كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

وغيرهما من أهله فدلوه بالغرور وحملوه على ما قضى بالاستيحاش منه والنفور وقووا عزمه فيما يؤدي إلى اضطراب الأحوال واختلال الأمور فامتعض العساكر المنصورة مما أساء به سياستهم وأبوا الصبر على ما غير به رسمهم وعادتهم فلم رأى أمير المؤمنين ذلك استعظم الحال فيه وتيقن أن التغافل عنه يقضي بما يعسر استدراكه وتلافيه فكاتب وليه وصفيه الذي ربى في حجر الخلافة وسما به استحقاقه إلى أعلى درج الإنافة وحصلت له الرياسة باكتسابه وانتسابه وغدا النظر في أمور المملكة لا يصلح لغيره ولا يليق إلا به السيد الأجل الأفضل وهو يومئذ والي الأعمال الغربية وصدرت كتب أمير المؤمنين تشعره بهذا الأمر الصعب وتستكشف به ما عرا الدولة من هذا الخطب فأجاب دعاءه ولبى نداءه وقام قيام مثله ممن أجزل الله حظه من الإيمان وجعله جل وعز حسنة هذا الزمان واختصه بعناية قوية وأمده بمواد علوية وأيده بإعانة سماوية تخرج عن الاستطاعة البشرية فجمع الناس وقام خطيبا فيهم وباعثا لهم على ما يزلفهم عند الله ويحظيهم وموضحا لهم ما يخشى على الدولة من الأمر المنكر فاجتمعوا إليه كاجتماعهم يوم المحشر وغصت النجود والأغوار وامتلأت السهول والأوعار وضاقت الأرض على سعتها بالخلائق وارتفعت في توجههم لطلب المذكور الأعذار والعوائق ولم يبق فضاء إلا وهو بهم شرق ولا أحد إلا وهو منزعج بقصده وعلى تأخر ذلك قلق وكان بهرام وأصحابه بالإضافة إليهم كالشامة في اللون البسيط وكالقطرة في البحر المحيط وساروا مع السيد الأجل الأفضل نحوه مسارعين وعلى الانقضاض عليهم متهافتين فلما شعر بذلك لم يبق له قرار ولاذ بالهرب والفرار يهجر المناهل ويطوي المراحل ويرى الشرود غنما ويعد السلامة حلما واستقرت وزارة أمير المؤمنين لهذا السيد الأجل الأفضل الذي لم تزل فيه راغبة وله خاطبة ونحو توليه إياها متطلعة وإلى نظره فيها مبادرة متسرعة

ولم تنفك لزينة دستها مستبطئة وفي التلهف على تأخر ذلك معيدة مبدئة فأحسن إلى الكافة قولا وفعلا وعمل في حق الدولة ما لم يجعل له في الوزراء شبها ولا في الملوك العظماء مثلا وغدا للملة الحنيفة حجة وبرهانا وأولى الأولياء إعزازا وتكريما والأعداء إذلالا وإهوانا وصان الخلافة عن نفاذ حيلة وتمام غيلة ومخادعة ماكر ومخاتلة غادر فلذلك انتضاه أمير المؤمنين حساما باترا ماضي الغرار واجتباه هماما في المصالح لا يطعم جفنه غير الغرار واصطفاه خليلا وظهيرا لتساوي باطنه وظاهره في الصفاء واستخلصه لنفسه لمفاخره الجمة التي ليس بها من خفاء وانتظمت الأمور بكفالته في سلك الوفاق وعمت الخيرات بوزارته عموم الشمس بأنوارها جميع الآفاق فسعدت بنظره الجدود وتظاهرت ببركاته الميامن والسعود وأصبح غصن المعالي بيمنه مورقا وعلى الملة من يمن آرائه تمائم من مس الحوادث ورقى فآثاره توفي على ضياء الصباح وعزماته تزري بمضاء المهندة الصفاح ومآثره تفوت شأو الثناء وغاية الامتداح فالله تعالى يحفظ النعمة على الخلافة الحافظية ويوزع شكره على سبوغها كافة البرية بكرمه وفضله ومنه وطوله
ولما أمعن بهرام في الهرب وجدت العساكر المنصورة وراءه في الطلب وضاقت عليه المسالك وتيقن أنه في كل وجهة يقصدها هالك عاد لمكارم الدولة وعواطفها وسأل أمانا على نفسه من متالفها فشملته الرحمة وكتب له الأمان فعاودته النعمة واختلط برجال العساكر المنصورة وصار حظه بعد أنه كان مبخوسا من الحظوظ الموفورة
وأما اعتذار الكاتب عما وجه إليه بأن من الكلام ما إذا نقل من لغة إلى لغة أخرى اضطرب مبناه فاختل معناه ولا سيما إن غرس فيه لفظ ليس في إحدى اللغتين سواه فقد أبان فيما نسب إليه السهو فيه عن وضوح سببه وقد قبل عذره ولم تفك يده عن التمسك به
وأما ما سيرته إلى خزائن أمير المؤمنين تحفة وهدية وأبنت به عنه همة

بدواعي المجد ملية فإنه وصل وتسلم كل صنف منه متولي الخزائن المختصة به بعد عرضه على الثبت المعطوف كتابك عليه وموافقته وقد أجري رسولك في إكرامه وملاحظته على أفضل ما يعتمد مع مثله بمنزلة من ورد من جهته وعلى قدر من وصل برسالته وقد سير أمير المؤمنين من أمراء دولته ووجوه المقدمين بحضرته الأمير المؤتمن المنصور المنتخب مجد الخلافة تاج المعالي فخر الملك موالي الدولة وشجاعها ذا النجابتين خالصة أمير المؤمنين أبا منصور جعفرا الحافظي رسولا بهذه الإجابة لما هو معروف من سداده وموصوب من مستوفق قصده ومستصوب اعتماده وألقي إليه ما يذكره ويشرحه وعول عليه فيما يشافه به ويوضحه وأصحبه من سجاياه وألطافه ما تضمنه الثبت الواصل على يده إبانة لمحلك عنده وموقفك منه ومكانك لديه وأمير المؤمنين متطلع إلى ورود كتبك متضمنة من سار أنبائك وطيب أخبارك ما يسكن إلى معرفته ويثق بعلم حقيقته فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى

الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الرابعة في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم مما الجاري عليه الحال في زماننا وهو على قسمين

القسم الأول المكاتبات الصادرة عن الملوك إلى أهل الإسلام وفيه أطراف
الطرف الأول في مكاتباتهم إلى النبي وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في ترتيب كتبهم إليه على سبيل الإجمال
كانت أمراء سراياه ومن أسلم من الملوك تفتتح المكاتبة إليه باسمه ويثنون بأنفسهم ويأتون بالتحميد والسلام عليه ويتخلصون إلى المقصود بأما بعد أو بغيرها ويختمون بالسلام وملوك الكفر يبدأون بأنفسهم وربما بدأوا باسمه وكان المكتوب عنه منهم يعبر عن نفسه بلفظ الإفراد مثل أنا ولي وقلت وفعلت وربما عبر بعض الملوك عن نفسه بنون الجمع ثم إن كان المكتوب عنه مسلما خاطبه بلفظ الرسالة والنبوة مع كاف الخطاب وتاء المخاطب وإن كان كافرا خاطبه بالكاف والتاء المذكورتين وربما خاطبه باسمه فإن كان المكتوب عنه مسلما ختم الكتاب بالسلام عليه

أما عنونة هذه الكتب فيظهر أنها إن افتتحت باسمه وثني باسم المكتوب إليه عنونت كذلك فكتب في الجانب الأيمن لمحمد رسول الله أو نحو ذلك وفي الجانب الأيسر من فلان وإن كانت ممن يفتتح المكاتبة باسم نفسه عنونت على العكس من ذلك

الجملة الثانية في صورة مكاتبتهم إليه
وفيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه
كما كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه إليه بإسلام بني الحارث بالكتاب الذي تقدمت إجابته عنه وهو على ما ذكره ابن هشام في السيرة
لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتني إلى بني الحارث ابن كعب وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام ثلاثة أيام وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم وإني قدمت إليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة

أيام كما أمر رسول الله وبعثت فيهم كتابا يا بني الحارث أسلموا تسلموا فأسلموا ولم يقاتلوا وأنا مقيم بين أظهرهم وآمرهم بما أمر الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي حتى يكتب إلي رسول الله والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته
وكما كتب النجاشي ملك الحبشة إليه في جواب كتابه إليه
ونسخته على ما ذكره ابن إسحاق
إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة
سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو الذي هداني للإسلام
أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى عليه السلام ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه لكما قلت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقدم ابن عمك وأصحابه وفي رواية وقد قربنا ابن عمك وأصحابه وأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رسول العالمين وقد بعثت إليك بابني وإن شئت أتيك بنفسي فعلت يا رسول الله فإني أشهد أن ما تقوله حق والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
وكما كتب المقوقس صاحب مصر إليه جواب كتابه الوارد عليه منه في

رواية ذكرها ابن عبد الحكم وهو
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك
أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه وقد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك
ولم يزد على هذا وزاد غيره أن في أول الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وذكر الواقدي أن في كتابه إليه
باسمك اللهم من المقوقس إلى محمد
أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمته وأنت تقول إن الله أرسلك رسولا وفضلك تفضيلا وأنزل عليك قرآنا مبينا فكشفنا عن خبرك فوجدناك أقرب داع دعا إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق ولولا أني ملكت ملكا عظيما لكنت أول من آمن بك أنك لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين والسلام عليك مني إلى يوم الدين

الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه
كما كتب مسيلمة الكذاب إليه الكتاب الذي تقدمت إجابته في المكاتبات الصادرة عنه وهو
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله
أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك إن لنا نصف الأرض ولقريش

نصف الأرض ولكن قريشا قوم يعتدون

الجملة الثالثة في المكاتبات التي كتبت إليه قبل ظهوره وبعد وفاته
أما الكتب التي كتب إليه قبل ظهوره فقد حكى صاحب الهناء الدائم بمولد أبي القاسم أن تبعا الأول حين مر بموضع المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام أخبره من معه من علماء أهل الكتاب أن هذا الموضع مهاجر نبي يخرج في آخر الزمان فعمر هناك مدينة وأسكن فيها جماعة من العلماء وكتب إليه كتابا فيه
أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبربك ورب كل شيء وبكتابه الذي ينزله عليك وأنا على دينك وسنتك آمنت بربك ورب كل شيء وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام والإيمان وإني قلت ذلك فإن أدركتك فبها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع في يوم القيامة ولا تنسني فإني من أمتك الأولين وتابعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم
وختم الكتاب ونقش عليه لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
وكتب عنوانه إلى محمد بن عبد لله خاتم المرسلين ورسول رب العالمين صلى الله عليه من تبع الأول حمير أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه
ودفعه إلى رئيس العلماء الذين رتبهم بالمدينة فبقي عنده وعند بنيه يتداولونه واحدا بعد واحد حتى هاجر النبي إلى المدينة فلقيه الذي صار

الكتاب إليه يومئذ من بني ذلك العالم في طريق المدينة ودفع إليه الكتاب
وأما الكتب التي تكتب إليه بعد وفاته فقد جرت عادة الأمة من الملوك وغيرهم بكتابة الرسائل إليه بعد وفاته بالسلام والتحية والتوسل والتشفع به إلى الله تعالى في المقاصد الدنيوية والأخروية وتسييرها إلى تربته وأكثر الناس معاطاة لذلك أهل المغرب لبعد بلادهم ونزوح أقطارهم
ومن أحسن ما رأيت في هذا المعنى ما كتب به ابن الخطيب وزير ابن الأحمر بالأندلس وصاحب ديوان إنشائه عن سلطانه يوسف بن فرج بن نصر - طويل -
( إذا فاتني ظل الحمى ونعيمه ... كفاني وحسبي أن يهب نسيمه )
( ويقنعني أني به متكيف ... فزمزمه دمعي وجسمي حطيمه )

( يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا ... فيقعده فوق الغضا ويقيمه )
( ولم أر شيئا كالنسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه )
( نعلل بالتذكار نفسا مشوقة ... ندير عليها كأسه ونديمه )
( وما شفني بالغور رند مرنح ... ولا شاقني من وحش وجرة ريمه )
( ولا سهرت عيني لبرق ثنية ... من الثغر يبدو موهنا فأشيمه )
( براني شوق للنبي محمد ... يسوم فؤادي برحه ما يسومه )
( ألا يا رسول الله ناداك ضارع ... على البعد محفوظ الوداد سليمه )
( مشوق إلا ما الليل مد رواقه ... تهم به تحت الظلام همومه )
( إذا ما حديث عنك جاءت به الصبا ... شجاه من الشوق الحديث قديمه )
( أيجهر بالنحوى وأنت سميعها ... وبشرح ما يخفى وأنت عليمه )
( وتعوزه السقيا وأنت غياثه ... وتتلفه البلوى وأنت رحيمه )
( بنورك نور الله قد أشرق الهدى ... فأقماره وضاحة ونجومه )
( بك أنهل فضل الله في الأرض ساكبا ... فأنواؤه ملتفة وغيومه )
( ومن فوق أطباق السماء بك اقتدى ... خليل الذي أوطاكها وكليمه )

( لك الخلق الأرضى الذي بان فضله ... ومجد في الذكر العظيم عظيمه )
( يجل مدى علياك عن مدج مادح ... فموسر در القول فيك عديمه )
( ولي يا رسول الله فيك وراثة ... ومجدك لا ينسى الذمام كريمه )
( وعندي إلى أنصار دينك نسبة ... هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمة )
( وكان بودي أن أزور مبوءا ... بك افتخرت أطلاله ورسومه )
( وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذاك مرومه )
( وعذري في توسيف عزمي ظاهر ... إذا ضاق عذر العزم عمن يلومه )
( عدتني بأقصى الغرب عن تربك العدا ... جلالقة الثغر الغريب ورومه )
( أجاهد في الألفاظ سبيلك أمة ... هي البحر يعيي أمرها من يرومه )
( فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى ... لريع حماه واستبيح حريمه )
( فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته ... فمجدك موفور النوال عميمه ) وأنت لنا الغيث الذي نستدره ... وأنت لنا الظل الذي نستديمه )
( ولما نأت داري وأعوز مطمعي ... وأقلقني شوق تشب جحيمه )
( بعثت بها جهد المقل معولا ... على مجدك الأعلى الذي جل خيمه )
( وكلت بها همي وصدق قريحتي ... فساعدني هاء الروي وميمه )

( فلا تنسني يا خير من وطىء الثرى ... فمثلك لا ينسى لديه خديمه )
( عليك صلاة الله ما ذر شارق ... وما راق من وجه الصباح وسيمه )
إلى رسول الحق إلى كافة الخلق وغمام الرحمة الصادق البرق والحائز في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق خاتم الأنبياء وإمام ملائكة السماء ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطين والماء شفيع أرباب الذنوب وطبيب أدواء القلوب ووسيلة الخلق إلى علام الغيوب نبي الهدى الذي طهر قلبه وغفر ذنبه وختم به الرسالة ربه وجرى في النفوس مجرى الأنفاس حبه الشفيع المشفع يوم العرض المحمود في ملإ السماء والأرض صاحب اللواء المنشور يوم النشور والمؤتمن على سر الكتاب المسطور ومخرج الناس من الظلمات إلى النور المؤيد بكفاية الله وعصمته الموفور حظه من عنايته وحرمته الظل الخفاق على أمته من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا فائدة الكون ومعناه وسر الوجود الذي بهر الوجود سناه وصفي حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه البشير الذي سبقت له البشرى ورأى من آيات ربه الكبرى ونزل فيه ( سبحان الذي أسرى ) من الأنوار من عنصر نوره مستمدة والآثار تخلق وآثاره مستجدة من طوي بساط الوحي لفقده وسد باب الرسالة والنبوة من بعده وأوتي جوامع الكلم فوقفت

البلغاء حسرى دون حده الذي انتقل في الغرر الكريمة نوره وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره وطفقت الملائكة تحييه وفودها وتزوره وأخبرت الكتب المنزلة على الأنبياء بأسمائه وصفاته وأخذ عهد الأنبياء به على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر والسند المعتمد عليه في أهوال المحشر ذي المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحس وأقر بها الجن والإنس من جماد يتكلم وجذع لفراقه يتألم وقمر له ينشق وشجر يشهد أن ما جاء به هو الحق وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس وماء من بين أصابعه يتبجس وغمام باستسقائه يصوب وطوى بصق في أجاجها فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب المسمى بالحاشر العاقب ذي المجد البعيد المرامى والمراقب أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب ونجحت لديه قربة البعيد والمقترب سيد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي فاز بطاعته المحسنون واستنقذ بشفاعته المذنبون وسعد باتباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ما لمع برق وهمع ودق وطلعت شمس ونسخ اليوم أمس
من عتيق شفاعته وعبد طاعته المعتصم بسببه المؤمن بالله ثم به المستشفي بذكره كلما تألم المفتتح بالصلاة عليه كلما تكلم الذي إن ذكر

تمثل طلوعه بين أصحابه وآله وإن هب النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله وإن سمع الأذان تذكر صوت بلاله وإن ذكر القرآن استشعر تردد جبريل بين معاهده وحلاله لاثم تربه ومؤمل قربه ورهين طاعته وحبه المتوسل به إلى رضى ربه يوسف بن إسماعيل بن نصر
كتبته يا رسول الله والدمع ماح وخيل الوجد ذات جماح عن شوق يزداد كلما نقص الصبر وانكسار لا يتاح له إلا بدنو مزارك الجبر وكيف لا يعني مشوقك بالأمر ويوطيء على كبده الجمر وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربتك المقدسة اللحد ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد وانصرفت الرفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت والركائب إليك ما رحلت والعزائم قالت وما فعلت والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح فيا لها من معاهد فاز من حياها ومشاهد ما أعطر رياها بلاد نيطت بها عليك التمائم وأشرقت بنورك منها النجود والتهائم ونزل في حجراتها عليك الملك وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك مدارس الآيات والسور ومطالع المعجزات السافرة الغرر حيث قضيت الفروض وحتمت وافتتحت سورة الوحي وختمت وابتدئت الملة الحنيفية وتممت ونسخت الآيات وأحكمت أما والذي بعثك بالحق هاديا وأطلعك للخلق نورا باديا لا يطفيء غلتي إلا شربك ولا يسكن لوعتي إلا قربك فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك واصبح بعد أداء ما فرضت

عن الله ضيف كرمك وعفر الخد في معاهدك ومعاهد أسرتك وتردد ما بين داري بعثتك وهجرتك
وإني لما عاقتني عن زيارتك العوائق وإن كان شغلي عنك بك وعدتني الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك وأصبحت ما بين بحر تتلاطم أمواجه وعدو تتكاثف أفوجه ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه في طائفة من المؤمنين بك وطنوا على الصبر نفوسهم وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوسهم يطيرون من هيعة إلى أخرى ويتلفتون والمخارف يمنى ويسرى ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى لا يبلغون من عدو كالذر عند انتشاره معشار معشاره قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا لأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا فيا له من سرب مروع وصريخ إلا عنك ممنوع ودعاء إلى الله وإليك مرفوع وصبية حمر الحواصل تخفق فوق أوكارها أجنحة المناصل والصليب قد تمطى ومد ذراعيه ورفعت الأطماع بضبعيه وقد حجبت بالقتام السماء وتلاطمت أمواج الحديد والبأس الشديد فالتقى الماء ولم يبق إلا الذماء وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تكاد تراه العيون إلى أن نلقاك غدا إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر وأرغمنا الكفر وأعملنا في سبيل

الله وسبيلك البيض والسمر
استنبت رقعتي هذه لتطير إليك من شوقي بجناح خافق وتسعد من نيتي التي تصحبها برفيق موافق فتؤدي عن عبدك وتبلغ وتعفر الخد في تربتك وتمرغ وتطيب بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك وتقف وقوف الخشوع والخضوع تجاه تابوتك وتقول بلسان التملق عند التشبث بأسبابك والتعلق منكسرة الطرف حذرا بهرجها من عدم الصرف يا غياث الأمة وغمام الرحمة إرحم غربتي وانقطاعي وتغمد بطولك قصر باعي وقو على هيبتك خور طباعي فكم جزت من لج مهول وجبت من حزون وسهول وقابل بالقبول نيابتي وعجل بالرضا إجابتي ومعلوم من كمال تلك الشيم وسجايا تيك الديم أن لا تخيب قصد من حط بفنائها ولا يظمأ وارد أكب على إنائها
اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة وملكت أمته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة وجعلتني من أمته المجبولة على حبه المفطورة وشوقتني إلى معاهده المبرورة ومشاهده المزورة ووكلت لساني بالصلاة عليه وقلبي بالحنين إليه ورغبتني بالتماس ما لديه فلا تقطع عنه أسبابي ولا تحرمني في حبه أجر ثوابي وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي

هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره وشط مزاره ولم يجعل بيده اختياره فإن لم يكن للقبول أهلا فأنت للإغضاء والسماح أهل وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل وإذا كان الحب يتوارث كما أخبرت والعروق تدس حسب ما إليه أشرت فلي بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزية ووسيلة أثيرة خفية وإن لم يكن لي عمل ترتضيه فلي نية فلا تنسني ومن بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك على أيدي خيار أمتك فإنما نحن بها وديعة تحت بعض أقفالك نعوذ بوجه ربك من إغفالك ونستنشق من ريح عنايتك نفحة ونرتقب من نور محيا قبولك لمحة ندافع بها عدوا طغى وبغى وبلغ من مضايقتنا ما ابتغي فمواقف التمحيص قد أعيت من كتب وورخ والبحر قد أصمت من استصرخ والطاغية في العدوان مستبصر والعدو محلق والولي مقصر وبجاهك ندفع ما لا نطيق وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيق فلا تفردنا ولا تهملنا وناد ربك فينا ( ربنا ولا تحملنا ) وطوائف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم وربك يقول لك وقوله الحق ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) والصلاة والسلام عليك يا خير من طاف وسعى وأجاب داعيا إذا دعا وصلى الله على جميع أحزابك وآلك صلاة تليق بجلالك وتحق لكمالك وعلى ضجيعيك وصديقيك وحبيبك ورفيقيك خليفتك في أمتك وفاروقك المستخلف بعده على جلتك وصهرك ذي النورين المخصوص ببرك ونحلتك وابن عمك سيفك المسلول على حلتك

بدر سمائك ووالد أهلتك والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا أثيرا ورحمة الله وبركاته
من حضرة جزيرة الأندلس غرناطة صانها الله ووقاها ودفع عنها ببركتك كيد عداها

الطرف الثاني في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا
إلى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم وفيه جملتان
الجملة الأولى في ترتيب هذه المكاتبات على سبيل الإجمال
كانت المكاتبة إليهم تفتتح تارة بلفظ من فلان إلى فلان ويؤتى في الصدر بالسلام والتحميد على نحو ما تقدم في المكاتبة عن الخلفاء ويقع التخلص إلى المقصود بأما بعد وتارة يقع الافتتاح بأما بعد ويؤتى بالمقصود تلو ذلك ويعبر المكتوب عنه فيها عن نفسه بلفظ الإفراد وعن الخليفة بأمير المؤمنين وتختم بالسلام على أمير المؤمنين
الجملة الثانية في صورة هذه المكاتبات وهي على أسلوبين كما تقدمت الإشارة
إليه
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ لفلان من فلان
وكان الرسم فيها أن يكتب لعبد الله فلان أمير المؤمنين سلام عليك

فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كذا
كما كتب عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جواب الكتاب منه إليه المقدم ذكره في المكاتبة عن الخلفاء من الصحابة وهو
لعبد الله عمر أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه فاشية مال فشا لي وإنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي وإني أعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر فيه رخيص وإني أعالج من الزراعة ما يعالجه الناس وفي رزق أمير المؤمنين سعة ووالله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحسابا هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها ولعمري إن عندك من لا يذم معيشة ولا تذم له فإن كان ذلك فلم يفتح قفلك ولم يشركك في عملك

الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد ويتوصل منه إلى المقصود
كما كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية وهو على بعض أعماله يستعفيه عن العمل
أما بعد فقد كبر سني ورق عظمي واقترب أجلي وسفهني سفهاء قريش فرأي أمير المؤمنين في عمله

الطرف الثالث في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا أيضا إلى خلفاء بني أمية وهي في ترتيبها على ما تقدم في المكاتبات إلى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم وهي على أسلوبين

الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان على نحو ما تقدم
في المكاتبة عنهم إلى الخلفاء من الصحابة مع زيادة الدعاء بطول البقاء
كما كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان في جواب كتابه الوارد عليه منه في توبيخه له بسبب تعرضه لأنس بن مالك رضي الله عنه على ما تقدم ذكره
لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين أصلح الله أمير المؤمنين وأبقاه وسهل حظه وحاطه ولا عدمناه فقد وصلني كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاه وجعلني من كل مكروه فداه يذكر شتمي وتوبيخي بآبائي

وتعييري بما كان قبل نزول النعمة بي من عند أمير المؤمنين أتم الله نعمته عليه وإحسانه إليه ويذكر أمير المؤمنين استطالة مني علي أنس بن مالك وأمير المؤمنين أحق من أقال عثرتي وعفا عن ذنبي وأمهلني ولم يعجلني عند هفوتي للذي جبل عليه من كريم طبائعه وما قلده الله من أمور عباده فرأي أمير المؤمنين أصلحه الله في تسكين روعتي وإفراج كربتي فقد ملئت رعبا وفرقا من سطواته وقحمات نقماته وأمير المؤمنين أقاله الله العثرات وتجاوز له عن السيئات وضاعف له الحسنات وأعلى له الدرجات أحق من صفح وعفا وتغمد وأبقى ولم يشمت بي عدوا مكبا ولا حسودا مضبا ولم يجرعني غصصا والذي وصف أمير المؤمنين من صنيعته إلي وتنويهه لي بما أسند إلي من عمله وأوطأني من رقاب رعيته فصادق فيه مجزي عليه بالشكر والتوسل مني إليه بالولاية والتقرب له بالكفاية وقد خضعت عند كتاب أمير المؤمنين فإن رأى أمير المؤمنين طوقني الله

بشكره وأعانني على تأدية حقه وبلغني إلى ما فيه موافقة مرضاته ومد لي في أجله أن يأمر بالكتاب إلي من رضاه وسلامة صدره ما يؤمنني به من سفك دمي ويرد ما شرد من نومي ويطمئن به قلبي فعل فقد ورد علي أمر جليل خطبه عظيم أمره شديد كربه أسأل الله أن لا يسخط أمير المؤمنين علي وأن ينيله في حزمه وعزمه وسياسته وفراسته ومواليه وحشمه وعماله وصنائعه ما يحمد به حسن رأيه وبعد همته إنه ولي أمير المؤمنين والذاب عن سلطانه والصانع له في أمره والسلام

الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد ويتوصل منه إلى المقصود
كما كتب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى عبد الملك بن مروان في خلافته
أما بعد لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأمرني بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه فيما استطعت

الطرف الرابع في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء
بني العباس وفيها جملتان
الجملة الأولى في المكاتبات العامة من الملوك إلى الخلفاء ولها حالتان
الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في ابتداء دولة بني العباس وأوساطها
أما ابتداء دولتهم فكان الأمر فيه على ما تقدم في مكاتبات العمال ونحوهم إلى خلفاء بني أمية وقد تقدم تمثيله إلا أنه زيد فيه في صدور المكاتبات سؤال الصلاة على النبي من حين رتبه المأمون في صدور الكتب وتكنيه الخليفة من حين أحدثه الأمين في كتبه على ما تقدم بيانه في المكاتبات عن الخلفاء فيما سلف
وأما أوساط دولتهم من حين ظهور ملوك بني بويه وغلبتهم على الأمر فللكتاب فيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ لفلان من فلان وتصدر بالسلام
والتحميد وسؤال الصلاة على النبي ويتخلص إلى المقصود بأما بعد
والرسم فيه على ما ذكره قدامة في كتاب الخراج أن يكتب لعبد الله فلان أبي فلان باسمه وكنيته ونعته أمير المؤمنين سلام على أمير المؤمنين فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزه وتأييده وكرامته وحراسته

وأتم نعمته عليه وزاد في إحسانه إليه وفضله عنده وجميل بلائه لديه وجزيل عطائه له
وزاد في صناعة الكتاب في السلام ورحمة الله وبركاته قال في صناعة الكتاب ثم يقال أما بعد فقد كان كذا وكذا حتى يأتي على المعاني التي يحتاج إليها وتكون المكاتبة وقد فعل عبد أمير المؤمنين كذا فإن زادت حاله لم يقل عبد أمير المؤمنين فإذا بلغ إلى الدعاء ترك فضاء وكتب أتم الله على أمير المؤمنين نعمته وهناءه وكرامته وألبسه عفوه وعافيته وأمنة وسلامته والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وكتب يوم كذا وكذا من شهر كذا من سنة كذا
وقال الفضل بن سهل يدعى للخليفة
أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزه وتأييده وأتم نعمته وسعادته وتوفيقه وزاد في إحسانه إليه ومواهبه له ولا يكتب إليه وجعلني فداه ويكون أول فصوله أخبر أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن كذا وكذا ثم يوالي الفصول بأيده الله وأدام عزه ونحو هذا
وإن شئت كتبت أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزه وتأييده وكرامته وأتم نعمته عليه وزاد فيها عنده وحاطه وكفاه وتولى له ما ولاه
وإن شئت كتبت أطال الله بقاء أمير المؤمنين في العز والسلامة وأدام كرامته في السعادة والزيادة وأتم نعمته في السبوغ والغبطة وأصلحه وأصلح

على يديه ونصره وكان له في الأمور كلها وليا وحافظا
وإن شئت كتبت أطال الله بقاء أمير المؤمنين في أعز العز وأدوم الكرامة والسرور والغبطة وأتم نعمه في علو من الدرجة وشرف من الفضيلة ومتابع من العائدة ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة
والذي كانت عليه قاعدة ملوك بني بويه فمن بعدهم إن كان الكتاب في معنى حدوث نعمة من فتح ونحوه أتي بعد ذلك بالتحميد ما بين مرة واحدة إلى ثلاث مرات ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد وعن الخليفة بأمير المؤمنين ويختم الكتاب بالإنهاء وما في معناه
وهذه نسخة كتاب كتب به أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة بن بويه إلى المطيع لله عند فتحه الموصل وهزيمة أبي تغلب بن حمدان صاحب حلب في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وهي
لعبد الله الفضل الإمام المطيع لله أمير المؤمنين من عبده وصنيعته عز الدولة ابن معز الدولة مولى أمير المؤمنين سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فإني أحمد إلى أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام له العز والتأييد والتوفيق والتسديد والعلو والقدرة والظهور والنصرة فالحمد لله العلي العظيم الأزلي

القديم المتفرد بالكبرياء والملكوت المتوحد بالعظمة والجبروت الذي لا تحده الصفات ولا تحوزه الجهات ولا تحصره قرارة مكان ولا يغيره مرور زمان ولا تتمثله العيون بنواظرها ولا تتخيله القلوب بخواطرها فاطر السموات وما تظل وخالق الأرض وما تقل الذي دل بلطيف صنعته على جليل حكمته وبين بجلي برهانه عن خفي وجدانه واستغنى بالقدرة عن الأعوان واستعلى بالعزة عن الأقران البعيد عن كل معادل ومضارع الممتنع على كل مطاول ومقارع الدائم الذي لا يزول ولا يحول العادل الذي لا يظلم ولا يجور الكريم الذي لا يضن ولا يبخل الحليم الذي لا يعجل ولا يجهل ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين منزل الرحمة على كل ولي توكل عليه وفوض إليه وأتمر لأوامره وازدجر بزواجره ومحل النقمة بكل عدو صد عن سبيله وسننه وصدف عن فرائضه وسننه وحاده في مكسب يده ومسعاة قدمه وخائنة عينه وخافية صدره وهو راتع رتعة النعم السائمة في أكلاء النعم السابغة وجاهل جهلها بشكر آلائها ذاهل ذهولها عن طرق استبقائها فلا يلبث أن ينزع سرابيلها صاغرا ويتعرى منها حاسرا ويجعل الله كيده في تضليل ويورده شر المورد الوبيل ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) ولا يهدي كيد الخائنين
والحمد لله الذي اصطفى للنبوة أحق عباده بحمل أعبائها وارتداء ردائها محمدا وعلى آله وسلم وعظم خطره وكرم فصدع بالرسالة وبالغ في الدلالة ودعا إلى الهداية ونجى من الغواية ونقل الناس عن طاعة الشيطان الرجيم إلى طاعة الرحمن الرحيم وأعلقهم بحبائل

خالقهم ورازقهم وعصمة محييهم ومميتهم بعد انتحال الأكاذيب والأباطيل واستشعار المحالات والأضاليل والتهوك في الاعتقادات الذائدة عن النعيم السائقة إلى العذاب الأليم فصلى الله عليه من ناطق بالحق ومنقذ للخلق وناصح للرب ومؤد للفرض صلاة زاكية نامية رائحة غادية تزيد على اختلاف الليل والنهار وتعاقب الأعوام والأدوار
والحمد لله الذي أنتجب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من ذلك السنخ الشريف والعنصر المنيف والعترة الثابت أصلها الممتد ظلها الطيب جناها الممنوع حماها وحاز له مواريث آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين واختصه من بينهم بتطاول أمد الخلافة واستحصاف حبلها في يده ووفقه لإصابة الغرض من كل مرمى يرميه ومقصد ينتحيه وهو جل ثناؤه الحقيق بإتمام ذلك عليه والزيادة فيه لديه وأحمده سبحانه حمدا أبتدئه ثم أعيده وأكرره وأستزيده على أن أهل ركن الدولة أبا علي وعضد الدولة أبا شجاع مولى أمير المؤمنين وأهلني للأثرة عنده التي بذذنا فيها الأكفاء وفتنا فيها القرناء وتقطعت دونها أنفاس المنافسين وتضرمت عليها أحشاء الحاسدين وأن أولاني في كل مغزى في خدمة أمير المؤمنين أغزوه ومنحى أنحوه وثأي أرأبه وشعث ألمه وعدو أرغمه وزائغ أقومه أفضل ما أولاه عباده السلمية غيوبهم النقية جيوبهم المأمونة ضمائرهم المشحوذة بصائرهم من تمكين يد وتثبيت قدم ونصرة راية وإعلاء كلمة وتقريب

بغية وإنالة أمنية وكذلك يكون من إلى ولاء أمير المؤمنين اعتزاؤه وبشعاره اعتزازه وعن زناده قدحه وفي طاعته كدحه والله ولي بإدامة ما خولنيه من هذه المنقبة وسوغنيه من هذه الموهبة وأن يتوجه أمير المؤمنين في جميع خدمه الذابين عن حوزته المنتمين إلى دعوته بيمن الطائر وسعادة الطالع ونجاح المطلب وإدراك الأرب وفي أعدائه الغامطين لنعمته الناقضين مواثيق بيعته بإضراع الخد وإتعاس الجد وإخفاق الأمل وإحباط العمل بقدرته
ولم يزل مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ينكر قديما من فضل الله بن ناصر الدولة أحوالا حقيقا مثلها بالإنكار مستحقا من ارتكبها الإعراض وأنا أذهب في حفظ غيبه وإجمال محضره وتحمل حججه وتلفيقها وتأليف معاذيره وتنميقها مذهبي الذي أعم به كل من جرى مجراه من ناشيء في دولته ومغتذ بنعمته ومنتسب إلى ولايته ومشتهر بصنيعته وأقدر أن أستصلحه لأمير المؤمنين أطال الله بقاءه وأصلحه لنفسه بالتوقيف على مسالك الرشاد ومناهج السداد وهو يريني أن قد قبل وارعوى وأبصر واهتدى حتى رغبت إلى أمير المؤمنين فيما شفعني متفضلا فيه من تقليده أعمال أبيه والقناعة منه في الضمان بميسور بذله وإيثاره له على من هو فوقه من كبراء إخوته وأهله
فلما بلغ هذه الحال ألط بالمال وخاس بالعهد وطرق لفسخ

