كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

( تهس تحيع تلز تجيء ... توكق كطش كبكن نزول )
( كدب كويذ كلب شبيس ... شهكح أزيم أبكم ألول )
( نهب نحيش أآب ... أوكد حطت حبكه صجول )
والحال في هذه الكلمات من أوائل الأبيات وأواخرها وأوساطها كالحال في الأبيات المتقدمة فالتاء من تهس إشارة لتشرين الأول والسين إشارة للسماك والهاء بينهما بخمسة ففي الخامس من تشرين الأول يطلع السماك وعلى هذا الترتيب في البواقي
واعلم أن هذه المنازل لا تزال أربع عشرة منزلة منها ظاهرة فوق الأرض في نصف الفلك وأربع عشر منزلة منها خافية تحت الأرض في نصف الفلك وهي مراقبة بعضها لبعض لاستواء مقادير أبعادها فإذا طلعت واحدة في الأفق الشرقي غربت واحدة في الأفق الغربي وكانت أخرى متوسطة في وسط الفلك فهي كذلك أبدا
والقاعدة في معرفة ذلك أنك تبتديء بأية منزلة شئت وتعد منها ثمانية من الطالع فالثامنة هي المتوسطة والخامسة عشرة هي الغاربة فإذا كان الطالع الشرطين فالمتوسط النثرة والغارب والغفر وكذلك في جميع المنازل وفي مراقبة الطالع منها للغارب يقول بعض الشعراء مقيدا لها على الترتيب بادئا بطلوع النطح وهو الشرطان وغروب الغفر حينئذ
( كم أمالوا من ناطح باغتفار ... وأحالوا على البطين الزبانى )
( والثريا تكللت فرأينا القلب ... منها يشعر الدبرانا )
( هقعوا شولة وهنعوا نعاما ... بعد ما ذرعوا البلاد زمانا )
( نثروا ذبحهم بطرف بليع ... جبهة السعد في خرات خبانا )
( فانصرفنا وفي المقدم عوا ... آخرا والسماك مد رشانا )
وقال آخر
( النطح يغفر والبطين مزابن ... ثم الثريا تبتغي إكليلا )

( والقلب للدبران خل عاذر ... من أجل هقعة شولة ما قيلا )
( تهوى الهنيعة للنعائم مثل ما ... ينوي الذراع لبلدة ترجيلا )
( والنثر يذبح عند طرف بلوعه ... ولجبهة سعد غدا منقولا )
( ولزبرة وسط الخباء إقامة ... فاصرف مقدم ذكرها تعجيلا )
( يهوي المؤخران إن سماك مرة ... مد الرشاء لجيده تنكيلا )
وقد نظم صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوري الشهير بالسهروردي أرجوزة ذكر فيها الطالع ثم الغارب في بيت وبعده المتوسط ثم الوتد وهو الذي يقابله تحت الأرض في بيت ثان قال
( إن طلع الشرطان ... )
( بطينها نور الزبانين خلع ... فناعس الطرف رمى سعد بلع )
( ثريا مع الإكليل بالوقود ... تنور الجبهة في السعود )
( والدبران القلب منه يخفق ... فالخرتان للخباء يطرق )
( وهقعة شولتها منهزمة ... وصرفة بفرغها مقدمه )
( وهنعة منها النعائم نفرت ... بعوة بالفرغ قد تأخرت )
( رمى الذراع بلدة أصابها ... سماك بطن الحوت ما أصابها )
( فهذه جملتها مكمله ... للشمس في ثلاث عشر منزله )

الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار
قال أصحاب الهيئة لما كان الفلك متحركا حركات متعددة يتلو بعضها بعضا جعل مقدار كل حركة منها يوما ولما كانت الشمس في حركة من هذه الحركات تارة تكون ظاهرة لأهل الربع المعمور وتارة مستترة عنهم بحدبة

الأرض انقسم لذلك مقدار تلك الحركة إلى الليل والنهار فالنهار عبارة عن الوقت الذي تظهر فيه الشمس على ساكن ذلك الموضع من المعمور والليل عبارة عن الوقت الذي تخفى عنهم فيه فإنه يوجد وقت الصبح في موضع وقت طلوع الشمس في موضع آخر وفي موضع آخر وقت الظهر وفي موضع آخر وقت المغرب وي موضع آخر وقت نصف الليل
ولما كانت منطقة البروج مقسومة إلى اثني عشر برجا وكل برج إلى ثلاثين درجة وكانت الشمس تقطع هذه المنطقة بحركة فلك الكل لها في زمان اليوم الجامع لليل والنهار قسم كل واحد منهما إلى اثني عشر جزءا وجعل قسط كل جزء منها خمس عشرة درجة وسمي ساعة
ثم لما كان الليل والنهار يزيد أحدهما على الآخر ويتساويان في الاعتدالين على ما مر اضطر إلى أن تكون الساعات نوعين مستوية وتسمى المعتدلة وزمانية وتسمى المعوجة
فالمستوية تختلف أعدادها في الليل والنهار وتتفق مقاديرها بحسب طول النهار وقصره فإنه إن طال كانت ساعاته أكثر وإن قصر كانت ساعاته أقل مقدار كل ساعة منه خمس عشرة درجة لا تزيد ولا تنقص والمعوجة تتفق أعدادها وتختلف مقاديرها فإن زمان النهار طال أو قصر ينقسم أبدا إلى اثنتي عشرة ساعة مقدار كل واحدة منها نصف سدس الليل والنهار وهي في النهار الطويل أطول منها في القصير
والذي كانت العرب تعرفه من ذلك الزمانية دون المستوية فكانوا يقسمون كلا من الليل والنهار إلى اثنتي عشرة ساعة ووضعوا لكل ساعة من ساعات الليل والنهار أسماء تخصها
فأما ساعات الليل فسموا الأولى منها الشاهد والثانية الغسق والثالثة العتمة والرابعة الفحمة والخامسة الموهن والسادسة القطع والسابعة الجوشن والثامنة الهتكة والتاسعة التباشير والحادية عشرة الفجر الأول

والثانية عشرة الفجر المعترض
فأما النهار فسموا الساعة الأولى منه الذرور والثانية البزوغ والثالثة الضحى والرابعة الغزالة والخامسة الهاجرة والسادسة الزوال والسابعة الدلوك والثامنة العصر والتاسعة الأصيل والعاشرة الصبوب والحادية عشرة الحدود والثانية عشرة الغروب
ويروى عنهم على وجه آخر فيقال فيها البكور ثم الشروق ثم الإشراق ثم الرأد ثم الضحى ثم المتوع ثم الهاجرة ثم الأصيل ثم العصر ثم الطفل بتحرك الفاء ثم العشي ثم الغروب ذكرهما ابن النحاس في صناعة الكتاب
قال في مناهج الفكر ويقال إن أول من قسم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة آدم عليه السلام وضمن ذلك وصية لابنه شيث عليه السلام وعرفه ما وظف عليه كل ساعة من عمل وعبادة والله أعلم

الجملة السادسة في أيام الأسبوع وفيها أربعة مدارك
المدرك الأول في ابتداء خلقها وأصل وجودها
وقد نطق القرآن الكريم بذكر ستة أيام منها على الإجمال والتفصيل
أما الإجمال فقال تعالى ( وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام )
وأما التفصيل فقوله تعالى ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين )

والمراد بالأربعة الأولى بما فيها من اليومين المتقدمين ومثله في كلام العرب كثير ومنه قوله إذا نام أحدكم جاء الشيطان فعقد تحت رأسه ثلاث عقد فإذا استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة فإذا توضأ انحلت عقدتان فإذا صلى انحلت الثالثة فالمراد بقوله عقدتان عقدة والعقدة الأولى وقد ظهر بذلك أن المراد من الآية ستة أيام فقط وهو ما ورد به صريح الآيات في غير هذه الآية أن خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وقد ورد ذلك مبينا فيما رواه ابن جرير من رواية ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي تسأله عن خلق السموات والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء المدائن والشجر والعمران والخراب فهذه أربعة أيام وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة خلق آدم واسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود ثم ماذا قال ثم استوى على العرش قالوا أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب رسول الله غضبا شديدا فنزل ( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ) قال الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره وفيه غرابة ولا ذكر في هذا الحديث ليوم السبت في أول الخلق ولا في آخره نعم تبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال أخذ رسول الله بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت

وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل قال ابن كثير وهو من غرائب الصحيح وعلله البخاري في تاريخه فقال رواه بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح فقد ورد التصريح في هذا الحديث بذكر الأيام السبعة ووقوع الخلق فيها
قال أبو جعفر النحاس زعم محمد بن إسحاق أن هذا الحديث أولى من الحديث الذي قبله واستدل بأن الفراغ كان يوم الجمعة وخالفه غيره من العلماء الحذاق النظار
وقالوا دليله على خطئه لأن الخلق في ستة أيام يوم الجمعة منها كما صح عن النبي برواية الجماعة فلو لم يدخل في الأيام لكان الخلق في سبعة أيام وهو خلاف ما جاء به التنزيل على أن أكثر أهل العلم على حديث ابن عباس فتبين أن الابتداء يوم الأحد إذ كان الآخر يوم الجمعة وذلك ستة أيام كما في التنزيل
قال أبو جعفر على أن الحديثين ليسا بمتناقضين لأنا إن عملنا على الابتداء بالأحد فالخلق في ستة أيام وليس في التنزيل أنه لا يخلق بعدها شيئا وإن عملنا على الابتداء بالسبت فليس في التنزيل أنه لم يخلق قبلها شيئا
إذا علمت ذلك فقد حكى أبو جعفر النحاس أن مقدار كل يوم من أيام خلق السموات والأرض ألف سنة من أيام الدنيا وأنه كان بين ابتدائه عز و جل في خلق ذلك وخلق القلم الذي أمره بكتابة كل ما هو كائن إلى قيام الساعة يوم وهو ألف عام فصار من ابتداء الخلق إلى انتهائه سبعة آلاف عام وعليه يدل قول ابن عباس إن مدة إقامة الخلق إلى قيام الساعة سبعة أيام كما كان الخلق في سبعة أيام

قال أبو جعفر وهذا باب مداره على النقل دون الآراء

المدرك الثاني في أسمائها وقد اختلف في ذلك على ثلاث روايات
الرواية الأولى ما نطقت به العرب المستعربة من ولد إسماعيل عليه السلام وجرى عليه الاستعمال إلى الآن وهو الأحد والاثنان والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت
والأصل في ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن الله عز و جل خلق يوما واحدا فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الاثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ثم خلق خامسا فسماه الخميس ولا ذكر في هذه الرواية للجمعة والسبت
وقد ذكرهما الله تعالى في كتابه العزيز قال تعالى ( يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) وقال جل وعز ( إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا )
وسيأتيان في غير هذه الرواية عند ذكر الاختلاف فيما ابتديء فيه الخلق منها
فالأحد بمعنى واحد ويقال بمعنى أول ورجحه النحاس وهو المطابق لتسمية الثاني بالاثنين والثالث بالثلاثاء وقيل أصله وحد بفتح الواو والحاء كما أن أناة أصلها وناة ويجمع في القلة على آحاد وأحدات وفي الكثرة على أحود وأوحاد ويحكى في جمعه أحد أيضا قال النحاس كأنه جمع الجمع
والاثنان بمعنى الثاني
قال النحاس وسبيله ألا يثنى وأن يقال فيه مضت أيام الاثنين إلا أن تقول ذوات قال وقد حكى البصريون الأثن والجميع الثني
وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب إن شئت أن تجمعه فكأنه مبني للواحد قلت أثانين

وحكى النحاس مثله عن كتاب الفراء في الأيام وقال إنما يجوز على حيلة بعيدة وهي أن يقال اليوم الاثنان فتضم النون فتصير ماثل عمران فتثنيه وتجمعه على هذا
وحكي عن الفراء أيضا في جمع الكثرة أثان فتقول مضت أثان مثل أسماء وأسام قال وقرأت على أبي إسحاق في كتاب سيبويه فيما حكاه اليوم الثني فتقول على هذا في الجمع الأثناء
والثلاثاء بمعنى الثالث ويجمع على ثلاثاوات وحكى الفراء أثالث قال النحاس ويجوز أثاليث وكذا ثلاثث مثل جمع ثلاثة لأن ألفي التأنيث كالهاء وتقول فيه مضت الثلاثاء على تأنيث اللفظ ومضى على تذكير اليوم وكذا في الجمع تقول مضت ثلاث ثلاثاوات وثلاثة ثلاثاوات
والأربعاء بمعنى الرابع ويجمع على أربعاوات وكذا أرابيع والياء فيه عوض ما حذف فإن لم تعوض قلت أرابع وأجاز الفراء أربعاءات مثل ثلاثاءات ومنعه البصريون للفرق بين ألف التأنيث وغيرها
والخميس بمعنى الخامس ويجمع في القلة على أخمسة وفي الكثرة على خمس وخمسان كرغف ورغفان ويقال أخمساء كأنصباء وحكي عن الفراء في الكثرة أخامس
والجمعة بضم الميم وإسكانها ومعناها الجمع واختلف في سبب تسميته بذلك فقال النحاس لاجتماع الخلق فيه وهذا ظاهر في أن الاسم كان بها قديما وقيل لاجتماع الناس للصلاة فيه ثم اختلف فقيل سميت بذلك في الجاهلية واحتج له بما حكاه أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن أول من سمى الجمعة جمعة كعب بن لؤي جد النبي وذلك أنه جمع قريشا وخطبهم فسميت جمعة وكانوا لا يعرفون قبل ذلك إلا العروبة
وقيل إنما سميت بذلك في

الإسلام وذلك أن الأنصار قالوا إن لليهود يوما يجتمعون فيه بعد كل ستة أيام وللنصارى كذلك فهلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه نذكر الله تعالى ونصلي فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوا يوم العروبة لنا فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة الأنصاري فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه فأنزل الله تعالى سورة الجمعة
على أن السهيلي قد قال في الروض الأنف إن يوم الجمعة كان يسمى بهذا الاسم قبل أن يصلي الأنصار الجمعة
أما أول جمعة جمعها رسول الله فيما حكاه صاحب الأوائل فإنه لما قدم المدينة مهاجرا نزل على بني عمرو بن عوف وأقام عندهم أياما ثم خرج يوم الجمعة عائدا إلى المدينة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلى بهم الجمعة
وتجمع علىجمع وجمعات بالفتح والتسكين
والسبت ومعناه القطع بمعنى قطع فيه الخلق على رأي من يرى أن السبت آخر أيام الجمعة وأنه لا خلق فيه على ما سيأتي ذكره
وقول النحاس إنه مشتق من الراحة أيضا لا عبرة به لمضاهاة قول اليهود فيه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى
ويجمع في القلة على أسبت وسبتات بالتحريك وفي الكثرة على سبوت بضم السين مثل قرح وقروح
الرواية الثانية ما يروى عن العرب العاربة من بني قحطان وجرهم الأولى وهو أنهم كانوا يسمون الأحد الأول لأنه أول أعداد الأيام ويسمون الاثنين أهون أخذا من الهون والهوينى وأوهد أيضا أخذا من الوهدة وهي المكان المنخفض من الأرض لانخفاضه عن اليوم الأول في العدد
ويسمون الثلاثاء جبارا بضم الجيم لأنه جبر به العدد
ويسمون الأربعاء دبارا بضم الدال المهملة لأنه دبر

ما جبر به العدد بمعنى أنه جاء دبره ويسمون الخميس مؤنسا لأنه يؤنس به لبركته قال النحاس ولم يزل ذلك أيضا في الإسلام وكان النبي يتبرك به ولا يسافر إلا فيه وقال اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها ويسمون الجمعة العروبة بفتح العين مع الألف واللام وفي لغة شاذة عروبة بغير ألف ولام مع عدم الصرف ومعناه اليوم البين أخذا من قولهم أعرب إذا أبان والمراد أنه بين العظمة والشرف إذ لم يزل معظما عند أهل كل ملة وجاء الإسلام فزاده تعظيما وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه دخل الجنة وفيه أخرج منها
ويسمونه أيضا حربة بمعنى أنه مرتفع عال كالحربة التي هي كالرمح كما يقال محراب لارتفاعه وعلو مكانته ويسمون السبت شيارا بفتح الشين المعجمة وكسرها مع الياء المثناة تحت أخذا من شرت الشيء إذا استخرجته وأظهرته من مكانه إما بمعنى أنه استخرج من الأيام التي وقع فيها الخلق على مذهب من يرى أنه آخر أيام الأسبوع وأن ابتداء الخلق الأحد وانتهاءه الجمعة وإما بمعنى أنه ظهر أول أيام الجمعة على مذهب من يرى أنه أول الجمعة وكان ابتداء الخلق فيه وإلى هذه الأسماء يشير النابغة بقوله
( أؤمل أن أعيش وأن يومي ... لأول أو لأهون أو جبار )
( أو التالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار )
الرواية الثالثة ماحكاه النحاس عن الضحاك أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ليس منها يوم إلا له اسم أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت
وقد حكى السهيلي رحمه الله أن الأسماء المتداولة بين الناس الآن مروية عن أهل الكتاب وأن العرب المستعربة لما جاورتهم أخذتها عنهم وأن الناس قبل ذلك لم يكونوا يعرفون إلا الأسماء التي وضعتها العرب العاربة وهي أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت التي خلق الله تعالى فيها سائر المخلوقات علويها وسفليها
وهذا يخالف ما تقدم في الرواية الثانية عن العرب العاربة وعلى أنها أسماء للأيام التي وقع فيها الخلق يحتمل أن يكون أبجد اسما للأحد

على مذهب من يرى أن ابتداء الخلق يوم الأحد ويكون السبت لا ذكر له في هذه الرواية

المدرك الثالث في بيان أول أيام الأسبوع وما كان فيه ابتداء الخلق منها
وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب
المذهب الأول أن أول أيام الأسبوع وابتداء الخلق الأحد
واحتج لذلك بما تقدم من حديث ابن عباس أن اليهود أتت النبي فسألته عن خلق السموات والأرض فقال خلق الله عز و جل الأرض يوم الأحد الحديث وبحديثه الآخر خلق الله يوما واحدا فسماه الأحد وإذا كان ابتداء الخلق الأحد لزم أن يكون أول الأسبوع الأحد
المذهب الثاني أن أول أيام الأسبوع وابتداء الخلق السبت
واحتج له بحديث أبي هريرة المتقدم أخذ رسول الله بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت الحديث وإذا كان ابتداء الخلق السبت لزم أن يكون أول الأسبوع السبت
المذهب الثالث أن أول أيام الأسبوع الأحد لحديث خلق الله يوما واحدا فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الاثنين الحديث
وابتداء الخلق يوم السبت لحديث أبي هريرة المتقدم
قال النحاس وهذا أحسنها
المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطير بها وما يعزى لكل منها
من خير أو شر على ما هو متداول بين الناس
واعلم أنه لا أصل لذلك من الشريعة ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة

وقد وردت القرعة عن جعفر الصادق رضي الله عنه في توزيع الأعمال على الأيام أنه قال السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم غرس وعمارة ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة ويوم الثلاثاء يوم إراقة دم وحرب ومكافحة ويوم الأربعاء يوم أخذ وعطاء ويقال يوم نحس مستمر ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحاجات ويوم الجمعة يوم خلوة ونكاح
ووجهوا هذه الدعوى بأن قريشا مكرت في دار الندوة يوم السبت وأن الله ابتدأ الخلق يوم الأحد وأن شعيبا سافر للتجارة يوم الاثنين وأن حواء حاضت يوم الثلاثاء وفيه قتل قابيل هابيل أخاه وأن فرعون غرق هو وقومه يوم الأربعاء وفيه أهلك الله عادا وثمودا وأن إبراهيم دخل على النمرود يوم الخميس وأن الأنبياء عليهم السلام كانت تنكح وتخطب يوم الجمعة
وقد نظم بعض الشعراء هذه الاختيارات في أبيات وإن كان قد خالف الواضع في مواضع فقال
( لنعم اليوم يوم السبت حقا ... لصيد إن أردت بلا امتراء )
( وفي الأحد البناء فإن فيه ... تبدى الله في خلق السماء )
( وفي الإثنين إن سافرت فيه ... سترجع بالنجاح وبالغناء )
( وإن ترد الحجامة في الثلاثا ... ففي ساعاته هرق الدماء )
( وإن شرب امرؤ منكم دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء )
( وفي يوم الخميس قضاء حاج ... فإن الله يأذن بالقضاء )
( ويوم الجمعة التزويج حقا ... ولذات الرجال مع النساء )
وسيأتي الكلام على ما يتعلق من ذلك بأيام الشهر في الكلام على الشهور في الفصل السابع من الكتاب إن شاء الله تعالى

الطرف الثاني في الشهور وهي على قسمين طبيعي واصطلاحي
القسم الأول الطبيعي والمراد به القمري
وهو مدة مسير القمر من حين يفارق الشمس إلى حين يفارقها مرة أخرى وهي على ضربين
الضرب الأول شهور العرب
والشهر العربي عبارة عما بين رؤية الهلال إلى رؤيته ثانيا وعدد أيامه تسعة وعشرون يوما ونصف يوم على التقريب ولما كان هذا الكسر في العدد عسرا عدوا جملة الشهرين تسعة وخمسين يوما أحدهما ثلاثون وهو التام والآخر تسعة وعشرون وهو الناقص
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي حلف لا يدخل على بعض نسائه شهرا فلما مضى تسعة وعشرون غدا عليهم أو راح فقيل يا رسول الله حلفت لا تدخل عليهن شهرا فقال الشهر يكون تسعة وعشرين وذلك بحسب مسير النيرين الشمس والقمر بالمسير الأوسط أما بالمسير المقوم فإنه يتفق إذا استكمل الشهر برؤية الهلال عيانا أن يتوالى شهران وثلاثة تامة وتتوالى كذلك ناقصة وعلى ذلك عمل العرب واليهود
ولهم في استعماله طريقتان
الطريقة الأولى طريقة العرب
ومدة الشهر عندهم من رؤية الهلال إلى رؤية الهلال وهي أسهل الطرق

وأقربها وعليها جاء الشرع وبها نطق التنزيل قال تعالى ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) وفيها جملتان

الجملة الأولى في أحوال الأهلة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها
وانتهائها
واعلم أن مسير القمر مقدر بمعرفة الشهور والسنين قال تعالى ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ) والشمس تعطيه في كل ليلة ما يستضيء به نصف سبع قرصه حتى يكمل ثم تسلبه من الليلة الخامسة عشرة كل ليلة نصف قرصه حتى لا يبقى فيه نور فيستتر
ويروى عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه سئل عن القمر فقال يمحق كل ليلة ويولد جديدا ويبعد مثل هذا عن جعفر الصادق
إذا علمت ذلك فللقمر حركتان سريعة وبطيئة كما تقدم في الشمس
أما الحركة السريعة فحركة فلك الكل به من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في اليوم والليلة
واعلم أن الهلال إذا طلع مع غروب الشمس كان مغيبه على مضي ستة أسباع ساعة من الليل ولا يزال مغيبه يتأخر عن مغيبه في كل ليلة ماضية هذا المقدار حتى يكون مغيبه في الليلة السابعة نصف الليل وفي الليلة الرابعة عشرة طلوع الشمس ثم يكون طلوعه في الليلة الخامسة عشرة على مضي ستة أسباع ساعة منها ولا يزال طلوعه يتأخر عن طلوعه في كل ليلة ماضية بعد الإبدار هذا المقدار حتى يكون طلوعه ليلة إحدى وعشرين نصف الليل وطلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة
وإذا أن أردت تعلم على مضي كم من الساعات يغيب أو يطلع من الليل

فإن أردت المغيب وكان قد مضى من الشهر خمس ليال تقديرا فاضربها في ستة تكون ثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى اثنان فيكون مغيبه على مضي أربع ساعات وثلاثة أسباع ساعة وكذلك العمل في أي ليلة شئت وإن أردت الطلوع وكان قد مضى من الإبدار ست ليال مثلا فاضرب ستة في ستة يكون ستة وثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى واحدا فيكون طلوعه على خمس ساعات وسبع وكذلك العمل في أي ليلة شئت
وقد قسمت العرب ليالي الشهر بعد استهلاله كل ثلاثة أيام قسما وسمتها باسم فالثلاث الأول منها هلال والثلاث الثانية قمر والثلاث الثالثة بهر والثلاث الرابعة زهر والزهر البياض والثلاث الخامسة بيض لأن الليالي تبيض بطلوع القمر فيها من أولها إلى آخرها والثلاث السادسة درع لأن أوائلها تكون سودا وسائرها بيض والثلاث السابعة ظلم والثلاث الثامنة حنادس والثلاث التاسعة وآدىء الواحدة منها وآداة على وزن فعللة والثلاث العاشرة ليلتان منها محاق وليلة سرار لإمحاق الشمس القمر فيها
ومنهم من يقول ثلاث غرر وغرة كل شيء أوله وثلاث شهب وثلاث زهر وثلاث تسع لأن آخر يوم منها اليوم التاسع وثلاث بهر بهر فيها ظلام الليل وثلاث بيض وثلاث درع وثلاث دهم وفحم وحنادس وثلاث دآدىء
ويروى عنهم أنهم يسمون ليلة ثمان وعشرين الدعجاء وليلة تسع وعشرين الدهماء وليلة ثلاثين الليلاء وهم يقولون في أسجاعهم القمر ابن

ليلة رضاع سخيلة حل أهلها برميلة وابن ليلتين حديث أمتين كذب ومين وابن ثلاث قليل اللباث وابن أربع عتمة أم ربع لا جائع ولا مرضع وابن خمس حديث وأنس وعشاء خلفات قعس وابن ست سروبت وابن سبع دلجة ضبع وحديث وجمع وابن ثمان قمر إضحيان وابن تسع محذو النسع ويقال الشسع وابن عشر مخنق الفجر وثلث الشهر
هذه هو المحفوظ عن العرب في كثير من الكتب
قال صاحب مناهج الفكر وعثرت في بعض المجاميع على زيادة إلى آخر الشهر وكأنها والله أعلم مصنوعة وهي على ألسنة العرب موضوعة وهي وابن إحدى عشرة يرى عشاء ويرى بكرة وابن اثنتي عشرة مرهق البشر بالبدو والحضر وابن ثلاث عشرة قمر باهر يعشي الناظر وابن أربع عشرة مقبل الشباب مضيء دجنات السحاب وابن خمس عشرة تم التمام ونفدت الأيام

وابن ست عشرة نقص الخلق في الغرب والشرق وابن سبع عشرة أمكنت المقتفر القفرة وابن ثمان عشرة قليل البقاء سريع الفناء وابن تسع عشرة بطيء الطلوع سريع الخشوع وابن عشرين يطلع سحرة ويغيب بكرة وابن إحدى وعشرين كالقبس يطلع في الغلس وابن اثنتين وعشرين يطيل السرى ريثما يرى وابن ثلاث وعشرين يرى في ظلمة الليال لا قمر ولا هلال وابن خمس وعشرين دنا الأجل وانقطع الأمل وابن ست وعشرين دنا ما دنا فما يرى إلا سنا وابن سبع وعشرين يشق الشمس ولا يرى له حس وابن ثمان وعشرين ضئيل صغير لا يراه إلا البصير
وأما حركته البطيئة فحركته من جهة الشمال إلى جهة الجنوب ومن جهة الجنوب إلى جهة الشمال وتنقله في المنازل الثمانية وعشرين في ثمانية وعشرين يوما بلياليها كالشمس في البروج قال تعالى ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) فما تقطعه الشمس من الشمال إلى الجنوب وبالعكس في جميع السنة يقطعه القمر في ثمانية وعشرين يوما
والمنازل للقمر كالبروج للشمس وذلك أنه لما اتصل إلى العرب ما حققه القدماء برصدهم من الكواكب الثابتة وكان لا غنى بهم عن معرفة كواكب ترشدهم إلى العلم بفصول السنة وأزمنتها رصدوا كواكب وامتحنوها ولم يستعملوا صور البروج على حقيقتها لأنهم قسموا فلك الكواكب علىمقدار الأيام التي يقطعه القمر فيها وهي ثمانية وعشرون يوما وطلبوا في كل قسم منها علامة تكون أبعاد ما بينها وبين العلامة الأخرى مقدار مسير القمر في يوم وليلة وسموها منزلة إلى أن تحقق لهم ثمانية وعشرون على ما تقدم ذكره في الكلام على طلوعها بالفجر لأن القمر إذا سار سيره الوسط انتهى في اليوم التاسع والعشرين إلى المحاق الذي بدأ منه فحذفت

