضراء التي شجرها البطم ومنابتها تخوم بلاد الشام وإذا نتف ريشها وأبطأ نباته ماتت كمدا قال وهي من أكثر الطير جهدا في تحصل الرزق ومع ذلك تموت جوعا بهذا السبب
قال في المصايد والمطارد وهي مما يعاف لأنها تأكل كل شيء حتى الخنافس وقال في حياة الحيوان حكمها الحل لأنها من الطيبات واستشهد له بحديث الترمذي من رواية سفينة مولى رسول الله أنه قال أكلت مع

رسول الله حبارى ويقال لولدها اليحبور وربما قيل له نهار كما يقال لولد الكروان ليل
الخامس التم بفتح التاء وتشديد الميم وهو طائر في قدر الإوز أبيض اللون طويل العنق أحمر المنقار وهو أعظم طيور الواجب وأرفعها قدرا
السادس الصوغ بضم الصاد المهملة وغين معجمة في الآخر وهو طائر مختلط اللون من السواد والبياض أحمر الصدر وأكثر ميله إلى الخضرة والأشجار
السابع العناز بضم العين المهملة وتشديد النون وزاي معجمة في الآخر طائر أسود اللون أبيض الصدر أحمر الرجلين والمنقار
الثامن العقاب وقد تقدم ذكره في الكلام على الجوارح حيث هو معدود منها ومن طير الواجب ومما يتعلق بهذا المكان أنها منها الأسود والخوخية والسفع والأبيض والأشقر ومنها ما يأوي الجبال وما يأوي الصحاري وما يأوي الغياض وما يأوي حول المدن
وقد تقدم ذكر الخلاف في أن ذكرها من جنسها أو من جنس آخر في الكلام على الجوارح
وحكمها تحريم الأكل لأنها من ذوات المخلب من الطير واختلف في قتلها هل هو مستحب أم لا فجزم الرافعي والنووي من أصحابنا الشافعية في الحج باستحباب قتلها
وجزم النووي في شرح المهذب بأنها من القسم الذي لا يستحب قتله ولا يكره وهو ما يجتمع فيه نفع ومضرة وبه جزم

القاضي أبو الطيب رحمه الله
التاسع النسر بفتح النون ويجمع في القلة على أنسر وفي الكثرة على نسور وسمي نسرا لأنه ينسر الشيء ويبتلعه
والنسر ذو منسر وليس بذي مخلب وإنما له أظفار حداد المخالب وهو يسفد كما يسفد الديك
وزعم قوم أن الأنثى منه تبيض من نظر الذكر إليها وهي لا تحضن بيضها وإنما تبيض في الأماكن العالية الظاهرة للشمس فيقوم حر الشمس للبيض مقام الحضن
والنسر حاد البصر يرى الجيفة من أربعمائة فرسخ وكذلك حاسة شمه في الغاية ويقال إنه إذا شم الرائحة الطيبة مات لوقته وهو أشد الطير طيرانا وأقواها جناحا حتى يقال إنه يطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد وإذا وقع على جيفة وعليها عقبان تأخرت ولم تأكل ما دام يأكل منها وكل الجوارح تخافه وهو في غاية الشره والنهم في الأكل إذا وقع على جيفة وامتلأ منها لم يستطع الطيران حتى يثب وثبات يرفع بها نفسه طبقة في الهواء حتى يدخل تحت الريح وربما صاده الضعيف من الناس في هذه الحالة
والأنثى منه تخاف على بيضها وفراخها الخفاش فتفرش في أوكارها ورق الدلب لتنفر منه الخفاش وهو من أشد الطير حزنا على فراق إلفه حتى إذا فارق أحدهما الآخر مات حزنا
وهو من أطول الطير أعمارا حتى يقال إنه يعمر ألف سنة وحكمه تحريم أكله لأنه يأكل الجيف
العاشر الأنيسة قال في حياة الحيوان بذلك تسميه الرماة وإنما اسمه الأنيس

قال وهو طائر حاد البصر يشبه صوته صوت الجمل ومأواه قرب الأنهار والأماكن الكثيرة المياه الملتفة الأشجار وله لون حسن وتدبير في معاشه
وقال أرسطو إنه يتولد من الشقراق والغراب وذلك بين في لونه ويقال إنه يحب الأنس ويقبل الأدب والتربية في صفيره وقرقرته أعاجيب حتى إنه ربما أفصح بالأصوات كالقمري وغذاؤه الفاكهة واللحم وغير ذلك
ومن شأنه ألفة الغياض
وحكمه الحل لأنه طيب غير مستخبث
فإن صح تولده من الشقراق والغراب فينبغي تحريمه
والأنيسة ذات ألوان مختلفة بدنها يميل إلى الغبرة وعنقها يشتمل على خضرة وزرقة ويقال إنها أشرف طيور الواجب وأعزها وجودا
الضرب الثاني طيور الصيف وهي التي يكثر وجودها فيه وهي أربعة أطيار
الأول الكي بضم الكاف وهو طير أغبر اللون إلى البياض أحمر المنقار والحوصلة رجلاه تضربان إلى السواد
الثاني الغرنوق بكسر الغين المعجمة وفتح النون ويقال فيه غرنيق بضم الغين وفتح النون ويجمع على غرانيق
قال الجوهري وهو طائر أبيض من طير الماء طويل العنق وتبعه الزمخشري على ذلك
وقال أبو خيرة وسمي غرنيقا لبياضه

وقال صاحب المصايد والمطارد الغرنيق كركي إلا أنه أخضر طويل المنقار وقيل لونه كلون الكركي إلا أنه أسود الصدر والرأس وله ذؤابتان في رأسه
وقال ومن خصائصها أن ريشها في شبيتها يكون رماديا فإذا كبرت اسود وليس ذلك في سائر الطير فإن الريش لا يحول بياضه إلى السواد بل يحول سواده إلى البياض كما في الغربان والعصافير والخطاطيف
الثالث المرزم وهو طير أبيض في أطراف ريشه حمرة طويل الرجلين والعنق وهو حلال الأكل
الرابع الشبيطر بضم الشين المعجمة وفتح الموحدة والطاء المهملة ويسمى اللقلق أيضا ويعرف بالبلارح وكنيته عند أهل العراق أبو خديج وهو طائر أبيض أسود طرفي الجناحين ورجلاه ومنقاره حمر وهو يأكل الحيات ولكنه يوصف بالفطنة والذكاء
وفي حله عند الشافعية وجهان أصحهما في شرح المهذب والورضة الحرمة وإن كان من طير الماء
وسيأتي الكلام على ما يحمل من هذه الطيور الأربعة عشر بأعناقه وما يحمل منها بأسيافه فيما يتعلق بمصطلح الرماة في الكلام على كتابة قدم البندق في موضعه إن شاء الله تعالى
وطيور الواجب كلها حلال إلا النسر والعقاب

الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها وهو على
ضربين
الضرب الأول ما يحل أكله وهو أنواع كثيرة لا يأخذه الحصر ونحن نقتصر على ذكر المشهور من أنواعه
فمنها النعام وهو اسم جنس الواحدة نعامة وهو طائر معروف مركب من صورتي جمل وطائر ولذلك تسميه الترك دواقش بمعنى طير جمل وتسميه الفرس اشتر مرك ومعناه جمل وطائر
وتجمع النعامة على نعامات ويسمى ذكرها الظليم
ومن المتكلمين على طبائع الحيوان من لم يجعلها طيرا وإن كانت تبيض لعدم طيرانها ومن الناس من يظن أنها متولدة من جمل وطير ولم يصح ذلك
ومساكنها الرمل وتضع بيضها سطرا مستطيلا بحيث لو مد عليها خيط لم تخرج واحدة منها عن الأخرى ثم تعطي كل بيضة منها نصيبها من الحضن لأنها لا تستطيع ضم جميع البيض تحتها وإذا خرجت للطعم فوجدت بيض نعامة أخرى حضنته ونسيت بيضها فربما حضنت هذه بيض هذه وربما حضنت هذه بيض هذه ولذلك توصف في الطير بالحمق ويقال إنها تقسم بيضها أثلاثا فمنه ما تحضنه ومنه ما تجعله غذاء لها ومنه ما تفتحه وتجعله في الهواء حتى يتولد فيه الدود فتغذي به أفراخها إذا خرجت
وليس للنعام حاسة سمع ولكنه قوي الشم يستغني بشمه عن سماعه حتى يقال إنه يشم رائحة القانص من بعد
والعرب تقول إن النعامة ذهبت تطلب قرنين فقطعوا أذنيها
وهو لا يشرب ماء وإن طال عليه الأمد ولذلك يسكن البراري التي لا ماء فيها
وأكثر ما يكون عدوها إذا استقبلت الريح
ومن خصائصها أنها تبتلع العظم الصلب والحجر والحديد فتذيبه معدتها

حتى تدفعه كالماء وتبتلع الجمر فيطفئه جوفها وإذا رأت في أذن صغير لؤلؤة أو حلقة اختطفتها
وحكمه حل أكله إجماعا
ومن خاصته أن مرارته سم وحي
ومنها الإوز بكسر الهمزة وفتح الواو وهو اسم جنس واحدة إوزة وجمعوه على إوزون وهو مما يحب السباحة في البحر وإذا خرج فرخه من البيضة سبح في الحال وإذا حضنت الأنثى قام الذكر يحرسها لا يفارقها ويخرج فرخها في دون الشهر من البيضة
وهو من الطيبات وغذاؤه جيد إلا أنه بطيء الهضم
ومنها البط وهو من طيور الماء واحدة بطة للذكر والأنثى وليس بعربي وهو عند العرب من جملة الإوز
ومنها القرلي بكسر القاف ويسمى ملاعب ظله
وهو طائر صغير الجرم من طيور الماء سريع الاختطاف لا يزال مرفوقا على وجه الماء على جانب كطيران الحدأة يهوي بإحدى عينيه إلى قعر الماء طمعا ويرفع الأخرى حذرا فإن أبصر في الماء ما يستقل بحمله من السمك أوغيره انقض عليه كالسهم المرسل فأخرجه من قعر الماء وإن أبصر في الجو جارحا مر في الأرض
وبه يضرب المثل في الإقبال على الخير والإدبار عن الشر فيقال كأنه قرلى إن رأى خيرا تدلى أو رأى شرا تولى
ومنها الغطاس ويقال له الغواص وهو طائر أسود نحو الإوزة يغوص في الماء فيستخرج السمك فيأكله
ووهم فيه في حياة الحيوان فجعله القرلى
ومنها الدجاج بفتح الدال المهملة وكسرها وضمها حكاه ابن معن الدمشقي وابن مالك وغيرهما وأفصحها الفتح وأضعفها الضم والواحدة

دجاجة والذكر والأنثى فيه سواء
قال ابن سيده وسميت دجاجة لإقبالها وإدبارها يقال دج القوم إذا مشوا بتقارب خطو وقيل إذا أقبلوا وأدبروا
والفرخ يخرج من البيضة بالحضن وتارة بالصنعة والتدفئة بالنار وإذا خرج الفرخ من البيضة خرج كاسيا ظريفا سريع الحركة يدعى فيجيب ثم كلما مرت عليه الأيام حمق ونقص حسنه
ومما يعرف به الذكر من الأنثى في حالة الصغر أن يعلق الفرخ بمنقاره فإن اضطرب فهو ذكر وإلا فهو أنثى
والدجاج يبيض في جميع السنة وربما باضت الدجاجة في اليوم مرتين ويتم خلق البيض في عشرة أيام وتخرج لينة القشر فإذا أصابها الهواء تصلبت
وتشتمل البيضة على بياض وصفرة ويسمى المح ومن البياض يتخلق الولد والصفرة غذاء له في البيضة يتغذاه من سرته وربما كان للبيضة بياضان ويتخلق من كل بياض فرخ فإذا كبرت الدجاجة لم يبق لبيضها مح وحينئذ فلا يخلق منه فرخ
ثم الدجاج من الطيور الدواجن في البيوت
وقد ورد في سنن ابن ماجه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أمر الأغنياء باتخاذ الغنم وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج
قال عبد اللطيف البغدادي أمر كل قوم من الكسب بحسب مقدرتهم
ومن عجيب أمر الدجاجة أنها تمر بها سائر السباع فلا تحاماها فإذا مر بها ابن آوى وهي على سطح رمت نفسها إليه وهي توصف بقلة النوم وسرعة الانتباه ويقال إن ذلك لخوفها وخور طباعها
ومن الدجاج نوع يقال له الحبشي أرقط اللون متوحش وربما ألف البيوت

والحكم في الجميع الحل
ومنها الديك وهو ذكر الدجاج ويجمع على ديكة وديوك وهو أبله الطبيعة حتى أنه إذا سقط من حائط لم يكن له هداية ترشده إلى دار أهله ومع ذلك فقد خصه الله تعالى بمعرفة الأوقات حتى رجح الرافعي من مذهب الشافعي رضي الله عنه اعتماد الديك المجرب وفاقا للمتولي والقاضي حسين
ومن عجيب أمره أنه يقسط أوقات الليل تقسيطا لا يخل فيه بشيء طال الليل أم قصر
ولكن قد ورد في معجم الطبراني وغيره إن لله سبحانه وتعالى ديكا أبيض جناحاه موشيان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ له جناح بالمشرق وجناج بالمغرب رأسه تحت العرش وقوائمه في الهواء يؤذن كل سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السموات وأهل الأرض إلا الثقلين الجن والإنس فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض وحينئذ فيكون الديك في ذلك تابعا
وقد ورد عدة أحاديث في النهي عن سب الديك ومدح الديك الأبيض والحث على اتخاذه
ومن حميد خصال الديك أنه يسوي بين دجاجه ولا يؤثر واحدة على الأخرى
ويقال إنه يبيض في السنة بيضة ويفرق بين بيضته وبيضة الدجاجة أن بيضته أصغر من بيضة الدجاجة وهي مدورة لا تحديد في رأسيها
ومنها القطا بفتح القاف وهو طائر معروف واحده قطاة ويجمع على قطوات وقطيات وأكثر ما يبيض ثلاث بيضات ويسمى قطا لحكاية صوته لأنه يصيح قطا قطا ولذلك تصفها العرب بالصدق

قال الجوهري وهو معدود من الحمام وبه قال ابن قتيبة وعليه جرى الرافعي في الحج والأطعمة قال الشيخ محب الدين الطبري والمشهور خلافه
ثم القطا نوعان كدري وجوني وزاد الجوهري نوعا ثالثا وهو الغطاط فالكدري غبر اللون رقش البطون والظهور صفر الحلوق قصار الأذناب
والجوني سود بطون الأجنحة والقوادم وظهرها أغبر أرقط تعلوه صفرة وهي أكبر جرما من الكدري تعدل كل جونية كدرتيين والكدرية تفصح باسمها في صياحها والجونية لا تفصح بل تقرقر بصوت في حلقها
ومن خاصتها أنها لا تسير إلا جماعة
ومن طبعها أنها تبيض في القفر على مسافة بعيدة من الماء وتطلب الماء من مسافة عشرين ليلة وفوقها ودونها وتخرج من أفاحيصها في طلب الماء عند طلوع الفجر فتقطع إلى حين طلوع الشمس مسيرة سبع مراحل فترد الماء فتشرب ثم تقيم على الماء ساعتين أو ثلاثا ثم تعود إلى الماء ثانية
والجونية تخرج إلى الماء قبل الكدرية وهي توصف بالهداية فتأتي أفاحيصها ليلا ونهارا فلا تضل عنها وتوصف بحسن المشي وبقلة النوم
ومنها الكروان بفتح الكاف والراء وهو طائر في قدر الدجاجة طويل الرجلين حسن الصوت لا ينام الليل ويجمع على كروان بكسر الكاف والأنثى كروانة
ومنها الحجل بفتح الحاء المهملة والجيم وهو طائر على قدر الحمام كالقطا أحمر المنقار والرجلين ويسمى دجاج البر ويقع على الذكر والأنثى وقد يقال له القبج أيضا بفتح القاف وسكون الموحدة وجيم في

الآخر يقال للذكر والأنثى منه قبجة ويسمى الذكر منه اليعقوب والقبج بفتح القاف والموحدة وجيم في الآخر ويقال في الأنثى منه حجلة وهو صنفان نجدي وتهامي فالنجدي أحمر الرجلين والتهامي فيه بياض وخضرة ومن شأنه أنه يأتي إلى مصر عند هيجان زرعها ويصيح صياحا حسنا تقول العامة إنه يقول في صياحه طاب دقيق السبل
ومن شأن الأنثى منه إذا لم تلقح أنها تتمرغ في التراب وتصبه على أصول ريشها فتلقح ويقال إنها تلقح بسماع صوت الذكر وبريح يهب من قبله وإذا باضت ميز الذكر الذكور منها فحضنها وتحضن الأنثى الإناث وكذلك في التربية
وفرخها يخرج كاسيا بزغب الريش كما في الدجاج
وفي المصايد والمطارد أن القبج كثير السفاد وأنه إذا اشتغلت عنه الأنثى ورأى بيضها كسره
قال التوحيدي ويعيش الحجل عشر سنين ويعمل عشين يجلس الذكر في واحد والأنثى في واحد وهو من أشد الطيور غيرة على أنثاه حتى إن الذكرين ربما قتل أحدهما الآخر بسبب الأنثى فمن غلب منهما دانت له
ومن طبعه أنه يأتي عش غيره فيأخذ بيضه ويحضنه فإذا طارت الفراخ لحقت بأمهاتها التي باضتها وفيه من قوة الطيران ما يظنه من لم يحققه عند طيرانه أنه حجر رمي بمقلاع لسرعته
ومنها القمري بضم القاف وسكون الميم وهو طائر معروف حسن الصوت ويجمع على قماري غير مصروف
قال في المحكم ويجمع

على قمر أيضا والأنثى منه قمرية ويقال للذكر منه الورشان بفتح الواو والراء المهملة والشين المعجمة ويقال له أيضا ساق حر
قال البطليوسي وسمي ساق حر حكاية لصوته كأنه يقول ذلك ويكنى أبا الأخضر وأبا عمران وأبا الناجية
قال ابن السمعاني والقمري منسوب إلى القمر وهي بلدة تشبه الجص لبياضها قال وأظنها بمصر
وقال ابن سيده القمري طير صغير وعده في المحكم من الحمام
ويقال إن الهوام تهرب من صوت القماري
قال القزويني ومن خاصية القماري أنها إذا ماتت ذكورها لم تتزاوج إناثها
والورشان الذي هو ذكر القمري يوصف بالحنو على أولاده حتى إنه ربما قتل نفسه إذا رآها في يد القانص
قال عطاء وهو يقول في صياحه
( لدوا للموت وابنو للخراب ... )
ومنه نوع أسود حجازي يقال له النوى شجي الصوت جدا
ومنها الفاختة بالفاء والخاء المعجمة والتاء المثناة والجمع الفواخت بفتح الفاء وكسر الخاء وهي طائر من ذوات الأطواق حجازية في قدر الحمام حسنة الصوت ويقال إن الحيات تهرب من صوتها حتى يحكى أن الحيات كثرت بأرض فشكا أهلها ذلك إلى بعض الحكماء فأمرهم بنقل الفواخت إليها فانقطعت الحيات عنها
وفي طبعها الأنس بالناس وتعيش في

الدور إلا أن العرب تسمها بالكذب فإن صوتها عندهم تقول فيه هذا أوان الرطب وهي تقول ذلك والنخل لم يطلع بعد ولذلك تقول العرب في أمثالهم أكذب من فاختة
ومنها الدبسي بضم الدال وهو طائر صغير منسوب إلى دبس الرطب بكسر الدال وذلك أنهم يغيرون في النسب فيقولون في النسبة إلى الدهر دهري ونحو ذلك وهو ضرب من الحمام
ثم هو أصناف مصري وحجازي وعراقي وكلها متقاربة لكن أفخرها المصري ولونه الدكنة وقيل هو ذكر اليمام
وفي طبع الدبسي ألا يرى ساقطا على وجه الأرض بل في الشتاء له مشتى وفي الصيف له مصيف لا يعرف له وكر
ومنها الشفنين بفتح الشين المعجمة وسكون الفاء ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت ثم نون وهو الذي تسميه العامة بمصر اليمام وهو دون الحمام في المقدار ولونه الحمرة مع كمودة وفي صوته ترجيع وتحزين
ومن شأنها أنها تحسن أصواتها إذا اختلطت
ومن طبعه أنه إذا فقد أنثاه لم يزل أعزب إلى أن يموت وكذلك الأنثى إذا فقدت ذكرها وفيه ألفة للبيوت وعنده احتراس
ومنها الدراج بفتح الدال وكنيته أبو الحجاج وأبو خطار وهو طائر ظاهر جناحيه أغبر وباطنهما أسود على خلقة القطا إلا أنه ألطف
وهو يطلق على الذكر والأنثى
والجاحظ يعده من جنس الحمام لأنه يجمع بيضه تحت جناحه كما يفعل الحمام
والناس يعبرون عن صوته بأنه يقول بالشكر تدوم النعم
ويقال إنه طائر مبارك وهو كثير النتاج يبشر بقدوم الربيع وهو يصلح بهبوب الشمال وصفاء الهواء ويسوء حاله بهبوب الجنوب حتى لا يقدر على الطيران

ومنها العصفور بضم العين وحكى ابن رشيق في كتاب الغرائب فتحها والأنثى عصفورة وكنيته أبو الصفو وأبو محرز وأبو مزاحم وأبو يعقوب
قال حمزة سمي عصفورا لأنه عصى وفر وهو أنواع كثيرة وأشهرها المعروف بالدوري ووكره العمران تحت السقوف خوفا من الجوارح فإذا خلت مدينة من أهلها ذهبت العصافير منها وهو كثير السفاد حتى إنه ربما سفد في الساعة الواحدة مائة مرة ولفرخه تدرب على الطيران حتى إنه يدعى فيجيب
قال الجاحظ بلغني أنه يرجع من فرسخ
ومنها الشحرور بفتح الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة وهو طائر أسود فويق العصفور له صوت شجي ويكون بأرض الشأم كثيرا
ومنها الهزار بفتح الهاء والزاي المعجمة طائر نحو العصفور له صوت حسن ويسمى العندليب أيضا ويجمع على ع4نادل
ومنها البلبل بضم الموحدتين وسكون اللام الأولى والثانية وهو طائر أسود فوق العصفور والحجري منه فوق ذلك ويقال له النغر بضم النون وفتح الغين المعجمة وراء مهملة في الآخر والكعيث بضم الكاف وفتح العين المهملة ومثناة فوقية في الآخر والجميل بضم الجيم وقد ثبت في الصحيحين من رواية أنس رضي الله عنه أنه قال كان رسول الله أحسن الناس خلقا وكان لي أخ لأمي فطيم يقال له عمير فكان رسول الله إذا جاءنا قال

يا أبا عمير ما فعل النغير لنغر كان يلعب به
ومنها السمانى بضم السين المهملة وفتح النون ولا تشدد ميمه وهو طائر معروف فوق العصفور ويجمع على سمانيات وهو من الطيور التي لا يعرف من أين تأتي بل يأتي في البحر الملح يغوص بأحد جناحيه في الماء ويقيم الآخر كالقلع للسفينة فتدفعه الريح حتى يأتي الساحل وكثيرا ما يوجد ببلاد السواحل وله صوت حسن
ومن شأنه أنه يسكت في الشتاء فإذا أقبل الربيع صاح
ومنها الحسون وتسميه أهل الجزيرة والشأم وحلب وتوابعها زقيقية وهو طائر فطن ويسميه الأندلسيون أبو الحسن والمصريون أبو زقاية وربما أبدلوا الزاي منه سينا وهو عصفور ذو ألوان حمرة وصفرة وبياض وسواد وزرقة وخضرة وهو قابل للتعليم يعلم أخذ الشيء كالفلس ونحوه من يد الإنسان على البعد والإتيان به لصاحبه
ومنها أبو براقش بكسر القاف وبالشين المعجمة وهو طائر كالعصفور يتلون ألوانا وبه يضرب المثل في التلون
ومنها الزاغ بزاي وغين معجمتين بينهما ألف وهو ضرب من الغربان صغير أخضر اللون لطيف الشكل حسن المنظر وقد يكون أحمر المنقار والرجلين وهو الذي يقال له غراب الزيتون سمي بذلك لأنه يأكل الزيتون
ومنها الغداف بضم الغين المعجمة وبالدال المهملة والفاء في آخره وهو غراب الغيط ويجمع على غدفان بكسر الغين
قال ابن فارس هو الغراب الضخم
وقال العبدري هو غراب صغير أسود لونه كلون الرماد
وقد قال النووي في الروضة بتحريمه وإن كان الرافعي

قد جزم بحله ورجحه صاحب المهمات
ومنها غراب الزرع وهو غراب أسود المنقار
وفيه وجه بالتحريم

الضرب الثاني ما يحرم أكله
وهو أنواع كثيرة أيضا
منها الطاوس ويجمع على طواويس وهو طائر في نحو مقدار الإوزة حسن اللون والذكر منه غاية في الحسن له في رأسه رياش خضر قاتمة كالشربوش وفي ذنبه ريش أخضر طويل في أحسن منظر وليس للأنثى شيء من ذلك وهو في الطير كالفرس في الدواب عزا وحسنا وفي طبعه الزهو بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه والأنثى منه تبيض بعد ثلاث سنين من عمرها وفي هذا الحد يكمل ريش الذكر ويتم لونه
وبيضه مرة واحدة في السنة ويكون بيضه من اثنتي عشرة بيضة إلى ما حولها ولا يبيض متتابعا
وسفاده في أيام الربيع
وفي الخريف يلقي ريشه كما يلقي الشجر ورقه حينئذ فإذا بدا طلوع أوراق الأشجار طلع ريشه
وهو كثير العبث بالأنثى إذا حضنت وربما كسر بيضها ولذلك يحضن بيضه تحت الدجاج لكن لا تقوى الدجاجة على حضن أكثر من بيضتين منها وتتعاهد الدجاجة بالطعمة والسقية وهي راقدة عليه كيلا تقوم عنه فيفسد بالهواء إلا أن ما تحضنه الدجاجة يكون ناقص الجثة عما تحضنه أنثاه وليس له من الحسن والبهجة ما لذلك ومدة حضنه ثلاثون يوما وفرخه يخرج من البيضة كالفروج كاسيا بالريش يلقط الحب للحال
ومنها السمندل بفتح السين المهملة والميم وسكون النون وبفتح

