كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

ويقال أبو العباس بالعهد من أبيه هرون الرشيد وبويع له صبيحة الليلة التي توفي فيها أبوه الرشيد وقتل لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة
ثم قام بالأمر بعده أخوه المأمون أبو العباس ويقال أبو جعفر عبد الله بالعهد له من أبيه الرشيد أن يكون له الأمر بعد أخيه الأمين وبويع له بالخلافة يوم قتل أخيه الأمين ببغداد وهو غائب وبويع له البيعة العامة لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة وتوفي بأرض الروم لليلة بقيت من رجب وقيل لثمان خلون منه سنة ثماني عشرة ومائتين ودفن بطرسوس
وقام بالأمر بعده أخوه المعتصم بالله أبو إسحاق محمد بن هرون الرشيد بويع له بالخلافة يوم موت أخيه المأمون وهو يومئذ بطرسوس فسار إلى بغداد فدخلها مستهل رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين وتوفي بسامرا لثماني عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين
وقام بالأمر بعده ابنه الواثق بالله أبو جعفر هرون بويع له بالخلافة يوم موت أبيه وتوفي بسر من رأى لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

وقام بالأمر بعده أخوه المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بويع له بالخلافة يوم موت أخيه الواثق وقتل لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين
وقام بالأمر بعده ابنه المستنصر بالله أبو جعفر محمد بويع له بالخلافة صبيحة قتل أبيه المتوكل وتوفى بسامرا لثلاث خلون من ربيع الآخر وقيل لخمس خلون من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائتين
وقام بالامر بعده المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم بالله المتقدم ذكره بويع له بالخلافة في اليوم الثاني من موت المستنصر وخلع نفسه لأربع خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين وجهز إلى واسط فقتل بها في آخر رمضان من السنة المذكورة
وقام بالأمر بعده المعتز بالله أبو عبد الله محمد وقيل أبو الزبير بن المتوكل على الله المتقدم ذكره بويع له ببغداد حين خلع المستعين نفسه وبايعه المستعين فيمن بايع وخلع لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين ثم قتل بعد ذلك

وقام بالأمر بعده المهتدي بالله أبو عبد الله ويقال أبو جعفر محمد بن الواثق بالله المتقدم ذكره بويع له بالخلافة بعد ليلتين من خلع المعتز بالله وقتل لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين وكان يقال هو في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية
وقام بالأمر بعده المعتمد على الله أبو العباس ويقال أبو جعفر أحمد ابن جعفر المتوكل المتقدم ذكره بويع له بالخلافة يوم قتل المهتدي بالله وتوفي لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين
وقام بالأمر بعده المعتضد بالله أبو العباس أحمد بن الموفق طلحة ابن جعفر المتوكل بويع له بالخلافة يوم قتل المعتمد على الله وتوفي ببغداد لسبع وقيل لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين
وقام بالأمر بعده ابنه المكتفي بالله أبو محمد علي بويع به بالخلافة يوم موت أبيه المعتضد وهو غائب بالرقة وكتب إليه بذلك فأخذ البيعة على من عنده وسار إلى بغداد فدخلها لثمان خلون من جمادى الأولى من سنته وتوفي ببغداد

لثلاث عشرة ليلة وقيل لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين
وقام بالأمر بعده أخوه المقتدر بالله أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله المتقدم ذكره وخلع لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين
وبويع المرتضى بالله أبو محمد عبد الله بن المعتز فأقام يوما وليلة ثم اضطرب عليه الأمر فاختفى وعاد الأمر إلى المقتدر فظفر بابن المعتز فصادره ثم أخرج من دار السلطان ميتا لليلتين خلتا من ربيع الآخر من السنة المذكورة ثم خلع المقتدر بالله نفسه وبويع بالخلافة أخوه القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد فأقام يومين ثم عاد الأمر إلى المقتدر بالله وبقي حتى قتل لثلاث خلون من شوال سنة عشرين وثلاثمائة
وقام بالأمر بعده أخوه القاهر بالله المتقدم ذكره لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة ثم خلع وسملت عيناه لست خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

وقام بالأمر بعده ابن أخيه الراضي بالله أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله المتقدم ذكره وتوفي لست عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة
وقام بالأمر بعده أخوه المتقي بالله أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بالله المتقدم ذكره بويع له بالخلافة لعشر بقين من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة
وخلع وسملت عيناه لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة
وقام بالأمر بعده ابن عمه المستكفي بالله أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله المتقدم ذكره بويع له بالخلافة يوم خلع المتقي بالله بمشاركته له ثم خلع وسملت عيناه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة
وقام بالأمر بعده ابن عمه المطيع بالله أبو القاسم ويقال أبو العباس الفضل بن المقتدر بالله المتقدم ذكره بويع له بالخلافة يوم خلع المستكفي وخلع نفسه منها للعجز بالمرض في الثالث عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة
وولي الخلافة بعده ابنه الطائع لله أبو بكر عبد الكريم بويع له بالخلافة يوم خلع أبيه المطيع لله وقبض عليه لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فخلع نفسه

وقام بالأمر بعده القادر بالله أبو العباس أحمد بن إسحاق بويع له بالخلافة يوم خلع الطائع وكان غائبا بالبطائح فأحضر وجددت له البيعة ببغداد في شهر رمضان من السنة المذكورة وتوفي حادي عشر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة
وقام بالأمر بعده ابنه القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بالعهد من أبيه وجددت له البيعة بعد موت أبيه توفي ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة
وقام بالأمر بعده ابن ابنه المقتدي بأمر الله عبد الله بن ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله المتقدم ذكره وتوفي فجأة في الخامس والعشرين من المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة
وقام بالأمر بعده ابنه المستظهر بالله أبو العباس أحمد بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه وتوفي سادس عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة
وقام بالأمر بعده ابنه المسترشد بالله أبو منصور الفضل بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه المستظهر وقتل في قتال الباطنية سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة
وقام بالأمر بعده ابنه الراشد بالله أبو جعفر المنصور بالعهد من أبيه

وجددت له البيعة يوم قتله وخلع في منتصف ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة
وقام بالأمر بعده المقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر المتقدم ذكره بويع بالخلافة يوم خلع الراشد بالله وتوفي ثاني ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة
وقام بالأمر بعده ابنه المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المقتفي وتوفي تاسع ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة
وقام بالأمر بعده ابنه المستضيء بالله أبو محمد الحسن بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المستنجد من أقاربه بيعة خاصة وفي عشرة بيعة عامة وتوفي ثاني ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة
وقام بالأمر بعده ابنه الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بويع له بالخلافة يوم موت أبيه المستضيء وتوفي أول شوال سنة اثنتين وعشرين وستمائة
وقام بالأمر بعده ابنه الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بويع له بالخلافة يوم موت أبيه الناصر وتوفي رابع عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة
وقام بالأمر بعده ابنه المستنصر بالله أبو جعفر المنصور بويع له بالخلافة يوم موت أبيه الظاهر وتوفي لعشر خلون من جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة
وقام بالأمر بعده ابنه المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بويع له

بالخلافة يوم موت أبيه المستنصر بالله وقتله هولاكو ملك التتار في العشرين من المحرم سنة ست وخمسين وستمائة
وبقتله انقرضت الخلافة العباسية من بغداد وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس ببغداد إذا عدت خلافة ابن المعتز وحسبت خلافة القاهر أولا وثانيا خلافة واحدة

الطبقة الرابعة خلفاء بني العباس بالديار المصرية من بقايا بني العباس
وأول من قام بأمر الخلافة بها المستنصر بالله أبو القاسم أحمد بن الظاهر بالله أبي نصر محمد المتقدم ذكره وذلك أنه لما قتل التتر المستعصم المتقدم ذكره وبقيت الخلافة شاغرة نحوا من ثلاث سنين ونصف ثم قدم جماعة من عرب الحجاز إلى مصر في رجب سنة تسع وخمسين وستمائة أيام الظاهر بيبرس ومعهم المستنصر المذكور وذكروا أنه خرج من دار الخلافة ببغداد لما ملكها التتر فعقد الملك الظاهر له مجلسا حضره جماعة من العلماء منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيخ الشافعية وقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز

الشافعي وهو يومئذ قاضي الديار المصرية بمفرده وشهد أولئك العرب بنسبه ثم شهد جماعة من الشهود على شهادتهم بحكم الاستفاضة وأثبت ابن بنت الأعز نسبه ثم بايعه الملك الظاهر بالخلافة وأهل الحل والعقد واهتم الملك الظاهر بأمره واستخدم له عسكرا عظيما وتوجه الملك الظاهر إلى الشام وهو صحبته فجهزه من هناك بعسكره إلى بغداد طمعا أن يستولي عليها وينتزعها من التتار فخرج إليه التتار قبل أن يصل بغداد فقتلوه وقتلوا غالب عسكره في العشر الأول من المحرم سنة ستين وستمائة فكانت خلافته دون السنة وهو أول خليفة لقب بلقب خليفة قبله وكانوا قبل ذلك يلقبون بألقاب مرتجلة
وقام بالأمر بعده الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن حسين بن أبي بكر ابن الأمير أبي علي القبي ابن الأمير حسن بن الراشد بالله أبي جعفر المنصور المتقدم ذكره في الخلفاء ببغداد
قدم مصر سنة تسع وخمسين وستمائة وهو ابن خمس عشرة سنة في سلطنة الظاهر بيبرس وقيل إن الظاهر بعث من أحضره إليه من بغداد وجلس له مجلسا عاما أثبت فيه نسبه وبايعه بالخلافة في سنة ست وستين وستمائة وأشركه معه في الدعاء في الخطبة على المنابر إلا أنه منعه التصرف والدخول والخروج
ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون فأسكنه بالكبس بخط الجامع الطولوني فكان يخطب أيام الجمعة في جامع القلعة ويصلي ولم يطلق تصرفه إلى أن تسلطن المنصور لاجين فأباح له التصرف حيث شاء وأركبه معه في الميادين وتوفي في شهور سنة إحدى وسبعمائة
وقلم بالأمر بعده ابنه المستكفي باله أبو الربيع سليمان بالعهد من أبيه الحاكم وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه واستقر على ما كان عليه أبوه من الركوب والنزول وركوب الميادين مع السلطان إلى أن أعيد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطنة المرة الثانية بعد خلع الملك المظفر بيبرس الجاشنكير في شهور سنة تسع وسبعمائة فحصل عند السلطان منه وحشة فجهزه إلى قوص ليقيم بها وبقي بقوص حتى توفي في سنة أربعين وسبعمائة
وولي الخلافة بعده ابنه المستعصم بالله أبو العباس أحمد بعهده من أبيه المستكفي بأربعين شاهدا بمدينة قوص ودعي له على المنابر في العشر الأخير من شوال سنة أربعين وسبعمائة
ثم خلعه الناصر محمد بن قلاوون وبايع بالخلافة الواثق بالله أبا إسحاق إبراهيم بن الحاكم بأمر الله المتقدم ذكره وأمر بأن يدعي لبه على المنابر وتحمل له راية الخلافة فجرى الأمر على ذلك
وكان قد هم بمبايعته بعد موت المستكفي فلم يتم له
فلما توفي الملك الناصر في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة أعيد المستعصم بالله أحمد المتقدم ذكره إلى الخلافة

في شهور سنة إحدى وسبعمائة
وقام بالأمر بعده ابنه المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بالعهد من أبيه الحاكم وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه واستقر على ما كان عليه أبوه من الركوب والنزول وركوب الميادين مع السلطان إلى أن أعيد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطنة المرة الثانية بعد خلع الملك المظفر بيبرس الجاشنكير في شهور سنة تسع وسبعمائة فحصل عند السلطان منه وحشة فجهزه إلى قوص ليقيم بها وبقي بقوص حتى توفي في سنة أربعين وسبعمائة
وولي الخلافة بعده ابنه المستعصم بالله أبو العباس أحمد بعده من أبيه المستكفي بأربعين شاهدا بمدينة قوص ودعي له على المنابر في العشر الأخير من شوال سنة أربعين وسبعمائة
ثم خلعه الناصر محمد بن قلاوون وبايع بالخلافة الواثق بالله أبا إسحاق إبراهيم بن الحاكم بأمر الله المتقدم ذكره وأمر بأن يدعى له على المنابر وتحمل له راية الخلافة فجرى الأمر على ذلك
وكان قد هم بمبايعته بعد موت المستكفي فلم يتم له
فلما توفي الملك الناصر في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة أعيد المستعصم بالله أحمد المتقدم ذكره إلى الخلافة

بعد خلع الواثق إبراهيم وبقي حتى توفي رابع شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
ثم ولي الخلافة بعده أخوه المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان سابع عشر شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وتوفي عاشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة
وولي الخلافة بعده ابنه المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد بالله المتقدم ذكره بالعهد من أبيه المعتضد واستقر له الأمر بعد وفاة أبيه يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وبقي حتى خلعه الأمير أيبك أتابك العساكر في سلطنة الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان بن حسين
وولي الخلافة مكانه المستعصم بالله أبو يحيى زكريا بن الواثق إبراهيم المتقدم ذكره فأقام في الخلافة دون ثلاثة أشهر
ثم أعيد المتوكل على الله محمد ابن أبي بكر إلى الخلافة ثانيا في أواخر المحرم أو أوائل صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة واستمر حتى قبض عليه الظاهر برقوق واعتقله بقلعة الجبل في

مستهل شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة
وولي الخلافة مكانه الواثق بالله أبو حفص عمر بن الواثق بالله إبراهيم المتقدم ذكره فبقي حتى توفي في العشر الأول من شوال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فأعاد الظاهر برقوق المستعصم بالله زكريا المتقدم ذكره ثانيا إلى الخلافة والمتوكل على الله في الاعتقال والناس لا يرون في كل ذلك الخليفة غيره
ثم عن للملك الظاهر برقوق بعد ذلك فأطلق المتوكل على الله من الاعتقال وأكرمه وأحسن إليه في ثاني جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وبقي في الخلافة حتى توفي سابع عشري شهر رجب الفرد سنة ثمان وثمانمائة
وولي الخلافة بعده ابنه أبو الفضل العباس ولقب المستعين بالله وبقي في الخلافة على سنن من تقدمه من الخلفاء العباسيين بالديار المصرية من قصور أمره على العهد إلى السلطان والدعاء له على المنابر قبل السلطان إلى أن قبض على الناصر فرج بن برقوق بالشام في الثاني عشر من ربيع الأول من سنة خمس عشرة

وثمانمائة فاستقل بالأمر واستبد به وأجمع له أمر الخلافة من ضرب اسمه على السكة في الدنانير والدراهم والدعاء له على المنابر بمفرده والعلامة على التقاليد والتواقيع والمكاتبات وغيرها وفوض أمر تدبير دولته للأمير شيخ وكتب له تفويض في ورق عرضه ذراع ونصف بذراع البز يزيد عما كان يكتب فيه للسلاطين نصف ذراع بقلم مختصر الطومار
وكان المتولي لأمر كتابته المقر الشمسي محمد العمري عين أعيان كتاب الدست الشريف بالأبواب الشريفه السلطانية ونائب كاتب السر
وسيأتي

ذلك في الكلام على التواقيع في المقالة الخامسة إن شاء الله تعالى
وأما مقرات الخلفاء فهي أربع مقرات

المقرة الأولى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية
والإكرام
كانت مقرة الخلفاء الراشدين إلى حين انقراضهم وذلك أن مبدأ النبوة كان بمكة ثم هاجر النبي إلى المدينة وأقام بها حتى توفي في الثالث عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة
ثم كان بعده في الخلافة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن إلى حين سلم الأمر لمعاوية وإنما كان مقام علي والحسن بالعراق زمن القتال بينهما وبين معاوية
المقرة الثانية الشأم وهي دار خلفاء بني أمية إلى حين انقراضهم
قد تقدم أن معاوية كان أميرا على الشأم قبل الخلافة ثم استقل بالأمر حين سلم إليه الحسن وبقي في الشام هو ومن بعده إلى حين انقراض خلافتهم فقتل مروان بن محمد على ما تقدم ذكره
وكانت دار إقامتهم دمشق وإن نزلوا غيرها فليس لإقامة

المقرة الثالثة العراق وهي دار خلفاء بني العباس
وكان أول مبايعة السفاح به بالكوفة على ما تقدم ثم بنى بعد ذلك بالأنبار مدينة وسماها الهاشمية ونزلها
فلما ولي أخوه أبو جعفر المنصور الخلافة بعده بني بغداد وسكنها وصارت منزلا لخلفاء بني العباس بعده إلى حين انقراض الخلافة منها بقتل التتر المستعصم آخر خلفائهم بها
المقرة الرابعة الديار المصرية وهي دار الخلافة الآن
وقد تقدم سبب انتقال الخلافة إليها بعد انقراضها من بغداد في الكلام على من ولي الخلافة من الخلفاء فأغنى عن إعادته هنا
وقد تقدم أن الحاكم بأمر الله ثاني خلفائهم بمصر أسكنه الأشرف خليل بن قلاوون بالكبش بخط الجامع الطولوني
أما الآن فاستقرت دار الخلافة بخط المشهد النفيسي بين مصر والقاهرة ولا أخلى الله هذه المملكة من آثار النبوة

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثانية فيما انطوت عليه
الخلافة من الممالك في القديم وما كانت عليه من الترتيب وما هي عليه الآن
أما ما انطوت عليه من الممالك فاعلم أن النبي قد فتح مكة وما حول المدينة من القرى كخيبر ونحوها
وفتح خالد بصرى من الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهي أول فتح فتح بالشام ثم كانت الفتوح الكثيرة في خلافة عمر رضي الله عنه ففتح بلاد الشام وكور دجلة والأبلة وكور الأهواز وإصطخر وأصبهان والسوس وأذربيجان والري وجرجان وقزوين وزنجان وبعض أعمال خراسان وكذلك فتحت مصر وبرقة وطرابلس الغرب
ثم فتح في خلافة عثمان رضي الله عنه كرمان وسجستان ونيسابور وفارس وطبرستان وهراة وبقية أعمال خراسان وفتحت أرمينية وحران وكذلك فتحت إفريقية والأندلس وسد الإسلام ما بين المشرق والمغرب وكانت الأموال تجبى من هذه الأقطار النائية والأمصار الشاسعة فتحمل إلى الخليفة وتوضع في بيت المال بعد تكفية الجيوش وما يجب صرفه من بيت المال
ولم يزل الشام على ذلك إلى أثناء خلافة بني العباس ما عدا الأندلس فإن بقايا خلفاء بني أمية استولوا عليه حتى يقال إن الرشيد كان يستلقي على ظهره وينظر إلى السحابة مارة يقول اذهبي إلى حيث شئت يأتني خراجك ثم اضطرب أمر الخلافة بعد ذلك وتقاصر شأنها واستبد أكثر أهل الأعمال بعمله من خلافة الراضي على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة فيما بعد إن شاء الله تعالى

وأما ترتيب الخلافة فله حالتان

الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم
اعلم أن الخلافة لابتداء الأمر كانت جارية على ما ألف من سيرة النبي من خشونة العيش والقرب من الناس واطراح الخيلاء وأحوال الملوك مع ما فتح الله تعالى على خلفاء السلف من الأقاليم وجبى إليهم من الأموال التي لم يفز عظماء الملوك بجزء من أجزائها
وناهيك أنهم فتحوا عدة من الممالك العظيمة التي كانت يضرب بها المثل في عظم قدرها وارتفاع شأن ملوكها من ممالك المشرق والمغرب حتى ذكر عظماء الملوك عند بعض السلف فقال إنما الملك الذي يأكل الشعير ويعس على رجليه بالليل ماشيا وقد فتحت له مشارق الأرض ومغاربها يريد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن سلم الحسن رضي الله عنه الأمر لمعاوية وإلى ذلك الإشارة بقوله ( الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك ) فكان آخر الثلاثين خلافة الحسن
فلما سلم الحسن رضي الله عنه لمعاوية بعد وقوع الاختلاف وتباين الآراء اقتضى الحال في زمانه إقامة شعار الملك وإظهار أبهة الخلافة فأخذ في ترتيب أمور الخلافة على نظام الملك لما في ذلك من إرهاب العدو وإخافته
بل كان ذلك شأنه وهو أمير بالشام قبل أن يلي الخلافة حتى حكى صاحب العقد وغيره أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم الشام في خلافته وهو راكب على حمار ومعه عبد الرحمن بن عوف ومعاوية أمير على

الشام فخرج معاوية لملاقاته في موكب عظيم فلقيه في طريقه في خف من القوم فلم يشعر به وتعداه طالبا له ثم عرف ذلك فيما بعد فرجع وسلم على أمير المؤمنين عمر ومشى إلى جانبه فلم يلتفت إليه وطال به ذلك فقال له عبد الرحمن بن عوف أتعبت الرجل يا أمير المؤمنين فالتفت إليه حينئذ وقال أنت صاحب الموكب الآن مع ما يبلغني من وقوف وذوي الحاجات ببابك فقال يا أمير المؤمنين إنا بأرض يكثر فيها جواسيس العدو فأحتاج أن أظهر لهم من أبهة الملك والسلطان ما يزعهم فإن أمرتني به ائتمرت وإن نهيتني عنه انتهيت فقال إن كان ما قلت حقا فإنه لرأي أديب وإن كان غير حق فإنه لخدعة أريب لا آمرك ولا أنهاك فقال عبد الرحمن لحسن يا أمير المؤمنين ما صدر به هذا الفتى عما أوردته فيه فقال لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه
فلما صارت الخلافة إليه زاد في حسن الترتيب وإظهار الأبهة وأخذ الخلفاء بعده في مضاعفة ذلك والاحتفال به حتى أمست الخلافة في أغي ما يكون من ترتيب الملك وفاقت في ذلك الأكاسرة والقياصرة بل اضمحل في جانب الخلافة سائر الممالك العظام وانطوى في ضمنها ممالك المشارق والمغارب خصوصا في أوائل الدولة العباسية في زمن الرشيد ومن والاه
حتى يحكى أن صاحب عمورية من ملوك الروم كانت عنده شريفة مأسورة في خلافة المعتصم فعذبها فصاحت وامعتصماه فقال لها لا يأتي المعتصم لخلاصك إلا على أبلق
فبلغ ذلك المعتصم فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق وخرج وفي مقدمة عسكره أربعة آلاف أبلق وأتى عمورية فحاصرها

وخلص الشريفة وقال اشهدي لي عند جدك المصطفى أني جئت لخلاصك وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق
وقد حكى ابن الأثير في تاريخه أنه لما وصلت رسل ملك الروم إلى بغداد في سنة خمس وثلاثمائة في خلافة المقتدر رتب من العسكر في دار الخلافة مائة وستون ألفا ما بين راكب وراجل ووقف بين يدي الخليفة سبعمائة حاجب وسبعة آلاف خادم خصي أربعة آلاف بيض وثلاثة آلاف سود ووقف الغلمان المجرية الذين هم بمثابة مماليك الطباق الآن بالباب بتمام الزينة والمناطق المحلاة وزينت دار الخلافة بأنواع الأسلحة وغرائب الزينة وغشيت جدرانها بالستور وفرشت أرضها بالبسط وكان عدة البسط اثنين وعشرين ألف بساط وعدة الستور المعلقة ثمانية وثلاثين ألف ستر منها اثنا عشر ألف ستر من الديباج المذهب وكان من جملة الزينة شجرة من الذهب والفضة بأغصانها وأوراقها وطيور الذهب والفضة على أغصانها وأغصانها تتمايل بحركات موضوعة والطيور تصفر بحركات مرتبة وألقيت المراكب والدبادب في دجلة

بأحسن زينة وكان هناك مائة سبع مع مائة سباع إلى غير ذلك من الأحوال الملوكية التي يطول شرحها
هذا مع تقهقر الخلافة وانحطاط رتبتها يومئذ
ولم تزل الخلافة قائمة على ترتيب واحد في النفقة والجرايات والمطابخ وإقامة العساكر إلى آخر أيام الراضي بالله
فلما ولي المتقي لله تقاصر أمر الخلافة وتناقص وقنع الخلفاء من الخلافة بالدعاء على المنابر وضرب اسمهم على الدنانير والدراهم وربما خطب الواحد منهم بنفسه ومع ذلك فكان الخليفة هو الذي يولي أرباب الوظائف من القضاة وغيرهم وتكتب عنه العهود والتقاليد وغيرها لا يشاركه في ذلك سلطان

وأما شعار الخلافة
فمنها الخاتم والأصل فيه ما ثبت في الصحيح أن النبي قيل له إن الملوك لا يقرأون كتابا غير مختوم فاتخذ خاتما من ورق وجعل نقشه محمد رسول الله فلما توفي رسول الله لبسه أبو بكر بعده ثم لبسه عمر بعد أبي بكر ثم لبسه عثمان بعد عمر فوقع منه في بئر فلم يقدر عليه
واتخذ الخلفاء بعد ذلك خواتيم لكل خاتم نقش يخصه وبقي الأمر على ذلك إلى انقراض الخلافة من بغداد
ومنها البردة وهي بردة النبي التي كان الخليفة يلبسها في المواكب

قال ابن الأثير وهي شملة مخططة وقيل كساء أسود مربع فيه صغر وقد اختلف في وصولها إلى الخلفاء
فحكى الماوردي في الأحكام السلطانية عن أبان بن تغلب أن النبي كان وهبها لكعب بن زهير حين امتدحه بقصيدته التي أولها بانت سعاد فاشتراها منه معاوية
والذي ذكره غيره أن كعبا لم يسمح ببيعها لمعاوية وقال لم أكن لأوثر بثوب رسول الله أحدا
فلما مات كعب اشتراها معاوية من ورثته بعشرة آلاف درهم
وحكى الماوردي أيضا عن حمزة بن ربيعة أن هذه البردة كان النبي أعطاها لأهل أيلة أمانا لهم فأخذها منهم عبد الله بن خالد بن أبي أوفى وهو عامل من قبل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وبعث بها إليه وكانت في

خزانته حتى أخذت بعد قتله
وقيل اشتراها أبو العباس السفاح أول خلفاء بني العباس بثلاثمائة دينار
ومنها القضيب وهو عود كان النبي يأخذه بيده
قال الماوردي وهو من تركة النبي التي هي صدقة
قلت وكان القضيب والبردة المتقدما الذكر عند خلفاء بني العباس ببغداد إلى أن انتزعهما السلطان سنجر السلجوقي من المسترشد بالله ثم أعادهما إلى المقتفي عند ولايته في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة
والذي يظهر أنها بقيت عندهم إلى انقضاء الخلافة من بغداد سنة ست وخمسين وستمائة فإن مقدار ما بينهما مائة وإحدى وعشرون سنة وهي مدة قريبة بالنسبة إلى ما تقدم من مدتهما
ومنها ثياب الخلافة وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه في الكلام على ترجمة الملك السعيد إسماعيل أحد ملوك بني أيوب باليمن أنه كان به هوج فادعى أنه من بني أمية ولبس ثياب الخلافة ثم قال وكان طول الكم يومئذ عشرين شبرا فيحتمل أنه أراد زمن بني أمية وأنه أراد زمن بني أيوب
ومنها اللون في الأعلام والخلع ونحوها
وكان شعار بني أمية من الألوان الخضرة فقد حكى صاحب حماة عن الملك السعيد إسماعيل المتقدم ذكره أنه حين ادعى الخلافة وأنه من بني أمية لبس الخضرة وهذا صريح في أنه شعارهم

أما بنو العباس فشعارهم السواد وقد اختلف في سبب اختيارهم السواد فذكر القاضي الماوردي في كتابه الحاوي الكبير في الفقه أن السبب في ذلك أن النبي في يوم حنين ويوم الفتح عقد لعمه العباس رضي الله عنه راية سوداء
وحكى أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن سبب ذلك أن مروان ابن محمد آخر خلفاء بني أمية حين أراد قتل إبراهيم بن محمد العباسي أول القائمين من بني العباس بطلب الخلافة قال لشيعته لا يهولنكم قتلي فإذا تمكنتم من أمركم فاستخلفوا عليكم أبا العباس يعني السفاح فلما قتله مروان لبس شيعته عليه السواد فلزمهم ذلك وصار شعارا لهم
ومن غريب ما وقع مما يتعلق بذلك ما حكاه ابن سعيد في المغرب أن الظافر الفاطمي أحد خلفاء مصر لما قتله وزيره عباس بعث نساء الخليفة شعورهن طي الكتب إلى الصالح طلائع بن رزيك وهو يومئذ وال بمنية بني خصيب فحضر إليهم وقد رفع تلك الشعور على الرماح وأقام الرايات السود

إظهارا للحرب على الظافر ودخل القاهرة على ذلك فكان ذلك من الفأل العجيب وهو أن مصر انتقلت إلى بني العباس بعد خمسة عشرة سنة ورفعت راياتهم السود بها
وأما تولية الملوك عن الخلفاء فكان الحال فيه مختلفا باعتبار السلطان بحضرة الخلافة وغيره فإن كان الذي يوليه الخليفة هو السلطان الذي بحضرة الخلافة كبني بويه وبني سلجوق وغيرهم فقد حكى ابن الأثير وغيره أن السلطان طغرلبك بن ميكائيل السلجوقي لما تقلد السلطنة عن القائم بأمر الله في سنة تسع وأربعين وأربعمائة جلس له الخليفة على كرسي ارتفاعه عن الأرض نحو سبعة أذرع وعليه البردة ودخل عليه طغرلبك في جماعة وأعيان بغداد حاضرون فقبل طغرلبك الأرض ويد الخليفة ثم جلس على كرسي نصب له ثم قال رئيس الرؤساء وزير الخليفة عن لسان الخليفة إن أمير المؤمنين قد ولاك جميع ما ولاه الله تعالى من بلاده ورد إليك أمر عباده فاتق الله فيما ولاك واعرف نعمته عليك ثم خلع على طغرلبك سبع جبات سود بزيق واحد وعمامة سوداء وطوق بطوق من ذهب وسور بسوارين من ذهب وأعطي سيفا بغلاف من ذهب ولقبه الخليفة وقرئ عهده عليه فقبل الأرض ويد الخليفة ثانيا وانصرف وقد جهز له فرس من إصطبلات الخليفة بمركب من ذهب مقندس فركب وانصرف إلى داره وبعث إلى الخليفة خمسين ألف دينار وخمسين مملوكا من

الترك بخيولهم وسلاحهم مع ثياب وغيرها
ولعل هذا كان ترتيبهم في لبس جميع ملوك الحضرة
وإن كان الذي يوليه الخليفة من ملوك النواحي البعيدة عن حضرة الخليفة كملوك مصر إذ ذاك ونحوهم جهز له التشريف من بغداد صحبة رسول من جهة الخليفة وهو جبة أطلس أسود بطراز مذهب وطوق من ذهب يجعل في عنقه وسواران من ذهب يجعلان في يده وسيف قرابه ملبس بالذهب وفرس بمركب من ذهب وعلم أسود مكتوب عليه بالبياض اسم الخليفة ينشر على رأسه كما كان يبعث إلى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم أخيه العادل
فإذا وصل ذلك إلى سلطان تلك الناحية لبس الخلعة والعمامة وتقلد السيف وركب الفرس وسار في موكبه حتى يصل إلى محل ملكه
وربما جهز مع خلعة السلطان خلع أخرى لولده أو وزيره أو أحد من أقاربه بحسب ما يقتضيه الحال حينئذ
وآخر من وصلت إليه الخلعة والطوق والتقليد من ملوك بني أيوب من بغداد الناصر يوسف بن العزيز بن السلطان صلاح الدين عن المستعصم في سنة خمس وخمسين وستمائة
وأما الوظائف المعتبرة عندهم فعلى ضربين

الضرب الأول وظائف أرباب السيوف وهي عدة وظائف
منها الوزارة في بعض الأوقات دون بعض
وقد ذكر القضاعي وغيره أن أول من لقب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال وزير أبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس ولم يكن ذلك قبله ثم جرى الأمر على ذلك في اتخاذ الخلفاء الوزراء إلى

انقراض الخلافة ببغداد بقتل التتار المستعصم في سنة ست وخمسين وستمائة ووزيره يومئذ مؤيد الدين بن العلقمي وقتله هولاكو ملك التتار بعد قتل المستعصم لممالأته على المستعصم مع التتار وهو آخر وزراء الخلافة ببغداد
ومنها الحجابة وكان موضوعها عندهم حفظ باب الخليفة والاستئذان للداخلين عليه لا التصدي للحكم في المظالم كما هو الآن
وقد ذكر القضاعي في تاريخ الخلائف ما يقتضي أن الخلفاء لم تزل تتخذ الحجاب من لدن الصديق رضي الله عنه فمن بعده خلا الحسن بن علي فإنه لم يكن له حاجب

ومنها ولاية المظالم وموضوعها قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة كما قاله الماوردي في الأحكام السلطانية وهي شبيهة بالحجوبية الآن في هذا المعنى وكانت عندهم من أعلى الوظائف وأرفعها رتبة لا يتولاها إلا ذوو الأقدار الجليلة والأخطار الحفيلة
ومنها النقابة على ذوي الأنساب كالطالبين والعباسيين ومن في معناهم كما في نقابة الأشراف الآن بالديار المصرية وأعمالها وكانت لديهم من وظائف أرباب السيوف ولذلك استصحب هذا المعنى في نقيب الأشراف الآن فيكتب في ألقابه الأميري وإن كان من أرباب الأقلام على ما سيأتي ذلك في كتابة

توقيعه إن شاء الله تعالى

الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام وهي نوعان دينية وديوانية
فأما الديوانية فأجلها الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم
وقد مر القول في ابتداء وزارة الخلفاء وانتهائها في الكلام على وزارة أرباب السيوف في الضرب الأول
وأما الدينية فمنها القضاء وكانت ولاية القضاء عن الخليفة تارة تكون عامة لبغداد وأعمالها وتارة قاصرة على بغداد أو أحد جانبيها
ومنها الحسبة وأمرها معروف
ومنها ولاية الأوقاف والنظر عليها
ومنها الولاية على المساجد والنظر في أمر الصلاة

ومن الوظائف الخارجة عن حضرة الخلافة لأرباب السيوف الإمارة على الجهاد والإمارة على الحج وغيرها
ومن الوظائف الخارجة عن الحضرة لأرباب الأقلام ولاية قضاء النواحي والحسبة بها إلى غير ذلك من ولايات زعماء الذمة وغيرهم

الحالة الثانية
ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية عند استيلاء التتار على بغداد لما بايع الملك الظاهر بيبرس البندقداري في سنة تسع وخمسين وستمائة المستنصر بن الظاهر أول الخلفاء بمصر على ما تقدم ذكره وكتب له عهد عنه بالسلطنة من إنشاء القاضي محي الدين بن عبد الظاهر وعمل له السلطان الدهاليز وآلات الخلافة ورتب له الجمدارية واستخدم له عسكرا عظيما وجهزه إلى بغداد للاستيلاء عليها فقتله التتار على ما تقدم

ثم لما بايع الظاهر أيضا الإمام الحاكم بأمر الله ثاني خلفائهم أيضا في سنة تسع وخمسين وستمائة على ما تقدم ذكره بقي مدة ثم أشركه معه في الدعاء في الخطبة على المنابر في سنة ست وستين وستمائة إلا أنه منعه من التصرف والدخول والخروج
ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف خليل ابن المنصور قلاوون فأطلق سبيله وأسكنه في الكبش على القرب من الجامع الطولوني وكان يخطب أيام الجمع بجامع القلعة إلى أن ولي السلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين فأباح له التصرف والركوب إلى حيث شاء وبقي الأمر على ذلك إلى أن ولي الخلافة المستعصم بالله أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان المرة الثانية بعد موت الملك الناصر محمد بن قلاوون ففوض إليه السلطان نظر المشهد النفيسي واستقر بأيدي الخلفاء إلى الآن
والذي استقر عليه حال الخلفاء بالديار المصرية أن الخليفة يفوض الأمور العامة إلى السلطان ويكتب له عند عهد بالسلطنة ويدعى له قبل السلطان على المنابر إلا في مصلى السلطان خاصة في جامع مصلاه بقلعة الجبل المحروسة ويستبد السلطان بما عدا ذلك من الولاية والعزل وإقطاع الإقطاعات حتى للخليفة نفسه ويستأثر بالكتابة في جميع ذلك
قلت ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن قبض على السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشام في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة على ما تقدم ذكره فاستقل الإمام المستعين بالله خليفة العصر بأمر الخلافة من الكتابة على العهود ومناشير الإقطاعات والتقاليد والتواقيع والمكاتبات وغيرها وأفرد