المتكرر فبقي ثمانية وعشرون ويزاد بالشرطين لأن كواكبه من جملة كواكب الحمل الذي هو أول البروج
ثم هذه المنازل على قسمين شمالي وجنوبي كما في البروج وكل قسم منها أربع عشرة منزلة
فالشمالي منها ما كان طلوعه من ناحية الشام وتسمى الشامية وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال التي هي رأس الحمل والميزان صاعدا إلى جهة الشمال وهي الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والخرتان والصرفة والعواء والسماك وبطلوعها يطول الليل ويقصر النهار
والجنوبي منها ما كان طلوعه من ناحية اليمن وتسمى اليمانية وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال المذكور هابطا إلى جهة الجنوب وهي الغفر والزبانان والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرغ المقدم والفرغ المؤخر وبطن الحوت وبطلوعها يقصر الليل ويطول النهار
ثم المنزلة عند المحققين قطعة من الفلك مقدارها ربع سبع الدور وهو جزء من ثمانية وعشرين جزءا من الفلك عبارة عن . . . . . . . . . . . . لا عن الكواكب وإنما الكواكب حدود تفرق بين كل منزلة وأخرى فعدل بالتسمية إليها وغلبت عليها
ونزول القمر في هذه المنازل على ثلاثة أحوال إما في المنزلة نفسها وإما فيما بينها وبين التي تليها وإما محاذيا لها خارجا عن السمت شمالا أو جنوبا
وقد تقدم الكلام على عدول القمر عن بعض المنازل ونزوله في غيرها
ولتعلم أن المنازل مقسومة على البروج الأثني عشر موزعة عليها فالشرطان والبطين وثلث الثريا للحمل وثلثا الثريا والدبران وثلثا الهقعة للثور

وثلث الهقعة والهنعة والذراع للجوزاء والنثرة والطرف وثلث الجبهة للشرطان وثلثا الجبهة والخرتان وثلثا الصرفة للأسد وثلث الصرفة والعواء والسماك للسنبلة والغفر والزبانان وثلث الإكليل للميزان وثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة للعقرب وثلث الشولة والنعائم والبلدة للقوس وسعد الذابح بلع وثلث سعد السعود للجدي وثلث الفرغ المقدم والفرغ المؤخر وبطن الحوت للحوت
إذا علمت ذلك فإذا أردت أن تعرف القمر في أي منزلة هو أو كم مضى له فيها من الأيام فخذ ما مضى من سنة القبط شهورا كانت أو أياما أو شهورا وأياما وابسطها أياما وأضف إلى ما حصل من ذلك يومين ثم اطرح المجموع ثلاثة عشر ثلاثة عشر وهو عدد لبث القمر في كل منزلة من الأيام واجعل أول كل منزلة من العدد الخرتان فما بقي من الأيام دون الثلاثة عشر فهو عدد ما مضى من المنزلة التي انتهى العدد إليها
مثال ذلك أن يمضي من سنة القبط شهر توت وأربعة أيام من بابه فتبسطها أياما تكون أربعة وثلاثين يوما فتضيف إليها يومين تصير ستة وثلاثين يوما فاطرح منها ثلاثة عشر مرتين بستة وعشرين للخرتان منها ثلاثة عشر وللصرفة ثلاثة عشر تبقى عشرة وهي ما مضى من المنزلة الثالثة وهي العواء
وإن أردت أن تعرف في أي برج هو فاحسب كم مضى من الشهر العربي يوما وزد عليه مثله ثم زد على الجملة خمسة وأعط لكل برج خمسة وأبدا من البرج الذي الشمس الذي فيه الشمس فأعط لكل برج خمسة فأينما نفد حسابك فالقمر في ذلك البرج والاعتماد في ذلك على كم مضى من الشهر العربي بالحساب دون الرؤية والله أعلم

الجملة الثانية في أسمائها وفيها روايتان
الرواية الأولى ما نطقت به العرب المستعربة وجرى عليه الاستعمال إلى الآن وقد نطق القرآن الكريم بصدقها قال تعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ) والمراد شهور العرب الذين نزل القرآن بلغتهم ومدارها الأهلة سواء جاء الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين
الشهر الأول منها المحرم سمي بذلك لأنهم كانوا يحرمون فيه القتال ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم
الشهر الثاني صفر سمي بذلك لأنهم كانوا يغيرون فيه على بلاد يقال لها الصفرية ويجمع على صفرات وأصفار وصفور وصفار
الشهر الثالث ربيع الأول سمي بذلك لأنهم يحصلون فيه ما أصابوه في صفر والربيع في اللغة الخصب وقيل لارتباعهم فيه قال النحاس والأول أولى بالصواب ويقال في التثنية ربيعان الأولان وفي الجمع ربيعات الأولات ومن شرط فيه إضافة شهر قال في التثنية شهرا ربيع الأولان وفي الجمع شهرات ربيع الأولات والأوائل وإن شئت قلت في القليل أشهر وفي الكثير شهور وحكي عن قطرب الأربعة الأوائل وعن غيره ربع الأوائل
الشهر الرابع ربيع الآخر والكلام في تسميته وتثنيته وجمعه كالكلام في ربيع الأول
الشهر الخامس جمادى الأولى سمي بذلك لجمود الماء فيه لأن الوقت الذي سمي فيه بذلك كان الماء فيه جامدا لشدة البرد ويقال في التثنية جماديان الأوليان وفي الجمع جماديات الأوليات
الشهر السادس جمادى الآخرة والكلام فيه

تسمية وتثنية وجمعا كالكلام في جمادى الأولى
الشهر السابع رجب سمي بذلك لتعظيمهم له أخذا من الترجيب وهو التعظيم ويجمع على رجبات وأرجاب وفي الكثرة على رجاب ورجوب
الشهر الثامن شعبان سمي بذلك لتشعبهم فيه لكثرة الغارات عقب رجب وقيل لتشعب العود في الوقت الذي سمي فيه
وقيل لأنه شعب بين شهري رجب ورمضان ويجمع على شعبانات وشعابة على حذف الزوائد وحكى الكوفيون شعابين قال النحاس وذلك خطأ على قول سيبويه كما لا يجوز عنده في جمع عثمان عثامين
الشهر التاسع رمضان سمي بذلك أخذا من الرمضاء لأنه وافق وقت تسميته زمن الحر ويجمع على رمضانات وحكى الكوفيون رماضين والقول فيه كالقول في شعابين ومن شرط فيه لفظ شهر قال في التثنية شهرا رمضان وفي الجمع شهرات رمضان وأشهر رمضان وشهور رمضان
الشهر العاشر شوال سمي بذلك أخذا من شالت الإبل بأذنابها إذا حملت لكونه أول شهور الحج وقيل من شال يشول إذا ارتفع ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه من معنى الإشالة والرفع إلى أن جاء الإسلام بهدم ذلك قالت عائشة رضي الله عنها فيما ثبت في صحيح مسلم تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال فأي نسائه كان أحظى عنده مني ويجمع على شوالات وشواويل وشواول
الشهر الحادي عشر ذو القعدة ويقال بالفتح والكسر سمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه من الأشهر الحرم ويجمع على ذوات القعدة وحكى الكوفيون أولات القعدة وربما قالوا في الجمع ذات القعدة أيضا
الشهر الثاني عشر ذو الحجة سمي بذلك لأن الحج فيه والكلام في جمعه كالكلام في ذي القعدة
ثم من الأشهر

المذكورة أربعة أشهر حرم كما قال تعالى ( منها أربعة حرم ) وقد أجمعت العلماء على أن الأربعة المذكورة هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم
وقد اختلف في الابتداء بعددها فذهب أهل المدينة إلى أنه يبتدأ بذي القعدة فيقال ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ويحتجون على ذلك بأن النبي عدها في خطبة حجة الوداع كذلك فقال السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واختاره أبو جعفر النحاس
وذهب أهل الكوفة إلى أنه يبتدأ بالمحرم فيقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة ليأتوا بها من سنة واحدة وإليه ميل الكتاب
قال النحاس ولا حجة لهم فيه لأنه إذا علم أن المقصود ذكرها في كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين
وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم عليه من الضلال والكفر يعظمون هذه الأشهر ويحرمون القتال فيها حتى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه إلى أن حدث فيهم النسيء فكانوا ينسئون المحرم فيؤخرونه إلى صفر فيحرمونه مكانه وينسئون رجبا فيؤخرونه إلى شعبان فيحرمونه مكانه ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم
واعلم أنه يجوز أن يضاف لفظ شهر إلى جميع الأشهر فيقال شهر المحرم وشهر صفر وشهر ربيع الأول وكذا في البواقي على أن منها ثلاثة أشهر لم تكد العرب تنطق بها إلا مضافة إليها وهي شهرا ربيع وشهر رمضان ويؤيد ذلك في رمضان ما ورد به القرآن من إضافته قال تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) وقد روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال لا تقل رمضان

ولكن قل كما قال الله عز و جل شهر رمضان فإنك لا تدري ما رمضان وعن عطاء نحوه وأنه قال لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى لكن قد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال إذا جاء رمضان أغلقت النيران وصفدت الشياطين الحديث
وهذا صريح في جواز تعريته عن الإضافة
وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب أصحها أنه يجوز تعريته عن لفظ شهر مطلقا سواء قامت قرينة أم لا فيقال جاء رمضان وصمت رمضان وما أشبه ذلك وهو ما رجحه النووي في شرح مسلم والثاني المنع مطلقا والثالث إن حفت قرينة تدل على الشهر كما في قوله صمت رمضان فقد جازت التعرية وإن لم تحف قرينة لم تجز وزاد بعضهم فيما يضاف إليه لفظ شهر رجب أيضا وقال كل شهر في أوله حرف راء فلا يقال إلا بالإضافة
ويقال في المحرم أيضا شهر الله المحرم ويقال في الربعين ربيع الأول وربيع الآخر وفي الجماديين جمادى الأولى وجمادى الآخرة قال ابن مكي ولا يقال جمادى الأول بالتذكير وجوزه في كلامه على تثقيف اللسان
قال النحاس وإنما قالوا ربيع الآخر وجمادى الآخرة ولم يقولوا ربيع الثاني وجمادى الثانية كما قالوا السنة الأولى والسنة الثانية لأنه إنما يقال الثاني والثانية لما له ثالث وثالثة ولما لم يكن لهذين ثالث ولا ثالثة قيل فيهما الآخر والآخرة كما قيل الدنيا والآخرة على أن أكثر استعمال أهل الغرب على ربيع الثاني وجمادى الثانية
ويقال في رجب الفرد لانفراده عن بقية الأشهر الحرم ويقال

فيه أيضا رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ويقال في شعبان المكرم لتكرمته وعلو قدره وفي رمضان المعظم والمعظم قدره لعظمته وشرفه وفي شوال المبارك للفرق بينه وبين شعبان خشية الالتباس في الكتابة ويقال في كل من ذي القعدة وذي الحجة الحرام
قال النحاس وقد جاء في ذي الحجة أيضا الأصم وروى فيه حديثا بسنده من رواية مرة الهمداني عن رجل من أصحاب رسول الله قال قام فينا رسول الله خطيبا على ناقة حمراء مخضرمة فقال أتدرون أي يوم يومكم هذا قلنا يوم النحر قال صدقتم يوم الحج الأكبر أتدرون أي شهر شهركم هذا قلنا ذو الحجة قال صدقتم شهر الله الأصم
الرواية الثانية ما روي عن العرب العاربة وهو أنهم كانوا يقولون في المحرم المؤتمر أخذا من أمر القوم إذا كثروا بمعنى أنهم يحرمون فيه القتال فيكثرون
وقيل أخذا من الائتمار بمعنى أنه يؤمر فيه بترك الحرب ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير
ويقولون في صفر ناجر إما من النجر والنجار بفتح النون وكسرها الأصل بمعنى أنه أصل للحرب لأنه يبتدأ فيه بعد المحرم وإما من النجر وهو السوق الشديد
لشدة سوقهم الخيل إلى الحرب فيه وإما من النجر وهو شدة الحر لشدة حرارة الحرب فيه ويجمع على نواجر
ويقولون في شهر ربيع الأول خوان بالخاء المعجمة لأن الحرب تشتد فيه فتخونهم فتنقصهم ويجمع على خوانات وخواوين وخواون
ويقولون في ربيع الآخر وبصان أخذا من الوبيص وهو البريق لبريق الحديد فيه ويجمع على وبصانات وحكى قطرب فيه بصان فيجمع على أبصنة وفي الكثرة بصنان
ويقولون لجمادى الأولى حنين لأنهم يحنون فيه إلى أوطانهم لكونه كان يقع في

زمن الربيع ويجمع على أحنة وحنن كرغيف ورغف
ويقولون لجمادى الآخرة ربى وربة لأنه يجتمع به لجماعة من الشهور التي ليست بحرم وهي ما بعد صفر
قال أبو عبيد ربان كل شيء جماعته ويجمع على ربيات وربايا مثل حبالى
ومن قال ربة جمعه على مآريب
ويقولون في رجب الأصم لما تقدم من أنه لا يسمع صوت السلاح ولا الاستغاثات فيه ويجمع على أصام
قال النحاس ولا تقل صم لأنه ليس بنعت كما أنك لو سميت رجلا أحمر جمعته على أحامر ولم تجمعه على حمر
ويقولون في شعبان عادل بمعنى أنهم يعدلون فيه عن الإقامة لتشعبهم في القبائل ويجمع علىعوادل
ويقولون في رمضان ناتق لكثرة المال عندهم فيه لإغارتهم على الأموال في الذي قبله ويجمع على نواتق
ويقولون في شوال وعل أخذا من قولهم وعل إلى كذا إذا لجأ إليه لأنهم يهربون فيه من الغارات لأن بعده الأشهر الحرم فيلجأون فيه إلى أمكنة يتحصنون فيها ويجمع على أوعال ككتف وأكتاف وفي الكثرة وعول
ويقولون في ذي القعدة ورنة والواو فيه منقلبة عن همزة أخذا من أرن إذا تحرك لأنه الوقت الذي يتحركون فيه إلى الحج أو من الأرون وهو الدنو لقربه من الحج ويجمع على ورنات ووران كجفان
ويقولون في ذي الحجة برك غير مصروف لأنه معدول عن بارك أو على التكثير كما يقال رجل حكم وهو مأخوذ من البركة لأن الحج فيه أو من برك الجمل لأنه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم ويجمع على بركان مثل نغر ونغران
وفي هذه الأسماء خلاف عند أهل اللغة والمشهور ما تقدم ذكره
وقد نظم بعضهم ذلك في أبيات على الترتيب فقال
( بمؤتمر وناجر ابتدأنا ... وبالخوان يتبعه البصان )

( وربى ثم أيدة تليه ... تعود أصم صم به السنان )
( وعادلة وناطلة جميعا ... وواغلة فهم غرر حسان )
( وورنة بعدها برك فتمت ... شهور الحول يعربها البيان )
ثم للناس في إخراج أول الشهر العربي طرق أسهلها أن تعرف أول يوم من المحرم ثم تعد كم مضى من السنة من الشهور بالشهر الذي تريد أن تعرف أوله وتقسمها نصفين فإن كان النصف صحيحا أضفت على الجملة مثل نصفه وإن كان مكسورا كملته وأضفته على الجملة ثم تبتدىء من أول يوم من السنة وتعد منه أياما على توالي أسماء الأيام بعدد ما حصل معك من الأصل والمضاف فحيث انتهى عددك فلذلك اليوم هو أول الشهر
مثال ذلك في الصحيح النصف إن أردت أن تعرف أول يوم من شعبان وكان أول المحرم يوم الأحد مثلا فتعد من أول المحرم إلى شعبان وتدخل شعبان في العدد فيكون ثمانية أشهر فتقسمها نصفين يكون نصفها أربعة فتضيف الأربعة إلى الثمانية تكون اثني عشر ثم تبتديء من يوم الأحد الذي هو أول المحرم فتعد الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت ثم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس فيكون انتهاء الاثني عشر في يوم الخميس فيكون أول شعبان يوم الخميس
ومثاله في المكسور النصف إذا أردت أن تعرف أول رمضان أيضا وكان أول المحرم الأحد كما تقدم فتعد ما مضى من شهور السنة وتعد منها رمضان يكون تسعة أشهر فتقسمها نصفين يكون نصفها أربعة ونصفا فتكملها بنصف تصير خمسة فتضيفها إلى الأصل المحفوظ وهو تسعة يكون المجموع أربعة عشر ثم تبتديء عدد الأيام من أول المحرم وهو الأحد كما تقدم فيكون انتهاء الرابع عشر

في يوم السبت فيكون أول رمضان يوم السبت
ومن الطرق المعتبرة في ذلك أن تنظر في الثالث من أيام النسيء من شهور القبط كم يوما مضى من الشهر العربي فما كان جعلته أصلا لتلك السنة فإذا أردت أن تعرف أول شهر من الشهور العربية أو كم مضى من الشهر الذي أنت فيه فخذ الأصل المحفوظ معك لتلك السنة وانظر كم مضى من السنة القبطية شهرا فخذ لكل شهرين يوما فإن انكسرت الأشهر وجاءت فردا فاجبرها بيوم زيادة حتى تصير زوجا وزد على ذلك يومين أصلا أبدا ثم انظر كم يوما مضى من الشهر القبطي الذي أنت فيه فأضفه على ما اجتمع معك وأسقط ذلك ثلاثين ثلاثين فما بقي فهو عدد ما مضى من الشهر العربي ومنه يعرف أوله
ومثال ذلك نظرت في الثالث من أيام النسيء فوجدت الماضي من الشهر العربي ثلاثة ايام فكانت أصلا لتلك السنة ثم نظرت في الشهور القبطية فوجدت الشهر الذي أنت فيه أمشير مثلا فتعد من أول شهور السنة القبطية وهو توت إلى أمشير يكون ستة أشهر فتأخذ لكل شهرين يوما تكون ثلاثة أيام فتضيفها على الأصل الذي معك من أيام النسيء وهو ثلاثة تصير ستة فزد عليها اثنين يصير المجموع ثمانية ثم تنظر في الشهر القبطي الذي أنت فيه وهو أمشير تجده قد مضى منه يومان فتضيفهما على المجموع يكون عشرة وهو الماضي من الشهر العربي الذي أنت فيه ومنه يعرف أوله

الضرب الثاني شهود اليهود
والشهر عندهم من الاجتماع إلى الاجتماع وهو اقتران الشمس والقمر في آخر الشهر ولذلك توافق شهورهم في التقدير شهور العرب ولا تخالف أوائلها إلا بيوم واحد في بعض الأحيان لأسباب في ملتهم ولكنها لا تطابق شهرا لشهر فإن شهور العرب غير مكبوسة وشهور اليهود مكبوسة وهذه الطريقة لا تعرف إلا بتقويم الكواكب ومعرفة سير الشمس والقمر ولذلك لا يعرف شهور اليهود منهم

إلا الآحاد وشهورهم وهي اثنا عشر شهرا بعضها ثلاثون وبعضها تسعة وعشرون على ما يقتضيه مسير الشمس والقمر وفي السنة الكبيسة تكون شهورهم ثلاثة عشر شهرا كما سيأتي وشهورهم توافق شهور السريان في بعض أسمائها دون بعض الأول تشرى الشهر الثاني مرحشوان الشهر الشهر الثالث كسلا الشهر الرابع طابات الشهر الخامس شباط الشهر السادس آذار الشهر السابع نيسان الشهر الثامن أيار الشهر التاسع سيوان الشهر العاشر تموز الشهر الحادي عشر آب الشهر الثاني عشر أيلول وفي السنة التي يكسبون فيها بعد كل سنة أو بعد كل سنتين على ما سيأتي بيانه يكسبون شهرا كاملا بعد آذار وهو الشره السادس من شهورهم ويسمونه آذار الثاني وسيأتي ذلك مفصلا في الكلام على السنين إن شاء الله تعالى
وقد تقدم أنها توافق شهور العرب إلا في القليل إلا أنها يدخلها الكبس لأمور في ملتهم وسيأتي الكلام على كبسهم عند ذكر السنين إن شاء الله تعالى

القسم الثاني من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي
وهي مدة قطع الشمس مدار برج من بروج الفلك الاثني عشر وذلك ثلاثون يوما وثلاثة عشر يوما تقريبا وعليه عمل القبط والفرس والسريان والروم
وهي على صنفين

الصنف الأول ما يكون كل شهر من شهور السنة ثلاثين يوما وما فضل عن ذلك
جعل نسيئا بين الشهور وهو الشهور القبط والفرس
فأما شهور القبط وتنسب لدقلطيانوس الملك فكل شهر منها ثلاثون يوما وأيام النسيء في آخر الثاني عشر منها وهي خمسة أيام
الشهر الأول منها توت ودخوله في العشرين من آب من شهور السريان وآخره السادس والعشرين من أيلول منها فيه يدرك الرطب ويكثر السفرجل والعنب الشتوي وتبتديء المحمضات
وأول يوم منه يوم النيروز وهو رأس سنة القبط وفي سابعه يبتديء لقط الزيتون وفي سابع عشره عيد الصليب فيه تفتح أكثر الترع بمصر وفي ثامن عشره أول فصل الخريف وفي تاسع عشره يبتديء هيجان السوداء في البدن وفي العشرين منه يفصد البلسان وفي الحادي والعشرين منه بتدىء بيض النعام وفي الرابع والعشرين منه أول دي ماه من شهور الفرس وفي الثامن والعشرين منه يذهب منه يذهب الحر وفي التاسع والعشرين منه أول رعي الكراكي وفي الثلاثين منه وهو آخره يزرع الهليون
الشهر الثاني بابه ودخوله في السابع والعشرين من أيلول من شهور السريان وآخره السادس والعشرون من تشرين الأول منها فيه يبذر كل ما لا تشق له الأرض كالبرسيم وغيره وفي آخره تشق الأرض بالصعيد وفيه يحصد الأرز ويطيب الرمان وتضع الضأن والمعز والبقر الخيسية ويستخرج دهن الآس واللينوفر ويدرك الثمر والزبيب وبعض المحمضات وفي ثالثه رأس سنة السريان وفي رابعه أول تشرين الأول من شهورهم وفي خامسه عرس النيل وفي سادسه يطيب شرب الدواء وفي سابعه نهاية زيادة النيل وفي ثامنه يكره

خروج الدم وفي حادي عشره يبتديء النيل في النقص وفي ثالث عشره بداية الوخم وفي رابع عشره يكثر الناموس وفي خامس عشره يبتديء زرع القرط وفي سادس عشرة تبتديء كثرة السعال وفي تاسع عشره يبتديء زرع السلجم وفي الثاني والعشرين منه يبتديء صلاح المواشي وفي الثالث والعشرين منه تبتديء كثرة الغيوم وفي الرابع والعشرين منه تبتديء أهل مصر الزرع وفي السابع والعشرين منه يبتديء سمن الحيتان وفي الثامن والعشرين منه أول المد وفي التاسع والعشرين منه أول الليالي البلق
الشهر الثالث هتور ودخوله في السابع والعشرين من تشرين الأول وآخره الخامس والعشرون من تشرين الثاني
فيه يزرع القمح ويطلع البنفسج والمنثور وأكثر البقول ويجمع ما بقي من الباذنجان وما يجري مجراه ويحمل العنب من قوص وفي ثانيه يبتديء حصاد الأرز وفي خامسه أول تشرين الثاني من شهور السريان وفيه يبتديء برد المياه وفي سادسه أول المطر الوسمي وفي سابعه يبتديء أهل الشام الزرع وفي ثامنه يبتديء هبوب الرياح الجنوبية وفي تاسعه يبتديء زرع الخشخاش وفي حادي عشره يبتدىء اختفاء الهوام وفي ثالث عشره يبتديء غليان البحر وفي رابع عشره تعمى الحيات وفي سادس عشره يجمع الزعفران وفي ثامن عشره تكثر الوحوش وفي الثامن والعشرين منه يغلق البحر الملح وتمتنع السفن من السفر فيه لشدة الرياح وفي الثالث والعشرين منه تبتديء سخونة بطن الأرض وفي الرابع والعشرين منه أول اسفيدارماه من شهور الفرس
الشهر الرابع كيهك ودخلوه في السادس والعشرين من تشرين الثاني من شهور السريان وآخره الخامس والعشرون من كانون الأول منها فيه تدرك

الباقلاء وتزرع الحلبة وأكثر الحبوب ويدرك النرجس والبنفسج وتتلاحق المحمضات وفي أوله ابتداء أربعينيات مصر وفي ثالثه يبتديء موت الذباب وفي خامسه أول كانون الأول من شهور السريان وفي سابعه آخر الليالي البلق وأول الليالي السود وفي حادي عشره يبتديء الشجر في رمي أوراقه وفي ثاني عشره تظهر البراغيث وفي سابع عشره أول فصل الشتاء وهو أول أربعينيات الشام وفي ثامن عشره يتنفس النهار وفي الحادي والعشرين منه يكثر الطير الغريب بمصر وفي الثالث والعشرين منه أول مردوماه من شهور الفرس وهو نوروزهم وأول سنتهم وفي الخامس والعشرين منه يهيج البلغم وفي السادس والعشرين منه تلقح الإبل وفي السابع والعشرين منه يكثر شرب الماء في الليل وفي الثلاثين منه يبتديء تقليم الكروم
الشهر الخامس طوبه ودخوله في السادس والعشرين من كانون الأول من شهور السريان وآخره الرابع والعشرين من كانون الثاني منها في زرع القمح فيه تغرير وفيه تشق للقصب والقلقاس ويتكامل النرجس وفي أوله تبيت الرياح الشديدة وفي ثانيه يدرك القرط وفي سادسه أول كانون الثاني من شهور السريان وفي عاشره آخر أربعينيات مصر وفي حادي عشره أول نصب الكروم وفي ثاني عشره يشتد البرد وفي ثالث عشره يبتديء زرع المقات وفي

سابع عشره يبتديء غرس الأشجار وفي ثامن عشره تبتديء كثرة الندى وهو آخر الليالي السود وفي تاسع عشره يبتديء وقوع الثلج بالشام وغيره وفي الرابع والعشرين منه يبتديء صفو ماء النيل وفي التاسع والعشرين منه يبتديء اختلاف الرياح
الشهر السادس أمشير ودخوله في الخامس والعشرين من كانون الثاني من شهور السريان وآخره الثالث والعشرون من شباط منها
فيه تغرس الأشجار وتقلم الكروم ويدرك النبق واللوز الأخضر ويكثر البنفسج والمنثور وفي رابعه يبتديء إفراخ النخل وفي سادسه أول شباط من شهور السريان وفي حادي عشره يبتديء إنتاج الطيور وزرع بقول الصيف وفي ثاني عشره يبتديء تحرك دواب البحر وفي الثاني والعشرين منه ثاني جمرة فاترة ويبتديء مرض الأطفال ويبتديء خروج ورق الشجر وفي الثالث والعشرين منه يبتديء خروج الدواب للمرعى وفي الرابع والعشرين منه أول حردادماه من شهور الفرس وفي الخامس والعشرين منه يبتديء هيجان الرياح وفي السابع والعشرين منه تبتديء ثالث جمرة حامية وفي الثامن والعشرين منه أول المفرطات وفي التاسع والعشرين منه آخر نهي أبقراط
الشهر السابع برمهات ودخوله في الرابع والعشرين من شباط من شهور السريان وآخره الخامس والعشرين من آذار
فيه تزهر الأشجار ويعقد أكثر الثمار ويزرع أوائل السمسم ويقلع الكتان ويدرك الفول والعدس وفي ثانيه يحمد خروج الدم وهو أول الأعجاز وفي ثالث عشره تفتح الحيات أعينها

وفي خامس عشره تطيب الألبان وفي سادس عشره يبتديء خروج دود القز وفي ثامن عشره يهيج الدم وفي تاسع عشره ظهور الهوام وفي العشرين منه يزرع السمسم وفي الرابع والعشرين منه أول تيرماه من شهور الفرس وفي السادس والعشرين منه يبتديء شرب المسهل وفي السابع والعشرين منه خروج الذباب الأزرق
الشهر الثامن برموده ودخوله في السادس والعشرين من آذار من شهور السريان وآخره الرابع والعشرون من نيسان منها فيه تقطف أوائل عسل النحل وفيه تكثر الباقلاء وينفض جوز الكتان ويكثر الورد الأحمر والبطن الأول من الجميز ويقلع بعض الشعير ويدرك الخيار شنبر
وفي أوله يؤكل الفريك وفي رابعه يعصر بعض دهن البلسان وفي خامسه تبتديء كثرة الزهر وفي سادسه أول نيسان من شهور السريان وفي ثاني عشره يخاف على بعض الزرع وفي ثامن عشره آخر قلع الكتان وفي العشرين منه ينهى عن أكل البقول وفي الثاني والعشرين منه ظهور الكمأة وفي الثالث والعشرين منه الختام الكبير للزرع وفي الرابع والعشرين منه أول ترماده من شهور الفرس وفي الخامس والعشرين منه نهاية مد الفرات وفي الثامن والعشرين منه يبيض النعام
الشهر التاسع بشنس ودخوله في الخامس والعشرين من نيسان من شهور السريان وآخره التاسع والعشرين من أيار منها
فيه يكثر التفاح القاسمي ويبتديء التفاح المسكي والبطيخ العبدلي والحوفي والمشمش والخوخ الزهري والورد الأبيض
وفي نصفه يبذر الأرز ويحصد القمح وفي سادسه

