كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

المساء والصباح ولا يشغله شاغل عن مصالح ممهد الدول من هو لسلطاننا الأشرف أمير سلاح والله تعالى يفتح له من الخير أبواب النجاح والاعتماد على الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى
قلت ومما ينخرط في سلك تواقيع أرباب الوظائف السلطانية وظائف دواوين الأمراء الخاصكية فإنه ربما كتب عن السلطان التوقيع لبعض أرباب وظائف دواوينهم كما يكتب في الوظائف السلطانية
وهذه نسخة توقيع كريم بنظر دواوين بعض الأمراء وهي
أما بعد حمد الله الذي هدى إلى الملة المحمدية من أسر الإيمان في قلبه ونواه وضم إلى الأمة الإسلامية من أضمر الإخلاص فأظهره الله في متقلبه ومثواه وجمع لولي الدولة ومخلصها الفرج والفرح لأنه من توكل عليه كفاه والشهادة بالوحدانية التي تبلغ قائلها من رضاه مناه وتجعل جناته لمن أسرها جنانه مستقره ومأواه والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي قصم عداه وفصم عرا من عاداه من أهل الشرك وعداه وعلى آله وصحبه الذين اهتدوا بهداه واستجدوا جداه ولبوا نداه وأموا نداه صلاة تجزل لمصليها ثوابه وتجمل مآبه وتحمد عقباه فإن أولى من رفع له الكرم محلا وقلدته النعم عقدا محلى وأعيد إلى رتبة الاصطفاء وفوض إليه ديوان أعز الأخصاء وصرف قلمه في مهامه وحصلت هممه على جميع أقسامه وعدقت مصالحه بتدبيره ومناجحه بتأثيله وتأثيره ومتحصلاته بتمييزه وتثميره

وأحواله وأمواله هذه بحسن تصرفه وهذه بيمن تقريره من دخل في دين الله القويم واجتباه وهداه إلى الصراط المستقيم وكساه الإسلام حلة شرفه وبوأه الإيمان مباني غرفه ونوى الاستقامة في إقامته ومنصرفه والتحف بجلباب الإسلام وارتدى وتلبس بالإيمان فصد عنه الأذى ورد الردى وغدا من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى مع كفاية أوجبت له التقريب والتقديم وجددت له ملابس التكبير والتكريم وكتابة فاق بها أمثاله وعلا مثاله وبلغته من العلياء مرامه ومناله ومعرفة بفنون الحساب وخبرة اعترف بها الكتاب والحساب وأوجبت له من الإقبال مالم يكن في حساب
ولما كان مجلس القاضي فلان هو الذي أخذ القلم في مدحه والكرم في منحه اقتضى رأينا الشريف أن نقبل على إقباله على الدين بوجه الإقبال وأن نبلغه في أيامنا الشريفة ما كان يرجوه من الآمال فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يرفع من كان للدولة وليا ويضع الشيء محله بتقديم من أضحى عرفانه جليا
فليباشر ذلك مباشرة تبلغه أملا من الاعتلاء وتنوله مراما من الاعتناء وتؤمنه من طوارق الزمن وحوادث الاعتداء عالما بأن دولتنا الفلانية المنصورة تجازي عن الحسنة بأمثالها وأن أيامنا الفلانية المشهورة المشكورة تبلغ أولياءها غاية آمالها وأننا أجزلنا بره وأجملنا ذكره وأجرينا على لسان القلم حمده وشكره فليعتمد في مباشرته الأمانة المبرة والنزاهة التي رفعت ما ساءه ووضعت ما سره وليشمر في مصالح هذا الديوان السعيد عن ساعد اجتهاده ويعتمد في أموره ما ألف من سداده ويتحر من السعادة ما كان قبل القول من سعاده وليتق الله حق تقاته ويجعل التقوى حلية لأوقاته وحلة على سائر تصرفاته ويسر

بتقواه سيرا خبرا وخبرا ويذر جورا وجبرا ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا )
قلت وغالب ما يعتنى به في تواقيع أرباب الأقلام المفتتحة برسم الدعاء المصدر به التواقيع واشتماله على براعة الاستهلال
وهذه جملة أدعية من ذلك ينسج على منوالها
أثير الدين لا زال فلك فضله أثيرا وطالع سعده منيرا وهبوب ريح مبراته للخيرات مثيرا
أمين الدين لا زال ينبغي للخدم الشريفة خير أمين ويصطفي للقيام بالمصالح أنهض معين ويجتبي لأهم المهمات من هو غير متهم في المناصحة وغير ظنين
بدر الدين لا زال يولي المناصب الدينية من سلك في النزاهة مسلكا جميلا ويولي الفضل الجزيل من أضحى إشراق بدره على آثار حظه دليلا
برهان الدين لا زالت أوامره الشريفة ترفع للعلماء شانا وتقيم على استحقاقهم دليلا واضحا وبرهانا
تاج الدين لا زالت صدقاته الشريفة ترفع تاج الفضائل على الرؤوس وبره الشامل يذكي النفوس ويزكي الغروس وتوارد إفضاله يوشي المهارق

ويدبج الطروس
تقي الدين لا زالت صدقاته الشريفة تقدم كل تقي وترجح ميزان من هو بالفضائل أملى ملي وترفع قدر من إذا سئل عن محله في الرياسة قيل علي
جمال الدين لا زال جمال جميله للنفوس رائقا وإفضاله المتوافر لكل إفضال سابقا
جلال الدين لا زالت صدقاته الشريفة تزيد جلال ذوي الفضل جلالا وإحسانه المتواتر يوسع في البر لأولي الاستحقاق مجالا وبره المتتابع تقصر عنه خطا كل بر فينادي هكذا هكذا وإلا فلا لا
رضي الدين لا زال رضي السجايا ظاهر المزايا مسترسل ديم العطايا
زين الدين لا زال نواله الشريف زينا لنائله وسؤاله المحقق إجابته شرفا لسائله وقاصد بابه الشريف يؤم بالخير في عاجل الأمر وآجله
سراج الدين لا زالت عنايته الشريفة تخص أولياءها بجزيل المواهب وتبلغهم من صدقاتها العامة غاية الآمال وأقصى المطالب وتوقد لهم من أنوار سعادتها سراجا يغلب على نور الكواكب
سري الدين لا زالت صدقاته الشريفة تصطفي من أرباب الكتابة من يجيد المعاني فلا يضع لفظا إلا جعل تحته معنى سريا وترتضي من فرسان البراعة في ميدان اليراعة من يرتقي ببلاغته مكانا عليا وتجتبي من أهل الإجادة من تميز بالإفادة فلا يزال كلامه لأجياد الطروس حليا
شرف الدين لا زالت صدقاته الشريفة تضع الشيء في محله وترجع الفضل إلى مستحقه وأهله وتختار للمناصب من ظهر شرفه بين قوله وفعله
شمس الدين لا زالت صدقاته الشريفة تطلع في سماء المعالي من ذوي الرياسة شمسا ونعمه الجسيمة تنبت في روض الإحسان غرسا ومراسمه

العالية تنقل إلى رتب الرياسة من شدت كفه على عدد الأماني خمسا
شهاب الدين لا زالت صدقاته الشريفة تطلع في أفقها شهابا وتهمل من جزيل المواهب للأماني سحابا وتضع الشيء في محله وتزيد الأمور انتظاما والدعاء استجلابا
صدر الدين لا زالت آراؤه الشريفة تستجيد من ذوي الفضائل من جاوز الجوزاء نظما وفاق النثرة نثرا وتستعيد للمناصب من الأماثل من تقصر عن مجده الكواكب رفعة وقدرا وتستزيد في المراتب من فاق سحبان وائل وساد الأوائل فأضحى في مجالس العلياء صدرا
صلاح الدين لا زال أمره الشريف يقدم من يفيد ويجيد فيكون لكل أمر صلاحا وكرمه الطويل المديد يشمل من ذوي الفضائل من فاق سحبان وائل فصاحة وفاق حاتم الأوائل سماحا ورأيه الرشيد السديد يختار من إذا انتضى اليراعة غلب رأيه سيوفا وطال قلمه رماحا
ضياء الدين لا زالت آراؤه الجميلة تختار من ذوي الفضائل الجليلة من تزداد به المناصب ضياء ونعمه الجزيلة تعم كل بارع إذا ادلهمت الخطوب كان فوه لها جلاء وعوارفه المستطيلة تشمل كل فاضل بذل في الخدمة جهده وتكسوه هيبة وبهاء
علم الدين لا زال جزيل إحسانه أوضح من نار على علم ومزيد

امتنانه يشمل أرباب السيف والقلم وسحب بنانه تسح فلا تشح بجزيل الكرم
علاء الدين لا زال علاء دولته يصطفي ذوي الفضائل ويختار من الفصحاء من يفوت الأواخر كما أضحى يفوت الأوائل ويقدم من هو في تدبير اليراعة كعلي بن هلال وفي حسن البراعة كسحبان وائل
عز الدين لا زالت صدقاته الشريفة تزيد ذوي الأقلام من جزيل الإنعام فتنيلهم عزا وتستجيد من كتابها الأعلام من خص بجواهر الكلام فكل حسن إلى كلامه يعزى وتستفيد من نجباء الأيام كل بارع كأن كلامه زهر الكمام فلو خاطب سحبان لأورثه قصورا وعجزا
عماد الدين لا زالت آراؤه الشريفة تتخذ من نجباء الكتاب عمادا وتختار من ذوي الفضائل في الخطاب من تجد لكلامه حسنا وسدادا وتقدم من أهل الفضل في السؤال والجواب من لا تعدم في كل مقاصده رشادا
عضد الدين لا زالت صدقاته الشريفة تجعل من إنعامها لخدامها عضدا وتلحظ بعين إكرامها وحسن احترامها من طال في الفضل مدى وتزين مطالع أيامها بشموس أعلامها فلا ترى مثلهم أحدا
غرس الدين لا زالت صدقاته الشريفة تنبت في روض الإحسان من أرباب البيان غرسا وتجتني من كمام اللسان أزاهر النكت الحسان وتزين بها طرسا وتفيض من مواهب البنان ما يشهد لها بجزيل الامتنان فيطيب كل آمل نفسا
غياث الدين لا زالت صدقاته الشريفة تبدي لكل آمل غياثها وتضفي

ظلها على من استجار بها واستغاثها وتنطق ألسن أقلامها بمواهب إنعامها فتبذل طريفها وتراثها
فتح الدين لا زالت صدقاته الشريفة تتخير من ذوي الأقلام من يفتح أبواب الكلام فتحا وتهب جزيل الإنعام لمن يستحقه من الكتاب الأعلام فينال بذلك ثناء وربحا وتقرب بيد العناية والإكرام من ذوي الرياسة والاحترام من هز على البلغاء قدحا
فخر الدين لا زالت آراؤه الشريفة تنصب من المناصب من يزيد بحسن مباشرته فخرها وتمطي ظهور المراتب من إذا أظلمت الأيام لعدم فاضل ظهر بفضيلته فجرها
قطب الدين لا زالت صدقاته الشريفة تدير على قطب البلاغة من أرباب اليراعة نجوما وتشير بعنايتها إلى من حاز من الفضل فنونا وأحيا من الآداب رسوما وتنير بدور سعدها لمن لم يزل قلمه لأسرار الملك كتوما
كريم الدين لا زالت صدقاته الشريفة تشمل من ذوي الفضائل من عد في فصله وأصله كريما فتقدم من لا له في البلاغة مماثل فلا يزال بكل فن عليما وتنصب في المناصب من فات قيس الأوائل رأيا وفاق قسا بحديث بلاغته قديما
كمال الدين لا زالت سعادته الباهرة تطلع في سماء العلياء من فاق البدور كمالا وأوامره القاهرة تقدم أسنى البلغاء جلالا وأسمى صدقاته الوافية تعم من ذوي الفضائل من زاد المناصب بحسن مباشرته مهابة وجمالا
مجد الدين لا زالت صدقاته الشريفة تملك أعنة الأقلام من تراه لها

مجدا وتودع بجيد الأيام من جواهر الفضلاء عقدا وتشمل بأياديها الكرام من إذا جمع البلغاء كان بينهم فردا
محيي الدين لا زالت أوامره الشريفة تشمل من البلغاء من شهر بفصل الخطاب وإذا ماتت الفضائل يحييها وغيث جوده الهامي يفيض فيض السحاب فيبادر العفاة ويحييها وعنايته تعم ذوي الألباب فتمهد رتب العز وتهييها
موفق الدين لا زالت صدقاته الشريفة تطلع كل هلال من اهتدى به كان موفقا وتملك من يزري بابن هلال أنى كتب رقاعا ومحققا وتفيض لراجيها أفضل نوال من شبهه بالغيث كان محققا
ناصر الدين لا زال يقرب من أضحى لأهل الكلام بمرهفات الأقلام ناصرا ويهب طويل الإنعام لمن باعه مديد في النثر والنظام فما برح فضله وافرا وينتخب من غدا شريعا لعادات الكرام مضارعا لصفات الكتاب الأعلام وأصبح في البيان نادرا
نجم الدين لا زالت أوامره الشريفة تطلع في أفق السعادة من ذوي السيادة نجما وتعم بجزيل الإفادة من عرف بالفضل وبالإجادة وفاق أقرانه نثرا ونظما وتسمح من عنايتها بالإرادة لمن هو أهل الحسنى وزيادة فتجزل له من كرمها قسما
نور الدين لا زالت صدقاته الشريفة تعم بالنوال من هو في البراعة متسع المجال فيزيد الكلام نورا وحسناته تشمل ذوي الآمال بما يحمد في البدء والمآل فتملأ القلوب سرورا ومبراته تصل أولي الكمال وتنتخب أخيار العمال فلا برح أنفذ الملوك أمورا

نظام الدين لا زال يتخير من كان في الناس مجيدا وفي البيان مجيدا فحسن لفظه نظاما ويهب من بره مزيدا لمن كان في الخدمة مريدا فلا ينقض للنصيحة ذماما ويبذل كرما مفيدا لمن يراه في الفضل مبدئا ومعيدا فحاز فخارا وطاب كلاما
همام الدين لا زال يرتضي من هو في فرسان اليراعة أنهض همام ويقتضي وعد كرمه لمن نهض في الرياسة نهوض اهتمام وينتضي عضد ذهنه فيصيب مفصل كل كلام
ولي الدين لا زال يحلي أجياد المناصب من ذوي البلاغة بمن يحسن في الكلام الصياغة فينظمه حليا ويجلي كرب المراتب من فرسان اليراعة بمن راح فضله ولفظه جليا ويولي المناصب من غدا في البيان وافر البضاعة فاتخذته الأقلام وليا

الضرب الرابع من الوظائف التي يكتب فيها بالديار المصرية مشيخة الخوانق
وكلها يكتب بها تواقيع
وهي على طبقات
الطبقة الأولى ما يكتب في قطع النصف بالمجلس العالي مفتتحا بالحمد لله
وهو مشيخة الشيوخ خاصة
واعلم أن مشيخة الشيوخ كانت فيما تقدم تطلق على مشيخة الخانقاه

الصلاحية سعيد السعداء فيكتب فيها بذلك ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن بنى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخانقاه الناصرية بسرياقوس استقرت مشيخة الشيوخ على من يكون شيخا بها والأمر على ذلك إلى الآن
وهذه نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالخانقاه الصلاحية سعيد السعداء بالقاهرة المحروسة باسم الشيخ شمس الدين بن النخجواني من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله العمري وهي
الحمد لله مرقي أوليائه وموقي أصفيائه وملقي كلمة الإخلاص لمن تلقى سرها المصون عن أنبيائه
نحمده على مصافاة أهل صفائه وموافاة نعمنا لمن تمسك بعهود وفائه وتسلك فاصبحت رجال كالجواهر لا تنتظم في سلكه ولا تعد من أكفائه وطالع للدين شمسا يباهي الشمس بضيائه ويباهل البدر التمام فيتغير تارة من خجله وتارة من حيائه
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعدها ذخرا للقائه وفخرا باقيا ببقائه راقيا في الدرجات العلى بارتقائه
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله مبلغ أنبائه ومسوغ الزلفى لأحبائه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان من أهل ولائه

ومن عرف به الله لما تفكر في آلائه صلاة يؤمل دوامها من نعمائه ويؤمن عليها سكان أرضه وسمائه وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى ما استقام به الشخص على الطريقة واستدام به الرجوع إلى الحقيقة واستام به يطمئن إلى خالقه لا إلى الخليقة وحفظ أفقه بنير تستضيء به النيرات ونوء تتقسم به الغمائم الممطرات طائفة أهل الصلاح ومن معهم من إخوان أهل الصفاء الصوفية داعي الفلاح ومن تضمهم من الواردين إليهم إلى جناح والصادرين عنهم بنجاح ومن تفتح له فيهم أبواب السماء وتمنح بنفسهم عامة الخلق ملابس النعماء ومن يكشف بتهجدهم جنح كل ظلام ويكسف بتوجههم عارضة كل بدر تمام ويستشفى ببركاتهم من داء كل سقام ويستسقى بدعائهم إذا قصر النيل وقص جناحه الغمام وهم أولياء الله وأحباؤه وبهم يتعلل كل لبيب هم سقامه وهم أطباؤه أنحلهم الحب حتى عادوا كالأرواح وأشغلهم الحب بصوت كل حمام شجاهم لما غنى وبرح بهم لما ناح وأطربهم كل سمع فوجدوا بكل شيء شجنا وعذبهم الهوى فاستعذبوا أن لا يلائموا وسنا ومثل فرط الكلف لهم الأحباب فما رأوا لهم حالا إلا حسنا وأثقل تكرار الذكرى قلوبهم فما عدوا غربة غربة ولا وطنا وطنا قربت المحبة لهم في ذات الله كل متباعد وألفت أشتاتهم فاختلفت الأسماء والمعنى واحد
والخانقاه الصلاحية بالقاهرة المحروسة المعروفة بسعيد السعداء

قدس الله روح واقفها هي قطب نجومهم السائرة ومراكز أفلاكهم الدائرة وإليها تنحط رحال سفارهم وعليها تحط رحال أسفارهم تضطرب فرقهم في البلاد وإليها مرجعهم وعليها مجتمعهم وفيها مواضع خلواتهم ومطالع جلواتهم ومكان صلاتهم وإمكان صلاتهم ومشرق شموسهم ومؤنق غروسهم ومنهاج طريقتهم ومعراج حقيقتهم مأوى هذه الطائفة الطائفة في شرق البلاد وغربها وبعدها وقربها وعجمها وعربها ومن رفع سجوفها أو هو محجوب بحجبها والمؤهلة والعراب وأهل الاغتراب هي فسيحهم الرحيب وصفيحهم القريب ومثالهم إذا اجتمعوا في الملإ الأعلى زمرا واخترقوا المهامه وما جازوا بيداء ولا جابوا مقفرا وبلغوا الغاية وما أزعج ركابهم حاد في ليل سرى ووصلوا وما فارقوا فرشهم الممهدة إلى ما وراء الورى شرط كل خانقاه أن لا تغلق في وجه من ينزل فيها بابا ولا تطيل جهاتها الممنعة له حجابا ولا تعجل مقاماتها المرفعة له قبل
وهذه نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ وهي مشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس مما كتب بذلك للشيخ نظام الدين الأصفهاني من إنشاء السيد الشريف شمس الدين

الطرة
توقيع شريف بأن يفوض إلى المجلس العالي الشيخي النظامي

إسحق ابن الشيخ المرحوم جلال الدين عاصم ابن الشيخ المرحوم سعد الدين محمد الأصفهاني القرشي الشافعي أدام الله النفع ببركته مشيخة الخانقاه السعيدة الناصرية بسرياقوس قدس الله روح واقفها ومشيخة الشيوخ بالديار المصرية والبلاد الشامية والحلبية والفتوحات الساحلية وسائر الممالك الإسلامية المحروسة على عادته في ذلك وقاعدته ومعلومه وأن يكون ما يخص بيت المال من ميراث كل من يتوفى من الصوفية بالخانقاه بسرياقوس للشيخ نظام الدين المشار إليه بحيث لا يكون لأمين الحكم ولا لديوان المواريث معه في ذلك حديث وتكون أمور الخانقاه المذكورة فيما يتعلق بالمشيخة وأحوال الصوفية راجعة للشيخ نظام الدين المشار إليه ولا يكون لأحد من الحكام ولا من جهة الحسبة ولا القضاة في ذلك حديث معه ولا يشهد أحد من الصوفية ولا ينتسب إلا بإذنه على جاري عادته في ذلك على ما شرح فيه وأوله
الحمد لله علىنعمه التي ألفت للصالحين من عباده نظاما واستأنفت للصائحين إلى مراده إحراما وصرفت أوامرنا بالعدل والإحسان لمن فوض أموره إلى ربه فأنجح له من مزيد التأييد مرادا ومراما وعطفت بأوجه إقبالها الحسان على من هو متنزه عن دنياه متوجه إلى أخراه يمضي نهاره صياما وليله قياما
نحمده على أن جعلنا نرعى للأولياء ذماما ونسعى بالنعماء إليهم ابتداء وإتماما ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع للمخلصين في عليين مقاما وتدفع بأعمال الصدق عن المتوكلين عليه باسا وأسقاما ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جعله للمتقين إماما وفضله على النبيين إجلالا وإعظاما وكمله بالسمات المكرمات والصفات المشرفات مما لا يضاهى ولا يسامى وعلى آله الذين شرفوا إضافة إلى نسبه الشريف وانضماما وB أصحابه الذين عرفوا الحق فبذلوا في إقامته اجتهادا واهتماما صلاة تجمل افتتاحا واختتاما وتجزل إرباحا وإنعاما وسلم تسليما كثيرا

وبعد فشيمنا العدل والإنصاف لمن له بيمن الأعراق اتصال وبحسن الأخلاق اتصاف ومن كرمنا الفضل والإسعاف لمن لا خفاء في تعينه لتصدير التقديم وتكرير التكريم ولا خلاف ومن سجايانا الجميلة أن لا تضاع حقوق من هو في الزهادة والعبودية إمام لألسنة الأيام بحلاه الحسنة إقرار واعتراف ولمزايانا جميل المحافظة وجليل الملاحظة لمن توكل على الله حق التوكل فله انتصار بالله تعالى وانتصاف لأنه العريق الأسلاف الرفيق بالضعاف الحقيق بتوفير التوفيق الذي له بحركاته المباركة اكتناف المطيق النهوض بأعباء الرياسة لأن للقلوب على محبته ائتلاف السبوق إلى غايات الغلوات الذي تحف به في بلوغ آماد الإسعاد من الله تعالى ألطاف والصدوق النية مع الله تعالى فكم والى لنعمائة الزيادة والاستئناف
وكان المجلس العالي الشيخي الإمامي الكبيري العالمي العاملي الأوحدي القدوي الورعي الزاهدي الناسكي الخاشعي السالكي الأصيلي العريقي القوامي العلامي النظامي جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء في العالمين أوحد الفضلاء قدوة المشايخ مربي السالكين كنز الطالبين موضح الطريقة مبين الحقيقة شيخ شيوخ العارفين بركة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين إسحق بن الشيخ المرحوم فلان أدام الله النفع ببركاته هو المفوض أموره إلى ربه المعرض عن الدنيا بباطنه وقلبه المتعوض بما عند الله من فضله فما زال الإيثار من شأنه ودأبه إلى إخوانه وصحبه فهو من الذين يطعمون الطعام على حبه ويلهمون من العمل المبرور إلى أقربه من الله وأحبه ويقومون الظلام مع أولياء الله المخلصين وحزبه ويستديمون الإنعام من الله تعالى بالإحسان إلى عباده ففرعهم لأصلهم في صنعهم مشبه ويستسلمون لأحكام الله تعالى وكلهم شاكر لربه على حلو القضاء ومره صابر على سهل الأمر وصعبه سائر بالصدق في شرق الوجود وغربه مثابر على الحق في عجم الخلق وعربه
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يوصل الحقوق إلى مستحقيها

ويجمل الوثوق بمن تتجمل المراتب الدينية منه بترقيها أن يفوض إلى المشار إليه مشيخة الخانقاه السعيدة الناصرية بسرياقوس قدس الله روح واقفها ومشيخة الشيوخ بالديار المصرية والبلاد الشامية والحلبية والفتوحات الساحلية وسائر الممالك الإسلامية المحروسة على عادته في ذلك وقاعدته ومعلومه وأن يكون ما يخص بيت المال المعمور من ميراث كل من يتوفى من الصوفية بالخانقاه المذكورة للمشار إليه بحيث لا يكون لأمين الحكم ولا لديوان المواريث معه في ذلك حديث وتكون أمور الخانقاه المذكورة فيما يتعلق بالمشيخة وأحوال الصوفية راجعة إليه ولا يكون لأحد من الحكام ولا من جهة الحسبة ولا القضاة في ذلك حديث معه ولا يشهد أحد من الصوفية ولا ينتسب إلا بإذنه على العادة في ذلك ويكون ذلك معدوقا بنظره
فليعد إليها عودا حميدا وليفد من الإصلاح ما لم يزل مفيدا وليعتصم بالله تعالى مولاه فيما تولاه وقد آتاه الله تثبيتا وتسديدا وليشهد بها من القوم المباركين من كان عوده قبل الصوم عيدا وهو أعزه الله تعالى المسعود المباشرة المحمود المعاشرة المشهود منه اعتماد الاجتهاد في الدنيا والآخرة المعهود منه النفع التام في فقراء مصر والشام فكم أثر الخير وآثره وكثر البر وواتره ويسر السير الحسن الذي لم يبرح لسان الإجماع شاكره
ونحن نوصيه عملا بما أمر الله تعالى به رسوله في كتابه المبين بقوله وهو اصدق القائلين ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وإن كنا نتحقق ما هو عليه من العلم والدين والحكم الرصين والزهد والورع اللذين نحن منهما على بينة ويقين باتباع شروط الواقفين والإمتاع بالعوارف أولياء الله العارفين فإنه ما زال حيث حل في جميع الآفاق واصلا للأرزاق مواصلا بالأشواق شاملا بالإرفاق عاملا بالحق في إيصال الحقوق لذوي الاستحقاق ونأمرهم

أن يكون لهم على تكريمه اتفاق وفي متابعته اجتماع واتساق فإنه شيخ الطوائف وإمام تقتبس منه اللطائف وتلتمس منه الهداية في المواطن والمواقف والله تعالى يمتع ببركاته الأمة ويسمع منه في الخلوات لنا الدعوات التي تكون لأوراده المقبولة مفتتحة ومتمة ويصله بعنايته التي تقيد الهم وتؤيد الهمة ويجعله حيث كان للفقراء نعمة وبين الناس رحمة والعلامة الشريفة أعلاه حجة بمقتضاه

الضرب الخامس من أرباب الوظائف بالديار المصرية بالحضرة أرباب الوظائف
العادية وكلها تواقيع
وهي على طبقات
الطبقة الأولى من يكتب له في قطع النصف بالمجلس العالي وهو رئيس الأطباء المتحدث عليهم في الإذن في التطبب والعلاج والمنع من ذلك وما يجري هذا المجرى
وهذه نسخة توقيع برياسة الطب وهي
الحمد لله مؤتي الحكمة من يشاء من عباده ومعطي أمانة الأرواح من ترقى في حفظها إلى رتبة اجتهاده وجاعل علم الأبدان أحد قسمي العلم المطلق في حالي اجتماعه وانفراده وموفق من جعل نصح خلق الله فيه سببا لسعادة دنياه وذخيرة صالحة ليوم معاده ومبلغ من كان دائبا في إعانة البرية على طاعة ربها بدوام الصحة غاية مرامه وأقصى مراده ورافع رتبة من دل

اختياره واختباره على وفور علمه ونجح علاجه وإصابه رأيه وسداده
نحمده على نعمه التي خصت بنعمنا من كمل في نوعه وفصله وحسن في علمه وعمله قوله وفعله وجمع من أمانة وظيفته ومعرفتها ما إذا جلس في أسنى مناصبها قيل هذا أهله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشرق البصائر بأضوائها وتفرق الضمائر باخلاصها من أدوائها وتغدق بيمنها أنواء التوفيق فتتأرج رياض الإيمان بين روائها وإروائها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنارت ملته فلم تخف على ذي نظر وعلت أدلته فلم ينلها من في باع رويته قصر وبهرت معجزاته فلو حاولت الأنفاس حصرها أفناها العي والحصر وعلى آله وصحبه الذين كانوا لأدواء القلوب علاجا ولسلسبيل الإيمان مزاجا وللبصائر السائرة في دجى الشبهات سراجا صلاة دائمة الإقامة متصلة الدوام إلى يوم القيامة وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن صناعة الطب علم موضوعها حفظ الأبدان النفيسة ومقصودها إعانة الطبيعة على حماية الأعضاء الرئيسة ومدارها الأعم على معرفة العوارض وأسبابها ومدركها الأتم الوقوع على الصواب في معرفة الجسوم وأوصابها وحينئذ تتفاوت رتب أهلها عند تشعب مداركها واختلاف مسالكها وتشابه عللها والتباس صوابها بخللها إذ لا يميز ذلك حق تمييزه إلا من طال في العلم تبحره وحسن في رتب هذا الفن تصدره وطابق بين نقله وعلاجه وعرف حقيقة كل مركب من الأدوية ومفرد بعينه واسمه وصفته ومزاجه وتكررت عليه الوقائع فعرفها دربة وأحكمها نقلا ولقب بشرعة التقوى إذ كان الإقدام على النفوس قبل تحقق الداء والدواء مذموما شرعا وعقلا ولذلك تحتاج إلى رئيس ينعم في مصالحها نظره ويجمل في منافعها ورده وصدره ويعتبر أحوال أهلها بمعيار فضله ويلزم الداخل فيها ببلوغ الحد الذي لا بد منه

بين أرباب هذا الشأن وأهله ويعرف لأكابر هذا الفن قدر ما منحهم الله من علم وعمل ويبسط رجاء المبتدئ إذا كمل نفسه حتى لا يكون له فيها بغير كمال الاستحقاق طمع ولا أمل
ولما كان المجلس السامي القاضي الأجل الحكيم فلان الدين هو الذي بلغ من العلم غاية مراده واحتوى من هذا الشان على ما جمع به رتب الفاضلين فيه على انفراده فلو عاصره الرئيس لاعتمد عليه في كليات قانونه أو الرازي لعلم أن حاويه من بعض فنونه قد حلب هذا العلم أشطره وأكمل قراءة هذا الفن رموزه وأسطره وحل أسراره الغامضة وارتوى من سحب رموزه بأنواء لم يشم غير فكره بروقها الوامضة وأسلف من خدمة أبوابنا العالية سفرا وحضرا ما اقتضى له مزية شكره وتقاضى له مزيد التنبيه على قدره والتنويه بذكره وحمد فيه الفريدان صحة نقله وإصابة فكره وعلم أنه جامع علوم هذه الصناعة فلا يشذ منها شيء عن خاطره ولا يغيب منها نقل عن ذكره
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال شهاب فضله لامعا وسحاب بره هامعا أن يكون فلان متولي رياسة الأطباء بالديار المصرية على عادة من تقدمه
فليباشر هذه الرياسة ناظرا في مصالحها مطلعا من شهاب فضله ما يزين أفقها زينة السماء بمصابيحها متفقدا أحوال مباشريها متلمحا أحوال المستقل بأعبائها والداخل فيها سالكا في ذلك سبيل من تقدمه من رؤسائها حاكما في أمورها بما جرت به العادة المستقرة بين أكابرها وعلمائها مطارحا من قدمت هجرته فيها بما يقتضي له مراجعة أصوله ملزما من ظهر قصوره فيها بالتدرب

إلى حد لا يقنع منه بدون حصوله مجيبا في الإذن لمن أظهر الاستحقاق صدق ما ادعاه قابلا في الثبوت من مشايخ هذه الصناعة من لا يشهد إلا بما علمه ولا يخبر من التدرب إلا بما رآه ووعاه متحريا في الثبوت لدينه آذنا بعد ذلك في التصرف إن ترقى علمه باستحقاقه إلى رتبة تعيينه وليعط هذه الوظيفة حقها من تقديم المبرزين في علمها وتكريم من منحه الله درجتي نقلها وفهمها وتعليم من ليس عليه من أدواتها المعتبرة غير وسمها واسمها ومنع من يتطرق من الطرقية إلى معالجة وهو عار من ردائها وكف يد من يتهجم على النفوس فيما غمض من أدوائها قبل تحقق دوائها واعتبار التقوى فيمن يتصدى لهذه الوظيفة فإنها أحد أركانها واختيار الأمانة فيمن يصلح للاطلاع على الأعضاء التي لولا الضرورة المبيحة حرم الوقوف على مكانها وليكن في ذلك جميعه مجانبا للهوى ناويا نفع الناس فإنما لامرئ ما نوى والله تعالى يحقق له الأمل ويسدده في القول والعمل بمنه وكرمه
قلت وربما افتتح توقيعها بأما بعد حمد الله
وهذه نسخة توقيع برياسة الطب من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي كتب بها لشهاب الدين الحكيم في المحرم سنة تسع وسبعمائة وهي
أما بعد حمد الله حاسم أدواء القلوب بلطائف حكمته وقاسم أنواع العلوم بين من كمل استعدادهم لقبول ما اقتضته حكمة قسمته وجاعل لباس العافية من نعمه التي هي بعد الإيمان أفضل ما أفاض على العبد من بره وأسبغ عليه من نعمته والمنزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته ومقرب ما نأى من الفضائل على من أسرى إليها على مطايا عزمه وسرى لتحصيلها على جياد همته وملهم آرائنا بتفويض أمانة الأرواح إلى من

أنفق في خدمة الطبيعة أيام عمره فكان بلوغ الغاية في علمها نتيجة خدمته والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي شرح الله بالهدى صدور أمته وخصه منهم بأعلام كل علم وأئمته وجلا بيقين ملته عن كل قلب ما ران عليه من الشك وغمته وعلى آله وصحبه الذين حماهم من الزيغ والزلل ما فجر الهدى لهم من جوامع الكلم وأفاض التقى عليهم من أنوار عصمته فإن أولى الأمور أن يعتمد فيها على طبيبها الخبير ويصان جوهرها عن عرض العرض على غير ناقدها البصير وتحمى مواردها عمن لم يعرف كيف يجتنب مواقع التكدير وترفع كواكبها عمن لم تدرك أفكاره دقائق الحوادث وحقائق التأثير أمر صناعة الطب التي موضوعها الأبدان القائمة بالعبادة والأجسام القائمة بما يتعاقب عليها من الحوادث والزيادة والنفوس التي ما عنها إن حصل فيها التفريط بدل ولا عوض والأرواح التي إن عرض الفناء لجوهرها فلا بقاء بعده للعرض والطبيعة التي إن خدمت على ما يحب نهضت على ما يجب بالصحة حق النهوض والأمزجة التي إن نفرت لعدم التأتي في سياستها أعجزت من يروض
ولذلك تفتقر على كثرة أربابها وتحتاج مع غزارة المتمسكين بأسبابها وتضطر وإن اندفعت الضرورات بكثرة متقنيها وتتشوف وإن وجد الجم الغفير من المتلبسين بأدواتها والمتبحرين فيها إلى رئيس ينعم في اعتبار أكفائها النظر ويدفع عن رتبتها بتطرق غير أهلها الغير ويعرف من أحوال مباشريها ما لا يكفي في خبرها الخبر فلا يقبل إلا من علم مقدار علمه ووثق مع الحفظ بصحة فهمه ورضي عن خبره في الطب واجتهاده واعتبر منه كل نوع تحت أجناسه المتعددة على حدته وانفراده وجاراه في كليات الفن فرآه في كل حلبة راكضا وطارحه في فصول العلم فوجده بحمل أعباء ما تفرع منها ناهضا واختبر دربته فوجدها موافقة لتحصيله مطابقة لما حواه من إجمال كل فن وتفصيله وتتبع مواقع دينه فوجدها متينة ومواضع أمانته فألفاها مكينة وأسباب شفقته ونصحه فعرف أنها على ما جمع من الأدوات الكاملة معينة ويتعين أن يكون هذا الرئيس في أوانه والرازي في زمانه والفارابي في كونه

أصلا تتفرع فنون الحكم من أفنانه علاجه شفاء حاضر وكلاءته نجاة من كل خطر مخامر وتدبيره للصحة تقويم وتصفحه تثقيف لعلماء الصناعة وتسليم ودروسه ذخائر ينفق من جواهر حكمها كل حكيم
ولما كان المجلس العالي الصدري الشهابي هو المراد بالتعين لهذه الوظيفة والمقصود بما أشير إليه في استحقاق هذه الرتبة من عبارة صريحة أو كناية لطيفة وأنه جمع من أدوات هذا الفن ما افترق واحتوى على أصوله وفروعه فاجتمعت على أولويته الطوائف واتفقت على تفضيله الفرق فلو عاصره أبقراط لقضى له في شرح فصوله بالتقدمة ولو أدرك جالينوس لاقتدى في العلاج بما علمه مع مباشرة ألفت بين الصحة والنفوس وملاطفة أشرقت مواقع البرء بها في الأجساد إشراق الشموس واطلاع يعرف به مبلغ ما عند كل متصد لهذه الصناعة من العلم وتبحر في الفنون لا يسلم به لأحد دعوى الأهلية إلا بعد حرب جدال هو في الحقيقة عين السلم فرسم بالأمر العالي أن يستقر فلان في رياسة الأطباء الطبائعية بالديار المصرية والشام المحروس على عادته وعادة من تقدمه في ذلك ويكون مستقلا فيها بمفرده
فلينظر في أمر هذه الطائفة نظرا تبرأ به الذمة ويحصل به على رضا الله تعالى ورضا رسوله في الشفقة على الأمة ويعطي به الصناعة حقها ويطلق من يد من تطاول إليها بغير أهلية رقها ويصون النفوس من إقدام من تقدم بغير خبرة كاملة عليها ويذب عن الأرواح تطرق من يتطرق بغير معرفة وافرة إليها فإن فارط التفريط في النفوس قل أن يستدرك ومن لم تجتمع فيه أدوات المعرفة التامة والدين فما ينبغي له أن يدخل في المعالجة قبل الكمال وإن دخل فلا يترك فإن من لازم صلاح الأرواح صلاح الأجساد وإن الداء الذي لا دواء له أن تكون العلة في واد والمعالجة في واد فلا يقبل في التزكية إلا من يثق بدينه كوثوقه بعلمه ولا يصرف أحدا في هذه الصناعة إلا الذين زكت أعمالهم قبل