بالدعاء على المنابر وضرب اسمه على الدنانير والدراهم والطرز على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب الخلفاء وهيئته في لبسه عند ركوبه المدينة في المواكب أو غيرها
فعمامته مدورة لطيفة عليها رفرف من خلفه تقدير نصف ذراع في ثلث ذراع مرسل من أعلى عمامته إلى أسفلها وفوق ثيابه كاملية ضيقة الكم مفرجة الذيل من خلف وتحتها قباء ضيق الكم
أما تقليده السلطان السلطنة فالذي رأيته في بعض التواريخ في عهد الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن أبي الربيع سليمان إلى السلطان الملك المنصور أبي بكر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد مبايعة الحاكم المذكور عند موت أبيه في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة أنه طلع القضاة والأمراء إلى القلعة واجتمعوا بدار العدل وجلس الخليفة على الدرجة الثالثة من التخت وعليه خلعة خضراء وعلى رأسه طرحة سوداء مرقومة بالبياض وخرج السلطان من القصر إلى الإيوان من باب السر على العادة فقام له الخليفة والقضاة والأمراء وجاء السلطان فجلس على الدرجة الأولى من التخت دون الخليفة ثم قام الخليفة فقرأ ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) إلى آخر الآية وأوصى السلطان بالرفق بالرعية وإقامة الحق وإظهار شعائر الإسلام ونصرة الدين ثم قال فوضت إليك جميع أمر المسلمين وقلدتك ما تقلدته من أمور الدين
ثم قرأ ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) إلى آخر الآية ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة

سوداء مرقومة الطرف بالبياض فألبسها السلطان وقلده سيفه ثم أتي بالعهد المكتوب عن الخليفة للسلطان فقرأه القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر إلى آخره فلما فرغ من قراءته تناوله الخليفة فكتب عليه ما صورته فوضت إليه ذلك وكتب أحمد بن عم محمد صلى الله عليه و سلم وكتب القضاة الأربعة شهادتهم بالتولية ثم أتي بالسماط على العادة
وأخبرني من حضر تقليد السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق عن الإمام المتوكل على الله أبي الفتح محمد المشار إليه فيما تقدم أنه حضر الخليفة وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني والقضاة الأربعة وأهل العلم وأمراء الدولة إلى مقعد بالإصطبلات السلطانية يعرف بالحراقة وجلس الخليفة في صدر المكان على مقعد مفروش له ثم أتى السلطان وهو يومئذ حدث فجلس بين يديه وسأله شيخ الإسلام عن بلوغه الحلم فأجاب بالبلوغ فخطب الخليفة خطبة ثم خاطب السلطان بتفويض الأمر إليه على ما نحو ما تقدم ذكره ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة سوداء مرقومة فوقها طرحة سوداء مرقومة ثم جلس الخليفة في مكانه الذي كان جالسا فيه ونصب للسلطان كرسي إلى جانب مقعد الخليفة فجلس عليه وجلس الأمراء والقضاة حوله على قدر منازلهم وقد استقرت جائزة تقليد السلطنة للخليفة ألف دينار مع قماش سكندري

أما حضوره بمجلس السلطان في عامة الأيام عند حضوره إلى السلطان لسلام أو مهم أو غير ذلك فقد أخبرني بعض جماعة الخليفة أن الامام المتوكل المتقدم ذكره كان إذا حضر إلى مجلس السلطان الظاهر قام له وربما مشى إليه خطوات وجلس على طرف المقعد وأجلس الخليفة إلى جانبه

الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر مملكة الديار المصرية ومضافاتها
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في مملكة الديار المصرية ومضافاتها وفيه طرفان
الطرف الأول في الديار المصرية وفيه اثنا عشر مقصدا
القصد الأول في فضلها ومحاسنها
أما فضلها فقد ورد في الكتاب والسنة ما يشهد لها بالفضيلة ويقضي لها بالفخر قال تعالى ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) يريد بالقوم بني إسرائيل وبالأرض أرض مصر ووصفها بالبركة إما بمعنى الفضل كما في قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله )
وإما من الخصب وسعة الرزق بدليل قوله تعالى مخبرا عن قوم فرعون ( فأخرجناهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين )

وقال جل وعز ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ) فأمر بالعبادة في بيوتها إشارة إلى شرف أرضها ورفعة قدرها
وقد ذكر الله تعالى اسمها في غير موضع من كتابه العزيز في ضمن قصص الأنبياء عليهم السلام فقال تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام ( وقال الذي اشتراه من مصر لإمرأته أكرمي مثواه ) وفي موضع آخر ( وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) وقال حكاية عن فرعون لعنه الله ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) وفي معناه قوله تعالى خطابا لبني إسرائيل ( اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم ) على قراءة الحسن والأعمش مصر غير مصروف
قال القضاعي وكذلك قراءة من قرأ ( اهبطوا مصرا ) مصروفا بناء على أن مصر مذكر سمي به مذكرا فلم يمنع الصرف فيه والتصريح بذكرها دون غيرها من الأقاليم دليل الشرف والفضل
وقد ورد أن النبي قال ( إنكم ستفتحون بلادا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لأهلها نسبا وصهرا ) ح أراد بالنسب هاجر أم إسماعيل عليه السلام وكان بعض ملوك مصر قد وهبها لزوجته سارة وأراد بالصهر مارية أم إبراهيم ولد النبي كان المقوقس قد أهداها للنبي في جملة هديته

ويروى أن النبي قال ( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذاك خير جند الأرض قيل ولم ذاك يا رسول الله قال لأنهم في رباط إلى يوم القيامة ) ح
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال ( مصر أطيب الأرضين ترابا وعجمها أكرم العجم نصابا )
ويقال في التوراة مصر خزائن الله فمن أرادها بسوء قصمه الله )
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة
ومن كلام كعب الأحبار مصر بلد معافى من الفتن فمن أرادها بسوء كبه الله على وجهه
ووصفها الكندي فقال جبلها مقدس ونيلها مبارك وبها الطور الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام
قال كعب الأحبار كلم الله تعالى موسى من الطور إلى طوى وفي التوراة واد مقدس أفيح يريد وادي موسى عليه السلام
ودخلها جماعة من الأنبياء عليهم السلام منهم إبراهيم ويعقوب ويوسف وإخوته عليهم السلام

ونقل في الروض المعطار عن الجاحظ أن عيسى بن مريم عليه السلام ولد بها بكورة أهناس الآتي ذكرها في كور مصر المقدسة وأن نخلة مريم كانت بأهناس قائمة إلى زمانه
وذكر أيضا أن موسى عليه السلام ولد بها بمدينة أسكر شرقي النيل وهي الآن قرية من الأعمال الإطفيحية الآتي ذكرها في أعمال الديار المصرية
وبها سجن يوسف عليه السلام بمدينة بوصير الخراب من الأعمال الجيزية على القرب من البدرشين
قال القضاعي أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان وأن الوحي كان ينزل عليه به وسطحه معروف بإجابة الدعاء
سأل كافور الإخشيدي الإمام أبا بكر بن الحداد الفقيه الشافعي عن موضع يستجاب فيه الدعاء فأشار عليه بالدعاء على سطح هذا السجن

قال القضاعي وعلى القرب منه مسجد موسى عليه السلام وهو مسجد مبارك
وبسفح المقطم بالقرافة الصغرى قبر يهوذا وروبيل من إخوة يوسف عليه السلام
وقد روي أنه دخلها من الصحابة رضوان الله عليهم ما يزيد على مائة رجل ودفن بقرافتها جماعة منهم فيما ذكره ابن عبد الحكم عن ابن لهيعة خمسة نفر وهم عمرو بن العاص وعبد الله بن حذافة وأبو بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني وعبد الله بن الحارث الزبيدي وهو آخرهم موتا
قال القضاعي وذكر غير ابن لهيعة أن مسلمة بن مخلد الأنصاري أيضا مات بها وهو أميرها
أما محاسنها فلا شك أن مصر مع ما اشتملت عليه من الفضائل وحفت به

من المآثر أعظم الأقاليم خطرا وأجلها قدرا وأفخمها مملكة وأطيبها تربة وأخفها ماء وأخصبها زرعا وأحسنها ثمارا وأعدلها هواءا وألطفها ساكنا
ولذلك ترى الناس يرحلون إليها وفودا ويفدون عليها من كل ناحية وقل أن يخرج منها من دخلها أو يرحل عنها من ولجها مع ما اشتملت عليه من حسن المنظر وبهجة الرونق لا سيما في زمن الربيع وما يبدو بها من الزروع التي تملأ العين وسامة وحسنا وتروق صورة ومعنى
قال المسعودي وصف الحكماء مصر فقالوا ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء وثلاثة أشهر مسكة سوداء وثلاثة أشهر زمردة خضراء وثلاثة أشهر سبيكة حمراء
فاللؤلؤة البيضاء زمان النيل والمسكة السوداء زمان نضوب الماء عن أرضها والزمردة الخضراء زمان طلوع زروعها والسبيكة الحمراء زمان هيج الزرع واكتهاله
وقد قيل لو ضرب بينها وبين غيرها من البلاد سور لغني أهلها بها عما سواها ولما احتاجوا إلى غيرها من البلاد وناهيك ما أخبر الله تعالى به عن فرعون مع عتوه وتجبره وادعائه الربوبية بافتخاره بملكها بقوله ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون )
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات وهي إقليم العجائب

ومعدن الغرائب كان أهلها أهل ملك عظيم وعز قديم وإقليمها أحسن الأقاليم منظرا وأوسعها خيرا وفيها من الكنوز العظيمة ما لا يدخله الإحصاء حتى يقال إنه ما فيها موضع إلا وفيه كنز
قلت أما ما ذكره أحمد بن يعقوب الكاتب في كتابه في المسالك والممالك من ذمه مصر بقوله هي بين بحر رطب عفن كثير البخارات الرديئة يولد الأدواء ويفسد الغذاء وبين جبل وبر يابس صلد لشدة يبسه لا تنبت فيه خضراء ولا تتفجر فيه عين ماء فكلام متعصب خرق الإجماع وأتى من سخيف القول بما تنفر عنه القلوب وتمجه الأسماع وكفى به نقيصة أن ذم النيل الذي شهد العقل والنقل بتفضيله وغض من المقطم الذي وردت الآثار بتشريفه

المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها وما بها من الآثار القديمة
أما خواصها فمن أعظمها خطرا معدن الزمرد الذي لا نظير له في سائر أقطار الأرض وهو في مغارة في جبل على ثمانية أيام من مدينة قوص يوجد عروقا خضرا في تطابيق حجر أبيض وأفضله الذبابي وهو أقل من القليل بل لا يكاد يوجد
ولم يزل هذا المعدن يستخرج منه الزمرد إلى أثناء الدولة الناصرية

محمد بن قلاوون فأهمل أمره وترك
قال في مسالك الأبصار وجميع ملوك الأرض وأهل الآفاق تستمد منه
وقد مر القول عليه في جملة الأحجار الملوكية في أواخر المقالة الأولى
وأعظم خطرا منه وأرفع شأنا البلسان الذي تسميه العامة البلسم وهو نبات يزرع ببقعة مخصوصة بأرض المطرية من ضواحي القاهرة على القرب من عين شمس ويسقى من بئر مخصوصة هناك يقال إن المسيح عليه السلام اغتسل بها حين قدمت به أمه إلى مصر والنصارى تزعم أنه حفرها بعقبه وهو طفل حين وضعته أمه هناك
ومن خاصتها أن البلسان لا يعيش إلا بمائها ولا يوجد في بقعة من بقاع الأرض غير هذه البقعة
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات وطول هذه الأرض ميل في ميل وشأنه أنه يفصد في شهر كيهك من شهور القبط ويجمع ما يسيل من دهنه ويصفى ويطبخ ويحمل إلى خزانة السلطان ثم ينقل منه قدر معلوم إلى قلاع

الشام والبيمارستان ليستعمل في بعض الأدوية وملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج يستهدونه من صاحب مصر ويهادونه بسببه لما يعتقدونه فيه من أثر المسيح عليه السلام في البئر وله عليهم بذلك اليد الطولى والمنة العظمى لا يساويه عندهم ذهب ولا جوهر
قال في مسالك الأبصار والنصارى كافة تعتقد فيه ما تعتقد وترى أنه لا يتم تنصر نصراني حتى يوضع شيء من هذا الدهن في ماء المعمودية عند تغطيسه فيها
وبها معدن النطرون وهو منها في مكانين
أحدهما بركة النطرون التي بالجبل الغربي غربي عمل البحيرة الآتي ذكره في جملة أعمالها المستقرة وهي من أعظم المعادن وأكثرها متحصلا على حقارة النطرون وقلة ثمنه
قال في التعريف لا يعرف في الدنيا بركة صغيرة يستغل منها نظيرها فإنها نحو مائة فدان تغل نحو مائة ألف دينار

والثاني مكان بالخطارة من الشرقية ولا يبلغ في الجودة مبلغ البركة الأولى ولا يبلغ في المتحصل قريبا من ذلك
وبها أيضا معدن الشب على القرب من أسوان وهو من المعادن الكثيرة المتحصل أيضا إلى غير ذلك من الخواص
وبها معدن النفط على ساحل بحر القلزم يسيل دهنه من أعلى جبل قليلا قليلا وينزل إلى أسفله فيتحصل في دبار قد وضعها له الأولون وتأتي العرب فتحمله إلى خزائن السلاح السلطانية
وأما عجائبها فكثيرة
منها جبل الطير شرقي النيل مقابل منية أبي خصيب فيه صدع يأتي إليه جنس البواقير من الطير وهو المعروف بالبح في يوم من السنة فيضعون مناقيرهم في ذلك الصدع واحدا بعد واحد حتى يتعلق منها واحد في ذلك الصدع فيتركونه ويذهبون
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات قال أبو بكر الموصلي سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصبا يقبض على طائرين وان كان متوسطا يقبض على طائر واحد وإن كان جدبا لم يقبض على شيء

ومنها مكان بالجبل الشرقي عن النيل على القرب من أنصنا به تلال رمل إذا صعد إلى أعلاها وكسح الرمل إلى أسافلها سمعت له أصوات كالرعد يسمع من البر الغربي من النيل
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنه إذا كان الذي صعد على ذلك المكان جنبا أو كانوا جماعة فيهم جنب لم يسمع شيء من تلك الأصوات لو كسح الرمل
ومنها مكان بالجبل المذكور على القرب من إخميم به تلال رمل إذا كسحها الإنسان من أعلى إلى أسفل عادت إلى ما كانت عليه وارتفع الرمل من أسفلها إلى أعلاها
قال في الروض المعطار وعلى النيل جبل يراه أهل تلك الناحية من انتضى سيفه وأولجه فيه وقبض على مقبضه بيديه جميعا اضطرب السيف في يديه وارتعد فلا يقدر على إمساكه ولو كان أشد الناس وإذا حد بحجارة هذا الجبل سكين أو سيف لا يؤثر فيه حديد أبدا وجذب الإبر والمسال أشد جذبا من المغناطيس ولا يبطل فعلها بالثوم كما يبطل المغناطيس أما الحجر نفسه فإنه لا يجذب
قال القضاعي وبجبل زماخير الساحرة يقال إن فيه خلقة من الجبل ظاهرة مشرفة على النيل لا يصل إليها أحد يلوح فيها خط مخلوق باسمك اللهم
وعلى القرب من الطور عين ماء في أجمة رمل ينبع الماء من وسطها فوارات لطيفة وينبسط ماؤها حولها نحو الذراع ثم يغوص في الرمل فلا يظهر له

أثر ولا يعرف أحد إلى أين يذهب وهي على ذلك مدى الدهور والأيام لا ينقطع نبعها ولا يجتمع ماؤها في مكان يدركه البصر وعجائبها أكثر من أن تذكر

المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه وما تنتهي
إليه زيادته وما تصل إليه في النقص وقاعدته
أما ابتداؤه وانتهاؤه فاعلم أن ابتداءه من أول الخراب الذي هو جنوبي خط الاستواء المقدم ذكره ولذلك عسر الوقوف على حقيقة خبره
وقد ذكر الحكماء أنه ينحدر من جبل القمر إما بفتح القاف والميم كما هو المشهور وإما بضم وسكون الميم كما نقله في تقويم البلدان عن ضبط ياقوت في المشترك وابن سعيد في معجمه
قال في رسم المعمور وطرفه الغربي عند طول ست وأربعين ونصف وعرض إحدى عشرة ونصف في الجنوب وطرفه الشرقي حيث الطول إحدى وستون درجة ونصف والعرض بحاله
قال في الرسم ولونه أحمر
وذكر الطوسي أنهم شاهدوه على بعد ولونه أبيض لما غلب عليه من الثلج
واعترضه

في تقويم البلدان بأن عرض إحدى عشرة في غاية الحرارة لا سيما في الجنوب لحضيض الشمس
قال بطليموس والنيل ينحدر من الجبل المذكور من عشرة مسيلات بين كل مسيلين منها درجة في الطول المقدم بيانه والغربي منها وهو الأول عند طلوع ثمان وأربعين درجة والثاني عند طلوع تسع وأربعين وعلى ذلك حتى يكون العاشر منها عند طلوع سبع وخمسين كل مسيل منها نهر ثم تجتمع العشرة وتصب في بطيحتين كل خمسة منها تصب في بطيخة ثم يخرج من كل واحدة من البطيحتين أربعة أنهار ثم تتفرع إلى ستة أنهار وتسير الستة في جهة الشمال حتى تصب في بحيرة مدورة عند خط الاستواء تعرف ببحيرة كوري فيفترق النيل منها ثلاث فرق ففرقة تأخذ شرقا وتذهب إلى مقدشو من بلاد الحبشة المسلمين على ساحل البحر الهندي مقابل بلاد اليمن
وفرقة تأخذ غربا وتذهب إلى التكرور وغانة من مملكة مالي من بلاد السودان وتمر حتى تصب في البحر المحيط الغربي عند جزيرة أوليل وتسمى نيل السودان وفرقة تأخذ شمالا وهي نيل مصر فيمر في الشمال على بلاد زغاوة وهي أول ما يلقى من

بلاد السودان
ثم يمر على بلاد النوبة حتى ينتهي إلى مدينتها دنقلة الآتي ذكرها في الكلام على ممالك السودان
ثم يمر شمالا بميلة إلى الغرب إلى طول إحدى وخمسين وعرض سبع عشرة على حاله
ثم يمر مغربا بميلة قليلة إلى الشمال إلى طول اثنتين وثلاثين وعرض تسع عشرة
ثم يرجع مشرقا إلى طول إحدى وخمسين
ثم يمر في الشمال إلى الجنادل وهو الجبل الذي ينحدر عليه النيل بين منتهى مراكب النوبة في انحدارها ومراكب مصر في صعودها حيث الطول ست وخمسون درجة والعرض اثنتان وعشرون درجة
ثم يمر شمالا إلى مدينة أسوان الآتي ذكرها في أعمال الديار المصرية على القرب من الجنادل المقدمة الذكر
ويمر شمالا بميلة إلى الغرب إلى طول ثلاث وخمسين وعرض أربع وعشرين ثم يشرق إلى طول خمس وخمسين
ثم يأخذ في الشمال حتى ينتهي إلى مدينة الفسطاط الآتي ذكرها في قواعد مصر المستقرة
ويمتد في جهة الشمال أيضا حتى يصير بالقرب من قرية تسمى شطنوف من قرى مصر من عمل منوف فيفترق بفرقتين فرقة شرقية وفرقة غربية فأما

حذف 0

الفرقة الشرقية فتمر في الشمال حتى تأتي على قرية تسمى المنصورة من عمل المرتاحية فتتشعب شعبتين وتمر الغربية منهما وهي العظمى إلى دمياط من شرقيها وتصب في بحر الروم حيث الطول ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون وخمس وعشرون دقيقة وتمر الشرقية منهما على أشموم طناح من غربيها حتى تجاوز بلاد المنزلة وتصب في بحيرة شرقي دمياط حتى بحيرة تنيس حيث الطول أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة
وأما الفرقة الغربية فتمر من شطنوف المقدم ذكرها حتى تأتي بالقرب من قرية تسمى بأبي نشابة من عمل البحيرة فتتشعب شعبتين الغربية منهما وهي العظمى تأخذ شمالا بين عمل البحيرة من شرقيها وبين جزيرة بني نصر من غربيها والشرقية تأخذ شمالا أيضا بين جزيرة بني نصر من شرقيها وبين عمل الغربية من غربيها
ويسمى هذا البحر بحر أبيار ويمر حتى يلتقي مع الفرقة الغربية عند قرية تسمى الفرستق من الغربية بالقرب من مدينة أبيار المنسوب إليها البحر المقدم ذكره ويصير شعبة واحدة ويمر حتى يصب في البحر الرومي غربي قرية تسمى رشيد حيث الطول ثلاث وخمسون والعرض إحدى وثلاثون

ومن هذه الفرقة يتفرع خليج صغير يدخل إلى بحيرة نستروه الآتي ذكرها في جملة البحيرات ويتفرع من كل فرقة من هذه الفرق وما يليها من أعلى النيل خلجان يأتي ذكر المشهور منها فيما بعد إن شاء الله تعالى
وأما زيادته ونقصه فقد اختلف في مدد زيادته فنقل المسعودي عن العرب أنه يستمد من الأنهار والعيون
ولذلك تغيض الأنهار والعيون عند زيادته
وإذا غاض زادت ويؤيده ما روى القضاعي بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال إن نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب أن يمده فأمدته الأنهار بمائها وفجر الله له الأرض عيونا فانتهى جريه إلى ما أراد الله فأوحى الله إلى كل منها أن يرجع إلى عنصره
ويقال عن أهل الهند زيادته ونقصه بالسيول ويعرف ذلك بتوالي الأنواء وكثرة الأمطار وركود السحاب
وقالت القبط زيادته من عيون في شاطئه رآها من سافر ولحق بأعاليه ويؤيده ما رواه القضاعي بسنده إلى يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لكعب الأحبار أسألك بالله هل تجد لهذا النيل في كتاب الله عز و جل خبرا قال إي والله إن الله عز و جل يوحي إليه في كل عام مرتين يوحي إليه عند خروجه فيقول إن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله له ثم يوحي إليه بعد ذلك فيقول يا نيل إن الله يأمرك أن تنزل فينزل
ولا شك أن جميع الأقوال المتقدمة فرع لهذا القول وهو أصل لجميعها
وبكل حال فإنه يبدأ بالزيادة في الخامس من بؤنه من شهور القبط وفي

ليلة الثاني عشر منه يوزن الطين ويعتبر به زيادة النيل بما أجرى الله تعالى العادة به بأن يوزن من الطين الجاف الذي يعلوه ماء النيل زنة ستة عشر درهما على التحرير ويرفع في ورقة أو نحوها ويوضع في صندوق أو غير ذلك ثم يوزن عند طلوع الشمس فمهما زاد اعتبرت زيادته كل حبة خروب بزيادة ذراع على الستة عشر درهما
وفي السادس والعشرين منه يؤخذ قاع البحر وتقاس عليه قاعدة المقياس التي تبنى عليها الزيادة
وفي السابع والعشرين ينادى عليه بالزيادة ويحسب كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعا إلى أن يكمل اثني عشر ذراعا فيحسب كل ذراع أربعا وعشرين أصبعا فإذا وفى ستة عشر ذراعا وهو المعبر عنه بماء السلطان كسر خليج القاهرة وهو يوم مشهود وموسم معدود ليس له نظير في الدنيا وفيه تكتب البشارات بوفاء النيل إلى سائر أقطار المملكة وتسير بها البرد ويكون وفاؤه في الغالب في مسرى من شهور القبط وفيها جل زيادته

وفي النيروز وهو أول يوم من توت يكثر قطع الخلجان والترع عليه وربما اضطرب لذلك ثم عاد
وفي عيد الصليب وهو السابع عشر من توت المذكور يقطع عليه غالب بقية الترع
وقد حكى القضاعي عن ابن عفير وغيره عن القبط المتقدمين أنه إذا كان الماء في اثني عشر يوما من مسرى اثني عشر ذراعا فهي سنة ماء وإلا فالماء ناقص وإذا تم الماء ستة عشر ذراعا قبل النيروز فالماء يتم ثم غالب وفائه يكون في النصف الأول من مسرى وربما وفى في النصف الثاني منها وقد يتأخر عن ذلك
وفي الثامن من بابه يكون نهاية زيادته
ورأيت في تاريخ النيل أنه تأخر وفاؤه في سنة ثمان وسبعمائة إلى تاسع عشر بابه فوفى ستة عشر ذراعا وزاد أصبعين بعد ذلك في يومين كل يوم أصبع بعد أن استسقى الناس أربع مرات وهذا مما لم نسمع بمثله في دهر من الدهور
وقد جرت عادته أنه من حين ابتداء النداء بزيادته في السابع والعشرين من بؤنه إلى آخر أبيب تكون زيادته خفيفة ما بين أصبعين فما حولهما إلى نحو

العشرة وربما زاد على ذلك
فإذا دخلت مسرى اشتدت زيادته وقويت فيزيد العشرة فما فوقها وربما زاد دون ذلك
وأعظم ما تكون زيادته على القرب من الوفاء حتى ربما بلغ سبعين أصبعا
ومن العجيب أنه يزيد في يوم الوفاء سبعين أصبعا مثلا ثم يزيد في صبيحة يوم الوفاء أصبعين فما حولهما ويتم على ذلك
وله في آخر بابه زيادة قليلة يعبر عنها بصبة بابه لما ينصب إلى النيل من ماء الأملاق
وقد ذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم وغيره أنه لما فتح المسلمون مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل شهر بؤنة فقالوا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها وهو أنه إذا كان اثنا عشر من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها فأرضيناهما فيها وزيناها بأفضل الزينة وألقيناها فيه
فقال هذا مما لا يكون في الإسلام فأقاموا أبيب ومسرى وهو لا يزيد قليلا ولا كثيرا فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرفه ذلك فكتب إليه أن أصبت وكتب رقعة إلى النيل فيها
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر
أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك
وبعث بها إليه فألقاها في النيل وقد تهيأ أهل مصر للخروج منها فأصبحوا يوم الصليب وقد بلغ في ذلك اليوم ستة عشر ذراعا

ويروى أنه وقع مثل ذلك في زمن موسى عليه السلام وهو أن موسى عليه السلام دعا على آل فرعون فحبس الله عنهم النيل حتى أرادوا الجلاء فرغبوا إلى موسى فدعا لهم بإجراء النيل رجاء أن يؤمنوا فأصبحوا وقد أجراه الله في تلك الليلة ستة عشر ذراعا
ورأيت في تاريخ النيل المتقدم ذكره أنه في زمن المستنصر أحد خلفاء الفاطميين بمصر مكث النيل سنتين لم يطلع وطلع في السنة الثالثة وأقام إلى الخامسة لم ينزل ثم نزل في وقته ونضب الماء عن الأرض فلم يوجد من يزرعها لقلة الناس ثم طلع في السنة السادسة وأقام حتى فرغت السابعة ولم يبق إلا صبابة من الناس ولم يبق في الأقاليم ما يمشي على أربع غير حمار يركبه الخليفة المستنصر وأنه وفى ست عشرة ذراعا في ليلة واحدة بعد أن كان يخاض من بر إلى بر وأقل ما انتهى إليه قاع النيل في النقص ذراع واحد وعشرة أصابع ووقع ذلك من سنة الهجرة وإلى آخر الثانمائة مرتين فقط المرة الأولى في سنة خمس وستين ومائة من الهجرة
وبلغ النيل فيها أربع عشرة ذراعا وأربعة عشر أصبعا
والمرة الثانية في سنة خمس وثمانين وأربعمائة
وبلغ فيها سبع عشرة ذراعا وخمسة أصابع
وقد وقع مثل ذلك في زماننا في سنة ست وثمانمائة
وأغي ما انتهى إليه القاع في الزيادة مما رأيته مسطورا إلى آخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة تسعة أذرع
وسمعت بعض الناس يقول إنه في سنة خمس وستين وسبعمائة كان القاع اثنتي عشرة ذراعا

وأقل ما بلغ النقص في نهاية الزيادة اثنا عشر ذراعا وأصبعان وذلك في سنة أربع وعشرين وأربعمائة وأغي ما كان ينتهي إليه في الزمن المتقدم ثمانية عشر ذراعا حتى تعجب الناس من نيل بلغ تسع عشرة ذراعا في زمن عمر بن عبد العزيز ثم انتهى في المائة السابعة إلى أن صار يجاوز العشرين في بعض الأحيان
ومن العجيب أنه في سنة تسع وسبعين وثلثمائة كان القاع على تسع أذرع ولم يوف بل بلغ خمس عشرة ذراعا وخمس أصابع وفي سنين كثيرة كان القاع فيها دون الذراعين وجاوز الوفاء إلى ثماني عشرة ذراعا فما دونها
ولا عبرة بقول المسعودي في مروج الذهب إن أقل ما يكون القاع ثلاثة أذرع وإنه في مثل تلك السنة يكون متقاصرا فقد تقدم ما يخالف ذلك ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة )
قلت وقد جرت عادة صاحب المقياس أنه يعتبر قياسه زمن الزيادة في كل يوم وقت العصر ثم ينادي عليه من الغد بتلك الزيادة أصابع من غير تصريح بذرع إلا أنه يكتب في كل يوم رقاعا لأعيان الدولة من أرباب السيوف والأقلام كأرباب الوظائف من الأمراء وقضاة القضاة من المذاهب الأربعة وكاتب السر وناظر

الخاص وناظر الجيش والمحتسب ومن في معناهم فيذكر زيادته في ذلك اليوم من الشهر العربي وموافقه من القبطي من الأصابع وما صار إليه من الأذرع ويذكر بعد ذلك ما كانت زيادته في العام الماضي في ذلك اليوم من الأصابع وما صار إليه من الأذرع والبعادة بينهما بزيادة أو نقص ولا يطلع على ذلك عوام الناس ورعاعهم فإذا وفى ستة عشر ذراعا صرح في المناداة في كل يوم بما زاد من الأصابع وما صار إليه من الأذرع ويصير ذلك مشاعا عند كل أحد
وأما مقاييسه فقد ذكر إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب العجائب أن أول من وضع مقياسا للنيل خصليم السابع من ملوك مصر بعد الطوفان صنع بركة لطيفة وركب عليها صورتي عقاب من نحاس ذكر وأنثى يجتمع عندها

كهنتهم وعلماؤهم في يوم مخصوص من السنة ويتكلمون بكلام فيصفر أحد العقابين
فإن صفر الذكر استبشروا بزيادة النيل وإن صفرت الأنثى استشعروا عدم زيادته فهيأوا ما يحتاجون إليه من الطعام لتلك السنة
قال المسعودي وقد سمعت جماعة من أهل الخبرة يقولون إن يوسف عليه السلام حين بنى الأهرام اتخذ مقياسا لمعرفة زيادة النيل ونقصانه
قال القضاعي وذلك بمدينة منف وقيل إن النيل كان يقاس بأرض يقال لها علوة إلى أن بني مقياس منف وأن القبط كانت تقيس عليه إلى أن بطل
قلت وموضع المقياس بمنف إلى الآن معروف على القرب من الأهراء اليوسفية من جهة البلدة المعروفة بالبدرشين وقيل كانوا يقيسونه بالرصاصة
قال المسعودي ووضعت دلوكة العجوز ملكة مصر بعد فرعون مقياسا بأنصنا صغير الأذرع ووضعت مقياسا آخر بإخميم ووضعت الروم مقياسا بقصر الشمع
قال القضاعي وكان المقياس قبل الفتح بقيسارية الأكسية بالفسطاط إلى أن ابتنى المسلمون أبنيتهم بين الحصن والبحر ثم جاء الإسلام وفتحت مصر والمقياس بمنف

كان النيل يقاس بمنف ويدخل القياس إلى الفسطاط فينادي به ثم بنى عمرو بن العاص مقياسا بأسوان ثم بنى مقياسا بدندرة ثم بنى في أيام معاوية مقياسا بأنصنا
فلما ولي عبد العزيز بن مروان مصر بنى مقياسا صغير الأذرع بحلوان من ضواحي الفسطاط ثم لما ولي أسامة بن زيد التنوخي بنى مقياسا في جزيرة الصناعة المعروفة الآن بالروضة بأمر سليمان بن عبد الملك أحد خلفاء بني أمية سنة سبع وتسعين من الهجرة وهو أكبرها ذرعا ثم بنى المتوكل مقياسا أسفل الأرض بالجزيرة المذكورة في سنة سبع وأربعين ومائتين في ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهو المعمول عليه إلى زماننا هذا
وكانت النصارى تتولى قياسه فعزلهم المتوكل عنه ورتب فيه أبا الرداد عبد الله بن عبد السلام بن أبي الرداد المؤدب وكان رجلا صالحا فاستقر قياسه في بنيه إلى الآن ثم أصلحه أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين
ثم كل ذراع يعتبر بثمانية وعشرين أصبعا إلى تمام اثنتي عشرة ذراعا ثم

يكون كل ذراع أربعة وعشرين أصبعا فلما أردوا وضعه على ستة عشر ذراعا وزعوا الذراعين الزائدين وهما ثمانية وأربعون أصبعا على اثني عشر ذراعا لكل ذراع منها أربعة أصابع فصار كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعا وبقي الزائد على ذلك كل ذراع أربعة وعشرون أصبعا
قال القضاعي وكان سبب ذلك فيما ذكره الحسن بن محمد بن عبد المنعم في رسالة له أن المسلمين لما فتحوا مصر عرض على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يلقاه أهلها من الغلاء عند وقوف النيل في حد المقياس لهم فضلا عن تقاصره ويدعوهم ذلك إلى الإحتكار والاحتكار يدعوهم إلى زيادة الأسعار فكتب عمر إلى عمرو بن العاص يسأله عن حقيقة ذلك فأجابه إني وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها أربع عشرة ذراعا والحد الذي يروى منه سائرها حتى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ست عشرة ذراعا والنهايتان المخوفتان في الزيادة والنقصان في الظمأ والاستبحار اثنتا عشرة ذراعا في النقصان وثماني عشرة ذراعا في الزيادة
فاستشار عمر رضي الله عنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في ذلك فأشار بأن يكتب إليه أن يبني مقياسا وأن يفض ذراعين على اثنتي عشرة ذراعا ويبقي ما بعدهما على الأصل
قال القضاعي وفي هذا نظر في وقتنا لزيادة فساد الأنهار وانتقاض الأحوال وشاهد ذلك أن المقاييس القديمة الصعيدية من أولها إلى آخرها أربعة وعشرون أصبعا كل ذراع بغير زيادة على ذلك
قال المسعودي فإذا تم النيل خمس عشرة ذراعا ودخل في ست عشرة كان فيه صلاح لبعض الناس ولا يستسقى فيه وكان فيه نقص من خراج السلطان وإذا انتهت الزيادة إلى ستة عشر ذراعا ففيه تمام خراج السلطان وأخصب الناس