الدال المهملة ولام في الآخر وقال الجوهري السندل بغير ميم
وقال ابن خلكان السمند بغير لام وهو طائر يكون بأرض الصين والهند ومن خاصته أنه لا تؤثر النار فيه حتى يقال إنه يبيض ويفرخ فيها ويستلذ بمكثه فيها
ويتخذ من ريشه مناديل ونحوها فإذا اتسخت ألقيت في النار فتأكل النار وسخها ولا تتأثر هي في نفسها
قال ابن خلكان في ترجمة يعقوب بن صابر المنجنيقي رأيت منه قطعة ثخينة منسوجة على هيئة حزام الدابة في طوله وعرضه فألقيت في النار فما أثرت فيها فغمس أحد جوانبها في الزيت وجعل في النار فاشتعل وبقي زمانا طويلا ثم أطفيء وهو على حاله لم يتغير قال ورأيت بخط عبد اللطيف البغدادي أنه أهدي للظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب قطعة منه عرض ذراع في طول ذراعين فغمست في الزيت وقربت من النار فاشتعلت حتى فني الزيت ثم عادت بيضاء كما كانت
وبعضهم يقول إنه وحش كالثعلب وإن ذلك يعمل من وبره
ومنها الببغاء بباءين مفتوحتين الأولى منهما مخففة والثانية مشددة وغين معجمة بعدها ثم ألف وهو المعبر عنه بالدرة بدال مهملة مضمومة وقال ابن السمعاني في الأنساب هي بإسكان الباء الثانية وهي طائر أخضر اللون في قدر الحمام يحاكي ما يسمعه من اللفظ ثم هي على ضربين هندي وهي أكبر جثة ومنقارها أحمر ونوبي وهي دونها ومنقارها أسود ويقال إن منها نوعا أبيض ويذكر أنه أهدي لمعز الدولة ابن بويه ببغاء بيضاء اللون سوداء المنقار

والرجلين على رأسها ذؤابة قستقية
وهي طائر دمث الأخلاق ثاقب الفهم له قوة على حكاية الأصوات وقبول التلقين تتخذه الملوك والأكابر لينم بما سمع
ومن شأنه أنه يتناول طعمه برجله كما يتناوله الإنسان بيده والهندي منه أقرب إلى التعليم من النوبي
ومنها أبو زريق بزاي مضمومة ثم راء مهملة وفي آخره قاف ويقال له القيق بكسر القاف والزرياب بزاي معجمة مكسورة ثم راء مهملة ساكنة ثم ياء مثناة تحت وبعد الألف باء موحدة وهو طائر ألوف للناس يقبل التعليم سريع الإدارك لما يعلم وقد يزيد على الببغاء إذا أنجب بل إذا تعلم جاء بالحروف مبينة حتى يظن سامعه أنه إنسان بخلاف الببغاء فإنها لا تفصح كل الإفصاح
ومن غريب ما يحكى في أمره ما حكاه صاحب منطق الطير أن رجلا خرج من بغداد ومعه أربعمائة درهم لا يملك غيرها فوجد في طريقه عدة من فراخه فاشتراها بما معه ثم رجع إلى بغداد فعلقها في أقفاص في حانوته فهبت عليها ريح باردة فماتت كلها إلا واحدا كان أضعفها وأصغرها فثقل ذلك عليه وبات ليلته تلك يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء وينادي يا غياث المستغيثين أغثني فلما أصبح إذا ذلك الفرخ الذي بقي يصيح بلسان فصيح يا غياث المستغيثين أغثني فاجتمع الناس عليه يسمعون صوته فاجتازت جارية للخليفة فاشترته منه بألف درهم
ومنها الهدهد بضم الهاءين وإسكان الدال المهملة بينهما وهو طائر معروف ذو خطوط موشية وألوان ويجمع على هداهد
ويذكر عنه أنه يرى الماء من باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاج قوة ركبها الله تعالى فيه

ولذلك عني به سليمان عليه السلام مع صغره كما قاله البيهقي في شعب الإيمان ويقال إنه كان دليلا لسليمان عليه السلام على الماء وقصته مع سليمان مذكورة في التنزيل
وقد ذكر الزمخشري أن سبب تخلفه عن سليمان أنه رأى هدهدا آخر فحكى له عظيم ملك سليمان فحكى له ذلك الهدهد عظيم ملك بلقيس باليمن فذهب ليكشف الخبر فلم يرجع إلا بعد العصر فلما عاد إليه توعده فأرخى رأسه وجناحيه تواضعا بين يديه وقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله فارتعد سليمان وعفا عنه
ومنها الخطاف بضم الخاء المعجمة ويجمع على خطاطيف وهو طائر في قدر العصفور أسود وباطن جناحيه إلى الحمرة والناس يسمونه عصفور الجنة لأنه يعرض عن أقواتهم ويقتات البعوض والذباب
ومن شأنه السكنى في البيوت المعمورة بالناس في أفاحيص يبنيها من الطين ويختار منها السقوف والأماكن التي لا يصل إليه فيها أحد
وقد ذكر الثعلبي في تفسيره في سورة النمل أن سبب قرب الخطاطيف من الناس أن الله تعالى أن الله تعالى لما أهبط آدم إلى الأرض استوحش فآنسه الله تعالى بالخطاف وألزمه البيوت فهو لا يفارق بني آدم أنسا لهم
والخفاش يعاديه فلذلك إذا أفرخ في عشه قضبان الكرفس لينفر الخفاش عنها
ومن عادته أنه لا يفرخ في عش عتيق حتى يطينه بطين جديد ولا يلقي شيئا

من ذرقه في عشه بل يلقيه إلى ما شاء
وإذا سمع حس الرعد يكاد يموت
ويوجد في عشه حجر اليرقان وهو حجر صغير فيه خطوط بين الحمرة والسواد إذا علق على من به اليرقان أو شرب من سحالته بريء وإنما يأتي بهذا الحجر إذا أصاب فراخه اليرقان ولذلك يحتال بعض الناس بلطخ فراخه بالزعفران ليظن أن اليرقان قد أصابها فيأتي إليها بهذا الحجر فيؤخذ منه
ومن الخطاطيف نوع آخر ألطف قدرا من هذا يسكن شطوط الأنهار وجوانب المياه
وعدوا من أنواعه أيضا الذي يسميه أهل مصر الخضيري وهو طائر أخضر دون الببغاء في المقدار لا يزال طائرا وهو يصيح يقتات الفراش والذباب
ومنها الصرد بضم الصاد وفتح المهملة ودال مهملة في الآخر ويجمع على صردان
قال ابن قتيبة وسمي صردا حكاية لصوته ويسمى الواق بكسر القاف وكنيته أبو كثير وهو طائر فوق العصفور نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم الرأس ضخم المنقار والبراثن لا يرى إلا في شعفة أو شجرة بحيث لا يقدر عليه أحد وله صفير مختلف
ومن شأنه أنه يصيد العصافير وما في معناها فيصفر لكل طير يريد صيده بلغته يدعوه إلى التقرب منه فيثب عليه فيأكله
والعرب تتشاءم به وتنفر من صياحه
وهو مما وردت الشريعة بالنهي عن قتله
ومنها العقعق بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما قاف ساكنة وربما قيل فيه القعقع على القلب
قال الجاحظ سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركهم أياما بلا طعم
ويقال لصوته العقعقة وهو طائر على قدر الحمامة في شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب

ومن شأنه أنه لا يأوي تحت سقف ولا يستظل به بل يهيىء وكره في المواضع المشرفة وفي طبعه الزنا والخيانة ويوصف بالسرقة والخبث
وإذا رأى حليا أو عقدا اختطفه والعرب تضرب به المثل في جميع ذلك
وإذا باضت الأنثى منه أخفت بيضها بورق الدلب خوفا عليه من الخفاش فإنه متى قرب من البيض مذر وتغير من ساعته
ويقال إنه يخبأ قوته كما يخبؤه الإنسان والنملة إلا أنه ينسى ما يخبؤه
وبعضهم يعده في جملة الغربان
وفيه وجه عندنا بحل أكله
ومنها الشقراق بفتح الشين المعجمة وسكون القاف وألف بين الراء المهملة والقاف الثانية ويجوز فيه كسر الشين أيضا وربما قلبوه فقالوا الشرقاق ويسمى الأخيل أيضا وهو طائر صغير بقدر الحمام أخضر مشبع الخضرة حسن المنظر في أجنحته سواد
والعرب تتشاءم به
وفي طبعه الشره حتى إنه يسرق فراخ غيره
وعده الجاحظ نوعا من الغربان ويكثر ببلاد الشام والروم وخراسان ولا يزال متباعدا من الإنس يألف الروابي ورؤوس الجبال إلا أنه يحضن بيضه في عوالي العمران التي لا تنالها الأيدي
وعشه شديد البنيان وله مشتى ومصيف
قال الجاحظ وهو كثير الاستغاثة إذا مر به طائر ضربه بحناحه وصاح كأنه هو المضروب
وفيه وجه بحل أكله
ومنها الغراب الأبقع قال الجوهري وهو الذي فيه بياض وسواد ويسمى غراب البين أيضا قال صاحب المجالسة سمي بذلك لأنه بان عن نوح عليه السلام حين أرسله لينظر الماء فذهب ولم يرجع قال ابن قتيبة وجعل فاسقا لأجل ذلك
ويسمى الأعور إما لأنه يغمض إحدى عينيه لقوة بصره وإما لصفاء عينيه وحدة بصره من باب الأضداد

ومن طبعه الخيانة والسرقة والعرب تتشاءم به وتكره صوته وقد سبق القول على ذلك في أوابد العرب من هذه المقالة
ومن طبع الغراب الاستتار عند السفاد وأنه يسفدها مواجهة ملقاة على ظهرها والأنثى تبيض أربع بيضات وخمسا وإذا خرجت الفراخ من البيض نفر عنها الأبوان لبشاعة منظرها حينئذ فتغتذي من البعوض والذباب الكائن في عشها حتى ينبت ريشها فيعود الأبوان إليها وعلى الأنثى الحضن وعلى الذكر أن يأتيها بالطعم
وفيه حذر شديد وتناصر حتى إنه إذا صاح الغراب مستنصرا اجتمع إليه عدة من الغربان
ومنها الغراب الأسود الكبير وهو الجبلي
وفيه وجه بحله
ومنها الحدأة بكسر الحاء والهمز الطائر المعروف ويجمع على حدإ وحدءان
ومن ألوانها السود والرمد
وهي لا تصيد بل تخطف
ومن طبعها أنها تصف في الطيران وليس ذلك لشيء من الكواسر غيرها
وزعم ابن وحشية وابن زهر أن الحدأة والعقاب يتبدلان فتصير الحدأة عقابا والعقاب حدأة
وربما قيل الغراب بدل العقاب
ويقال إنها تصير سنة ذكر وسنة أنثى
ويقال أنها أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير حتى لو ماتت جوعا لا تعدو على فرخ جارتها
وفي طبعها أنها إنما تختظف ممن تختطف منه من يده اليمنى دون اليسرى حتى يقال إنها عسراء
وقد ثبت في الصحيحين حل قتلها في الحل والحرم
ومنها الرخمة بفتح الراء المهملة والخاء المعجمة وكنيتها أم جعران

وأم رسالة وأم عجيبة وأم قيس وأم كثير
ويقال لها الأنوق بفتح الهمزة وهي طائر أبقع ببياض وسواد فوق الحدأة في المقدار تأكل الجيف
وهي معدودة في بغاث الطير
وهي تسكن رؤوس الجبال العالية وأبعدها من أماكن أعدائه ولذلك تضرب العرب المثل ببيضه فيقولون أعز من بيض الأنوق والأنثى لا تمكن من نفسها غير ذكرها وتبيض بيضة واحدة وربما باضت بيضتين
ومنها البومة بضم الباء الموحدة وفتح الميم للذكر والأنثى وهو طائر من طير الليل في قدر الإوزة لها وجه مستدير بالريش النابت حوله يشبه وجه الآدمي في صفرة عينين وتوقدهما
ويقال للذكر منها الصدى والضوع بضم الضاد المعجمة والفياد بالفاء وتشديد المثناة تحت ويقال للأنثى الهامة
وكنية الأنثى أم الخراب وأم الصبيان ولها فيالليل قوة سلطان لا يحتملها شيء من الطير تدخل علىكل طائر في وكره في الليل فتخرجه منه وتأكل فراخه وبيضه ولا تنام الليل والطير بجملته يعاديها من أجل ذلك فإذا رأوها في النهار قتلوها ونتفوا ريشها ومن ثم يجعلها الصيادون في شباكهم ليقع عليها الطير فيقتنصونها فهي لا تظهر بالنهار لذلك
ونقل المسعودي في مروج الذهب عن الجاحظ أنها إنما تمتنع من ظهورها في النهار خوفا من أن تصاب بالعين لحسنها وجمالها لأنها تصور في نفسها أنها أحسن الحيوان
ومن طبعها سكنى الخراب دون العامر
ومن غريب ما يحكى ما ذكره الطرطوشي في سراج الملوك أن عبد

الملك بن مروان أرق ليلة فاستدعى نميرا يحدثه فكان مما حدثه أن قال يا أمير المؤمنين كان بالبصرة بومة وبالموصل بومة فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها فقالت بومة البصرة لا أفعل حتى تجعلي في صداقها مائة ضيعة خراب فقالت بومة الموصل لا أقدر على ذلك الآن ولكن إن دام والينا سلمه الله علينا سنة واحدة فاستيقظ لها وجلس للمظالم
ومنها البؤة بضم الباء وفتح الهمزة قال الجوهري وهو طائر يشبه البومة إلا أنه أصغر منها
وذكر ابن قتيبة في أدب الكاتب نحوه ويقال له البوهة أيضا وهي من طير الليل أيضا
ولا يخفى أنها التي يسميها الناس في زماننا المصاصة ويزعمون أنها تنزل على الأطفال فتمص أنوفهم
ومنها الخفاش بضم الخاء المعجمة وتشديد الفاء وبالشين المعجمة ويجمع على خفافيش وهو طائر غريب الشكل والوصف لا ريش عليه وأجنحته جلدة لاصقة بيديه وقيل لاصقة بجنبه وسمي خفاشا لأنه لا يبصر نهارا وبه سمي الرجل أخفش والعامة تسميه الوطواط وقيل الخفاش الصغير والوطواط الكبير ويقال إن الوطواط هو الخطاف لا الخفاش
وليس هو من الطير في شيء فإنه له أسنانا وخصيتين ويحيض ويضحك كما يضحك الإنسان ويبول كما تبول ذوات الأربع ويرضع ولده من ثديه
ولما كان لا يبصر نهارا التمس وقتا يكون بين الظلمة والضوء وهو قريب غروب الشمس لأنه وقت هيجان البعوض فالبعوض يخرج في ذلك الوقت يطلب قوته من دماء الحيوان والخفاش يخرج لطلب الطعم فيقع طالب رزق على طالب رزق
ويقال إنه هو الذي خلقه المسيح عليه السلام من الطين ونفخ فيه فكان طيرا بإذن الله
قال بعض المفسرين ومن أجل ذلك كان مباينا لغيره من

الطيور ولذلك سائر الطيور مبغضة له وتسطو عليه فما كان منها يأكل اللحم أكله وما كان منها لا يأكل اللحم قتله وهو شديد الطيران سريع التقلب يقتات البعوض والذباب وبعض الفواكه
وهو موصوف بطول العمر حتى يقال إنه اطول عمرا من النسر وتلد الأنثى ما بين ثلاثة أفراخ وسبعة وكثيرا ما يسفد وهو طائر في الهواء
وهو يحمل ولده معه إذا طار تحت جناحه وربما قبض عليه بفيه حنوا عليه وربما أرضعت الأنثى ولدها وهي طائرة
وفي طباعه أنه متى أصابه ورق الدلب خدر ولم يطر
وقد ورد النهي عن قتله
فإذا عرف الكاتب أحوال الطير وخواصها تصرف فيها بحسب ما يحتاج إليه في نظمه ونثره كما في قول الشاعر
( وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان )
( واصطد بها العنقاء فهي حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان )
إشارة إلى عظم العنقاء وعدم القدرة على مقاومتها ومع ذلك تنقاد بالسعد
وكما في قول أبي الفتح كشاجم مخاطبا لولده يطلب البر منه
( اتخذ في خلة في الكراكي ... اتخذ فيك خلة الوطوط )
( أنا إن لم تبرني في عناء ... فببري ترجو جواز الشرط )
يشير إلى ما تقدم من أن في طبع الكركي بر والديه إذا كبرا كما أن في طبع الوطواط بر أولاده بحيث يحملها معه إلى حيث توجه وكما في قول الشاعر
( مثل النهار يزيد إبصار الورى ... نورا ويعمي أعين الخفاش )
إشارة إلى أن الخفاش لا يبصر نهارا بخلاف سائر أرباب الأبصار وكما قيل في وصف شارد عن القتال

( وهم تركوه أسلح من حبارى ... رأى صقرا وأشرد من نعام )
يريد ما تقدم مما يعرض للحبارى من أرسالها سلحها على الجارح عند اقتناصه لها وأن النعام في غاية ما يكون في البرية من الشراد والنفار ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى

الصنف الرابع الحمام
وقد اختلف في الحمام في أصل اللغة فنقل الأزهري عن الشافعي رضي الله عنه أن الحمام يطلق على كل ما عب وهدر وإن تفرقت أسماؤه فيدخل فيه الحمام واليمام والدباسي والقماري والفواخت وغيرها
وذهب الأصمعي إلى أن الحمام يطلق على كل ذات طوق كالفواخت والقماري وأشباهها
ونقل أبو عبيد عن الكسائي سماعا منه أن الحمام هو الذي لا يألف البيوت وأن اليمام هو الذي يألف البيوت لكن الذي غلب عليه إطلاق الحمام هو النوع المخصوص المعروف
ثم هو على قسمين
أحدهما ما ليس له اهتداء في الطيران من المسافة البعيدة
والثاني ما له اهتداء ويعرف بالحمام الهدي وهو المراد هنا وقد اعتنى الناس بشأنه في القديم والحديث واهتم بأمره الخلفاء كالمهدي ثالث خلفاء بني العباس

والواثق والناصر وتتنافس فيه رؤساء الناس بالعراق لا سيما بالبصرة
فقد ذكر صاحب الروض المعطار أنهم تنافسوا في اقتنائه ولهجوا بذكره وبالغوا في أثمانه حتى بلغ ثمن الطائر الفاره منها سبعمائة دينار ويقال إنه بلغ ثمن طائر منها جاء من خليج القسطنطينية ألف دينار وكانت تباع بيضة الطائر المشهور بالفراهة بعشرين دينارا
وإنه كان عندهم دفاتر بأنساب الحمام كأنساب العرب
وإنه كان لا يمتنع الرجل الجليل ولا الفقيه ولا العدل من اتخاذ الحمام والمنافسة فيه والإخبار عنها والوصف لأثرها والنعت لمشهورها حتى وجه أهل البصرة إلى بكار بن قتيبة البكراني قاضي مصر وكان في فضله وعقله ودينه وورعه ما لم يكن عليه قاض بحمامات لهم مع ثقات وكتبوا إليه يسألونه أن يتولى إرسالها بنفسه وكان الحمام عندهم متجرا من المتاجر لا يرون بذلك بأسا
وذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف أن الحمام أول ما نشأ يعني في الديار المصرية والبلاد الشامية من الموصل وأن أول من اعتنى به من الملوك ونقله إلى الموصل الشهيد نور الدين بن زنكي صاحب الشام رحمه الله في سنة خمس وستين وخمسمائة
وحافظ عليه الخلفاء الفاطميون بمصر وبالغوا حتى أفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام
وقد اعتنى بعض المصنفين بأمره حتى صنف فيه أبو الحسن بن ملاعب القواس البغدادي كتابا للناصر لدين الله العباسي ذكر فيه أسماء أعضاء الطائر ورياشه والوشوم التي توشم في كل عضو وألوان

الطيور وما يستحسن من صفاتها وكيفية إفراخها وبعض المسافات التي أرسلت منها وذكر شيء من نوادرها وحكاياتها وما يجري مجرى ذلك
وذكر في التعريف أن القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر صنف فيها كتابا سماه تمائم الحمائم ويتعلق الغرض منها بأمور

الأمر الأول ذكر ألوانها
قال أبو الحسن القواس وقد أكثر الناس من ذكر ألوانها ويرجع القصد فيها إلى ذكر ألوان ستة
اللون الأول البياض ومنه الأبيض الصافي والأشقر كان يعلوه حمزة فإن كان الغالب في شقرته البياض قيل فضي فإن زاد قيل أشقر
اللون الثاني الخضرة إن كانت خضرته مشبعة إلى السواد قيل أخضر منسن فإن كان ذلك قيل نبتي الخضرة فإن كان دون ذلك قيل صافي الخضرة فإن تكدرت خضرته بأن لم يكن صافي الخضرة قيل أسمر
اللون الثالث الصفرة وهي عبارة عن أن تكون خضرته تميل إلى البياض فإن كان صافيا قيل أصفر قرطاسي
اللون الرابع الحمرة إذا كان شديد الحمرة قيل عنابي فإن كان دون ذلك قيل خمري فإن كان دون ذلك قيل خلوقي فإن كانت حمرته تضرب إلى الخضرة قيل أكفأ فإن كانت حمرته تضرب إلى البياض قيل أحمر صدقي
اللون الخامس السواد إذا كان شديد السواد لا بياض فيه قيل أسود

مطبق فإن كان لون سواده ناقصا قيل أسود أخلس فإن كان سواده يضرب إلى الخضرة قيل أسود رمادي فإن كان في سواده مائية قيل أسود براق فإن كان ساقاه أيضا أسودين قيل أسود حالك وأسود زنجي
اللون السادس النمري وهو أن يكون في الطائر نقط يخالف بعضها بعضا ويختلف الحال فيه باختلاف كبر النقط وصغرها فتارة يقال مدنر وتارة يقال ملمع وتارة يقال أبرش وتارة يقال موشح وتارة يقال أبقع وتارة يقال أبلق وتارة يقال دباسي وتارة يقال مدرع إلى غير ذلك مما لا يستوفي كثرة
ثم إن كان الطائر أكحل العينين وحول عينيه حمرة قيل فقيع فإن كان أصفر العين قيل أصفر زرنيخي فإن كان أبيض العنق قيل هلالي وهو أحسنها والأصفر العين بعده فإن كانت العين بيضاء وفيها حمرة قيل رماني العين

الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتد به وأسمائها
أما الجناحان فإن فيهما عشرين ريشة في كل جناح منهما عشر ريشات الأولى منها وهي التي في طرف الجناح تسمى الصمة والثانية وهي التي بعدها تسمى المضافة الرئيسية والثالثة وهي التي بعدها تسمى الواسطية والرابعة وهي التي بعدها تسمى المضافة والخامسة وهي التي بعدها تسمى المنظفة والسادسة وهي التي بعدها تسمى المنحدرة والسابعة وهي التي بعدها تسمى الناقصة والثامنة وهي التي بعدها تسمى المؤنسة والتاسعة وهي التي بعدها تسمى الزاملة والعاشرة وهي التي بعدها تسمى المعينة
وبعضهم يسمي الأولى الصغيرة والثانية الرقيقة والثالثة الموفية والرابعة الباحلة والخامسة الحيرة والسادسة الصرافة والسابعة ممسكة الرمي والثامنة والتاسعة الحافظتين والعاشرة الملكة
وربما كان في كل جناح إحدى عشرة ريشة فيسمى الطائر حينئذ أعلم

ولهذه الريشات العشر عشر ريشات مع كل واحدة منها رادفة وهي الريش الصغار التي تغطي قصب الجناح من ظاهره ولكل ريشة من هذه الريشات العشر ريشة صغيرة تغطي قصبتها لكل واحدة منها اسم يخصها
ومن ريش الجناح أيضا الخوافي وهي الريش المستقر مع العشر ريشات الطوال المنقلب برؤوسه إلى مؤخر الجناح وهي تسع ريشات الأولى منها تسمى الحدقة والثانية الرتمة والثالثة الغرة والرابعة الحز والخامسة الجائزة والسادسة المسلمة والسابعة الملازمة والثامنة الشعثة والتاسعة اللامعة وبعضهم يسمي الأولى بنت الملكة والثانية الإبرة والثالثة المقشعرة والرابعة الصافية والخامسة المصفية والسادسة المصفرة والسابعة الزرقاء والثامنة السوداء والتاسعة المزرقة وعد فيها عاشرة تسمى المخضرة ولكل ريشة من الريشات التسع ريشة صغيرة تغطي قصبتها لها اسم يخصها أيضا
وبعد الخوافي الغفار ولكل ريشة من الغفار ريشة صغيرة من باطنها تغطي قصبتها
ومن ريش الجناحين المقومات وهي ثلاث ريشات في طرف الجناح تسمى الزوائد ومن فوقها ثلاث ريشات صغار تغطي قصبتها تسمى الغواشي وأصلها مع أصل أيضا
وأما الذنب فالمعتبر فيه اثنتا عشرة ريشة من كل جانب منه ست ريشات تسمى الأولى منها الغزالة والثانية العروس والثالثة الباشقة والرابعة الباقية والخامسة المجاورة والسادسة العمود ومن الجانب الآخر كذلك

الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى
وقد ذكروا بينهما فروقا منها أن الأنثى إذا تمشت قدمت الرجل اليسرى والذكر يقدم الرجل اليمنى ومنها أن يرى الذكر مقتدرا في الأرض مستشيطا والأنثى بالضد من ذلك ومنها أن ريش الذكر أعرض وأطول وأحسن استواء من الأنثى ومنها أن مذبح الذكر يكون عريضا ومذبح الأنثى يكون دقيقا ومنها أن يكون وجه الذكر عريض الخد والأنثى بالضد من ذلك ومنها أن الأنثى إذا طارت فتحت جناحيها والذكر إذا طار أخرج عشريه
الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره
قال أبو الحسن القواس علامته أن يكون رأسه مكعبا وعينه معتدلة غير ناتئة ولا غائرة ولا فاترة ولا قلقة منزعجة وأن يكون منقاره غليظظا قصيرا وأن يكون وسط المنخرين مكلثم القرطمتين أهرت الشدقين واسع الصدر نقي الريش طويل الفخذين قصير الساقين غليظ الأصابع شثن البراثن طويل القوادم من غير إفراط
ويستحب فيه قصر الذنب ودقته واجتماع ريشه من غير تفرق وأن يكون ظهره معتدلا وإلى القصر أقرب وأن يكون جؤجؤه وهو جانب الصدر طويلا ممتدا وعنقه طويلا منتصبا وريش قوامه وخوافيه مبنيا متطابقا بعضه مع بعض من غير تفرق ولا تمعط وأن يكون شديد اللحم مكتنزا غير رخو ولا رهل