التزكية وليشفعها بالامتحانات التي تسفر عن وجوه الوثوق بالأهلية لثام دقائقها المنكية فإن العيان شاهد لنفسه ومن لم تنفعه شهادة فعله في يومه لم ينفعه غيره في أمسه ولا يمض فيها حكما قبل استكمال نصاب الشهادة وقبل التثبت بعد كمالها فإن المعالجة محاربة للدعاء والموت بجهالة المحارب له شهادة وليأمر من ألجيء إلى معالجة مرض لا يعرفه بمتابعة من هو أوفق منه بالتقديم ومراجعة من هو أعلم منه به فإن الحوادث قد تختلف ( وفوق كل ذي علم عليم ) وملاك الأمور تقوى الله فليجعلها حجته فيما بين الله وبينه والافتقار إلى توفيقه فليصرف إلى ذلك قلبه وعينه والخير يكون إن شاء الله تعالى
وهذه وصية متطبب طبائعي أوردها في التعريف قال
وليتعرف أولا حقيقة المرض بأسبابه وعلاماته ويستقص أعراض المريض قبل مداواته ثم ينظر إلى السن والفصل والبلد ثم إذا عرف حقيقة المرض وقدر ما يحتمله المزاج من الدواء لما عرض يشرع في تخفيف الحاصل وقطع الواصل مع حفظ القوى ولا يهاجم الداء ولا يستغرب الدواء ولا يقدم على الأبدان إلا بما يلائمها ولا يبعد الشبه ولا يخرج عن جادة الأطباء ولو ظن الإصابة حتى يقوى لديه الظن ويتبصر فيه برأي أمثاله وليتجنب الدواء ما أمكنه المعالجة بالغذاء والمركب ما أمكنه المعالجة بالمفرد وإياه والقياس إلا ما صح بتجريب غيره في مثل مزاج من أخذ في علاجه وما عرض له وسنه وفصله وبلده ودرجة الدواء وليحذر من التجربة فقد قال أبقراط وهو رأس القوم إنها خطر ثم إذا اضطر إلى وصف دواء صالح للعلة نظر إلى ما فيه من المنافاة وإن قلت وتحيل لإصلاحه بوصف

يصلح معه مع الاحتراز في وصف المقادير والكميات والكيفيات في الاستعمال والأوقات وما يتقدم ذلك الدواء أو يتأخر عنه ولا يأمر باستعمال دواء ولا ما يستغرب من غذاء حتى يحقق حقيقته ويعرف جديده من عتيقه ليعرف مقدار قوته في الفعل وليعلم أن الإنسان هو بنية الله وملعون من هدمها وأن الطبيعة مكافية وبؤسى لمن ظلمها وقد سلم الأرواح وهي وديعة الله في هذه الأجسام فليحفظها وليتق الله ففي ذلك جميع الأقسام وإياه ثم إياه أن يصف دواء ثم يكون هو الذي يأتي به أو يكون هو الذي يدل عليه أو المتولي لمناولته للمريض ليستعمله بين يديه وفي هذا كله لله المنة ولنا إذ هديناه له وأرشدناه إليه
وهذه نسخة توقيع برياسة الكحالين

الضرب السادس من أرباب الوظائف بالديار المصرية
زعماء أهل الذمة
ويكتب لجميعهم تواقيع في قطع الثلث بألقابهم السابقة مفتتحة بأما بعد حمد الله
ويشتمل هذا الضرب على ثلاث وظائف
الوظيفة الأولى رآسة اليهود
وموضوعها التحدث على جماعة اليهود والحكم عليهم والقضاء بينهم

على مقتضى دينهم وغير ذلك
وقد تقدم في الكلام على النحل والملل أن الموجودين من اليهود ثلاث طوائف وهم الربانيون والقراؤون والسامرة وقد جرت العادة أن يكون الرئيس من طائفة الربانيين دون غيرهم وهو يحكم على الطوائف الثلاث
وهذه نسخة توقيع برآسة اليهود من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهي
أما بعد حمد الله الذي جعل ألطاف هذه الدولة القاهرة تصطفي لذمتها من اليهود رئيسا فرئيسا وتختار لقومها كما اختار من قومه موسى وتبهج لهم نفوسا كلما قدمت عليهم نفيسا والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي والرسول الذي أجمل الوصية بالملي والذمي وعلى آله وصحبه ما هطل وبلي وما نزل وسمي فإن معدلة هذه الدولة تكتنف الملل والنحل بالاحتياط وتعمهم من إنصافها وإسعافها بأوفر الأنصباء وأوفى الأقساط وتلمهم من حادث الزمن إذا اشتط ومن صرفه إذا شاط وتضمهم كما

ضمت البنوة إلى جناح النبوة الأسباط لا تزال ترقب الإل والذمة في المسلمين وأهل الذمة وتقضي لهم بحسن الخيرة ورعاية الحرمة وتبيحهم من أمر دينهم ما عليه عوهدوا وتمنحهم من ذلك ما عليه عوقدوا وتحفظ نواميسهم بأحبار تحمد موادهم إذا شوفهوا وتحسن مرآهم إذا شوهدوا من كل إسرائيلي أجمل للتوراة الدراسة وأحسن لأسفار أنبيائه اقتباسه وأجمل التماسه ومن نبهته نباهته للتقدمة فما طعم اجتهاده يوما حتى صار وجه الوجاهة في قومه ورأس الرآسة فأصبح فيهم معدوم النظير معدودا منهم بكثير وموصوفا بأنه في شرح أسفار عبرانية حسن التفسير واستحق من بين شيعته أن يكون رأس الكهنة وأن تصبح القلوب في مجامعهم بحسن منطقه مرتهنة وبأن للجهالة بتثقيفه لشيعته تحجب عقائدهم عن أن تغدو ممتهنة
ولما كان فلان هو لمحاسن هذا التقريظ بهجة ولجسد هذا التفويض مهجة ولممادح هذا الثناء العريض لهجة ولعين هذا التعيين غمضها وليد هذه الأيادي بسطها وقبضها ولأبكار أفكار هذه الأوصاف متقاضيها ومقتضها ومن أدنيت قطاف النعماء ليد تقدمته على غيظ من غص منها واجتنى غضها اقتضى حسن الرأي الشريف أن يميز على أبناء جنسه حق التمييز وأن يجاز له من التنويه والتنويل أجل ما جيز
ورسم بالأمر الشريف لا زال يختار فيجمل الاختيار ويغدو كالغيث الذي يعم بنفعه الربا والوهاد والأثمار والاشجار أن تفوض إليه رآسة اليهود على اختلافهم من الربانيين والقرائين والسامرة بالديار المصرية حماها الله

وكلأها فليجعل أسبابهم بالتقوى تقوى وغروسهم بالتدبير لا تذوى ومقاصدهم لا يمازجها شك ولا شكوى ولينزل عليهم منا منا يسليهم صنعا حتى لا يفارقوا المن والسلوى وليتق الله فيما يذره ويأتيه ويحسن في اجتلاب القلوب واختلابها تأتيه وإياه والتيه حتى لا يقال كأنه بعد لم يخرج من التيه
وجماعة الربانيين فهم الشعب الأكبر والحزب الأكثر فعاملهم بالرفق الأجدى والسر الأجدر ولكونك منهم لا تمل معهم على غيرهم فيما به من النفس الأمارة تؤمر
وجماعة القرائين فهم المعروفون في هذه الملة بملازمة الأدلة والاحتراز في أمر الأهلة فانصب لأمرهم من لم يتوله حين يتوله ومن كان منهم له معتقد فلا يخرج عن ذلك ولا يحرج ولا يلجم منهم بلجام من نار إنكار من في ليلة سبته بيته عليه لا يسرج
والسامرة فهم الشعب الذين آذن التنظيف أهله بحروبه ولم يك أحدهم لمطعم لكم ولا مشرب بأكوله ولا شروبه فمن قدرت على رده بدليل من مذهبك في شروق كل بحث وغروبه فاردده من منهج تحيده عن ذلك وهروبه وإلا فقل له يا سامري بصرت بما لم تبصروا به وليكن حكمك فيهم بالبت وارفق بهم فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى فإياك أن

تكون ذلك المنبت ومرهم بملازمة قوانينهم كيلا يعدو أحد منهم في السبت واجعل أمور عقودهم مستتبة وأحسن التحري والتحرير لهم في إتقان كل كتبة ولا تختر إلا الأعيان من كل خزان وديان ومن كان له من داود عليه السلام لحمة نسب وله به حرمة نسب فارع له حقه وأصحبه من الرفق أكرم رفقة والجزية فهي لدمائكم وأولادكم عصمة وعلى دفاعها لا دافعها وصمة ولأجلها ورد من آذى ذميا كنت خصمه وهي ألم من السيف إجارة وهي أجرة سكنى دار الإسلام كما هي لاستحقاق المنفعة بها إجارة فأدوها وبها نفوسكم فادوها ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) فعدوا ألطاف الله بها ولا تعدوها وداوم على مه زجرا لتارك علامة ومن قصد منها خلاصه فقل له في الملإ ماذا خلاصه ومن ركن في أمرها إلى الإخلاد والإخلال وسكن إلى الإهمال ولم يرض بأن راية الذلة الصفراء على رأسه تشال فأوسعه إنكارا وألزمه منها شعارا وإن قام بنصره منهم معشر خشن فأرهم بعد العلامة خشكارا وخذهم بتجنب الغش الذي هو للعهد مغير ومغيب واكفف من هو بما ينافيه معير ومعيب وأما من هو مجيب لذلك فهو لقصده محبب وانقل

طباعهم عن ذلك وإن أبت عن التناقل فانتقامنا يتلو ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ) وقد علم أن الذي تتعاطونه من نفخ في البوق إنما هو كما قلتم للتذكار فاجتهدوا أن لا يكون لتذكار العجل الحنيذ الذي له خوار هذه وصايانا لك ولهم فقل لهم هذه موهبة الدولة وإحسانها إليكم ولطفها بكم وعاطفتها عليكم وبصرهم بذلك كلما تلا إحساننا إليهم ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم )
وهذه نسخة توقيع برآسة اليهود أيضا
أما بعد حمد الله على أن جعل ملاحظة هذه الدولة القاهرة لجميع الملل ناظرة وإحسانها لا يغفل مصلحة لأولي الأديان غائبة ولا حاضرة والصلاة على سيدنا محمد الذي جعل ذمته وعهده وفيين لكل نسمة مؤمنة وكافرة فإن الله تعالى لما مد رواق عدل هذه الأيام الشريفة على كل معاهد من متقرب ومتباعد وساوى بينهم في النظر الذي صدق الرأي وصدق الرائد اقتضى جميلها أن يسهم لكل من أهل الذمة أوفر نصيب وأن لا يقال لأحد منهم من الإجحاف ما يريب وأن لا تكون أمورهم مضاعة ولا تعبداتهم مراعة ولا شرائعهم غير مصونة ولا أحكامهم عارية عن حسن معونة وكانت جماعة اليهود وإن كانوا أولي غي وصدق النصارى فيهم وصدقوا في النصارى من أنهم ليسوا على شي لا بد لهم من مباشر يأخذهم بالأمر الأحوط والناموس

الأضبط والمراسيم التي عليهم تشرط وكان الذي يختار لذلك ينبغي أن لا يكون إلا من أكبر الكهنة وأعلم الأحبار وممن عرف من دينهم ما لأجله يصطفى ولمثله يختار وممن فيه سياسة تحجزه عن المضار وتحجبه عن الاستنفار وكان فلان الرئيس هو المتميز بهذه الأوصاف على أبناء جنسه وله وازع من نفسه ورادع من حسن حدسه وخدمة في مهمات الدولة يستحق بها الزيادة في أنسه وهو من بين جماعته مشهور بالوجاهة موصوف بالنباهة ذو عبرانية حسنة التعبير ودراسة لكتب أهل ملته على ما فيها من التغيير اقتضى جميل الاختصاص المنيف أن يرسم بالأمر الشريف لا برح يرقب الإل والذمة ويرعى للمعاهدين الحرمة أن تفوض إليه رآسة اليهود الربانيين والقرائين والسامرة على عادة من تقدمه
فليباشر ذلك مستوعبا أمورهم كلها مستودعا دقها وجلها مباشرا من أحوالهم ما جرت عادة مثله من الرؤساء أن يباشر مثلها غير مفرط في ضبط ناموس من نواميس المملكة ولا مغفل الإنكار على من يتجاوز ذلك إلى موارد الهلكة ومن فعل ما يقضي بنقض عهده فعليه وعلى مستحسنه له من المقاتلة ما يتعظ به كل من يفعل ذلك من بعده بحيث لا يخرج أحد منهم في كنيسته ولا في يهوديته ولا في منع جزيته عن واجب معهود ومن خالف فوراء ذلك من الأدب ما تقشعر منه الجلود وما جعلهم الله ذمة للمسلمين إلا حقنا لدمائهم فلا يبحها أحد منهم فتجتمع له شماته أهل الأديان من أعدائهم بأعدائهم والوصايا كثيرة وإنما هذه نخبتها المخلصة وفيها من حساب الإحسان إليهم ما تغدو به أيام الإمهال لهم ممحصة والله يوفقه في كل تصرف مرغوب وتأفف من مثله مطلوب بمنه وكرمه

وهذه وصية لرئيس اليهود أوردها في التعريف وهي
وعليه بضم جماعته ولم شملهم باستطاعته والحكم فيهم على قواعد ملته وعوائد أئمته في الحكم إذا وضح له بأدلته وعقود الأنكحة وخواص ما يعتبر عندهم فيها على الإطلاق وما يفتقر فيها إلى الرضا من الجانبين في العقد والطلاق وفيمن أوجب عنده حكم دينه عليه التحريم وأوجب عليه الانقياد إلى التحكيم وما أدعوا فيه التواتر من الأخبار والتظافر على العمل به مما لم يوجد فيه نص وأجمعت عليه الأحبار والتوجه تلقاء بيت المقدس إلى جهة قبلتهم ومكان تعبد أهل ملتهم والعمل في هذا جميعه بما شرعه موسى الكليم والوقوف معه إذا ثبت أنه فعل ذلك النبي الكريم وإقامة حدود التوراة على ما أنزل الله من غير تحريف ولا تبديل كلمة بتأويل ولا تصريف واتباع ما أعطوا عليه العهد وشدوا عليه العقد وأبقوا فيه ذماءهم ووقوا به دماءهم وما كانت تحكم به الأنبياء والربانيون ويسلم إليه الإسلاميون منهم ويعبر عنه العبرانيون كل هذا مع إلزامه لهم بما يلزمهم من حكم أمثالهم أهل الذمة الذين أقروا في هذه الديار ووقاية أنفسهم بالخضوع والصغار ومد رؤوسهم بالإذعان لأهل ملة الإسلام وعدم مضايقتهم في الطرق وحيث يحصل الالتباس بهم في الحمام وحمل شعار الذمة الذي جعل لهم حلية العمائم وعقد على رؤوسهم لحفظهم عقد التمائم وليعلم أن شعارهم الأصفر موجب لئلا يراق دمهم الأحمر وأنهم تحت علم علامته آمنون وفي دعة أصائله ساكنون وليأخذهم بتجديد صبغه في كل حين وليأمرهم بملازمته ملازمة لا تزال علائمها على رؤوسهم تبين وعدم التظاهر لما يقتضي المناقضة أو يفهم منه المعارضة أو يدع فيه غير السيف وهو إذا كلم شديد العارضة وله ترتيب طبقات أهل ملته من الأحبار فمن دونهم على قدر استحقاقهم وعلى ما لا

تخرج عنه كلمة اتفاقهم وكذلك له الحديث في جميع كنائس اليهود المستمرة إلى الآن المستقرة بأيديهم من حين عقد عهد الذمة ثم ما تأكد بعده لطول الزمان من غير تجديد متجدد ولا إحداث قدر متزيد ولا فعل شيء مما لم تعقد عليه الذمة ويقر عليهم سلفهم الأول سلف هذه الأمة وفي هذا كفاية وتقوى الله وخوف بأسنا رأس هذه الأمور المهمة
وصية رئيس السامرة
ولا يعجز عن لم شعث طائفته مع قلتهم وتأمين سربهم الذي لو لم يؤمنوا فيه لأكلهم الذئب لذلتهم وليصن بحسن السلوك دماءهم التي كأنما صبغت عمائمهم الحمر منها بما طل وأوقد لهم منها النار الحمراء فلم يتقوها إلا بالذل وليعلم أنهم شعبة من اليهود لا يخالفونهم في أصل المعتقد ولا في شيء يخرج عن قواعد دينهم لمن انتقد ولولا هذا لما عدوا في أهل الكتاب ولا قنع منهم إلا بالإسلام أو ضرب الرقاب فليبن على هذا الاساس ولينبيء قومه أنهم منهم وإنما الناس أجناس وليلتزم من فروع دينه ما لا يخالف فيه إلا بأن يقول لا مساس وإذا كان كما يقول إنه كهارون عليه السلام فليلتزم الجدد وليقم من شرط الذمة بما يقيم به طول المدد وليتمسك بالموسوية من غير تبديل ولا تحريف في كلم ولا تأويل وليحص عمله فإنه عليه مسطور وليقف عند حده ولا يتعد طوره في الطور وليحكم في طائفته وفي أنكحتهم ومواريثهم وكنائسهم القديمة المعقود عليها بما هو في عقد دينه وسبب لتوطيد قواعده في هذه الرتبة التي بلغها وتوطينه

الوظيفة الثانية بطركية النصارى الملكية وهم أقدم من اليعاقبة
وقد تقدم في الكلام على النحل والملل أنهم أتباع ملكا الذي ظهر قديما ببلاد الروم وأن الروم والفرنج كلهم أتباعه وبالديار المصرية منهم النزر اليسير ولهم بطرك يخصهم
وهذه نسخة توقيع لبطرك الملكية
أما بعد حمد الله منوع الإحسان لأولي الأديان ومؤصله ومفرعه لكل طائفة ولكل إنسان والصلاة على سيدنا محمد الذي أباد الله به من أباد وأبان من عهده وذمته من أبان فإن الطائفة الملكية من النصارى لما كانت لهم السابقة في دينهم ولهم أصل الرآسة والنفاسة في تعيينهم وما برحت لهم في الكلاءة والحفظ قدم السابقة ورتبة بملوكهم الرومانية سامقة وما زالت لهم خدم الدول إلى أغراضها متساوقة ومتسابقة ولهم جوار مشكور وتبتل مشهور وعليهم وصايا من الملوك في كل ورود وصدور ولهم من نفوسهم مزايا تستوجب احترامهم وتستدعي إكرامهم وكان لا بد لهم من بطريرك يلاحظ أحوالهم أتم الملاحظة ويستدعي لهم من الدولة أعظم محافظة ويحفظ نواميس قبيلهم ويحسن دراسة أناجيلهم ويعرفهم قواعد معتقداتهم ويأخذهم بالدعاء لهذه الدولة القاهرة في جميع صلواتهم ويجمعهم على سداد ويفرقهم على مراد وكان البطريرك فلان هو المتفق بين طائفته على تعيينه والمجمع على إظهار استحقاقه وتبيينه والذي له مزايا لو كان فيه واحدة

منها لكفته في التأهيل ولرفعته إلى منصبه الجليل فلذلك رسم الخ لابرح يعطي كل أحد قسطه ويدخل كل لأبوابه ساجدا وقائلا حطة أن يباشر بطركية النصارى الملكية على عادة من تقدمه من البطاركة السالفة بهذه الدولة
فليحط أمورها الجزئية والكلية والظاهرة والخفية وليأخذهم بما يلزمهم من قوانين شرعتهم وكل ما يريدون من حسن سمعتهم وأما الديرة والبيع والكنائس التي للملكية فمرجعها إلى صونه وأمرها مردود إلى جميل إعانته وعونه والأساقفة والرهبان فهم سواد عين معتقده وخلاصة منتقده فلا يخلهم من تبجيل وحسن تأهيل وتتقدم إلى من بالثغور من جماعتك بأن لا يدخل أحد منهم في أمر موبق ولا في مشكل موثق ولا يميلون كل الميل إلى غريب من جنسهم وليكن الحذر لغدهم من يومهم وليومهم من أمسهم ولا يشاكلون رسولا يرد ولا قاصدا يفد وطريق السلامة أولى مسالك ومن ترك الدخول فيما لا يعنيه ترك هذه جملة من الوصية لامعة أفلح واهتدى من بها استنار ورشد من لها استشار والله يوفقك في كل مقصد تروم ويجعلك بهذه الوصايا تقول وتقوم
وهذه وصية لبطرك الملكية أوردها في التعريف وهي
وهو كبير أهل ملته والحاكم عليهم ما امتد في مدته وإليه مرجعهم في التحريم والتحليل وفي الحكم بينهم بما أنزل في التوراة ولم ينسخ في الإنجيل وشريعته مبنية على المسامحة والاحتمال والصبر على الأذى وعدم الاكتراث به والاحتفال فخذ نفسك في الأول بهذه الآداب واعلم بأنك في المدخل

إلى شريعتك طريق إلى الباب فتخلق من الأخلاق بكل جميل ولا تستكثر من متاع الدنيا فإنه قليل وليقدم المصالحة بين المتحاكمين إليه قبل الفصل البت فإن الصلح كما يقال سيد الأحكام وهو قاعدة دينه المسيحي ولم تخالف فيه المحمدية الغراء دين الإسلام ولينظف صدور إخوانه من الغل ولا يقنع بما ينظفه ماء المعمودية من الأجسام وإليه أمر الكنائس والبيع وهو رأس جماعته والكل له تبع فإياه أن يتخذها له تجارة مربحة أو يقتطع بها مال نصراني يقربه فإنه ما يكون قد قربه إلى المذبح وإنما ذبحه وكذلك الديارات وكل عمر والقلالي فيتعين عليه أن يتفقد فيها كل أمر وليجتهد في إجراء أمورها على ما فيه رفع الشبهات وليعلم أنهم إنما اعتزلوا فيها للتعبد فلا يدعها تتخذ متنزهات فهم إنما أحدثوا هذه الرهبانية للتقلل في هذه الدنيا والتعفف عن الفروج وحبسوا فيها أنفسهم حتى إن أكثرهم إذا دخل فيها ما يعود يبقى له خروج فليحذرهم من عملها مصيدة للمال أو خلوة له ولكن بالنساء حراما ويكون إنما تنزه عن الحلال وإياه ثم إياه أن يؤوي إليها من الغرباء القادمين عليه من يريب أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمر ورد عليه من بعيد أو قريب ثم الحذر الحذر من إخفاء كتاب يرد عليه من أحد من الملوك ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السلوك وليتجنب البحر وإياه من اقتحامه فإنه يغرق أو تلقي ما يلقيه جناح غراب منه فإنه بالبين ينعق والتقوى مأمور بها أهل كل ملة وكل موافق ومخالف في القبلة فليكن عمله بها وفي الكناية ما يغني عن التصريح وفيها رضا الله تعالى وبها أمر المسيح

الوظيفة الثالثة بطركية اليعاقبة
وقد تقدم في الكلام على النحل والملل الخلف في نسبتهم فقيل إنهم أتباع ديسقرس وإنه كان اسمه في الغلمانية يعقوب وقيل أتباع يعقوب البرذعاني وقيل غير ذلك والاصح عند المؤرخين الأول وبطركهم يحكم على طائفة اليعاقبة وجميع نصارى الحبشة أتباعه وفي طاعته ملك الحبشة الأكبر وعنه تصدر ولايته
وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة
أما بعد حمد الله الذي أظهر دين الإسلام على الدين كله وأصدر أمور الشرائع عن عقد شرعه وحله وصير حكم كل ملة راجعا إلى حكم عدله والشهادة له بالوحدانية التي تدل على أنه الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد وليس شيء كمثله والصلاة والسلام على سيدنا محمد أعظم أنبيائه وأكرم رسله وأشرف ولد آدم ونسله المصطفى في علم الله من قبله ووسيلته في التوراة من غرور الشيطان وخذله والذي أطفأ الله ببركته نار نمروذ عن إبراهيم وجعلها بردا وسلاما وأجله من أجله وبشر به عيسى بن مريم عبد الله وابن أمته وأقر موسى بن عمران كليم الله بفضله وعلى آله الطيبين الطاهرين من فروع أصله وأصحابه سامعي قوله وتابعي سبله فإن الله تعالى لما ارتضى

الإسلام دينا وأفضى بالملك إلينا وقضى لنا في البسيطة بسطة وتمكينا وأمضى أوامرنا المطاعة بشمول اليمن شمالا ويمينا لم نزل نولي رعايانا الإحسان رعاية وتوطينا ونديم لأهل الذمة منا ذمة وتأمينا وكانت طائفة النصارى اليعاقبة بالديار المصرية لهم من حين الفتح عهد وذمام ووصية سابقة من سيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ولا بد من بطريرك يرجعون إليه في الأحكام ويجتمعون عليه في كل نقض وإبرام
ولما كانت الحضرة السامية الشيخ الرئيس المبجل المكرم الكافي المعزز المفخر القديس شمس الرآسة عماد بني المعمودية كنز الطائفة الصليبية اختيار الملوك والسلاطين فلان وفقه الله هو الذي تجرد وترهب وأجهد روحه وأتعب وصام عن المأكل والمشرب وساح فأبعد ومنع جفنه لذيذ المرقد ونهض في خدمة طائفته وجد وخفض لهم الجناح وبسط الخد وكف عنهم اليد واستحق فيهم التبجيل لما تميز به عليهم من معرفة أحكام الإنجيل وتفرد اقتضى حسن الرأي الشريف أن نلقي إليه أمر هذه الفرقة ونفوض ونبدلهم عن بطريكهم المتوفى ونعوض
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا برحت مراسمه مطاعة ومراحمه لإنزال أهل كرمها بيعتها مرعية غير مراعة أن يقدم الشيخ شمس الرآسة المذكور على الملة النصرانية اليعقوبية ويكون بطريركا عليها على عادة من تقدمه وقاعدته بالديار المصرية والثغور المحروسة والجهات التي عادته بها إلى آخر وقت
فليسلك سبيل السوا ولا يملك نفسه الهوى وليتمسك بخوف الله تعالى إن فعل أو نوى أو أخبر عن الحواريين أو روى فالعليم مراقب والعظيم

معاقب والحكيم أمر أولي العقول بالفكرة في العواقب والحاكم غدا بحقوق الخلق غدا يطالب والظلم في كل ملة حرام والعدل واجب فليستوف الإنصاف بين القوي والضعيف والحاضر والغائب وليقصد مصلحتهم وليعتمد نصيحتهم وليمض على ما يدينون به بيوعهم وفسوخهم ومواريثهم وأنكحتهم وليقمع غاويهم وليسمع دعاويهم وليلزمهم من دينهم بما وجدوه فظنوه واعتقدوه وليتبع سبيل المعدلة فلا يعدوها عائدة إليه أمور القسيسين والرهبان في جميع الديرة والكنائس بسائر البلدان ولا يعترض عليه فيما هو راجع إليه من هذا الشان ولا يقدم منهم إلى رتبة إلا من استصلحه ولا يرجح إلى منزلة إلا من رشحه إليها ورجحه متبعا في ذلك ما بينه له العدل وأوضحه مرتجع الرتبة ممن لم تكن الصدور لتقدمته منشرحة مجمعا لغيره في الإيراد والإصدار على اعتماد المصلحة وقد أوضحنا له ولهم سبيل النجاة فليقتفوه وعرفناهم بالصواب والخيرة لهم إن عرفوه وليسأل الله ربه السلامة فيما له يفعل وبه يفوه والعلامة الشريفة أعلاه
وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة كتب به للشيخ المؤتمن في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة وهي
أما بعد حمد الله على نعمه التي نشرت لواء دولتنا في الآفاق فأوى كل أحد إلى ظله وبسطت معدلتنا في البلاد على الإطلاق فمنحت الخاص والعام من برنا بوابله وطله واصطنعت بذمامها ملوك الملل وحكام الطوائف فنطقوا عن أمرنا في عقد كل أمر وحله والشهادة بوحدانيته التي تنحج أمل المخلص في قوله وفعله وتفتح لمن تمسك بعروتها أبواب النجاة فيصبح في أمان في شأنه كله والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا في محكم الذكر ونقله المبعوث رحمة للعالمين زيادة في رفعة مقامه وتقريرا لفضله المنعوت بالرأفة والرحمة في محكم كتابه الذي لا يأتيه

الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولم يستطع أحد أن يأتي بسورة من مثله وعلى آله وصحبه الذين اتبعوا طريقته المثلى وسلكوا مناهج سبله وعقدوا الذمم لأهل الملل واستوصوا بهم خيرا لما عرفوه من سعة حلمه وبذله فإنه لما كانت الطائفة المسيحية والفرقة اليعقوبية ممن أوت تحت ظلنا الذي عم الوجود وسكنت في حرم ذمامنا الذي سار نبؤه في التهائم والنجود وتمسكت من طاعتنا واتباع أوامرنا بما سلف لها من الهدن والعهود وكانت أحكامهم مما يحتاج إلى من يدور عليه أمرها في كل حال وتنتظم به مصالح شملها ليبلغوا بها الآمال ويأمنوا في معتقدهم فيها من الإخلال وأنه إذا مات بطريرك لهم لابد أن نرسم لهم بغيره ليعتمدوا في ذلك ما يتقدم به إليهم في نهيه وأمره ويسلك بهم في أحكامهم ما يجب ويعرف كلا منهم ما يأتي ويذر ويفعل ويجتنب ويفصل بينهم بمقتضى ما يعتقدونه في إنجيلهم ويمشي أحوالهم على موجبه في تحريمهم وتحليلهم ويزجر من خرج عن طريقه ليرجع إلى ما يجب عليه اسوة رفيقه ويقضي بينهم بما يعتقدونه من الأحكام ويبين لهم قواعد دينهم في كل نقض وإبرام فلما هلك الآن بطريكهم مع من هلك رسمنا لهم أن ينتخبوا لهم من يكون لطريقته قد سلك وأن يختاروا لهم من يسوس أمورهم على أكمل الوجوه لنرسم بتقديمه عليهم فيقوم بما يؤملونه منه ويرتجوه
وكان الحضرة السامية القديس المبجل الجليل المكرم الموقر الكبير الديان الرئيس الروحاني الفاضل الكافي المؤتمن جرجس بن القس مفضل اليعقوبي عماد بني المعمودية كنز الأمة المسيحية منتخب الملة الصليبية ركن الطائفة النصرانية اختيار الملوك والسلاطين أطال الله تعالى بهجته وأعلى على أهل طائفته درجته قد حاز من فضائل ملته أسماها

وصعد من درجات الترقي على أبناء جنسه أعلاها فنزه نفسه عن مشاركة الناس وتقشف بين أهله في المأكل واللباس وترك الزواج والنكاح واشتغل بعبادته التي لازم عليها في المساء والصباح وألقى نفسه إلى الغاية في الاطراح وساح بخاطره في الفكرة وإن لم يكن بجسده قد ساح وارتاض بترك الشهوات مدة زمانه واطرح الملاذ لتعلو درجته بين أهله برفعة مكانه واشتمل من علوم طائفته على الجانب الوافر وعرف من أوامرهم ونواهيهم ما تقر به منهم العين والناظر وطلب من الرب الرؤوف الرحيم القوة على أعماله وسأل الإله أن يزين لأهل ملته ما يأتي به من أقواله وأفعاله فوقع اختيارهم عليه وسألوا صدقاتنا الشريفة إلقاء أمرهم إليه
فرسم بالأمر الشريف لا زال إحسانه إلى سائر العالم واصلا وجوده لكل طائفة بارتياد أكفائها شاملا أن يقدم حضرة القديس المؤتمن جرجس المشار إليه على الطائفة اليعقوبية من الملة النصرانية بالديار المحروسة والجهات الجاري بها العادة ويكون بطريركا عليهم على عادة من تقدم في ذلك ومستقر قاعدته إلى آخر وقت قائما بما يجب عليه من أمور هذه الملة باذلا جهده في سلوك ما ينبغي مما ينظم عليه أمره كله فاصلا بينهم بما يعتقدونه من الأحكام متصرفا على كل أسقف وقس ومطران في كل نقض وإبرام مالكا من أمور القسيسين والرهبان والشمامسة الزمام مانعا من يروم أمرا لا يسوغه وضع ولا تقرير جاعلا نظره عليه منتقدا بالتحرز في التخيير زاجرا من يخرج منهم عن اتباع طريق الشريعة المطهرة التي يصح بها عقد الذمة ملزما بسلوكها في كل ملمة فإن ذلك من الأمور المهمة آمرا من في الديرة من الرهبان بمعاملة المارين بهم والنازلين عليهم بمزيد الإحسان ومديد الإكرام والقيام بالضيافة المشروطة من الشراب والطعام
وليتحدث في قسمة مواريثهم إذا ترافعوا إليه وليجعل فصل أمور أهل طائفته من المهمات لديه وليشفق على الكبير والصغير وليتنزه عن قليل متاع الدنيا والكثير وليزهد في الجليل قبل الحقير وفي اطلاعه على أحكام

دينه ما يكفيه في الوصية وما يرفعه بين أبناء جنسه في الحياة الدنيوية والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله أعلاه
وهذه نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة وهي
أما بعد حمد الله على أن جعل من إحسان هذه الدولة لكل ملي وذمي نصيبا وفوق إلى أهداف الرعاية سهما فسهما ما منها إلا ما شوهد مصيبا والصلاة على سيدنا محمد الذي أحمد الله له سرى في صلاح الخلائق وتأويبا فإنه لما كان من سجايا الدولة القاهرة النظر في الجزئيات والكليات من أمور الأمة وتجاوز ذلك إلى رعاية أهل الذمة لا سيما من سبقت وصية سيد المرسلين عليهم من القبط الذين شرفهم رسول الله بوصلته منهم بأم إبراهيم ولده عليه السلام وقبول هديتهم التي أبقت لهم مزية على ممر الأيام وكانوا لا بد لهم من بطريك يحفظ سوامهم ويضبط خواصهم وعوامهم ويجمع شمل رهبانهم ويراعي مصالح أديانهم ويحرر أمور أعيادهم ومواسمهم في كل كنيس ويدعو للدولة القاهرة في كل تقديس وتجعل له الخيرة في ضبط أمور البيع والديرة واختيار الأساقفة والكهان وحفظ النواميس المسيحية في كل قربان ولا يصلح لذلك إلا من هو بتول وكل خاشع عامل ناصب يستحق بذلك أن هذا الأمر إليه يؤول
ولما كان البطريرك فلان هو المجمع على صلاحيته للبطركية على شعبه والتقدمة على أبناء المعمودية من شيعته وصحبه لما له من علم في دينه ومعرفة بقوانينه وضبط لافانينه وعقل يمنعه عن التظاهر بما ينافي العهود ويلافي الأمر المعهود اقتضى جميل الاختيار أنه رسم بالأمر الشريف لا برح يضع كل شيء في موضعه من الاستحقاق ويبالغ في الإرفاد لأهل الملل والإرفاق أن يباشر بطركية جماعة اليعاقبة بالديار المصرية على عادة من تقدمه في هذه الرتبة ومن ارتقى قبله إلى هذه الهضبة

فليباشر أمر هذه الطائفة وليجعل معونته بهم طائفة وليضبط أمورهم أحسن ضبط وأجمله وأتمه وأكمله وليأخذهم بما يلزمهم من القيام بالوظائف المعروفة والعهود المألوفة وليلزمهم بما يلزمهم شرعا من كف عن تظاهر ممنوع أو تعاطي محذور منكور الشرور والشروع أو تنكب عن طريق الاستقامة وكما أنهم عدلوا عن الإسلام لا يعدلون عن السلامة
وأما أمور الديرة والكنائس فأمرها إليك مردود فاجر فيها على المعهود وأقم فيها عنك من يحسن النيابة ومن يجمل الإنابة ومن يستجلب الدعاء لهذه الدولة القاهرة في كل قداس ويعدد التقدس والأنفاس وعلى رهبان الأديرة للمساجد والجوامع وظائف لا تمنع ولا تؤخر ولا تحوج أحدا منهم أنه بها يذكر وليشرط على أهلها أنهم لا يأوون طليعة الكفار ولا من يحصل منه إلا خير وإلا يحصل الإضرار وليأمرهم بحسن الجوار والقيام بما هو موظف عليهم للمسلمين السفار وغير السفار هذه نبذة من الوصايا مقنعة ولو وسع القول لكان ذا سعة وفي البطريرك من النباهة ما يلهمه الصواب والله يجعل حسن الظن به لا ارتياء فيه ولا ارتياب بمنه وكرمه والاعتماد الخ
وهذه نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة وهي
أما بعد حمد الله الذي خص كل ملة منا بمنة وأقام بأوامرنا على كل طائفة من نرضاه فنحقق بإحساننا ظنه وجعل من شيمنا الشريفة الوصية بأهل الكتاب عملا بالسنة والشهادة بوحدانيته التي نتخذ بينها وبين الشك والشرك من قوة الإيمان جنة وندخر أجورها فنسموا بها يوم العرض إلى أعلى غرف الجنة والصلاة والسلام على نبيه محمد أكرم من أرسله إلى الأمم فأنال كلا من البرايا يمنه وأعظم من بعثه فشرع الدين الحنيف وسنه وعلى آله وأصحابه الذين لم

