كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

مكاتبة وزير تونس
رأيت في الدستور المنسوب لمقر العلائي بن فضل الله أنه كتب إلى أبي عبد الله بن بعلاص
صدرت هذه المكاتبة إلى الشيخي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الأكملي الأرشدي الأمجدي الأثيري البليغي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الفضلاء زين العلماء نجل الأكابر أوحد الأعيان بركة الدولة صفوة الملوك والسلاطين ويدعى له بما يناسبه
وتوضح لعلمه المبارك كيت وكيت ولم يذكر قطع الورق ولا العلامة ولا التعريف
والذي يظهر أن قطع الورق العادة والعلامة أخوه
والتعريف وزير تونس
الجملة الثانية في مكاتبة صاحب الغرب الأوسط وهو صاحب تلمسان
وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك الكلام على هذه المملكة ومن ملكها جاهلية وإسلاما وهي الآن بيد بني عبد الواد من زناتة من قبائل البربر والقائم بها الآن منهم إلى حدود الثمانمائة من الهجرة هو السلطان أبو زيان ابن السلطان أبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى ابن يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد بن ركدار بن

تيدوكس بن طاع الله بن علي بن القاسم بن عبد الواد
قلت وذكر هذه المملكة في مسالك الأبصار مضافة إلى مملكة فاس لانضمامها حينئذ إليها في مملكة السلطان أبي الحسن المريني صاحب فاس في زمانه ولذلك لم يذكر لصاحبها مكاتبة في التعريف
على أني رأيت من صاحبها موسى بن يغمراسن مكاتبة إلى الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر
وسيأتي إيرادها في جملة المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة
وذكر صاحب التثقيف أن صاحبها في زمانه في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين أي سلطانها يومئذ أبو حفص عمر بن أبي عمران موسى وأن المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى صاحب تونس المقدم ذكره على السواء
وذكر أنه كتب ذلك إليه ورأى جماعة كتاب الإنشاء يكتبونه وكذلك رأيته في الدستور المنسوب إلى المقر العلائي بن فضل الله ولم أظفر بصورة مكاتبة فأذكرها

الجملة الثالثة في المكاتبة إلى صاحب الغرب الأقصى
وهو صاحب فاس وتعرف مملكته ببر العدوة
وقد تقدم الكلام على مملكتها وأحوالها ومن ملكها جاهلية وإسلاما في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك وأنها الآن بيد بني عبد الحق من بني مرين من زناتة من قبائل البربر وأنها الآن بيد السلطان أبي فارس عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي ابن السلطان أبي سعيد عثمان ابن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن ورصيص بن فكوس بن كوماط بن مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن وحريج بن قاتن بن

بدر بن نجفت بن عبد الله بن ورتبيص بن المعز بن إبراهيم بن رجيك بن واشين بن بصلتن بن شرا بن أكيا بن ورشيك بن أديدت بن جانا وهو زناتة
وقد ذكر في التعريف أن السلطنة فيهم في زمانه في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون صاحب مصر كانت في السلطان أبي الحسن علي بن عثمان المقدم ذكره
ثم قال وورث هذا السلطان ملك العزفيين بسبتة وملك بني عبد الواد بتلمسان وأطاعه ملك الأندلس ودان له ملك أفريقية وعرض عليه ابنته فتزوجها فساقها إليه سوق الأمة
ثم قال وبنو مرين رجال الوغى وناسها وأبطال الحرب وأحلاسها وهم يفخرون بغزارة علمه وفضل تقواه
قال وهو اليوم ملك ملوك الغرب وموقد نار الحرب
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف بعد البسملة من السلطان الأعظم الملك الفلاني إلى آخر الألقاب المذكورة في المكاتبة لصاحب تونس إلى قوله ونصر جيوشه وجنوده وأعوانه
ثم يقول تحية يفتتح بها الخطاب ويقدم منها ما زكا وطاب وتقال هنا سجعات مختصرة نحو أربع أو خمس يخص بها الحضرة الشريفة العلية الطاهرة الزكية حضرة المقام العالي السلطان السيد الأجل العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الأسرى الأسنى الزكي الأتقى المجاهد في الله المؤيد على أعداء الله أمير المسلمين قائد الموحدين مجهز الغزاة والمجاهدين مجند الجنود عاقد البنود ماليء صدور البراري والبحار مزعزع أسرة الكفار مؤيد السنة معز الملة شرف الملوك والسلاطين بقية السلف الكريم والحسب الصميم ربيب الملك القديم أبي

فلان فلان بن فلان
ويرفع نسبه إلى عبد الحق وهو أول نسبه
ويقال في كل منهم أمير المسلمين أبي فلان فلان ثم يدعى له نحو أعز الله أنصاره أو سلطانه أو غير ذلك من الأدعية الملوكية بدعاء مطول مفخم
ثم يقال أما بعد حمد الله ويخطب خطبة مختصرة
ثم يقال أصدرت إليه وسيرت لتعرض عليه لتهدي إليه من السلام كذا وكذا
ثم يقال ومما تبديه كذا وكذا
صدر يليق بهذه المكاتبة تهدي إليه من السلام ما يطلع عليه نهاره المشرق من مشرقه ويحييه به الهلال الطالع من جانبه الغربي على أفقه وتصف شوقا أقام بين جفنيه والكرى الحرب وودادا يملأ برسله كل بحر ويأتي بكل ضرب وثناء يستروح بنسيمه وإن كان لا يستروح إلا بما يهب من الغرب مقدمة شكرا لما يبهر من عزماته التي أعزت الدين وغزت الملحدين وحلقت على من جاورها من الكفار تحليق صقور الرجال على مسفة الغربان وتقيم عند الشجاع عذر الجبان وتبين آثارها في أعناق الأعداء وللسيوف آثار بيان وإن كان فعله أكثر مما طارت به الأخبار وطافت به مخلقات البشائر في الأقطار وسار به الحجيج تعرف آثاره عرفات وصارت تستعلم أخباره وتندب قبل زمانه ما فات
والذي ذكره في التثقيف أنه كان السلطان في زمانه في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون عبد العزيز بن أبي الحسن علي المقدم ذكره وذكر أن المكاتبة إليه في قطع النصف وأنه يكتب تحت البسملة في الجانب الأيمن من غير بياض ما مثاله عبد الله ووليه ثم يخلى ببيت العلامة ثم تكتب الألقاب السلطانية في أول السطر مسامتا للبسملة السلطان الأعظم الملك الفلاني إلى آخر الألقاب السلطانية المذكورة في المكاتبة إلى صاحب تونس إلى قوله ونصر جيوشه وأعوانه
ثم يقول تخص المقام العالي السلطان الملك الأجل الكبير المجاهد المعاضد المرابط المثاغر المكرم

المعظم المظفر الموقر المؤيد المسدد الأسعد الأصعد الأرشد الأنجد الأوحد الأمجد البهي الزكي السني السري فلان أمير المسلمين ابن أبي فلان فلان إلى عبد الحق المريني
والدعاء بما يناسب ذلك المقام ثم أما بعد حمد الله بخطبة لطيفة فإنا نفاوض علمه الكريم ونحو ذلك
وأكثر مخاطبته بالإخاء وتختم بالدعاء والعلامة أخوه وتعريفه ملك الغرب
وفي الدستور العلائي أن الطلب منه بالمستمد ويختم باستعراض الحوائج والخدم مكملا بالدعاء
وهذه نسخة كتاب من الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطان أبي الحسن المريني في جواب كتاب ورد عليه منه وهي عبد الله ووليه السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين مؤمن أولياء الله المؤمنين ظل الله الممدود وميسر السبل للوفود حامي القبلتين بحسامه من أهل الجحود وخادم الحرمين الشريفين متبعا للسنة الإبراهيمية في تطهير بيت الله للطائفين والعاكفين والركع السجود والقائم بمصالح أشرف روضة وطيبه يعطر طيبها في الوجود ولي أمير المؤمنين جمع الله به كلمة الإسلام بعد الافتراق وقمع برعبه أهل العناد والشقاق وأوزعه شكر نعم الله التي ألفت على ولائه قلوب ملوك الآفاق وأمتعه بها منحة صيرت له الملك بالإرث والاستحقاق وسيرت كواكب مناقبه فلها بالمغارب إضاءة وبالمشارق إشراق
ابن السلطان السعيد الشهيد الملك المنصور سيف الدنيا والدين سقى الله عهده عهاد الرحمة ذوات إغراق وأبقى مجده بمحمده الذي للأمة المحمدية على تعظيمه إجماع وعلى تقديمه اتفاق يخص المقام العالي الملك الأجل الكبير المجير العاضد المثاغر المظاهر الفائز الحائز المنصور المأثور الفاتح الصالح الأمكن الأصون الأشرف الأعرف الكريم المعظم أبا الحسن عليا أمير المسلمين ابن السلطان السعيد الحميد الطاهر الفاخر الماهد الزاهد الأورع الأروع أمير المسلمين أبي سعيد عثمان ابن السلطان السعيد الرشيد

السابق الوامق الجامع الصادع أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق ناظم مفرق الفخار وهازم فرق الفجار والملازم لإحياء سنة الجهاد المتروكة في الأقطار حتى يجمع في ملكه أطراف الغرب الأقصى للاستيلاء والاستظهار ويخضع لفتكه كل متكبر جبار ويرصع في سلكه ما تأبى وصعب من تلك الديار ويرفع لنسكه أعمالا من الجهاد والاجتهاد تسر الحفظة الأبرار يظهر فيها لبركة الاسم العلوي من نشر الهدى وقهر العدا أوضح الأدلة وأبين الآثار ويؤثر سلطاننا المحمدي من علي عزمه وحمي حزمه بأعز الأعوان والأنصار فتظفر دار الإسلام من قومه بمهاجرين من أبناء البلاد يقر لهم بأم القرى قرار ويسير سواهم للبيت ذي الحجر والحجر والباب والميزاب والملتزم والجدار والأستار بسلام مشرق الغرر مونق الحبر وثناء مع رياه لا يعبأ بالعبير مع نشره ولا يعتبر ووداد مخفي الخبر واعتداد يطول منه ألسنة الشكر عن إحصائه واستقصائه قصر وإيراد لمفاخره التي سارت بها الأخبار والسير واعتقاد لمآثره التي سبق عثمانها إلى إحراز مزايا الفضل وجاء عليها على الأثر
أما بعد حمد الله الذي أمر أولياءه المؤمنين بالمعاونة والمظافرة ونهى عباده الصالحين عن المباينة والمنافرة ورعى لحجاج بيته حرمة القصد وكتب لهم أجر المهاجرة ودعا إلى حرمه من أهله من خدمه فأجابه بالتلبية وأثابه وآجره
والشهادة له بالوحدانية التي تسعد بمصاحبة المصابرة وتصعد إلى الدرجات الفاخرة سيدنا محمد ذي المناقب الباهرة والمواهب الزاخرة والمراتب التي منها النبوة والرسالة في الدنيا والوسيلة والشفاعة في الآخرة وعلى آله وصحبه الذين أفنى الله الشرك بصوارمهم الحاصدة وأدنى القتل بعزائمهم الحاضرة صلاة إلى مظان الرضوان متواترة ما ربحت وفود مكة البركة الوافرة ووضحت لقاصدي الكعبة البيت الحرام أوجه القبول سافرة

فإنه ورد أورد الله تعالى البشرى على سمعه وأيد اهتمامه بتأليف شمل السعد وجمعه من جانبه المكرم ومعهده وربعه كتاب كريم نسبه فخيم أدبه علي منصبه ملي إذا أخلف السحاب بما يهبه سري سرت إلى بيت الله وحرم رسوله القريب قربه على يد رسوله الشيخ الأمين الأزكى الأروع الأتقى الخطيب البليغ المدرس المفيد أبي إسحاق ابن الشيخ الصالح أبي زيد عبد الرحمن بن أبي يحيى نفع الله به وحاجبه الكبير المختار المرتضى الأعز أبي زيان عريف ابن الشيخ المرحوم أبي زكريا أيده الله تعالى وكاتبه الأمجد الأسعد أبي الفضل ابن الفقيه المكرم أبي عبد الله بن أبي مدين وفقه الله تعالى وسدده ومن معهم من الخاصة والزعماء والفرسان الماثلين في خدمة الجهة المصونة بلغها الله أربها وقبل قربها الواصلة بركبكم المبارك الرواح والمغذى المعان على إكمال فرض الحج المؤدى المرحولين بحمد العقبى كما حمد المبدا ففضضنا ختامه الذكي وأفضنا في حديث شكره الزكي وعرضنا منه بحضرتنا روضا يانع الروض به محكي وحضضنا نوابنا على إعانة خاصة وفده وعامتهم على قضاء النسك بذلك الحرم المكي وتلمحنا فصوله الميمونة فإذا هي مقصورات على مثوبات محضة ورغبات تؤدي من الحج فرضه وهبات يعامل بها من يضاعف أجره ويوفيه قرضه وقربات يحمد فاعلها يوم قيام الأشهاد نشره وحشره وعرضه
فأما ما ذكره من ورود الكتابين الواصلين إلى حضرته صحبة الشيخين الأجلين أبي محمد عبد الله بن صالح والحاج محمد بن أبي لمحان وأنه أمضى حكمهما وأجرى رسمهما فقد آثرنا للأجر حوزه واخترنا بالشكر فوزه وقصدنا بهما تجديد جلباب الوداد وتأكيد أسباب الولاء على البعاد وإلا فمع وجود إنصافه الحقوق من غاصبها تستعاد والوثوق بنصره للمظلوم وقهره للظالم لا يختلف فيه اعتقاد وقد شكرنا لكم ذلك الاحتفال وآثرنا حمدكم في المحافل والمحال
وأما ما نعته مما أشرتم إليه مما يتعين له التقديم ويستحق توفية حقه من

تكريم التكريم وهو تجهيز ركبكم المحروس في السرى والمقام في خدمة من يقوم مقام الوالدة المرحومة في الاحترام سقى الله صوب الرحمة صفيحها ورقى إلى الغرفات روحها ومعها وجوه دولتكم الغر وأعيان مملكتكم من سراة بني مرين الذين تبهج مرائيهم وتسر وما نبهتم عليه من ارتفاع شأنهم واجتماع فرسانهم واستيداع أمانتنا نفائس أنفسهم وأديانهم فقد استقبلناهم على بعد بالإكرام وأحللناهم من القرب في أعلى مقام وصرفنا إلى تلقائهم وجه الإقبال والاهتمام وعرفنا حقهم أهل الإسلام ونشرنا لهم بفنائنا الأعلام ويسرنا لهم باعتنائنا كل مرام وأمرنا بتسهيل طريقهم وتوصيل البر لفريقهم وأسدلنا الخلع على جميعهم واحتفلنا بهم في قدومهم ومقامهم وتشييعهم وأجزلنا لهم أقسام الإنعام في توجيههم وكذلك يكون في رجوعهم وعرضوا بين أيدينا ما أصحبتهم من الطرف والهدايا التي لا تحملها ظهور البحار فكيف ظهور المطايا من عقود منظمة وبرود مسهمة ومطارف معلمه ولطائف بالإمكان والإتقان معلمه وصنائع محكمة وبدائع للأفهام مفحمة وذخائر معظمة وضرائر للشموس في الكون والسمة وبواتر تفرق بين الهام والأجسام والهام ملحمة وأخاير بمقدار مهديها في الجلال مفهمة وخيول مسومة بالأهلة مسرجة وبالنجوم ملجمة معودة نزال الأبطال معلمة ذوات صدور مبقورة وأكفال مسلمة تسحب من الحرير أذيالا وتصحب من الوشي سربالا وتميس بحللها وحلاها عجبا واختيالا ويقيس مشبهها سرعتها بالبرق فلا يتغالى عاتيات الأجسام عاليات كالآكام لفحولها صهيل يذعر الأسود ولسنابكها وقع يفطر الجلمود أتعبت الرواض وركبت منها صهوة كل بحر سابح حيث لجج الموت تخاض وقرنت مرابطها بحماية جواهر النفوس من الأعراض وجنيبة تجر من ذيولها كل فضاض وحسبت لاختلاف شياتها كأنها قطع الرياض من شهب كأنما ارتدت الأقاح

أو غدت رافلة في حلل الإصباح ودهم نفضت عليها الليالي صبغها فلا براح وربما أغفلت من ذلك غرر وأوضاح وكمت كأنها فتح صلب البطاح تطير إلى الظفر بجناح وحمر كأنها خلقت للنجاح وأطلقت أعنتها فقالت ألسنة أسنتها للطرائد لا براح وخضر كأنها البزاة الموشاة الوشاح أو مشيب في الشباب قد لاح وشقر تكبو في طلبها الرياح وتخبو نار البرق إذا أمسى بسنا سنابكها اقتداح
ووراءها البغال التي تحمل الأثقال ولا تزل في الأوحال بحال وعليها الزناريات الموشعة وحليها الجلال الملمعة وهي تمشي رويدا وتبدي قوة وأيدا كأن قلامتها قناه عيدا وهي وافرة الأمداد فاخرة على الجياد باهرة العدد متكاثرة الأعداد راسخات القوائم كأنها أطواد شامخات الرؤوس حاليات الأجياد باذخات الأكفال غلاظ شداد وسارت لها إلى رحابنا انقياد وصارت من محل إسعاد إلى مواطن إصعاد فتقبلنا أجناسها وأنواعها وتأملنا غرائبها وإبداعها وجعلنا يوما أو بعض يوم في حواصلنا إيداعها ثم استصفينا منها نفائس آثرنا إليها إرجاعها وفرقنا في أوليائنا اجتماعها وقسمنا مشاعها وغنمنا لما أفاء الله صفاياها ومرباعها فتوالت لكل ولي منها منح وسارت إلى كل صفي منها ملح وقالت الألسنة وطالت في وصف ما عليه به فتح فاستبان

ووضح وكان لأهل الإيمان بنعته أعظم هناء وأكبر فرح
وسطرناها وركبكم المبارك قد رامت السرى نجائبهم وأمت أم القرى ركائبهم يسايرهم الأمن ويصاحبهم ويظاهرهم اليمن ويواظبهم فقد أعدت لهم المير في جميع المنازل وشدت لهم الهجان البوازل وأترعت لهم الموارد والمناهل وأمرعت لهم بالميرة القفار والمراحل ووكلت بهم الحفظة في المخاوف ونصبت لهم الأدلة في المجاهل وجرد معهم الفرسان وجدد لهم الإحسان وأكد لهم حقان حق مرسلهم وحق الإيمان وقلد درك حياطتهم أمرا العربان وشوهد من تعظيمنا لهم ما يحسدهم عليه ملوك الزمان بكل مكان وكتبنا على أيديهم إلى أمراء الأشراف بالنهوض في خدمتهم والوقوف وأن يحيط بهم كل مقدم طائفة ويطوف يتسلمهم زعيم من زعيم إلى أن تحط رحالهم بالحطيم ويحل كل منهم بالمقام ويقيم وتكمل مناسكهم بشهود الموقف العظيم
وكذلك كتبنا إلى أمراء المدينة المشرفة أن تتلقى بالقبول الحسن مصحفه وتحله بين الروضة والمنبر وتجله فقد ربح سعي كاتبه وبر وكتبت له بعدد حروفه أجور توفر ويمكن من يرق لتلاوته في الآصال والبكر ويهيمن على ذلك فإنه من بيت هم الملاك الأعلى وعندهم وفيهم جاءت الآيات والسور
وعما قليل يتم حجهم واعتمارهم ويؤم طيبة الطيبة العاطرة زوارهم فيكرم جوارهم ويعظم فخارهم وتنعم بإشراق تلك الأنوار بصائرهم وأبصارهم وتفوح أرواح نجد من ثيابهم وتلوح أنوار القبول على شيبهم وشبابهم ثم يعودون إليها فنعيد لهم الصلات ونفيد كلا منهم ديم النعم المرسلات ثم يصدرون إن شاء الله إليكم ركائبهم بالمنائح مثقلات ومطالبهم بالمناجح مكملات ويظفرون من الله في الدارين بقسم النعم المجزلات حتى يلقوا

برحابكم عصا التسيار ويصونوا حر وجوههم بالصبر على حر الهجير من لفح النار ويدخروا بما أنفقوا عند الله من درهم ودينار أجرا جما وما عند الله خير للأبرار والله تعالى يقربه من تلك المواطن ويدنيه منها بالظاهر وإن كان يسري إليها بالباطن ويسهل له ذلل الحرم وإن كان قد أعان القاطن والقادم حتى تحل ركائبه بين المروتين وتجيز ويكون له بذلك على ملوك الغرب تمييز وما ذلك على الله بعزيز
لا زالت مقبولة على المدى هداياه مجبولة على الندى سجاياه مدلولة على الهدى قضاياه منصورة على العدا سراياه مبرورة أبدا تحاياه
والسلام الأتم الذي يعبق رياه والثناء الأعم المشرق محياه عليكم ورحمة الله وبركاته والخير يكون إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب الكتاب الوارد على الملك الناصر محمد بن قلاوون من ابن أبي الحسن علي المريني صاحب فاس المغرب بالبشارة بفتح بجاية والانتصار على تلمسان
واستفتاحه بعد البسملة بقوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم )
ثم المكاتبة المعهودة من ألقاب الملكين والدعاء
والصدر

قهر الله ببأسه من ناواه من أئمة الكفر وطغاته ونصره على من لاواه من حزب الشيطان وحماته
ونشر أعلامه بالظفر بمن خالفه من عداة الله وعداته
وأجراه من بلوغ الوطر في سكونه وحركاته على أجمل أوضاعه وأكمل عاداته ويسر له بدوام سعوده فتح ما استغلق من معاقل الحائدين عن مرضاته
ولا زالت ركائب البشائر عنه تسري وإليه من تلقائنا تسير ومصير الظفر حيث يصير ويدور الفلك المستدير بسعده الأثيل الأثير وينور الحلك بضوء جبينه الذي يهتدي به الضال ويلجأ إليه المستجير وتغور أعين العدا إن عاينوا جحفله الجرار وناهدوا جيشه المبير
بتحية تحكي اللطائم عرفها الشميم وتود الكمائم لو تفتقت عن مثل مالها من نضارة أو تسنيم ويود عقد الجوزاء لو انتظم في عقدها النضيد النظيم
وكيف لا وهي تحية صادرة عن مقام شريف إلى روضة غناء تزري بالنبت العميم واردة من محل عظيم على محيا وسيم منطوية على الأرض من سلامة ولملوك الإسلام من سلام سليم وطرفة نشرها كالمسك الذي ينبغي أن يختتم به هذا الكتاب وثناء يستفز الألباب ويستقر في حبات قلوب الأحباب ويستدر أخلاف الودين المتحابين في الله فلا غرو أن دخلت عليهم ملائكة النصر من كل باب
يتسابقان إلى ذلك المجد الأسنى في أسعد مضمار ويتساوقان بحياز قصبات السبق إلى تلك العصبة المشرقة الأنوار ويزداد فيهما بالوفود عليه طيبا ويغدو عود الود بهما رطيبا حيث الربع مريع والمهيع منيع والعز مجدد والقدر مطيع وسحب الكرم ثرة ورياض الفضل مخضرة وعساكر النصر تحل نحوه من المجرة حيث تستعر الحرب ويستحر الضرب وتشرق شموس المشرفيات لامعة

أما بعد حمد الله مظهر دينه على كل دين ومطهر أرجاء البسيطة من الماردين المارقين ومجرد سيف النصر على الجاحدين الحائدين وموهن كيد الكافرين ومجزل أجر الصابرين ومنجز وعد من بشرهم في كتابه المبين بقوله ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين )
الذي عصم حمى الإسلام بكل ملك قاهر وفصم عرى الشرك بكل سلطان غدا على عدو الله وعدوه بالحق ظاهر وقصم كل فاجر بمهابة أئمة الهدى الذين ما منهم إلا من هو للمحاسن ناظم ولقم العدا ناثر ناشر علم الإيمان بحماة الأمصار وناصر علم الإسلام بملوك الأقطار وجاعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى لا جرم أن لهم النار جامع قلوب أهل الإيمان على إعلاء علم الدين الحنيف وإن بعدت بينهم شقة النوى وشط المزار
سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين ونقمة على الكفار ونصره بالرعب مسيرة شهر وبالملائكة الكرام في إيراد كل أمر وإصدار وألان ببأسه صلب الصلبوت وأهان بالتنكيس عبدة الأصنام وسدنة النار وأيده بآل وأصهار وأصحاب وأنصار وجنود تهون النقع المثار وأتباع ما أظلم خطب إلا أجالوا سيوفهم فبدا نجم الظفر في سماء الإيمان وأنار وأمة ظاهرة على من ناواها ظافرة بمن عاداها ما تعاقب الليل والنهار صلاة وتسليما يدومان بدوام العشي والإبكار
فقد ورد علينا كتاب مختوم بالتكريم محتوم بالتبجيل والتقديم محتو على وصف فضل الله العميم ونصره العظيم ومنه الجسيم فأكرمنا نزله ونشرنا حلله وتفهمنا تفاصيله وجمله فتيمنا بوصوله وتأملنا مخايل النصر العزيز من فصوله ووجدناه قد اشتمل من سعادة مرسله على أنواع ومن وصف تعداد نصرته على عون الله ومن يعن الله فهو المنصور المطاع

فأما ما ذكره المقام العالي من أمر الوالدة المقدس صفيحها
المغمور بالرحمة ضريحها وما كانت عزمت عليه من قصد مبرور وتجارة لن تبور وأم إلى البيت الآمن والحرم المعمور وما فاجأها من الأجل وعاجلها من أمر الله عز و جل فالمقام أجزل الله ثوابه يتحقق أن النية في الأجور أبلغ من العمل وأنه من أجاب داعي الحمام فلا تقصير في فعله ولا خلل والله نسأل أن يكتب لها ما نؤته من خير وأن يطيف روحها الزكية ببيته المعمور في جنات عدن كما أطاف أرواح الشهداء في حواصل ذلك الطير
وكنا نود أن لو قدمت ليتلقاها منا زائد الإكرام ويوافي مضاربها وافد الاحتفال والاهتمام ونستجلب دعواتها الخالصة الصالحة وتظفر هي من مشاهدة الحرم المعظم والمثوى المكرم والبيت المقدس بالصفقة الرابحة
على أنه من ورد من تلقائكم قابلناه من جميل الوفادة بما به يليق وتقدمنا بمعاملته بما هو به حقيق ويسرنا له السبيل وهديناه الطريق وأبلغناه في حرز السلامة مع ركبنا الشريف أمله من قضاء المناسك والتطواف بالبيت العتيق
وأما ما أشار إليه من أمر من كان بتلمسان وأنه ممن لا يعرف مواقع الإحسان وما وصفه المقام العالي من أحوال ليس الخبر فيها كالعيان وأنه اعتدى على من يتاخمه من الملوك وخرج عن القصد فيما اعتمده من ذلك السلوك حتى أن ملك تونس أرسل إلى المقام ابنه ووزيره وسأله أن يكون ظهيره على الحق ونصيره وأن المقام العالي أرسل إلى ذلك الشخص منكرا اعتماده طالبا إصلاحه لا إفساده راجيا أن يكون ممن تنفعه الذكرى ظانا أنه ممن يأبى أن يقال له ( لقد جئت شيئا نكرا ) وأنه بعد ذلك تمادى على غيه وأراد أن يذوق طعم الموت في حيه وأبى الظالم إلا نفورا وذكر الممالك عنه أنه قتل أباه بعد أن آتاه الله به نعمة وملكا كبيرا
وأن المقام العالي أتاه نبأ عن أخيه المقيم

بسجلماسة وخبر صدق أوجب أن يعامل بما يليق بجميل السياسة وحريز الحراسة فجند المقام له جنودا وعقد بنودا وأضرى أسودا أوهنت كيده وأذهبت أيده وعاجلت صيده وأذالت باسه وأزالت عنه سيما الملك ونزعت لباسه
وأنه في غضون ذلك أتاه سلطان الأندلس يستصرخ به على عدو الله وعدو المؤمنين ويستعديه على الكفرة المعتدين وأن المقام لبى دعوته مسرعا وأكرم نزله ممرعا ووعده الجميل وحقق له التأميل
وأن صاحب تلمسان لما غره الإمهال وظن هذه المهام توجب للمقام بعض اشتغال أعمل أطماعه في التجري على بعض ممالكه المحروسة ومد وسار إلى محل هو بينهما كالحد
وأن المقام عند ذلك صرف إليه وجه العزم وأخذ في حفظ شأنه بما لأعلام النصر من نصب وما للاعتداء من رفع وما للاهتمام من جزم
وأنه لم يقدر عليه إلا بعد أن حذره من أليم العقاب حلولا وتمسك فيه بقوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ولما لم ينفعه الإنذار وأبى إلا المداومة والإصرار أرسل إليه المقام العالي من جيشه الخضم وعسكره الذي طالما تعضده ملائكة السماء وإلى أعداده تنضم كل باسل يقوم مقام الكتيبة وكل مشاهد يشاهد منه في العرين كل غريبة وكل ضرغام تعرف العدا مواقع ضربه لكنها تجهل نده أو ضريبه فأذاقوه كأس الحمام صرفا ولم يبتغوا عن حماه بدون نفسه عدلا ولا

صرفا إلى أن أخذوه في جماعة من بني أبيه وشرذمة قليلة ممن كانت تخالصه في الشدائد وتوافيه وأن المقام العالي بعد ذلك سير مطارف العدل في الرعية وأقر أحوالهم في عدم التعرض إلى الأموال والذرية على ما هو المسنون في قتال البغاة من الأمور الشرعية
وفهمنا جميع ما شرحه في هذا الفصل وما أخبر به من هذا الظفر الذي ابيض به وجه الفتح وإن كان قد احمر به صدر النصل والله تعالى يزيد ملكه رقيا ويجزيه لقبول النعم لقيا ويجعله دائما كوصفه مظفرا وكاسمه عليا
وأن المقام العالي لما فرغ وجهه من هذه الوجهة وحاز هذا الملك الذي لم يحز آباؤه كنهه عاد إلى المهم الذي قدم فيه سلطان الأندلس لأنه أبدى ما المسلمون فيه من محاورة الأذى ومجاورة العدا وقرب المسافة بين هذين العدوين كالشجا وفي عيونهم كالقذى
وأنه ثوى به من الطغاة من أسدل على المسلمين أردية الردى وأنه على جانب البحر المعروف بالزقاق وبه قطان يمنعون الإرفاد والإرفاق ويصدون عن السبيل من قصد سلوكه من الرفاق
وأن البر أيضا مملوء منهم بصقور صائده وعلوج مكايده وكفار معانده وفجار على السوء متعاضده والبحر مشحون بغربان طائرة بأجنحة القلوع طاردة صادرة بالموت وارده جارية في فلك البحر كالأعلام إلا أنها بالإعلام بالخبر شاهده تتخطف كل آدم وقاصد وتقعد لأهل الإيمان بالمراصد وتدني الموت الأحمر ممن ركب البحر الأخضر وتمنع السالك إلا أن يكون من أهل الضلال الحالك من بني الأصفر
وأن المقام العالي عند ذلك قام الله وغار وأنجد جنوده في طلب الثار من أهل النار وأغار وأنجد قاصد حرمه ببعوث كرمه وأعار وأرسل عقبان فرسانه محلقة إلى ذلك الجبل الشامخ الذرى وأطار إلى أن أحاطت بهم جنوده إحاطة الآساد بالفرائس لا إحاطة الهالات بالأقمار فما منهم إلا من أعمل على العدا

رحى المنون وأدار وسار وناعي البين يقدمه إلى أين سار وقدم عليهم ولده الميمون النقيبة الممنوح غربه من مواقع النصر بكل غريبة الجاري على سنن آبائه الكرام المظفر أنى سرى الممدوح حيث أقام
وأنه مزق جموعهم الكثيفة وهدم معاقلهم المنيفة واستدنى منهم القاصي واستنزل العاصي وأخذ بالأقدام والنواصي وأحل العذاب والنكال بمن يستحقه من أهل الإلحاد والمعاصي وقرن بين الأرواح والآجال وأذكرهم بهذا النصر أيام ابن نصر وأعاد وأثبت لهذا الجبل حقيقة اسم المدح واستقر في صحائف فعله المقام إلى آخر هذا المنح
وعلمنا أيضا ما اعتمده الطاغي المغتال لعنه الله من الحضور بنفسه وجمعه الملحدين من أبناء خدمته والمارقين من جنسه
وأنه أعظم هذا الأمر وأكبر وأبدى الزفير لهذا المصاب وأظهر وأقسم بمعبوده المصور وصليبه المكسر أن لا يعود إلا بعد أن يظفر بما سلبه الحق إياه وتبصر فأبى الله والمؤمنون أن تكون النية إلا خائبة وقضت سعادة الإسلام أن تكون الأيام لما عقده من الطوية الردية ناكبة فلما طال عليه الأمد وحان الحين عاد صفر اليدين ولكن بخفي حنين ناكصا على عقبه خاسئا لسوء منقلبه وأسرع إلى مقر طاغوته

سرى وسيرا ولو كان من ذوي الألباب لتعقل في أمر قول الله تعالى ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا )
وأن المقام العالي ألزمه بعد ذلك ما كان على أهل أغرناطة له في كل عام موظفا ووضع عنهم إصر ما برج كالأسر مجحفا
وهذه عزة إسلامية جدد الله على يد المقام بذلك القطر صدورها وسطر في صحائف حسناته أجورها وأبقى له مذخورها وأعدها له ليوم تجد فيه كل نفس ما عملت من خير محضرا إذا شاهدت عرضها ونشرها ومنة من الله أربت على العد وتجاوزت الحد ومزية لا تطمح الآمال إلى ميلها في جانبها ولا تمتد ورتب جد يلحق بها الولد الناجم في سماء المعالي رتب الكرام من أب له وجد والله يجعله مظفرا على العدا منصورا على من حاد عن سواء السبيل واعتدى مستحقا لمحاسن الأخبار على قرب المدة وبعد المدى
وقد كان أخونا أمير المسلمين وسلطان الموحدين والدك الشهيد قدس الله سره وبوأه دار النعيم وبها أقره في كل آونة يخبرنا بمثل هذا الفتح ويذكر لنا ما ناله من جزيل المنح فهذه شنشنة نعرفها من أخزم وسنة سلك فيها الشبل الصائد سنن ذلك الضيغم الأعظم ونحن نحمد الله الذي أقام المقام مقام

أبيه لنصرة الإسلام وأبقى وصدق بما تنشئه من حسن أفعالك وسعيد آرائك أنك أبو الحسين وأن أباك أبو سعيد حقا
وحيث سلك المقام سنن والده الشهيد وأتحفنا من أنبائه بكل جديد وقص علينا أحاديث ذلك الجانب الغربي المشرق بأنواره ونص متجدداته مفصلة حتى صرنا كأنا مشاهدون لذلك النصر ومواقع آثاره فقضى الود أن نتحفه من أحاديث جيشنا الذي أشرقت لمعات سيوفه في الشرق الأعلى بما يشنف سمعه ويسر معشر الإسلام وجمعه وموطنه وربعه ليتحقق أن نعم الله لكل من قام بتشييد هذا الدين المحمدي عامة ومننه لديهم تامة وألطافه بهم حافة ومناصرته ليد سلطان الإسلام في أعناق العدا مطلقة ولأكف أهل الشرك كافة ( وأما بنعمة ربك فحدث )
فمما نبديه لعلمه ونهديه لسعيد فهمه أن من جملة من يحمل لأبوابنا الشريفة من ملوك الكفر القطيعة في كل عام ويرى أن ذلك من جملة الإفضال عليه والإنعام متملك سيس الذي هو في ملته من ساكني البر كالرئيس وبين بطارقته وطغاته كالكتد الأعظم أو كالقدس النفيس وعليه مع ذلك لأبوابنا الشريفة من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة ما لا يحيد عنه ولا يحيس ومرتب لا يقبل التنقيص ولا يسمح لخناقه بتنفيس تحمله نوابه إلى أبوابنا الشريفة عن يد وهم صاغرون ويقومون به على قدم العبودية وهم ضارعون
ولما كان في العام الماضي سوف ببعضه وأخر ودافع عند إبانه وقصر وسأل مراحمنا في تنقيص بعض ذلك المقرر وأرسل ضراعاته إلى نوابنا بالممالك