العقد وأجرى إلي أمورا كرهتها ونفد الصبر مني عليها وخفت أن أستمر على الإغضاء عنها والمسامحة فيها فيطلع الله مني على إضاعة الاحتياط في أمر قلدني أمير المؤمنين زمامه وضمنني دركه وإرخاء لبب رجل قبل في الاعتماد عليه رأيي وعول في أخذه بما يلزمه على نظري واستيفائي فتناولته بأطراف العذل ملوحا ثم بأثباجه مفصحا مصرحا
ورسمت لعبد أمير المؤمنين الناصح أبي طاهر أن يجد به وبوسطائه وسفرائه في حال ويدخل عليه من طريق المشورة والرفق في أخرى ويتنقل معه بين الخشونة التي يقفو فيها أثرى واللين الذي لا يجوز أن يحسه مني تقديرا لانثنائه وزوال التوائه ففعل ذلك على رسمه في التأني لكل فاسد حتى يصلح ولكل آب حتى يسمح ولم يدع التناهي في وعظه والتمادي في نصحه وتعريفه سوء عاقبه اللجاج ومغبة الإحراج وهو يزيد طمعا في الأموال وشرها وعمى في الرأي وعمها إلى أن كان أمرنا معه يخرج عن حد الانتظار إلى حد الرضا بالإصرار فاستأنفت أدراع الحزم وامتطاء العزم ونهضت إلى أعمال الموصل وعندي أنه يغنيني عن الإتمام ويتلقاني بالإعتاب وينقاد إلى المراد ويتجنب طرق العناد
فحين عرف خبر مسيري وجدي فيه وتشميري برز بروز المكاشف وتجرد تجرد المواقع المواقع وهو مع ذلك إذا أزددت منه قربا أزداد مني

رعبا وإذا دلفت إليه ذراعا نكص عني باعا
وتوافت إلى حضرتي وجوه القبائل من عقيل وشيبان وغيرهما في الجمع الكثيف من صعاليكهما والعدد الكثير من صناديدهما داخلين في الطاعة متصرفين في عوارض الخدمة
فلما شارفت الحديثة انتقضت عزائم صبره وتقوضت دعائم أمره وبطلت أمانيه ووساوسه واضمحلت خواطره وهواجسه واضطرب عليه من ثقاته وغلمانه من كان بهم يعتضد وعليهم يعتمد وبدأوا بخذلانه والأخذ لنفوسهم ومفارقته والطلب بحظوظهم وحصل منهم بحضرتي إلى هذه الغاية زهاء خمسمائة رجل ذوي خيل مختارة وأسلحة شاكية فصادفوا عندي ما أملوا من فائض الإحسان وغامر الامتنان وذكروا عمن وراءهم من نظرائهم التنزي إلى الانجذاب والحرص على الاستئمان وأنهم يردون ولا يتأخرون ويبادرون ولا يتلومون
ولما رأى ذلك لم يملك نفسه أن مضى هاربا على طريق سنجار منكشفا عن هذه الديار قانعا من تلك الآمال الخائبة والظنون الكاذبة بسلامة حشاشة هي رهينة غيها وصريعة بغيها
وكان انهزامه بعد أن فعل الفعل السخيف وكادنا الكيد الضعيف بأن

أغرق سفن الموصل وعروبها وأحرق جسرها واستذم إلى أهلها وتزود منهم اللعن المطيف به أين يمم الكائن معه حيث خيم
ودخلتها يومي هذا أيد الله أمير المؤمنين دخول الغانم الظافر المستعلي الظاهر فسكنت نفوس سكانها وشرحت صدور قطانها وأعلمتهم ما أمرني به أمير المؤمنين أدام الله عزه وأعلى الله أمره من تأنيس وحشتهم ونظم ألفتهم وضم نشرهم ولم شعثهم وإجمال السيرة فيهم في ضروب معاملاتهم وعلقهم وصنوف متصرفاتهم ومعايشهم فكثر منهم الثناء والدعاء والله سامع ما رفعوا ومجيب ما سألوا
وأجلت حال هذا الجاهل أيد الله أمير المؤمنين عن أقبح هزيمة وأذل هضيمة وأسوإ رأي وأنكر اختيار لأنه لم يلقني لقاء الباخع بالطاعة المعتذر من سالف التفريط والإضاعة ولا لقاء المصدق لدعواه في الاستقلال بالمقارعة المحقق لزعمه في الثبات للمدافعة ولا كان في هذين الأمرين بالبر التقي ولا الفاجر الغوي بل جمع بين نقيصة شقاقه وغدره وفضيحة جبنه وخوره متنكبا للصلاح عادلا عن الصواب قد ذهب عنه الرشاد وضربت بينه وبينه الأسداد وأنزله الله منزلة مثله ممن أساء حفظ الوديعة وجوار الصنيعة واستوجب نزعمها منه وتحويلهما عنه
وتأملت أيد الله مولانا أمير المؤمنين أمره بالتجريب وتصفحته على

التقليب فإذا هو الرجل الذي أطاع أبوه فيه هوى أمه وعصى دواعي رأيه وحزمه وقدمه من ولده عل من هو آنس رشدا وأكبر سنا وأثبت جأشا وأجرأ جنانا وأشجع قلبا وأوسع صدرا وأجدر بمخايل النجابة وشمائل اللبابة
فلما اجتمعت له أسباب القدرة والثروة وأمكنته مناهز الغرة والفرصة وثب عليه وثبة السرحان في ثلة الضان وجزاه جزاء أم عامر لمجيرها إذ فرته بأنيابها وأظافيرها واجتمع وأخوه من الأم المرتضع معه لبان الإثم المكنى أبا البركات وليس بأب لها ولا حري بشيء منها على أن نشزا عنه وعقاه وقبضا عليه وأوثقاه وأقراه من قلعتهما بحيث تقر العتاة وتعاقب الجناة ثم أتبعا ذلك باستحلال دمه وإفاضة مهجته غير راعيين فيه حق الأبوة ولا حانيين عليه حنو البنوة ولا متذممين من الإقدام على مثله ممن

تقدمت عند سلطانه قدمه وتوكدت أواصره وعصمه ولا راحمين له من ضعف شيخوخته وذهل كبرته ولا مصغيين إلى وصية الله إياهما به التي نصها الألفاظ في محكم كتابه وكررها في آية وبيناته إذ يقول ( اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) وإذ يقول ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )
فبأي وجه يلقى الله قاتل والد حدب قد أمر أن ينهره وبأي لسان ينطق يوم يسأل عما استجازه فيه وفعله وتالله لو أن بمكانه عدوا لهما قد قارضهما الذحول وقارعهما عن النفوس لقبح بهما أن يلؤما ذلك اللؤم عند الظفر به وأن يركبا تلك الخطة الشنعاء في الأخذ بناصيته ولم يرض فضل الله بما أتاه إليه حتى استوفى حدود قطع الرحم بأن تتبع أكابر إخوته السالكين خلاف سبيله المتبرئين إلى الله من عظيم ما اكتسب ووخيم ما احتقب لما غضبوا لأبيهم وامتعضوا من المستحل فيه وفيهم فقبض على محمد بن ناصر الدولة حيلة وغيلة وغدرا ومكيدة ونابذ حمدان بن ناصر الدولة منابذة خار الله له فيها بأن أصاره من فناء أمير المؤمنين إلى

الجانب العزيز والحرز الحريز وأن أجرى الله على يده الحرب الواقعة بينه وبين المعروف بكنيته أبي البركات التي لقاه الله فيها نحسه وأتلف نفسه وصرعه بعقوقه وبغيه وقنعه بعاره وخزيه وهو مع ذلك لا يتعظ ولا ينزع ولا يقلع ولا يزدجر إصرارا على الجرائر التي الله عنها حسيبه وبها طليبة والدنيا والآخرة مرصدتان له بالجزاء المحقوق عليه والعقاب المسوق إليه
وأعظم من هذا كله أيد الله أمير المؤمنين خطبا وأوعر مسلكا ولحبا أن من شرائط العهد الذي كان عهد إليه والعقد الذي عقد له والضمان المخفف مبلغه عنه المأخوذ عفوه منه أن يتناهى في ضبط الثغور وجهاد الروم وحفظ الأطارف ورم الأكناف فما وفى بشيء من ذلك بل عدل عنه إلى الاستئثار بالأموال واقتطاعها وإحرازها في مكامنها وقلاعها والضن بها دون الإخراج في وجوهها والوضع لها في حقوقها وأن تراخى في أمر عظيم الروم مهملا واطرح الفكر فيه مغفلا حتى هجم في الديار وأثر الآثار ونكى القلوب وأبكى العيون وصدع الأكباد وأحر الصدور فما كان عنده فيه ما يكون عند المسلم القارىء لكتاب الله إذ يقول ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) بل صدف عن ذكر الله لا هيا وعدل عن كتابه ساهيا واستفسخه ذلك البيع والعقد وتنجزه الوعيد لا العد ولا طف طاغية الروم وهاداه وماره وأعطاه وصانعه بمال المسلمين الذي

يلزمه إن سلم دينه وصح يقينه أن ينفقه في مرابطهم ويذب به عن حريمهم لا أن يعكسه عن جهته ويلفته عن وجهته بالنقل إلى عدوهم وإدخال الوهن بذلك عليهم وقاد إليه من الخيل العتاق ما هو الآن عون للكفر على الإيمان ونجدة للطاغية على السلطان وكان فيما أتحفه به الخمر التي حظر الله عليه أن يشربها ويسقيها وتعبده بأن يجتنبها ويجتويها وصلبان ذهب صاغها له وتقرب بها إليه تقربا قد باعده الله فيه عن الإصابة والأصالة وأدناه من الجهالة والضلالة حتى كأنه عامل من عماله أو بطريق من بطارقته
فأما فشله عن مكافحته ولهجه بملاطفته فضد الذي أمره الله به في قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين )
وأما نقله ما نقل من الخيل من ديار المسلمين إلى ديار أعدائهم فنقيض قوله عز و جل ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )
وأما إهداؤه الخمر والصلبان فخلاف عليه تبارك اسمه إذ يقول

( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )
كل ذلك عنادا لرب العالمين وطمسا لأعلام الدين وضنا بما يحامي عليه من ذلك الحطام المجموع من الحرام المثمر من الاثام المقتطع من فيء الإسلام وقد فعل الآن بي وبالعساكر التي معي ومن نضم من أولياء أمير المؤمنين الذين هم إخوته وصحبه إن كان مؤمنا وأنصاره وحزبه إن كان موقنا من توعير المسالك وتغريق العروب وتضييق الأقوات واستهلاك الأزواد ليوصل إلينا الضر ويلحق بنا الجهد فعل العدو المبين المخالف في الدين فهل يجتمع في أحد من المساوي أيد الله أمير المؤمنين ما أجتمع في هذا الناد العاند والشاذ الشارد وهل يطمع من مثله في حق يقضيه أو فرض يؤديه أو عهد يرعاه أو ذمام يحفظه وهو لله عاص ولإمامه مخالف ولوالده قاتل ولرحمه قاطع كلا والله بل هو الحقيق بأن تثني إليه الأعنة وتشرع نحوه الأسنة وتنصب له الأرصاد وتشحذ له السيوف الحداد ليقطع الله بها دابره ويجب غاربه ويصرعه مصرع الأثيم المليم المستحق للعذاب الأليم أو يفيء إلى الحق إفاءة الداخل فيه بعد خروجه العائد إليه بعد مروقه التائب المنيب النازع المستقبل فيكون حكمه شبيها بحكم الراجع عن الردة المحمول على ظاهر الشريعة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
فالحمد لله الذي هدانا لمراشدنا ووقف بنا على السبيل المنجية لنا

والمقاصد المفضية إلى رضاه البعيدة من سطاه
والحمد لله الذي أعز أمير المؤمنين بالنصر وأعطاه لواء القهر وجعل أولياءه العالين الظاهرين وأعداءه السافلين الهابطين وهنأه الله هذا الفتح ولا أخلاه من أشكال له تقفوه وتتبعه وأمثال تتلوه وتشفعه واصلا فيها إلى ما وصل فيه إليه من حيازته مهنأ لم يسفك فيه دم ولم ينتهك محرم ولم ينل جهد ولم يمسس نصب
أنهيت إلى أمير المؤمنين ذلك ليضيف صنع الله له فيه إلى السالف من عوارفه عنده وأياديه وليجدد من شكره جل وعلا ما يكون داعيا إلى الإدامة والمزيد مقتضيا للعون والتأييد إن شاء الله تعالى
وكتب يوم الجمعة لتسع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وثلثمائة
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي للخليفة والحال على كذا وكذا ويدعى للخليفة بطول البقاء في أثناء ذلك ويعبر الملك المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد مع التصدير بالعبودية ويخاطب الخليفة بأمير المؤمنين ويختم بالدعاء ونحوه
كما كتب أبو الفرج الببغا عن السلطان أبي تغلب بن ناصر الدولة أحد

ملوك بني حمدان بحلب وما معها جوابا للكتاب الوارد عليه من الطائع أو المطيع بالكنية والخلع ما صورته
كتابي أطال الله بقاء أمير المؤمنين وعبد أمير المؤمنين مستديم بشكر الله تعالى مدد النعم المتظاهرة عليه والمنح المتناصرة لديه بجميل رأيه أدام الله علوه وتقديمه معترف بما طوقته به السعادة من عوارف تشريفه متمسك من الطاعة بما احله كنف إحسانه متوصل بالطرف إلى الاستزادة من طوله وامتنانه
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين
ووصل كتاب أمير المؤمنين أدام الله نصره مشتملا على فوائد الإرشاد والتوقيف مقترنا بخصائص التكرمة والتشريف فاقتديت من أوامره أعلاها الله تعالى بأهدى دليل وسلكت في شكر ما اعتمدني من إيثاره أوضح سبيل وبرزت لسائر من اختارني أيده الله لسياسته من الخاصة والعامة في الحلل الحالية بسمات تشريفه وإكرامه متدرعا ثوبي هديه وسكينته ومختالا منهما بين كنفي دفاعه ومعونته ومتقلدا عضبه الذي هز النصر غراره وأطلق المضاء شفاره وعاليا على عنق الزمان بامتطاء ما حباني به من الحملان مسترق النية بالرغبة إليه ومستخدم النطق بالثناء عليه ومقتصا أثر أسلافي في خدمته وخدمة آبائه المؤمنين من الخلفاء الراشدين صلوات الله عليهم أجميعن واقتفاء مذهبهم في الذب عن فئة الخلافة والمراماة دون الملة والاجتهاد في طاعة الأئمة
فالحمد لله الذي جعل صنائع أمير المؤمنين مستقرة عند من يرتبطها

بعلائق الشكر ويحرسها بالتوفر على ما أفاد الإحماد وجميل الذكر وأدام علو أمير المؤمنين وأيدنا بعز دولته وبسط بالتمكين قدرته وحرس من الغير سلطانه وقرن بنفاذ الأمر يده ولسانه ولا أخلاه من ولي ينشيه ويصنعه وشكور يعليه ويرفعه وعزم يحمد أثره ويرتضيه ورأي بالتوفيق يبرمه ويمضيه ووفقني من القيام بحقوق خدمته والتمسك بفرائض طاعته والمعرفة بمواقع اصطناعه وتفضله والاعتداد بمنح إنعامه وتطوله لما يستزيدني من أياديه وآلائه ويحرس علي مكاني من جميل آرائه إنه جواد كريم
وقد آذنت من بعد وقرب برفع أمير المؤمنين أدام الله بسطته ذكري عن تعريف الاسم بنباهة الكنية وإصدار ذلك إلى الأسماع من شريف عبارته والإذن فيه لسائر من يذكرني بحرضته زاد الله في جلالتها وتقدمت بإثبات ذلك على عنوانات الكتب امتثالا لأمره وأخذا بإذنه ووقوفا عند رسمه عارفا قدر النعمة والموهبة فيه واعتددت بما أعلمنيه أمير المؤمنين من نيابة فلان عبده وما توخاه من محمود السفارة وحسن الوساطة ووجدت ما يجمعني وإياه من الإخلاص في ولاء أمير المؤمنين أقرب الأنساب وأوكد الأسباب في تأكد الألفة وتثبيت قواعد الطاعة والله يحرس أمير المؤمنين في كافة رعيته وخاصة أوليائه وصنائع دولته من اختلاف الآراء وتشذب الأهواء ويعينني من النهوض بمفترضات أياديه وواجبات ما يسديه إلي ويوليه على ما قرب منه وإليه وأزلف عنده ولديه بمنه ومشيئته وحوله وقوته
الحالة الثانية من مكاتبات الملوك إلى خلفاء بني العباس ما كان عليه الأمر في آخر دولتهم ببغداد
والحال فيه مختلف فتارة يفتتح بالدعاء للديوان العزيز وتارة بالدعاء لما يعود عليه وتارة بالصلاة وتارة بالسلام وربما افتتحت المكاتبة بآية من القرآن الكريم مناسبة للحال

قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف والصدر نحو العبد أو المملوك أو الخادم يقبل الأرض أو العتبات أو مواطئ المواقف أو غير ذلك ويخاطب الخليفة في أثناء الكتاب بالديوان العزيز وبالمواقف المقدسة أو المشرفة والأبواب الشريفة والباب العزيز والمقام الأشرف والجانب الأعلى أو الشريف وبأمير المؤمنين مجردة عن سيدنا ومولانا ومرة غير مجردة مع مراعاة المناسبة والتسديد والمقاربة ويختم الكتاب تارة بالدعاء وتارة بطالع أو أنهى أو غيرهما مما فيه معنى الإنهاء
قال واختلف فيما يخاطب به المكتوب عنه عن نفسه فكتب صلاح الدين بن أيوب الخادم وكتب بنوه والعادل أخوه المملوك وكتب الكامل بن العادل العبد وجرى على هذا ابنه الصالح وكتب الناصر بن العزيز أقل المماليك وكتب الناصر داود أقل العبيد وكان علاء الدين خوارزم شاه يكتب الخادم المطواع وتبعه على ذلك ابنه جلال الدين وكانت أم جلال الدين تكتب الأمة الداعية هذا على شمم أنوف الخوارزمية وعلو شأنهم
وعنوان هذه المكاتبات على اختلافها الديوان العزيز العالي المولوي السيدي النبوي الإمامي الفلاني بلقب الخلافة أدام الله أيامه أو خلد الله أيامه أو أدام الله سلطانه على مناسبة ما في صدر الكتاب
ثم هو على ستة أساليب

الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للديوان العزيز
قال في التعريف والمراد بالديوان ديوان الإنشاء لأن المكاتبات عنه صادرة وإليه واردة قال وسبب مخاطبتهم بالديوان الخضعان عن مخاطبة الخليفة نفسه ويكون الدعاء للديوان بما فيه معنى دوام العز والسلطان وبسط الظل وما أشبه ذلك مثل أدام الله أيام الديوان العزيز أو أدام الله سلطان

الديوان العزيز أو خلد الله أيام الديوان العزيز أو خلد الله سلطان الديوان العزيز وأدام الله ظل الديوان العزيز وخلد الله ظل الديوان العزيز وبسط الله ظل الديوان العزيز وما اشبه ذلك
وهذه نسخة كتاب كتب به القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الديار المصرية إلى الناصر لدين الله الخليفة يومئذ ببغداد بفتح القدس وما معه واقتلاع ذلك من أيدي الفرنج وإعادته إلى ما كان عليه من الإسلام وهي
أدام الله أيام الديوان العزيز النبوي الناصري ولا زال مظفر الجد بكل جاحد غنيا بالتوفيق عن رأي كل رائد موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد مستيقظ النصر والسيف في جفنه راقد وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد ماضي حكم العدل بعزم لا يمضي إلا بنبل غوي وريش

راشد ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع وأنوارا إلى المساجد وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلا إلى المراقب وخيالا إلى المراقد
كتب الخادم هذه الخدمة تلو ما صدر عنه مما كان يجري مجرى التباشير بصبح هذه الخدمة والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة فإنها بحر للأقلام فيه سبح طويل ولطف الحق للشكر فيه عبء ثقيل وبشرى للخواطر في شرحها مآرب ويسرى للأسرار في إظهارها مسارب ولله في إعادة شكره رضا وللنعمة الراهنة به دوام لا يقال معه هذا مضى وقد صارت أمور الإسلام إلى أحسن مصايرها واستتبت عقائد أهله على بصائرها وتقلص ظل رجاء الكافر المبسوط وصدق الله أهل دينه فلما وقع الشرط حصل المشروط وكان الدين غريبا فهو الآن في وطنه والفوز معروضا فقد بذلت الأنفس في ثمنه وأمر أمر الحق وكان مستضعفا وأهل ربعه ربعه وكان قد عيف حين عفا وجاء أمر الله وأنوف أهل الشرك راغمة فأدلجت السيوف إلى الآجال وهي نائمة وصدق وعد الله في إظهار دينه على كل دين واستطارت له أنوار أبانت أن الصباح عندها حيان الحين واسترد المسلمون تراثا كان عنهم

آبقا وظفروا يقظة بما لم يصدقوا أنهم يظفرون به طيفا على النأي طارقا واستقرت على الأعلى أقدامهم وخفقت على الأقصى أعلامهم وتلاقت على الصخرة قبلهم وشفيت بها وإن كانت صخرة كما تشفى بالماء غللهم
ولما قدم الدين عليها عرف منها سويداء قلبه وهنأ كفؤها الحجر الأسود ببت عصمتها من الكافر بحربه وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى ولا يقاسي تلك البؤسى إلا رجاء هذه النعمى ولا يناجز من استمطله في حربه ولا يعاتب بأطراف القنا من تمادى في عتبه إلا لتكون الكلمة مجموعة والدعوة إلى سامعها مرفوعة فتكون كلمة الله هي العليا وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا وكانت الألسنة ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار ومن طلب خطيرا خاطر ومن رام صفقة رابحة تجاسر ومن سما لأن يجلي غمرة غامر وإلا فإن القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فتعضها ويضعف في أيديها مهر القوائم فتقضها هذا إلى كون القعود لا يقضي فرض الله في الجهاد ولا يرعى به حق الله في العباد ولا يوفى به واجب التقليد الذي تطوقه الخادم من أئمة قضوا بالحق

وبه كانوا يعدلون وخلفاء الله كانوا في مثل هذا اليوم لله يسألون لا جرم أنهم أورثوا سرورهم وسريرهم خلفهم الأطهر ونجلهم الأكبر وبقيتهم الشريفة وطلعتهم المنيفة وعلوان صحيفة فضلهم لا عدم سواد العلم وبياض الصحيفة فما غابوا لما حضر ولا غضوا لما نظر بل وصلهم الأجر لما كان به موصولا وشاطروه العمل لما كان عنه منقولا ومنه مقبولا وخلص إليهم إلى المضاجع ما اطمأنت به جنوبها وإلى الصحائف ما عبقت به جيوبها وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميرا والنهار به بصيرا والشرق يهتدي بأنواره بل إن أبدى نورا من ذاته هتف به الغرب بأن واره فإنه نور لا تكنه أغساق السدف وذكر لا تواريه أوراق الصحف
وكتاب الخادم هذا وقد أظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شفقا وطارت فرقه فرقا وفل سيفه فصار عصا وصدعت حصاته وكان الأكثر عددا

وحصى فكلت حملاته وكانت قدرة الله تصرف فيه العنان بالعيان عقوبة من الله ليس لصاحب يد بها يدان وعثرت قدمه وكانت الأرض لها حليفة وغضت عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفة ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق نطف الكرى من الجفون وجدعت أنوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون وأضحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الطامث والرب المعبود الواحد وكان عندهم الثالث فبيوت الشرك مهدومة ونيوب الكفر مهتومة وطوائفه المحامية مجتمعة على تسليم البلاد الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة ببذل المطامع الوافية لا يرون في ماء الحديد لهم عصرة ولا في فناء الأفنية لهم نصرة وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وبدل الله مكان السيئة الحسنة ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة
وقد كان الخادم لقيهم اللقاة الأولى فأمده الله بمداركته وأنجده بملائكته فكسرهم كسرة ما بعدها جبر وصرعهم صرعة لا يعيش معها بمشيئة الله كفر وأسر منهم من أسرت به السلاسل وقتل منهم من فتكت

به المناصل وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسلاح والكفار وعن أصناف يخيل بأنه قتلهم بالسيوف الأفلاق والرماح الأكسار فنيلوا بثأر من السلاح ونالوه أيضا بثار فكم أهلة سيوف تقارضن الضراب بها حتى عادت كالعراجين وكم أنجم رماح تبادلت الطعان حتى صارت كالمطاعين وكم فارسية ركض عليها فارسها السهم إلى أجل فاختلسه وفغرت تلك القوس فاها فإذا فوها قد نهش القرن على بعد المسافة فافترسه وكان اليوم مشهودا وكانت الملائكة شهودا وكان الكفر مفقودا والإسلام مولودا وجعل الله ضلوع الكفار لنار جهنم وقودا وأسر الملك وبيده أوثق وثائقه وآكد وصله بالدين وعلائقه وهو صليب الصلبوت وقائد أهل الجبروت وما دهموا قط بأمر إلا وقام بين دهائمهم يبسط لهم باعه ويحرضهم وكان مد اليدين في هذه الدفعة وداعة لا جرم أنهم تهافت على نارهم فراشهم وتجمع في ظل ظلامه خشاشهم فيقاتلون تحت ذلك الصليب أصلب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشد عقد وأوثقه

ويعدونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه
وفي هذا اليوم أسرت سراتهم وذهبت دهاتهم ولم يفلت معروف إلا القومص وكان لعنه الله مليا يوم الظفر بالقتال ويوم الخذلان بالاحتيال فنجا ولكن كيف وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرمح وجناح السيف ثم أخذه الله بعد أيام بيده وأهلكه لموعده فكان لعدتهم فذالك وانتقل من ملك الموت إلى مالك
وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا البيضاء صنعا الخافقة هي وقلوب أعدائها الغالبة هي وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر فافتتح بلد كذا وكذا وهذه أمصار ومدن وقد تسمى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن وكل هذه ذوات معاقل ومعاقر وبحار وجزائر وجوامع ومنائر وجموع وعساكر يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا ويحط من منائر جوامعها صلبانا ويرفع أذانا ويبدل المذابح منابر والكنائس

مساجد ويبويء بعد أهل الصلبان أهل القرآن للذب عن دين الله مقاعد ويقر عينه وعيون أهل الإسلام أن تعلق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور وأن ظفر بكل سور ما كان يخاف زلزاله وزياله إلى يوم النفخ في الصور ولما لم يبق إلا القدس وقد اجتمع إليها كل شريد منهم وطريد واعتصم بمنعتها كل قريب منهم وبعيد وظنوا أنها من الله مانعتهم وأن كنيستها إلى الله شافعتهم فلما نازلها الخادم رأى بلدا كبلاد وجمعا كيوم التناد وعزائم قد تألفت وتألبت على الموت فنزلت بعرصته وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته فزاول البلد من جانب فإذا أودية عميقة ولجج وعرة غريقة وسور قد انعطف عطف السوار وأبرحة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع عليها معرج وللخيل فيها متولج فنزل عليها وأحاط بها وقرب منها وضربت خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ويزاحمه السور بأكنافه وقابلها ثم قاتلها ونزلها ثم نازلها وبرز إليها ثم بارزها وحاجزها ثم ناجزها فضمها ضمة ارتقب بعدها الفتح

وصدع أهلها فإذا هم لا يصبرون على عبودية الخد عن عتق الصفح فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدة وقصدوا نظرة من شدة وانتظارا لنجدة فعرفهم في لحن القول وأجابهم بلسان الطول وقدم المنجنيقات التي تتولى عقوبات الحصون عصيها وحبالها وأوتر لهم قسيها التي تضرب فلا تفارقها سهامها ولا يفارق سهامها نصالها فصافحت السور بأكنافه فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك وقدم النصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ويعلو علوه إلى السماك فشج مرادع أبراجها وأسمع صوت عجيجها ورفع مثار عجاجها فأخلى السور من السيارة والحرب من النظارة فأمكن الثقاب أن يسفر للحرب النقاب وأن يعيد الحجر إلى سيرته من التراب فتقدم إلى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله وحل عقده بضربه الأخرق الدال على لطافة أنمله وأسمع الصخرة الشريفة حنينه واستغاثته إلى أن كادت ترق لمقبله وتبرأ بعض الحجارة من بعض وأخذ الخراب عليها موثقا فلن تبرح الأرض وفتح في السور باب سد من نجاتهم أبوابا وأخذ

نقب في حجره قال عنده الكافر ( يا ليتني كنت ترابا ) فحينئذ يئس الكفار من أصحاب الدور كما يئس الكفار من أصحاب القبور وجاء أمر الله وغرهم بالله الغرور
وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان سائلا أن يؤخذ البلد بالسلم لا بالعنوة وبالأمان لا بالسطوة وألقى بيده إلى التهلكة وعلاه ذل الملكة بعد عز المملكة وطرح جبينه في التراب وكان حينا لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح إليه طرف آمل طامح وقال ها هنا أسارى مؤمنون يتجاوزون الألوف وقد تعاقد الفرنج على أنهم إن هجمت عليهم الدار وحملت الحرب على ظهورهم الأوزار بديء بهم فعجلوا وثني بنساء الفرنج وأطفالهم فقتلوا ثم استقتلوا بعد ذلك فلم يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف ولم يسل سيف من يد إلا بعد أن تنقطع أو ينقصف وأشار الأمراء بالأخذ بالميسور من البلد المأسور فإنه إن أخذ حربا فلا بد أن تقتحم الرجال الأنجاد وتبذل أنفسها في آخر أمر قد

نيل من أوله المراد وكانت الجراح في العساكر قد تقدم منها ما اعتقل الفتكات واعتاق الحركات فقبل منهم المبذول عن يد وهم صاغرون وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون وملك الاسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان لا جرم أن الله أخرجهم منها وأهبطهم وأرضى أهل الحق وأسخطهم فإنهم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الكنائس بها وبيوت الديوية والاستبارية منها كل غريبة من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا يطرد لألاؤه قد لطف الحديد في تجزيعه وتفنن في توشيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما ترى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمدا كالأشجار لها من التنبيت أوراق
وأوزع الخادم برد الأقصى إلى عهده المعهود وأقام له من الأئمة من يوفيه ورده المورود وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شهر شعبان فكادت السموات يتفطرن للسجوم لا للوجوم والكواكب ينتثرن للطرب لا للرجوم ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طرائقها مسدودة وظهرت

قبور الأنبياء وكانت بينهم بالنجاسات مكدودة وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها وجهر باسم أمير المؤمنين في قطبه الأقرب من المنبر فرحب به ترحيب من بر بمن بر وخفق علماه في حفافيه فلو طار به سرورا لطار بجناحيه
وكتاب الخادم وهو مجد في استفتاح بقية الثغور واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصدور فإن قوى العساكر قد استنفدت مواردها وأيام الشتاء قد مردت مواردها والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها فهي بلاد ترفد ولا تسترفد وتجم ولا تستنفد وينفق عليها ولا ينفق منها وتجهز الأساطيل لبحرها وتقام المرابط لبرها ويدأب في عمارة أسوارها ومرمات معاقلها وكل مشقة فهي بالإضافة إلى نعمة الفتح محتملة وأطماع الفرنج فيما بعد ذلك مذاهبها غير مرجئة ولا معتزلة فلن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله أنها لا تسمع ولن تزول أيديهم من أطواق البلاد حتى تقطع
وهذه البشائر لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخص ولا بما سوى المشافهة تتلخص فلذلك نفذنا لسانا شارحا ومبشرا صادحا ينشر

الخبر على سياقته ويعرض جيش المسرة من طليعته إلى ساقته

الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بالدعاء لغير الديوان بما فيه تعظيم
الخليفة
كما كتب القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى ديوان الخلافة ببغداد
أسعد الله عظماء الأملاك بالانتساب إلى الخدمة الشريفة النبوية وأوزعهم ما أمرهم به من طاعتها وخلد ملك الديوان العزيز النبوي ما دامت الأفلاك قائمة والنجوم ناجمة ونقع بغمائمها غلل الآمال الحائمة وفسر بمكارمها حلم الأماني الحالمة ورتق بتدبيراتها المعصومة فتوق النوب المتعاظمة وأظهر على أيدي أوليائها معجزات نصرها وصرف الأيام والليالي بين المرضيين لله نهيها وأمرها وأودع بركات السماء والأرض بمودعها ومستقرها
المملوك وإن كان قد يسر الله له مذ أطلقت عذبة لسانه خدمة الدولة العباسية فتفسح في وسيع مآثرها وتخير من بديع جواهرها وامتاح من نمير زواخرها فإنه لا يعتذر عن الحصر الذي اعتراه في وصف المنعم عليه به من

الخطاب الشريف الذي لولا أن عصمة الموالاة تثبت فؤاده الخافق وتسدد لسانه الناطق لما تعاطى وصف ما أعطاه من كتابه المرقوم وسبق إليه من سحابه المركوم فإنه مما يشف عنه الأمل ناكصا وهو كسير وينقلب دونه البصر خاسئا وهو حسير ألا أن الانعام الشريف يبدأ الأولياء بما لو وكلهم إلى أمانيهم لتهيبت أن تتعاطى حظيته ولو فوضه إلى راحتهم لنكلت عن أن تترقى نصيته ولا غرو للسحاب أن يصافح قطره الثرى والفجر أن يشرق نوره على عين الكرى والسرى
فالحمد لله الذي قرب على المملوك منال الآمال وثبت حصاة فؤاده لما لا تستقل بحمله صم الجبال ويستنيب عن جهر الشكر بسر الأدعية ويقتصر على ما يفضي به إلى المحاريب وإن لم يقصر عما يقصه في الأندية ويطالع بأن مملوك الخدمة وابن مملوكها أخذ الكتاب بقوة وشمر لخدمة أشرف خلافة لأشرف نبوة وتلقاه تلقي أبيه الأول الكلمات ورأى إطلاع الله لأمير المؤمنين على ما في ضميره من طاعته إحدى المعجزات والكرامات وسمع المشافهة خاشعا متصدعا واشتمل عليها بفهمه ساميا طرفه متطلعا
ولقد أشبه هذا الكتاب الكريم بيعة أخذت عليه مد إليها يده آخذا بكلتا يديه والمملوك يرجو بل يتحقق أن هذا العبد المشار إليه سيوفي على سابقه من عبيد الدولة العباسية في الزمان ويكون بمشيئة الله أسبق منهم بالإحسان
وقد صدرت خدمتان من جهته وبعدهما تصدر الخدم ولا يألوا جهدا في الخدمتين مباشرا بيده السيف ومستنيبا عنها العلم وله نصرة باقية في الولاء وهو غني بها عن النصير وسريرة بادية في الطاعة وهو إليها أسكن منها إلى كل مشير يعود المملوك إلى ما لا يزال يفتتح به الصلوات المفروضة ويختتم به الختمات المعروضة من الدعاء الصالح الذي وإن أغنى الله وليه عنه فقد أحوج ذوي العقائد السليمة إليه لأنه مزك لأعمالهم بل متمم لإسلامهم وكيف لا يدعون لمن يدعون به يوم يدعى كل أناس بإمامهم فيقول جمع

الله لأمير المؤمنين طاعة خلقه وأذل رقاب الباطل سيف حقه وجعل الله ما هو قبضته في الأخرى قبضة أمير المؤمنين في الأولى من الأرض التي هي موطوءة كالسموات العلى وأدام نعمه على هذه الأمة بإمامته وأظهر كرامة نبيه عليه السلام بما يظاهره من كرامته وعجل لمن لا يقوم بفرض ولايته إقامة قيامته ورد بسيوفه التي لا ترد ما الإسلام ممطول به من ظلامته وأقام به مناهج الدين لأهله وأظهره بمظاهرته على الدين كله حتى يلقى الله وما خلف في الدنيا كافرا ولا ضميرا إلا بالتوحيد عامرا ولا بلدا إلا وقد بات الإسلام به آهلا وقد أصبح منه الكفر داثرا إن شاء الله تعالى

الأسلوب الثالث أن يبدأ بآية من كتاب الله تعالى تناسب الحال
كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الخليفة المستضيء ببغداد ببشرى بفتح بلد من بلاد النوبة والنصرة عليها
( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) ( سلام قولا من رب رحيم ) ( فروح وريحان وجنة نعيم ) وصلاة يتبعها تسليم وكأس يمزجها تسنيم وذكر من الله سبحانه في