تزل قلوب المؤمنين بهم مطمئنة فإن لدولتنا القاهرة العوارف الحسان والشيم الكريمة والعطايا والإحسان والفواضل التي للآمال منها ما يربي عليها ويزيد والمآثر التي بحر برها الوافر المديد ولكل ملة من نعمها نوال جزيل ولكل فرقة من مواهبها جانب يقتضي التخويل ولا يقضي بالتحويل ولكل طائفة من يمنها ومنها منائح طائفة بمزيد التنويل ولكل أناس من معدلتها نصيب يشمل الملل وعادة معروف تواترت مع أنها خالصة من السآمة والملل سجية سخية بنا شرفت ومزية مروية منا ألفت وإن من أهل الكتاب لطائفة كثرت بأبوابنا الشريفة عددا واستصفت من مناهل جودنا موردا وانتظمت في سلك رعايانا فاضحى سبب فضلنا لها مؤكدا وكانت الملة المسيحية والفرقة اليعقوبية لا بد لها بعد موت بطريكها من إقامة غيره وتقديم من يرتضى بفعله وقوله وسيره لتقتدي به في عقد أمورها وحلها وتحريمها وتحليلها ووصلها وفصلها وتهتدي به في معتقدها وتركن إلى ما يذكره من مجموع أحكام الإنجيل ومفردها وينتصب للفصل بين خصومها بما يقتضيه عرفانه ويظهر لأهل ملته بيانه حتى لا تجد في أمر دينها إلا ما تريده وبما نديمه لها من استمرار الهدنة تبدي دعاءها وتعيده فإن سيدنا محمدا أمرنا أن نستوصي بأهل الكتاب خيرا ونحن نسلك من اتباع شريعته المطهرة ما نحسن فيه إن شاء الله سيرة يسيرة وسيرا
ولما كانت الحضرة السامية الشيخ الرئيس المبجل المكرم الفاضل الكافي الثقة عماد بني المعمودية كنز الطائفة الصليبية اختيار الملوك والسلاطين فلان أطال الله بقاءه وأدام على أهل طائفته ارتقاءه ممن اتفق على شكره أبناء جنسه واستوجب أن يرقى إلى هذه الرتبة بنفسه واشتهر بمعرفة أحوال فرقه وهجر الأهل والوطن في تهذيب خلقه وحرم في مدة عمره النكاح وسار في المهامه والقفار وساح وأضحى خميص البطن

خاوي الوفاض قد ترك الطيبات وهجر التنعم وارتاض واعتمد في قوله على الإله وسأل الرب أن يبلغه في أهل ملته ما تمناه
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يجمع الفرق على الدعاء لأيامه الشريفة ويديم للأقربين مواد مواهبه المألوفة أن يقدم الشيخ فلان على الملة النصرانية اليعقوبية ويكون بطريركا عليها على عادة من تقدمه ومستقر قاعدته بالديار المصرية والثغور المحروسة والجهات التي عادته بها إلى آخر وقت فليتول ذلك سالكا من طرق النزاهة ما يجب فاصلا بين النصارى بأحكام دينه التي لا تخفى عنه ولا تحتجب مالكا أزمة كل أسقف وقومس ومطران مرجحا بين القديس والقسيس والشماس والرهبان لتصبح أحكام كبيرهم وصغيرهم به منوطة ومواريثهم مقسومة بشرعته التي هي لديهم مبسوطة ويقف كل منهم عند تحريمه وتحليله ولا يخرج في شرعتهم عن فعله وقوله ولا يقدم منهم إلا من رضي بتأهيله وليأمر كل قاص منهم ودان ومن يتعبد بالديرة والصوامع من الرجال والنسوان برفع الأدعية بدوام دولتنا القاهرة التي أسدت لهم هذا الإحسان ويلزم كلا منهم بأن لا يحدث حادثا ويكرم نزل من قدم عليه راحلا أو لابثا فإن هذه الولاية قد آلت إليه وهو أدرب بما تنطوي شروطها عليه والله تعالى يجعل البهجة لديه مقيمة والنعمة عليه مستديمة والخط الشريف أعلاه حجة بموجبه وبمقتضاه إن شاء الله تعالى

وهذه وصية لبطرك اليعاقبة أوردها في التعريف قال
ويقال في وصية بطرك اليعاقبة مثل ما في وصية بطرك الملكية إلا فيما ينبه عليه ويسقط منه قولنا واعلم بأنك في المدخل إلى شريعتك طريق إلى الباب إذ كان لا يدين بطاعة الباب الذي هو رأس الملكانيين وإنما هو رأس اليعاقبة نظيره للملكانيين ويقال مكان هذه الكلمة واعلم بأنك في المدخل إلى شريعتك قسيم الباب وأنتما سواء في الأتباع ومتساويان فإنه لا يزداد مصراع على مصراع ويسقط منه قولنا وليتجنب البحر وإياه من اقتحامه فإنه يغرق وثانية هذه الكلمة إذا كان ملك اليعاقبة مغلغلا في الجنوب ولا بحر ويبدل بقولنا وليتجنب ما لعله ينوب وليتوق ما يأتيه سرا من تلقاء الحبشة حتى إذا قدر فلا يشم أنفاس الجنوب وليعلم أن تلك المادة وإن كثرت مقصرة ولا يحفل بسؤدد السودان فإن الله جعل آلة الليل مظلمة وآية النهار مبصرة ثم يختم بالوصية بالتقوى كما تقدم ونحو هذا والله أعلم

النوع الثاني ما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة من وظائف الديار المصرية
مما يكتب لأربابها وهي ثلاث جهات
الجهة الأولى ثغر الإسكندرية والوظائف فيها على ثلاثة أصناف
الصنف الأول وظائف أرباب السيوف وبها وظيفة واحدة وهي النيابة
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنها كانت أولا

ولاية إلى أن طرقها الفرنج في سنة سبع وستين وسبعمائة فاستقرت من حينئذ نيابة يكتب لنائبها تقليد في قطع الثلثين بالجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة
وهذه نسخة تقليد بنيابة ثغر الإسكندرية
الحمد لله على نعم باسمة الثغر مسفرة الفجر رافعة القدر
نحمده حمدا يشرح الصدر ويطلع طلوع البدر ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحالف من يحالفها وتخالف من يخالفها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل نبي رابط في سبيل الله وجاهد وكابد في الجهاد أعداء الدين وكايد وعلى آله وصحبه الذين خاضوا في غمرات الدجى كل غمر وندبوا لحماية الدين فكانوا ليوم كريهة وسداد ثغر
أما بعد فإن الاهتمام بالثغور هو أولى ما إليه حمد وعلى مصالحها اعتمد وكان ثغر الإسكندرية المحروس هو المفتر عن أحسن الثنايا والمخصوص من الحياطة بأتم المزايا والذي كم شفت شفاهه من سقم عند ارتشاف والذي المثاغر به والمرابط كم له بالحسنات من ائتلاف وكانت المصلحة تقتضي أن لا يختار له إلا كل كامل الأوصاف كافل بما تستدعيه مصلحة أهله من إنصاف ذو عزم يمضي والسهام مستودعة في الكنائن ويقضي بالعدل المزيل للشوائب والشوائن ومن له حزم يسد ثغر المعايب دون كل ملاحظ ومعاين وله سياسة تحفظ بمثلها الثغور وتصان الأمور وله بشاشة تستجلب النفور وتوفق ما بين الألسنة من أولي الود والصدور وله حياطة بينما يقال هذا جانبه دمث إذ يقال هذا جانبه صعب ممتنع وبينما يقال ليقظته للمصلحة هذا سحاب جهام إذ يقال هذا سيل مندفع

ولما كان فلان هو مستوعب هذه الصفات ومستودع هذه الأسماء والسمات وإليه بهذه المناقب يشار وهو ساحب أذيال هذا الفخار اقتضى حسن الرأي الشريف أن تفوض إليه السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية المحروس تفويضا يمضي في مصالحه لسانه وقلمه ويصرف بين الأوامر والنواهي إشاراته وكلمه ويزين مواكبه بطلعته ويزيد مهابته ببعد صيته واشتهار سمعته
فليباشر هذه الوظيفة مجملا مواكبها مكملا مراتبها موثلا بقواعد الأمن أرجاءها وجوانبها ناشرا لواء العدل على عوالمها قابضا بالإنصاف لمظلوم رعيتها على يد ظالمها معليا منار الشرع الشريف بمعاضدة حكامه والانقياد إلى أحكامه والوقوف في كل أمر مع نقضه وإبرامه وليحرس جوانب هذا الثغر ويحميها وليصن عوارضه وما فيها ومن فيها وليكلأه برا وبحرا وليرخ عليه من ذبه سترا فسترا ولينجح لسافرته طلبا وليبلغهم من العدل والإحسان أربا ويجمل معاملة من وجد منهم في سفره نصبا واتخذ سبيله في البحر عجبا والرعية فهم طراز الممالك وعنوان العمارة الذي من شاهده في هذا الثغر علم ما وراء ذلك وأحسن إليهم وارأف بهم وبلغهم من عدل هذه الدولة غاية أربهم وأمور الخمس والديوان فلها قواعد مستقرة وقوانين مستمرة فاسلك منها جددا واضحا وابتغ لها علما لائحا وغير ذلك فلا يكاد على فهمك يخفى من تقوى الله التي بها تكف عين المضار وتكفى والله تعالى يلهمك صوابا ولا يجعل بين حجاك وبين المصالح حجابا بمنه وكرمه

الصنف الثاني من الوظائف التي يكتب بها بثغر الإسكندرية الوظائف الدينية
وكلها تواقيع وفيها مرتبتان
المرتبة الأولى ما يكتب منها في قطع الثلث بالسامي بالياء وفيها وظائف
الوظيفة الأولى القضاء
وهو الآن مختص بالمالكية وقاضيها يتحدث في نفس المدينة وظاهرها ليس له ولاية فيما هو خارج عنها
وهذه نسخة توقيع بقضاء ثغر الإسكندرية المالكي كتب به للشيخ وجيه الدين محمد بن عبد المعطي الإسكندري المالكي وهي
الحمد لله رافع قدره من نوه العلم بذكره ونور التقى مواقع فكره ونبه الورع على رفعة قدره وأشرق به منصب الحكم العزيز إشراق الأفق بطلوع بدره وأضاءت بنور أحكامه غوامض القضايا الشرعية إضاءة الدجى بغرة فجره وقضى له دوام الإصابة في الاجتهاد بإحراز أجريه إذا كان أحد قسمي الاجتهاد مقتضيا لأجره ومليء صدره بأنواع العلوم الدينية فوسع له الشرع الشريف صدر مجلسه وأعد له مجلس صدره وزخر من خاطره بحر العلم فارتوت رياض الخواطر بأنوار فرائد دره وأسفر وجه الدين بنور علمه وعمله فقام هذا مقام السرور في أساريره وناب هذا مناب الشنب في ثغره
نحمده حمدا يزيد قدر النعم تنويها ويسوغ في المحامد تعظيما لمسدي

المنة وتنزيها وينهض بشكر التوفيق في اختصاص منصب الحكم بمن كان عند الله وجيها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تفتر ثغور الإسلام بإدامتها وتبنى قواعد الإيمان على إقامتها وتشيم بوارق النصر على جاحدها من أثناء غمامتها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنارت الآفاق بملته ودارت أداة التشبيه بين أنبياء بني إسرائيل وعلماء أمته وضاهى شرعه شمس الظهيرة في وضوح أحكامه وظهور أدلته وعلى آله وصحبه الذين عملوا بما علموا وجاهدوا أعداء الله فما ضعفوا لذلك ولا ألموا وقضوا بالحق بين أمته فلا المقضي لهم أتموا ولا المقضي عليهم ظلموا صلاة لا تزال لها الأرض مسجدا ولا يبرج ذكرها متهما في الآفاق ومنجدا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من قلد الحكم وإن نأى به الورع عن توقعه وخطب للقضاء وإن أعرض به الزهد عن طلابه وتتبعه ودعي إليه إذ الإجابة عليه متعينة ووضعت مقاليده بحكم الاستحقاق في يديه إذ أولويته البينة لا تحتاج إلى بينة من عقدت على تعينه لهذا المنصب الجليل الخناصر ودعت إلى استدعائه إليه فضائله الثابتة القواعد وزهادته الزاكية الأواصر ودلت عليه علومه دلالة الأضواء على لوامع الشهب ونبهت عليه فنونه تنبيه الأنواء على مواقع السحب وشهد بورعه المتين تفقهه واعتزاله وأنبأ عن نهوضه بنصرة الدين قوة جداله الذي هو جلاد مثله ونزاله وتبحر في أنواع العلوم حتى جاوز البحر بمثله ولكنه العذب الزلال وشغل نفسه بالتنوع في الفنون فكان التحلي بعبادة الله ثمرة ذلك الاشتغال ومشى على قدم الأئمة العلماء من أسلافه فلم يشق في ذلك المضمار غباره ونشأ على طريقة العلم والعمل فنهاره بالانقطاع إليه ليله وليله بالاشتغال بهما نهاره

ولما كان فلان هو الذي خطبته هذه الرتبة السنية لنفسها وتشوقت إلى الإضاءة بطلوعه في أفقها تشوق المطالع إلى الإضاءة بطلوع شمسها وأثنى لسان القلم على فضائله وهو يعتذر من الاختصار واقتصرت البلاعة على اليسير من التعريض بوصفه وطالب مالا يحصر معذور في الاقتصاد والاقتصار وعين لما تعين عليه من مصالح الأمة وذلك يقضي لمثله من أهل الورع أن يجيب وطلب لعموم مصالح الإسلام التي ما ينبغي لمثله من أنصار السنة أن يتأخر عن مثلها أو يغيب وكان ثغر الإسكندرية المحروس من المعاقل التي يفتر عن شنب النصر ثغرها ومن أركان الدين التي يغص بأبطالها بحرها وهي مأوى صلحاء الجهاد الذين سهام ليلهم أسبق إلى العدا من سهامهم وموطن العلماء من أهل الاجتهاد الذين يعدل دم الشهداء مداد أقلامهم وهي داره التي تزهى به نواحيها وموطن رباطه الذي يوم وليلة منه في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها اقتضت آراؤنا الشريفة أن نخص منصب حكمها بعالم أفقها المنير وزاهد ثغرها الذي ما شام برقه بصر عدو إلا وانقلب إليه خاسئا وهو حسير وأن نفوض إليه منصب القضاء والحكم العزيز بثغر الإسكندرية المحروس على قاعدة من تقدمه فيه نظرا في عموم ذلك الثغر المحروس به إلى من انعقد إجماع أئمة عصره ومصره على سعة علمه ووفور ورعه وكمال فضله
فليباشر هذا المنصب الذي ملاك أمره العلم والتقى ونظام حكمه العدل والورع وهما أكمل ما به يرتقى وليحكم بما أراه الله من قواعد مذهبه المحكمة وأحكام إمامه التي هي بمصالح الدين والدنيا محكمة وليقض بأقوال إمام دار الهجرة التي منها صدرت السنة إلى الآفاق وعنها أخذت ذخائر العلم التي تزكو على كثرة الإنفاق وبها حمى الأحكام الدينية موطأ الأكناف وفيها

استقام عمود الملة ممدود الطرف على سائر الأطراف فليل من ذلك وغيره جميع ما كان يليه من تقدمه وتقتضيه قواعد ولايته التي أمضينا فيه لسانه وقلمه
فأما ما يدخل تحت هذا الإجمال من آداب القضاء وقواعده وأدواته وعوائده من تخصيص الحكم بأوقاته ومساواته بين الخصمين في إنصافه وإنصاته واجتناب الحكم في الأوقات المقتضية لتركه وتوقي نقض الأحكام التي نظمها عدم مخالفة النص والإجماع في سلكه فإنه مكتف بالإجمال عن تفصيلها مكتف عن ذكر كثيرها بالإيماء إلى قليلها إذ هو أدرى بأوضاعها شرعا وعرفا وأدرب بما قد يشذ منها عن ألمعيته أو يخفى وملاك الوصايا تقوى الله تعالى وهي من خصائص نفسه وفواتح ما ابتدأ الورع بإتقان درسه والله تعالى يؤيد حكمه ويعلي علمه بمنه وكرمه والاعتماد على الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى
واعلم أنه كان فيما تقدم قد وليها قاض شافعي
وهذه نسخة توقيع بقضائها كتب به للقاضي علم الدين الإخنائي الشافعي في ثامن شعبان سنة ثلاثين وسبعمائة وهي
الحمد لله الذي رفع لنا في كل ثغر علما وأجرى لنا في جوار كل بحر ما يضاهيه كرما وجعل من حكام دولتنا الشريفة من يعرف بنسبه الإسنائي بل السنائي أنه يمحو من الظلم ظلما
نحمده على أن زادنا نعما ووفر للأحكام الشرعية بنا قسما وأغلى قيما فاضحت تنافس الدر الثمين قيما ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نجرد لإقامتها سيفا وقلما ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جعل

الله له شريعة ماذية ودينا قيما ونصب من أئمة أتباعه كل علم يهدي أمما وعلى آله وصحبه صلاة باقية ما بقيت الأرض والسما وسلم تسليما
وبعد فإن أولى الثغور بأن لا يزال به علم مرفوع وعلم مصون حجابه الممنوع وعمل يمشي به أئمة الأمة على طريقه المشروع ثغر الإسكندرية حماها الله تعالى فإنها من دار الملك في أعز مقام ومن مجاورة البحر في موطن جهاد تخفق به الأعلام وغالب من فيها إما فقيه يتمسك بالشريعة الشريفة في علو علومه أو رب مال له وقوف بمجلس الحكم العزيز ينتصف من خصام خصومه ولم تزل وظيفة القضاء بها آهلة الصدور كاملة البدور متهللة بما لا يفوت الشنب كبارق الجزع إذا حكى إيماض الثغور وكان لها مدة قد خلت ونحن نفكر فيمن يكون سدادا لثغرها وكافيا فيما يهم في الأحكام الشرعية من أمرها وكافلا من الحق الذي أمر الله به بما يقي النفوس وقائما في مدارسها بما يزيد معالمها إشادة في الدروس حتى أجمعت آراؤنا الشريفة على من يحسن عليه الإجماع وتحسم به دواعي النزاع ويحسد علمه علم الشمس لما علا عنها من كرة الارتفاع ومن يتضوع بنشر العدل في يمنى كفه القلم وإذا وقفت به الركائب قالت يا ساري القصد هذا البان والعلم وكان المجلس السامي القضائي العلمي الإسنائي الشافعي أدام الله علوه هو العلم المنشور والعلم المشهور والمراد بما تقدم من وصف مشكور فاقتضت مراسمنا المطاعة أن تناط به من الأحكام الشرعية القضايا وأن يبسم هذا الثغر بحكمه عن واضح الثنايا
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي

الناصري زاده الله شرفا وضاعف له تصرفا أن يفوض إليه القضاء بمدينة إسكندرية حماها الله تعالى على عادة من تقدمه وقاعدته المستقرة إلى آخر وقت على أنه يستنيب عنه في تحمله وفيما شاء منه من هو موصوف بصفته موثوق بدينه وعلمه ومعرفته ولينتصب في مجلس الحكم العزيز لمن ينتصف وليعمل بما يرضينا من مراضي الله تعالى فإن للعيون أن تنظر وللألسنة أن تصف ولينظر في أمر الشهود فإن الأحكام الشرعية على شهادتهم تبنى وليحترز من الوكلاء فإن منهم من يجعل الظن يقينا واليقين ظنا ولينظر في أمور الأيتام ويتصرف في أموالهم بالحسنى وليقم الحدود على مقتضى مذهبه وليعول في العقود على من لا يخاف معه امرؤ على إلحاق في نسبه وغير هذا مما إليه مرجعه وإليه ينتهي مفترقه ومجتمعه وبحكمه يفصل أمره أجمعه وليتخذ الله تعالى عليه رقيبا ويعلم أنه سيرى كل ما يعمله عند الله قريبا وتقوى الله هي التي نتخذ معه عليها عهدا مسؤولا ورجاء مأمولا وقولا عند الله وملائكته وأنبيائه مقبولا ونقلده منها على كل مخالف سيفا مسلولا ونحن نرغب إلى الله أن يوفقه في حكمه ويعينه على كل ما يملى من الوصايا بما هو ملي به من عمله وعلمه والخط الشريف أعلاه حجة فيه
قلت وكان قد استحدث بالإسكندرية قاض حنفي في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين يولي من الأبواب السلطانية رفيقا للقاضي المالكي بها يتحدث في الأحكام في القضايا بمذهبه خاصة وأمر مودع الأيتام ونظر الأوقاف وغير ذلك من متعلقات قضاء القضاة مختص بالمالكي ثم صارت بعد ذلك تارة يولي بها حنفي كذلك وتارة تشغر منه فإن وليها حنفي كتب له في قطع الثلث كما يكتب للقاضي المالكي وليس بها الآن شافعي إلا نائبا عن المالكي ولا حنبلي بها أصلا

الوظيفة الثانية الحسبة بثغر الإسكندرية
ومحتسبها يمضي تحدثه فيما يختص به قاضيها وليس له نواب فيما هو خارج عن ذلك من البلاد
وهذه نسخة توقيع بالحسبة بثغر الإسكندرية
الحمد لله الذي جعل المناصب في أيامنا الزاهرة محفوظة في أكفائها مضمونة لمن تقاضت له من الإقبال رد جفائها معدوقة في مآلها إلى من زانها بمعرفته الحسنة وحسن بهائها مخصوصة بمن دلت كفاءته وكفايته على أنه أولى بتقربها وأحق باصطفائها
أحمده على نعمه التي لم تخيب في إحساننا أملا ولم تضيع سعي من أحسن العمل في مصالح دولتنا إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أشرف ما فاه به اللسان وأفضل ما تعبد به الإنسان وأرفع ما ملكت به في الدنيا والآخرة عظام الرتب الحسان ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أحل الطيبات وأباحها وأزال الشبهات وأزاحها وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بأحكامه ووقفوا مع ما شرع لهم من حلال دينه وحرامه وحافظوا على العمل بسنته بعده محافظتهم عليها في أيامه صلاة يتوقد سراجها ويتأكد بها انتساق السنة وانتساجها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من رجع فيه حق منصبه إلى نصابه ورد به واجب رتبته إلى من جعلته سوابق سيرته أولى به وتقاضت له سيرته عواطف كرمنا ونهضت نزاهته باستطلاع ما غاب عنه من عوارفنا ونعمنا وأغنته أوصافه عن تجديد ثناء يستعاد به برنا القديم ويستدام له به فضلنا العميم وتستدر به

أخلاف كرمنا الذي تساوى في عمومه الظاعن والمقيم من زان التقى أوصافه وكملت العفة معرفته وإنصافه وتولت الديانة نظره فيما عدق به من مصالح الرعايا خصوصا وعموما وتكفلت الخبرة من اعتباره لأمور الأقوات بأن جعل لكل منها في الجودة حدا معلوما وباشر ما فوض إليه فجمع بين رضا الله تعالى ورضا خلقه وعول عليه في حسبة أعز الثغور لدينا فتصبح الرعايا فيما بسط لهم من رزقه
ولما كان فلان هو الذي أضاءت أوصافه وهل تنكر الإضاءة للسراج وتشوفت إليه رتبته فلم يكن لها إلا إليه ملاذ وإلا عليه معاج فسلك من السير أرضاها لربه ومن الأحوال أجمعها لأمن عاقبته وسلامة غبه ومن الاجتهاد في مصالح الرعايا ما يضاعف شكره على احتسابه ومن الخيرة ما يعرف كلا منهم كيف يكون اكتساء البرية في اكتسابه رسم أن يستقر
فليستمر في ذلك على عادته التي ناضلت عنه فأصابت وقاعدته التي دعت له عواطف نعمنا فأجابت وليزد في التحذير والتحقيق ما استطاع ويناقش حتى يستقر على الصحة فيما يباع أو يبتاع ويقابل على الغش بما يردع متعاطيه ويزجر صانع الأعمال الفاسدة عن استدامتها ومن يوافقه على ذلك ويواطيه ويثمر أموال الأحباس بملاحظة أصولها والمحافظة على ريعها ومحصولها وإمضاء مصارفها على شروط واقفيها إن علمت ومزية ما قدم من شكره والثناء عليه وملاك ذلك جميعه تقوى الله تعالى وهي أخص ما قدم من أوصافه والرفق بالرعايا وإنه من أحسن حلى معرفته وإنصافه والخير يكون إن شاء الله تعالى

الوظيفة الثالثة نظر الصادر
وموضوعها التحدث في قدر مقرر يؤخذ من تجار الفرنج الواردين إلى الإسكندرية وعليه مرتبات لناس مخصوصين من أهل العلم والصلاح ينفق عليهم بمقادير معلومة من متحصل هذه الجهة
وهذه نسخة توقيع بنظر الصادر والوارد أنشأته عن السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق للقاضي ناصر الدين محمد الطناحي إمام المقام الشريف السلطاني في منتصف شهر صفر سنة أربع وثمانمائة وهي
الحمد لله الذي جعل من سلطاننا الناصر لأخص ولي أعز ناصر وخصه من فائض كرمنا المتتابع ومننا المترادف بأكرم وارد وأبر صادر وبوأه من فضلنا المنيف أفضل مبوأ فتارة تأتم به الملوك وتارة يخطب الكافة على رؤوس المنابر
نحمده على أن جعلنا نتبع في الولايات نهج الصواب ونقتفيه وآثرنا من أثرة الأبوة بأعلى مواقع الاجتباء والولد سر أبيه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أذل طغاة الكفر بقمع آناف كبرائهم وألزمهم الصغار بمال يؤخذ من أقوياء أغنيائهم فيفرق في ضعفاء المسلمين وفقرائهم ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ندب إلى مبرة أهل الفضل وذويه ورغب في رعاية المودة للآباء بقوله إن من أبر البر بر الرجل أهل ود أبيه وعلى آله وصحبه الذين عدقت بهم مهمات فقاموا بحقها ووكلت إليهم جلائل الولايات فأحرزوا بجميل التأثير قصب سبقها صلاة يبقى على مدى الأيام

حكمها ولا يتغير على مر الزمان رسمها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن من كريم سجايانا التي جبلنا عليها وشريف شيمنا التي يجذبنا طيب العنصر إليها أن نخص أخص الأولياء بأسنى الولايات ونتحف أصفى الأصفياء بنهاية غيره في البدايات ونرفع قدر من لم يزل ظهره للملوك محرابا وننوه بذكر من رغبت فيه الوظائف فعدلت إليه عن سواه إضرابا
وكان المجلس السامي القاضوي العالمي العاملي الفاضلي الكاملي البارعي البليغي الماجدي الأوحدي الأثيري الأثيلي العريقي الأصيلي الخطيبي الناصري مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الرؤساء أوحد الكبراء صدر الأعيان جمال الخطباء جلال النظار صفوة الملوك والسلاطين أبو عبد الله محمد ابن المجلس السامي الجمالي المرحوم عبد الله الطناحي إمام المقام الشريف أدام الله تعالى رفعته قد طالت في المخالصة قدمته ووفرت من صدق الموالاة قسمته فرفع على الابتداء خبره ونصب على المدح تقدمه فحمد في الاختيار أثره وكانت وظيفتنا نظر الصادر وخطابة الجامع الغربي بثغر الإسكندرية المحروس حرسه الله تعالى وحماه وصان من طروق العدو المخذول حماه من أرفع الوظائف قدرا وأميزها رتبة وأعلاها ذكرا اقتضى حسن الرأي الشريف أن نسند ولايتهما إليه ونعتمد في القيام بمصالحهما عليه
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت آراؤه مسددة ونعمه على الأولياء في كل حين مجددة أن يستقر المشار إليه في الوظيفتين المذكورتين عوضا عمن كانتا بيده بما لهما من المعلوم ويفسح له في الاستنابة على عادة من تقدمه في ذلك استنادا إلى أمانته التي بلغت به من العفة منتهاها وكفايته التي عجز المتكلفون عن الوصول إلى مداها وفصاحته التي أعجزت ببراعتها

الخطباء الأماثل وبلاغته التي قضت بالعي على قس إياد وحكمت بالفهاهة على سحبان وائل
فليتلق ما أسند إليه بيده الطولى وباعه المديد وليقابل هذه النعمة الحفيلة بالشكر فإن الشكر مستلزم للمزيد عالما أن نظر الصادر يقدمه أهل الثغر على عامة الوظائف ما دق منها وما جل ويتبرك المرتبون عليه بما يأخذونه من راتبه وإن قل فليحسن النظر فيه وردا وصدرا ويميز ريعه بحسن النظر فيه حتى يقول المعاند ما أحسن هذا نظرا
والجامع الغربي فهو أجل جوامع الثغر الإسكندري قدرا وأعظمها في الأقطار صيتا وأسيرها في الآفاق ذكرا يحضر الجمعة فيه أهل الشرق والغرب ويلم بخطبته سكان الوهاد والهضب فليرق منبره رقي من خطبه المنبر لخطبته وعلم علو مقامه فقابله بعلو رتبته ويشنف الأسماع بوعظه ويشج القلوب بلفظه ويحيي العقول بتذكيره ويبك العيون بتحذيره وليعد للجامع ما تعوده من الإسعاد ويجدد ما درس من معالم خطابته حتى يقال هذا ابن المنير قد عاد وعماد الوصايا تقوى الله فهي ملاك الأمور كلها وعليها مدار أحوال الدنيا والآخرة في عقدها وحلها وهاتان مقدمتا خير فليكن لنتيجتهما يرتقب ولا يقطع بالوقوف معهما رجاءه فأول الغيث قطر ثم ينسكب والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة فيه بمقتضاه إن شاء الله تعالى

الصنف الثالث من الوظائف التي يكتب بها بثغر الإسكندرية المحروس الوظائف
الديوانية وهي على طبقتين
الطبقة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء وهو ناظر المباشرة بها وعنه يعبر بناظر الإسكندرية دون ناظر الأصل المقدم ذكره في جملة الوظائف الديوانية بالحضرة
وموضوع هذه الوظيفة التحدث في الأموال السلطانية بالإسكندرية مما يتحصل من المأخوذ من تجار الفرنج وسائر المتاجر الواصلة برا وبحرا بالقبض والصرف والحمل إلى الأبواب السلطانية
وهذه نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية كتب به للقاضي جمال الدين ابن بصاصة وهي
الحمد لله الذي أضحك الثغور بعد عبوسها ورد إليها جمالها وأنار أفقها بطلوع شموسها وأحيا معالم الخير فيها وقد كادت أن تشرف على دروسها وأقام لمصالح الأمة من يشرق وجه الحق ببياض آرائه وتلتذ الأسماع بتلاوة أوصافه الجميلة وأنبائه
نحمده حمد من أسبغت عليه النعماء وتهادت إليه الآلاء وخطبته لنفسها العلياء ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع قدر قائلها وتعليه وتعز جانب منتحلها وتدنيه وأن محمدا عبده ورسوله أفضل نبي رابط وجاهد وأكرم رسول جنح للسلم بأمر ربه فهادن وعاهد وعلى آله وصحبه وأشياعه وحزبه

وبعد فأحق من ماس في أردية الرياسة عطفا واستجلى وجوه السعادة من حجب عزها فأبدت له جمالا ولطفا واصطفته الدولة القاهرة لمهماتها لما رأته خير كافل وتنقل في مراتبها السنية تنقل النيرين في المنازل
ولما كان فلان أدام الله رفعته ممن أشارت إليه هذه المناقب الجليلة وصارت له إلى كل سؤال نعم الوسيلة رسم بالأمر الشريف لا زال أن يستقر في نظر ثغر الإسكندرية المحروس ويباشر هذا المنصب المبارك بعزماته الماضية وهممه العالية برأي لا يساهم فيه ولا يشارك ليصبح هذا الثغر بمباشرته باسما حاليا وتعود بهجته له بجميل نظره ثانيا وينتصب لتدبير أحواله على عادته ويقرر قواعده بعالي همته ويجتهد في تحصيل أمواله وتحصين ذخائره واستخراج زكاته وتنمية متاجره ومعاملة التجار الواردين إليه بالعدل الذي كانوا ألفوه منه والرفق الذي نقلوا أخباره السارة عنه فإنهم هدايا البحور ودوالبة الثغور ومن ألسنتهم يطلع على ما تجنه الصدور وإذا بذر لهم حب الإحسان نشروا له أجنحة مراكبهم كالطيور وليعتمد معهم ما تضمنته المراسيم الشريفة المستمرة الحكم إلى آخر وقت ولا يسلك معهم حالة توجب لهم القلق والتظلم والمقت وليواصل بالحمول إلى بيت المال المعمور وليملأ الخزائن السلطانية من مستعملات الثغر وأمتعته وأصنافه بكل ما تستغني به عن الواصل في البرور والبحور وليصرف همته العالية إلى تدبير أحوال المتاجر بهذا الثغر بحيث ترتفع رؤوس أموالها وتنمي وتجود سحائب فوائدها وتهمي وليراع أحوال المستخدمين في مباشراتهم ويكشف عن باطن سيرهم في جهاتهم ليتحققوا أنه مهيمن عليهم وناظر بعين الرأفة إليهم فتنكف يد الخائن منهم عن الخيانة وتتحلى أنامل الأمين بمحاسن الصيانة وليطالع بالمتجددات في الثغر المحروس ليرد الجواب عليه منا بما يشرح

الصدور ويطيب النفوس وليتناول من المعلوم على ذلك في غرة كل شهر ما يشهد به الديوان المعمور والله تعالى يتولاه ويعضده ويؤيده ويسدده بمنه وكرمه
قلت وربما كتب لناظرها توقيع مفتتح بأما بعد حمد الله في قطع الثلث
وهذه نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية وهي
أما بعد حمد الله مفيض حلل إنعامنا على من أخلص في طاعتنا الشريفة قلبه ولسانه ومولي فضل آلائنا العميمة على من أرهف في مصالحنا عزمه وبنانه ومحلي رتب عليائنا الشريفة بمن أشرق في سماء المعالي بدره وإنسانه وأينعت في غصون الأماني قطوفه وأفنانه ومبلغ أقصى غاية المجد في أيامنا الزاهرة بمن تبتسم بجميل نظره الثغور وتعتصم بحميد خبره وخبرته الأمور وتشرق من جميل تدبيره البدور وتعتمد على هممه الأيام والدهور والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم والناشر لواء العدل بسننه الواضح وشرعه القويم والمنجز لمن اقتفى سبله أوفى تكريم وأوفر حظ عظيم وعلى آله وأصحابه ما اهتدى بهديهم ذوو البصائر والأبصار وارتدى بأرديتهم المعلمة مقتفي الآثار فإن أولى من أسندنا إلى نظره الجميل رتبة عز ما زالت طيور الآمال عليها تحوم وعدقنا بتدبيره الجليل منصب سيادة ما برحت الأماني له تروم واعتمدنا على همته العلية فصدق الخبر الخبر وركنا إلى حميد رأيه فشهد السمع وأدى النظر
ولما كان فلان هو الذي اتسق في ذروة هذه المعالي وانتظم به عقد هذه

اللآلي وحوى بفضيلة اللسان والبيان ما لم تدركه المرهفات والعوالي فما حل ذروة عز إلا وحلاها بنظره الجليل ولا رقي رتبة سيادة إلا وأسفر في ذروتها وجه صبحه الجميل ولا عدق بنظره كفاية رتبة إلا وكان لها خير كفيل
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال ينتصي للرتب العلية خير منجد وممير ويمتطي للمناصب السنية نعم المولى ونعم النصير أن يستقر فإنه القوي الأمين والمتمسك من تقوى الله تعالى ومراقبته بالسبب المتين والمستند بجميل كفايته وحميد ديانته إلى حصن حصين والمستذري بأصالته وإصابته إلى الجنة الواقية والحرم الأمين فليقدم خيرة الله تعالى في مباشرة الوظيفة المذكورة بعزم لا ينبو وهمة لا تخبو وتدبير يتضاعف على ممر الأيام ويربو ونظر لا يعزب عن مباشرته فيه مثقال ذرة إلا وهي من خاطره في قرار مكين وضبط لا تمتد معه يد لامس إليها إلا ويجد من مرهفه ما يكف كفها عن الخيانة بالحق المبين وليضاعف همته في مصالح هذه الجهة التي عدقناها بنظره السعيد وليوفر عزمته فإن الحازم من ألقى السمع وهو شهيد والوصايا كثيرة ومثله لا يدل عليها والتنبيهات واضحة وهو وفقه الله أهدى أن يرشد إليها والله تعالى يوفقه في القول والعمل ويصلح بجميل تدبيره وحميد تأتيه كل خلل بمنه وكرمه