ويستحب فيه أيضا أن يكون قليل الرعدة عند الفزع سريع اللقط للحب خفيف الحركة والنهوض والنزول من غير طيش ولا اختلاط وأن يكون ظهره مسطحا لا أحدب ولا أوقص وييستحب فيه إذا وقف أن ينصب صدره ويرفع عنقه ويفتح ما بين فخذيه شبه البازي
ومن علامة فراهته أنه إذا طال عليه الطيران وأراد النزول على سطحه ألا يدلي رجليه حتى يقع صدره على سطحه لأنه إذا دلى ساقيه كان عيبا عظيما يقولون قد انحلت سراويله بمعنى أنه قد أدى جميع ما عنده من القوة والطاقة ويكره فيه دقة المغرز وطول الذنب وتفرق الريش

الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران
قالوا من علامة الطائر الفاره في صغره أن يكون حديد النظر شديد الحذر خفيف اللحم قليل الريش سريع النهضة كثير التلفت في الجو ممتد العظم مستويا لطيف الذنب خارج العنق قصير الساقين طويل الفخذين محجلا مذيل المنقار مدور القراطم مضاعف المحاجر يلزم موضعا واحدا من صغره إلى ازدواجه فإذا ازدوج على السطح يكون حريصا على طائرته حسن الأخلاق معها لا يطردها طرد الكلاب ولا يغتال غيلة الذئاب قليل الذرق كثير الدهن مدلا بنفسه كأنه يعلم أنه فاره
فإن كان فيه بعض هذه الخصال كانت فراهته على قدر ما فيه من ذلك
قال أبو الحسن الكاتب ومن علامة شهامة الفرخ أن تكون فيه الحركة وهو تحت أبيه وأمه وكلما جمعته لتضمه تحتها خرج من تحتها ويعتلق للخروج وأن يكون ريش رأسه كأن فيه جلحا وريش جسده وجناحه مستطيلا عند نبعه من

جسده وأن يطول ريشه حتى يغطي ظهره ولا ينتشر إلا بعد ذلك وأن يكون من جؤجؤ الصدر إلى مغرزه أقصر من بطنه إلى رأس براثنه
وفي الحمام طائر يقال له الأندم وصفته أن يكون أسود المنقار ليس فيه بياض ورأس منقاره وأصله سواء لا تحديد في رأسه عريض القراطم غليظ الشدقين منتشر المنخرين جهوري الصوت غائر العين قال أبو الحسن القواس ولا تكون هذه الصفة إلا في الطائر الفاره الأصيل الكريم الأب والأم

الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ
أما الزمان فأصلح أوقات التأليف أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني وآذار ونيسان وأيار فإذا وقع الإفراخ في شيء من هذه الأوقات كانت الفراخ أقوياء نجباء أذكياء ونهوا عن الإفراخ في كانون الأول وكانون الثاني وشباط وآب وتموز وحزيران فإن الذي يفرخ فيه لا يزال ناقص البدن قليل الفطنة يلقي ريشه في السنة مرتين فيضعف
وأما المكان فقد حكي عن إقليمن الهندي أن أولى ما أفرخ الحمام بالسطوح
وذلك أن الفرخ يخرج من القشر فيلقى خشونة الهواء وحر الموضع فيصير له عادة ثم لا ينهض حتى يعرف وطنه وينقلب إليه أبوه وأمه بالزق والعلف فيعرف السطح حق المعرفة وينتقل خلفهما فيعلمانه الصعود والهبوط وربما أخذه إلى الرعي بالصحراء فلا يكمل حتى يصير شهما عارفا بأمور الطيران بخلاف ما إذا أفرخ بالسفل فإنه يتربى جسده على برودة الفيء ولين الهواء فإذا كمل وترقى إلى السطح لقيه خشونة الهواء وقوة الحر فيحدث له الحر الجامد بفؤاده الكباد والدق

الأمر السابع في مسافة الطيران
قد تقدم أن طائرا طار من الخليج القسطنطيني إلى البصرة وأن الحمام كان يرسل من مصر إلى البصرة أيضا
وذكر ابن سعيد في كتابه جنى المحل وجنى النحل أن العزيز ثاني خلفاء الفاطميين بمصر ذكر بوزيره يعقوب بن كلس أنه ما رأى القراصية البعلبكية وأنه يحب أن يراها وكان بدمشق حمام من مصر وبمصر حمام من الشام فكتب الوزير بطاقة يأمر فيها من بدمشق أن يجمع ما بها من الحمام المصري ويعلق في كل طائر حبات من القراصية البعلبكية وترسل ففعل ذلك فلم يمض النهار إلا وعنده قدر كثير من القراصية فطلع بها إلى العزيز من يومه وذكر أيضا في كتابه المغرب في أخبار المغرب أن الوزير اليازوري المغربي وزير المستنصر الفاطمي وجه الحمام من مدينة تونس من إفريقية من بلاد المغرب إلى مصر فجاء إلى مصر
وقد ذكر أبو الحسن القواس في كتابه في الحمام أن حماما طار من عبادان إلى الكوفة وأن حماما طار من الترناوذ إلى الأبلة ونحو ذلك
وسيأتي

الكلام على أبراج الحمام بالديار المصرية في المقالة العاشرة فيما بعد إن شاء الله تعالى

النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار
ويحتاج الكاتب إليه من وجهين أحدهما من حيث مخالطة الملوك فلا بد أن يكون عارفا بصفات الجواهر وأثمانها والنفيس منها وخواصها لأنه ربما جرى ذكر شيء من ذلك بحضرة ملكه فتكون مشاركته فيه زيادة في رفعة محله وعلو مقداره وهذا هو الذي عول عليه صاحب مواد البيان في احتياج الكاتب إلى ذلك
والثاني أن يحتاج إلى وصف شيء من ذلك مع هدية تصدر عن ملكه أو هدية تصل إليه مع ما يحتاج إليه من ذلك لمعرفة التشبيهات والاستعارات التي هي عمود البلاغة فمن لم يكن عارفا بأوصاف الأحجار ونفائس الجواهر لا يحسن التعبير عنها ألا ترى إلى تشبيهات ابن المعتز ووصفه للجواهر كيف تقع في نهاية الحسن وغاية الكمال لمعرفته بالمشاهدة فهو يقول عن علم ويتكلم عن معرفة وليس الخبر كالمعاينة وقد اعتنى الناس بالتصنيف في الأحجار في القديم والحديث
فممن صنف فيه في القديم من حكماء الفلاسفة أرسطو طاليس وبلينوس وياقوس الأنطاكي

وممن صنف فيه من الإسلاميين أحمد بن أي خالد المعروف بابن الجزار ويعقوب بن إسحاق الكندي وغيرهما وأحسن مصنف فيه مصنف أبي العباس أحمد بن يوسف التيفاشي
والذي يتعلق الغرض منه بذلك اثنا عشر صنفا

الصنف الأول اللؤلؤ
وهو يتكون في باطن الصدف وهو حيوان من حيوان البحر الملح له جلد عظمي كالحلزون ويغوص عليه الغواصون فيستخرجونه من قعر البحر ويصعدون به فيستخرجونه منه
وله مغاصات كثيرة إلا أن مظان النفيس منه بسرنديب من الهند وبكيش وعمان والبحرين من أرض فارس وأفخره لؤلؤ جزيرة خارك بين كيش والبحرين
أما ما يوجد منه ببحر القلزم وسائر بحار الحجاز فرديء ولو كانت الدرة منه في نهاية الكبر لأنه لا يكون لها طائل ثمن
وجيد اللؤلؤ في الجملة هو الشفاف الشديد البياض الكبير الجرم الكثير الوزن المستدير الشكل الذي لا تضريس فيه ولا تفرطح ولا اعوجاج
ومن عيوبه أن يكون في الحبة تفرطح أو اعوجاج أو يلصق بها قشر أو دودة أو تكون مجوفة غير مصمته أو يكون ثقبها متسعا

ثم من مصطلح الجوهريين أنه إذا اجتمع في الدرة أوصاف الجودة فما زاد على وزن درهمين ولو حبة يسمى درا فإن نقصت عن الدرهمين ولو حبة سميت حبة لؤلؤ وإذا كانت زنتها أكثر من درهمين وفيها عيب من العيوب فإنها تسمى حبة أيضا ولا عبرة بوزنها مع عدم اجتماع أوصاف الجودة فيها
وتسمى الحبة المستديرة الشكل عند الجوهريين الفأرة وفي عرف العامة المدحرجة
ومن طبع الجوهر أنه يتكون قشورا رقاقا طبقة على حبقة حتى لو لم يكن كذلك فليس على أصل الخلقة بل مصنوع
ومن خواصه أنه إذا سحق وسقي مع سمن البقر نفع من السموم
وقال أرسطوطاليس من وقف على حل اللؤلؤ من كباره وصغاره حتى يصير ماء رجراجا ثم طلى به البرص أذهبه
وقيمة الدرة التي زينتها درهمان وحبة مثلا أو وحبتان مع اجتماع شرائط الجودة فيها سبعمائة دينار فإن كان اثنتان على هذه الصفة كانت قيمتهما ألفي دينار كل واحدة ألف دينار لاتفاقهما في النظم والتي زنتها مثقال وهي بصفة الجودة قيمتها ثلثمائة دينار فإن كان اثنتان زنتهما مثقال وهما بهذه الصفة على شكل واحد لا تفريق بينهما في الشكل والصورة كانت قيمتهما أكثر من سبعمائة دينار
وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدولة الفاطمية أنه كان عند خلفائهم درة تسمى اليتيمة زنتها سبعة دراهم تجعل على جبهة الخليفة بين عينيه عند ركوبه في المواكب العظام على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب دولتهم في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى
ويضره جميع الأدهان والحموضات بأسرها لا سيما الليمون ووهج النار والعرق وذفر الرائحة والاحتكاك بالأشياء الخشنة ويجلوه ماء حماض الأترج إلا أنه إذا أثج عليه به قشره ونقص وزنه فإن كانت صفرته من أصل تكونه في البحر فلا سبيل إلى جلائها

الصنف الثاني الياقوت
قال بلينوس وهو حجر ذهبي وهو حصى يتكون بجزيرة خلف سرنديب من بلاد الهند بنحو أربعين فرسخا دورها نحو ستين فرسخا في مثلها وفيها جبل عظيم يقال له جبل الراهون تحدر منه الرياح والسيول الياقوت فيلتقط والياقوت حصباؤه وهو الجبل الذي أهبط الله تعالى عليه آ دم عليه السلام فإذا لم تحدر السيول منه شيئا عمد أهل ذلك الموضع إلى حيوان فذبحوه وسلخوا جلده وقطعوه قطعا كبارا وتركوه في سفح ذلك الجبل فيختطفه نسور تأوي إلى ذلك الجبل فتصعد باللحم إلى أعلاه فيلصق بها الياقوت ثم تأخذه النسور وتنزل به إلى أسفل فيسقط منه ما علق به من الياقوت فإذا أخذ كان لونه مظلما ثم يشف بملاقاة الشمس ويظهر لونه على أي لون كان
ثم هو على أربعة أضرب
الضرب الأول الأحمر ومنه البهرمان ولونه كلون العصفر الشديد الحمرة الناصع في القوة الذي لا يشوب حمرته شائبة ويسمى الرماني لمشابهته حب الرمان الرائق الحب وهو أعلى أصناف الياقوت وأفضلها وأغلاها ثمنا
ومنه الخيري وهو شبيه بلون الخيري وهو المنثور ويتفاضل في قوة الصبغ وضعفه حتى يقرب من البياض
ومنه الوردي وهو كلون الورد ويتفاضل في شدة الصبغ وضعفه حتى يقرب من البياض

وأردأ ألوانه الوردي الذي يضرب إلى البياض والسماقي الذي يضرب إلى السواد
الضرب الثاني الأصفر وأعلاه الجلناري وهو أشد صفرة وأكثره شعاعا ومائية ودونه الخلوقي وهو أقل صفرة منه ودونه الرقيق وهو قليل الصفرة كثير الماء ساطع الشعاع
وأردأ الأصفر ما نقص لونه ومال إلى البياض
الضرب الثالث الأبيض ومنه المهاني وهو أشدها وأكثرها ماء وأقواها شعاعا ومنه الذكر وهو أثقل من المهاني وأقل شعاعا وأصلب حجرا وهو أدون أصناف الياقوت وأقلها ثمنا
وأجود الياقوت الأحمر البهرماني والرماني والوردي النير المشرق اللون الشفاف الذي لا ينقذه البصر بسرعة وعيوبه الشعرة وهي شبه تشقيق يرى فيه والسوس وهو خروق توجد فيه باطنة ويعلوها شيء من ترابية المعدن
ومن أردأ صفاته قبح الشكل
ومن خواص الياقوت أنه يقطع كل الحجارة كما يقطعها الماس وليس يقطعه هو على أي لون كان غير الماس
ومن خواصه أيضا أنه لا ينحك على خشب العشر الذي تجلى به جميع الأحجار بل طريق جلائه أن يكسر الجزع اليماني ويحرق حتى يصير كالنورة ثم يسحق بالماء حتى يصير كأنه الغراء ثم يحك على وجه صفيحة من نحاس حجر الياقوت فينجلي ويصير من أشد الجواهر صقالة
ومن خواصه أنه ليس لشيء من الأحجار المشفة شعاع مثله وأنه أثقل من سائر الأحجار المساوية له في المقدار وأنه يصبر على النار فلا يتكلس بها كما يتكلس غيره من الحجارة النفيسة وإذا خرج من النار برد بسرعة حتى إن الإنسان

يضعه في فيه عقب إخراجه من النار فلا يتأثر به إلا أن لون غير الأحمر منه كالصفرة وغيرها يتحول إلى البياض أما الحمرة فإنها تقوى بالنار بل إذا كان في الفص نكتة حمراء فإنها تتسع بالنار وتنبسط في الحجر بخلاف النكتة السوداء فيه فإنها تنقص بالنار فما ذهبت حمرته بالنار فليس بياقوت بل ياقوت أبيض مصبوغ أو حجر يشبه الياقوت
ومن منافعه ما ذكره أرسطاطاليس أن التختم به يمنع صاحبه أن يصيبه الطاعون إذا ظهر في بلد هو فيه وأنه يعظم لابسه في عيون الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج وتتيسر له أسباب المعاش ويقوي قلبه ويشجعه وأن الصاعقة لا تقع على من تختم به
وإذا وضع تحت اللسان قطع العطش
وامتحانه أن يحك به ما يشبهه من الأحجار فإنه يخرجها بأسرها ولا تؤثر هي فيه
قال التيفاشي وقيمة الأحمر الخالص على ماجرى عليه العرف بمصر والعراق أن الحجر إذا كان زنته نصف درهم كانت قيمته ستة مثاقيل من الذهب الخالص والحجر الذي زنته درهم قيمته سنة عشر دينارا والحجر الذي زنته مثقال قيمته بدينارين القيراط والحجر الذي زنته مثقال وثلث قيمته ثلاثة دنانير القيراط إلى ثلاثة ونصف ويزيد ذلك بحسب زيادة لونه ومائيته وكبر جرمه حتى ربما بلغ ما زنته مثقال من جيده مائة مثقال من الذهب إذا كان بهرمانا نهاية في الصبغ والمائية والشعاع قد نقص منه بالحك كثير من جرمه وقيمة الأصفر منه زنة كل درهم بدينارين وقيمة الأزرق والماهاني كل درهم بأربعة دنانير وقيمة الأبيض على النصف من الأصفر
ويختلف ذلك كله بالزيادة والنقص في الصبغ والمائية مع القرب من المعدن والبعد عنه
وقد ذكر ابن الطوير في ترتيب مملكة الفاطميين أنه كان عندهم حجر ياقوت أحمر في صورة هلال زنته أحد عشر مثقالا يعرف بالحافر يجعل على جبين الخليفة بين عينيه مع الدرة المتقدمة الذكر عند ركوبه

الصنف الثالث البلخش
قال في مسالك الأبصار ويسمى اللعل
قال بلينوس وانعقاده في الأصل ليكون ياقوتا إلا أنه أبعده عن الياقوتية علل من اليبس والرطوبة وغيرهما وكذلك سائر الأحجار الحمر
ومعدن البلخش الذي يتكون فيه بنواحي بلخشان
والعجم تقول بذخشان بذال معجمة وهي من بلاد الترك تتاخم الصين
قال التيفاشي وأخبرني من رأى معدنه من التجار أنه وجد منه في المعدن حجرا وفي باطنه ما لم يكمل طبخه وانعقاده بعد والحجر مجتمع عليه وهو على ثلاثة أضرب أحمر معقرب وأخضر زبرجدي وأصفر والأحمر أجوده
قال التيفاشي وليس لجميعه شيء من خواص الياقوت ومنافعه وإنما فضيلته تشبهه به في الصبغ والمائية والشعاع لا غير
قال وقيمته في الجملة غالبا على النصف من قيمة الياقوت الجيد
قال في مسالك الأبصار وهو لا يؤخذ من معدنه إلا بتعب كثير وإنفاق زائد وقد لا يوجد بعد التعب والإنفاق ولهذا عز وجوده وغلت قيمته وكثر طالبه والتفتت الأعناق إلى التحلي به
قال وأنفس قطعة وصلت إلى بلادنا من البلخش قطعة وصلت مع تاجر في أيام العادل كتبغا وأحضرت إليه وهو بدمشق وكانت قطعة جليلة مثلثة على هيئة المشط العودي وهي في نهاية الحسن وغاية الجودة زنتها خمسون درهما كاد المجلس يضيء منها فأحضر الصاحب نجم

الدين الحنفي الجوهري وسأله عن قيمتها فقال له نجم الدين الجوهري إنما يعرف قيمتها من رأى مثلها وأنا وأنت والسلطان ومن حضر لم نر مثلها فكيف نعرف قيمتها فأعجب بكلامه وصالح عليها صاحبها

الصنف الرابع عين الهر
قال التيفاشي وهو في معنى الياقوت إلا أن الأعراض المقتصرة به أقعدته عن الياقوتية ولذلك إنما يوجد في معدن الياقوت المتقدم ذكره وتخرجه الرياح والسيول كما تخرج الياقوت على ما تقدم قال ولم أجده في كتب الأحجار وكأنه محدث الظهور بأيدي الناس والغالب على لونه البياض بإشراق عظيم ومائية رقيقة شفافة إلا أنه ترى في باطنه نكتة على قدر ناظر الهر الحامل للنور المتحرك في فص مقلته وعلى لونه على السواد وإذا تحرك الفص إلى جهة اليسار وبالعكس وكذلك الأعلى والأسفل وإن كسر الحجر أو قطع على أقل جزء ظهرت تلك النكتة في كل جزء من أجزائه ولذلك يسمى عين الهر
وأجوده ما اشتد بياض أبيضه وشفيفه وكثرت مائية النكتة التي فيه مع سرعة حركتها وظهور نورها وإشراقها ولا يخفى أن حسن الشكل وكبر الجرم يزيدان في قيمته كسائر الأحجار
قال التيفاشي والمشهور من منافعه عند الجمهور أنه يحفظ حامله من أعين السوء
ونقل عن بعض ثقات الجوهريين أنه يجمع سائر الخواص التي في الياقوت البهرماني في منافعه ويزيد عليه بألا ينقص مال حامله ولا تعتريه الآفات وأنه إذا كان في يد رجل وحضر مصاف حرب وهزم حزبه فألقى نفسه بين القتلى رآه كل من يمر به من أعدائه كأنه مقتول متشحط في دمه وأن ثمنه بالهند مع قرب معدنه أغلى من ثمنه ببلاد المغرب بكثير لعلمهم بخواصه وقيمته تختلف بحسب الرغبة فيه وإذا وقع ببلاد المغرب بيع المثقال منه بخمسة دنانير ويزيد

على ذلك بحسب الغرض
وذكر التيفاشي عن بعض التجار أن حجرا منه بيع في المعبر من بلاد الهند بمائة وخمسين دينارا وأنه بيع منه حجر ببلاد الفرس بسبعمائة دينار

الصنف الخامس الماس
قال بلينوس في كتاب الأحجار وابتدأ في معدنه لينعقد ذهبا فأبعدته العوارض عن ذلك وهو يتكون في معدن الياقوت المقدم ذكره وتخرجه الرياح والسيول من معدنه كما تخرج الياقوت وهو ضربان أحدهما أبيض شديد البياض يشبه البلور يسمى البلوري لذلك والثاني يخالط بياضه صفرة فيصير كلون الزجاج الفرعوني ويعبر عنه بالزيتي
قال الكندي والذي عاينته من هذا الحجر ما بين الخردلة إلى الجوزة ولم أر أعظم من ذلك
ومن خواصه أنه يقطع كل حجر يمر عليه وإذا وضع على سندال حديد ودق بالمطرقة لم ينكسر وغاص في وجه السندال والمطرقة وكسرهما ولا يلتصق بشيء من الأجساد إلا هشم ويمحو النقوش التي في الأحجار كلها وإنما يكسر بأحد طريقين أحدهما أن يجعل داخل شيء من الشمع ويدخل في أنبوب قصب وينقر بمطرقة أو غيرها برفق بحيث لا يباشر جسمه الحديد فينكسر حينئذ أو يجعل في أسرب وهو الرصاص ويفعل به ذلك فيكسر أيضا
ومن خواصه أن الذباب يشتهي أكله فما سقطت منه قطعة صغيرة إلا سقط عليها الذباب وابتلعها أو طار بها ومتى ابتلع منه الإنسان قطعة ولو أصغر ما يكون حرقت أمعاءه وقتلته على الفور
قال أرسطوطاليس وبينه وبين الذهب محبة يتشبث به حيث كان
ومن خاصته أن كل قطعة تؤخذ منه تكون ذات زوايا قائمة الرأس ست

زوايا وثمان زوايا وأكثر وأقله ثلاث زوايا وإذا كسر لا ينكسر إلا مثلثا وبه يثقب الدر والياقوت والزمرد وغيرها من جميع ما لا يعمل فيه الحديد من الأحجار كما يثقب الحديد الخشب بأن يركب في رأس منقار حديد منه قطعة بقدر ما يراد من سعة الثقب وضيقه ثم يثقب به فيثقب بسرعة
ومن منفعته فيما ذكره أرسطوطاليس أن من كان به الحصاة الحادثة في المثانة في مجرى البول إذا أخذ حبة من هذا الحجر وألصقها في مرود نحاس بمصطكى إلصاقا محكما ثم أدخل المرود إلى الحصاة فإنها تثقبها
قال أحمد بن أبي خالد وبذلك عالجت وصيفا الخادم من حصاة أصابته وامتنع من الشق عليها بالحديد
وقال ابن بوسطر وإذا علق على البطن من الخارج نفع من المغس الشديد ومن فساد المعدة
وقيمته الوسطى فيما ذكره التيفاشي أن زنة قيراط منه بدينارين
ونقل عن الكندي أن أغلى ما شاهد منه ببغداد المثقال بثمانين دينارا وأرخص ما شاهد منه ببغداد أيضا المثقال بخمسة عشر دينارا وأنه إذا بدرت منه قطعة كبيرة تصلح لفص قدر نصف مثقال يضاعف ثمنها على ما هو قدر الخردلة أو الفلفلة ثلاثة أضعاف وأربعة وخمسة

الصنف السادس الزمرد
يقال بالذال المعجمة والمهملة قال بلينوس والزمرد ابتدأ لينعقد ياقوتا وكان لونه أحمر إلا أنه لشدة تكاثف الحمرة بعضها على بعض عرض له

السواد وامتزجت الحمرة والسواد فصار لونه أخضر
ومعدنه الذي يتكون فيه في التخوم بين بلاد مصر والسودان خلف أسوان من بلاد الديار المصرية يوجد في جبل هناك ممتد كالجسر فيه معادن
قال في مسالك الأبصار وبينه وبين قوص ثمانية أيام بالسير المعتدل ولا عمارة عنده ولا حوله ولا قريبا منه والماء عنده على مسيرة نصف يوم أو أكثر في موضع يعرف بغدير أعين
فمنه ما يوجد قطعا صغارا كالحصى منبثة في تراب المعدن وهي الفصوص وربما أصيب العرق منه متصلا فيقطع وهو القصب وهو أجوده
قال في مسالك الأبصار وتلك العروق منبثة في حجر أبيض تستخرج منه بقطع الحجر
قال التيفاشي ويوجد على بعضه تربة كالكحل الشديد السواد وهو أشده خضرة وأكثره ماء
وقد ذكر المؤيد صاحب حماه في تاريخه أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله لما استولى على قصر الفاطميين بعد موت العاضد وجد فيه قصبة من زمرد طولها أربعة أذرع أو نحوها
وهو على ثلاثة أضرب
الأول الذباي وهو شديد الخضرة لا يشوب خضرته شيء آخر من الألوان من صفرة ولا سواد ولا غيرهما حسن الصبغ جيد المائية شديد الشعاع ويسمى ذبابيا لمشابهة لونه في الخضرة لون كبار الذباب الأخضر الربيعي وهو من أحسن الألوان خضرة وبصيصا
قال في مسالك الأبصار وهو أقل من القليل بل لا يكاد يوجد
الثاني الريحاني وهو مفتوح اللون شبيه بلون ورق الريحان
الثالث السلقي وخضرته أشبه شيء بلون السلق

الرابع الصابوني ولونه كلون الصابون الأخضر
قال في مسالك الأبصار وإذا استخرج الزمرد من المعدن جعل في زيت الكتان ثم لف في قطن وصر في خرقة كتان ونحوها ولم يزل العمل في هذا المعدن إلى أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون فترك لكثرة كلفته
وأفضل أنواعه وأشرفها الذبابي ويزداد حسنه بكبر الجرم واستواء القصبة وعدم الاعوجاج فيها
ومن عيوب الذبابي اختلاف الصبغ بحيث يكون موضع منه مخالفا للموضع الآخر وعدم الاستواء في الشكل والتشعير وهو شبه شقوق خفية إلا أنه لا يكاد يخلو منه والرخاوة وخفة الوزن وشدة الملاسة والصقال والنعومة وزيادة الخضرة والمائية إذا ركب على البطانة وهو ينحل بالنار ويتكلس فيها ولا يثبت ثبات الياقوت
ومن خاصية الذبابي التي امتاز بها عن سائر الأحجار أن الأفاعي إذا نظرت إليه ووقع بصرها عليه انفقأت عيونها قال التيفاشي وقد جربت ذلك في قطعة زمرد ذبابي خالص فحصلت أفعى وجعلتها في طشت وألصقته بشمع في رأس سهم وقربته من عينها فسمعت قعقعة خفية كما في قتل صؤابة فنظرت إلى عينيها فإذا هما قد برزتا على وجهها وضعفت حركتها وبهذه الخاصة يمتحن الزمرد الخالص من غيره كما يمتحن الياقوت بالصبر على النار
ومن منافعه أن من أدمن نظره أذهب عن بصره الكلال ومن تختم به دفع عنه داء الصرع إذا كان قد لبسه قبل ذلك ومن أجل ذلك كانت الملوك تعلقه على أولادها وإذا كان في موضع لم تقر به ذوات السموم وإذا سحل منه وزن ثمان شعيرات وسقيته شارب السم قبل أن يعمل السم فيه خلصته منه وإذا تختم به نفث الدم أو إسهاله منع من ذلك وإذا علق على المعدة من خارج نفع من وجعها وشرب حكاكته ينفع من الجذام