أول أيار من شهور السريان وفي رابع عشره يجمع الخشخاش وفي ثامن عشره يجمع العصفر وفي الحادي والعشرين منه يبتديء برودة الأرض وفي الرابع والعشرين منه أول شهر برماه من شهور الفرس
الشهر العاشر بؤنه ودخوله في الخامس والعشرين من أيار من شهور السريان وآخره الثالث والعشرون من حزيران منها فيه يكثر الحصرم ويطيب بعض العنب والتين البوني وهو الديفور والخوخ الزهري والمشعر والكمثري البوهي والقراصيا والتوت ويطلع البلح ويقطف جمهور العسل وفي ثالثه يبتديء توحم النيل وفي سادسه يكمل الدرياق وفي سابعه أول حزيران من شهور السريان وفي تاسعه يبتديء مهب الريح الشمالية وفي عاشره يبتديء تنفس النيل وفي خامس عشره تتحرك شهوة الجماع وفي ثاني عشره عيد ميكائيل في ليلته يوزن من الطين زنة ستة عشر درهما عند غروب الشمس ويرفع في مكان ويوزن عند طلوع الشمس فما زاد كان بكل خروبة زادت على الستة عشر ذراع وفي ثالث عشره يبتديء نقص الفرات وفي رابع عشره تهب الرياح السمائم وفي تاسع عشره تذهب البراغيث وفي العشرين منه تهيج الصفراء وفي الثاني والعشرين منه يعقد الجوز ويقوى اندفاع النيل وفي الرابع والعشرين منه يثور وجع العين وهو أول مهرماه من شهور الفرس وفي السابع والعشرين منه يؤخذ قاع النيل وفي الثامن والعشرين منه ينادى عليه وفي التاسع والعشرين منه يدرك البطيخ
الشهر الحادي عشر أبيب ودخوله في الرابع والعشرين من حزيران من

شهور السريان وآخره الثالث والعشرون من تموز منها فيه يكثر العنب والتين ويقل البطيخ العبدلي ويطيب البلح وتقطف بقايا العسل وتقوى زيادة النيل وهي رابعه أول نهي أبقراط وفيه يموت الجراد وفي سابعه أول تموز من شهور السريان وفي عاشره يبتديء وقع الطاعون وفي ثاني عشره تبتديء قوة السمائم وفي ثالث عشره تدرك الفاكهة وفي سابع عشره تغور العيون وفي ثامن عشره يجمع السماق وفي الثاني والعشرين منه يدرك الفستق وفي الرابع ولاعشرون منه أول أبان ماه من شهور الفرس وفي السادس والعشرين منه طلوع الشعرى اليمانية وفي التاسع والعشرين منه يدرك نخل الحجاز
الشهر الثاني عشر مسرى ودخوله في الرابع والعشرين من تموز من شهور السريان وآخره السابع والعشرون نم آب منها فيه يعمل الخل ويدرك البسر والموز وتتغير طعوم الفاكهة لغلبة الماء على الأرض ويدرك الليمون التفاحي ويبتديء إدراك الرمان وفي رابعه نقصان الدجلة وفي خامسه أول العصير وفي ثامنه أول آب من شهور السريان وفي ثاني عشره فصال المواشي وفي رابع عشره تقل الألبان وفي خامس عشره تسخن المياه وفي سابع عشره تختلف الرياح وفي ثامن عشره يحذر لسع الهوام وفي الثاني والعشرين منه آخر العصير وفي الرابع والعشرين منه يهيج النعام وفي الخامس والعشرين منه تكثر الغيوم وفي الثامن والشعرين منه آخر السمائم وفي التاسع والعشرين منه أول آذرماه من شهور الفرس
أيام النسيء ودخولها في الثامن والعشرين من آب من شهور السريان ويختلف آخرها باختلاف السنة الكبيسة وغيرها
وقد وضع الناس طرقا لإخراج أول الشهر القبطي بالحساب أقربها أن تعرف

يوم النيروز ثم تعد ما مضى من الشهور القبطية بالشهر الذي تريد أن تعرف أوله فما كان فأضعفه فما تحصل فأسقط منه واحدا أبدا ثم أسقط الباقي سبعة سبعة فما فضل فعد من يوم النيروز إلى آخر الباقي بعد الإسقاط على توالي الأيام فأينما انتهى العدد فذلك اليوم هو أول الشهر المطلوب
مثال ذلك كان يوم النيروز الأحد وأردنا أن نعرف أول أمشير عددنا كم مضى من أول الشهور القبطية وعددنا منها أمشير وجدنا ذلك ستة أضعفناها صارت آثني عشر أسقطنا منها واحدا بقي أحد عشر أسقطنا منها سبعة بقي أربعة عددنا من يوم النيروز وهو الأحد أربعة فكان آخرهم يوم الأربعاء فعلمنا أن أول أمشير الأربعاء
وأما شهور الفرس فهي اثنا عشر شهرا كل شهر منها ثلاثون يوما وأيام النسيء خمسة أيام في آخر الشهر الثامن منها وهو أبان ماه
الشهر الأول منها افرودين ماه ودخوله في الرابع والعشرين من كيهك من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من طوبه منها وأول يوم منه نيروز الفرس ورأس سنتهم
الشهر الثاني ارديهشتماه ودخوله في الرابع والعشرين من طوبه من شهور القبط وآخره القثالث والعشرون من أمشير منها
الشهر الثالث حردادماه ودخوله في الرابع والعشرين من أمشير من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من برمهات منها
الشهر الرابع تيرماه ودخوله في الرابع والعشرين من برمهات من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من برموده منها
الشهر الخامس ترماده ودخوله في الرابع والعشرين من برموده من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من بشنس منها
الشهر السادس شهر برماه ودخوله في الرابع والعشرين من بشنس من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من بؤنه منها
الشهر السابع مهرماه ودخوله في الرابع والعشرين من بؤنه من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من أبيب منها
الثامن أبان ماه ودخوله في الرابع والعشرين من أبيب من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من مسرى منها أيام النسيء وتسمى بالفارسية الاندركاه ودخولها في الرابع والعشرين من مسرى وآخرها الثامن والعشرون منها

الشهر التاسع ادرماه ودخوله في التاسع والعشرين من مسرى من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من توت
الشهر العاشر دي ماه ودخوله في الرابع والعشرين من توت من شهورالقبط وآخره الثالث والعشرون من بابه منها
الشهر الحادي عشر بهمن ماه ودخوله في الرابع والعشرين من بابه من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من هاتور منها
الشهر الثاني عشر اسفندارماه ودخوله في الرابع والعشرون من هاتور من شهور القبط وآخره الثالث والعشرون من كيهك منها
ولكل يوم من أيام الشهر عندهم اسم خاص يزعمون أنه اسم ملك من الملائكة موكل به
وقد علم مما تقدم من شهور القبط ما يقع في هذه الشهور من . . . والفواكه وغيرها
الصنف الثاني من الشهور الاصطلاحية ما يختلف عدده بالزيادة والنقصان فيكون بعض الشهور فيه ثلاثين وبعضها أقل وبعضها أكثر وهو شهور السريان والروم
فأما شهور السريان وتنسب للإسكندر فاثنا عشر شهرا منها أربعة كل

شهر منها ثلاثون يوما وشهر واحد ناقص عن الثلاثين وسبعة زائدة عليها
الشهر الأول منها تشرين الأول وهو أحد وثلاثون يوما ودخوله في الرابع من بابه من شهور القبط وآخره الرابع من هاتور منها ويوافقه أكتوبر من شهور الروم وهو الشهر العاشر منها
الشهر الثاني تشرين الثاني وهو ثلاثون يوما ودخوله في الخامس من هاتور من شهور القبط وآخره الرابع من كيهك منها ويوافقه نوفمبر من شهور الروم وهو الشهر الحادي عشر منها
الشهر الثالث كانون الأول وهو أحد وثلاثون يوما ودخوله في الخامس من كيهك من شهور القبط وآخره الخامس من طوبه منها ويوافقه دجنبر من شهور الروم وهو الشهر الثاني عشر منها
الشهر الرابع كانون الثاني وهو أحد وثلاثون يوما ودخوله في السادس من طوبه من شهور القبط وآخره السادس من أمشير منها ويوافقه ينير من شهور الروم وهو الشهر الأول منها
الشهر الخامس أشباط ويقال شباط وهو ثمانية وعشرون يوما ودخوله في السابع من أمشير وآخره الرابع من برمهات ويوافقه فبراير من شهور الروم وهو الثاني من شهورهم
الشهر السادس آذار وهو أحد وثلاثون يوما ودخوله فيا لخامس من برمهات من شهور القبط وآخره الخامس من برموده منها ويوافقه مارس من شهور الروم وهو الثالث من شهورهم
الشهر السابع نيسان وهو ثلاثون يوما ودخوله في السادس من برموده من شهور القبط وآخره الخامس من بشنس منها ويوافقه ابريل من شهور الروم وهو الرابع من شهورهم
الشهر الثامن أيار وهو أحد وثلاثون يوما ودخوله في السادس من بشنس من شهور القبط وآخره السادس من بؤنه منها ويوافقه مايه من شهور الروم وهو الخامس من شهورهم
الشهر التاسع حزيران

وهو ثلاثون يوما ودخوله في السابع من بؤنه من شهور القبط وآخره السادس من أبيب منها ويوافقه يونيه من شهور الروم وهو السادس من شهورهم
الشهر العاشر تموز وهو أحد وثلاثون يوما ودخوله في السابع من أبيب من شهور القبط وآخره السابع من مسرى منها ويوافقه يوليه من شهور الروم وهو السابع من شهورهم
الشهر الحادي عشر آب وهو أحد وثلاثون يوما ودخوله في الثامن من مسرى من شهور القبط وآخره الثالث من توت منها ويوافقه اغشت من شهور الروم وهو الثامن من شهورهم
الشهر الثاني عشر أيلول وهو ثلاثون يوما ودخوله في الرابع من توت من شهور القبط وآخره الثالث من بابه منها ويوافقه ستنبر من شهور الروم وهو التاسع من شهورهم وبذهابه يذهب الحر جملة وفي ذلك يقول أبو نواس
( مضى أيلول وارتفع الحرور ... وأخبت نارها الشعرى العبور )
وقد نظمها صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوري في أبيات ابتدأ فيها بأيلول فقال
( وابدأ بأيلول من السرياني ... تشرين الأول يتبعنه الثاني )
( كانون كانون شباط يطلع ... آذار نيسان أيار يتبع )
( ثم حزيران وتموز وأب ... تبارك الرحمن يهدي من أحب )
وقد نظم الشيخ أبو عبد الله الكيزاني رحمه الله أبياتا ذكر فيها الأشهر التي منها ثلاثون يوما والناقصة عن الثلاثين ولم يتعرض للزائدة على الثلاثين وليست بالطائل وهي هذه
( شهور الروم ألوان ... زيادات ونقصان )
( فتشرينهم الثاني ... وأيلول ونيسان )

( ثلاثون ثلاثون ... سواء وحزيران )
( شباط خص بالنقص ... وقدر النقص يومان )
ونظم صاحب مناهج الفكر تداخلها مع شهور القبط في أرجوزة فجاءت في غاية الحسن والوضوح إلا أن فيها طولا وهي هذه
( متى نشأ معرفة التداخل ... من أول الشهور في المنازل )
( فعد من توت بلا تطويل ... أربعة فهي ابتدا أيلول )
( وبابة كذاك مع تشرين ... الأول السابق في السنين )
( والخامس المعدود من هتور ... أول تشرينهم الأخير )
( أول كانون بغير دلسه ... إذا نقصت من كيهك خمسه )
( وطوبة إن مر منه ستة ... أتاك كانون الأخير بغته )
( ومن شباط أول يوافق ... سابع أمشير حساب صادق )
( أول آذار إذا جعلته ... لبرمهات خامسا وجدته )
( أول نيسان لدى التجريد ... السادس المعدود من برمود )
( ومثله أيار مع بشنس ... واحدة مقرونة بخمس )
( أما حزيران فيحسبونه ... أوله السابع من بؤنه )
( كذلك السابع من أبيب ... أول تموز بلا تكذيب )
( أول آب عند من يحصل ... ثامن مسرى ذاك ما لا يجهل )
وبالغ بعض المتأخرين فنظم معنى هذه الأرجوزة في بيت واحد الحرف الأول من الكلمة منه للشهر السرياني والحرف الأخير للشهر القبطي وما بينهما لعدد الأيام التي إذا مضت من ذلك الشهر القبطي دخل ذلك الشهر السرياني وهو
( أدت تدب تهه كهك كوط أزا ... أهب نوب أوب حزب تزا أحم )
فالألف من أدت إشارة لأيلول من شهور السريان وهو آخر شهورهم

والتاء إشارة لتوت من شهور القبط وهو أول شهورهم والدال من أدت بأربعة ففي الرابع من توت يدخل أيلول والتاء من تدب إشارة لتشرين الأول والباء إشارة لبابه والدال بينهما بأربعة ففي الرابع من بابه يدخل تشرين الأول والتاء من تهه إشارة لتشرين الثاني والهاء الأخيرة إشارة لهتور والهاء المتوسطة بينهما بخمسة ففي الخامس من هاتور يدخل تشرين الثاني والكاف الأولى من كهك إشارة لكانون الأول والكاف الأخيرة إشارة لكيهك والهاء بينهما بخمسة ففي الخامس من كيهك يدخل كانون الأول والكاف من كوط إشارة لكانون الثاني والطاء إشارة لطوبه والواو بينهما بستة ففي السادس من طوبه يدخل كانون الثاني والألف الأولى من أزا إشارة لأشباط والألف الأخيرة إشارة لأمشير والزاي بينهما بسبعة ففي السابع من أمشير يدخل أشباط والألف من أهب إشارة لآذار والباء إشارة لبرمهات والهاء بينهما بخمسة ففي الخامس من برمهات يدخل آذار والنون من نوب إشارة لنيسان والباء إشارة لبرموده والواو بينهما بستة ففي السادس من برموده يدخل نيسان والألف من أوب إشارة لأيار والباء إشارة لبشنس والواو بينهما بستة ففي السادس من بشنس يدخل أيار والحاء من حزب إشارة لحزيران والباء إشارة لبؤنه والزاي بينهما بسبعة ففي السابع من بؤنه يدخل حزيران والتاء من تزأ إشارة لتموز والألف إشارة لأبيب والزاي بينهما بسبعة ففي السابع من أبيب يدخل تموز والألف من أحم إشارة لآب والميم إشارة لمسرى والحاء بينهما بثمانية ففي الثامن من مسرى يدخل آب
وأما شهور الروم وتنسب لأغشطش ملك الروم وهو قيصر الأول فاثنا عشر شهرا بعضها ثلاثون يوما وبعضها زائد على الثلاثين وبعضها ناقص عنها كما في شهور السريان وهي مطابقة لشهور السريان في العدد مخالفة لها في الأسماء والترتيب
الشهر الأول ينير ويوافقه كانون الثاني من شهور السريان وهو الرابع من شهورهم وفي أول يوم منه يكون القلداس ويوقد أهل الشام في

ليلته نيرانا عظيمة لا سيما مدينة أنطاكية وكذلك سائر بلاد الشام وأرض الروم وسائر بلاد النصارى
الشهر الثاني فبرير ويوافقه شباط من شهور السريان وهو الخامس من شهورهم
الشهر الثالث مارس ويوافقه آذار من شهور السريان وهو السادس من شهورهم
الشهر الرابع ابريل ويوافقه نيسان من شهور السريان وهو السابع من شهورهم
الشهر الخامس مايه ويوافقه أيار من شهور السريان وهو الثامن من شهورهم
الشهر السادس يونيه ويوافقه حزيران من شهور السريان وهو التاسع من شهورهم
الشهر السابع يوليه ويوافقه تموز من شهور السريان وهو العاشر من شهورهم
الشهر الثامن أغشت ويوافقه آب من شهور السريان وهو الحادي عشر من شهورهم
الشهر التاسع شتنبر ويوافقه أيلول من شهور السريان وهو الثاني عشر من شهورهم
الشهر العاشر أكتوبر ويوافقه تشرين الأول من شهور السريان وهو الأول من شهورهم
الشهر الحادي عشر نونمبر ويوافقه تشرين الثاني من شهور السريان وهو الثاني من شهورهم
الشهر الثاني عشر دجنبر ويوافقه كانون الأول من شهور السريان وهو الثالث من شهورهم وقد نظمها الشيخ إبراهيم الدهشوري فقال
( ينير فبرير مارس للروم ... أبريل مايه خامس المعلوم )
( ينيه ويليه ثم اغشت شتنبر ... أكتوبر نونمبر دجنبر )

الطرف الثالث في السنين وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في مدلول السنة والعام
يقال السنة والعام والحول وقد نطق القرآن بالأسماء الثلاثة قال تعالى ( فلبث فيهم ألن سنة إلا خمسين عاما ) فأتى بذكر السنة والعام في

آية واحدة وقال جل وعز ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) وقد تختص السنة بالجذب والعام بالخصب وبذلك ورد القرآن الكريم في بعض الآيات قال تعالى ( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) فعبر بالعام عن الخصب وقال جل ذكره ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ) فعبر بالسنين عن الجدب
على أنه قد وقع التعبير بالسنين عن الخصب أيضا في قوله تعالى ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله )
أما الحول فإنه يقع على الخصب والجدب جميعا

الجملة الثانية في حقيقة السنة وهي على قسمين طبيعية واصطلاحية كما تقدم
في الشهور
القسم الأول السنة الطبيعية وهي القمرية
وأولها استهلال القمر في غرة المحرم وآخرها سلخ ذي الحجة من تلك السنة وهي اثنا عشر شهرا هلاليا قال تعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض )
وعدد أيامها ثلثمائة يوم وأربعة وخمسون يوما وخمس وسدس يوم تقريبا ويجتمع من هذا الخمس والسدس يوم في كل ثلاث سنين فتصير السنة ثلثمائة وخمسة وخمسين يوما ويبقى من ذلك بعد اليوم الذي اجتمع شيء فيجتمع منه ومن خمس اليوم وسدسه في السنة السادسة يوم واحد وكذلك إلى أن يبقى الكسر أصلا بأحد عشر يوما عند

تمام ثلاثين سنة وتسمى تلك السنين كبائس العرب
قال السهيلي كانوا يؤخرون في كل عام أحد عشر يوما حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته فلما كانت سنة حجة الوداع وهي سنة تسع من الهجرة عاد الحج إلى وقته اتفاقا في ذي الحجة كما وضع أولا فأقام رسول الله فيه الحج ثم قال في خطبته يومئذ التي خطبها إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض بمعنى أن الحج قد عاد في ذي الحجة
وفي بعض التعاليق أن سني العرب كانت موافقة لسني الفرس في الدخول والانسلاخ فحدث في أحوالهم انتقالات فسد عيهم بها الكبس في أول السنة السادسة من ملك أغبطش وذلك بعد ملك ذي القرنين بمائتين وثمانين سنة وأربعين يوما فنوا كبس الربع من ذلك اليوم في كل سنة فصارت سنينهم بعد ذلك الوقت محفوظة المواقيت
وقيل لم تزل العرب في جاهليتها على رسم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لا تنسأ سنيها إلى أن جاورتهم اليهود في يثرب فأرادت العرب أن يكون حجهم في أخصب وقت من السنة وأسهل زمان للتردد بالتجارة فعلموا الكبس من اليهود والله أعلم أي ذلك كان

القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسية
وشهورها اثنا عشر شهرا كما في السنة الطبيعية إلا أن كل طائفة راعت عدم دوران سنيها جعلت في أشهرها زيادة في الأيام إما جملة واحدة وإما متفرقة وسمتها نسيئا بحسب ما اصطلحوا عليه كما ستقف عليه في مصطلح كل قوم إن شاء الله تعالى
وعدد أيامها عند جميع الطوائف من القبط والفرس والسريان والروم

وغيرهم ثلثمائة يوم وخمسة وستون يوما وربع يوم فتكون زيادتها على العربية عشرة أيام وثمانية أعشار يوم وخمسة أسداس يوم
وقد قال بعض حذاق المفسرين في قوله تعالى ( ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) إنه إن حمل على السنين القمرية فهو على ظاهره من العدد وإن حمل على السنين الشمسية فالتسع الزائدة هي تفاوت زيادة الشمسية على القمرية لأن في كل ثلثمائة سنة تسع سنين لا تخل بالحساب أصلا
قال صاحب مناهج الفكر ولذلك كانوا في صدر الإسلام يسقطون عند رأس كل ثلاث وثلاثين سنة عربية سنة ويسمونها سنة الازدلاف لأن كل ثلاث وثلاثين سنة عربية اثنتان وثلاثون سنة شمسية تقريبا
قال وإنما حملهم على ذلك الفرار من اسم النسيء الذي أخبر الله تعالى أنه زيادة في الكفر
ثم المعتبرون السنة الشمسية اختلفت مصطلحاتهم فيها بحسب اختلاف مقاصدهم
المصطلح الأول مصطلح القبط وقد اصطلحوا على أن جعلوا شهرهم ثلاثين يوما كما تقدم فإذا انقضت الاثنا عشر شهرا أضافوا إليها خمسة أيام يسمونها أيام النسيء يفعلون ذلك ثلاث سنين متوالية فإذا كانت السنة الرابعة أضافوا إلى خمسة النسيء المذكورة ما اجتمع من الربع يوم الزائد على الخمسة أيام في السنة الشمسية فتصير ستة أيام ويجعلونها كبيسة في تلك السنة وبعض ظرفائهم يسمي الخمسة المزيدة السنة الصغيرة
قال أصحاب الزيجات وأول ابتدائهم ذلك في زمن أغشطش
وكانوا من قبل يتركون الربع إلى أن تجتمع أيام سنة كاملة وذلك في ألف سنة وأربعمائة وإحدى وستين سنة يسقطونها من سنيهم وعلىهذا المصطلح استقر عملهم

بالديار المصرية في الإقطاعات والزرع والخراج وما شاكل ذلك
المصطلح الثاني مصطلح الفرس وشهورهم كشهور القبط في عدد الأيام على ما تقدم فإذا كان كان آخر شهر أبان ماه وهو الشهر السابع من شهورهم أضافوا إليه الخمسة الأيام الباقية وجعلوه خمسة وثلاثين يوما وتسمي الفرس هذه الأيام الخمسة الأندركاه ولكل يوم منها عندهم اسم خاص كما في أيام الشهر ولما لم يجز في معتقدهم كبس السنة بيوم واحد بعد ثلاث سنين كما فعل القبط كانوا يؤخرونه إلى أن يتم منه في مائة وعشرين سنة كامل فيلقونه وتسمى السنة التي يلقى فيها بهبرك قال المسعودي في مروج الذهب وإنما أخروا ذلك إلى مائة وعشرين سنة لأن أيامهم كانت سعودا ونحوسا فكرهوا أن يكسبوا في كل أربع سنين يوما فتنتقل بذلك أيام السعود إلى أيام النحوس ولا يكون النيروز أول يوم من الشهر
وعلى هذا المصطلح كان يجبى الخراج للخلفاء وتتمشى الأحوال الديوانية في بداية الأمر وعليه العمل في العراق وبلاد فارس إلى الآن
المصطلح الثالث مصطلح السريان وشهورهم على ما تقدم من كونها تارة ثلاثين يوما وتارة زائدة عليها وتارة ناقصة عنها وإنما فعلوا ذلك حتى لا يلحقهم النسيء في شهورهم إذ الأيام الخمسة المذكورة الزائدة على شهور القبط والفرس موزعة على رؤوس الزوائد من شهورهم وذلك أن من شهورهم سبعة أشهر يزيد كل شهر منها يوما على الثلاثين وهي تشرين الأول وكانون الأول وكانون الثاني وآذار وأيار وتموز وآب فتكون الزيادة سبعة أيام يكمل منها شباط وهو ثمانية وعشرون يوما بيومين يبقى خمسة أيام وهي نظير النسيء في سنة القبط والفرس ويبقى بعد ذلك الربع يوم الزائد على الخمسة أيام في السنة

الشمسية فإذا انقضت ثلاث سنين متواليات جمعوا الأرباع الثلاثة الملغاة إلى الربع الرابع فيجتمع منها يوم فيجعلونه نظير اليوم الذي كبسه القبط ويضيفونه إلى شباط فيصير تسعة وعشرين يوما
المصطلح الرابع مصطلح اليهود وشهورهم وإن كانت قمرية كالعربية كما تقدم فقد اضطروا إلى أن تكون سنتهم شمسية لأنهم أمروا في التوراة أن يكون عيد الفطر في زمان الفريك فلم يتأت لهم ذلك حتى جعلوا سنيهم قسمين الأول بشيطا ومعناه بسيطة وهي القمرية والثاني معبارت ومعناه كبيسة وهم يكبسون شهرا كاملا ومعبارت اسم موضوع عندهم على الكامل فإنه لما كان في بطنها زيادة عليها كانت هذه السنة مثلها بإضافة الشهر المكبوس إليها وكل واحدة من السنين ثلاثة أنواع أحدها حسارين ومعناه ناقصة وهي التي يكون الشهر الثاني والثالث منها وهما مرحشوان وكسلا ناقصين وكل واحد منهما تسعة وعشرون يوما والنوع الثاني شلاميم ومعناه تامة وهي التي يكون فيها كل شهر من الشهرين المذكورين تاما والنوع الثالث كسدران معناه معتدلة وهي التي تكون أشهرها ناقص يتلوه تام وهذا يلزم من جهة أنهم لا يجيزون أن يكون رأس سنتهم يوم أحد ولا يوم أربعاء ولا يوم خميس
وأما معبارت فإنها تكون في كل تسع عشرة سنة سبع مرات ويسمون الجملة مخزورا ومعناه الدور وهذه السبعة لا تكون على التوالي وإنما تكون تارة سنتان بشيطان يتلوهما معبارت وتارة سنة بشيطا يتلوها معبارت كل ذلك حتى لا تخرم عليهم قاعدة الثلاثة أيام التي لا يختارونها أن تكون أول سنتهم فإذا انقضى آذار من هذه السنة كبسوا شهرا وسموه آذار الثاني فإذا انقضت التسع عشرة سنة أعادوا دورا ثانيا وعملوا فيه كذلك وعلى هذا أبدا
أما مصطلح المنجمين فالسنة عندهم من حلول الشمس في أول نقطة من رأس الحمل إلى حلولها في آخر نقطة من الحوت ومنهم من يجعلها من حلول الشمس في أول نقطة من رأس الميزان إلى حلولها في آخر نقطة من السنبلة

والأول هو المعروف
وتساهل بعضهم فقال هي من كون الشمس في نقطة ما من فلك البروج إلى عودها إلى تلك النقطة ويقال إن سنة الجند والمرتزقة بالديار المصرية كانت أولا على هذا المصطلح وبه يعملون في الإقطاعات ونحوها

الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة وفيه ثلاثة مهايع
المهيع الأول في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة
واعلم أن الفصول تختلف بحسب اختلاف طبائع السنة لتباين مصالح أوقاتها حكمة من الله تعالى
قال بطليموس تحتاج الأبدان إلى تغيير الفصول فالشتاء للتجميد والصيف للتحليل والخريف للتدريج والربيع للتعديل
وعلى ذلك يقال إن أصل وضع الحمام أربعة بيوت بعضها دون بعض على التدريج ترتيبها على الفصول الأربعة
المهيع الثاني في كيفية انقسام السنة الشمسية إلى الفصول
واعلم أن دائرة منطقة البروج لما قاطعت دائرة معدل النهار على نقطتين متقابلتين مال عنهما في جهتي الشمال والجنوب بقدر واحد فالنقطة التي تجوز عليها الشمس من ناحية الجنوب إلى الشمال عن معدل النهار تسمى نقطة الاعتدال الربيعي وهي أول الحمل والنقطة التي تجوز عليها من الشمال إلى الجنوب تسمى نقطة الاعتدال الخريفي وهي أول الميزان
ويتوهم في الفلك دائرة ثالثة معترضة من الشمال إلى الجنوب تمر على أقطاب تقابل الدائرة المخطوطة على الفلكين تقطع كل واحد من فلك معدل النهار وفلك البروج بنصفين فوجب أن