الملإ الأعلى ورحمة الله وبركاته معلومة من النشأة الأولى على مولانا الإمام المستضيء بالله المستضاء بأنواره المستضاف بداره الداعي إلى الحق والى طريق مستقيم الراعي للخلق كما يرعى النسيم النسيم العام فضله التام عدله المطروق مورد فنائه المصدوق في مورد ثنائه المحقوق من كل ولي بولائه ابن السادة الغر والقادة الزهر والذادة الحمس والشادة للحق على الأس سقاة الكوثر وزمزم والسحاب وولاة الموسم والموقف والكتاب والموصول الأنساب يوم إذا نفخ في الصور فلا أنساب والصابرون على حساب أنفسهم فهم الذين يؤتون أجرهم بغير حساب
مملوك العتبات الشريفة وعبدها ومن اشتمل على خاطره ولاؤها وودها وكانت المشاهدة لأنواره العلية التي يودها ومن يقرن بفرض الله سبحانه فرضها ويسابق بطاعته إلى جنة وصفها الله تعالى بقوله ( وجنة عرضها ) يلثم وجه ترابها ويرى على بعد دارها الأنوار التي ترى بها ويقف لديها وقوف الخاضع ويضع أثقال الآثام عن ظهره منها بأشرف المواضع للواضع ويخبت إليها إخبات الطائح الطائع ويرجوا فضلها رجاء الطامح الطامع ولولا أن الكتاب حجاب بينه وبين المهابة التي تحول بين المرء وقلبه والجلالة التي هو في تعظيمها على نور من ربه لكان خاطره في قبضة الهلع أسيرا ولا نقلب إليه البصر خاسئا حسيرا ولكن قلمه قد تشاجع أن كان لسانه عن الإبانة قد راجع فيقول
إن الله قد رفع ملة الإسلام على الملل وكفل نصرها وكفى ما كفل وحمى ملكها وحمل وجعل لها الأرض في أيدي المخالفين ودائع ومكن يده من أعناقهم فهي إما تعقد الأغلال أو تصوغ الصنائع والحق بها قائم العمود والسيف الكفاية لازم الغمود والبشائر تمسك الصباح وتخلق الدجى والخيل

على طول ما تشتمل الوحى تنتعل الوجى والأيام زاهرة والآيات باهرة وعزة أوليائها قاهرة وذلة أعدائها ظاهرة وعنايات الله لديها متوالية متظاهرة إذا تغرب اسمها يوما عن منبر أعيد إلى وطنه غدا وإذا أوقدت نار فتنة في معصيتها أوقدت في طاعتها نار هدى
وقد كان النيل قدما فرت عن الفرات أبناؤه وتحصنت غلل المؤمنين عنه فلم يتغلغل إليها ماؤه وكادت السماء لا تعينه بمطرها والأرض لا توشيه بزهرها والأعناق قد تقاصر دون الراجين بدو معصها والقلوب قد لاذت بأستار الجدار معضها والأوثان منصوبه والآيات مغصوبه والتيجان بغير أكفائها من الهامات معصوبه والدين أديانا والمذكرون بالآيات يخرون عليها صما وعميانا والعادلون بالله قد وطنوا ألسنة وصرحوا عقائد والمعتدون قد أضلوا فعالا وضلوا مقاصد وكراسي خلافة الله قد ألقي عليها أجساد كانت تقعد منها مقاعد ومنابر كلمات الله قد كاد كيدهم يأتي بنيانها من القواعد وجرت على بنوة النبوة أشد نبوه وقصرت الأيدي فلا حد سوط ولا حد سطوه ثم قست قلوب ( فهي كالحجارة أو أشد قسوه ) وغرت الأيام وما وعدت وأوردت الهمم وما أصدرت وطغى طوفان الطغيان ولا عاصم وسما بناء البهتان ولا هادم وضاقت الصدور ورحلت بغليلها إلى القبور وظن أن طي دولتهم معدوق بالنشور حتى إذا جلاها الله لوقتها وأنجز جموع الضلال إلى ميعاد شتها وأراهم آية معدلته ( وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها )

( وجاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ) ( وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )
كانت نعمة من الله يمنها على المملوك أن التجبه من بين أهل أرضه وانتخبه لإقامة ما أمات الباطل من فرضه ويسره لما يسره من نصرة الحق وأهله وبشره بما بشره من لواء النصر ومد من ظله وألهمه الهمة التي افترع منها بكرا ومنحه النصرة فما يستطيع العدو صرفا ولا نصرا مكنه من صياصيهم فحلها ومن دمائهم فطلها ومن سيوفهم ففلها ومن أقدامهم فاستزلها ومن منابر دعاتهم فجعل تداعيها ومن أنفس أعدائهم أكثر تناعيها وأبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ويسر الذين كتب لهم العفو إلى منافعهم ونثر خرزات الملك من تيجانها وفضح على يده وبلسانه ما زورته من أنسابها وحاسبها فأظهر زيف حسابها ونقلها من ظهور أسرتها إلى بطون ترابها وعمد إلى أهل دعوتها الذين بسقوا بسوق النخل فأعلاهم على جذوعها وحملت قلوبهم فوف الحقد فأخرجها من أكمام طلوعها فهل ترى لهم من باقية أو تسمع لهم من لاغية أو تجد إليهم من صاخية فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم أو مساكينهم وحصدوا حصد الحشيش ثم لا تخاف سيوفهم ولا سكاكينهم واستنزلوا من عقاب اللوح وسجنوا في الهم من طول مداومة عقاب الروح ثم تداركوا إلى الدرك واشتركوا في الشرك وأقفرت منهم عراص وزهدت فيهم خواص وعلم أن ليس لله غالب وأن ليس يفوته طالب وأن الملك لله وحد وأن الويل لمن تجاوز أمره وحده

وكان المملوك ممن عطل من أوثانهم وأبطل من أديانهم فائزا بحسنة ينظر إلى حسنات خليل الله في كيده الأصنام وتكسيرها وتضليله عابديها وتكفيرها وعمد المملوك إلى المحاضر فجمعها وإلى المنابر فرفعها والجمعة فأطاع من شرعها وأسماء صحابة رسول الله فوصلها باسمه وما قطعها وعمومته رضوان الله عليهم فتلاها له واتبعها وأشاد باسم أمير المؤمنين لتكون الصلاة جامعه والذكرى شاملة والإمامة للجماعة شارعه والهداية للضلالة صارعه فعادت للملة أعياد واخضرت للمنبر أعواد وأنجز للأمة ميعاد
وبعد ذلك تحاشدت أولياء الذاهبين وتنادت وتساعت نحو مستقر المملوك وتعادت ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص عل عقبيه وقال إني بريء منكم ) وكانوا حمية حامية من بني حام كالجراد أرجلا إلا أن الله أصلاها بنيرانه وكالماء مدا إلا أن الله أغرقها بطوفانه وكالنمل لونا وطرقا إلا أن الله حطمها بسليمانه مع من انضم إليهم من ألفاف وأطراف وأوشاب وأوباش من جندي كسبه سيفه ذله وطرده عن مواقف الكرام وبمحال الخزي أحله ومن أرمني كانوا يفزعون إلى نصرة نصرانيته ويعتمدون منه على ابن معموديته ومن عامي أجابهم لفرط عماه وتفريط عاميته فملأ العيون سوادهم الأعظم ووراءهم بأس الله الذي لا يرد عمن أجرم فأمطرتهم السيوف مطرا كانوا غثاء لسيوله الجوارف وعصفت بهم الأعنة عصفا كانوا هباء لهوجه

العواصف ( فظلت أعناقهم لها خاضعين ) وعوتبت الأنفس والأرؤس ( فقالتا أتينا طائعين ) وظلت قحاف بني حام تحت غربان الفلا غربانا وشوهدت ظلمات بعضها فوق بعض أفعالا وألوانا وصفت موارد السلطان من القذى وطفيء ذلك الفحم فلا يجد النفاق بعده ما تتعلق به الجذى وبلغت الغايات في كشف كل أذى لا بضرب بموعد يقال فيه إذا
وكاتب المملوك واسم أمير المؤمنين قد كتب سطره على جبين النقدين وسمع لفظه من فم المنبرين بالبلدين ومد كل منبر يدا بل يدين فحين سمع الناس قالوا حقا ما قاله ذو اليدين وصارت تلك الأسماء دبر الآذان ووراء الظهور وحصلت المحبة العباسية سرا من أسرار القلوب إذا حصل ما في الصدور والخلائق مبايعه متابعة وافية بعهده متوافية داخلون في الحق أفواجا سالكون منه شرعة ومنهاجا
والحمد لله الذي جعل أمير المؤمنين إمام لخلقه ووارثا لأرضه ولم يذر فوق الأرض منازعا لحقه ولا مناهبا لأرضه وارتجع له الحق الذي كان نادا ورد عليه الأمر الذي لم يكن له غير الله رادا وبلغ كل مؤمن من إعلاء كلمة الإيمان به ما كان له وادا وأخذ بيد انتقامه من كان عن سبيله صادا والإسلام قد استنار كنشأته والزمان قد استدار كهيئته والحق قد قر في نصابه والأمر قد فر عن صوابه فقد وفى الله القرار له بضمانه وأخذ بيده ما روى عن ابن عمه وأصفى من لسانه

فالحمد لله الذي صدقه وعده وأورثه الأرض وحده وجدد علاه وأعلى جده وأسعد نجمه وأنجم سعده ووعده نجحه وأنجح وعده وأورده وصفه وأصفى ورده
المملوك ينتظر الأمثلة ليتمثلها والأمانة ليتحملها والتقليدات المطاعة ليتلوها والتشريفات الشريفة ليجلوها والسواد ليجلي الحلك عن ضمائر المبطلين والسيف الحالي لحكمه في رقاب المعطلين وللآراء الشريفة فصل برهانها وفضل سلطانها وأمرها الذي لا يخرج حين يخرج عن عز الملة وتوطيد بنيانها وعزمها الذي يرفع حين يرفع ظلمة أدخانها إن شاء الله تعالى

الأسلوب الرابع أن يبتدأ الكتاب بالصلاة
كما كتب القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الخليفة ببغداد في البشرى بفتح بلد من بلاد النوبة أيضا وانهزام ملكها بعساكره
صلوات الله التي أعدها لأوليائه وذخرها وتحياته التي قذف بشهبها شياطين أعدائه ودحرها وبركاته التي دعا بها كل موحد فأجاب وانقشع بها غمام الغم وظلام الظلم فانجاب عن أنجاب وزكاته التي هي للمؤمنين سكن وسلامه الذي لا يعتري الموقنين في ترديده حصر ولا لكن على مولانا عاقد ألوية الإيمان وصاحب دور الزمان وساحب ذيل الإحسان وغالب حزب الشيطان الذي زلزلت إمامته قدم الباطل وحلت خلافته ترائب الدهر العاطل واقتضت سيوفه ديون الدين من كل غريم ماطل وأمضت غرب كل عزم للحق مفلول وأطلعت غارب نجم كل هدى آفل وشفعت يقظات استغفاره إلى

غافر ذنب كل غافل وعلى آبائه الغاية والمفزع والملاذ في وقت الفزع والقائمين بحقوق الله إذ قعد الناس والحاكمين بعدل الله إذ عدم القسطاس والمستضيئين بأنوار الإلهام الموروثة من الوحي إذا عجز الاقتباس والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس خزان الحكم وحفاظها ومعاني النعم وألفاظها وأعلام العلوم المنشورة إلى يوم القيامة وكالئي السروح المنتشرة من كلا سديد الإمامة ومن لا ينفذ سهم عمل إلا إذا شحذ بموالاتهم ولا يتألق صبح هداية إلا إذا استصبح الساري بدلالاتهم
المملوك يقبل الأرض بمطالع الشرف ومنازله ومرابع المجد ومعاقله ومجالس الجود ومحال السجود ومختلف أنباء الرحمة المنزلة ومرسى أطواد البسيطة المتزلزلة ومفتر مباسم الإمامة ومجر مساحب الكرامة ومكان جنوح أجنحة الملائك ومشتجر مناسك المناسك حيث يدخلون من كل باب مسلمين ويتبعهم ملوك الأرض مستسلمين ومشاهد الإسلام كيوم أنزل فيه اليوم أكملت لكم دينكم وينعقد على الولاية فأما غيره فله قوله قاتلوا الذين يلونكم ويناجيها بلسان جلى الإخلاص الصادق عقيدته وأنشط الولاء السابق عقيلته وأرهف الإيمان الناصع مضاربه وفسح المعتقد الناصح مذاهبه فأعرب عن خاطر لم يخطر فيه لغير الولاء خطره وقلب أعانه على ورود الولاء أن صفاء المصافاة فيه فطره ويخبر أنه ما وهن عما أوجبته آلاؤه ولا وهى ولا انثنى عزمه عن أن يقف حيث أظلت سدرة المنتهى ووضحت الآيات لأولي النهى والله سبحانه يزيل عنه في شرف المثول عوائق القدر وموانعه ويكشف له عن قناع الأنوار التي ليست همته بما دون نظرها قانعة وكان توجه منصورا بجيش دعائه قبل جيش لوائه وبعسكر إقباله قبل عسكر قتاله وبنصال

سلطانه قبل نصال أجفانه لا جرم أن كتائب الرعب سارت أمام الكتائب وقواضب الحذر غمضت في جفونها عيون القواضب وسار أولياء أمير المؤمنين الذين تجمعوا من كل أمة وتداعوا بلسان النعمة وتصرفوا بيد الخدمة وصالوا بسيف العزمة متواخية نياتهم في الإقدام متآلفة طوياتهم في طاعة الإمام كالبنيان المرصوص انتظاما وكالغاب المشجر أعلاما وكالنهار الماتع حديدا وهاجا وكالليل الشامل عجاجا عجاجا وكالنهر المتدافع أصحابا وكالمشط المطرد اصطحابا والأرض ترجل برجلهم لما ترفعه الحوافر من غيومها والسماء تنزل نزولهم لما تضعه الذوابل من نجومها فما انتشرت رياضها المزهره وغياضها المشجره إلا دلت على أن السحاب الذي سقاهم كريم والإنعام الذي غمرهم عظيم والدنيا التي وسعتهم من عزمتهم تظعن وتقيم
ولما علم العدو أن الخطب المظنون قد صرح خطابه والأمل المخدوع قد صفر وطابه راسل ورأى سل السيوف يغمده وماكر وماكر لعلمه أن الحتف يعمده واندفع هاربا هائبا وخضع كائبا كاذبا فمضى المملوك قدما وحمله ظلمه وقد خاب من حمل ظلما وأجابه بأنه إن وطيء البساط برجله وإلا وطئه برأسه وإن قدم على المملوك بأمله وإلا أقدمه بيأسه وإن لم يظهر أثر التوبة وإلا أقام عليه الحد بسكرة الموت من كأسه فلمن يخرج مراوغة تحتها مغاوره ومكاسرة وراءها مكاشره فاستخار الله في طلبه وانتهز فيه فرصة شغل قلبه بريبه ولم يغره ما أملي له في البلاد من تقلبه وسار ولم يزل مقتحما وتقدم أول العسكر محتدما وإذا الدار قد ترحل أهلها منها فبانوا وظعنوا عن ساحتها فكأنهم ما كانوا ولم يبق إلا مواقد نيران رحلت قلوبهم

بضرامها وأثافي دهم أعجلت المهابة ما رد سغبهم عن طعامها وغربان بين كأنها في الديار ما قطع من رؤوس بني حامها وعوافي طير كانت تنتظر من أشلائهم فطر صيامها وعادت الرسل المنفذة لاقتفاء آثارهم وأداء أخبارهم ذاكرة أنهم لبسوا الليل حدادا على النعمة التي خلعت وغسلوا بماء الصبح أطماع نفس كانت قد تطلعت وأنهم طلعوا الأوعار أوعالا والعقاب عقبانا وكانوا لمهابط الأودية سيولا ولأعالي الشجر قضبانا فرأى المملوك أن الكتاب فيهم قد بلغ أجله والعزم منهم قد نال أمله والفتك بهم قد أعمل منصله وأن سيوف عساكر أمير المؤمنين منزهة أن تريق إلا دماء أكفائها من الأبطال وأن تلقى إلا وجوه أنظارها من الرجال وأن المذكورين نمل حطمه سليمان عليه السلام وجنوده ورمل أطاره العاصف الذي يسحفه ويقوده وأصدر هذه الخدمة والبلاد من معرتهم عارية والكلمة بانخفاضهم غالية عالية ويد الله على اعدائه عادية وأنفس المخاذيل في وثاق مهابته العالية عانية عانية فرأى المملوك أن يرتب بعده الأمير فلانا ليبذل الأمانات لسوقة أهل البلاد ومزارعيها ويفصل المحاكمات بين متابعي السلطنة ومطاوعيها ويفسح مجال الإحسان لمعاودي المواطن ومراجعيها فيعمر من البلاد ما قد شغر ويشعر بالأمنة من لا شعر فإن مقام المملوك ومن معه من عساكر تمنع الشمس من مطلعما وترد جرية البحر عن موقعها مما يضر بالغلال وينسفها ويجحف بالرعايا ويعسفها
فالحمد لله الذي جعل النصر لائذا بأعطاف اعتزامه وأنامل الرعب السائر إلى الأعداء محركة عذبات أعلامه والعساكر المناضلة بسلاح ولائه

تغني بأسمائها عن مرهفاتها والكتائب المقاتلة بشعار علائه تقرأ كتب النصر من حماتها

الأسلوب الخامس أن يبتدأ الكتاب بالسلام
كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين أيضا يعتذر له عن تأخر الكتب ويذكر له خبر صاحب قسطنطينية وصاحب صقلية من ملوك النصرانية من الروم والفرنج
سلام الله الأطيب وبركاته التي يستدرها الحضر والغيب وزكواته التي ترفع أولياءه إلى الدرج ونعمه التي لم تجعل على أهل طاعته في الدين من حرج على مولانا سيد الخلق وساد الخرق ومسدد أهل الحق ولابس الشعار الأطهر سوادا ومستحق الطاعة التي أسعد الله من خصه بها بدءا ومعادا ومولى الأمة الذي تشابه يوم نداه وبأسه إن ركض جودا أو جوادا وواحد الدهر الذي لا يثنى وإليه القلوب تثنى ولا يقبل الله جمعا لا يكون لولائه جمع سلامة لا جمع تكسير ولا استقبال قبلة ممن لا تكون محبته في قلبه تقيم واسمه في عمله إلى الله يسير مولانا أمير المؤمنين وعلى آبائه المالئي الأرض عدلا الملاء أهلا وفضلا والضاربين فيصلا والقائلين فصلا ومن تقول الجنة لأهلها بهم أهلا المخصوصين بالعناية الإلهية الحاكمين فكل أمة بطاعتهم مأمورة وعن معصيتهم منهية والمشرفي الأسارير على أسرة الشرف فكم ملأت البهو مناظرهم البهية
المملوك يخدم الحرم الشرف باحترامه والفناء الكريم بإعظامه والبساط المقبل بطول استلامه والستر الذي أسبله الله على العباد بتحيته وسلامه وينهي أنه آخر الخدم عن أن ينتظم الأوقات المتجددة ويقتضب الحالات المتجردة والرسل عن أن تتوارد دراكا وتتوالى وشاكا والإنهاءات عن أن تثبت بالمقامات الشريفة النبوية ومجالس العرض العلية ما انتهت

إليه الأقدار وما أفضى إليه من كثير المناجح وقليل الأعذار فإن أدب الأمالي عن المطالعة كالصوم لا يفض ختامه ولا يحل نظامه إلا بعيد يطلع هلاله مبشرا ويبث خبره في الآفاق معطرا فلو أن متكلفا أفطر قبل موعده وورد الماء قبل مورده لكان مفسدا لعقده ناكثا لعهده
كذلك المملوك أمسك حين كانت الأخبار بجانبه مشتبهة والحقائق لديه غير متوجهة فإن طاغيتي الكفر بقسطنطينية وصقلية كانا قد أوقدا للحرب نارا ورفعا لها أوزارا واتخذا لها أسطولا جاريا وعسكرا جرارا وتباريا ولم يزد الله الظالمين إلا تبارا وكتبا إلى الفرنج بعد انهزامهم بالنجدة والنصرة وتضمنا لهم الخروج والكرة ويصفان ما استعدا به بما لا يعبر عنه إلا بالكثرة واستطارت الشناعة وتداولتها الألسن وخرجت من الأفواه حتى لقد كادت تدخل فيما رأته الأعين وورد إلى المملوك رسول من طاغية القسطنطينية وهو أقدم ملوك النصرانية قدما وأكثرهم مالا منتمى فعرض عليه موادعة يكون بها عسكره مودعا ويكون له بها مفزعا له ولصاحب صقلية الذي زعم أنه أصل للشر يكون الشر منه مفرعا فلم يكن ولم يجب إلى السلم ولم يزعه أن عسكره خذله الله مبار في البر وفي اليم إن شاء الله تعالى

الأسلوب السادس أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله
وذلك يختص بالفتوح وغيرها مما حدث فيه نعمة وربما بدئت بآية من كتاب الله كما كتب العماد الأصفهاني عن السلطان صلاح الدين

يوسف بن أيوب إلى الناصر لدين الله ببغداد بفتح القدس
( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )
الحمد لله على ما أنجز من هذا الوعد على نصرته لهذا لدين الحنيف من قبل ومن بعد وعلى أن أجرى هذا الحسنة التي ما اشتمل على شبهها كرام الصحائف ولم يجادل عن مثلها في المواقف في الأيام الإمامية الناصرية زادها الله غررا وأوضاحا ووالى البشائر فيها بالفتوح غدوا ورواحا ومكن سيوفها في كل مازق من كل كافر ومارق ولا أخلاها من سيرة سرية تجمع بين مصلحة مخلوق وطاعة خالق وأطال أيدي أوليائها لتحمي بالحقيقة حمى الحقائق وأنجزها الحق وقذف به على الباطل الزاهق وملكها هوادي المغارب ومرامي المشارق ولا زالت آراؤها في الظلمات مصابح وسيوفها للبلاد مفاتح وأطراف أسنتها لدماء الأعداء نوازح
والحمد لله الذي نصر سلطان الديوان العزيز وأيده وأظفر جنده الغالب وأنجده وجلا به جلابيب الظلماء وجدد جدده وجعل بعد عسر يسرا وقد أحدث الله بعد ذلك أمرا وهون الأمر الذي ما كان الإسلام يستطيع عليه صبرا وخوطب الدين بقوله ( ولقد مننا عليك مرة أخرى ) فالأولى في عصر النبي والصحابة والأخرى هذه التي عتق فيها من رق الكآبة فهو قد أصبح حرا فالزمان كهيئته استدار والحق بمهجته قد استنار والكفر قد رد ما كان

عنده من المستعار وغسل ثوب الليل بما فجر الفجر من أنهار النهار وأتى الله بنيان الكفر من القواعد وشفى غليل صدور المؤمنين برقراق ماء الموردات البوارد أنزل ملائكة لم تظهر للعيون اللاحظة ولم تخف عن القلوب الحافظة عزت سيما الإسلام بمسومها مترادين نصره بمردفها وأخذت القرى وهي ظالمة فترى مترفيها كأن لم تؤو فيها فكم أقدم بها حيزوم وركض فاتبعه سحاب عجاج مركوم وضرب فإذا ضربه كتاب جراح مرقوم وإلا فإن الحروب إنما عقدت سجالا وإنما جمعت رجالا وإنما دعت خفافا وثقالا فإما سيوف تقاتل سيوفا أو زحوف تقاتل زحوفا فيكون حد الحديد بيد مذكرا وبيد مؤنثا ويكون السيف في اليد الموحدة يغني بالضربة الموحدة وفي اليد المثلثة لا يغني بالضرب مثلثا وذلك أنه في فئتين التقتا وعدوتين لغير مودة اعتنقتا وإن هذه النصرة إن زويت عن ملائكة الله جحدت كراماتهم وإن زويت عن البشر فقد عرفت قبلها مقاماتهم فما كان سيف يتيقظ من جفنه قبل أن ينبهه الصريخ ولا كان ضرب يطير الهام قبل ضرب يراه الناظر ويسمعه المصيخ فكم قرية كأنها هجرة الموت وبها التاريخ وكم طعنة تخر لها هضاب الحديد ولها شماريخ
والحمد لله الذي أعاد الإسلام جديد ثوبه بعد أن كان جديدا حبله مبيضا نصره مخضرا نصله متسعا فضله مجتمعا شمله والخادم يشرح من نبأ هذا الفتح العظيم والنصر الكريم ما يشرح صدور المؤمنين ويمنح الحبور لكافة المسلمين ويكرر البشرى بما أنعم الله به من يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر إلى يوم الخميس منسلخه وتلك سبع ليال وثمانية أيام حسوما سخرها الله على الكفار ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) ورايتها إلى الإسلام ضاحكة كما كانت من الكفر باكية فيوم

الخميس الأول فتحت طبرية وفاض ري النصر من بحيرتها وقضت على جسرها الفرنج فقضت نحبها بحيرتها وفي يوم الجمعة والسبت كسر الفرنج الكسرة التي مالهم بعدها قائمة وأخذ الله أعداءه بأيدي أوليائه أخذ القرى وهي ظالمة وفي يوم الخميس منسلخ الشهر فتحت عكا بالأمان ورفعت بها أعلام الإيمان وهي أم البلاد وأخت إرم ذات العماد وقد أصبحت كأن لم تغن بالكفر وتأن لم تفتقر من الإسلام
وقد أصدر هذه المطالعة وصليب الصلبوت مأسور وقلب ملك الكفر الأسير جيشه المكسور مكسور والحديد الكافر الذي كان في الكفر يضرب وجه الإسلام وقد صار حديدا مسلما يفرق خطوات الكفر عن الأقدام وأنصار الصليب وكباره وكل من المعمودية عمدته والدير داره قد أحاطت به يد القبضة وأخذ رهنا فلا تقبل فيه القناطير المقنطرة ومن الذهب والفضة وطبرية قد رفعت أعلام الإسلام عليها ونكصت من عكا ملة الكفر على عقبيها عمرت إلى أن شهدت يوم الإسلام وهو خير يوميها بل ليس من أيام الكفر يوم فيه خير وقد غسل عن بلاد الإسلام بدماء الشرك ما كان يتخللها فلا ضرر ولا ضير وقد صارت البيع مساجدهم بها من آمن بالله واليوم الآخر وصارت المناحر مواقف لخطباء المنابر واهتزت أرضها لوقوف المسلمين فيها وطالما ارتجت لمواقف الكافر والبأس الإمامي الناصري قد أمضى مشكاته على يد الخادم حتى بالدني في الكنائس وإن عز أول الإسلام بحط تاج فارس فكم حطت سيوفه في هذا اليوم من تاج فارس
فأما القتلى والأسارى فإنها تزيد على ثلاثين ألفا
وأما فرسان الديوية والاستبارية فقد أمصى الله حكمه فيهم وقطع بهم

سيوف نار الجحيم ووصل الراحل منهم إلى الشقاء المقيم وفتك بافرنس كافر الكفار ومشيد النار من يده في الإسلام كما كانت يد الكليم وافترت النصرة عن ثغر عكا بحمد الله الذي يسر فتحها وتسلمتها الملة الإسلامية بالأمان وعرفت في هذه الصفقة ربحها
وأما طبرية فافترتها يد الحرب فأنهرت الحرب جرحها
فالحمد لله حمدا لا تضرب عليه الحدود ولا تزكى بأزكى منه العقود وكأنه بالبيت المقدس وقد دنا الأقصى من أقصاه وبلغ الله فيه الأمل الذي علم أن يحصيه وأحاط بأجله وأقصاه لكل أجل كتاب وأجل العدو هذه الكتائب الجامعة ولكل عمل ثوب وثواب من هدى لطاعته جنات نعيمه الواسعة والله المشكور على ما وهب والمسؤول في إدامة ما استيقظ من جد الإسلام وهب
وقد توجه من جانبه الأمير رشيد الدين دام تأييده في إهداء هذه البشرى نيابة عن الخادم ووصف ما يسره الله لأوليائه من العزائم والبلاد والمعاقل التي فتحت هي طبرية عكا الناصرة صفورية قيسارية نابلس حيفا معليا القزلة الطور الشقيف وقلاع بين هذه كثيرة والولد المظفر تقي الدين بصور وحصن تبنين والأخ العادل سيف الدين نصره الله قد أوفت بالوصول من عنده من عنده من العساكر فينزل في طريقه على غزة وعسقلان ويجهز مراكب الأسطول المنصور ويكثر عددها ويسير بها إلى ثغر عكا المحروس ويشحنها بالرجال ويوفر سلاحها وعددها والنهوض إلى القدس فهذا أوان فتحه ولقد دام عليه ليل الضلال وقد آن أن يستقر فيه الهدى مشكور الإحسان إن شاء الله تعالى

الجملة الثانية في المكاتبات الخاصة إلى خلفاء بني العباس
قال أبو جعفر النحاس وقد يكاتب الإمام بغير تصدير إذا لم يكن ذلك في شيء من الأمور التي سبيلها أن تنشأ الكتب بها من الدواوين كما كتب القاسم بن عبد الله إلى المكتفي مهنئا له بالخلافة
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وأسأل الله أن يعظم بركة هذا الأمر على أمير المؤمنين وعلى الأمة كافة
قال والمستعمل في هذا الوقت في مكاتبة الوزير الإمام
أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأعزه وأيده وأتم نعمته عليه وأدام كرامته له
ثم قال وربما استحسنت مكاتبة المرؤوس إلى الرئيس على غير ترتيب الكتاب كما كتب إبراهيم بن أبي يحيى إلى بعض الخلفاء يعزيه
أما بعد فإن أحق من عرف حق الله عليه فيما أخذ منه من عظم حق الله عليه فيما أبقاه له واعلم أن أجر الصابرين فيما يصابون أعظم من النعمة عليهم فيما يعافون فيه
الطرف الخامس في المكاتبات الصادرة إلى الخلفاء الفاطميين بالديار
المصرية
قد ذكر في مواد البيان أن المستعمل في دولتهم أن يقال بعد البسملة أفضل صلوات الله وبركاته وأشرف رضوانه وتحياته على مولانا وسيدنا الإمام

الفلاني أمير المؤمنين وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين إن كان له أبناء فإن لم يكن له أبناء قيل مكان الأكرمين المنتظرين ثم يقال بعد فضاء واسع كتب عبد الموقف النبوي خلد الله ملكه من قر خدمته بناحية كذا وأمور ما عذق به ورد إلى نظره منتظمة بسعادة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى جده والحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما ثم يقال العبد ينهي كذا وكذا ينص الأغراض التي بني الكتاب على إنهائها وشرح حالها قال فإن كان الكتاب مبنيا على المطالعة ببعض الأخبار قيل في آخره بعد فضاء يسير أنهى العبد ذلك ليستقر علمه بالموقف الأشرف إن شاء الله تعالى وإن كان مبنيا على الاستثمار في بعض الأحوال قيل في هذا الموضع ولمولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه الرأي العالي في ذلك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب من هذا النمط في جواب عن كتاب ورد من الخليفة بالسؤال عن المكتوب عنه في مرضه وهو
صلوات الله الزاكية وتحياته الذكية الذاكية وسلامه الذي يتنزل على الروح بالروح ويؤذن من رضا الله بأشرف موهوب وأكرم ممنوح وبركاته التي فيها للمؤمنين سكن وبشفاعتها تتقبل أعمال المؤمن بقبول حسن على إمام الحق المنظور المغني عن المنتظر وحجة الله التي أرسلها نذيرا للبشر وخليفة الله الذي نزلت بمدحه مرتلات السور قبل مرتبات السير وبعثته الله بالنور الذي لا يمكن الكافر من إطفائه وبرهان الله الذي لا يطمع الجاحد في إخفائه ونائب النبوة ووارثها ومحيي القلوب وباعثها ومفيض أسرار الأنوار ونافثها سيدنا ومولانا الإمام الفلاني ولا زالت الأقدار له جنودا وجدودا

والجديدان يسوقان إليه من أيامهما ولياليهما إماء وعبيدا وعلى آبائه الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى ورغبوا عن عرض هذا الأدنى ولا تتهم ولاتهم على الخيان ولا يتم للثقلين أن ينفذوا ما لم يكونوا منهم بسلطان وعلى أبنائه وجوه الهدى البارزة من الأكنة وأيدي الندى والأعنة والأسنة
كتب عبد الموقف النبوي خلد الله ملكه من مقر خدمته بالمكان الفلاني وأمور ما عدق به ورد إلى نظره على أتم حال وأكمله وأحسن نظام وأجمله بسعادة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى جده وآبائه الطاهرين العبد ينهي أنه لو أخذ في شكر المنن التي ترقيه في كل يوم لهضاب بعيدة المرتقى وتورده جمات قريبة المستقى وتوجب علىلسانه أن يبذل جهد من استرسل وعلى قلبه أن يبذل جهد من اتقى لقصر به الوصف وأعياه من ورق الجنة الخصف وكيف يجاري من يده ديمة الله بقلمه أو كيف ينزح بحر الجود الذي يمده سبعة أبحر نعمه ولما ورد عليه التشريف بالسؤال الذي أحياه بنسيم روحه ونفخ فيه من روحه فوقع له ساجدا وثاب إلى السجود عائدا وبذل مع ضراعته الابتهال جاهدا وأخلص فرض الولاء معتقدا ورفع لواء الحمد عاقدا وكشف عنه الضر وأطلعت على وجهه النعم الغر وتكافت الأنداد في محل عيشه فحلي الحلو ومر المر وانتهى من الدعوات إلى ما انتهى به المرض وتفلل منه الجوهر الذي عزل به العرض وصافح بمهجته السهام التي نفذ بها الغرض وكاد يشاهده مرتفعا به الضنى والألم وفعلت أنواره في ظلمته ما لا تفعل الأنوار في الظلم ولم يرد قبله حلو الأول والآخر مأمون الموارد والمصادر مضمون الشفاء في الباطن والظاهر عادت القلوب على الأجسام بفضله وسطت العافية على الأسقام بفضله بل بفصله والله سبحانه يملكه أعناق البلاد كما أجرى على يديه أرزاق العباد إن شاء الله تعالى وكتب في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا

الطرف السادس في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء
بني أمية بالأندلس
وكانت المكاتبة إليهم بالافتتاح بالدعاء بطول البقاء مع الإطناب في الإطراء في شأن الخليفة ومدحه والثناء عليه والدعاء له والخطاب فيه للخليفة بأمير المؤمنين منعوتا بمولاي وسيدي ونحو ذلك والتعبير عن المكتوب عنه بلفظ الوحدة من تاء المتكلم ونحوها كما كتب أبو المطرف بن المثنى من إنشائه عن المنصور إلى هشام بن الحكم يخبره بجريان الصلح بينه وبين الموفق بعد ما كان بينهما من عداوة
أطال الله بقاء أمير المؤمنين مولاي وسيدي وسيد العالمين وابن الأئمة الراشدين عزيزا سلطانه منيرا زمانه سامية أعلامه ماضية أحكامه ظاهرا على من ناواه قاهرا لمن عاداه كما يحب أيد الله أمير المؤمنين مولاي وسيدي على أحسن ما يكون عليه
العبد المخلص والمولى المتخصص الذي حسن مضمره واستوى سره

وجهره ولاح استبصاره وجده وتناهى سعيه وجهده في مضمار الجري إلى الطاعة وبذل إذعانه وانقياده واستعبد إمكانه وإجهاده فيما يفي بتمكين الإمامة المهدية والخلافة المرضية ويشد مباني المملكة المصدقة لتباشير اليمن والبركة والله سبحانه ولي العون والتأييد والملي بالتوفيق والتسديد لا رب غيره
وبعد أبقى الله أمير المؤمنين فإن كتابي إليه سلف معربا عن النزغة التي كانت بيني وبين الموفق مملوكه وقديما نزغ الشيطان بين المرء وصديقه والأخ وشقيقه وضرب ساعيا بالتشتيت والتشغيب والتبعيد والتقريب بين الأب الحاني الشفيق والابن البر الرفيق ثم يعود ذوو البصائر والنهى وأولوا الأحلام والحجا إلى ما هو للشحناء أذهب وبالتجامل أولى وأوجب وكتابي هذا وقد نسخ الله بيننا آية الافتراق بالاتصال والاتفاق ومحاسمة التباين والخلاف وبدو التآلف والإنصاف وعادت النفوس إلى صفائها وانطوت على وفائها وخبت نار الفتنة وامتد رواق الهدنة وثبتت الأسباب الراسخة والأواصر العاطفة بأزمة قلوبنا إلى معاهد الخلة القديمة ومواطن العشرة الكريمة والمعروف من الامتزاج في كل الأحوال والتشابك وجلاء الشك باليقين وقرت بالانتظام العيون وصرنا في القيام بدعوة أمير المؤمنين مولانا وسيدنا رضيعي لبان وشريكي عنان وأليفي تناصر وحليفي تظافر فنحن عن قوس واحدة في نصرتها نرمي ومن ورائها نذود جاهدين ونحمي قد فتنا الجياد في السبق إلى الطاعة وأحرزنا قصب السبق في المظاهرة والمشايعة فما نفتأ نسعى في تمهيدها ونذهب ولا ننفك نكدح لها وننصب والله الكفيل بإنجادنا بعزته وقدرته وحوله وقوته لا إله إلا هو
وإن الذي عقده الله تعالى لنا وحسمه من دواعي القطيعة عنا ما اطرد وتأتي وسنح وتهيا إلا بسعد طائر أمير المؤمنين سيدنا ومولانا أعزه الله ويمن نقيبته فمن تمسك بعروته وعاذ بعصمته فقد فاز قدحه وتبلج في ظلم الأمور صبحه واستدل بأوضح الدليل وعرض بالرأي الأصيل واستنار بأضوإ