وقيمة الذبابي الخالص في الحجر الذي زنته درهم أربعة دنانير القيراط ويتضاعف بحسب كبره وينقص بحسب صغره إلا أنه لا ينقص بالصغر نقص غيره من الأحجار لوجود خاصيته في الكبير والصغير والمعوج والمستقيم
أما بقية أصناف الزمرد فإنه لا يعتد بها لعدم المنافع الموجودة في الذبابي

الصنف السابع الزبرجد
وهو حجر أخضر يتكون في معدن الزمرد ولذلك يظنه كثير من الناس نوعا منه إلا أنه أقل وجودا من الزمرد
قال التيفاشي أما في هذا الزمان فإنه لا يوجد في المعدن أصلا وإنما الموجود منه بأيدي الناس فصوص تستخرج بالنبش من الآثار القديمة بالإسكندرية وذكر أنه رأى منه فصا في يد رجل أخبره أنه استخرجه من هنالك زنته درهم لا يكاد البصر يقلع عنه لرقة مائه وحسن صفائه
وأجوده الأخضر المعتدل الخضرة الحسن المائية الرقيق المستشف الذي ينفذه البصر بسرعة ودونه الأخضر المفتوح اللون وليس فيه شيء من خواص الزمرد إلا أن إدمان النظر إليه يجلو البصر
وقيمة خالصه نصف درهم بدينار
الصنف الثامن الفيروذج
وهو حجر نحاسي يتكون في معادن النحاس من الأبخرة الصاعدة منها إلا أنه لا يوجد في جميع معادن النحاس ومعدنه الذي يوجد فيه بنيسابور ومنه يجلب إلى سائر البلدان ومنه نوع آخر يوجد في نشاور إلا أن النيسابوري خير منه

وهو ضربان بسحاقي وخلنجي والخالص منه العتيق هو البسحاقي
وأجوده الأزرق الصافي اللون المشرق الصفاء الشديد الصقالة المستوي الصبغ وأكثر ما يكون فصوصا وذكر الكندي أنه رأى منه حجرا زنته أوقية ونصف
ومن خاصته أنه يصفو بصفاء الجو ويكدر بكدرته وإذا مسه الدهن أذهب حسنه وغير لونه والعرق يطفىء لونه والمسك إذا باشره أفسده وأذهب حسنه وإذا وضع الفص الجيد منه إلى جانب ما هو دونه في الجودة أذهب بهجته وإذا وضع إلى جانب الدهنج غلب الدهنج على لونه فأذهب بهجته ولو كان الفص الفيروزج في غاية الحسن والجودة
ومن منافعه أنه يجلو البصر بالنظر إليه وإذا سحق وشرب نفع من لدغ العقارب وقيمته تختلف باختلاف الجودة اختلافا كثيرا فربما كان الفصان منه زنتهما واحدة وثمن أحدهما دينار وثمن الآخر درهم
وبالجملة فالخلنجي الجيد على النصف من البسحاقي الجيد
قال التيفاشي وأهل المغرب أكثر الناس له طلبا وأشدهم في ثمنه مغالاة وربما بلغوا بالفص منه عشرة دنانير مغربية ويحرصون على التختم به وربما زعموا أنه يدخل في أعمال الكيمياء

الصنف التاسع الدهنج
وقد ذكر أرسطوطاليس أنه أيضا حجر نحاسي يتكون في معادن النحاس يرتفع من أبخرتها وينعقد لكنه لا يوجد في جميع معادن كرمان وسجستان من بلاد

فارس
قال ومنه ما يؤتى به من غار بني سليم من برية المغرب في مواضع أخرى كثيرة
وأجود أنواعه أربعة وهي الإفرندي والهندي والكرماني والكركي وأجوده في الجملة الأخضر المشبع الخضرة الشبيه اللون بالزمرد معرق بخضرة حسنة فيه أهلة وعيون بعضها من بعض حسان وأن يكون صلبا أملس يقبل الصقالة
ومن خاصته في نفسه أن فيه رخاوة بحيث أنه إذا صنع منه آنية أو نصب للسكاكين ومرت عليه أعداد سنين ذهب نوره لرخاوته وانحل ولذلك إذا حك انحك سريعا وإذا خرط خرزا أو أواني أو غير ذلك كان في خرطه سهولة وإذا نقع في الزيت اشتدت خضرته وحسن فإن غفل عنه حتى يطول لبثه في الزيت مال إلى السواد
ومن منافعه أنه إذا مسح به على مواضع لدغ العقرب سكنه بعض السكون وإذا سحق منه شيء وأذيب بالخل ودلك به موضع القوبة الحادثة من المرة السوداء أذهبها
ومن عجيب خواصه أنه إذا سقي من سحالته شارب سم نفعه بعض النفع وإن شرب منه من لم يشرب سما كان سما مفرطا ينفط الأمعاء ويلهب البدن

ويحدث فيه سما لا يبرأ سريعا لا سيما إذا حك بحديدة ومن أمسكه في فيه ومصه أضر به
وقيمته أن الأفريدي الخالص منه كل مثقال بمثقالين من الذهب ويوجد منه فصوص وغيرها
وقد ذكر يعقوب بن إسحاق الكندي أنه رأى منه صحفة تسع ثلاثين رطلا

الصنف العاشر البلور
قال بلينوس وهو حجر بورقي وأصله اليوقوتية إلا أنه قعدت به أعراض عن بلوغ رتبة الياقوت وقد اختلف أصحابنا الشافعية رحمهم الله في نفاسته على وجهين أصحهما أنه من الجوهر النفيس كالياقوت ونحوه والثاني أنه ليس بنفيس لأن نفاسته في صنعته لا في جوهره
ويوجد بأماكن منها برية العرب من أرض الحجاز وهو أجوده ومنه ما يؤتى به من الصين وهو دونه ومنه ما يكون ببلاد الفرنجة وهو في غاية الجودة ومنه معادن توجد بأرمينية تميل إلى الصفرة الزجاجية
وقد ذكر التيفاشي أنه ظهر في زمنه معدن منه بالقرب من مراكش من المغرب الأقصى إلا أن فيه تشعيرا وكثر عندهم حتى فرش منه لملك المغرب مجلس كبير أرضا وحيطانا ونقل عن بعض التجار أن بالقرب من غزنة من بلاد الهند على مسيرة ثلاثة عشر يوما منها بينها وبين كاشغر جبلين من بلور خالص مطلين على واد بينهما وأنه يقطع في الليل لتأثير شعاعه إذا طلعت عليه الشمس بالنهار في الأعين

وأجوده أصفاه وأنقاه وأشفه وأبيضه وأسلمه من التشعير فإن كان مع ذلك كبير الجرم آنية أو غيرها كان غاية في نوعه
وقد ذكر الكندي أن في البلور قطعا تخرج كل قطعة منه من المعدن أكبر من مائة من
ونقل التيفاشي أنه كان بقصر شهاب الدين الغوري صاحب غزة أربع خواب للماء كل خابية تسع ثلاث روايا ماء على محامل من بلور كل محمل ما بين ثلاثة قناطير إلى أربعة وذكر أيضا أنه رأى منه صورة ديك مخروط من صنعة الفرنج إذا صب فيه الشراب ظهر لونه في أظفار الديك
ومن خاصته ما ذكره أوفرسطس الحكيم أنه يذوب بالنار كما يذوب الزجاج ويقبل الصبغ
ومن خاصته أيضا أنه إذا استقبل به الشمس ووجه موضع الشعاع الذي يخرج منه إلى خرقة سوداء احترقت وظهر فيها النار
ومن منافعه أن من تختم به أو علقه عليه لم ير منام سوء
وقيمته تختلف بحسب كبر آنيته وصغرها وإحكام صنعتها
قال التيفاشي وبالجملة فالقطعة التي تحمل منه رطلا إذا كانت شديدة الصفاء سالمة من التشعير تساوي عشرة دنانير مصرية

الصنف الحادي عشر المرجان
وهو حجر أحمر في صورة الأحجار المتشعبة الأغصان ومعدنه الذي

يتكون فيه بموضع من بحر القلزم بساحل إفريقية يعرف بمرسى الخرز ينبت بقاعه كما ينبت النبات وتعمل له شباك قوية مثقلة بالرصاص وتدار عليه حتى يلتف فيها ويجذب جذبا عنيفا فيطلع فيها المرجان
وربما وجد ببعض بلاد الفرنجة إلا أن الأكبر والأكثر والأحسن بمرسى الخرز ومنه يجلب إلى بلاد المشرق
ولأهل الهند فيه رغبة عظيمة وإذا استخرج حك على مسن الماء ويجلى بالسنباذج المعجون بالماء على رخامة فيظهر لونه ويحسن ويثقب بالفولاذ أو الحديد المسقى
وأجوده ما عظم جرمه واستوت قصباته واشتدت حمرته وسلم من التسويس وهو خروق توجد في باطنه حتى ربما كان منه شيء خاو كالعظم وأردؤه ما مال منه إلى البياض أو كثرت عقده وكان فيه تشطيب ولا سبيل إلى سلامته من العقد لوجود التشعب فيه فإن اتفق أن تقع منه قطعة مصمتة مستوية لا عقد فيها ولا تشطيب كانت في نهاية الجودة
وقد يوجد منه قطع كبار فتحمل إلى صاحب إفريقية فيعمل له منها دوي وأنصبة سكاكين
قال التيفاشي رأيت منها محبرة طول شبر ونصف في عرض ثلاث أصابع وارتفاع مثلها بغطائها في غاية الحمرة وصفاء اللون
وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدولة الفاطمية بالديار المصرية وترتيبها أنه كان لخلفاء الفاطميين دواة من المرجان تحمل مع الخليفة إذا ركب في المواكب العظام أمام راكب على فرس كما سيأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية فيما بعد إن شاء الله تعالى

ومن خاصته في نفسه أنه إذا ألقي في الخل لان وابيض وان طال مكثه فيه انحل وإذا اتخذ منه خاتم أو غيره ولبس جميعه بالشمع ثم نقش في الشمع بإبرة بحيث ينكشف جرم المرجان وجعل في خل الخمر الحاذق يوما وليلة أو يومين وليلتين ثم أخرج وأزيل عنه الشمع ظهرت الكتابة فيه حفرا بتأثير الخل فيه وبقية الخاتم على حاله لم يتغير
قال التيفاشي وقد جربنا ذلك مرارا
ومتى ألقي في الدهن ظهرت حمرته وأشرق لونها
ومن منافعه فيما ذكره الإسكندر أنه إذا علق على المصروع أو من به النقرس نفعه وإن أحرق واستن به زاد في بياض الأسنان وقلع الحفر منها وقوى اللثة وطريق إحراقه أن يجعل في كوز فخار ويطين رأسه ويوضع في تنور ليلة
وإذا سحق وشربه من به عسر البول نفعه ذلك ويحلل أورام الطحال بشربه وإذا علق على المعدة نفع من جميع عللها كما في الزمرد وإذا أحرق على ما تقدم وشرب منه ثلاثة دوانق مع دانق ونصف صمغ عربي ببياض البيض وشرب بماء بارد نفع من نفث الدم
قال التيفاشي وقيمته بإفريقية غشيما الرطل المصري من خمسة دنانير إلى سبعة مغربية وهي بقدر دينارين إلى ما يقاربهما من الذهب المصري

وبالإسكندرية على ضعفي ذلك وثلاثة أضعافه ومن الإسكندرية يحمل إلى سائر البلاد ويختلف سعره بحسب قرب البلاد وبعدها وقلته وكثرته وصغره وجودته ورداءته وحسن صنعته

الصنف الثاني عشر البادزهر الحيواني
وهو حجر خفيف هش
واصل تكونه في الحيوان المعروف بالأيل بتخوم الصين وإن هذا الحيوان هناك يأكل الحيات قد اعتاد ذلك غذاء له فيحدث عن ذلك وجود هذا الحجر منه على ما سيأتي بيانه وقد اختلف الناس في أي موضع يكون من هذا الحيوان فقيل إنه يتكون في مآقي عينيه من الدموع التي تسقط من عينيه عند أكل الحيات ويتربى الحجر حتى يكبر فيحتك فيسقط عنه وقيل يكون في قلبه فيصاد لأجله ويذبح ويستخرج منه وقيل في مرارته
قال أرسطاطاليس وله ألوان كثيرة منها الأصفر والأغبر المشرب بالحمرة والمشرب بالبياض
وأعظم ما يوجد منه من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل
وأجوده الخالص الأصفر الخفيف الهش ويستدل على خلوصه بكونه ذا طبقات رقاق متراكبة كما في اللؤلؤ وبه نقط خفية سود وأن يكون أبيض المحك مر المذاق
قال التيفاشي وكثيرا ما يغش فتصنع حجارة صغار مطبقة من أشياء مجموعة تشبه شكل البادزهر الحيواني ولكنها تتميز عن البادزهر الحقيقي بأن المصنوع أغبر كمد اللون ساذج غير منقط والبادزهر الحقيقي الخالص أصفر أو أغبر بصفرة فيه نقط صغار كالنمش وطبقاته أرق من طبقات المصنوع بكثير وهو أحسن من المصنوع وأهش ومحكه أبيض

ومن خاصته في نفسه أن احتكاكه بالأجسام الخشنة يخشنه ويغير لونه وسائر صفاته حتى لا يكاد يعرف
وقد ذكر التيفاشي أنه كان معه حجر منه فجعله مع ذهب في كيس وسافر به فاحتك بالذهب فتغير لونه ونقص وزنه حتى ظن أنه غير عليه وأنه ربطه بعد ذلك في خرقة وتركه أياما في الصفة إلى ما كان إلا أنه بقي على نقص ما ذهب منه
ومن منافعه دفع السموم القاتلة وغير القاتلة حارة كانت او باردة من حيوان كانت أو من نبات وأنه ينفع من عض الهوام ونهشها ولدغها وليس في جميع الأحجار ما يقوم مقامه في دفع السموم
وقد قيل إن معنى لفظ بادزهر النافي للسم فإذا شرب منه المسموم من ثلاث شعيرات إلى اثنتي عشرة شعيرة مسحوقة أو مسحولة أو محكوكة على المبرد بزيت الزيتون أو بالماء أخرج السم من جسده بالعرق وخلصه من الموت
وإذا سحق وذر على موضع النهشة جذب السم إلى خارج وأبطل فعله
قال ابن جمع وإن حك منه على مسن في كل يوم وزن نصف دانق وسقيته الصحيح على طريق الاستعداد والاحتياط قاوم السموم القتالة ولم تخش له غائلة ولا إثارة خلط
ومن تختم منه بوزن اثنتي عشرة شعيرة في فص خاتم ثم وضع ذلك الفص على موضع اللدغة من العقارب وسائر الهوام ذوات السموم نفع منها نفعا بينا وان وضع على فم الملدوغ أو من سقي سما نفعه
قلت هذه هي الأحجار النفيسة الملوكية التي تلتفت الملوك إليها وتعتني بشأنها أما غيرها من الأحجار كالبنفش والعقيق والجزع والمغناطيس

واليشم والسبج واللازورد وغيرها مما ذكره المصنفون في الأحجار فلا اعتداد به ولا نظر إليه ولذلك أهملت ذكره

النوع السادس نفيس الطيب
ويحتاج الكاتب إلى وصفه عند وصوله في هدية وما يجري مجرى ذلك والمعتبر منه أربعة أصناف
الصنف الأول المسك
وهو أجلها
قال محمد بن أحمد التميمي المقدسي في كتابه طيب العروس وأصل المسك من دابة ذات أربع أشبه شيء بالظبي الصغير قيل لها قرن واحد وقيل قرنان غير أن له نابين رقيقين أبيضين في فكه الأسفل خارجين من فيه قائمين في وجهه كالخنزير
قال بعض بعض أهل المعرفة بالمسك وهو فضل دموي يجتمع من جسمها إلى سرتها بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء في كل سنة في وقت معلوم فيقع الورم في سرتها ويجتمع إليها دم غليظ أسود فيشتد وجعها حتى تمسك عن الرعي وورود المياه حتى يسقط عنها
ثم قيل إن تلك الظباء تصاد وتذبح وتؤخذ سررها بما عليها من الشعر

والمسك فيها دم عبيط وهي النوافج فإن كانت النافجة كثيرة الدم اكتفي بما فيها وإن كانت واسعة قليلة الدم زيد فيها من غيرها ويصب فيها الرصاص المذاب وتحاط بالخوص وتعلق في حلق مستراح أربعين يوما ثم تخرج وتعلق في موضع آخر حتى يتكامل جفافها وتشتد رائحتها ثم تصير النوافج في مزاود صغار وتخيطها التجار وتحملها وقيل إنه يبنى لهذه الظباء حين يعرض لها هذا العارض بناء كالمنارة في طول عظم الذراع لتأتي الظباء فتحك سررها بذلك البناء فتسقط النوافج حتى إنه يوجد في تلك المراغة ألوف من النوافج ما بين رطب وجامد
ثم قيل إن هذه الظباء توجد بمفازات بين الصين وبين التبت والصغد من بلاد الترك وإن أهل التبت يلتقطون ما قرب إليهم وقد قيل إن المسك يحمل إلى التبت من أرض بينها وبين التبت مسيرة شهرين
وبالجملة فإنه تختلف أسماء أنواعه باختلاف الأماكن التي ينسب إليها إما باعتبار أصل وجوده فيها وإما باعتبار مصيره إليها
وأجوده في الجملة ما طاب مرعى ظبيه ومرعى ظبائه النبات الذي يتخذ منه الطيب كالسنبل ونحوه ولا يخفى أن بعض نبات الطيب أطيب رائحة من بعض حتى يقال إن منه ما رائحته كرائحة المسك
وقيل أجوده ما كمل في الظبي قبل بينونته عنه

وقال أحمد بن يعقوب وأجود المسك في الرائحة والنظر ما كان تفاحيا تشبه رائحته رائحة التفاح اللبناني وكان لونه يغلب عليه الصفرة ومقاديره وسطا بين الجلال والرقاق ثم ما هو أشد سوادا منه إلا أنه يقاربه في الرأي والمنظر ثم ما هو أشد سوادا منه وهو أدناه قدرا وقيمة
قال وبلغني عن تجار الهند أن من المسك صنفين آخرين يتخذان من نبات أرض أحدهما لا يفسد بطول المكث والثاني يفسد بطول المكث والمشهور منه عشرة أصناف
ونحن نوردها على ترتيبها في الفضل مقدما منها في الذكر الأفضل فالأفضل على ما رتبه أحمد
الأول التبتي وهو ما حمله التجار من التبت إلى خراسان على الظهر لطيب مرعاه وحمله في البر دون البحر
الثاني الصغدي وهو ما حمل من الصغد من بلاد الترك على الظهر إلى خراسان
الثالث الصيني وإنما نقصت رتبته لأن مرعاه في الطيب دون مرعى التبتي ولما يلحقه من عفونة هواء البحر بطول مكثه فيه
وأفضل الصيني ما يؤتى به من خانفو وهي مدينة الصين العظمى وبها ترسو مراكب تجار المسلمين ومنها يحمل في البحر إلى بحر فارس فإذا قرب من بلد الأبلة ارتفعت رائحته وإذا خرج من المركب جادت رائحته وذهبت عنه رائحة البحر
الرابع الهندي وهو ما يحمل من التبتار الى الهند ثم يحمل إلى الدبيل ثم يحمل في البحر إلى سيراف من بلاد العجم وعمان من البحرين وعدن

من اليمن وغيرها من النواحي وسبب انحطاط رتبته عن الصيني وإن كان من جنس التبتى مع أنه أقرب مسافة من الصيني ما ذكره المسعودي أنه إذا حمل إلى الهند أخذه كفرة الهند فلطخوه على أصنامهم من العام إلى العام ثم يبدلونه بغيره ويبيعه سدنة الأصنام فبطول مكثه على الأصنام تضعف رائحته على أن محمد بن العباس قد فضل الهندي على الصيني لقرب مسافة حمله في البحر
الخامس القنباري ويؤتى به من بلد تسمى قنبار بين الصين والتبت
قال أحمد بن يعقوب وهو مسك جيد إلا أنه دون التبتي في القيمة والجوهر واللون والرائحة
قال وربما غالطوا به فنسبوه إلى التبتي
السادس الطغرغزي وهو مسك رزين يضرب إلى السواد يؤتى به من أرض الترك الطغرغز وهم التتر وهو بطيء السحق ولا يسلم من الخشونة إلا أنهم ربما غالطوا به أيضا
السابع القصاري ويؤتى به من بلد يقال لها القصار بين الهند والصين
قال ابن يعقوب وقد يلحق بالصيني إلا أنه دونه في الجوهر والرائحة والقيمة
الثامن الجزيري وهو مسك أصفر حسن الرائحة يشابه التبتي إلا أن فيه زعارة
التاسع الجبلي وهو مسك يؤتى به من السند من أرض الموليان وهو كبير النوافج حسن اللون إلا أنه ضعيف الرائحة

العاشر العصماري وهو أضعف أصناف المسك كلها وأدناها قيمة يخرج من النافجة التي زينتها أوقية زنة درهم واحد من المسك
قلت أما المسك الداري فإنه منسوب إلى دارين وهي جزيرة في بحر فارس معدودة من بلاد البحرين ترسو إليها مراكب تجار الهند ويحمل منها إلى الأقطار وليست بمعدن للمسك
الصنف الثاني العنبر
قال محمد بن أحمد التميمي والأصل الصحيح فيه أنه ينبع من صخور وعيون في الأرض يجتمع في قرار البحر فإذا تكاثف اجتذبته الدهانة التي هي فيه على اقتطافه من موضعه الذي تعلق به وطفا على وجه الماء وهو حار ذائب فتقطعه الريح وأمواج البحر قطعا كبارا وصغارا فترمي به الريح إلى السواحل لا يستطيع أحد أن يدنو منه لشدة حره وفورانه فإذا أقام أياما وضربه الهواء جمد فيجمعه أهل السواحل
قال أحمد بن يعقوب وربما ابتلعته سمكة عظيمة يقال لها أكيال وهو فائر فلا يستقر في جوفها حتى تموت فتطفو ويطرحها البحر إلى الساحل فيشق جوفها ويستخرج منها ويسمى العنبر السمكي والعنبر المبلوع
قال التميمي وهو في لونه شبيه بالنار رديء في الطيب للسهوكة التي يكتسبها من السمك
قال وربما طرح البحر القطعة العنبر فيبصرها طائر أسود كالخطاف فيرفرف عليها بجناحيه فإذا سقط عليها ليختطف بمنقاره منها تعلق منقاره ومخاليبه بها فيموت ويبلى ويبقى منقاره ومخاليبه فيها ويعرف بالعنبر المناقيري

قال التميمي ولأهل سواحل البحر التي يوجد بها العنبر نجب يركبونها مؤدبة تعرف العنبر يسيرون عليها في ليالي القمر على شاطىء البحر فإذا رأت العنبر وقد نام راكبها أو غفل بركت بصاحبها حتى ينزل عنها فيأخذه
قال التميمي وألوان العنبر مختلفة منها الأبيض وهو الأشهب والأزرق والرمادي والجزازي وهو الأبرش والصفايح وهو الأحمر وهما أدنى العنبر قدرا
قال وأفضل العنبر وأجوده ما جمع قوة رائحة وذكاء بغير زعارة
قال أحمد بن يعقوب وأنواع العنبر كثيرة وأصنافه مختلفة ومعادنه متباينة وهو يتفاضل بمعادنه وبجوهره والذي وقفت على ذكره منه ستة أضرب
الأول الشحري وهو ما يقذفه بحر الهند إلى ساحل الشحر من أرض اليمن
قال وهو أجود أنواع العنبر وأرفعه وأفضله وأحسنه لونا وأصفاه جوهرا وأغلاه قيمة
الثاني الزنجي وهو ما يقذفه بحر البربر الآخذ من بحر الهند في جهة الجنوب إلى سواحل الزنج وما والاها
قال التميمي وزعم الحسين بن يزيد السيرافي أنه أجود العنبر وأفضله ويؤتى به منها إلى عدن ولونه البياض
الثالث السلاهطي قال التميمي وأجوده الأزرق الدسم الكثير الدهن وهو الذي يستعمل في الغوالي
الرابع القاقلي وهو ما يؤتى به من بحر قاقلة من بلاد الهند إلى عدن من بلاد اليمن وهو أشهب جيد الريح حسن المنظر خفيف وفيه يبس يسير وهو دون السلاهطي لا يصلح للغوالي إلا عن ضرورة وهو صالح للذرائر والمكلسات
الخامس الهندي وهو ما يؤتى به من سواحل الهند الداخلة ويحمل إلى البصرة وغيرها ومنه نوع يؤتى به من الهند يسمى الكرك بالوس يأتون به إلى

قرب عمان تشتريه منهم أصحاب المراكب
السادس المغربي وهو ما يؤتى به من بحر الأندلس فتحمله التجار إلى مصر وهو أردأ الأنواع كلها وهو شبيه في لونه بالعنبر الشحري
قال التميمي ويغالط به فيه
قال التميمي ومن العنبر صنف يعرف بالند ونقل عن جماعة من أهل المعرفة أن دابة تخرج من البحر شبيهة ببقر الوحش فتلقيه من دبرها فيؤخذ وهو لين يمتد فما كان منه عذب الرائحة حسن الجوهر فهو أفضله وأجوده
قال وهو أصناف أحدها الشحري وهو أسود فيه صفرة يخضب اليد إذا لمس ورائحته كرائحة العنبر اليابس إلا أنه لا بقاء له على النار وإنما يستعمل في الغوالي إذا عز العنبر السلاهطي
ومنه الزنجي وهو نظير الشحري في المنظر ودونه في الرائحة وهو أسود بغير صفرة
ومنه الخمري وهو يخضب اليد وأصول الشعر خضبا جيدا ولا ينفع في الطيب
قلت أما المعروف في زماننا بالعنبر مما يلبسه النساء فإنما يقال له الند وفيه جزء من العنبر قال في نهاية الأرب وهو على ثلاثة أضرب
الأول المثلث وهو أجودها وأعطرها وهو يركب من ثلاثة أجزاء جزء من العنبر الطيب وجزء من العود الهندي الطيب وجزء من المسك الطيب
الثاني وهو دونه أن يجعل فيه من العنبر الخام الطيب عشرة مثاقيل ومن الند العتيق الجيد عشرة مثاقيل ومن العود الجيد عشرون مثقالا
الثالث وهو أدناها أن يؤخذ لكل عشرة مثاقيل من الخام عشرة مثاقيل من الند العتيق وثلاثون مثقالا من العود ومن المسك ما أحب