الطبقة الثانية من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي بغير ياء أو مجلس
القاضي وفيها وظيفتان
الوظيفة الأولى كتابة الدرج
وصاحبها هو الذي يقوم بالإسكندرية مقام كاتب السر بالأبواب السلطانية في قراءة المكاتبة على النائب وكتابة الأجوبة وما يجري مجرى ذلك
وهذه نسخة توقيع من ذلك
رسم بالأمر الشريف لا زال شاملا فضله كاملا عدله هاملا بالإحسان وبله متصلا بالجميل حبله ملاحظا بعين العناية للبيت الزاكي فرعه الطيب أصله معليا نجمه إلى أسنى المراتب التي لا ينبغي أن يكون محلها إلا محله أن يستقر فلان في كتابة الدرج بثغر الإسكندرية المحروس على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت لأصالته المعرقة وغصون نسبه المورقة وآدابه الجمة وفضيلته التي أبدى بها علمه وكتابته التي حلت المهارق وأبدت من الجواهر ما تتمنى لمسه المفارق وتذوي لنضارته أزاهر الروض النضير وتتفرد في الحسن فلا تجد لها من نظير وتبرز كالعقود في أجياد الترائب وتنشئ كتبا تغني عن الكتائب مع ماله من رآسة أثبتت معاليه ونفاسة أضحت بجواهرها الأوصاف حالية وصدارة توالت منه فاستوجب بها مزيد الحسنى المتوالية قد خول في كرم الأصل فلا غرو أن أمسى نجيبا ودعا بديع اللفظ ولطيف المعنى فغدا كل منهما لأمره طائعا وبالإذعان مجيبا وعلا كوكبه فأضحى في الرفعة بعيدا وإن كان في مرأى العين قريبا وزكا من أكابره إلى كل فريد في سؤدده واحد في علاه يفوق الجمع في عدده فهو إنسان عين زمانه ومالك زمام الإنشاء ومصرف عنان بنانه ومبرز الحسنات بسفارته المقبولة وإطلاق بيانه فلا غرو أن استوجب منا ما يقضي له

بالمزيد واستحق باتباع أصله العالم التقي إدراك ما يريد وتحلى بمناقبه ومآثره ونقل عن عفافه ومفاخره
فليستمر في ذلك على أجمل عوائده وأجزل فوائده سالكا في ذلك طرائقه الحميدة ومناهجه ومناهج أسلافه السديدة مبرزا من خطه ما يخجل به الطروس ويسر بمزاياه النفوس وينظم كالعقود ويلوح للأبصار حسن رونقه المشهود والله تعالى يجعل إحساننا لدى بيته الكريم مستمرا وامتناننا العميم عنده مستقرا وثغر العناية به مفترا بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى

الوظيفة الثانية نظر دار الطراز بثغر الإسكندرية
وهذه نسخة توقيع بذلك كتب بها لصلاح الدين بن علاء الدين علي بن البرهان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال إيثاره يكرم من غدا صلاحه لحلة العلى طرازا واختياره يقدم للمناصب الجليلة من ورث من أبيه نهضة واحترازا أن يستقر فلان في كذا لكفايته المعروفة المحققة ودرايته المألوفة بركاتها الموفرة وحركاتها الموفقة وديانته التي منها الأكابر على ثقة وأمانته التي تعتمد الحق مستدعية ومنفقة وصيانته التي هي للواصل حافظة وعلى الحاصل مشفقة
فليباشر هذه الوظيفة التي كانت في سالف الزمان إلى الحكام تضاف وللعلماء الأعلام عليها نظر وإشراف ومنها يسدل على أوليائنا لباس الإنعام وترسل أجناس الإتحاف وتسربل الكعبة البيت الحرام في كل عام بجلبابها المحكم النسج المعلم الأطراف وليصن ذهبها عند صرفه وقبضه وليزن

خزها بتقريب مشوبه وتحرير محضه وليبن عن حسن التدبير في إبرام حريرها ونقضه وليستجلب رجالها وصناعها وليجنب أحوالها ضياعها وليستجد أصنافها وأنواعها وليتفقد أكنافها وبقاعها حتى يظهر في أعمالها آثار الصلاح وتشكر مباشرته التي هي محمودة الانتهاء مسعودة الافتتاح والله يقرن رجاءه بالإرباح ويؤذن له حيث سلك بإصابة الصواب والفلاح بمنه وكرمه
قلت ودار الطراز هذه هي التي تعمل فيها المستعملات السلطانية مما يحمل إلى خزانة الخاص الشريف من الأقمشة المختلفة الصفات من الحرير والمقترح المخوص بالذهب والتفاصيل المنقوشة بضروب النقوش المختلفة وغير ذلك من رقيق الكتان وغيره مما لا يوجد مثله في قطر من أقطار الأرض ومنه تتخذ الأقمشة التي يلبسها السلطان وأهل دوره ومنه تعمل الخلع والتشاريف التي يلبسها أكابر الأمراء وأعيان الدولة وسائر أهل المملكة ومنه تبعث الهدايا والتحف إلى ملوك الأقطار وقد كان يكتب لناظر هذه الدار توقيع عن الأبواب السلطانية خارج عن توقيع ناظر الإسكندرية على ما تقدم ذكره أما الآن فقد صار ذلك تحت نظر ناظر الإسكندرية يتحدث فيه كما يتحدث في سائر أمورها ومرجع الكل إلى ناظر الخاص بالأبواب السلطانية

الجهة الثانية مما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة بالديار المصرية بلاد
الريف والمراد بالريف في أصل اللغة موضع المياه والزرع
وقد تقدم أن ريف الديار المصرية وجهان

الوجه الأول الوجه القبلي وهو المعبر عنه بالصعيد
وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك أنه ينقسم إلى صعيد أعلى وصعيد أسفل وقد كانت ولايته العامة في الزمن المتقدم يعبر عن صاحبها بوالي الولاة بالوجه القبلي ثم استقرت نيابة سلطنة على حد تقدمة العسكر بغزة في رتبة المكاتبة في الأيام الظاهرية برقوق وهي على ذلك إلى الآن ونائبها يكتب له تقليد بنيابة السلطنة بها في قطع النصف
وهذه نسخة تقليد شريف من ذلك من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء وهي
الحمد لله الذي رحم بتعاهد نظرنا البلاد والعباد وحسم بموارد زواجرنا مواد الفساد وأحمد في هذا الوجه لنا الآثار ووطأ بنا المهاد وأفرد آراءنا بجميع المصالح على الجمع والإفراد وأولى بنا الرعية الخير في استرعاء من يبذل في صيانتهم الاجتهاد وأعلى بنا كلمة العدل فهي تنشر وتذاع وأوهى بنا كلمة الظلم فهي تقهر وتذاد وأجلى بانتقامنا فئة الضلال فلها عن ملكنا الشريف اندفاع وانطراد
نحمده على أن قرن بآرائنا السداد ونشكره على أن ضمن اصطفاءنا حسن الارتياد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقوم حجتها يوم يقوم الأشهاد وتدوم بهجتها علما للإرشاد ونشهد أن سيد البشر محمدا عبده ورسوله الذي فضل العالم وساد وأجزل المكارم وجاد وهدى بشرعه من حاد وأردى بردعه من حاد وأجرى بجوده النفع حيث كان وأبدى ببأسه القمع لمن كاد وأخمد بأسيافه الباطل فباد وجعل لأنف مخالفه الإرغام ولجيش مجانفه الإرعاد وعلى آله وصحبه الأنجاب الأنجاد صلاة

لها تضاعف وتعداد وبفتكاتهم للنوائب إخماد وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن الله تعالى لما أعلى هممنا وأصعدها ووفى عزائمنا من النصر موعدها وأسعف بملكنا الرعية وأسعدها وضاعف بنا لديهم النعمة وجددها وأوضح بنا سبل المعدلة وجددها وأنجح بسلطاننا آمال الخليقة وأنجدها لم نخل من ملاحظتنا أدنى الأقطار ولا أبعدها ولم نغفل من ممالكنا ناحية إلا نحاها فضلنا وقصدها فأقر بها الصالحات وخلدها وأثر بها المسامحات وأبدها ونصر الشريعة وأيدها وسد الذريعة بأفعال حزم سددها ووطن أهلها ووطدها وأورد من بها موارد الأمن لما وردها
ولما واجه إقبالنا في هذه الأيام الوجه القبلي وصعد إلى الصعيد الأعلى ركابنا العلي لمحنا بلاده وتعددها وتعين ملاحظته وتأكدها وكثرة السلاك لسبله والملاك لخوله والوارد لنهله والوفاد من قبله وهو منهج التجار في التوجه من أبوابنا الشريفة والجواز وباب اليمن والحجاز وفي الحقيقة هذا المجاز يتعين له الحفظ وفيه الاحتراز وبه كراسي منها السيارة تمتار وعلى سواها من البلاد تمتاز وبه مراكز ولاة ينفرد كل منها عن الآخر وينحاز وهي إطفيح والبهنسى والأشمونين ومنفلوط وسيوط وإخميم وقوص وهذه الأقاليم مجتمعة متفرقة وحدود بعضها ببعض متعلقة وبها إقطاعات مقدمي الألوف والطبلخاناه والمماليك والحلقة وإليها تردد الركاضة والمرتزقة وربما أخاف المفسدون من بعضها سبله وقطع طرقه فاتهم البري وسلم الجري ولبس على من هو عن الخيانة عري فرأينا أن ننصب بهذه الأقاليم

والي ولاة يجوس بنفسه خلالها ويدوس بخيله سهلها وجبالها ويفجأ مفسديها ويبغت معتديها ويخمد نفاقها ويحمد وفاقها وينصف ضعافها ويذهب خلافها ويزيل شكواها ويكف عدواها ويصلح فسادها ويوضح سدادها ويوصل حقوقها ويستأصل عقوقها ويواصل طروقها ويقابل بالعقاب فسوقها ويمنع باهتمامه أهواءها ويشفي بحسامه أدواءها
ولما كان المجلس السامي الأميري الحسامي هو الذي عرف أحوالها وخبرها وولي من أقاليمها ما علم به مصالحها واعتبرها وعهدت منه الأمانة والكفاية وتحققت نهضته في كل عمل ويقظته في كل ولاية اقتضى حسن الرأي الشريف أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بهذه الأعمال المذكورة والأقاليم كلها وأن ينتضي فيها حسامه الذي ينبغي أن يرتضى وينتضى لمثلها وأن يحل محله إذ اخترناه لأعلى رتب الولاة وأجلها وأن نصل أسباب النعمة لديه بهذه النعم التي كل ولاية فرع لأصلها
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت أيامه الشريفة تخص الرتب العلية بأهلها وتشمل ذوي الاهتمام بإحسانها وفضلها أن يفوض إلى المشار إليه ولاية الولاة بالوجه القبلي فليباشر ذلك بهمة تمضي في البلاد عزائمها ونهضة تسير إلى دانيها وقاصيها صوارمها وشهامة يدهش المتمردين قادمها ويفقد مواد الفساد من حسامها حاسمها
ونحن نرسم له بأمور يلازمها ونوصيه بوصايا يداومها أن يكون بتقوى الله تعالى عاملا وللنصح باذلا وللشريعة معظما ولمراقبة الله تعالى مقدما وللحق متبعا وإلى الخير مسرعا وللمؤمنين مؤمنا وللمنافقين موهنا وللرعايا موطنا وللنزاهة مظهرا ومبطنا وعن الأبرياء كافا وعن الأتقياء عافا وعن

الأموال منزها وإلى ما يصلح الأعمال من صالح الأعمال موجها وليغد في الأمور متثبتا ولذوي الفجور مشتتا ولسماع حجج الخصوم منصتا ولا يجعل لحلوله الأقاليم حينا مؤقتا بل يدخل المدينة على حين غفلة من أهلها وليبغت بحلوله هذه النواحي ليعلم ما هم عليه من ترك الفواحش أو فعلها وليقم بكل جهة من يعلمه بما يحتاج إلى علمه ويبكر له بما يفتقر أهل البلاد إلى الستر عنه وكتمه وليلحظ المحاسن والأدراك وليجعل لكل شارد من بطشة أسرع إدراك وقد رسمنا لولاة الأعمال المذكورة ومن فيها من نواب الأمراء والمشايخ بهذه الصورة وأن لا يجيروا مفسدا ولا يؤووه ولا ينزلوا خائنا ولا يحووه ولا يستروا مختفيا ولا يخبوه ولا يحلوا نازحا ولا يوطنوه بل يحضروه ولا يؤخروه ويمسكوه ولا يتركوه ويسلموه ولا يحموه ومن خالف هذا المرسوم أو اعتمد غير هذه الرسوم فهو لنفسه ظلوم وقد برئت منه الذمة وزالت عنه الحرمة وزلت قدمه وذهب ماله ودمه وقرئت مراسيمنا بذلك هنالك على منابر الجوامع وسمعها كل سامع وهم لك على امتثال أوامرنا مساعدون وعلى اجتناب نواهينا معاضدون وللإصلاح ما استطاعوا مريدون وقاصدون فلا تمكن أحدا من العربان ولا من الفلاحين أن يركب فرسا فإنما يعدها للخيانة مختلسا ولا يكون لها مرتبطا ولا محتبسا وكن لهم ملاقيا مراقبا فمن فعل ذلك فانتقم منه بما رسمنا معاقبا ولا تمكنهم من حمل السلاح ولا ابتياعه ولا استعارته ولا استيداعه وتفقد من بالأقاليم من تجاره وصناعه فخذ بالقيمة ما عند التجار واقمع بذلك نفس الفجار وأضرم نار العذاب على من أضرم لعمل ذلك النار وأمر كل فئتين متعادلتين بالمصالحة وأكفف بذلك يد المكافحة وحلف بعضهم لبعض بعد تحليف أكابرهم لنا

على السيرة الحميدة والنية الصالحة وخذهم في الجنايات بالعدل والمشاححة وفي المطالبات بالرفق إن لم تكن مسامحة واحملهم على محجة الحق الأبلج والشريعة الواضحة وإذا رفعت إليك شكوى فأزلها أو سئلت إقالة عثرة لذي هيئة فأقلها أو وجب حد فأقمه لحينه أو ارتبت في أمر فترو حتى تهتدي ليقينه ولا تعتقل إلا من أجرم جرما يوجب الاعتقال والحبس ولا تسرع إلى ما تخشى فيه اللبس واعمل على براءة الذمة واجهد أن لا يكون أمرك عليك غمة ولا ترجح للهوى على خصم خصمه ولا تظلمه فإن الظلم ظلمة وخف نقمة الله فهي أعظم نقمة ولا تأخذك على البريء غلظة ولا قسوة كما لا ينبغي أن تأخذك في الجريء رأفة ولا رحمة والله تعالى يرفع لك بالطاعة رتبا وينجح لك بالخدمة طلبا ويبلغ بك في الإصلاح أربا ويرد بك أمر كل مفسد مخيبا ويوضح لك من الهداية مغيبا وينزل بك من الخيرات صيبا والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالوجه القبلي أيضا من إنشاء الشريف شهاب الدين كتب به لعلاء الدين المرادي وهي
الحمد لله الذي جعل إقبالنا مسفر الوجوه ونوالنا مبلغا كلا من الأولياء ما يؤمله من القرب من أبوابنا الشريفة ويرجوه وإفضالنا يوفر أقسام النعم لمن وفر دواعيه على طاعتنا فلا يزال استحقاقه يعينه ويدعوه وإجمالنا ينجز وعود التقديم لمن تعددت خدمه فلا يتجاوزه التكريم ولا يعدوه
نحمده على أن جعل إنعامنا يهب الجزيل ويحبوه ونشكره على أن أقامنا نحق الحق فنرفعه فيدمغ الباطل ويعلوه

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي خير ما ينطق به الإنسان ويفوه لا يبرح اللسان يكرر إخلاصها ويتلوه ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي رفع الله ببعثته عن هذه الأمة كل مكروه وحمى بشرعته الدين الحنيف فلا يلم به التبديل ولا يعروه وأفاض ببركاته في كل وجه ما يوسع الخير ويدره ويمنع الشر ويذروه وعلى آله الذين هم عترته وأقربوه وصحبه الذين استمعوا قوله واتبعوه صلاة لا يزال وافدها يتبع سبيل الإجابة ويقفوه ويصل إلى محل القبول ولا يجفوه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن الله تعالى لما قرن آراءنا بالسداد وأحسن بنا النظر في صلاح البلاد ومصالح العباد لم نزل نرفع أقدار المخلصين بمزية الاختيار والارتياد ونجمعهم في صعيد الإحسان ونحلهم رتب الإصعاد وندني منهم من له تام اهتمام وشاد اجتهاد ونميز منهم من حسن حالا بالجمع والإفراد
والولاية على الولاة بالوجه القبلي من أهم ما يلمح وأعم ما يختار له من للحق ينصر وللخلق ينصح إذ بهذا الوجه عيون البلدان ووجوه العربان وكراسي الأقاليم الحسان ومراكز الولايات التي تحل دائرة السوء بأهل العدوان وإقطاعات الجند والأمراء والخواص الشريفة التي على عمارتها إجماع الآراء وعليه تتردد التجار وإليه بالميزة يشار ومنه تتعدد المنافع فيتعين أن ندفع عنه المضار ونلقي أموره لمن ينتقى حزمه وعزمه ويختار
ولما كان فلان هو الذي له ولايات اقتضت تقديمه وسبقت منه سوابق خدم أجزلت تكريمه وما زال في الشام علي الهمة حسن الشيمة وطهر البر من كل فاجر ورأى أن التقوى أربح المتاجر وأعذب للرعية من المعدلة الموارد فصدر من أبوابنا إلى أحمد المصادر اقتضى حسن الرأي الشريف أن نجعل له من إقبالنا النصيب الوافر فلذلك رسم بالأمر الشريف لا برح يزيد الأقدار علاء ويظهرها من تكريمه في أحسن المظاهر أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالوجه القبلي وجميع نواحيه على عادة من تقدمه في ذلك

ومستقر قاعدته إلى آخر وقت
فليتلق هذه الولاية المباركة بقبول حسن وليوقظ جفن سيفه الذي لم يعرف الوسن وليتق الله ربه في السر والعلن وليحكم بما شرع الله وسن وليجتهد في إحماد العواقب وإخماد الفتن ليسكن من تردد إليها أو سكن وليلاحظ هذه الاقاليم بعزائمه السيارة وليحافظ على سلوك سيرته السارة وليستطلع من كل بلد أخباره ويتتبع من كل وال آثاره وإن رأى منكرا أزاله أو وجد مبطلا أذاله أو حقا أداله وليعظم أحكام الشرع وحكامه وليجعله إمامه ليسعى نوره أمامه وليطالعنا بما تتعين فيه المطالعة ويراجع أوامرنا فيما تجب فيه المراجعة وليستجلب لأيامنا الأدعية النافعة وليباشر بنفسه الأمور التي هي له راجعة وليراع في القضايا المصلحة الجامعة ولتكن حمايته للمؤمنين واقية وفتكته بالمجرمين واقعة وليسع الرعايا بالمعدلة الواسعة ويمنع المجترئين بالأخذة الرابية والهيبة الرادعة ولا يمكن أحدا من العربان بجميع الوجه القبلي أن يركب فرسا ولا يقتنيه ويكف بذلك الأيدي المعتدية فإن المصلحة لمنعهم من ركوبها مقتضية وليقم الحرمة والمهابة وليدم قيامه في الخدمة وانتصابه وليرهف حد عزمه ويمضيه ويجرد سيف الانتقام على المفسدين وينتضيه ومن وجده من العربان خالف المرسوم الشريف من منعه من ركوب الخيل كائنا من كان ضرب عنقه وأرهقه من البطش بما أرهقه ليرتدع به أمثاله ولا يتسع لأحد في الشر مجاله
وقد كتبنا إلى سائر ولاة الأقاليم بمساعدته وأمرناهم بمعاونته ومعاضدته وأكدنا عليهم في المبادرة إلى ما يراه من جميع الأمور من غير تهاون ولا تقصير ولا فتور حتى لا تفوت مصلحة عن وقتها ولا تزال جموع المعتدين معاجلة بكبتها وقد حذرنا العربان من مخالفة ما رسمنا بالتعرض لما يوجب هلاك نفوسهم وقطع رؤوسهم
وليقرأ هذا المرسوم الشريف على المنابر بجميع نواحي الوجه القبلي لتمتثل مراسمه ويتلقى بالقبول قادمه وليقفوا عنده ويقفوا رشده ويرهبوا من

الشر وعيده ويستنجزوا من الخير وعده وهو بحمد الله ما برح مهذبا وبأكمل الآداب مؤدبا وبما يفعله إلى رضا الله تعالى ورضانا مقربا والله تعالى يجعله مختارا مجتبى ويوزعه شكر منحنا الذي أجزل له الحبا وخص به هذا العمل الجليل فضاعف خصبه واهتز وربا ويطلعه مباركا ميمونا حيث حل قيل له مرحبا ويصعد به هذه الرتبة ويهبه توفيقا مستصحبا ويمهد به الطرق للسالكين حتى يتلو عليه لسان التأمين ( فتيمموا صعيدا طيبا ) والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد شريف بنيابته أيضا من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله وهي
الحمد لله مطلق التصرف فيما كان ممنوعا ومنطق المتصرف ليكون قوله الصواب مسموعا وموسع نطاق المصرف في جميع ما تعين أن يكون له مجموعا
نحمده حمدا يعذب ينبوعا وينبت بمزيد الشكر زروعا ويدر ضروعا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تتفرع فروعا وتسكن جموعا وتسكت جموعا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقوى لأهل الطغيان ربوعا وأجرى لعيون الزرد عليهم دموعا وأغرى القسي بالحنين إليهم وروعا وأسقط على لباتهم طيور السهام وقوعا ومهد البلاد بقتلاهم فآمن من خاف وأطعم من تشكى جوعا وعلى آله وصحبه صلاة تعم درع الفجر بشفقها المخلق صدوعا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإنه لا يستقيم نجاح الأمور ويستدام صلاح الجمهور إلا بتفقد

أحوال ولاتهم وتعهد سلوك الرعايا مع رعاتهم ورد مجموع كل عمل إلى من لا يبيت طرفه في مصالحهم مملوءا من الوسن ولا يقر له في التنقل في مهماتهم جواد في رسن ولا تهدأ سيوفه في الأغماد ما برقت بارقة فتن ولا يشرب الماء إلا ممزوجا بدم ولا يبيت إلا على دمن وكانت الديار المصرية المحروسة أحوج شيء إلى هذا الموصوف وأكثر اضطرارا إلى ما تشام له في صلاح رعاياها لوامع سيوف والوجه القبلي بها هو الجامع ما يزيد على السبعة الأقاليم الحائز من أهل الحضر والبادية لكل ظاعن ومقيم قد امتد حتى كاد لا ينتهي إلى آخر ولا يلتهي بما يكنفه من بر مقفر وبحر زاخر قد جاور بالأودية العميقة الحوت في الماء وجاوره في السماء برفعة الجبال وتطاول حتى اتصل طرفاه الجنوبي بالجنوب والشمالي بالشمال وحوت مجاريه من النيل المبارك ما مد الرزق الممتد وأمد المد المبيض على عنبرة ثراها المسود وهو الوجه الذي تعرف في كوثر نيله نضرة النعيم ويبهر حسنا من أول قطرة تقع من مرآه الجميل على وسيم قد حال فيه الماء محمرا كأنما يشرب ندى ورد الخدود وحلا كأنما ضرب الضرب في لمى ريقه المورود وكان لا ينهض بأعبائه ويرد بالغيظ متقرحة عيون رقبائه ويمنع كل منسر منسر يحذر أن ينتهب وذيل خبائه إلا من تقدمت له درب يتعلم في جليل الخطوب من مضائها السيف المذرب ويقتدي في دقيق التلطف بسياستها القلم المجرب وكان فلان هو الذي تتهادى كفايته الأعمال ويتعادى نفعه والسحب فلا يدري لمن منهما التروي ولمن الارتجال وقد ولي الأعمال البهنساوية وهي في هذا الوجه الجميل أبهج صورة وأبهى فيما تكثر منافعه المشهورة فأضحى المغل في

بيادره يتبادر والإقبال يتكاثر إقباله والمحل يتنازر ومزدرعاتها تعرف سيماها في وجوهها من أثر سجود الليل كزرع أخرج شطأه فاستازر فاقتضى حسن رأينا الشريف أن نطلق تصرفه فيما جاوره من الأعمال وأن نشغل له يمينا باليمين وشمالا بالشمال
فخرج الأمر الشريف العالي لا زال يؤيد عز الدين ظهورا ويتم له في أعماله نورا أن يكون فلان كاشفا ووالي الولاة بالوجه القبلي بأجمعه معطله ومزدرعه وبره وبحره وعامره وقفره وأهل حضره وباديته وأصحاب زرعه وماشيته على عادة من تقدمه وقاعدته في ذلك ليأمن المقيم والسالك ويجمع على الطاعة من قبله هنالك وينتظم عقد عقائدهم المتهالك ويقوي الله أجره والشرع الشريف يكون نهيه وأمره والحكام والأحكام هما ما هما فليحفظ زمامهما ولينفذ إلى الأغراض سهامهما وليوصل الحقوق إلى أربابها ويسهل المطالب على طلابها ولينصف إنصافا لا يشتكى معه حيف وليقم المهابة حتى لا يقدر على التعدي طارق طيف وليجرد عزائمه فإن من العزائم ما هو أمضى من السيف وليحسن قرى النيل القادم في كل قرية فإنه ضيف
فعليك بما نأمرك به من تعبئة صفوف الجسور لأمداده والاستعداد لمجر عوالي صواريه ومجرى جياده وتفقد قبل قدومه طريقه واترك عن ري البلاد تعويقه وأقم الجسور فهي قيام الجسور واحفر التراع فإنها تراعى وأسفر له عن عرائس قراها المجلوة وجوها كلما قسن له إصبعا يقيس ذراعا

واقطع بإيصال حق كل ناحية إليها من الماء منازعة الخصوم ونبئهم أن الماء قسمة بينهم لكل منهم شرب يوم معلوم ولا تدع به أحدا من أهل المفاسد ومن جرت لهم بسوابق الفتن عوائد ومن يتعزز برب جاه ومن لا يكون له إلى حماية اتجاه ومن خرج بوجهه للشر مصرحا أو لباب عقاب مستفتحا أو وقف على درب أو قطع طريق أو توعد أهل رفاق أو أهل فريق أو أقدم على ضرر أحد في نفس أو مال أو خشيت له عاقبة في بداية أو مآل أو نزل في بلد أمير ليتغطى بجناحه أو ترامى إلى عصبة يحمل منهم حد سلاحه فسل عليهم سيفك الماضي وأحسن إلى الناس إذا خشيت أن تسيء إليهم التقاضي ومن أمسكته منهم فأمض حكم الله فيهم وأقم الحدود على متعديهم وطهر الأرض بماء السيوف من أنجاسهم وعلق منهم أناسا بحبل الوريد إلى مدارج أنفاسهم واصلب منهم على الجذوع من تناوح الرياح بسعفهم وأوثق منهم بالسلاسل والأغلال من لا تقتضي جرائمهم إيصالهم في المقابلة إلى حد تلفهم وأكرم قدوم من يرد عليك من الكارم وقرر بحسن تلقيك أنك أول ما قدمناه لهم من المكارم فهم سمار كل نادي ورفاق كل ملاح وحادي ولا بد أن يتحدث السمار وتتداول بينهم الأسمار فاجعل شكرنا دأب ألسنتهم ومنننا حلية أعناقهم ومنحنا سببا لاستجلاب رفاقهم فهم من مواد الإرفاق وجواد ما يحمل من طرف الآفاق وقد بقي من بقايا أهل العقائد الفاسدة والمعاقد البائدة من يتعين إقعاد قائمهم والتيقظ لمتيقظهم والنوم عن نائمهم ونحن ننبهك على هذه الدقائق ونوقفك على أطرافها ولك رأيك إذا حقت الحقائق وطالع أبوابنا العالية بما أشكل عليك تتنزل أنوار هدانا أقرب من رجع نفسك إليك وأقدر حق هذه النعمة فإننا أوليناك منها ما لا يضاهي ووليناك من بلادنا قبلة

ترضاها وتوليناك حيث وجهت وجهك شطر المسجد الحرام ونوعت لك أرواح الحجاز وأنت في مصر وريفها العام والله تعالى يديم منك سيفا يروع مهزه ويؤيد بك الدين فإنه بك يقوم جاهه ويدوم عزه والاعتماد على الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى

الوجه الثاني من وجهي الديار المصرية البحري وهو الشمالي وكانوا في الزمن
القديم يخصونه باسم الريف مثل اختصاص الوجه القبلي بالصعيد
وأرباب الولايات فيه على ضربين
الضرب الأول أرباب السيوف
وتختص الكتابة منهم الآن على الأبواب السلطانية بنائب السلطنة بالوجه البحري ومقره مدينة دمنهور من البحيرة وكان في الزمن المتقدم يكتفى في البحيرة بواليها وكذلك في كل من سائر الأعمال بالوجه البحري وفوق الكل ولاية عامة يعبر عن صاحبها بوالي الولاة وربما زيد بالوجه البحري وربما عبر عنه بالكاشف ثم استقرت نيابة في رتبة تقدمة العسكر بغزة في أيام الظاهر برقوق على ما تقدم ذكره في المسالك والممالك في المقالة الثانية
وهذه نسخة تقليد تصلح لنائب الوجه البحري مما كان كتب به المقر الشهابي بن فضل الله لوالي الولاة بها وهي
الحمد لله الذي أقام بنا كاشفا لكل شكوى كاسفا بال كل عدوى عارفا

بنهاية كل دعوى عاطفا بعدلنا إلى إزاحة كل لأوى وإزالة كل بلوى
نحمده وهو أهل الحمد والتقوى ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نأمن بها الدانية والقصوى ونؤمن بها على السر والنجوى ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من مهد له جنة المأوى وأشرف به على شرف المثوى وعلى آله وأصحابه الذين فطم بشريعته نفوسهم عما تهوى وفطر فطنهم عليها حتى لا تضل ولا تغوى صلاة ترتوي بفائضها السحب ما تروى وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن من سجايا أيامنا أن نكشف كل كرب ونحسن إلى رعايا بلادنا إحسانا ينوع في كل ضرب ونديم الأمن حتى لا ندع سوى النيل قاطع طريق أو خارجا على درب ونجرد من المهابة سيفا يخشى من قربه وطيفا يبيت به طير الكرا متململا على جنبه وخوفا لبابه من الخصائص المحمدية أنه يتقدم إلى قلوب الأعداء مسيرة شهر جيش رعبه وكانت الديار المصرية المحروسة هي التي لا يحمد سواها ذو وجهين ولا يوجد لها في جانبيها مماثل في شيئين والوجه البحري أوسعهما عرضا وأقربهما من الري أرضا وأصدقهما للبارق المحمر ومضا وأجمعهما للذهب مذاهب وللفضة إفضا وأثبتهما وطأة لمجرى النيل إذا أقبل في تياره يتدافع واشتدت خيله ركضا وهو الوجه المتهلل بشرا المتضوع بطيب رياحه نشرا المتزين بمدائنه أكثر مما زينه في مقاصيره قيصر وفي مدائنه كسرى المتثني بعروس كل قرية زف بها النيل في مسرى وبه الثغور التي لا تشام لها بروق والمحارس التي ما لعادية إليها طروق وله من البحرين حاجزان ومن الجانبين بر مقفر وريف مقمر متبارزان وفيه من الشعوب والقبائل في الحضر والبادية من لا يؤمن منه باتره ولا يخمد بغير ما يراق من دم مفسديهم ثائره وكان لا يقوم بها كل القيام ويجمع فرائدها

المشذرة في أكمل نظام إلا من تقلبت الأمور بقلبه كل التقليب وجردت النوب عزمه في النوائب فجردت سيفا يحمد في التجريب ولم يزل منذ بلغ الحلم أميرا مطاعا ومندوبا لا يفرق في المهمات إذا طارت نفوس الأنظار شعاعا وأوقدت الأسنة سواعا وهماما لو أومض البرق ساعة بؤسه لارتعدت فرائصه زمعا لا إزماعا أو قابله الريح المعتدل عند أحكامه لأطبقت الأمم على أنه لا يماثله في العدل قطعا وأجمعت على تفرده إجماعا
وكان فلان هو العلي همما الجزل مداومة الجزيل ديما الملي بما لا يقدر على مثل دفعه البحر متدفقا وهمي الغمام منسجما وقد حمدنا له في كل ما باشره أثرا وأخمدنا بجميل ملاحظته كل بر ضرا فباشر الوجه القبلي فملأ عين الناظر المتوسم وعم سروره حتى غامزه جاره الوجه البحري ببنانه المخضب وضاحكه بثغره المتبسم فلما تنقل فيهما استقرار الوجهين وما والاهما وعرف في وجهه نضرة النعيم بما أولاهما وأخصب جانباهما وجد بهذا كله ثم جد بهذا فطاب الواديان كلاهما فاقتضى حسن الرأي الشريف أن لا يخلو الوجهان معا من نظره الجلي الجميل وأن يجلو عليه محاسنهما الكاملة ليفارق على وجه جميل ويواصل على وجه جميل
فخرج الأمر الشريف لا زال يختار عليا ويختال كل غمام يرتضي له وليا أن يكون والي الولاة بالوجه البحري جميعه متفردا بأفراده ومجموعه ومحكما في قبائله وجموعه وبعيده وقريبه وبديعه وغريبه وكل ما هو داخل فيه عائد إلى أعماله وراجع إلى متوليه على عادة من تقدم وقاعدته فيما يليه وهي ما يذكر من الأعمال الغربية الشرقية البحيرة المنوفية إبيار أشمون قليوب ولا أمر ولا نهي إلا إليه راجع وله في متجددات الأمور مراجع ولا أرباب تصريف إلا وله عليهم تصرف ولا صاحب جد ولا حد إلا

فيه يمضي ويتوقف وتقوى الله تعالى أول ما نوصيه بسببها ونوصله إلى رتبها وإقامة الشرع الشريف وإدامة مباره وإعلاء مناره ومعاضدة حكمه وحكامه وأعوانه وأنصاره والوقوف معه في إيراده وإصداره وإعلانه وإسراره والعمل به فإنه ما يضل من مشى في ضوء نهاره وعمارة البلاد بإدامة العدل وتكميل الري وتوطين السكان وقمع الفساد واعتماد حكم التذاكر الشريفة لأمر الجراريف التي تعمل والترع التي تراعى والجسور التي لا يقدم جسور على أنها تهمل فهما قانون الري الكامل والضامن لخصب البر السابل وإذا أجرى الله النيل على عاداته الجميلة لا يدع للمحل عينا حتى يواري بالري سوءته ويخفف بتيسر وصول حق كل مكان إليه وطأته ولا يدع عاليا إلا مستفلا ولا معطلا إلا معتملا ولا طوق بحر إلا تمتد يد النيل إلى زرجيوبه ولا طائف رمل إلا يطوف طائف شرب على جرعائه وكثيبه حتى يعم الجميع ويعمر ربوعها بما ينسجه لها من ملابس حلل الربيع وعليه بالإنصاف بين المساكين والإنصات إلى الباكين منهم والمتباكين ووصل أمورهم على الحق الذي نشر الله في أيامنا الزاهرة علمه ومقتضى الشرع الشريف فإنه ما خاب من أدام عليه حكمه وأدار إليه عمله وأما أهل الفساد والاشتباه ومن يحتمي بصاحب شوكة أو يتمسك برب جاه أو ينزل بلد أمير كبير مستظلا بذراه أو ملتجئا من خوف أو مستطعما من قرى قراه فجميع هؤلاء تتبع فرقهم ورفاقهم وطهر الأرض منهم وامسح بالسيوف أعناقهم وأثخن في قتلاهم وأثقل بالقيود أسراهم وشدد وثاقهم وكذلك من حماهم ووالاهم أو استحسن أو من عليهم أو مانع عنهم أو قال ما هو منهم وهو منهم وكل أجرهم في الحكم مجراهم وأطل تحت أطباق الثرى ثواهم ونبه منهم أناسا على رؤوس الجذوع وأنم آخرين

نومة لا ينتبهون بها من كراهم حتى يتأدب بهم كل من أغرض ويتداوى بمداواته كل من في قلبه مرض وما أشكل عليك فاسترشد فيه بمطالعة أبوابنا الشريفة لتجد هدى واضحا وحقا لائحا والله تعالى يجعلك من الممهدين لأرضه القائمين في أنواع الجهاد بفرضه والاعتماد على الخط الشريف أعلاه

الجهة الثالثة درب الحجاز الشريف
وقد تقدم أنه كان في الزمن المتقدم يكتب عن السلطان تقليد لأمير الركب في الدولة الفاطمية وما تلاها أما الآن فقد ترك ذلك ورفض كما رفض غيره من الكتابة لأرباب السيوف بالحضرة السلطانية ولم يبق الآن من يكتب له من ديوان الإنشاء شيء سوى قاضي الركب وقد جرت العادة أن يكتب له توقيع في قطع العادة مفتتحا برسم
وهذه نسخة توقيع من ذلك كتب به للشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله في مبدإ أمره وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال يعين على البر والتقوى ويرتاد لوفد الله من يتمسك في نشر الأحكام الشرعية بينهم بالسبيل الأقوم والسبب الأقوى أن يستقر فلان في كذا لما اختص به من غزارة علومه وإفاضة فضائله المتنوعة إلى قوته في الحق وتصميمه فإن مثله من يختار لهذه الوظيفة الجارية بين وفد الله الذين هم أحق ببراءة الذمم وأولى بمعرفة حكم الله تعالى فيما يجب على المتلبس بالإحرام والداخل إلى الحرم وأحوج إلى الاطلاع على جزاء الصيد