الشامية في هذا المعنى وقدر في نفسه المراوغة وأسر خسرا في ارتعا والله أعلم بما قدر فاقتضت آراؤنا الشريفة أن نرسل إليه بعثا يذلل قياده وينكس صعاده ويخرب بلاده ويوطيء أطواده ويوهن عناده ويذهب فساده ويفرق أجناده ويمزق أنجاده ويقلل أعداده ويفلل جموعه ويدكدك ربوعه ويذري على ملكه دموعه ويدني خضوعه ويفصل تلك الأبدان التي هي للطغيان مجموعه فأنهضنا إليه من الأبطال كل باسل وأنهدنا إليه منهم كل ضرغام خادر يظن الجاهل أنه متكاسل وأشهدنا حربه كل مؤمن يرى الشهادة مغنما والتخلف مأثما والتباطؤ مغرما والعذر في هذا المهم أمر محرما ويعد الركوب إلى هذا السفر قربه والركون إلى وطنه غربه ويرغب فيما وعد الله به جيشه المنصور وحزبه ويربأ بنفسه أن يكون من الخالفين حبا لها وتكريما ويبادر إلى ما أمر به رغبة في قوله تعالى ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) على صافنات جياد ليس لها غير الطير في سرعة المرام أضداد وعاديات عاديات على أهل العناد وضابحات ذابحات لذوي الفساد ومغيرات طالما أسفر صبحها عن النجاح ومثيرات نقع يتبلج غيهبها عن تحقق النجاة وإزالة الجناح
وصواهل عراب كم للفضل بها من كمون وللموت اقتراب وأصائل خيل تخيل لراكبها أنها أجرى من الرياح وأسرى من الليل قد عقد الخير بنواصيها وعهد النصر من أعرافها وصياصيها وتسنم راكبوها لذروة العز من ظهورها واحتووا على الكبير الأعلى من نصرتها على العدا وظهورها بسيوف تبدد الأوهام وتزيل الإيهام وتقد الهام وتدني الموت الزؤام وتطهر بميامنها نجس الشرك ودنسه وتقرع أجسادهم فتغدو كلها عيونا ولكن بالدماء منجسه قد تسربل كل منهم من الإيمان درعا حصينا واتخذ لبسه جنة ولكن من الذهب

والإستبرق ليكون لفضل الله مظهرا ولإحساننا مبينا واتخذ لسهام القسي ليوم اللقاء الألسن الحداد ومد يد المظاهرة ببيض قصار وسمر صعاد
فلما جاسوا خلال تلك الديار وماسوا يرفلون في حلل الإيمان التي تشفي صدور قوم مؤمنين وتغيظ الكفار لم يسلكوا شعبا إلا سلك شيطان الكفر شعبا سواه ولا وطئوا موطئا إلا وكل كافر يأباه ولا نالوا من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح كما وعدهم الله وما أتوا لهم على ضرع حافل إلا جف ولا مروا على زرع حاقل إلا أصبح هشيما تذروه الرياح أو حطيما تكفيه الكف ولا هشيم إلا حرقوه ولا جمع إلا فرقوه ولا قطيع شاء إلا قطعوه ومزقوه ولا ضائز إلا ضنوا عليه أن يدعوه لهم أو يطلقوه وما برحوا كذلك إلى أن نازلوا البلد المسمى بآياس فحصل لأهله من مسماه الاشتقاق الأصغر والاشتقاق الأكبر بقطع الأمل منه واتصال الإياس فناداهم من بذلك الحصن من أسارى المؤمنين
( يا رحمة الله حلي في منازلنا ... حسبي برائحة الفردوس من فيك )

ويا نصر الله أنشر بالظفر رايات مواجهنا ومنازلنا فطالما كنا نؤملك ونرتجيك ويا خيل الله اركبي ويا خيل الكفار اذهبي ويا جند إبليس ارهبي من جند الله الغالبين وإن وجدت مناصا فانفري وياما للإسلام من جنود وأنصار قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
وكانت موافاة عسكرنا المنصور إليهم عند الإسفار فلم يملكوا القرار ولا استطاعوا الفرار ولم يجدوا ملجأ من الله إلا إليه
وقال لا وزر وكيف به لمن يلبي الأوزار ورأوا ما أعددنا لحصارهم من مجانيق تقد الصخور وتدكدك القصور وتغيض بها مياه نفوس تلك الأجساد الخبيثة فلا يجتمعان إلى يوم البعث والنشور وأنا أمددنا جيوشنا بجاريات في بحر الفرات مشحونة بالأموال والأقوات والعدد والآلات وأرفدناهم من الذهب والفضة بالقناطير المقنطرات وأوفدنا عليهم من أنجادنا بالديار البكرية وأطراف البلاد الشامية جيوشا كالسحاب المتراكم وأطرنا عليهم عقبان اقتناص من عقبان التراكمين اعتادت صيد الأراقم وأسر الضراغم فلما تحققوا الدمار لم يلبثوا إلا كما وصف الله تعالى حال من أهلك من القوم الفاسقين ساعة من نهار
فعند الظهيرة حمي الوطيس ونكص عند إعلان الأذان على عقبه إبليس وشاهدوا الموت عيانا وتحققوا الذهاب أموالا وإخوانا وولدانا أذعنوا إلى السلم ونادوا الأمان الأمان يا أهل الإيمان والعلم والكف الكف يا جند الملك الموصوف عند الشقاق بالحزم وعند القدرة على العقاب بالحلم
وأرسل طاغيتهم الأكبر ليفون يقسم بصليبه إنا من القوم الذين يقومون بما عليهم من الجزية ويوفون ومن الرعية الذين يطيعون أمر ملكهم الأعظم وعن حمى الإسلام

يكفون فعند ذلك رأى نوابنا بذلك العسكر أن تكف عنهم شقة الشقاق وتطوى ولانت قلوبهم لتذكار قوله تعالى ( وأن تعفوا أقرب للتقوى )
وطالعوا علومنا بما سأله القوم من الرحمة والرأفة وما ضرعوا إليهم فيه من الأمان والألفة وإعطاء ما كنا رسمنا به من تسليم قلاع معدوده وتسويغ أرض محدودة تستقر بيد نوابنا تقطع بالمناشير الشريفة لأهل الجهاد من أبوابنا مع استقرار ما رسمنا به من قطيعة وعقد الهدنة على أمور هي عندنا محببة ولديهم فظيعة
هذا بعد أن استولت عساكرنا على قلاع لهم وحصون ومحرز من أموالهم ومصون وطلعت أعلامنا المحمدية على قلعة آياس ونزل أهل الكفر على حكم أهل الإيمان وزال التحفظ والاحتراس وأعلن بالأذان في ذلك الصرح وظهرت كلمة الإيمان كما بدأت أول مرة وهذا يغني عن الشرح وعلت الملة الحنيفية بذلك القطر وقام أهلها وصالوا وغلت أيدي الكفار ولعنوا بما قالوا
وكان جيشنا قبل ذلك أخذ قلعة تسمى بكاورا واستنزلوا أهلها قسرا واستزالوهم عنها ما بين قتلى وأسرى وهي قلعة شامخة الذرى فسيحة العرا وثيقة العرا يكاد الطرف يرجع عنها خاسئا
ولما اتصل بأبوابنا هذا الخبر السار وشفع لنا من نرى قبول شفاعته في إجابة ما سأله هذا الشعب من إرجاء عذاب أهل الكفر إلى نار تلك الدار مننا عليهم بالأمان وقابلناهم بعد العدل بالإحسان وتقدم أمرنا إلى نوابنا بكف السيف وإغماده وإطفاء مسعر الحرب وإخماده وأن يجرى المن على مألوفه منا ومعتاده بعد تسليم تلك القلاع وهدم الأسوار التي كان بها لأهل الكفر الامتناع واستبقاء الرعية واستحياء الذرية وإجراء الهدنة المسؤولة على القواعد الشرعية وعاد عسكرنا منشور الذوئب مظفر الكتائب مؤيد المواكب مشحونا بغرائب الرغائب

وعند وصولهم إلى أبوابنا فتحنا لهم أبواب العطاء الأوفر وبدلناهم بالتي هي أحسن وعوضناهم الذي هو أكثر وأفضنا عليهم من خلع القبول ما أنساهم مشقة ذلك السرى وشقة السير وتلا عليهم لسان الإنصاف ( ولباس التقوى ذلك خير )
وبعد ذلك ورد علينا كتاب بعض نوابنا بالأطراف من أولاد قرمان القائمين بمشارق ممالكنا على وجه الأمن وسعة الأمان بأنهم عند عودهم من سيس ونصرتهم على حرب إبليس استطردوا فأخذوا للكفر تسع قلاع ما برحت شديدة الامتناع لا تمتد إليها الأطماع فتكمل المأخوذ في هذه السفرة وما قبلها خمس عشرة قلعة وبدد الله شمل الكفر وفرق جمعه وآثرنا أن نعلم المقام العالي بلمحة مما لله لدينا من النعم ولبره من شارة يستدل بها على أثر أخلاف كالديم ونطلعه على درة من سحاب وغرفة من بحر عباب وطرفة نشرها كالمسك الذي ينبغي أن يختتم بها هذا الكتاب
ونحن نرغب إلى المقام أن يواصل بكتبه المفتتحة بالوداد المشتملة على النصرة على أهل العناد المشحونة بمواقع الفتح والظفر التي تتضاعف إن شاء الله وتزداد المحتوية على الطارف من الإخلاص والتلاد المتصل سببها بين الآباء الكرام ونجباء الأولاد والله تعالى يجعله دائما لثمرات النصر من الرماح يجتني ولوجوه الفتح من الصوارم يجتلي ويديم على الإسلام مزيد العز الذي يتجدد كل آونة من طلائع رايات محمد وبدائع آراء علي بمنه وكرمه

وهذه نسخة كتاب جواب إلى صاحب فاس حيث ورد كتابه بالتعرض لوقعة تمرلنك من إنشاء مؤلفه كتب بذلك عن السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وهو
عبد الله ووليه السلطان الأعظم إلى إخر ألقاب سلطاننا أجرى الله تعالى الأقدار برفعة قدره وأدار الأفلاك بتأييده ونصره وأذل رقاب الأعداء بسطوته وقهره وشحن الأقطار بسمعته وملأ الآفاق بذكره يخص المقام العالي إلى آخر الألقاب رفع الله تعالى له في ملكه الشامخ منارا وجعل النصر والظفر له شعارا وأحسن بحسن مواتاته إلا لأهل الكفر جوارا بسلام يفوق العبير عبيقه ويزري بفتيق المسك الداري فتيقه ويخجل الروض المنمنم إذا تزين بالبهار خلوقه وثناء تكل الألسنة البليغة عن وصفه ويعجز بناة المجد الأثيل عن حسن رصفه وتعترف الأزاهر بالقصور عن طيب أرجه ومسك عرفه وشكر يوالي الورد فيه الصدر ويحقق الخبر فيه الخبر ويشيع في الآفاق ذكره فتتخذه السمار حديث سمر
أما بعد حمد الله واصل أسباب المودة وحافظ نظامها ومؤكد علائق المحبة بشدة التئامها ورابط جأش المعاضدة باتحاد وتناسب مرامها ومجدد مسرات القلوب بتوالي أخبارها المبهجة عن عالي مقامها
سيدنا محمد أفضل نبي رعى الذمام على البعاد وأكرم رسول قرن صدق الإخاء منه بصحة الوداد صلاة تبلغ من رتبة الشرف منتهاها وتنطوي الشقة البعيدة دون بلوغ مداها فإن ورد علينا على يد رسولكم فلان كتاب كريم طاب وروده

وتهللت بالبشر سعوده وشهد بصدق المحبة الصادقة شهوده وطلع من الجانب الغربي هلاله فلاحت بالمشرق بحسن التلقي سعوده فقر منه برؤيته الناظر وابتهج بموافاته الخاطر ولاحت من جوانبه لوائح البشر فأحسن تلقيه سلطاننا الناصر
وقابلناه من القبول بما كاد باطنه لكمال الموافاة يكون عنوانا للظاهر وفضضنا ختامه المصون عن بديع كلام مخترع وبنات فكر قبله لم تفترع وفصاحة قد أحكم اللسن مبانيها وبلاغة تناسبت ألفاظها فكانت قوالب لمعانيها وبراعة قد أحسنت البديهة ترتيبها فجاءت وتواليها تتبع هواديها وفهمنا ما أظهره من كوامن المحبة التي بلغت من القلب الشغاف وبوارح الشوق الذي عندنا من مثله أضعاف أضعاف وانتهينا إلى ما أشار إليه المقام العالي من التلويح إلى ما طرق أطراف ممالكنا الشريفة من طارق الاعتدا وما كان من الواقعة التي كان خبرها لفظاعته يكون كالمبتدا
ونحن نبدي لعلم المقام العالي ما يوضح له أن ما وقع من هذه القصة لم يكن عن سوء تدبير ونورد عليه من بيان السبب ما يحقق عنده أن ذلك لم يكن لعجز ولا تقصير بل لأمر قدر في الأزل ومقدور الله تعالى لا يدفع بالحيل
وذلك أنه لما اتصل بمسامعنا الشريفة قصد العدو إلى جهتنا وتجاوزه حد بلاده إلى أطراف مملكتنا بادرنا الحركة إليه في عسكر لجب وجيوش يضيق عن وسعها الفضاء الرحب من كل بطل عركته الحروب وثقفته الخطوب وحنكته التجارب وعجم عوده بكثرة المنازلات قراع الكتائب
قد امتطى طرفا عربي الأصل كريم الحسب خالص العتق صريح النسب يفوت الطرف مدى باعه المديد ويسبق حافره موقع بصره الحديد
ولبس درعا قد أحكم سردها وأبرم

شدها وبالغت في السبوغ فاتصفت بصفات الكرام وضاقت عينها فمنعت شبحا حتى ذباب السهام
ووضع على رأسه بيضة يخطف الأبصار وميض برقها وتزلق السهام الراشقة صلابة طرقها وترفعها الأبطال على الرؤوس فلا ترى أنها قامت ببعض حقها
وتقلد سيفا يمضي على الرقاب نافذ حكمه ويقضي بانقضاء الأجل انقضاض نجمه لا ينبو عن ضريبة فيرد ولا يقف حده في القطع عند حد
واعتقل رمحا يجري الدماء سنانه بأنابيبه ويمد إلى الفارس باعه الطويل فيأخذ بتلابيبه وتتمسك المنايا بأسبابه فتتعلق منه بالأذيال وتضرس الحرب برزق أنيابه كأنها أنياب أغوال
وتنكب قوسا موعز الآجال هلال هلالها ومورد المنون إرسال نبالها ومدرك الثار رنة وترها وموقد نار الحرب قدح شررها قد اقترن بها سهام تسابق الريح في سرعتها وتعاجل الموت بصرعتها وتختطف العيون في ممرها وتختلس النفوس من مقرها تدخل هجما كل محتجب وتأتي الحذر من حيث لا يحتسب
وتناول عمودا يهجم على الأضالع بأضلاعه فيفدغها ويصافح الرؤوس بكفه الملتحمة الأصابع فيدمغها يقرب من الأجل كل بعيد ويخلق من العمر كل جديد ولا يقاومه في الدفاع بيضة وأنى تقاوم البيضة زبرة من حديد
وتحركنا من الديار المصرية في جيوش لا يأخذها حصر ولا يلحقها هصر ولا يظن بها على كثرة الأعداد كسر ولم نزل نحث السير ونسرع الحركة للقاء العدو إسراع الطير حتى وافينا دمشق المحروسة فنزلنا بظاهرها مستمطرين النصر في أوائل حركتنا وأواخرها وانضم إلينا من عساكر الشام وعربانها وتركمانها الزائدة على العد وعشرانها مالا ينقطع له مدد ولا يدخل تحت حصر

ولا عدد
وأقبل القوم في لفيف كالجراد المنتشر وأمواج البحر التي لا تنحصر من أجناس مختلفة وجموع على تباين الأنواع مؤتلفة وتراءى الجمعان في أفسح مكان ورأى كل قبيل الآخر رأى العين وليس الخبر كالعيان واعتد الفريقان للنزال واحتفروا خنادق للاحتراس وتبوأنا مقاعد للقتال ولم يبق إلا المبارزة والتقاء الصفوف والمناجزة إذ ورد وارد من جهتهم بطلب الصلح والموادعة والجنوح إلى السلم وقطع المنازعة فأجبناهم بالإجابة ورأينا أن حقن الدماء من الجانبين من أتم مواقع الرأي إصابة وكتبنا إليهم في ضمن الجواب
( لما أتانا منكم قاصد ... يسأل في الصلح وكف القتال )
( قلنا له نعم الذي قلته ... والصلح خير وأجبنا السؤال )
فبينا نحن على ذلك واقفون من المواعدة على الموادعة على ما هنالك إذ بلغنا أن طائفة من الخونة الذين ضل سعيهم وعاد عليهم بالوبال ولله الحمد بغيهم توجهوا إلى الديار المصرية للاستيلاء على تخت ملكنا الشريف في الغيبة آملين ما لم يحصلوا منه إلى على الخيبة فلم يسع إلا الإسراع في طلبهم للقبض عليهم وإيقاع النكال بهم وجازيناهم بما يجازي به الملوك من رام مرامهم وظن العدو أن قصدنا الديار المصرية إنما كان لخوف أو فشل فأخذ في خداع أهل البلد حتى سلموه إليه وفعل فعلته التي فعل ليقضي الله أمرا كان مفعولا
ثم لم نزل ندأب في تحصين البلاد وترويج أعمالها وترتيب أمورها وتعديل أحوالها حائطين أقطارها المتسعة بجيوش لا يكل حدها ولا يعقب بالجزر مدها ليكونوا للبلاد أسوارا وللدولة القاهرة إن شاء الله تعالى أعوانا وأنصارا وأعاد الله تعالى المملكة إلى حالها المعروف وترتيبها المألوف فاستقرت بعد الاضطراب وتوطنت بعد الاغتراب
وفي خلال ذلك ترددت الرسل إلينا في عقد الصلح وإمضائه ودفن ما كان

بين الفريقين من المباينة وإخفائه فلم يسعنا التلكؤ عن المصالحة بل سعينا سعيها والله تعالى يقول ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها )
فعقدنا لهم عقد الصلح وأمضيناه وأحكمنا قواعده توكلا على الله تعالى وأبرمناه وجهزنا إليهم نسخة منه طمغت بطمغة قانهم عليها وأعيدت إلينا بعد ذلك ليكون المرجع عند الاختلاف والعياذ بالله تعالى إليها ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما )
والله تعالى يجنب إخاءكم الكريم مواقع الغير ويقرن مودته الصادقة بصفاء لا يشوبه على ممر الزمان كدر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجملة الرابعة في مكاتبة ملك المسلمين بالأندلس
وهو صاحب غرناطة وقلعتها تسمى حمراء غرناطة
وقد تقدم في المقالة الثانية في المسالك والممالك ذكر هذه المملكة وأحوالها ومن ملكها جاهلية وإسلاما وأنها الآن بيد بني الأحمر
وقد ذكر في التعريف أنهم من ولد قيس ابن سعد بن عبادة سيد الخزرج الأنصاري صاحب رسول الله
وهي منهم الآن بيد السلطان محمد بن يوسف بن محمد المخلوع ابن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وقد أذل الله من يجاوره من نصارى الفرنج بسيفه وامتنع في أيامه ما كان يؤديه من قبله من أواخر ملوك الأندلس إلى ملك الفرنج من الإتاوة في كل سنة لاستقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى آخر وقت
وقد ذكر في التعريف أن سلطانها كان في زمانه في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أبا الفضل يوسف ولعله يوسف بن إسماعيل المقدم

ذكره
قال وهو شاب فاضل له يد في الموشحات
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف بعد البسملة أما بعد بخطبة مختصرة فهذه المفاوضة إلى الحضرة العلية السنية السرية العالمية العادلية المجاهدية المؤيدية المرابطية المثاغرية المظفرية المنصورية بقية شجرة الفخار وخالصلة سلف الأنصار المجاهد عن الدين والذاب عن حوزة المسلمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش خلاصة الخلافة المعظمة أثير الإمامة المكرمة ظهير أمير المؤمنين أبي فلان فلان
وهذا صدر لهذه المكاتبة ذكره في التعريف وهو
صدرت هذه المكاتبة إليه متكفلة بالنصر على بعد الدار
مجردة النصل إلا أنه الذي لا يؤخره البدار مسعدة بالهمم ولولا الاشتغال بجهاد أعداء الله فيمن قرب لما تقدمت سرعان الخيل ولا أقبلت إلا وفي أوائل طلائعها للأعداء الويل ولا كتبت إلا والعجاج يترب السطور والفجاج تقذف ما فيها على ظهور الصواهل إلى بطون البحور
مبدية ذكر ما عندنا بسببها لمجاورة الكفار ومحاورة السيوف التي لا تمل من النفار مع العلم بما لها في ذلك من فضيلة الجهاد ومزية الجلد على طول الجلاد ومصابرة السهر لأوقات منيمه ومكاثرة هذا العدو بالصبر ليكون لها غنيمه ونحن على إمدادها أيدها الله بالنصر وبالدعاء الذي هو أخف إليها من العساكر وأخفى مسيرا إذا قدر حقه الشاكر ثقة بأن الله سينصر حزبه الغالب ويكف عدوه المغالب ويصل بإمداد الملائكة لجنده ويأتي بالفتح أو بأمر من عنده لتجري ألطافه على ما عودت ويؤخذ الأعداء بالجريرة ولينصرن الله من ينصره وينظر إلى أهل هذه الجزيرة
والذي ذكره في التثقيف أن رسم المكاتبة إليه مثل صاحب تونس في القطع والخطابة والاختتام والعلامة والتعريف صاحب حمراء غرناطة

وهذه نسخة جواب إلى صاحب حمراء غرناطة
وقد ورد كتابه في ورق أحمر يتضمن قيامه بأمر الجهاد في الكفار وما حصل من استيلاء بعض أقاربه على ملكه ونزعه منه وأنه استظهر بعد ذلك على المذكور وقتله وعاد إلى ملكه على عادته
في جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة وهي نخص الحضرة العلية حضرة الأمير فلان وألقابه جعل الله له النصر أين سار قرينا والظفر والاستظهار مصاحبا وخدينا وزاد في محله الأسنى تمكينا وتأمينا ومنح أفقه الغربي من أسرة وجهه المتلأليء الإشراق ومهابة بطشه الذي يورد العدا موارد الردى بالاتفاق تحسينا وتحصينا بإهداء السلام الذي يتأرج عرفا ويتبلج وصفا ويكاد يمازح النسيم لطفا وإبداء الشكر الذي جلله ملابس الإكرام وأضفى وأجمل منه نفائس عقد المودة التي أظهرها فلم تكن تخفى
ثم بعد حمد الله مؤكد أسباب علاه ومؤيد موجبات نصره وما النصر إلا من عند الله سيدنا محمد عبده ورسوله الذي أمده بملائكته المقربين ونصره بالرعب مسيرة شهر كما ورد بالنص والتعيين ورفع باسمه ألوية المؤمنين الموحدين وقمع ببأسه ثائرة البغاة والمتمردين وعلى آله وصحبه الذين لازموا التمسك بأسباب الدين وجاهدوا في إقامة منار الإسلام لما علموا مقدار أجرهم علم اليقين صلاة متوالية على ممر الأحقاب والسنين فإنا نوضح لعلمه الكريم أن كتابه ورد علينا مشتملا على المحاسن الغراء مغربا بل معربا لنا بحمرة لونه أن نسبته إلى الحمراء مشبها ورد الخدود والنقس فيه كالخال أو شقائق النعمان كما بدا روضه غب السحاب المتوال
فوقفنا على مضمونه جميعه وتلمحنا بديع معانيه من جميل توشيعه وترصيعه وعلمنا ما شرحه فيه من استمراره على عادة سلفه في القيام بأمر الجهاد وقطع دابر الكفرة ذوي الشقاق والعناد وتوطيد ما لديه من تلك البلاد وتطمين ما بها من العباد وما اتفق من قريبه في الصورة لا في المعنى وكيف أساء إليه فعلا وقد أحسن به ظنا وأنه رصد الغفلة من جنابه وأقدم على ما أقدم عليه من اقتراف البغي والتمسك بأسبابه ولم يزل يراعي غيبة الرقيب وهجوع السامر إلى أن تمكن من الاستيلاء على ذلك

الملك الذي ظن أن أمره صائر لكنه مع كونه قد اقتحم في فعلته هذه الأهوال وتوهم أنه قد حصل بمكره على بلوغ بعض الآمال فإنه ما سلم ولله الحمد والمنة حتى ودع ولا أقبل سحاب استيلائه حتى أقشع بما قدره الله تعالى لحضرة الأمير من نصرته وعوده إلى محل أمره وإمرته
وأنه آثر اطلاع علومنا الشريفة على هذه الواقعة لما يعلم من تأكيد المودة التي غدت حمائهما على أفنان المحبة ساجعة وقد علمنا هذا الأمر وشكرنا جميل محبته التي لم ينسج على منوالها زيد ولا عمرو وابتهجنا بما يسره الله تعالى له من ذلك وانتهزنا فرص السرور بما منحه الله من ظفره المتقارب المتدارك وحمدنا الله تعالى على تأييد هذه العصابة الإسلامية وما من به من عود شمس هذا الأفق الغربي إلى مطالعها السنية ولا جرم أن كانت له النصرة والاستيلاء والقدرة لأن الله تعالى قد تكفل سبحانه لأوليائه بمزيد التكريم والتعزيز إذ قال عز و جل ( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ) ( إن الله لقوي عزيز )
وأما غير ذلك فقد وصل رسول الحضرة العلية إلينا وتمثل بمواقفنا المعظمة ومحال مملكتنا المكرمة وأقبلنا عليه وضاعفنا الإحسان إليه وأدى إلينا ما تحمله من المشافهة الكريمة ورسائل المحبة والمودة القديمة فرسمنا باجابة قصده وتوفير بره ورفده وقضاء شغله الذي حضر فيه وتسهيل مآربه بمزيد التنويل والتنويه ومسامحة الحضرة العلية بما يتعين على ما قيمته ألفا دينار مصرية حسب ما عينه رسوله المذكور ولو كان سألنا أضعاف ذلك لأجبنا سؤاله من غير ترو ولا فتور
وقد جهزنا إليه صحبته ما أنعمت به صدقاتنا الشريفة عليه من الدرياق ودهن البلسان فليتحقق ماله عندنا من المكانة والمحل الرفيع الشان وقد أعدنا رسوله المذكور إلى جهته الكريمة بهذا الجواب الشريف

محترما مكرما مشمولا من إحساننا بالتليد والطريف فيحيط علما بذلك والله تعالى يمده بمزيد التأييد ويمنحه من جميل الإقبال وجزيل النوال ما يربي على الأمل ويزيد تم بحمد الله

الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد وآله و صحبه

المقصد الثالث في المكاتبة إلى أهل الجانب الجنوبي ممن جرت العادة
بالمكاتبة إليه من العرب والسودان وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في المكاتبة إلى من بهذا الجانب من العربان
وقد ذكر في التثقيف ممن كوتب منهم جماعة بالطرقات الموصلة من الديار المصرية إلى بلاد الحبشة وغيرها ثم قال ولعل هؤلاء أيضا من عربان الممالك المحروسة غير أنه لا إقطاعات لهم وعد منهم ثمانية أشخاص وذكر أنه كتب إلى كل منهم الاسم ومجلس الأمير
الأول سمرة بن كامل العامري
الثاني عباد بن قاسم
الثالث كمال بن سوار قال وهو مستحدث المكاتبة في العشر الأول من جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة

الرابع جنيد شيخ الجوابرة من الهكارية بأبواب النوبة قال وهو مستحدث المكاتبة في سنة تسع وستين وسبعمائة
الخامس شريف شيخ النمانمة بأبواب النوبة أيضا ومكاتبته مستجدة حينئذ
السادس علي شيخ دغيم
السابع زامل الثاني
الثامن أبو مهنا العمراني

الجملة الثانية في المكاتبة إلى مسلمي ملوك السودان وهم أربعة ملوك
الأول ملك النوبة وهو صاحب مدينة دنقلة وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في الكلام على المقالة الثانية في المسالك والممالك قال في التعريف وهو رعية من رعايا صاحب مصر وعليه حمل مقرر يقوم به في كل سنة ويخطب ببلاده لخليفة العصر وصاحب مصر
5
- قلت هذا كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وهذه الإتاوة كانت مقررة عليهم من زمن الفتح في إمارة عمرو بن العاص رضي الله عنه ثم صارت تنقطع تارة وتحمل أخرى بحسب الطاعة والعصيان وهي الآن مملكة مستقلة بذاتها ولذلك أوردت مكاتبة صاحبها في جملة الملوك
ورسم المكاتبة إليه إن كان مسلما على ما ذكره في التعريف
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الجليل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد العضد مجد الإسلام زين الأنام فخر المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين
وذكر ذلك في التثقيف نقلا عنه ثم قال ولم أجد له مكاتبة متداولة بين الجماعة قال ولم يكتب له شيء في مدة مباشرتي بديوان الإنشاء ولم يزد على ذلك
ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته هذه المكاتبة أيضا وأنه يقال بعد عمدة الملوك والسلاطين أدام الله سعادته وبلغه في الدارين إرادته تتضمن إعلامه كيت وكيت فيتقدم بكذا وكذا فيحيط علمه بذلك ثم قال والمكاتبة إليه في قطع العادة والعلامة أخوه ولا يخفى أن العنوان بالألقاب ويظهر أن التعريف صاحب دنقلة

قلت هذا كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وهذه الإتاوة كانت مقررة عليهم من زمن الفتح في إمارة عمرو بن العاص رضي الله عنه ثم صارت تنقطع تارة وتحمل أخرى بحسب الطاعة والعصيان وهي الآن مملكة مستقلة بذاتها ولذلك أوردت مكاتبة صاحبها في جملة الملوك
ورسم المكاتبة إليه إن كان مسلما على ما ذكره في التعريف
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الجليل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد العضد مجد الإسلام زين الأنام فخر المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين
وذكر ذلك في التثقيف نقلا عنه ثم قال ولم أجد له مكاتبة متداولة بين الجماعة قال ولم يكتب له شيء في مدة مباشرتي بديوان الإنشاء ولم يزد على ذلك
ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته هذه المكاتبة أيضا وأنه يقال بعد عمدة الملوك والسلاطين أدام الله سعادته وبلغه في الدارين إرادته تتضمن إعلامه كيت وكيت فيتقدم بكذا وكذا فيحيط علمه بذلك ثم قال والمكاتبة إليه في قطع العادة والعلامة أخوه ولا يخفى أن العنوان بالألقاب ويظهر أن التعريف صاحب دنقلة

الثاني ملك البرنو قال في التعريف وبلاده تحد بلاد ملك التكرور من الشرق ثم يكون حدها من الشمال بلاد صاحب أفريقية ومن الجنوب الهمج وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك ولم يذكر هذه المملكة في مسالك الأبصار قلت وملكها يزعم أنه من ذرية سيف بن ذي يزن ملك اليمن على ما ورد به كتابه في أواخر المائة السابعة
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف
أدام الله تعالى نصر الجناب الكريم العالي الملك الجليل الكبير العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور عز الإسلام من نوع ألقاب ملك التكرور يعني شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين ظهير الإمام عضد أمير المؤمنين الملك فلان ويدعى له بما يناسبه وبعد إهداء السلام والتشوق هذه المفاوضة تبدي على ما سيأتي ذكره في مكاتبته
وهذا صدر يليق به ولا زالت همم سلطانه غير مقصرة ووفود حجه غير محصرة

وسيفه في سواد من جاوره من أعدائه الكفار يقول ( وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا اية الليل وجعلنا اية النهار مبصرة ) صدرت ولها مثل مسكة أفقه عبق وعنبرة طينته سواد إلا أنه من السواد اليقق وشبيبة ملكه الذي يفديه سواد الحدق أوجبها ود أسكنه مسكنه من سويداء القلب لا يريم وأراه غرة الصباح الوضاح تحت طرة الليل البهيم وحكى ذلك عنه في التثقيف ولم يزد عليه
ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته في قطع الثلث والعلامة أخوه وتعريفه صاحب برنو
قلت ووصل من هذا الملك كتاب في الدولة الظاهرية برقوق يتشكى فيه من عرب جذام المجاورين له ويذكر أنهم أخذوا جماعة من أقاربه باعوهم في الأقطار وسأل الكشف عن خبرهم والمنع من بيعهم بمصر والشام وأرسل هدية صالحة من زئبق وغيره وكتب جوابه بخط زين الدين طاهر أحد كتاب الدست صدره أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور المتوكل فخر الدين أبي عمرو عثمان بن إدريس عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة
وبعث إليه به مع رسوله الوارد صحبة الحجيج فأعيد وقد كتب الجواب على ظهره بعد سنة أو سنتين
الثالث ملك الكانم قال في مسالك الأبصار وقاعدة الملك منها

بلدة اسمها جيمي ومبدأ مملكته من جهة مصر بلدة اسمها زلا وآخرها طولا بلدة يقال لها كاكا وبينهما نحو ثلاثة أشهر قال وعسكرهم يتلثمون وملكهم على حقارة سلطانه وسوء بقعة مكانه في غاية لا تدرك من الكبرياء يمسح برأسه عنان السماء مع ضعف أجناد وقلة متحصل بلاد محجوب لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر وفي سائر السنة لا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلا من وراء حجاب
وقال في التعريف ملوكها من بيت قديم في الإسلام وجاء منهم من ادعى النسب العلوي في بني الحسن وهو يتمذهب بمذهب الشافعي ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كرسم مكاتبة صاحب البرنو بدون الكريم وتبعه على ذلك في التثقيف ناقلا له عنه ثم قال ولم أطلع على مكاتبة له غير الذي قد ذكره
الرابع ملك مالي قال في مسالك الأبصار وهي في نهاية الغرب متصلة بالبحر المحيط وقاعدة الملك بها بنبي وهي أعظم ممالك السودان وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك ذكر أحوالها وما تيسر من ذكر ملوكها وأن مالي اسم للإقليم والتكرور مدينة من مدنه وكان ملكها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون منسا موسى ومعنى منسا السلطان
وقد ذكر في مسالك الأبصار انه وصل منه كتاب عن نفسه لنفسه فيه ناموسا وأنه وصل إلى الديار المصرية حاجا واجتمع بالسلطان الملك الناصر

فقام له وتلقاه وأكرمه وأحسن نزله على ما هو مبسوط في موضعه
قال في التعريف وملك التكرور هذا يدعي نسبا إلى عبد الله بن صالح بن الحسن بن علي بن أبي طالب
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف أدام الله تعالى نصر المقر العالي السلطان الجليل الكبير العالم العادل المجاهد المؤيد الأوحد عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة عضد أمير المؤمنين الملك فلان ويدعى له بما يناسب وبعد إهداء السلام والتشوق هذه المفاوضة تبدي
قال ولا يعرض له ولا يقر بشيء من الألقاب الدالة على النسب العلوي
وهذا صدر لهذه المكاتبة ذكره في التعريف
ويسر له القيام بفرضه وأحسن له المعاملة في قرضه وكثر سواده الأعظم وجعلهم بيض الوجوه يوم عرضه ومتعه بملك يجد الحديد سجف سمائه والذهب نبات أرضه صدرت هذه المفاوضة وصدرها به مملو وشكرها عليه يحلو ومزايا حبه في القلوب سر كل فؤاد وسبب ما حلي به الطرف والقلب من السواد تنزل به سفنها المسيرة في البحر وترسى وتحل عند ملك ينقص به زائده وينسى موسى منسى وتقيم عليه والدهر لا يطرقه فيما ينوب والفكر لا يشوقه إلا إذا هبت صبا من أرضه أو جنوب
والمتداول بين جماعة كتاب الانشاء أن المكاتبة إليه أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل المجاهد

المؤيد المرابط المثاغر العابد الناسك الأوحد فلان ذخر الإسلام والمسلمين نصرة الغزاة والمجاهدين عون جيوش الموحدين ركن الأمة عماد الملة جمال الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين والدعاء
وذكر نحو ذلك في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله ثم قال ويقال صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي مملوءة الصدر بشكره باسمة الثغر برفعة قدره موضحة لعلمه الكريم كيت وكيت وذكر أن خطابه بالجناب الكريم والطلب والقصد والختم بالإحاطة وذكر هو وصاحب التثقيف أن المكاتبة إليه في قطع الثلث والعلامة أخوه وتعريفه صاحب مالي وغانة

الجملة الثالثة في المكاتبة إلى ملوك المسلمين بالحبشة
قد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك أن ببلاد الحبشة سبعة ملوك مسلمين لهم سبع ممالك كل مملكة منفردة بملك وبها الجوامع والمساجد ينادى فيها بالأذان وتقام بها الجمع والجماعات وهم مع ذلك تحت أمر صاحب أمحرا ملك ملوك الحبشة يختار لولاية ممالكهم من شاء توليته ولا يردون ويصدرون إلا عن أمره وهي مملكة أوفات والزيلع ومملكة دوارو ومملكة أرابيني ومملكة هدية ومملكة شرحا ومملكة بالي ومملكة دارة
وقد تقدم الكلام عليها وعلى أحوالها مستوفى عند الكلام عليها في المقالة الثانية قال في مسالك الأبصار وهذه الممالك تجاور ناصع وسواكن