الصنف الثالث العود
قال التميمي أخبرني أبي عن جماعة من أهل المعرفة أنه شجر عظام تنبت ببلاد الهند فمنه ما يجلب من أرض قشمير الداخلة من أرض سرنديب ومن قمار وما اتصل بتلك النواحي وأنه لا تصير له رائحة إلا بعد أن يعتق ويقشر فإذا قشر وجفف حمل إلى النواحي حينئذ
قال وأخبرني بعض العلماء به أنه لا يكون إلا من قلب الشجرة بخلاف ما قارب القشر كما في الآبنوس والعناب ونحوهما من الأشجار التي داخلها فيه دهانة وما في خارجها خشب أبيض وأنه يقطع ويقلع ظاهره من الخشب الأبيض ويدفن في التراب سنين حتى تأكل الأرض ما داخله من الخشب ويبقى العود لا تؤثر فيه الأرض
وحكى محمد بن العباس أنه يكون في أودية بين جبال شاهقة لا وصول لأحد إليها لصعوبة مسلكها فيتكسر بعض أشجاره أو يتعفن بكثرة السيول لممر الأزمان فتأكل الأرض ما فيه من الخشب ويبقى صميم العود وخالصه فتجره السيول وتخرجه من الأودية إلى البحر فتقذفه الأمواج إلى السواحل فيلتقطه أهل السواحل ويجمعونه فيبيعونه
ويقال إنه يأتي به قوم في المراكب إلى ساحل الهند فيقفون على البعد بحيث لا ترى أشخاصهم ثم يطلعون ليلا فيضعونه بفرضة تلك البلاد ويخرج أهل البلد نهارا فيضعون بإزائه بضائع ويتركونها إلى الليل فيأتي أصحاب العود فمن أعجبه ما بإزاء متاعه أخذه وإلا تركه فيزيدونه حتى يعجبه فيأخذه كما

يحكى في السمور وغيره في ساكني أقصى الشمال
وأجود العود ما كان صلبا رزينا ظاهر الرطوبة كثير المائية والدهنية الذي له صبر على النار وغليان وبقاء في الثياب
أما اللون فأفضله الأسود والأزرق الذي لا بياض فيه ثم منهم من يفضل الأسود على الأزرق ومنهم من يفضل الأزرق على الأسود
وهو على ثمانية عشر ضربا
الأول المندلي نسبة إلى معدنه وهو مكان يقال له المندل من بلاد الهند
قال محمد بن العباس الخشيكي وهو أرفع أنواع العود وأفضلها وأجودها وأبقاها على النار وأعبقها بالثياب على أن التجار لم تكن تجلبه في الجاهلية وإلى آخر الدولة الأموية ولا ترغب في حمله للمرارة في رائحته إلى أن دخل الحسين بن برمك إلى بلاد الهند هاربا من بني أمية ورأى العود المندلي فاستجاده ورغب التجار في حمله فلما غلب بنو العباس على بني أمية وحضر بنو برمك إليهم وقربوهم دخل الحسين بن برمك يوما على المنصور فرآه يتبخر بالعود القماري فأعلمه أن عنده ما هو أطيب منه فأمره بإحضاره فأحضره إليه فاستحسنه وأمر أن يكتب إلى الهند بحمل الكثير منه فاشتهر بين الناس وعز من يومئذ واحتمل ما فيه من مرارة الرائحة وزعارتها لأنها تقتل القمل وتمنع من تكونه في الثياب
الثاني القامروني وهو ما يجلب من القامرون وهو مكان مرتفع من الهند
وقيل القامرون اسم لشجر من العود وهو أغلى العود ثمنا وأرفعه قدرا
قال التميمي وهو قليل لا يكاد يجلب إلا في بعض الحين وهو عود رطب

جدا شديد سواد اللون رزين كثير الماء
وذكر الحسين بن يزيد السيرافي أنه ربما ختم عليه فانطبع وقبل الختم للينه
قال ويكون فيه ما قيمة المن منه مائتا دينار
الثالث السمندوري وهو ما يجلب من بلاد سمندور وهي بلد سفالة الهند ويسمى لطيب رائحته ريحان العود وبعضه يفضل بعضا
قال التميمي وتكون القطعة الضخمة منه منا واحدا
الرابع القماري وهو ما يجلب من قمار وهي أرض سفالة الهند وبعضه يفضل بعضا أيضا وتكون القطعة منه نصف رطل إلى ما دون ذلك
الخامس القاقلي وهو ما يجلب من جزائر بحر قاقلة وهو عود حسن اللون شديد الصلابة دسم فيه ريحانية خمرة وله بقاء في الثياب إلا أن قتاره ربما تغير على النار فينبغي ألا يستقصى إلى آخره
السادس الصنفي وهو ما يجلب من بلد يقال لها الصنف ببلاد الصين وهو من أحلى الأعواد وأبقاها في الثياب
قال التميمي ومنهم من يفضله على القاقلي ويرى أنه أطيب وأعبق وآمن من القتار وربما قدموه على القماري أيضا
قالوا وأجود الصنفي الأسود الكثير الماء وتكون القطعة منه منا وأكثر وأقل
ويقال إن شجره أعظم من شجر الهندي والقماري
السابع الصندفوري وهو ما يجلب من بلاد الصندفور من بلاد الصين وهو دون الصنفي ويقال إنه صنف منه ولذلك كانت قيمته لاحقة بقيمته وفيه

حسن لون وحلاوة رائحة ورزانة وصلابة إلا أنه ليس بالقطع الكبار
الثامن الصيني ويؤتى به من الصين وهو عود حسن اللون أول رائحته تشاكل رائحة الهندي إلا أن قتاره غير محمود وتكون القطعة منه نصف رطل وأكثر وأقل
التاسع القطعي وهو عود رطب حلو طيب الرائحة وهو نوع من الصيني
العاشر القسور وهو عود رطب حلو طيب الرائحة وهو أعذب رائحة من القطعي إلا أنه دونه في القيمة
الحادي عشر الكلهي وهو عود رطب يمضغ وفيه زعارة وشدة مرارة للدهانة التي فيه وهو من أعبق الأعواد في الثياب وأبقاها
الثاني عشر العولاتي وهو عود يجلب من جزيرة العولات بنواحي قمار من أرض الهند
الثالث عشر اللوقيني وهو ما يجلب من لوقين وهي طرف من أطراف الهند وله خمرة في الثياب إلا أنه دون هذه الأعواد في الرائحة والقيمة
الرابع عشر المانطائي وهو ما يجلب من جزيرة مانطاء وقيمته مثل قيمة اللوقيني وهو خفيف ليس بالحسن اللون
قال أحمد بن العباس وهو قطع كبار ملس لا عقد فيها إلا أن رائحته ليست بطيبة وإنما يصلح للأدوية
الخامس عشر القندغلي ويؤتى به من ناحية كله وهي ساحل الزنج وهو يشبه القماري إلا أنه لا طيب لرائحته

السادس عشر السمولي وهو عود حسن المنظر فيه خمرة وله بقاء في الثياب
السابع عشر الرانجي وهو عود يشبه قرون الثيران لا ذكاء ولا بقاء في الثياب
الثامن عشر المحرم سمى بذلك لأنه قد وقع بالبصرة فشك الناس في أمره فحرمه السلطان ومنعه فسمي المحرم وهو من أدنى أصناف العود
وجعل بعضهم بين الصنفي والقاقلي صنفا يقال له العطلي يؤتى به من الصين وهو عود صلب خفيف حسن المنظر إلا أنه قليل الصبر على النار
وقد ذكر أحمد بن العباس بعد ذلك أصنافا من العود ليست بذات طائل
منها الأفليق وهو عود يؤتى به من أرض الصين يكون في العظم مثل الخشب الرانجي الغلاظ يباع المن منه بدينار وأقل وأكثر والعود الطيب الريح في قشوره وداخله خشب خفيف مثل الخلاف وإذا وضع على الجمر وجد له في أوله رائحة حلوة طيبة فإذا أخذت النار منه ظهرت منه رائحة رديئة كرائحة الشعر
الصنف الرابع الصندل
وهو خشب شجر يؤتى به من سفالة الهند وهو على سبعة أضرب
الأول المقاصيري وهو الأصفر الدسم الرزين الذي كأنه مسح بالزعفران الذكي الرائحة
واختلف في سبب تسميته بالمقاصيري فقيل نسبة إلى بلد تسمى مقاصير وقيل إن بعض خلفاء بني العباس اتخذ لبعض أمهات أولاده ومحاظيه

مقاصير منه وهو شجر عظام يقطع رطبا وأجوده ما اصفر لونه وذكت رائحته ولم يكن فيه زعارة
قال التميمي وهو يدخل في طيب النساء الرطب واليابس وفي البرمكيات والثلثات والذرائر ويتخذ منه قلائد ويدخل في الأدوية ويقال إن صاحب اليمن الآن يعمل له منه الأسرة وإنه يأمر بقطع ما يحمل منه من اليمن إلى غيرها من البلاد قطعا صغارا حتى لا يكون منها ما يعمل سريرا لغيره من الملوك
الثاني الأبيض منه الطيب الريح وهو من جنس المقاصيري المتقدم ذكره لا يخالفه في شيء إلا في البياض ويقال إن المقاصيري هو باطن الخشب وهذا الأبيض ظاهره
الثالث الجوزي وهو صلب العود أبيض يضرب لونه إلى السمرة ويؤتى به من موضع يقال له الجوز وهو طيب الرائحة إلا أنه أضعف رائحة من الذي قبله
الرابع الساوس ويقال الكاوس وهو صندل أصفر طيب الرائحة إلا أن في رائحته زعارة ويستعمل في الذرائر والمثلثات في الطيب والبخورات
الخامس يضرب لونه إلى الحمرة وهو على نحو من الذي قبله
السادس صندل جعد الشعرة لا بساطة فيه إذا شقق بل يكون فيه تجعيد كما في خشب الزيتون وهو أذكى أصناف الصندل إلا أنه لا يستعمل في شيء سور البخورات والمثلثات

السابع أحمر اللون وهو خشب حسن اللون ثقيل الوزن لا رائحة له إلا أنه تتخذ منه المنجورات والمخروطات كالدوي وقطع الشطرنج ونحوها مع ما يدخل فيه من الأعمال الطيبة
قلت هذا ما يحتاج الكاتب إلى وصفه من أصناف الطيب النفيسة مما يهدي أو يرد هدية ويجري ذكره في مكاتبات الملوك أما ما عدا ذلك من أصناف الطيب كالسنبل والقرنفل والكافور فليس من هذا القبيل
النوع السابع
ما يحتاج إلى وصفه من الآلات وهي أصناف
الصنف الأول الآلات الملوكية
ويحتاج الكاتب إلى وصفها عند وصف المواكب الحفيلة التي يركب فيها السلطان وهي عدة آلات
منها الخاتم بفتح التاء وكسرها وحكى فيه ابن قتيبة والجوهري وغيرهما خيتام وخاتام وهو ما يجعل في الأصبع من الحلي وهو مأخوذ من الختم وهو الطبع سمي بذلك لأنه يختم بنقشه على الكتب الصادرة عن الملوك
وسيأتي في الكلام على ختم الكتب أن النبي أراد أن يكتب إلى بعض ملوك الأعاجم فقيل له إنهم لا يقرأون كتابا غير مختوم فاتخذ خاتما من ورق وجعل نقشه محمد رسول الله واقتدى به في ذلك الخلفاء بعده ثم توسعوا فيه إلى أن جعلوا للكتب طابعا مخصوصا وأفردوا له ديوانا سموه ديوان

الخاتم واقتفى الملوك أثرهم في ذلك ثم غلب بمملكتنا وما ناهزها الاكتفاء في المكاتبات باللصاق وصار اسم الخاتم مقصورا على ما يجعل في الإصبع خاصة سواء كان فيه نقش أم لا وصارت الملوك إنما تلبس الخواتم بفصوص الجواهر من اليواقيت ونحوها تجملا وربما بعثت بها في تأمين الخائف علامة للرضا عليه والصفح عما جناه واقترفه
ومنها المنديل بكسر الميم وهو منديل يجعل في المنطقة المشدودة في الوسط مع الصولق وغيره ثم جرى اصطلاح الملوك على البعث به في الأمانات كما تقدم في الخاتم
والمنديل آلة قديمة للملوك فقد حكي أنه كان للأفضل بن أمير الجيوش أحد وزراء الفاطميين مائة بدلة مغلقة على أوتاد من ذهب على كل بدلة منها منديل من لونها ولم يكن المنديل من آلات الخلافة بل إنما كان من آلاتها البردة على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى
ومنها التخت ويقال له السرير وهو ما يجلس عليه الملوك في المواكب ولم يزل من رسوم الملوك قديما وحديثا رفعة لمكان الملك في الجلوس عن غيره حتى لا يساويه غيره من جلسائه وقد أخبر تعالى في كتابه العزيز

أنه كان لسليمان عليه السلام كرسي بقوله ( وألقينا على كرسيه جسدا ) ورأيت في بعض التواريخ أنه كان له كرسي من عاج مغشى بالذهب
ثم هذه الأسرة تختلف باختلاف حال الملوك فتارة تكون من أبنية رخام ونحوه وتارة تكون من خشب وتارة من فرش محشوة متراكبة وقد حكي أنه كان لملوك الفرس سرير من ذهب يجلسون عليه وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو أمير مصر يجلس مع قومه على الأرض غير مرتفع عليهم ويأتيه المقوقس ومعه سرير من ذهب يحمل معه على الأيدي فيجلس عليه فلا يمنعه عمرو من ذلك إجراء له على عادته في الملك فيما قيل لما عقده له من الذمة واتخذه معه من العهد
ومنها المظلة واسمها بالفارسية الجنز بنون بين الجيم والزاي المعجمة ويعبر عنها العامة الآن بالقبة والطبر وهي قبة من حرير أصفر تحمل على رأس الملك على رأس رمح بيد أمير يكون راكبا بحذاء الملك يظله بها حالة الركوب من الشمس في المواكب العظام وسيأتي ذكرها في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية
وهذه الدولة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى
ومنها الرقبة وهي لباس لرقبة فرس السلطان من حرير أصفر قد طرزت بالذهب الزركش حتى غلب عليها وصار الحرير غير مرئي فيها تشد على رقبة فرس الملك في المواكب العظام لتكون مضاهية لما يركب به من الكنبوش الزركش المغطي لظهر الفرس وكفله

ومنها الغاشية وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب يظنها الناظر كلها ذهبا ويلقيها على يديه يمينا وشمالا
ومنها الجفتاه وهي فرسان أشهبان قريبا الشبه برقبتين من زركش وعدة تضاهي عدة مركوب السلطان كأنهما معدان لأن يركبهما السلطان يعلوهما مملوكان من المماليك السلطانية قريبي الشبه أيضا على رأس كل منهما قبعة من زركش مشابه للآخر
ومنها المنطقة بكسر الميم وهي ما يشد في الوسط وعنها يعبر أهل زماننا بالحياصة وهي من الآلات القديمة فقد روي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان له منطقة
وهذه الآلة قد ذكرها في التعريف في الآلات الملوكية على أن ملوك الزمان لم تجر لهم عادة بشد منطقة وإنما يلبسها الملك للأمراء عند إلباسهم الخلع والتشاريف وهي تختلف بحسب اختلاف الرتب فمنها ما يكون من ذهب مرصع بالفصوص ومنها ما ليس كذلك
ومنها الأعلام وهي الرايات التي تحمل خلف السلطان عند ركوبه وهي من شعار الملك القديمة وقد ورد أن النبي كان يعقد لأمراء سراياه الرايات عند بعثها ثم قد يعبر عن بعضها بالعصائب جمع عصابة وهي الألوية أخذا من عصابة الرأس لأن الراية تعصب رأس الرمح من أعلاه وقد يعبر عنها بالسناجق جمع سنجق والسنجق باللغة التركية معناه الطعن سميت الراية بذلك لأنها تكون في أعلى الرمح والرمح هو آلة الطعن يسمى بذلك مجازا
ومنها الطبول ويقال لها الدبادب والبوقات والزمر المعروف بالصهان الذي يضرب به عشية كل ليلة بباب الملك وخلفه إذا ركب في المواكب ونحوها وهي المعبر عنها بالطبلخاناه وهي من شعار الملك القديم

وقد ذكر في مسالك الأبصار أن الطبل في بلاد المغرب يختص ضربه بالسلطان دون غيره من كل أحد كما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة المغرب في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى
والسر فيها إرهاب العدو وتخذيله كما كتب به أرسطو في كتاب السياسة للإسكندر أو تقوية النفوس وتشجيعها على الحرب كما قاله الغزالي رحمه الله في الإحياء وكلما كثرت أعدادها كان أفخم لشأن الملك وأبلغ في رفعة شأنه
وقد حكي أن دبادب الإسكندر كانت أربعين حملا
قلت وقد ذكر في التعريف من جملة الآلات الملوكية الدواة والقلم والمرملة ولا يخفي أنها بآلات الكتاب أليق وإن كان السلطان لا يستغني عنها وسيأتي الكلام عليها في الكلام على آلات الكتابة من هذه المقالة إن شاء الله تعالى

الصنف الثاني آلات الركوب وهي عدة آلات
منها السرج وهو ما يقعد فيه الراكب على ظهر الفرس وأشكال قوالبه مختلفة ثم من السرج ما يكون مغشى بالذهب وهو مما يصلح للملوك
ومنها ما يكون مغشى بالفضة البيضاء وكل منها قد يكون منقوشا وقد يكون غير منقوش ومنها ما يكون بأطراف فضة ومنها ما يكون ساذجا
ومنها اللجام وهو الذي يكون في فك الفرس يمنعه من الجماح وقوالبه

أيضا مختلفة ثم منها ما يكون مطليا بالذهب ومنها ما يكون مطليا بالفضة ومنها ما يكون ساذجا ومنها ما يكون رأسه وجنباه محلى بالفضة ومنها ما يكون غير محلى
ومنها الكنبوش وهو ما يستر به مؤخر ظهر الفرس وكفله وهو تارة يكون من الذهب الزركش وتارة يكون من المخايش وهي الفضة الملبسة بالذهب وتارة يكون من الصوف المرقوم وبه يركب القضاة وأهل العلم
ومنها العباءة بالمد وهي التي تقوم مقام الكنبوش
ومنها المهماز وهو آلة من حديد تكون في رجل الفارس فوق كعبه فوق الخف وما في معناه ومؤخره إصبع محدد الرأس إذا أصاب جانب الفرس تحركت وأسرعت في المشي أو جدت في العدو وهو تارة يكون من ذهب محض وتارة يكون من فضة وتارة يكون من حديد مطلي بالذهب أو الفضة وقد اعتاد القضاة والعلماء في زماننا تركه
ومنها الكور وهو ما يقعد فيه الراكب في ظهر النجيب وهو الهجين والعرب تسميه الرحل ثم قد يكون مقدمه ومؤخره مغشى بالذهب أو الفضة وقد يكون غير مغشى
ومنها الزمام وهو ما يقاد به النجيب ويضبطه به الراكب كما يضبط الفارس الفرس بالعنان
ومنها الركاب وهو ما تجعل فيه الرجل عند الركوب وكانت العرب تعتاده من الجلد والخشب ثم عدل عن ذلك إلى الحديد
قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل وأول من اتخذه من

الحديد المهلب بن أبي صفرة وكانت ركب العرب من خشب فكان الفارس يصك الراكب بركابه فيوهن مرفقه
ومنها السوط وهو ما يكون بيد الراكب يضرب به الفرس أو النجيب وأهل زماننا يعبرون عنه بالمقرعة لأنه يقرع به المركوب إذا تقاعس وهو بدل من القضيب الذي كان للخلفاء على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى

الصنف الثالث آلات السفر وهي عدة آلات
منها المحفة بكسر الميم وهي محمل على أعلاه قبة وله أربعة سواعد ساعدان أمامها وساعدان خلفها تكون مغطاة بالجوخ تارة وبالحرير أخرى تحمل على بغلين أو بعيرين يكون أحدهما في مقدمتها والآخر في مؤخرتها إذا ركب فيها الراكب صار كأنه قاعد على سرير لا يلحقه انزعاج وقد جرت عادة الملوك والأكابر باستصحابها في السفر خشية ما يعرض من المرض
ومنها المحمل بكسر الميم الأولى وفتح الثانية وهو آلة كالمحفة إلا أنه يحمل على أعلى ظهر الجمل بخلاف المحفة فإنها تحمل بين جملين أو بغلين
ومنها الفوانيس جمع فانوس وهي آلة كرية ذات أضلاع من حديد مغشاة بخرقة من رقيق الكتان الصافي البياض يتخذ للاستضاءة بغرز الشمعة في

أسفل باطنه فيشف عن ضوئها ومن شأنها أن يحمل منها اثنان امام السلطان أو الأمير في السفر في الليل
ومنها المشاعل جمع مشعل وهي آلة من حديد كالقفص مفتوح الأعلى وفي أسفله خرقة لطيفة توقد فيه النار بالحطب فيبسط ضوءه يحمل أمام السلطان ونحوه في السفر ليلا أيضا
ومنها الخيام جمع خيمة ويقال لها الفسطاط والقبة أيضا وهي بيوت تتخذ من خرق القطن الغليظ ونحوه تحمل في السفر لوقاية الحر والبرد وكانت العرب تتخذها من الأديم وقد امتن الله تعالى عليهم بذلك في قوله تعالى ( وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم )
والملوك تتناهى في سعتها وتتباهى بكبرها
وسيأتي في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية أنه كان لبعض خلفائهم خيمة تسمى القاتول سميت بذلك لأن فراشا من الفراشين وقع من أعلى عمودها فمات لطوله
ومنها الخركاه وهي بيت من خشب مصنوع على هيئة مخصوصة ويغشى بالجوخ ونحوه تحمل في السفر لتكون في الخيمة للمبيت في الشتاء لوقاية البرد
ومنها القدور جمع قدر وهي الآلة التي يطبخ فيها وتكون من نحاس غالبا وربما كانت من برام
والملوك تتباهى بكثرتها وعظمها لأنها من دلائل كرم الملك وكثرة رجاله وقد أخبر الله تعالى عن سليمان عليه السلام بعظيم قدر ما كانت الجن تعمله له من

القدور بقوله ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات )
ومنها الأثافي وهي الآلة المثلثة التي تعلق عليها القدر عند الطبخ وتكون من حديد
ومنها النار التي يوقد بها للطبخ ونحوه وقد تقدم في الكلام على نيران العرب ذكر نار القرى وهي نار كانت ترفع ليلا ليراها الضيف فيهتدي بها إلى الحي
ومنها الجفان جمع جفنة وهي الآنية التي يوضع فيها الطعام وقد تقدم في الكلام على القدرور أنها مما كانت الجن تعمله لسليمان عليه السلام أيضا
وقد كانت العرب تفتخر بكبر الجفان لدلالتها على الكرم وفي ذلك يقول الأعشى في مدح المحلق ليلة بات عليه
( نفى الذام عن آل المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق )
قيل أراد بالشيخ العراقي كسرى فشبه جفنته بجفنته
ومنها حياض الماء وهي حياض من جلد تحمل في السفر ليبقى الماء فيها لسقي الدواب ونحوها وكبر قدرها دليل على رفعة قدر صاحبها وفخامته لدلالتها على كثرة دوابه واتساع عسكره

الصنف الرابع آلات السلاح وهي عدة آلات
منها السيف وهو معروف
وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنه مأخوذ من قولهم ساف إذا هلك لأنه به يقع الهلك
واعلم أن السيف إن كان من حديد ذكر وهو المعبر عنه بالفولاذ قيل سيف فولاذ وإن كان من حديد أنثى وهو المعبر عنه في زماننا بالحديد قيل سيف أنيث فإن كان متنه من حديد أنثى وحده في حديد ذكركما في سيوف الفرنجة قيل سيف مذكر
ويقال إن الصاعقة إذا نزلت إلى الأرض وردت صارت حديدا وربما حفر عليها وأخرجت فطبعت سيوفا فتجيء في غاية الحسن والمضاء
ثم إن كان عريض الصفيح قيل له صفيحة وإن كان محدقا لطيفا قيل له قضيب فإن كان قصيرا قيل أبتر فإن كان قصره بحيث يحمل تحت الثياب ويشتمل عليه قيل مشمل بكسر الميم فإن كان له حد وجانبه الآخر جاف قيل فيه صمصامة وبهذا كان يوصف سيف عمرو بن معدي كرب فارس العرب فإن كان فيه حزوز مستطيلة قيل فيه فقارات وبذلك سمي سيف رسول الله ذا الفقار يروى أنه كان فيه سبع عشرة فقارة
ثم تارة ينسب السيف إلى الموضع الذي طبع فيه فيقال فيما طبع بالهند هندي ومهند وفيما طبع باليمن يمان وفيما طبع بالمشارف وهي قرى من قرى العرب قريبة من ريف العراق قيل له مشرفي فإن كان من المعدن المسمى بقساس وهو معدن موصوف بجودة الحديد قيل له قساسي

وتارة ينسب السيف إلى صاحبه كالسيف السريجي نسبه إلى قين من قيون العرب اسمه سريج معروف عندهم بحسن الصنعة
ويوصف السيف بالحسام وهو القاطع أخذا من الحسم وهو القطع وبالصارم وهو الذي لا ينبو عن الضريبة
والناس يبالغون في تحلية السيوف فتارة ترصع بالجواهر وتارة يحلونها بالذهب وتارة يحلونها بالفضة وإن كان الاعتبار إنما هو بالسيف لا بالحيلة
ومنها الرمح وهو آلة الطعن
والرماح ضربان
أحدهما متخذ من القنا وهو قصب مسدود الداخل ينبت ببلاد الهند يقال للواحدة منه قناة ويقال لمفاصلها أنابيب ولعقدها كعوب فإن كان قد نشأ في نباته مستقيما بحيث لا يحتاج إلى تثقيف قيل له الصعدة بفتح الصاد وسكون العين المهملتين وان احتاج إلى تقويم مقوم قيل له مثقف
ويوصف القنا بالخطي بفتح الخاء المعجمة نسبة إلى الخط وهي بلدة بالبحرين تجلب إليها الرماح من الهند وتنقل منها إلى بلاد العرب وليست تنبت القنا كما توهمه ابن أصبغ في أرجوزته المذهبة
الثاني ما يتخذ من الخشب كالزان ونحوه ويسمى الذابل بالذال المعجمة وكسر الموحدة
ويقال للحديد الذي في أعلى الرمح السنان وللذي في أسفله الزج والعقب
ويوصف الرمح بالأسمر لأن لون القنا السمرة وبالعسال وهو الذي يضطرب في هزه وباللدن وهو اللين وبالسمهري نسبة إلى بلدة يقال لها سمهرة من بلاد الحبشة وقيل إلى السمهرة وهي الصلابة