سراج وسلك على أقصد منهاج ولم يزايل الرشاد آراءه وصاحب السداد أنحاءه والله تقدس اسمه لا يزال يعرفنا من سعادة الدعوة الزكية ما يصلح به أحوالنا ويفسح به آمالنا بمنه
ولما أتاح الله من السلم ما أتاحه وأزاح من المكروه ما أزاحه لم أجد في فسحة ولا غنى ولا سعة من إطلاع أمير المؤمنين مولاي وسيدي من ذلك على الجلية وإعلامه بالصورة فأنهضت إلى حضرته العالية ذا الوزارتين عبد الرحمن بن مطروح رسولي وعبدي وخاصتي مملوكه لينهي إليه الحال على حقيقتها ويوفيها بكليتها وأقرن به رسول الموفق متحملا مثل ما تحمله رسولي ومتقلدا كالذي تقلده ولأمير المؤمنين مولاي وسيدي الفضل العميم في الإصغاء إليهما والوعي عنهما والسماع منهما جميع ما يوردانه ويوضحانه ويستوفيانه ويشرحانه والتطول بالمراجعة فيه بما يستوجبه ويقتضيه واصلا لعز مننه وأياديه إن شاء الله تعالى

الطرف السابع في المكاتبة الصادرة إلى خلفاء الموحدين بالمغرب القائم
بقاياهم الآن بتونس وما معها من سائر بلاد أفريقية وفيه ثلاثة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء وهي على ضربين
الضرب الأول أن تكون المكاتبة من ملك آخر
والرسم فيه أن تفتتح بالدعاء المناسب للحال ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بنون الجمع ويخاطب المكتوب إليه بأمير المؤمنين كما كتب القاضي

الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن أحد خلفائهم في سنة خمس وثمانين وخمسمائة يستجيشه على الروم الفرنج القاصدين بلاد الشام والديار المصرية وهو
فتح الله بحضرة سيدنا أمير المؤمنين وسيد العالمين وقسيم الدنيا والدين أبواب الميامن وأسباب المحاسن وأحله من كفايته في الحرم الآمن وأنجزه من نصرة الحق ما الله له ضامن وأصلح به كل رأي عليه الهوى رائن ومكن له في هذه البسيطة بسطه وزاده بالعلم غبطه حتى يكون للأنبياء بالعلم وللأرض بالعزم وارثا وحتى يشيد بحادث قديما من مجده الذي لا يزال بغض الحديث حادثا
كان من أوائل عزمنا وفواتح رأينا عند ورودنا الديار المصرية مفاتحة دولة سيدنا وأن نتيمن بمكاتبتها ونتزين بمخاطبتها وننهض إليها أماثل الأصحاب ونستسقي معرفتها استسقاء السحاب وننتجعها بالخواطر ونجعل الكتب رسلها وأيدي الرسل سبلها ونمسك طرفا من حبل الجهاد يكون بيد حضرة سيدنا العالية طرفه ونمسح غرة سبق وارثها ووارث نورها سلفه ونتجاذب أعداء الله من الجانبين لا سيما بعد أن نبنا عنه نيابتين في نوبتين فالأولى تطهير الأرضين المصرية واليمنية من ضلالة أغضت عيون الأيام على قذاها وأنامت عيون الأنام بائعة يقظتها بكراها ونيابة ثانية في تطهير بيت المقدس ممن كان يعارض برجسه تقديسه ويزعج ببناء ضلاله تأسيسه وما كان إلا جنة إسلام فخرج منها المسلمون خروج أبيهم آدم من الجنة وأعقبهم فيها

إبليس الكفر وما أجارته مما أعقبه اللعنة وما كانت لنا بذلك قوة بل لله القوة ولا لنا على الخلق منة بل لله المنة
ولما حطت لدين الكفر تيجان وحطمت لذويه صلبان وأخرس الناقوس الأذان ونسخ الإنجيل القرآن وفكت الصخرة من أسرها وخف ما كان على قلب الحجر الأسود بخفة ما كان على ظهرها وذلك أن يد الكفر غطتها وغمرتها فلله الحمد أن أحرمت الصخرة بذلك البنيان المحيط وطهرها ماطر من دم الكفر وما كان ليطهرها البحر المحيط فهنالك غلب الشرك وانقلب صاغرا واستجاش كافر من أهله كافرا واستغضب أنفاره النافرة واستصرخ نصرانيته المتناصرة وتظاهروا علينا وإن الله مولانا وطاروا إلينا زرافات ووحدانا فلم يبق طاغية من طواغيهم ولا أثفية من أثافيهم إلا ألجم وأسرج وأجلب وأرهج وخرج وأخرج وجاد بنفسه أو بولده وبعدده وبعدده وبذات صدره وبذات يده وبكتائبه برا وبمراكبه بحر وبالأقوات للخيل والرجال والأسلحة والجنن لليمين والشمال وبالنقدين على اختلاف صنفيهما في الجمع وائتلاف وصفيهما في النفع وأنهض أبطال الباطل من فارس وراجل ورامح ونابل وحاف وناعل ومواقف ومقاتل كل خرج متطوعا وأهطع مسرعا وأتى متبرعا ودعا نفسه قبل أن يستدعى وسعى إلى حتفها قبل أن يستسعى حتى ظننا أن في البحر طريقا يبسا وحتى تيقنا أن ما وراء البحر قد خلا وعسا وقلنا كيف نترك وقد علم أنه يدرك وزادت هذه الحشود المتوافية وتجافت عنها الهمم المتجافية وكثرت إلى أن خرجت من سجن حصرها ومستقر كفرها وبقية ثغرها وهو صور فنازلت ثغر عكا في أسطول ملك بحره وجمع سلك بره فنهضنا إليه ونزلنا عليهم وعليه

فضرب معنا مصاف قتلت فيه فرسانه وجدلت شجعانه وخذلت صلبانه وساوى الضرب بين حاسر القوم ودارعهم وبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم فهنالك لاذوا بالخنادق يحفرونها وإلى الستائر ينصبونها وأخلدوا إلى الأرض متثاقلين وحملوا أنفسهم على الموت متحاملين وظاهروا بين الخنادق وراوحوا بين المجانق وكلما يجن القتل من عددهم مائة أوصلها البحر ممن يصل وراءه بألف وكلما قلوا في أعيننا في زحف قد كثروا فيما يليه من الزحف ولو أن دربة عساكرنا في البحر كدربتها في البر لعجل الله منهم الانتصاف واستقل واحدنا بالعشرة ومائتنا بالألف وقد اشتهر خروج ملوك الكفار في الجمع الجم والعدد الدهم كأنهم إلى نصب يوفضون وعلى نار يعرضون ووصولهم على جهة القسطنطينية يسر الله فتحها على عزم الائتمام إلى الشام في منسلخ الشتاء ومستهل الصيف والعساكر الإسلامية لهم تستقبل والى حربهم تنتقل فلا يؤمن على ثغور المسلمين أن يتطرق العدو إليهم وإليها ويفرغ لها ويتسلط عليها والله من ورائهم محيط وإذا قسمت القوة على تلقي القادم وتوقي المقيم فربما أضر بالإسلام انقسامها وثلمه والعياذ بالله انثلامها
ولما مخض النظر زبده وأعطى الرأي حقيقة ما عنده لم نر لمكاثرة البحر إلا بحرا من أساطيله المنصورة فإن عددها واف وشطرها كاف ويمكنه أدام الله تمكينه أن يمد الشام منه بعد كثيف وحد رهيف ويعهد إلى واليه أن يقيم إلى أن يرتبع ويصيف ويمكنه أن يكف شطرا لأسطول طاغية صقليه ليحص جناح قلوعه أن تطير ويعقل عباب بحره أن يغير ويعتقله في جزيرته ويجري إليه قبل جريرته فيذهب سيدنا وعقبه بشرف ذكر لا ترد به المحامد على عقبها ويقيم على الكفر قيامة يطلع بها شمس النصر من مغربها فإذا نفذ طريقه وعلم الناس بموفده أوردوا وأصدروا في مورده وشخص

المسلم والكافر هذا ينتظر بشرى البدار وهذا يستطلع لمن تكون عقبى الدار وخاف وطأة من يصل من رجال الماء من وصل من رجال النار ولو بزقت عليهم بازقة غربية لأغرقهم طوفانها ولو طلعت عليهم جارية بحرية لنعقت فيهم بالشتات غربانها
وما رأينا أهلا لهذه العزمة إلا حضرة سيدنا أدام الله صدق محبة الخير فيه إذ كان منحه عادة في الرضى به وقدرة على الإجابة ورغبة في الإنابة ولاية لأمر المسلمين ورياسة للدنيا والدين وقياما لسلطان التوحيد القائم بالموحدين وغضبا لله ولدينه وبذلا لمذخوره في الذب عنه دون ما عوده والآن فقد خلا الإسلام بملائكته لما خلا الكفر بشياطينه وما أجلت السوابق إلا لإطلاقها ولا أثلت الذخائر إلا لأنفاقها وقد استشرف المسلمون طلوعها من جهته المحروسة جارا من الأساطيل تغشى البحار وليالي من المراكب تركب من البحر النهار وإذا خفقت قلوعها خفقت للقلاع قلوب وإذا تجافت جنوبها عن الموج تجافت من الملاعين جنوب فهي بين ثغر كفر تعتقله وتحصره وبين ثغر إسلام تفرج عنه وتنصره يكون بها مصائب عند المسلمين وتظل قلائد المشركين لغربان بحره طرائد ويمضي سيف الله الذي لا يعدم في كل زمان فيعلم معه أن سيف الله خالد أعز الله الإسلام بما يزيد حضرة سيدنا من عزها فيما مد عليها من ظلها وبما يسكنه من حرزها فيما يبسط على الأعداء بها من بأسها وينزل بهم من رجزها وبما يجرده من سيوفها التي تقطع في الكفر قبل سلها وهزها
وقد أوفدناه على باب حضرة سيدنا وهو الداعي المسمع والمبلغ المقنع والمجمع المستجمع علمناه أمرا يسرا وبوأناه الصدر فكان وجها وأودعناه السر فكان صدرا

الضرب الثاني أن تكون المكاتبة صادرة عن بعض الأتباع
والرسم فيه أن تفتتح المكاتبة بالدعاء بطول البقاء مثل أن يكتب أحد أتباعه إليه ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد وعن الخليفة بأمير المؤمنين كما كتب أبو الميمون عن بعض أهل دولتهم إلى بعض خلفائهم جواب كتاب ورد بالكشف عن عامل ثغر شقورة
أطال الله بقاء أمير المؤمنين وناصر الدين والدنيا بفضله العميم ولا برحت مصالح العباد بباله الكريم جائلة ماثلة وسيرته الحميدة لدانيهم وقاصيهم شاملة كافلة ولا زال لله في أرضه بالقسط قائما وعلى ما ينفع الناس محافظا دائما
كتبته أيد الله أمره صدر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعد امتثال ما حده والانتهاء إلى ما وجب الانتهاء عنده من أمر ثغر شقورة حرسه الله على ما أنص مناقله وأرض مراتبه ومنازله وذلك أن كتابه العزيز وافاني على يد رجل من أهلها فيه فصول رفعها وأحاديث سطرها وجمعها واندرج الكتاب المرفوع بذلك طيه لينظر إليه من ادعى عليهم رفعه ويستبين حقيقته أو وضعه وبإبطاء هذا الرافع سبقته الأنباء واستقرت عند جمعها الأفراض والأنحاء فاجتمعوا إلى عاملهم فلان وفقه الله وحضرهم حاكم الجهة أبقاه الله وتتبعوا تلك الوجوه بالرد لها والإنكار على القائم بها وعقدوا في كل عقد منها عقدا يناقضه واستظهروا بشهادات تنافيه وتعارضه واندرجت العقود ثابتة في كتاب الحاكم على السبيل المعهود في إثبات العقود فثبتت عندي لثبوتها عنده وخاطبوني مع ذلك متبرين من هذا الرافع

واضعين له في عقله ودينه بأحط المواضع وصرحوا بارتضائهم بسيرة عاملهم واغتباطهم بحامايته وسداد نظره وعلى تئفة ذلك وصل هذا الرافع بالكتاب العزيز وما اندرج طيه على ما قدمت ذكره فاستأنفت النظر وأعدت العمل وخاطبت الحاكم والأعيان والكافة هنالك بما ورد في أمرهم وأردفت الكتاب المرفوع ليقفوا على نصه وينظروا إلى شخصه فراجعوني أنه لا مزيد عندهم على ما قدموه ولا خلاف فيما نقدوه وأحكموه وأحالوا على ما تثبت به العقود وهي من الناس المقاطع والحدود فاقتضى النظر إعلام أمير المؤمنين وناصر الدين أعلى الله أمره حسب ما حده بما وقعت عليه الحال ليرتفع الإشكال ولا يتعلق بهذه الحيبة البال وقد أدرجت إلى حضرته السامية الكتب المذكورة لتعرض عليها وتستقر الجلية منها لديها إن شاء الله
واندرجت العقود إلى الفقيه فلان قاضي الحضرة وفقه الله والله يشكر لأمير المؤمنين وناصر الدين تحريه واجتهاده وتوفيقه وسداده ويوالي من والاه ويكيد من عاداه ولو كانت الحال بشقورة على ما صوره هذا الرافع لما أنطوت عني أسرارها ولا خفيت علي على البعد أخبارها وسفوف إلى فلانة بين وهو متشرع متدين وعضده على ما هو بسبيله في ذلك الثغر متعين والله ييسر الجميع إلى ما يقضي حقوق النعمة ويقيم فروض الخدمة بعونه وقدرته

الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بألقاب الخليفة نفسه ثم يؤتى بالصدر معبرا عن المكتوب عنه بالعبد ومخاطبا للخليفة بميم الجمع للتعظيم ويختم الكتاب بالسلام وهو على ضربين

الضرب الأول أن يوصف الخليفة بالمقام
كما كتب أبو الميمون أيضا عن بعض أهل دولتهم إلى الناصر لدين الله أحد خلفائهم
المقام الأعلى المقدس المكرم الإمامي الطاهر الزكي مقام الخليفة المؤيد بنصر الله الإمام الناصر لدين الله كلأ الله جلالهم وفيأ ظلالهم وبوأ وفود السعود ووجود الظهور والصعود مواطئهم المقدسة وحلالهم عبدهم المتقلب في نعمتهم المتقرب إلى الله عز و جل بالمناصحة في خدمتهم المتسبب إلى الزلفى عندهم بالتزام طاعتهم والاعتصام بعصبتهم فلان
كتب عبد المقام الأعلى والندي الذي أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان واحتوى على الفضائل واستولى من موضع كذا حماه الله تعالى وجنانه لطاعتكم قطب ولسانه بشكر نعمتكم رطب فبتلك رجاء الفوز وبها ابتغاء نيل الآمال والحوز وكيف لا يطاوعه الجنان وشكر اللسان مستمد لإدرار الإحسان وللمقام الأسنى عوارف لا يتقلص ظلها الوارف وقطرات بالرحمة مسطرات بمدرار سحابها الواكف وقد كانت للعبد سهام فاضت عليه بها من النعمة رهام ثم جزر الماء باسترجاعها الآن وسقي العبد بانتزاعها كأس الحزن ملآن وردت لك بهذه الجهة انقطاع المواساة وامتناع الألسن

بالمكابدة لشظف العيش والمقاساة والى المقام الأعلى الأسنى نفزع حين نفزع ونذهب حين نرجو ونرهب ونلجا فلا تؤخر طلباتنا ولا ترجا وخدمة العبد هذه تنوب عنه في تقبيل ذلك المقام الأسمى والتعرض لما عهد لديه من نفحات الرضى والتضرع في إدرار ما جزر من تلك المنة وغيض من فيض تلك النعمى وينهي من رغبته في بركة تلك الأدعية التي هي للخيرات كالأوعية ما يرجوه بشفاعة تأكد الامتنان ومجرد عوارف الرأفة والحنان إن شاء الله تعالى
والرب تعالى يبقي المقام الأعلى والنصر له مظاهر والخير لديه متظاهر والسعد لوليه ناصر ولعدوه قاهر بحول الله تعالى وقوته لا رب غيره ولا خير إلا خيره والسلام

الضرب الثاني أن يعبر عن الخليفة بالحضرة
كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن صاحب أرغون من الأندلس إلى المستنصر بالله أحد خلفائهم يستأذنه في وفادة صاحب أرغون من الأندلس أيضا على أبواب الخلافة مغاضبا لأهل مملكته
الحضرة الإمامية المنصورة الأعلام الناصرة للإسلام المخصوصة من

العدل والإحسان بما يجلو نوره متراكم الإظلام حضرة سيدنا ومولانا الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبي يعقوب ابن سادتنا الخلفاء الراشدين وصل الله لها إسعاد القدر وإنجاد النصر والظفر ولا زال مقامها الأعلى سامي النظر مبارك الورد والصدر ويفيض منه الجود فيض المطر ويحيط به السعود إحاطة الهالة بالقمر
نشأة أيامها الغر وربي إنعامها المواظب على الحمد والشكر المشرف باستخدامها الذي هو نعم العون على التقوى والبر عبدها وابن عبدها فلان
سلام الله الطيب المبارك وتحياته تخص المقام الأشرف الأعلى ورحمة الله وبركاته وبعد فكتب العبد كتب الله للمقام الأعلى فتوحا يعم جميع الأمصار وسعودا يقضي بفل السمر الطوال والبيض القصار من بلنسية وبركاته تظهر ظهور النهار وتفيض على البلاد والعباد فيض الأنهار فالخلق من وارد في سلسالها المعين وراج للذي منها وهو من رجائه على أوضح مراتب اليقين والله يبقى عز الإسلام ببقائه ويعيننا على امتثال أوامره المباركة معشر عبيده وأرقائه بمنه
وقد تقرر له من المقام الكريم أدام الله علوه وكبت عدوه أمر بالسك وطال ماله في البلاد الأرغونية من زعامة في شأوها برز ولغايتها أحرز وكان قد كفل صاحب أرغون في الزمان المتقدم كفالة دار أمرها عليه وألقي زمامها إليه وتفرد منها بعبء وحمله وخطة بلغ منها أمله ثم إنه حط من رتبته وتأكدت المبالغة في نكبته لقضية عرضت له من أهل أرغون فلفظته تلك الجنبات وأزعجه أمر لم يمكنه عليه الثبات ورأى أن يلجأ بحاله

إلى المقام الباهر الأنوار العزيز الجوار فواصل هذا الموضع قبل مقدم العبد عليه مقررا ما نزل به ومستأذنا في الوجه الذي تعرض لطلبه فإذن له في مقصده وانصرف عن التأهب للحركة من بلده ثم لما وصل العبد هذه الجهة وفرغ هو من شأنه أقبل متوجها إلى الباب الكريم ومتوسلا بأمله إلى فضله العميم والظاهر من حنقه على أهل أرغون وشده عداوته لهم وما تأكد من القطيعة بينه وبينهم أنه إن صادف وقت فتنة معهم ووجد ما يؤمله من إحسان الأمر العالي أيده الله فينتهي من نكايتهم والإضرار بهم إلى غاية غريبة الآثار مفضية به إلى درك الثار وكثير من زعماء أرغون ورجالها أقاربه وفرسانه وكلهم في حبله حاطب ولإنجاده متى أمكنه خاطب وللمقام الكريم أعلى الرأي فيه أبقاه الله شافيا للعلل وكافيا طوارق الخطب الجلل مأمولا من ضروب الأمم وأصناف الملل وهو سبحانه يديم سعادة جده ويخصه من البقاء الذي يسر أهل الإيمان ويضاعف بهجة الزمان بأطوله وأمده والسلام

الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بأوصاف الخلافة والثناء عليها والخطاب
فيه بأمير المؤمنين وعن المكتوب عنه بنون الجمع
وهذه المكاتبة من المكاتبات البديعة المسفرة عن صبح البلاغة
ونسختها بعد البسملة على ما كتب به ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر صاحب الأندلس إلى المستنصر بالله أبي إسحاق إبراهيم خليفة

الموحدين يومئذ بالأندلس والاستفتاح
الخلافة التي ارتفع عن عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف واستقلت مباني فخرها الشائع وعزها الذائع على ما أسسه الأسلاف ووجب لحقها الجازم وفرضها اللازم الاعتراف ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف فامتزاجنا بعلائها المنيف وولائها الشريف كما امتزج الماء والسلاف وثناؤنا على مجدها الكريم وفضلها العميم كما تأرجت الرياض الأفواف لما زارها الغمام الوكاف ودعاؤنا بطول بقائها واتصال علائها يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا الاستشراف وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة وفواضلها العميمة لا تحصره الحدود ولا تدركه الأوصاف وإن عذر في التقصير عن نيل ذلك المرام الكبير الحق والإنصاف خلافة وجهة تعظيمنا إذا توجهت الوجوه ومن نؤثره إذا همنا ما نرجوه ونفديه ونبديه إذا استمنح المحبوب واستدفع المكروه السلطان الخليفة الجليل الكبير الشهير الإمام الهمام الأعلى الأوحد الأصعد الأسعد الأسمى الأعدل الأفضل الأسنى الأطهر الأظهر الأرضى الأحفل الأكمل أمير المؤمنين أبي إسحاق ابن الخليفة الإمام البطل الهمام عين الأعيان وواحد الزمان الكبير الشهير الطاهر الظاهر الأوحد الأعلى الحسيب الأصيل الأسمى العادل الحافل الفاضل المعظم الموقر الماجد الكامل الأرضى المقدس أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر ابن السلطان الكبير الجليل الرفيع الماجد الظاهر

الطاهر المعظم الموقر الأسمى المقدس المرحوم أبي زكريا ابن الخليفة الإمام المجاهد الهمام الإمام ذي الشهرة الجامحة والمفاخر الواضحة علم الأعلام فخر السيوف والأقلام المعظم الممجد المقدس الأرضى أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي عبد الله بن أبي زكريا ابن عبد الواحد بن ابي حفص أبقاه الله ومقامه مقام إبراهيم رزقا وأمانا لا يخص جلب الثمرات إليه وقتا ولا يعين زمانا وكان على من يتخطف الناس من حوله مؤيدا بالله معانا معظم قدره العالي على الأقدار ومقابل داعي حقه بالابتدار المثني على معاليه المخلدة الآثار في أصونة النظام والنثار ثناء الروضة المعطار على الأمطار الداعي إلى الله بطول بقائه في عصمة منسدلة الأستار وعزة ثابتة المركز مستقيمة المدار وأن يختم له بعد بلوغ غايات الآجال ونهايات الأعمار بالزلفى وعقبى الدار
سلام كريم كما حملت نسمات الأسحار أحاديث الأزهار وروت ثغور الأقاحي والبهار عن مسلسلات الأنهار وتجلى على منصة الاشتهار وجه عروس النهار يخص خلافتكم الكريمة النجار العزيزة الجار ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي أخفى حكمته البالغة عن أذهان البشر فعجزت عن قياسها وجعل الأرواح كما ورد في الخبر أجنادا مجندة تحن إلى أجناسها منجد هذه الملة من أوليائه الجلة بمن يروض الآمال بعد شماسها وييسر الأغراض قبل التماسها ويعنى بتجديد المودات في ذاته وابتغاء مرضاته على حين إخلاق لباسها الملك الحق واصل الأسباب بحوله بعد انتكاث

أمراسها ومغني النفوس بطوله بعد إفلاسها حمدا يدر أخلاف النعم بعد إبساسها وينشر رمم الآمال من أرماسها ويقدس النفوس بصفات ملائكة السموات بعد إبلاسها
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله سراج الهداية ونبراسها عند اقتناء الأنوار واقتباسها مطهر الأرض من أوضارها وأدناسها ومصطفى الله من بين ناسها وسيد الرسل الكرام ما بين شيثها وإلياسها الآتي مهيمنا على آثارها في حين فترتها ومن بعد نضرتها واستئناسها مرغم الضراغم في أخياسها بعد افترارها وافتراسها ومعفر أجرام الأصنام ومصمت أجراسها
والرضا عن آله وعترته وأحزابه حماة شرعته البيضاء وحراسها وملقحي غراسها ليوث الوغى عند احتدام مراسها ورهبان الرجاء تتكفل بمناجاة السميع العليم في وحشة الليل البهيم بإيناسها وتفاوح نواسم الأسحار عند الاستغفار بطيب أنفاسها
والدعاء لخلافتكم العلية المستنصرية بالسعادة التي تشعشع أيدي العزة القعساء من أكواسها ولا زالت العصمة الإلهية كفيلة باحترامها واحتراسها وأنباء الفتوح المؤيدة بالملائكة والروح ريحان جلاسها وآيات المفاخر التي ترك الأول للآخر مكتتبة الأسطار بأطراسها وميادين الوجود مجالا لجياد جودها وباسها والعز والعدل منسوبين لفسطاطها وقسطاسها وصفيحة النصر العزيز تفيض كفها المؤيدة بالله على رياسها عند اهتياج أضدادها وشرة إنكاسها لانتهاب البلاد وانتهاسها وهبوب رياح رياحها وتمرد مرداسها

فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من كتائب نصره أمدادا تذعن أعناق الأنام لطاعة ملككم المنصور الأعلام عند إحساسها وآتاكم من آيات العنايات آية تضرب الصخرة الصماء ممن عصاها بعصاها فتبادر بانبجاسها من حمراء غرناطة حرسها الله وأيام الإسلام بعناية الملك العلام تحتفل وفود الملائكة الكرام لولائمها وأعراسها وطواعين الطعان في عدو الدين المعان تجدد عهدها بعام عمواسها
والحمد لله حمدا يعيد شوارد النعم ويستدر مواهب الجود والكرم ويؤمن من انتكاب الجدود وانتكاسها ولي الآمال ومكاسها وخلافتكم هي المثابة التي يزهى الوجود بمحاسن مجدها زهو الرياض بوردها وآسها وتستمد أضواء الفضائل من مقباسها وتروي رواة الإفادة والإجادة غريب الوجادة عن ضحاكها وعباسها وإلى هذا أعلى الله معارج قدركم وقد فعل وأنطق بحجج فخركم من احتفى وانتعل فإنه وصلنا كتابكم الذي حسبناه على صنائع الله لنا تميمة لا تلقع بعدها عين وجعلناه على حلل مواهبه قلادة لا يحتاج معها زين ودعوناه من جيب الكناية آية بيضاء الكتابة لم يبق معها شك ولا مين وقرأنا منه وثيقة ود هضم فيها عن غريم الزمان دين ورأينا منه إنشاء خدم اليراع بين يديه وشاء واخترع بهيمان عقدته مشاء وسئل عن معانيه الاختراع فقال إنا أنشأناهن إنشاء فأهلا به من عربي أتى يصف السانح وألبانه ويبين فبحسن الإبانة أدى الأمانة وسئل عن حيه فانتمى إلى كنانة وأفصح وهو لا ينبس وتهللت قسماته وليل حبره يعبس وكأن خاتمه المقفل على صوانه المتحف بباكر الورد في غير أوانه رعف من مسك عنوانه ولله

من قلم دبج تلك الحلل ونقع بمجاج الدواة المستمدة من عين الحياة الغلل فلقد تخارق في الجود مقتديا بالخلافة التي خلد فخرها في الوجود فجاد بسر البيان ولبابه وسمح في سبيل الكرم حتى بماء شبابه وجمح لفرط بشاشته وفهامته بعد شهادة السيف بشهامته فمشى من الترحيب في الطرس الترحيب على أم هامته
وأكرم به من حكيم أفصح بملغوز الإكسير في اللفظ اليسير وشرح بلسان الخبير سر صناعة التدبير كأنما خدم الملكة الساحرة بتلك البلاد قبل اشتجار الجلاد فآثرته بالطارف من سحرها والتلاد أو عثر بالمعلقة وتيك القديمة المطلقة بدفينة دار أو كنز تحت جدار أو ظفر لباني الحنايا قبل أن تقطع به عن أمانيه المنايا ببديعة أو خلف جرجير الروم قبل منازلة القدوم على وديعة أو أسهمه ابن أبي سرح في نشب للفتح وسرح أو حتم له روح بن حاتم ببلوغ المطلب أو غلب الحظوظ بخدمة آل الأغلب أو خصه زيادة الله بمزيد أو شارك الشيعة في أمر ابن أبي يزيد أو سار على منهاج في مناصحة بني صنهاج وفضح بتخليد أمداحهم كل هاج
وأعجب به وقد عزز منه مثنى البيان بثالث فجلب سحر الأسماع واسترقاق الطباع بين مثاني الإبداع ومثالث كيف اقتدر على هذا المجيد وناصح مع التثليث مقام التوحيد نستغفر الله ولي العون على الصمت والصون فالقلم هو الموحد قبل الكون والمتصف من صفات السادة أولي العبادة بضمور الجسم وصفرة اللون إنما هي كرامة فاروقية وأثارة من حديث سارية وبقية سفر وجهها في الأعقاب بعد طول الانتقاب وتداول الأحقاب ولسنا مناب عن كريم جناب وإصابة السهم لسواه محسوبة

وإلى الرامي الذي سدده منسوبة ولا تنكر على الغمام بارقة ولا على المتحققين بمقام التوحيد كرامة خارقة فما شاءه الفضل من غرائب بر وجد ومحاريب خلق كريم ركع الشكر فيها وسجد حديقة بيان استثارت نواسم الإبداع من مهبها واستزارت غمائم الطباع من مصبها فآتت أكلها مرتين بإذن ربها لا بل كتيبة عز طاعنت بقنا الألفات سطروها فلا يرومها النقد ولا يطورها ونزعت عن قسي النونات خطوطها واصطفت من بياض الطرس وسواد النقس بلق تحوطها
فما كأس المدير على الغدير بين الخورنق والسدير تقامر بنرد الحباب عقول ذوي الألباب وتغرق كسرى في العباب وتهدي وهي الشمطاء نشاط الشباب وقد أسرج ابن سريج وألجم وأفصح الغريض بعدما جمجم وأعرب الناي الأعجم ووقع معبد بالقضيب وشرعت في حساب العقد بنان الكف الخضيب وكأن الأنامل فوق مثالث العود ومثانيه وعند إغراء الثقيل بثانيه وإجابة صدى الغناء بين مغانيه المراود تشرع في الوشي أو العناكب تسرع في المشي وما الخبر بنيل الرغائب أو قدوم الحبيب الغائب لا بل إشارة البشير بكم المشير على العشير بأجلب للسرور من زائره المتلقى بالبرور وأدعى للحبور من سفيره المبهج للسفور فلم نر مثله من

كتيبه كتاب تجنب الجرد تمرح في الأرسان وتتشوف مجالي ظهورها إلى عرائس الفرسان وتهز معاطف الارتياح من صهيلها الصراح بالنغمات الحسان إذا وجدت الصريخ نازعت أثناء الأعنة وكاثرت بأسنة آذانها مشرعة الأسنة فإن أدعى الظليم أشكالها فهو ظالم أو نازعها الظبي هواديها وأكفالها فهو هاذ أو حالم وإن سئل عن عيوب الغرر والإوضاح قال مشيرا إلى وجوهها الصباح جلدة بين العين والأنف سالم من كل عبل الشوى مسابق للنجم إذا هوى سامي التليل عريض ما تحت الشليل ممسوحة أعطافه بمنديل النسيم البليل من أحمر كالمدام تجلى على الندام عقب الفدام أتحف لونه بالورد في زمن البرد وحيي أفق محياه بكوكب السعد وتشوف الواصفون إلى عد محاسنه فأعيت على العد بحر يساجل البحر عند المد وريح تباري الريح عند الشد بالذراع الأشد حكم له مدير فلك الكفل باعتدال فصل القد وميزه قدره المميز يوم الاستباق بقصب السباق عند اعتبار الحد وولد مختط غرته أشكال الجمال على الكمال بين البياض والحمرة ونقاء الخد وحفظ رواية الخلق الوجيه عن جده الوجيه ولا تنكر الرواية على الحافظ بن الجد وأشقر أبي الخلق والوجه الطلق أن يحقر كأنما صيغ من العسجد وطرف بالدر وأنعل بالزبرجد ووسم في الحديث بسمة اليمن والبركة واختص بفلج الخصام عند اشتجار المعركة وانفرد بمضاعف السهام المنكسرة على الهام في الفرائض المشتركة واتصف فلك كفله بحركتي الإرادة والطبع نم أصناف الحركة أصغى إلى السماء بأذن الملهم وأعرب لسان الصهيل عند التباس معاني الهمز والتسهيل ببيان المبهم وفتنت العيون من ذهب جسمه ولجين نجمه بحب الدينار والدرهم فإن انقض فرجم أو ريح لها هجم وإن اعترض فشفق لاح به للنجم نجم وأصفر قيد الأوابد الحرة

وأمسك المحاسن وأطلق الغرة وسئل من أنت في قواد الكتائب وأولي الأخبار العجائب فقال أنا المهلب بن أبي صفرة نرجس هذه الألوان في رياض الأكوان تحيا به وجوه الحرب العوان أغار بنخوة الصائل على معصفرات الأصائل فارتداها وعمد إلى خيوط شعاع الشمس عند جانحة الأمس فألحم منها حلته وأسداها واستعدت عليه ملك المحاسن فما أعداها فهو أصيل تمسك بذيل الليل عرفه وذيله وكوكب يطلعه من القتام ليله فيحسده فرقد الأفق وسهيله وأشهب تغشى من لونه مضاضه وتسربل منه لأمة فضفاضة قد احتفل زينه لما رقم بالنبال لجينه فهو الأشمط الذي حقه لا يغمط والذراع المسارع والأعزل الدارع وراقي الهضاب الفارع ومكتوب الكتيبة البارع وأكرم به من مرتاض سالك ومجتهد على غايات السابقين الأولين متهالك وأشهب يروي من الخليفة ذي الشيم المنيفة عن مالك وحباري كلما سابق وبارى استعار جناح الحبارى فإذا أعملت هذه الحسبة قيل من هنا جاءت النسبة طرد النمر لما عظم أمره وأمر فنسخ وجوده بعدمه وابتزه الفروة ثم لطخه بدمه وكأن مضاعف الورد نثر عليه من طبقه أو الفلك لما ذهب الحلك مزج فيه بياض صبحه بحمرة شفقه وقرطاسي حقه لا يجهل حتى ما ترقى العين فيه تشهل إن نزع عنه جله فهو نجم كله انفرد بمادة الألوان قبل أن تشوبها يد الأكوان وتمزجها أقلام الملوان يتقدم منه الكتيبة المقبلة لواء ناصع أو أبيض مماصع لبس وقار المشيب في ريعان العمر القشيب وأنصنت الآذان من صهيله المطيل المطيب لما ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب وإن تعتب منه للتأخير المتعتب قلنا الواو لا

ترتب ما بين فحل وحره وبهرمانة ودره ويالله من ابتسام غره ووضوح يمن في طره وبهجة للعين وقره وإن ولع الناس بامتداح القديم وخصوا الحديث بفري الأديم وأوجب المتعصب وإن أبى المنصب مرتبة التقديم وطمح إلى رتبة المخدوم طرف الخديم وقرن المثري بالعديم وبخس في سوق الحسد الكيل ودجى الليل وظهر في فلك الإنصاف الميل لما تذوكرت الخيل فجيء بالوجيه والخطار والذائد وذي الخمار وداحس والسكب والإبجر وزاد الركب والجموح واليحموم والكميت ومكتوم والأعواج وحلوان ولاحق والغضبان وعفور والزعفران والمحبر واللعاب والأغر والغراب وشعلة العقاب والفياض واليعبوب والمذهب واليعسوب والصحون والقطيب وهيدب والصبيب وأهلوب وهداج والحرون وخراج وجلوى والجناح والأحوى ومجاج والعصا والنعامة والبلقاء والحمامة وسكاب والجرادة وحوصاء والعرادة فكم بين الشاهد والغائب والفروض والرغائب وفرق ما بين الآثر والعيان غني عن البيان وشتان بين الصريح والمشتبه ولله القائل في مثلها خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به والناسخ يختلف به الحكم وشر الدواب عند التفضيل بين هذه الدواب الصم البكم إلا ما ركبه نبي أو كان له يوم الافتخار برهان خبي ومفضل ما سمع على ما رأى غبي فلو أنصفت محاسنها التي وصفت لأقضمت حب القلوب علفا وأوردت ماء الشنينة نطفا واتخذت لها من عذر الخدود الملاح عذر موشية وعللت بصفير ألحان القيان كل عشية وأنعلت بالأهلة وغطيت بالرياض بدل الأجلة