ودهلك وليس بها مملكة مشهورة
قال في التعريف ولم يرد من هذه الملوك السبعة كتاب ولا صدر إليهم خطاب قال فإن ورد منهم شيء فتجرى مكاتبتهم مثل مكاتبة صاحب الكانم والبرنو وقد تقدم أن رسم المكاتبة إليهما على ما ذكره في التعريف أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم وأعز الله تعالى جانب الجناب الكريم على ما كتب به القاضي زين الدين طاهر في جواب صاحب البرنو على ما هو مذكور في موضعه

المقصد الرابع في المكاتبة إلى أهل الجانب الشمالي وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في المكاتبات إلى أمراء الأتراك بالبلاد المعروفة ببلاد
الروم المسماة الآن ببلاد الدروب
قال في التعريف وهي البلاد المنحصرة بين بحري القرم والخليج القسطنطيني تنتهي في شرقيها إلى بحر القرم المسمى بحر نيطش وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينية وتنتهي جنوبا إلى بلاد الأرمن يحدها البحر الشامي قال وهذه البلاد بلاد متسعة وهي مفرقة لملوك مجتمعة ولكنه لا يطلق عليهم إلا اسم الإمارة ولا انتظام لكلمتهم ولا اجتماع لجملتهم ثم قال وأكبرهم صاحب كرميان وله بينهم وضع محفوظ ونظام مرعي

أما ملوكنا فأجل من لديهم منهم جماعة بني قرمان لقرب ديارهم وتواصل أخبارهم ولنكاياتهم في متملك سيس وأهل بلاد الأرمن واجتياحهم لهم من ذلك الجانب مثل اجتياح عساكرنا لهم من هذا الجانب فمكاتبتنا إلى بني قرمان لا تكاد تنقطع وأما إلى البقية فأقل من القليل وأخفى من مرأى الضئيل ثم عد منهم ستة عشر أميرا وذكر رسم المكاتبة إلى كل واحد منهم
الأول صاحب كرميان قال في التعريف ولم يكتب إليه مدة مقامي بالأبواب السلطانية ويشبه أن تكون المكاتبة إليه بالمقر نظير صاحب ماردين لكن بأبسط ألقاب إذ هي أدعى لاستحسانهم لقلة معارفهم وعلى هذا التقدير يكون رسم المكاتبة إليه أعز الله تعالى نصر المقر الكريم العالي الملكي الأجلي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي

المرابطي المثاغري المظفري المنصوري الفلاني عون الأنام شرف الملوك والسلاطين نصير الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر ظهير أمير المؤمنين
قال فإن لم يسمح له بكل هذه المخاطبة ولم يؤهل لنظير هذه المكاتبة كتبت إليه هذه الألقاب مع الجناب الكريم وخوطب بالإمارة إن لم يسمح له بالمخاطبة بالملك
قال في التثقيف ولعل مكاتبته بالجناب مع هذه الألقاب كما ذكر ومخاطبته بالإمارة أولى لأنه إذا كان بنو قرمان أجل لدى ملوكنا ومكاتباتهم بالدعاء والمجلس العالي فيتعين حيث هو أكبر منهم أن يكون هو أعلى منهم رتبة في المكاتبة بدرجتين وهي الجناب الكريم قال هذا هو الأولى عندي
قلت وهذا كله إنما كان قبل أن يعلو قدر ابن عثمان صاحب برسا الآتي ذكره ويرتفع قدره على من بتلك البلاد جملة أما بعد ارتفاعه وانحطاطهم دونه فينبغي أن ينظر في قدر المكتوب إليه ويكتب إليه بحسب ما تقتضيه الحال
الثاني صاحب طنغزلو قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي الأميري ولم يذكر العلامة إليه قال في التثقيف والذي وجدته مسطورا في مكاتبته الاسم والسامي بالياء
الثالث صاحب توازا قال في التعريف وهو في المكاتبة نظير صاحب طنغزلو ولم يزد على ذلك غير أنه ذكر أن اسمه في زمانه كان على أرينه وذكر في التثقيف أنه لم يقف له على رسم مكاتبة سوى ذلك
الرابع صاحب عيدلي قد ذكر في التعريف أن اسمه في زمانه دندار

أخو يونس صاحب انطاليا وأنه نظير صاحب توازا في المكاتبة فتكون المكاتبة إليه صدرت والعالي قال في التثقيف ولم أقف على رسم مكاتبة إليه سوى ذلك إلا أنه ذكر بعد ذلك صاحب عدليو وقال إن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء وذكر أن المقر الشهابي بن فضل الله لم يتعرض إلى ذكره في التعريف ثم قال وقد تكون هي عيدلي المقدم ذكرها وإنما تكررت بتغيير الحروف قال ولم يتحرر هل هما اثنان أو واحد
الخامس صاحب كصطمونية وهي قسطمونية قال في التعريف وكانت آخر وقت لسليمان باشا وكان أميرا كبيرا كثير العدد موفور المدد ذا هيبة وتمنع ثم قال وورث ملكه ابنه ابراهيم شاه وكان عاقا لأبيه خارجا عن مراضيه وكان في حياته منفردا بمملكة سنوب قال وهي الآن داخلة في ملكه منخرطة في سلكه
وذكر أن رسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري بأكمل الألقاب وأتم ما يكتب في هذا الباب وذكر في التثقيف نقلا عن القاضي ناصر الدين بن النشائي وأمين الدين خضر مثل ذلك وأن العلامة إليه أخوه
السادس صاحب فاويا قال في التعريف وهو يعني في زمانه مراد الدين حمزة وهو ملك مضعوف ورجل بمجالس أنسه مشغوف قال ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري بالياء قال في التثقيف وهو غير بعيد

السابع صاحب برسا وقد ذكر في التعريف أنه في زمانه أرخان بن عثمان ثم قال وهو نظير صاحب فاويا في المكاتبة فتكون مكاتبته السامي بالياء قال في التثقيف ولم أطلع على رسم للمكاتبة إليه غير ذلك إلا أنه ذكر في الفصل الأول من الباب الرابع في الكلام على مكاتبات الحكام أرخان بن عثمان وقال إن لقبه سيف الدين ثم قال ويقال إنه صاحب برسا وذكر أن رسم المكاتبة إليه في قطع العادة والدعاء والمجلس العالي والعلامة أخوه وتعريفه اسمه
قلت وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن الأمر قد آل في بني عثمان إلى أرخان بن عثمان جق ثم إلى ابنه مراد بك وأنه أتسع ملكه وجاوز في الفتح الخليج القسطنطيني حتى قارب خليج البنادقة ثم إلى ابنه أبي يزيد فزاد في الملك على ما كان بيد أبيه وتزوج في بني قرمان ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته ولم يبق خارجا عن ملكه إلا سيواس فإنها كانت مع قاضيها إبراهيم المتغلب عليها ولم يزل كذلك حتى قصده تمرلنك وأسره ومات في يديه وملك بعده ابنه سليمان حلبي ثم مات وملك بعده أخوه محمد بن ابي يزيد بن مراد بك بن عثمان جق وهو القائم بها الى الآن وكانت المكاتبة قد استقرت إلى ابي يزيد في الايام الظاهرية برقوق
الثامن صاحب أكبرا قد ذكر في التعريف انه كان في زمانه دمر خان بن قراشي وذكر أن مكاتبته نظير مكاتبة صاحب برسا يعني السامي بالياء وذكر في التثقيف أنه لم يقف على سوى ذلك

التاسع صاحب مرمرا وقد ذكر في التعريف انه في زمانه كان بخشي بن قراشي وقال إن رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي
قلت وقد تقدم في المسالك والممالك أن هذه البلدة كانت جزيرة بالخليج القسطنطيني بها مقطع رخام وأن النصارى غلبوا عليها
العاشر صاحب مغنيسيا ذكر في التعريف أن اسمه صاروخان وقال إن المكاتبة إليه السامي بالياء وذكر فيه التثقيف انها صارت بعده إلى ابنه إسحاق بن صاروخان وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة بالاسم والسامي بالياء
الحادي عشر صاحب نيف ذكر في التعريف أنه في زمانه كان علي باشا أخو صاروخان صاحب مغنيسيا المقدم ذكره وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل أخيه المذكور فتكون صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي
الثاني عشر صاحب بركي ذكر في التعريف انها في زمانه كانت بيد ابن ايدين ولم يصرح باسمه قال وإن المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بالألقاب التامة وذكر في التثقيف أنه لم يقف له على مكاتبة غير ذلك
الثالث عشر صاحب فوكه ذكر في التعريف أنه كان في زمانه أرخان ابن منتشا وأن المكاتبة إليه نظير صاحب بركي فتكون الدعاء مع العالي بالالقاب التامة أيضا وذكر في التثقيف أنه لم يقف في مكاتبته على غير ذلك
الرابع عشر صاحب انطاليا ذكر في التعريف أنه كان في زمانه اسمه

خضر بن يونس وقال ان رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة الى المجلس العالي وذكر في التثقيف ان خضر بن يونس المذكور كان يلقب سنان الدين وأنه استقر بعده دادي بك ثم استقر بها آخرا محمد المعروف بكاجوك وذكر أن المكاتبة إليه أخوه والدعاء والعالي ثم قال وهو الأصح لأنه آخر ما استقر عليه الحال في مكاتبته وكتب به إليه
الخامس عشر صاحب قراصار ذكر في التعريف أنه كان في زمانه اسمه زكريا وأن رسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي بلا ياء وذكر في التثفيف انه لم يطلع على مكاتبة إليه سوى ذلك وأنه لم يكتب إليه شيء في مدة مباشرته
السادس عشر صاحب أرمناك ذكر في التعريف أنها كانت في زمانه بيد ابن قرمان ولم يصرح باسمه وذكر في التثقيف أن اسمه علاء الدين سليمان قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بأكمل الألقاب وأكبرها وأجمعها وأكثرها وذكر في التثقيف أن آخر من أستقر بها في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة علاء الدين علي بك بن قرمان ووافق على رسم المكاتبة المذكورة وقال إن العلامة إليه أخوه وتعريفه فلان بن قرمان
قال في التعريف ولإخوة صاحبها ابن قرمان المذكور رسوم في المكاتبات فأكبرهم قدرا وأفتكهم نابا وظفرا الأمير بهاء الدين موسى وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه حضر إلى الأبواب

السلطانية وحج مع الركب الشريف ثم عاد إلى الابواب السلطانية وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة وأشرك في الرأي وسأل السلطان في كتابة منشور بما يفتحه من بلاد الأرمن فكتب له قال في التعريف واستقرت المكاتبة إليه مثل مكاتبة أخيه قال أما بقية بني قرمان فدونهما في المكاتبة
واعلم أن صاحب التثقيف قد زاد على ذلك من أمراء هذه البلاد ستة نفر
أحدهم الحاكم بالعلايا وذكر أنه كان اسمه حسام الدين محمود بن علاء الدين وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة أخوه والدعاء والعالي في قطع العادة
الثاني صاحب بلاط ورحر ذكر أنه كان بها أمير موسى بن إبراهيم بن منتشا وأن المكاتبة إليه في قطع العادة والده والدعاء والمجلس العالي
الثالث صاحب أكردور وهي أكردون ذكر أنه كان بها إلياس بن مصطفى من بني حميد وأن رسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال عندما كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة والده والسامي بالياء

الرابع صاحب أيا سلوق ذكر أنه كان بها عيسى بن ايدين وأنه كتب إليه في شوال من السنة المذكورة أيضا
الخامس صاحب يلي شار ذكر أنه كان بها الأمير محمد ولم يذكر نسبته وقال إن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
السادس الأمير ذروان بن كرمان بن منتشا ذكر أنه ممن استجدت مكاتبته في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة
وأعلم أنه قد زاد في التثقيف ذكر مكاتبة جماعة لم اتحقق هل هم من اهل هذه البلاد أم من غيرها
منهم صاحب قلعة الحنفاء ذكر انه كان اسمه سيف الدين قوجي وأن المكاتبة إليه في قطع الثلث والسامي بالياء ومنهم صاحب قلعة الجوز في قطع الثلث الاسم والسامي بالياء وتعريفه اسمه
ومنهم صاحب بكجرى استجدت الكتابة إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة وكتب إليه الاسم والسامي بغير ياء
ومنهم الحاكم بقلعة أبيض كتب إليه الاسم ومجلس الأمير
ومنهم الحاكم بقلعة نعمة كتب إليه الاسم ومجلس الامير أيضا
ومنهم الحاكم بقلعة أشنى وهي أشنو كتب إليه كذلك
على أنه قد ذكر منهم جماعة أيضا ليسوا من أهل هذه البلاد جملة منهم نائب خلاط وصاحب موغان وهي موقان والحاكم بإسعرد وهي سعرت وصاحب قيشان وهي قاشان
وقد تقدم أن خلاط من أرمينية وموقان من أرمينية وإسعرد من ديار ربيعة من الجزيرة الفراتية وقاشان من عراق العجم وبالجملة فقد خلط في التثقيف في البلدان تخليطا كثيرا وخلط بعض أقاليم البلاد ببعض

قلت قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات ذكر أصول يعتمدها الكاتب في كتبه تعم الكتب السلطانية وغيرها وأنا أذكر هنا ما يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان على النمط الجاري عليه الاصطلاح الآن ليسهل القصد إليها لقربها ويحصل الغرض من ذلك بذكر تسعه أمور
أولها مقادير قطع الورق قد تقدم في الكلام على مقادير قطع الورق المستعملة في دواوين الإنشاء جملة والذي يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان أربعة مقادير
أحدها قطع البغدادي الكامل وقد مر أنه يكتب فيه للقانات
وثانيها قطع النصف وفيه يكتب إلى أكابر الملوك ممن دون القانات
وثالثها قطع الثلث وفيه يكتب إلى الرتبة الثانية من الملوك
ورابعها قطع العادة وفيه يكتب إلى أصاغر الملوك والولاة وغيرهم
الثاني العنوان قد تقدم في مقدمة الكتاب أن الذي كان يكتب عنوانات الكتب السلطانية في الزمن المتقدم هو صاحب ديوان الإنشاء دون غيره أما الآن فإن كاتب كل كتاب صار هو الذي يكتب عنوانه بنفسه
وقد جرت العادة في عامة الكتب السلطانية أن يكون المكتوب فيها هي ألقاب المكتوب إليه ونعوته التي في صدر المكاتبة في الباطن ثم يدعى للمكتوب إليه في آخر الألقاب بالدعوة التي صدر بها الدعاء في الصدر مثل أعز الله أنصاره أو ضاعف الله نعمته وما أشبه ذلك من الأدعية التي تفتتح بها المكاتبات فإن كان الكتاب مفتتحا بالحمدلة أو بلفظ من فلان كتب في العنوان الألقاب التي في صدر الكتاب بعد ذلك ثم بعد الدعاء يخلي بياضا قليلا ثم يذكر تعريف المكتوب إليه مثل صاحب فلانة ونحو ذلك مما تقدم ذكره من التعريفات وتكون كتابة العنوان بنظير قلم الباطن في الدقة والغلظ وتكون أسطره متصلة من أول عرض الدرج إلى آخره وأسطره متلاصقة متتالية

الثالث الطرة التي يكتب فيها تعريف المكتوب إليه والعلامة التي يكتبها المكتوب عنه والسبب في كتابته
وقد جرت العادة في ذلك أنه يكتب في رأس الدرج في الجانب الأيمن إلى فلان وفي الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا وفي الوسط العلامة التي يعلمها السلطان مثل أخوه أو والده أو اسمه لينظر عند علامة السلطان على الكتاب فيعلم حال الكتاب ويجرى الأمر في العلامة على هذا الرسم وتكون كتابتها بقلم الكتاب من ثلث أو رقاع أو غيرهما إلا أن يكون الكتاب بمختصر الطومار في قطع البغدادي فيكون ذلك بقلم الثلث وهذه الطرة تقطع بعد أن يعلم على الكتاب
الرابع البياض في أعلى الكتاب وقد جرت العادة في الكتب السلطانية أن العلامة إلى المكتوب إليه إن كانت أخوه أو والده ترك فيه ثلاثة أوصال بياضا بما فيه من وصل العنوان ثم تكتب البسملة في رأس الوصل الرابع وإن كانت العلامة إليه الاسم ترك وصلان بياضا فقط وكتبت البسملة في أول الوصل الثالث ثم يكتب السطر الأول من الكتاب على سمت البسملة ملاصقا لها ثم يخلى موضع العلامة بياضا ويكتب السطر الثاني على سمت الأول في أواخر ذلك الوصل على قدر إصبعين من آخره ثم يجعل بين كل سطرين أربعة أصابع مطبوقة إن كان القطع صغيرا وإن كان القطع كبيرا كان فيه قدر ربع ذراع أو نحوه بحسب المناسبة فإذا أنتهى إلى آخر الكتاب كتب إن شاء الله تعالى في

الوسط على بعد قدر إصبعين من السطر الاخر ثم يكتب كتب في تاريخ كذا من شهر كذا سنة كذا وكذا ويكون إلى آخر ذكر الشهر سطر ومن أول سنة كذا إلى آخره سطر ثم يكتب المستند على نحو البعد المذكور فإن كان بتلقي كاتب السر خاصة كتب حسب المرسوم الشريف فقط وإن كان بتلقي كاتب السر وكتاب الدست من دار العدل كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته بقدر إصبع من دار العدل الشريف في سطر وإن كان برسالة الدوادار كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته بقدر إصبع برسالة الجناب العالي الأميري الفلاني الدوادار الفلاني بلقب السلطان ضاعف الله تعالى نعمته وإن كان من ديوان الخاص كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته من ديوان الخاص الشريف وإن كان بخط السلطان بأن كتب على القصة بالخط الشريف كتب حسب الخط الشريف في سطر واحد وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية في سطر وكتب تحته بقدر إصبع كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى وإن كان بإشارة أستاد الدار كتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية في سطر ثم يكتب تحته بقدر إصبع أستاد الدار العالية أعلاها الله تعالى على أنه قد تقدم في الألقاب أن كتابتهم أستاد الدار هو عرف جرى عليه

اصطلاحهم وأن الصواب فيه إستدار بغير ألف بعد التاء وتكون كتابة المستند ببياض من جانبيه سواء كان سطرا واحدا أو سطرين ثم إذا فرغ من كتابة المستند كتب الحمدلة والصلاة على النبي في سطر كامل على بعد قدر إصبعين من المستند ثم يكتب الحسبلة على قدر إصبعين من سطر الحمدلة والتصلية
وقد تقدم في الكلام على الخواتم في المقالة الثالثة نقلا عن عبد الرحيم بن شيت أن موضعها من ثلث السطر الأخير من أوله إلى حين تنتهي كتابتها
الخامس قد ذكر ابن شيث في معالم الكتابة أنه لا يكتب في حواشي الكتب السلطانية لأنه في ذلك شحا بالورق وذلك مما لا يليق بالسلطان ولا خفاء في استقباح ذلك بل قد يستقبح ذلك في غير السلطان كما سيأتي ذكره في الإخوانيات
السادس العلامة السلطانية على المكتبوب في بيت العلامة من البياض السابق ذكره قد ذكر في التعريف أن أكبر من يكتب إليه من الأمراء ومماليك البيت الشريف فترجمته بالخط الشريف والده ومن دون ذلك الاسم الشريف أما الغرباء كملوك المسلمين والعربان وأكابر القضاة وأهل الصلاح والأكابر فترجمته بالخط الشريف أخوه ومن دون ذلك الاسم الشريف
والذي استقر عليه الحال آخرا في زماننا أن لأكابر الأمراء من النواب وغيرهم أخوه لرفعة مكان الأخ على الولد ولمن دونهم والده ولمن دون ذلك الاسم

وباقي الحال على ما ذكره وقد سبقت ترجمة كل مكتوب إليه في الكلام على المكاتبة إليه
أما القانات الكبار فقد تقدم في الكلام على المكاتبة إليهم أنه تكتب لهم طغراة بالألقاب السلطانية في موضع العلامة وأما ملوك الكفر فسيأتي أنه تكتب طغراة بالألقاب السلطانية فوق البسملة
السابع طي الكتب السلطانية قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات نقلا عن ابن شيث من كتاب الدولة الأيوبية أن كتب بالسلطان يكون طيها في عرض أربعة أصابع وأن مقتضى ذلك أن كتب السلطان بالديار المصرية كانت تطوى على هذه الهيئة كما في كتب أهل المغرب الآن والذي استقر عليه الحال آخرا أنها يجعل طيها في صورة أنبوب القناة ولا تضغط في طيها لتكون نبيلة تعظيما لأمر السلطان وإجلالا لقدره
الثامن ختم الكتاب قد تقدم في الكلام على الخواتم واللواحق في المقالة الثالثة أن الكتب السلطانية كانت تختم بسحاءة ويطبع عليها بطين أحمر يوتى به من سيراف وتختم بخاتم كما تختم المغاربة الآن أما الآن فقد استقر الحال على أن الكتب تلصق بالنشا أو ما في معناه من الكثيراء ونحوها وقد سأل الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى الشهاب محمود رحمه الله حين بلغه وقوع بعض كتاب دمشق في حقه عمن غير طين الختم إلى النشا ولم

أقف على زمان تغير ذلك ولا من غيره على أني حللت معظم اسؤولة هذه الرسالة في خلال هذا الكتاب مفرقة في مواضعها
التاسع أن الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية إن كانت إلى أحد من عظماء الملوك كالقانات ببلاد الشرق أو ملوك بلاد المغرب ونحوهم ممن يتعانى البلاغة في الكتب الصادرة عنه كتبت مسجوعة كلها وإن كانت إلى صغار الملوك والحكام كتبت غير مسجوعة وإن كانت إلى أحد من أهل المملكة فإن كانت في أمر بعد وقوعه كالكتابة بالبشارة بوفاء النيل أو جلوس السلطان على التخت لأول أمره أو برئه من المرض أو ولادة ولد له أو البشارة بفتح أو الإعلام بركوب الميدان أو الإنعام بخيل أو نحوها كتبت مسجوعة وإلا كتبت مرسلة غير مسجوعة

الطرف الثاني في المكاتبة عن ملوك الديار المصرية على المصطلح المستقر
عليه الحال إلى ملوك الكفر
واعلم أن ملوك الكفر المكاتبين عن هذه المملكة جميعهم نصارى من الروم والفرنج والكرج والحبشة وغيرهم إذ كانوا هم المستولين على أكثر الممالك أما اليهود فإنهم لم يبق لهم مملكة معروفة بل هم تحت الذمة أين كانوا قال تعالى ( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) قال في التعريف وجميع الكتب المكتوبة إلى ملوك الكفر لا يشملها الخط الشريف أصلا بل يكتب فوق البسملة في الكتاب بخط الكاتب عوض العلامة الشريفة أسطر قصيرة ببياض من الجانبين ما صورته
من السلطان الأعظم الملك الناصر مثلا العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الشاهنشاه فلان الدنيا والدين

سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين وارث الملك ملك العرب والعجم والترك ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه إسكندر الزمان مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان واهب الأقاليم والأمصار مبيد الطغاة والكفار حامي الحرمين والقبلتين جامع كلمة الايمان ناشر لواء العدل والإحسان سيد ملوك الزمان إمام المتقين قسيم أمير المؤمنين أبي فلان ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني فلان خلد الله سلطانه ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه
وأوضح ذلك في التثقيف فقال ويكون في الطرة بعد وصلين بياضا من أول الكتاب بهامش جيد من الجانبين يمنة ويسرة ويكونان في قدر بياضهما سواء تقدير أربعة أصابع فأكثر من كل جانب من الورق العريض وفي قطع العادة دون ذلك وتكون الأسطر متقاربة ما بينهما من البياض تقدير إبهام أو أزيد منه بشيء يسير وإذا انتهت الألقاب يترك بعدها وصلا أبيض ثم يكتب البسملة الشريفة وبعدها رسم المكاتبة للمكتوب إليه

الطرف الثالث في المكاتبة إلى من وراء بحر القرم بالجانب الشمالي منه
وهو صاحب البلغار والسرب وهي بلاد في نهاية الشمال متاخمة لصاحب السراي وقد ذكر في التعريف المكاتبة إليه في المكاتبة إلى جملة ملوك المسلمين وقال إن صاحبها يظهر الانقياد لصاحب السراي وإنه أرسل رسله تطلب له الألوية من الأبواب السلطانية فجهزت إليه مع ما جرت به العادة من السيف والتشريف والخيل المسرجة الملجمة وذكر أن رسم المكاتبة إليه على ما كتب إذ ذاك
أعز الله نصر الجناب الكريم العالي الملكي الأجلي الكبيري

العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي سيف الإسلام والمسلمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر جمال الملوك والسلاطين ذخر أمير المؤمنين
ثم هذا الطرف يشتمل على أربعة مقاصد مشتملة على الجهات الأربع

المقصد الأول في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد الشرق وجملة من بها من
ملوك النصارى المكاتبين عن هذه المملكة مملكتان
الأولى مملكة الكرج من النصارى الملكية قال في التعريف ويقال في المسلمين الكرد وفي النصارى الكرج قال وموقع هذه البلاد بين بلاد الروم وبين بلاد أرمينية وهي بلاد جليلة ومملكة مفخمة وكأنها مقتطعة من البلادين ولها ملك قائم وبها ملك دائم وأمها مدينة تفليس وسلطان بيت هولاكو بمملكة إيران يحكم عليها ويرالغه تصل إليها إلا أنه لا يطغى بها سيله ولا تجوس خلال ديارها للحرب المضرمة خيله وإنما له بها تومان اتخذه سدادا لثغرها وقياما بأمرها منزلهم فسيح بواديها أهل حل وترحال وتنقل من حال إلى حال قال وآخر من كان له في هذه البلاد سمعة وأقيلت به للمهابة صرعة الشيخ محمود بن جوبان وكان باسلا لا يطاق ورجلا مر المذاق ولما جرت الكائنة لأبيه لاذ بالسلطان أزبك قان ثم لم تطل له مدة ولا انفرجت له حلق شدة وأتاه أجله وما استطاع رده ثم قال وعسكر الكرج صليبة دين الصليب وأهل البأس والنجدة وهم للعساكر الهولاكوهية عتاد وذخر ولهم بهم وثوق وعليهم اعتماد ولا سيما لأولاد جوبان وبنيه وبقايا مخلفيه لسالف إحسان

جوبان إليهم ويد مشكورة كانت له عندهم وكان صديقا لملكهم برطلما يغرس عنده الصنائع ويسترعيه الودائع فكان أخص خصيص به وأصدق صديق له يدعوه للمهم ويستصرخ به في الملم ويعده ردءا لعسكره ومزيلا لمنكره وعقب ذلك بأن قال وبرطلما المذكور عهدي به حي يرزق من أجل ملوك النصرانية وأعرق أنساب بني المعمودية وقد كان كاتب الأبواب السلطانية بسبب كنيسة المصلبة وأن ترفع عنها الأيدي المتغلبة فبرزت الأوامر المطاعة بإعادتها عليهم وكانت قد أخذت منهم وهي بظاهر القدس الشريف واتخذت مسجدا وعز هذا على طوائف العلماء والصلحاء وإن لم يعمل هذا سدى قيل إنه كان يحسن لجوبان قصد البلاد ويبذل له عليه الطارف والتلاد وذكر أن رسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى بهجة الحضرة العلية حضرة الملك الجليل الهمام الباسل الضرغام السميدع الكرار الغضنفر المتخت المتوج العالم في ملته العادل في رعيته بقية الملوك الأغريقية سلطان الكرج ذخر ملك البحار والخلج حامي حمى الفرسان وارث آبائه في الأسرة والتيجان سياج بلاد الروم وإيران سليل اليونان خلاصة ملوك السريان بقية أبناء التخوت والتيجان معز النصرانية مؤيد العيسوية مسيح الأبطال المسيحية معظم البيت المقدس بعقد النية عماد بني المعمودية ظهير الباب بابا رومية مواد المسلمين خالصة الاصدقاء المقربين صديق الملوك والسلاطين

وهذا دعاء أورده في التعريف يليق به وهو وحمى ملكه بوده لا بجنده وبوفائه بعهده لا بجيشه ومد بنده وبما عندنا من سجايا الإحسان لا بما يظن أنه من عنده وبما في رأينا الموري لا بما يقدح النار من زنده وربما قيل مصافي المسلمين بدل مواد المسلمين
أما في التثقيف فقد ذكر أن للكرج ملكين أحدهما صاحب تفليس المقدم ذكره وذكر أنه كان أسمه إذ ذاك داود الثاني الحاكم بسخوم وأبخاس وهما مدينتان على جانب بحر القرم من الجانب الجنوبي كما تقدم ذكره في الكلام على المسالك والممالك في الجانب الشمالي وسمى صاحبها إذ ذاك ديادان قال ورسم المكاتبة إلى كل منهما في قطع النصف أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل المكرم الخطير الباسل الهمام المقدس الروحاني فلان عز الأمة المسيحية كنز الطائفة الصليبية فخر دين النصرانية ملك الجبال والكرج والجرجان صديق الملوك والسلاطين وتعريف كل منهما ملك الكرج
ثم قال وقد ذكر القاضي المرحوم شهاب الدين بن فضل الله في المكاتبة المذكورة من التغييرات ما لا حاجة إلى ذكره لأن ما ذكرته هو المستقر في المكاتبة إليه إلى آخر وقت
قلت وذلك لأنه في زمن المقر الشهابي بن فضل الله كان مرعي الجانب بممالأة التتر وانضمامه إلى جوبان كما تقدمت الإشارة إليه فكانت المكاتبة إليه إذ ذاك أعلى وأفخم فلما زالت دولة التتر من أيران وحمدت قسوتهم انحطت رتبة المكاتبة إلى ملك الكرج عن هذه الرتبة ثم قد تقدم في المسالك والممالك في

الكلام على مدينة تفليس أنها من إقليم أران وأنها كانت قد فتحها المسلمون ثم غلب عليها الكرج وملكوها فلو عبر عن صاحبها بمتملك تفليس كما كان يعبر عن المستولي على سيس من الأرمن بمتملك سيس وعن المستولي على قبرس بمتملك قبرس على ما سيأتي ذكره على الأثر إن شاء الله تعالى
الثانية مملكة الأرمن وقاعدتها مدينة سيس قبل فتحها وقد سبق في الكلام على مدينة سيس عند ذكر مضافات حلب في الكلام على الممالك الشامية في المسالك والممالك ذكر حدود هذه البلاد وبيان أحوالها وأنها كانت تسمى في زمن الخلفاء بلاد الثغور والعواصم وأنها كانت بأيدي المسلمين وأهلها نصارى أرمن وعليهم جزية مقررة يؤدونها إلى الملوك إلى أن كانت طاعتهم آخرا لبقية الملوك السلاجقة ببلاد الروم والعمال والشحاني على بلادهم من جهة الملك السلجوقي حتى ضعفت تلك الدولة وسكنت شقاشق تلك الصولة وانتدب بعضهم لقتال بعض وصارت الكلمة شورى والرعية فوضى وشوامخ المعاقل مجالا للتخريب والبلاد المصونة قاصية من الغنم للذيب وطمع رئيس النصارى بهذه البلاد حينئذ فيها واستنسر بغاثه واشتد إنكاثه ورأى سواما لا ذائد عنه فساقه ومتاعا لا حامية له فملأ منه أوساقه فاستولى على هذه البلاد وتملكها وتحيف مواريث بني سلجوق واستهلكها وذكر في مسالك الأبصار أن كبيرهم كان يسمى قليج بن لاون
قال في التعريف وقد أخذ في أخريات الأيام الناصرية يعني محمد بن قلاوون بلاد ما وراء نهر جاهان وأمها آياس وكان قد أخذ بعض

ذلك أيام الملك المنصور لاجين واستنيب به استدمر الكرجي ثم اعيدت إلى الأرمن بمواطأة أستدمر حين قتل لاجين وضعفت الدولة وذكر أنه قرر على الأرمن لملوك الديار المصرية قطيعة مقررة بلغت ألف ألف ومائتي ألف درهم مع أصناف ثم حط لهم منها ثم صاروا بعد ذلك بين طاعة وعصيان وذكر أنه كان لملوك البيت الهولاكوهي عليهم حكم قاهر وله فيهم أمر نافذ قبل ضعف شوكتهم ولين قسوتهم وخلو غابهم من قسورتهم ثم قال ولو تمكنوا من دمشق لمحوا آثارها وأنسوا أخبارها ثم أشار إلى أن ملكها يومئذ صاهر صاحب قبرس ليتقوى به وأنه مع ذلك أوصى سلطاننا صاحب مصر على ابنه بوصية أشهد عليها أهل مملكته وجعل ذلك وسيلة لبقاء دولته وكتب له تقليد عوضا عن أبيه وجهز إليه وألبس التشريف فلبس وقبل الأرض به وخدم قال في التعريف ومن ملك منهم سمي التكفور سمة جرت عليهم منذ كانوا وإلى الآن قال وملكهم ملك عريق من أبناء الملوك يزعم أن أصله من البيت القسطنطيني قال وعندي نظر في دعواهم ذلك إذ كان أهل ذلك البيت هم صليبة الروم ومعتقدهم معتقد الملكانية والبيت التكفوري أرمن

ومعتقدهم معتقد اليعاقبة أو ما يقاربه وبين المعتقدين بعد عظيم وبون ناء وقد ذكر في التعريف أن اسمه ليفور بن أوشير وذكر أن رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان بن فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وهذه أدعية ذكرها في التعريف تناسبه
وفقه الله تعالى لطاعة يكنفه ذمامها ويقيه مصارع السوء التزامها وتجري له بالسلامة في النفس والمال أحكامها
آخر ولا عدم من منننا الكرم الذي أجاره والأمن الذي أمن جاره والأمان الذي وسع عليه وجاره والعفو الذي وقاه في الدنيا قبل الآخرة نارا وقودها الناس والحجارة
آخر أبقاه الله لولاء يبديه وفرض من الخدمة يؤديه ودين في ذمته من الوظيفة يقوم به مع طرائف ما يهديه
آخر أراه الله ما يستدفع به من مواضي السيوف البلاء إذا نزل والسمهري الذي لا يرويه البحر إذا نهل والسيل الذي لا يقف في طريقه شيء ولا يمشي على مهل

آخر صان الله تعالى بمصانعتة من أهل ملته كل قبيل وأمن الله بمداراته من خوف جيوشنا المنصورة كل سبيل وصد عنه بصدق صداقته بعث جنودنا الذي لا يرد وأوله بالفرات وآخره بالنيل
آخر ولا زال يتوقى بطاعته بوادر الأسنة وعوادي الخيل موشحة الأغنة وعيث الجيش حيث لا يبقى إلا أحد الأقسام الثلاثة القتل أو الأسر أو المنة
آخر جنب الله رأيه سوء التعكيس وشر ما يزين لمثله إبليس وأخذ جنائب قلاعه وأول تلك الجنائب سيس
والذي ذكره في التثقيف أنه كان اسمه كستندين بن هتيوم وأن رسم المكاتبة إليه على ما كان استقر عليه الحال إلى حين الفتوح في سنة ست وسبعين وسبعمائة في قطع العادة صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعظم المعزز الهمام الباسل فلان بن فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته تعلمه كذا وكذا وتعريفه متملك سيس قال وكتبت أنا والجماعة إليه بهذه المكاتبة مرات
قلت وقد بطلت هذه المكاتبة بفتح سيس حين فتحها قشتمر المنصوري نائب حلب في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في التاريخ المقدم ذكره واستقرت نيابة في رتبة نيابة طرابلس وما في معناها ثم استقرت تقدمة عسكر في مضافات حلب على ما تقدم ذكره في المسالك والممالك هناك وإنما كان يقال له متملك سيس دون ملك سيس لما تقدم من أنها كانت أولا بيد المسلمين ثم وثب عليها رئيس الأرمن المقدم ذكره فملكها من أيدي المسلمين ولله الحمد في إعادتها إلى يد المسلمين واستقرارها في جملة الممالك الإسلامية