يكون قطعها لفلك البروج على النقطتين اللتين هما في غاية الميل والبعد عن معدل النهار في جهتي الشمال والجنوب فتسمى النقطة الشمالية نقطة المنقلب الصيفي وهي أول السرطان وتسمى النقطة الجنوبية نقطة المنقلب الشتوي وهي أول الجدي
واختلاف طبائع الفصول عن حركة الشمس وتنقلها في هذه النقط فإنها إذا تحركت من الحمل وهو أول البروج الشمالية أخذ الهواء في السخونة لقربها من سمت الرؤوس وتواتر الإسخان إلى أن تصل إلى أول السرطان وحينئذ يشتد الحر في السرطان والأسد إلى أن تصل إلى الميزان فحينئذ يطيب الهواء ويعتدل الحر في السرطان والأسد إلى أن تصل إلى الميزان فحينئذ يطيب الهواء ويعتدل ثم يأخذ الهواء في البرودة ويتواتر إلى أول الجدي وحينئذ يشتد البرد في الجدي والدلو لبعد الشمس من سمت الرؤوس إلى أن تصل إلى الحمل فتعود الشمس إلى أول حركتها

المهيع الثالث في ذكر الفصول وأزمنتها وطبائعها وما حصة كل فصل منها من
البروج والمنازل وهي أربعة فصول
الأول فصل الربيع وابتداؤه عند حلول الشمس برأس الحمل وقد تقدم ومدته أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم
وأوله حلول الشمس رأس الحمل وآخره عند قطعها برج الجوزاء وله من الكواكب القمر والزهرة ومن المنازل الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع بما في ذلك من التداخل كما مر ومن الساعات الأولى والثانية والثالثة ومن الرياح الجنوب وطبعه حار رطب وله من السن الطفولية والحداثة ومن الاخلاط الدم ومن القوى الهاضمة
وفيه تتحرك الطبائع وتظهر المواد المتولدة في الشتاء فيطلع النبات وتزهر الأشجار وتورق ويهيج الحيوان للسفاد وتذوب الثلوج وتنبع العيون وتسيل الأودية وأخذت الأرض زخرفها وازينت فتصير كأنها عروس تبدت لخطابها وفي مصبغات ثيابها ويقال إذا نزلت الشمس رأس الحمل تصرم الشتاء وتنفس الربيع واختالت الأرض في وشيها

البديع وتبرجت للنظارة في معرض الحسن والنظارة
ومن كلام الوزير المغربي لو كان زمن الربيع شخصا لكان مقبلا ولو أن الأيام حيوان لكان لها حليا ومجللا لأن الشمس تخلص فيه من ظلمات حوت السماء خلاص يونس من ظلمات حوت الماء فإذا وردت الحمل وافت أحب الأوطان إليها وأعز أماكنها عليها
وكان عبدوس الخزاعي يقول من لم يبتهج بالربيع ولم يستمتع بأنواره ولا استروح بنسيم أزهاره فهو فاسد المزاج محتاج إلى العلاج
ويروى عن بقراط الحكيم مثله وفيه بدل قوله فهو فاسد المزاج فهو عديم حس أو سقيم نفس
ولجلالة محل هذا الفصل في القلوب ولنزوله من النفوس منزلة الكاعب الخلوب كانت الملوك إذا عدمته استعملت ما يضاهي زهره من البسط المصورة المنقشة والنمارق المفوفة المرقشة
وقد كان لأنوشروان بساط يسميه بساط الشتاء مرصع بأزرق الياقوت والجواهر وأصفره وأبيضه وأحمره وقد جعل أخضره مكان أغصان الأشجار وألوانه بموضع الزهر والنوار
ولما أخذ هذا البساط في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في واقعة القادسية حمل إليه فيما أفاء الله على المسلمين فلما رآه قال إن أمة أدت هذا إلى أميرها لأمينة ثم مزقه فوقع منه لعلي عليه السلام قطعة في قسمه مقدارها شبر في شبر فباعها بخمسة عشر ألف دينار
وقد أطنب الناس في وصف هذا الفصل ومدحه وأتوا بما يقصر عن شرحه وتغالى الشعراء فيه غاية التغالي وفضلوا أيامه ولياليه على الأيام والليالي وما أحلى قول البحتري

( أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما )
( وقد نبه النوروز في غسق الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوما )
( يفتحها برد الندى فكأنما ... يبث حديثا بينهن مكتما )
( ومن شجر رد الربيع رداءه ... كما نشرت ثوبا عليه منمنما )
( أحل فأبدى للعيون بشاشة ... وكان قذى للعين إذ كان محرما )
( ورق نسيم الجو حتى كأنما ... يجيء بأنفاس الأحبة نعما )
وأحلى منه قول أحمد بن محمد العلوي
( أو ما ترى الأيام كيف تبرجت ... وربيعها وال عليها قيم )
( لبست به الأرض الجمال فحسنها ... متأزر ببروده متعمم )
( انظر إلى وشي الرياض كأنه ... وشي تنشره الأكف ينمنم )
( والنور يهوى كالعقود تبددت ... والورد يخجل والأقاحي تبسم )
( والطل ينظم فوقهن لآلئا ... قد زان منهن الفرادى التوأم )
( ويكاد يذري الدمع نرجسها إذا ... أضحى ويقطر من شقائقها الدم )
ومنها
( أرض تباهيها السماء إذا دجا ... ليل ولاحت في دجاها الأنجم )
( فلخضرة الجو اخضرار رياضها ... ولزهره زهر ونور ينجم )
( وكما يشق سنا المجرة جره ... واد يشق الأرض طام مفعم )
( لم يبق إلا الدهر إذ باهت به ... وحيا يجود به ملث مرهم )
وقول الآخر
( طرق الحياء ببره المشكور ... أهلا به من زائر ومزور )

( وحبا الرياض غلالة من وشيه ... بغرائب التفويف والتحبير )
( وأعارها حليا تأنى الغيث في ... ترصيعه بجواهر المنثور )
( بمورد كمورد الياقوت قارن ... أبيضا كمصاعد الكافور )
( ومعصفر شرق وأصفر فاقع ... في أخضر كالسندس المنشور )
( فكأن أزرقه بقايا إثمد ... في أعين مكحولة بفتور )
( كملت صفات الزهر فيه فناب عما ... غاب من أنواعه بحضور )
وقول الآخر
( إشرب هنيئا قد أتاك زمان ... متعطر متهلل نشوان )
( فالأرض وشي والنسيم معنبر ... والماء راح والطيور قيان )
الثاني فصل الصيف وهو أحد وتسعون يوما وربع ونصف ثمن يوم وابتداؤه إذا حلت الشمس رأس السرطان وانتهاؤه إذا أتت على آخر درجة من السنبلة فيكون له من البروج السرطان والأسد والسنبلة
وهذه البروج تدل على السكون وله من الكواكب المريخ والشمس ومن المنازل النثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك يتداخل فيه وله من الساعات الرابعة والخامسة والسادسة ومن الرياح الصبا وطبعه حار يابس وله من السن الشباب ومن الأخلاط المرة الصفراء ومن القوى القوة النفسية والحيوانية
وللعرب في هذا الفصل وغرات وهي الحرور منها وغرة الشعرى ووغرة الجوزاء ووغرة سهيل أولها أقواها حرا يقال إن الرجل في هذه الوغرة يعطش بين الحوض والبئر وإذا طلع سهيل ذهبت الوغرات وتسمى الرياح التي في هذه الوغرات البوارح سميت بذلك لأنها تأتي من يسار الكعبة كما برح الظبي إذا أتاك من يسارك وقد أولع الناس بين لفحات الحر وسمومه وأتوا

فيه ببدائع تقلع من قلب الصب غمام غمومه
وفي ذلك قول بعضهم أوقدت الظهيرة نارها وأذكت أوارها فأذابت دماغ الضب وألهبت قلب الصب هاجرة كأنها من قلوب العشاق إذا اشتعلت فيها نار الفراق حر تهرب له الحرباء من الشمس وتستجير بمتراكم الرمس لا يطيب معه عيش ولا ينفع معه ثلج ولا خيش فهو كالقلب المهجور أو كالتنور المسجور
ووصف بعضهم وهو ذو الرمة حر هاجرة فقال
( وهاجرة حرها واقد ... نصبت لحاجبها حاجبي )
( تلوذ من الشمس أطلاؤها ... لياذ الغريم من الطالب )
( وتسجد للشمس حرباؤها ... كما يسجد القس للرهب )
وقال سوار بن المضرس
( وهاجرة تشتوى بالسموم ... جنادبها في رؤوس الأكم )
( إذا الموت أخطأ حرباءها ... رمى نفسه بالعمى والصمم )
وقال أبو العلاء المعري
( وهجيرة كالهجر موج سرابها ... كالبحر ليس لمائها من طحلب )
( واخى به الحرباء عودي منبر ... للظهر إلا أنه لم يخطب )
وقال آخر
( ورب يوم حره منضج ... كأنه أحشاء ظمآن )
( كأنما الأرض على رضفة ... والجو محشو بنيران )
وبالغ الأمير ناصر الدين بن الفقيسي فقال من أبيات

( في زمان يشوي الوجوه بحر ... ويذيب الجسوم لو كن صخرا )
( لا تطير النسور فيه إذا ما ... وقفت شمسه وقارب ظهرا )
( يشتكي الضب ما اشتكى الصب فيه ... ولحربائه إلى الظل حرا )
( ويود الغصن الرطيب به لو ... أنه من لحائه يتعرى )
وقال أيضا يصف ليلة شديدة الحر
( يا ليلة بت بها ساهرا ... من شدة الحر وفرط الأوار )
( كأنني في جنحها محرم ... لو أن للعورة مني استتار )
( وكيف لا أحرم في لية ... سماؤها بالشهب ترمي الجمار )
على أن أبا علي بن رشيق قد فضله على فصل الشتاء فقال
( فصل الشتاء مبين لا خفاء به ... والصيف أفضل منه حين يغشاكا )
( فيه الذي وعد الله العباد به ... في جنة الخلد إن جاؤوه نساكا ) أنهار خمر وأطيار وفاكهة ... ما شئت من ذا ومن هذا ومن ذاكا
( فقل لمن قال لولا ذاك لم يك ذا ... إذا تفضل على أخراك دنياكا )
( سم الشتاء بعباس تصب غرضا ... من الصواب وسم الصيف ضحاكا )
الثالث فصل الخريف وهو أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم وأوله عند حلول الشمس رأس الميزان وذلك في الثامن عشر من توت وإذا بقي من أيلول ثمانية أيام وآخره إذا أتت الشمس على آخر درجة من القوس فيكون له من البروج الميزان والعقرب والقوس وهذه البروج تدل على الحركة وله من الكواكب زحل ومن الساعات السابعة والثامنة
والطالع فيه مع الفجر من المنازل الغفر والزبانان والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة يتداخل فيه
وهو بارد يابس له من السن الكهولة تهيج فيه المرة السوداء وتقوى فيه القوة الماسكة وتهب فيه الرياح الشمالية وفيه يبرد الهواء ويتغير الزمان وتنصرم الثمار ويتغير وجه الأرض وتهزل البهائم وتموت الهوام وتجحر الحشرات ويطلب الطير المواضع الدفئة وتصير الأرض كأنها كهلة مدبرة
ويقال فصل

الخريف ربيع النفس كما أن الربيع ربيع العين فإنه ميقات الأقوات وموسم الثمار وأوان شباب الأشجار وللنفوس في آثاره مربع وللجسوم بمواقع خيراته مستمتع
وقد وصفه الصابي فقال الخريف أصح فصول السنة زمانا وأسهلها أوانا وهو أحد الاعتدالين المتوسطين بين الانقلابين حين أبدت الأرض عن ثمرتها وصرحت عن زبدتها وأطلقت السماء حوافل أنوائها وآذنت بانسكاب مائها وصارت الموارد كمتون المبارد صفاء من كدرها وتهذبا من عكرها واطرادا مع نفحات الهواء وحركات الرياح الشجواء واكتست الماشية وبرها القشيب والطائر ريشه العجيب
ومن كلام ابن شبل كل ما يظهر في الربيع نواره ففي الخريف تجتنى ثماره
وقال أبو بكر الصنوبري
( ما قضى في الربيع حق المسرات ... مضيع لحقها في الخريف )
( نحن منه على تلقي شتاء ... يوجب القصف أو وداع مصيف )
( في قميص من الزمان رقيق ... ورداء من الهواء خفيف )
( يرعد الماء فيه خوفا إذا ما ... لمسته يد النسيم الضعيف )
وقال ابن الرومي يصفه
( لولا فواكه أيلول إذا اجتمعت ... من كل فن ورق الجو والماء )
( إذا لما حفلت نفسي إذا اشتملت ... علي هائلة الحالين غبراء )
( يا حبذا ليل أيلول إذا بردت ... فيه مضاجعنا والريح شجواء )

( وخمش القر فيه الجلد والتأمت ... من الضجيعين أجسام وأحشاء )
( وأسفر القمر الساري بصفحته ... يرى لها في صفاء الماء لألاء )
( بل حبذا نفحة من ريحه سحرا ... يأتيك فيها من الريحان أنباء )
( قل فيه ما شئت من فضل تعهده ... في كل يوم يد لله بيضاء )
وقال عبد الله بن المعتز يصفه ويفضله على الصيف من أبيات
( طاب شرب الصبوح في أيلول ... برد الظل في الضحى والأصيل )
( وخبت لفحة الهواجر عنا ... واسترحنا من النهار الطويل )
( وخرجنا من السموم إلى برد ... نسيم وطيب ظل ظليل )
( فكأنا نزداد قربا من الجنة ... في كل شارق وأصيل )
( ووجوه البقاع تنتظر الغيث ... انتظار المحب رد الرسول )
وقريب منه قول الآخر
( اشرب على طيب الزمان فقد حدا ... بالصيف للندمان أطيب حاد )
( وأشمنا بالليل برد نسيمه ... فارتاحت الأرواح في الأجساد )
( وافاك بالأنداء قدام الحيا ... فالأرض للأمطار في استعداد )
( كم في ضمائر تربها من روضة ... بمسيل ماء أو قرارة واد )
( تبدو إذا جاء السحاب بقطره ... فكأنما كنا على ميعاد )
ومما يقرب منه قول جحظة البرمكي
( لا تضع للوم إن اللوم تضليل ... واشرب ففي الشرب للأحزان تحليل )
( فقد مضى القيظ واجتثت رواحله ... وطابت الريح لما آل أيلول )
( وليس في الأرض بيت يشتكي مرها ... إلا وناظره بالطل مكحول )

وبالغ بعضهم فسوى بينه وبين فصل الربيع فقال في ضمن تهنئة لبعض إخوانه
( هنيت إقبال الخريف ... وفزت بالوجه الوضي )
( تم اعتدالا في الكمال ... فجاء في خلق سوي )
( فحكى الربيع بحسنه ... ونسيم رياه الذكي )
( وينوب ورد الزعفران ... له عن الورد الجني )
وأبلغ منه قول الآخر يفضله على فصل الربيع الذي هو سيد الفصول ورئيسها
( محاسن للخريف لهن فخر ... على زمن الربيع وأي فخر )
( به صار الزمان أمام برد ... يراقب نزحه وعقيب حر )
ومع ذلك فالأطباء تذمه لاستيلاء المرة السوداء فيه ويقولون أن هواءه رديء متى تشبث بالجسم لا يمكن تلافيه وفي ذلك يقول بعض الشعراء
( خذ في التدثر في الخريف فإنه ... مستوبل ونسيمه خطاف )
( يجري مع الأيام جري نفاقها ... لصديقها ومن الصديق يخاف )
الرابع فصل الشتاء وهو أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم ودخوله عند حلول الشمس رأس الجدي وذلك في الثامن عشر من كيهك وإذا بقي من كانون الأول ثمانية أيام وآخره إذا أتت الشمس على آخر درجة من الحوت فيكون له من البروج الجدي والدلو والحوت وهذه البروج تدل على السكون والطالع فيه مع الفجر سعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرغ المقدم والفرغ المؤخر والرشاء
فيه تهب رياح الدبور وهو بارد رطب
فيه يهيج البلغم وتضعف قوى الأبدان
له من السن الشيخوخة ومن القوى البدنية القوة الدافعة وفيه يشتد البرد ويخشن الهواء ويتساقط ورق الشجر وتنجحر الحيات وتكثر الأنواء ويظلم الجو وتصير الأرض كأنها عجوز هرمة

قد دنا منها الموت
وله من الكواكب المشتري وعطارد ومن الساعات العاشرة والحادية عشرة
ويقال إذا حلت الشمس الجدي مد الشتاء رواقه وحل نطاقه ودبت عقارب البرد لا سبة ونفع مدخر الكسب كاسبه
وللبلغاء في وصف حال من أظله ملح تدفع عن المقرور متى استعد بها طله ووبله
فمن ذلك قول بعضهم يصف شدة البرد برد يغير الألوان وينشف الأبدان ويجمد الريق في الأشداق والدمع في الآماق برد حال بين الكلب وهريره والأسد وزئيره والطير وصفيره والماء وخريره
ومن كلام الفاضل في ليلة جمد خمرها وخمد جمرها إلى يوم تود البصلة لو ازدادت قمصا إلى قمصها والشمس لو جرت النار إلى قرصها أخذه بعضهم فقال
( ويومنا أرياحه قرة ... تخمش الأبدان من قرصها )
( يوم تود الشمس من برده ... لو جرت النار إلى قرصها )
ولابن حكينا البغدادي
( اليس إذا قدم اشتاء برودا ... وافرش على رغم الحصير لبودا )
( الريق في اللهوات أصبح جامدا ... والدمع في الآماق صار برودا )
( وإذا رميت بفضل كأسك في الهوا ... عادت إليك من العقيق عقودا )
( وترى على برد المياه طيورها ... تختار حر النار والسفودا )

( يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرق لنا عودا وحرك عودا )
ولبعضهم
( شتاء تقلص الأشداق منه ... وبرد يجعل الشبان شيبا )
( وأرض تزلق الأقدام فيها ... فما تمشي بها إلا دبيبا )
ومن كلام الزمخشري
( أقبلت يا برد ببرد أجود ... تفعل بالأوجه فعل المبرد )
( أظل في البيت كمثل المقعد ... منقبضا تحت الكساء الأسود )
( لو قيل لي أنت أمير البلد ... فهات للبيعة كفا يعقد )
ومن كلام أبي عبد الله بن أبي الخصال يصف ليلة باردة من رسالة والكلب قد صافح خيشومه ذنبه وأنكر البيت وطنبه والتوى التواء الجباب واستدار استدارة الحباب وجلده الجليد وضربه الضريب وصعد أنفاسه الصعيد فحماه مباح ولا هرير ولا نباح
ومن شعر الحماسة في وصف ليلة شديدة البرد
( في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من أندائها الطنبا )
( لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلف على خيشومه الذنبا )
ولأبي القاسم التنوخي

( وليلة ترك البرد البلاد بها ... كالقلب أسعر نارا فهو مثلوج )
( فإن بسطت يدا لم تنبسط خصرا ... وإن تقل فبقول فيه تثبيج )
( فنحن منه ولم نخرس ذوو خرس ... ونحن فيه ولم نفلج مفاليج )
وقال بعضهم يصف يوما باردا كثير الضباب
( يوم من الزمهرير مقرور ... عليه جيب السحاب مزرور )
( وشمسه حرة مخدرة ... ليس لها من ضبابه نور )
( كأنما الجو حشوه إبر ... والأرض من تحته قوارير )
وحكي أن أعرابيا اشتد به البرد فأضاءت نار فدنا منها ليصطلي وهو يقول اللهم لا تحرمنيها في الدنيا ولا في الآخرة أخذه بعضهم فقال وهو في غاية المبالغة
( أيا رب إن البرد أصبح كالحا ... وأنت بحالي عالم لا تعلم )
( فإن كنت يوما مدخلي في جهنم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم )
وقداعتنى الناس بمدحه فقال بعضهم لو لم يكن من فضله إلا أنه تغيب فيه الهوام وتنجحر الحشرات ويموت الذباب ويهلك البعوض ويبرد الماء ويسخن الجوف ويطيب العناق ويظهر الفرش ويكثر الدخن وتلذ جمرة البيت لكفى
وتابعه بعض الشعراء فقال
( تركت مقدمة الخريف حميده ... وبدا الشتاء جديده لا ينكر )
( مطر يروق الصحو منه وبعده ... صحو يكاد من الغضارة يمطر )
( غيثان والانواء غيث ظاهر ... لك وجهه والصحو غيث مضمر )
وقال أبو الفتح كشاجم

( أذن الشتاء بلهوه المستقبل ... فدنت أوائله بغيث مسبل )
( متكاثف الأنواء منغدق الحيا ... هطل الندى هزج الرعود بجلجل )
( جاءت بعزل الجذب فيه فبشرت ... بالحصب أنواء السماك الأعزل )
وقد ولع الناس بذكر الاعتداد لها قديما وحديثا
قيل لأعرابي ما أعددت للبرد فقال طول الرعدة وتقرفص القعدة وذوب المعدة أخذه ابن سكرة فقال
( قيل ما أعددت للبرد ... وقد جاء بشده )
( قلت دراعة عري ... تحتها جبة رعده )
واعلم أن ما تقدم من أزمان الفصول الأربعة هو المصطلح المعروف والطريق المشهور
وقد ذكر الآبي في كتاب الدر أن العرب قسمت السنة أربعة أجزاء فجعلوا الجزء الأول الصفرية وسموا مطره الوسمي وأوله عندهم سقوط عرقوة الدلو السفلى وآخره سقوط الهقعة وجعلوا الجزء الثاني الشتاء وأوله سقوط الهنعة وآخره سقوط الصرفة
وجعلوا الجزء الثالث الصيف وأوله سقوط العواء وآخره سقوط الشولة وجعلوا الجزء الرابع القيظ
وسموا مطره الخريف وأوله سقوط النعائم وآخره عرقوة الدلو العليا
وذكر ابن قتيبة في أدب الكاتب طريقا آخر فقال
الربيع يذهب الناس إلى أنه الفصل الذي يتبع الشتاء ويأتي فيه الورد والكمأة والنور ولا يعرفون الربيع غيره
والعرب تختلف في ذلك فمنهم من

يجعل الربيع الفصل الذي تدرك فيه الثمار وهو الخريف وبعده فصل الشتاء ثم فصل الصيف وهو الوقت الذي تسميه العامة الربيع ثم فصل القيظ وهو الذي تسميه العامة الصيف ومنهم من يسمي الفصل الذي تدرك فيه الثمار وهو الخريف الربيع الأول ويسمي الفصل الذي يلي الشتاء وتأتي فيه الكمأة والنور الربيع الثاني وكلهم مجمعون على أن الخريف هو الربيع
وفي بعض التعاليق أن من العرب من جعل السنة ستة أزمنة الأول الوسمي وحصته من السنة شهران ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي العواء والسماك والغفر والزبانان وثلثا الإكليل
الثاني الشتاء وحصته من السنة شهران ومن منازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلث الإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وثلث الذابح الثالث الربيع وحصته من السنة شهران ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلثا الذابح وبلع والسعود والأخبية والفرغ المقدم الرابع الصيف وحصته من السنة شهران ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي الفرغ المؤخر وبطن الحوت والشرطان والبطين وثلثا الثريا الخامس الحميم وحصته من السنة شهران ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلث الثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع وثلث النثرة
السادس الخريف وحصته من السنة شهران ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلثا النثرة والطرف والجبهة والخرتان والصرفة
والأوائل من علماء الطب يقسمون السنة إلى الفصول الأربعة إلا أنهم يجعلون الشتاء والصيف أطول زمانا وأزيد مدة من الربيع والخريف فيجعلون الشتاء أربعة أشهر والصيف أربعة أشهر والربيع شهرين والخريف شهرين إذ كانا متوسطين بين الحر والبرد وليس في مدتهما طول ولا في زمانهما اتساع
واعلم أن ما تقدم من تفضيل بعض الفصول على بعض إنما هو أقاويل الشعراء وأفانين الأدباء تفننا في البلاغة وإلا فالواضع حكيم جعل هذه الفصول مشتملة على الحر تارة وعلى البرد أخرى لمصالح العباد ورتبها ترتيبا خاصا على

التدريج يفهم ذلك أهل العقول وأرباب الحكمة جلت صنعته أن تكون عرية عن الحكمة أو موضوعة في غير موضعها ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير )

الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها وفيه خمس جمل
الجملة الأولى في أعياد المسلمين
واعلم أن الذي وردت به الشريعة وجاءت به السنة عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى
والسبب في اتخاذهما ما روا هأبو داود في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قدم المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان فقالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله إن الله عز و جل قد بدلكم خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر فأول ما بديء به من العيدين عيد الفطر وذلك في سنة اثنتين من الهجرة
وروى ابن باطيش في كتاب الأوائل أن أول عيد ضحى فيه رسول الله سنة اثنتين من الهجرة وخرج إلى المصلى للصلاة وحينئذ فيكون العيدان قد شرعا في سنة واحدة نعم قد ابتدعت الشيعة عيدا ثالثا وسموه عيد الغدير
وسبب اتخاذهم له

مؤاخاة النبي لعلي كرم الله وجهه يوم غدير خم وهو غدير على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق تصب فيه عين وحوله شجر كثير وهي الغيضة التي تسمى خما وذلك أن رسول الله لما رجع من حجة الوداع نزل بالغدير وآخى بين الصحابة ولم يؤاخ بين علي وبين أحد منهم فرأى النبي منه انكسارا فضمه إليه وقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي والتفت إلى أصحابه وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة
والشيعة يحيون ليلة هذا العيد بالصلاة ويصلون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال وشعارهم فيه لبس الجديد وعتق العبيد وذبح الأغنام وإلحاق الأجانب بالأهل في الإكرام
والشعراء والمترسلون يهنئون الكبراء منهم بهذا العيد

الجملة الثانية في أعياد الفرس
وكان دينهم المجوسية وأعيادهم كثيرة جدا حتى إن علي بن حمزة الأصبهاني عمل فيها كتابا ذكر فيه أسباب اتخاذهم لها وسبب سلوكهم فيها وقد اقتصرنا منها على المشهور الذي ولع الشعراء بذكره واعتنى الأمراء بأمره وهي سبعة أعياد
العيد الأول النيروز وهو تعريب نوروز ويقال إن أول من اتخذه جم شاد أحد ملوك الطبقة الثانية من الفرس ومعنى شاد الشعاع والضياء وإن سبب اتخاذهم لهذا اليوم عيدا أن الدين كان قد فسد قبله فلما مل ك جدده

وأظهره فسمي اليوم الذي ملك فيه نوروز أي اليوم الجديد
وفي بعض التعاليق أن جم شاد ملك الأقاليم السبعة والجن والإنس فاتخذ له عجلة ركبها وكان أول يوم ركبها فيه أول يوم من شهر افرودين ماه وكان مدة ملكه لا يريهم وجهه فلما ركبها أبرز لهم وجهه وكان له حظ من الجمال وافر فجعلوا يوم رؤيتهم له عيدا وسموه نوروزا
ومن الفرس من يزعم أنه اليوم الذي خلق الله فيه النور وأنه كان معظما قبل جم شاد
وبعضهم يزعم أنه أول الزمان الذي ابتدأ الفلك فيه بالدوران
ومدته عندهم ستة أيام أولها اليوم الأول من شهر افرودين ماه الذي هو أول شهور سنتهم
ويسمون اليوم السادس النوروز الكبير لأن الأكاسرة كانوا يقضون في الأيام الخمسة حوائج الناس على طبقاتهم ثم ينتقلون إلى مجالس أنسهم مع ظرفاء خواصهم
وحكى ابن المقفع أنه كان من عادتهم فيه أن يأتي الملك رجل من الليل قد أرصد لما يفعله مليح الوجه فيقف على الباب حتى يصبح فإذا أصبح دخل على الملك من غير استئذان ويقف حيث يراه فيقول له من أنت ومن أين أقبلت وأين تريد وما اسمك ولأي شيء وردت وما معك فيقول أنا المنصور واسمي المبارك ومن قبل الله أقبلت والملك السعيد أردت وبالهناء والسلامة وردت ومعي السنة الجديدة ثم يجلس ويدخل بعده رجل معه طبق من فضة وعليه حنطة وشعير وجلبان وحمص وسمسم وأرز من كل واحد سبع سنبلات وسبع حبات وقطعة سكر ودينار ودرهم جديدان فيضع الطبق بين يدي الملك ثم تدخل عليه بالهدايا ويكون أول من يدخل عليه بها وزيره ثم صاحب الخراج ثم صاحب المعونة ثم الناس على طبقاتهم ثم يقدم للملك رغيف كبير من تلك الحبوب مصنوع موضوع في سلة فيأكل منه ويطعم من حضر ثم يقول هذا يوم جديد من شهر جديد من عام جديد يحتاج أن