ومنها الطبر وهو باللغة الفارسية الفأس ولذلك يسمى السكر الصلب بالطبرزذ يعني الذي يكسر بالفأس
وإلى الطبر تنسب الطبر دارية وهم الذين يحملون الأطبار حول السلطان على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى
ومنها السكين وسيأتي ذكرها في آلات الدواة في الكلام على آلات الكتابة وإنما سميت سكينا لأنها تسكن حركة الحيوان وتسمى المدية أيضا لأنها تقطع مدى الأجل
وهذه الاشتقاقات أولى بآلة الحرب من آلة الحرب من آلة الكتابة
وحاصل الأمر أن السكين تختلف أحوالها بحسب الحاجة إليها فتكون لكل شيء بحسب ما يناسبه
ومنها القوس وهي مؤنثة
والقسي على ضربين
أحدهما العربية وهي التي من خشب فقط ثم إن كانت من عود واحد قيل لها قضيب وان كانت من فلقين قيل لها فلق
الثاني الفارسية وهي التي تركب من أجزاء من ا لخشب والقرن والعقب والغراء ولأجزائها أسماء يخص كل جزء منها اسم فموضع إمساك الرامي من القوس يسمى المقبص ومجرى السهم فوق قبض الرامي يسمى كبد القوس وما يعطف من القوس يسمى سية القوس وما فوق المقبض من القوس وهو ما على يمين الرامي يسمى رأس القوس وما أسفله وهو على يسار الرامي يسمى رجل القوس
ومنها النشاب والنبل والنبل ما يرمى به عن القسي العربية والنشاب ما يرمى به عن القسي الفارسية حكاه الأزهري
ومجرى الوتر من السهم يسمى الفوق حديده يسمى النصل والريش يسمى القذذ والسهم قبل تركيب الريش يسمى القدح بكسر القاف وسكون الدال المهملة

ومنها الكنانة ويقال لها
الجعبة وهي بكسر الكاف وهي ظرف السهام وتكون تارة من جلد وتارة من خشب
ومنها الدبوس ويسمى العامود وهو آلة من حديد ذات أضلاع ينتفع بها في قتال لابس البيضة ومن في معناه ويقال إن خالد بن الوليد رضي الله عنه به كان يقاتل
ومنها العصا وهي آلة من خشب تفيد في القتال نحو إفادة الدبوس
ومنها البيضة وهي آلة من حديد توضع على الرأس لوقاية الضرب ونحوه وليس فيه ما يرسل على القفا والآذان وربما كان ذلك من زرد
ومنها المغفر بكسر الميم وهو كالبيضة إلا أن فيه أطرافا مسدولة على قفا اللابس وأذنيه وربما جعل منها وقاية لأنفه أيضا وقد تكون من زرد أيضا
ومنها الدرع وهو جبة من الزرد المنسوج يلبسها المقاتل لوقاية السيوف والسهام وهي تذكر وتؤنث وقد أخبر الله تعالى عن ذاود عليه السلام أنه ألين له الحديد فكان يعمل منه الدروع بقوله تعالى ( وألنا له الحديد أن أعمل سابغات وقدر في السرد )
وقوله ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ) ولذلك تنسب الدروع الفائقة إلى نسج داود عليه السلام
ومن الدروع ما يقال لها السلوقية نسبة إلى سلوق قرية من قرى اليمن وربما قيل دروع حطومية بضم الحاء المهملة نسبة لحطوم رجل من عبد القيس
واعلم أن لبس العرب في الحرب كان الزرد أما الآن فقد غلب عمل

القرقلات من الصفائح المتخذة من الحديد المتواصل بعضها ببعض
ومنها الترس وهو الآلة التي يتقى بها الضرب والرمي عن الوجه ونحوه وتسمى الجنة أيضا بضم الجيم أخذا من الاجتنان وهو الاختفاء وربما قيل لها الحجفة بفتح الحاء المهملة والجيم ثم هي تارة تكون من خشب وتارة تكون من حديد وتارة تكون من عيدان مضموم بعضها إلى بعض بخيط القطن ونحوه فإن كانت من جلد قيل لها درقة بفتح الدال والراء المهملتين

الصنف الخامس آلات الحصار وهي عدة آلات
منها المنجنيق بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وكسر النون الثانية وسكون الياء وقاف في الآخر وحكى ابن الجواليقي فيه كسر الميم وحكى فيه منجنوق بالواو ومنجنيق بإبدال النون الثانية ميما وهو اسم أعجمي فإن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية ويجمع على مجانيق ومناجيق
قال الجوهري وأصله من جي نيك وتفسيره بالعربية ما أجودني
قال ابن خلكان تفسير من وتفسير جي ايش وتفسير نيك جيد
قال ابن قتيبة في كتابه المعارف وأبو هلال العسكري في الأوائل وهو آلة من خشب لها دفتان قائمتان بينهما سهم طويل رأسه ثقيل وذنبه خفيف وفيه تجعل كفة المنجنيق التي يجعل فيها الحجر يجذب حتى ترفع أسافله على أعاليه ثم يرسل فيرتفع ذنبه الذي فيه الكفة فيخرج الحجر منه فما أصاب شيئا إلا أهلكه

وأول من وضع المنجنيق جذيمة الأبرش ملك الحيرة على العرب
وذكر الواحدي في تفسير سورة الأنبياء أن الكفار لما أضرموا النار لإحراق إبراهيم عليه السلام ولم يقدروا على القرب من النار ليلقوه فيها فجاءهم اللعين إبليس فعلمهم وضع المنجنيق فعملوه وألقوه فيه فقذفوا به في النار فكان أول المنجنيق عمل
ومما يلتحق بالمنجنيق الزيارت وهي اللوالب والحبال التي يجذب بها المنجنيق حتى ينحط أعلاه ليرمى به الحجر
ومنها السهام الخطاية وهي سهام عظام يرمى بها عن قسي عظام توتر بلوالب يجر بها ويرمى عنها فتكاد تخرق الحجر
ومنها مكاحل البارود وهي المدافع التي يرمى عنها بالنفط وحالها مختلف فبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تخرق الحجر ببندق وبعضها يرمي عنه من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل وقد رأيت بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله بها مدفعا قد صنع من نحاس ورصاص وقيد بأطراف الحديد رمي عنه من الميدان ببندقة من حديد عظيمة محماة فوقعت في بحر السلسلة خارج باب البحر وهي مسافة بعيدة
ومنها قوارير النفط وهي قدور ونحوها يجعل فيها النفط ويرمى بها على الحصون والقلاع للإحراق على أن القوارير في اللغة اسم للزجاج وإنما استعيرت في آلات النفط مجازا
ومنها الستائر وهي آلات الوقاية من الطوارق وما في معناها مما يستر به

على الأسوار والسفن التي يقع فيها القتال ونحو ذلك

الصنف السادس آلات الصيد وهي عدة آلات
منها قوس البندق ويسمى الجلاهق قوس يتخذ من القنا ويلف عليه الحرير ويغرى وفي وسط وتره قطعة دائرة تسمى الجوزة توضع فيها البندقة عند الرمي
ومنها الجراوة وهي آلة من جلد يجعل فيها البندق الطين الذي يرمى به عن القوس المقدم ذكره
ومنها الشباك وهي آلة تتخذ تعقد من خيطان وتنصب لاقتناص الصيد وكذلك تطرح في الماء فيصاد بها السمك
ومنها الزبطانة وهي آلة من خشب مستطيلة كالرمح مجوفة الداخل يجعل الصائد بندقة من طين صغيرة في فيه وينفخ بها فيها فتخرج منها بحدة فتصيب الطير فترميه وهي كثيرة الإصابة
ومنها الفخ وهو آلة مقوسة لها دفتان تفتحان قسرا وتعلقان في طرف شظاة ونحوها إذا أصابها الصيد انطبقت عليه
ومنها الصنانير جمع صنارة وهي حديدة معقفة محددة الرأس يصاد بها السمك
الصنف السابع آلات المعاملة وهي عدة آلات
منها الميزان وهو أحد الآلات التي يقع بها تقدير المقدرات فالموازين قديمة الوضع قال تعالى ( والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان )

وأمر شعيب عليه السلام قومه بإقامة القسط بالوزن كما أخبر تعالى عنه بقوله ( وزنوا بالقسطاس المستقيم )
قال أبو هلال العسكري وأول من اتخذ الموازين من الحديد عبد الله بن عامر
قال وأول من وضع الأوزان سمير اليهودي وذلك أن الحجاج ضرب الدراهم بأمر عبد الملك بن مروان ونهى أن يضربها أحد غيره فضربها سمير فأمر الحجاج بقتله لاجترائه عليه
فقال سمير أنا أدلك على ما هو خير للمسلمين من قتلي فوضع الأوزان وزن ألف وخمسمائة إلى وزن ربع قيراط وجعلها حديدا فعفا عنه
وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره وأكثرها يؤخذ عددا
ومنها الذراع مؤنثة وهي إحدى الآلات التي تقدر بها المقادير أيضا بها تقدر الأرضون ويقاس البز وما في معناه ولم يزل الناس قديما وحديثا يتعاملون بها على اختلافها وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه )
وقد ذكر الماوردي في الأحكام السلطانية سبع أذرع
إحداها العمرية وهي الذراع التي قدرها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمسح سواد العراق
قال موسى بن طلحة وطولها ذراع وقبضة

وإبهام
قال الحكم بن عتيبة عمد عمر رضي الله عنه إلى أطولها ذراعا وأقصرها ذراعا فجمع منها ثلاثة وأخذ الثلث منها وزاد عليها قبضة وإبهاما قائمة ثم ختم في طرفها بالرصاص وبعث بذلك إلى حذيفة وعثمان بن حنيف فمسحا بها السواد
الثانية الهاشمية وتسمى الزيادية
قال وهي أربع وعشرون إصبعا كل إصبع سبع شعيرات معتدلات معترضات ظهرا لبطن كل شعيرة عرض سبع شعيرات من شعر البرذون وهذه الذراع التي يعتمدها الفقهاء في الشرعيات وبها قدروا البريد المعتبر في مسافة قصر الصلاة وغيرها وربما عبروا عنها بذراع الملك وسميت بالهاشمية لأن أبا جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس اعتبرها وعمل بمقتضاها في المساحة وتبعه سائر خلفائهم على ذلك وبنو العباس من بني هاشم فنسبت إلى بني هاشم مباينة لمن تقدمهم من خلفاء بني أمية
قال الماوردي وتسمى الزيادية لأن زيادا مسح بها السواد أيضا
الثالثة البلالية وهي أنقص من الهاشمية المقدم ذكرها ثلاثة أرباع عشرها وإنما سميت البلالية لأن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري هو الذي وضعها وذكر أنها ذراع جده أبي موسى
الرابعة السوداء وهي دون البلالية بإصبعين وثلثي أصبع وأول من وضعها الرشيد قدرها بذراع خادم أسود كان قائما على رأسه

قال الماوردي وهي التي يتعامل بها الناس في ذرع البز والتجارة والأبنية وقياس نيل مصر
الخامسة اليوسفية وهي دون الذراع السوداء بثلثي إصبع وأول من وضعها أبو يوسف صاحب أبي حنيفة
قال الماوردي وبها يذرع القضاة الدور ببغداد
السادسة القصبة وهي أنقص من الذراع السوداء بإصبع وثلثي إصبع وأول من وضعها ابن أبي ليلى القاضي
قال الماوردي وبها يتعامل أهل كلواذى
السابعة المهرانية قال الماوردي وهي بالذراع السوداء ذراعان وثلثا ذراع وأول من وضعها المأمون وهي التي يتعامل بها في حفر الأنهار ونحوها
ومنها المقص بكسر الميم وهو الآلة المعروفة وينتفع به في أمور مختلفة

الصنف الثامن آلات اللعب وهي عدة آلات
منها النرد بفتح النون وسكون الراء المهملة وهو من حكم الفرس وضعه أردشير بن بابك أول طبقة الأكاسرة من ملوكهم ولذلك قيل له نردشير وضعه مثالا للدنيا وأهلها فرتب الوقعة اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة

والمهارك ثلاثين قطعة بعدد أيام الشهر وجعل الفصوص بمثابة الأفلاك ورميها مثل تقلبها ودورانها والنقط فيها بعدد الكواكب السيارة كل وجهين منها سبعة وهي الشش ويقابله اليك والبنج ويقابله الدو والجهار ويقابله الثا وجعل ما يأتي به اللاعب من النقوش كالقضاء والقدر تارة له وتارة عليه وهو يصرف المهارك على ما جاءت به النقوش إلا أنه إذا كان عنده حسن نظر عرف كيف يتالي وكيف يتحيل على الغلب وقهر خصمه مع الوقوف عند ما حكمت به الفصوص كما هو مذهب الأشاعرة لكن قد وردت الشريعة بذمه قال من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير وفي رواية ملعون من لعب بالنردشير
وفي تحريمه عند أصحابنا الشافعية وجهان أصحهما التحريم والثاني الكراهة
وإذا قلنا حرام فالأصح أنه صغيرة وقيل كبيرة
ومنها الشطرنج بفتح الشين المعجمة أو السين المهملة لغتان والأولى منهما أفصح وهو فارسي معرب وأصله بالفارسية شش رنك ومعناه ستة ألوان وهي الشاه والمراد بها الملك والفرزان والفيل والفرس والرخ والبيدق
ثم الشطرنج من أوضاع حكماء الهند وحكمهم
وضعه صصه بن داهر الهندي لبلهيب ملك الهند مساواة لأردشير بن بابك في وضعه النرد وعرضه على حكماء زمانه فقضوا بتفضيله ثم عرضه على الملك وعرفه أمره فقال احتكم علي فتمنى عليه عدد تضعيف بيوته من قمحه إلى نهاية البيوت فاستصغر همته وأنكر عليه مواجهته بطلب نزر يسير فقال هذه طلبتي فأمر له بذلك فحسبه أرباب دواوينه فقالوا للملك إنه لم يكن عندنا ما يقارب القليل من ذلك فأنكر ذلك فأوضحوه له بالبرهان فكان اعجابه بالأمر الثاني أكثر من الأول
قال ابن خلكان ولقد كان في نفسي من هذه المبالغة شيء حتى اجتمع بي

بعض حساب الإسكندرية فأوضح لي ذلك وبينه وذلك أنه ذكر أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر فأثبت فيه اثنين وثلاثين ألفا وسبعمائة وثمانية وستين حبة وقال تجعل هذه الجملة مقدار قدح ثم ضاعف السابع عشر إلى البيت العشرين فكان فيه ويبة ثم انتقل من الويبات إلى الأردب ولم يزل يضعفها حتى انتهى في البيت الأربعين إلى مائة ألف إردب وأربعة وسبعين ألف إردب وسبعمائة واثنين وستين إردبا وثلثي إردب وقال هذا المقدار شونة ثم ضاعف الشون إلى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفا وأربعة وعشرين شونة وقال هذا المقدار مدينة ثم إنه ضاعف ذلك البيت إلى الرابع والستين وهو نهايتها فكانت الجملة ست عشرة ألف مدينة وثلثمائة وأربعا وثمانين مدينة وقال تعلم أنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد
قال الصلاح الصفدي في شرح اللامية وآخر ما اقتضاه تضعيف رقعة الشطرنج ثمانية عشر ألف ألف ست مرات وأربعمائة وستة وأربعون ألفا خمس مرات وسبعمائة وأربعة وأربعون ألفا أربع مرات وثلاثة وسبعون ألفا ثلاث مرات وسبعمائة وتسعة آلاف مرتين وخمسمائة وأحد وخمسون ألفا وستمائة وخمس عشرة حبة عددا
قال الشيخ شمس الدين الأنصاري إذا جمع هذا العدد هرما واحدا مكعبا كان طوله ستين ميلا وعرضه كذلك وارتفاعه كذلك بالميل الذي هو أربعة آلاف ذراع
واللعب بالشطرنج مباح وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله في المهذب أن سعيد بن جبير الإمام الكبير التابعي المشهور كان يلعب

الشطرنج عن أستدبار
وممن يضرب به المثل في لعب الشطرنج الصولي وهو أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن صول تكين الكاتب ويقال إن المأمون كان لا يجيد لعب الشطرنج فكان يقول عجبا مني كيف أدبر ملك الأرض من الشرق إلى الغرب ولا أحسن تدبير رقعة ذراعين في ذراعين
ثم في حله عند أصحابنا الشافعية ثلاثة أوجه أصحها أنه مكروه والثاني أنه مباح والثالث حرام فإن اقترن به رهن من الجانبين أو أحدهما فإنه محرم بلا نزاع

الصنف التاسع آلات الطرب وهي عدة آلات
منها العود وهو آلة من خشب مخرقة له عنق ورأسه ممال إلى خلفه وهو آلة قديمة وتسميه العرب المزهر بكسر الميم وهو أفخر آلات الطرب وأرفعها قدرا وأطيبها سماعا حتى يقال إنه قيل له هل يسمع أحسن منك فقال لا وأمال رأسه إلى خلفه فهي ممالة لأجل ذلك
ومنها الحنك قال في التعريف وهو آلة محدثة طيبة النغمة لذيذ السماع يقارب العود في حسنه وشكله مباين لشكل العود ورأسه ممال إلى أسفل يقال إنه قيل له هل يسمع أحسن منك فقال نعم يريد العود
ومنها الرباب بفتح الراء وهي آلة مجوفة مركب عليها خصلة لطيفة من شعر ممر عليها بقوس وتره من شعر فيسمع لها حس طيب وأكثر من يعانيها العرب
ومن أنواعها نوع يعبر عنه بالكمنجة لطيف القدر في تدوير أطيب حسا وأشجى من الرباب
ومنها الدف بضم الدال وهو معروف ثم إن كان بغير صنوج وهي

المعبر عنها في زمننا بالصراصير حل سماعه أو بصنوج فالأصح كذلك
ومنها الشبابة بفتح الشين وهي الآلة المتخذة من القصب المجوف ويقال لها اليراع أيضا تسمية لها باسم ما اتخذت منه وهو اليراع يعني القصب وربما عبر عنها بالمزمار العراقي وتصحيح مذهب الشافعي رضي الله عنه يختلف فيها فالرافعي رحمه يجيز سماعها والنووي يمنع من ذلك

الصنف العاشر المسكرات وآلاتها وهي عدة أشياء
منها الخمر وهي ما اتخذ من عصير العنب خاصة وهي محرمة بنص القرآن
قال تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) وأبو حنيفة يبيحها للتداوي والعطش ولم تبح عند الشافعية إلا لإساغة لقمة المغصوص خاصة وشاربها يحد بالاتفاق وحكم بنجاستها تغليظا في الزجر عنها وأباح أبو حنيفة المثلث وهو ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وقال بطهارته وجرى عند أصحابنا الشافعية وجه بالطهارة
أما المتخذ من الزبيب والتمر وما شاكله فإنما يقال له نبيذ وقد ذهب الشافعي رضي الله عنه إلى القول بتنجيسه والحد بشربه وإن لم ينته منه إلى قدر يحصل منه سكر
ومنع أبو حنيفة الحد في القدر الذي لا يسكر
ثم للخمر أسماء كثيرة باعتبار أحوال فتسمى الخمر لأنها تخمر العقل أي تغطيه والحميا لأنها تحمي الجسد والعقار لأنها تعاقر الدن أي تطول مدتها فيه إلى غير ذلك من الأسماء التي تكاد تجاوز مائة
ومنها الإبريق وهو الإناء الذي يصب منه والإبريق في أصل اللغة ما له خرطوم يصب منه

ومنها القدح وهو إناء من زجاج ونحوه يصب فيه من الإبريق المقدم ذكره
ومنها الكأس وهو القدح بعد امتلائه ولا يسمى كأسا إذا كان فارغا بل قدحا كما تقدم
ومنها الكوب بالباء الموحدة وهو الذي لا عروة له يمسك بها أما إذا كانت له عروة فإنه يقال له كوز بالزاى المعجمة
قلت والعجب ممن يذهب طيباته في حياته الدنيا ويفوز بما وصفه المرارة وطبعه إزالة العقل الذي به تدرك اللذة ويفوت النعيم المقيم في دار البقاء فقد ورد أن من شرب الخمر في الدنيا لم يطعمها في الآخرة
قال العلماء إذا رآها لا يشتهيها ولم تطلبها نفسه وقد وصف الله تعالى حال خمر الجنة بقوله ( يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) وأتبع ذلك بكمال النعمة في قوله ( وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاءا بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما )
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فلا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا
ومنها الحشيشة التي يأكلها سفلة الناس وأراذلهم وتسميها الأطباء بالشهدانج وعبر عنها ابن البيطار في مفرداته بالقنب الهندي وهي مذمومة شرعا مضرة طبعا تفسد المزاج وتؤثر فيه الجفاف وغلبة السوداء وتفسد الذهن وتورث مساءة الأخلاق وتحط قدر متعاطيها عند الناس إلى غير ذلك من الصفات الذميمة المتكاثرة
وكلام القاضي حسين يدل على أنه لا يحد متعاطيها وإن فسق فإنه قال وغير الخمر مثل البنج وجوز ماثل والأفيون لا يحد متعاطيه بحال بل إن تعمد تناوله فسق به وإن تناوله غلظا أو للتداوي لم يفسق وقد

أفرد ابن القسطلاني الحشيشة بتصنيف سماه تكرمة المعيشة في ذم الحشيشة ذكر الكثير من معانيها ومساوي متعاطيها أعاذنا الله تعالى من ذلك

النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب وفيه مقصدان
المقصد الأول في بيان ما يقع عله اسم الفلك وعدد أكره وما بين كل كرتين
وحركة الأفلاك في اليوم والليلة
أما ما يقع عليه اسم الفلك فالمراد بالأفلاك السموات
قال صاحب مناهج الفكر تواطأت الأمم على تسمية أجرام السموات أفلاكا وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب الفلك مدار النجوم الذي يضمها واحتج بقوله تعالى بعد ذكر النجوم ( وكل في فلك يسبحون ) قال وسمي فلكا لاستدارته ومنه قيل فلكة المغزل لاستدارتها
وأما شكل الفلك وهيئته فقد اختلف علماء الهيئة في ذلك فذكر الأكثرون منهم أنها كرية لا مسطحة لأن أسرع الأشياء حركة السموات وأسرع الأشكال حركة حركة الكرة لأنها لا تثبت على مكان من الأمكنة إلا بأصغر أجزائها
وأما عدد أكره فقد ذكر الجمهور من علماء الهيئة أن الفلك عبارة عن تسع

أكر متسقة ملتفة بعضها فوق بعض التفاف طبقات البصلة بحيث يماس محدب كل كرة سفلى مقعر كرة أخرى عليا إذ لا خلاء بينهما عندهم
قالوا وأقرب هذه الأكر إلى الأرض كرة القمر ثم كرة عطارد ثم كرة الزهرة ثم كرة الشمس ثم كرة المريخ ثم كرة المشتري ثم كرة زحل ثم كرة الكواكب الثابتة ثم كرة الفلك الأطلس وسمي بالأطلس لأنه لا كواكب فيه ثم الفلك المحيط ويسمى فلك الكل وفلك الأفلاك والفلك الأعلى والفلك الأعظم وحكى النومحسي في كتاب الآراء والديانات أن بعض القدماء ذهب إلى أن كرة الشمس أعلى من سائر كرات الكواكب وبعدها كرة القمر وبعدها كرة الكواكب المتحيرة ثم كرة الكواكب الثابتة
والمتفلسفون من الإسلاميين لما حكمت عليهم نصوص الكتاب والسنة بالاقتصار على ذكر سبع سموات زعموا أن الفلك الثامن من الأفلاك التسعة هي الكرسي والفلك التاسع هو العرش
وذهب بعض القدماء من علماء الهيئة إلى أن فوق الكرة التاسعة كرة عاشرة هي المحركة لسائر الأكر
وذهب آخرون إلى أن وراء نهاية الأجرام السماوية خلاء لا نهاية له وذهب بعض الفلاسفة إلى أن وراءها عالم الصورة ثم عالم النفس ثم عالم السياسة ثم عالم العلة الأولى ويعنون به الباري تعالى عن الجهة
والصابئة يسمون هذه العوالم أفلاكا
وأما بين كل كرتين فذهب أهل الهيئة إلى أنها متراصة لا خلاء بينها

لكن قد ورد الشرع بما يخالف ذلك فأطبق القصاص من أهل الأثر على أن بين كل سماء وسماء خمسمائة سنة وفي سنن الترمذي أن بين كل سماء وسماء واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة
وأما حركة الأفلاك اليومية فإن الفلك الأطلس المقدم ذكره يتحرك بما في ضمنه في اليوم والليلة حركة واحدة دورية على قطبين مائلين يسميان قطبي العالم أحدهما عظمى تقطع هذا الفلك نصفين تسمى دائرة معدل النهار لأن الشمس متى حلت بها اعتدل النهار في سائر الأقطار وتقاطع هذه الدائرة دائرة أخرى متوهمة تقسم هذا الفلك نصفين على نقطتين متقابلتين يصير نصفها في شمالي معدل النهار ونصفها الآخر في جنوبيه ويسمى منطقة البروج وهذه الدائرة ترسمها الشمس بحركتها الخاصة في السنة الشمسية ومن ثم قسمت اثني عشر قسما ويسمى كل قسم منها برجا

المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك وهي على ضربين
الضرب الأول الكواكب السبعة السيارة
وهي زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر
ويتعلق القول بها من جهة مراتبها واشتقاق أسمائها ومقادير أبعادها من الأرض وقدر محط كل كوكب منها