المقصد الثاني في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد المغرب من جزيرة
الاندلس وما والاها مما هو شمالي الأندلس من الأرض الكبيرة
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك من المقالة الثانية أن المسلمين كانوا قد افتتحوا جزيرة الأندلس في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنها أقامت بأيدي المسلمين إلى رأس الستمائة من الهجرة ولم يبق منها بيد المسلمين إلا غرناطة وما معها من شرق الأندلس عرض ثلاثة أيام في طول عشرة أيام وباقي الجزيرة على سعتها بيد أهل الكفر من نصارى الفرنج وأن المستولي على ذلك منهم أربعة ملوك
الأول صاحب طليطلة وما معها ولقبه الأذفونش سمة على كل من ملك منهم وعامة المغاربة يسمونه الفنش وله مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طليطلة وقشتالة وإشبيلية وبلنسية وقرطاجنة وجيان وجليقية وسائر أعمالها
الثاني صاحب أشبونة وما معها وتسمى البرتغال ومملكته صغيرة واقعة في الجانب الغربي عرضا له تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس
الثالث صاحب برشلونه وأرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة

الرابع صاحب بيرة وهي بين عمالات قشتالة وعمالات برشلونة وقاعدته مدينة ينبلونة ويقال لملكها ملك البشكنس ووراء هؤلاء بالأرض الكبيرة صاحب إفرنسة التي هي أصل مملكة الفرنج كما تقدم في الكلام على المسالك والممالك وملكها يقال له الريد إفرنس قال في التعريف وهو الملك الكبير المطاع وإنما الأذفونش هو صاحب السطوة وذكره أشهر في المغرب لقربه منهم وبعد الريد إفرنس
والمكاتب منهم ملكان
الأول الأذفونش المبدأ بذكره قال في التعريف وبيده جمهور الأندلس وبسيوفه فنيت جحاججها الشمس وهو وارث ملك لذريق ولذريق هذا الذي أشار إليه في التعريف هو الذي انتزعها المسلمون من يده حين الفتح في صدر الإسلام قال صاحب التعريف وحدثني رسول الأذفونش بتعريف ترجمان موثوق به من أهل العدالة يسمى صلاح الدين الترجمان الناصري أن الأذفونش من ولد هرقل المفتتح منه الشام وأن الكتاب الشريف النبوي الوارد على هرقل متوارث عندهم مصون يلف بالديباج والأطلس ويدخر أكثر من ادخار الجواهر والأعلاق وهو إلى الآن عندهم لا يخرج ولا يسمح بإخراجه ينظر فيه بعين الإجلال ويكرمونه غاية الكرامة بوصية توارثها منهم كابر عن كابر وخلف عن سلف
قال وكان الأذفونش ممن قوي طمعه في بلاد مصر والشام في أخرى ليالي

الأيام الفاطمية ثم قال ومكاتباته متواصلة والرسل بيننا وبينه ما تنقطع على سوء مقاصده وخبث سره وعلانيته أهدى مرة إلى السلطان سيفا طويلا وثوبا بندقيا وطارقة طويلة دقيقة تشبه النعش وفي هذا ما لا يخفى من استفتاح باب الشر والتصريح المعروف بالكناية فكان الجواب أن أرسل إليه حبل أسود وحجر أي إنه كلب إن ربط بالحبل وإلا رمي بالحجر
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه أطال الله بقاء الحضرة السامية حضرة الملك الجليل الهمام الأسد الباسل الضرغام الغضنفر بقية سلف قيصر حامي حماة بني الأصفر الممنع السلوك وارث لذريق وذراري الملوك فارس البر والبحر ملك طليطلة وما يليها بطل النصرانية عماد بني المعمودية حامل راية المسيحية وارث التيجان شبيه مريحنا المعمدان محب المسلمين صديق الملوك والسلاطين الأذفنش سرقلان

دعاء وصدر يليقان به
وكفاه شر نفسه وجناه ثمر غرسه ووقاه فعل يوم يجر عليه مثل أمسه وأراه مقدار النعمة بالبحر الذي تمنع بسوره وتوقى بترسه أصدرناها إليه وجند الله لا يمنعهم مانع ولا يضر بهم في الله ما هو جامع ولا يبالون أكتائب يخلفونها أم كتبا وجداول تعرض لهم أم بحار لا تقطعها إلا وثبا

آخر ووقاه بتوفيقه تلاف المهج وكفاه بأس كل أسد لم يهج وحماه من شر فتنة لا يبل البحر الذي تحصن به ما يعقده غبارها من الرهج
أصدرناها إليه وأسنتنا لا ترد عن نحر وأعنتنا لا تصد بسور ولو ضرب من وراء البحر
قلت وينبغي أن تكون في قطع النصف
الثاني صاحب برجلونة ووهم في التثقيف فجعله هو الأذفونش المقدم ذكره وقال إنه يلقب أتفونش دون حاكم ثم قال وهم طائفة الكيتلان ورسم المكاتبة إليه في قطع النصف بقلم الثلث الكبير أدام الله تعالى بهجة الحضرة الموقرة الملك الجليل المكرم المبجل الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام الريد أرغون فلان نصير النصرانية فخر الامة العيسوية ذخر الملة المسيحية حامي الثغور متملك السواحل والبحور عماد المعمودية ظهير بابا رومية ملاذ الفرسان جمال التخوت والتيجان صديق الملوك والسلاطين صاحب برجلونة
قال في التعريف أما الريد فرنس فلم يرد له إلا رسول واحد أبرق وأرعد وجاء يطلب بيت المقدس على أنه يفتح له ساحل قيسارية أو

عسقلان ويكون للإسلام بهما ولاة مع ولاته والبلاد مناصفة ومساجد المسلمين قائمة وإدارات قومتها دارة على أنه يبذل مائتي ألف دينار تعجل وتحمل في كل سنة نظير دخل نصف البلاد التي يتسلمها على معدل ثلاث سنين ويطرف في كل سنة بغرائب التحف والهدايا وحسن هذا كتاب من كتبه القبط كانوا صاروا رؤوسا في الدولة بعمائم بيض وسرائر سود وهم أعداء زرق يجرعون الموت الأحمر وعملوا على تمشية هذا القصد وإن سرى في البدن هذا السم وتطلب له الدرياق فعز وقالوا هذا مال جليل معجل ثم ماذا عسى أن يكون منهم وهم نفطة في بحر وحصاة في دهناء
قال وبلغ هذا أبي رحمه الله فآلى أن يجاهر في هذا ويجاهد بما أمكنه ويدافع بمهما قدر عليه ولولا لاوى السلطان على رأيه إن أصغى إلى أولئك الأفكة وقال لي تقوم معي وتتكلم ولو خضبت منا ثيابنا بالدم وراسلنا قاضي القضاة القزويني الخطيب فأجاب وأجاد الاستعداد فلما بكرنا إلى الخدمة وحضرنا بين يدي السلطان بدار العدل حضرت الرسل وكان بعض أولئك الكتبة حاضرا فاستعد لأن يتكلم وكذلك استعدينا نحن فما استتم كلامهم حتى غضب السلطان وحمي غضبه وكاد يتضرم عليهم حطبه ويتعجل لهم عطبه وأسكت ذلك المنافق بخزيته وسكتنا نحن اكتفاء بما بلغه السلطان مما رده بخيبته فصد ذلك الشيطان وكفى الله المؤمنين القتال وردت

على راميها النصال وكان الذي قاله السلطان والكم أنتم عرفتم ما لقيتم نوبة دمياط من عسكر الملك الصالح وكانوا جماعة أكراد ملفقة مجمعة وما كان بعد هؤلاء الترك وما كان يشغلنا عنكم إلا قتال التتر ونحن اليوم بحمد الله تعالى صلح نحن وإياهم من جنس واحد ما يتخلى بعضه عن بعض وما كنا نريد إلا الابتداء فأما الآن فتحصلوا وتعالوا وإن لم تجوا فنحن نجيكم ولو أننا نخوض البحر بالخيل والكم صارت لكم ألسنة تذكرون بها القدس والله ما ينال أحد منكم منه ترابة إلا ما تسفيه الرياح عليه وهو مصلوب وصرخ فيهم صرخة زعزعت قواهم وردهم أقبح رد ولم يقرأ لهم كتابا ولا رد عليهم سوى هذا جوابا
قلت فإن اتفق أن يكتب إلى الريد إفرنس المذكور فتكون المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى الأذفونش أو أجل من ذلك
واعلم أن الريد فرنس هو الذي قصد الديار المصرية بمواطأة الأذفونش صاحب طليطلة المقدم ذكره وملكوا دمياط وكانت الواقعة بينهم في الدولة الأيوبية في أيام الصالح أيوب وأخذ الريد فرنس وأمسك وحبس بالدار التي كان ينزلها فخر الدين بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء بالمنصورة ورسم عليه الطواشي صبيح ثم نفس عنه وأطلق لأمر قرر عليه وقال في ذلك جمال الدين بن مطروح أبياته المشهورة وهي سريع

( قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصوح )
( أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر يا طبل ريح )
( وكل أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح )
( خمسين ألفا لا ترى منهم ... غير قتيل أو اسير جريح )
( وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح )
( اجرك الله على ما جرى ... أفنيت عباد يسوع المسيح )
( فقل لهم إن اضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح )
( دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح )

المقصد الثالث في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الجنوبي
والمكاتب بهذا الجانب منهم ملكان

الأول صاحب أمحرا ملك ملوك الحبشة ولقبه عندهم حطي بفتح الحاء وكسر الطاء المشددة المهملتين سمة على كل من ملك عليهم منهم
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه نصراني يعقوبي يحكم على تسعة وتسعين ملكا منهم سبعة مسلمون وهم صاحب وفات وصاحب دوارو وصاحب أرابيني وصاحب شرحا وصاحب هدية وصاحب بالي وصاحب دارة وأنه لولا أن معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصح تعمد معمودي إلا باتصال من البطريرك وأن كرسي البطريرك كنيسة الإسكندرية فيحتاج إلى أخذ مطران بعد مطران من عنده لشمخ بأنفه عن المكاتبة لكنه مضطر إلى ذلك
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه
أطال الله بقاء الحضرة العالية الملك الجليل الهمام الضرغام الأسد الغضنفر الخطير الباسل السميدع العالم في ملته العادل في مملكته المنصف لرعيته المستمع لما يجب في أقضيته عز الملة النصرانية ناصر الملة المسيحية ركن الأمة العيسوية عماد بني المعمودية حافظ البلاد الجنوبية متبع الحواريين والأحبار الربانيين والبطاركة القدسين معظم كنيسة صهيون أوحد ملوك اليعقوبية صديق الملوك والسلاطين ويدعى له دعاء مفخما يليق به ولا يعلم له
وهذا دعاء وصدر يليقان به ذكرهما في التعريف

وأظهر فضله على من يدانيه من كل ملك هو بالتاج معتصب ولكف اللجاج بالعدل منتصب ولقطع حجاج كل معاند بالحق معتصر أو للحق مغتصب
صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته العلية ومن حضرة القدس مسراها ومن أسرة الملك القديم سراها وعلى صفاء تلك السريرة الصافية ترد وإن لم يكن بها غليل وإلى ذلك الصديق الصدوق المسيحي تصل وإن لم تكن بعثت إلا من تلقاء الخليل
ولم يذكر القطع الذي يكتب إليه فيه أما في التثقيف فإنه ذكر أنه يكتب إليه في قطع الثلث بقلم التوقيعات ما نصه
أطال الله بقاء الملك الجليل المكرم الخطير الأسد الضرغام الهمام الباسل فلان بن فلان العالم في ملته العادل في مملكته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان نجاشي عصره سند الملة المسيحية عضد دين النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه صاحب الحبشة
قال فإن كانت المكاتبة جوابا صدر الكتاب إليه بما صورته ورد كتاب الملك الجليل ويذكر بقية المكاتبة ثم قال وهذه المكاتبة هي التي استقر عليها الحال عندما كتب جوابه في التاسع من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
وهذه نسخة جواب كتاب ورد عن صاحب الحبشة من سلطنة الملك

المظفر صاحب اليمن على الملك الظاهر بيبرس رحمه الله بطلب مطران يقيمه لهم البطرك مما كتب به القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله وهي
ورد كتاب الملك الجليل الهمام العادل في ملته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان الحاكم على ما لهم من البلدان نجاشي عصره صديق الملوك والسلاطين سلطان الأمحرا حرس الله نفسه وبنى على الخير أسه فوقفنا عليه وفهمنا ما تضمنه فأما طلب المطران فلم يحضر من جهة الملك أحد حتى كنا نعرف الغرض المطلوب وإنما كتاب السلطان الملك المظفر صاحب اليمن ورد مضمونه أنه وصل من جهة الملك كتاب وقاصد وأنه أقام عنده حتى يسير إليه الجواب وأما ما ذكره من كثرة عساكره وأن من جملتها مائة ألف فارس مسلمين فالله تعالى يكثر في عساكر الإسلام وأما وخم بلاده فالآجال مقدرة من الله تعالى ولا يموت أحد إلا بأجله ومن فرغ أجله مات
واعلم أن العادة جرت أنه كلما كتب إليه كتاب عن الأبواب السلطانية كتب

قرينه كتاب عن البطريرك قال في التعريف ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة وإذا كتب كتابا فأتى ذلك الكتاب أول مملكته خرج عميد تلك الارض فحمل الكتاب على رأس علم ولا يزال يحمله بيده حتى يخرجه من أرضه وأرباب الديانة في تلك الأرض كالقسوس والشمامسة حوله مشاة بالأدخنة فإذا خرجوا من حد أرضهم تلقاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض بعد أرض حتى يصلوا إلى أمحرا فيخرج صاحبها بنفسه ويفعل مثل ذلك الفعل الأول إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبي الملك ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتى ينادى للكتاب ويجتمع له يوم الأحد في الكنيسة ويقرأ والملك واقف ثم لا يجلس مجلسه حتى ينفذ ما أمره به
الثاني صاحب دنقلة قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن دنقلة هي قاعدة مملكة النوبة وأنها كانت في الأصل يكون ملكها من نصارى النوبة ومعتقدهم معتقد اليعاقبة وأنه ربما غلب عليها بعض المسلمين من العرب فملكها وقد تقدم ذكر المكاتبة إلى صاحبها إذا كان مسلما أما إذا كان نصرانيا فقد ذكر في التثقيف أن المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى النائب الجليل المبجل الموقر الأسد الباسل فلان مجد الملة المسيحية كبير الطائفة الصليبية غرس الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه النائب بدنقلة

المقصد الرابع في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الشمالي من الروم
والفرنجة على اختلاف أجناسهم وجميعهم معتقدهم معتقد الملكانية
وجملة ما ذكر من المكاتبات في التعريف والتثقيف اثنتا عشرة مكاتبة

الأولى مكاتبة الباب وهو بطريرك الملكية القائم عندهم مقام الخليفة والعجب من جعله في التثقيف بمنزلة القان عند التتار والقان إنما هو بمنزلة ملكهم الأكبر والباب ليس من هذا القبيل بل إليه أمر الديانة حتى في التحليل والتحريم
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البطاركة أنهم كانوا يسمون القسيس ونحوه أبا ويسمون البطريرك أبا فأحبوا أن يأتوا على البطريرك بسمة له تميزه عن غيره من الآباء فاختاروا له لفظ الباب وأنه يقال فيه الباب والبابا ومعناه أبو الآباء ثم لما غلب الروم على المملكة وعلت كلمتهم على اليعاقبة خصوا اسم الباب ببطريركهم فصار ذلك علما عليه ومقره مدينة رومية على ما تقدم هناك ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة السامية الباب الجليل القديس الروحاني الخاشع العامل باب رومية عظيم الملة المسيحية قدوة الطائفة العيسوية مملك ملوك النصرانية حافظ الجسور والخلجان ملاذ البطاركة والأساقفة والقسوس والرهبان تالي الإنجيل معرف طائفته التحريم والتحليل صديق الملوك والسلاطين والدعاء وصدرت هذه المكاتبة
قال في التثقيف هذا ما وجدته مسطورا ولم يكتب إليه شيء في مدة مباشرتي ولا أدري في أي شيء كان يكتب إليه ولا عرفت تعريفه ولم يتعرض له المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف جملة ورأيت في بعض الدساتير أنه لم يكتب إليه إلا مرة واحدة وأن الكتابة إليه في قطع النصف مع المكاتبة المتقدمة
الثانية المكاتبة إلى ملك الروم صاحب القسطنطينية قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها صارت آخرا إلى بني الأشكري فصار الأشكري

سمة لهم ملكا بعد ملك قال في التعريف وقد كان قبل غلبة الفرنج ملكا جليلا يرجع إليه من عباد الصليب سائر الملوك ويفتقر إليه منهم الغني والصعلوك وكتب التواريخ مشحونة بأخباره وذكر وقائعه وآثاره وأول من ألبس هامته الذلة وأصار جمعه إلى القلة هارون الرشيد حين أغزاه أبوه المهدي إياه فأزال الشمم من أنفه وثنى جامح عطفه فأما غزوات مسلمة بن عبد الملك ويزيد بن معاوية فإنها لم تبلغ فيه حد النكاية ولا أعظمت له الشكاية قال وهذا الملك الآن كان السلطان أزبك قد كاد يبتز تاجه ويعقم نتاجه ويخل من جانب البحر المغلق رتاجه فاحتاج إلى مداراته وبذل له نفائس المال وصحب أيامه على مضض الاحتمال وكانت له عليه قطيعة مقررة وجملة مال مقدرة ثم عميت علينا بعده منهم الأخبار وتولى بالدنيا الإدبار
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة العالية المكرمة حضرة الملك الجليل الخطير الهمام الأسد الغضنفر الباسل الضرغام المعرق الأصيل الممجد الأثير الأثيل البلالاوس الريدأرغون ضابط الممالك الرومية جامع البلاد الساحلية وارث القياصرة القدماء محيي طرق الفلاسفة والحكماء العالم بأمور دينه العادل في ممالكة معز النصرانية مؤيد المسيحية أوحد العيسوية مخول التخوت والتيجان حامي البحار والخلجان آخر ملوك اليونان ملك ملوك السريان عماد بني المعمودية رضي الباب بابا رومية ثقة الأصدقاء صديق المسلمين أسوة الملوك والسلاطين ثم يكتب اسمه هنا ويدعى له ولم يذكر قطع الورق الذي يكتب إليه فيه
وهذا دعاء وصدر يليقان به أوردهما في التعريف
وجعل له من السلامة يدا لا تزعزعه من أوطانه ولا تنزعه من سلطانه

ولا توجب له إلا استقرارا لتيجانه واستمرارا بملكه على ما دارت على حصونه مناطق خلجانه ولا برحت ثمار الود تدنو من أفنائه ومواثيق العهد تبويء له ما يسر به من إشادة معالم سلفه وشد بناء يونانه أصدرناها وشكره كجاره البحر لا يوقف له على آخر ولا يوصف مثل عقده الفاخر ولا يكاثر إلا قيل أين هذا القليل من هذا الزاخر
آخر له ونظم سلكه وحمى بحسن تأتيه ملكه وكفى محبه هلكه وأجرى بوده ركائبه وفلكه ووقاه كذب الكاذب وكف إفكه وأشهد على وده الليل والنهار وما جن كافور هذا كافوره ولا مسك هذا مسكه
قلت هذا الدعاء والصدر وإن أورده في التعريف في جملة الأدعية له والصدور فإنه منحط الرتبة عن المكاتبة السابقة اللهم إلا أن يخص هذا بحالة منابذة أو تهديد ونحو ذلك
وذكر في التثقيف أن الذي استقر عليه الحال في المكاتبة إليه أنه يكتب إليه في قطع النصف ما نصه ضاعف الله تعالى بهجة حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الأسد الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام فلان العالم في ملته العدل في أهل مملكته عز الأمة المسيحية كبير الطائفة الصليبية جمال بني المعمودية صمصام الملوك اليونانية حسام المملكة الماكصونية مالك اليرغلية والاملاحية صاحب أمصار الروس والعلان معز اعتقاد الكرج والسريان وارث الأسرة والتيجان الحاكم على

الثغور والبحور والخلجان الضوقس الأنجالوس الكمنينوس البالالوغس صديق الملوك والسلاطين ثم الدعاء صدرت هذه المكاتبة إلى حضرته تشكر موالاته ومن هذه المادة وتوضح لعلمه السعيد
ورأيت في بعض الدساتير أنه يختمها بقوله فيحيط بذلك علما والله تعالى يديم بهجته
قال في التثقيف وتعريفه ضابط مملكة الروم وذكر أن هذه المكاتبة هي المتداولة بديوان الإنشاء بين كتابه وأنه هو كتب بها إليه ولم يتعرض لإيراد المكاتبة التي ذكرها في التعريف بل أحال في معرفتها لمن أرادها على النظر فيه
الثالثة المكاتبة إلى حكام جنوة وهم جماعة متفاوتو المراتب وهم البودشطا والكبطان والمشايخ ورسم المكاتبة إليهم على ما ذكره في التثقيف في قطع الثلث
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة البودشطا والكبطان الجليلين المكرمين الموقرين المبجلين الخطيرين فلان وفلان والمشايخ الأكابر المحترمين أصحاب الرأي والمشورة الكمنون بجنوة أمجاد الأمة المسيحية أكابر دين النصرانية أصدقاء الملوك والسلاطين ألهمهم الله تعالى رشدهم وقرن بالخير قصدهم وجعل النصيحة عندهم تتضمن إعلامهم كذا وكذا وتعريفهم الحكام بجنوة
قال في التثقيف والذي استقر عليه الحال آخرا في مفتتح سنة سبع وستين وسبعمائة إبطال المكاتبة إلى البودشطا والكبطان بحكم أنهما أبطلا واستقر ت مكاتبة الدوج مكانهما بما نصه

صدرت هذه المكاتبة إلى الدوج الجليل المكرم المبجل الموقر الخطير فلان والمشايخ والباقي على ما تقدم ذكره قلت هكذا هو في التثقيف بدال وواو وجيم والمعروف إبدال الجيم في آخره كافا على ما سيأتي ذكره في الكلام على صاحب البندقية على الأثر
واعلم أنه قد ذكر في التثقيف أنه كان لصاحب جنوة مقدم على الشواني بقبرس وقيل إنه كان بالماغوصة وأنه كتب إليه في رمضان جوابا عما ورد عنه في قطع العادة ما نصه
وردت مكاتبة المحتشم الجليل المبجل الموقر الأسد الباسل فلان مجد الملة المسيحية كبير الطائفة الصليبية غرس الملوك والسلاطين ثم الدعاء وتعريفه مقدم الشواني الجنوية بقبرس
الرابعة المكاتبة إلى صاحب النبدقية قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال عندما كتب إليه جوابه في شهر رجب سنة سبع وستين وسبعمائة وهو يومئذ مركر يادو في قطع الثلث
وردت مكاتبة حضرة الدوج الجليل المكرم الخطير الباسل الموقر المفخم مركريادو فخر الملة المسيحية جمال الطائفة الصليبية دوج البندقية والمانسية دوج كرال دين بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه صاحب البندقية ثم ذكر بعد ذلك نقلا عن خط القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب في الجواب إلى دوك البنادقة
وردت مطالعة الدوك الجليل المكرم المبجل الموقر البطل الهمام الضرغام الغضنفر الخطير مجد الملة النصرانية فخر الأمة العيسوية عماد بني المعمودية معز بابا رومية صديق الملوك والسلاطين دوك البنادقة وديارقة والروسا والإصطنبولية ثم قال ولم يذكر تعريفه ولا قطع الورق الذي يكتب إليه فيه ثم نقل عنه أيضا أن المكاتبة إلى دوك البندقية هذه المكاتبة إلى حضرة المحتشم الجليل المبجل الموقر المكرم المفخم الباسل

الضرغام فلان عز الأمة المسيحية جمال الطائفة العيسوية ذخر الملة الصليبية صديق الملوك والسلاطين ثم قال هكذا رأيته من غير ذكر تعريفه ولا القطع الذي يكتب إليه فيه قال وما يبعد أنه غير الأول ولم يزد على ذلك
قلت ومقتضى ما ذكره من جميع ذلك أن الدوك غير الملك نفسه على ان المكاتبة الأولى والثانية في الجواب متقاربتان أما المكاتبة الثالثة فمنحطة عن الأولتين على أنه قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البندقية نقلا عن ابن سعيد أن ملك البنادقة يقال له الدوك بضم الدال المهملة وواو وكاف في الآخر وهذا مما يحتاج إلى تحرير فإن كان الدوك هو الملك فتكون المكاتبة إليه اختلفت باختلاف الحال أو باختلاف غرض الكتاب أو عدم اطلاعهم على حقيقة الأقدار والوقوف مع ما يلقى إليهم من المزاحمة في كل وقت وهو الظاهر
الخامسة المكاتبة إلى صاحب سنوب من سواحل بلاد الروم قبل أن تفتح ويستولي عليها التركمان قال في التعريف وهي على ضفة الخليج القسطنطيني وملكها رومي من بيت الملك القديم من أقارب صاحب القسطنطينية قال ويقال إن أباه أعرق من آبائه في السلطان قال ولكن ليس

ملكه بكبير ولا عدده بكثير ويكون بينه وبين أمراء الأتراك حروب يكون في أكثرها المغلوب
وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل متملك سيس فتكون على ما ذكره في مكاتبة متملك سيس
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وهذا دعاء يليق به ذكره في التعريف
وكفاه شر ما ينوب وروح خاطره في الشمال بريا ما يهب من الجنوب ووقاه سوء فعل يورث الندم وأول ما يقرع السن سنوب
السادسة المكاتبة إلى صاحب البلغار والسرب قد تقدم في الكلام على المكاتبات إلى ملوك الإسلام بالجانب الشمالي نقلا عن التعريف ما يقتضي أن ملكها مسلم وذكرت مكاتبته الإسلامية هناك وعلى ذلك اقتصر في التعريف وتقدم النقل عن مسالك الأبصار انها صارت إلى ملوك النصرانية وعليه اقتصر في التثقيف وهو المراد هنا
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف نقلا عن ابن النشائي في قطع الثلث ما نصه

أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الهمام الضرغام الباسل الدوقس الانجالوس الكمنينوس فلان عماد النصرانية مالك السرب والبلغار فخر الأمة العيسوية ذخر الملة المسيحية فارس البحور حامي الحصون والثغور والدعاء اصدرنا هذه المكاتبة وتعريفه صاحب البلغار
واعلم أنه في التثقيف بعد أن أورد المكاتبة المتقدمة لصاحب السرب والبلغار نقلا عن ابن النشائي ذكر نقلا عنه ايضا أن المكاتبة إلى صاحب السرب في قطع الثلث نظير متملك سيس فتكون المكاتبة إليه على ما تقدم أنه الذي استقر عليه الحال في المكاتبة لمتملك سيس
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته تعلمه كذا وكذا وتعريفه صاحب السرب
ثم قال ولم أدر هل يجتمعان لشخص واحد تارة فيكون بهما اثنان تارة وواحد تارة أم لا ثم قال على انه لو كان الأمر كذلك لكان يتعين أن يذكر مكاتبة صاحب البلغار وحده مفردا كما ذكر مكاتبة صاحب السرب وحده مفردا
قلت كلا الأمرين محتمل فيجوز انهما كانا مجتمعين لواحد وأنه كتب تعريفه بالإضافة إلى أحدهما استغناء به عن الاخر أو انه كتب إلى صاحب السرب بمفرده ولم يحط رتبته في قطع الورق عن رتبة من اجتمعا له ولا يلزم من ذلك أنه كان يكتب لصاحب البلغار بمفرده لاحتمال انه لم يكتب إليه شيء حينئذ وبالجملة فهذا أمر راجع إلى النقل
السابعة المكاتبة إلى ملك رودس قال في التعريف وهي جزيرة تقابل شطوط البلاد الرومية قال وأهلها في البحر حرامية إذا ظفروا بالمسلم

أخذوا ماله وأحيوه وباعوه أو أستخدموه وإذا ظفروا بالفرنجي أخذوا ماله وقتلوه
ورسم المكاتبة إليه مثل متملك سيس إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية وتختصر بعض القابه لأنه دونه وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة إليه
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل السميدع فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية صديق الملوك والسلاطين أو نحو ذلك على أنه في التعريف لم يذكر في المكاتبة إلى متملك سيس معز بابا رومية فلم يكن ليحتاج أن يقول إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية
وهذا دعاء يليق به ذكره في التعريف وهو
قدم الله له الأعذار وكفاه قوامع الإنذار وحذره عاقبة البغي قبل أن لا ينفع الحذار
آخر فك الله من وثاقه كل مأسور وأقال كل غراب له من الرجوع وجناحه مكسور وعصمه بالتوبة مما اقترف لا بالبحر ولو أنه سبعة أبحر وسور مدينته ولو أنه مائة سور
الثامنة المكاتبة إلى صاحب جزيرة المصطكى قال في التعريف وهي جزيرة صغيرة لا تبعد مدى من الإسكندرية وصاحبها صغير لا في مال ولا في رجال وجزيرته ذات قحط لا يطر شاربها بزرع ولا يدر حالبها بضرع إلا أنها تنبت هذه الشجرة فتحمل منها وتجلب وترسى السفن عليها بسببها وتطلب قال وفي ملكها خدمة لرسلنا إذا ركبوا ثبج البحر وتجهيز لهم إلى حيث

أرادوا وتنجيز لهم إذا توجهوا وإذا عادوا ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كالمكاتبة إلى صاحب جزيرة رودس المتقدمة الذكر آنفا وهي
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل إلى آخر ما تقدم
وهذه أدعية تليق به ذكرها في التعريف دعاء من ذلك وفقه الله لطاعته وانهضه من الولاء بقدر طاقته
آخر أطاب الله قلبه وأدام إلينا قربه
آخر لا زال إلى الطاعة يبادر وعلى الخدمة انهض قادر ومكانه تزم إليه ركائب السفن بكل وارد وصادر
التاسعة المكاتبة إلى متملك قبرس وإنما قيل له متملك قبرس لأنها كانت قد فتحها المسلمون ثم تغلب عليها النصارى وملكوها فقيل لمن غلب عليها متملك ولم يقل له ملك وذكر في التثقيف عن القاضي ناصر الدين بن النشائي أن المكاتبة إليه مثل متملك سيس ولم يزد على ذلك وحينئذ فتكون المكاتبة إليه مثل ما استقر عليه الحال في المكاتبة إلى متملك سيس في قطع العادة
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته وتعريفه متملك قبرس
قال صاحب التثقيف ولم أقف على مكاتبة إليه ابتداء ولا جوابا سوى ذلك إلا أنه كتب إليه عن الأمير الجاي اليوسفي عند وقوع الصلح في سنة اثنتين وستين وسبعمائة يعني عندما كان الجاي أتابك العساكر المنصورة
العاشرة المكاتبة إلى ملك مونفراد ذكر في التثقيف أنه كان بها ابن

ملك إصطنبول وأنه كتب إليه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
أصدرناها إلى حضرة الملك الجليل المكرم البطل الهمام الأسد الضرغام فلان مجد النصرانية فخر العيسوية عماد بني المعمودية جمال الطائفتين الرومية والفرنجية ملك مونفراد وارث التاج معز الباب أدام الله بقاه وحفظه ووقاه وأورثه من أبيه تخته وتاجه وولاه تتضمن إعلامه كذا وكذا ثم قال هذا ما وجدته مسطورا في رسم المكاتبة المذكورة ولم يكتب إليه شيء في مدة مباشرتي ولم أدر ما تعريفه ولا في أي قطع يكتب إليه قال والذي يظهر أنه يكتب إليه في قطع العادة وأن يكون تعريفه ملك مونفراد
الحادية عشرة المكاتبة إلى صاحبة نابل وقد ذكر في التثقيف أنه كان اسم صاحبتها جوانا وأنه كتب إليها في أواخر سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ما صورته
صدرت هذه المكاتبة إلى الملكة الجليلة المكرمة المبجلة الموقرة المفخمة المعززة فلانة العالمة في ملتها العادلة في مملكتها كبيرة دين النصرانية بصيرة الأمة العيسوية حامية الثغور صديقة الملوك والسلاطين ثم الدعاء تتضمن إعلامها وتعريفها صاحبة نابل ولم يذكر قطع الورق لمكاتبتها ولا خفاء أنه يكتب إليها في قطع العادة لصغر مقامها
قلت فإن ولي مملكتها رجل فينبغي أن يكتب إليه بهذه المكاتبة على التذكير أو أعلى من ذلك لميزة الرجال على النساء وهؤلاء جملة من تعرض إلى مكاتبته في التعريف والتثقيف من ملوك الكفر فإن اتفقت المكاتبة إلى أحد سواهم فليقس على من هو مثله منهم ثم قد ذكر في التثقيف القنصل بكفا وذكر أنها جارية في حكم جنوة وأنه لم يكتب إليه شيء عن المواقف الشريفة ولا خفاء في ذلك فإن مقام القنصل دون أن يكاتب عن الأبواب السلطانية

الفصل الخامس
من الباب الثاني من المقالة الرابعة في الكتب الواردة على الأبواب الشريفة السلطانية بالديار المصرية ممن جرت العادة بمكاتبته إليها من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك المكاتبة عن هذه المملكة وهي نوعان
النوع الاول المكاتبات الواردة عن ملوك المسلمين وهي على قسمين
القسم الأول في الكتب الواردة عن أهل هذه المملكة بالديار المصرية والبلاد الشامية ممن يؤهل للمكاتبة إلى الأبواب السلطانية من النواب وغيرهم من الأمراء وأرباب الأقلام من الوزراء والعلماء ومن في معناهم وهم على ضربين
الضرب الأول في المطالعات الواردة عن أكابر أهل الدولة بالديار المصرية
والبلاد الشامية من النواب ومن في معناهم
قد جرت عادة من يكتب إلى الأبواب السلطانية من أهل هذه المرتبة أن يكتب جميعهم كتبهم في قطع العادة فإن كان بالديار المصرية فمن الورق البلدي وإن كان بالبلاد الشامية فمن الورق الشامي وجميع ذلك في الورق الأبيض إلا نائب الشام ونائب الكرك فإنهما قد جرت العادة فيهما بأنهما بكتبان إلى الأبواب السلطانية في الورق الأحمر الشامي شيء اختصا به دون سائر أهل المملكة

ثم قد ذكر في عرف التعريف أن الملوك لا يكتب إليهم إلا يقبل الأرض وينهي ويختم بما صورته طالع المملوك بذلك وللابراء العالية مزيد العلو أو أنهى المملوك ذلك وللآراء العالية مزيد العلو والعنوان الملكي الفلاني مطالعة المملوك فلان وحينئذ فالذي جرت به العادة في ذلك أن يبتديء الكاتب فيكتب فهرست الكتاب في رأس لدرج من جهة وجهه في عرض إصبع في الجانب الأيمن إلى الأبواب الشريفة وفي الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا ثم يقلب الدرج ويكتب في ظاهرة بعد ترك ما كتب الفهرست في باطنه العنوان فيكتب الملكي الفلاني في أول العنوان ومطالعة المملوك فلان في آخره ثم بعد ذلك يقلب الدرج ويترك وصلا أبيض ويكتب البسملة في رأس الوصل الثاني بعد خلو هامش من الجانب الأيمن ثم يكتب تحت البسملة ملاصقا لها ما صورته الملكي الفلاني بحيث يكون آخر الملكي الفلاني مسامتا لجلالة البسملة بلقب السلطان كأنه ينسب نفسه إلى سلطانه ثم يكتب صورة المكاتبة على سمت البسملة في سطر ملاصق للملكي الفلاني يقبل الأرض ويني كذا وكذا فإن كان ابتداء كتب وينهي أن الأمر كذا وكذا ويأتي بمقاصد المكاتبة فإن كانت فصلا واحدا ذكره وختم الكتاب بآخر كلامه وإن كان الكتاب مشتملا على فصول أتى بالفصل الأول إلى آخره ثم يخلى بياضا قدر خمسة أسطر ثم يسرد الفصول بعد ذلك فصلا فصلا يخلي بين كل فصلين قدر خمسة أسطر ايضا ويقول في اول كل فصل المملوك ينهي كذا وكذا وإذا أتى على ذكر السلطان قال خلد الله سلطانه أو خلد الله ظله أو أتى على ذكر المرسوم الشريف قال شرفه الله وعظمه ونحو ذلك وإذا سأل في أمر قال والمملوك يعرض على الآراء الشريفة كذا وكذا أو إن اقتضت الآراء الشريفة كذا فلها مزيد العلو ولا يقال يسأل الصدقات الشريفة إلا في أمر جليل أو شيء مهم والعرض أبلغ في الأدب ولا يلقب أحدا بالجناب والمجلس ومجلس الأمير وإذا ذكر كبيرا في الدولة كالنائب الكافل ونائب الشام أو نائب حلب أو أمير كبير قال إن مملوك مولانا السطان خلد الله ملكه الأمير فلان الدين فلان