فيما جزاء المتعرض إليه مثل ما قتل من النعم إلى غير ذلك من ثبوت الأهلة التي تترتب أحكام الحج عليها والحكم في محظورات الإحرام وما يجب على المتعرض إليها فليباشر هذه الوظيفة في الوقت المشار إليه على عادة من تقدمه فيها مجتهدا في قواعدها التي هو أولى من نهض بها وأحق من يوفيها
قلت أما شهود السبيل المعبر عنهم بشهود المحمل فإنما تكتب لهم مربعات شريفة من ديوان الوزارة
تم الجزء الحادي عشر يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني عشر وأوله

القسم الثاني مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية أرباب الوظائف
بالممالك الشامية
والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصبحه

القسم الثاني مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية ما يكتب لأ رباب
الوظائف بالممالك الشامية
واعلم أن نواب السلطنة في التولية على ضربين
الضرب الأول من لا تصدر عنه منهم تولية في عمل نيابته
وهم نواب الديار المصرية من النائب الكافل ونائب الإسكندرية ونائب الوجه البحري ونائب الوجه القبلي فليس لأحد منهم تصرف في ولاية ولا عزل لنائب ولا كاشف ولا والي حرب إنما النائب الكافل يكتب في بعض الأمور على القصص والسلطان هو الذي يباشر الكتابة على الولايات بنفسه والنائب الكافل يكتب بالاعتماد على ما يكتب عليه السلطان كما تقدمت الإشارة إليه في موضعه
الضرب الثاني من تصدر عنه التولية والعزل في عمل نيابته
وهم نواب السلطنة بالممالك الشامية السبع المقدم ذكرها من

النيابات الصغار والوظائف الديوانية والوظائف الدينية ووظائف مشايخ التصوف والوظائف العادية كرياسة الطب ونحوها ووظائف زعماء أهل الذمة من رياسة اليهود وبطركية النصارى وغير ذلك
فأما النيابات الصغار التي في أعمال النيابات العظام فما كانت نيابته إمرة عشرة فأكثر يولي فيه النواب وربما ولي فيه السلطان وما كانت نيابته إمرة طبلخاناه فأكثر يولي فيه السلطان وربما ولى فيه النواب وما كانت نيابته تقدمة ألف فولايته مختصة بالسلطان دون النواب
وأما الوظائف الديوانية فما كان منها صغيرا ككتابة الدرج وما في معناها فأكثر ما يوليها النواب وما كان منها جليلا ككتابة السر وما في معناها ونظر الجيش ونظر المال فتوليته مختصة بالسلطان وما كان منها متوسطا بين الطرفين ككتابة الدست ونحوها ففي دمشق تارة يولي فيها السلطان وتارة يولي فيها النائب وفيما دونها من النيابات غالب من يولي فيها النواب وقد يولي فيها السلطان
وأما الوظائف الدينية فما كان منها صغيرا كالتداريس الصغار والخطابات بالجوامع الصغار وأنظار المدارس والجوامع الصغار ونحو ذلك فإنه يولي فيها النواب ولا يولي فيها السلطان إلا نادرا وما كان منها جليلا كقضاء القضاء فإن توليته مختصة بالسلطان وما كان منها متوسطا بين الرتبتين كقضاء العسكر وإفتاء دار العدل والحسبة ووكالة بيت المال ومشيخة

الشيوخ ونحو ذلك فتارة يولي فيها السلطان وتارة يولي فيها النواب إلا أن تولية السلطان فيها في النيابات الكبار كالشام أكثر وتولية النواب فيها فيما دون ذلك أكثر
وأمامشيخة الخوانق فقد يولي فيها السلطان وقد يولي فيها النواب إلا أن تولية السلطان في مشيخة الشيوخ بالشام أكثر وتولية النواب في غير مشيخة الشيوخ بدمشق وفي غيرها من وظائف الصوفية في غير دمشق أكثر
وأما الوظائف العادية كرياسة الطب ونحوها ففي جميع النيابات توليتها من النواب أكثر وربما ولي فيها السلطان
وأما وظائف زعماء أهل الذمة كرياسة اليهود وبطركية النصارى فيستبد بها النواب دون السلطان لزيادة حقارتها في الوظيفة والبعد عن حضرة السلطان
وقد تقدم في الكلام على ترتيب الممالك بالبلاد الشامية أنه كان بها سبع ممالك عظام استقرت سبع نيابات

النيابة الأولى نيابة دمشق ويعبر عنها بكفالة السلطنة بالشام
ووظائفها على نوعين

النوع الأول ما هو بحاضرة دمشق ويشتمل ما يكتب به من وظائفها عن الأبواب
السلطانية على أربعة أصناف
الصنف الأول أرباب السيوف وهم على طبقات
الطبقة الأولى من يكتب له تقليد في قطع الثلثين بالمقر العالي مع الدعاء
بعز الأنصار وهو نائب السلطنة بها
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام كتب به عن السلطان الملك العادل كتبغا للأمير سيف الدين غرلو العادلي من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهو
الحمد لله الذي جعل لسيف دولتنا على عاتق الملك الأعز نجادا وادخر لكفالة مملكتنا من الأولياء من تناسب وصفاه اجتهادا في مصالح الإسلام وجهادا وعدق أمور رعايانا بمن أيقظ لها سيفه وجفنه فامتلأت عيونهم بما وهب وسلب من نومه ونوم العدا رقادا ورفع ألوية إحساننا على من زاد برفعها ظل عدله انبساطا على الرعية وامتدادا ووطد قواعد ممالكنا بمن أجلنا الفكر في حسن اختياره انتقاء لمصالح الإسلام وانتقادا وأدى لشكر نعم الله التي لا يؤدى شكر بعضها ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام أو كان البحر مدادا
نحمده على نعمه التي جعلت عزائمنا على الأبد منصورة ومقاصدنا على

مصالح المسلمين مقصورة وآراءنا تفوض زعامة الجيوش إلى من تصبح فرق الأعداء بفرقه مغزوة وممالكهم بمهابته محصورة
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا نزال ننشر دعوتها في الآفاق ونرهف لإقامتها في ممالكنا سيفا يصل إلا ما أمر الله بقطعه ويقطع إلا الأرزاق ونرهب من ألحد فيها بكل ولي لرعبه في القلوب ركض ولرايته في الجوانح خفق ولأسنته في الصدور إشراق ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من فوض حكما في أيامه إلى من اعتمد عليه وأرأف من استخلف على من بعد عنه من أمته من يعلم أن صلاحهم في يديه وألطف من عدق شيئا من أمور أهل ملته بمن أعانه الله وسدده في دفع عدوهم وصلاح ما يرفع من أحوالهم إليه صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين ولوا على الأمة فعدلوا وأمروا بما جبله الله عليه من الرأفة والنعمة والرحمة فامتثلوا وعلموا أن الحق فيما نهج لهم من طرق طريقته المثلى فما مالوا عن ذلك ولا عدلوا صلاة لا تغرب شمسها ولا يعزب أنسها ولا تعتبر أوقات إقامتها إلا ويقصر عن يومها في الكثرة أمسها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى ما أعملنا إليه ركائب الآراء المؤيدة وصرفنا إليه أزمة نجائب الأفكار المسددة وأجلنا فيه طرف النظر الذي لا يشق في بلوغ الغاية غباره ولا يدرك وأحلنا الأمر فيه على التأييد الذي هو عمدتنا فيما يؤخذ من ثواقب الآراء وما يترك وقدمنا فيه مهم الاستخارة الذي يتلوه التوفيق وعلمنا أن ألذ أسباب الاهتداء إليه سلوك طريق النصح لله ولرسوله وللإسلام فسلكنا إليه من ذلك الطريق وقصرنا النية فيه على مصالح الأمة التي هي فرض العين بل عين الفرض وأطلنا الارتياد فيه لتعين من نرجو له ممن عناهم الله بقوله

( الذين إن مكناهم في الأرض ) وندبنا له سيفا لم يزل في صدور الأعداء صدره وفي يد جبار السموات قائمه وأردنا لتقدمه الجيوش فيه زعيما طالما مل ضوء الصبح مما يغيره ومل سواد الليل مما يزاحمه وقدمنا له من نشأ في حجر ولائنا وغذي بلبان برنا وآلائنا وشهد الوقائع بين يدينا وخبرنا من سيرته النهوض في الرعايا بما كتب الله لهم من الرأفة والرحمة علينا أمر نيابة سلطنتنا الشريفة بالممالك الشامية التي نابت فيها مهابتنا عن الإقامة فيها وجعلتها عنايتنا من أشرف ممالكنا التي نخصها على البعد بدوام الملاحظة ونصفيها وهي واسطة عقد ممالكنا ومحط رحال طرقنا إلى جهاد الأعداء ومسالكنا وهالة أهلة سرى القصد إلى لحظها في أديم الأرض مواقع سنابكنا ومواطن القربات التي نصت الآثار الصحيحة عليها ومظان العبادات التي طالما نصت ركائب العباد العباد إليها ومقام الأبدال الذي هم أهل دار المقامة ومستقر طائفة الدين الذين لا يزالون ظاهرين على أعدائهم لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة وفلك الثغور الذي تشرق منه كواكب سعودها وتتصرف من نوئه إلى من جاورها من العدا خاطفات بروقها وقاصفات رعودها فكم ذي جنود أمها فهلك وما ملك وسلك إليها بجيوشه فزلت وتزلزلت قدمه حيث سلك ولجيشها البأس الذي وجود الأعداء به عدم والحد الذي يعرفه أهل السياق وإن أنكرته أعناقهم فما بالعهد من قدم
وأن نفوض أمرها إلى من ينشر بها على الأمة لواء عدلنا ويبسط فيها

بالرأفة والرحمة رداء فضلنا ويحيي بها سنن الإحسان التي مبدأ أيامها غاية من سلف من قبلنا ويقيم منار الملك من بأسه على أرفع عماد وينيم الرعايا من عدله في أوطإ مهاد ويكف أكف الظلم حتى لا يتجاسر إلى إعادة يده إليها عاد ومن عاد ويجرد إلى العدا من خياله وخيله سرايا تطرد عن موارد جفونهم بقوائمها الرقاد وتستعيد عواري أرواحهم من مستودعات أجسادهم فهي بحكم العارية غير مستقرة في الأجساد ويصون الرتب عن تطرق من يفسد أحوالها لعدم أهليته فإنه ما سلك أحد في أيامنا طرق الفساد فساد ويعلم به أنا جردنا على العدا سيفا يسبق إليهم العذل ويزاحم على قبض نفوسهم الأجل وتتحلى بتقليده الدول ويتحقق بفتكه أنه لا حاكم بيننا وبينهم إلا السيف الذي إن جار فيهم فقد عدل
ولذلك لما كان المجلس العالي الفلاني هو الذي اخترناه لذلك على علم وقلدناه أمور الممالك لما فيه من حدة بأس وآية حلم وعجمنا عوده فكان لينا على الأولياء فظا على العدا وبلونا أوصافه فعلمنا منه السداد الذي لا يضع به الندى في موضع السيف ولا السيف في موضع الندى وعرضنا سداده على حسن اعتبارنا للأكفاء فكان سميرنا وحمل فزين معروضا وراع مسددا وهززناه فكان سيفا ينصل حده الخطب إذ أعضل وأعطيناه أمر الجيوش فلم يختلف أحد في أنه أفضل من الأفضل
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يصطفي من الأولياء كل كفء كريم أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الشامية تفويضا يعلي قدره ويبسط في مصالح الملك والممالك أمره ويطلق في مصالح الدولة القاهرة

سيفه وكلمه ويدر على الأولياء إحساننا الذي إذا جارى الغيث أخجل دوامه ديمه ويرفع بالعدل منار دوام ملكنا الذي قرنه الله للأمة بجودنا ويضيف باسترفاع الأدعية الصالحة لدولتنا من كل لسان جنود الليل إلى جنودنا وينظر في أمور الممالك الشامية نظرا عاما ويعمل في سداد ثغورها وسداد أمورها رأيا ثاقبا وفكرا تاما ويأمر النواب من سد خللها بما كفايته أدرى به منهم وينبههم من مصالحها على ما ظهر لفكره المصيب وخفي عنهم ويلاحظ أموال ما بعد من البلاد كملاحظته أموال ما دنا وينظر في تفاصيل أمورها فإنها وإن كانت على السداد فليس بها عن حسن نظره غنى ويسلك بالرعايا سنن إنصافه التي وكلته معرفتنا به إليها ويجريهم على عوائد الإحسان التي كانت من خلقه سجية وزدناه تحريضا عليها
وهو يعلم أن الله تعالى قد أقامنا من الجهاد في أعدائه بسنته وفرضه ومكن لنا في الأرض لإقامة دعوته وإعلاء كلمته وتطهير أرضه وعضدنا بتأييده لنصرة الإسلام وأمدنا من عدد نصره بكل سيف تروع الأعداء به اليقظة وتسله عليهم الأحلام وبث سرايا جيوشنا برا وبحرا فهي إما سوار في البر تمر مر السحاب أو جوار منشآت في البحر كالأعلام ويتعاهد أحوال الجيوش الشامية كل يوم بنفسه ويعدهم في غده بإعادة ما اعتبره من عرضهم في أمسه ويرتب أمر كل إقليم وحاله ويتفقد من يباشر بالتقدمة تقدمه إلى الأطراف وارتحاله ويأمرهم كل يوم بالتأهب للعرض الذي يباشره غدا بين يدينا إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام كتب به للأمير جمال الدين أقوش الأشرفي في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبعمائة من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله تعالى وهي

الحمد لله الذي جعل الدين في أيامنا الزاهرة زاهيا بجماله ساميا بتقديم من إذا أرهف في الذب عنه بسيف عزمه غدت الجنة تحت ظلاله حاليا بتفويض زعامة جيوشه إلى من لو فاخر به البدور تعجبت من نقصانها وكماله عاليا بإيالة من تتولد معاني النصر والظفر بين الكاملين من روية رأيه وارتجاله راقيا على هام الكفر بعزائم من لا يزال تصبح مهابته العدا بطلائع خيله وتبيتهم بطوارق خياله ناميا بإسناء الحكم فيه إلى من يقطع إنصافه بين المبطل ورجائه ويصل العدل منه بين المحق وبين آماله
نحمده على نعمه التي أنامت الرعايا من معدلتنا في أوطإ مهاد وأدامت الدعاء الصالح لأيامنا بإعلاء كلمتي العدل والجهاد وأقامت الإيالة في أسنى ممالكنا بمن هو أجرى من الغيوث وأجرأ من الليوث في مصالح البلاد والعباد
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال الألسن لإقامتها مديمة والضمائر على إدامتها مقيمة والقلوب تعقد من كلمة إخلاصها وإخلاص كلمتها في جيد الإيمان تميمة والتوحيد يظهر أنوارها في الوجوه الوسيمة بمأمن مطالع القلوب السليمة
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جبله على خلق عظيم وجعله وإن تأخر عصره من مقام النبوة في أعلى رتب التقديم ومن على الأمة بإرساله إليهم من أنفسهم وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين دعوا إلى طاعته وأجابوا وحكموا بسنته وأصابوا وجاهدوا المعرضين عن

ملته حتى رجعوا إلى الهدى وأنابوا صلاة لا تغيب أنواؤها ولا يفارق وجوه أهلها وقلوبهم رواؤها وإرواؤها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإنه لما أجرنا الله عليه من عوائد نصره وأغرانا به من حصد الشرك وحصره ومنحنا من بسطة ملك زينت بها أسارير البسيطة وأسرتها ووهبنا من فواتح فتوح علت على وجوه الكفر مساءتها وبدت على وجه الإسلام مسرتها لم نزل نؤدي شكر نعم الله بالإحسان إلى عباده ونستزيد منها بتفويض أمورهم إلى من يقوم في الذب عنهم مقام الجيش على انفراده فلا نقدم على الرأفة بخلق الله أمرا ولا نحابي في بسط المعدلة عليهم زيدا ولا عمرا ولا نعدل بهم عمن إذا ركب في موكب نيابتنا زانه وجمله وإذا جلس على بساط عدلنا زاده وكمله وإذا رسم أمرنا أصغت السيوف إلى مراسمه وإذا نظر بعين عنايتنا ثغرا أهدى الشنب إلى مباسمه وإذا رام في مصالح الإسلام أمرا قرب على رأيه بعيده وإذا رمى في حماية الممالك عدوا سبق إلى مقاتله قبل السيوف وعيده وإذا جرد جيشا إلى أعداء الإسلام جرت قبل اللقاء ذيول هزائمها ورأت الفرار أمنع لها من صوارمها ونثلت ما في كنائنها من سهام ضعفت عن الطيران قوى قوادمها
ولما كان الجناب العالي الفلاني هو معنى هذه الفرائد وسر هذه الأوصاف التي للشرك منها مصائب هي عند الإسلام فوائد وفارس هذه الحلبة التي أحرز قصب سبقها وكفء هذه الرتبة التي أخذها دون الأكفاء بحقها لا تأخذه في الحق لومة لائم ولا يأخذ أمر الجهاد إلا بجده وما ليل المجد بنائم يسري إلى قلوب الأعداء رعبه وهو في مكانه وتؤدي مهابته في نكاية الكفر فرض الجهاد قبل إمكانه ويشفع العدل في الرعايا بالإحسان

إليهم ويجمع بين إرهاب المعتدين وشدة الوطأة عليهم ويقف في أحكامه مع الشريعة التي أعلى الله تعالى منارها ويستضيء بأحكامها التي هي لأبصار النظار تعير أنوارها
وكانت المملكة الشامية المحروسة من الممالك الإسلامية بمنزلة القوة في اليمين والواسطة في العقد الثمين والإدراك في الصدور والإشرق في البدور وبها الأرض المقدسة والحصون التي هي على نكاية الأعداء مؤسسة ولها الجيوش التي ألفت في الجهاد السرى وأنفت لسيوفها في الجفون الكرى ومرت على مقاتل العدا أسنتها وصرفت في مسالك الحرب أعنتها وراعت ملوك أهل الكفر سمعة أمرائها وحاطتها أمداد النصر في حروبها من بين يديها ومن ورائها وفيها من الأئمة العلماء الأعيان من يعدل دم الشهداء مداد أقلامهم ومن الأتقياء الصلحاء من لا تطيش دون مقاتل أهل الكفر مواقع سهامهم اقتضت آراؤنا الشريفة أن نمتع هذه الرتبة السنية بجمالها وأن نبلغ هذه الدرجة السرية بمن حوى هذه الأوصاف الفاخرة غاية آمالها ليصبح بها لواء عدلنا مرفوع الذوائب ومنهل فضلنا مدفوع الشوائب وكلمة جهادنا نافذة في المشارق والمغارب وقبضة بأسنا آخذة من أعداء الدين بالذرا والغوارب وطليعة كتائبنا مؤتمة بمن توقن الطير أن فريقه إذا ما التقى الجمعان أول غالب
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت صوارمه للشرك قامعة ومراسمه لمصالح الدين والدنيا جامعة أن تفوض إليه تفويضا يرفع علمه ويمضي في مصالح الإسلام سيفه وقلمه وينشر في آفاق الممالك الشامية عدله ويبسط على رعايا تلك الأقاليم المحروسة فضله وظله فيطلع في أفق المواكب هالة أهلتها وطراز حلتها وطلعة لوائها وواسطة عقود مقدمها وآرائها وزينة

تسييرها ووقوفها وحلية طلائعها وصفوفها ويجلس في مواطن الجلوس صادعا بالحق في حكمه آمرا بإدامة التأنيب للعدو في أيام سلمه معطيا منصب النيابة الشريفة حقه من الجلالة موفيا رتبتها المنيفة ما يجب لها من أبهة المهابة وكفاءة الكفالة ولا يزال لمصالح الجيوش المنصورة ملاحظا وعلى إزاحة أعذارهم محافظا وإلى حركات عدو الإسلام وسكناته متطلعا وإلى ما يتعين من إبطال مكايده متسرعا ولبواطن أحوالهم بحسن الاطلاع محققا ولجموعهم بيمن الاجتماع للقائهم مفرقا فلا يضمرون مكيدة إلا وعلمها عنده قبل ظهورها لديهم ولا يسرون غارة إلا ورايتا خيله المغيرة أسبق منها إليهم
وليكن لمنار الشرع الشريف معليا ولأقدار أربابه مغليا ولرتب العلماء رافعا ولأقوالهم في الأحكام الشرعية سامعا ولذوي البيوت القديمة مكرما ولأهل الورع والصلاح معظما وعلى يد الظالم ضاربا وفي اقتناء الأدعية الصالحة لدولتنا القاهرة راغبا ولجميل النظر في عمارة البلاد مديما وبحسن الفكر في أمور الأموال معملا رأيا بمصالحها عليما ولجهات البر بجليل العناية والإعانة عامرا وعن كل ما لا يجب اعتماده ناهيا وبكل ما يتعين فعله آمرا وفي كمال خلاله وأدوات جماله ما يغني عن الوصايا إلا على سبيل الذكرى التي تنفع المؤمنين وترفع المتقين وملاكها تقوى الله تعالى وهي من خصائص نفسه الكريمة وعوائد سيرته الحديثة والقديمة والله تعالى يسدده في القول والعمل ويؤيده وقد فعل إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام كتب بها للأمير سيف الدين تنكز الناصري في ربيع الأول سنة أثنتي عشرة وسبعمائة من إنشاء الشيخ

شهاب الدين محمود الحلبي وهي
الحمد لله مفوض أسنى الممالك في أيامنا الزاهرة إلى من تزهو بتقليده ومشيد قواعد أسمى الأقاليم في دولتنا القاهرة بمن يعلو بإيالته ما يلقى إليه معاقد مقاليده ومسدد الآراء في تصريف أعنة جيوشنا المنصورة بتقديم من تغدو سيوفه من عنق كل متوج من العدا قلادة جيده وناشر لواء العدل في رعايانا وإن بعدوا بمن تنيم كلا منهم في مهد الأمن والدعة يد مهابته وتمهيده ومعلي منار الجهاد في سبيله بمن إذا جرد سيفه في وغى تهللت نواجذ أفواه المنايا الضواحك بين تجريبه وتجريده
نحمده على نعمه التي أيدت آراءنا بوضع كل شيء في مستحقة وقلدت سيف النصر من أوليائنا من يأخذه في مصالح الإسلام بحقه وجددت آلاءنا لمن إذا جارت الحتوف سيوفه إلى مقاتل العدا فاتها وفاقها بمزيتي كفايته وسبقه
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال ألسنتنا ترفع منارها وسيوفنا تصلي من جحدها قبل نارها وآراؤنا تفوض مصالح جملتها إلى من إذا رجته لنصرة أنالها وإذا أسدى معدلة أنارها
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله بنصره وجعله سابق من تقدم من الرسل على عصره وآتاه من الفضائل ما يضيق النطق عن إحصائه ومن المعجزات ما يحول الحصر دون حصره صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين تمسكوا بهداه وهجروا في طاعته من عاداه ونهضوا في رضا الله تعالى ورضاه إلى مظان الجهاد وإن بعد مداه صلاة يشفعها التسليم ونبتغي إقامتها عند الله والله عنده أجر عظيم وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن أولى ما أعملنا في مصالحه الفكر وتدبرنا أحواله بكل رأي يسدده الحزم المروى ويؤيده الإلهام المبتكر وقدمنا فيه الاستخارة على ما جزم اليقين بأن الخيرة للإسلام والمسلمين في اعتماده وتمسكنا فيه بحبل التوفيق الذي ما زال تتكفل لنا في كل أمر بسداده وفي كل ثغر بسداده أمر الممالك

الشامية التي هي واسطة عقد الممالك ومجتمع ما يفضي إلى مواطن النصر من المسالك ومركز فلك الأقاليم الذي تنتظم عليه بروج ثغورها ونقطة دائرة الحصون التي منها مادتها وعليها مدار أمورها وغيل ليوث الحرب التي كم أنشبت أظفار أسنتها في طرة ظفر ومواطن فرسان الوغى التي كم أسفر عن إطلاق أعنتها إلى غايات النصر وجه سفر وأن نرتاد لكفالة أمورها وكفاية جمهورها وحماية معاقلها المصونة وثغورها وزعامة جيوشها وإرغام طارقي أطرافها من أعداء الدين وثل عروشها من جرده الدين فكان سيفا على أعدائه وانتقاه حسن نظرنا للمسلمين فكان التوفيق الإلهي متولي جميل انتقاده وانتقائه وعجمنا عود أوصافه فوجدناه قويا في دينه متمكنا في طاعته بإخلاص تقواه وصحة يقينه متيقظا لمصالح الإسلام والمسلمين في حالتي حركته وسكونه آخذا عنان الحزم بيسر يسراه وسنان العزم بيمن يمينه واقفا مع الحق لذاته مقدما مشاق الجهاد على سائر مآربه ولذاته ماضيا كسيفه إلا أنه لا يألف كالسيف الجفون راضيا في راحة الآخرة بمتاعب الدنيا ومصاعبها فلا يرعى في مواطن الجهاد إذاحلها أكناف الهوينا ولا روض الهدون مانعا حمى الإسلام لا حمى الوقبى بضرب يفرق بين أسباب الحياة ويؤلف بين أشتات المنون

ولما كان فلان هو الذي تشوفت هذه الرتبة إلى أن تتجمل به مواكبها وتتكمل به مراتبها وتنتظم على دسته هالة أمرائها كما تنتظم على هالة بدر السماء كواكبها فإذا طلع في أفق موكب أعشت الأعداء جلالته وأعدت الأولياء بسالته وسرى إلى قلوب أهل الكفر رعبه وفعل فيهم سلمه ما يفعل من غيره حربه وإذا جلس على بساط عدل خرس الباطل وأنجز ما في ذمته الماطل وتكلم الحق بملء فيه وتبرأ الباطل حتى ممن يسره ويخفيه وإن نظر في مصالح البلاد أعان الغيث على ريها برفقه وأعاد رونق عمارتها بكف أكف الظلم ووصول كل ذي حق إلى حقه اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجعل فنون أفنانه بيمن إيالته دانية القطوف وأن نصير جنتها تحت ظلال سيفه فإن الجنة تحت ظلال السيوف
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال زمن عصره مؤرخا بالفتوح وسيف نصره على من كفر دعوة نوح أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس تفويضا يحسن به المناب في تلك الممالك عنا وينشر فيها من العدل والإحسان ما يلقاه منا ويلبسها من حلل المهابة ما يضاعف به أمن سربها وتصبح به السيوف المجردة أحفظ لها من قربها ويطلع في أفق مواكبها الجليلة طلوع الشمس التي يعم نفعها ويعشي النواظر لمعها ويجلس في دست نيابتنا حاكما فيها بأمرنا جازما بحكم الشرع الشريف الذي قد علم أنه حلية سرنا وجهرنا ناشرا من مهابة الملك ما ترجف له القلوب من العدا وتصبحهم به سرايا رعبه على بعد المدى ملزما من قبله من الجيوش المنصورة بمضاعفة إعداد القوة وإدامة التأهب الذي لا تبرح بسمعته بلاد أهل الكفر مغزوة مطلعا على أحوال العدا بلطف مقاصده ونكاية مكايده وحسن مصادره في التدبير وموارده فلا يبرمون أمرا إلا وقد سبقهم إلى نقض مبرمه ولا يقدمون رجلا إلا وقد أخرها بوثبات إقدامه وثبات قدمه وليعظم منار الشرع الشريف بتكريم حكامه والوقوف مع أحكامه ويرفع أقدار حملة العلم بترفيه أسرارهم وتسهيل مآربهم وأوطارهم وليعم الرعايا بعدله وإنصافه ويسترفع

لنا أدعية الأولياء والصلحاء بإسعاده وإسعافه وفي خصائص أوصافه الكريمة وسجاياه التي هي لمصالح الإسلام مستديمة ما يغني عن تشدد في القول والعمل والله تعالى يؤيده وقد فعل ويجعله من أوليائه المتقين وقد جعل إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام كتب به للأمير يلبغا الكاملي بعد نيابته بحلب وحماة من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله وهي
الحمد لله مجرى الأقدار برفعة الأقدار ومثري آمال من حسنت له في خدمتنا الآثار بمواهب العطايا والإيثار وممري غروس نعم أوليائنا التي رعى عهدها عهاد سحب جودنا الغزار جاعل أصفياء مملكتنا الشريفة كل حين في ازدياد ومانح المخلصين في خدمتنا مزيد الإسعاف والإسعاد وفاتح أبواب التأييد بسيوف أنصارنا التي لا تهجع في الأغماد
نحمده على مواهب نصره ونشكره على إدراك المآرب من جوده الذي يعجز لسان القلم عن حصره ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تؤيد قائلها في مواقفه وتجمع له من خير الدنيا بين تالده وطارفه ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هدى الله به هذه الأمة من الضلال وفضل به المجاهدين حيث جعل الجنة تحت ما لسيوفهم من ظلال صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه صلاة لا انفصام لعروتها ولا انفصال ولا انقضاء لأسبابها ولا زوال وسلم تسليما كثيرا

أما بعد فإن أولى من انتدب لحفظ ممالك الإسلام وأتمن على صونها بعزمه الذي لا يسامي ولا يسام وأسند إليه من أمور الرعايا بأجل الممالك ما يقضي بمزيد التكريم واعتمد على صيانته وديانته لما شهد الاختبار بأنه أهل للتقديم وجربت الدول مخالصته وتحقق اهتمامه الذي بلغه من العز غايته وأثنت على حسن سيرته وسريرته سوابق خدمه وشكر اهتمامه في المخالصة التي أعربت عن عزمه ففاق أشباها وأنظارا وكفل الممالك الشريفة الحلبية والحموية فأيدها أعوانا وأنصارا وبسط فيها من العدل والإنصاف ما أعلى له شأنا ورفع له مقدارا وسلك فيها مسلكا شنف أسماعا وشرف أبصارا
ولما كان المقر الكريم إلى آخره هو صاحب هذه المناقب وفارس هذه المقانب ونير هذه الكواكب كم أبهج النفوس بما له من عزم مشكور وحزم مأثور ووصف بالجميل موفور
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال لسيف أوليائه مرهفا ولا برح لأخصائه مسعدا ومسعفا أن تفوض إلى المشار إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس على أجمل عوائد من تقدمه في ذلك وأكمل قواعده فليتناول هذا التقليد الشريف بيد لم يزل لها في الولاء الباع المديد الطويل ويتلق هذا الإحسان بالشكر الذي هو بدوام النعمة خير كفيل ويضاعف ماهو عليه من اهتمام لم يزل منه مألوفا واعتزام إذا لاقى غيره مهما واحدا لاقى هو ألوفا ويمعن النظر في مصالح هذه المملكة الشامية المحروسة ويعتمد من حسن تدبيره ما تغدو ربوعها بحسن ملاحظته عامرة مأنوسة وهو يعلم أن العدل من شيم دولتنا الشريفة سيجة أيامنا التي هي على هام الجوزاء منيفة فليسلك سننه ويتبع فرضه وسننه ويعلم أن عدل سنة خير من عبادة ستين سنة ولينشر على الرعايا ملابسه الحسنة ويعظم الشرع الشريف وحكامه ويعين الإقطاعات لمن يستحقها من الأيتام أو يوجب الاستحقاق إكرامه والله تعالى

يجعل السعد خلفه وأمامه ويؤيده تأييدا يبلغه مراده من النصر ومرامه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام الحمد لله الذي طهر الشام وقدسه وصانه وحرسه وجعل لسلطاننا فيه قواعد بالنصر مؤسسة وأنوارا للهدى مقتبسة وكفله بمن إذا صف له العدو افترسه وأذله وأركسه وأرغم معطسه وقطف بسيفه أروسه ومن يعطى النصر إذا امتطى فرسه ومن كرم الله نفسه وكثر أنسه وعطر نفسه ومن ينصف المظلوم من ظالمه ويبلغ السائل ملتمسه ومن لبس ثوب العفاف والتقى فكان خير ثوب لبسه
نحمده على أصل جود غرسه وعارض سوء حبسه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أزالت الشرك ومحت نجسه ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنبع الله من أصابعه عينا منبجسة واخضر العود اليابس لما لمسه وأضعف الوساوس المختلسة وانتزع الحق ممن بخسه وحماه الله من الشيطان لما ولد فما نخسه ونور القلب الذي خيم عليه الضلال وطمسه وكان الشرك قد انبث في الأرض فطواه دينه وكبسه ومحاه ودرسه وجاء بالقرآن فطوبى لمن تلاه ودرسه وأنزل عليه ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه ما أولج الله الليل في النهار وغمسه وميز بنصف العدد من الثلث سدسه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن الشام هو عقد النظام وأجل ممالك الإسلام ومعدن النصر الذي بروقه تشام ومستقر البركات الوسام وعسكره أفضل عسكر في حسن

الاعتزاء والاعتزام لا يرهبون الحمام ويخوضون لجج المنون بالحسام ونيابة السلطنة الشريفة به من أجل النيابات مقدارا وأكرمها آثارا وأعزها أنصارا إذ هو تلقاء أوامرنا الشريفة المنطوية عليها أسرار البريد ومن عنده تتفرع المهمات للقريب والبعيد وعنه يصدر البريد وإليه يرد بكل ثناء جديد ومنه يأتي إلى مسامعنا الشريفة بما نريد فلا يحل دار سعادتها إلا من هو منصور سعيد وذو رأي سديد وحزم حديد وقد اخترنا لها بحمد الله كفأها المعيد
ولما كان فلان هو الضاري على العدا والغيث المتوالي الندى والهمام الذي جرد سيف عزمه أبدا فلا يرى مغمدا واتصف بحسن الصفات فما ساد سدى قد تجملت الممالك بآرائه وراياته وثباته ووثباته وروض تدبيره وطيب نباته وحسن اعتماده في خدمةملكنا الشريف ومهماته إن ذكرت الموالاة الصادقة كان راوي مسندها وحاوي جيدها والآوي إلى ظلها المديد وطيب موردها وإن ذكرت الشجاعة كان زعيم كتائبها ومظهر عجائبها وليث مضاربها ومجرد قواضبها وفارس جنائبها ومطلب أطلابها ومنجح مطالبها ومجلي غياهبها اقتضى حسن الرأي الشريف أن يعقد عليه لواء الاحتشام في الشام وأن يخص بالبركات المخلصة من الدركات
فذلك رسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس على عادة من تقدمه وقاعدته وأن يكون داخلا في نيابته الشريفة ما هو مضاف إلى الشام المحروس من ممالك وقلاع ومدن وضياع وثغور ومواني وسواحل في أقاص وأداني تفويضا اتسقت درره وأشرقت غرره وتليت آياته وسوره
فليمهد بالعدل أكناف البلاد ولينظر بعين الرعاية والسداد ولينشر لواء

الإنصاف لتكون الأمة تحت ظله الضافي وإليه الحق مضاف وليدر الأرزاق من الأخلاف وليأمر بإقامة الحدود على شارب السلاف وعلى السارقين بالقطع من خلاف وليسترهف عزائم العساكر المنصورة في القتال والجهاد وليأخذهم بحسن الاستعداد وليعرف للأمراء منازلهم فإنهم أركان وأعضاد وأنصار وأمجاد وأولياء دولتنا الشريفة الماحون للفساد وممن تتجمل بهم المواكب وتتفطر بهم للعدا الأكباد والله الله في الشرع الشريف وإقامة مناره وتنفيذ كلمة أحكامه وإزالة أعذاره والتقوى فهي أفضل شعاره وقرة أبصاره والوصايا فمنه يشرق هلالها إلى أن يتم في إبداره ويتكمل بأنواره وهو غني عن إكثاره فخذ تقليدنا هذا باليمين والبس من هذا التفويض الملبس الأسنى الثمين وأخبار البريد المنصور فلا تقطعها عنا فمنه إلينا ترد أخبار البريد وإليه ترد المهمات منا والله تعالى يخوله كل يوم من إحساننا في الزيادة والحسنى والخط الشريف أعلاه
الطبقة الثانية من يكتب له تقليد شريف في قطع النصف بالمجلس العالي وهو الوزير من أرباب السيوف وهو بالمملكة الشامية على حد الوزير بالديار المصرية
وهذه نسخة مرسوم من ذلك الحمد لله مسدد سهام الاختيار ومسير الأولياء إلى منازل العلياء مسير الأهلة إلى منازل الإبدار الذي جدد نعما وعدد كرما وعلم مواقع الاضطرار إلى مواقع الأوزار فأرسل إليها من تستهل آراؤه ديما
نحمده حمدا كثيرا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبا ولا وزيرا ونصلي على سيدنا محمد الذي عمر الله به البلاد تعميرا وأحسن بالعدل تقريرا صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين ظاهروه بالسيوف والأقلام كاتبا وأميرا صلاة لا ينقطع تواليها ولا تزال الآفاق تتناقلها وتستهديها