يجدد فيه ما أخلق من الزمان وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على سائر الأعضاء ثم يخلع على وجوه دولته ويصلهم ويفرق عليهم ما وصل إليه من الهدايا
وأما عوام الفرس فكانت عادتهم فيه رفع النار في ليلته ورش الماء في صبيحته ويزعمون أن إيقاد النيران فيه لتحليل العفونات التي أبقاها الشتاء في الهواء
ويقال إنما فعلوا ذلك تنويها بذكره وإشهارا لأمره
وقالوا في رش الماء إنما هو بمنزلة الشهرة لتطير الأبدان مما انضاف إليها من دخان النار الموقدة في ليلته
وقال آخرون إن سبب رش الماء فيه أن فيروز بن يزدجرد لما استتم سورجي وهي أصبهان القديمة لم تمطر سبع سنين في ملكه ثم مطرت في هذا اليوم ففرح الناس بالمطر وصبوا من مائه على أبدانهم من شدة فرحهم به فصار ذلك سنة عندهم في ذلك اليوم من كل عام وما أحلى قول بعضهم يخاطب من يهواه ويذكر ما يعتمد في النيروز من شب النيران وصب الأمواه
( كيف ابتهاجك بالنيروز يا سكني ... وكل ما فيه يحكيني وأحكيه )
( فتارة كلهيب النار في كبدي ... وتارة كتوالي عبرتي فيه )
( أسلمتني فيه يا سؤلي إلى وصب ... فكيف تهدي إلى من أنت تهديه )
وأول من رسم هدايا النيروز والمهرجان في الإسلام الحجاج بن يوسف الثقفي ثم رفع ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه واستمر المنع فيه إلى أن فتح باب الهدية فيه أحمد بن يوسف الكاتب فإنه أهدى فيه للمأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه وكتب معه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد السادة وقد قلت

( علىالعبد حق وهو لا شك فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فواضله )
( ألم ترنا نهدي إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله )
( فلو كان يهدي للجليل بقدره ... لقصر عنه البحر يوما وساحله )
( ولكننا نهدي إلى من نجله ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله )
وكتب سعيد بن حميد إلى صديق له يوم نيروز هذا يوم سهلت فيه السنة للعبيد الإهداء للملوك فتعلقت كل طائفة من البر بحسب القدرة والهمة ولم أجد فيما أملك ما يفي بحقك ووجدت تقريظك أبلغ في أداء ما يجب لك ومن لم يؤت في هديته إلا من جهة قدرته فلا طعن عليه
هذا ما يتعلق بنيروز الفرس من ذكر الهدايا فيه وإيقاد النار ورش الماء وأول من سنه
وأما تعلقه بالخراج فسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى عند الكلام على جباية الخراج في فن الديونة
العيد الثاني من أعياد الفرس المهرجان وهو في السادس والعشرين من تشرين الأول من شهور السريان وفي السادس عشر من مهرماه من شهور الفرس وفي التاسع من أبيب من شهور القبط وبينه وبين النيروز مائة وسبعة وستون يوما وهذا الأوان في وسط زمان الخريف وفي ذلك يقول الشاعر
( أحب المهرجان لأن فيه ... سرورا للملوك ذوي السناء )
( وبابا للمصير إلى أوان ... تفتح فيه أبواب السماء )
ومدته ستة أيام ويسمى اليوم السادس منه المهرجان الأكبر كما يسمى اليوم السادس من أيام النيروز عندهم النيروز الأكبر
قال المسعودي وسبب تسميتهم لهذا اليوم بهذا الاسم أنهم كانوا يسمون شهورهم بأسماء ملوكهم وكان لهم ملك يسمى مهرا يسير فيهم بالعنف والعسف

فمات في النصف من هذا الشهر وهو مهرماه فسمي ذلك اليوم مهرجان وتفسيره نفس مهر ذهبت والفرس تقدم في لغتها ما تؤخره العرب في كلامها وهذه اللغة الفهلوية وهي الفارسية الأولى وزعم آخرون أن مهر بالفارسية حفاظ وجان الروح وفي ذلك يقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
( إذا ما تحقق بالمهرجان ... من ليس يعرف معناه غاظا )
( ومعناه أن غلب الفرس فيه ... فسموه للروح فيه حفاظا )
ويقال إنما ظهر في عهد افريدون الملك ومعنى هذا الاسم إدراك الثأر وذلك أن افريدون أخذ بثأر جده جم شاد من الضحاك فإنه كان أفسد دين المجوسية وخرج على جم شاد فأخذ منه الملك وقتله فلما غلبه افريدون قتله بجبل دنباوند وأعاد المجوسية إلى ما كانت فاتخذ الفرس يوم قتله عيدا وسموه مهرجان والمهر الوفاء وجان سلطان وكان معناه سلطان الوفاء
وزعم بعض الفرس أن الضحاك هو النمرود وافريدون هو إبراهيم عليه السلام بلغتهم
ويقال إن المهرجان هو اليوم الذي عقد فيه التاج على رأس اردشير بن بابك أول ملوك الفرس الساسانية وكان مذهب الفرس في المهرجان أن يدهن

ملكهم بدهن البان تبركا وكذلك العوام وأن يلبس القصب والوشي ويتوج بتاج عليه صورة الشمس وحجلتها الدائرة عليها ويكون أول من يدخل إليه الموبذان بطبق فيه أترجة وقطعة سكر ونبق وسفرجل وعناب وتفاح وعنقود عنب أبيض وسبع طاقات آس قد زمزم عليها ثم تدخل الناس على طبقاتهم بمثل ذلك وربما كانوا يذهبون إلى تفضيله على النيروز وفيه يقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
( أخا الفرس إن الفرس تعلم إنه ... لأطيب من نيروزها مهرجانها )
( لإدبار أيام يغم هواؤها ... وإقبال أيام يسر زمانها )
قال المسعودي وأهل المروءات بالعراق وغيرها من مدن العجم يجعلون هذا اليوم أول يوم من الشتاء فيغيرون فيه الفرش والآلات وكثيرا من الملابس
العيد الثالث السدق ويسمى أبان روز ويعمل في ليلة الحادي عشر من شهر بهمن ماه من شهور الفرس وسنتهم فيه أيقاد النيران بسائر الأدهان والولوع بها حتى إنهم يلقون فيها سائر الحبوب ويقال إن سبب اتخاذهم لهذا العيد أن الأب الأول وهو عندهم كيومرت لما كمل له من ولده مائة ولد زوج الذكور بالإناث وصنع لهم عرسا أكثر فيه وقود النيران ووافق ذلك الليلة المذكورة فاستسنت ذلك الفرس بعده
وقد ولعت الشعراء بوصف هذه الليلة

فقال أبو القاسم المطرز يصف سدقا عمله السلطان ملكشاه بدجلة أشعل فيه النيران والشموع في السماريات من أبيات
( وكل نار على العشاق مضرمة ... من نار قلبي أو من ليلة السدق )
( نار تجلت بها الظلماء واشتبهت ... بسدفة الليل فيها غرة الفلق )
( وزارت الشمس فيها البدر واصطلحا ... علىالكواكب بعد الغيظ والحنق )
( مدت على الأرض بسطا من جواهرها ... ما بين مجتمع وار ومفترق )
( مثل المصابيح إلا أنها نزلت ... من السماء بلا رجم ولا حرق )
( أعجب بنار ورضوان يسعرها ... ومالك قائم منها على فرق )
( في مجلس ضحكت روض الجنان له ... لما جلا ثغره عن واضح يقق )
وقال ابن حجاج من أبيات يمدح بها عضد الدولة
( ليلتنا حسنها عجيب ... بالقصف والتيه قد تحقق )
( لنارها في السما لسان ... عن نور ضوء الصباح ينطق )
( والجو منها قد صار جمرا ... والنجم منها قد كاد يحرق )
( ودجلة أضرمت حريقا ... بألف نار وألف زورق )
( فماؤها كله حميم ... قد فار مما غلى وبقبق )
وقال عبد العزيز بن نباتة من أبيات يمدح بها عضد الدولة أيضا
( لعمري لقد أذكى الهمام بأرضه ... مشهرة ينتابها الفخر صاليا )
( تغيب النجوم الزهر عند طلوعها ... وتحسد أيام الشهور اللياليا )
( قلادة مجد أغفل الدهر نظمها ... عليه وقد السنين الخواليا )

( هي الليلة الغراء في كل شتوة ... تغادر جيد الدهر أبلج حاليا )
العيد الرابع الشركان وهو في الثالث عشر من تيرماه من شهور الفرس زعموا أن أرس رمى سهمه لما وقعت المصالحة بين منوجهر وقراسياب التركي من المملكة على رمية سهم فامتد السهم من جبال طبرستان إلى أعالي طخارستان
العيد الخامس أيام الفرودجان وفي خمسة أيام أولها السادس والعشرون من أبان ماه من شهور الفرس ومعناه تربية الروح لأنهم كانوا يعملون فيها أطعمة وأشربة لأرواح موتاهم ويزعمون أنها تغتذي بها
العيد السادس ركوب الكوسج ويعمل في أول من أدرماه من شهور الفرس وسنتهم فيه أن يركب في كل بلد من بلادهم رجل كوسج قد أعد لما يصنع به بأكل الأطعمة الحارة كالجوز والثوم واللحم السمين ونحوها وبشرب الشراب الصرف أياما قبل حلول الشهر فإذا حل الشهر لبس غلالة سابوية وركب بقرة وأخذ على يده غرابا ويتبعه الناس يصبون عليه الماء ويضربونه بالثلج ويروحون عليه بالمراوح وهو يصيح بالفارسية كرم كرم أي الحر الحر يفعل ذلك سبعة أيام ومعه أوباش الناس ينهبون ما يجدون من الأمتعة في الحوانيت وللسلطان عليهم مال فإذا وجدوا بعد عصر اليوم السابع ضربوا وحبسوا
قال المسعودي ولا يعرف ذلك إلا بالعراق وأرض العجم وأهل الشام

والجزيرة ومصر واليمن لا يعرفون ذلك
ويقال إن هذا الفعل كان يتداوله أهل كل بيت منهم كوسج وحكى الزمخشري فيكتابه ربيع الأبرار أن سبب ذلك أن كوسجا كان يشرب في هذه الأيام الدواء ويطلي بدنه فيها فغلب عليها وفي ذلك يقول الشاعر
( قد ركب الكوسج يا صاح ... فانزل على الزهرة والراح )
( وانعم بآدرماه عيشا وخذ ... من لذة العيش بأفياح )
والسنة عندهم منقسمة على أقسام في أول كل قسم منها خمسة أيام تسمى الكنبهارات زعم زرادشت أن في كل يوم خلق الله تعالى نوعا من الخليقة فهم يتخذونها أعيادا لذلك
العيد السابع عيد بهمنجة ويتخذونه في يوم بهمن من شهر بهمن ماه وسنتهم فيه أنهم يأكلون فيه البهمن الأبيض باللبن الحامض على أنه ينفع الحفظ ورؤساء خراسان يعملون فيه الدعوات على طعام يطبخون فيه كل حب مأكول ولحم حيوان يؤكل ويحضر ما يوجد في ذلك الوقت من بقل أو نبات
فهذه أعياد الفرس المشهورة الدائرة بين عامتهم وخاصتهم

الجملة الثالثة في أعياد القبط
واعلم أن أعياد القبط كثيرة وقد أتينا على ذكر تفصيلها سردا في خلال شهور القبط مع ذكر غيرها وأوردنا كل عيد منها في يومه من شهور القبط وربما ذكرنا بعضها أيضا في شهور السريان والروم على أن منها ما لا يتعلق بوقت مقيد كالفصح الأكبر عندهم فإنه متعلق بفطرهم من صومهم الأكبر وهو غير مؤقت

بوقت معين بل يتغير بالتقديم والتأخير قليلا على ما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى ونحن نقتصر في هذا الفصل على المشهور من أعيادهم دون غيره ونبين أوقاتها ونشرح أسبابها
وهي أربعة عشر عيدا
وهي على ضربين كبار وصغار

الضرب الأول الكبار وهي سبعة
العيد الأول البشارة ويعنون به بشارة غبريال وهو جبريل على زعمهم لمريم عليها السلام بميلاد عيسى صلوات الله عليه يعملونه في التاسع والعشرين من برمهات من شهور القبط
الثاني الزيتونة وهو عيد الشعانين وتفسيره بالعربية التسبيح يعملونه في سابع أحد من صومهم وسنتهم فيه أن يخرجوا بسعف النخل من الكنيسة وهو يوم ركوب المسيح لليعفور وهو الحمار في القدس ودخوله صهيون وهو راكب والناس يسبحون بين يديه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
الثالث الفصح وهو العيد الكبير عندهم يعملونه يوم الفطر من صومهم الأكبر يزعمون أن المسيح قام فيه بعد الصلبوت بثلاثة أيام وخلص آدم من الجحيم وأقام في الأرض أربعين يوما آخرها يوم الخميس ثم صعد إلى السماء
( قاتلهم الله أنى يؤفكون )
الرابع خميس الأربعين ويسميه الشاميون السلاق وهو الثاني

والأربعون من الفطر ويقولون إن المسيح عليه السلام تسلق فيه من تلاميذه إلى السماء بعد القيام ووعدهم بإرسال الفارقليط وهو روح القدس عندهم
الخامس عيد الخميس وهو عيد العنصرة يعملونه بعيد خمسين يوما من القيام وهو في السادس والعشرين من بشنس ويقولون إن روح القدس حلت في التلاميذ وتفرقت عليهن ألسنة الناس فتكلموا بحميع الألسنة وذهب كل واحد منهم إلى بلاد لسانه الذي تكلم به يدعوهم إلى دين المسيح
السادس الميلاد وهو اليوم الذي يقولون إن المسيح ولد فيه ببيت لحم قرية من أعمال فلسطين ويعملونه في التاسع والعشرين من كيهك من شهور القبط وهم يقولون إنه ولد يوم الاثنين فيجعلون عشية الأحد ليلة الميلاد فيوقدون فيها المصابيح بالكنائس ويزينونها
السابع الغطاس يعملونه في الحادي عشر من طوبه من شهور القبط
يقولون إن يحيى بن زكريا عليه السلام وينعتونه بالمعمدان غسل عيسى عليه السلام ببحيرة الأردن وأن عيسى لما خرج من الماء اتصل به روح القدس على هيئة حمامة والنصارى يغمسون أولادهم فيه في الماء على أنه يقع في شدة البرد إلا أن عقبة يحمى الوقت يقول المصريون غطستم صيفتم ونورزتم شتيتم

الضرب الثاني من أعياد القبط الأعياد الصغار وهي سبعة أيام
الأول الختان ويعملونه في سادس بؤنة من شهور القبط ويقولون إن المسيح ختن في هذا اليوم وهو الثامن من الميلاد
الثاني الأربعون يعملونه في الثامن من شهر أمشير من شهور القبط ويقولون إن سمعان الكاهن دخل بعيسى عليه السلام مع أمه بعد أربعين يوما من

ميلاده الهيكل وبارك عليه تلك عقول أضلها باريها وإلا فأين مقام الكاهن من مقام عيسى عليه السلام وهو روح الله وكلمته
الثالث خميس العهد يعلمونه قبل الفصح بثلاثة أيام وشأنهم أن يأخذوا إناء ويملأوه ماء ويزمزموا عليه ثم يغسل البطريرك به أرجل جميع النصارى الحاضرين ويزعمون أن المسيح عليه السلام فعل هذا بتلاميذه في هذا اليوم يعلمهم التواضع وأخذ عليهم العهد ألا يتفرقوا وأن يتواضع بعضهم لبعض والعامة من النصارى يسمون هذا الخميس خميس العدس وهم يطبخون فيه العدس على ألوان
الرابع سبت النور وهو قبل الفصح بيوم
يقولون إن النور يظهر على مقررة المسيح في هذا اليوم فتشتعل منه مصابيح كنيسة القمامة بالقدس
قال صاحب مناهج الفكر وغيره وما ذاك إلا من تخييلاتهم النيرنجية التي يفعلها القسيسون منهم ليستميلوا بها عقول عوامهم الضعيفة وذلك أنه يعلقون القناديل في بيت المذبح ويتحيلون في إيصال النار اليها بأن يمدوا على جميعها شريطا من حديد في غاية الدقة مدهونا بدهن البلسان ودهن الزنبق فإذا صلوا وجاء وقت الزوال فتحوا المذبح فتدخل الناس إليه وقد اشتعلت فيه الشموع ويتوصل بعض القوم إلى أن يعلق النار بطرف الشريط الحديد فتسري عليه فتتقد القناديل واحدا بعد واحد إذ من طبيعة دهن البلسان علوق النار فيه بسرعة مع أدنى ملامسة فيظن من حضر من ذوي العقول الناقصة أن النار نزلت من السماء فأوقدت القناديل فالحمد لله على الإسلام
الخامس حد الحدود وهو بعد الفصح بثمانية أيام يعملونه أول أحد بعد الفطر لأن الآحاد قبله مشغولة بالصوم وفيه يجددون الآلات وأثاث البيوت ومنه

يأخذون في الاستعداد للمعاملات والأمور الدنيوية
السادس التجلي ويعملونه في الثالث عشر من مسرى من شهور القبط وآخره السابع والعشرون منها
يقولون إن المسيح عليه السلام تجلى لتلاميذه بعد أن رفع في هذا اليوم وتمنوا عليه أن يحضر لهم إيليا وموسى عليهما السلام فأحضرهما لهم بمصلى بيت المقدس ثم صعد وصعدا
السابع عيد الصليب وهو في السابع عشر من توت من شهور القبط والنصارى يقولون إن قسطنطين بن هيلاني انتقل عن اعتقاد اليونان إلى اعتقاد النصرانية وبنى كنيسة قسطنطينية العظمى وسائر كنائس الشام ويزعمون أن سبب ذلك أنه كان مجاورا للبرجان فضاق بهم ذرعا من كثرة غاراتهم على بلاده فهم أن يصانعهم ويفرض لهم عليه إتاوة في كل عام ليكفوا عنه فرأى ليلة في المنام أن ملائكه نزلت من السماء ومعها أعلام عليها صلبان فحاربت البرجان فانهزموا فلما أصبح عمل أعلاما وصور فيها صلبانا ثم قاتل بها البرجان فهزمهم فسأل من كان في بلده من التجار هل يعرفون فيما طافوه من البلاد دينا هذا زيه فقالوا له دين النصرانية وإنه في بلد القدس والخليل من أرض الشام
فأمر أهل مملكته بالرجوع عن دينهم إليه وأن يقصوا شعورهم ويحلقوا لحاهم
وإنما فعل ذلك لأنهم يزعمون أن رسل عيسى عليه السلام كانوا قد وردوا على اليونان قبل يأمرونهم بالتعبد بدين النصرانية فأعرضوا عنهم ومثلوا بهم هذه المثلة نكالا لهم ففعلوا ذلك تأسيا بهم
ولما تنصر قسطنطين خرجت أمه هيلاني إلى الشام فبنت به الكنائس وسارت إلى بيت المقدس وطلبت الخشبة التي زعمت النصارى أن المسيح صلب عليها فحملت إليها فغشتها بالذهب واتخذت ذلك اليوم عيدا
وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في ترجمة قسطنطين في خاتمة الكتاب عند

ذكر الملوك الذين استولوا على الديار المصرية وفيما ذكرنا هنا مقنع والله سبحانه وتعالى أعلم
وقد صار من أعيادهم المشهورة بالديار المصرية النيروز وهو أول يوم من سنتهم وإن لفظة النيروز فارسية معربة وكأن القبط والله أعلم اتخذوا ذلك على طريقة الفرس واستعاروا اسمه منهم فسموا اليوم الأول من سنتهم أيضا نيروزا وجعلوه عيدا
قال في مناهج الفكر وهم يظهرون فيه من الفرح والسرور وإيقاد النيران وصب الأمواه أضعاف ما يفعله الفرس ويشاركهم فيه العوام من المسلمين
قال المسعودي وأهل الشام يعملون مثل ذلك في أول سنتهم أيضا وهو أول يوم من ينير من شهور الروم ويوافقه كانون الثاني وهو الشهر الرابع من شهور السريان وذلك في السادس من طوبة من شهور القبط ويسمونه القلنداس إلا أن أهل مصر يزيدون فيه التصافع بالأنطاع وربما حملهم ترك الاحتشام على أن يتجرأوا على الرجل المطاع ولولا أن ولاة الأمر يردعونهم ويمنعونهم من ذلك لمنعوا الطريق من السالك وهم مع ذلك من ظفروا به لا يتركونه إلا بما يرضيهم
والذي استقر عليه الحال بالديار المصرية إلى آخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة أنهم يقتصرون على رش الأمواه والتصافع وترك الاحتشام دون إيقاد النيران إلا من يفعل ذلك من النصارى في بيته أو خاصته
ولهم أعياد ومواسم سوى ما تقدم ذكرها صاحب التذكرة ونحن نذكرها على ترتيب شهور القبط وهي
عيد سيغورس وعيد متى الإنجيلي وهما في الثاني من توت
عيد سمعان الحبيس وهو في الرابع من توت
عيد ماما وهو في الخامس من توت
عيد شعيا وهو في السادس من توت
عيد ساويرس وهو في لسابع من توت
عيد موسى النبي عليه السلام وهو في الثامن من توت
عيد توما التلميذ وهو في

التاسع من توت
وخروج نوح عليه السلام من السفينة ومولد مريم عليها السلام وهما في العاشر من توت
عيد باسيليوس وهو في الحادي عشر من توت
عيد ميخائيل وصوم جدليا وهما في الثالث عشر من توت
عيد سمعان الحبيس وعيد تادرس الشهيد وهما في الرابع عشر من توت
عيد اسفانوس وهو في السادس عشر من توت وصوم كبور وهو في العشرين من توت
ونياحة أبي جرج وهي في الثاني والعشرين من توت
عيد أولاد الفرس وهو في الثالث والعشرين من توت
عيد أليصابات وهو في السادس والعشرين من توت
عيد اسطاتوا وانتقال يوحنا وهما في السابع والعشرين من توت
عيد اجرويفون هو في أول بابه
عيد سوسنان وهو في الثاني من بابه
عيد يعقوب بن حلفا وهو في الخامس من بابه
عيد أبو بولا وهو في السابع من بابه
عيد توما وهو في الثامن من بابه
عيد أبي مسرجة وهو في العاشر من بابه
عيد يعقوب وهو في الحادي عشر من بابه
وشهادة متى وهي في الثاني عشر من بابه
عيد الفرات وهو في الثالث عشر من بابه
وشهادة يوحنا وهي في العشرين من بابه
وتذكار السيدة وهو في الحادي والعشرين من بابه
عيد لوقا وهو في الثاني والعشرين من بابه
عيد أبي جرح وهو في الثالث والعشرين من بابه
ودخول السيدة الهيكل وهو في الحادي والعشرين من بابه
عيد يعقوب ويوسف وهو في السادس والعشرين من بابه
عيد أبي مقار وهو في السابع والعشرين من بابه
عيد مرقص وهو في آخر يوم من بابه
عيد بطرس البطرك وهو في أول يوم من هاتور
عيد زكريا وهو في الرابع من هاتور
واجتماع التلاميذ وهو في السادس من هاتور
وتكريز أبي جرج وهو في السابع من هاتور
وعيد الأربع حيوانات وهو في الثامن من هاتور
وتذكار الثلثمائة وثمانية عشر وهو في التاسع من هاتور
ونياحة إسحاق وهو في العاشر من هاتور
عيد ميكائيل وهو في الثاني عشر من هاتور
وشهادة أبي مينا وهو في الخامس عشر من هاتور
عيد فيلبس الرسول وهو في التاسع عشر من هاتور
عيد أساسياس وهو في العشرين من هاتور
عيد شمعون وهو في الحادي والعشرين من هاتور
تذكار الشهداء وهو

في الثاني والعشرين من هاتور
عيد مركوريوس وهو في الرابع والعشرين من هاتور
عيد أبي مقورة وهو في الخامس والعشرين من هاتور
عيد ادفيانيوس وهو في السادس والعشرين من هاتور
عيد يعقوب المقطع وهو في السابع والعشرين من هاتور
عيد ياهور وهو في الثاني من كيهك
عيد اندراس وهو في الرابع من كيهك
عيد سيورس وهو في الخامس من كيهك
عيد بزبارة وهو في السابع من كيهك
عيد أيامين وهو في الثامن من كيهك
عيد ماري نقولا وهو في العاشر من كيهك
عيد سمعان وهو في الرابع عشر من كيهك
ونياحة يوحنا وهي في السادس عشر من كيهك وصوم الميلاد وهو في الثالث والعشرين من كيهك
وقتل الأطفال وهو في الثالث من طوبه
عيد يوحنا الإنجيلي وهو في الرابع من طوبه
وعيد توما وهو في السابع من طوبه
عيد الختان وهو في الثامن من طوبه
عيد إبراهيم وهو في التاسع من طوبه
وصوم الغطاس وأوله العاشر من طوبه
وصوم العذارى وهو في الثالث عشر من طوبه
عيد ملسوس وهو في الرابع عشر من طوبه
عيد غاريوس وهو في الخامس عشر من طوبه
عيد قيلانوس وهو في السادس عشر من طوبه
عيد يوحنس وهو في التاسع عشر من طوبه
ونزول الإنجيل وتذكار السيدة وهما في العشرين من طوبه
وصوم نينوى وهو في الحادي والعشرين من طوبه
ومقتل يحيى وهو في الرابع والعشرين من طوبه
عيد أبي بشارة وهو في الخامس والعشرين من طوبه
عيد الشهداء وهو في السادس والعشرين من طوبه
عيد طيمارس الرسول وهو في السابع والعشرين من طوبه وآخر نياحة نقولا وهو في اليوم الآخر من طوبه
عيد العذارى وعيد يهوذا وهما في الأول من أمشير
عيد مقار وهو في الثاني من أمشير
ونياحة تيادرس وهو في السادس من أمشير
ونياحة برصوما وهو في التاسع من أمشير
عيد بيطن وشهادة يعقوب وهما في العاشر من أمشير
عيد أبي مسرجة وهو في الرابع عشر من أمشير
عيد قلانوس وهو في السادس عشر من أمشير
عيد يعقوب الرسول وهو في السابع عشر من أمشير
عيد بطرس الشهيد وهو في التاسع عشر من أمشير

ونزول السيدة من الجبل وهو في الحادي والعشرين من أمشير
وشهادة سدرس وهو في السادس والعشرين من أمشير
ووجود رأس يوحنا وهو في اليوم الآخر من أمشير
عيد الجلبانة وهو في الثالث من شهر برمهات
عيد أرمانوس وهو في السابع من برمهات
عيد المعمودة وهو في التاسع من برمهات
وظهور الصليب وهو في العاشر من برمهات
عيد أبي مينا وهو في الحادي عشر من برمهات
عيد ميلاخي وهو في الثاني عشر من برمهات
عيد إلياس الشهيد وهو في السابع عشر من برمهات
ونياحة بولص وهي في الثاني والعشرين من برمهات
عيد العازر وهو في الثالث والعشرين من برمهات
عيد الشعانين وهو في الرابع والعشرين من برمهات
عيد المرسونة وهو في الخامس والعشرين من برمهات
وغسل الأرجل وهو في الثامن والعشرين من برمهات
وجمعة الصلبوت وهو في التاسع والعشرين من برمهات
عيد مرقص الإنجيلي وهو في اليوم الآخر من برمهات
عيد توما البطرك وهو في الثاني من برموده
عيد حزقيال النجيب وهو في الخامس من برموده عيد مرقص وهو في السابع من برموده
والأخذ بالجديد وهو في الثامن من برموده عيد يوحنا الأسقف وهو في الحادي عشر من برموده
عيد جرجس وهو في الثالث عشر من برموده عيد أبي متى وهو في السادس عشر من برموده
عيد يعقوب عيد سنوطه وهما في التاسع عشر من برموده
وذكران الشهداء وهو في الحادي والعشرين من برموده
عيد ساويرس وهو في السادس والعشرين من برموده
عيد أبي نيطس وهو في السابع والعشرين من برموده
عيد أصحاب الكهف وهو في االتاسع والعشرين من برموده
عيد مرقص الإنجيلي وهو في اليوم الآخر من برموده
عيد تيادرس وهو في الثاني من بشنس
عيد شمعون وهو في الثالث من بشنس
عيد الحندس وهو في الرابع من بشنس
ونياحة يعقوب وهو في السابع من بشنس
عيد دفرى سوه وهو في السادس من بشنس
عيد أساسياس وهو في السابع من بشنس
وصعود المسيح عندهم في الثامن من بشنس
عيد دير القصير وهو في الحادي والعشرين من بشنس
ونزول السيد إلى مصر وهو في الرابع والعشرين من