فأما القمر فمأخوذ من القمرة وهي البياض سمي بذلك لبياضه وقد تقدم أن فلكه أقرب الأفلاك إلى الأرض وهو المعبر عنه بالسماء الدنيا ودوره ألف ومائة وخمسة وثمانون ميلا وهو جزء من تسعة وثلاثين جزءا من الأرض وبعده عن الأرض مائة ألف وسبعة آلاف وخمسمائة وتسعون ميلا
وهو يسمى هلالا الليلة الأولى والثانية والثالثة ثم هو قمر إلى آخر الشهر
ويسمى في ليلة أربع عشرة بالبدر قيل لمبادرته الشمس قبل الغروب وقيل لتمامه وامتلائه كما قيل لعشرة آلاف بدرة لأنها تمام العدد ومنتهاه
ويستسر ليلة في آخر الشهر وربما استسر ليلتين فلا يرى انه يختفي فلا يرى ويسمى هذا الاختفاء السرار
وأما عطارد فمعناه النافذ في الأمور ولذلك سمي الكاتب وهو في الفلك الثاني بعد فلك القمر ودور قرصه سبعمائة وعشرين ميلا وهو جزء من اثنين وعشرين جزءا من الأرض وبعد ما بينه وبين الأرض مائتا ألف وخمسة آلاف وثمانمائة ميل
وأما الزهرة فمأخوذة من الزاهر وهو الأبيض سميت بذلك لبياضها وهي في الفلك الثالث من القمر ودور قرصها ستة آلاف وسبعة وأربعون ميلا وهي جزء من ستة وثلاثين جزءا من الأرض وبعدها عن الأرض خمسمائة ألف وخمسة وثلاثون ألفا وستمائة وأربعة عشر ميلا
وأما الشمس فسميت بذلك لشبهها بالشمسة وهي الواسطة التي في المخنقة لأن الشمس واسطة بين ثلاثة كواكب سفلية وهي القمر وعطارد والزهرة وبين ثلاثة علوية وهي المريخ والمشتري وزحل وذلك أنها في الفلك الرابع من القمر ودور قرصها مائة ألف وثمانمائة وثمانون ميلا وهي مثل الأرض

مائة وست وستون مرة وربع وثمن مرة وبعدها عن الأرض ثلاثة آلاف وخمسة آلاف واثنان وتسعون ألفا ومائة وثلاثة وأربعون ميلا
وأما المريخ فمأخوذ من المرخ وهو شجر تحتك أغصانه فتوري النار فسمي بذلك لشبهه بالنار في احمراره وقيل المريخ في اللغة هو السهم الذي لا ريش له والسهم الذي لا ريش له يلتوي في سيره فسمي النجم المذكور بذلك لكثرة التوائه في سيره وهو في الفلك الخامس من القمر وهو مثل الأرض مرة ونصفا وبعده عن الأرض ثلاثة آلاف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفا وثمانمائة وستة وستون ميلا
وأما المشتري فسمي بذلك لحسنه كأنه اشترى الحسن لنفسه وقيل لأنه نجم الشراء والبيع عندهم وهو في الفلك السادس من القمر ودور قرصه أحد وتسعون ألفا وتسعمائة وتسعة وسبعون ميلا وهو مثل الأرض خمس وسبعون مرة ونصف وثمن مرة وبعده عن الأرض ثمانية وعشرون ألف ألف وأربعمائة ألف وثمانية وستون ألفا ومائتا ميل
وأما زحل فمأخوذ من زحل إذا أبطأ سمي بذلك لبطئه في سيره وقد فسر به بعض المفسرين قوله تعالى ( النجم الثاقب ) ودور قرصه تسعون ألفا وسبعمائة وتسعة عشر ميلا وبعده عن الأرض ستة وأربعون ألف ألف ومائتا ألف وسبعمائة وسبعة وسبعون ميلا وأهل المغرب يسمون زحل المقاتل ويسمون المريخ الأحمر ويسمون عطارد الكاتب
والفرس يسمون الكواكب السبعة بأسماء بلغتهم فيسمون زحل كيوان والمشتري تير والمريخ بهرام والشمس مهر والزهرة أناهيد وعطارد هرمس والقمر ماه
واعلم أن لكل من هذه الكواكب السبعة حركتين
إحداهما قسرية وهي حركته بحركة فلك الكل في اليوم والليلة حركة تامة

وتسمى الحركة السريعة
والثانية حركة ذاتية يتحرك فيها هو بنفسه من المغرب إلى المشرق وتسمى الحركة البطيئة
ويختلف الحال فيها بالسير باختلاف الكواكب فلكل واحد منها سير يخصه وهذه الحركة في القمر أبين لسرعة سيره إذ يقطع الفلك بالسير من المغرب إلى المشرق في كل ثمانية وعشرين يوما مرة
وقد مثل القدماء من الحكماء للحركتين المذكورتين بمثالين
أحدهما بحركة السفينة براكبها إلى جهة جريان الماء وتحرك الراكب فيها إلى خلاف تلك الجهة
والثاني تحرك نملة تدب على دولاب إلى ذات الشمال والدولاب يدور إلى ذات اليمين

الضرب الثاني الكواكب الثابتة
وهي الكواكب التي في الفلك الثامن على رأي علماء الهيئة وسميت ثابتة لأنها ثابتة بمكانها من الفلك لا تتحرك من المغرب إلى المشرق كما تتحرك السبعة السيارة إلا حركة يسيرة جدا وإنما تتحرك بحسب حركة فلك الكل بها من المشرق إلى المغرب في اليوم والليلة والذي يحتاج إلى ذكره منها الكواكب المشهورة مما تتعرف به الأزمنة على ما تقدم ذكره أو ما يدخل تحت الوصف والتشبيه
وهي ثلاثة أصناف
الصنف الأول نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة
وهي اثنتا عشرة صورة في اثني عشر برجا بعضها من منازل القمر

وبعضها من صور أخرى جنوبية وشمالية وبعضها من كواكب متفرقة لا تنسب إلى صورة
الأول الحمل وهو الكبش وهو صورة كبش على خط وسط السماء مقدمه في المغرب ومؤخره للمشرق وأول ما يطلع منه فمه وهو الكوكب الجنوبي المنفرد من الكوكبين الشماليين من مفصل اليد من الشرطين وعلى قرنيه الكوكبان الجنوبيان المقتربان من الشرطين وعلى عينه اليمنى الكوكب الشمالي المضيء من الشرطين وعلى عينه اليسرى كوكب خفي بقرب الشمالي من الشرطين وعلى لحييه آخر مثله وعلى مفصل يده الكوكبان الشماليان اللذان على عقب الرجل اليسرى من الثريا وهو الذي يقال له البطين ويده وساقاه ممتدان إلى الشمال وكأنه إنما يظهر منه يد واحدة ورجل واحدة والثريا على طرف أليته
الثاني الثور وهو صورة ثور على خط السماء مقدمه إلى المشرق ومؤخره إلى المغرب وظهره إلى الشمال ويداه ورجلاه إلى الجنوب وعلى مؤخره أربعة كواكب تسمى القطع أي هي موضع ذنبه المقطوع والدبران وجهه وركن الدبران فمه والكوكب المضيء الذي في الدبران عينه وكوكبان خارجان عن الدبران فردة قرنه وقرنه الآخر كوكب متباعد عن الدبران نفسه إلى الشمال وليس وجهه مستويا ولكنه شبيه بالمقطوع الذي جعل خده على رأس عنقه ويداه منحطتان إلى الجنوب ويظهر منه رجل واحدة ويدان وذنبه أبتر والثريا خارجة عنه إلى الشمال وكذلك اللطخة وهي ثلاثة أنجم تشبه الثريا بين الثريا والدبران وليستا من صورته

الثالث التوأم وهو المعبر عنه في ألسنة الناس بالجوزاء
قال الحسين بن يونس الحاسب في كتابه في هيئة الصور الفلكية والناس مخطئون في ذلك وإنما الجوزاء هي الصورة المعروفة بالجبار في الصور الجنوبية وقدم التوأم الأيمن بعض كواكب الجبار التي على تاجه
قال والتوأم على خط وسط السماء جسدان ملتصقان برأسين يظهر لكل واحد منهما يد واحدة ورجل واحدة والرأسان في جهة المشرق ورجلاهما في جهة المغرب والذراع الشامي هو الرأسان ويده اليمنى وهي التي في جهة الشمال هي الذراع اليماني والمضيء من الذراع اليماني يسمى الشعرى الغميصاء ويده اليسرى ممتدة إلى التوابع
الرابع الشرطان وهو صورة سرطان على وسط السماء رأسه إلى الشمال ومؤخره إلى الجنوب والنثرة على صدره وعيناه كوكبان خفيان تحت النثرة يدعيان بالحمارين وزباناه كوكبان فيهما خفاء وأحدهما أضوأ من الآخر يكونان شماليين من التوأم ومؤخره كف الأسد
الخامس الأسد في وسط السماء فمه مفتوح إلى النثرة وعلى رأسه كواكب مضيئة والطرف على عنقه والجبهة على صدره وقلبه الكوكب الجنوبي المضيء من النثرة وهو عظيم النور وكاهله كواكب خفية خارجة عن الطرف والجبهة إلى الشمال والخراتان خاصرته والصرفة ذنبه وكفه المتقدمة في آخر السرطان وكفه الأخرى بعد هذه الكف إلى المشرق ورجله

الأولى تخرج من الكوكب القبلي من الخراتين إلى الجنوب والأخرى تحت هذه للمشرق وكبده كوكب يتوسط مع الجبهة شمالي منها وسائر فقاراته إلى المشرق
السادس العذراء في وسط السماء
قال حسين بن يونس والعرب تسميها السنبلة وهو خطأ وإنما هي حاملة السنبلة ورأسها في الشمال بميلة إلى المغرب ورجلاها في الجنوب وهي مستقبلة المشرق وظهرها إلى المغرب
قال ورأسها كواكب صغار مستديرة كاستدارة رأس الإنسان تكون جنوبية من كوكبي الخراتين ومنكباها أربعة كواكب تحت هذه إلى المشرق وجناحها الأيمن ستة كواكب كهيئة الجناح
السابع الميزان وهو صورة ميزان كفتاها إلى جهة المشرق وقبها إلى جهة المغرب والسماك الأعزل على قبها من الجهة اليمنى ومقابله كوكب آخر على قبها من الجهة الشمالية وكوكب آخر خارج من وسطها إلى المغرب على علاقتها وهو على قصبة السنبلة وكوكبان من الغفر على محامله مع كواكب أخر وزبانيا العقرب كفتاه
الثامن العقرب وهو لصورة عقرب على وسط السماء رأسه في المغرب وذنبه في المشرق وإحدى رجليه في الجنوب والأخرى في الشمال والغفر على رأسه والزبانيان اللذان هما كفتا الميزان زبانياه وعيناه كوكبان خفيان فيما بينهما وبين الإكليل والإكليل على صدره والقلب هو قلبه ونياط القلب

كوكبان خفيان والقلب في وسطهما وهو خارج عنهما إلى الشمال والشولة ذنبه والكواكب التي على طرفها جبهته وإبرته لطخة مستطيلة فيما بين الشولة والنعائم الصادرة ففيه من منازل القمر خمس منازل وهي الغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة وأظهر ما تكون صورة العقرب وهو على الأنف عند الغروب ففيه من منازل القمر ثلاث منازل الإكليل والقلب والشولة
التاسع القوس ويسمى الرامي ونجوم هذا البرج نصفه شبه فرس وهو مؤخره إلى جهة المغرب ونصفه وجه إنسان تقوس وهو في جهة المشرق ورأسه في الشمال ورجلاه في الجنوب والنعائم الواردة على وسطه وهو على الجسد الذي يشبه بدن القوس وذنبه يشبه لطخة مستطيلة مع كوكب صغير تحتها والكواكب رعبان أي النعائم والبلدة على مقبض القوس ويده اليمنى قابضة على رأس السهم وهي كواكب تكون تحت لطخة صغيرة قريبة منها
العاشر الجدي وهو صورة جدي مستلق على ظهره مقدمه في المغرب ومؤخره في المشرق وظهره للجنوب ويداه ورجلاه إلى الشمال وهو شبيه بالمنقلب إلى القوس وقرناه إلى بطنه وفمه إلى القوس وليس له إلا يد واحدة والكوكب الشمالي من سعد الذابح أحد قرنيه والجنوبي منه قرنه الآخر وكوكب آخر خفي تحت سهم القوس غربي سعد الذابح فمه وعلى كتفيه سعد بلع وعلى وركه سعد السعود والمضيء من سعد السعود حق وركه وشق الحوت الجنوبي على ظهره وطرف يده ثلاثة كواكب مضيئة بقرب اللامح فيها خفاء وطرف رجله الكوكب المسمى رأس الدلو
الحادي عشر الدلو وهو صورة رجل قائم بيده دلو رأسه إلى الشمال

ورجلاه إلى الجنوب وظهره إلى المشرق ووجهه إلى المغرب والكواكب التي تسمى الخباء من سعد الأخبية رأسه ويده اليسرى من فوق رأسه حتى تنزل إلى الدلو الذي عن يمينه وسعد الأخبية مرفقه الأيسر وبطنه يسمى الجرة ودلوه أربعة سعود من السعود السبعة التي ليست من منازل القمر هي سعد ناشرة وسعد الملك وسعد البهام وسعد الماتح وكل سعد منها كوكبان وعلى رجله اليسرى كوكب عظيم النور وعلى رجله اليمنى كوكب أبيض يقرب في العظم من الذي قبله والفرع المقدم خارج عن صورته إلى الشمال
الثاني عشر الحوت وهو صورة سمكتين إحداهما المنزلة التي تسميها أصحاب المنازل بطن الحوت وهي شمالية والثانية جنوبية عنها وهي أطول منها وأخفى الكواكب والكواكب السبعة السيارة ترسم الجنوبية منهما بمسيرهن وشق السمكة الجنوبية ثلاثة من السعود السبعة التي من غير منازل القمر هي سعد الهمام وسعد البارع وسعد الماطر وليس الفرغ المؤخر في جسم الحوت بل خارج عنه إلى الشمال والمغرب

الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي ينتقل فيها القمر من أول الشهر إلى
الثامن والعشرين منه
وهي ثمان وعشرون منزلة يداخل أكثرها صور البروج الاثني عشر المتقدمة
الأولى الشرطان والشرطانتثنية شرط وهو العلامة كأنه سمي بذلك لكونه علامة على طلوع الفجر عند طلوعه وتسمى أيضا النطح والناطح لأنها عند أصحاب الصور قرنا الحمل وهما كوكبان نيران بينهما قاب قوسين أحدهما في

الشمال والآخر في الجنوب إلى الجانب الجنوبي ومنها كوكب ألطف منه يعد معه أحيانا ولذلك يسمي بعضهم هذه المنزلة الأشراط على الجمع لا على التثنية وهذه الثلاثة الكواكب إذا ظهرت فيا لمشرق ظهرت كأنها مقلوبة منكسة وواحد منها أحمر مضيء وتحته آخر خفي والثالث في الشمال وهو أحمر مضيء
الثانية البطين تصغير بطن وإنما صغر فرقا بينه وبين بطن الحوت الآتي ذكره في جملة المنازل والبطين ثلاثة كواكب مثل أثافي القدر وهي الشكل المثلث الذي ينصب عليه القدر عند الطبخ وهي على القرب منها في موضع بطن الحمل من الصورة وواحد منها مضيء واثنان خفيان والخفيان يطلعان قبل المضيء
الثالثة الثريا ويسمى النجم علما عليها وبه فسر قوله تعالى ( والنجم إذا هوى ) وهي ستة أنجم صغار يظنها الناظرين سبعة أنجم وهي في شكل مثلث متساوي الساقين وبين نجومها نجوم صغار جدا كالرشاش ومطلعها إلى الشمال عن مطلع الشرطين والبطين وأول ما يطلع منها ويغيب هو الجانب العريض دون الأفخاذ منها وهي عند الصور أصحاب بالقرب من محل ذنب الثور المقطوع
قال ابن يونس وليست من صورة الثور وبعضهم يسميها ألية الحمل لقربها منه
الرابعة الدبران ويسمى تالي النجم لكونه يطلع تلو الثريا وربما سمي حادي النجم لذلك ويسمى أيضا المجدح وعين الثور وهذه المنزلة سبعة أنجم تشبه شكل الدال واحد منها مضيء أحمر عظيم النور واسم الدبران واقع عليه في الأصل ثم غلب عليه وعلى باقي المنزلة
وهذه الكواكب السبعة عند أصحاب الصور هي رأس الثور وأول ما يطلع منه طرف الدال ويكون رميها إلى الجنوب وفتحها إلى الشمال والكوكب الأحمر المضيء هو آخر ما يطلع منها والعرب

تقول للكوكبين القريبين منه كلباه والباقي غنمه وربما قالوا قلاصه ويقولون في خرافاتهم إن الدبران خطب الثريا إلى القمر فقالت ما أصنع بسبروت فساق إليها الكواكب المسماة بالقلاص مهرا فهربت منه فهو يطلبها أبدا ولا يزال تابعا لها ومن ثم قالوا في أمثالهم أوفى من الحادي وأغدر من الثريا
الخامسة الهقعة سميت بذلك تشبيها بدائرة تكون في عنق الفرس وقد مر القول عليها في الكلام على أوصاف الخيل وهي ثلاثة كواكب محابية صغار تسمى الأثافي وهي على أعلى القدم اليسرى من التوأم المعبر عنه بالجوزاء
السادسة الهنعة وهي خمسة أنجم على شكل الصولجان أربعة منها على خط مسشتقيم الثالث منها يسمى قوس الجوزاء والخامس منعطف إلى جهة الجنوب مقدار شبر في رأى العين وسميت هنعة لأنعطافها أخذا من قولهم هنعت الشيء إذا عطفته وبعضهم يسميها التحية وهي عند أصحاب الصور خلاف لأحد التوأمين المعبر عنهما بالجوزاء ويقال الهنعة قوس الجوزاء يرمى بها ذراع الأسد وقائل ذلك يزعم أنها ثمانية أنجم في صورة قوس من مقبضها النجمان اللذان يقال لهما الهنعة وبعضهم يقول إن الهنعة كوكبان مقترنان الشمالي منهما أضوؤهما وحذاءهما ثلاثة كواكب تسمى التحايي ربما عدل القمر فنزل بها
السابعة الذراع وهي كوكبان أحدهما نير والآخر مظلم بينهما قدر سوط

في رأي العين وفيما بينهما كواكب صغار تسميها العرب الأظفار وسميت هذه المنزلة بالذراع لأنها عندهم ذراع الأسد وللأسد ذراعان مقبوضة وفيها ينزل القمر وهي جنوبية وسميت مقبوضة لأن الأخرى أرفع منها في السماء ولهذا سميت مبسوطة وهي مثلها في الصورة وأصحاب الصور يجعلون هذه الذراع في صورة الكلب الأصغر وربما عدل القمر عن المقبوضة فنزل بها
الثامنة النثرة وهي لطخة كقطعة سحاب يجعلها أصحاب الصور على صدر السرطان وسميت نثرة لأن إلى جانبها نجمين صغيرين هما عند العرب على منخري الأسد وتسميهما الحمارين وقيل إنها لما كانت أمام جبهة الأسد شبهت بشيء نثره من أنفه ويقال إنها فم الأسد ومنخراه وتسمى اللهاة أيضا وتشبه بالمعلف
التاسعة الطرف وهي كوكبان خفيان مقترنان بين يدي الجبهة سميا بذلك لموقعهما موقع عيني الأسد وقدامهما سنة كواكب صغار تسميها العرب الأشفار اثنان منها في نسق الطرف والأربعة البواقي بين يديه
العاشرة الجبهة ثلاثة كواكب نيرة قد عدل أوسطها إلى الشرق فهي لذلك على شكل مثلث مستطيل القاعدة قصير الساقين وإلى الجنوب عنها نجم أحمر مضيء جدا يسمى قلب الأسد يرسمه المنجمون في الاسطرلاب وأصحاب الصور يجعلون الجبهة على كتف الأسد
الحادية عشرة الخراتان وتسمى الزبرة وعرف الأسد والزبرتين وهما كوكبان نيران بينهما في رأي العين مقدار ذراعين وهما معترضان ما بين المشرق

والمغرب يمتدان عند التوسط مع خط الاستواء وسيما الخراتين تشبيها بثقبين في السماء ومنه خرت الإبرة وتحت هذين النجمين تسعة أنجم صغار
وسميت الزبرة لشعر يكون فوق ظهر الأسد مما يلي خاصرته وعدوا الجميع أحد عشر كوكبا منها نجمان هما الخراتان والتسعة الشعر
الثانية عشرة الصرفة وهي كوكب نير وهو عند أصحاب الصور قنب الأسد والقنب وعاء القضيب وبالقرب من هذا الكوكب سبعة أنجم صغار طمس ملاصقة له وسمي هذا الكوكب بالصرفة لانصراف الحر عند طلوعه مع الفجر من المشرق وانصراف البرد إذا غرب مع الشمس ويقال الصرفة ناب الدهر لأنها تفتر عن فصل الزمانين ويشكل مع الخراتين مثلثا له زاوية قائمة وإحدى ساقيه أطول من الأخرى وفي قاعدته قصر
الثالثة عشرة العواء وهي خمسة كواكب نيرة على شكل لام وكان اعتبر ابتداؤها من الشمال وعطفها من جهة الجنوب لكن المصطف منها أربعة والمنعطف واحد ويقال لها أيضا وركا الأسد وتشبهها العرب بكلاب تعوي خلف الأسد لأنها وراءه ولذلك سميت العوا وأصحاب الصور يجعلونها في السنبلة على صدرها
الرابعة عشرة السماك وهو السماك الأعزل وهو كوكب نير يميل لونه إلى الزرقة وسمي سماكا لكونه قريبا من سمت الرأس وسمت الرأس أعلى ما يكون من الفلك وسمته العرب الأعزل لأنه يطلع إلى جانبه نجم مضيء يسمونه السماك الرامح للكوكب صغير بين يديه والأعزل لا شيء بين يديه ففرق بينهما وأحدهما جنوبي وهو المنزلة وأصحاب الصور يثبتون السماكين الأعزل والرامح في صورة العذراء وهي السنبلة والعرب تجعلهما ساقي الأسد وربما عدل القمر فنزل بعجز الأسد وهو أربعة كواكب بين يدي السماك الأعزل يقال لها عرش

السماك وتسمى أيضا الخباء والأحمال والغراب وهذه المنزلة حد ما بين المنازل اليمانية والمنازل الشامية فما كان أسفل من مطلعه فهو يماني وهو شق الجنوب وما كان فوقه فهو شامي وهو شق الشمال
الخامسة عشرة الغفر ثلاثة كواكب خفية على خط فيه تقوس وسميت بذلك لخفائها مأخوذة من المغفرة التي تستر الذنب وتخفيه يوم القيامة ومنه المغفر الذي فوق الرأس وقيل لأنها زباني العقرب وقيل مأخوذة من الغفرة وهي الشعر الذي في طرف ذنب الأسد وأصحاب الصور يجعلونها بين ساقي الأسد
السادسة عشرة الزبانان وهما كوكبان نيران هما عند العرب يد العقرب يترس بهما أي يدفع عن نفسه وأصحاب الصور يجعلونهما كفتي الميزان وبينهما في رأي العين قدر قامة الرجل
السابعة عشرة الإكليل وهو ثلاثة كواكب مجتمعة في خفاء الغفر مصطفة معترضة بين كل كوكب وكوكب منها قدر ذراع في رأي العين سميت بذلك لأنها فوق جبهة العقرب كالتاج وهي عند أصحاب الصور على عمود الميزان
الثامنة عشرة القلب وهو كوكب أحمر نير مضطرب قريب من الجبهة بين كوكبين خفيين تسميهما العرب نياطي القلب أي علاقتيه وسمته أصحاب الصور قلبا لوقوعه موضع القلب من صورة العقرب والقلوب أربعة هذا أحدها والثاني قلب السمكة والثالث قلب الثور والرابع قلب الأسد
وحيث ذكر القلب على الإطلاق دون إضافة فالمراد قلب العقرب هذا
التاسعة عشرة الشولة وهي كواكب متقاطرة على تقويس في برج العقرب أشبه شيء بذنب العقرب إذا شالته ولذلك سميت الشولة وفي الشولة كوكبان خفيان ملتصقان يظهران كأنهما كوكب واحد مشقوق يسميان الإبرة والحمة وخلفهما نجم صغير لا يزايلهما يقال له التابع
وقال قوم إنما ينزل القمر الشولة على المحاذاة ولا ينحط إليها لأنها منحدرة عن طريقه وربما نزل بالسفار فيما بين القلب والشولة وهي ستة كواكب بيض منعطفة

العشرون النعائم وكواكبها ثمانية منها أربعة يمانية نيرة تشكل مربعا فيه أطراف تسمى الواردة وهي المنزلة وسميت واردة لأنها لما كانت قريبة من المجرة شبهت بنعام وردت نهرا والأربعة الأخرى تسمى النعائم الصادرة لأنها لما كانت بعيدة من المجرة شبهت بنعام وردت ثم صدرت والواردة التي هي المنزلة عند أصحاب الصور واقعة في يد الرامي الذي يجذب بها القوس
الحادية والعشرون البلدة وهي فرجة في السماء مستديرة شبه الرقعة ليس فيها كواكب والبلدة في كلام العرب الفرجة من الأرض ويقال لصدر الإنسان البلدة لأنها قطعة مستطيلة ويدل عليها ستة كواكب مستديرة صغار خفية تشبه القوس وبعضهم يسميها الأدحي لأن بالقرب منها كواكب تسميها العرب البيض لقربها من النعائم وربما عدل القمر فنزل بالأدحي وأصحاب الصور يجعلون البلدة على جبهة الرامي
الثانية والعشرون سعد الذابح وهو كوكبان صغيران بينهما في رأي العين أقل من قدر ذراع أحدهما مرتفع في ناحية الشمال والآخر منخفض في ناحية الجنوب سمي سعدا لانهمال الأمطار في أيام طلوعه وسمي ذابحا لقوة البرد في إبان طلوعه فتموت المواشي ببرده وقيل سمي ذابحا لأن بالقرب من نجمه الشمالي نجما صغيرا كأنه ملتصق به تقول العرب هو شاته التي تذبح ولذلك جعلوا الذابح صفة لسعد بخلاف سائر السعود فإنها يضاف إليها ما بعدها كما قاله الزجاج في مقدمة أدب الكاتب وأصحاب الصور يثبتون هذا السعد في موضع قرني الجدي من الصورة
الثالثة والعشرون سعد بلع وهو نجمان أيضا يشبهان سعدا الذابح في