وبعد فإن أولى من عظم شأنه وكرم مكانه وثبت إمكانه وأنبت في منابت الرماح قلمه الذي هو ترجمانه وبسطت في تشييد الممالك يده وأطلق لسانه من كان علامة العلم وغدا بالنشاط في كبره فتي السن كهل الحلم الذي فاق جلالة ونسبا واستعلى همة وأدبا وعرف بالديانة التي طار صيتها في الآفاق شرقا ومغربا والهمة التي سواء عليها أحملت قلما أم انتضت قضبا
ولما كنت أيها المجلس الفلاني أدام الله تأييدك وتسديدك وتمهيدك وكبت حسودك وضاعف صعودك أنت المعني بهذه المآثر المنضدة عليك هذه الجواهر الدالة على مناقبك هذه المفاخر الذي وجدناك على الانتقاد تزيد استخلاصا وتعدو على السبك خلاصا فلذلك خرج الأمر الشريف أن توزر وتحمى موارد آرائك لتستغزر ويكون لك الحكم في المملكة الشامية عموما وتتصرف في معاملاتها مجهولا ومعلوما على أكمل قواعد الوزراء وأتمها وأجملها وأعمها متصرفا في الكثير والقليل والحقير والجليل تعزل وتولي من شيت وتكفي وتستكفي من ارتضيت ونحن نوصيك بالرفق الذي هو أخلق والعدل الذي تستدر به سحب الأموال وتستغدق والحق فإن كل القضايا به تتعلق ويمن السياسة فإن الرياسة بها تكمل وتعدق وإياك والغرض الذي هو يهوي بصاحبه ويرديه في عواقبه واتق الله الذي لا تتم الصالحات إلا بتقواه واحذر أن تكون مع من ضل سبيله واتبع هواه والله تعالى ينجح رجاءك ويوضح منهجك ويعلي درجك ويلقنك إذا خاصمت واختصمت حججك إن شاء الله تعالى

الطبقة الثالثة من يكتب له مرسوم شريف وهي على مرتبتين
المرتبة الأولى من يكتب له في قطع النصف وهو نائب قلعة دمشق
إن كان مقدم ألف كما كان أولا كتب له بالمجلس العالي أو

طبلخاناه كما هو الآن كتب له بالسامي بغير ياء وبالجملة فإنه يكتب له مفتتحا بالحمد لله
وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله رحمه الله وهي
الحمد لله مشرف القلاع ومصرف رجالها في الامتناع ومعرف من جادلها أن الشمس عالية الارتفاع
نحمده حمدا يشنف الأسماع ويشرف الإجماع وتحلق في صعوده الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها لما بقي من قلاع الكفر الاقتلاع واستعادة ما قر معهم من قرى وضاع من ضياع ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي حمى به درة الإسلام من الارتضاع وصان به حوزة الحق أن تضاع صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه صلاة دائمة ما أسبل لليل ذيل وامتد للشمس شعاع وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن للحصون حواضر كما للبلاد وحواضن تضم بقاياها ضم الأمهات للأولاد ومعاقل يرجع إليها إذا نابت النوب الشداد ومعاقد يعتصم من منعتها بجبال ويتمسك بأطواد وقلعة دمشق المحروسة هي التي تفتخر بقايا البقاع بالاتصال بسببها والتمسك في الشدائد بذيل حسبها لا يهتدى في السلم والحرب إلا بمنارها ولا يقتدى في التسليم والامتناع إلا بآثارها ولا يستقى إلا بما يفيض على السحب من فيض أمطارها قد ترجلت لتبارز وتقدمت لتناهز ودلت بقواها فما احتجبت من سجوف الجبل بحجاب ولا احتجزت من الغمام بحاجز بل ألقت إلى قرار الماء حجلها وأثبتت في

مستنقع الموت رجلها وكشفت للحرب العوان قناعها وأشعلت أبنيتها من الذهب شعاعها وأشغلت أفنيتها البروق أن تطاول باعها أو تحاول ارتفاعها قد جاورت قبتها الزرقاء أختها السماء وجاوزت بروجها منطقة البروج اعتلاء وهي معقل الإسلام يوم فزعهم وأمن قلوبهم أعاذها الله من جزعهم وقد نزل العدو عليها ونازلها زمانا بجموعه وأعانه عليه قوم آخرون وأقدموا وتقدموا وهم متأخرون وطاولوها فكانت حسرة عليهم ونكالا لما خلفهم وما بين يديهم وثبت الله بها أقدام بقية القلاع وقوى بعزائمها إقدام من فيها على الامتناع وقلعة الجبل المحروسة وإياها كالأختين وهي لها ثانية اثنين وكلتاهما لكرسي ملكنا الشريف منزل سعيد ومتنزه يود صفيح الأفلاك لو ترامى إليه من مكان بعيد
فلما رسمنا بنقل من كان في النيابة الشريفة بها في منازلها من كان إلى مكان وقدمناه أمامها كما يهتز في قادمة الرمح السنان وأتخذنا من بروق عزائمه لبعض ثغورها الضاحكة شنبا ومن هممه المتصلة المدد بها ما نمد منها إلى سمائها سببا اقتضى رأينا الشريف أن نعول في أمرها المهم وبرها الذي به مصالح كثير من ممالكنا الشريفة تتم ونحلي مشارفها بمن تضاحك البروق سيوفه في ليل كل نقع مدلهم ونحمي حماها برجل تمنع مهابته حتى عن نقل الأسنة طارق الطيف أن يلم وهو الذي لا تزعزع له ذرا ولايناخ لبادره سيله في ذرا ولا يقدر معه الأسد أن يبيت حول غابه مصحرا ولا الطير أن يحلق إليه إلا ماسحا بجناحه على الثرى ولا أدلجت إليه زمر الكواكب إلا تقاعست فلا تستطيع السرى
وكان فلان هو حامي هذا الحمى ومانع ما يحلو في الثغور من موارد اللمى وغيور الحي فلا تبرز له إلا من عقائل المعاقل قاصرات الطرف كالدمى وحافظ ما استودع من مصون واستجمع من حصون واستجهر من

موارد تردها من زرد الدروع عيون ويفرق منها المجانيق سحائب ممطرة بالمنون فصمم رأينا الشريف على اختياره ليوقل صهوة هذا الجواد ويوفي ما يجب لهذه العقيلة من مرتمق لحظ ومرتمى فؤاد ويبحث من الشغف بها عن أمل آمل أو مراد مراد ويعجب من عقيلتها المصونة أن أبراجها تتبرج وما لنعماها إنعام ولا لسعادها إسعاد
فرسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني أعلاه الله وشرفه وأدام في الأرض ومن عليها تصرفه أن تفوض إليه النيابة بقلعة دمشق المحروسة على عادة من تقدمه وقاعدته ومقاربته ومباعدته وتخليه ومساعدته وكل ما جرت به العوائد في رجائها ورجالها ومالها ومآلها وهذه نيابة شريفة وسحابة مطيفة ونعمة تقابل برعايتها وتكتم نوافجها بإذاعتها وتقوى الله حلية عنقها وحلة أفقها ومجرى المجرة إجلالا في طرقها
فعليك بحفظها ليلا ونهارا وتفقد أحوال من فيها سرا وجهارا وفتح بابها وغلقها مع الشمس وتصفح ما بها من لبس وتتبع أسبابها كما في النفس والتصدي لملازمة الخدمة الشريفة في أبوابنا العالية ببابها والأخذ في أدوات حفظها بمجامع أطرافها دون التمسك بأهدابها والتجسس على من يلم فيها جفنه بكرى وما أثقله مناما وإلزام كل واحد بما يلزمه من الوظائف في ليله ونهاره وإدلاجه وابتكاره ومن عليه في هذا المعقل إشراف من شرفاته أو تسور على أسواره وإظهار الرهج والصيت والسمعة بالاهتمام في كل ليلة بزفاف عروسها وضرب الحرس لنواقيسها والإعلان لصباح الخير لنا في صبحاتها والدعاء الصالح في تغليسها وصيانة ما فيها من حواصل أو يصل إليها من

واصل وما فيها من ذخائر وما في خزائنها العالية من مدد البحر الزاخر وما تشتمل عليه دار الضرب من أموال تضرب للهبات برسمنا وأموال الناس التي حملت إليها لتشرف نقودها باسمنا وخزائن السلاح المنصورة وما يستكثر فيها من عدد وما يستغزر من مدد والمجانيق التي تخطر منها كل خطارة كالفنيق وتصعد ومرماها إلى السماء كأنما تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق شائلة عقاربها آفلة بالأعمار كواكبها والحدوج والقسي والرايات وغير ذلك من سلاح أودروع ترد السهام على أعقابها وتحني قامات العوالي وتضيق صدور الصفاح والبحرية وغيرهم من رجال هذه القلعة المحروسة من نجوم آفاقها وغيوم إرعادعا وإبراقها وديمها إذا أسبلت المسالمة ذيولها وأعوانها إذا شمرت الحرب عن ساقها وبقية المستخدمين وأرباب الصنائع الذين هم عمارة أوطانها وأمارة العناية بها من سلطانها فكل ذلك مذخور لمنافع الإسلام وما ريش السهم لأنه في كل ساعة يرمى ولا طبع السيف لأنه في كل بارقة يشام فاحفظ لأوقاتها تلك المواد المذخورة والحظ هؤلاء الرجال فإنهم ظهر العساكر المنصورة وخذ بقلوبهم وأوصل إليهم حقوقهم واجمع على طاعتنا الشريفة متفرقهم وأكرم فريقهم ومنهم المماليك السلطانية وهم إخوانك في ولائنا والذين تشركهم في آلائنا وبالغ في حفظ المعتقلين في سجونها ولفظ المعتقدين خلافا في مكنونها ونحن نعيذها بالله أن نقول تفقدها بالترميم والإصلاح ولكنا نامرك أن تتعهدها بما تتعهده من الزين الملاح ولك من معاضدة من في ذلك الإقليم من لك برأيه طريق مستقيم

ومن تراجعه فيما أشكل عليك من الأمور وتجد به في طاعتنا الشريفة نورا على نور واتبع مراسمنا المطاعة فهي شفاء لما في الصدور والوصايا كثيرة والله تعالى يجعلك على بصيرة ويتولاك بما فيه حسن السيرة وصلاح السريرة والاعتماد
وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة كتب بها لحسام الدين لاجين الإبراهيمي من إنشاء الشريف شهاب الدين رحمه الله وهي
الحمد لله الذي صان الحصون بانتضاء الحسام وزان الملك بارتضاء ذوي اليقظة من الأولياء والاهتمام وأبان سبيل السعادة لمن أحسن بفروض الطاعة وأجمل القيام
نحمده على أن جعل نعمنا لأصفيائنا وافرة الأقسام ونشكره على أن أقبل عليهم بأوجه إقبالنا الوسام ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لعقود إخلاصها انتظام ولسعود اختصاصها التئام ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي منحه الإجلال والإعظام ومدحه بالإفضال والإكرام ورجحه بمزايا الفضل على جميع الأنام صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه بدور التمام ورضي عن أصحابه الذين لهم صدق الاعتزام صلاة ورضوانا لهما تجديد ومزيد وتأييد ودوام وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن آلاءنا لا تزال تختار الأكفاء وآراءنا لا تبرح تمنح ذوي

المناصحة الإصفاء ونعماءنا تديم لملابس إجلالها على أولى الخدم الإفاضة والإضفاء وتفي بوعود جودها لمن أدام لمناهج المخالصة الاقتفاء
ولما كان فلان هو الذي عرفت له في مهماتنا خدم سالفة وألفت منه همة عليه خصته بكل عارفة وخولناه نعمنا الواكفة وأهلناه لاستحفاظ الحصون فساعده توفر التوفيق وساعفه ونقلناه في الممالك فسار سيرة حميدة اقتضت لمواهبنا لديه المضاعفة اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفع محله بأعز القلاع ونطلعه بأفق سعدها أيمن إطلاع ونندبه لضبطها فيحسن له فيها الاستقرار ويحمد منها له الاستيداع
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت صدقاته تحقق الأطماع وهباته تفيض ملابسها التي ليس لها انتزاع أن يستقر في نيابة قلعة دمشق
فليباشر النيابة بالقلعة المذكورة باذلا الاجتهاد مواصلا للعزم والسداد عاملا بالحزم في كل إصدار وإيراد كافلا منها بحسن الاعتماد حافظا حواصلها من الضياع مقررا أحوالها على أجمل الأوضاع وليأخذ رجالها بالائتلاف على الخدمة والاجتماع وليحرضهم على المبادرة إلى المراسيم والإسراع وليطالع من أمورها بما يتعين عليه لأبوابنا العالية في المطالعة ويجب لعلومنا الشريفة عليه الإطلاع وليراجع كافل الممالك الشامية بما جعلنا لآرائه فيه الإرجاع وليكن له إلى إشارته إصغاء واستماع وإلى سبيل هديه اقتفاء واتباع وليقف عند ما يتقدم به إليه فبذلك يحصل له الرشد والانتفاع والله تعالى يجدد عليه سوابغ نعمنا التي جادت بأجناس وأنواع ويجرد في نصرتنا حسامه الذي من بأسه الأعداء ترهب وترتاع ويديم له ولجميع الأولياء من صدقات دولتنا الشريفة الإمتاع والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه وصية نائب قلعة أوردها في التعريف

وعليه بحفظ هذه القلعة التي زفت إليه عقيلتها الممنعة وجليت عليه سافرة ودونها السماء بالسحب مقنعة وسلمت إليه مفاتيحها وخواتيم الثريا أقفال وأوقدت له مصابيحها وفتائل البروق لا تشب لقفال فليبدأ بعمارة ما دعت الحاجة إليه من تجديد ابنيتها وتشييد أقبيتها وشد عقودها وعد مالا يحصى في الذخائر من نقودها وتنبيه أعين رجالها والكواكب قد همت برقودها والأخذ بقلوب من فيها وتدارك بقية ذمائهم وتلافيها وجمعهم على الطاعة وبذر الإحسان فيهم إذا عرف أرضا تزكو فيها الزراعة والتمادي لهم فرب رجال تجزى عن عدة سنين في ساعة وتحصين هذا الحصن المنيع بما يدخر في حواصله ويستمد بعمارة البلاد المختصة به من واصله وما يكون به من المجانيق التي لا ترقى عقاربها ولا توقى منها أقاربها ولا ترد لها مضارب ولا يكف من زباني زبانيتها كل ضارب ولا يخطيء سهمها ولا يخفى بين النجوم نجمها ولا يعرف ما في صندوقها المقفل من البلاء المرسل ولا ما في فخذها المشمر الساق من النشاط الذي لا يكسل وغيرها من الرايات التي في غيرها لا تشد ولسوى خيرها لا تعقد وما يرمى فيها من السهام التي تشق قلب الصخر وتبكي خنساء كل فاقدة على صخر وكذلك قسي اليد التي لا يد بها ولا قبل وكنائن السهام التي كم أصبح رجل وبه منها مثل الجبل وما يصان من اللبوس ويعد للنعيم والبؤس وما يمد

من الستائر التي هي أسوار الأسوار ولمعاصم عقائل المعاقل منها حلى سوى كل سور وهي التي تلاث لثمها على مباسم الشرفات وتضرب حجبها على أعالي الغرفات وسوى هذا مما تعتصم به شوامخ القلال ويتبوأ به مقاعد للقتال فكل هذا حصله وحصنه وآحسبه وحسنه وأعد منه في الأمن لأوقات الشدائد واجر فيه على شأو من تقدم وزد في العوائد وهكذا ما يدخر من عدد أرباب الصنائع ومدد التحصين المعروف بكثرة التجارب في الوقائع والأزواد والأقوات وما لا يزال يفكر في تحصيله لأجل بعض الأوقات وكن من هذا مستكثرا وله على ما سواه مؤثرا حتى لا تزال رجالك مطمئنة الخواطر طيبة القلوب ما عليها إلا السحب المواطر واعمل بعادة القلاع في غلق أبواب هذه القلعة وفتحها وتفقد متجددات أحوالها في مساء كل ليلة وصبحها وإقامة الحرس وإدامة العسس والحذار ممن لعله يكون قد تسور أو اختلس وتعرف أخبار من جاورك من الأعداء حتى لا تزال على بصيرة ولا تبرح تعد لكل أمر مصيره وأقم نوب الحمام التي قد لا تجد في بعض الأوقات سواه رسولا ولا تجد غيره مخبرا ولا سواه مسؤولا وطالع أبوابنا العالية بالأخبار وسارع إلى ما يرد عليك منها من ابتداء وجواب وصب فكرك كله إليها وإلى ما تتضمنه من الصواب

المرتبة الثانية من المراسيم التي تكتب بحاضرة دمشق لأرباب السيوف ما
يكتب في قطع الثلث وفيها وظيفتان
الأولى شد الدواوين بدمشق وصاحبها يتحدث فيما يتحدث فيه شاد الدواوين بالديار المصرية وقد تقدم

وهذه نسخة مرسوم شريف بشد الدواوين بدمشق
الحمد لله الذي أرهف لمصالح دولتنا القاهرة من الأولياء سيفا ماضيا وجرد لمهمات خدمتنا الشريفة من الأصفياء عضبا يغدو الملك عن تصرفه الجميل راضيا وجدد السعود في أيامنا الزاهرة لمن لا تحتاج هممه في عمارة البلاد المحروسة متقاضيا
نحمده على نعمه التي تستغرق المحامد وتستوجب الشكر المستأنف على الحامد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مجاهد لأعدائها مجاهر لإعلائها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا وأولهم في الرتبة مكانة وإن كان آخرهم عصرا صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين نهضوا بما أمروا وعمروا الدين قبل الدنيا فلم تتمكن الأيام من نقض ما عمروا صلاة يتأرج نشرها ويتبلج بشرها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من عدق به من مهماتنا الشريفة أعمها نفعا وأحسنها في عمارة البلاد وقعا وأكثرها لخزائن الأموال تحصيلا وجمعا وأجمعها لمصالح الأعمال وأضبطها لحواصل الممالك التي إذا أعد منها جبالا تلا عليها لسان الإنفاق ( ويسألونك عن الجبال ) من زانت عزمه نزاهته وكملت قوته في الحق خبرته ونباهته وكان من أولياء دولتنا المعدين لشد أركانها وإشادة بنيانها والنهوض بمصالحها المتنوعة ونشر كلمة عدلها التي تغدو بالأدعية الصالحة مبسوطة وبالأثنية العاطرة متضوعة
ولما كان فلان هو الذي أشير إلى محاسنه ونبه على إبريز فضله المظهر من معادنه مع صرامة تخفيف الليوث ونزاهة تعين على عمارة البلاد الغيوث

وخبرة بإظهار المصالح الخفية وفيه وبإبراز معادن الأموال من وجوهها الجلية ملية ومعرفة تعم البلاد بين الرغبة والرهبة وتجعل مثل ما يودع فيها بالبركة والنماء مثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة اقتضت آراؤنا الشريفة أن ننبه على حسن اعتنائنا بأمره واعتمادنا بما قدمه من أسباب إسناء رتبته ورفعة قدره فلذلك رسم زاد الله في علائه أن يفوض إليه
فليباشر ذلك مظهرا من مصالح الدولة القاهرة ما كان في ضمير كفايته مكنونا مبرزا من تثمير الأموال وتعمير الأعمال ما يحقق به من خصب البلاد بمشيئة الله تعالى ما كان مظنونا مواليا إلى الخزائن المعمورة من حمول تدبيره ما يمسي به طائر تصرفه ميمونا وسبب توقفه مأمونا وليكن النظر في عمارة البلاد هو المهم المقدم لديه والأمر الذي يتعين توفر اهتمامه عليه فليجتهد في ذلك اجتهادا يظهر أثره ويجتني ثمره ويحمد ورده وصدره وتتفرع عنه أنواع المصالح وتترتب عليه أسباب المناجح وملاك ذلك بسط المعدلة التي هي خير للبلاد من أن تمطر أربعين يوما واعتماد الرفق الذي لا يضر معه البأس قوما ولا يجلب على فاعله مع الحزم لوما ولا يطرد عمن أنامه العدل في مهاد الدعة نوما وليصرف إلى استجلاب الأموال وموالاة حملها همة ناهضة وعزمة إلى ما قرب ونأى من المصالح راكضة وقوة بأسباب الحزم آخذة وعلى أعنة التدبير قابضة وفيما خبرناه من عزائمه المشكورة وسيرته التي ما برحت بين أولياء دولتنا القاهرة مشهورة ما يكتفي به عن الوصايا المؤكدة ويوثق به فيما عدق به من الأمور المسددة لكن تقوى الله تعالى أولى الوصايا وأولها وأحق ما تليت عليه تفاصيلها وجملها فليقدم تقوى الله بين يديه ويجعلها العمدة فيما اعتمد فيه عليه بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه
الوظيفة الثانية شد المهمات وصاحبها يتحدث فيما يطلب للأبواب السلطانية من المستعملات وغيرها وقد ذكر في التثقيف أن عادته أن يكون

مقدم ألف
وهذه نسخة توقيع بشد المهمات بدمشق وهي
الحمد لله الذي شد عرى المصالح من الأولياء بكل ذي أيد وكل من هو في المهمات أبطش بعمرو من زيد ومن له تدبير كم أغنى باقتناصه لشوارد الأمور عن حبالة صيد
وبعد فإن أحق من استخلص لاستخلاص الأموال واختير لصونها من الاختزال وحفظها من الاختلال وأهل قلمه وكلمه هذا للتمثيل وهذا للامتثال وفوض إليه التصرف في الترغيب والترهيب والاجتهاد في التمييز والتحرير والتوفير إذ كل مجتهد مصيب من اشتهر بأنه ذو حزم لا يني وعزم عن المصالح لا ينثني واحتفال بالأحوال التي منها نكر لمن يجني وشكر لمن يجتني وله نباهة يدرك بها كل إيهام وكل إبهام ويطلع بها على فلتات ألسنة الأقلام ويفهم بها مقاصد كل من هو من الجنة في كل واد يهيم ولا يخفى عليه جرائر الجرائد ولا مخازي المخازيم وفيه رحمة كم أصبح بها وهو الأتقى ولم يأت قساوة يكون بها هو المنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى وكم ساس الأمور ودبرها فأحسن فيها السياسة وأجمل التدبير واستخرج الشيء الكثير بالتخويف اليسير حتى جمع حسن تدبير واسترعا وصنع حسنا وأحسن صنعا

ولما كان فلان هو لهذا الأمر الجليل المسترعى واسمه في أول مدارج التنويه والتنويل خير مستدعى وفيه من جميل الأوصاف ما يرضي حسن الاقتراح وقد خبر أمور الكتبة وقد علم من أحوالهم ما هو أحرى لهم بالتجربة وعرف خفايا المعاملات معرفة تامة وأحاط بجزئيات الجهات وكلياتها إحاطة خاصة وعامة اقتضى حسن الرأي المنيف أن رسم بالأمر الشريف لا برح يشد عضد كل مهتم من الأولياء بأخي كل عزم ويجعل له سلطانا لا يكل مصلحة إلى حزم ذي حزم أن يفوض إليه شد المهمات بالشام المحروس
فليضبط الأمور ضبطا مستوعبا ولينتصب لذلك انتصابا مترتبا وليحترز منفذا ومصرفا ومسرعا ومستوقفا ومتى ظهر حق يتمسك به تمسك الغريم ولا يحاب فيه ذا بأس قوي ولا ذا منهج إلى المنع والدفع غير قويم وما من جهة إلا ولها شروط صوب الصواب ولا يعتمد على غير الحق منكبا عن ترويج الكتاب ولتكن الحمول مسيرة والمتخرجات متوفرة وجهات الخاص مقررة إذ الضمان لا ينتظر لهم نظرة إلى ميسرة فإنهم سوس المعاملات وكواسر الجهات ومنهم يحفظ أو يضاع وبهم يترقى أو ينحط الارتفاع وجهات المقطعين الواجب له أن يجعل عليها واقية باقية ولتحم لهم حتى لا يتطاول إلى ذروتها امتداد الأيدي المختزلة ولا خطا العدوان الراقية وليصرف وجهه بحفظه إلى مراقبة من في باب الشد من مقدمين ومن رسل يأكلون أموال الناس بالباطل ويبيعون الآجل بالعاجل ويخيفون العام والخاص وكل منهم يروم الغناء وهو رقاص
هذه زبدة من الوصايا مقنعة وعزمات غنية عن تكثير في القول أو توسعة والله تعالى يكون فيه ويعينه بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى

الصنف الثاني من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية وجميع ما يكتب فيها
تواقيع وهي على مرتبتين
المرتبة الأولى ما يكتب في قطع النصف بالمجلس العالي بالياء مفتتحا
بالحمد لله
وبذلك يكتب للقضاة الأربعة بحاضرة دمشق
وهذه نسخة توقيع بقضاء الشافعية بدمشق المحروسة كتب به لقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي وهي
الحمد لله الذي أقر أحكام الشرع الشريف في أيامنا الزاهرة على أكمل القواعد وأمر مدار الحكم المنيف في دولتنا القاهرة على أجمل العوائد وأمضى فصل القضاء في ممالكنا الشامية بيد إمام غنيت فضائله عن الشواهد وأمته الأئمة لاقتباس الفوائد وعدقت أحكام الملة منه بمجاهر في الحق مجاهد مسدد في الدين سهم اجتهاد رمى به شاكلة الصواب عن أثبت يد وأشد ساعد
نحمده على نعمه التي حلت مناصب الدين في ممالكنا الشريفة بأكفائها وعلت رتب العلم في دولتنا القاهرة باستقرار من جعلته فضائله غاية اختيارها ونهاية اصطفائها ودلت على اعتنائنا بتنفيذ أحكام من أتعبت سيرته الجميلة من سهد في اتباعها وجهد في اقتفائها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال أعلامنا بها تنتصر وأيامنا على الجهاد لتكون كلمتها

هي العليا تقتصر وأقلامنا لنشر دعوتها في الآفاق تسهب ولا توجز وتطنب ولا تختصر ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من قضت أمته بالحق فعدلت وتلقت عنه أحكام ملته ففاقت بذلك الأمم وفضلت وحكمت بما أراها الله من شرعته فما مالت عن سننه القويم ولا عدلت صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين أسلموا لله فسلموا وعملوا في دين الله بما عملوا وبذلوا النفوس في طاعته فما استكانوا لما أصابهم في سبيل الله ولا ألموا صلاة نؤدي بها من أمر الله المفترض ونرغم بإقامتها الذين في قلوبهم مرض وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من تنقل في رتبه السنية ووطدت له بمصر والشام قواعد سيرته السرية وأطلقت جياد اليراعة في إمضاء حكمه في المملكتين مثاني أعنتها وأنطقت صعاد البراعة في إعلاء بهائه فيهما ألسنة أسنتها وأردنا أن نرده إلى أعز الممالك علينا لنقر عينها وقصدنا أن نعيده إلى رتبته بها لنوفي باستعادته دينها واخترنا أن نجدد لهذه الوظيفة سالف عهده وأن نريه اعتناءنا بأمر منصبه الذي لم يله مثله من الأئمة من بعده وعلمنا أن الديار المصرية قد اختصت بفضائله زمنا طويلا وأن البلاد الشامية قد ألفت من أحكامه ما لم ترد به بديلا من ظهرت فضائله ظهور نعته وتهادت فوائده رفاق الآفاق من علماء زمانه وأئمة وقته وعلمت أوصاف الصدور الأول من علمه وورعه وسمته ونشرت الأيام من علومه ما لم يطو بل تطوى إليه المراحل ونقلت الأقلام من فنونه ما يروى فيروى به السمع الظامي ويخصب به الفكر الماحل وألفت الأقاليم من حكمه ما غدت به بين مسرور بإشراقه ومروع بفراقه فمن أقضية مسددة وأحكام مؤيدة وأقوال منزهة عن الهوى وأحوال صادرة عن زهادة محكمة القواعد ونزاهة مجتمعة القوى وإصابة دالة على ما وراءها من علم وورع وإجابة في الحق تحيا بها السنن وتموت البدع وشدة في الدين تصدع

في كل حكم بالحق وإن صدع وعدل لا يستلان جانبه وحزم لا يستنزل صاحبه ولا يستنزل راكبه وقوة في الحق تمنع المبطل من الإقدام عليه ولين في الله يفسح للحق مجال القول بين يديه ومجالس غدت بالعلم طيبة الأرج وفضائل يحدث فيها عن مواد فكره عن البحر ولا حرج وبدائع تضرب إلى استماعها أكباد الإبل وبدائه تهرم الأيام وعمر شبابها مقتبل
ولما كان المجلس العالي أدام الله نعمته هو الذي ورد على أبوابنا العالية ونور ولائه يسعى بين يديه وصدر الآن عنها وحلل آلائنا تضفو عليه وأقام في خدمتنا الشريفة معدودا في أكرم من بها قطن وعاد إلى الشام مجموعا له بين مضاعفة النعم والعود إلى الوطن وهو الذي تختال به المناقب وتختار فضله العواقب ويشرق قلمه بالفتاوى إشراق النهار وتغدق منافعه إغداق السحب بالأمطار وتحدق الطلبة به إحداق الكمامة بالثمر والهالات بالأقمار وهو شافي عي كل شافعي ودواء ألم كل ألمعي طالما جانب جنبه المضاجع سهادا وقطع الليل ثم استمده لمدد فتاويه مدادا وجمع بين المذهبين نظرا وتقليدا والمذهبين من القولين قديما وجديدا وسلك جميع الطرق إلى مذهب إمامه وملك حسانها فأسفر له كل وجه تغطى من أوراق الكتب بلثامه وانفتحت بفهمه للتصانيف أبواب شغلت القفال أقفالها ونفحت نفحات ما للماوردي مثالها ومنحت حللا يفخر الغزالي إذا نسج على منواله سربالها فلو أدركه الرافعي لشرح الوجيز من لفظه وأملى

أحكام المذاهب من حفظه وصدر المسائل بأقواله وأعد لكل سؤال وارد حجة من بحثه وبرهانا من جداله فله في العلم المرتقى الذي لا يدرك والمنتهى الذي لا ينازع في تفرده ولا يشرك والغاية التي أحرزها دون غيره فلولا المشقة لم تترك وهو الذي ما زال بهذه الرتبة مليا وبما عدق بذمته من أحكامها وفيا وبكل ما يرضي الخليقة عنه من أحوالها قائما وكان عند ربه مرضيا وبأعبائها مستقلا من حين منحه الله العلم ناشئا وآتاه الحكم صبيا وما برح تدعوه التقوى فيجيبها ويترك ما لا يريب تنزيها عما يريبها فكم فجر بالبلاد الشامية من علمه عيونا وغرس بها من أفنان فضله فنونا وكان لها خير جار ترك لها ما سواها وأكرم نزيل نوى بالوصول إليها مصلحة دينه فلم يضيع الله له نيته التي نواها وألف قواعد أهلها وعوائدهم وعرف بحسن اطلاعه ما جبل الله عليه غائبهم وشاهدهم وعدوه من النعم المقبلة عليهم واقتدوا في محبته بالذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ثم قدم إلى الديار المصرية وما كان قدومه إلا علينا ووفد إليها بحسن مودته ومحبته اللتين ما وفد بهما إلا إلينا فرأينا منه إماما لا يحكم في توليته الحكم بالهوى ولا ينوى في تقليده القضاء غير مصلحة المسلمين ولكل امرئ ما نوى وهو بحمد الله لم يزل بقواعد هذا المنصب خبيرا وبعوائد هذه الرتبة بصيرا وبإجرائها على أكمل السنن وأوضح السنن جديرا وبإمضاء حكم الله الذي يحقق إيجاد الحق فيه للأمة أنه من عند الله ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) مع ما تكملت به فضائله من الوقوف مع الحق المبين والتحلي بالورع المتين والتخلي للعبادة التي أصبح من اتصف بها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
فذلك رسم بالأمر الشريف الأشرفي الناصري لا زال علم العلم في

أيامه مرفوعا وألم الجهل بما خص الله به دولته من الأئمة الأعلام مدفوعا أن يفوض إلى المشار إليه قضاء القضاء الشافعية ونظر الأوقاف بدمشق المحروسة وأعمالها بالبلاد الشامية وما هو مضاف إلى ذلك من الصدقات والتداريس والتصدير وغير ذلك على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته ومعلومه
فليقابل هذا التقليد السعيد بيد زيد في الحق تمكنها وعلى الخير تمرنها وفي العدل انبساطها وفي أحكام الله تعالى بحسن المعاضدة على الحق قوتها واحتياطها وليمض على ما ألف من سيرته التي زان العلم أوصافها وزان الورع اتصافها وحلى العدل مفاخرها وأحيا التقى مآثرها وتناقلت رفاق الآفاق أحكامها واستصحبت من هدايا هداها ما تتحف به حكامها وفيما نعت من محاسنه ما يغني عن الوصايا المجددة والإشارات المرددة لكن الذكرى بتقوى الله تنفع المؤمنين وترفع المتقين وتجمع مصالح الدنيا والدين فليجعلها خلقه ما استطاع ولير حكمها هو الحكم المتبع وأمرها هو الأمر المطاع والاعتماد رابع عشر المحرم سنة خمس وسبعين وسبعمائة
قلت ولم أقف على تفويض لقاض من كتابة من تقدم سوى تفويض واحد من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله كتبه لقاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد عبد الله بالشام المحروس على مذهب الإمام الشافعي وهذه نسخته
الحمد لله على التمسك بشرائعه والتنسك بذرائعه والتوسل إلى الله بتأييد أحكام شارعه والتوصل به إلى دين يقطع به من الباطل أعناق مطامعه
نحمده حمدا يأخذ من الخير بمجامعه ويضاهي الغمام في عموم

منافعه ويباهي السيف بقلم الشرع في قهر عاصيه وحماية طائعه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تؤدي للإيمان أمانة ودائعه وتهدي إلى صيانة مشارعه وتقيم من العلماء كل شهاب تقسم الأنوار بلوامعه وتقسم الأبصار ببدائعه وتجول الفتاوى في صدره الفسيح وتتجول في شوارعه وترهف منهم للحكم العزيز كل قلم يدل السهم على مواقعه وينبه الرمح من مقاتل الأعداء على مواضعه ويسري غمامه إلى الأعداء بصواعقه وإلى الأولياء بهوامعه ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أسعد الأمة بطالعه وأصعد الأئمة في مطالعه وأسعف الملة بما أبقى الله فيها من حسن صنائعه ويمن طلائعه ومن شريعته التي أمن حبلها الممدود من جذب قاطعه وكفي شر قاطعه صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه صلاة تتوالى إليه توالي العذب إلى منابعه وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن الله لما أقامنا لحماية شرعه الشريف أن يستباح حماه أو يباح لأحد من حكامه أن يركب هواه أو يتعدى حدوده في سخطه أو رضاه أو يحدث في أمره ما ليس منه إلا أن يكون ردا على سواه جعلنا نجد على إقامة مناره أن يطمس وإدامة مباره أن يقلع منارها أو يبخس استدامة لتأبيس حكامه وتأييد أحكامه لأنه سحائب أنواء يعم الربيع ربوعها ومشكاة أنوار يكاثر الصباح لموعها وأفاويق وفاق تنيم به الأمة ضروعها وشجرة مباركة إسلامية زكت أصولها ونمت فروعها شكرا لله على ما خصنا به من تحصين ممالك الإسلام وتحسين مسالك دار السلام لنمنع المحن أن تسام وبروق الفتن أن تشام ووجوه الفتوى أن تتزين إلا بشامة الشام غبطة بأن الله جعل للإسلام منها ما هو خير وأبقى وأشرف وأتقى وأعظم بلد تتشعب بالمذاهب طرقا وتود المجرة لو وقفت بها على الشريعة نسقا تتزاحم في مركزها

الأعلام وتتضافر على الجهاد في الله بالجلاد والجدال تارة بالسيوف وتارة بالأقلام ودمشق حرسها الله هي أم ذلك الإقليم ومدده الذي يحنو على مشارعها حنو الوالدة على الفطيم وتنبت بها فوائد لا تأمن معها الغواني حتى تلمس جانب العقد النظيم وهي دار العلم ومدار الحكم وموطن علماء تتعاقب فيها كواكبهم وتتناوب سحائبهم وتتناهى إلى حكمها العزيز الشكوى وتنفصل بحكم حاكمها الدعوى ويمتد جناح طيلسانه على رضوى ويحلق البرق وراء فهمه ولا يبلغ غايته القصوى ويطول قلمه على السيف المشهر ويرفرف سجله على الشرع المطهر كم حلت في صدوره صدور وكم طلعت منهم شموس وبدور وكم حمدت منهم أمور عاقبة ولله عاقبة الأمور كم أداء درس بهم ذكر وكم أدب نفس شكر كم بهم مجد رسخ وجد لملة ممالاة نسخ كم أقضية لهم بالحق وصلت وقضية للحق فصلت ومهنة من غلبهم اللاحق حصلت كم سجل صاحب هذا المنصب حامل علمه المنشور ومصباح ديمه الحافلة على ممر الدهور بشرف مدرس علم يطلع من محرابه ونساك حلم يبدو بدره التمام خلف سحابه ومجلس إفادة انعقد عليه فيه الإجماع ومحفل سادة كان فيهم واسطة عقد الاجتماع
ولما تزلزلت قدم منابره وانتهك حجاب ضمائره واستزله الشيطان بكيده المتين وأضله على علمه المبين وسبق القلم الشرعي بما هو كائن ومضى الحكم القطعي بما هو من تصرفه بائن تردد الاختيار الشريف فيمن نحلي جيده بتقليدها ونؤهل يراعه لتسليم مقاليدها وصوبنا صواب النظر فيها مصرا وشاما واستشرفنا أعلاما وتيقنا لأقوى ما يكون لها قواما وابتكرنا أنه لا يصلح إلا من كان لحله المجد طرازا ويزيد العمل إليه اعتزاء والعلم به