بشنس
عيد سوس وهو في الخامس والعشرين من بشنس
عيد توما التلميذ وهو في السادس والعشرين من بشنس
عيد سمعون العجاس وهو في السابع والعشرين من بشنس
عيد طيمارس وهو في التاسع والعشرين من بشنس
عيد الورد بالشا وهو في اليوم الآخر من بشنس
عيد أبي مقار وهو في الثاني من بؤنه
ووجود عظام لوقا وهو في الثالث من بؤنه
وعيد توما وعيد مامور وهما في الرابع من بؤنه
عيد يوحنا ونزول صحف إبراهيم عليه السلام وهما في التاسع من بؤنه
عيد أبي مينا وهو في الخامس عشر من بؤنه
عيد أبي مقار وهو في السادس عشر من بؤنه
عيد السيدة وهو في الحادي والعشرين من بؤنه
عيد اتريب وهو في الثالث والعشرين من بؤنه
عيد أبي مينا وهو في . . . . والعشرين من بؤنه
وتذكار تيادرس وهو في أول أبيب
ونياحة بولص وهو في الثاني من أبيب والثالث منه أيضا
وعيد المعينة وعيد القيصرية وهما في الخامس من أبيب
وعيد أبي سنوبة وهو في السابع من أبيب
وعيد اسنباط وهو في الثامن من أبيب
وشهادة هارون وعيد سمعان وهما في التاسع من أبيب
وعيد تادرس نطيره وهو في العاشر من أبيب
وعيد أبو هور وهو في الثاني عشر من أبيب
وعيد أبي مقار وهو في الرابع عشر من أبيب
وعيد اقدام السرياني وهو في الخامس عشر من أبيب
عيد يوحنا وذكريا وهو في السادس عشر من أبيب
وعيد يعقوب التلميذ وهو في السابع عشر من أبيب
وعيد بولاق وهو في التاسع من أبيب
وعيد تادرس الشهيد وهو في العشرين من أبيب
وعيد السيدة وعيد ميخائيل وهما في الحادي والعشرين من أبيب
وعيد سمعان البطرك وعيد شنوده وهما في الثالث والعشرين من أبيب
وعيد سمنود وهو في الرابع والعشرين من أبيب
وعيد مرقوريوص وهو في الخامس والعشرين من أبيب
وعيد حزقيل النبي عليه السلام وهو في السابع والعشرين من أبيب
ورفعة إدريس عليه السلام وعيد مريم وهما في الثامن والعشرين من أبيب

وحرم السيد وهو في اليوم الآخر من أبيب
وعيد الخندق وهو في اليوم الأول من مسرى
وعيد أبي مينا وهو في اليوم الثاني من مسرى وعيد سمعان المعمودي وهو في الثالث من مسرى
ودخول نوح السفينة وهو في الثامن من مسرى وعيد طورسينا وعيد السيدة وهما في التاسع من مسرى
وعيد اللباس وهو في العاشر من مسرى
وشهادة أنطونيوس وعيد العدوية وهو في الخامس عشر من مسرى
وعيد يعقوب الشهيد وهو في السابع عشر من مسرى
وعيد أبي مقار وهو في الثامن عشر من مسرى
وعيد اليسع وهو في التاسع عشر من مسرى وعيد أصحاب الكهف وهو في العشرين من مسرى وصوم الأربعين وهو في الحادي والعشرين من مسرى
وعيد الحوزة بدمشق وهو في الثالث والعشرين من مسرى
وعيد صوفيل وهو في السادس والعشرين من مسرى
وعيد إبراهيم وإسحاق وهو في الثامن والعشرين من مسرى
وعيد موسى الشهيد وشهادة يوحنا وهو في اليوم الآخر من مسرى

الجملة الرابعة في أعياد اليهود وهي على ضربين
الضرب الأول ما نطقت به التوراة بزعمهم وهي خمسة أعياد
العيد الأول رأس السنة يعملونه عيد رأس سنتهم ويسمونه عيد رأس هيشا أي عيد رأس الشهر وهو أول يوم من تشرى يتنزل عندهم منزلة عيد الأضحى عندنا ويقولون إن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل ابنه فيه وفداه بذبح عظيم
العيد الثاني عيد صوماريا ويسمونه الكبور وهو عندهم الصوم العظيم الذي يقولون إن الله تعالى فرض عليهم صومه ومن لم يصمه قتل عندهم

ومدة هذا الصوم خمس وعشرون ساعة يبدأ فيها قبل غروب الشمس في اليوم التاسع من شهر تشرى وتختم بمضي ساعة بعد غروبها في اليوم العاشر وربما سموه العاشور
ويشترط فيه لجواز الإفطار عندهم رؤية ثلاثة كواكب عند الإفطار وهي عندهم تمام الأربعين الثالثة التي صامها موسى عليه السلام
ولا يجوز أن يقع هذا الصوم عندهم في يوم الأحد ولا في يوم الثلاثاء ولا في يوم الجمعة ويزعمون أن الله يغفر لهم فيه جميع ذنوبهم ما خلا الزنا بالمحصنة وظلم الرجل أخاه وجحده ربوبية الله تعالى
العيد الثالث عيد المظلة وهو سبعة أيام أولها الخامس عشر من تشرى وكلها أعياد عندهم واليوم الآخر منها يسمى عرايا أي شجر الخلاف وهو أيضا حج لهم
يجلسون في هذه الأيام تحت ظلال من جريد النخل وأغصان الزيتون والخرف وسائر الشجر الذي لا ينتشر ورقه على الأرض ويزعمون أن ذلك تذكار منهم لإظلال الله إياهم في التيه بالغمام
العيد الرابع عيد الفطير ويسمونه الفصح ويكون في الخامس عشر من نيسان وهو سبعة أيام أيضا يأكلون فيها الفطير وينظفون بيوتهم فيها من خبز الخير لأن هذه الأيام عندهم هي الأيام التي خلص الله فيها بني إسرائيل من يد فرعون وأغرقه فخرجوا النية ياكلون اللحم والخبز الفطير وهم بذلك فرحون وفي أحد هذه الأيام غرق فرعون
العيد الخامس عيد الأسابيع ويسمى عيد العنصرة وعيد الخطاب

ويكون بعد عيد الفطر بسبعة أسابيع واتخاذهم لهذا العيد في السادس من سيوان من شهور اليهود وهو الثالث والعشرون من بشنس من شهور القبط
يقولون إنه اليوم الذي خاطب الله فيه بني إسرائيل من طور سينا وفي جملة هذا الخطاب العشر كلمات وهي وصايا تضمنت أمرا ونهيا وضمنت التوفيق لمن حصلها حفظا ورعيا وهو حج من حجوجهم وحجوجهم ثلاثة الأسابيع والفطير والمظلة وهم يعظمونه ويأكلون فيه القطائف ويتفننون في عملها ويجعلونها بدلا عن المن الذي أنزل الله عليهم في هذا اليوم ويسمى هذا العيد أيضا عشرتا ومعناه الاجتماع

الضرب الثاني ما أحدثه اليهود زيادة على ما زعموا أن التوراة نطقت به وهو
عيدان
العيد الأول الفوز وهو عندهم عيد سرور ولهو وخلاعة يهدي فيه بعضهم إلى بعض وهم يقولون إن سبب اتخاذهم له أن بختنصر لما أجلى من كان ببيت المقدس من اليهود إلى عراق العجم أسكنهم بحي وهي إحدى مدينتي أصفهان ثم ذهبت أيام الكلدانيين وملكت الفرس الأولى والأخيرة فلما ملك أردشير بن بابك وتسميه اليهود بالعبرانية أجشادوس وكان له وزير يسمونه بلغتهم هيمون ولليهود يومئذ حبر يسمى بلغتهم مردوخاي فبلغ أردشير أن له ابنة عم من أحسن أهل زمانها وأكملهم عقلا فطلب تزويجها منه فأجابه لذلك فحظيت عنده حظوة صار بها مردوخاي قريبا منه فأراد هيمون إصغاره واحتقاره

حسدا له وعزم على إهلاك طائفة اليهود التي في جميع مملكة أردشير فرتب مع نواب الملك في جميع الأعمال أن يقتل كل أحد منهم من يعلمه من اليهود وعين له يوما وهو النصف من آذار وإنما خص هذا اليوم دون سائر الأيام لأن اليهود يزعمون أن موسى ولد فيه وتوفي فيه وأراد بذلك المبالغة في نكايتهم ليتضاعف الحزن عليهم بهلاكهم وبموت موسى فاتضح لمردوخاي ذلك من بعض بطانة هيمون فأرسل إلى ابنة عمه يعلمها بما عزم عليه هيمون في أمر اليهود وسألها إعلام الملك بذلك وحضها على إعمال الحيلة في خلاص نفسها وخلاص قومها فأعلمت الملك بالحال وذكرت له إنما حمله على ذلك الحسد على قربنا منك ونصيحتنا لك فأمر بقتل هيمون وقتل أهله وأن يكتب لليهود بالأمان والبر والإحسان في ذلك اليوم فاتخذوه عيدا واليهود يصومون قبله ثلاثة أيام وفي هذا العيد يصورون من الورق صورة هيمون ويملأون بطنها نخالة وملحا ويلقونها في النار حتى تحترق يخدعون بذلك صبيانهم
العيد الثاني عيد الحنكة وهو ثمانية أيام يوقدون في الليلة الأولى من لياليه على كل باب من أبوابهم سراجا وفي الليلة الثانية سراجين وهكذا إلى أن يكون في الليلة الثامنة ثمانية سرج
وهم يذكرون أن سبب اتخاذهم لهذا العيد أن بعض الجبابرة تغلب على بيت المقدس وفتك باليهود وافتض أبكارهم فوثب عليه أولا كهانهم وكانوا ثمانية فقتله أصغرهم وطلب اليهود زيتا لوقود الهيكل فلم يجدوا إلا يسيرا وزعوه علىعدد ما يوقدونه من السرج على أبوابهم في كل ليلة إلى تمام ثمان ليال فاتخذوا هذه الأيام عيدا وسموه الحنكة ومعناه التنظيف لأنهم نظفوا فيه الهيكل من أقذار شيعة الجبار وبعضهم يسميه الرباني

الجملة الخامسة في أعياد الصابئين
ومدار أعيادهم علىالكواكب وأعيادهم عند نزول الكواكب الخمسة المتحيرة وهي زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد في بيوت شرفها وذلك أن من البروج ما يقوم لهذه الكواكب مقام قصر العز للملك يشتهر فيه ويعلو ويشرف وفيها درجات معلومة ينسب الشرف إليها ومنها ما يخمل فيه ويفسد حاله ويكون ذلك أيضا في درجات معلومة تقابل درجات الشرف به من البرج المقابل ويسمى ذلك هبوطا فزحل شرفه في إحدى وعشرين درجة من الميزان ويهبط في مثلها من الحمل والمشتري يشرف في خمس عشرة درجة من السرطان ويهبط في مثلها من الجدي والمريخ يشرف في ثمان عشرة درجة من الجدي ويهبط في مثلها من السرطان والزهرة تشرف في تسع وعشرين درجة من الحوت وتهبط في مثلها من السنبلة وعطارد شرفه في خمس عشرة درجة من السنبلة ويهبط في مثلها من الحوت وكذلك الشمس تشرف في تسع عشرة درجة من الحمل وتهبط في مثلها من الميزان والقمر يشرف في ثلاث درجات من السنبلة ويهبط في مثلها من الحوت
وهم يعظمون اليوم الذي تنزل الشمس فيه الحمل ويلبسون فيه أفخر ثيابهم
وهو عندهم من أعظم الأعياد
وكانت ملوكهم تبني الهياكل وتجعل لها أعيادا بحسب الكواكب التي بنيت على اسمها فيه

الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور
العملية وهو الخط وتوابعه ولواحقه وفيه فصلان
الفصل الأول في ذكر آلات الخط ومباديه وصوره وأشكاله وما ينخرط في سلك
ذلك وفيه ثلاث أطراف
الطرف الأول في الدواة وآلاتها وفيه مقصدان
المقصد الأول في نفس الدواة وفيه أربع جمل
الجملة الأولى في فضلها
قد أخرج ابن أبي حاتم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال خلق الله النون وهي الدواة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله

عنهما قال لما خلق الله النون وهي الدواة وخلق القلم فقال اكتب فقال وما أكتب قال أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة وهذا الخبر والأثر دالان على أن المراد بالنون في الآية هو الدواة وإن فسره بعضهم بغير ذلك إذ الدواة هي المناسبة في الذكر لذكر القلم وتسيطر الكتابة في قوله تعالى ( ن والقلم وما يسطرون )
وبالجملة فإن الدواة هي أم آلات الكتابة وسمطها الجامع لها ولا يخفى ما يجب من الاهتمام بأمرها والاحتفال بشأنها فقد قال عبد الله بن المبارك من خرج من بيته بغير محبرة وأداة فقد عزم على الصدقة قال المدائني يعني بالأداة مثل السكين والمقلمة وأشباههما
قال محمد بن شعيب ابن سابور مثل الكاتب بغير دواة كمثل من يسير إلى الهيجاء بغير سلاح

الجملة الثانية في أصلها في اللغة
قال أبو القاسم بن عبد العزيز تقول العرب دواة ودويات في أدنى العدد وفي الكثير دوي ودوي بضم الدال وكسرها ويقال أيضا دواء ودواء بضم الدال وكسرها ودوايا مثل حوايا وأدويت دواة أي اتخذت دواة ورجل دواء بفتح الدال وتشديد الواو إذا كان يبيعها كقولك عطار وبزاز
الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه وما تحلى به
أما ما تتخذ منه فينبغي أن تتخذ من أجود العيدان وأرفعها ثمنا كالآبنوس والساسم والصندل وهذا اعتماد منه على ما كان يعتاده أهل زمانه ويتعاناه أهل عصره

قلت وقد غلب على الكتاب في زماننا من أهل الإنشاء وكتاب الأموال اتخاذ الدوي من النحاس الأصفر والفولاذ وتغالوا في أثمانها وبالغوا في تحسينها
والنحاس أكثر استعمالا والفولاذ أقل لعزته ونفاسته واختصاصه بأعلى درجات الرياسة كالوزارة وما ضاهاها
أما دوي الخشب فقد رفضت وتركت إلا الآبنوس والصندل الأحمر فإنه يتعاناه في زماننا قضاة الحكم وموقعوهم وبعض شهود الدواوين
وأما التحلية فقال الحسن بن وهب سبيل الدواة أن يكون عليها من الحلية أخف ما يكون ويمكن أن تحلى به الدوي وفي وثاقة ولطف ليأمن من أن تنكسر أو تنقصهم في مجلسه قال وحق الحلية أن تكون ساذجة بغير حفر ولا ثنيات فيها ليأمن من مسارعة القذى والدنس إليها
ولا يكون عليها نقش ولا صورة
وحق هذه الحلية مع ما ذكره ابن وهب أن تكون من النحاس ونحوه دون الفضة والذهب
على أن بعض الكتاب في زماننا قد اعتاد التحلية بالفضة ولا يخفى أن حكم ذلك حكم الضبة في الإناء فتحرم مع الكبر والزينة وتكره مع الصغر والزينة والكبر والحاجة وتباح مع الصغر والحاجة من كسر ونحوه كما قرره أصحابنا الشافعية رحمهم الله نعم يحرم التكفيت بالذهب والفضة وكذلك التمويه إذا كان يحصل منه بالعرض على النار شيء والله أعلم

الجملة الرابعة في قدرها وصفتها
قال الحسن بن وهب سبيل الدواة أن تكون متوسطة في قدرها لا بالقصيرة فتقصر أقلامها وتقتج ولا بالكثيفة فيثقل محملها وتعجف
فلا بد لصاحبها أن يحملها ويضعها بين يدي ملكه أو أميره في أوقات مخصوصة ولا يحسن أن يتولى ذلك غيره
قال الفضل ويكون طولها بمقدار عظم الذراع أو

فويق ذلك قليلا لتكون مناسبة لمقدار القلم
قلت وقد اختلفت مقاصد أهل الزمان في هيئة الدواة من التدوير والتربيع
فأما كتاب الإنشاء فإنهم يتخذونها مستطيلة مدورة الرأسين لطيفة القد طلبا للخفة ولأنهم إنما يتعانون في كتابتهم الدرج وهو غير لائق بالدواة في الجملة
على أن الصغير من الدرج لا يأبى جعله في الدواة المدورة
وأما كتاب الأموال فإنهم يتخذونها مستطيلة مربعة الزوايا ليجعلوا في باطن غطائها ما استخفوه مما يحتاجون إليه من ورق الحساب الديواني المناسب لهذه الدواة في القطع
وعلى هذا الأنموذج يتخذ قضاة الحكم وموقعوهم دويهم إلا أنها في الغالب تكون من الخشب كما تقدم
واعلم أنه ينبغي للكاتب أن يجتهد في تحسين الدواة وتجويدها وصونها
ولله المدائني حيث يقول
( جود دواتك واجتهد في صونها ... إن الدوي خزائن الآداب )
وأهدى أبو الطيب عبد الرحمن بن أحمد بن زيد بن الفرج الكاتب إلى صديق له دواة آبنوس محلاة وكتب معها
( لم أر سوداء قبلها ملكت ... نواظر الخلق والقلوب معا )
( لا الطول أزرى بها ولا قصر ... ولكن أتت للوصول مجتمعا )
( فوقك جنح من الظلام بها ... وبارق بائتلاقها لمعا )
( خذها لدر بها تنظمه ... يروق في الحسن كل من سمعا )
أما المحبرة المفردة عن الدواة فقد اختلف الناس فيها فمنهم من رجحها ومالوا إلى اتخاذها لخفة حملها وقالوا بها يكتب القرآن والحديث والعلم
وكرهها بعضهم واستقبحها من حيث إنها آلة النسخ الذي هو من أشد الحرف وأتعبها وأقلها مكسبا
ويروى أن شعبة رأى في يد رجل محبرة فقال ارم بها فإنها مشؤومة لا

يبقى معها أهل ولا ولد ولا أم ولا أب

الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة وهي سبع عشرة آلة أول كل
آلة منها ميم
الآلة الأولى المزبر بكسر الميم وهو القلم أخذا له من قولهم زبرت الكتاب إذا اتقنت كتابته ومنه سميت الكتب زبرا كما في قوله تعالى ( وإنه لفي زبر الأولين ) وفي حديث أبي بكر أنه دعا في مرضه بدواة ومزبر أي قلم
وفيه جملتان
الجملة الأولى في فضله
عن الوليد بن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال دعاني أبي حين حضره الموت فقال إني سمعت رسول الله يقول أول ما خلق الله القلم فقال اكتب قال يا رب وما أكتب قال اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب وابن أبي حاتم واللفظ له
وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إن أول ماخلق الله القلم والحوت فقال له اكتب فقال يا رب وما أكتب قال اكتب كل شيء كائن إلى يوم القيامة ثم قرأ ( ن والقلم ) رواه الطبراني ووقفه ابن جرير على ابن عباس
وفي رواية قال ابن عباس أول ما خلق الله القلم قال اكتب قال وما أكتب قال اكتب القدر فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة ثم خلق النون

ورفع بخار الماء فتفتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض لأنها أثبتت عليها رواه ابن جرير وابن أبي حاتم
وروى محمد بن عمر المدائني بسنده إلى مجاهد إن أول ما خلق الله اليراع ثم خلق من اليراع القلم فقال له اكتب قال ما أكتب قال ما هو كائن قال فزبر القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة
وأخرج بسنده إلى ابن عباس قال أول ماخلق الله اليراع وهو القصب المثقب فقال اكتب قضائي في خلقي إلى يوم القيامة
ويروى أنه لما خلقه الله تعالى نظر إليه فانشق بنصفين ثم قال اجر قال يا رب بما أجري قال بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك وكان منه ( تبت يدا أبي لهب )
ويروى أن خلقه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة
واعلم أن القلم أشرف آلات الكتابة وأعلاها رتبة إذ هو المباشر للكتابة دون غيره وغيره من آلات الكتابة كالأعوان وقد قال الله تعالى ( ن والقلم وما يسطرون ) فأقسم به وذلك في غاية الشرف
ولله أبو الفتح البستي حيث يقول
( إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم ... وعدوه مما يكسب المجد والكرم )
( كفى قلم الكتاب عزا ورفعة ... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم )
وقال تعالى ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ) فأضاف التعليم

بالقلم إلى نفسه
قال ابن الهيثم من جلالة القلم أن الله عز و جل لم يكتب كتابا إلا به لذلك أقسم به
قال المدائني وقد روي أن النبي قال من قلم قلما يكتب به علما أعطاه الله شجرة في الجنة خير من الدنيا وما فيها
وقد قيل الأقلام مطايا الفطن ورسل الكرم
وقال عبد الحميد القم شجرة ثمرها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة وفيه ري العقول الكامنة
وقال جبل بن زيد القلم لسان البصر يناجيه بما ستر عن الأسماع
وقال ابن المقفع القلم بريد العلم يحث على البحر ويبحث عن خفي النظر
وقال أحمد بن يوسف ما عبرات الغواني في خدودهن بأحسن من عبرات الأقلام
وقيل القلم الطلسم الأكبر
وقيل البيان اثنان بيان لسان وبيان بنان ومن فضل بيان البنان أن ما تثبته الأقلام باق على الأبد وما ينبسه اللسان تدرسه الأيام
ويقال عقول الرجال تحت أسنة أقلامها بنوء الأقلام يصوب غيث الحكمة
وقال جعفر بن يحيى لم أر باكيا أحسن تبسما من القلم
قال ابن المعتز القلم مجهز لجيوش الكلام تخدمه الإرادة ولا يمل من الاستزادة كأنه يقبل بساط سلطان أو يفتح نور بستان
ومن إنشاء الوزير ضياء الدين بن الأثير الجزري من جواب كتبه للعماد الأصفهاني وكيف لا يكون ذلك وقلمها هو اليراع الذي نفثت الفصاحة في روعه وكمنت الشجاعة بين ضلوعه فإذا قال أراك كيف تنسق الفرائد في الأجياد
ومن كلام أبي حفص بن برد الأندلسي ما أعجب شأن القلم يشرب

ظلمة ويلفظ نورا قد يكون قلم الكاتب أمضى من شباة المحارب القلم سهم ينفذ المقاتل وشفرة تطيح بها المفاصل
ومن كلام العميد عمر بن عثمان الكاتب قلم يطلق الآجال والأرزاق وينفث السم والدرياق قلم تدق عن الإدراك حركاته وتحلى بالنفائس فتكاته يسرع ولا انحدار السيل إلى قراره وانقداح الضوء من شراره معطوفة الغايات على المبادي مصروفة الأعجاز إلى الهوادي وإذا صال أراك كيف اختلاف الرماح بين الآساد
وله خصائص أخرى يبدعها أبداعا فإذا لم يأت بها غيره تطبعا أتى بها هو طبعا فطورا يرى إماما يلقي درسا وطورا يرى ماشطة تجلو عرسا وطورا يرى ورقاء تصدح في لأوراق وطورا يرى جوادا مخلقا بخلوق السباق وطورا أفعوانا مطرقا والعجب أنه لا يزهو إلا عند الإطراق ولطالما نفث سحرا وجلب عطرا وأدار في القرطاس خمرا وتصرف في صنوف الغناء فكان في الفتح عمر وفي الهدي عمارا وفي الكيد عمرا فلا تحظى به دولة إلا فخرت على الدول واستغنت عن الخيل والخول
وقال الإسكندر لولا القلم ما قامت الدنيا ولا استقامت المملكة
وكل شيء تحت العقل واللسان لأنهما الحاكمان على كل شيء والقلم يريكهما صورتين ويوجدكهما شكلين
وقال بعض حكماء اليونان أمور الدنيا تحت شيئين السيف والقلم والسيف تحت القلم
وقال آخر فاقت صنعة القلم عند سائر الأمم جمع الحكم في صحون الكتب
وقال العتابي ببكاء تبسم الكتب
وقال البحتري الأقلام مطايا الفطن
وقال أبو دلف العجلي القلم صائغ الكلام يفرغ ما

يجمعه الفكر ويصوغ ما يسبكه اللب
وقال سهل بن هارون القلم أنف الضمير إذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره
وقال ثمامة ما أثرته الأقلام لم تطمع في درسه الأيام
وقال هشام بن الحكم أحسن الصنيع صنيع القلم والخط الذي هو جنى العقول
وقال علي بن منصور بنور القلم تضيء الحكمة
وقال الجاحظ من عرف النعمة في بيان اللسان كان بفضل النعمة في بيان القلم أعرف
وقال غيره بالقلم تزف بنات العقول إلى خدور الكتب
وقال المأمون لله در القلم كيف يحوك وشي المملكة
وقال بعض الأعراب القلم ينهض بما يظلع بحمله اللسان ويبلغ ما لا يبلغه البيان
وقال بعضهم القلم يجعل للكتب ألسنا ناطقة وأعينا ملاحظة وربما ضمنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الإخوان عند المشاهدة
وقال أوميرس الحكيم الخط شيء أظهره العقل بواسطة سن القلم فلما قابل النفس عشقته بالعنصر
وقال مرطس الحكيم الخط بالقلم ينمي الحكمة
وقال جالينوس القلم الطلسم الأكبر
وقال بقراط القلم على إيقاع الوتر والمهنة المنطقية مقدمة على المهنة الطبيعية
وقال بليناس القلم طبيب المنطق
قال أرسطاطاليس القلم العلة الفاعلة والمداد العلة الهيولانية والخط العلة الصورية والبلاغة العلة التمامية
وقد أكثر الشعراء القول في شرف القلم وفضله
فمن ذلك قول أبي تمام الطائي
( إن يخدم القلم السيف الذي خضعت ... له الرقاب وذلت خوفه الأمم )

( فالموت والموت لا شيء يغالبه ... ما زال يتبع ما يجري به القلم )
( كذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... أن السيوف لها مذ أرهفت خدم )
وقوله
( لك القلم الأعلى الذي بشباته ... تصاب من الأمر الكلي والمفاصل )
( لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل )
( له ريقه ظل ولكن وقعها ... بآثاره في الشرق والغرب وابل )
( فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل )
( إذا ما امتطى الحمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل )
( أطاعته أطراف القنا وتقوضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل )
( إذا استغزر الذهن الجلي وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل )
( وقد رفدته الخنصران وسددت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل )
( رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنا وسمينا خطبه وهو ناحل )
وقول أبي هلال العسكري
( انظر إلى قلم ينكس رأسه ... ليضم بين موصل ومفصل )
( تنظر إلى مخلاب ليث ضيغم ... وغرار مسنون المضارب مفصل )
( يبدو لناظره بلون أصفر ... ومدامع سود وجسم منحل )
( فالدرج أبيض مثل خد واضح ... يثنيه أسود مثل طرف أكحل )
( قسم العطايا والمنايا في الورى ... فإذا نظرت إليه فاحذر وأمل )
( طعمان شوب حلاوة بمرارة ... كالدهر يخلط شهده بالحنظل )
( فإذا تصرف في يديك عنانه ... ألحقت فيه مؤملا بمؤمل )
( ومذللا بمعزز ولربما ... ألحقت فيه معززا بمذلل )
وقوله
( لك القلم الجاري ببؤس وأنعم ... فمنها بواد ترتجى وعوائد )

( إذا ملأ القرطاس سود سطوره ... فتلك أسود تتقى وأساود )
( وتلك جنان تجتنى ثمراتها ... ويلقاك من أنفاسهن بوارد )
( وهن برود مالهن مناسج ... وهن عقود مالهن معاقد )
( وهن حياة للولي رضية ... وهن حتوف للعدو رواصد )

الجملة الثانية في اشتقاقه
وقد اختلف في ذلك فقيل سمي قلما لاستقامته كما سميت القداح أقلاما في قوله تعالى ( إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) قال بعض المفسرين تشاحوا في كفالتها فضربوا عليها بالقداح والقداح مما يضرب بها المثل في الاستقامة وقيل هو مأخوذ من القلام وهو شجر رخو فلما ضارعه القلم في الضعف سمي قلما وقيل سمي قلما لقلم رأسه فقد قيل إنه لا يسمى قلما حتى يبرى أما قبل ذلك فهو قصبة
كما لا يسمى الرمح رمحا إلا إذا كان عليه سنان وإلا فهو قناة ومنه قلامة الظفر وإلى ذلك يشير أبو الطيب الأزدي بقوله
( قلم قلم أظفار العدا ... وهو كالأصبع مقصوص الظفر )
( أشبه الحية حتى إنه ... كلما عمر في الأيدي قصر )
وقيل لأعرابي ما القلم ففكر ساعة وقلب يده ثم قال لا أدري فقيل له توهمه قال هو عودقلم من جوانبه كتقليم الظفر فسمي قلما
الجملة الثالثة في صفته
قال إبراهيم بن العباس لغلام بين يديه يعلمه الخط ليكن قلمك صلبا بين