وفيه ظمأ ربع البلد وهو ضار للبهائم لعدم المرعى
قال وأتم الزيادات العامة النافعة للبلد كله سبع عشرة ذراعا وذلك كفافها وري جميع أرضها
وإذا زاد على السبع عشرة ذراعا وبلغ ثماني عشرة استبحر من مصر الربع وفي ذلك ضرر لبعض الضياع
قال وذلك أكثر الزيادات
قلت هذا ما كان عليه الحال في زمانه وما قبله وكان الحال جاريا على ما ذكره في غالب السنين إلى ما بعد السبعمائة
أما في زماننا فقد علت الأرض مما يرسب عليها من الطين المحمولة مع الماء في كل سنة وضعفت الجسور وصار النيل بحكمة الله تعالى إلى ثلاثة أقسام متقاصرة وهي ست عشرة ذراعا فما حولها ومتوسطة وهي سبع عشرة ذراعا إلى ثمان عشرة ذراعا فما حولها وعالية وهي ما فوق ثمان عشرة وربما زادت على العشرين

المقصد الرابع في ذكر خلجانها وخلجانها القديمة ستة خلج
الخليج الأول المنهى
وهو الخليج الذي حفره يوسف الصديق عليه السلام ومخرجه بالقرب من دروة سربام من عمل الأشمونين الآتي ذكرها وهي المعروفة بدروة

الشريف ويأخذ شمالا إلى مدينة البهنسي ثم إلى قرية اللاهون من عمل البهنسي ويمر في الجبل حتى يجاوزه إلى إقليم الفيوم ويمر بمدينة وينبث في نواحيه
وهذا النهر من غرائب أنهار الدنيا تجف فوهته في أيام نقص النيل وباقيه يجري في موضع ويجف في آخر إلى إقليم الفيوم فيجري شتاء وصيفا من أعين تتفجر منه ولا يحتاج إلى حفر قط
ويقال إن يوسف عليه السلام حفره بالوحي ومياهه منقسمة على استحقاق مقدر كما في دمشق من البلاد الشامية
وقال في الروض المعطار وكانت مقاسمه بحجر اللاهون على القرب من القرية المنسوبة إليه المتقدمة الذكر
قال وهو من عجائب الدنيا وهو شاذروان بين قبتين من أحكم صنعة مدرج على ستين درجة فيها فوارات في أعلاها وفي وسطها وفي أسفلها يسقي الأعلى الأرض العليا والأوسط الأرض الوسطى والاسفل الأرض السفلى بوزن وقدر معلوم
قال ويقال إن يوسف عليه السلام عمله بالوحي وإن ملك مصر يومئذ لما عاينه قال هذا من ملكوت السماء
ويقال إنه عمل من الفضة والنحاس والرخام
قلت قد ذهبت معالم هذا اللاهون وبقي بعض بنائه ونقلت المقاسم إلى مكان آخذ بالفيوم تسقى الآن الأراضي على حكمها

ومن غرائب أمره أن به التماسيح التي لا تحصى كثرة ولم يشتهر في زمن من الأزمان أنها آذت أحدا قط

الخليج الثاني خليج القاهرة الذي يكسر سده يوم وفاء النيل
حفره عمرو بن العاص وهو أمير مصر في خلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
قال القضاعي أمر بحفره عام الرمادة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وساقه إلى بحر القلزم فلم يتم عليه الحول حتى جرت فيه السفن وحمل فيها الزاد والأطعمة إلى مكة والمدينة ونفع الله بذلك أهل الحجاز
وذكر الكندي في كتاب الجند العربي أن حفره كان سنة ثلاث وعشرين من الهجرة وفرغ منه في ستة أشهر وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع
قال الكندي ولم يزل يحمل فيه الطعام حتى حمل فيه عمر بن العزيز ثم أضاعته الولاة فترك وغلب عليه الرمل وصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية الطور والقلزم

وذكر ابن قديد أن أبا جعفر المنصور أمر بسده حين خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ليقطع عنه الطعام
ولم يكن عليه قنطرة إلى أن بنى عليه عبد العزيز بن مروان قنطرة في سنة تسع وستين
وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب أنه انقطع جريان هذا الخليج عن الإسكندرية إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة لردم جميعها وصار شرب أهلها من الآبار
قال ابن عبد الظاهر وليس لها أثر في هذا الزمان
قال وإنما بنى السلطان الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب هاتين القنطرتين الموجودتين الآن على بستان الخشاب وباب الخرق يعني قنطرة السد وقنطرة باب الخرق في سنة نيف وأربعين وستمائة
وذكر في موضع آخر من خططه أن القنطرة التي عليه خارج باب القنطرة بناها القائد جوهر سنة ستين وثلاثمائة وقنطرة اللؤلؤة وهي التي كانت بالقرب من ميدان القمح وبعضها باق إلى الآن من بناء الفاطميين أيضا واللؤلؤة التي تنسب هذه القنطرة إليها منظرة على بر الخليج القبلي بناها الظاهر لإعزاز دين

الله الفاطمي كانت مستنزها لخلفاء الفاطميين ينزلون فيها في أيام النيل ويقيمون بها إلى آخر النيل
قلت أما باقي القناطر التي على هذا الخليج كقنطرة عمر شاه وقنطرة سنقر وقنطرة أمير حسين فكلها مستحدثة في الدولة التركية وغالبها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون
قال ابن أبي المنصور في تاريخه وأول من رتب حفره على الناس المأمون بن البطائحي وكذلك البساتين في دولة الأفضل وجعل عليه واليا بمفرده

الخليج الثالث خليج السردوس
ويقال السردوسي بزيادة ياء في آخره وهو الذي حفره هامان لفرعون
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات ويقال إنه لما حفره سأله أهل البلاد أن يجريه إليهم على أن يجعلوا له على ذلك مالا فتحصل له من ذلك مائة ألف دينار فحملها إلى فرعون فقال ويحك إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ولا ينظر إلى ما في أيديهم وأمر برد المال إلى أربابه

قال وكان هذا الخليج أحد نزهات الدنيا يسار فيه يوما بين بساتين مشتبكة وأشجار ملتفة وفواكه دانية
قلت أما الآن فقد ذهب ذلك وبطل الخليج وعوض عنه ببحر أبي المنجا الآتي ذكره

الخليج الرابع خليج الإسكندرية
وهو خليج مخرجه من الفرقة الغربية من النيل عند قرية تسمى العطف تقابل فوه مدينة المزاحمتين ويميل غربا حتى يتصل بجدران الإسكندرية وتدخل منه قناة تحت الأرض إلى داخلها ويتشعب منها شعب كثيرة تدخل دورها وتخرج من دار إلى أخرى ويخالط آبارها فيحلو ماؤها وتملأ منها صهاريجها حينئذ فتمكث من السنة إلى السنة
وكانت فوهة هذا الخليج فيما تقدم جنوبي فوهته الآن عند قرية تسمى الظاهرية من عمل البحيرة وكان يمر على دمنهور مدينة البحيرة ثم نقل إلى مكانه الآن ويقال إن أرضه في القديم كانت مفروشة بالبلاط

قال في تقويم البلدان وهو من أحسن المتنزهات لأنه مخضر الجانبين بالبساتين وفيه يقول ظافر الحداد الشاعر السكندري
( وعشية أهدت لعينك منظرا ... جاء السرور به لقلبك وافدا )
( روض كمخضر العذار وجدول ... نقشت عليه يد الشمال مباردا )
( والنخل كالغيد الحسان تزينت ... ولبسن من أثمارهن قلائدا )
وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب أنه انقطع جريان هذا الخليج عن الإسكندرية إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة لردم جميعها وصار شرب أهلها من الآبار

الخليج الخامس خليج سخا
ويقال إن الذي حفره برصا أحد ملوك مصر بعد الطوفان
الخليج السادس خليج دمياط
ولم أقف على تفاصيل أحواله

بحر أبي المنجا
أما بحر أبي المنجا فإنه وإن عظم شأنه مستحدث حفره الأفضل بن أمير الجيوش وزير المستعلي بالله الفاطمي
قال ابن أبي المنصور في تاريخه وكان سبب حفره أن البلاد الشرقية كانت جارية في ديوان الخلافة وكان معظمها لا يروى في أكثر السنين ولا يصل الماء إليها إلا من خليج السردوس المتقدم ذكره أو من غيره من الأماكن البعيدة
وكان يشارف العمل يهودي اسمه أبو المنجا فرغب أهل البلاد إليه في فتح ترعة يصل الماء منها إليهم في ابتدائه فرفع الأمر إلى الأفضل فركب في النيل في ابتدائه في مركب ورمى بحزم من البوص في النيل وجعل يتبعها بمركبه إلى أن رماها النيل إلى فم ذلك البحر فحفر من هناك وابتدأ حفره يوم الثلاثاء السادس من شعبان سنة ست وخمسمائة وأقام الحفر فيه سنتين وغرم فيه مال كثير
وكان في كل سنة تظهر فائدته ويتضاعف ارتفاع البلاد التي تحته وغلب عليه إضافته إلى أبي المنجا لتكلمه فيه
فلما عرض على الأفضل ما صرف عليه استعظمه وقال غرمنا عليه هذا المال العظيم والاسم لأبي المنجا فسماه البحر الافضلي فلم يتم له ذلك ولم يعرف إلا بأبي المنجا ثم سطى بأبي المنجا المذكور بعد ذلك ونفي إلى الإسكندرية
ولما ولي المأمون بن البطائحي الوزارة تحدث معه الأمراء في أن يتخذ لفتحه يوما كفتح خليج القاهرة فابتنى عند سده منظرة متسعة ينزل فيها عند فتحه

قلت وكانت فيه معدية يعدى فيها بين قلوب وبيسوس وكان يحصل للناس بها مشقة عظيمة لكثرة المارين فعمر عليها الظاهر بيبرس رحمه الله قنطرة عظيمة بحجر صلد من غرائب البناء تمر عليها الناس والدواب فحصل للناس بها الارتفاق العظيم وهي باقية على جدتها إلى زماننا
وكان سده يقطع في عيد الصليب في سابع عشر توت ثم استقر الحال على أن يقطع يوم النوروز في أول يوم من توت حرصا على ري البلاد
وأما بقية خلج الديار المصرية المستحدثة وترعها بالوجهين القبلي والبحري فأكثر من أن تحصر ولكل منها زمن معروف يقطع فيه

المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية وهي أربع بحريات
الأولى منها بحيرة الفيوم ويعبر عنها بالبركة وهي بحيرة حلوة بالقرب من الفيوم بين الشمال والغرب عنه على نحو نصف يوم يصب فيها فضلات مائه المنصب إليه من خليجه المنهى المتقدم ذكره وليس لها مصرف تنصرف إليه لإحاطة الجبل بها ولذلك غلبت على كثير من قرى الفيوم وعلا ماؤها على أرضها
قال في تقويم البلدان وطولها شرقا بغرب نحو يوم وبها أسماك تتحصل كثيرة تنحصل من صيدها جملة كثيرة من المال وبها من آجام القصب والطرفاء والبردي ما يتحصل منه المال الكثير

الثانية بحيرة بوقير بضم الباء الموحدة وسكون الواو وكسر القاف وسكون الياء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر وهي بحيرة ماء ملح يخرج من البحر الرومي بين الإسكندرية ورشيد ولها خليج صغير مشتق من خليج الإسكندرية المتقدم ذكره يأتيها ماء النيل منه عند زيادته وبها من صيد السمك ما يتحصل منه المال الكثير وفيها من أنواع الطير كل غريب وبجوانبها الملاحات الكثيرة التي يحمل منها الملح إلى بلاد الفرنج وغيرها
قلت وقد وقع للسلطان عماد الدين صاحب حماة رحمه الله وهم فجعل هذه البحيرة هي بحيرة نستروه الآتي ذكرها على أن هذه البحيرة قد انقطع مددها من البحر الملح في زماننا بواسطة غلبة الرمل على أشتونها الموصل إليها الماء من بحر الروم فجفت وصارت سبخة طويلة عريضة ومات ما كان يصاد منها من السمك البوري وما يتحصل منها من الملح المنعقد بسواحلها وعاد على الإسكندرية بواسطة ذلك ضرر كبير لأنه كان الغالب على أهلها أكل السمك ويحصل لهم بالملح رفق كبير
الثالثة بحيرة نستروه بفتح النون وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وضم الراء المهملة وسكون الواو وهاء في الآخر وهي بحيرة ماء ملح أيضا بالقرب من البرلس في آخر بلاد الأعمال الغربية الآتي ذكرها متسعة الأرجاء إذا توسطها المركب لا ترى جوانبها لعظمها لبعد مركزها عن البر وبالقرب منها قرية تسمى نستروه وهي التي تضاف إليها وداخلها قرية أخرى تسمى سنجار لا

زرع فيهما ولا نفع وليس بهما غير صيد السمك وهي الغاية القصوى فيما يتحصل من المال
قال صاحب حماة يبلغ متحصل صيد سمكها في كل سنة فوق عشرين ألف دينار مصرية وليس يساويها بحيرة من البحيرات في ذلك
قلت وأخبرني بعض مباشريها أنها في زماننا قد تميز متحصلها عن ذلك نحو مثله للاجتهاد في الصيد وكثرة الضبط وارتفاع السعر
الرابعة بحيرة تنيس قال السمعاني بكسر التاء المثناة فوق والنون المشددة المكسورة ثم ياء مثناة تحت وسين مهملة في الآخر وهي بحيرة متصلة بالبحر الرومي أيضا بآخر عمل الدقهلية والمرتاحية الآتي ذكره وفيها مصب بحر أشموم المنفرق من الفرقة الشرقية من النيل ولذلك يعذب ماؤها في أيام زيادة النيل وبوسطها تنيس الآتي ذكرها في الكلام على الكور القديمة
قال صاحب الروض المعطار طمى عليها البحر قبل الفتح الإسلامي بمائة سنة فغرقها وصارت بحيرة ويتصل بهذه البحيرة من جهة الغرب بحيرة دمياط وهما في الحقيقة كالبحيرة الواحدة

المقصد السادس في ذكر جبالها
اعلم أن وادي مصر يكتنفه جبلان شرقا وغربا يبتدئان من الجنادل المتقدمة الذكر فوق أسوان آخذين من جهة الشمال على تقارب بينهما بحيث يرى كل منهما من الآخر والنيل مار بين جنبتيهما

فأما الشرقي منهما فيمر بين النيل وبحر القلزم المتقدم الذكر حتى يجاوز الفسطاط فينعطف ويأخذ شرقا حتى يأتي على آخر بحر القلزم من الشمال يرتفع في موضع وينخفض في آخر وفي أوائل هذا الجبل من جهة الجنوب على القرب من مدينة قوص معدن الزمرد المتقدم ذكره في خواص الديار المصرية في مغارة طويلة في قطعة جبل عالية تسمى قرشنده ليس هناك أعلى منها وعلى القرب من ذلك مقطع الرخام الملون من الأبيض والسماقي وسائر الألوان المستحسنة التي لا تساوي حسنا
ويسمى الجبل المطل منه على النيل مقابل المراغات من عمل إخميم جبل الساحرة وأظنه جبل زماخير الساحرة المتقدمة الذكر في عجائب الديار المصرية
ويسمى الجبل المطل منه على النيل مقابل مدينة منفلوط جبل أبي فيدة بفاء وياء مثناة تحت
ويسمى الجبل المطل منه على النيل مقابل منية بني خصيب من الأشمونين
جبل الطيلمون ويعرف الآن بجبل الطير وقد تقدم ذكره في جملة عجائب الديار المصرية
ويسمى ما سامت الفسطاط والقرافة منه المقطم وربما أطلق المقطم على جميع المقطم وقد اختلف في سبب تسميته بذلك فقيل سمي باسم مقطم الكاهن كان مقيما فيه لعمل الكيميا
وقال أبو عبد الله اليمني سمي بالمقطم بن مصر بن بيصر وكان عبدا

صالحا انفرد فيه لعبادة الله تعالى
وذكر الكندي في كتاب فضائل مصر ما يوافق ذلك وهو أن عمرو بن العاص رضي الله عنه سار في سفح المقطم ومعه المقوقس فقال له عمرو ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام فلو شققنا في أسفله نهرا من النيل وغرسناه نخلا فقال المقوقس وجدنا في الكتب أنه كان أكثر البلاد أشجارا ونبتا وفاكهة وكان ينزله المقطم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام فلما كانت الليلة التي كلم الله تعالى فيها موسى عليه السلام أوحى الله تعالى إلى الجبال إني مكلم نبيا من أنبيائي على جبل منك فسمت الجبال كلها وتشامخت إلا جبل بيت المقدس فإنه هبط وتصاغر فأوحى الله تعالى إليه لم فعلت ذلك وهو به أخبر فقال إعظاما وإجلالا لك يا رب فأمر الله تعالى الجبال أن يحيوه كل جبل مما عليه من النبت فجاد له المقطم بكل ما عليه من النبت حتى بقي كما ترى فأوحى الله تعالى إليه إني معوضك على فعلك بشجر الجنة أو غرس الجنة
وأنكر القضاعي وغيره أن يكون لمصر ولد اسمه المقطم وجعلوه مأخوذا من القطم وهو القطع لكونه منقطع الشجر والنبات
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات وفيه كنوز عظيمة وهياكل كثيرة وعجائب غريبة
ولملوك مصر فيه من الجواهر والذهب والفضة والأواني والآلات النفيسة والتماثيل العجيبة وتراب الصنعة ما يخرج عن حد الإحصاء
قال في الروض المعطار وإذا دبرت تربته حصل منها ذهب صالح
ويلي المقطم من جهة الشمال اليحاميم وهي الجبال المتفرقة المطلة

على القاهرة من جانبها الشرقي وجبانتها
قال القضاعي وقيل لها اليحاميم لاختلاف ألوانها واليحموم في كلام العرب الأسود المظلم ولعله يريد الجبل الأحمر وما والاه
وفي شرقي المقطم على بحر القلزم طورسينا الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليه وهو جبل مرتفع للغاية داخل في البحر
قال الأزهري وسمي الطور بطور بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات ومن خاصته أنه كيفما كسر ظهر فيه صورة شجر العليق وقد بني هناك دير بأعلى الجبل وغرس بواديه بساتين وأشجار
وأما المغربي منهما فإنه يبتدئ من الجنادل أيضا ويمر في الشمال فيما بين

بلاد الصعيد والصحراء ثم فيما بين بلاد الصعيد والواحات ثم فيما بين بلاد الصعيد والفيوم حتى ينتهي إلى مقابل الفسطاط
وهناك موقع الهرمين العظيمين المقدم ذكرهما على القرب من بوصير ثم ينعطف ويأخذ غربا بشمال فيما بين بلاد ريف الوجه البحري والبرية حتى يجاوز بركة النطرون ويمضي إلى قريب من الإسكندرية
ويسمى فيما سامت الواحات جبل جالوت نسبة إلى جالوت البربري
ويتصل به من جنوبي الواحات جبل اللازورد قيل إن به معدن لازورد وإنه امتنع استخراجه لانقطاع العمارة هناك

المقصد السابع في ذكر زروعها ورياحينها وفواكهها وأصناف المطعوم بها
أما زروعها فيزرع فيها من أنواع الحبوب المقتاتة وغيرها كالبر والشعير والذرة والأرز والباقلي والحمص والعدس والبسلا والجلبان واللوبيا والسمسم والقرطم والخشخاش والخروع

والسلجم وبزر الكتان والبرسيم وغير ذلك
وبها قصب السكر في غاية الكثرة والبطيخ والقثاء على اختلاف أنواعها والملوخيا والقلقاس واللفت والباذنجان والدباء والهليون والقنبيط وأنواع البقول المختلفة كالثوم والبصل والكراث والفجل وغيرها وعامة زرع حبوبها على النيل عند نزوله عن أرضها من أثناء بابه من شهور القبط إلى أثناء طوبه منها بحسب ما يقتضيه حال الزرع
وربما زرع فيها على السواقي والدواليب وأكثر ما يكون ذلك في بلاد الصعيد خصوصا في سني الجدب ويزرع في الفيوم في غير زمن النيل على نهره المنهى المتقدم ذكره في جملة الأنهار
ولا زرع فيها على المطر إلا القليل النادر بأطراف البحيرة مما لا عبرة به على قلة المطر بها بل فقده بصعيدها
وأما رياحينها ففيها الآس والورد والبنفسج والنرجس والياسمين والنسرين والبان واللينوفر وأزهار المحمضات والريحان الفارسي على اختلاف أنواعه والمنثور فيها بقلة وإنما كثر بالإسكندرية إلى غير ذلك من بقايا الأنواع التي يشق استيعابها
وأما فواكهها ففيها الرطب والعنب والتين والرمان والخوخ والمشمش والقراصيا والبرقوق والتفاح والكمثري والسفرجل بقلة واللوز

الأخضر والنبق والتوت والفرصاد والموز ولا يجود فيها الجوز والفستق والبندق والإجاص إلا مجلوبا بعد جفافه وإن زرع بأرضها شيء من ذلك لم يفلح والزيتون فيها بقلة ولا يستخرج منه زيت البتة وإنما يؤكل ملحا
وفيها من المحمضات الأترج والحماض والكباد والنارنج والليمون على اختلاف أنواعها
وأما أصناف المطعوم ففيها ما يستطاب من الألبان والأجبان والعسل الذي لا يساوى حسنا ولا يشبهه غيره من سائر الأعسال والسكر الكثير من المكرر والتبع والوسط والنبات
ومنها يجلب إلى أكثر البلاد
قال في مسالك الأبصار وقد نسي به ما كان يذكر من سكر الأهواز
وبها من أنواع الحلوى والأشربة المتخذ ذلك من السكر والأشربة الفائقة ما لا يوجد في غيرها من الأقاليم
وبها من لحم الضأن والبقر والمعز ما لا يعادله غيره في قطر من الأقطار لطافة ولذة
قلت ومن محاسنها أن فاكهتها لا يدوم نوع منها في جميع السنة فيمل بل يأتي كل نوع منها في وقت دون وقت فتتشوف النفوس إلى طلبه ويكون لقدومه بهجة
ولا يعترض ذلك بدوام أكل الجنة فإن الجنة أكلها لا يمل بخلاف

مأكل الدنيا ولأهل الرفاهية بذلك فرحة وتتغالى فيه في ابتدائه مع أنه يجتمع في الحين الواحد من الفواكه والرياحين ما لا يحتاج معه في زمنه إلى غيره
قال المهذب بن مماتي في قوانين الدواوين بعثت غلاما لي ليحضر من فكاهي القاهرة ما وجد بها من أنواع الفاكهة والرياحين فأحضر لي منها الورد والنرجس والبنفسج والياسمين والمنثور والمرسين والريحان والطلح والبلح والجمار والخيار والبطيخ الأخضر والباقلي والتفاح والفقوس والأترج والنارنج والأشباه والليمون والتمرهندي الأخضر والعنب والحصرم
وقال بعض الجوالين في الآفاق طفت أكثر المعمور من الأرض فلم أر مثل ما بمصر من ماء طوبه ولبن أمشير وخروب برمهات وورد برموده ونبق بشنس وتين بونة وعسل أبيب وعنب مسرى ورطب توت ورمان بابه وموز هتور وسمك كيهك

المقصد الثامن في ذكر مواشيها ووحوشها وطيورها
أما مواشيها فمنها الإبل المستجادة والبقر العظيمات القدود والأغنام المستطابة اللحوم والخيول المسومة والبغال النفيسة والحمر الفارهة مما ليس له نظير في إقليم من الأقاليم ولا مصر من الأمصار
وأما وحوشها ففي براريها الغزلان والنعام والأرانب والثعالب

والضباع والذئاب وغير ذلك
ويجلب إلى سلطانها الفيلة والزرافات وغيرها من الوحوش من البلاد القاصية والسباع من بلاد الشام من مملكته لتكون في إصطبلاته زينة لمملكته
وأما طيورها ففيها من الطيور الدواجن في البيوت الدجاج والأوز والحمام ومن الطيور البرية الصقر والعقاب والنسر والكركي واللغلغ والإوز التركي والمرزم والبجع والبلشون والحبرج والحجل والكروان والسماني والبلبل وسائر أنواع العصافير والأنواع المختلفة من طيور الماء
ويجلب إلى سلطانها سائر أنواع الجوارح الصائدة على اختلاف أجناسها من أقاصي البلدان ويقع التغالي في أثمانها للغاية القصوى على ما يأتي ذكره في الكلام على أوصافها إن شاء الله تعالى

المقصد التاسع في ذكر حدودها
قد اضطربت عبارات المصنفين في المسالك والممالك في تحديدها والذي عليه الجمهور أن حدها الشمالي وهو المعبر عنه عند المصريين بالبحري يبتدئ مما بين الزعقة ورفح عند حدها من الشام والبحر شماله ويمتد غربا على ساحل البحر المذكور حيث الشجرتان عند الشجرة التي يعلق فيها

العوام الخرق وتقول هذه مفاتيح الرمل عند الكثب المجنبة عن البحر الرومي إلى رفح ثم إلى العريش آخذا على الجفار إلى الفرما إلى الطينة إلى دمياط إلى ساحل رشيد إلى الإسكندرية وهي آخر العمارة بهذا الحد
ثم يأخذ على اللينونة على العميدين إلى برقة إلى العقبة الفاصلة بين الديار المصرية وإفريقية على ما تق دم ذكره في الكلام على سواحل البحر الرومي
وحدها الغربي يبتدئ من ساحل البحر الرومي حيث العقبة ويمتد جنوبا وأرض إفريقية غربيه على ظاهر الفيوم والواحات حتى يقع على صحراء الحبشة على ثمان مراحل من أسوان
وحدها الجنوبي وهو المعبر عنه عند المصريين بالقبلي يبتدئ من آخر هذا الحد بصحراء الحبشة ويمتد شرقا وبلاد الروم من بلاد البرية جنوبيه حتى يأتي إلى أسوان ثم يمتد من أسوان شرقا حتى ينتهي إلى بحر القلزم مقابل أسوان على خمس عشرة مرحلة منها
وحدها الشرقي يبتدئ من آخر هذا الحد ويمتد شمالا وبحر القلزم شرقيه إلى عيذاب إلى القصير إلى القلزم إلى السويس ثم يأخذ شرقا عن بركة الغرندل التي أغرق الله تعالى فيها فرعون من بحر القلزم إلى تيه بني إسرائيل ثم يعطف شمالا ويمر على أطراف الشام حتى ينحط على ما بين الزعقة ورفح ساحل البحر الرومي حيث وقعت البداءة
وعلى هذا التحديد جرى السلطان عماد الدين صاحب حماة في تقويم البلدان والمقر الشهابي بن فضل الله في التعريف إلا أنه في تقويم البلدان

جعل ابتداء الحد الشمالي نفس رفح ونهاية الحد الغربي حدود بلاد النوبة وفي التعريف جعل ابتداء الحد الشمالي ما بين الزعقة ورفح ونهاية الحد الغربي صحراء بلاد الحبشة على ما تقدم في التحديد والأمر في ذلك قريب
وخالف في ذلك القضاعي فجعل ابتداء الحد الشمالي من العريش وليس فيه بعد عن رفح بل في الآثار ما يدل عليه كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى
وجعل الحد الجنوبي يقطع بحر القلزم وينتهي إلى ساحل الحجاز بالحوراء أحد منازل طريق الحجاز من مصر والحد الشرقي يمتد على ساحل البحر الشرقي إلى مدين إلى أيلة إلى تيه بني إسرائيل إلى العريش
فأدخل بحر القلزم من حد الحوراء إلى نهايته في الشمال وما على ساحله من بر الحجاز مما يسامت العريش كأيلة ومدين ونحوها في أرض مصر
قلت وفيه نظر والظاهر ما تقدم لأن البر الشرقي من القلزم معدود من ساحل الحجاز من جملة جزيرة العرب وهي ناحية على انفرادها وكأن الذي حمل القضاعي على ذلك مسامته هذا الساحل لحدها بساحل البحر الرومي على ما تقدم
واعلم أن جميع المحددين لها وإن اختلف عباراتهم في ابتداء الحد الشمالي الفاصل بينها وبين الشام هل هو من العريش أو من رفح أو بين الزعقة ورفح متفقون على أن ابتداء الحد حيث الشجرتان وكأنهما شجرتان قديمتان حدد في الأصل بهما

قال في التعريف وما إخال الآن بقاء الشجرتين وإنما هو موضع الشجرة التي تعلق فيها العوام الخرق ويقولون هذه مفاتيح الرمل عند الكثب المجنبة عن البحر الرومي قريبا من الزعقة
قال فأما الأشجار التي بالمكان المعروف الآن بالخروبة ويعرف قديما بالعش فهي وإن عظمت محدثة من زمن من حدد الأقاليم وليست في موضع ما ذكروه
ثم لها طول وعرض فطولها ما بين جهتي الشمال والجنوب وعرضها ما بين جهتي المشرق والمغرب
وقد قيل إن طولها مسيرة شهر وعرضها مسيرة شهر
وذكر القضاعي أن ما بين العريش إلى برقة أربعون ليلة

المقصد العاشر في ابتداء عمارتها وتسميتها مصر وتفرع الأقاليم التي حولها
عنها
أما ابتداء عمارتها فقد ذكر المؤرخون أنها عمرت مرتين
المرة الأولى قبل الطوفان وأول من عمرها قبل الطوفان نقراووس بن مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه السلام نزلها في سبعين رجلا من بني غرباب جبابرة فعمرها
وهو الذي هندس نيلها وحفره حتى اجراه ووجه إلى البرية جماعة هندسوه وأصلحوه وبنى المدن وأثار المعادن وعمل الطلسمات

المرة الثانية بعد الطوفان وأول من عمرها بعد الطوفان مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام قدم إليها هو وأبوه بيصر في ثلاثين رجلا من قومه حين قسم نوح الأرض بين بنيه فنزلوا بسفح المقطم ونقروا فيه منازل كبيرة فنزلوا بها ثم ابتنوا مدينة منف وسكنوها على ما يأتي ذكره في الكلام على قواعد مصر القديمة إن شاء الله تعالى
قال ابن لهيعة وكان نوح عليه السلام قد دعا لمصر أن يسكنه الله تعالى الأرض الطيبة المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد ونهرها أفضل الأنهار ويجعل له فيها أفضل البركات ويسخر له الأرض ولولده ويذللها لهم ويقويهم عليها
فسأله عنها فوصعها له وأخبره بها
وأما تسميتها مصر فقيل إن نقراووس بن مصريم أول ملوكها قبل الطوفان حين عمرها سماها باسم أبيه مصريم تبركا وإن مصر بن بيصر إنما سمي بإسمه
وأكثر المؤرخين على أنها سميت بمصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام
وعلى الوجهين تكون علما منقولا عن اسم رجل
وقال الجاحظ في رسالة له في مدح مصر إنما سميت مصر بمصر لمصير الناس إليها
قلت ويجوز أن تكون سميت مصر لكونها حدا فاصلا بين بلاد المشرق والمغرب إذ المصر في أصل لغة العرب اسم للحد بين الأرضين كما قاله القضاعي ومنه قول أهل هجر اشتريت الدار بمصورها أي بحدودها

قال القضاعي وكيف ما أما إن أريد بالمصر البلد العظيم فإنه ينصرف ويجمع على أمصار
وأما تفرع الأقاليم التي حولها عنها فعن ابن لهيعة أنه لما استقر مصر بن بيصر بهذه البلاد هو وأبوه بيصر وإخوته فارق وماح وياح وكثر أولادهم قال له إخوته قد علمت أنك أكبرنا وأفضلنا وأن هذه الأرض أسكنك إياها جدك نوح ونحن نضيق عليك أرضك ونحن نطلب إليك بالبركة التي جعلك فيها جدك نوح أن تبارك لنا في أرض نلحق بها ونسكنها وتكون لنا ولأولادنا فقال نعم عليكم بأقرب البلاد إلي لا تباعدوا مني فإن لي في بلادي هذه مسيرة شهر من أربعة وجوه أحوزها لنفسي وتكون لي ولولدي وأولادهم
فحاز مصر لنفسه ما بين الشجرتين اللتين بالعريش إلى أسوان طولا ومن برقة إلى أيلة عرضا
وحاز فارق لنفسه ما بين برقة إلى إفريقية فكان ولده الأفارقة وبذلك سميت إفريقية وذلك مسيرة شهر
وحاز ماح ما بين الشجرتين من منتهى حد مصر إلى الجزيرة مسيرة شهر وهو أبو نبط الشام
وحاز ياح ما وراء الجزيرة كلها من البحر إلى الشرق مسيرة شهر فهو أبو نبط العراق
وقد قال القضاعي بعد ذكر حدود مصر الأربعة وما كان بعد هذا من

الجانب الغربي فهو من فتوح أهل مصر وثغورهم من برقة إلى الأندلس
قلت وذلك أن المسلمين بعد فتح مصر توجهت طائفة منهم إلى إفريقية ففتحتها ثم توجهت طائفة من إفريقية إلى الأندلس ففتحته على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبات ملوك الغرب إن شاء الله تعالى

المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة والمباني العظيمة الباقية على
ممر الأزمان والقواعد المستقرة وما فيها من الأبنية الحسنة
وقواعدها القديمة على ضربين
الضرب الأول ما قبل الطوفان
والمعروف لها إذ ذاك قاعدتان
القاعدة الأولى مدينة أمسوس وهي أول مدينة بنيت بالديار المصرية قبل الطوفان بناها نقراووس بن مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه

السلام أول ملوك مصر قبل الطوفان وموضعها خارج الإسكندرية تحت البحر الرومي كما ذكره بعض المؤرخين وشق لها نهرا يتصل بها من النيل
القاعدة الثانية مدينة برسان وهي مدينة بناها نقراووس المتقدم ذكره لابنه مصرايم وأسكنه فيها ولم أقف على مكانها

الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان
والمشهور منها ثلاث قواعد
القاعدة الأولى مدينة منف قال في تقويم البلدان بكسر الميم وسكون النون وفاء في الآخر والجاري على الألسنة منف بفتح الميم وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال طولها ثلاث وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها ثلاثون درجة وعشرون دقيقة وهي أول مدينة بنيت بمصر بعد الطوفان بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام حين نزل مصر
قال في الروض المعطار وأصلها بالسريانية مافه ومعناها بالعربية ثلاثون وذلك أن مصر حين نزلها كان في ثلاثين رجلا من أهل بيته فسماها بعددهم
قال ابن الأنباري في كتابه الزاهر وهي على اثني عشر ميلا من الفسطاط
قلت ومنف هذه في جنوبي الفسطاط على القرب من البلدة المعروفة

بالبدرشين من عمل الجيزة وهي المعروفة بمصر القديمة وقد خربت وصارت كيمانا وبها آثار بنيان من الحجر الكذان يوجد تحت الردم على القرب من أحجار الأهرام في العظمة والمقدار وبوسطها آثار برباة بها صنمان عظيمان من حجر صوان أبيض طول كل صنم منهما نحو عشرين ذراعا وهما مطروحان على الأرض وقد غطى الطين أسفلهما
وكان على القرب منهما بيت عظيم من حجر أخضر قطعة واحدة جوانبه الأربعة وأرضه وسقفه ولم يزل على ذلك إلى الدولة الناصرية حسن بن الناصر محمد بن قلاوون وأراد الأمير شيخو أتابك العساكر نقله إلى القاهرة صحيحا فعولج فانكسر فأمر بأن تنحت منه أعتاب فنحتت وجعل منها أعتاب خانقاه وجامعه بصليبة الجامع الطولوني وشرقي هذه المدينة معالم سور مبني بالحجر الكذان النحيت فصوصا صغارا بالطين والجير الذي قد علمت لونه لون الحجر
ويقال إنه سور الأهراء التي بناها يوسف عليه السلام لادخار الحنطة في سنبلها
ويذكر بعض أهل البلاد أنه يوجد بعض السنبل الذي أخبر به يوسف عليه السلام تحت تلك الأرض إلى الآن
وأنه في المقدار فوق مقدار الحنطة المتعارفة بقليل