الناصري مثلا كافل الممالك الشريفة أو نائب السلطنة الشريفة بالمملكة الشامية المحروسة أو كافل المملكة الشامية المحروسة أو نائبب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة أو الأمير فلان الدين فلان الناصري مثلا أو القاضي فلان الدين او ناظر الجيوش المنصورة بالأبواب الشريفة وما يجري هذا المجرى ولا يدعى في المطالعة لأحد وإذا انتهت الفصول إلى آخرها قال وقد جهز المملوك بمطالعته هذه مملوكه فلانا السيفي مثلا الماثل بها وإن كان ثم مشافهة قال وقد حمله مشافهة يسأل المسامع الشريفة سماعها إن اقتضت ذلك أو ينهيها إلى المسامع الشريفة إذا رسم له بإنهائها طالع بذلك أو أنهى ذلك
ثم قد جرت عادة النواب بالبلاد الشامية أن يقدموا في صدر المكاتبة ما اشتمل على أخبار البلاد الشرقية من مملكة إيران المجاورة لأواخر هذه المملكة من تجدد أمر أو حركة عدو أو حكاية حال مهمة من أحوال تلك البلاد مثل أن يقال في أول المكاتبة وينهي أن قصاده عادوا من البلاد الشرقية مخبرين بكذا وكذا ويشرح الحال التي أخبر بها قصاده
وإن كان الخبر نقلا عن نائب من نواب الأطراف كالرها ونحوها قال إن مطالعة نائب فلانة وردت بكذا وكذا ويذكر ما تضمنته ملخصا وإن كانت المطالعة جواب مثال شريف ورد فقط قال وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي بالأبواب الشريفة يتضمن ما اقتضته المراسيم الشريفة أو ما اقتضته الآراء الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها من كذا وكذا ويذكر نص المثال الشريف حرفا حرفا ثم يقال وتفهم المملوك ما رسم له به وقابل المراسيم الشريفة زاد الله تعالى

شرفها بتكرار تقبيل الأرض والامتثال وتقدم بكذا إن كان الأمر مما نفذ أو والذي ينهيه المملوك كذا وكذا إن كان الأمر قد توقف
ثم إن كان النائب عظيم القدر كنائب السلطنة الشريفة بالشام أو حلب جعل بعد ما بين كل سطرين تقدير رأس إصبع وإن كان دون ذلك جعل ما بينهما أقل من ذلك حتى ينتهي في أقل الرتب إلى ملاصقة السطور بعضها ببعض
وإن كانت المطالعة في أمر مهم كاستقرار نائب أو بشارة بفتح أو نحو ذلك أتى بجميع الكتاب مسجعا وإلا فلا
وهذه نسخة مطالعة عن نائب الشام ابتداء
يقبل الأرض وينهي أنه ورد على المملوك مكاتبة نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة يذكر فيها أن قصاده عادوا من جهة بلاد الشرق وأخبروا أن العدو المخذول فلانا قد خرج عليه عدو من ورائه وقصد بلاده فكر راجعا إليه بعد أن كان قاصدا هذه الجهة وأحب المملوك إحاطة الخواطر الشريفة بذلك
المملوك ينهي أن مطالعة نائب الرحبة المحروسة وردت على المملوك يخبر فيها أن فلانا التركماني قد عاد إلى الطاعة الشريفة ولاذ بمراحم الأبواب العالية وأنه ما كان حمله على ما وقع منه من عدم المقابلة إلا الخوف من السطوات الشريفة وأنه يسأل كتابة أمان شريف له ولجماعته ومن يليه بأن يكونوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وسائرذات يدهم وأنه إذا وصل إليه الأمان قصد الأبواب السلطانية وتمثل بالمواقف الشريفة وامتثل ما تبرز به الأوامر المطاعة في أمره وأمر جماعته والمملوك ينظر ما يرد به الجواب الشريف في أمره لكاتب نائب الرحبة المحروسة بما يعتمده في أمره
المملوك ينهي أنه قد بلغ المملوك أن البحر مشغول بمراكب الفرنج ولم يعلم إلى أي مكان يقصدون وقد أخذ المملوك في الاحتراز على السواحل

المذكورة بإقامة المركزين وأمرهم بالاحتراز والاحتفاظ وقد عرض المملوك ذلك على الآراء العالية ليكون ذلك على الخواطر الشريفة ويكاتب به النواب بالبلاد المجاورة للبحر
المملوك ينهي أن الأمير فلانا الفلاني أحد أمراء الطبلخاناه بدمشق المحروسة قد توفي إلى رحمة الله تعالى والمملوك يسأل الصدقات الشريفة في استقرار إمرته باسم مملوك مولانا السلطان عز نصره ولد المملوك فلان إعانة له على الخدمة الشريفة وجبرا لخاطر المملوك فإن حسن ذلك بالآراء الشريفة وإلا فللرأي العالي مزيد العلو
المملوك ينهي أن الأمير فلان الدين فلانا أمير حاجب بالشام المحروس كان قد برزت المراسيم الشريفة باستقراره في نيابة صفد المحروسة وقد توجه إلى محل نيابته والمملوك يعرض على الآراء الشريفة إن حسن بالرأي الشريف أن يستقر في الوظيفة المذكورة الأمير فلان الدين فلان أحد الأمراء الطبلخاناه بدمشق المحروسة فإنه كفء لذلك أو يستقر من تبرز به الآراء الشريفة
المملوك ينهي أن فلانا أحد رجال الحلقة المنصورة بدمشق المحروسة قد درج بالوفاة وقد كتب المملوك مربعة باسم فلان الدين فلان باستقراره على إقطاعه وجهزها إلى الأبواب الشريفة لتعرض على الآراء العالية فإن حسن بالرأي الشريف إمضاؤها وإلا فيستقر على إقطاعه من تبرز المراسيم الشريفة باستقراره وقد جهز المملوك هذه المطالعة على يد مملوكه فلان إلى الأبواب الشريفة
طالع بذلك إن شاء الله تعالى ثم يكمل

وهذه نسخة مطالعة عن نائب الشام أيضا في جواب مكاتبة شريفة وردت عليه وهي
يقبل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي بالأبواب الشريفة يتضمن أن المرسوم الشريف اقتضى الاجتهاد والاهتمام في حفظ السواحل والمواني وإقامة الأيزاك والأبدال في أوقاتها على العادة وإلزام أربابها بمواضبتها وإلزام المنورين بالديدبانات والمناظر والمناور في الأماكن المعروفة وتعهد أحوالها وتفقدها وتقويم أحوالها بحيث تقوم أحوالها على أحسن العوائد وأكملها ولا يقع على أحد درك بسببها وأن المملوك يتقدم باعتماد ما اقتضاه المرسوم الشريف من ذلك مع مضاعفة الاحتفال بذلك والمبادرة إليه فوقف المملوك على المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وتفهم ما رسم له به وقابل المراسيم الشريفة زاد الله تعالى شرفها بالامتثال وتقدم باعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة من ذلك وأخذ في حفظ السواحل والمواني وإقامة الأيزاك والأبدال وإلزام أربابها بمواظبتها وإلزام المنورين بالديدبانات والمناظر فقامت الأحوال على أحسن العوائد وجرت على أكمل القواعد ولم يكن عند المملوك غفلة عما هو بصدده من ذلك وقد اعاد المملوك فلان الدين فلانا البريدي المذكور بهذه المطالعة ليحصل الوقوف عليها طالع بذلك
وهذه نسخة مطالعة تشتمل على ابتداء وجواب يقبل الأرض وينهي أنه قد

حضر رسول من القان فلان بالمملكة الفلانية وقصده التوجه إلى الأبواب الشريفة والمملوك يعرض على الآراء العالية أمره فإن أذن له في التوجه إلى أبوابه الشريفة جهزه المملوك إليها على العادة
المملوك ينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان المسفر من الأبواب الشريفة يتضمن طلب فلان الفلاني وحمله إلى الأبواب الشريفة محتفظا به فبادر المملوك ما برزت به المراسيم الشريفة بالامتثال وتقدم بطلب فلان المذكور وسلمه إلى فلان الدين المسفر المذكور وبعث معه من يحتفظ به في الطريق إلى حين وصوله إلى الأبواب الشريفة
صورة وضع المطالعة من نواب السلطنة ومن في معناهم إلى الأبواب الشريفة
الجانب الأيمن الأيسر
إلى الأبواب الشريفة بسبب كذا
العنوان
الملكي الفلاني المملوك
الصدر فلان
بسم الله الرحمن الرحيم
الملكي الظاهري مثلا
يقبل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي ويكمل عليه إلى آخره

الضرب الثاني من المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل المملكة
المطالعات الواردة من الولاة ومن في معناهم

القسم الثاني في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية عن أهل الممالك الإسلامية المكاتبة عن هذه المملكة وحالها مختلف باختلاف حال مصطلح أهل البلاد وحال المكتوب عنه في رفعة القدر وفائدة معرفة ذلك أنه إذا عرف الكاتب مصطلح كل مملكة في الكتابة ظهر له ما هو وارد عن ملكها حقيقة وما هو مفتعل عليه ولا يخفى ما في ذلك من كبير الفائدة وعظيم النفع وارتفاع قدر الكاتب عند ملكه بإظهار الزيف بمحك المعرفة
ومن غريب ما وقع في هذا المعنى أنه ورد رسول من الشرق في الأيام الظاهرية الشهيدية برقوق سقى الله تعالى عهده وأظهر لأهل الطرقات أنه رسول من عند طقتمش صاحب بلاد أزبك ورفعت بطاقته بالقلعة المحروسة بذلك فامر السلطان النائب الكافل وأكابر الأمراء بالخروج لملاقاته على القرب من القاهرة فخرجوا وتلقوه بالتعظيم على انه رسول طقتمش خان المقدم ذكره وأنزل بالميدان الكبير تعظيما لأمره فلما عرض كتابه نظر فيه المقر البدري بن فضل الله تغمده الله تعالى برحمته وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء الشريف فوجده غير جار على مصطلح كتب القانات في الورق والكتابة فاستفسر الرسول المذكور عن ذلك ونوقش في قضيته فأخبر أنه عن الحاكم بالقرم من اتباع طقتمش خان فأنكر عليه ذلك وحط رتبته عند السلطان وأهل دولته عما كان عليه وعلا بذلك مقدار المقر البدري بن فضل الله المشار إليه عند السلطان وشكر له ما كان من ذلك
ويشتمل على أربعة مقاصد

المقصد الأول في الكتب الواردة عن أهل الشرق وفيه أطراف
الطرف الأول الكتب الواردة عن القانات العظام من بني جنكز خان ولها حالان
الحال الأولى ما كان الأمر عليه قبل دخولهم في دين الإسلام

وكان الأمر يجرى في كتابتهم مجرى المخاشنة والتصريح بالعداوة ولم أقف على مقادير قطع ورق كتبهم يومئذ ولا ترتيب كتابتها
وهذه نسخة كتاب كتب به هولاكو بن طوجي بن جنكز خان المنتزع العراق من أيدي الخلفاء العباسيين كتب به إلى الملك المظفر قطز في سنة ثمان وخمسين وستمائة وهو
من ملك الملوك شرقا وغربا القان الأعظم
باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء
يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتمتعون بأنعامه ويقتلون من كان سلطانه بعد ذلك
يعلم الملك المظفر وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال أننا جند الله في ارضه خلقنا من سخطه وسلطنا على من أحل عليه غضبه فسلموا إلينا أموركم تسلموا قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا وقد عرفتم أننا خربنا البلاد وقتلنا العباد فلكم منا الهرب ولنا خلفكم الطلب

فما لكم من سيوفنا خلاص خيولنا سوابق وسيوفنا قواطع وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال ومن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلم فإن أنتم لشرطنا وأوامرنا أطعتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا فقد اعذر من أنذر وقد ثبت عندكم أننا كفرة وثبت عندنا أنكم الفجرة فأسرعوا إلينا بالجواب قبل أن تضرم الحرب نارها وترميكم بشرارها فلا يبقى لكم جاه ولا عز ولا يعصمكم منا جبل ولا حرز فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى
الحال الثانية ما كان الأمر عليه بعد دخولهم في دين الإسلام مع قيام العداوة بين الدولتين
وكان من عادتهم في الكتابة أن يكتب بعد البسملة بقوة الله تعالى ثم يكتب بعد ذلك بإقبال قان فرمان فلان يعني كلام فلان
ولهم في ذلك طريقتان
أحداهما أن يكتب بسم الله سطرا ويكتب الرحمن الرحيم سطرا تحتها ويكتب بقوة الله سطرا وتعالى سطرا آخر تحته ثم يكتب تحت ذلك في الوسط بهامش من الجانبين بإقبال قان سطرا وتحته فرمان فلان باسم السلطان المكتوب عنه سطرا آخر
والطريقة الثانية أن تكتب البسملة جميعها سطرا واحدا ثم يكتب تحت وسط البسملة بقوة الله تعالى سطرا وميامين الملة المحمدية سطرا آخر ثم يكتب تحت ذلك سطرا آخر بزيادة يسيرة من الجانبين فرمان السلطان فلان يعني كلام السلطان فلان
ولم أقف على قطع الورق الذي كتب فيه حينئذ والظاهر أنه في البغدادي

الكامل تعظيما لشأن المكتوب عنه عندهم وبالجملة فإن الظاهر أن الكتب الواردة عنهم على نمط الكتب الواردة من هذه المملكة إليهم جريا على قاعدة كتاب هذه المملكة من أن الغالب مضاهاتهم لأكابر الملوك في كتبهم في الهيئة والترتيب شرقا وغربا
وهذه نسخة كتاب على الطريقة الأولى ورد عن السلطان أحمد صاحب مملكة إيران من بني هولاكو المقدم ذكره وهو أول من أسلم منهم كتب به إلى الملك المنصور قلاوون صاحب الديار المصرية تغمده الله تعالى برضوانه ورد مؤرخا بأوسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة ورأيت في بعض الدساتير أنه من إنشاء الفخر بن عيسى الموصلي وورد بخطه وهو
بسم الله الله
الرحمن الرحيم تعالى
بإقبال قان
فرمان أحمد
إلى سلطان مصر أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى بسابق عنايته ونور هدايته قد كان أرشدنا في عنفوان الصبا وريعان الحداثة إلى الإقرار بربوبيته والاعتراف بواحدانيته والشهادة لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام بصدق نبوته وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده وبريته ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين إلى أن أفضى إلينا بعد أبينا الجليل وأخينا الكبير نوبة

الملك فأضفى علينا من جلابيب الطافة ولطائفه ما حقق به آمالنا في جزيل الائه وعوارفه وجلى هذه المملكة علينا وأهدى عقيلتها إلينا فاجتمع عندنا في قوريليان المبارك وهو المجتمع الذي تقدح فيه الآراء جميع الإخوان والأولاد والأمراء الكبار ومقدمو العساكر وزعماء البلاد واتفقت كلمتهم على تنفيذ ما سبق به حكم أخينا الكبير في إنفاذ الجم الغفير من عساكرنا التي ضاقت الأرض برحبها من كثرتها وامتلأت الأرض رعبا من عظيم صولتها وشديد بطشتها إلى تلك الجهة بهمة تخضع لها صم الأطواد وعزمة تلين لها الصم الصلاد ففكرنا فيما تمخضت زبد عزائمهم عنه واجتمعت اهواوهم عليه فوجدناه مخالفا لما كان في ضميرنا من اقتفاء الخير العام الذي هو عبارة عن تقوية شعار الإسلام وأن لا يصدر عن أوامرنا ما أمكننا إلا ما يوجب حقن الدماء وتسكين الدهماء وتجري به في الأقطار رخاء نسائم الأمن والأمان ويستريح به المسلمون في سائر الأمصار في مهاد الشفقة والإحسان تعظيما لأمر الله وشفقة على خلق الله فألهمنا الله تعالى إطفاء تلك النائرة وتسكين الفتن الثائرة وإعلام من أشار بذلك الرأي بما ارشدنا الله إليه من تقديم ما يرجى به شفاء مزاج العالم من الأدواء وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء وأننا لا نحب المسارعة إلى هز النصال للنضال إلا بعد إيضاح المحجة ولا نبادر لها إلا بعد تبيين الحق وتركيب الحجة وقوى عزمنا على ما رأيناه من دواعي الصلاح وتنفيذ ما ظهر لنا به وجه النجاح إذ كان الشيخ قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن الذي هو نعم العون لنا في امور الدين فأرسلناه رحمة من الله لمن لبى دعاه ونقمة على من أعرض عنه وعصاه وأنفذنا أقضى القضاة قطب الملة والدين والأتابك بهاء الدين اللذين هما من ثقات هذه الدولة الزاهرة ليعرفوهم طريقتنا ويتحقق

عندهم ما تنطوي عليه لعموم المسلمين جميل نيتنا وبينا لهم أنا من الله تعالى على بصيرة وأن الإسلام يجب ما قبله وأنه تعالى القى في قلوبنا أن نتبع الحق وأهله ونشاهد أن عظيم نعمة الله للكافة بما دعانا إليه من تقديم أسباب الإحسان أن لا يحرموها بالنظر إلى سائر الأحوال فكل يوم هو في شان فإن تطلعت نفوسهم إلى دليل تستحكم بسببه دواعي الاعتماد وحجة يثقون بها من بلوغ المراد فلينظروا إلى ما ظهر من أمرنا مما أشتهر خبره وعم أثره فإنا ابتدأنا بتوفيق الله بإعلاء أعلام الدين وإظهاره في إيراه كل أمر وإصداره تقديما لناموس الشرع المحمدي على مقتضى قانون العدل الاحمدي إجلالا وتعظيما وأدخلنا السرور على قلوب الجمهور وعفونا عن كل من اجترح سيئة واقترف وقابلناه بالصفح وقلنا عفا الله عما سلف وتقدمنا بإصلاح امور أوقاف المسلمين من المساجد والمشاهد والمدارس وعمارة بقاع الدين والربط الدوارس وإيصال حاصلها بموجب عوائدها القائمة إلى مستحقيها بشروط واقفيها ومنعنا أن يلتمس شيء مما استحدث عليها وأن لا يغير أحد شيئا مما قرر أولا وأمرنا بتعظيم أمر الحجاج وتجهيز وفدها وتأمين سبلها وتسيير قوافلها وإنا أطلقنا سبيل التجار المترددين إلى تلك البلاد ليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم وحرمنا على العساكر والقراغولات والشحاني في الأطراف التعرض لهم في مصادرهم ومواردهم وقد كان قراغول صادف جاسوسا في زي الفقراء كان سبيله أن يهلك فلم نهرق دمه لحرمة ما حرمه الله تعالى واعدناه إليهم ولا يخفى عنهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العام للمسلمين فإن عساكرنا طالما رأوهم في زي الفقراء والنساك وأهل الصلاح فساءت ظنونهم في تلك الطوائف فقتلوا منهم من قتلوا وفعلوا بهم ما فعلوا وارتفعت الحاجة

بحمد الله إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق وتردد التجار فإذا أمعنوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها لا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلية طبيعية وعن شوائب التكلف والتصنع عرية وإذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي المضرة التي كانت موجبة للمخالفة فإنها إن كانت طريقا للذب والذود عن حوزة الإسلام فقد ظهر بفضل الله تعالى في دولتنا النور المبين وإن كانت لما سبق من الأسباب فمن يتحرى الآن طريق الصواب فإن له عندنا لزلفى وحسن مآب وقد رفعنا الحجاب وأتينا بفصل الخطاب وعرفناهم طريقتنا وما عزمنا بنية خالصة لله تعالى على استئنافها وحرمنا على جميع العساكر العمل بخلافها لنرضي الله والرسول ويلوح على صفحاتها آثار الإقبال والقبول وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمة وتنجلي بنور الائتلاف ظلمة الاختلاف والغمة ويشكر سابغ ظلها البوادي والحواضر وتقر القلوب التي بلغت من الجهل الحناجر ويعفى عن سالف الجرائر فإن وفق الله سلطان مصر إلى ما فيه صلاح العالم وانتظام أمور بني أدم فقد وجب عليه التمسك بالعروة الوثقى وسلوك الطريقة المثلى بفتح أبواب الطاعة والاتحاد وبذل الإخلاص بحيث تعمر تلك الممالك وتيك البلاد وتسكن الفتنة الثائرة وتغمد السيوف الباترة وتحل العامة أرض الهوينى وروض الهدون وتخلص رقاب المسلمين من أغلال الذل والهون وإن غلب سوء الظن بما تفضل به واهب الرحمة ومنع معرفة هذه النعمة فقد شكر الله مساعينا وأبلى عذرنا ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) والله تعالى المرفق للرشاد والسداد وهو المهيمن على البلاد والعباد إن شاء الله تعالى

وهذه نسخة كتاب على الطريقة الثانية كتب به عن السلطان محمود غازان صاحب إيران أيضا إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية وما معها من البلاد الشامية وهي
بسم الله الرحمن الرحيم بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية فرمان السلطان محمود غازان
ليعلم السلطان الملك الناصر أنه في العام الماضي بعض عساكرهم المفسدة دخلوا أطراف بلادنا وأفسدوا فيها لعناد الله وعنادنا كماردين ونواحيها وجاهروا الله بالمعاصي فيمن ظفروا به من أهليها وأقدموا على أمور بديعة وارتكبوا آثاما شنيعة من محاربة الله وخرق ناموس الشريعة فأنفنا من تهجمهم وغرنا من تقحمهم وأخذتنا الحمية الإسلامية فجذبتنا إلى دخول بلادهم ومقابلتهم على فسادهم فركبنا بمن كان لدينا من العساكر وتوجهنا بمن اتفق منهم أنه حاضر وقبل وقوع الفعل منا واشتهار الفتك عنا سلكنا سنن سيد المرسلين واقتفينا آثار المتقدمين واقتدينا بقول الله ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وأنفذنا صحبة يعقوب السكرجي جماعة من القضاة والأئمة الثقات وقلنا ( هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة ) فقابلتم ذلك بالإصرار وحكمتم عليكم وعلى المسلمين بالإضرار وخالفتم سنن الملوك في حسن السلوك وصبرنا على تماديكم في غيكم وخلودكم إلى بغيكم إلى أن نصرنا الله وأراكم في أنفسكم قضاه

( أفامنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله ) وظننا أنهم حيث تحققوا كنه الحال وآل بهم الأمر إلى ما آل أنهم تداركوا الفارط من أمرهم ورتقوا ما فتقوا بغدرهم ووجه إلينا وجه عذرهم فإنهم ربما سيروا إلينا حال دخولهم إلى الديار المصرية رسلا لإصلاح تلك القضية فبقينا بدمشق غير مثحثحين وتثبطنا تثبط المتمكنين فصدهم عن السعي في صلاح حالهم التواني وعلقوا نفوسهم عن اليقين بالأماني ثم بلغنا بعد عودنا إلى بلادنا أنهم ألقوا في قلوب العساكر والعوام وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام أنهم فيما بعد يلقوننا على حلب والفراه وأن عزمهم مصر على ذلك لا سواه فجمعنا العساكر وتوجهنا للقاهم ووصلنا الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم وقلنا لعل وعساهم فما لمع لهم بارق ولا ذر شارق فقدمنا إلى أطراف حلب وعجبنا من تبطيهم غاية العجب وفكرنا في أنه متى تقدمنا بعساكرنا الباهرة وجموعنا العظيمة القاهرة ربما أخرب البلاد مرورها وبإقامتهم فيها فسدت أمورها وعم الضرر العباد والخراب البلاد فعدنا بقيا عليها ونظرة لطف من الله إليها وها نحن الآن مهتمون بجمع العساكر المنصورة ومشحذون غرار عزائمنا المشهورة ومشتغلون بصنع المجانيق وآلات الحصار وعازمون بعد الإنذار ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقد سيرنا حاملي هذا الكتاب الأمير الكبير ناصر الدين علي خواجا والإمام العالم ملك القضاة جمال الدين موسى بن يوسف وقد حملناهما كلاما شافهناهما به

فلتثقوا بما تقدمنا به إليهما فإنهما من الأعيان المعتمد عليهما في الديوان كما قال الله تعالى ( فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) فلتعدوا لنا الهدايا والتحف فما بعد الإنذار من عاذر وإن لم تتداركوا الأرض فدماء المسلمين وأموالهم مطلولة بتدبيرهم ومطلوبة عند الله في طول تقصيرهم
فليمعن السلطان لرعيته النظر في أمره فقد قال من ولاه الله أمرا من أمور هذه الأمة فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم احتجب دون حاجته وخلته وفقره وقد أعذر من أنذر وأنصف من حذر والسلام على من اتبع الهدى في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة سبعمائة بجبال الأكراد والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وآله وصحبه وعترته الطاهرين
قلت وقد تقدم جواب هذين الكتابين في الكلام على المكاتبات إلى القانات ببلاد الشرق من بني جنكز خان فلينظر هناك

الطرف الثاني في المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل الشرق
من الملوك والحكام بالبلاد أتباع القانات ومن في معناهم
الطرف الثالث في رسم المكاتبات الواردة عن صاحب اليمن إلى هذه المملكة
وعادة مكاتبته أن يحذو حذو الديار المصرية فيما يكتب إليه عنها فيبتديء المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي المولوي

السلطاني الفلاني بلقب السلطنة ثم يقول أصدرها من مكان كذا ويذكر المقصد ويختم بالدعاء ونحوه ويكتبون في قطع الشامي الكامل بقلم الثلث
وهذه نسخة كتاب عن الملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن إلى الملك الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية في شهور سنة ثمان وتسعين وسبعمائة على يد القاضي برهان الدين المحلي تاجر الخاص والطواشي افتخار الدين فاخر دوادار الملك الأشرف صاحب اليمن المذكور وهو
أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الظاهري وزاده في البسطة والقدرة وضاعف له مواد الاستظهار والنظر العزيز وجعل الظفر مقرونا براياته أينما يممت ما بينهما تمييز ومحبوبا إلى عساكره المنصورة حيث توجهت وفتح ببركة أيامه كل مقفل ممتنع بأمر وجيز ولا زال ممتثل الأوامر والمراسم رافلا في أردان العز والمكارم ممدودا على الأمة منه ظل المراحم بمنه وكرمه
أصدرها إليه من زبدة زبيد المحروسة معربة عن صدق ولائه متمسكة بوثيق أسباب آلائه ناشرة طيب ثنائه مترجمة ناظمة لمنثور الكتاب الكريم الظاهري الوارد على يد المجلس العالي البرهاني بتاريخ ذي الحجة عظم الله بركاتها سنة سبع وتسعين وسبعمائة أحسن الله خاتمتها فتلقيناه باليدين

ووضعناه على الرأس والعين واستدللنا به على شريف همته وصفاء مودته وتأكيد أخوته وسألنا الله تعالى أن يمتعنا ببقاء دولته القاهرة وينشر في المشارق والمغارب أقلامه الزاهرة ففضضنا ختامه فوجدنا فيه من نشر السلم الأريج أذكاه ومن أنوار ما مجه القلم الشريف ما يخجل منه نوار الربيع وبهاه فانشرحت به الصدور وتزايد به السرور وقرت به الأعين وكثر التهجد به لما استعذبته الألسن وامتثلنا المرسوم الشريف في تعظيم المجلس العالي ذي الجلالتين برهان الدين إبراهيم بن عمر المحلي ومراعاته في جميع اموره وسرعة تجهيزه على أنا نجله ونبجله ونوجب حقه ولا نجهله فهو عندنا كما كان في عهد الوالد المرحوم الملك الأفضل بل أمكن وأفضل فهو لدينا المكين الأمين وجهزنا له المتجر السعيد الظاهري وبرزت مراسمنا إلى النواب بثغر عدن المحروس أن لا يعترض في عشور ونول وحملناه على ظهور مراكبنا عزيزا مكرما وعرفناه أن لا يصرف على الحمل السعيد ولا الدرهم الفرد وذلك قليل منا لاجل غلمان بابكم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وجهزنا الهدية السعيدة المباركة المتقبلة صحبته هو والأمير الأجل الكبير الافتخاري افتخار الدين فاخر الدوادار وصارت بأيديهما بأوراق مفصلة للمقام الشريف والأمراء الأجلاء الكبراء وصحبتهما نفر من المعلمين البازدارية برسم حمل الطيور للصيد السعيد والمهتارية للصافنات الجياد على أنا لو أهدينا إلى جلال المقام الشريف الظاهري أعز الله انصاره بمقدار همته الشريفة العالية ورتبته المنيفة السامية لاستصغرت الأفلاك الدائرة والشهب السائرة واستقلت السبعة الأقاليم تحفه والارض وما أقلته طرفه ولم نرض أن نبعث إليه الأنام مماليك وخولا ونجبي إليه ثمرات كل شيء قبلا ولو رام محب المقام هذه القضية لقصر عنه حوله ولم يصل إليه طوله ولكنه يرجع إلى المشهور بين الجمهور فوجدنا العمل يقوم مقام الاعتقاد وليس على المستمر على الطاعة سوى الاجتهاد والمخلص في

الولاء محمول على قدرته لا على ما أراد فوثق بهذه القضية وأنفذ إلى المقام الشريف على يد موصلها هذه الهدية راغبا إلى إنعامه في بسط عذره وحمله على شروط المحبة طول دهره وتصريفه بين أوامره الممتثلة ومراسيمه المتقبلة والمسؤول الإتحاف بالمهمات والمراسيم الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها
ونوضح لعلمه الكريم ما أفاء الله به علينا من النصر الذي خفقت بنوده وأشرقت سعوده وبرقت سيوفه في رقاب المارقين واطردت في راياته المآرب فتناولها باليمين ( نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) وفتح القلاع والمصانع والاستيلاء على المرابع والمزارع واستئصالنا شأفة المارقين واسترجاع حصن قاف المحروس بعد طول مكثه تحت يد العرب فكم من كمي مقتول وأسير مكبول وحصان ترك سبيلها ورب حصان كثر عليه عويلها فخربنا المعاقل وأطلقنا العقائل وأوطناهم الحميم ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكميم ) وغير ذلك مما أرسلنا على يد المجلس البرهاني والأمير افتخار الدين فاخر الدوادار لقضاء بعض الحوائج الطارئة من الديار المصرية ألف وأربعمائة وسبعون قطعة من أصناف البهار وسبع قطع حرير والمستمد من إحسان المقام الشريف العالي بروز أمره الأشرف العزيز النافذ المطاع انفذه الله تعالى شرقا وغربا وأمضاه بعدا وقربا في قضاء حوائجهما وسرعة تجهيزهما وقفولهما إلى يمن اليمن وعز تعز قريبا
وبعد فإن الجلالة والاحترام بهما دوام الموالاة وتوفير الحرمات بل هي أعظم الكرامات والمسؤول من المقام الشريف الظاهري أعز الله تعالى انصاره وضاعف اقتداره بروز أمره الأشرف إلى النواب بمصر المحروسة وثغر

الإسكندرية والشام بالجلالة والاحترام لكافة غلماننا الواردين إلى الديار المصرية ومن انتسب إلينا من تاجر وغيره مسافرا كان أو مقيما وأن يعار في مهماته جلالة تفيأ ظلالها ويشمله إقبالها كما سبق للوالد المرحوم المقدس الملك المجاهد تغشاه الله برحمته بل نرجو فوق ذلك مظهرا إن شاء الله فثم خطوط ناصريه من السلطان حسن والملك الصالح لخدامنا القدماء لما أرسلوا إلى الاسكندرية ودمشق كتب لهم مربعات ومثالات شريفة ولا غرو أن يبدي المستعطي ما في ضميره إلى المعطي والاشتهار بما بيننا وبين المقام الشريف من الاخوة الممهدة والمصافاة المؤكدة والمودات المحكمة والأسباب الثابتة أوجب ذلك وحسن الظن الجميل نطق به لسان الحال في هذا الاسترسال ولم يخف عن المقام الشريف أن لله عوارف يجذب بها القلوب إليه ولطائف خفية يستدل بها المحب عليه وتعاطي كأس الوداد يدل على حسن الاعتقاد ولذلك نطق اللسان وكتب البنان بما افترض على عباده الرحمن فقال في محكم كتابه المبين ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) ومحب المقام الشريف يقدم الكتاب ويسأل الجواب بالإذن الشريف ليعتمد بعد الله عليه في حج البيت الحرام عند تيسير الله تعالى لذلك فقد حسن ظنه بذلك وركن إليه لقضاء الفرض والتبرك بالمشاعر العظام فلا زالت أيام المقام الشريف على منابر الدنيا تتلى وآيات الشكر لله سبحانه على استقراره في الملك العقيم تملى جميع هذا الخطاب مقدمة الإيجاب بالإذن بالحج وتسفير المحمل في كل عام إلى بيت الله الحرام فحاج اليمن تعذرت عليه الطرقات ولم يطق حمل النفقات ونرجو من الله تعالى أن يفتح ببركة أيامه الشريفة وشمول الفكر الشريف بحل عقدة هذه الاسباب إنه هو الكريم الوهاب بمنه وكرمه
وأما ما نعتقده من أمانه المجلس البرهاني فإنها متينة وشواهدها من أقواله

وأفعاله مبينة خصوصا في المقام الشريف واستمالته للقلوب بالعبارات اللطيفة فقد نظم معاقد الائتلاف وتزايد بشرحه الانس في محاورته والاختلاف ولولا المهم الشريف لاستوقفناه عندنا عاما كاملا من بعد هذا التاريخ ليملي علينا آيات المقام الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وعلى لسانه ما يبديه في المواقف الشريفة شفاها إن شاء الله تعالى
في سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة أحسن الله تعالى ختامها والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا
قلت أما إمام الزيدية باليمن فلم أقف له على مكاتبة وإن كان المقر الشهابي ابن فضل الله قد أشار في كتابه التعريف إلى أنه ورد عنه مكاتبة الى الابواب السلطانية الناصرية محمد بن قلاوون يستجيشه على صاحب اليمن والغالب على الظن أن مكاتبته أعرابية كما أن إمارته أعرابية إذ لا اعتناء لأهل البادية وعربان الوادي بفن الإنشاء جملة وإنما يكتب عنهم بحسب ما يقتضيه حالهم على أن فيما يأتون به مقنعا من الفصاحة والبلاغة بكل حال إذ عنهم قد علم اللسان وعليهم فيه يعول

الطرف الرابع في الكتب الواردة إلى الابواب السلطانية عن ملوك الهند
قد تقدم أن المكاتبة إلى صاحب الهند تشبه المكاتبة إلى القانات العظام بإيران وتوران وتقدم أن الكتب الواردة عن القانات المذكورين تكون في معنى الكتب الصادرة إليهم في قطع الورق والترتيب من حيث إن الغالب جريان العادة

في الأجوبة بأن تكون على نمط الكتب الواردة وحينئذ فيكون مقتضى ذلك أن الكتب الواردة من صاحب الهند في هيئة الكتب الصادرة إليه في قطع الورق وغيره فتكون في البغدادي الكامل بقلم مختصر الطومار بالطغراء والخطبة المكتتبتين بالذهب إلى ما يجري مجرى ذلك مما تقدم ذكره في المكاتبات إلى القانات
قلت ولم أقف على صورة مكاتبة من ذلك ولا على نسخة شيء ورد لكن قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية عند ذكر مملكة الهند أن من جملة ممالك الهند مملكة تعرف بالسيلان وقد رأيت في تذكرة محمد بن مكرم التي جمعها في وقائع ديوان الإنشاء بالديار المصرية أنه في سنة اثنتين وثمانين وستمائة وصل كتاب من صاحب السيلان هذه في صفيحة ذهب رقيقة عرض ثلاثة أصابع في طول نصف ذراع وحوله مدورة حلقة داخلها شبيه بالخوص أخضر عليه كتابة تشبه الخط الرومي أو القبطي فطلب من يقرأه فلم يوجد فسئل الرسل عما هو مكتوب فيها فقيل إنه سير رسوله رومان ورفيقه وقصد أن يسير معهما الهدية الى الباب الشريف فقيل له ما لهم طريق فقال لهم سافروا إلى هرمز فحضروا إليها وذكروا أن مضمون الكتاب السلام والدعاء للسلطان وأن بلاد السيلان مصر وبلاد مصر السيلان وأنه ترك صحبة صاحب اليمن مرة واحدة وتعلق بمحبة مولانا السلطان خلد الله