الدقة والغلظ ولا تبره عند عقدة فإن فيه تعقيد الأمور ولا تكتب بقلم ملتوي ولا ذي شق غير مستوي وإن أعوزك البحري والفارسي واضطررت إلى الأقلام النبطية فاختر منها ما يميل إلى السمرة
وقال إبراهيم بن محمد الشيباني ينبغي للكاتب أن يتخير من أنابيب القصب أقله عقدا وأكثفه لحما وأصلبه قشرا وأعدله استواء
وقال العتابي سألني الأصمعي يوما بدار الرشيد أي الأنانبيب للكتابة أصلح وعليها أصبر فقلت ما نشف بالهجير ماؤه وستره من تلويحه غشاؤه من التبرية القشور الدرية الظهور الفضية الكسور
وكتب علي بن الأزهر إلى صديق له يستدعي منه أقلاما
أما بعد فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التي غلبت على الاسم ولزمت لزوم الوسم فحلت محل الأنساب وجرت مجرى الألقاب وجدنا الأقلام الصخرية أجرى في الكواغد وأمر في الجلود كما أن البحرية منها أسلس في القراطيس وألين في المعاطف وأشد لتصرف الخط فيها ونحن في بلد قليل القصب رديئه وقد أحببت أن تتقدم في اختيار أقلام صخرية وتتنوق في اقتنائها قبلك وتطلبها من مظانها ومنابتها من شطوط الأنهار وأرجاء الكروم وأن تتيمن باختيارك منها الشديدة الصلبة النقية الجلود القليلة الشحوم الكثيرة اللحوم الضيقة الأجواف الرزينة المحمل فإنها أبقى على

الكتابة وأبعد من الخفاء وأن تقصد بانتقائك الرقاق القضبان المقومات المتون الملس المعاقد الصافية القشور الطويلة الأنابيب البعيدة ما بين الكعوب الكريمة الجواهر المعتدلة القوام المستحكمة يبسا وهي قائمة على أصولها لم تعجل عن أبان ينعها ولم تؤخر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر الشتاء وعفن الأنداء فإذا استجمعت عندك أمرت بقطعها ذراعا ذراعا قطعا رفيقا ثم عبأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية وتكتب معه بعدتها وأصنافها من غير تأخير ولا توان
وأهدى ابن الحرون إلى رجل من إخوانه الكتاب أقلاما وكتب إليه
إنه لما كانت الكتابة أبقاك الله أعظم الأمور وقوام الخلافة وعمود المملكة أتحفتك من آلتها بما يخف محمله وتثقل قيمته ويعظم نفعه ويجل خطره وهي أقلام من القصب النابت في الصخر الذي نشف بحر الهجير في قشره ماؤه وستره من تلويحه غشاؤه وهي كاللآليء المكنونة في الصدف والأنوار المحجوبة في السدف تبرية القشور درية الظهور فضية الكسور قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشي المحبر ورونقا كالديباج المنير
ومن كتاب لأبي الخطاب الصابيء يصف فيه أقلاما أهداها في جملة أصناف وأضفت إليها أقلاما سليمة من المعايب مبرأة من المثالب جمة المحاسن بعيدة عن المطاعن لم ير بها طول ولا قصر ولا ينقصها ضعف خور ولا يشينها لين ولا رخاوة ولم يعبها كزازة ولا قساوة وهي آخذة بالفضائل من جميع

جهاتها مستوفية للممادح بسائر صفائها صلبة المعاجم لدنة المقاطع موفية القدود والألوان محمودة المخبر والعيان وقد استوى في الملاسة خارجها وداخلها وتناسب في السلاسة عاليها وسافلها نبتت بين الشمس والظل واختلف عليها الحر والقر فلفحها وقدان الهواجر ولفعها سمائم شهر ناجر ووقذها الشفان بصرده وقذفها الغمام ببرده وصابتها الأنواء بصيبها واستهلت عليها السحائب بشآبيبها فاستمرت مرائرها على إحكام واستحصد سجلها بالإبرام جاءت شتى الشيات متغايرة الهيئات متباينة المحال والبلدان تختلف بتباعد ديارها وتأتلف بكرم نجارها
فمن أنانيب قنا ناسبت رماح الخط في أجناسها وشاكلت الذهب في ألوانها وضاهت الحرير في لمعانها مضابطة الحفاء نمرة القوى لا يسيطها القط ولا يشعب بها الخط
ومن مصرية بيض كأنها قباطي مصر نقاء وغرقيء البيض صفاء غذاها الصعيد من ثراه بلبه وسقاها النيل من نميره وعذبه فجاءت ملتئمة الأجزاء سليمة من الالتواء تستقيم شقوقها في أطوالها ولا تنكب عن يمينها ولا شمالها مقترن بها صفراء كأنها معها عقيان قرن بلجين أو ورق خط بعين

تختال في صفر ملاحفها وتميس في مذهب مطارفها بلون غياب الشمس وصبغ ثياب الورس
ومن منقوشة تروق العين وتونق النفس ويهدي حسنها الأريحية إلى القلوب ويحل الطرف لها حبوة الحليم اللبيب كأنها اختلاف الزهر اللامع وأصناف الثمر اليانع
ومن يجرية موشية الليط رائقة التخطيط كأن داخلها قطرة دم أو حاشية رداء معلم وكأن خارجها أرقم أو متن واد مفعم نشرت الوانا تزري بورد الخدود وأبدت قامات تفضح تأود القدود
ومن كلام ابن الزيات خير الأقلام ما استحكم نضجه وخف بزره قد تساعدت عليه السعود في فلك البروج حولا كاملا تؤلفه بمختلف أركانها وطباعها ومتباين أنوائها وأنحائها حتى إذا بلغ أشده واستوى وشقت بوازله ورقت شمائله وابتسم من غشائه وتأدى من لحائه وتعرى عنه ثوب المصيف بانقضاء الخريف وكشف عن لون البيض المكنون والصدف المخزون قطع ولم يعجل عن تمام مصلحته ولم يؤخر إلى الأوقات المخوفة عاهاتها عليه من خصر الشتاء وعفن الأنداء فجاء مستوي الأنابيب معتدلها مثقف الكعوب مقومها
وقد حرر الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله مناط الحاجة من هذه

الأوصاف واقتصر على الضروري منها في ألفاظ قلائل فقال
خير الأقلام ما استحكم نضجه في جرمه ونشف ماؤه في قشره وقطع بعد إلقاء بزره وبعد أن اصفر لحاؤه ورق شجره وصلب شحمه وثقل حجمه

الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها
قال ابن مقلة خير الأقلام ما كان طوله من ستة عشر إصبعا إلى اثني عشر وامتلاؤه ما بين غلظ السبابة إلى الخنصر
وهذا وصف جامع لسائر أنواع الأقلام على اختلافها
وقال في موضع آخر أحسن قدود القلم ألا يتجاوز به الشبر بأكثر من جلفته ويشهد له قول الشاعر
( فتى لو حوى الدنيا لأصبح عاريا ... من المال معتاضا ثيابا من الشكر )
( له ترجمان أخرس اللفظ صامت ... على قاب شبر بل يزيد على الشبر )
وقال الشيخ عماد الدين الشيرازي أحمد الأقلام ما توسطت حالته في الطول والقصر والغلظ والدقة فإن الدقيق الضئيل تجتمع عليه الأنامل فيبقى مائلا إلى ما بين الثلث والغليظ المفرط لا تحمله الأنامل
وقال في الحلية إذا كانت الصحيفة لينة ينبغي أن يكون القلم لين الأنبوب وفي لحمه فضل وفي قشره صلابة وإن كانت صلبة كان يابس الأنبوب صلبه ناقص الشحم لأن حاجته إلى كثرة المداد في الصحيفة الرخوة أكثر من حاجته إليه في الصحيفة الصلبة فرطوبته ولحمه يحفظان عليه غزارة الاستمداد ويكفي

في الصحيفة الصلبة ما وصل إليها في القلم الصلب الخالي من المداد والله جل ذكره أعلم

الجملة الخامسة في بري القلم وفيه خمسة أنظار
النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه
يقال بريت القلم أبريه بريا وبراية غير مهموز وهو قلم مبري وأنا بار للقلم بغير همزة أيضا
قال الشاعر
( يا باري القوس بريا ليس يحكمه ... لا تفسد القوس أعط القوس باريها )
ويقال أيضا بروت القلم والعود بروا بالواو والياء أفصح
ويقال لما سقط منه حالة البري براية بضم الموحدة في أوله على وزن نزالة وحثالة والفعالة اسم لكل فضلة تفضل من الشيء وتقول في الأمر ابر قلمك
النظر الثاني في الحث علىمعرفة البراية
قال الحسن بن وهب يحتاج الكاتب إلى خلال منها جودة بري القلم وإطالة جلفته وتحريف قطته وحسن التأتي لامتطاء الأنامل وإرسال المدة بعد إشباع الحروف والتحرز عند فراغها من الكشوف وترك الشكل علىالخطإ والإعجام على التصحيف
ومن كلام المقر العلائي ابن فضل الله طيب الله مهجعه من لم يحسن

الاستمداد وبري القلم والقط وإمساك الطومار وقسمة حركة اليد حال الكتابة فليس هو من الكتابة في شيء
ويحكى أن الضحاك كان إذا أراد أن يبري قلما توارى بحيث لا يراه أحد ويقول الخط كله القلم
وكان الأنصاري إذا أراد أن يبري فعل ذلك فإذا أراد أن يقوم من الديوان قطع رؤوس الأقلام حتى لا يراها أحد
وقال إسحاق بن حماد لا حذق لغير مميز لصنوف البراية
ورأى إبراهيم بن المحبس رجلا يأخذ على جارية قلم الثلث فقال أعلمتها البراية قال لا قال كيف تحسن أن تكتب بما لا تحسن برايته تعليم البراية أكبر من تعليم الخط
قال المقر العلائي ابن فضل الله ورأيت بخط أبي علي بن مقلة رحمه الله نعم نعم ملاك الخط حسن البراية ومن أحسنها سهل عليه الخط ولا يقتصر على علم فن منها دون فن فإنه يتعين على من تعاطى هذه الصناعة أن يحفظ كل من منها على مذهبه من زيادة في التحريف ومن النقصان منه ومن اختلاف طبقاته ومن وعى قلبه كثرة أجناس قط الأقلام كان مقتدرا على الخط ولا يتعلم ذلك إلا عاقل والقلم للكاتب كالسيف للشجاع
وقال الضحاك بن عجلان القلم من أجناس الأقلام كاللحن من أجناس الألحان في الصناعة والبراية الواحدة من أجناس البراية كذلك
ومن كلام المقر العلائي ابن فضل الله جودة البراية نصف الخط

ومنهم من ذهب إلى أن العبرة بحسن الصنعة دون بري القلم حتى حكى الغزالي رحمه الله في نصيحة الملوك أن الصاحب بن عباد كان وزيرا لبعض الملوك وكان معه ستة وزراء غيره فكانوا يحسدونه ولم يزالوا حتى ذكروا للملك أنه لا يحسن براية القلم وعمدوا إلى أقلامه فكسروا رؤوسها ثم إن الملك أمره بكتب كتاب في المجلس فوجد أقلامه كلها مكسرة الرؤوس فأخذ قلما منها وكتب به إلى أن انتهى إلى آخر الكتاب بخط فائق رائق فقال له الملك إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن بري القلم فقال إن أبي علمني كاتبا ولم يعلمني نجارا

النظر الثالث في معرفة محل البراية من القلم
قال إبراهيم بن محمد الشيباني يجب أن يكون البري من جهة نبات القصبة يعني من أعلاها إذا كانت قائمة على أصلها فإن محل القلم من الكاتب محل الرمح من الفارس وإلى هذا المعنى أشار أبو تمام الطائي بقوله في أبياته المتقدمة
( إذا استغزر الذهن القوي وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل )
وقال أبو القاسم إذا أخذ القلم ليبريه فلا يخلو من استقامة في البنية أو اعوجاج في الخلقة فإن كان مستويا فالبرية من رأسه وهو حيث استدق وإن كان معوجا ودعت الضرورة إليه فالبرية من أسفله لأن أسفله أقل التواء من أعلاه
النظر الرابع في كيفية إمساك السكين حال البري
قال ابن البربري إذا بدأت بالبراية فأمسك السكين باليد اليمنى

والأنبوبة باليسرى وضع إبهامك اليمنى على قفا السكين ثم اعتمد على الأنبوبة اعتمادا رفيقا

النظر الخامس في صنعة البراية
قال العتابي سألني الأصمعي يوما بدار الرشيد أي نوع من البري أصوب وأكتب فقلت البرية المستوية القطة التي عن يمين سنها برية تأمن معها المجة عند المدة والمطة والهواء في شقها فتيق والريح في جوفها خريق والمداد في خرطومها رفيق
واعلم أنه ربما حسن الخط باعتبار براية القلم وإن لم يكن على قواعد الخط وهندسته فقد قيل إن الأحوال المحرر كان عجيب البراية للقلم فكان خطه رائقا بهجا من غير إحكام ولا إتقان
قال الأنصاري المحرر كنت أكتب في ديوان الأحوال فقربت منه وأخذت من خطه وسرقت من دواته قلما من أقلامه فجاد خطي به فلاحت منه نظرة إلى دواتي فرأى القلم فعرفه فأخذه وأبعدني
وكان إذا أراد أن يقوم منمجلسه أو ينصرف قطع رؤوس أقلامه كلها
واعلم أن البري يشتمل على معان
المعنى الأول في صفته ومقداره في الطول والتقعير
قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله ويجب أن في القلم الصلب أكثر تقعيرا وفي الرخو أقل وفي المعتدل بينهما
وصفته أن تبتديء بنزولك بالسكين على الاستواء ثم تميل القطع إلى ما يلي رأس القلم ويكون طول

الفتحة مقدار عقدة الإبهام أو كمناقير الحمام وإلى ذلك أشار الشيخ علاء الدين السرمري رحمه الله في أرجوزته بقوله
( وطولها كعقدة الإبهام لا ... أعلى ولا أدنى يكون أرذلا )
قال الأستاذ أبو الحسن بن البواب رحمه الله كل قلم تقصر جلفته فإن الخط يجيء به أوقص والوقص قصر العنق ولذلك سمي متفاعلن في عروض الكامل إذا حذفت منه التاء أوقص وكأنه يريد بالقصر ما دون عقدة الإبهام
وقد قال إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب أطل خرطوم قلمك
فقيل له أله خرطوم قال نعم وأنشد
( كأن أنوف الطير في عرصاتها ... خراطيم أقلام تخط وتعجم )
وقال عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان لرغبان وكان يكتب بقلم قصير البرية أتريد أن يجود خطك قال نعم قال فأطل جلفة قلمك وأسمنها وحرف القطة وأيمنها قال رغبان ففعلت ذلك فجاد خطي
وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله إذا طالت البرية فإنه يجيء الخط بها أخف وأضعف وأجلى وإذا قصرت جاء الخط بها أصفى وأثقل وأقوى
المعنى الثاني النحت
قال الوزير أبو علي بن مقلة وهو نوعان نحت حواشيه ونحت بطنه أما نحت حواشيه فيجب أن يكون متساويا من جهتي السن معا ولا يحمل على

إحدى الجهتين فيضعف سنه بل يجب أن يكون الشق متوسطا لجلفة القلم دق أو غلظ
قال ويجب أن يكون جانباه مسيفين والتسييف أن يكون أعلاه ذاهبا نحو رأس القلم أكثر من أسفله فيحسن جري المداد من القلم قال وأما نحت بطنه فيختلف بحسب اختلاف الأقلام في صلابة الشحم ورخاوته
فأما الصلب الشحمة فينبغي أن ينحت وجهه فقط ثم يجعل مسطحا وعرضه كقدر عرض الخط الذي يؤثر الكاتب أن يكتبه وأما الرخو الشحمة فيجب أن تستأصل شحمته حتى تنتهي إلى الموضع الصلب من جرم القلم لأنك إن كتبت بشحمته تشظى القلم ولم يصف جريانه
ومن كلام ابن البربري لا تقصع البراية ولا تخالف بين حدي القلم فإن ذلك حياكة وإذا كان كذلك يكون القلم أحول
ثم الجلفة على أنحاء منها أن يرهف جانبي البرية ويسمن وسطها شيئا يسيرا وهذا يصلح للمبسوط والمعلق والمحقق
ومنها ما تستأصل شحمته كلها وهذا يصلح للمرسل والممزوج والمفتح
ومنها ما يرهف من جانبه الأيسر ويبقى فيه بقية في الأيمن وهذا يصلح للطوامير وما شابهها
ومنها ما يرهف من جانبي وسطه ويكون مكان القطة منه أعرض مما تحتها وهذا يصلح في جميع قلم الثلث وفروعه
المعنى الثالث الشق
وفيه مهيعان

المهيع الأول في فائدته
قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله لو كان القلم غير مشقوق ما استمرت به الأنامل ولا اتصل الخط للكاتب ولكثر الاستمداد وعدم المشق ولمال المداد إلى أحد جنبي القلم على قدر فتل الكاتب له

المهيع الثاني في صفة الشق وفيه مدركان
المدرك الأول في قدره في الطول
قال ابن مقلة ويختلف ذلك بحسب اختلاف القلم في صلابته ورخاوته
فأما المعتدل فيجب أن يكون شقه إلى مقدار نصف الفتحة أو ثلثيها
والمعنى فيه أنه إذا زاد على ذلك انفتحت سنا القلم حال الكتابة وفسد الخط حينئذ
وإذا كان كذلك أمن من ذلك
وأما الصلب فينبغي أن يكون شقه إلى آخر الفتحة وربما زاد على ذلك بمقدار إفراطه في الصلابة
وقد نظم ذلك الشيخ علاء الدين السرمري رحمه الله في أرجوزته فقال
( واعلم بأن الشق أيضا يختلف ... بحسب الأقلام فافهم ما أصف )
( فإن يكن معتدلا شق إلى ... مقدار ثلث الجلفة انقل واقبلا )
( والرخو للنصف أو الثلثين زد ... والصلب بالفتحة ألحق تستفد )
( وربما زادوا على ذاك إذا ... أفرط في الصلابة اعرف ذا وذا )
المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض
وقد تقدم من كلام ابن مقلة رحمه الله في المعنى الثالث أنه يجب أن يكون الشق متوسطا لجلفة القلم وعليه جرى الأستاذ أبو الحسن بن البواب رحمه الله فقال وليكن غلظ السنين جميعا سواء
قال ويجوز أن يكون الأيمن أغلظ من الأيسر دون العكس على كل حال وهذا إنما يأتي إذا كانت الكتابة آخذة من جهة اليمين إلى جهة اليسار أما إذا كانت آخذة من جهة اليسار إلى جهة اليمين كالقبطية فإنه يكون بالعكس من ذلك لأنه يقوي الاعتماد على اليسار دون اليمين

المعنى الرابع القط وفيه مهيعان

المهيع الأول اشتقاقه ومعناه
يقال قططت القلم اقطه قطا فأنا قاط وهو مقطوط وقطيط إذا قطعت سنه وأصل القط القطع والقط والقد متقاربان إلا أن القط أكثر ما يستعمل فيما يقع السيف في عرضه والقد ما يقع في طوله
وكان يقال إذا علا الرجل الشيء بسيفه قده وإذا عرضه قطه وذلك أن مخرج الطاء والدال متقاربان فأبدل أحدهما من الآخر كما يقال مط حاجبيه ومد حاجبيه
المهيع الثاني في صفته
واعلم أن أجناس القط تختلف بحسب مقاصد الكتاب وهو المقصود الأعظم من البراية وعليه مدار الكتابة
قال الضحاك بن عجلان من وعى قلبه كثرة أجناس قط الأقلام كان مقتدرا على الخط
وقال المقر العلائي ابن فضل الله تغمده الله برحمته كان بعض الكتاب إذا أخذ الأنبوية ليبريها تفرس فيها قبل ذلك فإذا أراد أن يقط توقف ثم تحرى فتوقف ثم يقط على تثبت
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف والقط على نوعين
النوع الأول المحرف وطريق بريه أن يحرف السكين في حال القط وهو ضربان قائم ومصوب أما القائم فهو ما جعل فيه ارتفاع الشحمة كارتفاع القشرة وأما المصوب فهو ما كان القشر فيه أعلى من الشحم
النوع الثاني المستوي وهو ما تساوى سناه وأجودهما المحرف وقد صرح بذلك الوزير أبو علي بن مقلة فقال وأحمدها ما كان ذا سن مرتفع من الجهة اليمنى ارتفاعا قليلا إذاكان القلم مصوبا وهذا معنى التحريف وذلك إذا كانت الكتابة آخذة من جهة اليمين إلى جهة اليسار كما تقدم عند ذكر سني القلم

بخلاف ما إذا كان آخذا من جهة اليسار إلى جهة اليمين
قال الشيخ عماد الدين ابن العفيف رحمه الله وأجودها المحرفة المعتدلة التحريف وأفسدها المستوية لأن المستوي أقل تصرفا من المحرف
قال وقد كان بعض من لا يعتد به يقط القلم على ضد ما يعتمده الأستاذون فيصير الشحم من القلم هو المشرف على ظاهره فكان خطه لا يجيء إلا رديئا وإذا كانت القطة على الضد من ذلك كان الكاتب متصرفا في الخط متمكنا من القرطاس
قال الوزير ابن مقلة وأضجع السكين قليلا إذا عزمت على القط ولا تنصبها نصبا يريد بذلك أن تكون القطة أقرب إلى التحريف وأن تكون مصوبة
قال الشيخ شمس الدين بن أبي رقيبة سألت الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله عن الكتابة بالأقلام والتحريف والتدوير فقال الرقاع والتوقيع أميل إلى التدوير بين بين قطة مربعة والنسخ والمحقق والمشعر أميل إلى التحريف والمحقق أكثر تحريفا منهما
وقد فسر ابن الوحيد قول ابن البواب لكن جملة ما أقول بأنه ما بين تحريف إلى تدوير أن المعنى أن لكل قلم قط صفة فقطة الريحاني أشدها تحريفا ثم يقل التحريف في كل نوع من أنواع قط الأقلام حتى تكون الرقاع أقلها تحريفا

النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية وما لكل من سني
القلم من الحروف
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف من لم يدر وجه القلم وصدره وعرضه فليس من الكتابة في شيء
وقد فسر ذلك الوزير أبو علي بن مقلة فقال اعلم أن للقلم وجها وصدرا وعرضا فأما وجهه فحيث تضع السكين وأنت تريد قطه وهو مايلي لحمة القلم وأما صدره فهو ما يلي قشرته وأما عرضه فهو نزولك فيه على تحريفه
قال وحرف القلم هو السن العليا وهي اليمنى

الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطة وتفرعها عن قلم الطومار ونسبتها من مساحته على اختلاف مقاديرها في الدقة والغلظ والتوسط وما ينبغي أن يكون في دواة الكاتب من الأقلام
أما مساحة رأس القلم فاعلم أن رؤوس الأقلام تختلف باختلاف الأقلام التي جرى الاصطلاح عليها بين الكتاب وأعظمها وأجلها وأكثرها مساحة في العرض هو قلم الطومار وهو قلم كانت الخلفاء تعلم به في المكاتبات وغيرها
وصفته أن يؤخذ من لب الجريد الأخضر ويؤخذ منه من أعلى الفتحة ما يسع رؤوس الأنامل ليتمكن الكاتب من إمساكه فإنه إذا كان علىغير هذه الصورة ثقل على الأنامل ولا تحتمله ويتخذ أيضا من القصب الفارسي ولا بد من ثلاثة شقوق لتسهل الكتابة به ويجري المداد فيه
ولهم قلم دونه ويسمى مختصر الطومار وبه يكتب النواب والوزراء ومن ضاهاهم الاعتماد على المراسيم ونحوها وقدروا مساحة عرضه من حيث البراية بأربع وعشرين شعرة من شعر البرذون معترضات وهو أصل لما دونه من الأقلام فقلم الثلثين من هذه النسبة مقدر بست عشرة شعرة وقلم النصف مقدر باثنتي عشرة شعرة وقلم الثلث مقدر بثمان شعرات ومختصر الطومار ما بين الكامل منه والثلثين
وكل من هذه الأقلام فيه ثقيل وهو ما كان إلى الشبع أميل وخفيف وهو ما كان إلى الدقة أقرب
إذا تقرر ذلك فطول الألف في كل قلم معتبر بأن تضرب نسبة عرضه في مثله ويجعل طولها نظير ذلك ففي قلم الطومار يضرب مقدار عرضه وهو أربع وعشرون شعرة في مثلها خمسمائة وستا وسبعين شعرة وهو طولها وفي قلم الثلث تضرب نسبة عرضه من الطومار وهو ثمان شعرات في مثلها بأربع وستين فيكون طولها أربعا وستين شعرة وكذلك الجميع فاعلمه
وأما عدد أقلام الدواة فقد قال الوزير أبو علي بن مقلة ينبغي أن تكون

أقلامه على عدد ما يؤثره من الخطوط وكأنه يريد أن يكون في دواته قلم مبري للقلم الذي هو بصدد أن يحتاج إلى كتابته ليجده مهيأ فلا يتأخر لأجل برايته
الآلة الثانية المقلمة وهي المكان الذي يوضع فيه الأقلام سواء كان نفس الدواة أو أجنبيا عنها وقد لا تعد من الآلات لكونها من جملة أجزاء الدواة غالبا
الآلة الثالثة المدية والنظر فيها من وجهين

الوجه الأول في معناها واشتقاقها
قال الجاحظ تقال بضم الميم وفتحها وكسرها وتجمع على مدى وهي السكين وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك
فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا إلى سليمان بن داود فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل رحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى قال أبو هريرة إن سمعت بالسكين إلا يومئذ ما كنا نقول إلا المدية
ثم الأصل في السكين التذكير قال أبو ذؤيب
( يرى ناصحا لي ما بدا فإذا خلا ... فذلك سكين على الحلق حاذق )
قال الكسائي ومن أنث أراد المدية وأنشد

( فعيث في السنام غداة قر ... بسكين موثقة النصاب )
ويقال سكينة بالهاء وهو قليل
وفي حديث المبعث أنه لما شق الملك بطنه قال ائتني بالسكينة وتجمع على سكاكين سميت مدية أخذا من مدى الأجل وهو آخره لأنها تأتي بالأجل في القتل على آخره وسميت سكينا لأنها تسكن حركة الحيوان بالموت
ونصاب السكين أصلها ونصاب كل شيء أصله قال الشاعر
( وإن نصابي إن سألت وأسرتي ... من الناس حي يقتنون المزنما )
أي وإن أصلي
ويقال أنصبت السكين إذا جعلت لها نصابا كما يقال أقبضتها إذا جعلت لها مقبضا وأقربتها إذا جعلت لها قرابا وأغلفتها إذا جعلت لها غلافا والحديدة الذاهبة في النصاب سيلان
ويقال أحددت السكين فأنا أحده إحدادا وحد السكين نفسه صار حادا وأحد فهو محد وسكين حاد فإذا أمرت من أحده قلت أحدده ومن حده قلت حده

الوجه الثاني في صفتها
قال بعض الكتاب هي مسن الأقلام تستحد بها إذا كلت وتطلق بها إذا وقفت وتلمها إذا تشعثت فتجب المبالغة في سقيها وإحدادها ليتمكن من البري فيصفو جوهر القلم ولا تتشظى قطته وينبغي ألا يستعملها في غير البراية لئلا تكل وتفسد
قال الصولي وأحدد سكينك ولا تستعملها لغير ذلك
قال الوزير أبو