وفي شمالي هذه المدنية بلدة صغيرة تعرف بالعزيزية يقال إنها كانت منزلة العزيز وزير الملك وهناك مكان على القرب منها يعرف بزليخا وفي غربيها إلى الشمال في سفح جبل مصر الغربي سجن يوسف عليه السلام وإلى جانبه مسجد موسى عليه السلام وعلى القرب من السور المقدم ذكره مسجد يعقوب عليه السلام
ويقال إن النيل كان تحت هذا السور وهناك مكان يعرف بالمقياس إلى الآن
القاعدة الثانية مدينة الإسكندرية نسبة إلى الإسكندر بن فيلبس المقدوني ملك اليونان المقدم ذكره
وقد ذكر القضاعي أنه كان بها عدة عجائب من أعجبها المنارة وهي منارة مبنية بالحجر والرصاص ارتفاعها في الهواء ثلاثمائة ذراع كل ذراع ثلاثة أشبار وقيل أربعمائة ذراع وقيل مائة وثمانون ذراعا وقيل بالحجر لغلبة الجير فيه وعلى رأسها مرآة من أخلاط يرى فيها من حضر إليها على بعد وتهتدي بها المراكب السائرة إلى الإسكندرية إذ برها منخفض لا جبال فيها تحرق بشعاعها ما أرادوا إحراقه من المراكب الواصلة احتال عليها النصارى في أوائل الإسلام في خلافة الوليد بن عبد الملك الأموي فكسروها وتداعى هدم المنارة شيئا فشيئا إلى أوساط المائة الثامنة فاستؤصلت وبقي أثرها

ومنها الملعب الذي كانوا يجتمعون فيه في يوم من السنة ثم يرمون بكرة فلا تقع في حجر أحد إلا ملك مصر وإن حضر فيه ألف ألف من الناس كان كل منهم ناظرا في وجه صاحبه وإن قرئ كتاب سمعوه جميعا أو أتي بنوع من اللعب رأوه عن آخرهم لا يتظالمون فيه بأكثر من مراتب العلية والسفلة
وكان من غريب هذا الملعب أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حضر فيه في الجاهلية في يوم لعب الكرة فوقعت الكرة في حجره وهم لا يعرفونه فتعجب القوم منه وقالوا ما رأينا هذه الكرة كذبت قط إلا هذه المرة فاتفق أن ملكها في الإسلام
وعمود السواري الذي بظاهر الإسكندرية الآن أحد عمد هذا الملعب وهو عمود عظيم يرمي الرجل القوي السهم عن قوس قوي فلا يبلغ رأسه
ومنها عمودا الإعياء وهما عمودان ملقيان وراء كل منهما جبل حصباؤه كصبر الجمار يقبل العيي بسبع حصيات حتى يستلقي على أحدهما ثم يرمي وراءه بالسبع ويقوم ولا يلتفت ويمضي لطلبته فلا يحس بشيء من تعبه
ومنها القبة الخضراء وهي قبة ملبسة نحاسا كأنه ذهب إبريز لا يبليه القدم ولا تخلقه الدهور
ومنها المسلتان وهما جبلان قائمان على سرطانات نحاس في

أركانهما كل ركن على سرطان فلو أراد مريد أن يدخل تحتها شيئا إلى الجانب الآخر لفعل
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات وهاتان المسلتان إحداهما في الركن الشرقي من البلد والثانية ببعض البلد وهما عمودان مربعان من حجر أحمر وعرض قواعدهما من الجهات الأربع أربعون شبرا طول كل واحدة منهما خمس قامات وأعلاها مستدق وعرض قاعدتهما من الجهات الأربع أربعون شبرا
ويقال إن عليهما مكتوب بالسريانية أنا يعمر بن شداد بنيت هذه المدينة وأردت أن أجعل فيها من الآثار المعجزة والعجائب الباهرة فأرسلت البتون بن مرة العادي ومقدام بن يعمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر فاقتطعوا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع البتون فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له فأقامهما القطن بن حازم المؤتفكي في يوم السعادة
وقد قيل فيها إنها إرم ذات العماد ولم تزل عامرة إلى الفتح الإسلامي فلما فتحها عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أما بعد
فأني فتحت مدينة لا اصف ما فيها غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية وأربعة آلاف حمام وأربعون ألف يهودي عليهم الجزية وأربعمائة ملهى للملوك
ويقال إنه وجد فيها أربعة آلاف بقال يبيعون البقل

وكان فيها من الروم يومئذ مائة ألف من أهل القوة لحقوا بأرض الروم في المراكب وكان من بقي ستمائة ألف سوى النساء والصبيان
قلت وقد ذهب جل ذلك وزال أكثره ولم يبق من عجائبها ظاهرا إلا عمود السواري وهو عمود عظيم من حجر صوان خارج المدينة لا يكاد يكون له نظير في الدنيا ويقال إنه كان قبلها مدينة في مكانها تسمى رقودة بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح المتقدم ذكره حين بنى مدينة منف وعلى منوالها نسج الإسكندر مدينته
القاعدة الثالثة قصر الشمع الذي هو داخل مدينة الفسطاط الآن وهو المعبر عنه في كتب الفتوح بالحصن بناه كسرجوس الفارسي أحد نواب ملك الفرس عند استيلائهم على مصر بعد غلبة بخت نصر الآتي ذكره في الكلام على ملوكها
قال القضاعي ولم يكمله وإنما كمله الروم بعد ذلك التي فتحت مصر وهي مقرة الملوك بها
وقد قيل إن المقوقس كان يقيم بالإسكندرية أربعة أشهر من السنة وبمدينة منف أربعة أشهر وبقصر الشمع أربعة أشهر
واعلم أنه قد كان بالديار المصرية مستقرات أخرى عظام كانت قواعد

لبعض ملوكها في بعض الأزمان ومدن دون ذلك يأتي الكلام على جميعها بعد ذكر الكور القديمة والأعمال المستقرة إن شاء الله تعالى
وأما المباني العظيمة الباقية على ممر الأزمان فاعلم أن ملوك مصر الأقدمين كان لهم من العناية بالبناء ما ليس لغيرهم وكانوا يتفاخرون بذلك لإخباره على طول الزمن بعظمة ملكهم واقتدارهم على ما لم يبلغه غيرهم
ومن أعظم أبنيتهم الأهرام وهي قبور اتخذوها في غاية الوثاقة حفظا لأجسامهم وكان لهم بها العناية التامة وابتنوا منها عدة بالجبل الغربي من النيل بعضها مقابل الفسطاط وبعضها ببوصير السدر وسقارة ودهشور من الأعمال الجيزية وبعضها بميدوم من البهنساوية وأعظمها خطرا وأجلها قدرا الهرمان المقابلان للفسطاط يقال إن طول عمود كل هرم منهما ثلثمائة وسبعة عشر ذراعا تحيط بها أربعة سطوح متساوية الأضلاع طول كل ضلع منها أربعمائة وستون ذراعا
قال أبو الصلت ليس على وجه الأرض بناء باليد حجر على حجر بهذا المقدار
ويقال إن لها أبوابا في أزج في الأرض طول كل درج مائة وخمسون ذراعا
وباب الهرم الشرقي من الجهة البحرية وباب الهرم الغربي من الناحية الغربية
والصابئة تحج هذين الهرمين ويقولون إن إحدهما قبر إدريس عليه السلام والآخر قبر ابنه صابئ الذي إليه ينتسبون

وقد اختلف في بانيها فأكثر المؤرخين على أن بانيها سوريد بن سهلوق أحد ملوك مصر قبل الطوفان الآتي ذكره في الكلام على ملوكها فيما بعد إن شاء الله تعالى جعلها قبورا لأجسادهم وكنوزا لأموالهم حين أخبره منجموه وكهنته بما دلهم عليه الرصد النجومي من حدوث حادثة تعم الأرض ورجحه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقال لو بنيت الأهرام بعد الطوفان لكان علمها عند الناس
وذكر ابن عفير عن أشياخه أن بانيها جياد بن مياد بن شمر بن شداد بن عاد ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام
قال ولم تزل مشايخ مصر يقولون إن الذي بناها شداد بن عاد وذهب المسعودي وغيره إلى أنه بناها يوسف عليه السلام
وقال ابن شبرمة بنتها العمالقة حين ملكوا مصر
وبالجملة فهما من أعظم الآثار وأقدمها وأجل المباني وأدومها ولله القائل
( انظر إلى الهرمين واسمع منهما ... ما يرويان عن الزمان الغابر )
( لو ينطقان لخبرانا بالذي ... صنع الزمان بأول وبآخر )

وكيفما كان فمآلهما إلى الخراب شأن الدنيا ومبانيها
وقد كان المأمون أحد خلفاء بني العباس حين دخل إلى مصر في سنة ست عشرة ومائتين قصد هدمهما فلم يقدر فاعمل الحيلة في فتح طاقة في أحدهما يتوصل منها إلى مزلقان يصعد في أعلاه إلى قاعة بأعلى الهرم بها ناووس من حجر وينزل في أسفله إلى بئر تحت الأرض لم يعلم ما فيها
ويقال إنه وجد في أعلاه مالا فاعتبره فإذا هو قدر المال الذي صرفه من غير زيادة ولا نقص وقد أخذ الآن في قطع حجارتهما الظاهرة لاتخاذ البلاط منها فإن طال الزمان يوشك أن يخربا كغيرهما من المباني
ولله المتنبي حيث يقول
( أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع )
( تتخلف الآثار عن أصحابها ... دهرا ويدركها الفناء فتتبع )
قال إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب العجائب وقد قيل إن هو جيب أحد ملوك مصر قبل الطوفان أيضا بني الهرم الكبير الذي بدهشور والثاني بناه قفطريم بن قفط بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام بعد الطوفان
قال القضاعي أما الهرم الذي بدير أبي هرميس وهو الهرم المدرج يعني الذي شمالي أهرام دهشور فإنه قبر قرياس وهو فارس أهل مصر كان يعد

فيهم بألف فارس فلما مات جزع عليه ملكه وبنى له هذا الهرم فدفنه فيه
قال وقبر الملك نفسه الهرم الكبير من الأهرام التي غربي دير أبي هرميس وعلى بابه لوح من الحجر الكذان طوله ذراع في ذراع مكتوب بالخط البرباوي
ومن عظيم بنيانهم أيضا ولطيف حكمهم البرابي وهي بيوت عبادة كانت لهم زبروا فيها حكمهم ورقموا تواريخ ملوكهم وصوروا فيها صور الأمم التي حولهم
فمتى قصدتهم أمة من الأمم أوقعوا بصورهم المصورة من النكال ما أرادوا فيصيب تلك الأمة على البعد ما أوقعوه بتلك الصور إلى غير ذلك من الحكم التي أودعوها والطلسمات التي وضعوها بجدرانها
ويقال إن أول من بني البرابي بمصر دلوكة العجوز التي ملكت مصر بعد فرعون لعنه الله
قال في مسالك الأبصار وقد أخبرني الحكيم شمس الدين محمد بن سعد الدمشقي أنه رآها وتأملها فوجدها مشتملة على جميع أشكال الفلك وأن الذي ظهر له أنه لم يعملها حكيم واحد بل تولى عليها قوم بعد قوم حتى تكاملت في دور وهو ثلاثون ألف سنة لأن مثل هذه الأعمال لا تعمل إلا بالأرصاد ولا يكمل رصد المجموع في أقل من هذه المدة
قلت ويجوز أن يكون الرصد حصل على الوجه المذكور وزبر ورقم في الكتب فلما بنى الثاني هذه البرابي نقل منها ما زبر في الكتب من ذلك الزمن المتقدم

واعلم أن أكثر البرابي بالوجه القليل من الديار المصرية وبالوجه البحري القلي منها قد استولى الخراب على جميعها وذهبت معالمها ولم يبق إلا آثارها والذي وقفت عليه في التواريخ ووقفت على آثار غالبه ورسومه سبع براب
منها بربا سمنود كانت بظاهر سمنود من الأعمال الغربية بالوجه البحري
قال الكندي رأيتها وقد خزن فيها بعض عمالها قرضا فرأيت الجمل إذا دنا بابها بحمله وأراد أن يدخلها سقط كل دبيب في القرظ فلا يدخل منها شيء إلى البربا
قال القضاعي ثم خربت عند الخمسين وثلاثمائة
ومنها بربا تمي بالمرتاحية من الوجه البحري على القرب من مدينة تمي الخراب وعامة أهل تلك الناحية يقولون بربا عاد وهي باقية بجدرانها وسقوفها من أعظم الحجارة العظيمة إلى الآن باقية وبأعلى بابها قطعة مبنية بالطوب الآجر والجص وداخلها أحواض عظيمة من الصوان غريبة الشأن
ومنها بربا إخميم وهي بربا بظاهر مدينة إخميم من الوجه القبلي كانت من أعظم البرابي وأحسنها صنعة وأكبرها حكمة ولم تزل عامرة إلى أوساط

المائة الثامنة فأخذ في هدمها والعمارة بأحجارها خطيب إخميم ولم يبق إلا آثارها وبعض جدرانها قائمة إلى الآن
ومنها بربا دندرة من الأعمال القوصية
قال القضاعي وهي بربا عجيبة فيها مائة وثمانون كوة تدخل الشمس في كل يوم في كوة منها ثم تكر راجعة إلى الموضع الذي بدأت منه وهي الآن خراب لم يبق إلا آثارها
ومنها بربا الأقصر وكانت بربا عظيمة فهدمت أيضا ولم يبق منها إلا آثارها
ومن بقايا الآثار بها صنم عظيم من حجر صوان أملس قائم على باب ضريح الشيخ أبي الحجاج الأقصري على حاله إلى الآن ومر عليه زمن الشيخ وهو على ذلك ولعله إنما أراد ببقائه التنبيه على ضعف عقول عبدة الأصنام لكونهم يعبدون حجرا مثل هذا
ومنها بربا أرمنت وهي بربا صغيرة قد ذهبت معالمها ولم يبق بها إلا عمد صوان قائمة من غير شيء محمول عليها
ومنها بربا إسنا وهي متوسطة القدر بين الكبر والصغر وقد بقي منها

قطعة جيدة جعلت شونة للغلال وأهل إسنا يذكرون أن الفأر لا يدخلها وإن دخلها مات
ومن الآثار العجيبة بمصر أيضا مسلتان بعين شمس على القرب من المطرية من ضواحي القاهرة من حجر صوان أحمر محددتا الرأسين
ذكر القضاعي أن الشمس تطلع على الجنوبية منهما في أقصر يوم في السنة وعلى الشمالية في أطول يوم في السنة وتتردد فيما بينهما في بقية السنة
وذكر أنه كان عليهما صومعتان من نحاس إذا كان زمن زيادة النيل تقاطر الماء من أعلاهما إلى أسفلهما فينبت حولهما العوسج وما في معناهما من الحشيش
ومن العجائب حائط العجوز وهو حائط من لبن بنتها دلوكة ملكة مصر بعد فرعون من العريش إلى أسوان دائرة على أراضي مصر من شرقيها وغربيها في لحف جبليها وجعلت بين كل ثلاثة أميال محرسا وشقت خليجا من النيل إلى جانبها وآثارها باقية إلى الآن بالجانب الشرقي والجانب الغربي

المقصد الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرة وهي ثلاث قواعد قد تقاربت
واختلطت حتى صارت كالقاعدة الواحدة
القاعدة الأولى مدينة الفسطاط
بفاء مضمومة وسين مهملة ساكنة وطاء مهملة مفتوحة بعدها ألف ثم طاء ثانية في الآخر
ويقال فيه فسطاط بإبدال الطاء الأولى تاء وفساط
قال الجوهري

وكسر الفاء لغة فيهن وهي المدينة المعروفة بين العامة بمصر واسمها القديم باب أليون
قال أبو السعادات بن الأثير في نهايته بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو ونون في الآخر
قال القضاعي وهو اسمها بلغة الروم والسودان ولذلك يعرف القصر الذي بالشرق بباب أليون وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة
قال في كتاب الأطوال وطولها ثلاث وخمسون درجة وعرضها ثلاثون درجة وعشر دقائق
وقال في القانون طولها أربع وخمسون درجة وأربعون دقيقة وعرضها تسع وعشرون درجة وخمس وخمسون دقيقة
وقال ابن سعيد طولها ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة وعرضها تسع وعشرون درجة وخمس وخمسون دقيقة
وقال في رسم المعمور طولها أربع وخمسون درجة وأربعون دقيقة والذي عليه عمل أهل زماننا في وضع الآلات وغيرها طول خمس وخمسين درجة وعرض ثلاثين

واختلف في سبب تسميتها بالفسطاط فقال ابن قتيبة إن كل مدينة تسمى فسطاطا ولذلك سميت مصر الفسطاط
وقال الزمخشري الفسطاط اسم لضرب من الأبنية وفي القدر دون السرادق والذي عليه الجمهور أنه يسمى بذلك لمكان فسطاط عمرو بن العاص رضي الله عنه يعني خيمته وذلك أن عمر لما فتح الحصن المعروف بقصر الشمع في سنة إحدى وعشرين من الهجرة واستولى عليه ضرب فسطاطه على القرب منه فلما قصد التوجه إلى الإسكندرية لفتحها أمر بنزع فسطاطه للرحيل فإذا بحمالم قد أفرخ فيه فقال لقد ترحم منا بحرم وأمر بإقرار الفسطاط مكانه وأوصى على الحمام وسار إلى الإسكندرية ففتحها ثم عاد إلى فسطاطه ونزل به ونزل الناس حوله وابتنى داره الصغرى التي هي على القرب من الجامع العتيق مكان فسطاطه وأخذ الناس حوله في الاختطاط حوله فتنافست القبائل في المواضع والاختطاط فولى عمرو على الخطط معاوية بن حديج النجيبي وشريك بن سمي الغطيفي وعمرو بن قحزم الخولاني وحيويل بن ناشرة المعافري ففصلوا بين القبائل وأنزلوا الناس منازلهم فاختطوا الخطط وبنوا الدور والمساجد وعرفت كل خطة بالقبيلة أو الجماعة التي اختطتها أو بصاحبها الذي اختطها
فأما الخطط والآدر التي عرفت بالقبائل والجماعات
فمنها خطة أهل الراية وهم جماعة من قريش والأنصار وخزاعة وأسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وثقيف ودوس وعبس بن

بغيض وجرش من بني كنانة وليث بن بكر لم يكن لكل منهم من العدد ما ينفرد به بدعوة من الديوان فجعل لهم عمرو بن العاص راية لم ينسبها إلى أحد وقال يكون وقوفكم تحتها فكانت لهم كالنسب الجامع وكان ديوانهم عليها فعرفوا بأهل الراية وانفردوا بخطة وحدهم وخطتهم من أعظم الخطط وأوسعها
ومنها خطة مهرة وهم بنو مهرة بن حيدان بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة ابن مالك بن حمير من قبائل اليمن
ومنها خطة تجيب وهم بنو عدي وسعد ابني الأشرس بن شبيب بن السكن بن الأشرس بن كندة وتجيب اسم أمهما عرفت القبيلة بها
ومنها خطط لخم وهي ثلاث الأولى بنو لخم بن عدي بن مرة بن أدد ومن خالطهم من جذام
والثانية بنو عبد ربه بن عمرو بن الحارث بن وائل بن راشدة بن لخم
والثالثة بنو راشدة بن أذب بن جزيلة بن لخم
ومنها خطط اللفيف وهم جماعة من القبائل تسارعوا إلى مراكب الروم حين بلغ عمرا قدومهم الإسكندرية عند فتحها فقال لهم عمرو وقد استكثرهم إنكم لكما قال الله ( فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) فسموا اللفيف من يومئذ

ومنها خطط أهل الظاهر وهم جماعة من القبائل قفلوا من الإسكندرية بعد قفول عمرو بن العاص فوجدوا الناس قد أخذوا منازلهم فتحاكموا إلى معاوية بن حديج الذي جعله عمرو على الخطط فقال لهم إني أرى لكم إن تظهروا على هذه القبائل فتتخذوا لكم منازل فسميت منازلهم الظاهر
ومنها خطط غافق وهم بنو غافق بن الحارث بن عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد
ومنها خطط الصدف بفتح الصاد وكسر الدال المهملتين
وهم بنو مالك ابن سهل بن عمرو بن حمير من قبائل اليمن وقيل بنو مالك بن مرقع بن كندة سمي الصدف لأنه صدف بوجهه عن قومه حين أتاهم سيل العرم
ومنها خطط خولان وهم بنو خولان بن عمرو بن مالك بن زيد بن عريب
ومنها خطط الفارسيين وهم بقايا جند باذان عامل كسرى ملك الفرس على اليمن
ومنها خطط مذحج وهم بنو مالك بن مرة بن أدد بن زيد بن كهلان بن عبد الله

ومنها خطة يحصب وهم بنو يحصب بن مالك بن أسلم بن زيد بن غوث بن حمير
ومنها خطة رعين وهم بنو رعين بن زيد بن سهل بن يعفر بن مرة بن أدد
ومنها خطة بني الكلاع وهو الكلاع بن شرحبيل بن سعد بن حمير
ومنها خطة المعافر وهم بنو المعافر بن يعفر بن مرة بن أدد
ومنها خطط سبإ وهم بنو مالك بن زيد بن وليعة بن معبد بن سبإ
ومنها خطة بني وائل وهو وائل بن زيد مناة بن أفصى بن إياس بن حرام ابن جذام بن عدي
ومنها خطة القبض وهم بنو القبض بن مرثد
ومنها خطط الحمراوات وهي ثلاث سميت بذلك لنزول الروم بها وهم حمر الألوان
الأولى الحمراء الدنيا وبها خطة بلي وهم بنو بلي بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة إلا من كان منهم في أهل الراية وخطة ثراد من الأزد وخطة فهم وهم بنو فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان وخطة بني بحر بن سوادة من الأزد
الثانية الحمراء الوسطى وبها خطة بني نبه وهم قوم من الروم حضروا

الفتح وخطة هذيل وهم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وخطة بني سلامان من الأزد
الثالثة الحمراء القصوى وهي خطة بني الأزرق من الروم وحضر الفتح منهم أربعمائة رجل وخطة بني يشكر بن جزيلة من لخم وإليهم ينسب جبل يشكر الذي بني عليه جامع أحمد بن طولون الآتي ذكره مع جوامع الفسطاط إن شاء الله تعالى
ومنها خطط حضرموت وهم بنو حضرموت بن عمرو بن قيس بن معاوية بن حمير إلى غير ذلك من الخطط التي درست قبل الاهتمام بالتأليف في الخطط
واعلم أنه كان في خلال هذه الخطط دور جماعة كثيرة من الصحابة رضوان الله عليهم ممن حضر الفتح
منها دار عمرو بن العاص ودار الزبير بن العوام ودار قيس بن سعد بن عبد الأنصاري ودار مسلمة بن مخلد الأنصاري ودار عباد

الرحمن بن عديس البلوي ودار وهب بن عمير بن وهب بن خلف الجمحي ودار نافع بن عبد القيس بن لقيط الفهري ودار سعد بن أبي وقاص ودار عقبة بن عامر الجهني ودار القاسم وعمرو ابني قيس بن عمرو ودار عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ودار مسعود بن الأسود بن عبد شمس بن حرام البلوي ودار المستورد بن شداد الفهري ودار حيي بن حرام الليثي وفي صحبته خلاف ودار الحارث بن مالك الليثي المعروف بابن البرصاء ودار بشر بن أرطأة العامري ودار أبي ثعلبة الخشني ودار إياس بن البكير الليثي ودار معمر بن عبد الله بن نضلة القرشي العدوي ودار أبي الدرداء الأنصاري ودار يعقوب القبطي رسول المقوقس إلى رسول الله مع مارية أم ولده إبراهيم وأختها شيرين ودار مهاجر مولى أم سلمة زوج النبي ودار علبة بن زيد الأنصاري ودار محمد بن مسلمة الأنصاري ودار أبي الأسود مسروح بن سندر الخصي ودار عبد الله بن عمر بن الخطاب ودار خارجة بن حذافة بن غانم العدوي ودار عقبة بن الحارث ودار عبد الله بن حذافة السهمي ودار محمية بن جزء الزبيدي ودار المطلب بن أبي

وداعة السهمي ودار هبيب بن معقل الغفاري وبه يعرف وادي هبيب بالقرب من الإسكندرية ودار عبد الله بن السائب المخزومي ودار رفاعة جبر القبطي رسول المقوقس إلى رسول الله ودار يزيد بن زياد الأسلمي ودار عبد الله بن ريان الأسلمي وفي صحبته خلاف ودار أبي عميرة رشيد بن مالك المزني ودار سباع بن عرفطة الغفاري ودار نضلة بن الحارث الغفاري ودار الحارث بن أسد الخزاعي وفي صحبته خلاف ودار عبد الله بن هشام بن زهرة من ولد تميم بن مرة ودار خارجة بن حذافة بن غانم العدوي وهو أول من ابتنى غرفة بالفسطاط فكوتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أمرها فكتب إلى عمرو بن العاص أن ادخل غرفة خارجة وانصب فيها سريرا وأقم عليه رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير فإن اطلع من كواها فاهدمها ففعل عمرو فلم يبلغ الكوى فأقرها ودار محمد بن حاطب الجمحي ودار رفاعة الدوسي ودار فضالة بن عبيد الأنصاري ودار المطلب بن أبي وداعة السهمي
إلى غير ذلك من الدور التي أغفلت ذكرها أصحاب الخطط
قلت وكان أمراء مصر القائمون مقام ملوكها الآن ينزلون بالفسطاط ولم يكن لهم في ابتداء الأمر مقرة معينة ولا دار للإمارة مخصوصة
فنزل عمرو بن

العاص أول امرائها بداره على القرب من الجامع ولم يزل كل أمير بعده ينزل بالدار التي يكون بها سكنه إلى آخر الدولة الأموية وكان عبد العزيز بن مروان وهو أمير مصر في خلافة أخيه عبد الملك بن مروان قد بنى دارا عظيمة بالفسطاط سنة سبع وستين من الهجرة وسماها دار الذهب وجعل لها قبة مذهبة إذا طلعت عليها الشمس لا يستطيع الناظر التأمل فيها خوفا على بصره وكانت تعرف بالمدينة لسعتها وعظمها وكان عبد العزيز ينزلها ثم نزلها بنوه بعده فلما هرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إلى مصر نزل هذه الدار فلما رهقه القوم أمر بإحراقها فلامه في ذلك بعض بني عبد العزيز بن مروان فقال إن أبق أبنها لبنة من ذهب ولبنة من فضة وإلا فما تصاب به في نفسك أعظم ولا يتمتع بها عدوك من بعدك
فلما غلب بنو العباس على بني أمية وهرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إلى الديار المصرية وتبعه علي بن صالح بن علي الهاشمي إلى أن أدركه بمصر وقتله واستقر أميرا على مصر في خلافة السفاح أول خلفاء بني العباس ابتنى دارا للإمارة ونزلها وصارت منزلة للأمراء بعده إلى أن ولي أحمد بن طولون الديار المصرية فنزل بها في أول أمره ثم اختط بعد ذلك قصره المعروف بالميدان فيما بين قلعة الجبل الآن والمشهد النفيسي وما يلي ذلك في سنة ست وخمسين ومائتين وكان له عدة أبواب بعضها عند المشهد النفيسي وبعضها عند جامعه الآتي ذكره واختط الناس حوله واقتطع كل أحد قطيعة ابتنى بها فكان يقال قطيعة هارون بن خمارويه وقطيعة السودان وقطيعة الفراشين فعرف ذلك المكان بالقطائع وتزايدت العمارة حتى اتصلت بالفسطاط وصار الكل بلدا واحدا ونزل أحمد بن طولون بقصره المذكور وكذلك بنوه بعده وأهملت

دار الإمارة التي ابتناها علي بن صالح بالفسطاط واستقر الأمر على ذلك بعده أيام ابنه خمارويه وولديه جيش وهارون وزادت العمارة بالقطائع في أيامهما وكثرت الناس فيها حتى قتل هارون بن خمارويه بعد قتل أبيه وأخيه وسار محمد بن سليمان الكاتب بالعساكر من العراق من قبل المستكفي بالله ووصل إلى مصر في سنة اثنتين وتسعين ومائتين وقد ولى الطولونية عليهم ربيعة بن أحمد بن طولون فتسلم البلد منه وخرب القطائع وهدم القصر وقلع أساسه وخرب موضعه حتى لم يبق له أثر
وكان بدر الخفيفي غلام أحمد بن طولون قد بنى دارا عظيمة بالفسطاط عند المصلى القديمة وقيل اشتراها له أحمد بن طولون ثم سخط عليه أحمد فنكبه سكنها بعده طاهر بن خمارويه ثم سكنها بعده الحمامي غلام أحمد بن طولون فلما هدم محمد بن سليمان الكاتب قصر بني طولون بالقطائع سكن هذه الدار ثم سكنها عيسى النوشري أمير مصر بعده واستقرت منزلة للأمراء إلى أن ولي الإخشيد مصر فزاد فيها وعظمها وعمل لها ميدانا وجعل له بابا من حديد وذلك في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة ولم تزل منزلة للأمراء إلى أن غلبت الخلفاء الفاطميون الإخشيدية على مصر وبنى القائد جوهر القاهرة والقصر فنقل باب هذه الدار إلى القاهرة وصار القصر منزلة لهم على ما سيأتي ذكره في الكلام على خطط القاهرة إن شاء الله تعالى

وصار الفسطاط في كل وقت تتزايد عمارته حتى صار في غاية العمارة ونهاية الحسن به الآدر الأنيقة والمساجد القائمة والحمامات الباهية والقياسر الزاهية والمستنزهات الرائقة ورحل الناس إليه من سائر الأقطار وقصدوه من جميع الجهات وغص بسكانه وضاق فضاؤه الرحيب عن قطانه حتى حكى صاحب إيقاظ المتغفل عن بعض سكان الفسطاط أنه دخل حماما من بناء الروم في أيام خمارويه بن طولون في سنة سبع وثلاثمائة فلم يجد فيها صانعا يخدمه وكان فيها سبعون صانعا قل منهم من معه ثلاثة نفر يغسلهم وأنه دخل بعدها حماما ثم حماما فلم يجد من يخدمه إلا في الحمام الرابعة وكان الذي خدمه معه ثان
وحكى في موضع آخر عمن يثق به عن أبيه أنه شاهد من مسجد الوكرة بالفسطاط إلى جامع ابن طولون قصبة سوق متصلة فعد ما بها من مقاعد الحمص المصلوق فكانت ثلاثمائة وتسعين مقعدا غير الحوانيت وما بها
وحكى أيضا عمن أخبره أنه عد الأسطال النحاس المؤبدة في البكر لاستقاء الماء في الطاقات المطلة على النيل فكانت ستة عشر ألف سطل
قال وبلغ أجرة مقعد يكرى عند البيمارستان الطولوني بالفسطاط في كل يوم اثني عشر درهما

وذكر ابن حوقل أنه كان بالفسطاط في زمانه دار تعرف بدار ابن عبد العزيز بالموقف يصب لمن فيها من السكان في كل يوم أربعمائة راوية ماء وفيها خمسة مساجد وحمامان وفرنان
قلت ولم يزل الفسطاط زاهي البنيان باهي السكان إلى أن كانت دولة الفاطميين بالديار المصرية وعمرت القاهرة على ما سيأتي ذكره فتقهقر حاله وتناقص وأخذ الناس في الانتقال عنه إلى القاهرة وما حولها فخلا من أكثر سكانه وتتابع الخراب في بنيانه إلى أن غلب الفرنج على أطراف الديار المصرية في أيام العاضد آخر خلفاء الفاطميين ووزيره يومئذ شاور السعدي فخاف على الفسطاط أن يملكه الفرنج ويتحصنوا به فأضرم في مساكنه النار فاحرقها فتزايد الخراب فيه وكثر الخلق
ولم يزل الأمر على ذلك في تقهقر أمره إلى أن كانت دولة الظاهر بيبرس أحد ملوك الترك بالديار المصرية فصرف الناس همتهم إلى هدم ما خلا من أخطاطه

والبناء ينقضه بساحل النيل بالفسطاط والقاهرة وتزايد الهدم فيه واستمر إلى الآن حتى لم يبق من عمارته إلا ما بساحل النيل وما جاوره إلى ما يلي الجامع العتيق وما دانى ذلك ودثرت أكثر الخطط القديمة وعفا رسمها واضمحل ما بقي منها وتغيرت معالمه
وإذا نظرت إلى خطط الكندي والقضاعي والشريف النسابة عرفت ما كان الفسطاط عليه من العمارة وما صار إليه الآن وإنما أجرينا ذكر بعض الخطط المتقدمة حفظا لأسمائها وتنبيها على ما كانت عليه إلا أن في ساحله المطل على النيل الآن وما جاور ذلك المباني الحسنة والدور العظيمة والقصور العالية التي تبهج الناظر وتسر الخاطر
وكان أكثر بنيانه بالآجر المحكوك والجبس والجير من أوثق بناء وأمكنه وآثاره الباقية تشهد له بذلك وقد صار ما خرب منه ودثر كيمانا كالجبال العظيمة وهجر غالبها وترك وسكن في بعضها رعاع الناس ممن لا يعبأ به في جوانب منها لا تعد في العامر ومن كيمانه المشهورة التي ذكرها القضاعي كوم الجارح وكوم دينار وكوم السمكة وكوم الزينة وكوم الترمس وزاد صاحب إيقاظ المتغفل كوم بني وائل وكوم ابن غراب وكوم الشقاق وكوم المشانيق
ويقابل الفسطاط من الجهة البحرية جزيرة الصناعة المعروفة الآن بالروضة كانت صناعة العمائر أولا بها فنسبت إليها

حذف

قال الكندي وكان بناؤها في سنة أربع وخمسين ثم غلب عليها اسم الروضة لحسنها ونضارتها وإطافة الماء بها وما بها من البساتين والقصور وهي جزيرة قديمة كانت موجودة في زمن الروم
وكان بها حصن عليه سور وأبراج وبين الفسطاط وبينها جسر ممتد من المراكب على وجه النيل كما في جسر بغداد على الدجلة ولم يزل قائما إلى أن قدم المأمون مصر فأحدث عليه جسرا من خشب تمر عليه المارة وترجع وبعد خروج المأمون من مصر هبت ريح عاصفة في الليل فقطعت الجسر القديم وصدمت بسفنه الجسر المحدث فذهبا جميعا ثم أعيد الجسر المحدث وبطل القديم
وقد ذكر القضاعي أنه كان موجودا إلى زمنه وكان في الدولة الفاطمية ثم جدد الحصن المذكور أحمد بن طولون أمير مصر في خلافة المعتمد في سنة ثلاث ومائتين ثم استهدم بعد ذلك بتأثير النيل في أبراجه ومرور الزمان عليه ثم بنى الصالح نجم الدين أيوب قلعة مكانه في سنة ثمان وثلاثين وستمائة وبقيت حتى هدمها المعز أيبك التركماني أول ملوك الترك
وعمر من نقضها مدرسته المعزية برحبة الخروب واتخذ الناس مكانها أملاكا وهي على ذلك إلى زماننا ولم يبق بها إلا بعض أبراج اتخذها الناس أملاكا وعمرو عليها بيوتا
فلما ملك الظاهر بيبرس هم بإعادتها فلم يتفق له ذلك وبقيت على حالها
قلت وكانت أرفة النيل التي بين جزيرة الصناعة وبين الفسطاط هي أقوى الفرقتين والتي بين الجزيرة والجيزة هي الضعيفة ثم انعكس الأمر إلى أن صار ما بين الجزيرة والفسطاط يجف ولا يعلوه الماء إلا في زيادة النيل ويبدو بين آخر الفسطاط وهذه الجزيرة على فوهة خليج القاهرة
ويوجد في أول