ملكه وسأل أن يحضر رسول من عند مولانا السلطان إلى عنده صحبة رسله ورسول آخر إلى عدن ينتظر حضورهم من تلك الجهة على تلك الطريق وأن عنده الجواهر واللاليء والفيلة والقماش الكثير من البز وغيره وكذلك البقم والقرفة وجميع ما يطلب الكارم وأن عنده في كل سنة عشرين مركبا يسيرها إليه فيطلق مولانا السلطان التجار إلى البلاد وأن رسول صاحب اليمن حضر في هذه السنة يتسلم التقادم والفيلة حتى يسافروا إلى اليمن فرده ولم يعطه شيئا وأنه يعبي التقادم والفيلة إلى أبواب مولانا السلطان وأن بمملكة سيلان سبعا وعشرين قلعة وبها معادن الجوهر والياقوت ومغاص اللؤلؤ ولم يزد على ذلك ورأيت في كتاب الذيل على تاريخ ابن الأثير نحو ذلك وفيه ذكر البلاد التي مرت عليها رسل صاحب السيلان في طرقها

المقصد الثاني في المكاتبات الواردة عن ملوك الغرب
والعادة الجارية في الكتب الواردة عنهم أن تكون على نمط واحد في الورق مع تقارب الحال في الترتيب وتكون كتبهم في طومار واحد في عرض نحو شبرين في طول نحو ثلاثة أشبار والبسملة بعد بياض نحو شبر وثلاثة أصابع مطبوقة من أعلى الطومار وعرض سبعة أصابع مطبوقة عن يمين البسملة والسطور منحطة الأوائل مرتفعة الأواخر حتى يصير البياض الذي في أعلاها في آخر سطر البسملة قدر شبر فقط وبين كل سطرين قدر عرض إصبع ونصف إصبع وكل سطر ينقص عن الذي فوقه قليلا من جهة اليمين على التدريج حتى يكون السطر الآخر قطعة لطيفة في زاوية الطومار التي على اليسار من أسفل ثم يكتب بحاشية الطومار من أسفله آخذا من آخر السطر الأخير ويكون بين ذلك وبين الكتابة الأصلية قدر رأس خنصر ويبتديء السطر الأول منها بقطعة لطيفة منحطة الأول مرتفعة الآخر ثم السطر الثاني قطعة أطول من ذلك ولا يزال كذلك حتى يكمل السطر فيكتب أسطرا كاملة إلا أنه في أول كل سطر ينقصه قليلا عن الذي

قبله حتى يكون السطر الأخير قدر الأنملة في زاوية الطومار من جهة البسملة ويكون بين كتابة الأصل وبين كتابة الحاشية قدر إصبعين بياضا إلى سمت البسملة أسطرا متضايقة حتى ينتهي إلى آخر الكلام ويكتب في آخره بقلم الثلث وكتب في التاريخ المؤرخ ويزاد فيه هاء مشقوقة راجعة إلى الخلف وفيه جمل

الجملة الاولى في المكاتبة الواردة عن صاحب تونس
وعادة مكاتبته أن تفتتح بلفظ من عبد الله الفلاني بلقب الخلافة الخاص به أمير المؤمنين ابن فلان ويقال في كل من آبائه أمير المؤمنين إن كان قد ولي الخلافة ويدعى له إلى أخينا فلان ويؤتى بالسلام والتحية ثم يتخلص بالبعدية إلى المقصد ويختم الكتاب
وهذه نسخة كتاب عن المتوكل على الله احمد بن ابي عبد الله بن أبي بكر إلى السلطان الملك الظاهر برقوق صاحب مصر جوابا عن كتابه إليه وهو
من عبد الله المتوكل على الله أمير المؤمنين أحمد ابن مولانا الأمير أبي عبد الله ابن مولانا أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر ابن الأمراء الراشدين أعلى الله به كلمة الإسلام وضاعف نوافل سيفه من عبدة الأصنام وغض عن جانب عزه عيون حوادث الأيام
إلى أخينا الذي لم نزل نشاهد من إخائه الكريم في ذات الرب الرحيم

قبلة صفاء لم تغيرها يد بعاد ولا انتزاح ونثابر من حفظ عهده والقيام بحق وده على ما يؤكد معرفة الخلوص من لدن تعارف الأرواح ونبادر لما يبعث القلوب على الائتلاف والأمن بفضل الله من عوائق الاختلاف وإن شحطت الدار وتناءت الصور والأشباح ونعترف بما له من مزيد الإعظام بمجاورة البيت الحرام والقيام بما هنالك من مطالع الوحي الكريم ومشاعر الصلاح ونجتلي من أنوائه الكريمة الشريفة ومطالعه العالية المنيفة وجوه البشائر رائقة الغرر والاوضاح ونستهدي ما يسرنا من أنبائه ممن يرد من تلقائه حتى من أنوار الصباح وسفراء الرياح ونبتهل إلى الله بالدعاء أن يخبرنا عنه ويطلعنا منه على ما يقر عيون الفوز ويشرح صدور النجاح السلطان الجليل الطاهر الملك الأعظم الظاهر جمال الدين والدنيا مؤيد كلمة الله العليا سيف الملة المرهوب المضاء بيد القضاء وركنها الباسق العلاء في أوج عزها المنداح للفضاء المشهود له من لدن حل التمائم ولوث العمائم بالشهامة التي ترعب الأسد في أجمها وتستخدم له سائر الأمم تركها وعربها وعجمها المختار للقيام بحقه بين عباده في أرضه وبلاده الفائز من جوار بيت الله ومقام خليله ومشرع الحجيج إليه وتيسير سبيله بما أحرز له سعادة الدارين وعز المقامين كوكب السعد الذي شقيت به أعداوه وبدر الدين الذي استضاءت به انحاؤه ميزان العدل لإنصاف الحقوق وشمس الهداية النيرة الغروب والفروق أبي سعيد برقوق وصل الله له رتبة راقية يتبوأ محلها ونعمة باقية يتفيأ ظلها وعزة واقية تسم وجوه أعدائه خسفها وذلها بمنه وكرمه
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد حمد الله ناظم الشمل وقد راب نثره وشتاته وجابر الصدع وقد اتسعت عن الجبر جهاته وراد الأمر وقد أعيا ذهابه وفواته وواصل الحبل وقد استولى انقطاعه وانبتاته العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة مما تكنه أرضه

وسمواته الذي قرن بالعسر يسرا وجعل لكل شيء قدرا فلا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا يكون في ملكه إلا ما تنفذه أحكامه وإراداته
والصلاة والسلام الأكملين على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي صدعت بالحق آياته وقامت بحجة دعواه معجزاته ونطقت بأنه رسول الله على لسان وحيه الصادق الأمين كلماته المبعوث بالملة السمحة ومن أزكاها حج بيت الله المقدسة أركانه وحجراته المعظمة عند الله حرماته المغفورة لمن سبقت له الحسنى بحجه سيئاته وعلى آله وأصحابه الذين قضوا رضي الله عنهم وهم أولياء دينه الكريم وولاته وأنصار حزبه المفلح وحماته وليوث دفاعه في صدور الأعداء وكماته والرضا عن الإمام المهدي القائم بهذه الدعوة الموحدية قيام من خلصت لله نياته وصدقت في ذاته دعواته وصممت لإظهار دينه القويم عزماته وصلة الدعاء لهذا المقام الأحمدي المتوكل الفاروقي بنصر تمضي به في صدو أعدائه شباته وعز يطرد به استقلاله وثباته وسعد تطيب به أيامه المتصله وأوقاته وتطول به حياته
فإننا كتبنا لسلطانكم كتب الله لكم من إسعاده ما يتكفل بعزه ونصره ويتضمن إطالة زمنه المبارك وعصره ويقوم بحفظ قطره الشريف ومصره من حضرتنا العلية تونس كلأها الله تعالى ووجوه نصر الله العزيز لدينا وضاحة الأسرة متبلجة الصور وآيات فتحه المبين ولله المنة محكمة السور وأحاديث الشكر على نعمه سبحانه مسلسلة الخبر وبشرنا بما من الله به عليكم قد عمل بمقتضاه من تحت إيالتنا الكريمة من البشر وإلى هذا فموجبه إليكم بعد تقريب حب شرعت في ملة الوفاء قواعده وقبل في عقد الصفاء شاهده واستقل بصلة الخلوص عائده وثبت في مرسوم الصداقة الصادقة زائده إعلامكم أنا علم الله من حين اتصل بنا خبركم الذي جره القدر المقدور وجرى به في أم الكتاب

الحكم المسطور لم نزل نتوجه إلى الله تعالى في مظان قبول الدعاء ورفع النداء بأن يجبركم بفضله من حيث صدع ويصلكم بخيره إثر ما قطع ويعطيكم من نعمته أضعاف ما منع إلى أن دارك الله بلطفه وأجاب وتأذن بفضله في قبول الدعاء بظهر الغيب وهو مستجاب فرد عليكم ملككم وصرف إليكم ملككم فأخذ القوس باريها وفوق السهم مقرطسها وراميها وانفذ القضايا حكمها ومفتيها وإذا كان العويل يفضي إلى النجدة والبلا يقضي بالجدة والفرج يدافع في صدر الشدة فلا جرم غفر الله للأيام ما اقترفت لما انابت واعترفت وهل هو إلا التمحيص الإلهي أراكم الله من باطن الضراء سراءكم وأجزل من جانب الغماء نعماءكم والتبر بعد السبك يروق النواظر خلاصة نضاره والبدر بعد السرار تتألق أشعه أنواره
ولما جاءنا بنصركم البشير وطلع من ثنية الهناء بأكمام السرور إلينا يشير هززنا له أعطاف الارتياح وتلقينا منه وارد التهاني والأفراح وحمدنا الله لكم على ما من به من الفوز والنجاح ورأينا أن تهنئتكم به من فروضنا المؤكدة وعهودنا المجددة وأنه لا يقوم به عنا هنالكم ويؤدي ما يجب منه بين يدي كرسي جلالكم إلا من له من ديار الملوك قرب الأدب والسلوك فاقتضى نظرنا الجميل أن عينا له شيخ دولتنا المستشار وعلمها الذي في مهماتها إليه يشار فلان
وقد كان منذ أعوام يتطارح علينا في أن نخلي للحج سبيله ونبلغه من ذلك مأموله ويد الضنة لا تسمح به طرفة عين ونفس الاغتباط لا تجيب فيه دواعي البين إلى أن تعين من تهنئتكم الكريمة ما عينه وسهل شأنه علينا وهونه فوجهناه والله تعالى يسعد وجهته ويجعل حجته لقبول الأعمال حجته وحملناه من أمانه الحب ما يلقي إليكم ومن حديث الشوق ما يقص أخباره عليكم ومن طيب الثناء ما يفض ختامه بين يديكم وأصحبناه برسم إصطبلاتكم الشريفة ما

يسر الحب سبيلها وأوضح الخلوص دليلها ورجونا من فضلكم على نزارتها قبولها إذ لو كانت الملوك تهادى على قدر جلالها لما اتسعت لذلك خزائن أموالها لكنها عنوان الحب السليم حسب ما اقتضاه الحديث النبوي الكريم
وفي أثناء شروعنا في ذلك وسلوكنا منه أيمن المسالك وصل إلينا كتابكم الكريم تعرف النواظر في وجوه بشائره نضرة النعيم فاطلعنا منه على ما راق العيون وصفا ونعتا وعبر للخلوص سبيلا لا ترى القلوب فيها عوجا ولا أمتا ولله هو من كتاب كتب من البيان كتائب واستأثر بفلك الإجادة فأحرز به سعادة الكاتب فقسما بالقلم وما سطر ! والحبر وما حبر ! لو رآه عبد الحميد لتركه غير حميد أو بصر به لبيد لأعاده في مقام بليد ولو قص على قس إياد فصاحته لنزله عن منبر خطابته بعكاظ أو سحب على سحبان وائل ذيل بلاغته لأراه كيف يتولد السحر الحلال بين المعاني الرائقة والألفاظ
ولما استقرينا من فحواه وخطابه الكريم ونجواه تشوقكم لأخبار جهادنا وسروركم بما يسنيه الله من ذلك ببلادنا رأينا أن نتحف أسماعكم منه بما قرت به

أعين الإسلام وأثلج صدور الليالي والأيام وذلك أنا من حين صدر من عدو الملة في الجزيرة ما صدر حسب ما جره محتوم القدر لم نزل نبيح لأساطيلنا المنصورة حرمه وحماه ونطرق طروق الغارة الشعواء بلاده وقراه ونكتسح بأيدي الاستلاب ما جمعت بها يداه إلى أن ذاقوا من ذلك وبال أمرهم وتعرفوا عاقبة مكرهم
وكان من جزائرهم المعترضة شجا في حلوق الخطار ومتجشمي الأخطار وركاب البحار من الحجاج والتجار جزيرة غودش وبها من أعداء الله جم كثير وجمع كبير فأرسلنا عليهم من أسطولنا المنصور غربانا نعقت عليهم بالمنون وعرفت المسلمين بركة هذا الطائر الميمون وشحناها عددا وعددا واستمددنا لها من الله ملائكة سمائه مددا فسارت تحت أجنحة النجاح إليها وتحوم إلى أن رمت مخالب مراسيها عليها فلما نزلوا بساحتها وكبروا تكبيرة الإسلام لإباحتها بهت الذي كفر وود الفرار والحين يناديه أين المفر فلما قضى السيف منهم أوطاره وشفى الدين من دمائهم أواره وشكر الله من المسلمين أنصاره عمدوا إلى ما تخطاه السيف من والد وولد ومن أخلد إلى الأرض من رجالهم عن المدافعة فلم يعترضه بالقتل منهم أحد فجمعوا منه عددا ينيف بعد الأربعمائة على الأربعين وجاؤوا بهم في الأصفاد مقرنين وامتلأت بغنائمهم والحمد لله أيدي المسلمين وانقلبوا فرحين بما آتاهم الله مستبشرين إلى أن دخلوا حضرتنا العلية بسلام آمنين
فعرفناكم بهذا الفتح لتأخذوا بحظكم من شكر الله عليه وتتوجهوا في مثله بصالح أدعيتكم إليه وهو سبحانه وتعالى يطلعنا ويطلعكم على ما يسر النفوس ويهنيها ويجلو وجوه البشائر ويبديها بمنه وكرمه والسلام العطر المحيا الجميل المحيا عائد علكيم ورحمة الله وبركاته

الجملة الثانية في المكاتبات الواردة عن صاحب تلمسان من بني عبد الواد
ورسم مكاتبته فيما وقفت عليه في المكاتبة الواردة على صاحب

الديار المصرية أن يبتدأ الكتاب بقوله إلى الحضرة الفلانية حضرة فلان بالألقاب المعظمة المفخمة ثم يدعى له بما يناسب الحال ويؤتى بخطبة ثم بالسلام ويقع الخطاب في أثناء الكتاب بالإخاء بلفظ الجمع ويختم بالدعاء المناسب
كما كتب عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة
إلى الحضرة العالية السامية السنية الماجدة المحسنة الفاضلة المؤيدة المظفرة المنصورة المالكة حضرة السلطان الملك الجليل الفاضل المؤيد المنصور المظفر المعظم ناصر الإسلام ومذل عبدة الأصنام الذي أيده الله بالبراهين القاطعة والأنوار المنيرة الساطعة الأعلى الأوحد الأكمل الأرفع الأمجد الأسمى الأسرى ذي المجد الظاهر والشرف الباهر الملاك الناصر ابن السلطان الملك الجليل العادل الفاضل المؤيد المظفر الأعلى الأوحد الأكمل الأرفع الأمجد الأسنى الأسمى ناصر الإسلام والمسلمين ومعلي كلمة الموحدين المقدس المرحوم ذي المجد المشهور والفخر المنشور والذكر المذخور الملك المنصور أدام الله علو قدره في الدنيا والآخرة وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة وجعل وجوه محاسنهم في صفحات الدهر سارة سافرة وصفقة أعدائهم خائبة خاسرة
وبعد حمد الله الذي أظهر الأمر العلي الناصري وأيده وبسط في قول الحق وفعله لسانه ويده وسدد نحو الصواب منحاه كله ومقصده والصلاة التامة المباركة على سيدنا محمد رسوله المصطفى الذي خصه الله بعموم الدعوة

وافرده وقرن ذكره بذكره فأبقاه أبد الدهر وخلده والرضا عن آله الكرام وصحابته الأعلام الذين حفظوا بالتوقير والتعزير مغيبه ومشهده وكانوا عند استلال السيوف ومجال الحتوف عدده المظفر وعدده والدعاء لذلكم المقام الشريف بسعد يطيل في شرف الدين والدنيا مدده وأمده
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته من أخيكم البر بكم الحريص على تصافيكم عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراس وإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم أنجح المقاصد وأرجحها وأثبتها عزا وأوضحها من حصن تلمسان حرسها الله تعالى ولا ناشيء بفضل الله تعالى إلا ما عود من بشائر تحث جيادها ومسار يتطاول إلى المزيد اعتيادها وإلى هذا أعلى الله كلمتكم وأمتع المسلمين بطول بقائكم فإنا نعرفكم بوصول كتابكم الخطير الأثير فتلقيناه بما يجب من التكريم والتعظيم وتتبعنا فصوله واستوعبنا فروعه وأصوله وتحققنا مقتضاه ومحصوله وعلمنا ما انطوى عليه من المنن والإفضال واشتمل عليه من التفصيل والإجمال ومن اعظم ذلك إذنكم لنا في اداء فرض الحج المبرور وزيارة سيد البشر الشفيع في المحشر الذي وجبت له نبوته ومثنى الغيب عليه منسدل وآدم صلوات الله عليه في طينته منجدل وعلم الله أننا لم تزل آمالنا متعلقة بتلكم المشاعر الكريمة وقلوبنا متشوقة إلى تلكم المشاهد العظيمة فلنا في ذلك نيات صادقة التحويم وعزمات داعية التصميم وكان بودنا لو ساعدنا المقدار وجرى الأمر على ما نحبه من ذلك ونختار أن نمتع برؤية المواطن التي تقر أبصارا ويتشفى بها إيرادا وإصدارا ولعل الله تعالى ينفعنا بخالص نياتنا وصادق طوياتنا بمنه وكرمه
وقد وجب شكركم علينا من كل الجهات واتصلت المحبة والمودة طول الحياة غير أن في قلوبنا شيئا من ميلكم إلى غيرنا واستئناسكم ونحن والحمد لله أعلم الناس بما يجب من حقوق ذلكم المقام الشريف ولنا القدرة على القيام بواجبكم والوفاء بكريم حقكم وليس بيننا وبين بلادكم من يخشى والحمد لله من كيده ولا يبالى بهزله ولا جده وقد توجه إلى بابكم الشريف قرابتنا الشيخ

الصالح الحسيب الأورع الأكمل الزاهد أبو زكريا يحيى ابن الشيخ الصالح المرابط المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن جرار الوادي وهو من أهل الدين والخير وقد شافهناه بما يلقيه إلى ذلكم المقام الشريف من تقرير الود والإخاء والمحبة والصفاء مما يعجز عنه الكتاب فالمقام الشريف يثق إلى قوله ويعامله بما يليق ببيته ودينه وغرضنا أن تعرفوه بجميع ما يصلح لذلكم المقام الشريف مما في بلادنا ويصلكم إن شاء الله في أقرب الأوقات على أحسن الحالات ولكم بذلك علينا المنة العظمى والمزية القصوى والله تعالى يبقي ذلكم المقام الشريف محروس المذاهب مشكور المناقب إن شاء الله تعالى

الجملة الثالثة في المكاتبات الواردة عن صاحب فاس إلى الأبواب السلطانية
بالديار المصرية
وعادة كتبهم أن تفتتح بلفظ من عبد الله فلان أمير المسلمين وأول من كتب منهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حين استولى على المغرب قبل بني مرين خضوعا أن يتلقب بأمير المؤمنين مضاهاة للخلفاء وهو
من عبد الله علي أمير المسلمين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين ومالك العدوتين أبي سعيد ابن مولانا أمير

المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين القائم لله بإعلاء دين الحق أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق منح الله التأييد مقامه وفسح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصفر أيامه
إلى السلطان الجليل الكبير الشهير العادل الفاضل الكامل الحافل الملك الناصر المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الأسعد الأصعد الأرقى الأوقى ناصر الدنيا والدين وقامع البغاة والمعتدين مفيد الأوطار مبيد الكفار هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار ماليء صدور البراري والبحار حامي القبلتين خديم الحرمين غيث العفاة عون العناة مصرف الكتائب مشرف المواكب ناصر الإسلام ناشر الأعلام فخر الأنام ذخر الأيام قائد الجنود عاقد البنود حافظ الثغور حامي الجمهور نظام المصالح بقية السلف الصالح ظهير الخلافة وعضدها ولي الإمامة وسندها عاضد كلمة الموحدين ولي أمير المؤمنين أبي المعالي محمد بن السلطان الكبير الجليل الشهير الشهيد الخطير العادل الفاضل الكامل الحافظ الحافل المؤيد المظفر المعظم المبجل المكبر الموقر المعزز المجاهد المرابط المثاغر الأوحد سيف الدين قلاوون أدام الله فضل عزمه الماضي بتأييده وأدار الأفلاك بتشييد ملكه الشامخ وتمهيده وطهر أرجاءه من أرجاس المنافقين وأدناس المارقين بما يريق عليها من دمائهم فما كل متطهر يجزيء عنه غسل مائه أو تيمم صعيده
سلام كريم طيب عميم أرج الشميم متضوع النسيم تستمد الشمس

باهر سناه ويستعير المسك عاطر شذاه يخص إخاءكم العلي ووفاءكم الوفي ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي أيد المؤمنين على عدوهم فأصبحوا ظاهرين وعرف الإسلام وأهله من السر العجيب والصنع الغريب ما فيه عبرة للسامعين والناظرين حكمة عجزت عن فهم سرها المكتوم وقصرت عن كنهها المختوم الباب عبيده القاصرين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أرشد به الحائدين الحائرين وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله برغم الجاحدين الكافرين وعلى آله وصحبه الذين هاجروا إليه وبلادهم هجروا والذين آووا من أوى إليهم ونصروا والذين جاهدوا في الله فصبروا ففازوا بذكر المهاجرين والأنصار وأجر المجاهدين الصابرين وصلة الدعاء لحزب الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بفضل لا يزالون معه لأعدائهم قاهرين وسعد لا ينفكون له بآمالهم ظافرين ونصر من عند الله وما النصر إلا من عند الله وهو خير الناصرين
فإنا كتبنا لكم كتب الله لكم مجدا مديد الظلال وعضدا حديد الإلال وسعدا جديد السربال من منصورة تلمسان حرسها الله تعالى والصنائع الربانية تكيف العجائب وتعرف العوارف الرغائب وتشنف الاسماع بما تسمعها من إجزال المنوح والمواهب وتفوف الرقاع بما تودعها من أحاديث الفتوح الغرائب والحمد لله على ما يسر من المآرب وسهل من المواهب وإخاؤكم الصادق مبرور الجوانب مأثور المناقب مشرق الكواكب مغدق السحائب نامي المراتب سامي المراقب والله تعالى يبقيه في ذاته ويقيه من صرف الدهر وأذاته وإلى هذا وصل الله لكم سعدا جديدا وجدا سعيدا ومجدا حميدا

وحمدا مجيدا فقد وصل كتابكم الأثير المزري بالمسك النثير فاجتلينا منه روضة جادها البيان فأمرعها ورادها البنان فوشعها واجتنينا من غصون سطوره ثمرات وداد ما أينعها إنباء عما تلقاه الإخاء الكريم من قبل الشيخ الأجل أبي عبد الله محمد بن الجراح مما عنا تحمل وفي إلفائه وأدائه بحضرتكم الكريمة احسن وأجمل وهو ما كان عليه عزم مولاتنا الوالدة ألحقها الله تعالى رضوانه وبوأها جنانه من حج البيت المحرم وزيارة القبر المعظم المكرم والصلاة بالمسجد الحرام ومسجد النبي وثالثها في شد الرحال للمسجد الأقصى ونعم المغتنم وقضاء النسك بتلك المناسك والمشاهد والتبرك بتلك المعالم المنيفة والمعاهد وما وصف مع ذلك بهذا الجانب الغربي ورصف من أمر قتالنا لكل مارق أبي وكافر حربي وما منحنا الله من نصر لقلوب أهل الإيمان مبهج ولصدور عبدة الصلبان محرج وأن الإخاء الكريم حصل له بذلك أبهى ابتهاج وحل منه محل القبول الذي انتهج له من اقتفى سبيل القصد انهى انتهاج فعقد العزم على تلقي الوافد من تلقائنا والوارد رجاء أداء فرض الحج من أرجائنا بتسهيل سبيله وتيسير آرتحاله الى بيت الله ورسوله وأنه متى وقع الشعور بمقدم المولاة رحمها الله تعالى على بلاده وقربها من جهاته المجودة من جود جوده بعهاده يقدم للخروج من يتلقى ركابها ويعتمد بالبر والتكريم جنابها حتى تحمد وجهتها الشريفة بجميل نظره وإيابها وقام عنا بما نوده من برها وساهم فيما تقدمه إلى الله عز و جل من صالح أجرها وقد قابلنا هذا الفضل من الشكر بأجزله ومن البر بأحفاه وأحفله وحصل لدينا بإزائه سليم وده وكريم إخائه من تخليص ولائه وتمحيص صفائه منا ما يزال عهده الأنيق في نهائه وعقده الوثيق في ازدياده ونمائه وغصنه الوريق في رونق غلوائه ولئن كانت المولاة الوالدة قدس الله روحها وبرد ضريحها قد وافت بما قدمت عند الله من صالح

العمل وماتت على ما أبرمته في قصد البيت الشريف في نية وأمل إذ كانت رحمة الله تعالى عليها قد تأهبت لذلك واعتدت لسلوك تلك المسالك وأداء ما فرض الله من السعاية والمناسك وعلى الله إجزال ثوابها وعنده نحتسب ما ألم فآلم من مصابها فإن لدينا ممن يمت بحرمة المحرم إلينا ويلزم بحق التربية علينا من يقوم عندنا مقامها ويروم من ذلك المقصد الشريف مرامها وسنوردها إن شاء الله تعالى على تلكم البقاع ونوردها من تلكم الأقطار والأصقاع ما يجمل بحسن نظركم مورده ومصدره ويطابق في جميل اعتنائكم وحفيل احتفالكم خبره ومخبره بفضل الله وعونه
وأما تشوق ذلكم الإخاء لمواصلة الكتب بسار الأنباء فإن من أقربها عهدا وأعذبها حديثا يهادى ويهدى ما كان من امر العاق قاتل ابيه الحال من إقليم تلمسان وممالكها بالمحل النبيه وذلك أن أسلافه بني زيان كانوا قد استولوا على هذه المملكة في سالف الزمان ولم يزل بينهم وبين اسلافي المحتوين على ملك المغرب الأقصى وقائع توردهم الحمام وتذيقهم الموت الزؤام فيدعون المنازعة ويعودون للموادعة ثم لم يلبثوا أن ينكثوا ولم يصبروا أن يغدروا إلى أن كان من حصار عمنا المقدس المرحوم أبي يعقوب قدس الله تربته إياهم فأكثر موتهم وكدر محياهم وتمادى بهم الحصار تسع سنين وما كانوا غير شرذمة قليلين وهنالكم اتصلت بينكما المراسلة وحصلت الصداقة والمواصلة ثم حم موته وتم فوته رحمة الله تؤمه ورضوانه يشمله ويعمه فنفس خناقهم وعاد إلى الإبدار محاقهم وصرف القائم بعده عنهم الحين عما كان هو رحمه الله قد طوعه من بلاد مغراوة وتحين فاتسعت عليهم المسالك وملكوا ما لم يكن فيه لأوائلهم طمع من الممالك لكن هذا الخائن وعمه كانا ممن أسأرته الفتن وعم

به فيها غوامر المحن فسلكا مسلك اسلافهما في إذاعة المهادنة والروغان عن الإعلان بالمفاتنة
ولما سول الشيطان لهذا العاق قتل والده والاستيلاء على طارفه وتالده لم يقدم عملا على إشخاص إرساله بحضرة مولانا المقدس أبي سعيد قدس الله مثواه وجعل الجنة مأواه في السلم راغبا وللحكم بموادعته طالبا فاقتضى النظر المصلحي حينئذ موافقته في غرضه وإن كان باطنه على مرضه فقوي أمره وضري ضره وشري شره ووقد تحت الرماد جمره وسرى إلى بلاد جيرانه الموحدين داؤه وطال عليهم تضييقه واعتداؤه واستشعر ضعفهم عن مدافعته ووهنهم عن مقاومته ومنازعته فبغى وطغى ولم يدر أن من فوقه سقب السماء رغا وباطن جماعة من عرب أفريقية المفسدين وجروه بحبل الأطماع إليها وأقام على بجاية عشرين سنة يشد على بجاية الحصار ويشن على أحوازتونس الغار حتى كان من هزيمة جيشه لصاحبها ما كان بممالأة منهم ومن غيرهم من وراتيه كابن اللحياني وابن الشهيد وابن عمران فأدى ذلك صاحبها السلطان أبا يحيى أعزه الله تعالى أن بعث إلينا وزيره في طلب النصرة رسولا وأوفد علينا أعز ولده ابا زكريا في إذهاب المضرة عنه دخيلا فخاطبنا إذ ذاك هذا الخائن العاق مبصرين وبقوله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) مذكرين فما زادته الموعظة إلا أشرا ولا أفادته التذكرة إلا

بطرا وحين ذكر فلم تنفعه الذكرى وفكر فلم يتيسر لليسرى امتثلنا فيه أمر الله تعالى المرتب على قوله ( فإن بغت أحداهما على الاخرى ) فأزمعنا قدعه وأجمعنا رده وردعه وفي أثناء ذلكم وصل إلينا أيضا سلطان الأندلس مستغيثا على النصارى اعداء الله جيرانه على طاغيتهم المصر على عداوته وعداوتهم فجهزنا معه ولدنا عبد الواحد في أربعة آلاف من الأبطال وأمددناهم بما كفاهم من الطعام والعدة والمال فأجاز من سبتة إلى الخضراء عجلا ولم يقدم على منازلة جبل الفتح عملا وكان هذا الجبل الخطير شأنه منذ استولى عليه العدو قصمه الله في سنة تسع وستين شجا في لهوات أهل العدوتين وغصة لنفوس الساكنين بالجهتين لإطلاله عليهما وإرساله جوارح جواريه إليهما تحطف من رام العبور ببحر الزقاق وما يقرب الملجأ إلى هذا المعقل المستقر من اللحاق فكم أرمل وأيتم وأثكل وأيم فأحاطت به العاديات السوابح برا وبحرا وأذاقت من به من أهماج الأعلاج شرا وحصرا إلى أن أسلموا للمسلمين قهرا وقسرا ومنح الله حزبه المؤمنين فتحا ونصرا وسمع الطاغية الغادر إجابة الله تعالى بأمره فطار بما قدر عليه من حشوده وجنوده إلى إغاثته ونصره فوصله بعد ثمانية أيام من تسليمه للإسلام فنزل بخيله ورجله إزاءه واقسم بمعبوده لا يبرح فناءه حتى يعيد إليه دينه أو يلقى منونه دونه فأكذب الله زعمه وأوهن عزمه وأحنث يمينه واقلع بعد شهرين وأيام مدلجا واسرع العود إلى مستقره واسأله كيف نجا وكان ذلك سبب إنابته للسلم وانقياده وإجابته لترك ما كان له على أصحاب غرناطة من معتاده وكانوا يعطونه ما ينيف على الأربعين ألفا من

الذهب في العام ضريبة ألزمهم الطاغية أداءها في عقد مصالحته أي إلزام فسمناه تركها وإسقاطها وألزمناه فيما عقدناه له من السلم أن يدع اشتراطها والحمد لله الذي اعز بنا دين الإسلام وأذل رقاب عبدة الأصنام وقد اعتنينا بتحصين حصن هذا الجبل تتميما لها وتكميلا وابتدأنا من تحصين أسواره وأبراجه بما يغدو على جبينه تاجا وإكليلا وكنا في هذه المدة التي جرت بها هذه الأحوال وعرت فيها هذه الأهواء والأهوال منازلين أخانا الممتنع بسجلماسة من بعض بلاد القبلة ومحاولين من إزاحة ضره والإراحة من شره ما فيه الصلاح والفلاح على التفصيل والجملة لعثايته في الفساد ودعايته إلى العناد ومعاضدته صاحب تلمسان ومساعدته على البغي والعدوان فسهل الله افتتاحها وعجل من صنائعه الجميلة منها مباحها وذلك بعد تسليم جبل الفتح بثلاثة أشهر ونصف ويسر الله تعالى في ذلك من بدائع الصنائع ما يقصر عنه كل نعت ووصف وفي خلال تلكم المنازلة وحال تلكم المحاولة لاحت للخائن التلمساني فرصة جرع منها غصة إذ ظن أنا عنه مشغولون وفي أمر ما عرض من سجلماسة وجبل الفتح معتملون فخرج من بلده على حين غفلة بالعزيمة والجد إلى حصن ما وريرت الذي هو بين بلاده وبلادنا كالحد فوجد هنالك ولدنا الأسعد تاشفين في ثلة من بني مرين آساد العرين فلما نذروا به ثاروا إليه مسرعين فنكص على عقبه ولم ير له جنة أوقى من هربه وعاد لذلك ثانية فلم تكن عساكرنا عن طرده وانية بل ردته في الحافرة وأنشدته بلسان حالها الساخرة سريع
( إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره )

ولما فرغنا والحمد لله من تلكم الشواغل وأرغنا من الخائن التلمساني ترك ما هو فيه من إثارة الفتن واغل فأعرض وأشاح وما لاحت عليه مخيلة فلاح نهدنا نحو أرضه لنجزيه بقرضه بجيوش يضيق عنها فسيح كل مدى وخيول تذر الأكم للحوافر سجدا تنقض على الأقران أمثال الأجادل وتقض الجنادل من حوافرها بأصلب من الجنادل فكلفنا بتسلم منازله منزلا فمنزلا وتسنم معاقله معقلا فمعقلا وجل رعاياه تقر بفضلها وتفر من جوره إلى عدلنا ومن تمسك منهم بحبله او سلك من الغي في سبله قاده السيف برغمه واستنزله على حكمه والعفو مع ذلك يؤمهم والإحسان يشملهم ويعمهم حتى لم يبق إلا معقله الأشب ومنزلة الذي رأى أنه عن عين الشوائب محتجب قد شمخ أنفا حميا وصافح كفا للثريا ولم يرض لهامته عمائم إلا الغمائم ولا لأنامل شرفاته خواتم إلا النجوم العواتم فنزلنا بساحه وأقبلنا على كفاحه وجعلنا نقذفهم من حجارة المجانيق بأمثال النيق ومن كيزان النفظ الموقدة بأمثال الشهب المرصدة ومن السهام العقارة بأمثال العقارب الجرارة حتى غدت جدرانهم مهدومة وجسومهم مكلومة وثغور شرفاتهم في أفواه أبراجهم مهتومة وظلت الفعلة تشيد إزاء أبراجهم أبراجا وتمهد منها لتسوير أسوارهم أدراجا وللمعاول في اسافلها إعوال وللعواسل على أعاليها أعمال وللأشقياء مع ذلك شدة وجلد وعدة وعدد وحدة ولدد يقاتلون حمية وينازلون بنفوس أبية وحجارة المجانيق تشدخ هامهم وبنات الكنائن تزلزل أقدامهم وهم في مثل ذلك لازمون إقدامهم إلى أن اشتدت أزمتهم فلم يجدوا لها من فارج وأحاطت بهم الأوجال من خارج وهدمت أبراجهم الشواهق وردمت حفائرهم والخنادق وأخذت الكماة في العروج إلى البروج والحماة في السباق إلى الانفاق والرماة في النضال بالنضال فمن مرتق سلما غير متق مؤلما ومشتغل بالنقب غير