إلى الرقيق الخليق بالحسن الحقيق تسوقه إلى مثوى الرعاية روقة الفتيان رعاته ويهدي عقيقها من سبجه أشكالا تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته وقفت نظر الاستحسان لا يريم لما بهره منظرها الكريم وتخامل الظليم وتضاءل الريم وأخرس مقوله اللسان وهو بملكات البيان الحفيظ العليم وناب لسان الحال عن لسن المقال عند الاعتقال فقال يخاطب المقام الذي أطلعت أزهارها غمائم جوده واقتضت اختيارها بركة وجوده لو علمنا أيها الملك الأصيل الذي كرم منه الإجمال والتفصيل أن الثناء يوازيها لكنا لك بكيلك أو الشكر يعادلها ويجازيها لتعرضنا بالوشل إلى نيل نيلك أو قلنا هي التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر بقوله أدرك بخيلك حين شرق بدفعه الشرق وانهزم الجمع واستولى الفرق واتسع فيه والحكم لله الخرق ورأى أن مقام التوحيد بالمظاهرة على التثليث وحزبه الخبيث هو الأولى والأحق والآن قد أغنى الله بتلك النية

عن إنجاد الطوال الردينية وبالدعاء من تلك المثابة الدينية إلى رب البنية عن الأمداد السنية والأجواد تخوض بحر الماء إلى بحر المنية وعن الجرد العربية في مقاود الليوث الأبية وجدد برسم هذه الهدية مراسيم العهود الودية والذمم الموحدية لتكون علامة على الأصل ومكذبة لدعوى الوقف والفصل وإشعارا بالألفة التي لا تزال ألفها ألف الوصل ولامها حراما على النصل
وحضر بين يدينا رسولكم فلان فقرر من فضلكم ما لا ينكره من عرف علو مقداركم وأصالة داركم وفلك إبداركم وقطب مداركم وأجبناه عنه بجهد ما كنا لنقنع من حناه المهتصر بالمقتضب المختصر ولا نقابل طول طوله بالقصر لولا طروء الحصر
وقد كان بين الأسلاف رحمة الله عليهم ورضوانه ود أبرمت من أجل الله معاقده ووثرت للخلوص الجلي النصوص مضاجعة القارة ومراقده وتعاهد بالجميل توجع لفقده فاقده أبى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده والعطف بتوكيده فنحن الآن لا ندري أي مكارمكم نذكر أو أي فواضلكم نشرح أو نشكر أمفاتحتكم التي هي عندنا في الحقيقة فتح أم هديتكم وفي وصفها للأقلام سبح ولعدو الإسلام بحكمة حكمتها كبح إنما نكل الشكر لمن يوفي جزاء الأعمال البرة ولا يبخس مثقال الذرة ولا أدنى من مثقال الذرة ذي الرحمة الثرة والألطاف المتصلة المستمرة لا إله إلا هو
وإن تشوفتم إلى الأحوال الراهنة وأسباب الكفر الواهية بقدرة الله الواهنة فنحن نطرفكم بطرفها ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفها وهو أننا لما أعاد الله من التمحيص إلى مثابة التخصيص من بعد المرام العويص كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة ووقفنا على سبله مساعي الحياة القصيرة ورأينا كما نقل إلينا وكرر على من قبلنا وعلينا أن الدنيا وإن غر الغرور وأنام على سرر الغفلة السرور فلم ينفع الخطور على أجداث الأحباب والمرور جسر يعبر ومتاع لا يغبط من حبي به ولا يحبر إنما هو خبر يخبر

وأن الحسرة بمقدارها على تركه تجبر وأن الأعمار أحلام وأن الناس نيام وربما رحل الراحل عن الخان وقد جلله بالأذى والدخان أو ترك به طيبا وثناء يقوم بعده للآتي خطيبا فجعلنا العدل في الأمور ملاكا والتفقد للثغور مسواكا وضجيع المهاد حديث الجهاد وأحكامه مناط الاجتهاد وقوله ( يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة ) من حجج الاستشهاد وبادرنا من الحصون المضاعة وجنح التقية دامس وساكنها بائس والأعصم في شعفاتها من العصمة يائس فزينا ببيض الشرفات ثناياها وأفعمنا بالعذب الفرات ركاياها وغشينا بالصفيح المضاعف أبوابها واحتسبنا عند موفي الأجور ثوابها وبيضنا بناصع الكلس أثوابها فهي اليوم توهم حس العيان أنها قطع من بيض العنان تكاد تناول قرص البدر بالنبان متكفلة للمؤمن من فزع الدنيا والآخرة بالأمان وأقرضنا الله قرضا وأوسعنا مدونة الجيش عرضا وفرضنا إنصافه مع الأهلة فرضا واستندنا من التوكل على الله الغني الحميد إلى ظل لواء ونبذنا إلى الطاغية عهده على سواء وقلنا ربنا أنت العزيز وكل جبار لعزك ذليل وحزبك هو الكثير وما سواه فقليل أنت الكافي ووعدك الوعد الوافي فأفض علينا مدارع الصابرين وأكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظافرين وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
فتحركنا أولى الحركات وفاتحة مصحف البركات في خف من الحشود واقتصار على ما بحضرتنا من العساكر المظفرة والجنود إلى حصن آش البازي المطل وركاب العدو الضال المضل ومهدي نفثات الصل

على امتناعه وارتفاعه وسمو يفاعه وما بذل العدو فيه من استعداده وتوفير أسلحته وأزواده وانتخاب أنجاده فصلينا بنفسنا ناره وزاحمنا عليه الشهداء نصابر أواره ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة وجلامده الملمومة وأحجاره حتى فرعنا بحول من لا حول ولا قوة إلا به أبراجه المنيعة وأسواره وكففنا عن العباد والبلاد أضراره بعد أن استضفنا إليه حصن السهلة جاره ورحلنا عنه بعد أن شحناه رابطة وحامية وأزوادا نامية وعملنا بيدنا في رم ما ثلم القتال وبقر من بطون مسالحه الرجال واقتدينا بنبينا صلوات الله عليه وسلامه في الخندق لما حمى ذلك المجال ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتجال وما كان ليقر للإسلام مع تركه القرار وقد كتب الجوار وتداعى الدعرة وتعاوى الشرار
وكنا أغزينا الجهة الغربية من المسلمين بمدينة برغة التي سدت بين القاعدتين مالقة ورندة الطريق وألبست ذل الفراق ذلك الفريق ومنعتهما أن يسيغا الريق فلا سبيل إلى الإلمام لطيف المنام في الأحلام ولا رسالة إلا في أجنحة هدي الحمام فيسر الله فتحها وعجل منحها بعد حرب انبتت فيها النحور وتزينت الحور وتبع هذه الأم بنات شهيرة وبقع للزرع والضرع خيرة فشفي الثغر من بوسه وتهلل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه
ثم أعملنا الحركة إلى مدينة الجزيرة على بعد المدى وتعلقها على بلاد العدا واقتحام هول الفلا وغول الردا مدينة بنتها حمص فأوسعت

الدار وأغلت الشوار وراعت الاستكثار وبسطت الاعتمار رجح إلينا قصدها على البعد والطريق الجعد ما آسفت به المسلمين من استئصال طائفة من أسراهم مروا بها آمنين وبطائرها المشؤوم متيمنين قد أنهكهم الاعتقال والقيود الثقال وأضرعهم الإسار وجللهم الانكسار فجدلوهم في مصرع واحد وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواحد وترة الماجد فكبسناها كبسا وفجأناها بإلهام من لا يضل ولا ينسى فصبحتها الخيل ثم تلاحق الرجل كما جن الليل وحاق بها الويل فأبيح منها الذمار وأخذها الدمار ومحقت من مصانعها البيض الأهلة وخسفت الأقمار وشفيت من دماء أهلها الضلوع الحرار وسلطت على هياكلها النار واستولى على الآلالف العديدة من سبيها الإسار وانتهى إلى إشبيلية الثكلى المغار فجلل وجوه من بها من كبار النصرانية الصغار واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله الأوقار
وعدنا والأرض تموج سبيا لم نترك بعفرين شبلا ولا بوجرة ظبيا والعقائل حسرى والعيون تبهرها الصنع الأسرى وصبح السرى قد حمد بعد بعد المسرى فسبحان الذي أسرى ولسان الحمية ينادي في تلك الكنائس المخربة والنوادي يا لثارات الأسرى
ولم يكن إلا أن نفلت الأنفال ووسمت بالأرضاخ الأغفال وتميزت

الهوادي والأكفال وكان إلى غزو مدينة جيان الاحتفال قدنا إليها الجرد تلاعب الظلال نشاطا والأبطال تقتحم الأخطار رضا بما عند الله واغتباطا والمهندة الزرق تسبق إلى الرقاب استلالا واختراطا والردينية السمر تسترط حياة النفوس استراطا وأزحنا العلل عمن أراد جهادا منجيا غباره من دخان جهنم ورباطا ونادينا الجهاد الجهاد يا أمة الجهاد راية النبي الهاد الجنة الجنة تحت ظلال السيوف الحداد فهز النداء إلى الله تعالى كل عامر وغامر وأتمر الجم من دعوة الحق إلى أمر آمر وأتى الناس من الفجوج العميقة رجالا وعلى كل ضامر وكاثرت الرايات أزهار البطاح لونا وعدا وسدت الحشود مسالك الطريق العريضة سدا ومد بحرها الزاخر مدا فلا يجد لها الناظر ولا المناظر حدا
وهذه المدينة هي الأم الولود والجنة التي في النار لسكانها من الكفار الخلود وكرسي الملك ومجنبته الوسطى من الممالك باءت بالمزايا العديدة ونجحت وعند الوزان بغيرها من أمات البلدان رجحت غاب الأسود وجحر الحيات السود ومنصب التماثيل الهائلة ومعلق النواقيس الصائلة
وأدنينا إليها المراحل وعينا لتجار المحلات المستقلات منها الساحل ولما أكثبنا جوارها وكدنا نلمح نارها تحركنا ووشاح الأفق المرقوم بزهر النجوم قد دار دائره والليل من خوف الصباح على سرحه المستباح قد شابت غدائره والنسر يرفرف باليمن طائره والسماك الرامح يثأر ثغر الإسلام ثائره والنعائم راعدة فرائض الجسد من خوف الأسد والقوس يرسل سهم السعادة بوتر العادة إلى أهداف النعم المعادة والجوزاء عابرة نهر المجره

والزهرة تغار من الشعرى العبور بالضرة وعطارد يسدي في حيل الحروب على البلد المحروب ويلحم ويناظر على أشكالها الهندسية فيفحم والأحمر يبهر والعلم الأبيض يفري وينهر والمشتري يبديء في فضل الجهاد ويعيد ويزاحم في الخلفات على ما للسعادة من الصفات ويزيد وزحل على الطالع منزحل وعن العاشر مرتحل وفي زلق السقوط وحل والبدر يطارح حجر المنجنيق كيف يهوي إلى النيق ومطلع الشمس يرقب وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب
ولما فشا سر الصباح واهتزت أعطاف الرايات لتحيات مبشرات الرياح أطللنا عليها إطلال الأسود على الفرائس والفحول على العرائس فنظرنا منظرا يروع بأسا ومنعه ويروق وضعا وصنعه تلفعت معاقله الشم للسحاب ببرود ووردت من غدير المزن في برود وأسرعت لاختطاف أزهار النجوم والذراع بين النطاق معاصم رود وبلدا يعيي الماسح والذارع وينتظم المحاني والأجارع فقلنا اللهم نفله أيدي عبادك وأرنا فيه آية من آيات جهادك فنزلنا بساحتها العريضة المتون نزول الغيث الهتون وتيمنا من فحصها الأفيح بسورة التين والزيتون متربة من أمان الرحمان للبلد المفتون وأعجلنا الناس بحمية نفوسهم النفيسه وسجية شجاعتهم البئيسة عن أن نبويء للقتال المقاعد وندني بإسماع شهير النفير منهم الأباعد وقبل أن يلتقى الخديم بالمخدوم ويركع المنجنيق ركعتي القدوم فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان وسبق إلى حومة الميدان حتى أجحروهم في البلد وسلبوهم لباس الجلد في موقف يذهل الوالد عن الولد صارت السهام فيه غمام وطارت كأسراب الحمام تهدي حماما وأضحت القنا قصدا بعد أن كانت شهابا رصدا وماج بحر القتام بأمواج النصول وأخذ الأرض الرجفان لزلزال الصياح الموصول فلا ترى إلا شهيدا تظلل مصرعه الحور وصريعا تقذف به إلى

الساحل أمواج تلك البحور ونواشب تبأى بها الوجوه الوجيهة عند الله والنحور فالمقضب فوده يخضب والأسمر غصنه يستثمر والمغفر حماه يخفر وظهور القسي تقصم وعصم الجند الكوافر تفصم وورق اليلب في المنقلب يسقط والبتر تكتب والسمر تنقط فاقتحم الربض الأعظم لحينه وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزة دينه وتبرأ الشيطان من خدينه ونهب الكفار وخذلوا وبكل مرصد جدلوا ثم دخل البلد بعده غلابا وجلل قتلا واستلابا فلا تسل إلا الظبى والأسل عن قيام ساعته وهول يومها وشناعته وتخريب المبائت والمباني وغنى الأيدي من خزائن تلك المغاني ونقل الوجود الأول إلى الوجود الثاني وتخارق السيف فجاء بغير المعتاد ونهلت القنا الردينية من الدماء حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد وهمت أفلاك القسي وسحت وأرنت حتى بحت ونفدت موادها فشحت بما ألحت وسدت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر واستأصل الله من عدوه الشأفة وقطع الدابر وأزلف الشهيد وأحسب الصابر وسبقت رسل الفتح الذي لم يسمع بمثله في الزمن الغابر تنقل البشرى من أفواه المحابر إلى آذان المنابر
أقمنا بها أياما نعقر الأشجار ونستأصل بالتخريب الوجار ولسان الانتقام من عبدة الأصنام ينادي يالثارات الإسكندرية تشفيا من الفجار ورعيا لحق الجار وقفلنا وأجنحة الرايات برياح العنايات خافقه وأوفاق التوفيق الناشئة من خطوط الطريق موافقه وأسواق العز بالله نافقه وحملاء الرفق مصاحبة والحمد لله مرافقه وقد ضاقت ذروع الجبال عن أعناق

الصهب السبال ورفعت على الاكفال ردفاء كرائم الأنفال وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال بالهندام والاحتيال وهلك بمهلك هذه الأم بنات كن يرتضعن ثديها الحوافل ويستوثرن حجرها الكافل شمل التخريب أسوارها وعجلت النار بوارها
ثم تحركنا بعدها حركة الفتح وأرسلنا دلاء الإدلال قبل المنح فبشرت بالمنح وقصدنا مدينة أبده وهي ثانية الجناحين وكبرى الأختين ومساهمة جيان في حين الحين مدينة أخذت عرض الفضاء الأخرق وتمشت فيه أرباضها تمشي الكتابة الجامحة في المهرق المشتملة على المتاجر والمكاسب والوضع المتناسب والفلج المعيي ريعه عمل الحاسب وكوارة الدبر اللاسب المتعددة اليعاسب فأناخ العفاء بربوعها العامرة ودارت كؤوس عقار الحتوف ببنان السيوف على متديريها المعاقرة وصبحتها طلائع الفاقرة وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة ودخلت مدينتها عنوة السيف في أسرع من خطرة الطيف ولا تسأل عن الكيف فلم يبلغ العفاء من مدينة حافلة وعقيلة في حلل المحاسن رافلة ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النيران أبراجها وتضاءل بالرغم معراجها وضفت على أعطافها ملابس الخذلان وأقفر من كنائسها كناس الغزلان
ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة وخزائن المزاين الوافرة وربة الشهرة السافرة والأنباء المسافرة قرطبة وما أدراك ماهيه ذات الأرجاء الحالية

الكاسيه والأطواد الراسخة الراسية والمباني المباهية والزهراء الزاهيه والمحاسن غير المتناهيه حيث هالة بدر السماء قد استدارت من السور المشيد البناء ونهر المجرة من نهرها الفياض المسلول حسامه من غمود الغياض قد لصق بها جارا وفلك الدولاب المعتدل الانقلاب قد استقام مدارا ورجع الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأول وادكارا حيث الطود كالتاج يزدان بلجين العذب المجاج فيزري بتاج كسرى ودارا حيث قسي الجسور المديره كأنها عوج المطي الغريره تعبر النهر قطارا حيث آثار العامري المجاهد تعبق بين تلك المعاهد شذى معطارا حيث كرائم السحائب تزور عرائس الرياض الحبائب فتحمل لها من الدر نثارا حيث شمول الشمال تدار على الأدواح بالغدو والرواح فترى الغصون سكارى وما هي بسكارى حيث أيدي الافتتاح تفتض من شقائق البطاح أبكارا حيث ثغور الأقاح الباسم تقبلها بالسحر زوار النواسم فتحففا قلوب النجوم الغيارى حيث المصلى العتيق قد رحب مجالا وطال منارا وأزرى ببلاط الوليد احتقارا حيث الظهور المثارة بسلاح الفلاح تجب عن مثل أسنمة المهارا والبطون كأنها لتدميث الغمائم بطون العذارى والأدواح العالية تخترق أعلامها الهادية بالجداول الخبارا فما شئت من جو صقيل ومعرس للحسن ومقيل ومالك للعقل وعقيل وخمائل كم فيها للبلابل من قال وقيل وخفيف يجاوب بثقيل وسنابل تحكي من فوق سوقها وقضب بسوقها الهمزات فوق الألفات والعصافير البديعة الصفات فوق القضب المؤتلفات تميل بهبوب الصبا والجنوب مائلة الجيوب بدرر الحبوب وبطاح لا تعرف عين المحل فتطلبه بالذحل ولا تصرف في خدمة بيض قباب الأزهار عند افتتاح السوسن والبهار غير العبدان من سودان النخل وبحر الفلاحة الذي لا يدرك ساحله ولا يبلغ

الطية البعيدة راحله إلى الوادي وسمر النوادي وقرار دموع الغوادي المتجاسر على تخطيه عند تمطيه الجسر العادي والوطن الذي ليس من عمرو ولا زيد والفرا الذي في جوفه كل صيد وأقل كرسيه خلافة الإسلام وأعار بالرصافة والجسر دار السلام وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبر به عن ذلك الكمال فنون الكلام
فأعملنا إليها السرى والسير وقدنا إليها الخيل وقد عقد الله بنواصيها الخير
ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب واصطففنا بخارجها المنبت المنجب والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل وتستنزل مدد الملائكة من منجد منزل والركائب واقفة من خلفنا بمعزل تتناشد في معاهد الإسلام قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وبرز من حاميتها المحاميه ووقود النار الحاميه وبقية السيف الوافرة على الحصاد الناميه قطع الغمائم الهاميه وأمواج البحور الطاميه واستجنت بظلال أبطال المجال أعداد الرجال الناشبة والراميه وتصدى للنزال من صناديدها الصهب السبال أمثال الهضاب الراسيه تجنهاجنن السوابغ الكاسيه وقواميسها المفادية للصلبان يوم بوسها بنوفسها المواسيه وخنازيرها التي عدتها عن قبول حجج الله ورسوله ستور الظلم الغاشية وصخور القلوب القاسيه فكان بين الفريقين أمام جسرها الذي فرق البحر وحلي بلجينه ولآليء زينه منها النحر حرب لم تنسج الأزمان على منوالها ولا أتت الأيام الحبالى بمثل أجنة أهوالها من قاسها بالفجار أفك وفجر أو مثلها بجفر الهباءة خرف وهجر ومن شبهها بحرب داحس والغبراء فما عرف الخبر فليسأل من جرب وخبر ومن نظرها بيوم شعب جبله فهو ذو بله أو عادلها ببطن عاقل فغير عاقل أو احتج بيوم ذي قار فهو إلى المعرفة ذو افتقار

أو ناضل بيوم الكديد فسهمه غير السديد إنما كان مقاما غير معتاد ومرعى نفوس لم يف بوصفه لسان مرتاد وزلزال جبال أوتاد ومتلف مذخور لسلطان الشيطان وعتاد أعلم فيه البطل الباسل وتورد الأبيض الباتر وتأود الأسمر العاسل ودوم الجلمد المتكاسل وانبعث من حدب الحنية إلى هدف الرمية الناشر الناسل ورويت لمرسلات السهام المراسل ثم أفضى أمر الرماح إلى التشاجر والارتباك ونشبت الاسنة في الدروع نشب السمك في الشباك ثم اختلط المرعى بالهمل وعزل الرديني عن العمل وعادت السيوف من فوق المفارق تيجانا بعد أن شقت غدر السوابغ خلجانا واتحدت جداول الدروع فصارت بحرا وكان التعانق فلا ترى إلا نحرا يلازم نحرا عناق وداع وموقف شمل ذي انصداع وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع واستكشفت مآل الصبر الانفس الشفافه وهبت بريح النصر الطلائع المبشرة الهفافه ثم أمد السيل ذلك العباب وصقل الاستبصار الألباب واستخلص العزم صفوة اللباب وقال لسان النصر ادخلوا عليهم الباب فأصبحت طوائف الكفار حصائد مناجل الشفار فمفارقهم قد رضيت حرماتها بالاعقار ورؤوسهم محطوطة في غير معالم الاستغفار وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرفة والأسوار ورفرف على المدينة جناح البوار لولا الانتهاء إلى الحد والمقدار والوقوف عند اختفاء سر المقدار
ثم عبرنا نهرها وشددنا بأيدي الله قهرها وضيقنا حصرها وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما وترمي الأرواح ببوارها وتسلط النيران على أقطارها فلولا عائق المطر لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر فرأينا أن نروضها بالاجتثاث والانتساف ونوالي على زروعها وربوعها

كرات رياح الاعتساف حتى يتهيأ للإسلام لوك طعمتها ويتهنأ بفضل الله إرث نعمتها ثم كانت عن موقفها الإفاضة من بعد نحر النحور وقذف جمار الدمار على العدو المدحور وتدافعت خلفنا السابقات المستقلات تدافع أمواج البحور
وبعد أن ألححنا على جناتها المصحرة وكرومها المشتجرة إلحاح الغريم وعوضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم وطاف عليها طائف من ربنا فأصبحت كالصريم وأغرينا حلاق النار بحمم الجحيم وراكمنا في أجواف أجوائها غمائم الدخان تذكر طيبة البان بيوم الغميم وأرسلنا رياح الغارات لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم واستقبلنا الوادي يهول مدا ويروع سيفه الصقيل حدا فيسره الله من بعد الإعواز وانطلقت على الفرضة بتلك العرضة أيدي الانتهاز وسألنا من ساءله أسد بن الفرات فأفتى برجحان الجواز فعم الاكتساح والاستباح جميع الأحواز فأديل المصون وانتهبت القرى وهدمت والحصون واجتثت الأصول وحطمت الغصون ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصافحها بالبوس وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس فهي الآن مجرى السوابق ومجر العوالي على التوالي والحسرات تتجدد في أطلالها البوالي وكأن بها قد صرعت وإلى الدعوة المحمدية قد أسرعت بقدرة من لو أنزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدعت وعزة من أذعنت الجبابرة لعزه وخنعت وعدنا والبنود لا يعرف اللف نشرها والوجوه المجاهدة لا يخالط التقطيب بشرها والأيدي بالعروة الوثقى معتلقه والألسن بشكر نعم الله منطلقه والسيوف في مضاجع الغمود قلقه وسرابيل الدروع خلقه والجياد من ردها إلى المرابط والأواري رد العواري حنقه وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقه تنظر إلينا نظر العاتب

وتعود من ميادين المراح والاختيال تحت حلل السلاح عود الصبيان إلى المكاتب والطبل بلسان العز هادر والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر ووجود نوع الرماح من بعد ذلك الكفاح نادر والقاسم ترتب بين يديه من السبي النوادر ووارد منهل الأجور غير المحلإ ولا المهجور صادر ومناظر الفضل الآتي عقبه أخيه الثاني على المطلوب المواتي مصادر والله على تيسير الصعاب وتخويل المنن الرغاب قادر لا إله إلا هو فما أجمل لنا صنعه الخفي وأكرم بنا لطفه الحفي اللهم لا نحصي ثناء عليك ولا نلجأ منك إلا إليك ولا نلتمس خير الدنيا والآخرة إلا لديك فأعد علينا عوائد نصرك يا مبديء يا معيد وأعنا من وسائل شكرك على ما ننال به المزيد يا حي يا قيوم يا فعالا لما يريد
وقارنت رسالتكم الميمونة منه لدينا حدق فتح بعيد صيته مشرئب ليته وفخر من فوق النجوم العوائم مبيته عجبنا من تأتي أمله الشارد وقلنا البركة في قدوم الوارد وهو أن ملك النصارى لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت والتماثيل فيها ببيوت الله قد نصبت أدالها الله بمحاولتنا الطيب من الخبيث والتوحيد من التثليث وعاد إليها الإسلام عودة الأب الغائب إلى البنات الحبائب يسأل عن شؤونها ويمسح دموع الرقة عن جفونها وهي للروم خطة خسف قلما ارتكبوها فيما نعلم من العهود ونادرة من نوادر الوجود والى الله علينا وعليكم عوارف الجود وجعلنا في محاريب الشكر من الركع السجود
عرفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير ويمن من الله وتيسير إذ استيفاء الجزئيات عسير لنسركم بما منح الله دينكم ونتوج بعز الملة الحنيفية جبينكم ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم فإن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض وكفيل بالمواهب المسؤولة من المنعم الوهاب ميفاض وأنتم أولى ما ساهم في بر وعامل الله بخلوص سر وأين يذهب الفضل عن بيتكم وهو صفة حيكم وتراث ميتكم ولكم مزية القدم ورسوخ القدم والخلافة

مقرها إيوانكم وأصحاب الإمام مالك رضي الله عنه مستقرها قيروانكم وهجير المنابر ذكر إمامكم والتوحيد أعلام أعلامكم والوقائع الشهيرة في الكفر منسوبة إلى أيامكم والصحابة الكرام فتحة أوطانكم وسلالة الفاروق عليه السلام وشائج سلطانكم ونحن نستكثر من بركة خطابكم ووصلة جنابكم ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم
والله عز و جل يتولى عنا من شكركم المحتوم ما قصر المكتوب منه عن المكتوم ويبقيكم لإقامة الرسوم ويحل محبتكم من القلوب محل الأرواح من الجسوم وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويوالي نعمه عندكم
والسلام الكريم الطيب البر العميم يخصكم كثيرا أثيرا ما أطلع الصبح وجها منيرا بعد أن أرسل النسيم سفيرا وكان الوميض الباسم لأكواس الغمائم على أزهار الكمائم مديرا ورحمة الله وبركاته إن شاء الله تعالى

الطرف الثامن في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا
في صدر الإسلام إلى من في معناهم
وكان الغالب في مكاتباتهم الافتتاح بأما بعد والتعبير عن المكتوب عنه بلفظ الوحدة وخطاب المكتوب إليه بالكاف
كما كتب الحجاج بن يوسف إلى المهلب بن أبي صفرة وهو يومئذ نائب عن الحجاج على بعض الأعمال والحروب

أما بعد فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلي ويرجعون بعذرك وذلك أنك تمسك حتى تبرأ الجراح وتنسى القتلى ويجم الناس ثم تلقاهم فتحتمل منهم مثل ما يحتملون منك من وحشة القتل وألم الجراح ولو كنت تلقاهم بذلك الحد لكان الداء قد حسم والقرن قد قصم ولعمري ما أنت والقوم سواء لأن من ورائك رجالا وأمامك أموالا وليس للقوم إلا ما معهم ولا يدرك الوجيف بالدبيب ولا الظفر بالتعذير
وكما كتب المهلب إلى الحجاج مجيبا له عن ذلك
أما بعد فإني لم أعط رسلك على قول الحق أجرا ولم أحتج فيهم مع المشاهدة إلى تلقين فذكرت أني أجم القوم ولا بد من راحة يستريح فيها الغالب ويحتال المغلوب وذكرت أن في الجمام تنسى القتلى وتبرأ الجراح وهيهات أن ينسى ما بيننا وبينهم يأبى ذلك قتل من لم يجن وقروح لم تعرق ونحن والقوم على حالة وهم يرقبون منا حالات إن طمعوا حاربوا وإن ملوا وقفوا وإن يئسوا انصرفوا وعلينا أن نقاتلهم إذا قاتلوا ونتحرز إذا وقفوا ونطلب إذا هربوا فإن تركتني فالداء بإذن الله محسوم وإن أعجلتني لم أطعك ولم أعص وجعلت وجهي إلى بابك وأنا أعوذ بالله من سخطه ومقت الناس

الطرف التاسع في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى الملوك
ومن في معناهم على ما كان عليه مصطلح أهل المشرق وهو على ثلاثة أضرب
الضرب الأول أن تكون المكاتبة عن ملك إلى غير ملك
ورسمهم أن يفتتح الكتاب بلفظ كتابنا إليك في يوم كذا ومن مكان كذا والأمر على كذا وكذا ويذكر الحال التي عليها المكتوب عنه حينئذ أو التي عليها الخليفة إن كان المكتوب عنه من أتباع الخليفة أو التي عليها الملك إن كان من أتباع الملك ونحو ذلك ويكون التعبير في هذه المكاتبة عن المكتوب عنه بنون الجمع والخطاب للمكتوب إليه بالكاف ولا يقال في المكتوب إليه في هذه الحالة سيدي ومولاي ولا سيدنا ولا مولانا وبذلك يكتب عن الملوك ومن في معناهم من سائر الرؤساء إلى المرؤوسين
ثم هو على مرتبتين
المرتبة الأولى أن يراعى جانب المكتوب إليه في الرفعة بعض المراعاة
كما كتب أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه إلى الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة في الشفاعة في شخص من بعض ألزامه
كتابنا أدام الله تأييد الصاحب الجليل كافي الكفاة وإن وثقنا من المسؤولين بالإيجاب والإجابة ومن المأمورين بالامتثال والطاعة فإنا نخص

بكتبنا الصادرة عنا في المآرب العارضة لنا من خصبت من كلا الفريقين نهضته إليها وظهرت مثابرته عليها وإذا انتهينا إليه أدام الله عزه في ذلك عددنا مع ما قدم الله عندنا من رتبته في الطبقة الأولى وميزنا مع ما وفر الله علينا من طاعته عن الطبقة الأخرى وأنسنا منه عادة مشكورة في اتباع محبوبنا والإسعاف بمطلوبنا ليسلس لنا إلى مخاطبته قياد يتقاعس عمن سواه وتنبسط منا في مكاتبته أنامل تتجعد عمن لا يجري مجراه ولا سيما إذا كان ذلك في مكرمة يطيب ثناؤها ومنقبة يشاد بناؤها والله يمده ويمدنا فيه من طيب السجايا وصالح العطايا بما هو الولي به والحقيق بالشكر عليه
وكتابنا هذا أدام الله عز الصاحب الجليل كافي الكفاة مبني على إذكاره بحق لنا رعيناه وذمام من أجله أوجبناه وذلك أسد لإحكامه وألزم لإيجابه وأوكد لأسبابه وقد عرف مكان أبي منصور يزداها دار بن المرزبان من خدمتنا وموقعه في جملتنا وتوفر حظه من جميل رأينا وخالص اعتقادنا ومن أوجه وسائله لدينا التي أوجبت له ذلك علينا أنا لا نزال عده عليه من الاعتداد بإحسان الصاحب الجليل كافي الكفاة إليه وإلى أبيه من قبله والاعتراف بأنه أيده الله أبو عذرة صنعه والسابق إلى الجذب بضبعه ولمن كان أقر له من ذلك معروف لا ينكر ودخل من الثناء عليه في إجماع لا يخرق فقد بين عن نفسه أنه ممن يطيق حمل المنن ويحسن مصاحبة النعم ويستحق أن تقر عنده أسلافها وتدر عليه أخلافها إذ لم يذهله الربوع فيها عن التحيد من اصطرافها وانصرافها ولم يلهه التوسط لها عن حياطة أطرافها وأكنافها ومن لنا اليوم بالشكور الذي لا يغمط والذكور الذي لا ينسى والعليم بما يلزمه والقؤوم بما يحق عليه وأعلمنا حال قريبين له يقال لهما الفركان بن حرزاد ورستم بن يزد وأنهما تصرفا في بعض الخدمة تصرفا تزايلا فيه عن نهج السداد وسنن

الرشاد واقتضى ذلك أن طلبا بالتقويم والتهذيب وولجا مضيق القصاص والتأديب وأنه قد مضت لهما فيه مدة طويلة في مثلها ما صلح المعاقب واكتفى المعاقب وسؤاله لهما ومرادنا له فيهما شفاعة الصاحب الجليل كافي الكفاة إلى مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة في أن يسعهما العفو ويدركهما العطف إما باستخدام يتطوقان به المنن ويأذن لهما بانصراف إلى الوطن وقد استظهرنا بكتاب كتبناه في أمرهما هذا الكتاب يشتمل عليه حتى إذا وجب أن يجعله الصاحب الجليل كافي الكفاة ذريعة إلى الغرض ومطية إلى المقصد أمضى في ذلك رأيه وعقد عليه تدبيره فإن رأى الصاحب الجليل أن يتوصل في هذا الأمر إلى ما يشاكل عادته عندنا في الأمور الواردة عليه فعل وتوخى في الجواب أن يكون متضمنا لذكر الفعل دون القول والإنجاز دون الوعد إن شاء الله تعالى
وكما كتب الصابي عن صمصام الدولة المقدم ذكره إلى الصاحب بن عباد أيضا في حالة أخرى بسبب رد إقطاع إلى أبي جعفر محمد بن مسعود قرين كتاب إلى فخر الدولة
كتابنا والسلامة لدينا راهنة وعادة الله لإقرارها ضامنة والحمد لله رب العالمين والصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله تأييده يعلم أنه لم يزل لممالكنا أفنية تقام بها أسواق المكارم وتحيا بها سنن المحامد وقد جعله الله بتفضله الحافظ لجمال ذلك علينا والضارب بسهمه فيه معنا فالحمد لله على أن قرن الحظوظ التي خولنا والمنازل التي نولنا بالخلائق الخليقة بها الداعية إلى استقرارها والطرائق المطرقة إلى ثباتها واستمرارها وأن زان أيامنا هذه الحاضرة بآثار الصاحب كافي الكفاة أدام الله عزه فيها الناضرة ومساعيه

الرشيدة وأفعاله المستقيمة وأحاديثه الجميلة وإياه نسأل أن يجرينا وكل ناصح على أفضل ما عودنا وأحسن ما أولاه ومنحنا بقدرته
وإذا كان مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة وفلك الأمة بالمحل الذي أهله الله له من استعذاب الإحسان إلى أوليائه وافتراض الإفضال على نصحائه وكان الصاحب الجليل بالحال التي هو بها من القيام بما حمل به المناب فيه عنه فقد وجب أن تكون الرعاية لذوي الحرمات مستحكمة الأسباب ثابتة الأطناب واضحة الأعلام ماضية الأحكام ولا سيما فيمن تعلق منا بالعناية وأخذ من ذمامنا بالوثيقة وأبو جعفر محمد بن مسعود أيده الله جامع للموات التي يستحق بها اجتماع العنايات سالفا صالحا في الخدمة وسابقة متمكنة في الجملة واشتمالا على كل ما وجبت به الحقوق ولزمت به الرعايات وذكر أنه كانت له بنواحي الجبل تسويغات ومعايش أنعم بها مولانا الأمير السيد فخر الدولة عليه في حال بعد حال وشرفه بها في مقام بعد مقام منها كذا وكذا وإذا جمع الجميع كان قليلا في جنب ما يفيضه مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة وفلك الأمة على خدمه من جليل عوارفه الجارية على يد الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله تأييده والواصلة إلى مستحقيها بلطيف توصله وجميل معتقده وكان موقعه جليلا عند أبي جعفر محمد بن مسعود أيده الله في جنب ما يصلح من شأنه ويقيم من جاهه ويرب من معايشه ويلم من حاله وقد كتبنا إلى مولانا في ذلك كتابا مجملا قصرناه على الرغبة إليه في رد هذه المعايش عليه وعولنا على الصاحب الجليل في إخراج أمره العالي بذلك له وإحكام المناشير والوثائق بجميعه والتقدم بمكاتبة العمال والولاة بتقوية أيدي أصحابه في استيفاء ما يجب من الأسلاف والبقايا على الأكرة والمزارعين والوكلاء والمعاملين وتأكيد الكتب بغاية ما تؤكد