الخليج حيث السد الذي يفتح عند وفاء النيل مكان كالجزيرة يعرف بمنشأة المهراني كان كوما يحرق فيه الآجر يعرف بالكوم الأحمر عده القضاعي في جملة كيمان الفسطاط
قال صاحب إيقاظ المتغفل وأول من ابتدأ فيه العمارة بلبان المهراني في الدولة الظاهرية بيبرس فنسبت إليها المنشأة إليه
ويلي الفسطاط من غربيه بركة تعرف ببركة الحبش وهي أرض مزدرعة قال القضاعي كانت تعرف ببركة المعافر وحمير وكان في شرقيها جنات تعرف بالحبش فنسبت إليه
وذكر ابن يونس في تاريخه أن تلك الجنات تعرف بقتادة بن قيس بن حبشي الصدفي وهو ممن شهد فتح مصر
قلت وهي الآن موقوفة على الأشراف من ولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من فاطمة بنت رسول الله وقفها عليهم الصالح طلائع بن رزيك وزير الفائز والعاضد من الخلفاء الفاطميين
ويليه من قبليه حيث القرافة المكان المعروف بالخندق كان قد احتفره عبد الرحمن بن عيينة خندقا في سنة خمس وستين من الهجرة عند مسير مروان بن الحكم إلى مصر فعرف بذلك

وأما جوامعه فستة

الأول الجامع العتيق المعروف بجامع عمرو
وذلك أن عمرا لما بنى داره الصغرى مكان فسطاطه على ما تقدم ذكره اختط الجامع المذكور في خطه أهل الراية المتقدمة الذكر
قال القضاعي وكان جنانا فيما ذكر الليث بن سعد
قال وكان الذي حاز موضعة قيسبة بن كلثوم التجيبي أحد بني سوم فنزله في حصار الحصن المعروف بقصر الشمع فلما رجع عمرو من الإسكندرية سأل قيسبة فيه ليجعله مسجدا فسلمه إليه وقال تصدقت به على المسلمين واختط له خطة مع قومه في بني سوم في تجيب فبني في سنة إحدى وعشرين وكان طوله خمسين ذراعا في عرض ثلاثين ذراعا ويقال إنه وقف على قبلته ثمانون رجلا من الصحابة رضوان الله عليهم منهم الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو ذر الغفاري وأبو بصرة الغفاري وغيرهم ولم يكن له يومئذ محراب مجوف بل عمد قائمة بصدر الجدار وكان له بابان يقابلان دار عمرو بن العاص وبابان في بحريه وبابان في غربيه وطوله من قبليه إلى بحريه مثل

طول دار عمرو وبينه وبين دار عمرو سبعة أذرع
ولما فرغ من بنائه اتخذ عمرو بن العاص له منبرا يخطب عليه فكتب إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزم عليه في كسره ويقول أما يكفيك أن تقوم قائما والمسلمون جلوس تحت عقبيك فكسره
ويقال إنه أعاده إليه بعد وفاة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
وقيل إن زكريا بن مرقيا ملك النوبة أهدى لعبد الله بن أبي سرح العامري في إمارته على مصر منبرا فجعله في الجامع ثم زاد فيه مسلمة بن مخلد الأنصاري في سنة ثلاث وخمسين من الهجرة وهو يومئذ أمير مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان زيادة من بحريه وزخرفه وهو أول من صلى على الموتى داخل الجامع وتوالت فيه الزيادات والتجديدات إلى زماننا
وأول من رتب فيه قراءة المصحف عبد العزيز بن مروان في إمارته في سنة ست وسبعين ورفع عبد الله بن عبد الملك سقفه في سنة تسع وثمانين بعد أن كان مطأطأ ثم جعل فيه المحراب المجوف قرة بن شريك العبسي اتباعا لعمر بن عبد العزيز في

محراب مسجد رسول الله في المدينة وأحدث فيه المقصورة تبعا لمعاوية حيث فعل ذلك بالشام
وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة أمر موسى بن نصير اللخمي وهو أمير مصر باتخاذ المنابر في جميع جوامع قرى مصر
وأول من نصب اللوح الأخضر فيه عبد الله بن طاهر وهو أمير مصر في سنة اثنتي عشرة ومائتين ثم احترق الرواق الذي فيه اللوح الأخضر في ولاية خمارويه بن احمد بن طولون فعمره خمارويه في سنة خمس وسبعين ومائتين
ثم جدد اللوح الظاهر بيبرس في سنة ست وستين وستمائة
ثم جدد اللوح الأخضر برهان الدين المحلي التاجر في سلطنة الظاهر برقوق في أواخرها
وقد وصف صاحب إيقاظ المتغفل الجامع على ما كان في زمانه في حدود ثلاث عشرة وسبعمائة فقال إن ذرعه ثمانية وعشرون ألفا بذراع العمل مقدمه ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة ذراع وخمسون ذراعا ومؤخرة ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة وخمسون ذراعا وصحنه خمسة آلاف ذراع جانبه الشرقي ألفا ذراع وخمسمائة ذراع وخمسون ذراعا وجانبه الغربي كذلك وأبوابه ثلاثة عشر بابا لكل باب منها اسم يخصه في جانبه القبلي باب واحد وبه أربعة وعشرون

رواقا سبعة في مقدمه وسبعة في مؤخره وخمسة في شرقيه وخمسة في غربيه وفيه ثلاثمائة عمود وثمانية وستون عمودا بعضها منفرد وبعضها مضاف مع غيره وبصدره ثلاثة محاريب المحراب الكبير المجاور للمنبر والمحراب الأوسط ومحراب الخمس وفيه خمس صوامع إحداها في ركنه القبلي مما يلي الغربي وهي الغرفة والثانية في ركنه القبلي مما يلي الشرقي وهي المنارة الكبرى والثالثة في ركنه البحري مما يلي الشرقي وتعرف بالجديدة والرابعة فيما بين هذه المنارة والمنارة الآتي ذكرها وتعرف بالسعيدة والخامسة في الركن البحري مما يلي الغربي مقابل باب السطح وتعرف بالمستجدة
وهو على هذه الصفة إلى الآن لكنه قد استهدم رواق اللوح الأخضر والرواقات التي داخله فأمر السلطان الملك الظاهر ببنيانها فعلقت جدره على الخشب فاخترمته المنية قبل الشروع في البناء وأخذ القاضي برهان الدين المحلي تاجر الخاص في عمارة ذلك فهدم رواق اللوح الأخضر وما داخله وجدد اللوح الذي كان قد نصبه الظاهر بيبرس وعمر الرواقات المستهدمة أنفس عمارة وأحسنها
قلت ومما يجب التنبيه عليه أنه قد تقدم أنه وقف على إقامة محراب هذا الجامع ثمانون رجلا من الصحابة وحينئذ فيلحق بمحاريب البصرة والكوفة على الوجه الصائر إليه بعض أصحابنا الشافعية في أنه لا يجتهد في التيامن والتياسر في محاريبهما كما نبه عليه الشيخ تقي الدين السبكي في شرح منهاج النووي في

الفقه لكن قد ذكر القضاعي في خططه عن الليث بن سعد وابن لهيعة أنهما كانا يتيامنان في صلاتهما فيه وأن محرابه كان مشرقا جدا وأن قرة بن شريك حين هدمه وبناه تيامن به قليلا
وقد حكى الشيخ تقي الدين السبكي في شرح المنهاج أيضا عن بعض علماء الميقات أنه أخبره أن فيه الآن انحرافا قليلا
قال ولعله من تغيير البناء وقد سألت بعض علماء هذا الشأن عن ذلك فأخبرني عن الشيخ تقي الدين أبي الطاهر رأس علماء الميقات في زماننا أنه كان يقول من الدلالة على صحة عملنا في استخراج القبلة موافقته لمحراب الجامع العتيق

الثاني الجامع الطولوني
بناه أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين على الجبل المعروف بجبل يشكر
قال القضاعي وينسب إلى يشكر بن جزيلة من لخم كان خطة لهم
قال ابن عبد الظاهر وهو جبل مبارك معروف بإجابة الدعاء فيه

قال ويقال إن الله تعالى كلم موسى عليه السلام عليه
ويقال إن ابن طولون أنفق على هذا الجامع مائة ألف دينار وعشرين ألفا من كنز وجده
ويقال إنه لما فرغ من بنائه أمر بتسمع ما يقوله الناس فيه من العيوب فسمع رجل يقول محرابه صغير وآخر يقول ليس فيه عمود وآخر يقول ليس فيه ميضأة فقال أما المحراب فإني رأيت النبي وقد خطه لي فأصبحت فرأيت النمل قد أطافت بالمكان الذي خطه لي
وأما العمد فإني بنيته من مال حلال وهو الكنز الذي وجدته فما كنت لأشوبه بغيره والعمد لا تكون إلا من مسجد أو كنيسة فنزهته عن ذلك
وأما الميضأة فأردت تطهيره من النجاسات وها أنا أبنيها خلفه ثم أمر ببنائها على القرب
ويحكى أنه كان لا يعبث بشيء قط وأنه أخذ يوما درج ورق أبيض وأخرجه ومده كالحلزون ثم استيقظ لنفسه وظن أنه فطن له فأمر بعمارة المنارة على تلك الهيئة وعلى نظير العشاري الذي على رأسها عمل العشاري على رأس قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه
ولما فرغ من بناء الجامع رأى في منامه كأن نارا نزلت من السماء فأحرقت الجامع دون ما حوله فقص رؤياه على عابر فقال له بشراك قبوله فإن الأمم الخالية كانوا إذا قربوا قربانا فتقبل نزلت نار من السماء فأكلته كما في قصة هابيل وقابيل ورأى مرة أخرى كأن ألحق سبحانه وتعالى تجلى على ما حول الجامع فعبره له عابر بأنه يخرب ما حول الجامع ويبقى هو بدليل قوله تعالى ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) وكان الأمر كذلك فهدمت منازل بني طولون في نكبتهم ولم يبق منها إلا الجامع

الثالث جامع راشدة
بناه الحاكم بأمر الله الفاطمي جنوبي الفسطاط على القرب من الرصد وأدخله في وقفه مع الجامع الأزهر وجامع المقس
قال في إيقاظ المتغفل ليس هو بجامع راشدة حقيقة وإنما جامع راشدة كان بالقرب منه وهو جامع قديم بنته قبيلة يقال لها راشدة عند الفتح الإسلامي فلما بنى الحاكم هذا سمي باسمه
قال وقد أدركت بعضه ومحرابه وكان فيه شجر كثير من شجر المقل
الرابع جامع الرصد
بناه الأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار الصالحي النجمي في

شهور سنة ثلاث وستين وستمائة عمر منظرته المعروفة به هناك وعمر رباطا بجانبه قرر فيه عددا تنعقد به الجمعة مقيمين فيه ليلا ونهارا

الخامس جامع الشعيبية بظاهر مصر أيضا
بناه الأمير عز الدين الأفرم المذكور في سنة ثلاث وتسعين وستمائة وسكنه الشيخ شمس الدين بن اللبان الفقيه الشافعي الصوفي فعرف به الآن
السادس الجامع الجديد
بناه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالقرب من موردة الحلفاء وبدأ بعمارته في التاسع من المحرم في سنة إحدى عشر وسبعمائة وانتهت عمارته في ثامن صفر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وخطب به قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي وصلى فيه الجمعة في التاسع من الشهر المذكور ورتب فيه صوفية يحضرونه بعد العصر كما في الخوانق وهو من

أحسن الجوامع وأنزهها بقعة خصوصا في أيام زيادة النيل
وأما مساجد الخمس فكانت على العدد الذي لا يحصى لكثرتها وخطط القضاعي شاهدة بذلك
وقد رأيت في بعض التواريخ أن الفناء وقع في أيام كافور الإخشيدي حتى لم يجدوا من يقبل الزكاة فأتوا بها إلى كافور فلم يقبلها وقال ابنوا بها المساجد واتخذوا لها الأوقاف فكان ذلك سبب زيادة الكثرة فيها ولكنها الآن قد خربت بخراب الفسطاط ودثرت ولم يبق إلا آثار القليل منها
وأما المدارس فكان المتقدمون يجلسون للعلم بالجامع العتيق وأول من أحدث المدارس بالفسطاط بنو أيوب فعمر السلطان صلاح الدين رحمه الله مدرستين
إحداهما مدرسة المالكية المعروفة بالقمحية في المحرم سنة ست وستين وخمسمائة وسميت بالقمحية لأن معلومها يصرف للمدرسين والطلبة قمحا

قال العماد الكاتب وكانت قبل ذلك سوقا يباع فيه الغزل
والثانية المدرسة المعروفة بابن زين التجار وكانت سجنا يسجن فيه فبناها السلطان صلاح الدين مدرسة ووقفها على الشافعية ووقف عليها الصاغة المجاورة لها ثم عمر الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بالمكان المعروف بمنازل العز بالقرب من باب القنطرة قبلي الفسطاط مدرسة ووقف عليها أوقافا من جملتها جزيرة الصناعة المعروفة بالروضة
ثم بنى السلطان الملك المعز أيبك التركماني أول ملوك الترك مدرسته المعزية برحبة الخروب في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة
وعمر الصاحب شرف الدين بن الفائزي مدرسته الفائزية قبل وزارته في شهور سنة سبع وثلاثين وستمائة
وعمر الصاحب بهاء الدين بن حنا المدرسة الصاحبية بزقاق القناديل بعد ذلك
وأما الخوانق والربط فلم تعهد بالفسطاط غير أن الصاحب بهاء الدين

ابن حنا عمر رباط الآثار الشريفة النبوية بظاهر قبلي الفسطاط واشترى الآثار الشريفة وهي ميل من نحاس وملقط من حديد وقطعة من العنزة وقطعة من القصعة بجملة مال وأثبتها بالاستفاضة وجعلها بهذا الرباط للزيارة
وأما البيمارستان فأول من أنشأه بالفسطاط أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين وأنفق عليه ستين ألف دينار
قال القضاعي ولم يكن قبله بيمارستان بمصر وشرط ألا يعالج فيه جندي ولا مملوك

القاعدة الثانية القاهرة
بألف ولام لازمين في أولها وقاف مفتوحة بعدها ألف ثم هاء مكسورة وراء مهملة مفتوحة ثم هاء في الآخر ويقال فيها القاهرة المعزية نسبة إلى المعز الفاطمي الذي بنيت له وربما قيل المعزية القاهرة سميت بذلك تفاؤلا وهي المدينة العظمى التي ليس لها نظير في الآفاق ولا يسمع بمثلها في مصر من الأمصار
بناها القائد جوهر المعزي لمولاه المعز لدين الله أبي تميم معد بن المنصور أبي الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن المهدي بالله أبي محمد عبيد الله الفاطمي في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة عند وصوله إلى الديار المصرية

من المغرب واستيلائه عليها وموقعها شمالي الفسطاط المتقدم ذكره على القرب منه
قال في الروض المعطار وبينهما ثلاثة أميال
وكأنه يريد ما كان عليه الحال في ابتداء عمارة القاهرة وهو ما بين سور الفسطاط وسور القاهرة
أما الآن فقد انتشرت الأبنية واتصلت العمارة حتى كادت المدينتان تتصلان أو اتصلان
قال القاضي محي الدين بن عبد الله الظاهر في خطط القاهرة والذي استقر عليه الحال أن حد القاهرة من السبع سقايات إلى مشهد السيدة رقية عرضا وكان قبل ذلك من المجنونة
قال ابن سعيد وكان مكانها قبل العمارة بستانا لبني طولون على القرب من منازلهم المعروفة بالقطائع
وكيفما كان فطولها وعرضها في معنى طول الفسطاط وعرضه أو أكثر عرضا بقليل وكان ابتداء عمارتها أن أمر إفريقية وغيرها من بلاد المغرب كان قد أفضى إلى المعز المذكور وقوي طمعه في مصر بعد موت كافور الإخشيدي وهي يومئذ والشأم والحجاز بيد أحمد بن علي بن الإخشيد أستاذ كافور وهو صبي لم يبلغ الحلم والمتكلم في المملكة أهل دولته والحسين بن عبد الله في الشأم كالنائب أو الشريك له يدعى له بعده على المنابر
وكانت مصر قد ضعف عسكرها لما دهمها من الغلاء والوباء فجهز المعز قائده جوهر المتقدم ذكره فبرز جوهر إلى مدينة رقادة من بلاد إفريقية في أكثر من مائة ألف وما يزيد على ألف صندوق من المال وخرج المعز لتشييعه فقال للمشايخ الذين معه والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر وليدخلنها

بالأردية من غير حرب ولينزلن في خرابات ابن طولون ويبني مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا وكان للمعز غلام ببرقة اسمه أفلح فكتب إليه المعز أن يترجل لجوهر إذا عبر عليه ويقبل يديه فبذل مائة ألف دينار على أن يعفى من ذلك فأبى المعز إلا ذلك فترجل من مكانه وقبل يديه وسار جوهر حتى دخل مصر وتسلمها لسبع عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ونزل في مناخه من سفره موضع القاهرة الآن ليلا واختط القصر في بنائه وعمارة القاهرة واختط الناس حوله
فأما القصر فإنه اختطه في الليلة التي أناخ فيها قبل أن يصبح فلما أصبح رأى فيه ازورارات غير معتدلة فلم يعجبه ثم قال قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة فتركه على حاله وتمادى في بنيانه حتى أكمله
ومكانه الآن المدرسة الصالحية بين القصرين إلى رحبة الأيدمري طولا ومن السبع خوخ إلى رحبة باب العيد عرضا والحد الجامع لذلك أن تجعل باب المدرسة الصالحية على يسارك وتمضي إلى السبع خوخ ثم إلى مشهد الحسين ثم إلى رحبة الأيدمري ثم إلى الركن المخلق ثم إلى بين القصرين حتى تأتي إلى باب المدرسة الصالحية من حيث ابتدأت فما كان على يسارك في جميع دورتك فهو موضع القصر
وكان له تسعة أبواب بعضها أصلي وبعضها مستحدث
أحدها باب الذهب ويقال إنه كان مكان المدرسة الظاهرية الآن
الثاني باب البحر ويقال إن مكانه باب قصر بشتاك
قال ابن عبد الظاهر

وهو من بناء الحاكم
الثالث باب الزهومة ومكانه قاعة شيخ الحنابلة بالمدرسة الصالحية وكانت الصاغة مطبخا للقصر وكانوا يدخلون بالطعام إلى القصر من ذلك الباب فسمي باب الزهومة لذلك والزهومة الذفر
الرابع باب التربة ويقال إن مكانه بين باب الزهومة المتقدم الذكر ومشهد الحسين
الخامس باب الديلم وهو باب مشهد الحسين
السادس باب قصر الشوك ومكانه بالموضع المعروف بقصر الشوك على القرب من رحبة الأيدمري
السابع باب العيد وهو باب البيمارستان العتيق سمي بذلك لأن الخليفة كان يخرج منه لصلاة العيد وإليه تنسب رحبة باب العيد
الثامن باب الزمرد وهو إلى جانب باب العيد المتقدم ذكره
التاسع باب الريح وقد ذكر ابن الطوير أنه كان في ركن القصر الذي يقابل سور دار سعيد السعداء التي هي الخانقاه الآن
ثم استجد المأمون بن البطائحي وزير الآمر تحت القوس الذي بين باب الذهب وباب البحر ثلاث مناظر وسمى إحداها الزاهرة والثانية الفاخرة والثالثة الناضرة
وكان الآمر يجلس فيها لعرض العساكر في عيد الغدير والوزير واقف في قوس باب الذهب وكان مكان السيوفيين الآن سلسلة ممتدة إلى ما يقابلها تعلق في كل يوم من وقت الظهر حتى لا يجوز تحت القصر راكب ولذلك يعرف هذا المكان بدرب السلسلة
ومما هو داخل في حدود القصر مشهد الحسين
وسبب بنائه أن رأس الإمام الحسين عليه السلام كانت بعسقلان فخشي الصالح طلائع بن رزيك عليها من الفرنج فبنى جامعه خارج باب زويلة وقصد

نقل الرأس إليه فغلبه الفائز على ذلك وأمر بابتناء هذا المشهد ونقل الرأس إليه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة
ومن غريب ما اتفق من بركة هذه الرأس الشريفة ما حكاه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حين استولى على هذا القصر بعد موت العاضد آخر خلفاء الفاطميين بمصر قبض على خادم من خدام القصر وحلق رأسه وشد عليها طاسا داخله خنافس فلم يتأثر بها فسأله السلطان صلاح الدين عن ذلك وما السر فيه فأخبر أنه حين أحضرت الرأس الشريفة إلى المشهد حملها على رأسه فخلى عنه السلطان وأحسن إليه
وكان بجوار القصر قصر صغير يعرف بالقصر النافعي من جهة السبع خوخ فيه عجائز الفاطميين
وقلت ولم يزل هذا القصر منزلة الخلفاء الفاطميين من لدن المعز أول خلفائهم بمصر وإلى آخر أيام العاضد آخر خلفائهم وكان الوزراء ينزلون بدار الوزارة التي ابتناها أمير الجيوش بدر الجمالي داخل باب النصر مكان الخانقاه الركنية بيبرس الآن
فلما ولي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الوزارة عن العاضد بعد عمه أسد الدين شيركوه نزل بدار الوزارة المذكورة وبقي بها حتى مات العاضد فتحول إلى القصر وسكنه ثم سكنه بعده أخوه العادل أبو بكر
فلما ملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر انتقل منه إلى قلعة الجبل على ما سيأتي ذكره في الكلام على القلعة إن شاء الله تعالى
وصارت دار الوزارة المتقدمة الذكر منزلا للرسل الواردين من المماليك إلى أن عمر مكانها السلطان الملك المظفر بيبرس الجاشنكير الخانقاه المعروفة به وخلا القصر من حينئذ من ساكنيه وأهمل أمره فخرب
قال القاضي محي الدين بن عبد الظاهر قال لي بواب لباب الزهومة اسمه

مرهف في سنة ثلاثين وستمائة كان لي على هذا الباب المدة الطويلة ما رأيته دخل فيه حطب ولا رمي منه تراب
قال وهذا أحد أسباب خرابه لوقود أخشابه وتكويم ترابه ثم أخذ الناس بعد ذلك في تملكه واستحكاره وعمرت فيه المدارس والآدر فبنى السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب فيه مدرسته الصالحية ثم بنى الظاهر بيبرس فيه مدرسته الظاهرية وبنى فيه بشتاك أحد أمراء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون فيه قصره المعروف به وجعلت دار الضرب في وسطه ولم يبق من آثاره إلا البيمارستان العتيق فإنه كان قاعة بناها العزيز بالله بن المعز الفاطمي على ما سيأتي ذكره
وكذلك القبة التي على رأس السالك من هذا البيمارستان إلى رحبة باب العيد وبعض جدر لا يعتد بها قد دخلت في جملة الأملاك
وأما أبواب القاهرة وأسوارها فإن القائد جوهرا حين اختطها جعل لها أربعة أبواب بابين متقاربين وبابين متباعدين
فالمتقاربان باب زويلة نسبة إلى زويلة قبيلة من قبائل البربر الواصلين مع جوهر من المغرب ولذلك يقع في عبارة الموثقين وغيرهم بابا زويلة وأحد هذين البابين القوس الموجود الآن المجاور للمسجد المعروف بسام بن نوح عليه السلام
والثاني كان موضع الحوانيت التي يباع فيها الجبن على يسرة القوس المتقدم ذكره يدخل منه إلى المحمودية
وكان سبب إبطاله وسده أن المعز الذي بنيت له القاهرة لما دخلها عند وصوله من المغرب دخل من القوس الموجود الآن هناك فازدحم الناس فيه وتجنبوا الدخول من الباب الآخر واشتهر بين الناس أن من دخل منه لم تقض له حاجة فرفض وسد وجعل زقاق جنوبيه يتوصل منه إلى المحمودية وزقاق شماليه يتوصل منه إلى الأنماطيين وما يليها
والبابان المتباعدان هما القوس الذي داخل باب الفتوح خارج حارة بهاء الدين وقوس آخر كان على حياله داخل باب النصر بالقرب من وكالة قيسون الآن

فهدم ثم ابتنى أمير الجيوش بدر الجمالي المتقدم ذكره في سنة ثمانين وأربعمائة سورا من لبن دائرا على القاهرة وبعضه باق إلى زماننا بخط سوق الغنم داخل الباب المحروق ثم ابتنى الأفضل بن أمير الجيوش باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح الموجودين الآن فيما ذكره القاضي محي الدين بن عبد الظاهر في خططه إلا أنه ذكر في مواضع أخر منها أن باب زويلة بناه العزيز بالله وأكمله بدر الجمالي وهو من أعظم الأبواب وأشمخها وليس له باشورة على الأبواب وفيه يقول علي بن محمد النيلي
( يا صاح لو أبصرت باب زويلة ... لعلمت قدر محله بنيانا )
( باب تأزر بالمجرة وارتدى الشعرى ... ولاث برأسه كيوانا )
( لو أن فرعونا رآه لم يرد ... صرحا ولا أوصى به هامانا )
قال ابن عبد الظاهر وباب سعادة ربما ينسب إلى سعادة بن حيان غلام المعز وكان قد ورد من عنده في جيش إلى جوهر وولي الرملة بعد ذلك
قال وباب القنطرة منسوب إلى القنطرة التي أمامه وهي من بناء القائد جوهر بناها عند خوفه من القرامطة ليجوز عليها إلى المقس
والقوس الذي بالشارع الأعظم خارج باب زويلة على رأس المنجبية عند الطيوريين الآن كان بابا بناه الحاكم بأمر الله خارج القاهرة وكان يعرف بالباب الجديد

وباب الخوخة الذي على القرب من قنطرة الموسكي أظنه من بناء الفاطميين أيضا
ولما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الديار المصرية انتدب لعمارة أسوار القاهرة ومصر في سنة تسع وستين وخمسمائة الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي الرومي على كثرة من أسرى الفرنج عندهم يومئذ بنى سورا دائرا عليها وعلى قلعة الجبل والفسطاط ولم يزل البناء به حتى توفي السلطان صلاح الدين رحمه الله وهو الموجود الآن وجعل فيها عدة أبواب
منها باب البحر وباب الشعرية وباب البرقية والباب المحروف وابتنى برجين عظيمين أحدهما بالمقس على القرب من جامع باب البحر وهو الذي هدمه الصاحب شمس الدين المقسي وزير الأشرف شعبان بن حسين على رأس السبعين والسبعمائة وأدخله في حقوق الجامع المذكور حين جدد بناءه والثاني بباب القنطرة جنوبي الفسطاط
قال القاضي محي الدين بن عبد الظاهر وقياس هذا السور من أوله إلى آخره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة وذراعان بالهاشمي من ذلك من باب البحر إلى البرج بالكوم الأحمر يعني رأس منشأة المهراني المتقدم ذكرها في الكلام على خطط الفسطاط عند فوهة خليج القاهرة عشرة آلاف ذراع ومن الكوم الأحمر المذكور إلى قلعة الجبل من جهة مسجد سعد الدولة سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع ومن مسجد سعد الدولة المذكور إلى باب البحر ثمانية آلاف ذراع وثلاثمائة واثنان وتسعون ذراعا ودائرة القلعة ثلاثة آلاف ذراع ومائة وعشرة أذرع

واقتصر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه على ذرع السور من غير تفصيل ولم يتعرض للذراعين الزائدين
قلت وهذا السور قد دثر أكثره وتغيرت معالم غالبه للصوق عمائر الأملاك به حتى إنه لا يتميز في غالب الأماكن من الأملاك وسقط ما بين باب البحر إلى الكوم الأحمر حتى لم يبق له أثر
على أن ما هو داخل سور القاهرة الأول من الأماكن أرضه سبخة وماؤه زعاق
قال ابن عبد الظاهر ولذلك عتب المعز عند وصوله إلى الديار المصرية ودخوله القاهرة على جوهر لكونه لم يعمرها مكان المقس على القرب من باب البحر أو جنوبي الفسطاط على القرب من الرصد لتكون قريبة من النيل عذبة مياه الآبار
واعلم أن خطط القاهرة قد اتسعت وزادت العمارة حولها وصار ما هو خارج سورها أضعاف ما هو داخله
ثم منها ما هو منسوب إلى دولة الفاطميين ومنها ما هو منسوب إلى من تقدمهم من الملوك إما لدروس اسمه الأول وغلبة اسمه الثاني عليه وإما لاستحداثه بعد أن لم يكن ومنها ما هو مجهول لانقطاع شهرته بطول الأيام ومرور الليالي
وإنما يقع التعرض هنا للأماكن الظاهرة الشهرة الدائرة على الألسنة دون غيرها وأنا أذكرها على ترتيب الأماكن لا على ترتيب القدم والحدوث
أما خططها المشهورة داخل السور
فمنها حارة بهاء الدين داخل باب الفتوح وتعرف بالطواشي بهاء الدين قراقوش باني سور القاهرة المتقدم ذكره وكانت في دولة الفاطميين تعرف

ببين الحارتين ثم اختطها قوم في الدولة الفاطمية يعرفون بالريحانية والعزيزية فعرفت بهم
فلما سكنها بهاء الدين قراقوش المذكور اشتهرت به ونسي ما قبل ذلك
ومنها حارة برجوان وتعرف ببرجوان الخادم كان خادم القصور في أيام العزيز بالله بن المعز ثاني خلفاء الفاطميين بمصر ووصاه على ابنه الحاكم فعظم شأنه ثم قتله الحاكم بعد ذلك
ويقال إنه خلف في تركته أف سراويل بألف تكة حرير
وبهذه الحارة كانت دار المظفر ابن أمير الجيوش بدر الجمالي
ومنها خط الكافوري كان بستانا لكافور الإخشيدي وبنيت القاهرة وهو بستان وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وستمائة فاختطته طائفة البحرية والعزيزية إصطبلات وأزيلت أشجاره وبقيت نسبته إلى كافور على ما كانت عليه
ومنها خط الخرنشف كان ميدانا للخلفاء الفاطميين وكان لهم سرداب تحت الأرض إليه من باب القصر يمرون فيه إلى الميدان المذكور راكبين ثم جعل مصرفا للماء لما بنيت المدرسة الصالحية ثم بنى به الغز بعد الستمائة إصطبلات بالخرنشف وسكنوها فسمي بذلك
ومنها درب شمس الدولة على القرب من باب الزهومة وكان في الدولة الفاطمية يعرف بحارة الأمراء وبها كانت دار الوزير عباس وزير الظافر وبها المدرسة المسرورية بناها مسرور الخادم وكان أحد خدام القصر في الدولة الفاطمية وبقي إلى الدولة الأيوبية واختص بالسلطان صلاح الدين وتقدم عنده

ثم سكنها شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين يوسف وعمر بها دربا فعرف به ونسب إليه
ومنها حارة زويلة وتنسب إلى زويلة قبيلة من البربر الواصلين صحبة القائد جوهر على ما تقدم ذكره في الكلام على باب زويلة وهي حارة عظيمة متشعبة
ومنها الجودرية وتعرف بطائفة يقال لهم الجودرية من الدولة الفاطمية نسبة إلى جودر خادم عبيد الله المهدي أبي الخلفاء الفاطميين اختطوها وسكنوها حين بنى جوهر القاهرة ثم سكنها اليهود بعد ذلك إلى أن بلغ الحاكم الفاطمي أنهم يهزأون بالمسلمين ويقعون في حق الإسلام فسد عليهم أبوابهم وأحرقهم ليلا وسكنوا بعد ذلك حارة زويلة المتقدمة الذكر
ومنها الوزيرية وتعرف بوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس وزير المعز بالله الفاطمي وكان يهودي الأصل يخدم في الدولة الإخشيدية ثم هرب إلى المعز الفاطمي بالمغرب لمال لزمه فلقي عسكر المعز مع جوهر فرجع معه وعظمت مكانته عند المعز حتى استوزره وكانت داره مكان مدرسة الصاحب صفي الدين بن شكر وزير العادل أبي بكر بن أيوب المعروفة بالصاحبية بسويقة الصاحب وكانت قبل ذلك تعرف بدار الديباج
ومنها المحمودية قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر ولعلها منسوبة إلى الطائفة المعروفة بالمحمودية القادمة في أيام العزيز بالله الفاطمي إلى مصر
ومنها حارة الروم داخل بابي زويلة اختطها الروم الواصلون صحبة جوهر القائد حين بنائه القاهرة فعرفت بهم ونسبت إليهم إلى الآن
ومنها الباطلية قال ابن عبد الظاهر تعرف بقوم أتوا المعز باني

القاهرة وقد قسم العطاء في الناس فلم يعطهم شيئا فقالوا نحن على باطل فسميت الباطلية
ومنها حارة الديلم وتعرف بالديلم الواصلين صحبة أفتكين المعزي غلام المعز بن بويه الديلمي وكان قد تغلب على الشام أيام المعز الفاطمي وقاتل القائد جوهرا واستنصر بالقرامطة وخرج إليهم العزيز بالله فأسره في الرملة وقدم به إلى القاهرة فأجزل له العطاء وأنزله هو وأصحابه بهذه الخطة
وبها كانت دار الصالح طلائع بن رزيك باني الجامع الصالحي خارج باب زويلة وكان يسكنها قبل الوزارة وخوخته بها معروفة إلى الآن بخوخة الصالح
ومنها حارة كتامة على القرب من الجامع الأزهر بجوار الباطلية وتعرف بقبيلة كتامة من البربر الواصلين صحبة جوهر من الغرب
ومنها إصطبل الطارمة بظاهر مشهد الحسين كان اصطبلا للقصر وبهذا الخط كانت دار الفطرة التي يعمل فيها فطرة العيد بناها المأمون بن البطائحي وزير الآمر وكانت الفطرة قبل ذلك تعمل بأبواب القصر وسيأتي الكلام على الفطرة مستوفى في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية فيما بعد إن شاء الله تعالى
ومنها حارة الصالحية قبلي مشهد الحسين كانت طائفة من غلمان الصالح طلائع بن رزيك قد سكنوها فعرقت بهم ونسبت إليهم
ومنها البرقية قال ابن عبد الظاهر اختطها قوم من أهل برقة قدموا صحبة جوهر فعرفت بهم
ورأيت بخط بعض الفضلاء بحاشية خطط ابن عبد الظاهر أن الصالح طلائع بن رزيك لما قتل عباسا وزير الظافر وتقلد الوزارة عن

الآمر أقام جماعة من الأمراء يقال لهم البرقية عونا له وأسكنهم هذه الخطة فنسبت إليهم
ومنها قصر الشوك على القرب من رحبة الأيدمري قال ابن عبد الظاهر كان قبل عمارة القاهرة منزلة لنبي عذرة تعرف بقصر الشوك
ومنها خزانة البنود وكانت خزانة السلاح في الدولة الفاطمية ثم جعلت سجنا في الأيام المستنصرية ثم احتكرت بعد ذلك وجعلت آدرا
ومنها رحبة باب العيد تنسب إلى باب العيد أحد أبواب القصر المسمى بباب العيد المقدم ذكره
ومنها درب ملوخية ينسب لملوخية صاحب ركاب الحاكم وبه مدرسة القاضي الفاضل وزير السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وبه كانت داره
ومنها العطوف وأصل اسمها العطوفية نسبة إلى عطوف خادم الحاكم
ومنها الجوانية قال ابن عبد الظاهر وهي صفة لمحذوف وأصلها حارة الروم الجوانية وذلك أن الروم الواصلين صحبة جوهر اختطوا حارة الروم المتقدمة الذكر وهذه الحارة وكان الناس يقولون حارة الروم الجوانية فثقل ذلك عليهم فأطلقوا على هذه الجوانية وقصروا اسم حارة الروم على تلك