المسافة التي بينهما لكن أحد الكوكبين خفي وهو الذي بلعه وهذا السعد عند أصحاب الصور على كعب ساكب الماء القريب من صورة الدلو وسمي بلع لأنه في أيام طلوعه تغيض الأنهار وتزيد الآبار فكأن الأرض ابتلعت ماءها وقيل لأنه يطلع في الوقت الذي قيل فيه ( يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ) زمن نوح عليه السلام
الرابعة والعشرون سعد السعود وعدته كوكبان أيضا على ما تقدم في السعدين من البعد وقيل هو ثلاثة كواكب أحدها نبر والآخران دونه في النور وأصحاب الصور يثبتونه على صدر ساكب الماء القريب من صورة الدلو وربما قصر القمر فنزل سعد ناشرة وهو أسفل من صعد السعود ويسمي أصحاب الصور نجمية بالمحبين وهما في مؤخر الجدي ومنهم من يثبت سعد السعود نجما واحدا
الخامسة والعشرون سعد الأخبية والناس مختلفون فيه فمنهم من يقول إنه كوكب واحد حوله ثلاثة كواكب مثلثة تشبه رجل بطة والكوكب هو السعد والثلاثة الخباء ومنهم من يجعل الكوكب الذي في وسط الثلاثة عمود الخباء وهو عند أصحاب الصور على الكتف الشرقية من جسد ساكب الماء وسمي سعد الأخبية لخروج المخبآت فيه من الثمار والحشرات وكانت العرب تتبرك به لاخضرار العود فيه
السادسة والعشرون الفرغ المقدم ويقال فيه مقدم الدلو والفرغ الأول والفرغ الأعلى وعرقوة الدلو العليا وهو كوكبان نيران بينهما في رأى العين نحو من خمسة أذرع وأصحاب الصور يزعمون أن الشمالي منهما على متن الفرس
السابعة والعشرون الفرغ المؤخر ويقال له مؤخر الدلو السفلي وهو كوكبان يشبهان ما تقدم أحدهما شمالي والآخر جنوبي وهما عند أصحاب

الصور على مؤخر الفرس وربما قصر القمر فنزل في الكرب الذي في وسط العراقي وربما نزل ببلدة الثعلب
الثامنة والعشرون الحوت وهو آخر المنازل ويقال لها السمكة وتسمى الرشاء أيضا وهي ثمانية عشر كوكبا تشكل شكل سمكة رأسها في جهة الشمال وذنبها في جهة الجنوب وفي الشرقي منها كوكب نير يسمى سرة الحوت وبطن الحوت وبطن السمكة وقلب السمكة وربما عدل القمر فنزل بالسمكة الصغرى وهي من السمكة الكبرى في الشمال مثل صورتها إلا أنها أعرض منها وأقصر وأصحاب الصور يجعلون الكوكب النير من الحوت في حد المرأة المسلسلة ورأسها هو الشمالي من الفرع المؤخر

الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل
القمر مما هو مشهور مما ذكرته العرب في شعرها وشبهت به وضربت به الأمثال
وهي عدة نجوم
منها بنات نعش وهي سبعة أنجم على القرب من القطب الشمالي منها أربعة في صورة نعش وثلاثة أمامه مستطيلة وهي المعبر عنها بالبنات وتعرف هذه ببنات نعش الكبرى وبالقرب منها سبعة أنجم على شكلها
ومنها الجدي الذي تعرف به القبلة وهو نجم صغير على القرب من القطب الشمالي يستدل به على موضع القطب ويقال له جدي بنات نعش الصغرى
ومنها الفرقدان وهما كوكبان متقاربان معدودان في بنات نعش
ومنها السها وهو كوكب خفي في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون به أبصارهم لخفائه

ومنها السماك الرامح وهو غير الأعزل المقدم ذكره في منازل القمر سمي رامحا لكوكب يقدمه تقول العرب هو رمحه بخلاف الأعزل فإنه الذي لا رمح معه
ومنها النسر الواقع وهو ثلاثة أنجم كأنها أثافي سمي الواقع لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه ويقولون قد ضمهما إليه كأنه طائر وقع
ومنها النسر الطائر سمي بذلك لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه ويقولون قد بسطهما كأنه طائر والعامة تسميه الميزان
ومنها الكف الخضيب وهو كف الثريا المبسوطة ولها كف أخرى يقال لها الجذماء وهي أسفل من الشرطين
ومنها العيوق وهو في طرف المجرة الأيمن وعلى أثره ثلاثة كواكب بينة يقال لها الأقلام وهي من مواقع العيوق
ومنها سهيل وهو كوكب أحمر منفرد عن الكواكب ولقربه من الأفق كأنه أبدا يضطرب وهو من الكواكب اليمانية قال ابن قتيبة ومطلعه عن يسار مستقبل قبلة العراق
قال وهو يرى في جميع أرض العرب ولا يرى في شيء من بلاد أرمينية
ومنها الشعريان العبور وكانت تعبد فيا لجاهلية بقوله تعالى ( وأنه هو رب الشعرى ) وهي في الجوزاء والشعرى الغميصاء ومع كل واحدة منهما كوكب يقال له المرزم
ومنها سعد ناشرة وسعد الملك وسعد البهام وسعد الهمام وسعد البارع وسعد مطر وكل سعد منها كوكبان بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع فهي متناسقة وهذه السعود الستة غير السعود الأربعة المتقدمة في منازل

القمر تكون جملة السعود عشرة
فإذا عرف الكاتب أحوال الأفلاك والكواكب وأسماءها وصفاتها عرف كيف يصفها عند احتياجه إلى وصفها وكيف يعبر عنها عند جريان ذكرها كما قال بعضهم يمدح بعض الرؤساء
( لا زلت تبقى وترقى للعلا أبدا ... ما دام للسبعة الأفلاك أحكام )
( مهر وماه وكيوان وتير معا ... وهرمس وأناهيد وبهرام )
مشيرا إلى ذكر الأفلاك السبعة وما لها من الكواكب السبعة السيارة بالأسماء الفارسية المقدم ذكرها
وكما قال الطغرائي في لامية العجم
( وإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل )
مشيرا إلى كون فلك زحل أعلى من فلك الشمس لما تقدم أنها في الرابع وهو في السابع
وكما قال بعضهم يصف خضرة السماء وما لها من الكواكب
( كأن سماءنا والشهب فيها ... وأصغرها لأكبرها مزاحم )
( بساط زمرد نثرت عليه ... دنانير يخالطها دراهم )
وكما قال ذو الرمة وقد ذكر الثريا

( يدف على آثارها دبرانها ... فلا هو مسبوق ولا هو يلحق )
( بعشرين من صغرى النجوم كأنها ... وإياه في الخضراء لو كان ينطق )
( قلاص حداها راكب متعمم ... إلى الماء من جوز التنوفة مطلق )
مشيرا إلى ما تقدم من خطبة الدبران الثريا وهربها منه وإمهاره إياها بالقلائص هي النجوم التي حولها
وكما قال أبو الفرج الببغا ذاكرا حال مختف يرجى له الظهور
( ستخلص من هذا السرار وأيما ... هلال توارى في السرار فما خلص )
مشيرا بذلك إلى حالة تواري القمر حالة السرار ثم خلوصه عند إهلاله

النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويات مما بين السماء والأرض
وهي على أصناف
الصنف الأول الريح
وهي مؤنثة يقال هبت الريح تهب هبوبا وتجمع على رياح وقد دل الاستقراء على أنها حيث وردت في القرآن الكريم في معرض العذاب كانت بلفظ الإفراد وحيث وردت في معرض الرحمة كانت بلفظ الجمع
قال تعالى في جانب العذاب ( فأرسلنا عليهم الريح العقيم ) وقال ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) وقال في جانب الرحمة ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته )

وقال جلت قدرته ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا ) إلى غير ذلك من الآيات
ومن ثم كان رسول الله إذا اشتدت الريح قال اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وقد ورد القرآن الكريم بأن الله تعالى هو الذي يرسلها قال تعالى ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا )
وذهبت الفلاسفة إلى أنها تحدث عن الطبيعة وأن سبب ذلك دخان يرتفع من الأرض فيضربه البرد في ارتفاعه فينتكس ويتحامل على الهواء ويحركه الهواء بشدة فيحصل الريح
وأصول الرياح أربعة
الأولى الصبا وهي التي تأتي من المشرق وتسمى القبول أيضا لأنها في مقابلة مستقبل المشرق
قال في صناعة الكتاب وأهل مصر يسمونها الشرقية لأنها تأتي من مشرق الشمس وهي التي نصر بها النبي يوم الأحزاب كما أخبر بقوله نصرت بالصبا
الثانية الدبور ومهبها من مغرب الشمس إلى حد القطب الجنوبي وسميت الدبور لأن مستقبل المشرق يستدبرها وتسمى الغربية لهبوبها من جهة المغرب وبها هلكت عاد كما أخبر عليه السلام بقوله وأهلكت عاد بالدبور
الثالثة الشمال ويقال فيها شمال وشمأل وشامل وشأمل مهموزا وغير مهموز ومهبها من حد القطب الشمالي إلى مغرب الشمس وسميت شمالا لأنها على شمال من استقبل المشرق

قال في صناعة الكتاب وتسمى البحرية لأنها يسار بها في البحر على كل حال
الرابعة الجنوبية ومهبها من حد القطب الأسفل إلى مطلع الشمس وتسمى بالديار المصرية القبلية لأنها تأتي من القبلة فيها وتسمى بها أيضا المريسية لأن في الجهة القبلية بلاد المريس وهم ضرب من السودان وهي أردأ الرياح عند أهل مصر
وقال النحاس وكل ريح جاءت من مهبي ريحين تسمى النكباء سميت بذلك لأنها نكبت عن مهاب هذه الرياح وعدلت عنها
قال في فقه اللغة وإذا جاءت بنفس ضعيف وروح فهي النسيم وإن ابتدأت بشدة قيل لها النافجة فإن حركت الأغصان تحريكا شديدا وقلعت الأشجار قيل زعزع فإن جاءت بالحصباء قيل حاصبة فإذا هبت من الأرض كالعمود نحو السماء قيل لها إعصار
وقد ورد بها القرآن في قوله تعالى ( فأصابها إعصار فيه نار ) والعامة تسميها الزوبعة ويزعمون أن الشيطان هو الذي يثيرها ومن ثم سماها الترك نعيم بك يعني الشيطان فإذا كانت باردة فهي الصرصر وقد وقع ذكرها في قوله تعالى ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) فإذا لم تلقح شجرا ولم تحمل مطرا فهي العقيم
وقد قال تعالى في قصة عاد ( إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) كانت لا مطر فيها

الصنف الثاني السحاب
وهو الأجرام التي تحمل المطر بين السماء والأرض ينشئها الله سبحانه

وتعالى كما أخبر بقوله ( وينشيء السحاب الثقال ) ويسوقها إلى حيث يشاء كما ثبت في الصحيح أن رجلا سمع صوتا من سحابة اسق حديقة فلان
وذهب الحكماء إلى أنه بخار متصاعد من الأرض مرتفع من الطبقة الحارة إلى الطبقة الباردة فيثقل ويتكاثف وينعقد فيصير سحابا
قال الثعالبي في فقه اللغة وأول ما ينشأ يقال له النشء فإذا انسحب في الهواء قيل له سحاب فإذا تغيرت به السماء قيل له غمام فإن سمع صوت رعده من بعيد قيل فيه عقر فإذا أظل قيل عارض
وقد أخبر تعالى عن قوم عاد بقوله ( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ) فإن كان بحيث إذا رؤي ظن أن فيه مطرا قيل له مخيلة فإن كان السحاب أبيض قيل له مزن فإذا هراق ما فيه قيل جهام وقيل الجهام هو الذي لا مطر فيه
وقد أولع أهل النظم والنثر بوصفه وتشبيهه

الصنف الثالث الرعد
وهو صوت هائل يسمع من السحاب وقد اختلف في حقيقته فروي أنه صوت ملك يزجر به السحاب وقيل غير ذلك والنصيرية من الشيعة يزعمون أنه صوت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث زعموا أن مسكنه السحاب وذهبت الفلاسفة إلى أنه دخان يتصاعد من الأرض ويرتفع حتى يتصل بالسحاب ويدخل في تضاعيفه ويبرد فيصير ريحا في وسط الغيم فيتحرك فيه بشدة فيحصل منه صوت الرعد ويقال منه رعدت السماء فإذا زاد صوتها

قيل ارتجست فإذا زاد قيل أرزمت ودوت فإذا اشتد قيل قصفت وقعقعت فإذا بلغ النهاية قيل جلجلت وهدهدت

الصنف الرابع البرق
وهو ضوء يرى من جوانب السحاب وقد اختلف فيه أيضا فروي أن الرعد صوت ملك يزجر به السحاب وأن البرق ضحكه والنصيرية من الشيعة يزعمون أنه ضحك أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أيضا والفلاسفة يقولون إنه دخان يرتفع من الأرض حتى يتصل بالسحاب كما تقدم في الرعد ثم تقوى حركته فيشتعل من حرارة الحركة الهواء والدخان فيصير نارا مضيئة وهو البرق ويقال ومض البرق إذا لمع لمعانا قويا وأومض إ ' ذا لمع لمعانا خفيا فإن أطمع في المطر ثم ظهر أن لا مطر فيه قيل خلب
الصنف الخامس المطر
وهو الماء الذي يخلقه الله تعالى في السحاب ويسوقه إلى حيث يشاء وقد ذهب الحكماء إلى أنه بخار يتصاعد من الأرض أيضا فيه أو في حرارة الشمس أو فيهما فيجتمع وربما أعانت الريح على جمعه بأن تسوق البعض إلى البعض حتى يتلاحق فإذا انتهى إلى الطبقة الباردة تكاثف وصار ماء وتقاطر كالبخار الذي يتصاعد من القدر وينتهي إلى غطاء القدر وعند أدنى برودة ينعقد قطرات
ثم للمطر زمان يكثر فيه وزمان يقل فيه وقد رتب العرب ذلك على أنواء الكواكب التي هي منازل القمر وجعلوا لكل منها نوءا ينسب إليه
قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الأنواء الكبير كانت العرب تقول لا بد

نوء كوكب من أن يكون فيه مطر أو ريح أو غيم أو حر أو برد ينسبون ما كان فيه من ذلك إليه وقد اختلف في معنى النوء فذهب ذاهبون إلى أن النوء في اللغة النهوض وذهب الفراء إلى أنه السقوط والميلان وذهب آخرون إلى انه يطلق على النهوض والسقوط جميعا على أنهم متفقون أن العرب كانت ترى الأمر للسقوط دون الطلوع فمن ذهب إلى أن المراد بالنوء السقوط يجريه على بابه ومن ذهب إلى أن المراد بالنوء النهوض يقول إنما سمي نواءا لطلوع الكوكب لا لسقوط الساقط ومنهم من يطلق النوء على السقوط وإن كان موضوعه في اللغة النهوض من باب التفاؤل كما يقال للديغ سليم وللمهلكة مفازة على أن بعضهم قد ذهب إلى أن الكوكب ينوء بمعنى ينهض ثم يسقط فإذا سقط فقد مضى نوؤه ودخل نوء الكوكب الذي بعده
قال أبو حنيفة الدينوري وهو التأويل المشهور الذي لا ينازع فيه لأن الكوكب إذا سقط النجم الذي بين يديه أطل هو على السقوط وكان أشبه حالا بحال الناهض وقد عدها أبو حنيفة ثمانية وعشرين نوءا بعدد منازل القمر المتقدمة الذكر وذكر أن بعضها أجهر وأشهر من بعض
الأول نوء الشرطين وهو ثلاث ليال وأثره محمود عندهم
الثاني نوء البطين وهو ثلاث ليال وليس بمذكور عندهم ولا محمود
قال ابن الأعرابي يقال إنه ما ناء البطين والدبران أو أحدهما فكان له نظر إلا كاد ذلك العام يكون جدبا

الثالث نوء الثريا وهو خمس ليال وقيل سبع وأثره محمود عندهم مشهور
الرابع نوء الدبران وهو ثلاث ليال وقيل ليلة وليس بمحمود عندهم ولم يسمع في أشعارهم له ذكر
الخامس نوء الهقعة وهو ست ليال ولا يذكرون نوءها إلا بنوء الجوزاء التي الهقعة رأسها والجوزاء مذكورة النوء مشهورة
السادس نوء الهنعة وهو ثلاث ليال لا يكاد ينفرد عن نوء الجوزاء
السابع نوء الذراع المقبوضة وهي خمس ليال وقال ابن كناسة ثلاث ليال وهو أول أنواء الأسد وأثره محمود عندهم موصوف وربما نسب إلى المرزم وهو أحد كوكبي الذراع المذكورة وربما نسب إلى الشعرى الغميصاء وهو كوكبها الآخر الذي هو أنور من المرزم وقد ذكر العرب مع الذراع المقبوضة الذراع المبسوطة فتجمعهما معا في النوء وهما لا ينوءان معا بل ولا يطلعان معا لكن لكثرة صحبة إحداهما للأخرى في الذكر واجتماعهما في اسم واحد مع تجاورهما وكونهما عضوي صورة واحدة وهي صورة الأسد
الثامن نوء النثرة وهو سبع ليال وله عندهم ذكر مشهور
التاسع نوء الطرفة وهو ست ليال ولم يسمع به مفردا لغلبة الجبهة الآتية الذكر عليه
العاشر نوء الجبهة وهو سبع ليال وذكره مشهور لديهم
الحادي عشر نوء الزبرة ونوءها أربع ليال وقلما تنفرد لغلبة الجبهة عليها أيضا
الثاني عشر نوء الصرفة وهو ثلاث ليال ولا يكاد يوجد لها ذكر عندهم في أشعارهم

الثالث عشر نوء العواء وهو ليلة واحدة وليس من الأنواء المشهورة
الرابع عشر نوء السماك الأعزل وهو أربع ليال وله ذكر مشهور وكثيرا ما يذكر معه السماك الرامح وليس له نوء معه ولكنهما متقاربان في الطلوع وحينئذ فإفراد السماك الرامح بالنوء خطأ
الخامس عشر نوء الغفر وهو ثلاث ليال وقيل ليلة وما بينه وبين نوء الهنعة المتقدمة الذكر من أنواء الأسد وهي ثمانية أنواء أولها الذراع وآخرها نوء السماك وليس له في السماء نظير في كثرة الأنواء
السادس عشر نوء الزبانى وهو ثلاث ليال
السابع عشر نوء الإكليل وهو أربع ليال
الثامن عشر نوء القلب وهو ليلة واحدة وليس بمحمود
التاسع عشر نوء الشولة وهو ثلاث ليال وقلما يذكر
العشرون نوء النعائم وهو ليلة واحدة وليس له ذكر
الحادي والعشرون نوء البلدة وهو ثلاث ليال وقيل ليلة
الثاني والعشرون نوء سعد الذابح وهو ليلة واحدة
الثالث والعشرون نوء سعد بلع وهو ليلة واحدة
الرابع والعشرون نوء سعد السعود وهو ليلة وليس بمحمود ولا مذكور
الخامس والعشرون نوء سعد الأخبية وهو ليلة واحدة
السادس والعشرون نوء الفرغ المقدم وهو أربع ليال وله ذكر مشهور
السابع والعشرون نوء الفرغ المؤخر وهو أربع ليال وله ذكر أيضا
الثامن والعشرون نوء الحوت وهو ليلة واحدة وليس بالمذكور من

حيث إنه يغلب عليه ما قبله وما بعده فلا يذكر
قال أبو حنيفة الدينوري والأيام في هذه الأنواء تابعة لليالي لتقدم الليل عليها قال وإنما جعلوا لهذه النجوم أنواء موقوتة وإن لم تكن جميع فصول السنة مظنة الأمطار لأنه ليس منها وقت إلا وقد يكون فيه مطر
وقال ابن قتيبة أول المطر الوسمي سمي بذلك لأنه يسم الأرض بالنبات ثم الربيع ثم الصيف ثم الحميم
قال الثعالبي عن أبي عمرو إقبال الشتاء الخريف ثم الوسمي ثم الربيع ثم الصيف ثم الحميم

الصنف السادس الثلج
وهو شيء ينزل من الهواء كالقطن المندوف فيقع على الجبال وعلى سطح الأرض فتذيب الشمس منه ما لاقته شدة حرارتها ويبقى في أماكن مخصوصة من أعالي الجبال بالأمكنة الباردة جميع السنة وقد ذكر الحكماء أنه بخار يتصاعد من الأرض إلى الهواء كما يتصاعد المطر فيصيبه برد شديد قبل أن ينعقد قطرات فيتساقط أجزاء لطيفة ثم ينعقد بالأرض إذا نزل إليها ويوصف بشدة البرد وشدة البياض وسيأتي الكلام على ما ينقل منه من الشأم إلى ملوك الديار المصرية في خاتمة الكتاب إن شاء الله تعالى
الصنف السابع البرد بفتح الراء
وهو حب يسقط من الجو وقد ذكر الحكماء أنه بخار يتصاعد من الأرض أيضا ويرتفع في الهواء فلا تدركه البرودة حتى يجتمع قطرات ثم تدركه حرارة من الجوانب فتنهزم برودتها إلى مواطنها فتنعقد وحب هذا البرد متفاوت المقادير منه ما هو قدر الحمص فما دونه ومنه ما هو فوق ذلك ويذكر أنه يقع منه ما هو

بقدر بيض الحمام والدجاج
قال الحكماء ولا يتصور وقوعه إلا في الخريف والربيع ويوصف بما يوصف به الثلج من شدة البرد وشدة البياض ويشبه به أسنان الإنسان الناصعة البياض

الصنف الثامن قوس قزح
وهو قوس يظهر في الجو من حمرة وخضرة وقد ورد النهي عن تسميته قوس قزح وتسميته قوس الله لأن قزح اسم للشيطان
قال الحكماء والسبب فيه أن الهواء إذا صار رطبا بالمطر مع أدنى صقالة صار كالمرآة والمحاذي له إذا كان الشمس في قفاه يرى الشمس في الهواء كما يرى في الشمس المرآة ويشتبك ذلك الضوء بالبخار الرطب فيتولد منه هذا القوس
قال الحكماء ويكون له ثلاثة ألوان يعنون حمرة بين خضرتين أو خضرة بين حمرتين وربما لا يكون اللون المتوسط ويكون مرتفعا ارتفاعا قريبا من الأرض فإن كان قبل الزوال رؤي ذلك القوس في المغرب وإن كان بعد الزوال رؤي في المشرق وإن كانت الشمس في وسط السماء فلا يمكن أن يرى إلا قوسا صغيرا في الشتاء إن اتفق
وفيه تشبيهات للشعراء يأتي ذكرها في آخر المقالة العاشرة إن شاء الله تعالى
الصنف التاسع الهالة
وهي الدائرة التي تكون حول القمر
قال الحكماء والسبب فيها أن الهواء المتوسط بين البصر وبين القمر صقيل رطب فيرى القمر في جزء منه وهو

الجزء الذي لو كان فيه مرآة لرؤي القمر فيها ثم الشيء الذي يرى في مرآة من موضع لو كانت فيه مراء كثيرة محيطة بالبصر وكانت موضوعة على تلك النسبة فيرى الشيء في كل واحدة من المرائي فإذا تواصلت المرائي رؤي في الكل فترى حينئذ دائرة
ولأهل النظم والنثر فيها وصف وتشبيه

الصنف العاشر الحر
وسلطانه أواخر فصل الربيع وأوائل فصل الصيف والسبب فيه مسامتة الشمس للرؤوس فتشتد ثائرة في الهواء وجرم الأرض لا سيما الحجاز وما في معناه
وأهل النظم والنثر مولعون بوصف شدة حره
الصنف الحادي عشر البرد
وسلطانه أواخر فصل الخريف وأوائل فصل الشتاء
وأهل النظم والنثر مكثرون من ذكره ووصفه حتى إنه ربما أفرد بعض الناس ما قيل فيه وفي وصفه بالتصنيف
الصنف الثاني عشر الهباء
وهو الذي يحصل من ضوء الشمس عند مقابلتها كوة يدخل منها الضوء فيكون شبه عمود ممتد من الكوة إلى حيث يقع ضوء الشمس من الأرض وفيه أجزاء لطيفة متفاوتة تحس بالنظر دون اللمس وقد شبه الله تعالى به أعمال الكفار في القيامة فقال جل من قائل ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )

ومن الناس من يزعم أن الواحدة من أجزائه هي المراد بالذرة المذكورة في القرآن بقوله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )
ولأهل النظم والنثر أيضا فيه الوصف والتشبيه

النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية وهي على أصناف
الصنف الأول الجبال والأودية والقفار
فأما الجبال فهي أوتاد الأرض أرسى الله تعالى بها الأرض حيث مادت لما دحاها الله تعالى على الماء
وقد روي أن الكعبة كانت رابية حمراء طافية على وجه الماء قبل أن يدحو الله الأرض وأن الأرض منها دحيت فلما مادت وأرسيت بالجبال كان أول جبل أرسي منها جبل أبي قبيس بمكة المشرفة فلذلك هو أقرب الجبال من الكعبة مكانا
وقد نقل أن قاف جبل محيط بالدنيا عنه تتفرع جميع جبال الأرض والله أعلم بحقيقة ذلك
وتوصف الجبال بالعظمة في القدر والعلو وصعوبة المسلك وما يجري مجرى ذلك
وأما الأودية فهي وهاد في خلال الجبال جعلها الله تعالى مجاري للسيل ونبات الزرع ومدارج الطرق وغير ذلك
وتوصف بالاتساع وبعد المسافة والعمق وربما وصفت بخلاف ذلك
وأما القفار فهي البراري المتسعة الأرجاء الخالية من الساكن
وتوصف

بالسعة وبعد المسافة وقلة الماء والإيحاش وصعوبة المسلك وما يجري مجرى ذلك

الصنف الثاني المياه الأرضية وهي على ضربين
الضرب الأول الماء الملح
ووقع في لغة الإمام الشافعي رضي الله عنه الماء المالح وهو أحد العناصر الأربعة وسيأتي في الكلام على الأرض في المقالة الثانية أنه محيط بالأرض من جميع جهاتها إلا ما اقتضته الحكمة الإلهية لعمارة الدنيا من كشف بعض ظاهرها الأعلى وأنه تفرعت منه بحار منبثة في جهات الأرض لتجري السفن فيها بما ينفع الناس
وقد ذكر الحكماء أن في الماء الملح كثافة لا توجد في الماء العذب ومن أجل ذلك لا ترسب فيه الأشياء الثقيلة كما ترسب في الماء العذب حتى يقال أن السفن التي تغرق في البحر الملح لا تبلغ أرضه بخلاف التي تغرق في الأنهار فإنها تنزل إلى قعرها وشاهد ذلك أنك إذا طرحت في الماء العذب بيضة دجاجة ونحوها غرقت فيه فإذا أذبت في ذلك الماء ملحا بحيث يغلب على الماء وطرحت فيه البيضة عامت وقد اختلف في الماء الملح هل هو كذلك من أصل الخلقة أو عرضت له الملوحة بسبب ما لاقاه من سبخ الأرض على مذهبين
ومن خصائص البحر الملح أنه في غاية الصفاء حتى إنه يرى ما في قعره على القرب من شطه
ويوصف البحر بالسعة والطول والعرض وكثرة العجائب حتى يقال في المثل حدث عن البحر ولا حرج
الضرب الثاني الماء العذب
قالت الحكماء والسبب فيه أن الأبخرة تتصاعد من قعر الأرض فتدخل في

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39