به أمثاله ويبلغ به أبو جعفر محابه كلها فإن رأى الصاحب الجليل أن يأتي في ذلك كله ما يجده ويعده ويرعاه ويحفظه جاريا على المألوف من مثابرته على ما عاد علينا وعليه معنا بطيب الذكر والبشر وثناء اليوم والغد فقد أنفذنا بهذا الكتاب ركائب لنا دلالة على خصوص متضمنه في تعلقه بالاهتمام منا فعل إن شاء الله تعالى

الضرب الثاني أن تكون المكاتبة من ملك إلى ملك
ورسمهم في ذلك أن يفتتح الكتاب بلفظ كتابي والأمر على كذا وكذا ويؤتى بالتعبير عن المكتوب عنه في أثناء الكتاب بلفظ الإفراد دون الجمع وهنا يفخم شأن المكتوب إليه فيعبر عنه بمولاي وسيدي ومولانا وسيدنا ونحو ذلك
ثم هو على مراتب
المرتبة الأولى أن يكون المكتوب إليه ملكا أيضا
فيخاطبه على قدر مقامه بالسيادة أو غيرها مع الدعاء بما يناسبه من طول البقاء ونحوه ثم تارة يقع التعرض فيها بذكر الطلب وبرفع الحال التي هو عليها وتارة لا يقع التعرض إلى ذلك كما كتب أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة بن معز الدولة بن بويه إلى عضد الدولة بن بويه في طلب الصلح وقد جرى بينهما اختلاف
كتابي أطال الله بقاء مولانا الملك الجليل المنصور عضد الدولة من

العسكر بظاهر سوق الأهواز ومولانا أمير المؤمنين مشمول بالكفاية والتأييد مخصوص بالعز والتمكين يجري على أفضل ما عود الله خلفاءه في أرضه وأحباءه في رعاية خلقه من التكفل لهم بالإظهار والإدالة وتوليهم بالإعلاء والإناقة وأنا مستظل بكنف طاعته مستكن في حرم مشايعته شاكر لله على بلائه مثن عليه بآلائه راغب إليه أن يعصمني في مولانا الملك الجليل المنصور وفي نفسي من كل مكروه ومستهجن ويوفقني وإياه لكل مستحب ومستحسن ويعيذنا من المقام على الفرقة والزوال عن سنن الألفة وهو المحمود رب العالمين
والحقوق بين مولانا الملك وبيني فيما قررته منا اللحمة وأكدته العصمة وأثلته الأسلاف ونشأت عليه الأخلاف حقيقة بأن لا تتسرع إليها دواعي النقض ولا تتمكن منها ملمات النسخ ولا يتم للشيطان عليها ما يحاوله بنزغه ويتوصل إليه بكيده وأن تنزاح العوارض عنها وتضمحل دون التأثير فيها وأن نعتقد جميعا أن بتقارضنا رعايتها ثبات النعم المتصلة بها فلا يستنكف مستنكف منا أن يخفض جناحه لأخيه ويغض من جماحه في مقاربة ذويه إذ كان ذلك حاميا له في أهول الأحوال مما هو أشد خفضا وأبلغ رضا وأسوأ مغبة وأنكر عاقبة
وقد علم مولانا الملك المنصور بالثاقب من تأمله والصحيح من تمييزه وتدبره أن دولتنا حرسها الله مبنية على أس الترافد والتعاضد موضوعة على قاعدة التوازر والتظافر وأن مشيختنا وسادتنا رضوان الله عليهم جعلوا الائتلاف رتاجا بين الأعداء وبينها ثم إن مفتاحه هو الخلاف المتطرق لهم عليها ولو حدث التنافر في أيام رياسة أضعفنا منة وأوهننا عقدة وأحدثنا سنا وأقلنا حنكة لكان ذلك أقل في التعجب من أن يعرض في رياسة أحصفنا رأيا

وأسدنا تدبيرا وأوفانا حلما وأكملنا حزما وقد تكررت أيد الله مولانا على ذات بيننا قوارص احتقرناها حتى امتلأ الإناء من قطرها واستقينا منها على العظيمة التي لا ثواء بعدها وما أعود على نفسي بلوم في ابتداء قبيح ابتدأته ولا بمركب شنيع ركبته ولا حق اطرحته ولا استصلاح تركته ولا أدفع مع ذلك أنني قابلت لما تضاعف بالأقل الأيسر وجازيت لما ترادف بالأدمن الأنزر إلا أني ما آثرت كثيره ولا قليله ولا اخترت دقيقه ولا جليله لكنه لم يصلح في السيرة وقد أشفينا على التزاحف للحرب والتدالف للطعن والضرب أن أستعمل ما كنت عليه من توفية الحقوق وإقامة الرسوم فيراني الأولياء الذين بهم تحمى البيضة وتحاط الحوزة متناقض الفعلين متنافي المذهبين وكنت في ذلك الفعل الذميم والرأي الذي ليس بمستقيم مقتديا لا مبتديا ومتبعا لا مبتدعا ولو وقف بي مولانا الملك الجليل قبل أواخر الجفاء وعطف معي إلى أول شرائع الصفاء لكانت عريكتي عليه ألين وطريقه إلى ارتباط طاعتي وولائي أقصد لكنه أيده الله أقام على ما لا يليق به من مجانبتي ومغالظتي وبث الحبائل لي ودس المكايد إلي ومتابعته الجواسيس والكتب إلى الأولياء في عسكري الذين هم أولياؤه إن أنصف وعدل ونصماؤه إن أحسن وأجمل
وكان الأشبه بمولانا لو كنت الغالط عليه والباعث لهذه الأسباب إليه أن يسوسني سياسة الحكيم ويستخلصني استخلاص الكريم إذ كنا لم نقدمه معشر أهل البيت علينا ونوله أزمة أمورنا إلا ليأسو جروحنا ويجبر كسورنا ويتعهد مسيئنا ويستميل نافرنا فأما أن يحاول منا استباحة الحريم وإركاب المركب العظيم فكيف يجوز أن تدوم على هذه طاعة أو تصلح عليه جماعة أو يغضي عليه مغض أو يصفح عنه صافح وكان من أشد هذه الجفوة وأفظعها وأقساها وأغلظها أن عاد رسولي من حضرته خاليا من جواب بما كتبت إليه وما أعرف له أيده الله في ذلك عذرا يبسطه ولا سلك منه السبيل التي تشبهه وبالله جهد القسم ومنتهاها وأجلها وأوفاها لقد سار مولانا أمير

المؤمنين أطال الله بقاءه وسرت إلى هذا الموضع واعتقادنا لا يجاوز حفظ الحدود والأطراف وحياطة النهايات والأكناف والأغلب علينا أن مولانا الملك أدام الله تأييده لا يتجاوز معي المعاتبة اللطيفة والمخاطبة الجميلة والاستدعاء مني لما يسوغ له أن يطلبه ولي أن أبذله من تعفية السالف وإصلاح المستأنف وتوفية للحق في رتبة لا أضن بها عليه ولا أستكثر النزول عنها له وتقرير أصل بيننا يكون أيده الله به معقلا لي وموئلا وأكون نائبا له ومظفرا إلى أن بدأ الأصحاب بالعيث في هذه البلاد وألحوا عليها بالغارات واعتمدوها بالنكايات وكان هذا كالرشاش الذي يؤذن بالانسكاب والوميض الذي يوعد بالاضطرام وأوجبت قبل المقابلة عليه والشروع في مثله في حق مولانا الملك الجليل الذي لا أدع أن أحفظ منه ما دعاني إلى إضاعته وأتمسك بما اضطرني إلى مفارقته أن أقدم أمام الالتقاء على الحرب التي هي سجال كما يعلم إبلاغ نفسي عذرها وإعطاء المقادة منها داعيا له إلى طاعة الخالق والإمام وصلة اللحم والأرحام وحقن الدماء والمهج وتسكين الدهماء والرهج وثني العنان عن المورد الذي لا يدري وارده كيف يصدر عنه ولا يثق بالسلامة منه وتعريفي ما يريده مني لأتبعه ما لم يكن ثالما لي وعائدا بالوهن علي والله الشاهد على شهادة قد علم إخلاصي فيها وسماحة ضميري بها وأنني أكره أن أنال منه كما أكره أن ينال مني وأتألم من أن أظهر عليه كما أتألم أن يظهر علي وأحب أن يرجع عني وأرجع عنه وقد التقت قلوبنا وتألف على الجميل شملنا وطرفت أعين الأعادي عنا وانحسمت مطامعهم فينا فإن فعل ذلك فحقيق به الفضل وهو لعمر الله له أهل ولا عذر له في أن لا يفعله وقد وسع الله ماله ووفر حاله وأغناه عما يتلمسه الصعلوك ويخاطر له السبروت وجعله في جانب الغنى والثروة والحزم والحيطة وإن أبى فكتابي هذا حجة عند الله الذي تستنزل منه المعونة وعند

الناس الذين تلتمس منهم العصبية وقد أنفذت به إسفندار بن خسرويه وإبراهيم ابن كالي وهما ثقتاي وأميناي ليؤدياه ويشافهاه عني بمثل متضمنه ونجواه والله يعيذنا في مولانا الملك الجليل من أن يختار إلا أولى الأمرين وألقيهما بدينه ومروءته وهو ولي ما يراه في الأمر بتعجيل الإجابة بما أعمل عليه وأنتهي بالتدبير إليه إن شاء الله تعالى

الضرب الثالث أن تكون المكاتبة عمن دون الملك إليه
ورسمهم فيه أن يبتدأ بلفظ كتابي والدعاء للمكتوب إليه بطول البقاء ونحو ذلك ويخاطب في أول الكتاب بمولانا الملك السيد الأجل وفي أثناء الكتاب بالسيد والملك ونحو ذلك ويعبر عن المكتوب عنه بلفظ الإفراد
كما كتب أبو إسحاق الصابي عن الأمير نصر خوزة فيروز بن عضد الدولة إلى ابن عمه شرف الدولة يذكر له حاله مع أخيه صمصام الدولة
كتابي أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة وزين الملة والسلامة لي شاملة بما مده الله تعالي علي من ظله الظليل ورأيه الحسن الجميل والحمد لله رب العالمين وقد تأدى إلى مولانا الملك السيد من أخباري ما أستغى به عن تطويل المفصل وأكتفي به عن إجمال المجمل وذلك أن أسفار بن كردويه وعبد العزيز بن برسق الكافرين لنعماء الله ونعمة الملك السعيد عضد الدولة أبينا رحمة الله عليه قبلنا الغامطين لما تظاهر عليهما من إحساننا وإفضالنا هجما علينا بخدعة تظافرا عليها وشبهة جذباني إليها وأبرما كذبا من القول لم أظنهما يقدمان على مثله ولا يتفوهان باطلا به فأصغيت إليهما إصغاء الواثق بهما لا المنخدع لهما فلما أنزلاني على حكمهما وأوثقاني بحيث لا أستطيع مخالفتهما ظهرت الحيلة ووضحت

الغيلة وفاتني الاختبار وغلبني المقدار فجرى ما كانت عاقبته خذلان الله إياهما وإنزاله بأسه ونقمته عليهما وخلاصي بسلامة الصدر واتضاح الغدر من حبائلهما المنصوبة وأشراكهما المبثوثة ولما حصلت في كنف الملك السيد صمصام الدولة أقالني العثرة وقبل مني المعذرة وأحلني من داره وحماه بحيث لم أعدم عادة ولا انقطعت عني مادة وكانت الحال توجب مقامي فيها إلى أن تتعفى آثار الفتنة التي أثارها ذانكما الخبيثان الجانيان
ثم رود فلان في الرسالة وتمم الله على يده عقد الصلح والمسالمة فأخرجت عن الاحتجاب إلى الظهور وعن الاحتجار إلى البروز وأنزلت من الدار المعمورة في جانب يصل إلي منه سيب وصوله على العموم دون الخصوص وعاملني الملك السيد صمصام الدولة بما يليق بفضله متبعا في ذلك مقاطعة السيف بينه وبيني وطاعة مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة في أمري وجدد عندي من الإنعام والتوسعة والإيثار والتكرمة آخرا ما شفع تلك الشفعة أولا ولقيني فلان دفعات وشافهني مرات وتحمل عني إلى مولانا الملك موالاتي الشكر كثيرا واعتدادا طويلا عريضا ودعاء الله يسمع مرفوعه ويجيب مسموعه بمنه وقدرته وحوله وقوته
والآن فإذ قد جمع الله الكلمة ووكد الألفة وحرس النعمة وحصن الدولة وأخرج عنها من كان يشب الفتنة ويسدي وينير في الفرقة فإني واثق بالله جل وعز وبما تترقى الحال إليه في غاية محبوبي ونهاية مطلوبي وأقاصي ما تبلغه أمنيتي وتسمو إليه همتي وتقتضيه أخوتي وعصمتي ولله المشيئة ومنه المعونة فإن رأى مولانا الملك السيد أن يسكن إلى سكوني ويطمئن إلى طمأنينتي ويجري إلي غاية فضله وطوله في الأمر الذي أحسن فيها وأجمل ليشملنا إنعامه ويتظاهر علينا امتنانه وأستوفي بقية حظي من ثمرة ذلك

وعائدته وجدواه وفائدته ويأمر بتشريفي بكتابه وتأهيلي بجليل خطابه وتصريفي بين أمره ونهيه فعل إن شاء الله تعالى

تم الجزء السادس يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السابع وأوله الطرف
العاشر في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية
والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين
وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
الطرف العاشر في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ولها حالتان
الحالة الأولى ما كان الأمر عليه قبل دولة الخلفاء الفاطميين بها في
الدولة الأخشيدية والطولونية وما قبلهما
والذي وقفت عليه من رسم المكاتبة عنهم أن تفتتح بلفظ من فلان إلى فلان
كما كتب ابن عبد كان عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس حين

عصى عليه بالإسكندرية منذرا له وموبخا له على فعله وهو
من أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين إلى الظالم لنفسه العاصي لربه الملم بذنبه المفسد لكسبه العادي لطوره الجاهل لقدره الناكص على عقبة المركوس في فتنته المبخوس من حظ دنياه وآخرته
سلام على كل منيب مستجيب تائب من قريب قبل الأخذ بالكظم وحلول الفوت والندم
وأحمد الله الذي لا إله إلا هو حمد معترف له البلاء الجميل والطول الجليل وأسأله مسألة مخلص في رجائه مجتهد في دعائه أن يصلي على محمد المصطفى وأمينة المرتضى ورسوله المجتبى
أما بعد فإن مثلك مثل البقرة تثير المدية بقرنيها والنملة يكون حتفها في جناحيها وستعلم هبلتك الهوابل أيها الأحمق الجاهل الذي ثنى على الغي عطفه واغتر بضجاج المواكب خلفه أي موردة هلكة بإذن الله توردت إذ على الله جل وعز تمردت وشردت فإنه تبارك وتعالى قد ضرب لك في كتابه مثلا ( قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها

الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )
وإنا كنا نقربك إلينا وننسبك إلى بيوتنا طمعا في إنابتك وتأميلا لفيئتك فلما طال في الغي انهماكك وفي غمرة الجهل ارتباكك ولم نر الموعظة تلين كبدك ولا التذكير يقيم أودك لم تكن لهذه النسبة أهلا ولا لإضافتك إلينا موضعا ومحلا بل لا نكنى بأبي العباس إلا تكرها وطمعا بأن يهب الله منك خلفا نقلده اسمك ونكنى به دونك ونعدك كنت نسيا منسيا ولم تك شيئا مقضيا فانظر ولا نظر بك إلى عار نسبته تقلدت وسخط من قبلنا تعرضت واعلم أن البلاء بإذن الله قد أظلك والمكروه إن شاء الله قد أحاط بك والعساكر بحمد الله قد أتتك كالسيل في الليل تؤذنك بحرب وبويل فإنا نقسم ونرجو أن لا نجور ونظلم أن لا نثني عنك عنانا ولا نؤثر على شانك شانا ولا تتوقل ذروة جبل ولا تلج بطن واد إلا جعلناك بحول الله وقوته فيهما وطلبناك حيث أممت منهما منفقين فيك كل مال خطير ومستصغرين بسببك كل خطب جليل حتى تستمر من طعم العيش ما استحليت وتستدفع من البلايا ما استدعيت حين لا دافع بحول الله عنك ولا مزحزح لنا عن ساحتك وتعرف من قدر الرخاء ما جهلت وتود أنك هبلت ولم تكن بالمعصية عجلت ولا رأي من أضلك من غواتك قبلت فحينئذ يتفرى لك الليل عن صبحه ويسفر لك الحق عن محضه فتنظر بعينين لا غشاوة عليهما وتسمع بأذنين لا وقر فيهما وتعلم أنك كنت متمسكا بحبائل غرور متماديا في مقابح أمور من عقوق لا ينام طالبه

وبغي لا ينجو هاربه وغدر لا ينتعش صريعه وكفران لا يودى قتيله وتقف على سوء رويتك وعظم جريرتك في تركك قبول الأمان إذ هو لك مبذول وأنت عليه محمول وإذ السيف عنك مغمود وباب التوبة إليك مفتوح وتتلهف والتلهف غير نافعك إلا أن تكون أجبت إليه مسرعا وانقدت إليه منتصحا
وإن مما زاد في ذنوبك عندي ما ورد به كتابك علي بعد نفوذي على الفسطاط من التمويهات والأعاليل والعدات بالأباطيل من مصيرك بزعمك إلى إصلاح ما ذكرت أنه فسد علي حتى ملت إلى الإسكندرية فأقمت بها طول هذه المدة واستظهارا عليك بالحجة وقطعا لمن عسى أن يتعلق به معذرة علم بأن الأناة غير صادة ولا أنه خالجني شك ولا عارضني ريب في أنك إنما أردت النزوح والاحتيال للهرب والنزوع إلى بعض المواضع التي لعل قصدك إياها يوديك ولعل مصيرك إليها يكفينيك ويبلغ إلي أكثر من الإرادة فيك لأنك إن شاء الله لا تقصد موضعا إلا تلوتك ولا تأتي بلدا إلا قفوتك ولا تلوذ بعصمة تظن أنها تنجيك إلا استعنت بالله عز و جل في جد حبلها وفصم عروتها فإن أحدا لا يؤوي مثلك ولا ينصره إلا لأحد أمرين من دين أو دنيا
فأما الدين فأنت خارج من جملته لمقامك على العقوق ومخالفة ربك وإسخاطه
وأما الدنيا فما أراه بقي معك من الحطام الذي سرقته وحملت نفسك على الإيثار به ما يتهيأ لك مكاثرتنا بمثله مع ما وهب الله لنا من جزيل النعمة التي نستودعه تبارك وتعالى إياها ونرغب إليه في إنمائها إلى ما أنت مقيم عليه من البغي الذي هو صارعك والعقوق الذي هو طالبك

وأما ما منيتناه من مصيرك إلينا في حشودك وجموعك ومن دخل في طاعتك لإصلاح عملنا ومكافحة أعدائنا بأمر أظهروا فيه الشماتة بنا فما كان إلا بسببك فأصلح أيها الصبي الأخرق أمر نفسك قبل إصلاحك عملنا واحزم في أمرك قبل استعمالك الحزم لنا فما أحوجنا الله وله الحمد إلى نصرتك وموازرتك ولا اضطررنا إلى التكثر بك على شقاقك ومعصيتك ( وما كنت متخذ المضلين عضدا )
وليت شعري على من تهول بالجنود وتمخرق بذكر الجيوش ومن هؤلاء المسخرون لك الباذلون دماءهم وأموالهم وأديانهم دونك دون رزق ترزقهم إياه ولا عطاء تدره عليهم فقد علمت إن كان لك تمييز أو عندك تحصيل كيف كانت حالك في الوقعة التي كانت بناحية أطرابلس وكيف خذلك أولياؤك والمرتزقة معك حتى هزمت فكيف تغتر بمن معك من الجنود الذي لا اسم لهم معك ولا رزق يجري لهم على يدك فإن كان يدعوهم إلى نصرتك هيبتك والمداراة لك والخوف من سطانك فإنهم ليجذبهم أضعاف ذلك منا ووجودهم من البذل الكثير والعطاء الجزيل عندنا ما لا يجدونه عندك وإنهم لأحرى بخذلك والميل إلينا دونك
ولو كانوا جميعا معك ومقيمين على نصرتك لرجونا أن يمكن الله منك ومنهم ويجعل دائرة السوء عليك وعليهم ويجرينا من عادته في النصر وإعزاز الأمر على ما لم يزل يتفضل علينا بأمثاله ويتطول بأشباهه
فما دعاني إلى الإرجاء لك والتسهيل من خناقك والإطالة من عنانك طول هذه المدة إلا أمران أغلبهما كان علي احتقار أمرك واستصغاره

وقلة الاحتفال والأكتراث به وإني اقتصرت من عقوبتك على ما أخلقته بنفسك من الإباق إلى أقاصي بلاد المغرب شريدا عن منزلك وبلدك فريدا من أهلك وولدك والآخر أني علمت أن الوحشة دعتك إلى الانحياز إلى حيث انحزت إليه فأردت التسكين من نفارك والطمأنينة من جأشك وعملت على أنك تحن إلينا حنين الولد وتتوق إلى قربنا توقان ذي الرحم والنسب فإن في رفقنا بك ما يعطفك إلينا وفي تآخينا إياك ما يردك علينا ولم يسمع منا سامع في خلاء ولا ملإ انتقاصا بك ولا غضا منك ولا قدحا فيك رقة عليك واستتماما لليد عندك وتأميلا لأن تكون الراجع من تلقاء نفسك والموفق بذلك لرشدك وحظك فأما الآن مع اضطرارك إياي إلى ما اضطررتني إليه من الانزعاج نحوك وحبسك رسلي النافذين بعهد كثير إلى ما قبلك واستعمالك المواربة والخداع فيما يجري عليه تدبيرك
فما أنت بموضع للصيانة ولا أهل للإبقاء والمحافظة بل اللعنة عليك حاله والذمة منك بريه والله طالبك ومؤاخذك بما استعملت من العقوق والقطيعة والإضاعة لرحم الأبوة فعليك من ولد عاق شاق لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين ولا قبل الله لك صرفا ولا عدلا ولا ترك لك منقلبا ترجع إليه وخذلك خذلان من لا يؤبه له وأثكلك ولا أمهلك ولا حاطك ولا حفظك
فوالله لأستعملن لعنك في دبر كل صلاة والدعاء عليك في آناء الليل والنهار والغدو والآصال ولأكتبن إلى مصر وأجناد الشامات والثغور وقنسرين والعواصم والجزيرة والحجاز ومكة والمدينة كتبا تقرأ على منابرها فيك باللعن لك والبراءة منك والدلالة على عقوقك وقطيعتك يتناقلها

آخر عن أول ويأثرها غابر عن ماض وتخلد في بطون الصحائف وتحملها الركبان ويتحدث بها في الآفاق وتلحق بها وبأعقابك عارا ما اطرد الليل والنهار واختلف الظلام والأنوار
فحينئذ تعلم أيها المخالف أمر أبيه القاطع رحمه العاصي ربه أي جناية على نفسك جنيت وأي كبيرة اقترفت واجتنيت تتمنى لو كانت فيك مسكه أو فيك فضل إنسانيه أنك لم تكن ولدت ولا في الخلق عرفت إلا أن تراجع من طاعتنا والإسراع إلى ما قبلنا خاضعا ذليلا كما يلزمك فنقيم الاستغفار مقام اللعنة والرقة مقام الغلظة والسلام على من سمع الموعظة فوعاها وذكر الله فاتقاه إن شاء الله تعالى
وكما كتب الأخشيد محمد بن طغج صاحب الديار المصرية وما معها من البلاد الشامية والأعمال الحجازية إلى أرمانوس ملك الروم الروم وقد أرسل أرمانوس إليه كتابا يذكر من جملته بأنه كاتبه وإن لم تكن عادته أن يكاتب إلا الخليفة فأمر بكتابة جوابه فكتب له الكتاب عدة أجوبة ورفعوا نسخها إليه فلم يرتض منها إلا ما كتبه إبراهيم بن عبد الله النجيرمي وكان عالما بوجوه الكتابة

ونسخته على ما ذكره ابن سعيد في كتابه المغرب في أخبار المغرب من محمد بن طغج مولى أمير المؤمنين إلى أرمانوس عظيم الروم ومن يليه
سلام بقدر ما أنتم له مستحقون فإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو ونسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله
أما بعد فقد ترجم لنا كتابك الوارد مع نقولا وإسحاق رسوليك فوجدناه مفتتحا بذكر فضيلة الرحمة وما نمي عنا إليك وضح من شيمنا فيها لديك وبما نحن عليه من المعدلة وحسن السيرة في رعايانا وما وصلت به هذا القول من الفداء والتوصل إلى تخليص الأسرى إلى غير ذلك مما اشتمل عليه وتفهمناه
فأما ما أطنبت فيه من فضيلة الرحمة فمن سديد القول الذي يليق بذوي الفضل والنبل ونحن بحمد الله ونعمه علينا بذلك عارفون وإليه راغبون وعليه باعثون وفيه بتوفيق الله إيانا مجتهدون وبه متواصون وعاملون
وإياه نسأل التوفيق لمراشد الأمور وجوامع المصالح بمنه وقدرته
وأما ما نسبته إلى أخلاقنا من الرحمة والمعدلة فإنا نرغب إلى الله جل

وعلا الذي تفرد بكمال هذه الفضيلة ووهبها لأوليائه ثم أثابهم عليها أن يوفقنا لها ويجعلنا من أهلها وييسرنا للإجتهاد فيها والاعتصام من زيغ الهوى عنها وعرة القسوة بها ويجعل ما أودع قلوبنا من ذلك موقوفا على طاعته وموجبات مرضاته حتى نكون أهلا لما وصفتنا به وأحق بما دعوتنا إليه وممن يستحق الزلفى من الله تعالى فإنا فقراء إلى رحمته وحق لمن أنزله الله بحيث أنزلنا وحمله من جسيم الأمر ما حملنا وجمع له من سعة الممالك ما جمع لنا بمولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن يبتهل إلى الله تعالى في معونته لذلك وتوفيقه وإرشاده فإن ذلك إليه وبيده ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )
وأما ما وصفته من ارتفاع محلك عن مرتبة من هو دون الخليفة في المكاتبة لما يقتضيه عظم ملككم وأنه الملك القديم الموهوب من الله الباقي على الدهر وإنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحققته من حالنا عندك فإن ذلك لو كان حقا وكانت منزلتنا كما ذكرته تقصر عن منزلة من تكاتبه وكان لك في ترك مكاتبتنا غنم ورشد لكان من الأمر البين أن أحظى وأرشد وأولى بمن حل محلك أن يعمل بما فيه صلاح رعيته ولا يراه وصمة ولا نقيصة ولا عيبا ولا يقع في معاناة صغيرة من الأمور تعقبها كبيرة فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار ويخوض الغمار ويعرض مهجته فيما ينفع رعيته والذي تجشمته من مكاتبتنا إن كان كما وصفته فهو أمر سهل يسير لأمر عظيم خطير وجل نفعه وصلاحه وعائدته تخصكم لأن مذهبنا انتظار إحدى الحسنيين فمن كان منا في أيديكم فهو على بينة من ربه وعزيمة صادقة من أمره وبصيرة فيما هو بسبيله وإن في الأسارى من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدة البأساء على نعيم الدنيا وخيرها لحسن منقلبه وحميد عاقبته ويعلم أن الله تعالى قد أعاذه من أن يفتنه ولم يعذه من أن يبتليه هذا إلى أوامر الإنجيل الذي هو إمامكم وما توجبه عليكم عزائم

سياستكم والتوصل إلى استنقاذ أسرائكم ولولا أن إيضاح القول في الصواب أولى بنا من المسامحة في الجواب لأضربنا عن ذلك صفحا إذ رأينا أن نفس السبب الذي من أجله سما إلى مكاتبة الخلفاء عليهم السلام من كاتبهم أو عدا عنهم إلى من حل محلنا في دولتهم بل إلى من نزل عن مرتبتنا هو أنه لم يثق من منعه ورد ملتمسه ممن جاوره فرأى أن يقصد به الخلفاء الذين الشرف كله في إجابتهم ولا عار على أحد وإن جل قدره في ردهم ومن وثق في نفسه ممن جاوره وجد قصده أسهل السبيلين عليه ودناهما إلى إرادته حسب ما تقدم لها من تقدم وكذلك كاتب من حل محلك من قصر عن محلنا ولم يقرب من منزلتنا فممالكنا عدة كان يتقلد في سالف الدهر كل مملكة منها ملك عظيم الشأن
فمنها ملك مصر الذي أطغى فرعون على خطر أمره حتى أدعى الإلهية وأفتخر على بني الله موسى بذلك
ومنها ممالك اليمن التي كانت للتبابعة والأقيال العباهلة ملوك حمير على عظم شأنهم وكثرة عددهم
ومنها أجناد الشام التي منها جند حمص وكانت دارهم ودار هرقل عظيم الروم ومن قبله من عظمائها
ومنها جند دمشق على جلالته في القديم والحديث واختيار الملوك المتقدمين له
ومنها جند الأردن على جلالة قدره وأنه دار المسيح من الأنبياء والحواريين

ومنها جند فلسطين وهي الأرض المقدسة وبها المسجد الأقصى وكرسي النصرانية ومعتقد غيرها ومحج النصارى واليهود طرا ومقر داود وسليمان ومسجدهما
وبها مسجد إبراهيم وقبره وقبر إسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته وأزواجهم عليهم السلام وبها مولد المسيح وأمه وقبرها
هذا إلى ما نتقلده من أمر مكة المحفوفة بالآيات الباهرة والدلالات الظاهرة فإنا لو لم نتقلد غيرها لكانت بشرفها وعظم قدرها وما حوت من الفضل توفي على كل مملكة لأنها محج آدم ومحج إبراهيم وارثه ومهاجره ومحج سائر الأنبياء وقبلتنا وقبلتهم عليهم السلام وداره وقبره ومنبت ولده ومحج العرب على مر الحقب ومحل أشرافها وذوي أخطارها على عظم شأنهم وفخامة أمرهم
وهو البيت العتيق المحرم المحجوج إليه من كل فج عميق الذي يعترف بفضله وقدمه أهل الشرف من مضى ومن خلف وهو البيت المعمور وله الفضل المشهور
ومنها مدينة الرسول بتربته وإنها مهبط الوحي وبيضة هذا الدين المستقيم الذي امتد ظله على البر والبحر والسهل والوعر والشرق والغرب وصحارى العرب على بعد أطرافها وتنازح أقطارها وكثرة سكانها في حاضرتها وباديتها وعظمها في وفودها وشدتها وصدق بأسها ونجدتها وكبر أحلامها وبعد مرامها وانعقاد النصر من عند الله براياتها
وإن الله تعالى أباد خضراء كسرى وشرد قيصر عن داره ومحل عزه ومجده بطائفة منها
هذا إلى ما تعلمه من أعمالنا وتحت أمرنا ونهينا ثلاثة كراسي من أعظم كراسيكم بيت المقدس وأنطاكية والإسكندرية مع ما إلينا من البحر وجزائره واستظهارنا

بأتم العتاد
وإذا وفيت النظر حقه علمت أن الله تعالى قد أصفانا بجل الممالك التي ينتفع الأنام بها وبشرف الأرض المخصوصة بالشرف كله دنيا وآخرة وتحققت أن منزلتنا بما وهبه الله لنا من ذلك فوق كل منزلة
والحمد لله ولي كل نعمة
وسياستنا لهذه الممالك قريبها وبعيدها على عظمها وسعتها بفضل الله علينا وإحسانه إلينا ومعونته لنا وتوفيقه إيانا كما كتبت إلينا وصح عندك من حسن السيرة وبما يؤلف بين قلوب سائر الطبقات من الأولياء الرعية ويجمعهم على الطاعة واجتماع الكلمة ويوسعها الأمن والدعة في المعيشة ويكسبها المودة والمحبة
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا على نعمه التي تفوت عندنا عدد العادين وإحصاء المجتهدين ونشر الناشرين وقول القائلين وشكر الشاكرين
ونسأله أن يجعلنا ممن تحدث بنعمته عليه شكرا لها ونشرا لما منحه الله منها ومن رضي اجتهاده في شكرها ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وكان سعيه مشكورا إنه حميد مجيد
وما كانت أحب أن أباهيك بشيء من أمر الدنيا ولا أتجاوز الاستيفاء لما وهبه الله لنا من شرف الدين الذي كرمه وأظهره ووعدنا في عواقبه الغلبة الظاهرة والقدرة القاهرة ثم الفوز الأكبر يوم الدين لكنك سلكت مسلكا لم يحسن أن نعدل عنه وقلت قولا لم يسعنا التقصير في جوابه ومع هذا فإنا لم نقصد بما وصفناه من أمرنا مكاثرتك ولا اعتمدنا تعيين فضل لنا نعوذ به إذ نحن نكرم عن ذلك ونرى أن نكرمك عند محلك ومنزلتك وما يتصل بها من حسن سياستك ومذهبك في الخير ومحبتك لأهله وإحسانك لمن في يدك من أسرى المسلمين وعطفك عليهم وتجاوزك في الإحسان إليهم جميع من تقدمك من سلفك ومن

كان محمودا في أمره رغب في محبته لأن الخير أهل أن يحب حيث كان فإن كنت إنما تؤهل لمكاتبتك ومماثلتك من اتسعت مملكته وعظمت دولته وحسنت سيرته فهذه ممالك عظيمة واسعة جمة وهي أجل الممالك التي ينتفع بها الأنام وسر الأرض المخصوصة بالشرف فإن الله قد جمع لنا الشرف كله والولاء الذي جعل لنا من مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه مخصوصين بذلك إلى مالنا بقديمنا وحديثنا وموقعنا
والحمد لله رب العالمين الذي جمع لنا ذلك بمنه وإحسانه ومنه نرجو حسن السعي فيما يرضيه بلطفه
ولم ينطو عنك أمرنا فيما اعتمدناه
وإن كنت تجري في المكاتبة على رسم من تقدمك فإنك لو رجعت إلى ديوان بلدك وجدت من كان تقدمك قد كاتبت من قبلنا من لم يحل محلنا ولا أغنى غناءنا ولا ساس في الأمور سياستنا ولا قلده مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ما قلدنا ولا فوض إليه ما فوض إلينا وقد كوتب أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وآخر من كوتب تكين مولى أمير المؤمنين ولم يكن تقلد سوى مصر وأعمالها
ونحن نحمد الله كثيرا أولا وآخرا على نعمه التي يفوت عندنا عددها عد العادين ونشر الناشرين
ولم نرد بما ذكرناه المفاخرة ولكنا قصدنا بما عددنا من ذلك حالات أولها التحدث بنعمة الله علينا ثم الجواب عما تضمنه كتابك من ذكر المحل والمنزلة في المكاتبة ولتعلم قدر ما بسطه الله لنا في هذه المسالك وعندنا قوة تامة على المكافأة على جميل فعلك بالأسارى وشكر واف لما توليهم وتتوخاه من مسرتهم إن شاء الله تعالى وبه الثقة وفقك الله لمواهب خيرات الدنيا والآخرة والتوفيق للسداد في الأمور كلها والتيسير لصلاح القول والعمل الذي يحبه ويرضاه ويثيب عليه ويرفع في الدنيا والآخرة أهله بمنه ورحمته
وأما الملك الذي ذكرت أنه باق على الدهر لأنه موهوب لكم من الله خاصة فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين
وإن الملك كله لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وإليه المصير وهو على كل شيء قدير
وإن الله عز و جل نسخ ملك