اعتزازا إلى أن أجمع رأينا العالي على من لا ينكر ذو قدم ولا قدم ولا قلم أنه السابق ولا يجحد رب علم ولا عمل ولا علم أنه الباسق ولا يشك أن من فوائده يستمد المطر ومن توقد ذهنه يقدح زناد البارق ولا يرتاب البحر أن فرائده مايطوق العنق ويشنف الأذن ويتوج المفارق ولا يمارى في فضله الذي لو طلب له مثيل لم يصب ولو ادعى الكوكب الساري أنه له شبيه لمسه النصب أو تلفتت أعناق القنا إلى قلمه لأيقنت أنها كل على القضب وهو الذي أفنى عمره في تحصيل العلم اشتغالا وجد في الطلب لصالح العمل وإن تغالى وبقي فقيه قوم ما جد منهم مثله ماجد ولا جادت يد كريم منهم تمتد بما هو جائد ودرج أقرانه إلى الله وخلي دونهم شرعا لا يرد واردا وخلف بعدهم سهما في الكنانة واحدا
وكان المجلس العالي أدام الله تأييده هو الذي تختال به المناقب وتختار فضائله العواقب وتشرق بقلمه الفتاوى إشراق النهار وتغدق منافعه إغداق السحب بالأمطار وتحدق به الطلبة إحداق الكمامة بالثمر والهالات بالأقمار وهو شافي عي كل شافعي ودواء ألم كل ألمعي طالما جانب جنبه المضاجع سهادا وقطع الليل ثم استمده لمدد فتاويه مدادا وجمع بين المذهبين نظرا وتقليدا والمذهبين من القولين قديما وجديدا وسلك جميع الطرق إلى مذهب إمامه وملك حسانها فأسفر له كل وجه تغطى من أوراق الكتب بلثامه وانفتحت بفهمه للتصانيف أبواب شغلت القفال أقفالها ونفحت له نفحات ما للماوردي مثالها وسفحت ديم غزار يسقي المزني سجالها ومنحت حللا يفخر الغزالي إذا نسج على منواله سربالها
فرسم بالأمر الشريف لا زال يجدد ملابس فضله ويقلد كل عمل لصالح أهله أن يفوض إليه قضاء الشافعية بدمشق المحروسة وأعمالها وجندها وضواحيها وسائر الممالك الشامية المضافة إليها والمنسوبة لها

والمحسوبة فيها يولى ذلك ولاية صحيحة شرعية على عادة من تقدمه وقاعدته المرعية مع ما هو مضاف إلى من كان قبله من تدريس المدارس تفويضا لا ينافسه فيه منافس ولا يجالسه في درسه إلا من ارتضى من النجوم أن يجالس وأذنا له أن يستنيب عنه من لا يخجل عند الله ولا عندنا باستنابته ولا يداخله ظن في خلاص ذمته بإنابته إلى الله في نيابته على أنه يتفقد أعمالهم ويتصفح أحوالهم فمن نقل إليه ثقاته أنه على طريق مستقيم أقره وإلا صرفه ثم لا يكون له إلى عمله كرة وهو القائم بحجة الشرع الشريف وحجة الله عليه قائمة وعليه إن قصر والعياذ بالله في أموره تعود اللائمة وأنت تعلم أنا ما كنا نعرفك عيانا وإنما وصفت لنا حتى كأنا نراك وسمعت بما نحن عليه حتى كأنك ترانا فشيد لمن شيد لك شكرهم أركانا وأعلى ذكرهم لمجدك بنيانا وجعل لك قدرهم الجميل منا سلطانا وأقم بحسن سلوكك على ما قالوا فيك برهانا واعرف لهم حق معروفهم وجازهم عن حسن ظنهم بالحسنات إحسانا
ونحن نوصيك بوصايا تشهد لنا يوم القيامة عليك ببلاغها ويعترض منها في الحلوق شجا فأي الرجال يقدر على مساغها فإن قمت بها كان لنا ولك في الأجر اشتراك وإن أضعت حقوقها فالله يعلم أننا أخرجنا هذه الأمانة من عنقنا وقلدناك والله وملائكته بيننا وبينك شهود على ما أوليناك وما وليناك فعليك بتقوى الله في السر والإعلان والعمل بما تعلمه سواء رضي فلان أو سخط فلان والانتهاء إلى ما يقتضيه عموم المصالح وإمضاء كل أمر على ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه وكان عليه السلف الصالح وإقامة حدود الله ولا تتعد حدوده وقمع البدع لإظهار الحق لا لإثارة فتنة مقصودة فقد علمت ما أنكرته أنت وأمثالك من الأئمة العلماء على من تقدمك من تسرعه في مثل ذلك وتطلعه إلى مطالب سقط دونها في مهاوي المهالك فإياك إياك أن تتبع في هذا النحو سبله أو تنه عن خلق وتأتي مثله
والصدقات الحكمية على مادة المساكين وجادة الشاكين ففرقها على

حذف

أهلها واجمع لك الحسنات عند الله بتبديد شملها ولا تبق منها بقية تبقى معرضة لأكلها فلو أراد واقفوها رحمهم الله أنها تبقى مخزونة لما سمحوا ببذلها وبقية الأوقاف شارف في أمورها وشارك الواقفين رحمهم الله في أجورها وخص الأساري أحسن الله خلاصهم بمايصل به إحسانك إليهم ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم
والأيتام جبرهم الله منهم الطفل والمميز والمراهق ومن لم يملك رشده أو من يحتاج أن يبلغ في جواز التصرف أشده وكل هؤلاء فيهم من لا يعلم من يضره ممن ينفعه ولكن الله يعرفه وفي أعماله يرفعه فاجتهد أن تكون فيهم أبا برا وأن تتخذ فيهم عند الله أجرا وأن تعامل في بنيك بمثل ما عاملتهم إذا انقلبت إلى الدار الأخرى واحفظ أموالهم أن تنتهكها أجرة العمال وترجع في قراضها إلى ما يجحف برؤوس الأموال ومثل أعمالك المعروضة على الله في صحائفها المعروضة واحذر من المعاملة لهم إلا بفائدة ظاهرة ورهن مقبوضة
والجهات الدينية هي بضاعة حفظك ووداعة لحظك فلا تول كل جهة إلا من هو جامع لشرطها قائم بموازين قسطها
والشهود هم شهداء الحق وأمناء الخلق وعلى شهاداتهم تبنى الأحكام فإياك والبناء على غير أساس ثابت فإنه سريع الانهدام ومنهم من يشهد في قيمة المثل ويتعين أن يكون من أهل البلد الأمثل لأنه لا يعرف القيمة إلا من هو ذو سعة ممول ومنهم من أذن له في العقود فامنع منهم من تسهل بسبب من الأسباب وما تمهل إشفاقا لاختلاط الأنسال والأنساب يقبل بالتعريف ما يخلو من الموانع الشرعية من كان ولا يحسن في تزويجه يمسك إمساكا بمعروف ولا يسرح تسريحا بإحسان وهؤلاء مفاسدهم أكثر من أن

تحصى والبلاء بهم أكبر من أن يستقصر أو يستقصى فاعتبر أحوالهم اعتبارا جليا وفكر في استدراك فارطهم فكرا مليا ومن لم يكن له من العلم والدين ما يوضح له المشتبهات فإياك وتركه فرب معتقد أنه يطأ وطأ حلالا وقد أوقعه هذا ومثله في وطء الشبهات ومنهم من يعمد إلى التحليل ويرتكب منه محذورا غير قليل وهو بعينه نكاح المتعة الذي كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه النهي عنه وقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه محذرا منه فاحسم هذه المادة الردية التي تؤلم عضوا فيسري إلى سائر الأعضاء ألمها ويبقى في كثير من الذراري المولودة من هذه الأنكحة الفاسدة ثلمها
والرسل والوكلاء بمجلس الحكم العزيز ومن يلمزك في الصدقات وما نزل في أمور ما يريدون بها تقليد حكمك بل ما يقضون به الأوقات فلا تدع ممن تريد منهم إلا كل مشكور الطريق مشهور القصة بين الخصوم بطلب التوفيق
والمكاتيب هي سهامك النافذة وأحكامك المؤاخذة فسدد مراميها ولا تردفها ما عرض عليك من الأحكام حتى لا يسرع الدخول فيها والمحاضر هي محل التقوي فاجتهد فيها اجتهادا لا تذر معه ولا تبقى
وأما قضايا المتحاكمين إليك في شكاويهم والمحاكمين في دعاويهم فأنت بهم خبير ولهم ناقد بصير فإذا أتوك لتكشف بحكمك لأواءهم

فاحكم بينهم بما أراك الله ولا تتبع أهواءهم وقد فقهك الله في دينه وأوردك من موارد يقينه ما جعله لك نورا وجلاه لك سفورا وأقامه عليك سورا وعلمك ما لم تكن تعلم منه أمورا فإن أشكل عليك أمر فرده إلى كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أصحابه فإن لم تجد فعندك من العلماء من تجعل الأمر بينهم شورى ولأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاب كتبه إلى بعض القضاة فاعمل بمقتضاه واعلم بأن الله تعالى قد ارتضاك لخلقه فاعمل على رضاه
والأئمة العلماء هم إخوانك في الدين وأعوانك على ردع المبتدعين ولسانك في المحفل وجناحك إذا جلسوا ذات الشمال وذات اليمين فنزلهم منازلهم التي أحلهم الله في شرفاتها وبوأهم رفيع غرفاتها وتألف خواطرهم فإنك تنظر إلى كثير من الأمور في صفاء مصافاتها
ومن نسب إلى خرقة الفقر وأهل الصلاح هم أولياء الله المقربون وأحباؤه الأقربون فعظم حياتهم وجانب محاباتهم فما منهم وإن اختلفت أحوالهم إلا من هو على هدى مبين واحرص أن تكون لهم حبا يملا قلوبهم فإن الله ينظر إلى قوم من قلوب قوم آخرين
وانتصب للدروس التي تقدمت بها على وافد الطلبة فإن الكرم لا يمحقه الالتماس والمصباح لا يفني مقله كثرة الاقتباس والغمام لا ينقصه توالي المطر ولا يزيده طول الاحتباس والبحر لا يتغير عن حاله وهو لا يخلو عن الوراد في عدد الأنفاس

والوصايا كثيرة وإنما هذه نبذة جامعة وبارقة لامعة ومنك يستفاد بساط القول وانبساط الطول ولهذا يكتفى بما فيك والله تعالى يكفيك ويحصي حساب أعمالك الصالحة ليوفيك حتى تجد فلا يتخلف بك السير وتستعد ليختم لك بخاتمة الخير والاعتماد على الخط الشريف
قلت وهذه نسخة توقيع بقضاء أنشأته بدمشق للقاضي شرف الدين مسعود وهي
الحمد لله الذي شيد أحكام الشرع الشريف وزاد حكامه في أيامنا شرفا ورفع منار العلم على كل منار وبوأ أهله من جناب إحساننا غرفا وأباح دم من ألحد فيه عنادا أو وجه إليه طعنا وأوجب الانقياد إليه بقوله تعالى ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) وألهم الصواب في اختيار من لم يزل لهذه الرتبة معدا ومن رجالها معدودا وصرف وجه إقبالنا إلى من ارتضيناه للمسلمين حاكما فأصبح بنظرنا مسعودا
نحمده حمد من اعتنى بالقيام بشرائع الإسلام وتعظيم شعائره ونصح للرعية فيمن ولاه عليهم وأعطى منصب الشرع حقه بتقديم أكابره ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقضى لصاحبها بالنجاة من النار ويسجل لقائلها بالثبوت في ديوان الأبرار وأن محمدا عبده ورسوله الذي شرط الإيمان بالرضا بحكمه وأوجب طاعته أمرا ونهيا واستجابة وتحكيما فقال تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا

مما قضيت ويسلموا تسليما ) الذين نحن بسيرهم مهتدون وبآثارهم مقتدون وعلى آله وصحبه الغر الكرام الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون صلاة لا يختلف في فضلها اثنان ولا يتنازع في قبولها خصمان وسلم تسليما كثيرا
وبعد فلما كانت مرتبة الشرع الشريف هي أعلى المراتب ومنصب حكامه في الورى أرفع المناصب إليه تنتهي المخاصمات فيفصلها ثم لا تعدوه ويحكم فيه على الخصم فيذعن لحكمه ثم لا يشنوه بل يتفرق الخصمان وكل منهما بما قضي له وعليه راض ويقول المتمرد الجائر لحاكمه قد رضيت بحكمك فاقض في ما أنت قاض وناهيك برتبة كان النبي صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه هو المتصدي للقيام بواجبها والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم محافظين على أداء رواتبها ثم اختص بها العلماء الذين هم ورثة الأنبياء من الخليقة واستأثروا بها دون غيرهم من سائر الناس فهم أهلها على الحقيقة إذ لا يؤهل لهذه الرتبة إلا من ارتقى إلى درجات الكمال واتصف بأحسن الأوصاف واحتوى على أنفس الخصال وتضلع من العلم الشريف بما يرويه وفاق في العقل والنقل بما يبحثه ويرويه
ولما كان المجلس الفلاني هو عين هذه القلادة وواسطة عقدها وقطب دائرتها وملاك حلها وعقدها إذ هو شريح الزمان ذكرا وأبو حامد سيرة وأبو الطيب نشرا لا جرم ألبسته أيامنا الزاهرة من الحكم ثوبا جديدا وأفاض عليه إنعامنا نحلة نعقبها إن شاء الله تعالى مزيدا
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت الشريعة المطهرة بمناصرته في أعز

صوان وحكامها بمعاضدته في أعلى درجة وأرفع مكان أن يفوض إليه
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله لمثلها وليعمل بما يعلمه من أحكامها فهو ابن بجدتها والخبير بمسالك وعرها وسهلها فهو الحاكم الذي لا يساوى والإمام الذي يقتدى به في الأحكام والفتاوى فعليه بالتأني في الأحكام والتثبت فيما يصدر عنه من النقض والإبرام ولينظر في الأمر قبل الحكم المرة ثم الأخرى ويكرر النظر في ذلك ولو أقام شهرا ويراجع أهل العلم فيما وقف عليه ويشاورهم فما ندم من استشار ويقدم استخارة الله تعالى في سائر أموره فما خاب من استخار وليدر مع الحق كيف دار ويتبع الصواب أنى توجه ويقتفي أثره حيث سار وإذا ظهر له الحق قضى به ولو على ابنه وأبيه وأعز أصدقائه وأخص ذويه غير مفرق في فصل القضاء بين القوي والضعيف والوضيع والشريف ولا مميز في تنفيذ الحكم بين الغني والفقير والسوقة والأمير وليسوبين الخصوم حتى في تقسيم النظر إليهم كما في موقف الحكم وسماع الدعوى ورد الأجوبة فيما لهم وعليهم وليستخلف من النواب من حسنت لديه سيرته وحمدت عنده طريقته ويوص كلا منهم بما نوصيه به ويبالغ في تأكيد وصيته ويستحضر السر في قوله صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وليمعن النظر في أمر الشهود الذين تترتب على شهادتهم أمور الدنيا والفروج والأموال ويتفقد أمرهم في كل وقت ولا يغفل عنهم في حال من الأحوال ويحملهم من الطرائق على أحسن وجهها وأحقهم بإمعان النظر شهود القيمة والعمائر الذين يقطع بقولهم في أملاك الأيتام والأوقاف مما تنفر عنه القلوب وتنبو عنه الضمائر
والوكلاء والمتصرفون فهم قوم فضل عنهم الشر فباعوه واستحفظوا

الود فلم يرعوا حقه وأضاعوه فهم آفة أبواب القضاة بلا نزاع كيف وهم الضباع الضارية والذئاب الجياع وما تحت نظره من أوقاف المدارس والأسرى والصدقات وغيرها مما يقصد به واقفوه وجه البر وسبيل القربات يحسن النظر في وجوه مصارفها مع حفظ أحوالها الذي هو أغيا مراد واقفها
وأهل العلم أبناء جنسه الذين فيهم نشأ ومنهم نجم وجنده الذين يقصدونه بالفتاوى فيما قضى وحكم فليوفر لهم الإحسان ويصنع معهم من المعروف ما يبقى ذكره على ممر الأزمان ومثله لا يحتاج إلى كثرة الوصايا وثوقا بما عنده من العلم بالأحكام والمعرفة بالقضايا لكن عليه بتقوى الله ومراقبته يكن له مما يتبوءه ظهيرا ويسترشده في سائر أموره يجعل له من لدنه هاديا ونصيرا والله تعالى يبلغ واثق أمله من كرمنا مراما ويوطيء له المهاد ببلد حسنت مستقرا ومقاما إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية بالشام من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي تغمده الله برحمته وهي
الحمد لله جاعل المذاهب الشرعية في أيامنا الشريفة زاهية بأركانها الأربعة مستقرة على النظام الذي غدت به قواعد الحجة محكمة ومواقع الرحمة متسعة فإذا خلا ركن من مباشرة أقمنا من تكون القلوب على أولويته مجتمعة وانتقينا له من الأتقياء من تغدو به الأمة حيث كانت منتفعة واستدعينا إليه من تغدو الأدعية الصالحة لنا بتفويض الحكم إليه مرتفعة الذي خص مذهب إمام دار الهجرة بكل إمام هجر في التبحر فيه دواعي السكون

وبواعث الدعة وجمل منصب حكمه بمن كمل بعلوم الدين فخره فإذا حكم غدت الأقضية لحكمة منفذة وإذا قضى أضحت الأحكام لأقضيته متبعة
نحمده على نعمه التي جعلت مهم الشرع الشريف لدينا كالاستفهام الذي له صدر الكلام وبمثابة النية المقدمة حتى على تكبيرة الإحرام ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أثبت الإخلاص حكمها وأحكم الإيمان علمها وأبقى اليقين على صفحات الوجوه والوجود وسمها المشرق واسمها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أخذ الله ميثاق النبيين في الإقرار بفضله وأرسله ( بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) وخصه بالكتاب الذي أخرس الأمم عن مجاراته فلو ( اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ) صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين تمسكوا بسننه وسنته وأوضحوا شرعه الشريف لمن تلقاه بعدهم من أئمة أمته صلاة لا تزال بقاع الإيمان لأحكامها منبتة وأنواء الإيقان لأوامها مقلتة وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإنه لما كانت الأحكام الشرعية تتوقف على ملاحظة قضاء قضاتها في غالب الأمور وتستند إلى مراجعة أصول حكامها في أكثر مصالح الجمهور لم يكن بد من مراعاة أصولها التي إنما تنوب الفروع عنها وتدبر أحوال أحكام حكامها التي تنشأ أقضية النواب منها ولذلك لما أصبح منصب قضاء القضاة على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه بالشام المحروس لضعف مباشره الممتد في حكم الخالي وتعطل بعجزه المشتد مما ألف به قديما حال حكمه الحالي وتمادى ذلك إلى أن ترقى الناس منه إلى درجة اليقين وتناهى الحكم فيه إلى أن يعين أن يرتاد من يتعين لمثله من الأئمة المتقين لئلا يخلو

هذا المذهب من قاضي قضاة يقيم مناره ويديم أنواره ويرفع شعاره ويحيي مآثر إمامه وآثاره ويؤمن كمال أفقه أن يعاود سراره وكان المجلس السامي القاضوي الفخري هو الذي لا يعدوه الارتياد ولا يقف دونه الانتقاء والانقياد ولا تتجاوزه الإصابة في الاجتهاد لما عليه من علم جعله مخطوبا للمناصب وعمل تركه مطلوبا للمراتب التي لا تذعن لكل طالب وتقى أعاده مرتقيا لكل أفق لا يصلح له كل شارق وورع فتح له أبواب التلقي بالاستدعاء وإن لم تفتح لكل طارق وهو هجر الكرا في تحصيل مذهب إمام دار الهجرة إلى أن وصل إلى ما وصل وأنفق مدة عمره في اقتناء فوائده إلى أن حصل من الثروة بها على ما حصل فسارت فتاويه في الآفاق ونمت بركات فوائده التي أنفقها على الطلبة فزكت على الإنفاق اقتضت آراؤنا الشريفة أن نبقي فخر هذا المنصب الجليل بفخره وأن نخص هذا المذهب النبيل بذخره وأن نحلي جيده بمن نقلنا إلى وشام الوسام ما كان من حسن شنب العلم مختصا بثغره
فرسم بالأمر الشريف لا زال لأحكام الشرع مقيما وللنظر الشريف في عموم مصالح الإسلام وخصوصها مديما أن يفوض إليه لما تقدم من تعينه لذلك وتبين من أنه لحكم الأولوية بهذه الرتبة من مذهب الإمام مالك مالك
فليل هذه الوظيفة حاكما بما أراه الله من مذهبه مراعيا في مباشرتها حق الله في الحكم بين عباده وحق منصبه مجتهدا فيما تبرا به الذمة من الوقوف مع حكم الله في حالتي رضاه وغضبه واقفا في صفة القضاء على ما نص فيه من شروطه وأوضح من قواعده وشرح من أدبه ممضيا حقوق رسول الله صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه فيما

يقتضيه رأي إمامه متوجا الحكم بنصوصه المجمع عليها من أئمة مذهبه في نقض كل أمر وإبرامه جاريا في ذلك على قواعد أحكام هذا المذهب الذي كان مشرقا في ذلك الأفق بجماله وزينه واقفا في ذلك جميعه مع رضا الله تعالى فإنه في كل ما يأتي ويذر بعينه والله تعالى يسدده في قوله وعمله ويبلغه من رضاه نهاية سوله وغاية أمله بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة كتب بها للقاضي علاء الدين منجى التنوخي وهي
الحمد لله الذي رفع بعلاء الدين قضاء قضاته وأوضح الهدى في القيام في توليتهم بمفترضاته وأعلى منار الشرع بما أوقفهم عليه من أحكامه ووفقهم له من مرضاته
نحمده حمدا نستعيد من بركاته ونستعيذ به أن نضل في ضوء مشكاته ونستعين عليه برب كل حكم يمدنا قلبه بسكونه وقلمه بحركاته ويثبت من جميل محضره لدينا ما يرفع مس شكاته ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يستودع إخلاصها في قلوب تقاته وتفوض أحكامها إلى ثقاته ويحمى سرحها من أبطال الجلاد والجدال بكل مشتاق إلى ملاقاته ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من حكم بما أنزل الله من آياته وجاهد في الله برأيه وراياته وشرع من الدين ما ينجي المتمسك به من غواياته صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين أقام شرعه منهم بكماته وجعل حكمهم دائم النفوذ أبدا بأقلام علمائه وسيوف حماته وسلم تسليما كثيرا
وبعد فمنصب الحكم الذي به تفصل الأمور وتنفرج له الصدور وتتسدد أقلام حكامه سهاما وتفيض غماما وتتعلم منه الأسود زئيرا ويطول السيف صليلا والرمح صريرا وتنتصب بين يدي حكامه الأقدام وتنتصف على

أحكامه الخصام وتنكس الرؤوس لهيبته إطراقا وتغض المقل فما تدير جفونا ولا تقلب أحداقا ويجري بتصريفه قلم القضاء ويجاري مرهفه البروق فتقر له بالمضاء وقد شيد الله مبانيه في ممالكنا الشريفة مصرا وشاما على أربعة أركان وجمع في قضائه الأئمة الأربعة لتكمل بهم فصول الزمان ومذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه هو بالسنة النبوية الطراز المذهب وطريقة السلف الصالح في كل مذهب وقد تجنب من سلف من علمائه التأويل في كثير ووقف مع الكتاب والسنة وكل منهما هو المصباح المنير
وكانت دمشق المحروسة هي مدار قطبهم ومطلع شموسهم ونجومهم وشهبهم وأهلها كثيرا ما يحتاجون إلى حاكم هذا المذهب في غالب عقد كل بيع وإيجار ومزارعة في غلال ومساقاة في ثمار ومصالحة في جوائح سماوية لا ضرر فيها ولا ضرار وتزويج كل مملوك أذن له سيده بحرة كريمة واشتراط في عقد بأن تكون الامرأة في بلدها مقيمة وفسخ إن غاب زوجها ولم يترك لها نفقة ولا أطلق سراحها وبيع أوقاف داثرة لا يجد أرباب الوقف نفعا بها ولا يستطيعون إصلاحها
فلما استأثر الله بمن كان قد تكمل هذا المنصب الشريف بشرفه وتجمل منه ببقية سلفه حصل الفكر الشريف فيمن نقلده هذه الأمانة في عنقه ونهنيء هذا المنصب بطلوع هلاله في أفقه إلى أن ترجح في آرائنا العالية المرجح

المرجى وتعين واحدا لما ابتلى الناس بالقضاء كان المنجى ابن المنجى طالما تطرزت له الفتاوى بالأقلام والتفت به حلقة إمام وخاف في طلب العلم من مضايقة الليالي فما نام اقتضى حسن الرأي الشريف أن يفوض إليه قضاء القضاة بالشام المحروسة على مذهب الإمام الرباني أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه
فليحكم في ذلك بما أراه الله من علمه وآتاه من حكمه وبينه له من سبل الهدى وعينه لبصيرته من سنن نبيه صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه التي من حاد عنها فقد جار واعتدى ولينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صح نقله عن إمامه وأصحابه من كان منهم في زمانه ومن تخلف عن أيامه وقد كان رحمه الله إمام حق نهض وقد قعد الناس تلك المدة وقام نوبة المحنة وقام سيد تيم رضي الله عنه نوبة الردة ولم تهب به زعازع المريسي وقد هبت مريسا ولا ابن أبي دواد وقد جمع كل ذود وساق له من كل قطر عيسا ولا نكث عهد ما قدم إليه المأمون في وصية أخيه من المواثق ولا روعه صوت المعتصم ود صب عليه عذابه ولا سيف الواثق فليقف على أثره وليقف بمسنده على

مذهبه كله أو أكثره وليقض بمفرداته وما اختاره أصحابه الأخيار وليقلدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار وليحترز لدينه في بيع ما دثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله والاستبدال بما فيه المصلحة لأهله والفسخ على من غاب مدة يسوغ في مثلها الفسخ وترك زوجة لم يترك لها نفقة وخلاها وهي مع بقائها في زوجيته كالمعلقة وإطلاق سراحها لتتزوج بعد ثبوت الفسخ بشروطه التي يبقى حكمها به حكم المطلقة وفيما يمنع مضارة الجار وما تفرع على قوله صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه لا ضرر ولا ضرار وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه وطلعت به أهلة علماء لولاهم لما جلا الزمان جنح غيهبه وكذلك الجوائح التي يخفف بها عن الضعفاء وإن كان لا يرى بها الإلزام ولا تجري إلا مجرى المصالحة دليل الالتزام وكذلك المعاملة التي لولا الرخصة عندهم فيها لما أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض ولا أخذ قسم الغلال والمعامل هو الذي يزرع البذر ويحرث الأرض وغير ذلك مما هو محيط بمفرداته التي هي للرفق جامعة وللرعايا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة وإذا استقرت الأصول كانت الفروع لها تابعة والخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى
المرتبة الثانية من تواقيع الوظائف الدينية بدمشق ما يكتب في قطع الثلث مفتتحا بالحمد لله إن علت رتبة المتولي أو بأما بعد حمد الله إن انحطت رتبته عن ذلك بالمجلس السامي وفيها وظائف
الوظيفة الأولى قضاء العسكر وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة كما بالديار المصرية
الوظيفة الثانية إفتاء دار العدل بدمشق وبها أربعة من كل مذهب

واحد كما بالديار المصرية
الوظيفة الثالثة الحسبة
وهذه نسخة توقيع بالحسبة الشريفة
الحمد لله مجدد النعم في دولتنا الشريفة لمن ضفت عليه ملابسها ومضاعف المنن في أيامنا الزاهرة لمن سمت به نفائسها ومولي الآلآء لمن بسق غرسها لديه فزهت بجماله ثمراتها وزكت مغارسها
نحمده على نعمه التي تؤنس بالشكر أوانسها وتؤسس على التقوى مجالسها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة استضاء بنور الإيمان قابسها واجتنى ثمر الهدى غارسها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من أشرقت به معالم التوحيد فعمر دارسها وأشرق دامسها صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين قلوبهم مشاهد الذكر وألسنتهم مدارسها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من أمضى له ما كان به أمر ورسم وجدد له من المناصب الدينية ما عرف به من قبل ووسم وأثبت لترقيه ما حتم له به من المراتب السنية بمقتضى الاستحقاق وحكم من رقمت أوامرنا له حلة منصب يجددها الإحسان وأمرت له مراسمنا بوظيفة تؤكد عوارفنا الحسان وأثلت له نعمنا منصبا أعد له من كمال الأهلية أكمل ما يعده لذلك الإنسان
ولما كان فلان هو الذي تحلى من إحساننا بما يأمن معه سعيد رتبته من العطل واتسم من برنا وامتناننا بما هو في حكم المستقر له وإن ألوى به الدهر ومطل اقتضى إحساننا أن نجدد له مواقع النعم ونشيد من رجائه مواضع ما شمله من البر والكرم ونري من عدق بنا رجاء أمله أننا نتعاهد سقيا

آمال الأولياء والخدم
فلذلك رسم لا زال بره شاملا وبدره في أفق الإحسان كاملا أن يفوض إليه نظر الحسبة ويستمر في ذلك على حكم التوقيع الشريف الذي بيده لما سبق من اختياره لذلك واصطفائه وادخاره لهذا المنصب من كفاة أعيانه وأعيان أكفائه ولما تحلى به من رياسة زانته عقودها وتكمل له من أصالة ضفت عليه حبرها وسمت به برودها وتجمل به من نزاهة أشرقت في أفق صعودها إلى الرتبة الجليلة سعودها واتصف به من كمال معرفة نجزت له به من مطالب المناصب وعودها
فليباشر ذلك معطيا هذه الوظيفة من حسن النظر حقها محققا بجميل تصرفه تقدم أولويته وسبقها وليكن لأمر الأقوات ملاحظا وعلى منع ذوي الغدر من الاحتكار المضيق على الضعفاء محافظا وعلى الغش في الأقوات مؤدبا ولإجراء الموازين على حكم القسط مرتبا ولمن يرفع الأسعار لغير سبب رادعا ولمن لا يزعه الكلام من المطففين بالتأديب وازعا ولقيم الأشياء محررا ولقانون الجودة في المزروع والموزون مقررا ولذوي الهيئات بلزوم شرائط المروءة آخذا وعلى ترك الجمع والجماعات لعامة الناس مؤاخذا ولتقوى الله تعالى في كل أمر مقدما وبما يخلصه من الله تعالى لكل ما تقع به المعاملات بين الناس مقوما وفي خصائص نفسه ما يغنيه عن تأكيد الوصايا وتكرار الحث على تقوى الله تعالى التي هي أشرف المزايا فليجعلها شعار نفسه ونجي أنسه ومسدد أحواله التي تظهر بها مزية يومه على أمسه والخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه

وهذه نسخة توقيع بنظر الحسبة الشريفة من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله مضافا إلى نظر أوقاف الملوك وهي
الحمد لله مثيب من احتسب ومجيب المنيب فيما أكتسب
نحمده حمدا رسب الأدب صرب الطرب ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ظاهرة الحسب طاهرة النسب ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من انتدى وانتدب وأدب أمته فأحسن الأدب صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه صلاة يكتتم أجرها فيكتتب ويستتم بها كل صلاح ويغتنم بها كلا فلاح وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن الحسبة الشريفة هي قانون جواد الأوضاع ومضمون مواد الإجماع تجمع إلى الشريعة الشريفة سياسة يرهب جدها ويرهف حدها وتخشى الرعايا سطوات مباشرها وتتنحى عما تصبه سيول بوادرها وأصحابها الآلة التي هي أخت السيف في التأثير ولكل منهما سطوة تخاف لا فرق بينهما إلا ما بين التأنيث والتذكير وله التصرف المطلق والتعرف الذي يفتح من الحوانيب على أربابها كل باب مغلق ولركوبه في المدينة زينة يحشر لها الناس ضحى ورهبة يغدو بها كل أمين لشأنه مصلحا وإليه الرجوع في كل تقويم وهو المرجو في كل أمر عظيم وهي بدمشق حرسها الله تعالى من أجل المناصب التي تتعلق عو اليها بيد متوليها وتؤمل منازل البدور وإن ربها ترجع إلى تصريفه أزمة الأمور وينتجع سحابه الهطل غمامة الجمهور وتحيا به سنة عمرية لولاها لضاقت رحاب المعاملات وضاعت بالغش المعايش

المتداخلات وظهر الغبن في غالب ما يشرى ويباع وانتشر التطفيف الذي يزيل راجحة الميزان ونو الزراع ولكل ناب بحسن تدبيره عن الغمام ونظر في الدقيق والجليل للخاص والعام طالما انحط به سعر غلا أن يقوم ووجد من الأقوات صنف لا يوجد ولو بذل من الشمس دينار والبدر درهم
وكان المجلس السامي القضائي الأجلي الكبيري والصدري الرئيسي العالمي الكافلي الفاضلي الأوحدي الأثيري الماجدي الأصيلي العمادي مجد الإسلام شرف الرؤساء بهاء الأنام جمال الصدور فخر الأعيان خالصة الدولة صفوة الملوك والسلاطين أدام الله علوه هو الذي ربته السيادة على وسادها ولبته السعادة إلى مرادها وبنت العلياء قواعدها على عماده وثنت المراتب أعناقها متشوفة إلى حسن اعتماده وباشر الجامع المعمور خصوصا والأوقاف الشامية عموما فعمرها وكثر أعدادها وأنمى من بركات نظره متحصلاتها وثمرها وشيد في كل منها مواطن عبادة وملتقى حلقة ومدار سبحة ومفرش سجادة وأبى الله أن يقاس به أحد والجامع الفاروق وللذين أحسنوا الحسنى وزيادة فأوجب له جميل نظرنا أن نضاعف له الأجر في كل عمل إليه ينتسب ونزيده في رزقه سعة من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب فرأينا أنه أحق أن يقلد من أمور الحسبة الشريفة حكمها المصرف وحكمها المعرف ويقام فيها بهدي من تقدمه في تقرير أمورها على أثبت القواعد وتقدير مصالحها على أجمل ما جرت به العوائد ويطهر أقواتها من الدنس فيما يحضر على الموائد وإخافة الأعناق من مضاربه التي تقطع ما غفا السيف عنه من مناط القلائد
فرسم بالأمر الشريف العالي لا زالت بمراسيمه تتلقى كل رتبة وتتوقى

الدنايا بمن يقوم بالحسبة أن يفوض إليه النظر على الحسبة الشريفة بدمشق وما معها من الممالك الشامية المضافة إليها بالمعلوم المستقر الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت مضافا إلى ما هو بيده من نظر الأوقاف المبرورة بالشام وأوقاف الملوك خلا نظر الجامع المعمور إلى آخر وقت بحكم إفراده لمن عين له تفويضا يضمه إلى ربائب كنفه ويعمه بمواهب شرفه ويحله في أعلى غرفه ويحليه بما يحسد الدر ما رمى من صدفه
فاتق الله في أحوالك وانتق من يجمع عليه من النواب في أعمالك وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فمنك المنكر لا يعرف والمعروف منك لا ينكر واعتبر أحوال أرباب المعايش اعتبارا يصلح للناس أقواتهم ويرغد أوقاتهم ولا تدع صاحب سلعة يتعدى إلى غير ما أحله الله له من المكاسب ولا صاحب معيشة يقدم على تخلل خلل في المآكل والمشارب واقصد التسوية بالحق فإنه سواء فيه البائع والمشتري ولا فرق بين الرخيص والثمين وأقم الموازين بالقسط حتى لا تتمكن كفاتها أن تتحامل ولا تتحمل ولا يستطيع قلبها أن يميل مع من يتمول ولا يقدر لسانها أن يكتم الشهادة بالحق وإن كان مثقال حبة من خردل واجعل لك على أهل المبايعات حفظة لتظل أعمالهم لك تنسخ وتفقد الأسواق مما يتولد فيها من المفاسد فإن الشيطان ربما باض في الأسواق وفرخ وأرباب الصنائع فيهم من يدلس وفقهاء المكاتب منهم من لعرضه يدنس والقصاص غالبهم يتعمد الكذب في قصصه وأهل النجامة كم منهم من لعب مرة بعقل امرأة وأمات رجلا بغصصه وآخرون ممن تضل بهم العقول وتظل حائرة فيهم النقول وكثير ممن سوى هؤلاء يدك مبسوطة عليهم وأحكامك محيطة بهم من خلفهم وبين يديهم فقوم منهم من مال وقلد مالكا رضي الله عنه فيما رآه من المعاقبة تارة بإنهاك الجسد وتارة بإفساد المال فربما

أطغى الغنى والمصباح فربما قطب وثم من لا يستقيم حتى يؤدب ومن لا يلم على شعث وأي الرجال المهذب وفيك من الألمعية نور باهر وكوكب زاهر فلا حاجة إلى أن تلقي الوصايا أقلامها أيها يكفلك ولا تنبهك على زينة العفاف فيها وهو حللك والله تعالى يوفق اعتمادك ويوفر من التقوى زادك والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
الوظيفة الرابعة وكالة بيت المال المعمور
وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال من إنشاء القاضي تاج الدين البارنباري للقاضي نجم الدين أبي الطيب
الحمد لله الذي جعل الطيبات للطيبين وهدى بالنجم المنير السبيل المبين وعدق بأئمة الدين مصالح المسلمين وآتانا بتفويضنا إليه وتوكلنا عليه شرفا في الشأن وقوة في اليقين
نحمده على أن أعان بخيره وهو خير معين ونشكره على أن بصرنا في الإرادات بالملائكة المقربين ونصرنا في الولايات بالقوي الأمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أنوارها في القلب مشرقة على