محتفل بشابور الحجارة المنصب وأفرج المضيق وانتهج الطريق واقتحمته أطلاب الأبطال وولجته أقيال القبائل وولى الأشقياء الأدبار وعاذوا بالفرار وبدت عليهم علامات الأدبار وسابقوا إلى الأبواب فكان مجيئهم من أقوى الأسباب وقتل منهم الزحام من أسأره الهدم والحسام فتملكنا ما دارت عليه الأسوار الخارجة كفرار السبع والملعب وجميع الجنان والعروش التي ما آنفك الشقي يجتهد في عمارتها ويتعب وأعلنا بالنداء أن كل من جاءنا هاربا ووصل إلينا تائبا منحناه العفو ومحونا عنه الهفو وأوردناه من إحساننا الصفو فتبادروا عند ذلك يتساقطون من الأسوار تساقط جنيات الثمار فرادى ومثنى آئبين إلى الحسنى فيسعهم الصفح ويحسبهم المن والمنح
ولما رأى الخائن قلة من بقي معه وشاهد تفرق من ذلك الموقف جمعه أمر بسراح من في قبضته وسجنه واعتقدهم عونا له فكانوا أعون شيء على وهيه ووهنه واعتمد الناس في بقية يومهم السور تتوسع انقابه وتتخرق أبوابه إلى أن جنهم الليل وحاق منهم بالأعداء الويل ولزم كل مركزه ولم يكن الليل ليحجبه من عمله ولا يحجزه وبات الفرار إلينا يهربون ومن كل نفق يتسربون فلما ارتفع الضياء ومتع الضحاء أمرنا ولدينا يعقوب وعبد الواحد ووزيرنا القاعد له بالمراصد بأن زحفوا إليها مع أطلابنا تحت راياتنا المنصورة عليها فرجفت قلوبهم ووجبت جنوبهم ولم يكن إلا كلا حتى امتطيت تلك الصهوة وتسنمت فيها الذروة وتسلمت بيد العنوة وفصمت عراها عروة عروة وأنزلوا من صياصيهم وتمكنت يد القهر من نواصيهم وحقت عليهم كلمة العذاب من معاصيهم وفر الشقي إلى فناء داره في نفر من ذويه وأنصاره وفيهم ولداه مسعود وعثمان ووزيره موسى بن علي معينه على البغي والعصيان وعبد الحق بن

عثمان الخائن الغادر وابن أخيه العامل بعمله ثابت بن عامر فتكنفهم هنالك أولياء دولتنا العلية فأوردوهم ويوسف ولد الشقي السالب حياض المنية ونبذت بالعراء أجسامهم وتقدمنا للحين بأن يمد على الرعية ظل التأمين ويوطأ لهم كنف التهدئة والتسكين ويوطد لهم مهاد العافية وتكف عنهم الأكف العادية حتى لا تمتد إليهم كف منتهب ولا يلتفت نحوهم طرف مستلب ومن انتهب شيئا أمر برده وصد عن قصده وكمل لنا والحمد لله بالاستيلاء على هذا القطر جميع البلاد الداخلة في ولاية بني عبد الواد ونسخت منها دولتهم ومحيت من صحيفتها دعوتهم وعوض الرعايا من خوفهم أمنا ومن شؤمهم يمنا وشملتهم كلمتنا الراقية المنصورة بكلمة الله الباقية وفي ذلك معتبر لأهل اليقين والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتعين
والحمد لله على هذه النعمة التي أفاضت على النعم جلالا والصنيعة التي بهرت الصنائع جمالا وأضفت على المسلمين من الصلاح والعافية سربالا وقد رأينا من حق هذا الإنعام الجسيم والصنع الرائق الوسيم أن نتبع العفو بعد المقدرة بالإحسان لمن أسلف لنا غمطه أو شكره فمننا على قبائل بني عبد الواد وأضفينا عليهم صنوف الملابس نساء ورجالا وأوسعنا لهم في العطاء مجالا وأفعمنا لهم من الحباء سجالا وأقطعنا لهم من بلاد المغرب حاطها الله تعالى ما هو خير من بلادهم وحبوناهم منها بما كفل بإحساب مرادهم وإخصاب مرادهم وخلطناهم بقبائل بني مرين وحطناهم باتحاد الكلمة من تقول المتقولين وتزوير المزورين وأعددنا منهم لأوان الجهاد أوفر عدد وأعتدنا من فرسانهم ورجالهم لطعان الأعادي أكبر مدد وأزيل عن الرعايا بهذه البلاد الشرقية إصرهم وأزيح عنهم بتوخي العدل فيهم جورهم ووزرهم وخففنا عنهم ما آد

من المغارم وهاد من المكارم فانشرحت صدورهم وصلحت أمورهم
والحمد لله الذي ثل محال الباغين ومجالهم وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم وأخذهم بما احتقبوا من المآثم واكتسبوا من الجرائم واستحلوا من المحارم وأباحوا من المسكرات وأذاعوا من المنكرات وطالما أصبح ربعهم معدن الفسوق وموطن العقوق ومقطن إضاعة الحقوق لا سيما في أيام المسرور بهناته المغرور بما سول له الشيطان وأملى له من ترهاته المشهور بقتل أبيه المأثور من مثالبه ومعايبه بما لم يأت الدهر له بشبيه ولقد طبقت الآفاق معاصيه وبلغت أخبار خيانته من بأطراف المعمور وأقاصيه ولكن الله تعالى أملى له ليكثر مآثمه حتى إذا شاء أخذه أخذ القرى وهي ظالمة
والحمد لله الذي طهر بأيدينا هذه الأرجاء من أرجاسه ورحض عنها بأيدينا أوضار أدناسه وأنجاسه وأتاح لأهلها بهلاك هذا المريد المراد وأراح منه ومن شيعته البلاد والعباد ولو لم يكن إلا ما نال الحجاج من تعنيه وتعديه وطال عليهم من تعرضه لهم وتصديه حتى حجز عن الحجاز الشريف قصاده وحجر بقطع السبيل عن بيت الله الحرام من أراده فكم سلب الحجاج وسد عليهم المسالك والفجاج وفرق فريقهم وعوق طريقهم والآن بحمد الله حقت الحقائق وارتفعت العوائق وصح العليل ووضح السبيل وتسهل المرام وتيسر القصد إلى البيت الحرام مكان ترده الزوار عليكم أرسالا ووفود الأبرار للسلم خفافا وثقالا يأتون من كل فج عميق ويقضون ما يقضون من مناسكهم آمنين في مسالكهم إلى البيت العتيق وهكذا أيضا خلا وجهنا لجهاد الروم ولإعداد من يغزونهم في عقر دارهم للقصد المروم وأن نجدد من هذا العمل بجزيرة الأندلس حماها الله تعالى ما لسلفنا بها سلف ونبدد من شمل عباد الصليب ما لخلفهم بفضل الله تعالى خير خلف فعمل الجهاد بهذه البلاد هو

الفضيلة التي لنا الله سبحانه ذخرها والحسنة التي في صحائف أعمالنا سطرها وبجيوشنا المنصورة عز دين الإسلام بهذا المغرب الغريب وبسيوفنا المشكورة والله المشكور ذل بها الصليب أوزعنا الله تعالى شكر آلائه وأمتعنا بتواتر نعمائه بمنه وفضله
وأنهينا لعلمكم الكريم هذه الأنباء السارة والآلاء الدارة لما ذكرتم من تشوفكم لاستطلاعها وسطرتم من تشوقكم لاستماعها ولعلمنا أنكم تسرون بقطع دابر الباغين وتستبشرون بحسم أدواء الطاغين وتوثرون الإخبار بائتلاف الكلمة على أعداء الله الكافرين إيثار الحامدين لفعل الله تعالى في إظهار دينه الشاكرين لا زلتم تشرع نحوكم البشائر وتفرع بذكركم المنابر وترفع لاجتلاء آثار أمركم الستائر واستجلاء أخبار سيركم الباهرة النواظر وتجمع لسجاياكم السنية العلاء ومزاياكم العلية السناء ثواقب المناقب وقول خير المفاخر إن شاء الله والسلام الأتم الأضوع الأنم يخص إخاءكم الأوفى ورحمة الله وبركاته
قلت جواب هذا الكتاب تقدم في الكلام على المكاتبات عن الأبواب السلطانية في المكاتبات إلى الملوك
وهذه نسخة كتاب ورد من أبي الحسن المريني صحبة الهدايا والحرة الحاجة في شهر رمضان المعظم سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ونصه بعد البسملة
من عبد الله علي أمير المسلمين ناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين مالك العدوتين ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين

أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق منح الله التأييد مقامه وفسح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصفر أيامه
إلى السلطان الجليل الكبير الشهير العادل الفاضل الكامل الكافل الملك الناصر المجاهد المرابط المؤيد المنصور الأسعد الأصعد الأرقى الأوقى الأمجد الأنجد الأفخم الأضخم الأوحد الأوفى ناصر الدين عاضد كلمة المسلمين محيي العدل في العالمين فاتح الأمصار حائز ملك الأقطار مفيد الأوطار مبيد الكفار هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار خادم الحرمين غيث العفاة مصرف الكتائب مشرف المواكب ناصر الإسلام ناشر الأعلام فخر الأنام ذخر الأيام قائد الجنود عاقد البنود حافظ الثغور حائط الجمهور حامي كلمة الموحدين أبي المعالي محمد ابن السلطان الجليل الكبير الشهير الشهيد الخطير العادل الفاضل الكافل الكامل الحافظ الحافل المؤيد المكرم المبجل المكبر الموقر المعزر المعزز المجاهد المرابط المثاغر الأوحد الأسعد الأصعد الأوفى الأفخم الأضخم المقدس المرحوم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قسيم امير المؤمنين أبقى الله ملكه موصول الصولة والاقتدار محمي الحوزة حاميا للديار حميد المآثر المأثورة والآثار عزيز الاولياء في كل موطن والانصار
سلام كريم زاك عميم تشرق إشراق النهار صفحاته وتعبق عن شذا الروض المعطار نفحاته يخص إخاءكم العلي ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي وسع العباد منا جسيما وفضلا جزيلا وألهمهم الرشاد بأن أبدى لهم من آثار قدرته على مقدار وحدته برهانا واضحا ودليلا

وألزم أمة الإسلام حج بيته الحرام من استطاع إليه سبيلا وجعل تعظيم شعائره من تقوى القلوب ومثابات محط الأوزار والذنوب فما اجزل نعمته منيلا وأجمل رحمة ربه مقيلا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد المصطفى من أفضل العرب فصيلة في أكمل بقاع الأرض فضيلة وأكرمها جملة وتفصيلا المجتبى لختم الرسالة وحسم أدواء الضلالة فأحسب الله به النبوة تتميما والرسالة تكميلا المخصوص بالحوض المورود والمقام المحمود يوم يقول الظالم ( يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) المبوإ من دار هجرته ومقر نصرته محلا ما بين بيته ومنبره فيه روضة من رياض الجنة لم يزل بها نزيلا والرضا عن آله الأبرار وأصحابه الأخيار الذين فضلتهم سابقة السعادة تفضيلا وأهلتهم العناية بأمر الدين إلى أن يوسعوا الأحكام برهانا ودليلا فإنا نحيط علم الإخاء الأعز ما كان من عزم مولاتنا الوالدة قدس الله روحها ونور ضريحها على أداء فريضة الحج الواجبة وتوفية مناسكه اللازبة فاعترض الحمام دون ذلك المرام وعاق القدر عن بلوغ ذلك الوطر فطوي كتابها وعجل إلى مقر الرحمة بفضل الله مآبها وعلى الله أجرها وعنده يحتسب ذخرها وإن لدينا من نوجب إعظامها ونقيمها بحكم البر مقامها وعزمها إلى ما أملته مصروف وأملها إلى ما كانت أمته موقوف وهي محل والدتنا المكرمة المبرورة الأثيرة الموقرة المبجلة المفضلة المعززة المعزرة المعظمة المطهرة أسنى الله مكانتها وسنى من هذا القصد الشريف لبانتها وقد شيعناها إلى حج بيت الله الحرام والمثول بحول الله تعالى ما بين زمزم والمقام والفوز من السلام على ضريح الرسالة ومثابة الجلالة بنيل السول والمرام لتظفر بأملها المرغوب وتنفر بعد أداء فرضها لأكرم الوجوب

وحين شخص لذلكم الغرض الكريم موكبها وخلص إلى قصد الحرم العظيم مذهبها والكرامة تلحفها والسلامة إن شاء الله تكنفها أصحبناها من حور دولتنا وأحظيائها ووجوه دعوتنا العلية وأوليائها من أخترناه لهذه الوجهة الحميدة الأثر والرحلة السعيدة الورد إن شاء الله تعالى والصدر من أعيان بني مرين أعزهم الله تعالى والعرب وأولاد المشايخ أولي الديانة والتقوى المالئين دلاء القرب إلى عقد الكرب وكل من له أثرة مشهورة وشهرة بالمزايا الراجحة والسجايا الصالحة مأثورة وقصدهم من أداء فرض الحج قصدها ووردهم إن شاء الله تعالى من منهل بركاته الجمة وردها وهكذا سيرنا من تحف هذه البلاد إليكم ما تيسر في الوقت تسييره وإن تعذر في كثير مما قصدناه ولهذا الغرض أردناه تيسيره لطول المغيب عن الحضرة والشغل بتمهيد البلاد التي فتحها الله علينا في هذه السفرة وعينا لإيرادها لديكم وإيفادها عليكم أبا إسحاق ابن الشيخ أبي زكريا يحيى بن عثمان السويدي وأمير الركب الحسن بن عمران وغيرهم كتب الله سلامتهم ويمن ظعنهم وإقامتهم ومقام ذلك الإخاء الكريم يسني لهم من اليسرى والتسهيل القصد والسول ويأمر نواب ماله من الممالك وقوام ما بها من المسالك لتكمل العناية بهم في الممر والقفول ومعظم قصدنا من هذه الوجهة المباركة إيصال المصحف العزيز الذي خططناه بيدنا وجعلناه ذخيرة يومنا لغدنا إلى مسجد سيدنا ومولانا وعصمة ديننا ودنيانا محمد رسول الله بطيبة زادها الله تشريفا وأبقى على الأيام فخرها منيفا رغبة في الثواب وحرصا على الفوز بحظ من أجر التلاوة فيه يوم المآب
وقد عينا بيد محل الوالدة المذكورة فيه كرم الله جبهتها ويمن وجهتها

من المال ما يشترى به في تلكم البلاد المحوطة من المستغلات ما يكون وقفا على القرأة فيه مؤبدا عليهم وعلى غيرهم من المالكية فوائده ومجانيه والإخاء الكريم يتلقى من الرسل المذكورين ما إليهم في هذه الأغراض ألقيناه ويأمر بإحضارهم لأدائهم بالمشافهة ما لديهم أوعيناه ويوعز بإعانتهم على هذا الغرض المطلوب وييسر لهم أسباب التوصل إلى الأمل والمرغوب وشأنه العون على الأعمال الصالحة ولا سيما ما كان من أمثال هذا إلى مثل هذه السبل الواضحة وشكر بادراتكم موطد الأساس مطرد القياس متجدد مع اللحظات والأنفاس والله يصل للإخاء العلي نضرة أيامه ويوالي نصرة أعلامه ويبقي الثغور القصية والسبل السرية منوطة بنقضه وإبرامه محوطة بمعاضدة أسيافه وأقلامه والسلام الكريم العميم يخص إخاءكم الأعز ورحمة الله وبركاته وكتب في يوم الخميس المبارك الخامس والعشرين من ربيع الأول عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة
وهذه نسخة كتاب عن السلطان عثمان بن أبي العباس المريني في العشر الأوسط من شعبان سنة أربع وثمانمائة وهو
من عبد الله ووليه عثمان أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين سلطان الإسلام والمسلمين ناشر بساط العدل في العالمين المقتدي بآثار آبائه الكرام المقتفي سننهم الحميدة في نصرة الإسلام المعمل نفسه العزيزة في التهمم بما قلده الله من أمور عباده وحياطة ثغوره وبلاده سيف الله المسلول على أعدائه المنتشر عدله على أقطار المعمور وأنحائه ظل الله تعالى في أرضه القائم بسنته وفرضه عماد الدنيا والدين علم الأئمة المهتدين ابن

مولانا السلطان المظفرالقان الخليفة الإمام ملك الملوك الاعلام فاتح البلدان والاقطار ممهد الأقاليم والامصار جامع اشتات المحامد ملجأ الصادر والوارد الملك الجواد الذي حلت محبته في الصدور محل الارواح في الاجساد أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي العباس ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سالم ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق وصل الله تعالى أسباب تأييده وعضده وقضى باتصال عرف تجديد سعده وأناله من جميل صنعه ما يتكفل بتيسير أمره وبلوغ قصده
إلى محل أخينا الذي نؤثر حق إخائه الكريم ونثني على سلطانه السعيد ثناء الولي الحميم ونشكر ماله فينا من الحب السليم والود الثابت المقيم السلطان الجليل الماجد الأصيل الأعز الخطير المثيل الشهير الأمجد الأرفع الهمام الأمنع السري الأرضى المجاهد الأمضى الأوحد الأسنى المكين الأحمى خديم الحرمين الشريفين حائز الفخرين المنيفين ناصر الدنيا والدين محيي العدل في العالمين الأجد الأود المكين الأخلص الأفضل الأكمل أبي السعادات فرج أبن السلطان الجليل الأعز المثيل الخطير الأصيل الأرفع الأمجد الشهير الهمام الأوحد الأسمى الأسرى الأرضى المجاهد الأمضى خديم الحرمين الشريفين حائز الفخرين المنيفين الأفضل الأكمل المبرور المقدم المرحوم أبي سعيد برقوق بن أنص وصل الله تعالى لسلطانه المؤيد جدا لا يعجم عوده وعزا لا يميل عموده

ونصرا يملأ قطره بما بغص به حسوده وعضدا يأخذ بزمام أمله السني فيسوقه ويقوده
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله على سبوغ نعمائه وترادف لطفه وآلائه الذي عرفنا من ولائكم الكريم ما سرنا من اطراد اعتنائه وأبهج النفوس والأسماع من صفاء ولائه ومواصلة صفائه والصلاة والسلام الأكملين على سيدنا ومولانا محمد خاتم رسله وأنبيائه ومبلغ رسالاته وأنبائه صاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء المعقود فأكرم بمقامه وحوضه ولوائه والرضا عن آله وصحبه وأوليائه الذين هم للدين بدور أهتدائه ونجوم اقتدائه وصلة الدعاء لمقامكم الكريم بدوام عزه واعتلائه واقتبال النصر المبالغ في احتفاله واحتفائه وحياطة أنحائه وأرجائه وتأييد عزماته وآرائه
فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم سعدا سافرا وعزما ظافرا من حضرتنا العلية بالمدينة البيضاء كلأها الله تعالى وحرسها ونعم الله سبحانه لدينا واكفة السجال وولاؤه جل جلاله سابغ الأذيال وخلافتكم التي نرعى بعين البر جوانبها ونقتفي في كل منقبة كريمة سيرها الحميدة ومذاهبها وإلى هذا وصل الله سعدكم ووالى عضدكم وكتابنا هذا يقرر لكم من ودادنا ما شاع وذاع ويؤكد من إخلاصنا إليكم ما تتحدث به السمار فتوعيه جميع الأسماع وقد كان انتهى إلينا حركة عدو الله وعدو الإسلام الباغي بالاجتراء على عباده سبحانه بالبؤس والانتقام الآخذ فيهم بالعيث والفساد الساعي بجهده في تهديم الحصون وتخريب البلاد وتعرفنا أنه كان يعلق أمله الخائب بالوصول إلى أطراف بلادكم المصرية وانتهاز الفرصة على حين غفلة من خلافتكم العلية والحمد لله الذي كفى بفضله شره ودفع نقمته وضره وانصرف ناكصا على عقبه خائبا من نيل أربه ولقد كنا حين سمعنا بسوء رأيه الذي غلبه الله عليه وما أضمر لخلق الله من الشر الذي يجده في أخراه ظله يسعى بين يديه عزمنا على أن نمدكم من عساكرنا المظفرة بما يضيق

عنه الفضا ونجهز لجهتكم من أساطيلنا المنصورة ما يحمد في إمداد المناصرة ويرتضى فالحمد لله على أن كفى المؤمنين القتال وأذهب عنهم الأوجال ويسر لهم الأعمال وهيأ لخلافتكم السنية وللمسلمين هناء يتضمن السلامة لكم ولهم على تعاقب الأعوام والسنين
وبحسب مالنا فيكم من الود الذي أسست المصافاة بنيانه والحب الذي أوضح الإخلاص برهانه وقع تخيرنا فيمن يتوجه من بابنا الكريم لتفصيل مجمله وتقرير ما لدينا فيه على أتم وجه الاعتقاد وأكمله على الشيخ الأجل الشريف المبارك الأصيل الأسنى الحظي الأعز الحاج المبرور الأمين الأحفل الأفضل الأكمل أبي عبد الله محمد ابن الشيخ الأجل الأعز الأسنى الأوجه الأنوه الأرفع الأمجد الآثر الأزهى الشريف الأصيل المعظم المثيل الأشهر الأخطر الأمثل الأجمل الأفضل الأكمل المرضي المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسني العراقي وصل الله تعالى سعادته وأحمد على حضرتكم السنية وفادته حسب ما يفي بشرح ما حملناه نقله ويكمل بإيضاحه لديكم يقظته ونبله إن شاء الله تعالى وهو سبحانه وتعالى يديم سعادتكم ويحفظ مجادتكم ويسني من كل خير إرادتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجملة الرابعة في عادة الكتب الواردة عن صاحب الأندلس
والرسم في ذلك أن يكتب الأبواب الشريفة ويصفها ثم يقول أبواب السلطان الفلاني ويصفه ويذكر ألقابه ثم يدعو له ثم يقول سلام كريم ويصفه من فلان ويذكر السلطان المكتوب عنه ثم يقول أما بعد حمد الله ويأتي خطبة في المعنى تشتمل على التحميد والتصلية على

النبي والرضا عن الصحابة رضي الله عنهم ثم يقول فإنا كتبنا إليكم ويأتي على ما يناسب المقام ثم ينخرط في سلك المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء
وهذه نسخة كتاب كتب به عن أمير المسلمين السلطان أبي عبد الله محمد ابن أبي الحجاج يوسف بن نصر بن الأحمر صاحب غرناطه من الاندلس إلى السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون إنشاء الوزير أبي عبد الله بن الخطيب صاحب ديوان إنشائه يشير فيه إلى حادثة الفرنج بالإسكندرية الواقعة في سنة سبع وستين وسبعمائة إلا أنه وهم في لقبه الملوكي فلقبه المنصور وهي
الأبواب الشريفة التي تعنو لعزة قدرها الأبواب وتعتزي إلى نسب عدلها الحكمة والصواب وتناديها الأقطار البعيدة مفتخرة بولائها واصلة السبب

بعلائها فيصدر بما يشفي الجوى منها الجواب فإذا حسن مناب عن أئمة الهدى وسباق المدى كان منها عن عمومة النبوة النواب وإذا ضفت على العفاة بغيرها أثواب الصلات ضفت منها على الكعبة المقدسة الأثواب أبواب السلطان الكبير الجليل الشهير الطاهر الظاهر الأوحد الأسعد الأصعد الأمجد الأعلى العادل العالم العامل الكامل الفاضل الكافل سلطان الإسلام والمسلمين رافع ظلال العدل على العالمين جمال الإسلام علم الأعلام فخر الليالي والأيام ملك البرين والبحرين إمام الحرمين مؤمل الامصار والاقطار وعاصب تاج الفخار هازم الفرنج والترك والتتار الملك المنصور أبي الفتوح شعبان ابن الامير الرفيع المجادة الكريم النبوة والولادة الطاهر الظاهر الكبير الشهير المعظم الممجد الأسمى الموقر الأعلى فخر الملة سيف الأمة تاج الإمارة عز الإسلام جمال الأيام قمر الميادين أسد أجمة لدين سمام الطغاة والمعتدين المقدس المظفر الأمير أبي علي حسين ابن السلطان الكبير الشهير ملك الإسلام والمسلمين والد السلاطين سيف خلافة الله في العالمين ولي أمير المؤمنين وظهير الدين سلطان الحج والجهاد وكاسي الحرم الأمين قامع المعتدين قاهر الخوارج والمتمردين ناصر السنة محيي الملة ملك البرين والبحرين مقيم رسوم الحرمين الشريفين العادل العالم الطاهر الظاهر الأسعد

الأصعد الأوحد الأعلى المنصور المؤيد المعان المرفع المعظم المبجل المؤمل المجاهد المرابط الغازي أبي عبدالله محمد بن قلاوون الصالحي أبقاه الله وفلق الصباح يشهد بكماله وخدمة الحرمين الشريفين طراز مذهب على حلة أعماله ومسورات الإسلام آمنة على طول الأيام من إهماله ولا زال ركنا للدين الحنيف تتزاحم على مستلمه الشريف شفاه أماله
سلام كريم بر عميم كما استودعت الرياض أسرارها صدر النسيم وأرسلت مطالع الفجر أنهارها من بحر الصباح الوسيم يسري من الطيب والحمد المطيل المطيب في الصوان الكريم ويقف موقف الأدب والفهامة بما استحفظ من الامانة إلى محل الإمامة وقوف الحفيظ العليم يعتمد مشارع تلك الابواب الشارعة الى الفضل العميم المقابلة لذمام وسائل الإسلام بالصدر المشروح والبر الممنوح والقلب السليم من معظم سلطانه ومجل شانه المفتخر بالانتظام في سلك خلصانه أمير المسلمين بالأندلس عبد الله الغني بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر بلغه الله من رضاه أقصى سؤله وأعانه على جهاد عدو الله وعدو رسوله
أما بعد حمد الله جاعل قلادة الإسلام على الدوام آمنة من الانخرام

والانتثار مفصلة النظام بخرز المآثر العظام والآثار معرف أهلها في حزن البسيطة وسهلها عوارف الصنع المثار وإقالة العثار القوي العزيز الذي لا يغالب قدره بالاحتشاد والاستكثار ولا يبدل غيبه المحجوب بعد ما عين حكمه الوجوب في خزائن الاستئثار حتى تظهر خبيئة عنايته بأوليائه المعترفين بآلائه بادية للأبصار فيما قرب وبعد من الأعصار ورحمته عند الاستغاثة به والانتصار في مختلف الأقطار والامصار الولي الذي لا تكدر هبات فضله شروط الاعتصار ولا تشين خطب حمده ضرائر الاقتصار والاختصار
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله نخبة الأكوان وسر الدهور والأزمان وفائدة الأدوار نور الله المتميز باختصاصه واستصفائه واستخلاصه قبل خلق الظلمات والأنوار ورحمته الوارفة الشاملة الهامية الهاملة على الهضاب والوهاد والنجاد والأغوار أقرب عوالم الشهادة والخلق إلى حضرة الحق على تعدد الرتب وتفاضل الأطوار منقذ الناس من البوار ومبوئهم من جوار الله خير الجوار نبي الرحمة والجهاد والغوار المنصور على الأحزاب عندما استداروا بمثوى نبوته على الأطم والأسوار دور السوار الواعد عن ربه بظهور دينه الحق على الأديان فمهما أوقدوا نار الحرب تكفل الله لهم بإطفاء النار وإخماد الأوار
والرضا عن آله وأصحابه حماة الذمار ومقتحمي الغمار وباذلي كرائم

الأموال من دونه ونفائس الاعمار القائمين في سماء ملته للاهتداء بسننهم والاقتداء بسننهم مقام النجوم الهادية والاقمار ما صقلت مداوس النسيم سيوف الانهار وخجل الورد من تبسم البهار وغازلت عيون زهر المجرة عيون الازهار وطرد أدهم الليل أشهب النهار
والدعاء لتلك الأبواب المتعددة الحجاب المعودة باجتلاء غرر الفتوح والمطالع المشيدة المصانع على العز الممنوح والأواوين المؤيدة الدواوين بالملائكة والروح بإعلاء المظاهر والصروح وإنارة الله تعالى بأهلة تلك السروج ساحات تلك السروح ولا زالت اقلام بشائرها تأتي على سورة الفتح بأكمل الشروح
فإنا كتبناه لمثابتكم السلطانية دار العز الأحمى والملك الأشرف الأسمى والصيت البعيد المرمى كتب الله لها من عنايته وقد فعل أوفر مقاسم النعمى وجعل غيث نوالها الأهمى وحظ جلالها من الله الأنمى ودامت كواكب سعودها تمزق جلابيب الظلما وأخبار بأسها وجودها وسعادة وجودها تهديها على البعد ركائب الدأما وترفرف برياح ارتياحها أجنحة بنات الما من منزلنا المحبور بسعادة سلطانكم المنصور وخزي عدوه المدحور بحمراء غرناطة دار ملك الجهاد بجزيرة ثغر الأندلس والى الله عنها الدفاع وأنار بمشكاة نوره الذي وعد بإتمامه الأعلام منها والايفاع ووصل لها بشرف مخاطبتكم الارتفاع والانتفاع حتى تشفع بتهانيكم الأوتار وتوتر الأشفاع وآلاء الله لدينا بنعمة دين الاسلام علينا قد أخجلت اللسان الشكور وإن استنفدت الرواح والبكور والثقة بالله في هذا الثغر الغريب قد كثرت العدد المنزور والحق

الصريح قد كافح الزور والتوطين على الشهادة قد شرح الصدور واقتطع في الجنة المنازل والدور والمعرفة بمقام تلك الأبواب الشريفة عقيدة لا تبدل وأدواح علائها حمائم الحمد بها تتهدل ومحافل ثنائها تتراكم في سمائها الألوة والمندل والحال ما علمتم بحر زاخر الامواج وعدو وافر الأفواج وحرم لولا اتقاء الله مقتحم السياج وجياد ضمرتها مصابرة الهياج وداء على الايام متوقع الاهتياج وعدد إلى الإصراخ والإنجاد عظيم الاحتياج فالنفوس إلى الله تجهز وتسلم والصبيان في المكاتب تدرب على مواقف الشهادة وتعلم والألسنة بغير شعار الإسلام لا تنبس غالبا ولا تتكلم إلا أن عادة الخبير اللطيف تخفيف الذعر المطيف ونصر النزر الضعيف على عدد التضعيف والحال تزجى بين الحرب والسلم والمكالمة والكلم وتأميل الجبر وارتقاب عاقبة الصبر على حماة الدبر
وإلى هذا فإننا اتصل بنا ما رامت الروم من المكيدة التي كان دفاع الله من دونها سدا والملائكة جندا والعصمة سورا والروح الأمين مددا منصورا وأنها استنفدت الوسع في احتشادها حتى ضاقت اللجج عن أعوادها وبلغت المجهود في استنفادها حتى غص كافر البحر بكفارها يصيح بهم التأليب

و يذمرهم الصليب وقد سول لهم الشيطان كياد ثغر الإسكندرية شجا صدورهم ومرمى آمال غرورهم ومحوم قديمهم ومتعلل غريمهم ليهتموا ثغر الإسلام بصدمتها ويقودوا جنائب الساحل في رمتها ويرفعوا عن دينهم المعرة ويتلقفوا في القدس كرة الكرة ويقلصوا ما امتد من ظلال الإسلام ويشيموا سيوف التغلب على الشام ويحولوا بين المسلمين وبين محط أوزارهم وحجهم ومزارهم وبيت ربهم الذي يقصدونه من كل فج عميق ويركبون إليه نهج كل طريق وقبر نبيهم الذي يطفئون بزيارته من الشوق كل حريق ويكحلون الجفون بمشاهدة آثاره عن بكاء وشهيق وشوق بذلك الحبيب خليق ويقطعوا حبل المسلمين حتى لا يتأتى بلوغ فرق ولا غرض تشريق والله من ورائهم محيط وبدمائهم مشيط وبعباده بصير ولدينه الحق ولي ونصير ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) فما هو إلا أن صمأ جرادهم وخلص إليها مرادهم وفاض عليها بحرهم وعظم من المحاولة أمرهم حتى اشترك الشرك بعض أسوارها ونال النهب مستطرف ديارها وظنت أنها الوهية التي لا ترفع والمصيبة التي غلتها لا تنقع واشتعل الباس وذعر الناس وأرى الشدة من تدارك بالفرج وأعاد إلى السعة من الحرج وأنشأ ريح النصر عاطرة الأرج ونصر حزب الإسلام من

لا غالب لمن ينصره وحصر العدو من كان العدو يحصره وظهر الحق على الباطل والحالي بزينة الله على العاطل فخرج العدو الخاسر عما حازه والسيوف ترهقه حيث تلفيه والسهام تثبته وتنفيه وغرماء كرة الإسلام تستقضي منه دينها وتستوفيه والخزي قد جلل سباله الصهب وحناء الدماء قد خضبت مشيخته الشهب والغلب قد أخضع رقابه الغلب فكم من غريق أردته دروعه لما حشي بالروع روعه وطعين نظمت بالسمهري ضلوعه فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين و ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) فأي رحمة منشورة ضفت على الإسلام ظلالها وخطة نعمة اتسع نطاقها ورحب مجالها ومجلى صنيعة راق عيون المؤمنين جمالها فاهتزت بها الأرض وربت وبشكر الله جل جلاله أعربت واستبشرت النفوس وذهب البوس وضفا بمنة الله اللبوس وظهرت عناية الله بمقامكم وإقالة عثرة الإسلام في أيامكم فما كان الله سبحانه ليضيع لكم خدمة الحرمين وإنها للوسيلة الكبرى والذريعة إلى سعادة الدنيا والأخرى وهي عهدة الله التي يصونها من كل اهتضام وقلادته التي ما كان يتركها بغير نظام وكان من لطائف هذا الفتح الذي أجزل البشرى وأوسع أعلام الإسلام نشرا وروده بعد أن شفيت العلة ونصرت الملة وبعد أن جفا الدهر وتجافى وعادى ثم صافى وهجر ووافى وأمرض ثم عافى فلو ورد مقدمه قبل تاليه ونقده متأخرا عن كاليه أو كانت أواخره بعيدا ما بينها وبين أواليه

لأوحشت الظنون وساءت وبلغت الهموم من النفوس ما شاءت فإن الإسلام كالجسد يتداعى كله لتألم بعضه ويتساهم إخوانه في بسطه وقبضه وسماوه مرتبطة بأرضه ونفله متعلق بفرضه فالحمد لله الذي خفف الاثقال والهم حال الضر الانتقال وسوغ في الشكر المقال ورار وأقال وجمع بين أيقاظ القلوب وإنالة المطلوب وإن وجد العدو طعم الإسلام مرافما ذاقه وعوده صلبا فما أطاقه ورفع عن طريق بيت الله ما عاقه وقاد إليكم في بيوتكم فضل الجهاد وساقه ورد المكر السييء على العدو وأحاقه فما كانت هذه المكيدة إلا داهية للكفر طارقة ونكثة لعصب التثليث عارقة ومعجزة من آثار النبي الشريف لهذا الدين المنيف خارقة واستأصلت للعدو المال وقطعت الآمال وأوهنت اليمين والشمال فبادرنا عند تعرف الخبر المختال من أثواب المسرة في أبهى الحبر المهدي أعظم العبر إلى تهنئتكم تطير بنا أجنحة الارتياح مبارية للرياح وتستفزنا دواعي الأفراح بحسب الود الصراح وكيف لا يسر اليسار بيمينه والوجه بجبينه والمسلم بدينه وخاطبناكم مهنئين ولولا العوائق التي لا تبرح والموانع التي وضحت حتى لا تشرح ومكايدة هذا لعدو الذي يأسو به الدهر ويجرح لم نجتز بإعلام القلم عن إعمال القدم حتى نتشرف بالورود على تلك المثابة الشريفة ونمتاز بزيارة الأبواب المنيفة فيقضى الفرض تحت رعيها وبركة سعيها لكن المرء جنيب أمله ونية المؤمن أبلغ من

عمله فهنيئا بما خولكم الله من ظفر شهدت برضى الله مراسمه وافترت عن ثغور العناية الربانية مباسمه وتوفرت لديكم مواهبه ومقاسمه ويهنيء البيت المقدس مكان فضل الله ومنه وسلامة مجنه ويهنيء الإسلام عصمة ثغره المؤشر وطهارة كتابه المنشر وجمال عنوانه وقفل صوانه وباب إيوانه مرفأ الفسطاط ومركز لواء الرباط ومحط رحال الاغتباط ومتخير الإسكندر عند البناء والاختطاط ومما زادنا بجحا بهذا الفتح وسرورا زائدا بهذا المنح ما تحققنا أنه يثير من شفقة المسلمين لهذا القطر الذي لا يزال يطرقه ما طرق الإسكندرية على مر الايام وتجلب عليه برا وبحرا عبدة الأصنام بحيث البر موصول والكفر بكثرة العدد يصول ونيران الجوار مترائية للعيان والفراسخ القليلة متوسطة بين مختلف النحل والأديان والعدد لا ينسب والصريح إلا من عند الله لا يحسب فتنجدنا بالدعاء ألسنة فضلائه وتسهمنا خواطر صالحيه وأوليائه والله لا يقطع عن الجميع عوائد آلائه ويعرفنا بركة أنبيائه وينصرنا في أرضه بملائكة سمائه
وقد كان اتصل بنا في هذه الأيام الفارطة الذخر الذي ملأ اليد استكثارا والخلد اعتدادا واستظهارا والهمم فخارا واضاء القطر أنوارا جوابكم الكريم يشم من نفحاته شذا الإذخر والجليل وتلتمس من خلال حافاته