الملوك وجبرية الجبارين بنبوة محمد وعلى أله أجمعين وشفع نبوته بالإمامة وحازها إلى العترة الطاهرة من العنصر الذي منه أمير المؤمنين أطال الله بقاءه والشجرة التي منها غصنه وجعلها خالدة فيهم يتوارثها منهم كابر عن كابر ويلقيها ماض إلى غابر حتى نجز أمر الله ووعده وبهر نصره وكلمته وأظهر حجته وأضاء عمود الدين بالأئمة المهتدين وقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون حتى يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون
وإن أحق ملك أن يكون من عند الله وأولاه وأخلقه أن يكنفه الله بحراسته وحياطته ويحفه بعزه وأيده ويجلله بهاء السكينة في بهجة الكرامة ويجمله بالبقاء والنجاء ما لاح فجر وكر دهر ملك إمامة عادلة خلفت نبوة فجرت على رسمها وسننها وارتسمت أمرها وأقامت شرائعها ودعت إلى سبلها مستنصرة بأيدها منتجزة لوعدها وإن يوما واحدا من إمامة عادلة خير عند الله من عمر الدنيا تملكا وجبرية
ونحن نسأل الله تعالى أن يديم نعمه علينا وإحسانه إلينا بشرف الولاية ثم بحسن العاقبة بما وفر علينا فخره وعلاه ومجده وإحسانه إن شاء الله وبه الثقة وهو حسبنا ونعم الوكيل
وأما الفداء ورأيك في تخليص الأسرى فإنا وإن كنا واثقين لمن في أيديكم بإحدى الحسنيين وعلى بينة لهم من أمرهم وثبات من حسن العاقبة وعظم المثوبة عالمين بما لهم فإن فيهم من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدة البأساء على نعيم الدنيا ولذتها سكونا إلى ما يتحققه من حسن المنقلب وجزيل الثواب
ويعلم أن الله قد أعاذه من أن يفتنه ولم يعذه من أن يبتليه وقد تبينا مع ذلك في هذا الباب ما شرعه لنا الأئمة الماضون والسلف الصالحون فوجدنا ذلك مواقفا لما التمسته وغير خارج عما أحببته فسررنا بما تيسر منه وبعثنا

الكتب والرسل إلى عمالنا في سائر أعمالنا وعزمنا عليهم في جمع كل من قبلهم وأتباعهم بما وفر الإيمان في إنفاذهم وبذلنا في ذلك كل ممكن وأخرنا إجابتك عن كتابك ليتقدم فعلنا قولنا وإنجازنا وعدنا ويوشك أن يكون قد ظهر لك من ذلك ما وقع أحسن الموقع منك إن شاء الله
وأما ما ابتدأتنا به من المواصلة واستشعرته لنا من المودة والمحبة فإن عندنا من مقابلة ذلك ما توجبه السياسة التي تجمعنا على اختلاف المذاهب وتقتضيه نسبة الشرف الذي يؤلفنا على تباين النحل فإن ذلك من الأسباب التي تخصنا وإياك
ورأينا من تحقيق جميل ظنك بنا إيناس رسلك وبسطهم والاستماع منهم والإصغاء إليهم والإقبال عليهم وتلقينا انبساطك إلينا وإلطافك إيانا بالقبول الذي يحق علينا ليقع ذلك موقعه وزدنا في توكيد ما اعتمدته ما حملناه رسلك في هذا الوقت على استقلالنا إياه من طرائف بلدنا وما يطرأ من البلاد علينا وإن الله بعدله وحكمته أودع كل قرية صنفا ليتشوف إليه من بعد عنه فيكون ذلك سببا لعمارة الدنيا ومعايش أهلها
ونحن نفردك بما سلمناه إلى رسولك لتقف عليه إن شاء الله
وأما ما أنفذته للتجارة فقد أمكنا أصحابك منه وأذنا لهم في البيع وفي ابتياع ما أرادوه واختاروه لأنا وجدنا جميعه مما لا يحظره علينا دين ولا سياسة
وعندنا من بسطك وبسط من يرد من جهتك والحرص على عمارة ما بدأتنا به ورعايته ورب ما غرسته أفضل ما يكون عند مثلنا لمثلك
والله يعين على ما ننويه من جميل ونعتقده من خير وهو حسبنا ونعم الوكيل
ومن ابتدأ بجميل لزمه الجري عليه والزيادة ولا سيما إذا كان من أهله وخليقا به
وقد ابتدأتنا بالمؤانسة والمباسطة وأنت حقيق بعمارة ما بيننا

وباعتمادنا بحوائجك وعوارضك قبلنا فأبشر بتيسير ذلك إن شاء الله
والحمد لله أحق ما ابتدىء به وختم بذكره وصلى الله على محمد نبي الهدى والرحمة وعلى آله وسلم تسليما

الحالة الثانية من حالات المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ما
كان الحال عليه بعد الدولة الفاطمية في الدولة الأيوبية
وقد ذكر عبد الرحيم بن شيث احد كتاب الدولة الأيوبية في أواخر دولتهم مصطلح ما يكتب عن السلطان في خلال كلامه فقال إن الناس كانوا لا يكتبون المجلس إلا للسلطان خاصة ويكتبون لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم الحضرة ثم أفردوا السلطان بالمقام والمقر وصاروا يكتبون المجلس لمن دونه ولم يسوغوا مكاتبة السلطان بعد ذلك بالمجلس ولا بالحضرة
قال ويكتب السلطان إلى ولده المستخلف عنه بالمجلس دون المقام
واصطلحوا على الاختصار في نعوت الملوك المكتوب إليهم والدعاء بخلاف من هو تحت أمر السلطان وتحت حوزته فإنه كلما كثرت النعوت والدعاء له في مكاتبة السلطان إليه كان أبلغ لأن ذلك في معنى التشريف من السلطان وأنه لا يقال في المقام السامي بل العالي
وأنه إذا كتب السلطان إلى من هو دونه من ذوي الأقدار عبر بالمجلس السامي ولا يزاد على ذلك ثم يفرد عن النسب بعد السامي فيقال الأمير الأجل من غير ياء النسب
وأنه لا يقال العالي مكان السامي في الكتابة عن السلطان وقد يجمع بينهما لذوي الأقدار وأنه يضاف في نعت كل أمير عمدة الملوك والسلاطين عز الإسلام أو نصرة الإسلام أو فارس المسلمين أو ما شابه ذلك من غير ضبط ولا تخصيص لأحد دون أحد إذا أحرزوا

النعت الذي اشتهر به المكتوب إليه وأنه يقال عمدة الملوك والسلاطين وعدة الملوك والسلاطين وذخر الملوك ودونها اختيار الملوك وللأقارب فخر الملوك وجمال الملوك عز الملوك زين الملوك وللأماثل معين الملوك نصرة الملوك وما أشبه ذلك وأنه يكتب للأمراء الأعيان حسام أمير المؤمنين سيف أمير المؤمنين ولكبراء الدولة من الكتاب خاصة أمير المؤمنين وولي أمير المؤمنين وصفوة أمير المؤمنين وثقة أمير المؤمنين وصنيعة أمير المؤمنين على مقدار مراتبهم
وأن نعت الأجل يذكر بعد العلو والسمو بأن يقال المجلس العالي الأجل أو السامي الأجل وربما كان بعد ذكر الإمرة أو القضاء فيقال الأمير الأجل أو القاضي الأجل
وأن السلطان لا يبتدىء بالدعاء في كتبه إلى أحد من ماثله في الملك
وأن السلطان لا يكتب إلى أحد ممن هو تحت أمره بلا زال ولا برح في الدعاء وإنما يكتب بذلك إلى من ماثلة من الملوك أو إلى ولده المستخلف عنه في الملك
وأن الدعاء للملوك يكون مثل أدام الله أيامه وخلد سلطانه وثبت دولته وما أشبه ذلك
وأن التحميد في أوائل الكتب لا يكون إلا في الكتب الصادرة عن السلطان
وأن غاية عظمة المكتوب إليه أن يكون الحمد ثانية وثالثة في الكتاب ثم يؤتى بالشهادتين ويصلى على النبي
وأنه يكتب في الكتب السلطانية صدرت و أصدرناها ولا يكتب كتبت
وأن الذي تخاطب به الخلافة عن السلطان المواقف المقدسة الشريفة والعتبات العالية ومقر الرحمة ومحل الشرف
والذي يخاطب به الملوك المقام العالي والمقر الأشرف ولا يقال المقام السامي
والذي يخاطب به الوزراء الجناب العالي والمحل السامي
ومن دون ذلك المجلس السامي ودونه مجلس الحضرة
ودونه الحضرة
وأنه لا يكتب عن السلطان لمن هو تحت أمره إلا بنون الجمع لدلالتها على العظمة ولا يكتب تشعر إلا عن السلطان خاصة بخلاف تعلم وأن الكتب الصادرة عن السلطان تكون طويلة الطرة وتكون بقلم جليل غير دقيق
وأنه يوسع بين

السطور حتى يكون بين كل سطرين ثلاث أصابع أو أربع أصابع
وأنه لا يخرج عن سمت البسملة في الكتابة ولا يحتمل ذلك إلا في الحمدلة
وأنه لا يترك النقط والشكل في الكتب الصادرة عن السلطان لا سيما في الألفاظ الظاهرة
وأن الدعاء على العدو كان محظورا في الكتب الصادرة عن السلطان إلى من دونه ثم استعمل ذلك
وأنه لا يترك فضلة في آخر الكتاب بياضا ولا يكتب في حاشية الكتاب
وأن الترجمة عن السلطان في كتبه لمن تحت أمره أعلاهم وأدناهم العلامة فإن أراد تمييز أحد منهم كتب له شيئا بخطه في مكان العلامة
وأن العلامة تكون إلى البسملة من السطان أقرب وأنه لا حرج على السلطان أن يترجم للقضاة والعلماء والعباد بأخيه وولده
وأن عنونة الكتاب وختمه مختص بصاحب ديوان الإنشاء ليدل ذلك على وقوفه على الكتاب
وأنه لا يجوز عنونة الكتاب قبل أن يكتب عليه السلطان ترجمته أو علامته
وأن الكتب لا تبقى مفتوحة إلا أن تكون بإطلاق مال لأن كرم الكتاب ختمه ولا أكرم من كتب السلطان ويكون طي الكتاب الصادر عن السلطان عرض ثلاث أصابع
ثم مشهور مكاتباتهم على أربعة أساليب

الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للمجلس أوالجناب
مثل أدام الله أيام المجلس أو أدام الله سلطان المجلس أو أدام الله نعمة المجلس أو أدام الله اقتدار المجلس أو أدام الله سعادات المجلس أو خلد الله أيام المجلس أو سلطان المجلس أو ثبت الله دولة المجلس وما أشبه ذلك مما فيه معنى الدوام وربما أبدل لفظ الدوام وما في معناه بالمضاعفة مثل ضاعف الله نعمة المجلس
ويؤتى على الألقاب إلى آخرها ثم يقال نشعر المجلس أو

الأمير بكذا ونحو ذلك ويؤتى على المقصود إلى آخره
ويختم بالدعاء وقد يختم بغيره
وهذه نسخة مكاتبة من هذا الأسلوب بالإخبار بفتح غزة واقتلاعها من الفرنج الديوية الذين كانوا مستولين عليها وهي أدام الله سعادات المجلس وأحسن له التدبير وأصفى عيشه من التكدير وحقق له وفيه أحسن الرجاء والتقدير وجعل وجهه من أهلة الأكابر والتكبير وأعاذ تأخير أجله من التقديم وتقديم حظه من التأخير
نشعر المجلس بما من الله تعالى به من فتح غزة يوم الجمعة الجامع لشمل النصر القاطع لحبل الكفر وهذه المدينة قد علم الله أنها من أوسع المدائن وأملإ الكنائن وأثرى المعادن وهي كرسي الديوية ومهبط رؤوسهم ومحط نفوسهم وحمى كليبهم بل كلابهم وظهير صليبهم بل أصلابهم وما كانت الأبصار إليها تطمح ولا الأقدار بها قبلنا تسمح ولها قلعة أنفها شامخ في الهواء وعطفها جامع عن عطفة اللواء قد أوغلت في الجو مرتفعه وأومضت في الليل ملتمعه وبرداء السحاب ملتفعه قد صافحتها أيدي الأنام بالسلامة من قوارعها وهادنتها حوادث الأيام على الأمن من روائعها إلى أن أتيح لها من أتاح

لها الحين وقيض لها من اقتضى منها الدين فصبحها بما ساء به صباحها
وزعزعها بالزئير الذي خرس له نباحها
وكان من خبرها أننا لما أطللنا عليها مغيرين وأطفنا بها دائرين ولكؤوس الحرب مديرين تغلبت الأنجاد والأبطال على الزحف وأعجل ارتياح النصر عن انتظام عقد الصف وانقضوا عليها انقضاض البزاة على طرائدها وأسرعوا إليها إسراع العطاش إلى مواردها ورفعت الألوية خافقة كذوائب الضرام طالعة برسائل الحمام مشيرة بالعذبات إشارة لم يطمئنوا إليها بالسلام وجاءهم الموت من كل مكان وأمطرت الشهب من كل سنان فرأوا مثواهم الحبيب ومحلهم الخصيب وقد ركضت فيه خيول الغير واعترضت فيه سيول العبر وجردت فيه نصول القدر والنار فقد لعبت فيه مجده واحمرت فيه خدودها مخده وأقواتهم المدخره وأموالهم المثمره نفلا مباحا وزبدا مطاحا ومغنما مشاعا ونهبا مضاعا قد ملئت منه الرحال وأخصبت واتسعت به الأيدي وضاقت به الأرض بما رحبت

الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار
مثل أصدرنا هذه المكاتبة أو أصدرت أو صدرت ويؤتى على المقصود على ما تقدم
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن

السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أخيه سيف الإسلام سلطان اليمن يستقدمه إليه معاونا له على قتال الفرنج خذلهم الله ويبشره بفتح كوكب وصفد والكرك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو أصدرنا هذه المكاتبة إلى المجلس ومما تجدد بحضرتنا فتوح كوكب وهي كرسي الاستبارية ودار كفرهم ومستقر صاحب أمرهم وموضع سلاحهم وذخرهم وكان بمجمع الطرق قاعدا ولملتقى السبل راصدا فتعلقت بفتحه بلاد الفتح واستوطنت وسلكت الطرق فيها وأمنت وعمرت بلادها وسكنت ولم يبق في هذا الجانب إلا صور ولولا أن البحر ينجدها والمراكب تردها لكان قيادها قد أمكن وجماحها قد أذعن وما هم بحمد الله في حصن يحميهم بل في سجن يحويهم بل هم أسارى وإن كانوا طلقاء وأموات وإن كانوا أحياء قال الله عز و جل ( فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ) ولكل امرىء أجل لا بد أن يصدقه غائبه وأمل لا بد أن يكذبه خائبه وكان نزولنا على كوكب بعد أن فتحت صفد بلد الديوية ومعقلهم ومشتغلهم وعملهم ومحلهم الأحصن ومنزلهم وبعد أن فتحنا الكرك وحصونه والمجلس السيفي أسماه الله أعلم بما كان على الإسلام من مؤونته المثقلة وقضيته المشكلة وعلته المعضلة وأن الفرنج لعنهم الله كانوا يقعدون منه مقاعد للسمع ويتبوأون منه مواضع للنفع ويحولون بين قات وراكبها فيذللون الأرض بما كانوا منه ثقلا على مناكبها

والآن ما أمن بلاد الهرمين بأشد من أمن بلاد الحرمين فكلها كان مشتركا في نصرة المسلمين بهذه القلعة التي كانت ترامي ولا ترام وتسامي ولا تسام وطالما استفرغنا عليها بيوت الأموال وأنفقنا فيها أعمار الرجال وقرعنا الحديد بالحديد إلى أن ضجت النصال من النصال والله المشكور على ما انطوى من كلمة الكفر وانتشر من كلمة الإسلام
وإن بلاد الشام اليوم لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما
وكان نزولنا على كوكب والشتاء في كوكبه وقد طلع بيمن الأنواء في موكبه والثلوج تنشر على البلاد ملاءها الفضيض وتكسوا الجبال عمائمها البيض والأودية قد عجت بمائها وفاضت عند امتلائها وشمخت أنوفها سيولا فخرقت الأرض وبلغت الجبال طولا والأوحال قد اعتقلت الطرقات ومشى المطلق فيها مشية الأسير في الحلقات فتجشمنا العناء نحن ورجال العساكر وكاثرنا العدو والزمان وقد يحرز الحظ المكاثر وعلم الله النية فأنجدنا بفضلها وضمير الأمانة فأعان على حملها ونزلنا من رؤوس الجبال بمنازل كان الاستقرار عليها أصعب من ثقلها والوقوف بساحتها أهون من نقلها ( وأما بنعمة ربك فحدث )
والحمد لله الذي ألهمنا بنعمته الحديث ونصر بسيف الإسلام الذي هو سيفه وسيف الإسلام الذي هو أخونا الطيب على الخبيث فمدح السيف ينقسم على حديه ومدح الكريم يتعدى إلى يديه والآن فالمجلس أسماه الله يعلم أن الفرنج لا يسلون عما فتحنا ولا يصبرون على ما جرحنا فإنهم خذلهم الله أمم لا تحصى وجيوش لا تستقصى ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كل سفينة غصبا ويطمع في كل مدينة كسبا ويد الله فوق أيديهم والله محيط

بأقربيهم وأبعديهم و ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) ( لا تدري لعل يحدث بعد ذلك أمرا )
وما هم إلا كلاب قد تعاوت وشياطين قد تغاوت وإن لم يقذفوا من كل جانب دحورا ويتبعوا بكل شهاب ثاقب مدحورا استأسدوا واستكلبوا وتألبوا وجلبوا وأجلبوا وحاربوا وحزبوا وكانوا لباطلهم الداحض أنصر منا لحقنا الناهض وفي ضلالهم الفاضح أبصر منا لهدانا الواضح
ولله در جرير حيث يقول
( إن الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للئام نصور ) فالبدار إلى النجدة البدار والمسارعة إلى الجنة فإنها لا تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النار والهمة الهمة فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار والملوك الكبار لا يقف في وجوهها إلا الملوك الكبار
( وما هي إلا نهضة تورث العلا ... ليومك ما حنت روازم نيب ) ونحن في هذه السنة إن شاء الله تعالى ننزل على أنطاكية وينزل ولدنا الملك المظفر أظفره الله على طرابلس ويستقر الركاب العادلي أعلاه

الله بمصر فإنها مذكورة عند العدو خذله الله بأنها تطرق وأن الطلب على الشام ومصر تفرق ولا غنى عن أن يكون المجلس السيفي أسماه الله بحرا في بلاد الساحل يزخر سلاحا ويجرد سيفا يكون على ما فتحناه قفلا ولما لم يفتح بعد مفتاحا فإنه ليس لأحد ما للأخ من سمعة لها في كل مسمع سمعه وفي كل روع روعه وفي كل محضر محضر وفي كل مسجد منبر وفي كل مشهد مخبر فما يدعى العظيم إلا للعظيم ولا يرجى لموقف الصبر الكريم إلا الكريم هذا والأقدار ماضيه وبمشيئة الله جاريه فإن يشإ الله ينصر على العدو المضعف بالعدد الأضعف ويوصل إلى الجوهر الأعلى بالعرض الأدنى فإنا لا نرتاب بأن الله ما فتح علينا هذه الفتوح ليغلقها ولا جمع علينا هذه الأمة ليفرقها وأن العدو إن خرج من داره بطرا ودخل إلى دارنا كان فيها جزرا وما بقي إن شاء الله إلا أموال تساق إلى ناهبها ورقاب تقاد إلى ضاربها وأسلحة تحمل إلى كاسبها وإنما نؤثر أن لا تنطوي صحائف الحمد خالية من اسمه ومواقف الرشد خاوية من عزمه ونؤثر أن يساهم آل أيوب في ميراثهم منه مواقع الصبر ومطالع النصر فوالله إنا على أن نعطيه عطايا الآخرة الفاخرة أشد منا حرصا على أن نعطيه عطايا الدنيا القاصرة وإنا لا يسرنا أن ينقضي عمره في قتال غير الكافر ونزال غير الكفء المناظر ولا شك أن سيفه لو اتصل بلسان ناطق وفم لقال ما دمت هنالك فلست ثم وما هو محمول على خطه يخافها ولا

متكلف يحكمنا يعافها والذي بيده لا نستكثره بل نستقصره عن حقه ونستصغره وما ناولناه لفتح أرضة السلاح ولا أعرناه لملك مركزه النجاح إلا على سخاء من النفس به وبأمثاله على علم منا أنه لا يقعد عنا إذا قامت الحرب بنفسه وماله فلا تكن به ظنا أحسن منه فعلا ولا ترضى وقد جعلنا الله أهلا أن لا نراه لنصرنا أهلا وليستشر أهل الرشاد فإنهم لا يألونه حقا واستنهاضا وليعص أهل الغواية فإنهم إنما يتغالون به لمصالحهم أغراضا ومن بيته يظعن وإلى بيته يقفل وهو يجيبنا جواب مثله لمثلنا وينوى في هذه الزيارة جمع شمل الإسلام قبل نية جمع شملنا ولا تقعد به في الله نهضة قائم ولا تخذله عزمة عازم ولا يستفت فيها فوت طالب ولا تأخذه في الله لومة لائم فإنما هي سفرة قاصدة وزجرة واحدة فإذا هو قد بيض الصحيفة والوجه والذكر والسمعة ودان الله أحسن دين فلا حرج عليه إن فاء إلى أرضه بالرجعة وليتدبر ما كتبناه وليتفهم ما أردناه وليقدم الاستخارة فإنها سراج الاستنارة وليغضب لله ورسوله ولدينه ولأخيه فإنها مكان الاستغضاب والاستشارة وليحضر حتى يشاهد أولادا لأخيه يستشعرون لفرقته غما وقد عاشوا ما عاشوا لا يعرفون أن لهم مع عمهم عما والله سبحانه يلهمه توفيقا ويسلك به إليه طريقا وينجدنا به سيفا لرقبة الكفر مرقا ولدمه مريقا ويجعله في مضمار الطاعات سابقا لا مسبوقا

الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ هذه المكاتبة إلى المجلس
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب بالإخبار بفتح أيلة التي تحت العقبة في ممر حجاج مصر
وهي

هذه المكاتبة إلى المجلس الفلاني أعلى الله سلطانه وعمر بالنجاح آماله وبالسعادة أوطانه ولا زالت يد النصر تصرف يوم اللقاء عنانه ويد لطف الله تفيض على الخلق يوم العلياء عنانه وتمكن من هام الأعداء ونحورهم سيفه وسنانه نشعره أنه لم تزل عوائد الله سبحانه عندنا متكفلة ما يوجب أن يبدأ الحمد ويعاد مقربة لنا من الآمال كل ما كان رهين نأي وبعاد موافقة لنا بالتوفيق فكأننا وإياه على ميعاد معينة لنا على ما يعتده الغاش معاش وعيد معاد
وقد كان ما علم من غزوتنا إلى أيلة التي اتخذها العدو معقلا وتديرها منزلا وعدها موئلا وغاض بها رونق الجملة وفاض بها أهل القبلة وصارت على مدارج الأنفاس وعلى مراصد الافتراص والافتراس وخصت الحرمين بأعظم قادح واشتد عن حادثتها من لطف الله أعظم فاتح ولما توجهنا إليها ونزلنا عليها شاهدنا قلعة يحتاج راميها إلى الدهر المديد والأمل البعيد والزاد العتيد والبأس الشديد تنبو بعطف جامح عن الخطبة وتعرض بذكر مانع عن الضربة وتعطف بأنف على السحاب شامخ وتطلع في الصباح بوجه شادخ كأنما بينها وبين الأيام ذمام وكأن نار الحوادث إذا بلغت ماءها برد وسلام فأطفنا بها متبصرين ونزلنا من ناحية البر بها مفكرين وبينا نحن نأمر بالحرب أن يشب أوارها وبالخيل أن تسير أسرارها وبنار اللقاء أن يستطير شرارها وبقناطير

الموت من القسي أن تعقد أوتارها وبالمجانيق أن تعقد حناياها وتحل أزرارها وبالكواكب أن تذيقهم طعم الصغار كبارها إذ نادى مناد من أعلى قمتها ورأس قلتها معلنا بالأمان ناسخا لآية الكفر بآية الإيمان فأعارته الأسماع إنصاتها واستحقت القلوب حصاتها وعمدت إليه بنت بحر عادت باب نصر وساعة بدهر وبشرني بغلام على كبر وبظفر في سفر على قدر فأعطى فرنجها ما طلبوا وأتى اللطف للمسلمين بما لم يحتسبوا وفي الحال رفعت عليها ألوية الإسلام ونشرت وأوت إليها فئة الحق وحشرت وتظاهرت عليها أولياء الله وظهرت وقيل الحمد لله رب العالمين

الأسلوب الرابع أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابنا وباقي الأمر على نحو ما
تقدم
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى بعض الأمراء بالشام عند وفاة السلطان نور الدين محمود
وهي كتابنا هذا إلى الأمير معزين بالرزء الذي كملت أقسامه وتمت ورمت أحداثه القلوب فأصمت وطرقت أحاديثه الأسماع فأصمت وأبى أن تعفو كلومه وكاد لأجله الأفق تنكسف بدوره وتنكدر نجومه وثلم جانب الدين لفقد من لولاه لدرست أعلامه ولم تدرس علومه وفجأ فاستولى على كل قلب وجيبه وعلى كل خاطر وجومه بانتقال المولى نور الدين إلى سكنى دار السلام وقدومه على ما أعده الله له من جزاء ذبه عن الإسلام وبكى أهله على فقد عزائمه

التي بها حفظت وحرست وشكت الممالك وحشة بعده وإن ابتهجت الملائكة بقربه وأنست فلله هو من مصاب أغرى العيون بفيضها والنفوس بفيظها ونقل الأولياء من ظل المسرة ونعيمها إلى هجير المساءة وقيظها وأوجب تناجي الكفار بالنجاة من تلك السطوة التي لم تزل تزيدها غما وتردها بغيظها
ومهنئين بما أسا الكلم وداواه وحوى الحق إلى الجانب الأمنع وآواه من جلوس ولده الملك الصالح ذي التصويب والتسديد مشمولا منا بالعرف العميم والطول الجسيم جاريا على سنه المعهودة وعادته المحمودة في رفع صالح أدعيته عن صفاء سريرته وخلوص عقيدته مستمرا على جميل تحيته في إمدادنا ببركته إن شاء الله تعالى
قلت والمصطلح الجاري عليه الحال في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في زماننا مأخوذة من الأساليب الثلاثة الأول والثاني والثالث المقدم ذكرها
على أن في الدولة الأيوبية أساليب أخرى لا يسع استيعابها ويغتنى عنها بما تقدم ذكره

الطرف الحادي عشر في المكاتبات الصادرة عن ملوك أهل الغرب
وقد انفردوا عن كتاب المشرق وكتاب الديار المصرية بأمور
منها أن المخاطبة تقع للمكتوب إليه بميم الجمع مع الانفراد كما تقع الكتابة عن المكتوب عنه بنون الجمع مع الانفراد
ومنها أنهم يلتزمون الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم كتبنا بأن يقال كتبنا إليكم كتب الله لكم كذا

ومنها أنهم يترضون عن الخليفة القائمين بدعوته في كتبهم
ومنها أنهم يذكرون اسم المكتوب إليه في أثناء الكتاب وباقي مكاتباتهم على نحو من مكاتبات أهل الشرق والديار المصرية وكتبهم تختم بالسلام غالبا وربما ختمت بالدعاء ونحوه
ومنها أن الخطاب يقع عندهم بلفظ الرياسة مثل أن يقال رياستكم الكريمة ونحو ذلك
ولها حالتان

الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في الزمن المتقدم وهو على أربعة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان ويدعى للمكتوب
إليه ثم يقع التخلص إلى المقصود بأما بعد ويؤتى عليه آخره ويختم بالسلام
كما كتب أبو بكر بن هشام عن أبي محمد بن هود في قيامه بالدعوة العباسية ببلاد المغرب إلى أهل بلد من رعيته
من فلان إلى أهل فلانة أدام الله كرامتهم وآثرهم بتقواه وعرفهم عوارف نعماه وكنفهم في حرمه المنيع وحماه وجعلهم ممن وفق إلى رضاه وحف بخير ما قدره وقضاه بسلام
أما بعد حمد الله على متتابع واسع فضله هازم الباطل وأهله ومورط الجاهل في مهواة جهله الماليء بدعوة الحق ما اتسع من حزن المعمور وسهله والصلاة على سيدنا محمد نبيه المصطفى خاتم رسله المؤيد بالقرآن الذي عجزت الجن والإنس أن يأتوا بمثله وعلى آله وصحبه الجارين على قويم

سنته وواضح سبله والرضا عن الإمام العباسي أمير المؤمنين الذي لا إمام سواه للمسلمين المفرع من محتده الكريم وأصله المدافع عن حرم أمره بسديد نظره وحديد نصله والدعاء لمقامه العلي ومكانه السني بالسعد المصاحب بمصاحبة ظله والعضد الفاتح ما لم يفتح لأحد من قبله فإنا كتبناه لكم كتبكم الله ممن انتفع بقوله وعمله وتوجه إلى رضاه بمبسوط أمله وجرت له الأقدار بأفضل معتاد وأجمله من فلانة والتوكل على الله سبحانه نتائج تبرزها الأيام ويستنجدها السعد والحسام ويستدنيها التفويض إلى الله سبحانه والاستسلام والدعوة العلية أدام الله أيامها وأسعد أعلامها الآثار التي تجملت بها المذاهب والأنوار التي وضحت بها المساري والمسارب وأضاءت بها المشارق والمغارب
والحمد لله حمدا كثيرا المكان الذي تتجدد حرمته وتتأكد ذمته ولا توضع عن يد الاعتناء والاهتمام أزمته وإذا أنهضت العزائم لمصالح العباد تقدمت كل العزمات عزمته لأنه المكان الذي صرف وجوه الأعداء وصابر مكابدة الإضرار والاعتداء واحتمل مكروه الدواء في معالجة الشفاء ومعاجلة حسم الداء فكرمت آثاره وتعين تخصيصه بالمزيد وإيثاره وطابت أخباره وطالت في مضايق مجال الرجال أسنته وشفاره فنحن نوجب تكريمه ونؤثر تقديمه ونتبع حديثه في الاعتناء قديمه والله يتولى تكميل قصدنا الجميل فيه وتتميمه
وقد بلغ بلغكم الله أملكم وأتم نعمته قبلكم تحرك ذلكم الخائن للإضرار بالبلاد وإيثاره دواعي الشر والفساد ومتى احتيج إلى إعلام جهة من الجهات بأحواله وما يتصوره بفاسد خياله وتغلب كبره المردي واختياله وما يصدر عنه من قبيح آثاره وأعماله فإنما يستعلم تحقيقها منكم ويتعرف تصديقها من لدنكم بصدق جواركم ودنو داركم وتداخل آثاره مع آثاركم فأنتم أقرب

اطلاعا على خبث سره وسوء مكره وما يضمر للمسلمين من إذايته وضره فمتى انصرفت وجوه المسلمين إلى جهادهم واشتغلوا بتأمين بلادهم انتهز الفرصة في فساد يحدثه وعقد ينكثه واستعجال ما يعجل عليه ولا يلبثه ونحن نعرض عنه إعراض من يرجو متابه ويرتقب رجوعه إلى الحق وإيابه وهو متخبط في أهوائه مستمر على غلوائه مصر على إضراره واعتدائه لا يكف عنه من استطالته ولا يريه الاستبصار وجهة جهالته فوجب علينا بحكم النظر للبلاد التي لحقها عدوانه وأضر بها مكانه وتكرر عليها امتحانه أن نعاجل حسم علله ونسد مواقع خلله ونرد عليه كل مضرة لاحقة من قبله حتى يستريح الناس إلى أمن مبسوط وكنف مضبوط وحوز بالكفاية والوقاية محوط وقد كنا عند الفراغ من مصالح البلاد الغربية وانتهاء الفتح فيها إلى ما لم يدر بالخاطر ولم يحسب بالنية نظرنا في إعداد جموع من أجناد الغرب وتخيرنا منهم كل من درب بالطعن والضرب وسعد لكم من جماهير الأغراب وجزولة وسائر القبائل النازلين بالبلاد المتأهبين لما يطلبون به من الغزو والجهاد ورسمنا لهم أن يلحقوا بنا عند الاستدعاء على ما جددنا لهم في الانتخاب والانتقاء لتأخذ الجموع كلها من محو أثر هذا الخائن بنصيب وتضرب فيه وفي كل عمل يعفيه بسهم مصيب لكن لما تعجل حركته التي تعجل بها الحين وساقه إليها القدر الذي أعمى البصيرة والعين رأينا أن ننفذ

إليه قصدنا وأن نعاجله بما حضر عندنا متوافرة الأعداد غنية عن الاستمداد غير مفتقرة إلى الازدياد ومع هذا فقد أمرنا أهل الجهات كلها باللحاق بنا وأن ينهض جميع أعدادهم من الخيل والبطل والرماة على سبيلنا ومذهبنا لتكون الأيدي في هذه المصلحة العامة واحدة والعقائد في دفع هذا الضرر عن الكافة متعاقدة حتى يذهب أثر هذه النكبة وعينها ويزول عن بهجة الإحقاق والاتفاق شينها وإذا وجب على أهل هذه الجهات أن ينفروا في هذه الدعاة خفافا وثقالا ويبادورا ركبانا ورجالا كان الوجوب في حقكم وجوبين والفرض عليكم فرضين لما يخصكم من هذه المصلحة التي أنتم أولى من يجتلي صورها ويجتني ثمرها ويجد في حاله واستقباله إثرها فليكن استعدادكم بحسب ذلكم واستوعبوا جميع أنجادكم من خيلكم ورماتكم ورجالكم وكونوا واقفين على قدم التأهب إلى أن يكون الاجتياز من هنالكم إن شاء الله تعالى والسلام

الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد وهو على ضربين
الضرب الأول أن تعقب البعدية بالحمد لله ويؤتى على الخطبة إلى آخرها ثم
يتخلص إلى المقصود ويختم بالسلام على نحو ما تقدم
كما كتب أبو عبد الله بن الجيان عن أبي عبد الله بن هود أيضا إلى أكابر

بلده بالرفق بالرعية عند ورود كتابهم عليه بتحصين البلد وبلوغه جور المستخدمين بها على الرعية وهو
أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحق ورافعه ومولى متوالى الإنعام ومتابعه والصلاة على سيدنا محمد عبده ورسوله مشفع الحشر وشافعه المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه والذابين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتزام قواطعه والرضا عن الخليفة الإمام العباسي أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سمو مطالعه
فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم عزة قدحها بالثبوت فائز وسعادة قسطها للنماء حائز من فلانة وكلمة الحق منصورة اللواء منشورة الأضواء والتوكل على الله في الإعادة والإبداء والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء وحمد الله تعالى وشكره وصلنا إلى نيل مزيد النعماء والآلاء ومكانتكم لدينا مكانة السني المناصب المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب المتحلي في الغناء والاكتفاء والخلوص والصفاء بأكرم السجيات والمناقب المعلوم ما لديه من المصالحة السالكة بأكرم السجيات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسنن اللاحب

وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وما رأيتموه من المصلحة في تحصينها والاجتهاد في أسباب تأمينها ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح وتتوخون ما تتوسمون فيه النجاح لكن أهم الأمور عندنا وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا الرفق بالرعية وحملها على قوانين الإحسان المرعية وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب أهل فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرفين فيهم ويتظلمون من متحيفيهم ومتعسفيهم وفي هذا ما لا يخفى عليكم ولا ترضون به لو انتهى إليكم فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممن لا يحسن سياسة الأمور ولا يعلم طريقة الرفق الجارية بوفق الخاصة والجمهور أعاد التسكين تنفيرا والتيسير تعسيرا وتعلمون أنا لا نقدم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا وأنتم أولى من يعتقد فيه أنه يكمل هذا المقصد ويتحرى في مصالح الرعايا هذا السنن الأرشد وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم ويبسط أملهم وعرفناهم بأنكم لو علمتم من جار عليهم من الخدمة لأخذتم على يده وجازيتموه بسوء معتقده وأشعرناهم بأنا قد استوصيناكم بهم خيرا ونبهناكم على ما يدفع عنه ضيما ويرفع ضيرا وأنتم إن شاء الله تستأنفون نظرا جميلا وتؤخرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلا وتقدمون عليهم من تحسن فيهم سيرته وتكرم في تمشيته الرفق علانيته وسريرته ومثلكم لا يؤكد عليه في مذهب تحسن عواقبه وغرض يوافقه القصد الإحتياطي ويصاحبه إن شاء الله تعالى والسلام

الضرب الثاني أن تعقب البعدية بذكر المقصود من غير خطبة ثم يؤتى على
المقصود إلى آخره على نحو ما تقدم
كما كتب أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بالأبار عن الأمير أبي جميل إلى أهل ناحية بولاية وال عليهم وهي أما بعد فالكتاب كتب الله لكم ملء الجوانب قرارا وأرسل عليكم سماء المواهب مدرارا من فلانة وليس إلا الخير الدائم واليسر الملازم وقد توالى إعلامكم بالغرض الجميل فيكم والاعتناء المتصل بتمهيد نواحيكم وأنتم اليوم بثغر متحيف وجناب متطرف يتضاعف الاحتياط عليه ويجب تيسير المير إليه فالنظر له معمل والتهمم به لا يهمل وهذه ألسن قد ملك قيادها وأوثر بوجوه القرابة إمدادها وفلان قد خاطب يستأذن في القدوم على