قال والوراقون إلى هذا الوقت يقولون حارة الروم السفلى وحارة الروم العليا المعروفة بالجوانية ثم قال ويقال إنها منسوبة إلى الأشراف الجوانيين الذين منهم الشريف الجواني النسابة
وأما خططها المشهورة خارج السور
فمنها الحسينية كانت في الأيام الفاطمية ثماني حارات خارج باب الفتوح أولها الحارة المعروفة بحارة بهاء الدين المتقدم ذكرها وهي حارة حامد والمنشأة الكبرى والحارة الكبيرة والمنشأة الصغيرة وحارة عبيد الشراء والحارة الوسطى وسوق الكبير بمصر والوزيرية وكان يسكنها الطائفة المعروفة بالوزيرية والريحانية من الأرمن والعجمان وعبيد الشراء
قال ابن عبد الظاهر وكان بها من الأرمن قريب من سبعة آلاف نفس ثم سكنها جماعة من الأشراف الحسينيين قدموا في أيام الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب من الحجاز إلى مصر فنزلوا بهذه الأمكنة واستطوطنوها فسميت بهم ثم سكنها الأجناد بعد ذلك وبنوا بها الأبنية العظيمة والآدر الضخمة
قال ابن عبد الظاهر هي أعظم حارات الأجناد
قلت وذلك بحسب ما كان الحال عليه في زمانه ولكنها قد خربت في زماننا هذا وانتقل الأجناد إلى الأماكن القريبة من القلعة بصليبة الجامع الطولوني ونحوها
وبنى بهاء الدين قراقوش خانا للسبيل تنزله المارة وأبناء السبيل فعرف خطه به

ومنها الخندق خارج الحسينية بالخندق كان عنده خندق احتفره العزيز بالله الفاطمي وكان المعز قد أسكن المغاربة هناك في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة حين تبسطوا في القرافة والقاهرة وأخرجوا الناس من منازلهم وأمر مناديا ينادي لهم كل ليلة من بات منهم في المدينة استحق العقوبة
ومنها أرض الطبالة منسوبة لامرأة مغنية اسمها نشب وقيل طرب كانت مغنية للمستنصر الفاطمي واسمه معد
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر ولما ورد الخبر عليه بأنه خطب له ببغداد في نوبة البساسيري قريب السنة غنته نشب هذه
( يا بني العباس صدوا ... قد ولي الأمر معد )
( ملككم كان معارا ... والعواري تسترد )
فوهبها هذه الأرض في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فحكرت وبنيت آدرا فعرفت بها
قال وكانت من ملح القاهرة وبهجتها وفيها يقول ابن سعيد المغربي مجانسا بين القرط الذي ترعاه الدواب والقرط الذي يكون في الأذن

( سقى الله أرضا كلما زرت روضها ... كساها وحلاها بزينته القرط )
( تجلت عروسا والمياه عقودها ... وفي كل قطر من جوانبها قرط )
ومنها خط باب القنطرة قال ابن عبد الظاهر ذكر لي علم الدين بن مماتي أنه في كتب الأملاك القديمة يسمى بالمرتاحية
ومنها المقس قال القضاعي في خططه كانت ضيعة تعرف بأم دنين وكان العاشر الذي يأخذ المكس يقعد بها لاستخراج المال فقيل المكس بالكاف ثم أبدلت الكاف في الألسنة قافا
قال ابن عبد الظاهر ومن الناس من يقول فيه المقسم لأن قسمة الغنائم في الفتوح كانت فيه
قال ولم أر ذلك مسطورا وكانت الدكة من نواحيه بستانا إذا ركب الخليفة من الخليج يوم الكسر أتى إليه في البر الغربي من الخليج في مركبة ويدخله بمفرده فيسقي منه فرسه ثم يخرج إلى قصره على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية إن شاء الله تعالى
قال ابن عبد الظاهر والدكة الآن آدر وحارات شهرتها تغني عن وصفها فسبحان من لا يتغير
قلت وقد خرب أكثر تلك الآدر والحارات حتى لم يبق منها إلا الرسوم وبعضها باق يسكنه آحاد الناس
ومنها ميدان القمح كان قديما بستانا سلطانيا يسمى بالمقسي يدخل الماء إليه من الخليج المعروف بالخليج الذي الذكر بناه كافور الإخشيدي ثم أمر الظاهر الفاطمي بنقل أنشابه وحفره وجعله بركة قدام اللؤلؤة وأبقى الخليج

المذكور مسلطا على البركة ليستنقع الماء فيها
فلما ضعف أمر الخلافة الفاطمية وهجرت رسومها القديمة في التفرج في اللؤلؤة وغيرها بنت السودان المعروفون بالطائفة الفرحية الساكنون بالمقس عند ضيقه عليهم قبالة اللؤلؤة حارة سميت حارة اللصوص بسبب تعديهم فيها مع غيرهم ثم تنقلت بها الحال حتى صار على ما هو عيه الآن
ومنها بر ابن التبان غربي خليج القاهرة وينسب إلى ابن التبان رئيس حراقة الخلافة الفاطمية وكان الآمر الفاطمي قد أمر بالعمارة قبالة الخرق غربي الخليج فأول من عمر به ابن التبان المذكور أنشأ به مسجدا وبستانا ودارا فعرفت الخطة به إلى الآن
ومنها خط اللوق وهو خط قديم متسع ينتهي إلى الميدان المعد لركوب السلطان عند وفاء النيل قد عمر بالأبنية وسكنه رعاع الناس وأوباشهم والمكان المعروف الآن بباب اللوق جزء منه
ومنها بركة الفيل وهي بركة عظيمة متسعة جنوبي سور القاهرة عليها الأبنية العظيمة المستديرة بها
قال ابن عبد الظاهر وتنسب إلى رجل من أصحاب ابن طولون يعرف بالفيل وما أحسن قول ابن سعيد المغربي
( أنظر إلى بركة الفيل التي اكتنفت ... بها المناظر كالأهداب للبصر )

( كأنما هي والأبصار ترمقها ... كواكب قد أداروها على القمر )
ومنها خط الجامع الطولوني من الصليبة وما والاها وقد تقدم في الكلام على خطط الفسطاط أن هذه الأرض كانت منازل لأحمد بن طولون وعسكره والجبل الذي في جانبها البحري يعرف بجبل يشكر وعليه بناء الجامع الطولوني المذكور واستحدث الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله عليه قصورا جاءت في نهاية الحسن والإتقان وهي المعروفة بالكبش ولم يزل يسكنها أكابر الأمراء إلى أن خربها العوام في وقعة الجلبان قبل السبعين والسبعمائة وهي على ذلك إلى الآن وقد شرع الناس الآن في استحكار أماكنها للعمارة فيها في حدود سنة ثمانمائة
ومنها خط حارة المصامدة وتنسب لطائفة المصامدة من البربر الذي قدموا مع المعز من المغرب وكان المقدم عليهم عبد الله المصمودي وكان المأمون بن البطائحي وزير الآمر قد قدمه ونوه بذكره وسلم إليه أبوابه للمبيت عليها وأضاف إليه جماعة من أصحابه
ومنها الهلالية قال ابن عبد الظاهر أظنها الحارة التي بناها المأمون بن البطائحي خارج الباب الجديد الذي بناه الحاكم بالشارع على يسرة الخارج منه للمصامدة لما قدمهم ونوه بذكرهم وحذر أن يبني بينها وبين بركة الفيل حتى صارت هذه الحارة مشرفة على شاطيء بركة الفيل إلى بعض أيام الحافظ
ومنها المنتجبية قال ابن عبد الظاهر بلغني أنها منسوبة لشخص في الدولة الفاطمية يعرف بمنتجب الدولة
ومنها اليانسية قال ابن عبد الظاهر أظنها منسوبة ليانس وزير الحافظ وكان يلقب بأمير الجيوش سيف الإسلام ويعرف بيانس الفاصد لأنه فصد حسن ابن الحافظ وتركه محلول الفصادة حتى مات

قال وكان في الدولة من اسمه يانس العزيزي واليانسية جماعة كانوا في زمن العزيز بالله ومنهم يانس الصقلي ونسبة هذه الحارة محتملة لأن تكون لكل منهم وقد ذكر ابن عبد الظاهر عدة حارات كانت للجند خارج باب زويلة غير ما لعله ذكره سردا منها ما هو مشهور معروف وهو حارة حلب والحبانية ومنها ما ليس كذلك وهو الشوبك والمأمونية والحارة الكبيرة والمنصورة الصغيرة وحارة أبي بكر
وأما جوامعها فأقدمها الجامع الأزهر بناء القائد جوهر بعد دخول مولاه المعز إلى القاهرة وإقامته بها وفرغ من بنائه وجمعت فيه الجمعة في شهر رمضان لسبع خلون من سنة إحدى وستين وثلاثمائة ثم جدد العزيز بن المعز فيه أشياء وعمر به أماكن وهو أول جامع عمر بالقاهرة
قال صاحب نهاية الأرب وجدده العزيز بن المعز ولما عمر الحاكم جامعة مقل الخطبة إليه وبقي الجامع الأزهر شاغرا ثم أعيدت إليه الخطبة وصلي فيه الجمعة في ثامن شعر ربيع الآخر سنة خمس وستين وستمائة في سلطنة الظاهر بيبرس وتزايد أمره حتى صار أرفع الجوامع بالقاهرة قدرا
411
- قال ابن عبد الظاهر وسمعت جماعة يقولون إن به طلسما لا يسكنه عصفور

الجامع الثاني
الجامع الحاكمي
بناه الحاكم الفاطمي على القرب من باب الفتوح وباب النصر وفرغ من بنائه في سنة ست وتسعين وثلاثمائة وكان حين بنائه خارج القاهرة إذ كان بناؤه قبل بناء باب الفتوح وباب النصر الموجودين الآن وكان هو خارج القوسين اللذين هما باب الفتوح وباب النصر الأولان
ثم قال وفي سيرة العزيز أنه اختط أساسه في العاشر من رمضان سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وفي سيرة الحاكم أنه ابتدأه بعض الوزراء وأتمه الحاكم وعلى البدنة المجاورة لباب الفتوح أنها بنيت في زمن المستنصر في أيام أمير الجيوش سنة ثمانين وأربعمائة ثم استولى عليها من ملكها والزيادة التي إلى جانبه بناها الظاهر بن الحاكم ولم يكملها ثم ثبت في الدولة الصالحية نجم الدين أيوب أنها من الجامع وأن بها محرابا فانتزعت ممن هي معه وأضيفت للجامع وبني بها ما هو موجود الآن في الأيام المعزية أيبك التركماني ولم تسقف
الجامع الثالث الجامع الأقمر
بناه الآمر الفاطمي بوساطة وزيره المأمون بن البطائحي وكمل بناؤه في

قال ابن عبد الظاهر وسمعت جماعة يقولون إن به طلسما لا يسكنه عصفور

الجامع الثاني
الجامع الحاكمي
بناه الحاكم الفاطمي على القرب من باب الفتوح وباب النصر وفرغ من بنائه في سنة ست وتسعين وثلاثمائة وكان حين بنائه خارج القاهرة إذ كان بناؤه قبل بناء باب الفتوح وباب النصر الموجودين الآن وكان هو خارج القوسين اللذين هما باب الفتوح وباب النصر الأولان
ثم قال وفي سيرة العزيز أنه اختط أساسه في العاشر من رمضان سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وفي سيرة الحاكم أنه ابتدأه بعض الوزراء وأتمه الحاكم وعلى البدنة المجاورة لباب الفتوح أنها بنيت في زمن المستنصر في أيام أمير الجيوش سنة ثمانين وأربعمائة ثم استولى عليها من ملكها والزيادة التي إلى جانبه بناها الظاهر بن الحاكم ولم يكملها ثم ثبت في الدولة الصالحية نجم الدين أيوب أنها من الجامع وأن بها محرابا فانتزعت ممن هي معه وأضيفت للجامع وبني بها ما هو موجود الآن في الأيام المعزية أيبك التركماني ولم تسقف
الجامع الثالث الجامع الأقمر
بناه الآمر الفاطمي بوساطة وزيره المأمون بن البطائحي وكمل بناؤه في

حذف 412

حذف 413

سنة تسع وعشرة وخمسمائة ويذكر أن اسم الآمر والمأمون عليه
قلت ولم يكن به خطبة إلى أن جدد الأمير يلبغا السالمي أحد أمراء الظاهر برقوق عمارته في سنة إحدى وثمانمائة ورتب فيه خطبة

الجامع الرابع الجامع بالمقس بباب البحر وهو المعروف بالجامع الأنور
بناه الحاكم الفاطمي أيضا في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة
الجامع الخامس
الجامع الضافري وهو المعروف الأن بجامع الفكاهين
بناه الظفر الفاطمي داخل بابي زويلة في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وكان زريبة للكباش وسبب بنائه جامعا أن خادما كان في مشترف على الزريبة فرأي ذباحا وقد أخذ رأسين من الغنم فذبح أحدهما ورمى سكينه وذهب لقضاء حاجة له فأتى رأس الغنم الآخر فأخذ السكين بفمه ورماها في البالوعة وجاء الذباح فلم يجد السكين فاستصرخ الخادم وخلصه منه فرفعت القصة إلى أهل القصر فأمروا بعمارته
الجامع السادس الجامع الصالحي
بناه الصالح طلائع بن رزيك وزير الفائز والعاضد من الفاطميين خارج باب زويلة بقصد نقل رأس الحسين عليه السلام من عسقلان إليه عند خوف هجوم الفرنج عليها فلما فرغ منه لم يمكنه الفائز من ذلك وابتنى له المشهد المعروف بمشهد الحسين بجوار القصر ونقله إليه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة وبنى

به صهريجا وجعل له ساقية تنقل الماء إليه من الخليج أيام النيل على القرب من باب الخرق
ولم يكن به خطبة وأول ما أقيمت الجمعة فيه في الأيام المعزية أيبك التركماني في سنة اثنتين وخمسين وستمائة وخطب به أصيل الدين أبو بكر الإسعردي ثم كثرت عمارة الجوامع بالقاهرة في الدولة التركية خصوصا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون وما بعدها فعمر بها من الجوامع ما لا يكاد يحصى كثرة كجامع المارديني وجامع قوصون خارج باب زويلة وغيرهما من الجوامع وأقيمت الجمعة في كثير من المدارس والمساجد الصغار المتفرقة في الأخطاط لكثرة الناس وضيق الجوامع عنهم
وأما مدارسها فكانت في الدولة الفاطمية وما قبلها قليلة الوجود بل تكاد أن تكون معدومة غير أنه كان بجوار القصر دار تعرف بدار العلم خلف خان مسرور كان داعي الشيعة يجلس فيها ويجتمع إليه من التلامذة من يتكلم في العلوم المتعلقة بمذهبهم وجعل الحاكم لها جزءا من أوقافه التي وقفها على الجامع الأزهر وجامع المقس وجامع راشدة ثم أبطل الأفضل بن أمير الجيوش هذه الدار لاجتماع الناس فيها والخوض في المذاهب خوفا من الاجتماع على

المذهب النزاري ثم أعادها لآمر بواسطة خدام القصر بشرط أن يكون متوليها رجلا دينا والداعي هو الناظر فيها ويقام فيها متصدرون برسم قراءة القرآن
وقد ذكر المسبحي في تاريخه أن الوزير أبا الفرج يعقوب بن كلس سأل العزيز بالله في حمله رزق جماعة من العلماء وأطلق لكل منهم كفايته من الرزق وبنى لهم دارا بجانب الجامع الأزهر فإذا كان يوم الجمعة حلقوا بالجامع بعد الصلاة وتكلموا في الفقه وأبو يعقوب قاضي الخندق رئيس الحلقة والملقي عليهم إلى وقت العصر وكانوا سبعة وثلاثين نفرا
ثم جاءت الدولة الأيوبية فكانت الفاتحة لباب الخير والغارسة لشجرة الفضل فابتنى الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر دار الحديث الكاملية بين القصرين في سنة اثنتين وعشرين وستمائة وقرر بها مذاهب الأئمة الأربعة وخطبة وبقي إلى جانبها خراب حتى بنى آدرا في الأيام المعزية

أيبك التركماني في سني خمسين وستمائة ووقف على المدرسة المذكورة وبنى من بنى من أكابر دولتهم مدارس لم تبلغ شأو هذه وشتان بين الملوك وغيرهم
ثم جاءت الدولة التركية فأربت على ذلك وزادت عليه فابتنى الظاهر بيبرس المدرسة الظاهرية بين القصرين بجوار المدرسة الصالحية ثم أبتنى المنصور قلاوون المدرسة المنصورية من داخل بيمارستانه الآتي ذكره وجعل قبالتها تربة سنية
ثم ابتنى الناصر محمد بن قلاوون المدرسة الناصرية بجوار البيمارستان المذكور
ثم ابتنى الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون مدرسته العظمى تحت القلعة وهي التي لم يسبق إلى مثلها ولا سمع في مصر من الأمصار بنظيرها ويقال إن إيوانها يزيد في القدر على إيوان كسرى بأذرع

ثم ابتنى ابن أخيه الأشرف شعبان بن حسين المدرسة الأشرفية بالصوة تحت القلعة ومات ولم يكملها ثم هدمها الناصر فرج بن الظاهر برقوق لتسلطها على القلعة في سنة أربع عشرة وثمانمائة ونقل أحجارها إلى عمارة القاعات التي أنشأها بالحوش بقلعة الجبل ولم تعهد مدرسة قصدت بالهدم قبلها
ثم ابتنى الظاهر برقوق مدرسته الظاهرية بين القصرين بجوار المدرسة الكاملية فجاءت في نهاية الحسن والعظمة وجعل فيها خطبة وقرر قيها صوفية على عادة الخوانق ودروسا للأئمة وتغالى في ضخامة البناء ونظم الشعراء فيها فكان مما أتى به بعضهم من أبيات
( وبعض خدامه طوعا لخدمته ... يدعو الصخور فتأتيه على عجل )
وتواردوا كلهم على هذا المعنى فاقترح علي بعض الأكابر نظم شيء من هذا المعنى فنظمت أبياتا جاء منها
( وبالخليلي قد راجت عماراتها ... في سرعة بنيت من غير ما مهل )
( كم أظهرت عجبا أسواط حكمته ... وكم غدت مثلا ناهيك من مثل )
( وكم صخور تخال الجن تنقلها ... فإنها بالوحا تأتي وبالعجل )
وفي خلال ذلك ابتنى أكابر الأمراء وغيرهم من المدارس ما ملأ الأخطاط وشحنها

وأما الخوانق والربط فمما لم يعهد بالديار المصرية قبل الدولة الأيوبية وكان المبتكر لها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله فابتنى الخانقاه الصلاحية المعروفة بسعيد السعداء وسعيد السعداء لقب لخادم للمستنصر الفاطمي اسمه قنبر كانت الدار له ثم صارت آخر الأيام سكن الصالح طلائع بن رزيك ولما ولي الوزارة فتح من دار الوزارة إليها سردابا تحت الأرض وسكنها شاور السعدي وزير العاضد ثم ولده الكامل
فلما ملك السلطان صلاح الدين جعلها خانقاه ووقف عليها قيسارية الشرب داخل القاهرة وبستان الحبانية بزقاق البركة
وأما مساجد الصلوات الخمس فأكثر من أن تحصى وأعز من أن تستقصي بكل خط منها مسجد أو مساجد لكل منها إمام راتب ومصلون
وأما البيمارستان فقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر بلغني أن البيمارستان كان أولا بالقشاشين يعني المكان المعروف الآن بالخراطين على القرب من الجامع الأزهر وهناك كانت دار الضرب بناها المأمون بن البطائحي وزير الآمر قبالة البيمارستان المذكور وقرر دور الضرب بالإسكندرية وقوص وصور وعسقلان ثم لما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الديار المصرية واستولى على القصر كان في القصر قاعة بناها العزيز بن المعز في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة فجعلها السلطان صلاح الدين بيمارستانا وهو البيمارستان العتيق الذي داخل القصر وهو باق على هيئته إلى الآن ويقال إن فيها طلسما لا يدخلها نمل وإن ذلك هو السبب الموجب لجعلها بيمارستانا
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر ولقد سألت المباشرين

بالبيمارستان المذكور عن ذلك في سنة سبع وخمسين وستمائة فقالوا صحيح
ثم ابتنى السلطان الملك المنصور قلاوون رحمه الله دار ست الملك أخت الحاكم المعروفة بالدار القطبية بيمارستانا في سنة ثلاث وثمانين وستمائة بمباشرة الأمير علم الدين الشجاعي وجعل من داخله المدرسة المنصورية والتربة المتقدم ذكرهما فبقي معالم بعض الدار على ما هو عليه وغير بعضها
وهو من المعروف العظيم الذي ليس له نظير في الدنيا ونظره رتبة سنية يتولاها الوزراء ومن في معناهم
قال في مسالك الأبصار وهو الجليل المقدار الجليل الآثار الجميل الإيثار العظيم بنائه وكثرة أوقافه وسعة إنفاقه وتنوع الأطباء والكحالين والجرائحية فيه
قلت ولم تزل القاهرة في كل وقت تتزايد عمارتها وتتجدد معالمها خصوصا بعد خراب الفسطاط وانتقال أهله إليها على ما تقدم ذكره حتى صارت على ما هي عليه في زماننا من القصور العلية والدور الضخمة والمنازل الرحيبة والأسواق الممتدة والمناظر النزهة والجوامع البهجة والمدارس

الرائقة والخوانق الفاخرة مما لم يسمع بمثله في قطر من الأقطار ولا عهد نظيره في مصر من الأمصار
وغالب مبانيها بالآجر وجوامعها ومدارسها وبيوت رؤسائها مبنية بالحجر المنحوت مفروشة الأرض بالرخام مؤزرة الحيطان به وغالب أعاليها من أخشاب النخل والقصب المحكم الصنعة وكلها أو أكثرها مبيضة الجدر بالكلس الناصع البياض ولأهلها القوة العظيمة في تعلية بعض المساكن على بعض حتى إن الدار تكون من طبقتين إلى أربع طبقات بعضها على بعض في كل طبقة مساكن كاملة بمنافعها ومرافقها وأسطحة مقطعة بأعلاها بهندسة محكمة وصناعة عجيبة
قال في مسالك الأبصار لا يرى مثل صناعة مصر في الذهاب الباب وبظاهرها البساتين الحسان والمناظر النزهة والآدر المطلة على النيل والخلجان الممتدة منه ومن مدة وبها المستنزهات المستطابة خصوصا زمن الريبع لغدرانها الممتدة من مقطعات النيل وما حولها من الزروع المختلفة وأزهارها المائسة التي تسر الناظر وتبهج الخاطر
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات وأجمع المسافرون برا وبحرا أنه لم يكن أحسن منها منظرا ولا أكثر ناسا وإليها يجلب ما في سائر أقاليم الأرض من كل شيء غريب وزي عجيب وملكها ملك عظيم كثير الجيوش

حسن الزي لا يماثله في زيه ملك من ملوك الأرض وأهلها في رفاهية عيش وطيب مأكل ومشرب ونساؤه في غاية الجمال والظرف
قال وسألت في مسالك الأبصار أخبرني غير واحد ممن رأى المدن الكبار أنه لم ير مدينة اجتمع فيها من الخلق ما اجتمع في القاهرة
قال وسألت الصدر مجد الدين إسماعيل عن بغداد وتوريز هل يجمعان خلقا مثل مصر فقال في مصر خلق قدر من في جميع البلاد
قال في التعريف والقاهرة اليوم أم الممالك وحاضرة البلاد وهي في وقتنا دار الخلافة وكرسي الملك ومنبع الحكماء ومحط الرحال ويتبعها كل شرق وغرب خلا الهند فإنه نائي المكان بعيد المدى يقع لنا من أخباره ما نكبره ونسمع من حديثه ما لا نألفه
قال وكان يخلق لنا أن نجعل كل النطق بالقاهرة دائرة وإنما نفردها بما اشتملت عليه حدود الديار المصرية ثم ندير بأم كل مملكة نطاقها ثم إليها مرجع الكل وإلى بحرها مصب تلك الخلج
قال في مسالك الأبصار إلا أن أرضها سبخة ولذلك يعجل الفساد إلى مبانيها
وذكر القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر نحو ذلك وأن المعز لام القائد جوهرا على بنائها في هذا الموضع وترك جانب النيل عند المقس أو جنوبي الفسطاط حيث الرصد الآن

القاعدة الثالثة
القلعة
بفتح القاف ويعبر عنها بقلعة الجبل وهي مقرة السلطان الآن ودار مملكته
بناها الطواشي بهاء الدين قراقوش المتقدم ذكره للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله وموقعها بين ظاهر القاهرة والجبل المقطم والفسطاط وما يليه من القرافة المتصلة بعمارة القاهرة والقرافة وطولها وعرضها على ما تقدم في الفسطاط أيضا وهي على نشز مرتفع من تقاطيع الجبل المقدم ترتفع في موضع وتنخفض في آخر
وكان موضعها قبل أن تبنى مساجد من بناء الفاطميين منها مسجد رديني الذي هو بين آدر الحريم السلطانية
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر قال لي والدي رحمه الله عرض علي الملك الكامل إمامته فامتنعت لكونه بين آدر الحريم
ولم يسكنها السلطان صلاح الدين رحمه الله ويقال إن ابنه الملك العزيز سكنها مدة في حياة أبيه ثم انتقل منها إلى دار الوزارة

قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر قال لي والدي رحمه الله كنا نطلع إليها قبل أن تسكن في ليالي الجمع نبيت متفرجين كما نبيت في جواسق الجبل والقرافة
وأول من سكنها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب انتقل إليها من قصر الفاطميين سنة أربع وستمائة واستقرت بعده سكنا للسلاطين إلى الآن
ومن غريب ما يحكي أن السلطان صلاح الدين رحمه الله طلع إليها ومعه أخوه العادل أبو بكر فقال السلطان لأخيه العادل هذه القلعة بنيت لأولادك فثقل ذلك على العادل وعرف السلطان صلاح الدين ذلك منه فقال لم تفهم عني إنما أردت أني أنا نجيب فلا يكون لي أولاد نجباء وأنت غير نجيب فتكون أولادك نجباء فسري عنه وكان الأمر كما قال السلطان صلاح الدين وبقيت خالية حتى ملك العادل مصر والشام فاستناب ولده الملك الكامل محمدا في الديار المصرية فسكنها
وذكر في مسالك الأبصار أن أول من سكنها العادل أبو بكر ولما سكنها الكامل المذكور احتفل بأمرها واهتم بعمارتها وعمر بها أبراجا منها البرج الأحمر وغيرها
وفي أواخر سنة اثنتين وثمانين وستمائة عمر بها السلطان الملك المنصور قلاوون برجا عظيما على جانب باب السر الكبير وبنى عليه مشترفات حسنة البنيان بهجة الرخام رائقة الزخرفة
وسكنها في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة
ثم عمر بها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ثلاثة أماكن كملت بها معانيها واستحق بها القلعة على بانيها

أحدها القصر الأبلق الذي يجلس به السلطان في عامة أيامه ويدخل عليه فيه أمراؤه وخواصه وقد استجد به السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين رحمه الله في جانبه مقعدا بإزاء الإسطبلات السلطانية جاء في نهاية من الحسن والبهجة
والثاني الإيوان الكبير الذي يجلس فيه السلطان في أيام المواكب للخدمة العامة وإقامة العدل في الرعية
والثالث جامع الخطبة الذي يصلي فيه السلطان الجمعة وستأتي صفة هذه الأماكن كلها
وهذه القلعة ذات سور وأبراج فسيحة الأفنية كثيرة العمائر ولها ثلاثة أبواب يدخل منها إليها
أحدها من جهة القرافة والجبل المقطم وهو أقل أبوابها سالكا وأعزها استطراقا
والثاني باب السر
ويختص الدخول والخروج منه بأكابر الأمراء وخواص الدولة كالوزير وكاتب السر ونحوهما يتوصل إليه من الصوة وهي بقية النشز الذي بنيت عليه القلعة من جهة القاهرة بتعريج يمشي فيه مع جانب جدارها البحري حتى ينتهي إليه بحيث يكون مدخله منه مقابل الإيوان الكبير الذي يجلس فيه السلطان أيام المواكب وهذا الباب لا يزال مغلقا حتى ينتهي إليه من يستحق الدخول أو الخروج منه فيفتح له ثم يغلق
والثالث وهو بابها الأعظم الذي يدخل منه باقي الأمراء وسائر الناس يتوصل إليه من أعلى الصوة المتقدم ذكرها يرقى إليه في درج متناسبة حتى يكون

مدخله في أول الجانب الشرقي من القلعة ويتوصل منه إلى ساحة مستطيلة ينتهي منها إلى دركاه جليلة يجلس بها الأمراء حتى يؤذن لهم بالدخول وفي قبلي هذه الدركاه دار النيابة وهي التي يجلس بها النائب الكافل للحكم إذا كان ثم نائب وقاعة الصاحب وهي التي يجلس بها الوزير وكتاب الدولة وديوان الإنشاء وهو الذي يجلس فيه كاتب السر وكتاب ديوانه وكذلك ديوان الجيش وسائر الدواوين السلطانية
وبصدر هذه الدركاه باب يقال له باب القلة يدخل منه إلى دهاليز فسيحة على يسرة الداخل منها باب يتوصل منه إلى جامع الخطبة المتقدم ذكره وهو من أعظم الجوامع وأحسنها وأبهجها نظرا وأكثرها زخرفة متسع الأرجاء مرتفع البناء مفروش الأرض بالرخام الفائق مبطن السقوف بالذهب في وسطه قبة يليها مقصورة يصلي فيها السلطان الجمعة مستورة هي والرواقات المشتملة عليها بشبابيك من حديد محكمة الصنعة يحف بصحنه رواقات من جميع جهاته ويتوصل من ظاهر هذا الجامع إلى باب الستارة ودور الحريم السلطانية

وبصدر الدهاليز المتقدمة الذكر مصطبة يجلس عليها مقدم المماليك وعندها مدخل باب السر المتقدم ذكره وفي مجنبة ذلك ممر يدخل منه إلى ساحة يواجه الداخل إليها باب الإيوان الكبير المتقدم ذكره وهو إيوان عظيم عديم النظير مرتفع الابنية واسع الأفنية عظيم العمد عليه شبابيك من حديد عظيمة الشأن محكمة الصنعة وبصدره سرير الملك وهو منبر من رخام مرتفع يجلس عليه السلطان في أيام المواكب العظام لقدوم رسل الملوك ونحو ذلك
ويتيامن عن هذا الإيوان إلى ساحة لطيفة بها باب القصر الأبلق المتقدم ذكره وبنواحيها مصاطب يجلس عليها خواص الأمراء قبل دخولهم إلى الخدمة ويدخل من باب القصر إلى دهاليز عظيمة الشأن نبيهة القدر يتوصل منها إلى القصر المذكور وهو قصر عظيم البناء شاهق في الهواء به إيوانان في جهتي الشمال والجنوب أعظمهما الشمالي يطل منهما على الإصطبلات السلطانية ويمتد النظر منهما إلى سوق الخيل والقاهرة والفسطاط وحواضرها إلى مجرى النيل وما يلي ذلك من بلاد الجيزة والجبل وما والى ذلك وبصدره منبر من رخام كالذي في الإيوان الكبير يجلس عليه السلطان أحيانا في وقت الخدمة على ما يأتي ذكره
والإيوان الثاني وهو القبلي خاص بخروج السلطان وخواصه منه من باب السر إلى الإيوان الكبير خارج القصر للجلوس فيه أيام المواكب العامة ويدخل من القصر المتقدم ذكره إلى ثلاثة قصور جوانية واحد منها مسامت لأرض القصر الكبير واثنان مرفوعان يصعد إليهما بدرج في جميعها شبابيك من حديد تشرف على ما يشرف عليه القصر ويدخل من القصور الجوانية إلى دور الحريم وأبواب الستور السلطانية وهذه القصور جميعها ظاهرها بالحجر الأسود

والأصفر وداخلها مؤزر بالرخام والفص المذهب المشجر بالصدف وأنواع الملونات والسقوف المبطنة بالذهب واللازورد تخرق لضوء في جدرانها بطاقات من الزجاج القبرسي الملون كقطع الجوهر المؤلفة في العقود وجميع أرضها مفروشة بالرخام المنقول من أقطار الأرض مما لا يوجد مثله
قال في مسالك الأبصار فأما الآدر السلطانية فعلى ما صح عندي خبره أنها ذوات بساتين وأشجار ومناخات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطيور والدواجن
وخارج هذه القصور طباق واسعة للماليك السلطانية ودور عظام لخواص الأمراء من مقدمي الألوف ومن عظم قدره من أمراء الطبلخاناه والعشرات ومن خرج عن حكم الخاصكية إلى حكم البرانيين
وبها بيوت ومساكن لكثير من الناس وسوق للمآكل ويباع بها النفيس من السلاح والقماش مع الدلالين يطوفون به
وبهذه القلعة مع ارتفاع أرضها وكونها مبنية على جبل بئر ماء معين منقوبة في الحجر احتفرها بهاء الدين قراقوش المتقدم ذكره حين بناء القلعة وهي من أعجب الآبار بأسفلها سواق تدور فيها الأبقار وتنقل الماء في وسطها وبوسطها سواق تدور فيها الأبقار أيضا وتنقل الماء إلى أعلاها ولها طريق إلى

الماء ينزل البقر فيه إلى معينها في مجاز وجميع ذلك نحت في الحجر ليس فيه بناء
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وسمعت من يحكي من المشايخ أنها لما نقرت جاء ماؤها عذبا فأراد قراقوش أو نوابه الزيادة في مائها فوسع نقرا في الجبل فخرجت منه عين مالحة غيرت عذوبتها
ويقال إن أرضها تسامت أرض بركة الفيل وهذه البئر ينتفع بها أهل القلعة فيما عدا الشرب من سائر أنواع الاستعمالات
أما شربهم فمن الماء العذب المنقول إليها من النيل بالروايا على ظهور الجمال والبغال مع ما ينساق إلى السلطان ودور أكابر الأمراء المجاورين للسلطان من ماء النيل في المجاري بالسواقي النقالات والدواليب التي تديرها الأبقار وتنقل الماء من مقر إلى آخر حتى ينتهي إلى القلعة ويدخل إلى القصور والآدر في ارتفاع نحو خمسمائة ذراع
وقد استجد السلطان الملك الظاهر برقوق بهذه القلعة صهريجا عظيما يملأ في كل سنة زمن النيل من الماء المنقول إلى القلعة من السواقي النقالات ورتب عليه سبيلا بالدركاه التي بها دار النيابة يسقى فيه الماء وحصل به للناس رفق عظيم
وتحت مشترف هذه القلعة مما يلي القصور السلطانية ميدان عظيم يحول بين الإصطبلات السلطانية وسوق الخيل ممرج بالنجيل الأخضر فسيح المدى يسافر النظر في أرجائه به أنواع من الوحوش المستحسنة المنظر وتربط به الخواص من الخيول السلطانية للتفسح وفيه يصلي السلطان العيدين على ما سيأتي ذكره وفيه تعرض الخيول السلطانية في أوقات الإطلاقات ووصول التقادم والمشترى وربما أطعم فيه الجوارح السلطانية وإذا أراد السلطان النزول إليه خرج من باب إيوان القصر وركب من درج تليه إلى إصطبل الخيول الخاص ثم

نزل إليه راكبا وخواص الأمراء في خدمته مشاة ثم يعود إلى القصر كذلك
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في خططه وكان هذا الميدان وما حوله يعرف قديما بالميدان وبه قصر أحمد بن طولون وداره التي يسكنها والأماكن المعروفة بالقطائع حوله على ما تقدم ذكره في خطط الفسطاط ولم يزل كذلك حتى بنى الملك الكامل بن العادل بن أيوب هذا الميدان تحت القلعة حين سكنها وأجرى السواقي النقالات من النيل إليه وعمر إلى جانبه ثلاث برك تملأ لسقيه ثم تعطل في أيامه مدة ثم اهتم به الملك العادل ولده ثم اهتم به الصالح نجم الدين أيوب اهتماما عظيما وجدد له ساقية أخرى وغرس في جوانيه أشجارا فصار في نهاية الحسن
فلما توفي الصالح تلاشى حاله إلى أن هدم في سنة خمسين وستمائة أو سنة إحدى وخمسين في الأيام المعزية أيبك التركماني وهدمت السواقي والقناطر وعفت آثارها وبقي كذلك حتى عمره السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله فأحسن عمارته ورصفه أبدع ترصيف وهو على ذلك إلى الآن
أما الميدان السلطاني الذي بخط اللوق وهو الذي يركب إليه السلطان عند وفاء النيل للعب الكرة فبناه الملك الصالح نجم الدين أيوب وجعل به المناظر الحسنة ونصب الطوارق على بابه كما تنصب على باب القلاع وغيرها ولم تزل الطوارق منصوبة عليه إلى ما بعد السبعمائة وسيأتي الكلام على كيفية الركوب إليه في المواكب في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى
والقلعة التي بالروضة تقدم الكلام عليها في الكلام على حفظ الفسطاط