الصفحات والجبين وأذكارها على اللسان جعلت الإنسان من صالح المؤمنين ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله هادي المهتدين وموضح شرعة الإحسان للمحسنين وأبو الطيب وأبو القاسم كني بأولاده المطهرين صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين منهم من كان من السابقين الأولين ومنهم من كان مهيبا للكفر يهين ومنهم من تزوج بابنتي الرسول ولم يتفق ذلك لغيره من سالف السنين ومنهم من كان الخير ملء يديه فشمول البركة بشماله وذو الفقار في اليمين وسلم تسليما كثيرا
وبعد فأكرم التفويض ما صادف محلا وأبرك الولايات ما وجد قدرا معلى وأحسن الإحسان ما أصبح به الحال محلى وأسنى الأنجم ما أشرق في مطلعه وتجلى وأحق الولاة بإعلاء منصبه من أقبلت عليه وجوه الإقبال حين تولى وأولى الولايات بإجمال النظر وإمعانه في تشييد شانه وتمكين مكانته ومكانه وحفظ حوزته من سائر أركانه وكالة بيت المال المعمور التي بها تصان الأرض المقيسة ومنها تستبصر الآراء الرئيسة وبها يؤمن الاستيلاء على المحال والأبنية من كل جائر وبها تزاد قيم المبيعات مما هو لبيت المال ما بين عامر وداثر وإلى متوليها تأتي الرغبات ممن يبتاع أرضا وبه تمضى المصالح وتقضى وبه يظهر التمييز في الثمن الأرضى وهي في الشام فخيمة المقدار كريمة الآثار مرضية بالربح في كل أرض بينة المصالح في كل بناء دائرة بالنجح في كل دار فلا يشيم برقها ويتوج فرقها ويوفيها حقها إلا من له علم وتبصرة وعرفان أوضح الطريق وأظهره وحسن رأي فيما

آثره وأثره وصدارة ورد بها منهل الكرام البررة
وكان فلان هو ذو السودد العريق والباسق في الدوح الوريق والمنتسب إلى أعز فريق والطيب أصلا وفرعا على التحقيق والإمام في علومه التي أصلت التفريع ووصلت التفريق والموفق فيما يأتي ويذر والله ولي التوفيق قد أشرق بدمشق نجمه نورا وابتسم البرق الشامي به سرورا وتصدر بمحافلها فشرح صدورا وابتنى له سؤددا وجعل مكارم الأخلاق عليه سورا تلقى بمحضره المسائل فتلقى منه وليا مرشدا وتذكر لديه المباحث فتجد على ذهنه المتوقد هدى وإذا اضطرب قول مشكل سكن بإبانته وهدا إن تأول أصاب في تأويله وإن نظر في مصلحة كان رأيه في السداد موافقا لقيله وقد استخرنا الله تعالى وهو نعم الوكيل في توكيله
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه
فليأت هذا المنصب المنصب وبل بركته من بابه وليخيم في فسيح رحابه ولينعم بجناته في جنابه وليحرر ما يباع من أملاك بيت المال بشروطه ولوازمه المسطورة في كتابه وليردع من استولى على أرض باغتصابه فليس لعرق ظالم حق وهو إما بناء بإنشائه وإما غراس بإنشابه وما يرتجع إلى بيت المال المعمور من أرض وعقار وروضات ذات غراس وأنهار وقرى وما يضاف إلى ذلك من آثار فليحرر مجموعه وليسلك في ذلك الطريقة المشروعة وليشفق إشفاق المتقين الماهدين لمآلهم ولينصح لنا وللمسلمين فهو وكيل بيت مالهم ومن مات ولا وارث له من عصبة أو كلالة فإن لبيت المال أرضه وداره وماله

وقد وكلنا إليك هذا التقليد وقلدناك هذه الوكالة ووالدك رحمه الله كانت مفوضة إليه قديما فلذلك أحيينا بك تلك الأصالة
واعلم أعزك الله أن الوصايا إن طالت فقد طاب سبحها وإن أوجزت فقد كفى لمعها ولمحها وعلى الأمرين فقد أنارها هنا بالتوفيق صبحها وحسن بالتصديق شرحها وأطرب من حمام أقلامها صدحها والتقوى فهي أولها وآخرها وختمها وفتحها والله تعالى يسقي بك كل قضبة ذوى صيحها والخير يكون إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع شريف بوكالة بيت المال بالشأم أيضا
الحمد لله كافي من توكل عليه ومحسن مآل من فوض أمره إليه ومجمل مآب من قدم رجاءنا عند الهجرة إلى أبوابنا بين يديه ومقر عين من أسهر في استمطار عوارفنا بكمال الأدوات ناظريه
نحمده على نعمه التي جعلت سعي من أم كرمنا مشكورا وسعد من قصد حرمنا مشهورا وإقبال من أقبل إلى أبوابنا العالية محققا يتقلب في نعمنا محبورا وينقلب إلى أهله مسرورا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعتضد فيها بالإخلاص ونعتصم ونتمسك في الدنيا والآخرة بعروتها التي لا تنفصم ونوكل في إقامة دعوتها سيوفنا التي لا تزال هي وأعناق جاحديها تختصم ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أضاءت شريعته فلم تخف على ذي نظر وأنارت ملته فأبصرها القلب قبل البصر وعمت دعوته فاستوى في وجوب إجابتها البشر واختصت أمته بعلماء يبصرون من في طرفه عمى ويظهرون حق من في باعه قصر صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين عملوا بما

علموا وعدلوا فيما حكموا وحفظوا بالحق بيوت أموال الأمة فاشترك أهل الملة فيما غنموا صلاة توكل الإخلاص بإقامتها وتكفل الإيمان بإدامتها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أهم ما صرفت إليه الهمم وأعم ما نوجب في اختيار الأكفاء له براءة الذمم وأخص ما اتخذنا الاستخارة فيه دليلا وأحق ما أقمنا عنا فيه من أعيان الأمة وكيلا لا يدع حقا للأمة ما وجد إليه سبيلا أمر بيت مال المسلمين الذي هو مادة جهادهم وجادة جلادهم وسبب استطاعتهم وطريق إخلاصهم في طاعتهم وسداد ثغورهم وصلاح جمهورهم وجماع ما فيه إتقان أحوالهم واستقرار أمورهم ومن آكد مصالحه وأهمها وأخص قواعده وأعمها وأكمل أسباب وفوره وأتمها الوكالة التي تصون حقوقه أن تضاع وتمنع خواصه أن تشاع وتحسن عن الأمة في حفظ أموالها المناب وتتولى لكل من المسلمين فيما فرض الله لهم الدعوى والجواب ولذلك لم نزل نتخير لها من ذخائر العلماء من زان الورع سجاياه وكمل العلم مزاياه وانعقد الإجماع على كماله وقصرت الأطماع عن التحلي بجمال علمه وهل يبارى من كان علمه من جماله
ولما كان المجلس السامي الشيخي الفلاني هو الذي ظهرت فضائله وعلومه ودل على بلوغ الغاية منطوق نعته ومفهومه وحلى علمه بالورع الذي هو كمال الدين على الحقيقة وسلك طريقة أبيه في التفرد بالفضائل فكان بحكم الإرث من غير خلاف صاحب تلك الطريقة مع نسب لنسيب ما مر حلاله وتقى ما ورثه أبيه عن كلاله وثبات في ثبوت الحق لا تستفزه الأغراض وأناة في قبول الحكم لا تحيل جواهره الأعراض ووقوف مع الحق لا يبعده إلى ما لا يجب وبسطة في العلم بها يقبل ما يقبل ويجتنب ما

يجتنب وتحقيق تجري الدعاوى الشرعية على محجته وإنصاف لا يضر خصمه معه كونه ألحن منه بحجته مع وفادة إلى أبوابنا العالية تقاضت له كرمنا الجم وفضلنا الذي خص وعم اقتضت آراؤنا الشريفة أن يرجع إلى وطنه مشمولا بالنعم مخصوصا من هذه الرتبة بالغاية التي يكبو دونها جواد الهمم منصوصا على رفعة قدره التي جاءت هذه الوظيفة على قدر مداوما لشكر أبوابنا على اختياره لها بعد إمعان الاختبار وإنعام النظر
فرسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه وكالة بيت المال المعمور بالشام المحروس
فليرق هذه الرتبة التي هي من أجل ما يرتقى ويتلق هذه الوكالة التي مدار أمرها على التقى وهو خير ما ينتقى ويباشر هذه الوظيفة التي مناط حكمها في الورى الذي لا تستخف صاحبه الأهواء ولا تستفزه الرقى ولينهض بأعبائها مستقلا بمصالحها متصديا لمجالس حكمها العزيز لتحرير حقوق بيت المال وتحقيقها متلقيا ما يرد من أمر الدعاوى الشرعية التي يبت مثلها في وجهه بطريقها منقبا عن دوافع ما يثبت له وعليه محسنا عن بيت المال الوكالة فيما جره الإرث الشرعي إليه مستظهرا في المعاقدة بما جرت به العادة من وجوه الاحتراز مجانبا جانب الحيف في الأخذ والعطاء بأبواب الرخص وأسباب الجواز منكبا في تشدده عن طريق الظلم الذي من تحلى به كان عاطلا سالكا في أموره جادة العدل فإنه سيان من ترك حقه وأخذ باطلا مجتهدا في تحقيق ما وضح من الحقوق الشرعية وكمن متتبعا ما غالت الأيام في إخفائه فإن الحق لا يضيع بقدم العهد ولا يبطل بطول الزمن
وفي أوصافه الحسنة وسجاياه التي غدت بها أقلام أيامنا لسنة وعلومه التي أسرت إليها أفكاره والعيون وسنة ما يغني عن وصايا يطلق عنان اليراعة

في تحديدها أو قضايا ينطق لسان البراعة في توكيدها ملاكها تقوى الله وهي سجية نفسه ونجية أنسه وحلية خلاله المعروفة في يومه وأمسه فليقدمها في كل أمر ويقف عند رضا الله فيها لا رضا زيد ولا عمرو والله الموفق بمنه وكرمه
الوظيفة الخامسة الخطابة
وهذه نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي كتب بها لزين الدين الفارقي من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
الحمد لله رافع الذين أوتوا العلم درجات وجاعل أرجاء المنابر بفضائل أئمة الأمة أرجات وشارح الصدور بذكره بعد أن كانت من قبل المواعظ حرجات الذي زان الدين من العلماء بمن سلمت له فيه الإمامة وصان العلم من الأئمة المتقين بمن أصحب له جامح الفضل يصرف كيف شاء زمامه ووطد ذروة المنبر الكريم لمن يحفظ في هداية الأمة حقه ويرعى في البداية بنفسه ذمامه ووطأ صدر المحراب المنير لمن إذا أم الأمة أرته خشية الله أن وجه الله الكريم أمامه
نحمده على ما منحنا من صون صهوات المنابر إلا عن فرسانها وحفظ درجات العلم إلا عمن ينظر بإنسان السنة وينطق بلسانها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال أفواه المحابر تثبت طروسها وأنواء المنابر تنبت غروسها وألسنة الإخلاص تلقي على المسامع من صحف الضمائر دروسها ونشهد أن محمد عبده ورسوله الذي شرفت المنابر أولا برقيه إليها وآخرا بذكر اسمه الكريم عليها فهي الرتبة التي يزيد تبصرة على ممر الدهور

بقاؤها والدرجة التي يطول إلا على ورثة علمه ارتقاؤها صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين ذكرهم بأيام الله فذكروها وبصرهم بآلاء الله فشكروها وعرفهم بمواقع وحدانيته فجادلوا بسنته وأسنته الذين أنكروها صلاة لا تبرح لها الأرض مسجدا ولا يزال ذكرها مغيرا في الآفاق ومنجدا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإنه لما كانت الخطابة من أشهر شعائر الإسلام واظهر شعار ملة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه شرعها الله تعالى لإذكار خلقه بنعمه وتحذير عباده من نقمه وإعلام بريته بما أعد لمن أطاعه في دار كرامته من أنواع كرمه وجعلها من وظائف الأمة العامة ومن قواعد وراثة النبوة التامة يقف المتلبس بها موقف الإبلاغ عن الله لعباده ويقوم الناهض بفرضها مقام المؤدي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه إلى أمته عن مراد الله ورسوله دون مراده ويقيمها في فروض الكفايات على سنن سبله ويستنزل بها مواد الرحمة إذا ضن الغيث على الأرض بوبله وكان المسجد الجامع بدمشق المحروسة هو الذي سارت بذكره الأمثال وقيل هذا من أفراد الدهر التي وضعت على غير مثال قد تعين أن نرتاد له بحكم خلوه من الأئمة من هو مثله فرد الآفاق وواحد العصر عند الإطلاق وإمام علماء زمانه غير مدافع عن ذلك وعلامة أئمة أوانه الذي يضيء بنور فتاويه ليل الشك الحالك وناصر السنة الذي تذب علومه عنها وحاوي ذخائر الفضائل التي تنمي على كثرة إنفاقه على الطلبة منها وشيخ الدنيا الذي يعقد على فضله بالخناصر ورحلة الأقطار الذي غدت نسبته إلى أنواع العلوم زاكية الأحساب طاهرة الأواصر وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل وناسك الدهر الذي صان الورع بامتداد الفضائل وقصر الأمل والعابد الذي أصبح حجة العارف وقدوة السالك والصادع بالحق الذي لا يبالي من أغضب

إذا رضي الله ورسوله بذلك
ولما كان فلان هو الذي خطبته لهذه الخطابة علومه التي لا تسامى ولا تسام وعينته لهذه الإمامة فضائله التي حسنت بها وجوه العلم الوسام حتى كأنها في فم الزمن ابتسام وألقى إليه مقاليدها كماله الذي صد عنها الخطاب وسد دونها أبواب الخطاب وقيل هذا الإمام الشافعي أولى بهذا المنبر وأحرى بهذا المحراب اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلي أعطاف هذا المنبر بفضله الذي يعيد عوده رطيبا ويضمخ طيبا منه ما ضم خطيبا وأن نصدر بهذا المحراب من نعلم أنه لدى الأمة مناج لربه واقف بين يدي من يحول بين المرء وقلبه
فذلك رسم لا زال يولي الرتب الحسان ويجري بما أمر الله به من العدل والإحسان أن تفوض إليه الخطابة والإمامة بجامع دمشق المحروس على عادة من تقدمه
فليرق هذه الرتبة التي أمطاه الله ذروتها وأعطاه الفضل صهوتها وعينه تفرده بالفضائل لإذكار الأمة عليها ورجحه لها انعقاد الإجماع على فضله حتى كادت للشوق أن تسعى إليه لو لم يسع إليها حتى تختال منه بإمام لا تعدو مواعظه حبات القلوب لأنها تخرج من مثلها ولا تدع خطبه أثرا للذنوب لأنها توكل ماء العيون بغسلها ولا تبقي نصائحه للدنيا عند المغتر بها قدرا لأنها تبصره بخداعها ولا تترك بلاغته للمقصر عن التوبة عذرا فإنها تحذره من سرعة زوال الحياة وانقطاعها ولا تجعل فوائده لذوي النجدة والبأس التفاتا إلى أهل ولا ولد لأنها تبشره بما أعد الله لمن خرج في سبيله ولا تمكن زواجره من نشر الظلم أن يمد إليه يدا لأنها تخبره بما في الإقدام على ذلك من إغضاب الله ورسوله
فليطل مع قصر الخطبة للظالم مجال زجره وليطب قلب العالم العامل بوصف ما أعد الله له من أجره وليجعل خطبه كل وقت مقصورة على

حكمه مقصودة في وضوح المقاصد بين من ينهض بسرعة إدراكه أو يقعد به بطء فهمه فخير الكلام ما دل ببلاغته وإن قل وإذا كان قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه فما قصر من حافظ على حكم السنة فيهما ولا أخل
وهذه نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي كتب به للقاضي تقي الدين السبكي
الحمد لله الذي جعل درجات العلماء آخذة في مزيد الرقي وخص برفيع الدرجات من الأئمة الأعلام كل تقي وألقى مقاليد الإمامة لمن يصون نفسه النفيسة بالورع ويقي وأعاد إلى معارج الجلال من لم يزل يختار حميد الخلال وينتقي وأسدل جلباب السؤدد على من أعد للصلاة والصلات من قلبه وثوبه كل طاهر نقي
نحمده على أن أعلى علم الشرع الشريف وأقامه وجعل كلمة التقوى باقية في أهل العلم إلى يوم القيامة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عدل قيد الفضل بالشكر وأدامه وأيد النعمة بمزيد الحمد فلا غرو أن جمع بين الإمامة والزعامة ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أعلى الله به عقيرة مرتل الأذان ومدرج الإقامة وأغلى ببركته قيمة من تمسك بسبيل الهدى ولازم طريق الاستقامة صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه وعلى آله الذين عقدوا عهود هذا الدين وحفظوا نظامه وعلى أصحابه الذين ما منهم إلا من اقتدى بطريقه فاهتدى إلى

طرق الكرامة صلاة لا تزال بركاتها تؤيد عقد اليقين وتديم ذمامه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن من شيم دولتنا الشريفة أن ترفع كل عالي المقدار مكانا عليا وتجعل له من اسمه وصفته قولا مسموعا وفعلا مرضيا وتوطد له رتب المعالي وتزيد قدره فيها رقيا وتكسوهم من جلباب السؤدد مطرفا مباركا وطيا وتطلق لسان إمامه بالمواعظ التي إذا تعقلها أولوا الألباب خروا لطاعة ربهم سجدا وبكيا
ولما كان المجلس العالي هو الذي أعز أحكام الشريعة الشريفة وشادها وأبدى من ألفاظه المباركة المواعظ الربانية وأعادها وأذاع فيها أسرار اليقين وزادها وأصلح فسادها وقوم منادها وكيف لا وقد جمع من العلوم أشتاتا وأحيا من معالم التقى رفاتا وأوضح من صفات العلماء العاملين بهديه وسمته هديا وسماتا فلذلك خرج الأمر الشريف الصالحي العمادي
قلت وهذه نسخة توقيع بخطابته أيضا أنشأته للشيخ شهاب الدين بن حاجي
الحمد لله الذي أطلع شهاب الفضائل في سماء معاليها وزين صهوات المنابر بمن قرت عيونها من ولايته المباركة بتواليها وجمل أعوادها بأجل حبر لو تستطيع فرق قدرتها لسعت إليه وفارقت خرقا للعادة مبانيها وشرف درجها بأكمل عالم ما وضع بأسافلها قدما إلا وحسدتها على السبق إلى مس قدمه أعاليها

نحمده على أن خص مصاقع الخطباء من فضل اللسن بالباع المديد وقصر الجامع الأموي على أبلغ خطيب يشيب في تطلب مثله الوليد وأفرد فريد الدهر باعتبار الاستحقاق برقي درج منبره السعيد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تخفق على مواكب الصفوف أعلامها وتتوفر من تذكير آلاء الله تعالى أقسامها ولا تقصر عن تبليغ المواعظ حبات القلوب أفهامها ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبي نبه القلوب الغافلة من سناتها وأيقظ الخواطر النائمة من سباتها وأحيا رميم الأفئدة بقوارع المواعظ بعد مماتها صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه الذين علا مقامهم ففاتت أعقابهم الرؤوس ورفعت في المجامع رتبهم فكانت منزلتهم منزلة الرئيس من المرؤوس صلاة لا تزال الأرض لها مسجدا ولا يبرح مفترق المنابر باختراق الآفاق لاجتماعها موردا
وبعد فإن أولى ما صرفت العناية إليه ووقع الاقتصار من أهم المهمات عليه أمر المساجد التي أقيم بها للدين الحنيف رسمه وبيوت العبادات التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه لا سيما الجوامع التي هي منها بمنزلة الملوك من الرعية وأماثل الأعيان من بين سائر البرية ومن أعظمها خطرا وأبينها في المحاسن أثرا وأسيرها في الآفاق النائية خبرا بعد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها ويعول في قصد الزيارة عليها جامع دمشق الذي رست في الفخر قواعده وقامت على ممر الأيام شواهده وقاوم الجم الغفير من الجوامع واحده ولم تزل الملوك تصرف العناية إلى إقامة شعائر وظائفه وتقتصر من أهل كل فن على رئيس ذلك الفن وعارفه فما شغرت به وظيفة إلا اختاروا لها الأعلى والأرفع ولا وقع التردد فيها بين اثنين إلا تقيلوا منهما الأعلم والأروع خصوصا وظيفة الخطابة التي كان النبي صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه للقيام بها

متصديا وعلم الخلفاء مقام شرفها بعد فباشروها بأنفسهم تأسيا
ولما كان المجلس العالي القاضوي الشيخي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الأكملي الرئيسي المفوهي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الورعي الخاشعي الناسكي الإمامي العلامي الأثيلي العرقي الأصيلي الحاكمي الخيطيبي الشهابي جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء المجتهدين حجة الأمة عمدة المحدثين فخر المدرسين مفتي المسلمين معز السنة قامع البدعة مؤيد الملة شمس الشريعة حجة المتكلمين لسان المناظرين بركة الدولة خطيب الخطباء مذكر القلوب منبه الخواطر قدوة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو العباس أحمد أدام الله تعالى نعمته هو الذي خطبته هذه الخطابة لنفسها وعلمت أنه الكفء الكامل فنسيت به في يومها ما كان من مصاقع الخطباء في أمسها إذ هو الإمام الذي لا تسامي علومه ولا تسام والعلامة الذي لا تدرك مداركه ولا ترام والحبر الذي تعقد على فضله الخناصر والعالم الذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده المناظر والحافظ الذي قاوم علماء زمانه بلا منازع وعلامة أئمة أوانه من غير مدافع وناصر السنة الذي يذب بعلومه عنها وجامع أشتات الفنون التي يقتبس أماثل العلماء منها وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل وناسك الدهر الذي قصر عن مبلغ مداه الأمل ورحلة الأقطار الذي تشد إليه الرحال وعالم الآفاق الذي لم يسمح الدهر له بمثال اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفعه من المنابر على علي درجها ونقطع ببراهينه من دلائل الإلباس الملبسة داحض حججها ونقدمه على غيره ممن رام إبرام الباطل فنقض وحاول رفع نفسه بغير أداة الرفع فخفض
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري المعزي لا زال يرفع لأهل العلم راسا ويحقق لذوي الجهل من بلوغ المراتب السنية ياسا أن يفوض إلى المجلس العالي المشار إليه خطابه

الجامع المذكور بانفراده على أتم القواعد وأكملها وأحسن العوائد وأجملها
فليرق منبره الذي عاقب فيه رامحه الطالع أعزل غيره الغارب وليتبوأ ذروة سنامه الأرفع من غير شريك له ولا حاجب وليقصد بمواعظه حبات القلوب ويرشق شهاب قراطيسها المانعة فإنها الغرض المطلوب وليأت من زواجر وعظه بما يذهب مذهب الأمثال السائرة ويرسلها من صميم قلبه العامر فإن الوعظ لا يظهر أثره إلا من القلوب العامرة ويقابل كل قوم من التذكير بما يناسب أحوالهم على أكمل سنن ويخص كلا من أزمان السنة بما يوافق ذلك الزمن والوصايا كثيرة وإنما تهذيب العلم يغني عنها وتأديب الشريعة يكفي مع القدر اليسير منها وتقوى الله تعالى ملاك الأمور وعنده منها القدر الكافي والحاصل الوافي والله تعالى يرقيه إلى أرفع الذرى ويرفع على الجوزاء مجلسه العالي وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
الوظيفة السادسة التداريس الكبار بدمشق المحروسة
وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الريحانية كتب به لقاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي عوضا عن جلال الدين الرازي كتب بسؤال بعض كتاب الإنشاء وهي
الحمد لله الذي جعل عماد الدين عليا وأحكم مباني من حكم فلم يدع عصيا وقضى في سابق قضائه لإمضاء قضائه أن لا يبقي عتيا
نحمده على ما وهب به من أوقات الذكر بكرة وعشيا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنبه بالعلم بوحدانيته من كان غبيا وتكبت لمقاتل سيوف العلماء من كان غويا ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي كان

عند ربه رضيا وعلى ذبه عما شرع من الدين مرضيا صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه صلاة لا يزال فضل قديمها مثل حديثها مرويا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فلما كانت رتب العلم هي التي يتنافس عليها ويتطاول إلى التنقل إليها ويختار منها ما كسي بمباشرة المتقدم ملابس الجلال وآن له أن ينتقل إليه البدر بعد الهلال وكانت المدرسة الريحانية بمحروسة دمشق هي ريحانة المجالس وروضة العلم الزاكية المغارس وبحر الفوائد الذي يخرج الفرائد ومسرح العلماء الذي قد آن أن يظفر به منهم من الألف زائد
ولما توفي من آلت إليه وعالت مسألتها إلا عليه وكان ممن قد ولي الأحكام استقلالا وكان لبصر الدنيا جلاء وللدين جلالا لم تكن إلا لمن ينسى به ذلك الذاهب وينسب إليه علم مذهبه كله وإن كان لا يقتصر به على بعض المذاهب ويعرف من هو وإن لم يصرح باسمه ويعرف من هو وإن لم يذكر بعلاء قدره العلي وعلمه ولا يمترى أنه خلف أبا حنيفة فيمن خلف وحصل على مثل ما حصل عليه القاضي أبو يوسف وذهب ذلك في السلف الأول مع من سلف وأعلم بجداله أن محمد بن الحسن ليس من أقران أبي الحسن وأن زفر لم يرزق طيب أنفاسه في براعة اللسن وأن الطحاوي ما طحا به قلب إلى الحسان طروب والقاضي

خان لديه منه الأنبوب وتلقب شمس الأئمة لما طلع علم أنه قد حان من شمس النهار غروب والرازي لما جاء تيقن أنه يروزه عن علم الجيوب والمرغيناني مس ولم يرغن له في مطلوب والثلجي ما برد لطالب غله والخبازي لم يوجد عنده لطعام فضلة والهندواني ما أجدى في جلاد الجدال ولا هز نصله ولم يزل يشار إليه والتقليد الشريف له بالحكم المطلق بما تضمنه من محاسن أوصافه شاهد ودست الحكم على على كيوان شائد ومدارس العلم تسر من حبه ما حنيت عليه من محاريبها الأضالع ومجالس القضاء تظهر بقربه ما لم يكن تدانى إليه المواضع
وكان الجناب الكريم العالي القضائي الأجلي الإمامي الصدري العالمي العاملي العلامي الكاملي الفاضلي الأوحدي المفيدي الورعي الحاكمي العمادي ضياء الإسلام شرف الأنام صدر الشام أثير الإمام سيد العلماء والحكام رئيس الأصحاب معز السنة مؤيد الملة

جلال الأئمة حكم الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن الطرسوسي الحنفي قاضي القضاة بالشام نشر ملاءة مذهبه وحلى بجلوسه للحكم طرفي النهار إضاءة مفضضه وتوشيع مذهبه طالما ساس الرعية بحكمه وساد نظراءه في معرفة العلوم الشرعية بعلمه وحكمه وسار مثل فضله في الأقطار وضوء الشمس مرد شعاعه فطال إلى السماء وقصر الأفق الممتد على طول باعه وفاض فيض الغمام وما اكتال البحر بكيله ولا صار مثل صاعه وعرضت عليه هذه المدرسة التي لم يكن لغيره أن يحبى ريحيانتها ولا أن تؤدى إلى يد سواه فيودع أمانتها فآثرها على أنه ترك المدرسة المقدمية المتقدم له درسها المعظم به في كل حين غرسها ليوسع بها على الطالب مذهبه ويفرغ لها ساعة من أوقاته المنتهبة ويهب لها من حقه الذي هو في يده ما لو شاء ما وهبه
فرسم بالأمر الشريف لا زال يقرب الآماد ويرضي القوم وأقضاهم علي وأثبتهم طودا العماد أن يفوض إليه تدريس المدرسة الريحانية المعينة أعلاه على عادة من تقدمه وقاعدته إلى آخر وقت بحكم تركه للمقدمية ليهب عليه روحها وتهب له السعادة ريحها ولها من البشرى بعلمه ما تميس به ريحانة ريحها سرورا وتميد وقد أكنت جبلا من العلم وقورا وتمتد وقد نافحت في مسكة الليل عبيرا وفي أقحوانة الصباح كافورا وما نوصي مثله أجل الله قدره بوصية إلا وهو يعلمها ويلقنها من حفظه ويعلمها ومن فصل قضائه تؤخذ الآداب وتنفذ سهام الآراء والآراب وتقوى الله بها باطنه معمور وكل أحد بها مأمور وما نذكره بها إلا على سبيل التبرك بذكرها والتمسك بأمرها والفقهاء والمتفقهة هم جنده وبهم يجد جده فليجعلهم له في المشكلات عدة وليصرف في الإحسان إليهم جهده والله تعالى يعينه على ما ولي

ويعينه لكل علياء لا يصلح أن يحلها إلا علي وسبيل كل واقف عليه العمل به بعد الخط الشريف أعلاه
الوظيفة السابعة التصادير بدمشق المحروسة
وهذه نسخة توقيع أنشأته لقاضي القضاة بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء وولده جلال الدين محمد بإعادة تصديرين كانا باسمهما بالجامع الأموي بدمشق أحدهما انتقل إليهما عن سلفهما والثاني بنزول وخرج عنهما عند استيلاء تنم نائب الشام على الشام في سنة اثنتين وثمانمائة ثم أعيد إليهما في شوال من السنة المذكورة في قطع الثلث وهي
الحمد لله الذي جعل بدر الدين في أيامنا الزاهرة متواصل رتب الكمال مترددا في فلك المعالي بأكرم مساغ بين بهاء وجلال منزها عن شوائب النقص في جميع حالاته فإما مرتقب الظهور في سراره أو متسم بالتمام في إبداره أو آخذ في الازدياد وهو هلال
نحمده على أن أقر الحقوق في أهلها وانتزع من الأيدي الغاصبة ما اقتطعته الأيام الجائرة بجهلها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحمي قائلها من شوائب التكدير وتصون منتحلها من عوارض الإصدار إذا ورد أصفى

مناهل التصدير ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل نبي أقتفت أمته آثاره واتبعت سننه وأكرم رسول دعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة صلى الله عليه و سلم وآله وصحبه أئمة الحق وأعلام الهدى وحماة الدين وكفاة الردى صلاة يبقى على مدى الأيام حكمها ولا يندرس على ممر الليالي رسمها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من رعيت له الحقوق القديمة وحفظت له مساعيه الكريمة وخلدت عليه النعم التي حق لها أن تكون بأهلها مقيمة من كرم أصلا وطاب فرعا وزكا منبعا وعذب نبعا ووقع الإجماع على فضله المتواتر فأعدق الحكم بتفضيله قطعا ومن إذا تكلم فاق بفضله نثر اللآلي وإذا قدر قدره انحطت عن بلوغ غايته المعالي وإذا طلع بدره المضيء من أفق مجلسه الموروث عن أبيه وأعمامه قال ليت أشياخي شهدوا هذا المجلس العالي ومن إذا جلس بحلقته البهية غشيته من الهيبة جلالة وإذا أطافت به هالة الطلبة والمستفيدين قيل ما أحسن هذا البدر في هذه الهالة ومن تتيه طلبته على أكابر العلماء بالانتماء إليه وتشمخ نفوس تلامذته على غيره من المتصدرين بالجلوس بين يديه ومن إذا أقام بمصر طلع بالشام بدره ولو أقام بالشام بقي بمصر على الدوام ذكره
وكان المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الإمامي الأصيلي البدري جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء

حجة الأدب عمدة المحدثين فخر المدرسين مفتي الفرق أوحد الأئمة زين الأمة خالصة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أو عبد الله محمد ابن المجلس العالي القاضوي الكبيري المرحومي البهائي أبي البقاء الشافعي السبكي ضاعف الله تعالى نعمته هو عين أعيان الزمان والمحدث بفضله على ممر الليالي وليس الخبر كالعيان ما ولي منصبا من المناصب الدينية إلا كان له أهلا ولا أراد الانصراف من مجلس علم إلا قال له مهلا ولا استبدل به في وظيفة إلا نسب مستبدله إلى الحيف ولا صرف عن ولاية إلا قال استحقاقه كيف ساغ ذلك لمتعاطيه فكيف وكيف
وكان ولده المجلس السامي القضائي الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي البارعي الأصيلي العريقي الجلالي ضياء الإسلام فخر الأنام زين الصدور جمال الأعيان نجل الأفاضل سليل العلماء صفوة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين أبو محمد بلغ الله تعالى فيه عارفيه غاية الأمل وأقر به عين الزمان كما أقر به عين أبيه وقد فعل قد أرضع لبان العلم وربي في حجره ونشأ في بيته ودرج من وكره وكمل له سودد الطرفين أبا وأما وحصل على شرف المحتدين خالا وعما لم يقع عليه بصر متبصر إلا قال نعم الولد ولا تأمله صحيح النظر إلا قال هذا الشبل من ذاك الأسد ولا رمى والده إلى غاية إلا أدركها ولا أحاط به منطقة طلبة إلا هزها للبحث وحركها ولا اقتفى أثر أبيه وجده في مهيع فضل إلا قال قائله أكرم بها من ذرية ما أبركها
واتفق أن خرج عنهما ما كان باسمهما من وظيفتي التصدير بالجامع

الأموي المعمور بذكر الله تعالى بدمشق المحروسة المنتقلة إحداهما إليهما عن سلفهما الصالح قدما والصائرة الأخرى بطريق شرعي معتبر وضعا وثابت حكما اقتضى حسن الرأي الشريف أن يحفظ لهما سالف الخدمة ويرعى لهما قديم الولاء فالعبرة في التقديم عند الملوك بالقدمة
فذلك رسم بالأمر الشريف لا زال لذوي البيوت حافظا وعلى الإحسان لأهل العلم الشريف على ممر الزمان محافظا أن يعاد ذلك إليهما ويوالى مزيد الإحسان عليهما فليتلقيا ذلك بالقبول ويبسطا بالقول ألسنتهما فمن شمله إنعامنا الشريف حق له أن يقول ويطول وملاك أمرهما التقوى فهي خير زاد والوصايا وإن كثرت فعنهما تؤخذ ومنهما تستفاد والله تعالى يقر لهما بهذا الاستقرار عينا ويبهج خواطرهما بهذه الولاية إبهاج من وجد ضالته فقال ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ) والاعتماد في ذلك على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
الوظيفة الثامنة النظر
وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان النوري كتب بها لمن لقبه شهاب الدين وهي
رسم لا زال يطلع في سماء المناصب السنية من ذوي الأصالة والكفاية شهابا ويوزع المستحقين بجهات البر شكره إذا اختار لهم من أهل النهضة من ارتدى العفاف جلبابا ويودع صحائف الأيام ذكره الجميل حين أحيا قربات الملوك السالفين بانتخاب من يجدد لهم بحسن المباشرة ثوابا أن يحمل مجلس الأمير فلان أعز الله تعالى فيما هو بيده من نظر البيمارستان النوري بدمشق المحروسة على حكم التوقيع الكريم والولاية الشرعية اللذين

بيده واستقراره في ذلك بمقتضاهما استقرارا يبسط في هذا المنصب يده ولسانه ويظهر شهاب عدله الذي يحرق من الجور شيطانه ويبرز من مباشرته ما عرف جوهره بحسن الانتقاء وإبريزه بحسن الانتقاد ومن تأثيره ما تبلغ به الأنفس المراد بأوسع مراد ويبدي من تدبيره ما ينتج تمييز الوقف وتثميره
فليباشر ذلك على عادة مباشرته الحسنة وليسلك فيها ما عهد من طريقته المستحسنة محصلا من المفردات ما يصرفها لمستحقها وقت الحاجة إليها مثابرا على حسن معالجة المضرور الذي لا تقدر يده من العجز عليها مواصلا فعل الخير باستمرار صدقات الواقف ليشاركه في الأجر والثواب مستجلبا له من الدعاء ولنا بمشاركته في الأمر بالعمل بسنته إلى يوم المآب ضبابطا أموال هذه الجهة بتحرير الأصول والمطلق والحساب والحساب متقدما إلى الخدام والقومة بحسن الخدمة للعاجز والضعيف مؤكدا عليهم في أخذهم بالقول اللين دون الكلام العنيف ملزما لهم بجودة الخدمة ليلا ونهارا مؤاخذا لهم بما يخلون به من ذلك إهمالا وإقصارا متقدما إلى أرباب وظائف المعالجة ببذل النصيحة واستدراك الأدواء المسقمة بإتقان الأدوية الصحيحة وليتفقد الأحوال بنفسه ليعلم أهل المكان أن وراءهم من يقابلهم على التقصير وليبذل في ذلك جهده فإن الاجتهاد القليل يؤثر الخير الكثير والوصايا كثيرة وعنده من التأدب بالعلم وحسن المباشرة ما فيه كفاية وفي أخلاقه من جميل المآثر وما حازه في البداية ما ينفعه في النهاية ولكن تقوى الله عز و جل هي السبب الأقوى والمنهل الذي من ورده يروى فليجعلها له ذخيرة ليوم المعاد ومعقلا عند الخطوب الشداد والله تعالى يبلغه من التوفيق الأمل والمراد بمنه وكرمه والاعتماد إن شاء الله تعالى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39