الباب الكريم ويؤكد ما عنده في الخدمة والتصميم والخيرات بسبيل الاتصال والمسرات واردة مع البكور والآصال
والحمد لله الجسيم فضله والعظيم نيله فاحمدوا الله على ما يسر لنا ولكم واستوزعوه شكر ما خولنا وخولكم واعلموا أنا نرعاكم كما رعى أولنا أولاكم وقد عين لموضعكم كذا وكذا فأنفذوا إلينا بعضكم معجلا واستشعروا إنماء الأثرة واطراد النصرة حالا ومستقبلا والحركة الكبرى يمنها الله قد شرع في أسبابها وأتي ما يؤتي بمشيئة الله الفتح القريب من بابها ولا غنى بما يدار في ذلك عن فلان وقد خوطب بالوصول ووجه إليكم فلان واليا عليكم وثاويا لديكم وهو ممن خبرت كفايته وارتضيت لجبر أحوالكم سياسته وشكر هنا فأوثرتم به هنالكم وقد فوض إليكم من نظر لخاصتكم وجمهوركم وقلد بما يستقل أتم الاستقلال من تدبير أموركم وأمضي معه من الأجناد طائفة يحسنون الدفاع والذياد ولا يفارقون الجد والاجتهاد ووراء هذا من كريم العناية وجميل النظر ما يقضي لكم بالفلج والظفر ويديلكم بالأمانة الشاملة من الذعر والحذر إن شاء الله تعالى والسلام

الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابنا إليكم من موضع كذا والأمر
على كذا وكذا ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام
وربما قيل هذا كتابنا إليكم وربما قيل كتبنا إليكم ونحو ذلك

كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن ابن هود في البشارة بفتح حصن وهو كتابنا إليكم أطلع الله عليكم من البشائر أنورها جبينا وأوضحها صبحا مبينا من فلانة في يوم كذا
سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي تكفل بنصر من ينصره ونصلي على سيدنا محمد الكريم محتده الزاكي عنصره ونجدد مشفوع الصلوات ونردد مرفوع الدعوات للإمام الخليفة المستنصر بالله أمير المؤمنين ذي المناقب التي لا عاد يعدها ولا حاصر يحصرها
والحمد لله الذي أنعم علينا بتقليد إمامته التي لا تعقد معها إمامه وأقامنا لإقامة دعوته التي لا تجوز على غيرها إقامه وجعلنا نرمي الغرض باسمه الأشرف فنصيبه ونستوهب فضل الله سبحانه فيتوفر قبلنا نصيبه ونستنزل بخلافته المباركة جوامع النصر كما استنزل الفاروق بغرة جده هوامع القطر فتسير أمام رايته السوداء بالأثر المبيض وتروي هذه أوام كما أروى ذلك أوام الأرض وما زلنا منذ كان النزول على هذا الحصن نتعرف فيه من مخايل النجح ودلائل الظفر والفتح ما أعطانا فثلج اليقين بأنا نفصم عروته ونفرع ذروته ولم يزل العزم

يذلل شماسه ويقلل ناسه حتى أذعنوا لما عرفتم به من النزول لوقت معدود وأمد محدود
ثم إنهم خامرهم طارق الوجل فعجلوا أداء دينه قبل حلول الأجل وأمكن الله من هذا المعقل الفذ في المعاقل وقتل الظانين لامتناعهم والحسام إن شاء الله تعالى في يد القاتل وقد صعدت راياتنا على السور وسعدت إدارتنا بالعزم المنصور وشيد الله من هذا الفتح الجليل أقصى الفتوح بعلو وأشجاها للعدو وأدلها على نجح عمل مستأنف وبلوغ أمل مرجو
والحمد لله الذي رد حقنا المغتصب وكفانا في وجهنا هذا التعب والنصب وعرفناكم بهذا الخبر الذي هو غذاء للروح والمنبيء عن فتح الفتوح لتشكروا الله عليه شكرا وتوفوه حقه إذاعة له ونشرا وتجددوا بحمد الله على ما أولى من خالص النعم ووافر القسم ما يطيب به المعرس والمقيل ويستقصر به الأمد الطويل
واكتبوا من خطابنا هذا نسخا إلى الجهات ليأخذ منها كل بحظه وينعم القريب والبعيد بجلالة معناه وجزالة لفظه أعاننا الله وإياكم على شكر إحسانه الجزيل ولا أخلى من لطفه العميم ونظره الجميل بمنه والسلام
الحالة الثانية ما الأمر مستقر عليه الآن مما كان عليه علامة متأخري كتاب المغرب أبو عبد الله محمد بن الخطيب وزير ابن الأحمر صاحب حمراء غرناطة من الأندلس
والأمر فيها على نحو ما تقدم في الحالة الأولى من التعبير عن المكتوب إليه

بميم الجمع وإن كان واحدا والتزام الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم كتبنا إليكم ونحو ذلك
وعادتهم أن يكتب كتاب السلطان في طومار كامل فإن استوعب الكلام جميع الطومار كتب على حاشيته ويكتب صاحب العلامة علامة السلطان في آخره ويطوى طيا عريضا في نحو ثلاث أصابع معترضة ثم يكسر ويطوى نصفين ويكتب العنوان بالألقاب التي في الصدر ويخزم بدسرة من الورق ثم يختم بخاتم السلطان على شمع أحمر كما تقدم بيانه
وهي على ثلاثة أساليب

الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة باللقب اللائق بالمكتوب إليه وهو على
أضرب
الضرب الأول أن يبتدأ بلفظ المقام وهو مختص بالكتابة إلى الملوك
والرسم فيه عندهم أن يقال المقام وينعت بما يليق به ثم يقال محل أخينا أو محل ولدنا أو محل والدنا السلطان ويؤتى بألقابه ثم يسمى

ثم يقال من فلان ويفعل فيه كذلك إلى منتهى نسبه ويدعى له بالبقاء وما يتبعه ثم يقال معظم قدره أو معظم مقامه وما أشبه ذلك ويذكر اسم المكتوب عنه ثم يقال أما بعد حمد الله ويؤتى بالخطبة إلى آخرها ثم يقال فإنا كتبناه إليكم من موضع كذا ويؤتى على المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام
كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب المقدم ذكره عن سلطانه ابن الأحمر المذكور أعلاه إلى السلطان أبي عنان بن أبي الحسن المريني صاحب فاس عند موت الطاغية ملك قشتالة من إقليم أشبيلية وطليطلة وقرطبة وما معها بعد نزوله على جبل الفتح من مملكة المسلمين بالأندلس لمحاربة المسلمين فيه ورحيل قومه بعد موته به وهو المقام الذي أنارت آيات سعده في مسطور الوجود وتبارت جياد مجده في ميدان البأس والجود وضمنت إيالته لمن بهذه الأقطار الغربية تجديد السعود

وإعادة العهود واختلفت كتائب تأييد الله ونصره لوقته المشهور فيها ويومه المشهود مقام محل أخينا الذي نعظمه ونرفعه ويوجب له الحق العلي موضعه السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن ابن السلطان أبي سعيد ابن السلطان أبي يوسف بن عبد الحق أبقاه الله يتهلل للبشرى جنابه ويفتح لوارد الفتح الإلهي بابه وتعمل في سبيل الله مكارمه وعزائمه وركابه ويتوفر بالجهاد فيه مجده وسعده وفخره وثوابه معظم قدره الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر سلام كريم مشفوع بالبشائر والتهاني محفوف الركاب ببلوغ الأماني ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد حمد الله مطلع أنوار الصنائع العجيبة متألقة الغرر ومنشيء سحائب الألطاف الكريمة الأوصاف هامية الدرر الكريم الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر حجب كامن ألطافه عن قوى الفطن ومدارك الفطر فما ( يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر )
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي المعجزات الباهرة والآيات الكبر الذي بجاهه الحصين نمتنع عند استشعار الحذر وبنور هداه نستضيء عند التباس الورد والصدر فنحصل على الخير العاجل والمنتظر والرضا عن آله وأصحابه الكرام الأثر الذين جنوا من أفنان الصبر في الله ثمار الظفر وفازوا من إنجاز الوعد بأقصى الوطر وانتظموا في سلك الملة الرفيعة انتظام الدرر والدعاء لمقامكم الأعلى باتصال المسرات وتوالي البشر والسعد الذي تجري بأحكامه النافذة تصاريف القدر والصنع الذي تجلى عجائبه في أجمل الصور فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من حظوظ فضله وإحسانه أجزل

الأقسام وعرفكم عوارف نعمه الثرة وآلائه الجسام من حمراء غرناطة حرسها الله واليسر بفضل الله طارد الأزمات بعد ما قعدت وكاشف الشدائد بعدما أبرقت وأرعدت
ثم ما عندنا من الاعتداد بإيالتكم التي أنجزت لنا في الله ما وعدت ومددنا إليها يد الانتصار على أعدائه فأسعدت إلا الصنع العجيب واليسر الذي أتاح ألطافه السميع المجيب واليمن الذي رفع عماده التيسير الغريب ومد رواقه الفرج القريب وإلى هذا أيدكم الله على أعدائه وأجزل لديكم مواهب آلائه وحكم للإسلام على يديكم بظهوره واعتلائه وعرفكم من أخبار الهني المدفع وأنبائه كل شاهد برحمته واعتنائه
فإنا كتبناه إليكم نحقق لديكم البشرى التي بمثلها تنضى الركاب ويخاض العباب ونعرض عليكم ثمرة سعدكم الجديد الأثواب المفتح للأبواب علما بما عندكم من فضل الأخلاق وكرم الأعراق وأصالة الأحساب والمعرفة بمواقع نعم الله التي لا تجري لخلقه على حساب والعناية بأمور هذا القطر الذي تعلق أذيال ملككم السامي الجناب
وقد تقرر لدى مقامكم الأسنى ما كانت الحال آلت إليه بهذا الطاغية الذي غره الإمهال والإملاء وأقدمه على الإسلام التمحيص المكتوب والابتلاء فتملأ تيها وعجبا وارتكب من قهر هذه الأمة المسلمة مركبا صعبا وسام كلمة الإسلام بأسا وحربا فكتائب بره توسع الأرجاء طعنا وضربا وكتائب بحره تأخذ كل سفينة غصبا والمخاوف قد تجاوبت شرقا وغربا والقلوب قد بلغت الحناجر

غما كربا وجبل الفتح الذي هو باب هذه الدار وسبب الاستعداء على الأعداء والانتصار ومسلك الملة الحنيفية إلى هذه الأقطار قد رماه ببوائقه وصير ساحته مجر عواليه ومجرى سوابقه واتخذه دار مقامه وجعله شغل يقظته وحلم منامه ويسر له ما يجاوره من المعاقل إملاء من الله لأيامه فاستقر به القرار واطمأنت الدار وطال الحصار وعجزت عن نصره الخيل والأنصار ورجمت الظنون وساءت الأفكار وشجر نظار القلوب الاضطرار إلى رحمة الله والافتقار فجبر الله الخواطر لما عظم بها الانكسار ودار بإدالة الإسلام الفلك الدوار وتمخض عن عجائب صنع الله الليل والنهار وهبت نواسم الفرج عاطرة الأرج ممن يخلق ما يشاء ويختار لا إله إلا هو الواحد القهار
وبينما نحن نخوض من الشفقة على ذلك المعقل العزيز على الإسلام لجة مترامية المعاطب ونقتعد صعبا لا يليق بالراكب ولولا التعلق بأسبابكم في أنواء تلك الغياهب وما خلص إلى هذه البلاد من مواهبكم الهامية المواهب ومواعيدكم الصادقة ومكارمكم الغرائب وكتبكم التي تقوم عند العدو مقام الكتائب وإمدادكم المتلاحق تلاحق العظام الجنائب لما رجع الكفر بصفقة الخائب إذ تجلى نور الفرج من خلال تلك الظلمة وهمت سحائب الرحمة والنعمة على هذه الأمة ورمى الله العدو بجيش من جيوش قدرته أغنى عن العديد والعدة وأرانا رأي العيان لطائف الفرج من بعد الشدة وأهلك الطاغية حتف أنفه وقطع به عن أمله قاطع حتفه وغالته أيدي المنون في غيله وانتهى

إلى حدود القواطع القوية والأشعة المريخية نصير دليله فشفى الله منه داء وأخذه أشد ما كان اعتدادا واعتداء وحمى الجزيرة الغربية وقد صارت نهبة طغاته وأشرقه بريقه وهي مضغة في لهواته سبحانه لا مبدل لكلماته
فانتثر سلكه الذي نظمه واختل تدبيره الذي أحكمه ونطقت بتبار محلاته ألسنة النار وعاجلت انتظامها أيدي الانتثار وركدت ريحه الزعزع من بعد الإعصار وأصبح من استظهر به من الأشياع والأنصار ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) وولوا به يحثون التراب فوق المفارق والترائب ويخلطون تبر السبال الصهب بذوب الذوائب قد لبسوا المسوح حزنا وأرسلوا الدموع مزنا وشقوا جيوبهم أسفا وأضرموا قلوبهم تلهفا ورأوا أن حصن استطبونة لا يتأتى لهم به امتناع ولا يمكنهم لمن يرومه من المسلمين دفاع فأخلوه من سكانه وعاد فيه الإسلام إلى مكانه وهو ما هو من طيب البقعة وانفساح الرقعة ولو تمسك به العدو لكان ذلك الوطن بسوء جواره مكدودا والمسلك إلى الجبل عصمه الله مسدودا فكان الصنيع فيه طرازا على عاتق تلك الحلة الضافية ومزيدا لحسنى العارفة الوافية فلما استجلينا غرة هذا الفتح الهني والمنح السني قابلناه بشكر الله تعالى وحمده وضرعنا إليه في صلة نعمه فلا نعمة إلا من عنده وعلمنا أنه عنوان على مزيد ملككم الأعلى وعلامة على سعده وأثر نيته للإسلام وحسن قصده وفخر ذخره

الله لأيامكم لا نهاية لحده فإنكم صرفتم وجه عنايتكم إلى هذا القطر على نأي المحل وبعده ولم تشغلكم الشواغل عن إصلاح شأنه وإجزال رفده
وأما البلد المحصور فظهر فيه من عزمكم الأمضى ما صدق الآزال والظنون وشرح الصدور بمقامكم وأقر العيون من صلة الإمداد على الخطر وتردد السابلة البحرية على بعد الوطن وتعذر الوطر واختلاف الشواني التي تسري إليه سرى الطيف وتخلص سهامها إلى غرضه بعد أنى وكيف حتى لم تعدم فيه مرفقة يسوء فقدانها ولا عدة يهم شأنها فجزاؤكم عند الله موفور القسم وسعيكم لديه مشكور الذمم كافأ الله أعمالكم العالية الهمم وخلالكم الزاكية الشيم فقد سعد الإسلام والحمد لله بملككم الميمون الطائر وسرت أنباء عنايتكم بهذه البلاد كالمثل السائر وما هو إلا أن يستتب اضطراب الكفار واختلافهم ويتنازع الأمر أصنافهم فتغتنمون إن شاء الله فيهم الغرة التي ترتقبها العزائم الشريفة والهمم المنيفة وتجمع شيمكم العليا بين فخر الآخرة والدنيا وتحصل على الكمال الذي لا شرط فيه ولا ثنيا فاهنأوا بهذه النعمة التي خبأها الله إلى أيامكم والتحفة التي بعثها السعد إلى مقامكم فإنما هي بتوفيق الله ثمرة إمدادكم وعقبى جهادكم أوزعنا الله وإياكم شكرها وألهمنا ذكرها
عرفناكم بما اتصل لدينا وورد من البشائر علينا عملا بما يجب لمقامكم من الإعلام بالمتزيدات والأحوال الواردات ووجهنا إليكم بكتابنا هذا من ينوب عنا في هذا الهناء ويقرر ما عندنا من الولاء وما يتزيد لدينا بالأنباء خالصة إنعامنا المتميز بالوسيلة المرعية إلى مقامنا الحظي لدينا المقرب إلينا القائد

الفلاني أبا الحسن عبادا وصل الله عزته ويمن وجهته ومجدكم ينعم بالإصغاء إليه فيما أحلنا فيه من ذلك عليه والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام
وكما كتب عنه أيضا إلى السلطان أبي سعيد عثمان بن يغمراسن صاحب تلمسان عند بعثه بطعام إلى الأندلس شاكرا له على ذلك ومخبرا بفتح حصن من حصون الأندلس يسمى حصن قنيط وهو المقام الذي تحدثت بسعادته دولة أسلافه واتفق به قولها من بعد اختلافه وعاد العقد إلى انتظامه والشمل إلى ائتلافه مقام ولينا في الله الذي هيأ الله له من جميل صنعه أسبابا وفتح به من مبهم السعد أبوابا وأطلع منه في سماء قومه شهابا
وصفينا الذي نسهب القول في شكر جلاله ووصف خلاله إسهابا السلطان أبو سعيد عثمان ابن الأمير أبي زيد ابن الأمير أبي زكريا ابن السلطان أبي يحيى يغمراسن بن زيان مع ذكر ألقاب كل منهم بحسبه أبقاه الله للدولة الزيانية يزين بالأعمال الصالحة أجيادها ويملك بالعدل والإحسان قيادها ويجري في ميدان الندى والباس ووضع العرف بين الله والناس جيادها
سلام كريم كما زحفت للصباح شهب المواكب وتفتحت عن نهر المجرة أزهار الكواكب ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد حمد الله جامع الشمل بعد انصداعه وشتاته وواصل الحبل بعد انقطاعه وانبتاته سبحانه لا مبدل لكلماته والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الصادع بآياته المؤيد ببيناته الذي اصطفاه لحمل الأمانة العظمى وحباه

بالقدر الرفيع والمحل الأسمى والله أعلم حيث يجعل رسالاته
والرضا عن آله وصحبه وأنصاره وحزبه وحماته المتواصلين في ذات الله وذاته القائمين بنصر دينه وقهر عداته
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم سعدا ثابت الأركان وعزا سامي المكان ومجدا وثيق البنيان وصنعا كريم الأثر والعيان من حمراء غرناطة حرسها الله والثقة بالله سبحانه أسبابها وثيقة وأنسابها عتيقة والتوكل عليه لا تلتبس من سالكه طريقه ولا تختلط بالمجاز منه حقيقة وعندنا من الاعتداد بكم في الله عقود مبرمة وآي في كتاب الإخلاص محكمة ولدينا من السرور بما سناه الله لكم من أسباب الظهور الذي حلله معلمه وحججه البالغة مسلمه ما لا تفي العبارة ببعض حقوقه الملتزمه وإلى هذا أيد الله أمركم فإننا ورد علينا فلان وصل الله كرامته وسنى سلامته صادرا عن جهتكم الرفيعة الجانب السامية المراقب طلق اللسان بالثناء بما خصكم الله به من فضل الشمائل وكرم المذاهب محدثا عن بحر مكارمكم بالعجائب فحضر بين يدينا ملقيا ما شاهده من ازدياد المشاهد بتلك الإيالة واستبشار المعاهد بعودة ذلك الملك الرفيع الجلالة الشهير الأصالة ووصل صحبته ما حملتم جفنة من الطعام برسم إعانة هذه البلاد الأندلسية والإمداد الذي افتتحتم به ديوان أعمالكم السنية وأعربتم به عما لكم في سبيل الله من خالص النية وأخبر أن ذلك إنما هو رشة من غمام وطليعة من جيش لهام ووفد من عدد وبعض من مدد وأن عزائمكم في الإعانة والإمداد على أولها ومكارمكم ينسى الماضي منها بمستقبلها فأثنينا على قصدكم الذي لله أخلصتموه وبهذا العمل البر خصصتموه وقلنا لا ينكر الفضل على أهله وهذا بر صدر عن محله فليست إعانة هذه البلاد الجهادية ببدع من مكارم جنايكم الرفيع ولا شاذة فيما أسدى على الأيام من حسن الصنيع فقد علم الشاهد والغائب ولو سكتوا أثنت عليها الحقائب ما تقدم لسلفكم في

هذه البلاد من الإرفاق والإرفاد والأخذ بالحظ الموفور من المدافعة والجهاد وأنتم أولى من جدد عهود قومه وكان غده في الفخر أكبر من يومه وقد ظهرت لله في حيز تلك الإيالة الزيانية نتيجة تلك المقدمات وعرفت بركة ما أسلفته من المكرمات
وسنى الله سبحانه بين يدي وصول ما به تفضلتم وفي سبيله بذلتم أن فتح جيشنا حصنا من الحصون المجاورة لغربي مالقة يعرف بحصن قنيط من الحصون الشهيرة المعروفة والبقع المذكورة بالخصب الموصوفة ودفع الله مضرته عن الإسلام وأهله ويسره بمعهود فضله فجعلنا من ذلك الطعام الذي وجهتم طعمه حماته ونفقات رجاله ورماته اختيارا له في أرضى المرافق في سبل الخير وجهاته
وأما نحن فإن ذهبنا إلى تقرير ما عندنا من الثناء على معالي ملككم الأصيل البناء والاعتداد بمقامكم الرفيع العماد والاستناد إلى ولائكم الثابت الإسناد لم نبلغ بعض المراد ولا وفى اللسان بما في الفؤاد فمن الله نسأل أن يجعله في ذاته وذريعة إلى مرضاته ومرادنا من فضلكم العميم وودكم السليم أن تحسبوا هذه الجهة كجهتكم فيما يعرض من الأغراض لنعمل في تتميمها بمقتضى الود العذب الموارد الكريم الشواهد والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام

الضرب الثاني أن يقع الابتداء بالمقر
والرسم فيه أن يقال المقر وينعت ثم يقال مقر فلان وينعت بالألقاب ثم يذكر المكتوب عنه
ثم يقال أما بعد حمد الله ويؤتى على الخطبة إلى آخرها ثم يقال فإنا كتبناه لكم من موضع كذا يتخلص إلى المقصد بلفظ وإلى هذا فإن كذا وكذا ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام
كما كتب ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر إلى عجلان سلطان مكة

شرفها الله تعالى وعظمها وهو المقر الأشرف الذي فضل المحال الدينية محله وكرم في بئر زمزم ومنبط إسماعيل نهله وعله وخصه بإمرة الحرم الشريف الأمين من بيده الأمر كله فأسفر عن صبح النصر العزيز فضله واشتمل على خواص الشرف الوضاح جنسه وفصله وطابت فروعه لما استمد من ريحانتي الجنة أصله
مقر السلطان الجليل الكبير الشريف الطاهر الظاهر الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى الشهير البيت الكريم الحي والميت الموقر المعظم ابن الحسين وحافد سيد الثقلين تاج المعالي عز الدنيا والدين أبي السبق عجلان ابن السلطان الكبير الشهير الرفيع الخطير الجليل المثيل الطاهر الظاهر الشريف الأصيل المعظم الأرضى المقدس المنعم أسد الدين أبي الفضل رميثة بن محمد بن أبي سعيد الحسني أبقاه الله وجعل أفئدة من الناس تهوي إلى قاطني مثواه على بعد الدار وتتقرب فيه إلى الله بالتئام التراب واستلام الجدار وتجيب أذان نبيه إبراهيم بالحج إجابة الابتدار وهنأه المزية التي خصه بها من بين ملوك الأقطار وأولي المراتب في عباده والأخطار كما رفع قدره على الأقدار وسجل له بسقاية الحج وعمارة المسجد الحرام عقد الفخار
وينهي إليه أكرم التحيات تتأرج عن شذا الروضة المعطار عقب الأمطار معظم ما عظم الله من شعائر مثواه وملتمس البركة من أبواب مفاتحته ولكل امرىء ما نواه وموجب حقه الذي يليق بمن البتول والرضا أبواه الشيق إلى الوفادة عليه وإن مطله الدهر ولواه فلان
كان الله له في غربته وانفراده وتولى عونه على الجهاد فيه حق جهاده

أما بعد حمد الله ولي الحمد في الأولى والآخرة ومطمح النفوس العالية والهمم الفاخرة مؤيد العزائم المتعاضدة في سبيله المتناصرة ومعز الطائفة المؤمنة ومذل الطائفة الكافرة ومنيل القياصرة الغلب والأكاسرة وتارك أرضها للآذان السامعة والعيون الباصرة
والصلاة على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله نبي الرحمة الهامية الهامرة والبركات الباطنة والظاهرة المجاهد في سبيل الله بالعزائم الماضية والصوارم الباترة مصمت الشقاشق الهادره ومرغم الضلالة المكابره المنصور بالرعب من جنود ربه الناصره المحروس بحرس الملائكة الوافره الموعود ملك أمته بما زوي له من أطراف البسيطة العامره حسب ما ثبت بالدلائل المتواتره
والرضا عن آله وأحزابه وعترته وأصحابه المجاهدة الصابره أولي القلوب المراقبة والألسن الذاكره والآداب الحريصة على الاهتداء بهداه المثابره الذين جاهدوا في الله حق جهاده يخوضون لأن تكون كلمة الله هي العليا بحار الروع الزاخره ويقدمون بالجموع القليلة على الآلاف المتكاثره حتى قرت بظهور الإسلام العيون الناظره وحلت في العدو الفاقره فكانوا في الذب عن أمته كالأسود الكاسره وفي الهداية بسماء ملته كالنجوم الزاهره
والدعاء لشرفكم الأصيل المناسب الطاهره والمكارم الزاهية ببنوة الزهراء البتول بضعة الرسول الزاهره بالصنع الذي يسفر عن الغرر المشرقة السافره والعز الذي يضفو منه الجناح على الوفود الوافره والفضلاء من المجاورة ولا زال ذكركم بالجميل هجيري الركائب الواردة والصادره والثناء على مكارمكم

يخجل أنفاس الرياض العاطره عقب العمائم الماطره
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عناية تحجب الأسواء بجننها الساتره ورعاية تجمع الأهواء المختلفة والقلوب المتنافره من حمراء غرناطة دار الملك الإسلامي بالأندلس حرسها الله ووفر جموع حاميتها المثاغرة وسد بيد قدرته ما هم بها من أفواه العدى الفاغره ولا زالت سحائب رحمة الله الحائطة لها الغامره تظلل جموع جهادها الظافره وتجود رمم شهدائها الناخره ونعم الله تحط ركائب المزيد في نواديها الحامدة الشاكره
والحمد لله كما هو أهله فلا فضل إلا فضله
وجانبكم موفى حقه من التعظيم الذي أناف وأربى وقدركم يعرفه من صام وصلى فضلا عمن حج ولبى ومستند ودكم ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )
وإلى هذا حرس الله مجدكم ومقركم الأشرف كما سحب على البيت العتيق ظلكم الأورف فإن الجهاد والحج أخوان يشهد بذلك الملوان مرتضعان ثدي المناسبه ويكادان يتكافآن في المحاسبه سفرا وزادا ونية واستعدادا وإتلافا لمصون المال وإنفادا خروجا إلى الله لا يؤثر أهلا ولا ولدا وإن افترقا محلا فقد اجتمعا جهادا ورفعا للملة منارا ساميا وعمادا ووطننا والحمد لله على هذا العهد المخصوص بكمال هذه المزيه والقيام بفرض كفايتها البحرية والبرية عن جميع البريه السليمة من الضلال البرية وهذا النسب واشجة عروقه

صادقة بروقه ومتاته لا يفضله متات ولا يفوقه
ونحن نعرفكم بأحوال هذا القطر المستمسكة فروعه بتلك الجرثومة الراسيه الممدودة أيديه إلى مثابتها المتصدقة بالدعاء المواسيه فاعلموا أن الإسلام به مع الحياة في سفط حرج وفي أمر مرج وطائفة الحق قليل عددها منقطع إلا من الله مددها مستغرق يومها في الشدة وغدها فالطلائع في قنن الجبال تنور والمصحر من بيته مغرر والصيحة مع الأحيان مسموعه والأعداء لرد ما استخلصه الفتح الأول مجموعه والصبر قد لبست مدارعه والنصر قد التمست مشارعه والشهداء تنوش أشلاءهم القشاعم وتحتفل منها للعوافي الولائم والمطاعم والصبيان تدرب على العمل بالسلاح وتعلم أحكام الجهاد تعلم القرآن في الألواح وآذان الخيل مستشرفة للصياح ومفارق الطائحين في سبيل الله تعالى تبلى بأيدي الرياح والمآذن تجيبها النواقيس مناقضة وتراجعها مغاضبة معارضه وعدد المسلمين لا يبلغ من عدد الكفار عشر المعشار ولا وبرة من جلود العشار إلا أن الله عز و جل حل بولايتنا المخنق المشدود وفتح إلى التيسير المهيع المسدود وأضفى ظلال اليمن الممدود وألهم وله الشكر على الإلهام وتسديد السهام
والحمد لله الذي يفوت مدارك الأفهام إلى اجتهاد قرن به التوفيق وجهاد نهج به إلى النجاة المنجية الطريق سبحانه من كريم يلهم العمل

ليثيب ويأمرنا بالدعاء ليجيب فتحركنا حركات ساعدها ولله المنة السعد وتولى أمرها ونصرتها من له الأمر من قبل ومن بعد
ففتحنا مدينة برغة الفاصلة كانت بين البلاد المسلمة والشجا المعترض في نحر الكلمه وتبعتها بنات كن يرتضعن أخلاف درتها ويتعلقن في الحرب والسلم بأرزتها
ثم نازلنا حصن آش ركاب الغارات الكافره ومستقر الشوكة الوافره فرفع الله إصره الثقيل وكان من عثرة الدين فيه المقيل
ثم قصدنا مدينة الجزيرة بنت حاضرة الكفر وعرين الأسود الغلب وكناس الظباء العفر فاستبحناها عنوة أضرمت البلاد نارا ودارت بأسوارها المنيعة سوارا واستأصلنا أهلها قتلا وإسارا وملأت الأيدي من نقاوة سبي تعددت آلافه وموفور غنم شذت عن العبارة أوصافه
ثم كانت الحركة إلى مدينة جيان وشهرتها في المعمور وشياع وصفها

المشهور تغني عن بسط مالها من الأمور ففتحها الله على يدينا عنوة وجعلت مقاتلتها نهبا للسيوف الرقاق وسبيها ملكة للاسترقاق وأهلة مبانيها البيض دريئة للمحاق واستولت على جميعها أيدي الهدم والإحراق ثم دكت الأسوار وعقرت الأشجار واستخلف على خارجها النار فهي اليوم صفصف ينشأ بها الاعتبار وتعجب الأبصار
وغزونا بعدها مدينة أبدة أختها الكبرى ولدتها ذات المحل الأسرى وكانت أسوة لها في التدمير والتتبير والعفاء المبير
ثم نازلنا مدينة قرطبة وهي أم هذه البلاد الكافره ودار النعم الوافره وذات المحاسن السافره فكدنا نستبيح حماها المنيع ونشتت شملها الجميع ونحتفل بفتحها الذي هو للدين أجل صنيع لولا عوائق أمطار وأجل منته إلى مقدار فرحلنا عنها بعد انتهاك زلزل الطود ووعدناها العود ونؤمل من فضل الله إنفاذ البشرى بفتحها على بلاد الإسلام ومتاحفة من بها من الملوك

الأعلام بالأخبار به والإعلام
وبلغ من صنع الله لنا وهو كاف من توكل عليه وفوض الأمور إليه أن لاطفنا النصر بحصون أربعة لم نوجف عليها ركابا ولا تملكتها غلابا فطهرنا بيوت الله من دنس الأوثان وعوضنا النواقيس بكلمة الإيمان
والحمد لله على مواهب الامتنان ومنه نستزيد عوائد الإحسان
وهذه المجملات تحتمل شرحا تسبح في بحره سنان الأقلام سبحا من أوصاف مغانم شذت عن الحصر ومواقف لتنزل السكينة وهبوب النصر وما ظهر من جد المسلمين في افتتاح تلك المعاقل المنيعة المنيفه ومقارعة الجموع الكثيفة وبركة الحرم الشريف في كل حال موجوده وأقطار الإسلام بها مجوده والوسائل إلى الله بأهله في القديم والحديث لا مخيبة ولا مردوده فهو الأصل والغمد الذي سل منه النصل حتى بلغ التخوم القاصية وذلل الممالك المتعاصية وقاد من تقاعد أو تقاعس بالناصية
وقد ظهر لنا أن نوجه إلى المدينة المقدسة صلوات الله على من بها وسلامه رسالة نعرفه بهذه البركات الهامية من سماء عنايته المعدود خارقها آية من آياته وكلنا جناه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله بهداه وأصحبناها أشخاصا من نواقيس الفرنج مما تأتى حمله وأمكن نقله وما سواه فكانت جبالا لا يقبل نقلها احتيالا فتناول درعها المسخ والتكسير وشفي بذهاب رسومها الإقامة والتكبير والأذان الجهير ومرادنا أن تعرض بمجتمع الوفود تذكرة تستدعي الإمداد بالدعاء وتقتضي بتلك المعاهد النصر على الأعداء ثم تصحب ركاب الزيارة إلى أبواب النبوة ومطالع الإنارة وأنتم تعلمون في توفية هذه الأحوال ورعايتها وإبلاغها إلى غايتها ما يليق بحسبكم الوضاح ومجدكم الصراح

وشرفكم المتبلجة أنواره تبلج الإصباح فأنتم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح ولكم بذلك الحظ الرغيب في هذه الأعمال البرة والله سبحانه لا يضيع مثقال الذرة وهو سبحانه يتولاكم بما تولى به من أعز شعاره وعظمها ورعى وسائله واحترمها ويصل أسباب سعدكم وينفعكم بقصدكم
والسلام الكريم الطيب البر العميم يحيي معاهدكم الكريمة على الله عهودها النامية بغمائم الرحمات والبركات عهودها ورحمة الله وبركاته
وربما قدم على لفظ المقر صلة يعتمد عليها في البداءة
كما كتب عنه أيضا في معنى ذلك إلى أمير المدينة النبوية على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام
يعتمد المقر الأشرف الذي طاب بطيبة نشره وجل بإمارتها الشريفة أمره وقدر في الآفاق شرفه وشرف قدره وعظم بخدمة ضريح سيد ولد آدم فخره أبقاه الله منشرحا بجوار روضة الجنة صدره مشرقا بذلك الأفق الأعلى بدره ذائعا على الألسن المادحة في الأقطار النازحة حمده وشكره مزريا بشذا المسك الأذقر في الجمع الأوفر ذكره تحية معظم ما عظم الله من دار الهجرة داره ومطلع إبداره الملتمس بركة آثاره المتقرب إلى الله بحبه وإيثاره
فلان
أما بعد حمد الله الذي فضل البقع بخصائصها الكريمة ومزاياها تفضيل الرياض الوسيمة برياها وجعل منها مثابات رحمة تضرب إليها العباد آباط مطاياها مؤملة من الله غفران زلاتها وحط خطاياها وخص المدينة الأمينة بضريح سيد المرسلين فأسعد منها مماتها ومحياها ورفع علياها

والصلاة على سيدنا ومولانا محمد ورسوله الكريم الرؤوف بالمؤمنين الرحيم مطلع أوجه السعادة ببروق محياها وموضح أسرار النجاة ومبين خفاياها الذي تدارك الخليقة بهديه وكشف بلاياها ورعى لسنة الله رعاياها وجمع بين صلاح دينها ودنياها
والرضا عن آله وصحبه وعترته وحزبه التي كرمت سجاياها وعظمت ألطافها الهادية وهداياها وجاهدت بعده طوائف الكفار تشعشع لها في أكواس الشفار مناياها وتطلع عليها في الليل البهيم سنا الصباح الوسيم من غرر سراياها وتسد بغمام الأسنة ورياح ذوات الأعنة ثناياها
والدعاء لمقر أصالتكم الشريفة حياها الله وبياها كما شرفها بولادة الوصي الذي قرر وصاياها وسلالة النبي الذي أعظم مواهب فخرها منه وعطاياها بالسعادة التي تبرز أكف الأقدار على مرور الأعصار خباياها والعز الذي يزاحم فرقد السماء وثرياها
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من مواهب الصنع الجميل أغياها كما طيب بذكركم أطراف البسيطة وزواياها وجعل فخر الجوار الكريم في عقبكم كلمة صدق لا تختلف قضاياها ما مرضت الرياض مورسات عشاياها فجعلت من النواسم مشمومها ومن الأزهار البواسم حشاياها
من حمراء غرناطة حرسها الله ونعم الله يحوك حللها الجهاد والسيوف الحداد وتلبسها البلاد والعباد وتتزياها
وفلول الكفر ناكصة على الأعقاب من بعد شد الوثاق وضرب

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39