ومما يتصل بهذه القواعد الثلاث ويلتحق بها القرافة التي هي مدفن أمواتها وهي تربة عظيمة ممتدة في سفح المقطم موقعها بين المقطم والفسطاط وبعض القاهرة تمتد من قلعة الجبل المتقدم ذكرها آخذة في جهة الجنوب إلى بركة الحبش وما حولها
وكان سبب جعلها مقبرة ما رواه ابن الحكم عن الليث بن سعد أن المقوقس سأل عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار فتعجب عمرو من ذلك وكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فكتب إليه عمر أن سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزرع ولا يستنبط بها ماء ولا ينتفع بها فسأله فقال إنا لنجد صفتها في الكتب أن فيها غراس الجنة فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فكتب إليه عمر أني لا أرى غرس الجنة إلا للمؤمنين فأقبر بها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعها بشيء فقال المقوقس لعمر ما على ذا عاهدتنا فقطع لهم قطعة تدفن فيها النصارى وهي التي على القرب من بركة الحبش وكان أول من قبر بسفح المقطم من المسلمين رجلا من المعافر اسمه عامر فقيل عمرت
ويروى أن عيسى عليه السلام مر على سفح المقطم في سياحة ومعه أمه فقال يا أماه هذه مقبرة أمة محمد
وفيها ضرائح الأنبياء عليهم السلام كإخوة يوسف وغيرهم
وبها قبر آسية امرأة فرعون ومشاهد جماعة من أهل البيت والصحابة والتابعين والعلماء والزهاد والأولياء
وقد بنى الناس بها الأبنية الرائقة والمناظر البهجة والقصور البديعة يسرح الناظر في أرجائها ويبتهج الخاطر برؤيتها وبها الجوامع والمساجد والزوايا والربط والخوانق وهي في الحقيقة مدينة عظيمة إلا أنها قليلة الساكن

الفصل الثاني من المقالة الثانية في ذكر كور الديار المصرية وهي على
ضربين
الضرب الأول في ذكر كورها القديمة
وقد جعلها القضاعي في خططه ثلاثة أحياز وتشتمل على خمس وخمسين كورة إلا أنه ذكرها سردا غير مبينة ولا مرتبة وقد أوردتها هنا مبينة مرتبة ونبهت على ما هو مستمر منها على حكمه وما تغير حكمه بإضافته إلى غيره من الأعمال المستمرة مع بقاء أسمائه وما درس إسمه ونسي أو تغير ولم تعلم له حقيقة
الحيز الأول أعلى الأرض وهو الصعيد
والمراد ما هو من كورها جنوبي الفسطاط إلى نهايته في الجنوب وسمي صعيدا لأن أرضه كلما ولجت في الجنوب أخذت في الصعود والارتفاع
وقد ذكر القضاعي فيه عشرين كورة
الأولى كورة الفيوم وهي كورة باقية مستمرة الحكم إلى الآن وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة فيما بعد إن شاء الله تعالى
الثانية كورة منف ومنف هي مدينة مصر القديمة المتقدمة الذكر

التي بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام
وقد تقدم أنها على اثني عشر ميلا من الفسطاط في جنوبيه على القرب من البلدة المعروفة الآن بالبدرشين
الثالثة كورة وسيم ووسيم بفتح الواو وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر بلدة من عمل الجيزة معروفة والثابت في الدواوين أوسيم بزيادة ألف في أولها وسكون الواو
الرابعة كورة الشرقية وكأن المراد بها عمل إطفيح الآن إذ هو شرقي النيل وليس بالوجه القبلي عمل مستقل شرقي النيل سواه
الخامسة كورة دلاص وبوصير أما دلاص فبدال مهملة مفتوحة ولام ألف ثم صاد مهملة قال في الروض المعطار كانت مدينة عظيمة بها عجائب الأبنية وبها كان مجتمع سحرة مصر
وأما بوصير فالمراد هنا بوصير قوريدس التي قتل بها مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية ودلاص وبوصير هذه كلاهما الآن من عمل البهنسي وسيأتي ذكره في الأعمال المستقرة
قال في الروض المعطار قال الجاحظ بها ولد عيسى بن مريم عليه السلام
وذكر أن نخلة مريم كانت قائمة بها إلى زمانه
قلت والمعروف أن مولد عيسى عليه السلام كان بالقدس من أرض الشام على ما سيأتي ذكره في الكلام على الإيمان في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى
السادسة كورة أهناس وأهناس بفتح الهمزة وسكون الهاء وفتح النون وألف وسين مهملة في الآخر وتعرف بأهناس المدينة كانت مدينة في القديم وهي الآن من جملة عمل البهنسي الآتي ذكره في الأعمال المستقرة

السابعة كورة القيس والقيس بفتح القاف وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر كانت مدينة في القديم وهي الآن قرية معدودة من عمل البهنسي أيضا
الثامنة كورة البهنسى وهي ذات عمل مستقر وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة فيما بعد إن شاء الله تعالى
التاسعة كورة طحا وجير شنودة
أما طحا فبفتح الطاء والحاء المهملتين وألف في الآخر كانت في القديم مدينة ذات عمل ولذلك تعرف بطحا المدينة وهي الآن من عمل الأشمونين الآتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة وإليها ينسب أبو جعفر الطحاوي إمام الحنفية ومحدثهم
وأما جير شنودة فمن الأسماء التي درست ولم تعلم حقيقتها
العاشرة كورة بويط قال ابن خلكان بويط بضم الباء الموحدة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وطاء مهملة في الآخر
وقال في تقويم البلدان بهمزة مفتوحة في أوله وباء ساكنة وهو اسم واقع على بلدتين بالديار المصرية إحداهما بعمل البهنسى في لحف الجبل على طريق المارة وإليها ينسب أبو يعقوب البويطي أحد رواة الجديد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه
والثانية من عمل سيوط وتعرف ببويط البتينة وإليها ينسب شرق بويط والظاهر أنها المرادة هنا
الحادية عشرة كورة الأشمونين وأنصنا وشطب
أما مدينة الأشمونين فذات عمل مستقر وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة فيما بعد إن شاء الله تعالى

وأما أنصنا فقال في تقويم البلدان هي بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الصاد المهملة وفتح النون وألف في الآخر وهي مدينة قديمة خراب في البر الشرقي من النيل قبالة الأشمونين
وقد ذكر ابن هشام في السيرة أن مارية القبطية التي أهداها المقوقس النبي من كورتها من قرية يقال لها حفن وأنصنا الآن من جملة عمل الأشمونين
وأما شطب فبضم الشين المعجمة وسكون الطاء المهملة وباء موحدة في الآخر وهي مدينة قديمة بنيت في زمن شداد بن عديم أحد ملوك مصر بعد الطوفان قد خربت وعمر عليها قرية صغيرة سميت باسمها وهي الآن من جملة عمل سيوط الآتي ذكره في الأعمال المستقرة
الثانية عشرة كورة سيوط وهي مستقر الحكم وسيأتي ذكرها في الأعمال المستقرة
الرابعة عشرة كورة قهقوه وهي من الأسماء التي درست ونسيت ولم أعلم بالصعيد بلدة تسمى الآن بهذا الاسم
الخامسة عشرة كورة إخميم والدير وأبشاية أما كورة إخميم فمن الكور المستمرة الحكم وسيأتي الكلام عليها في الكور المستقرة
وأما الدير فيجوز أن يكون المراد به الدير والبلاص وهي بلدة في شرقي النيل شمالي قنا هي الآن من عمل قوص الآتية الذكر

وأما أبشاية فمن الأسماء التي جهلت
السادسة عشرة كورة هو ودندرة وقنا أما هو فبضم الهاء وسكون الواو وهي مدينة صغيرة على ساحل البر الغربي الجنوبي من النيل ويضاف إليها في الدواوين الكوم الأحمر فيقال هو والكوم الأحمر
وأما دندرة فبفتح الدال المهملة وسكون النون وفتح الدال الثانية والراء المهملة وهاء في الآخر وهي مدينة قديمة خراب على الساحل الغربي الجنوبي من النيل في شرقي هو وبها كانت البرباة العظيمة المتقدم ذكرها في عجائب الديار المصرية
وأما قنا فبكسر القاف وفتح النون وألف في الآخر وهي مدينة شرقي النيل وبها ضريح السيد الجليل عبد الرحيم القنائي المعروف بالبركة وإجابة الدعاء عنده وهذه البلاد الثلاث الآن من جملة عمل قوص الآتي ذكره في الكلام على الأعمال المستقرة
السابعة عشرة كورة قفط والأقصر
أما قفط فبكسر القاف وسكون الفاء وطاء مهملة في الآخر كانت مدينة قديمة بالبر الشرقي من النيل جنوبي قنا المتقدمة الذكر بناها قفط بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام أحد ملوك مصر بعد الطوفان فخربت وبقيت آثارها وعمرت على القرب منها مدينة صغيرة سميت باسمها

وأما الأقصر فبضم الهمزة وسكون القاف وضم الصاد المهملة وراء مهملة في الآخر وتسمى الأقصرين أيضا على التثنية وهي مدينة خراب بالبر الشرقي من النيل قد عمر على القرب منها قرية سميت باسمها وبها ضريح السيد الجليل أبو الحجاج الأقصري وكانت بها بربارة عظيمة فخربت واعلم أن بين قفط والأقصر مدينة قوص وقد ذكر القضاعي كورتها في جملة الكور فكيف يستقيم أن تذكر قفط والأقصر كورة واحدة
الثامنة عشرة كورة قوص وهي مستمرة الحكم وسيأتي الكلام عليها في جملة الأعمال المستقرة إن شاء الله تعالى
التاسعة عشرة كورة أسنا وأرمنت أما أسنا فبفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح النون وألف في الآخر وهي مدينة حسنة بالبر الغربي من النيل ويقال إنه لم يسلم من تخريب بخت نصر من مد الديار المصرية سواها وذلك أن أهلها هربوا منه إلى الجبل بالقرب منها فتبعهم وقتلهم هناك وترك البلد على حالها
وأما أرمنت فبفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الميم وسكون النون وتاء مثناة فوق في الآخر وهي مدينة صغيرة بالبر الغربي الشمالي من النيل بينها وبين أسنا مرحلة وكلاهما الآن من عمل قوص وقد جرى على الألسنة

الجمع بينهما في اللفظ فيقال أسنا وأرمنت وكان ذلك لكثرة اجتماعهما في إقطاع واحد
العشرون كورة أسوان وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة مع الأعمال القوصية إن شاء الله تعالى
الحيز الثاني أسفل الأرض
وقد ذكر القضاعي أنها ثلاث وثلاثون كورة في أربع نواح

الناحية الأولى كور الحوف الشرقي وبها ثمان كور
الأولى كورة عين شمس وعين شمس مدينة قديمة خراب على القرب من المطرية من ضواحي القاهرة الآتي ذكرها في الأعمال المستقرة
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رأيت على حاشية بعض كتب التواريخ أن ملكها كان عظيم الشأن وعاش إلى زمن يوسف عليه السلام وتزوج ابنته
الثانية كورة أتريب وأتريب مدينة خراب على القرب من بنها العسل من أعمال الشرقية الآتي ذكرها في الأعمال المستقرة بناها أتريب بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام
الثالثة كورة نتا وتمي أما نتا فلا يعرف بالحوف الآن بلدة اسمها نتا وإنما نتا بعمل الغربية وسيأتي ذكرها مع بوصير هناك
وأما تمي فبضم التاء المثناة فوق وفتح الميم وياء مثناة تحت في آخرها

وهي مدينة خراب بعمل المرتاحية بها آثار عظام رأيت فيها أبوابا من حجر صوان قطعة واحدة ارتفاعها نحو عشرة أذرع قائمة على قاعدة من صوان أيضا
الرابعة كورة بسطة وبسطة بفتح الباء الموحدة وسكون السين وفتح الطاء المهملتين وهاء في الآخر وهي مدينة خراب تعرف الآن بتل بسطة من عمل الشرقية
الخامسة كورة طرابية وهي من الأسماء التي درست ولم تعرف
السادسة كورة فربيط وهي من المجهول أيضا
السابعة كورة صان وإبليل وهي من المجهول
الثامنة كورة الفرما والعريش
أما الفرما فقال في تقويم البلدان هي بفاء وراء مهملة وميم مفتوحات ثم ألف وهي بلدة خراب على شاطئ بحر الروم على بعد يوم من قطبة
قال ابن حوقل وبها قبر جالينوس الحكيم
وأما العريش فبفتح العين المهملة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وشين معجمة في الآخر قال في الروض المعطار كانت مدينة ذات جامعين مقترقي البناء وثمار وفواكه
قال في تقويم البلدان وهي الآن منزلة على شط بحر الروم وبها آثار قديمة من الرخام وغيره

قال في الروض المعطار وكان بينها وبين قبرس طريق مسلوكة في البر

الناحية الثانية بطن الريف
وأصل الريف في لغة العرب موضع الزرع والشجر إلا أنه غلب بالديار المصرية على أسفل الأرض منها وفيها سبع كور
الأولى كورة بنا وبوصير أما بنا فبفتح الباء الموحدة والنون وألف في الآخر وبوصير تقدم ضبطها في الكلام على بوصير المعروفة بمصر يوسف بالجيزية عند ذكر قواعد مصر القديمة وبنا بوصير هذه كلاهما من عمل الغربية الآتي ذكره في الأعمال المستقرة
الثانية كورة سمنود وسمنود بفتح السين المهملة وضم النون المشددة والواو ودال مهملة في الآخر وهي مدينة صغيرة من الأعمال الغربية كان لها عمل مستقر في أول الأمر ثم أضيفت إلى عمل الغربية
الثالثة كورة نوسا ونوسا بفتح النون والواو والسين المهملة في الآخر وهي الآن قرية من قرى المرتاحية
الرابعة كورة الأوسية وهي من الأسماء التي درست وجهلت
الخامسة كورة البجوم بالباء الموحدة والجيم وهي من الأسماء المندرسة أيضا ولا يعرف مكان بالديار المصرية اسمه البجوم إلا أرض بأسفل

عمل البحيرة على القرب من الإسكندرية صارت مستنقعا للمياه المنصرفة عن البحيرة
السادسة كورة دقهلة ودقهلة بفتح الدال المهملة والقاف وسكون الهاء وفتح اللام وهاء في الآخر وهي مدينة قديمة بالجزيرة بين فرقة النيل المارة إلى دمياط والفرقة التي تصب ببحيرة تنيس وإليها ينسب عمل الدقهلية وهي الآن قرية من عمل أشموم الآتي ذكرها في الأعمال المستقرة وإن كان العمل في الأصل منسوبا إليها
السابعة كورة تنيس ودمياط أما تنيس فقال في اللباب هي بكسر المثناة فوق والنون المشددة وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر والجاري على الألسنة فتح التاء كانت مدينة عظيمة فطمى عليها الماء قبل الفتح الإسلامي بمائة سنة فأغرق ما حولها وصارت بحيرة وسيأتي الكلام عليها في الكلام على بحيرتها وهي الآن قرية صغيرة بوسط البحيرة والماء محيط بها
قال في الروض المعطار وكانت تربتها من أطيب الترب وبها تحاك الثياب النفيسة التي ليس لها نظير في الدنيا وقد قيل إن الجنتين اللتين أخبر الله تعالى عنهما في سورة الكهف بقوله ( واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب ) الآية كانتا بتنيس
وأما دمياط فسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة ان شاء الله تعالى

الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وفيها خمس كور
الأولى كورة دمسيس ومنوف أما دمسيس فبفتح الدال المهملة

وسكون الميم وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر وهي الآن بلدة من عمل الغربية
وأما منوف فمن الأسماء التي نسيت وجهلت
الثانية كورة طوة منوف وهي من الأسماء التي جهلت ولا يعلم بالديار المصرية الآن بلدة اسمها طوة غير بلدين بالوجه القبلي إحداهما بالأشمونين والثانية بالبهنساوية
الثالثة كورة سخا وتيدة والفراجون
أما سخا فبفتح السين المهملة والخاء المعجمة وألف في آخرها وهي بلد حسنة كانت ذات عمل ثم استقرت من عمل الغربية الآن
وأما تيدة فبفتح التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وفتح الدال المهملة وهاء في آخرها وهي الآن قرية من قرى الغربية
وأما الفراجون فبالألف واللام في أولها ثم فاء مفتوحة وراء مهملة مشددة بعدها ألف وجيم مضمومة وواو ساكنة ونون في الآخر وهي بلدة مضافة إلى تيدة فيقال تيدة والفراجون
الرابعة كورة نقيزة وديصا وهما من الأسماء التي نسيت وجهلت
الخامسة كورة البشرود وهي من الأسماء التي جهلت

الناحية الرابعة الحوف الغربي وفيها إحدى عشرة كورة
الأولى كورة صا وصا بصاد مهملة مفتوحة وألف في الآخر وهي مدينة خراب شرقي الفرقة الغربية من النيل بناها صا بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام أحد ملوك مصر بعد الطوفان وبها الآن آثار عظيمة وقد عمرت بالقرب منها قرية سميت باسمها وكأن عملها كان من البر الغربي
الثانية كورة شباس وشباس بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة وألف ثم سين مهملة اسم لثلاث بلاد من عمل الغربية الآن وهي شباس الملح وشباس أنباره وشباس سنقر وتعرف بشباس الشهداء وكأن المراد الثالثة فإنها أعظمها
الثالثة كورة البذقون وهي من الأسماء التي درست وجهلت
الرابعة كورة الخيس والشراك أما الخيس فلا تعرف بالبحيرة الآن بلدة تسمى الخيس وإنما الخيس بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء وسين مهملة في الآخر بلدة من عمل الشرقية
وأما الشراك فبكسر الشين المعجمة المشددة وفتح الراء المهملة وألف ثم كاف وهي بلدة من عمل البحيرة
الخامسة كورة خربتا بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح التاء المثناة فوق وهي قرية معروفة من عمل البحيرة ومها سار من سار من المصريين لقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه
السادسة كورة قرطسا ومصيل
أما قرطسا فبفتح القاف وسكون الراء المهملة وفتح الطاء والسين المهملتين وألف في الآخر وهي قرية من عمل البحيرة الآن وأما مصيل فمن الأسماء التي جهلت

السابعة كورة المليدس وهي من الأسماء التي جهلت
الثامنة كورة إجنا ورشيد والبحيرة أما إجنا فمن الأسماء التي جهلت ولا يعرف بالبحيرة بلد اسمها إجنا وإنما أخنويه من عمل الغربية والعامة تقول إخنا
وأما رشيد بفتح الراء المهملة وكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ودال مهملة في الآخر فبلدة عند مصب الفرقة الغربية التي يقع الاعتناء بحفظها
وفي ذلك نظر لاعتباره الغربية ورشيد من سواحل البحيرة وبينهما بعد يبعد معه أن يجتمعا في كورة واحدة
وأما البحيرة فالظاهر أنه يريد بحيرة بوقير المتقدم ذكرها في الكلام على القواعد القديمة ويأتي بقية الكلام عليها في الأعمال المستقرة إن شاء الله تعالى
العاشرة كورة مريوط ومريوط بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر وهي ناحية غربي الاسكندرية داخلة الآن في عملها بها الأشجار والبساتين وفواكهها تحمل للإسكندرية
الحادية عشرة كورة للوبية ومراقية أما لوبية فبلام وواو وباء موحدة ثم

ياء مثناة تحت وهاء في الآخر قال في الروض المعطار وهي كورة من كور مصر الغربية متصلة بالإسكندرية
قال وقد قيل إن الإسكندر كان منها
وأما مراقية فبميم وراء مهملة وألف وقاف وياء مثناة تحت وهاة في الآخر
وقد ذكر القضاعي في تحديد الديار المصرية ما يقتضي أنهما بجوار برقة فقال إن الذي يقع عليه اسم مصر من العريش إلى لوبية ومراقية ثم قال وفي آخر أرض مراقية تلقى أرض انطابلس وهي برقة والظاهر أن لوبية غربي مريوط ومراقية غربي لوبية وهي آخر أرض الديار المصرية من جهة الغرب

الحيز الثالث كور القبلة وفيها خمس كور
الأولى كورة الطور وفاران
أما الطور فضبطه معروف
قال في المشترك والطور في اللغة العبرانية اسم لكل جبل ثم صار علما لجبال بعينها منها جبل طورزيتا بلفظ الزيت وهو اسم لجبل برأس عين من بلاد الجزيرة وجبل بالقدس وجبل مطل على طبرية وطور هارون بالقدس وطور سينا وهو المراد هنا وهو جبل داخل في بحر القلزم على رأسه دير عظيم وفي واديه بساتين وأشجار وهو على مرحلة من فرضة الطور المتقدمة الذكر في تحديد بحر القلزم وكأنها سميت باسمه لقربها منه
قال ابن الأنباري في كتابه الزاهر وسمي الطور بطور بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام
وأما فاران فبفاء مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة بعدها ألف ثانية ثم نون قال في الروض المعطار وهي مدينة صغيرة من بر الحجاز على جون على

البحر
قال ولجبال فاران ذكر في التوراة
الثانية كورة راية والقلزم
أما راية فمن الأسماء التي جهلت وقد ذكرها ابن سعيد مقرونة بالقلزم فقال وراية والقلزم من كور مصر
وأما القلزم فقال في المشترك هو بضم القاف وسكون اللام وضم الزاي المعجمة ثم ميم في الآخر وهي مدينة قديمة على ساحل بحر القلزم وإليها ينسب البحر المذكور
قال في القانون وطولها ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثمان وعشرون درجة وعشرون دقيقة وعلى القرب منها غرق فرعون
الثالثة كورة أيلة وحيزها ومدين وحيزها والعونيد وحيزها والحوراء وحيزها
أما أيلة فقال في تقويم البلدان وهي بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر قال وهي كانت مدينة صغيرة خرابا على ساحل بحر القلزم
قال في القانون طولها ست وخمسون درجة وأربعون دقيقة
قال في تقويم البلدان وبها زرع يسير وهي مدينة اليهود الذين جعل منهم القردة والخنازير وعليها طريق حجاج مصر
قال وهي في زماننا برج وبه وال من مصر وليس بها مزدرع وكان بها قلعة البحر فبطلت ونقل الوالي إلى البرج
وأما مدين فضبطها معروف وهي في الأصل اسم لقبيلة شعيب عليه السلام وكانوا مقيمين بها فسميت البلد بهم وهي مدينة خراب على بحر القلزم

محاذية لتبوك من بلاد الشام على نحو ست مراحل منها وعدها في الروض المعطار من بلاد الشام وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لبنات شعيب وسقى غنمهن
قال ابن سعيد وسعة البحر عندها نحو مجرى
وأما العونيد فبعين مهملة وواو وياء مثناة تحت ونون ودال
قال في الروض المعطار وهي مدينة قريبة من نصف الطريق بين جدة والقلزم
قال وعلى القرب منها مرسى صنا ينحدر الماء بها عن أثر قدم من أوسط الأقدام بينة الكعب والأخمص والأصابع لم يعفها الزمان ولا تنمحي بمرور الماء عليها
وأما الحوراء فبحاء مهملة مفتوحة بعدها واو ساكنة وراء مهملة مفتوحة ثم ألف في الآخر
قال في الروض المعطار وهي مدينة على ساحل وادي القرى بها مسجد جامع وبها ثمانية آبار عذبة وبها ثمار ونخل وأهلها عرب من جهينة وبلي
قلت والمعروف في زماننا أن الحوراء منزلة بطريق حجاج مصر ولعلها على القرب منها
الرابعة كورة بدا يعقوب وشعيب ولم أعلم حقيقة مكانهما
قلت ذكر القضاعي أيلة ومدين وما والاهما مما على ساحل بحر القلزم من بر الحجاز في أعمال مصر جريا على ما قدمه من إدخال ذلك في تحديد الديار المصرية على أنه قد أهمل من جملة الديار المصرية حيزين آخرين

الحيز الأول بلاد ألواح
إذ هي داخلة في حدود الديار المصرية على ما حدده هو وغيره
قال في اللباب وهي بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الواو وفي آخره حاء مهملة وقال في المشترك واح بغير ألف ولام ويجمع على واحات وهي ناحية غربي بلاد الصعيد منقطعة عنه خلف الجبل الغربي من جبلي مصر المتقدم ذكرهما
قال في مسالك الأبصار وهي بين مصر والإسكندرية والصعيد والنوبة والحبشة
قال في تقويم البلدان والبراري محيطة بها من جميع جهاتها وهي بينها كالجزيرة بين رمال ومفاوز
قال البكري وهو إقليم مستقل غير مفتقر إلى سواه قال في الروض المعطار وهي آخر بلاد الإسلام وبينها وبين بلاد النوبة ست مراحل
قال وفي هذه الأرض شبية وزاجية وعيون حامضة الطعوم ولكل نوع منها منفعة وخاصة وبها العيون الجارية والبساتين ولثمار والتمر الكثير وبها مدن كثيرة مسورة وغير مسورة
قال في المشترك وهي ثلاث كور واح الأولى وواح الوسطى وواح القصوى

قلت والأولى منها مقابل الأعمال البهنساوية وهي أعمرها وأكثرها ثمرة ومنها يجلب التمر والزبيب الكثير وتعرف بواح البهنسى وبألواح الخاص
والثانية مقابل شمالي الأعمال الأسيوطية وتعرف بألواح الداخلة وهي تلو ألواح الأولى في العمارة بها مدن مشهورة منها السلمون والهنداو والقلمون والقصير وغيرها
والثالثة مقابل جنوبي ألواح الثانية وتعرف بألواح الخارجة وبين ريف الصعيد وبين جميعها عرض جبل مصر الغربي ومسيرته ثلاث مراحل فما دونها بحسب اختلاف الأماكن والطرق
قال في التعريف وهي جارية في إقطاع أمراء مصر وهم يولون عليها من قبلهم
قال ومغلها كأنه مصالحة لعدم التمكن من استغلاله أسوة بقية ديار مصر لوقوعه منقطعا في البلاد النائية والقفار النازحة
قال في مسالك الأبصار ولا تعد في الولايات ولا الأعمال ولا يحكم عليها من قبل السلطان

الحيز الثاني برقة
بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف وهاء في الآخر
قال في تقويم البلدان وهي من الإقليم الثالث
قال في كتاب الأطوال وطولها اثنتان وأربعون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة

وهي أرض متسعة الأرجاء مديدة الفضاء وهي من أزكى الأراضي دواب وأمراها مرعى
قال في مسالك الأبصار أخبرني بعض من رآها أنها شبيهة بأطراف الشام وجبال نابلس في منابت أشجارها وكيفية أرضها وما هي عليه وأنها لو عمرت بالسكان وتأهلت بالزراع كانت إقليما كبيرا يقارب نصف الشأم قال وبها الماشية والسائمة الكثيرة من الإبل والغنم والخيل وخيلها من أقوى الخيل وأصلبها حوافر وصورها بين العراب والبراذين وقد جمعت بين حسن العراب وكمال تخاطيطها وصلابة البراذين وثباتها على الوعور وهي إلى محاسن العراب أقرب ولكنها لا تبلغ شأو خيل البحرين والحجاز وفحولها أنجب من إناثها
قال وكذلك بها المدن المبنية والقصور العلية والآثار الدالة على ما كانت عليه من الجلالة
قال ابن سعيد وهي سلطنة طويلة وإن لم يكن لها استقلال لاستيلاء العرب عليها وهي إلى إفريقية أقرب منها إلى مصر
قال وكان سريرها في القديم بمدينة طبرقة
وذكر صاحب الروض المعطار أن قاعدتها كانت مدينة أنطابلس وقد تقدم من كلام القضاعي في تحديد الديار المصرية وهو في آخر الحد الشمالي ما يوافقه
قال في مسالك الأبصار ومن مدنها طلميثا
قلت والتحقيق أن برقة قسمان قسم محسوب من الديار المصرية وهو ما دون العقبة الكبرى إلى الشرق وقسم محسوب من إفريقية وهو ما فوق العقبة المذكورة إلى الغرب وهذه المدن الثلاث مما يلي جهة المغرب والقسمان كلاهما اليوم بيد العرب

أصحاب الماشية
قال في مسالك الأبصار وربما زرع بعضهم في بعض أرضها فأنجب ولكنهم أهل بادية لا عناية لهم بعمارة ولا زرع
قال وأمرها إلى صاحب مصر يقطعها بالمناشير تارة لبعض الأمراء وتارة للعرب يأخذون عدادها وكأنه يريد القسم الذي هو من مصر

الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرة ولها
وجهان
الوجه الأول
القبلي
وهو المعبر عنه بالصعيد وقد تقدم بيانه في الكلام على الكور القديمة وبه تسعة أعمال
العمل الأول الجيزية
وهو أقربها إلى الفسطاط والقاهرة ومقر ولايته مدينة الجيزة بكسر الجيم وإسكان الياء المثناة تحت وفتح الزاي المعجمة وبعدها هاء وموقعها في الإقليم موقع الفسطاط وطولهما وعرضهما واحد وإليها ينسب الربيع الجيزي راوي الأم عن الشافعي رضي الله عنه
قال في الروض المعطار ويقال إن بها قبر كعب الأحبار وهي مدينة لطيفة على ضفة النيل الغربية مقابل جزيرة المقياس المتقدمة الذكر والنيل بينهما وبعض هذا العمل يأخذ في جهة الشمال إلى الوجه البحري الآتي ذكره

قال في الروض المعطار والجيزة اختطها عمرو بن العاص رضي الله عنه
العمل الثاني الإطفيحية
وهو شرقي النيل في جنوب الفسطاط مصاقب بركة الحبش وبساتين الوزير
ومقر ولايته مدينة إطفيح بكسر الهمزة وإسكان الطاء المهملة والفاء والياء والحاء المهملة وربما قلبت الطاء تاء مثناة فوق وهي مدينة لطيفة في البر الشرقي وموقعها في الإقليم الثالث ولم يتحرر لي طولها وعرضها وعملها ما بين المقطم والنيل آخذا عنها جنوبا وشمالا وليس لعملها كبير ذكر
العمل الثالث البهنساوية
وهو مما يلي عمل الجيزة من الجهة الجنوبية ومقر ولايته مدينة البهنسي
قال في المشترك بفتح الباء وسكون الهاء وفتح النون وسين مهملة مفتوحة وألف مقصورة وهي مدينة لطيفة قديمة بالصعيد الأدنى بالبر الغربي من النيل تحت الجبل بطوق المزدرع مركبة على ضفة بحر الفيوم وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال طولها إحدى وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثمان وعشرون درجة
العمل الرابع الفيومية
وهو مصاقب لعمل البهنسى من غربيه وبينهما منقطع رمل
وهو من أعظم الأعمال وأحسنها عمارة كثير البساتين غزير الفواكه دار الأرزاق
ويقال إنه كان متصل مياه الديار المصرية فاستخرجه

يوسف عليه السلام وجعله ثلاثمائة وستين قرية لتمير كل قرية منها بلد مصر يوما من أيام السنة
قلت وأما الآن فقد نقصت عدة قراه بسبب ما عراها من ركوب ماء البركة التي هي منصل مياهه المتقدم ذكرها في جملة بحيرات الديار المصرية وركوب مائها على أكثر القرى المجاورة لها ولولا ما هو شامل له من بركة الصديق عليه السلام لكانت قد غطت جميع بلاده إذ المياه تنصب إليها شتاء وصيفا على ممر الدهور وتعاقب الأيام وليس لها مصرف تتصرف منه ضرورة إحاطة الجبال بها من الجهات التي هي بصدد أن تصرف منها ولقد اجتهد بعض حكام الزمان على أن يتحيل في عمل مصرف يقطع في الجبل لتتصرف منه مياهها فلم يجد إلى ذلك سبيلا
ولو كان ذلك في حيز الإمكان لفعله يوسف عليه السلام
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات ويقال إنه على جميع الفيوم سور دائر ومقر ولايته مدينة الفيوم وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة
قال في القانون وطولها أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثمان وعشرون درجة وعشرون دقيقة
وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها ثلاث وخمسون درجة وعرضها تسع وعشرون درجة وهي مدينة حسنة على ضفة البحر المنهى حسنة الأبنية زاهية المعالم
وبها الجوامع والربط والمدارس وهي راكبة على الخليج المنهى من جانبيه وهو مخترق وسطها
قال في العزيزي وبين الفيوم

والفسطاط ثمانية وأربعون ميلا
العمل الخامس عمل الأشمونين والطحاوية
وهو مصاقب لعمل البهنسي من جنوبيه وهو عمل واسع كثير الزرع واسع الفضاء متقارب القرى
ومقر الولاية به مدينة الأشمونين بضم الألف وسكون الشين المعجمة وضم الميم وسكون الواو وفي الآخر نون
وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة على ما ذكره في تقويم البلدان والإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار حيث جعل آخر الإقليم الثاني دهروط من البهنساوية
قال في القانون طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها ست وعشرون درجة وهي مدينة لطيفة بالبر الغربي من النيل كانت في الأصل مدينة قديمة بناها أشمون بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام ثم خربت ودثرت وبنيت هذه المدينة على القرب منها
وكان هذا العمل فيما تقدم عملين أحدهما عمل الأشمونين هذا والثاني عمل طحا المدينة بفتح الطاء والحاء المهملتين وألف في الآخر وقد تقدم ذكرها في الأعمال القديمة ثم أضيفا وجعلا عملا واحدا
العمل السادس المنفلوطية
وهو مصاقب لعمل الأشمونين من جنوبيه وهو من أخص خاص السلطان الجاري في ديوان وزارته ومنه يحمل

أكثر الغلال إلى الأهراء السلطانية بالفسطاط
ومقر ولايته مدينة منفلوط
قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون النون وفتح الفاء وضم اللام ثم واو وطاء مهملة في الآخر
وموقعها الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة فيما ذكره في تقويم البلدان ومن أواخر الإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام مسالك الأبصار
قال في كتاب الأطوال وطولها اثنتان وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها سبع وعشرون درجة وأربعون دقيقة
وهي مدينة لطيفة بالبر الغربي من النيل بالقرب من شطه
العمل السابع الأسيوطية وهو عمل جليل ومقر الولاية به مدينة أسيوط بضم الألف وسكون السين وضم المثناة تحت وفي آخرها طاء مهملة
هكذا ضبطه السمعاني في كتاب الأنساب وذكرها في الروض المعطار في حرف الهمزة ووقعت في شعر ابن الساعاتي بغير ألف في قوله
( لله يوم في سيوط وليلة ... عمر الزمان بمثلها لا يغلط )