بركات الخليل وتقرى الوجوه به آثار المعاهد وتلتمح من ثنايا وفادته بوارق الفوائد فأكرم به من وافد مخطوب وزائر مرقوب صدعنا به في حفل الجهاد انتحاء وافتخارا ثم صناه في كرائم الخزائن اقتناء للخلف وادخارا وجعلنا قراه شكرا معطارا وثناء يبقى في الخافقين مطارا ودعاء يعلي الله به لمقامكم السني في أوليائه مقدارا ويجهز به لملككم كما فعل انصارا ويثيبكم الجنة التي لا يرضى السعداء بغيرها قرارا والله تعالى يجعل لأفلاك الهناء على مخاطبة مقامكم الرفيع العلاء مدارا ويقيم الشكر الزم الوظائف لحقكم ابتدارا والثناء أولى ما تحلى به مجدكم شعارا ويبقيكم للإسلام ركنا شديدا وظلا مديدا وسماء مدرارا ما استأنفت البدور إبدارا وعاقب الليل نهارا والسلام

المقصد الثالث في رسم المكاتبات الواردة عن ملوك السودان وفيه ثلاثة
أطراف
الطرف الأول في المكاتبات إلى صاحب مالي
وهو المستولي على التكرور وغانة وغيرهما وهي أعظم ممالك السودان المسلمين مملكة ولم أقف لأحد منهم على صورة مكاتبة إلى الأبواب السلطانية إلا أن المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه مسالك الأبصار عند الكلام على هذه المملكة تعرض لذكر سلطانها في زمان الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو منسى موسى وذكر أنه ورد منه كتاب يمسك لنفسه فيه ناموسا ولم يورد نسخته

الطرف الثاني في المكاتبات الصادرة عن صاحب البرنو
ورسم مكاتبته أن يكتب في ورق مربع بخط كخط المغاربة فإن فضل من المكاتبة شيء كتب بظاهرها وتفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد ثم يتخلص إلى المقصد ببعدية ويأتي على المقصد إلى آخره ورأيته قد ختم مكاتبته إلى الأبواب السلطانية بقوله والسلام على من أتبع الهدى وكأن ذلك جهل من الكاتب بمقاصد صناعة الإنشاء إذ لا يهتدون إلى حقائقها
وهذه نسخة كتاب ورد على الملك الظاهر ابي سعيد برقوق ووصل في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة صحبة ابن عمه مع هدية بعث بها إلى السلطان بسبب ما يذكر فيه من أمر عرب جذام المجاورة لهم وهي في ورق مربع السطر إلى جانب السطر بخط مغربي وليس له هامش في أعلاه ولا جانبه وتتمة الكتاب في ظهره من ذيل الكتاب وهو
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
الحمد لله الذي جعل الخط تراسلا بين الأباعد وترجمانا بين الأقارب ومصافحة بين الأحباب ومؤنسا بين العلماء وموحشا بين الجهال ولولا ذلك لبطلت الكلمات وفسدت الحاجات وصلوات الله على نبينا المصطفى ورسولنا المرتضى الذي أغلق الله به باب النبوة وختم وجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ما ناحت الورق وما عاقب

الشروق الأصيل ثم بعد ذلك ابو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم آجمعين
من المتوكل على الله تعالى الملك الأجل سيف الإسلام وربيع الأيتام الملك المقدام القائم بأمر الرحمن المستنصر بالله المنصور في كل حين وأوان ودهر وزمان الملك العادل الزاهد التقي النقي الأنجد الأمجد الغشمشم فخر الدين زين الإسلام قطب الجلالة سلالة الكرماء كهف الصدور مصباح الظلام ابي عمرو عثمان الملك ابن إدريس الحاج امير المؤمنين المرحوم كرم الله ضريحه وادام ذرية هذا بملكه هذا اللفظ وارد على لسان كاتبنا لآلنا ولا فخر إلى ملك المصر الجليل ارض الله المباركة أم الدنيا
سلام عليكم أعطر من المسك الأذفر وأعذب من ماء الغمام واليم زاد الله ملككم وسلطانكم والسلام على جلسائكم وفقهائكم وعلمائكم الذين يدرسون القرآن والعلوم وجماعتكم وأهل طاعتكم أجمعين
وبعد ذاك فإنا قد أرسلنا إليكم رسولنا وهو ابن عمي اسمه إدريس بن محمد من أجل الجائحة التي وجدناها وملوكنا فإن الأعراب الذين يسمون جذاما وغيرهم قد سبوا أحرارنا من النساء والصبيان وضعفاء الرجال وقرابتنا وغيرهم من المسلمين ومنهم من يشركون بالله يمارقون للدين فغاروا على المسلمين فقتلوهم قتلا شديدا لفتنة وقعت بيننا وبين أعدائنا فبسبب تلك الفتنة قد قتلوا ملكنا عمرو بن إدريس الشهيد وهو أخونا ابن أبينا إدريس الحاج بن

إبراهيم الحاج ونحن بنو سيف بن ذي يزن والد قبيلتنا العربي القرشي كذا ضبطناه عن شيوخنا وهؤلاء الأعراب قد أفسدوا أرضنا كلها في بلد برنو كافة حتى الآن وسبوا أحرارنا وقرابتنا من المسلمين ويبيعونهم لجلاب مصر والشام وغيرهم ويختدمون ببعضهم فإن حكم مصر قد جعله الله في ايديكم من البحر إلى اسوان فإنهم قد اتخذوا متجرا فتبعثوا الرسل إلى جميع أرضكم وامرائكم ووزرائكم وقضاتكم وحكامكم وعلمائكم وصواحب أسواقكم ينظرون ويبحثون ويكشفون فإذا وجدوهم فلينزعوهم من أيديهم وليبتلوهم فإن قالوا نحن أحرار ونحن مسلمون فصدقوهم ولا تكذبوهم فإذا تبين ذلك لكم فأطلقوهم وردوهم إلى حريتهم وإسلامهم فإن بعض الأعراب يفسدون في ارضنا ولا يصلحون فإنهم الجاهلون كتاب الله وسنة رسولنا فإنهم يزينون الباطل فاتقوا الله واخشوه ولا تخذلوهم يسترقوا ويباعوا قال الله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) وقال الله تعالى لنبيه عليه السلام ( فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم ) وقال الله تعالى ( ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) وكان عليه السلام يقول السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم وقال المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا إلى يوم القيامة وقال المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه إلى آخره وفي الحكمه ومن الفرائض الأمر بالمعروف على كل من بسطت يده في الارض أراد به السلاطين وعلى من تصل يده إلى ذلك اراد بذلك القضاة والحكام والأمراء فإن لم يقدر فبلسانه أراد بذلك الفقهاء والعلماء وإن لم يقدر فبقلبه أراد بذلك عامة المسلمين أطال الله بقاءكم في أرضكم فازجروا الأعراب المفسدين عن

دعرهم قال الله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) وقال عليه السلام كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وقال في الحكمة لولا السلطان لأكل بعضهم بعضا وقال تعالى لنبيه داود عليه السلام ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) والسلام على من اتبع الهدى ولم يؤرخ
الطرف الثالث في المكاتبات الصادرة عن ملك الكانم ولم أقف له على مكاتبة إلا أنه يشبه أن تكون المكاتبة عنه نظير المكاتبة عن صاحب البرنو فإنه على قرب من مملكته والله أعلم

المقصد الرابع في الكتب الواردة من الجانب الشمالي وهي بلاد الروم
قد تقدم ذكر المكاتبة إلى أمرائها وأن كبيرهم الذي صار أمرهم إليه وأنقادوا إلى طاعته الآن هو ابن عثمان صاحب برسا

النوع الثاني من المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة الكتب الواردة عن
ملوك الكفار وهي على أربعة اضرب
الضرب الأول الكتب الواردة عن ملوك الكرج
الضرب الثاني الكتب الواردة عن ملوك الحبشة
والعادة فيها أن ترد في قطع باللسان ولم اظفر بصورة مكاتبة في هذا المعنى إلا مكاتبة واحدة وردت على الملك الظاهر بيبرس ضمن كتاب إلى صاحب اليمن وصاحب اليمن أرسله إلى هنا فيما وقفت عليه في بعض المصنفات وهو
أقل المماليك يقبل الأرض وينهي بين يدي السلطان الملك الظاهر خلد الله ملكه أن رسولا وصل إلي من والي قوص بسبب الراهب الذي جاءنا فنحن ما جاءنا مطران مولانا السلطان ونحن عبيده فيرسم مولانا السلطان للبطريرك أن يجهز لنا مطرانا يكون رجلا جيدا عالما لا يجني ذهبا ولا فضة ويرسله إلى مدينة عوان واقل المماليك يسير إلى نواب مولانا الملك المظفر صاحب اليمن ما يلزمه وهو يسيره إلى نواب مولانا السلطان وما كان

سبب تأخير الرسل عن الحضور إلى ما بين يدي مولانا السلطان إلا أنني كنت في سكار والملك داود قد توفي وقد ملك موضعه ولده وعندي في عسكري مائة الف فارس مسلمين وأما النصارى فكثير لا يحصون والكل غلمانك وتحت امرك والمطران الكبير يدعو لك والخلق كلهم يقولون آمين وكل من يصل من المسلمين إلى بلادنا نكون له أقل المماليك ونحفظهم ونسفرهم كما يحبون ويختارون وأما الرسول الذي سفروه فهو مريض وبلادنا وخمة أي من مرض لا يقدر احد يدخل إليه وأي من شم رائحته فيمرض فيموت ونحن نحفظ كل من يأتي من بلاد المسلمين فسيروا مطرانا يحفظهم
قلت وقد تقدم الجواب عن هذا الكتاب من كلام القاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر في الكلام على الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى أهل الجانب الجنوبي من أهل الكفر ولكن الكتاب المذكور يخالف ما تقدم هناك من أدعائه العظمة وأنه لولا اضطراره إلى أخذ المطران من بطريرك الديار المصرية لكان يشمخ بنفسه عن المكاتبة ولعل ذلك كان في الزمن المتقدم

الضرب الثالث الكتب الواردة عن ملوك الروم ورأس الكل صاحب القسطنطينية
وقد وقفت على كتاب ورد منه في السابع والعشرين من صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة في درج ورق فرنجي في نحو عشرين وصلا قطع النصف والبياض في اعلاه وصل واحد وفي اسفله وصلان وله هامش عن يمينه وهامش عن يساره كل منهما تقدير إصبعين ومقدار ما بين السطور متفاوت فأعلاه بين كل سطرين أربعة اصابع مطبوقة ثم بعد تقدير ثلث الكتاب بين كل سطرين قدر ثلاثة اصابع ثم بعد ذلك بين كل سطرين قدر إصبعين ثم بعد ذلك بين كل سطرين قدر ثلاثة أصابع إلى آخر الكتاب والقلم في غاية الدقة بقلم الرقاع

الدقيق وفي آخره ثلاثة اسطر وقطعة بالحمرة بقلم اجل من الأول قليلا
وهذه نسخة كتاب معربة بترجمة بطرك الملكانية بحضور سيف الدين سيف الترجمان وهي
المعظم الممجد المبجل الضابط السلطان الكبير سلطان مصر ودمشق وحلب وغيرها الملك الناصر فرج ابن السلطان الكبير المرحوم الظاهر برقوق المحبوب إلي العزيز أكثر من أولاد مملكتي
يحيط علمه أنني ومملكتي طيبون بنعمة الله تعالى وكذلك تكون إن شاء الله تعالى سلطنتك الممجدة طيبة في خير وأن المحبة والمودة لم تزل بين والدك المرحوم وبين والدي إلى آخر وقت ونحن بحمد الله قد تزايدت محبتنا على ذلك وتكاثرت وتتوكد ايضا المحبة بيننا وبين سلطنتك المعظمة إلى الأبد فإن ذلك واجب وتتردد رسلكم بكتبكم إلينا وكذلك رسلنا بكتبنا إلى ملككم وكان قصدنا أن نجهز إليكم رسولا لكن الفتن في بلادنا وما بلغنا من سفر مولانا السلطان من تخت مملكته ولم نعرف إلى أي مكان توجه أوجب تاخير ذلك وأن حامل هذا الكتاب المتوجه به إلى السلطان المعظم المسمى سورمش التاجر من اسطنبول هو من جهتنا وله عادة بالتردد إلى مملكتكم المعظمة ونحن نعلم ان سلطنتك تحب الطيور الكواهي فجهزنا لكم صحبة المذكور خمس كواهي وبازدار ليكون نظركم الشريف عليهم وكذلك على البطاركة

والنصارى والكنائس على حكم معدلة السلطان ومحبته والوصية بهم ومعاونتهم ورعايتهم وإجراؤهم على جاري عوائدهم من غير تشويش على ما ألفوه من إنصافكم أولا وآخرا لأجل محبتكم لنا ومحبتنا واستمرار العناية بهم مع أن البطاركة عرفونا ان مولانا السلطان يبرز مرسومه بمراعاتهم والإحسان إليهم ولم يزالوا داعين له شاكرين من معدلته ونضاعف شكرنا من إحسانكم على ذلك وتكونوا إن شاء الله تعالى طيبين والمحبة متزايدة في أيامكم وايامنا ومهما كان لمولانا السلطان بمملكتنا من أطواع فيرسم يعرفنا بها ونبادر بذلك
والذي بآخره بالحمرة علامة الملك مضمونها مانويك المسيحي بنعمة الله ضابط مملكة الروم البلالوغس

الضرب الرابع الكتب الواردة من جهة ملوك الفرنج بالاندلس والجهات
الشمالية وما والى ذلك
والعادة فيها أن تكتب باللسان الفرنجي وعادة الكتب الواردة عنهم جملة أن تكتب في فرخة ورق فرنجي مربعة على نحو مقدار الفرخة البلدي أو دونها بأسطر متقاربة باللسان الفرنجي وقلمه ثم يطوى طيا مسطحا ويعنون في وسطه ويطوى من جهتي الأول والآخر حتى يصير العنوان ظاهرا من الطي ثم يخرز ويختم بسحاءة ويختم عليه بطمغة في شمع أحمر على نحو ما تقدم في الكتب الواردة عن ملوك الغرب فإذا ورد على الأبواب السلطانية فك ختمه وترجم بترجمة الترجمان بالأبواب السلطانية وكتب تعريبه في ورقة مفردة وألصقت به بعد كتابة الجواب من التعريب على ما تقدم ذكره في مقدمة الكتاب
وهذه نسخة كتاب وارد من دوج البنادقة ميكائيل على يد قاصده نقولا البندقي في سادس عشر صفر المبارك سنة أربع عشرة وثمانمائة ترجمة شمس

الدين سنقر وسيف الدين سودون التراجمة بالأبواب الشريفة في فرخة ورق فرنجي مربعة متقاربة السطور وهو
السلطان المعظم ملك الملوك فرج الله ناصر الملة الإسلامية خلد الله سلطانه
يقبل الأرض بين يديه نقولا دوج البنادقة ويسأل الله أن يزيد عظمته لأنه ناصر الحق ومويده وموئل الممالك الإسلامية كلها وينهي ما عنده من الشوق والمحبة لمولانا السلطان وانه لم تزل أكابر التجار والمحتشمين والمترددين من الفرنج إلى الممالك الإسلامية شاكرين من عدل مولانا السطان وعلو مجده وتزايد الدعاء ببقاء دولته وقد رغب التجار بالترداد إلى مملكته الشريفة بواسطة ذلك ولأجل الصلح المتصل الآن بيننا والمحبة
وأما غير ذلك فإنه بلغنا ما اتفق في العام الماضي من حبس العنز في ثغر دمياط المحروس وأن مولانا السلطان مسك قنصل البنادقة والمحتشمين من التجار بثغر الإسكندرية المحروس وزنجرهم بالحديد وأحضرهم إلى القاهرة وحصلت لهم البهدلة بين جنوسهم والضرر والقهر الزائد وكسر حرمتنا بين أهل طائفتنا فإن الذي فعل مع المذكورين إنما فعل معنا وتعجبنا من ذلك لأن طائفتنا لم يكن لهم ذنب وهذا مع كثرة عدل مولانا السلطان في مملكته ومحبتنا له ومناداتنا في جميع مملكتنا بكثرة عدله وبمحبته لطائفتنا وإقباله عليهم وقولنا لجميع نوابنا إنهم يكرمون من يجدونه من مملكة مولانا السلطان ويراعونه ويحسنون إليه والمسؤول من إحسانه الوصية بالقنصل والتجار وغيرهم من البنادقة ومراعاتهم وإكرامهم والإقبال عليهم والنظر في أمورهم إذا حصل ما يشبه هذا الأمر ومنع من يشاكلهم لتحصل بذلك الطمانينة للتجار ويترددوا إلى مملكته

وهذه نسخة كتاب ورد من كبطان الماغوصة والمستشارين بها في ثامن عشر صفر المبارك سنة اربع عشرة وثمانمائة ترجمة شمس الدين سنقر وسيف الدين سودون الترجمانين بالأبواب الشريفة وهو
الملك المعظم ملك الملوك صاحب مصر المحروسة الملك الناصر عظم الله شأنه
يقبل الأرض بين اياديه الكبطان والمستشارون وينهون أنهم آناء الليل داعون بطول بقائه مجتهدون في استمرار الصلح والمودة التي لا يشوبها كدر بين القومون وبين مولانا السلطان وأن في هذا الوقت ثم حرامية غراب يتحرمون باطراف هذه البلاد والمين الإسلامية ونحن لم نزل نشحطهم بالمراكب والأغربة ونمنعهم من ذلك جهدنا وقدرتنا حتى إن أحدا صار لا يجسر على الدخول إلى مينا الماغوصة جملة كافية مع أننا كنا خلصنا في المدة الماضية من الحرامية المذكورين خمسة وعشرين نفرا من المسلمين وأكرمناهم وأطلقنا سبيلهم وعزمنا أن نجهزهم إلى دمياط أو إلى ثغر الإسكندرية
وأما غير ذلك فقد بلغنا أن برطلما أوسق للمواقف الشريفة صابونا في مراكبه وكان قصده أن يهرب بذلك فللحال عمرنا مركبا كبيرا وأخذنا برطلما المذكور بالمحاربة وأحضرناه إلى الماغوصة وعهدنا بطروق المركب إلى شخص يسمى أرمان سليوريون وهو رجل مشكور السيرة وقلنا له إنه يتوجه إلى خازن الصابون المذكور ويستشيره إن كان يوسق شيئا من الأصناف لمولانا السلطان ويجهزه إلى أي مكان أختاره ليسلمه ليد من تبرز له المراسيم الشريفة بتسليمه فليفعل وهذا القول كله يكون دليلا عند مولانا السلطان على صدق

الولاء والتمسك بالصلح والمسؤول من الصدقات الشريفة الإقبال على التجار الجنوية الذين عند مملكته وكف أسباب الضرر عنهم وينشر معدلته عليهم والله تعالى يديم بقاءه بمنه وكرمه

الفصل السادس
من الباب الثاني من المقالة الرابعة في رسوم المكاتبات الإخوانيات وهي جمع إخوانية نسبة إلى الإخوان جمع أخ والمراد المكاتبات الدائرة بين الأصدقاء وفيه طرفان
الطرف الأول في رسوم إخوانيات السلف من الصحابة رضوان الله عليهم
والتابعين وهي في الغالب لا تخرج عن ضربين
الضرب الأول أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه
وكان رسمهم فيه أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان سلام عليك إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو فلما كانت خلافة الرشيد وأمر أن يزاد هنا في السلطانيات وأسأله أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله كما تقدم في موضعه جرى الكتاب في الإخوانيات على ذلك ايضا وكان الخطاب يجري بينهم في ذلك بأنا وأنت ولي ولك وعندي وعندك وما أشبه ذلك من الفاظ الخطاب وكانت خاتمه الكتب عندهم بالسلام
الضرب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه تفخيما لأمره وتعظيما
لشأنه
وكان رسمهم في ذلك أن يفتتحوا المكاتبة بلفظ إلى فلان من فلان سلام

عليك فإني أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو وباقي الكتاب على ما تقدم في الضرب الأول في الخطاب والختام وغيرهما

الطرف الثاني في رسوم الإخوانيات المحدثة بعد السلف وفيه ثلاثة مقاصد
المقصد الأول في رسوم إخوانيات أهل المشرق وفيه أربعة مهايع
المهيع الأول في صدور الابتداآت وهي على اساليب
الاسلوب الأول ان تفتتح المكاتبة بالدعاء وعليه اقتصر ابو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب وكان على رأس الثلثمائة في خلافة الراضي وقد تقدم في الكلام على مقدمات المكاتبات نقلا عن مواد البيان أن الادعية كانت في الزمن الأول تستعمل فيما يتعلق بامر الدين مثل قولك أكرمه اله وحفظه الله ووفقه وحاطه وما أشبه ذلك فعدل عنها قصدا للإجلال والإعظام إلى الدعاء بإطالة البقاء وإدامة العز وإسباغ النعمة ونحو ذلك مما يتنافس فيه أبناء الدنيا جريا على عادة الفرس ثم رتبوا الدعاء على مراتب فجعلوا اعلاها الدعاء بإطالة البقاء ثم بإطالة العمر ثم بالمد في العمر وكذلك سائر المكاتبات على ما تقدم بيانه هناك

ثم هو على ستة أضرب

الضرب الأول المكاتبة من المرؤوس إلى الرئيس وهو على صنفين
الصنف الأول المكاتبة إلى الامراء
قد ذكر النحاس أنه يقال في افتتاح مكاتباتهم أطال الله بقاء الأمير فإذا اردت أجل ذلك كله كتبت أطال الله بقاء الأمير في أعز العز وأدوم الكرامة والسرور والغبطة وأتم عليه نعمه في علو الدرجة وشرف من الفضيلة وتتابع من الفائدة ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة وبلغ بالأمير أفضل ما تجري إليه همته وتسمو إليه أمنيته أو بلغ بالأمير أفضل شرف العاجل والآجل وأجزل له ثواب الآخرة
ثم قال ومن الدعاء له أطال الله بقاء الأمير في عز قاهر وكرامة دائمة ونعمة سابغة وزاد في إحسانه إليه والفضيلة لديه ولا أخلى مكانه منه
قال ومنه أطال الله بقاء الأمير وأدام عزه وتأييده وعلوه وتمكينه وكبت عدوه
ثم ذكر أدعية أخرى للأمراء عن الفضل بن سهل منها أطال الله بقاء

الأمير ومكن له في البسطة وتزايد النعمة وزاده من الكرامة والفضيلة والمواهب الجليلة في أعز عز وأدوم سلامة وأسبل عافية ومنها أطال الله بقاء الأمير وأدام له الكرامة مرغوبا إليه وزاد في إحسانه لديه وأتم نعمته عليه ووصل له خير العاجل بجزيل الآجل

الصنف الثاني المكاتبة إلى القضاة
وقد قال النحاس إنه يدعى للقاضي بمثل ما يدعى به للأمير غير أنه يجعل مكان الأمير القاضي إلا أن الفضل بن سهل قال يدعى لقاضي القضاة أطال الله بقاء القاضي وأدام عزه وكرامته ونعمته وسلامته وأحسن من كل جميل زيادته وألبسه عفوه وعافيته وإنه يدعى له أيضا أطال الله بقاء القاضي في عز وسعادة وأدام كرامته وأحسن زيادته وأتم نعمته عليه في أسبغ عافية وأشمل سلامة قال وقال غير الفضل إن الكفء يكاتب كفأه ومن كان خارجا من نعمته أدام الله بقاءك أيها القاضي
الضرب الثاني المكاتبة من الرئيس إلى المرؤوس كالمكاتبة عن الوزير وقاضي
القضاة وغيرهما والخطاب في جميعها بالكاف
قال النحاس وهي على مراتب أعلاها في حق المكتوب إليه أطال الله بقاءك وأدام عزك وأكرمك وأتم نعمته عليك وإحسانه إليك وعندك ودونه أطال الله بقاءك وأعزك وأكرمك وأتم نعمته عليك وعندك ودونه أدام الله عزك وأطال بقاءك وأدام كرامتك وأتم نعمته عليك وأدامها لك ودونه أعزك الله ومد في عمرك وأتم نعمته عليك وما بعده على توالي الدعاء الذي تقدم ودونه أكرمك الله وأبقاك وأتم نعمته عليك وأدامها لك ودونه أن

تسقط وأدامها لك ودونه أبقاك الله وحفظك وأتم نعمته عليك وأدامها لك ودونه أن تسقط وأدامها لك ودونه حفظك الله وأبقاك وأمتع بك ودونه عافانا الله وإياك من السوء
قال في صناعة الكتاب هذا إذا جرى الأمر على نسبته ولم تتغير الرسوم وإلا فقد يعرض أن يكون في الدولة من هو مقدم على الوزير أو مساوى به فتتغير المكاتبة فقد كان عبد الله بن سليمان يعني وزير المعتضد يكاتب أبا الجيش يعني خمارويه بن أحمد بن طولون أطال الله يا أخي بقاك إلى آخر الصدر للمصاهرة التي كانت بين أبي الجيش وبين المعتضد ولأن المعتضد كناه ثم قال فإن كان الرئيس غير الوزير فربما زاد في مكاتبته زيادة لمن له محل فيزيده ويكاتبه بزيادة التأييد ودوام العز قال ويدعى للفقهاء أدام الله بقاءك في طاعته وسلامته وكفايته وأعلى جدك وصان قدرك وكان لك ومعك حيث لا تكون لنفسك أو أدام الله بقاءك في أسر عيش وأنعم بال وخصك بالتوفيق لما يحب ويرضى وحباك برشده وقطع بينك وبين معاصيه أو أطال الله بقاءك بما أطال به بقاء المطيعين وأعطاك من العطاء ما أعطى الصالحين أو أكرمك الله بطاعته وتولاك بحفظه وأسعدك بعونه وأيدك بنصره وجمع لك خير الدنيا والآخرة برحمته إنه سميع قريب أو تولاك من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وكان لك من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم أو أكرم الله عن النار وجهك وزين بالتقوى تجملك أو أكرمك الله بكرامة تكون لك في الدنيا عزا وفي الآخرة من النار حرزا

الضرب الثالث المكاتبة إلى النظراء والمخاطبة فيه بالكاف
قال في صناعة الكتاب وأعلى ما يكتب في ذلك يعني بالنسبة إلى

المكتوب إليه يا سيدي أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك إلى آخر الصدر ودونه أطال الله يا سيدي بقاءك ودونه يا سيدي وأخي أطال الله بقاءك ودونه أدام الله يا أخي بقاءك

الضرب الرابع المكاتبة إلى الأبناء والخطاب فيه بالكاف
قال في صناعة الكتاب يكتب الرجل إلى آبنه بأبي أنت أو فداك أبوك أو مات قبلك أو أسأل الله عز و جل حفظك وحياطتك ورعايتك أو أرشدك الله أمرك أو أحسن البلاغ بك أو بلغ الله بك أفضل الأمل وأتم السرور بك وجعلك خلفا صالحا وبقية زاكية
الضرب الخامس المكاتبة إلى الفتيان والخطاب فيه بالكاف
قال النحاس يدعى لهم صرف الله السوء عنك وعن حظي منك أو أطال الله بقاء النعمة عليك وعلي فيك أو جعلت أنا وطارفي وتالدي فداك أو ملاني الله إخاءك وأدام بقاءك أو أستودع الله عز و جل ما وهب لي من خلتك ومنحني من أخوتك وأعزني به من مودتك أو حاط الله حظي منك وأحسن المدافعة عنك أو ببقائك متعت وفقدك منعت أو نفسي تفديك والله يبقيك ويقيني الأسواء فيك أو ملاني الله النعمة ببقائك وهنأني ما منحني من إخائك أو أبقى الله النعمة لي ببقائها لك وبلغتها بك أو وفر الله حظي منك كما وفر من المكارم حظك أو ملاني الله ببقاك كما منحني إخاك أو دافع الله لي وللمكارم عن حوبائك وأمتعني ببقائك وجمع أملي فيك بجمعه المكارم لك أو زادك الله من النعم حسب تزيدك في البر لإخوانك وبلغ بك أملهم كما بلغ بهم آمالهم فيك

الضرب السادس المكاتبة إلى النساء
قد ذكر النحاس أنهن يكاتبن على نظير ما تقدم من مكاتبة الرئيس والمرؤوس والنظير غير أنه قد وقع في الاصطلاح من بعضهم أنه لا يقال في مكاتبتهن وكرامتك ولا وأتم نعمته عليك ولكن وأتم نعمته لديك ولا فضله عندك ولا سعادتك ولا فعلت ولا أن تفعلي ولكن يقال إن رأيت أن تمني بذلك مننت به وما أشبه ذلك وقد تقدم في الكلام على مقدمات المكاتبات بيان كراهتهن لذلك
قلت ثم راعى الكتاب في تعظيم المكتوب إليه أن عدلوا عن خطابه بالكاف عن نظير خطاب المواجهة إلى معنى الغيبة فقالوا له وإليه وعنده ونحو ذلك وخصوا الخطاب بالكاف بأدنى المراتب في حق المكتوب إليه على أنه قد تقدم من كلام النحاس إنكار ذلك على من اعتمده محتجا عليه بأنه لا أعظم من الله تعالى مع أنه يقال في الدعاء يا الله ونحو ذلك
وقد ذكر ابن حاجب النعمان في كتابه ذخيرة الكتاب أدعية مرتبة على

الغيبة وقال أعلاها أطال الله بقاءه وأدام تمكينه وارتقاءه ورفعته وسناءه وكبت عدوه ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده وعلاه وتمهيده وكبت عداه ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده وحرس حوباءه ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده ونعماه ودونه أطال الله بقاه وأدام نعماه ودونه أطال الله بقاه وأدام عزه ودونه أطال الله بقاه وأدام توفيقه وتسديده ودونه أطال الله بقاه وأدام سداده وإرشاده ودونه أطال الله بقاه وأدام حراسته ودونه أدام الله تأييده ودونه أدام الله توفيقه ودونه أدام الله عزه وسناءه ودونه أدام الله عزه ودونه أدام الله حراسته ودونه أدام الله كرامته ودونه أدام الله سلامته ودونه أدام الله رعايته ودونه أدام الله كفايته ودونه أبقاه الله ودونه حفظه الله ودونه أعزه الله ودونه أيده الله ودونه حرسه الله ودونه أكرمه الله ودونه وفقه الله ودونه سلمه الله ودونه رعاه الله ودونه عافاه الله وعلى معنى الغيبة يقال في الدعاء أطال الله بقاء الأمير أو بقاء القاضي أو بقاء سيدي أو بقاء مولاي وما أشبه ذلك في كل رتبة بحسبها
واعلم ان الذاهبين من الكتاب إلى إجراء المخاطبة في المكاتبة على معنى الغيبة كما هو طريقة ابن حاجب النعمان وغيره يعبرون عن المكتوب إليه بلقبه الخاص كالوزير والأمير والحاجب والقاضي وما أشبه ذلك وذكره بالسيادة وما في معناها مفضلين لفظ الجمع كسيدنا ومولانا على لفظ الإفراد كسيدي ومولاي وينعتون المكتوب إليه بالجليل أو الحاجب الجليل ويجعلون الإفراد دون ذلك في الرتبة فيقولون سيدي أو مولاي الأمير الجليل أو الحاجب الجليل ونحو ذلك ثم توسعوا في ذلك فجعلوا الدعاء متوسطا كلام الصدر على القرب من الابتداء مقدمين بعض كلام الصدر عليه ومؤخرين بعضه عنه مثل أن يقال في المكاتبة بشكر إذا كان الشكر أطال الله بقاء سيدنا

الأمير فلان ترجمان النية ولسان الطوية وشاهد الإخلاص وعنوان الاختصاص وسببا إلى الزيادة وطريقا إلى السعادة وكانت معارفه قد أحاطت بمعادنه واستولت على محاسنه فألسن آثارها مع الصمت أفصح من لسانه وبيانها مع الجحود ابلغ من بيانه ونحو ذلك ثم أحدثوا أصطلاحا أخر اضافوه إلى الاصطلاح الأول فقدموا على الدعاء لفظ كتابنا أو لفظ كتابي رتبة دون رتبة مثل أن كتبوا كتابنا أطال الله بقاء الأمير ونحن على أفضل ما عودنا الله من انتظام الأمور وسدادها واستقامتها بحضرتنا واطرادها أو كتابي أطال الله بقاء مولاي الحاجب عن سلامة ينغصها فقدك وينتقصها فراقك وما يجري مجرى ذلك وربما ابتدأوا لفظ كتابنا أو كتابي بلفظ كتبت بصيغة الفعل وربما ابتداوا بلفظ أنا ونحوه ثم خرج بهم الاختيار إلى مصطلحات اصطلحوا عليها مع بقاء بعض المصطلح القديم فخاطبوا بالحضرة تارة وبالخدمة تارة وبالمجلس أخرى فكتبوا كتابي أطال الله بقاء حضرة سيدنا الوزير أو سيدنا الأمير ونحو ذلك أو أسعد الله الحضرة أو أسعد الله الخدمة أو ضاعف الله جلال الخدمة أو أعز الله أنصار الخدمة وربما كتبوا صدرت هذه الخدمة إلى فلان وقد يكتبون صدرت هذه الجملة إلى غير ذلك من تفنناتهم التي لا يسع استيعابها ولا يمكن اجتماع متفرقها
قلت وبالجملة فضبط صدور الإخوانيات وابتداءاتها على هذا المصطلح غير ممكن لاختلاف مذاهبهم في ذلك والذي تحصل لي من كلام النحاس وابن حاجب النعمان وترسل أبي إسحاق الصابي والعلاء بن موصلايا وأبي

الفرج الببغاء وغيرهم من الكتاب المجيدين أن الغالب في المكاتبات الدائرة بين أعيان الدول على سبعة أساليب

الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء
كما كتب أبو إسحاق الصابي إلى الصاحب إسماعيل بن عباد بالشكر والتشوق أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل في سلامة دنيا ودين ونفاذ أمر وتمكين وتمام عز وتأييد وثبات وطأة وتمهيد وعلو قدر وسلطان وتعاظم خطر وشان وتولاه في نفسه وأوليائه بأحسن ما عرف وألف من نعم دارة الحلب متفرعة الشعب محمية الجهات والجوانب محجوبة عن النوائب والشوائب وأراه في حساد فضائله وكفار فواضله ما عوده فيهم من شقاء جدودهم وفلول حدودهم وحلول النكال بهم وإثبات العصمة منهم وجعل حكمه قطبا لمدار الأفلاك ونهجا لمجاري الأقدار فلا ينزل منها محبوب مطلوب إلا توجه إليه ونحاه ولا محذور إلا أعرض عنه وتحاماه ثم كان برؤوس معانديه حلوله

وبرقابهم أحاطته وفوق ظهورهم محمله وعلى صدورهم مجثمه أمرا جزما قضاه الله له وخصه به وأعطته الأيام عليه عهد أمانها وأمرت له به عقد ضمانها عاطفة عليه بطاعتها ومواتاتها مغضية له عن نوائبها ونبواتها وحقيق عليه جل اسمه أن يفعل ذلك به ويسمع هذا الدعاء فيه إذ كان مرفوعا إليه في أوفر عباده فضلا وأغمرهم نيلا وأجزلهم أدبا وأكثرهم حسبا وأعملهم بطاعته وأولاهم بإحسانه ومعونته
كتبت هذا الكتاب أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل ثم انخرط في سلك مقصده إلى آخر

الأسلوب الثاني أن يتوسط الدعاء صدر الكتاب بعد الابتداء بكلام مناسب
للحال
كما كتب أبو إسحاق الصابي أيضا عن بعض الأمراء إلى أمير آخر مبشرا بفتح
ومن أعظم النعم أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل خطرا وأحسنها أثرا نعمة سكنت ثورة وأطفأت فورة وعادت على الناس بجميل الصنع وجليل النفع ونظام الأمور وصلاح الجمهور فتلك التي يجب أن يكون الشكر عليها مترادفا والاعتداد بها متضاعفا بحسب ما أزالت من المضرة وجددت من المسرة وأماطت من المحذور ونشرت من المأمول وحقيق على الناس أن يعرفوا حقها ويوفوها من حمد الله قسطها ويتنجزوه وعده الحق في أدائها وإطالة الإمتاع بها والحمد لله على أن جعلنا ممن يعرف ذلك ويهتدي إليه ويعتقده وينطوي عليه ويؤدي فرض الاجتهاد في الاستدامة والاستزادة منه وأن خصنا من هذه النعم بذوات الفضل السابغ والظل الماتع الجامعة لكبت العدو ومساءته وابتهاج الولي ومسرته وهو المسؤول جل اسمه وعز ذكره أن لا يسلبنا ما ألبسناه من سرابيلها وأجرناه من فضل ذيولها وعودناه من جلالة أقدارها وتعاظم أخطارها ولا يعدمنا معونة منه على بلوغ أقصى الوسع

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39