( بتنا بها والبدر في غلوائه ... وله بجنح الليل فرع أشمط )
( والطير تقرأ والغدير صحيفة ... والريح تكتب والغمام ينقط )
وإثبات الألف فيها هو الجاري على ألسنة العامة بالديار المصرية والثابت في الدواوين حذفها
موقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال وطولها إحدى وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها اثنتان وعشرون درجة وعشر دقائق
وهي مدينة حسنة في البر الغربي من النيل على مرحلة من منفلوط وبها مساجد ومدارس وأسواق وقياسر وحمامات
العمل الثامن الإخميمية
وهو مصاقب لعمل أسيوط من جنوبيه وهو عمل ليس بالكبير وبلاده أكثرها بالبر الغربي عن النيل وحاضرته مدينة إخميم
قال في تقويم البلدان بكسر الألف وسكون الخاء المعجمة والمثناة تحت بين الميمين والأولى منهما مكسورة وموقعها في أواخر الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال وطولها إحدى وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ست وعشرون درجة
وهي مدنية لطيفة بالبر الشرقي عن النيل على مرحلتين من أسيوط وبها كانت البرابي العظام المتقدمة الذكر ويقال إن ذا

النون المصري العابد الزاهد منها وولايتها مضافة إلى قوص
العمل التاسع القوصية
وهو مصاقب لعمل أسيوط من جنوبه وهو عمل متسع الفضاء بعيد ما بين القرى ينتهي آخره إلى أسوان آخر الديار المصرية في البر الشرقي والغربي وهي بلاد الثمر ومنها يجلب إلى سائر البلاد المصرية ومقر ولايته مدينة قوص
قال في المشترك بضم القاف وسكون الواو وفي الآخر صاد مهملة وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد طولها سبع وخمسون درجة وعرضها ست وعشرون درجة وهي مدينة جليلة في البر الشرقي عن النيل ذات ديار فائقة ورباع أنيقة ومدارس وربط وحمامات يسكنها العلماء والتجار وذوو الأموال وبها البساتين والحدائق المستحسنة إلا أنها شديدة الحر كثيرة العقارب حتى إنه يقيض لها من يدور في الليل في شوارعها بالمسارج لقتلها ويقاربها في الكثرة أيضا سام أبرص
قال المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار أخبرني عز الدين حسن بن أبي المجد الصفدي أنه عد في يوم صائف على حائط الجامع بها سبعين سام أبرص على صف واحد
ومما يدخل في عملها مما له ولاية مستقلة مدينة أسوان قال السمعاني بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الواو وبعدها ألف

ونون وخالف ابن خلكان في تاريخه فضبطه بضم الهمزة وغلط السمعاني في فتحها
وهي مدينة في أوائل الحد الجنوبي من الديار المصرية وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال طولها اثنتان وخمسون درجة وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة
قال في القانون طولها سبع وخمسون درجة وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة
وهي في البر الشرقي من النيل ذات نخيل وحدائق وهي من قوص على نحو خمس مراحل
قال في التعريف وواليها وإن كان من قبل السلطان فإنه نائب لوالي قوص
قلت أما الآن فقد صار لها وال مستقل بنفسه لا حكم لوالي قوص عليه وسيأتي الكلام عليها في مراكز البريد ويأتي الكلام على ولايتها في جملة الولايات بالديار المصرية إن شاء الله تعالى

الوجه الثاني البحري
وهو كل ما سفل عن القاهرة إلى البحر الرومي حيث مصب النيل
وإنما سمي بحريا لأن منتهاه البحر الرومي ولا يلزم من ذلك تسمية الجانب الشرقي من الديار المصرية بحريا لأن نهايته إلى بحر القلزم لأن انتهاءه إليه ليس حقيقيا لانقطاع بحر القلزم عن بلاد الديار المصرية بالجبال والبراري المقفرة بخلاف

بحر الروم فإنه متصل بالبلاد مجاور لها فناسب النسبة إليه
قلت وقد وقع للمقر الشهابي بن فضل الله في التعريف في بلاده وأعماله من الوهم ما لا يليق بمصري على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى
وهذا الوجه هو أرطب الوجهين وأقلهما حرا وأكثرهما فاكهة وأحسنهما مدنا ويشتمل على ثلاث شعب تحوي سبعة أعمال

الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال
العمل الأول الضواحي جمع ضاحية وهي في أصل اللغة البارزة للشمس وكأنها سميت بذلك لبروز قراها للشمس بخلاف المدينة لغلبة الكن بها وهو ما يجاور القاهرة من جهة الشمال من القرى وولايتها مضافة إلى ولاية القاهرة وداخلة في حكمها وليست منفردة بمقر ولاية غيرها
العمل الثاني القليوبية
وهو مصاقب للضواحي من شماليها مما يلي جهة النيل وهو عمل جليل حسن القرى كثير البساتين غزير الفواكه
ومقر الولاية به مدينة قليوب بفتح القاف وإسكان اللام وضم المثناة تحت وسكون الواو وباء موحدة في آخرها وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة ولم يتحرر لي طولها وعرضها غير أنها من القاهرة في جهة الشمال على نحو فرسخ ونصف من القاهرة

قلت ومن بلادها بلدتنا قلقشنده وهي بلدة حسنة المنظر غزيرة الفواكه وإليها ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير وقد ذكر ابن يونس في تاريخه أنه ولد بها
قال وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس وليس لما يقولونه ثبات عندنا
قال ابن خلكان بفتح القاف وسكون اللام وفتح القاف الثانية والشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة وهكذا هي مكتوبة في دواوين الديار المصرية وأبدل ياقوت في معجم البلدان اللام راء وهو الجاري على ألسنة العامة وعليه جرى القضاعي فيما رأيته مكتوبا في خططه قال ابن خلكان وهي على ثلاثة فراسخ من القاهرة وهي بلدة حسنة المنظر كثيرة البساتين غزيرة الفواكه وإليها ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير
قال ابن يونس في تاريخه ولد بها ثم قال وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس وليس لما يقولونه ثبات عندنا وذكر
وقال القضاعي في خططه في الكلام على دار الليث بالفسطاط وكان له دار بقرقشندة بالريف بناها فهدمها ابن رفاعة أمير مصر عنادا له وكان ابن عمه فبناها الليث ثانيا فهدمها فلما كانت الثالثة أتاه آت في منامه فقال له يا ليث ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) فأصبح وقد أفلج ابن رفاعة فأوصى إليه ومات بعد ثلاث
وبقي الليث حتى توفي في منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة وصلى عليه موسى بن عيسى الهاشمي أمير مصر للرشيد

وترجم له ابن خلكان بالأصبهاني ثم قال في آخر ترجمته ويقال إنه من قلقشندة
قلت وما قاله ابن يونس أثبت ويجب الرجوع إليه لأمرين أحدهما أنه مصري وأهل البلد أخبر بحال أهل بلدهم من غيرهم
والثاني أنه قريب من زمن الليث فهو به أدرى إذ يجوز أن يكون أصله من أصبهان ثم نزل آباؤه قلقشندة المذكورة وولد بها وسكنها فنسب إليها كما وقع في كثير من النسب وإعادة داره بها بعد هدمها ثلاث مرات على ما تقدم ذكره في كلام القضاعي دليل اعتنائه بشأنها وميله إليها وحينئذ فلا منافاة بين النسبتين
وذكر في الروض المعطار أنه كان له ضيعة على القرب من رشيد من بلاد الديار المصرية يدخل عليه منها في كل سنة خمسون ألف دينار لم تجب عليه فيها زكاة
العمل الثالث الشرقية
وهو مصاقب للضواحي من شماليها مما يلي جهة المقطم والقليوبية من جهة الشمال أيضا وهو من أعظم الأعمال وأوسعها
إلا أن البساتين فيه قليلة بل تكاد أن تكون معدومة لاتصاله بالسباخ وبداوة غالب أهله وآخر العمران فيها من جهة الشمال الصالحية وما وراء ذلك منقطع رمال على ما تقدم ذكره في المنقطع عنها من جهة الشرق ومقر ولايته مدينة بلبيس
قال في تقويم البلدان بكسر الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة تحت ثم سين مهملة
كذا ذكره والجاري على الألسنة ضم الباء

في أولها وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أن يكون طولها أربعا وخمسين درجة وثلاثين دقيقة وعرضها ثلاثين درجة وعشر دقائق
وهي مدينة متوسطة بها المساجد والمدارس والأسواق وهي محط رحال الدرب الشامي
وفي الركن الشمالي الجنوبي من هذا العمل بنها
قال النووي في شرح مسلم بكسر الباء والمعروف فتحها وهي البلدة التي أهدى المقوقس إلى النبي من عسلها وفي آخره من جهة الشرق قطيا بفتح القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الياء المثناة تحت وألف في الآخر
كذا وقع في التعريف مسالك الأبصار
وفي تقويم البلدان إبدال الألف في آخره بهاء وهي قرية بالرمل المعروف بالجفار على طريق الشام على القرب من ساحل البحر الرومي
قال في التعريف وقد جعلت لأخذ الموجبات وحفظ الطرقات وأمرها مهم ومنها يطالع بكل صادر ووارد
العمل الرابع الدقهلية والمرتاحية وهو مصاقب لعمل الشرقية من جهة الشمال وأواخره تنتهي إلى السباخ وإلى بحيرة تنيس المتصلة بالطينة من طريق الشام ومقر الولاية به مدينة أشموم بضم الهمزة وإسكان الشين المعجمة

وبعدها ميم ثم واو وميم ثانية كما ضبطه في تقويم البلدان ونقله عن خط ياقوت في المشترك والذي في اللباب إبدال الميم في آخرها بنون وعزاه في تقويم البلدان للعامة
قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها أربع وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة
وهي مدينة صغيرة على ضفة الفرقة التي تذهب إلى بحيرة تنيس من فرقة النيل الشرقية من الجهة وبآخر هذا العمل مدينة دمياط بكسر الدال المهملة وسكون الميم وياء مثناة من تحت وألف وطاء قال في الأطوال طولها ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة
وقال ابن سعيد طولها أربع وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وعشرون دقيقة وهي واقعة في الإقليم الثالث وهي مدينة حسنة عند مصب الفرقة الشرقية من النيل في بحر الروم ذات أسواق وحمامات وكان عليها أسوار من عمارة المتوكل أحد خلفاء بني العباس فلما تسلطت عليها الفرنج وملكتها مرة بعد مرة خربت المسلمون أسوارها في سنة ثمان وأربعين وستمائة خوفا من استيلائهم عليها وهي على ذلك إلى الآن ولها ولاية خاصة بها

الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية وفيها عملان
العمل الأول عمل البحيرة
وهو مما يلي عمل الجيزة المقدم ذكره من الجهة البحرية وهو عمل واسع كثير القرى فسيح الأرضين
ومقر ولايته مدينة دمنهور بفتح الدال المهملة والميم وسكون النون وضم الهاء وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة وتعرف بدمنهور الوحش
وهي مدينة متوسطة ذات مساجد ومدارس وأسواق وحمامات
وموقعها في الإقليم الثالث ولم يتحرر لي طولها وعرضها غير أنها على نحو مرحلة من الإسكندرية بين الشرق والجنوب فليعتبر طولها وعرضها منها بالتقريب
قلت ويدخل في هذا العمل حوف رمسيس والكفور الشاسعة
العمل الثاني عمل المزاحمتين
وهو ما جاور خليج الإسكندرية من جهة الشمال إلى البحر الرومي وبعضه بالبر الشرقي من النيل وحاضرته مدينة فوة
قال في تقويم البلدان بضم الفاء وتشديد الواو وهي مدينة متوسطة بالبر الشرقي من فرقة النيل الغربية يقابلها جزيرة لها تعرف بجزيرة الذهب ذات بساتين وأشجار ومنظر رائق وليس بها ولاية وإنما يكون بها شاد للخاص يتحدث في كثير من أمور الولاية وهي في الحقيقة كإخميم مع قوص
ويلي هذين العملين غربا بشمال مدينة الإسكندرية بكسر الهمزة

وسكون السين المهملة وفتح الكاف وسكون النون وفتح الدال وكسر الراء المهملتين وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر وموقعها في الإقليم الثالث
قال في كتاب الأطوال طولها إحدى وخمسون درجة وأربع وخمسون دقيقة وعرضها ثلاثون درجة وثمان وخمسون دقيقة وقد تقدم القول على أصل عمارتها في الكلام على قواعد الديار المصرية قبل الإسلام
وهي الآن بالنسبة إلى ما تشهد به التواريخ من بنائها القديم جزء من كل وهي مع ذلك مدينة رائقة المنظر حسنة الترصيف مبنية بالحجر والكلس مبيضة البيوت ظاهرا وباطنا كأنها حمامة بيضاء ذات شوارع مشرعة كل خط قائم بذاته كأنها رقعة الشطرنج يستدير بها سوران منيعان يدور عليهما من خارجهما خندق في جوانب البلد المتصلة بالبر ويتصل البحر بظاهرها من الجانب الغربي مما يلي الشمال إلى المشرق حيث دار النيابة وبهما أبراج حصينة عليها الستائر المسترة والمجانيق المنصوبة
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات ويقال إن منارها كان في وسط البلد وإن المدينة كانت سبع محجات وإنما أكلها البحر ولم يبق إلا محجة واحدة وهي المدينة الباقية الآن وصار مكان المنار منها على مسيرة ميل
قال ويقال إن مساجدها أحصيت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد وبها الجوامع والمساجد والمدارس والخوانق والربط والزوايا والحمامات والديار الجليلة والأسواق الممتدة
وفيها ينسج القماش الفائق الذي ليس له نظير في الدنيا وإليها تهوي ركائب التجار في البر والبحر وتمير من قماشها

جميع أقطار الأرض وهي فرضة بلاد المغرب والأندلس وجزائر الفرنج وبلاد الروم والشام وشرب أهلها من ماء النيل من صهاريج تملأ من الخليج الواصل إلى داخل دورها واستعمال الماء لعامة الأمر من آبارها وبجنبات تلك الآبار والصهاريج بالوعات تصرف منها مياه الأمطار ونحوها وبها البساتين الأنيقة والمستنزهات الفائقة ولهم بها القصور والجواسق الدقيقة البناء المحكمة الجدر والأبواب وبها من الفواكه والثمار ما يفوق فواكه غيرها من الديار المصرية حسنا مع رخص الثمن وليس بها مزارع ولا لها عمل واسع وإن كان متحصلها يعدل أعمالا من واصل البخر وغيره وهي أجل ثغور الديار المصرية لا يزال أهلها على يقظة من أمور البحر والاحتراز من العدو الطارق وبها عسكر مستخدم لحفظها
قال في مسالك الأبصار وليس بالديار المصرية مدينة حاكمها مرسوم بنيابة السلطنة سواها
قلت وهذا فيما تقدم حين كانت النيابة بها صغيرة في معنى ولاية
أما من حين طرقها العدو المخذول من الفرنج في سنة سبع وستين وسبعمائة واجتاح أهلها وقتل وسبى فإنها استقرت من حينئذ نيابة كبرى تضاهي نيابة طرابلس وحماة وما في معناهما وهي على ذلك إلى الآن وسيأتي الكلام على نيابتها في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى

الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وهو جزيرتان
الجزيرة الأولى جانبها الشرقي يمتد في طول فرقة النيل الشرقية إلى مصبه في البحر الملح حيث دمياط بالقرب منها وجانبها الغربي يمتد في طول فرقة النيل الغربية إلى تجاه أبي نشابة من عمل الجيزة فينشأ بحر أبيار المتقدم ذكره ويمتد في طولها إلى قرية الفرستق خارج الجزيرة من الغرب فيتصل بفرقة النيل التي تفرع منها على ما تقدم ويمتد في طولها إلى مصبه في البحر الملح حيث رشيد
وتشتمل هذه الجزيرة على عملين
العمل الأول المنوفية
وأوله من الجنوب من القرية المعروفة بشطنوف على أول الفرقة الغربية من النيل ومقر ولايته مدينة منوف بضم الميم والنون وسكون الواو وفاء في الآخر وهي مدينة إسلامية بنيت بدلا من مدينة قديمة كانت هناك قد خربت الآن وبقيت آثارها كيمانا وولايتها من أنفس الولايات وقد أضيف إليها عمل أبيار وهو جزيرة بني نصر الآتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى وهي مدينة حسنة ذات أسواق ومساجد ومسجد جليل للخطبة وحمام وخانات
قلت وربما غلط فيها بعض الناس فظن أنها منف المتقدمة الذكر في الكلام على قواعد مصر القديمة وبينهما بعد كثير إذ منف المتقدمة الذكر جنوبي الفسطاط على اثني عشر ميلا منه كما تقدم ذكره وهذه شمالي الفسطاط والقاهرة في أسفل الأرض
العمل الثاني الغربية
وهو مصاقب للمنوفية من جهة الشمال ويمتد إلى

البحر الملح بين مصبي النيل إلا ما هو من عمل المزاحمتين على فرقة النيل الغربية من الشرق وهو عمل جليل القدر عظيم الخطر به البلاد الحسنة والقرى الزاهية والبساتين المتراكبة وغير ذلك وفي آخره مما يلي بحر الروم موقع ثغر البرلس
ويندرج فيه ثلاث أعمال أخر كانت قديمة وهي القويسنية والسمنودية والدنجاوية ومقر ولايته مدينة المحلة
قال في المشترك بفتح الميم والحاء المهملة وتشديد اللام ثم هاء في الآخر وتعرف بالمحلة الكبرى وقد غلب عليها اسم المحلة حتى صار لا يفهم عند الإطلاق إلا هي
قلت ووقع في التعريف التعبير عنها بمحلة المرحوم وهو وهم وإنما هي قرية من قراها
قال في المشترك ويقال لها محلة الدقلا بفتح الدال المهملة والقاف وهي مدينة عظيمة الشأن جليلة المقدار رائقة المنظر حسنة البناء كثيرة المساكن ذات جوامع ومدارس وأسواق وحمامات وهي تعادل قوص من الوجه القبلي في جلالة قدرها ورياسة أهلها ويفرق بينهما بما يفرق به بين الوجه القبلي والوجه البحري من الرطوبة واليبوسة

الجزيرة الثانية ما بين بحر أبيار المتقدم ذكره وبين الفرقة الغربية من النيل وتعرف بجزيرة بني نصر وهي عمل واحد وحاضرته مدينة أبيار بفتح الهمزة كما قاله في الروض المعطار وإسكان الباء الموحدة وفتح المثناة تحت وبعدها ألف ثم راء مهملة وهي مدينة لطيفة حسنة المنظر يعمل فيها القماش الفائق من المحررات وغيرها وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة ولم يتحرر لي طولها ولا عرضها وهي مضافة إلى ولاية منوف وليس بها الآن ولاية مستقلة

الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية جاهلية وإسلاما
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وكانت أهل مصر أهل ملك عظيم في الدهور الخالية والأزمان السالفة ما بين قبطي ويوناني وعمليقي وأكثرهم القبط
قال وأكثر من تملك مصر الغرباء
وهم على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى من ملكها قبل الطوفان وقل من تعرض له من المؤرخين
قد تقدم في الكلام على ابتداء عمارة مصر أن أول من عمرها قبل الطوفان نقراووس بن مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه السلام ومعنى نقراووس بالسريانية ملك قومه وهو الذي عمر مدينة أمسوس أول قواعد مصر المتقدم ذكرها ثم ملكها بعده ابنه نقراووس الثاني مائة وسبع سنين ثم ملكها بعده أخوه مصرام بن نقراووس الأول ثم ملكها بعده عنقام الكاهن ولم تطل مدة ملكه ويقال إن إدريس عليه السلام رفع في زمانه ثم ملكها بعده ابنه غرناق ثم ملك بعده رجل من بني نقراووس اسمه لوجيم ثم ملك بعده رجل اسمه خصليم وهو أول من عمل المقياس للنيل على ما تقدم ذكره ثم ملك بعده ابنه هرصال ومعناه بالسريانية خادم الزهرة وهي مدينة شرق النيل وعمل

سربا تحت النيل إليها وهو أول من عمل ذلك وأقام في الملك مائة واربعا وثلاثين سنة ويقال إن نوحا عليه السلام ولد في زمانه ثم ملك بعده ابنه بدرسان ثم ملك بعده أخوه شمرود وكان طوله فيما يقال عشرين ذراعا ثم ملك بعده فرسيدون بن بدرسان المتقدم ذكره مائة وستين سنة ثم ملك بعده ابنه شرناق مائة وثلاث سنين ثم ملك بعده ابنه سهلوق مائة وتسع سنين ثم ملك بعده ابنه سوريدين وهو الذي بنى الأهرام العظام بمصر على ما تقدم ذكره في الكلام على عجائب مصر وخواصها ثم ملك بعده ابنه هرجيب نيفا وسبعين سنة وهو الذي بنى الهرم الأول من أهرام دهشور ثم ملك بعده ابنه مناوش ثلاثا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه أقروس أربعا وستين سنة وفي أيامه حصل القحط العظيم وسلطت الوحوش والتماسيح على الناس وأعقمت الأرحام حتى يقال إن الملك تزوج ثلاثمائة امرأة يبغي الولد فلم يولد له وذلك مقدمة الطوفان ثم ملك بعده رجل من أهل بيت الملك اسمه أرمالينوس ثم ملك بعده ابن عمه فرعان وهو أول من لقب بلقب الفراعنة وكان قد كتب إلى ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام وفي زمنه كان الطوفان وهلك فيمن هلك

المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الإسلامي
وللمؤرخين في ذلك خلف كثير وقد جمعت بين كلام التواريخ التي وقفت عليها في ذلك وهم على طبقات

الطبقة الأولى ملوكها من القبط
قد تقدم في الكلام على ابتداء عمارتها أن أول من عمرها بعد الطوفان بيصر ابن حام بن نوح عليه السلام وكان بيصر قد كبر سنه وضعف فأقام يسيرا ثم مات فدفن في موضع دير أبي هرميس غربي الأهرام
قال القضاعي ويقال إنها أول مقبرة دفن فيها بأرض مصر وملك بعده ابنه مصر فعمر وطالت مدة ملكه وعمرت البلاد في أيامه وكثر خيرها ثم مات وملك بعده ابنه قبطيم وإليه ينسب القبط ويقال إنه أدرك بلبلة الألسن التي كانت بعد نوح عليه السلام وهي ريح خرجت عليهم ففرقت بينهم وصار كل منهم يتكلم بلغة غير لغة الآخر وخرج منها باللغة القبطية ثم ملك بعده ابنه قفط وهو الذي بنى مدينة قفط بالصعيد الأعلى وسماها باسمه وآثارها باقية إلى الآن ثم ملك بعده أخوه أشمن وهو الذي بنى مدينة الأشمونين المتقدم ذكرها بالوجه القبلي وطالت مدته حتى نقل أنه بقي ثمانمائة سنة وقيل ثمانمائة وثلاثين ثم ملك بعده أخوه أتريب وهو الذي بنى مدينة أتريب المتقدمة الذكر بالوجه البحري من الديار المصرية ثم ملك بعده أخوه صا وهو الذي بنى مدينة صا المتقدم ذكرها بالوجه البحري أيضا ثم ملك بعده قفطريم بن قفط ويقال إنه الذي وضع أساس الأهرام الدهشورية غير الهرم الأول الذي بناه هرجيب المتقدم ذكره قبل

الطوفان وهو الذي بني مدينة دندرى بالصعيد الأعلى وآثارها باقية إلى الآن ثم ملك بعده ابنه بودشير وهو الذي أصلح جنبتي النيل بهندسته ثم ملك بعده ابنه عديم ثم ملك بعده ابنه شدات وهو الذي تمم الأهرام الدهشورية التي وضع أساها قفطريم المتقدم ذكره
ويقال إن مدينة شطب التي بالقرب من مدينة أسيوط بنيت في أيامه وآثارها باقية إلى الآن وهو أول من ولع بالصيد واتخذ الجوارح والكلاب السلوقية وعمل البيطرة من ملوك مصر ومات عن أربعمائة وأربعين سنة ثم ملك بعده ابنه منقاوش ويقال إنه أول من عمل له الحمام بمصر ثم ملك بعده ابنه مناوش وطالت مدته في الملك حتى بقي فيما يقال ثمانمائة سنة وقيل ثمانمائة وثلاثين سنة ثم ملك بعده منقاوش بن أشمن نيفا وأربعين سنة وقيل ستين سنة وهو أول من عمل له الميدان بمصر وأول من بنى البيمارستان لعلاج المرضى وفي أيامه بنيت مدينة سنتريه بالواحات ثم ملك بعده ابنه مرقوره نيفا وثلاثين سنة وفي كتب القبط أنه أول من ذلل السباع وركبها ثم ملك بعده بلاطس خمسا وعشرين سنة ثم ملكت بعده بنت من بنات أتريب خمسا وثلاثين سنة وهي أول من ملك مصر من النساء ثم ملك بعدها أخوها قليمون تسعين سنة وفي أيامه بنيت مدينة دمياط على اسم غلام له كانت أمة ساحرة له وفي أيامه بنيت أيضا مدينة

تنيس ثم ملك بعده ابنه فرسون مائتين وستين سنة ثم ملك بعده ثلاثة ملوك أو أربعة لم يعين اسمهم ثم ملك بعدهم مرقونس الكاهن ثلاثا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه أيساد خمسا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه صا وأكثر القبط تزعم أنه أخوه نيفا وثلاثين سنة ثم ملك بعده ابنه تدراس وهو الذي حفر خليج سخا المتقدم ذكره في خلجان مصر القديمة ثم ملك بعده ابنه ماليق ويقال إنه خالف دين آبائه في عبادة الأصنام ودان بدين التوحيد ولما أحس بالموت صنع له ناووسا وكنز معه كنوزا عظيمة وكتب عليها أنه لا يستخرجها إلا أمة النبي الذي يبعث في آخر الزمان ثم ملك بعده ابنه حريا وفي بعض التواريخ حرايا خمسا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه كلكن وفي بعض التواريخ كلكي نحوا من مائة سنة وهو أول من أظهر علم الكيمياء بمصر وكان قبل ذلك مكتوما وفي زمنه كان النمرود بأرض باب من العراق ثم ملك بعده أخوه ماليا ثم ملك بعده حربيا بن ماليق ثم ملك بعده طوطيس بن ماليا وفي بعض التواريخ طوليس سبعين سنة وفي بعض التواريخ أنه ملك بعد أبيه ماليا والقبط تزعم أن الفراعنة سبعة هو أولهم وهو الذي أهدى هاجر لإبراهيم عليه السلام ثم ملكت بعده أخته حوريا وهي التي بنى لها جيرون المؤتفكي صاحب الشام مدينة الإسكندرية حين خطبها على أحد الأقوال في عمارتها ليجعلها مهرا لها ثم احتالت عليه فسمته هو وجميع عسكره في خلع فماتوا ثم ملكت بعدها بنت عمها زلفى ويقال دلفة بنت مأموم ثم ملك بعدها أيمين الأتريبي وهو آخر ملوك القبط من هذه الطبقة
والذي ذكره القضاعي وغيره أنه ملكها بعد وفاة بيصر ابنه مصر ثم قفط بن مصر

ثم أخوه أشمن ثم أخوه أتريب ثم أخوه صا ثم ابنه تدراس ثم ابنه ماليق ثم ابنه حريا ثم ابنه كلكن ثم أخوه ماليا ثم حربيا ثم طوطيس بن ماليا ثم ابنته حوريا وهي أول من ملكها من النساء ثم ابنة عمها زلفى ومنها انتزعتها العمالقة الآتي ذكرهم

الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام
أول من ملكها منهم الوليد بن دومع العمليقي وقال السهيلي الوليد ابن عمرو بن أراشة اقتلعها من أيمين آخر ملوك القبط المتقدم ذكره وهو الفرعون الثاني عند القبط وقيل هو أول من سمي بفرعون وقام في الملك مائة وعشرين سنة ثم ملك بعده ابنه الريان مائة وعشرين سنة والقبط تسميه نهراوس وهو الفرعون الثالث عند القبط ونزل مدينة عين شمس وكانت الملوك قبله تنزل مدينة منف وفي أيامه وصل يوسف عليه السلام إلى مصر وكان من أمره ما قصه الله تعالى في كتابه
ويقال إنه آمن بيوسف عليه السلام ثم ملك بعده ابنه دارم ويقال دريوس وهو الفرعون الرابع عند القبط وفي أيامه توفي يوسف عليه السلام وفي أيامه ظهر بمصر معدن فضة على ثلاثة أيام في النيل ثم ملك بعده ابنه معدان ويقال معاديوس وهو الفرعون الخامس عند القبط إحدى وثلاثين سنة ثم ملك بعده ابنه أقسامس وهو الفرعون السادس عند القبط وبعضهم يزعم أن منارة الإسكندرية بنيت في زمنه

وأهل الأثر يسمونه كاسم وربما قالوا كامس ثم ملك بعده ابنه آينس لاطس ثم ملك بعده رجل اسمه ظلما كان من عماله فخرج عليه فقتله وملك مكانه وهو الفرعون السابع عند القبط وهو فرعون موسى
قال المسعودي وهو الوليد بن مصعب الموجود في كتب الأثر والوليد بن مصعب هو فرعون موسى وهو الوليد بن مصعب بن عمرو بن معاوية بن أراشة يجتمع مع الوليد بن دومع في أراشة وهو آخر من ملك مصر من العمالقة وبعضهم يقول ظلما بن قومس من ولد أشمون أحد ملوك القبط المتقدم ذكرهم وعلى هذا فيكون فرعون موسى من القبط وهو أحد الأقوال فيه وهو الذي يعول عليه القبط ويوردونه في كتبهم وآخرون يجعلونه من لخم من الشام والظاهر الأول وهو أول من عرف العرفاء على الناس وفي زمنه حفر خليج سردوس المتقدم ذكره في خلجان النيل ويقال إنه عاش دهرا طويلا لم يمرض ولم يشك وجعا إلى أن أهلكه الله تعالى بالغرق

الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة
أول من ملكها منهم بعد فرعون دلوكة وطالت مدتها في الملك حتى عرفت بالعجوز وإليها ينسب حائط العجوز المبني بالطوب اللبن المستدير على بلاد مصر في لحف الجبلين الشرقي والغربي وأثره باق بالوجه القبلي إلى الآن ويقال إنها التي بنت البرابي بمصر ثم ملك بعدها رجل من أبناء أكابر القبط اسمه دركون بن بطلوس ويقال دركوس بن ملوطس ثم ملك بعده رجل اسمه تودس ثم ملك بعده ابنه لقاش نحوا من خمسين سنة ثم ملك بعده مرينا بن لقاش نحوا من عشرين سنة ثم ملك بعده ابنه بلطوس ويقال

بلوطس بن مياكيل أربعين سنة ثم ملك بعده مالوس ويقال فالوس بن توطيس عشر سنين ثم ملك بعده مياكيل
قال المسعودي وهو فرعون الأعرج الذي غزا بني إسرائيل وخرب بيت المقدس ثم ملك بعده مالوس ويقال فالوس بن توطيس عشر سنين ثم ملك بعده نوله وهو الذي غزا رحبعم ابن سليمان عليه السلام بالشام وقيل إن الذي غزا رحبعم كان اسمه شيشاق
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة وهو الأصح
قال ثم لم يشتهر بعد شيشاق المذكور غير فرعون الأعرج وهو الذي غزاة بختنصر وصلبه والذي ذكره المسعودي أنه ملك بعد مياكيل المتقدم ذكره مرنيوس ثم ملك بعده ابنه بغاش ثمانين سنة ثم ملك بعده ابنه قومس عشرين سنة ثم ملك بعده ابنه كاييل
قال المسعودي وهو الذي غزاه بختنصر وصلبه وخرب مصر وبقيت مصر أربعين سنة خرابا

الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس
أول من ملكها في جملة مملكة الفرس بهراسف بواسطة أن بختنصر كان نائبا له ومن حين استولى عليها بختنصر توالت عليها الولاة من جهته وهو ببابل سبعا وخمسين سنة وشهرا كما ذكر صاحب حماة إلى أن مات فولي بعده ابنه أولات سنة واحدة ثم أوليها بعده أخوه بلطشاش بن بختنصر ثم استقرت مصر والشام بأيدي نواب الفرس عن ملوكهم
فلما مات بهراسف ملك بعده كيبستاسف ثم ملك بعده ابنه أردشير بهمن بن آسفيديار بن كيبستاسف وأنبسطت يده حتى ملك الأقاليم السبعة ثم ملك بعده ابنه دارا وفي زمنه ملك الإسكندر بن

فيلبس على اليونان فقصده فلما قرب منه قتله جماعة من قومه ولحقوا بالإسكندر وهو آخر من ملك مصر من الفرس ولم أقف على تفصيل نواب الفرس بمصر إلا أنه كان منهم كسرجوس الفارسي وهو الذي بنى قصر الشمع بالفسطاط على ما تقدم ذكره وبعده طحارست الطويل وفي أيامه كان بقراط الحكيم

الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان
أول من ملكها منهم الإسكندر بن فيلبس حين غلب دارا ملك الفرس على ملكه واستولى على ما كان بيده وكان مقر ملكه مقدونية من بلاد الروم القديمة وانحاز له ملك العراق والشام ومصر وبلاد العرب
فلما مات تفرقت ممالكه بين الملوك فملك مصر ونواحي الغرب البطالسة من ملوك اليونان كان كل منهم يلقب بطليموس
فأول من ملكها منهم بطليموس المنطيقي عشرين سنة ويقال إنه أول من لعب بالبزاة وضراها ثم ملك بعده بطليموس محب أخيه أربعين سنة وقيل ثمانا وثلاثين سنة وهو الذي نقل التوراة من العبرانية إلى اليونانية وفي أيامه ظهرت عبادة التماثيل والأصنام
ثم ملك بعده بطليموس الصائغ خمسا وقيل ستا وعشرين سنة ثم ملك بعده

بطليموس محب أبيه سبع عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس صاحب علم الفلك أربعا وعشرين سنة وهو الذي ألف كتاب المجسطي ثم ملك بعده بطليموس محب أمه سبعا وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس الصائغ الثاني ثم ملك بعده بطليموس المخلص ست عشرة سنة وقيل سبع عشرة ثم ملك بعده بطليموس الإسكندراني تسع سنين وقيل اثنتي عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس اسكندروس ثلاث سنين ثم ملك بعده بطليموس محب أخيه الثاني ثمان سنين ثم ملك بعده بطليموس دوتيسوس ثم ملكت بعده ابنته قلوبطرا اثنتين وعشرين سنة وبزوالها انقرض ملك اليونان عن مصر وزال

الطبقة السادسة ملوكها من الروم
أول من ملكها منهم أغشطش
يقال بشينين معجمتين ومهملتين ولقبه قيصر وهو أول من تلقب به ثم صار علما على ملوك الروم
قصد قلوبطرا المتقدم ذكرها فلما أحست بقربه منها عمدت إلى مجلسها فجعلت فيه الرياحين والمشموم وأعملت الفكر في تحصيل حية إذا نهشت الإنسان مات لحينه ولم يتغير حاله فقربت يدها منها حتى ألقت سمها في يدها وانسابت الحية في الرياحين وجاء أغشطش فوضع يده في الرياحين فنهشته الحية فبقي يوما ومات بعد أن ملك الروم ثلاثا وأربعين سنة وفي أيامه ولد المسيح عليه السلام ثم ملك بعده الروم ومصر طيباريوس ويقال طبريوس ويقال طبريس اثنتين وعشرين سنة
قال المسعودي وفي زمنه رفع المسيح عليه السلام قال ولما مات أغشطش اختلف الروم وتحزبوا وتنازعوا في الملك مائتين وثمانيا وتسعين سنة لا نظام لهم ولا ملك يجمعهم ثم ملكهم عانيوس
قال صاحب حماة وكان رفع المسيح في زمنه وهو مخالف لما تقدم من كلام المسعودي ثم ملك بعده قلديوس أربع عشرة سنة ثم ملك بعده نارون ثلاث عشرة سنة وهو الذي قتل بطرس وبولص الحواريين برومية وصلبهما ثم ملك بعده ساسانوس عشر سنين ثم ملك بعده طيطوس سبع عشرة سنة ثم ملك بعده دومطيتوش ويقال أديطانش خمس عشرة سنة وكان على عبادة الأصنام فتتبع اليهود والنصارى وقتلهم ثم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39