علي بن مقلة رحمه الله واستحد السكين حدا ولتكن ماضية جدا فإنها إذا كانت كآلة جاء الخط رديئا مضطربا
وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف فساد البراية من بلادة السكين
قال محمد بن عمر المدائني ينبغي ان تكون لطيفة القد معتدلة الحد فقد كره المبالغة في سقيها لتمكن الباري من بريها
ولا عيب في حملها في الكم والخف فقد روى المدائني عن الأعمش عن إبراهيم أنه قال اتخاذ الرجل السكين في خفه من المروءة
قالوا وأحسنها ما عرض صدره وأرهف حده ولم يفضل عن القبضة نصابه واستوى من غير اعوجاج
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف ورأيت والدي وجماعة من الكتاب يستحسنون العقابية وهي التي صدرها أعرض من أسفلها ووصف بعضهم سكينا فقال وسكين عتيقة الحديد وثيقة الشعيرة محكمة النصاب جامعة الأسباب أحد من البين وأحسن من اجتماع محبين وأمضى من الحسام في بري الأقلام
ولله القائل في وصفها
( أنا إن شئت عدة لعدو ... حين يخشى على النفوس الحمام )
( أنا في السلم خادم لدواة ... وبحدي تقوم الأقلام )
الآلة الرابعة المقط بكسر الميم كما ضبطه الجوهري في الصحاح إلا أنه قال فيه مقطة بالتأنيث
قال الصولي ينبغي أن يكون المقط صلبا فتمضي القطة مستوية لا مشظية
قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله إذا قطعت فلا تقط إلا على مقط أملس صلب غير مثلم ولا خشن لئلا يتشظى القلم وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف ويتعين أن يكون من عود صلب كالآبنوس والعاج ويكون مسطح الوجه الذي يقط عليه ولا يكون مستديرا لأنه إذا كان مستديرا تشظى القلم وربما تهللت القطة فتأتي الإدارات والتشعيرات غير جيدة
قلت وينبغي ألا يكون مع ذلك مانعا كالحديد والنحاس ونحوه فإن ذلك يفسد السكين ولا تجيء القطة صالحة

الآلة الخامسة المحبرة وهي المقصود من الدواة وتشتمل على ثلاثة أصناف
الصنف الأول الجونة وهي الظرف الذي فيه الليقة والحبر
قال بعض فضلاء الكتاب وينبغي أن تكون شكلا مدور الرأس يجتمع على زاويتين قائمتين يوقذهما خط ولا يكون مربعا على حال لأنه إذا كان مربعا يتكاثف المداد في زواياه فيفسد فإذا كان مستديرا كان أبقى للمداد وأسعد في الاستمداد
الصنف الثاني الليقة وتسميها العرب الكرسف تسمية لها باسم القطن الذي تتخذ منه بعض الأحوال كما سيأتي والنظر فيها من وجهين

الوجه الأول في اشتقاقها
يقال ألقت الدواة ولقتها أخذا من قولهم فلان لا تليق كفه درهما أي لا تحبسه ولا تمسكه وأنشد الكسائي
( كفاك كف ما تليق درهما ... جودا وكف تعط بالسيف الدما )
يصفه بالجود أي كفاك ما تمسك درهما ويقال ما لاقت المرأة عند زوجها أي ما علقت
قال المبرد دخل الأصمعي على الرشيد بعد غيبة غابها فقال له كيف حالك يا أصمعي فقال ما ألاقتني نحوك أرض يا أمير المؤمنين فأمسك الرشيد عنه فلما تفرق أهل المجلس قال له ما معنى ألاقتني قال ما حبستني فقال لا تكلمني في مجلس العامة بما لا أعلم
قال الجاحظ ولا تستحق اسم الليقة حتى تلاق في الدواة بالنقس وهو المداد
الوجه الثاني فيما تتخذ منه وتتعاهد به
قال بعض الكتاب تكون من الحرير والصوف والقطن ويقال فيه

الكرسف والبرس والطوط والعطب والأولى أن تكون من الحرير الخشن لأن انتفاشها في المحبرة وعدم تلبدها أعون على الكتابة
قال بعض الكتاب ويتعين على الكاتب أن يتفقد الليقة ويطيبها بأجود ما يكون فإنها تروح على طول الزمن ولله القائل
( متظرف شهدت عليه دواته ... أن الفتى لا كان غير ظريف )
( إن التفقد للدواة فضيلة ... موصوفة للكاتب الموصوف )
وكان بعض الكتاب يطيب دواته بأطيب ما عنده من طيب نفسه فسئل عن ذلك فقال لأني أكتب به اسم الله تعالى واسم رسوله واسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وربما سبق القلم بغير إرادتنا فنلحسه بألستنا ونمحوه بأكمامنا
قال الشيخ علاء الدين السرمري ويتعين على الكاتب تجديد الليقة في كل شهر وأنه حين فراغه من الكتابة يطبق المحبرة لأجل ما يقع فيها من التراب ونحوه فيفسد الخط
ونظم ذلك في أرجوزته فقال
( وجدد الليقة كل شهر ... فشيخنا كان بهذا يغري )
( لأجل ما يقع فيها من قذى ... فينتشي من ذاك في الخط أذى )
وينبغي له مع ذلك أن يصونها عن الأشياء القذرة كالبصاق ونحوه فقد حكى محمد بن عمر المدائني أن بعض العلماء رأى صبيا يبصق في دواته فزجره وقال لمعلمه امنع الصبيان عن مثل هذا فإنما يكتبون به كلام الله
قال محمد بن عمر المدائني كأنه تحرج أن يكتب القرآن بمداد غير نظيف
قال المدائني وكان بلغني عن ابن عباس أنه أجاز أن يبصق الرجل في دواته فسألت احمد بن عمرو البزاز عن ذلك فأنكره وقال هذا حديث كذب وضعه عاصم بن سليمان الكوذن وكان كذابا ذكرته لأبي داود الطيالسي فقال هو كذاب يجب أن تعرفوا

كذبه صفوا له مسألة حتى يحدثكم بحديث فقال فجئت أما وعمر بن موسى الحارثي في جماعة فقال له عمر ما تقول في الرجل يبزق في الدواة ويستمد منها وكان قد ذهب بصره فقال حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن عمر انه كان يبزق في الدواة ويستمد منها ثم قال وحدثنا هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس مثل ذلك قال فهمز بعض أصحابنا وقال كان ابن عباس لا يبصر قال ففهم فقال نعم كان ابن عباس لا يرى بذلك بأسا
الصنف الثالث المداد والحبر وما ضاهاهما والنظر فيه من أربعة أوجه

الوجه الأول في تسميتهما واشتقاقهما
أما المداد فسمي بذلك لأنه يمد القلم أي يعينه وكل شيء مددت به شيئا فهو مداد قال الأخطل
( رأت بارقات بالأكف كأنها ... مصابيح سرج أوقدت بمداد )
سمى الزيت مدادا لأن السراج يمد به فكل شيء أمددت به الليقة مما يكتب به فهو مداد وقال ابن قتيبة في قوله تعالى ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ) هو من المداد لا من الإمداد
ويقال أمد القلم في الخير مثل ( وأمددناهم بفاكهة ولحم ) ومده في الشر مثل ( ونمد له من العذاب مدا )
ويقال فيه أيضا نقس ونقس بكسر النون وفتحها مع إسكان القاف ومع السين المهملة فيهما والكسر أفصح ويجمع على أنقاس
وأما الحبر فأصله اللون يقال فلان ناصع الحبر يراد به اللون الخالص

الصافي من كل شيء قال ابن أحمر يذكر امرأة
( تتيه بفاحم جعد ... وأبيض ناصع الحبر )
يريد سواد شعرها وبياض لونها وفي الخبر يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره بكسر الحاء المهملة والسين فيهما
قال ابن الأعرابي حبره حسنه وسبره هيئته وقال المبرد قال التوزي سألت الفراء عن المداد لم سمي حبرا فقال يقال للمعلم حبر وحبر يعني بفتح الحاء وكسرها فأرادوا مداد حبر أي مداد عالم فحذفوا مداد وجعلوا مكانه حبرا
قال فذكرت ذلك للأصمعي فقال ليس هذا بشيء إنما هو لتأثيره يقال على أسنانه حبر إذا كثرت صفرتها حتى صارت تضرب إلى السواد والحبر الأثر يبقى في الجلد وأنشد
( لقد أشمتت بي آل فيد وغادرت ... بجلدي حبرا بنت مصان باديا )
أراد بالحبر الأثر يعني أثر الكتابة في القرطاس قال المبرد وأنا أحسب أنه سمي بذلك لأن الكتاب يحبر به أي يحسن أخذا من قولهم حبرت الشيء تحبيرا إذا حسنته

الوجه الثاني في شرف المداد والحبر واختيار السواد لذلك
في الخبر يؤتى بمداد طالب العلم ودم الشهيد يوم القيامة فيوضع أحدهما في كفة الميزان والآخر في الكفة الأخرى فلا يرجح أحدهما على الآخر قال بعض الحكماء صورة المداد في الأبصار سوداء وفي البصائر بيضاء
وقد قيل كواكب الحكم في ظلم المداد
ونظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر المداد وهو يستره منه فقال له يا هذا إن المداد من المروءة
وأنشد أبو زيد

( إذا ما المسك طيب ريح قوم ... كفتني ذاك رائحة المداد )
( وما شيء بأحسن من ثياب ... على حافاتها حمم السواد )
وقال بعض الأدباء عطروا دفاتر الآداب بسواد الحبر
وكان في حجر إبراهيم بن العباس قرطاس يمشق فيه كلاما فأسقط فمسحه بكمه فقيل له لو مسحته بغيره فقال المال فرع والقلم أصل والأصل أحق بالصون من الفرع
وأنشد في ذلك
( إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرجال )
وأنشد غيره
( من كان يعجبه أن مس عارضه ... مسك يطيب منه الريح والنسما )
( فإن مسكي مداد فوق أنملتي ... إذا الأصابع يوما مست القلما )
على أن بعضهم قد أنكر ذلك وقال المداد في ثوب الكاتب سخافة ودناءة منه وقلة نظافة قال أبو العالية تعلمت القرآن والكتابة وما شعر بي أهلي وما رؤي في ثوبي مداد قط
وأنشدوا
( دخيل في الكتابة يدعيها ... كدعوى آل حرب في زياد )
( يشبه ثوبه للمحو فيه ... إذا أبصرته ثوب الحداد )
( فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو لطخت وجهك بالمداد )
وقال فارس بن حاتم ببريق الحبر تهتدي العقول لخبايا الحكم لأنه أبقى على الدهر وأنمى للذكر وأزيد للأجر
واعلم أن المداد ركن من أركان الكتابة وعليه مدار الربع منها وأنشدوا في ذلك
( ربع الكتابة في سواد مدادها ... والربع حسن صناعة الكتاب )
( والربع من قلم تسوي بريه ... وعلى الكواغد رابع الأسباب )
قال بعض العلماء رحمهم الله وإنما اختير فيه السواد دون غيره لمضادته

لون الصحيفة
قال وليس شيء من الألوان يضاد صاحبه كمضادة السواد للبياض قال الشاعر
( فالوجه مثل الصبح مبيض ... والفرع مثل الليل مسود )
( ضدان لما استجمعا حسنا ... والضد يظهر حسنه الضد )
ويقال في المداد أسود قاتم وهو أول درجة السواد وحالك وحانك وحلكوك وحلبوب وداج ودجوجي وديجور وأدهم ومدهام
قال المدائني حدثني بذلك محمد بن نصر عن أحمد بن الضحاك عن أبي عبيدة
كتب جعفر بن حدار بن محمد إلى دعلج بن محمد يستهديه مدادا
( يا أخي للوداد لا للمداد ... وصديقي من بين هذا العباد )
( والذي فيه ألف مجد طريف ... قد أمدت بألف مجد تلاد )
( أنا أشكو إليك حال دواتي ... أصبحت تقتضي قميص حداد )
ولله منصور بن إسماعيل حيث يقول
( وسوداء مقلتها مثلها ... وأجفانها من لجين صقيل )
( إذا أذرفت عبرة خلتها ... كغالية فوق خد أسيل )

الوجه الثالث في صنعتهما وفيه نظران
النظر الأول في مادتهما
واعلم أن المواد لذلك منها ما يستعمل بأصله ولا يحتاج فيه إلى كبير علاج وتدبير كالعفص والزاج والصمغ وما أشبهها ومنها ما يحتاج إلى علاج وتدبير وهو الدخان
قال أبو القاسم خلوف بن شعبة الكاتب ويتوخى في الدخان أن يكون من شيء له دهنية ولا يكون من دخن شيء يابس في الأصل لأن دخان كل شيء مثله وراجع إليه

قال أحمد بن يوسف الكاتب كان يأتينا رجل في أيام خمارويه بمداد لم أر أنعم منه ولا أشد سوادا منه فسألته من أي شيء استخرجته فكتم ذلك عني ثم تلطفت به بعد ذلك فقال لي من دهن بزر الفجل والكتان أضع دهن ذلك في مسارج وأوقدها ثم أجعل عليها طاسا حتى إذا نفد الدهن رفعت الطاس وجمعت ما فيها بماء الآس والصمغ العربي
وإنما جمعه بماء الآس ليكون سواده مائلا إلى الخضرة والصمغ يجمعه ويمنعه من التطاير
قال صاحب الحلية وإن شئت أخذت من دخان مقالي الحمص وشبهه وتلقي عليه ماء وتأخذ ما يعلو فوقه وتجمعه بماء الاس والعسل والكافور والصمغ العربي والملح وتمده وتقطعه شوابير والدخان الأول أجود والله أعلم
النظر الثاني في صنعتهما وفيه مسلكان

المسلك الأول في صنعة المداد وبه كانت كتابة الأولين من أهل الصنعة
وغيرهم
قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله وأجود المداد ما اتخذ من سخام النفط وذلك أن يؤخذ منه ثلاثة أرطال فيجاد نخله وتصفيته ثم يلقى في طنجير ويصب عليه من الماء ثلاثة أمثاله ومن العسل رطل واحد ومن الملح خمسة عشر درهما ومن الصمغ المسحوق خمسة عشر درهما ومن العفص عشرة دراهم ولا يزال يساط على نار لينة حتى يثخن جرمه ويصير في هيئة الطين ثم يترك في إناء ويرفع إلى وقت الحاجة
وما ذكره فيه إشارة إلى أنه لا ينحصر في

سخام النفط بل يكون من دخان غيره أيضا كما تقدم
نعم ذكر صاحب الحلية أنه يحتاج مع ذلك إلى الكافور لتطيب رائحته والصبر ليمنع من وقوع الذباب عليه وقيل إن الكافور يقوم مقام الملح في غير الطيب

المسلك الثاني في صنعة الحبر وهو صنفان
الصنف الأول ما يناسب الكاغد أي الورق وهو حبر الدخان ونحن نذكر منه صفات إن شاء الله تعالى
صفة يؤخذ من العفص الشامي قدر رطل يدق جريشا وينقع في ستة أرطال ماء مع قليل من الآس وهو المرسين أسبوعا ثم يغلى علىالنار حتى يصبر على النصف أو الثلثين ثم يصفى من مئزر ويترك ثلاثة أيام ثم يصفى ثانيا ثم يضاف لكل رطل من هذا الماء أوقية من الصمغ العربي ومن الزاج القبرسي كذلك ثم يضاف إليه من الدخان المتقدم ذكره ما يكفيه من الحلاكة ولا بد له مع ذلك من الصبر والعسل ليمتنع بالصبر وقوع الذباب فيه ويحفظ بالعسل على طول الزمن ويجعل من الدخان لكل رطل من الحبر . . . . . . . . . بعد أن تسحق الدخان بكلوة كفك بالسكر النبات والزعفران الشعر والزنجار إلى ان تجيد سحقه ولا تصحنه في صلاية ولا هاون يفسد عليك
الصنف الثاني ما يناسب الرق ويسمى الحبر الرأس ولا دخان فيه ولذلك يجيء بصاصا براقا وبه إضرار للبصر في النظر إليه من جهة بريقه

ويفسد الكاغد على طول ونحن نذكر منه
صفة الحبر وهي يؤخذ من العفص الشامي رطل واحد فيجرش ويلقى عليه من الماء العذب ثلاثة أرطال ويجعل في طنجير ويوضع على النار ويوقد تحته بنار لينة حتى ينضج وعلامة نضجه أن تكتب به فتكون الكتابة حمراء بصاصة ثم يلقى عليه من الصمغ العربي ثلاث أواق ومن الزاج أوقية ثم يصفى ويودع في إناء جديد ويستعمل عند الحاجة
صفة حبر سفري يعمل على البارد من غير نار ويؤخذ العفص فيجرش جرشا جيدا ويسحق لكل أوقية عفص درهم واحد من الزاج ودرهم من الصمغ العربي ويلقى عليه ويرفع إلى وقت الحاجة فإذا احتاج إليه صب عليه من الماء قدر الكفاية واستعمله

الوجه الرابع في ليق الافتتاحات
وهي ما يكتب به فواتح الكلام من الأبواب والفصول والابتداءات ونحوها ولا مدخل لشيء من ذلك في فني الإنشاء والديونة إلا الذهب فإنه يكتب به في الطغراوات في كتب القانات وفي الأسماء الجليلة منها كما سيأتي في موضعه من المكاتبات من فن الإنشاء إن شاء الله تعالى وباقي ذلك إنما يحتاج إليه كتاب النسخ إلا أنه لا بأس بالعلم به فإنه كمال الكاتب
ونحن نذكر منه ما الغالب استعماله وهو أصناف

الصنف الأول الذهب وطريق الكتابة به أن يحل ورق الذهب وصفة حله أن يؤخذ ورق الذهب الذي يستعمل في الطلاء ونحوه فيجعل مع شراب الليمون الصافي النقي ويقتل فيه في إناء صيني أو نحوه حتى يضمحل جرمه فيه ثم يصب عليه الماء الصافي النقي ويغسل من جوانب الإناء حتى يمتزج الماء والشراب ويترك ساعة حتى يرسب الذهب ثم يصفى الماء عنه ويؤخذ ما رسب في الإناء فيجعل في مفتلة زجاج ضيقة الأسفل ويجعل معه قليل من الليقة والنزر اليسير من الزعفران بحيث لا يخرجه عن لون الذهب وقليل من ماء الصمغ المحلول ويكتب به
فإذا جف صقل بمصقلة من جزع حتى يأخذ حده ثم يزمك بالحبر من جوانب الحرف
الصنف الثاني اللازورد وأنواعه كثيرة وأجودها المعدني وباقي ذلك مصنوع لا يناسب المتابة وإنما يستعمل في الدهانات ونحوها وطريق الكتابة به أن يذاب بالماء ويلقى عليه قليل من ماء الصمغ العربي ويجعل في دواة كدواة الذهب المتقدم ذكرها وكلما رسب حرك بالقلم ولا يكثر به الصمغ كي لا يسود ويفسد
الصنف الثالث الزنجفر وأجوده المغربي وطريق الكتابة به أن يسحق بالماء حتى ينعم وإن سحق بماء الرمان الحامض فهو أحسن ثم يضاف عليه ماء الصمغ ثم يلاق بليقة كما يلاق الحبر ويجعل في دواة ويكتب به
الصنف الرابع المغرة العراقية وهي مما يكتب به نفائس الكتب وربما كتب بها عن الملوك في بعض الأحيان
وطريقه في الكتابة كما في

الزنجفر والله أعلم
الآلة السادسة الملواق بكسر الميم وهو ما تلاق به الدواة أي تحرك به الليقة
قال بعض الكتاب واحسن ما يكون من الآبنوس لئلا يغيره لون المداد
قال ويكون مستديرا مخروطا عريض الرأس ثخينه
الآلة السابعة المرملة واسمها القديم المتربة جعلا لها آلة للتراب إذ كان هو الذي يترب به الكتب
وتشتمل على شيئين
الأول الظرف الذي يجعل فيه الرمل وهو المسمى بذلك
ويكون من جنس الدواة إن كانت الدواة نحاسا أو من النحاس ونحوه إن كانت خشبا على حسب ما يختاره رب الدواة
ومحلها من الدواة ما يلي الكاتب مما بين المحبرة وباطن الدواة مما يقابل المنشاة الآتي ذكرها ويكون في فمها شباك يمنع من وصول الرمل الخشن إلى باطنها
وربما اتخذت مرملة أخرى أكبر من ذلك تكون في باطن الدواة لاحتمال أن تضيق تلك عن الكفاية لصغرها
وأرباب الرياسة من الوزراء والأمراء ونحوهم يتخذون مرملة كبيرة تقارب حبة الرانج لها عنق في أعلاها وتكون في الغالب من جنس الدواة من نحاس ونحوه وربما اتخذت من خشب لقضاة الحكم ونحوهم
ومما ألغز فيها القاضي شهاب الدين ابن بنت الأعز
( ظريفة الشكل والتمثال قد صنعت ... تحكي العروس ولكن ليس تغتلم )
( كأنها من ذوي الألباب خاشعة ... تبكي الدماء على ما سطر القلم )
وتسمى المتربة أيضا وفي ذلك يقول الوجيه المناوي

( يا مادحا أمرا ولم يأته ... ولم ينل منه ولا جربه )
( لا تغبط الكاتب في حاله ... فإنه المسكين ذو المتربه )
الثاني الرمل وقد اختار الكتاب لذلك الرمل الأحمر دون غيره لأنه يكسو الخط الأسود من البهجة ما لا يكسوه غيره من أصناف الرمل وخيره ما كان دقيقا
وهو على أنواع
النوع الأول ما يؤتى به من الجبل الأحمر الملاصق للجبل المقطم من الجهة الشرقية وهو أكثر الأنواع وأعمها وجودا بالديار المصرية
النوع الثاني يؤتى به من الواحات وهو رمل متحجر شديد الحمرة يتخذ منه الكتاب حجارة لطافا تحت بالسكين ونحوها على الكتابة وأكثر ما يستعملها كتاب الصعيد والفيوم وما والاهما
النوع الثالث يؤتى به من جزيرة ببحر القلزم من نواحي الطور وهو رمل دقيق أصفر اللون قريب من الزعفران وله بهجة على الخط إلا أنه عزيز الوجود
النوع الرابع رمل بين الحمرة والصفرة به شذور بصاصة يخالها الناظر شذور الذهب وهو عزيز الوجود جدا وبه يرمل الملوك ومن شابههم
الآلة الثامنة المنشاة وتشتمل على شيئين أيضا
الأول الظرف وحاله كحال المرملة في الهيئة والمحل من الدواة من جهة الغطاء إلا أنه لا شباك في فمه ليتوصل إلى اللصاق وربما اتخذ بعض ظرفاء الكتاب منشاة أخرى غير التي في صدر الدواة من رصاص على هيئة حق لطيف ويجعلها في باطن الدواة كالمرملة المتوسطة فإن اللصاق قد يتغير بمكثه في النحاس بخلاف الرصاص
الثاني اللصاق وهو على نوعين أحدهما النشا المتخذ من البر وطريقه أن يطبخ على النار كما يطبخ للقماش إلا أنه يكون أشد منه ثم يجعل في

المنشاة وهو الذي يستعمله كتاب الإنشاء ولا يعولون على غيره لسرعة اللصاق به وموافقة لونه للورق في نصاعة البياض والثاني المتخذ من الكثيراء وهو أن تبل الكثيراء بالماء حتى تصير في قوام اللصاق ثم تجعل في المنشاة وكثيرا ما يستعمله كتاب الديونة وهو سريع التغير إلى الخضرة ولا يسرع اللصاق به
وينبغي أن يستعمل في اللصاق في الجملة الماورد والكافور لتطيب رائحته
الآلة التاسعة المنفذ وهي آلة تشبه المخرز تتخذ لخرم الورق وينبغي أن يكون محل الحاجة منها متساويا في الدقة والغلظ أعلاه وأسفله سواء لئلا تختلف أثقاب الورق في الضيق والسعة خلا أن يكون ذبابه دقيقا ليكون أسرع وأبلغ في المقصود وحكمه في النصاب في الطول والغلظ حكم المدية وقد سبق
وأكثر من يحتاج إلى هذه الآلة من الكتاب كتاب الدواوين وربما احتاج إليها كاتب الإنشاء في بعض أحواله
الآلة العاشرة الملزمة قال الجوهري الملزم بالكسر خشبتان تشد أوساطهما بحديدة تكون مع الصياقلة والأبارين ولم يزد على ذلك
وهي آلة تتخذ من النحاس ونحوه ذات دفتين يلتقيان على رأس الدرج حال الكتابة ليمنع الدرج من الرجوع على الكاتب ويحبس بمحبس علىالدفتين
الآلة الحادية عشرة المفرشة وهي آلة تتخذ من خرق كتان بطانة وظهارة أو من صوف ونحوه تفرش تحت الأقلام وما في معناها مما يكون في بطن الدواة
الآلة الثانية عشرة الممسحة وتسمى الدفتر أيضا وهي آلة تتخذ من خرق متراكبة ذات وجهين ملونين من صوف أو حرير أو غير ذلك من نفيس القماش يمسح القلم بباطنها عند الفراغ من الكتابة لئلا يجف عليه الحبر فيفسد والغالب في هذه الآلة أن تكون مدورة مخرومة من وسطها وربما كانت

مستطيلة ويكون مقدارها على قدر سعة الدواة
وفيها يقول القاضي رحمه الله
( ممسحة نهارها ... يجن ليل الظلم )
( كأنها مذ خلقت ... منديل كم القلم )
وقال نور الدين الدين علي بن سعيد المغربي فيها
( وممسحة لاحت كأفق تبددت ... به قطع الظلماء والصبح طالع )
( ولما أطال الليل فيها وروده ... حكته ومدت للصباح المطالع )
وقال المولى ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر
( وممسحة تناهى الحسن فيها ... فأضحت في الملاحة لا تبارى )
( ولا نكر على القلم الموافي ... إذا في وصلها خلع العذارا )
الآلة الثالثة عشرة المسقاة وهي آلة لطيفة تتخذ لصب الماء في المحبرة وتسمى الماوردية أيضا لأن الغالب أن يجعل في المحبرة عوض الماء ماورد لتطيب رائحتها وأيضا فإن المياه المستخرجة كماء الورد والخلاف والريحان ونحو ذلك لا تحل الحبر ولا تفسده بخلاف الماء
وتكون هذه الآلة في الغالب من الحلزون الذي يخرج من البحر الملح وربما كانت من نحاس ونحوه والمعنى فيها ألا تخرج المحبرة من مكانها ولا يصب من إناء واسع الفم كالكوز ونحوه فربما زاد الصب على قدر الحاجة
الآلة الرابعة عشرة المسطرة وهي آلة من خشب مستقيمة الجنبين يسطر عليها ما يحتاج إلى تسطيره من الكتابة ومتعلقاتها وأكثر من يحتاج إليها المذهب
الآلة الخامسة عشرة المصقلة وهي التي يصقل بها الذهب بعد

الكتابة وهي من آلات الدواة لا محالة
الآلة السادسة عشرة المهرق بضم الميم وفتح الراء وهو القرطاس الذي يكتب فيه ويجمع على مهارق
قلت وعد صاحبنا الشيخ زين الدين شعبان الآثاري منها المداد وهو ظاهر والمخيط وفي عده بعد
الآلة السابعة عشرة المسن هو آلة تتخذ لإحداد السكين وهو نوعان أكهب اللون ويسمى الرومي وأخضر وهو على نوعين حجازي وقوصي والرومي أجودها والحجازي أجوده الأخضر
الطرف الثالث فيما يكتب فيه وهو أحد أركان الكتابة الأربعة كما سبقت الإشارة إليه في بعض الأبيات المتقدمة وفيه ثلاث جمل

الجملة الأولى فيما نطق به القرآن الكريم من ذلك
وقد نطق القرآن بثلاثة أجناس من ذلك
الأول اللوح
قال تعالى ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) قرأ العامة بفتح اللام على أن المراد اللوح واحد الألواح سمي بذلك لأن المعاني تلوح بالكتابة فيه ثم اختلفوا فقرأ نافع برفع محفوظ على أنه نعت للقرآن بتقدير بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح وصفه بالحفظ لحفظه عن التغيير والتبديل والتحريف
قال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقرأ الباقون بالجر على نعت اللوح
قال أبو عبيد وهو الوجه لأن الآثار الواردة في

اللوح المحفوظ تصدق ذلك وهو أم القرآن منه نسخ القرآن الكريم والكتب المنزلة ومنه تنسخ الملائكة أعمال الخلق
قال ابن عباس وهو لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوتة حمراء وأصله في حجر ملك
وقال أنس اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل عليه السلام وقال مقاتل اللوح المحفوظ عن يمين العرش
قال ابن عباس وفي صدر اللوح المكتوب لا إله إلا الله وحده لا شريك له دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة
وسمي محفوظا لأن الله تعالى حفظه عن الشياطين وقيل حفظه بما ضمنه
وقيل اللوح صدر المؤمن
وقرأ يحيى بن يعمر في لوح بضم اللام وهو الهواء يقال لما بين السماء والأرض اللوح والمعنى أنه شيء يلوح للملائكة فيقرأونه وهو ذو نور وعلو وشرف وقد ورد في القرآن بلفظ الجمع قال تعالى ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء ) يريد ألواح التوراة
قال الكلبي كانت من زبرجدة خضراء
وقال سعيد بن جبير من ياقوتة
وقال مجاهد من زمرد أخضر
وقال أبو العالية والربيع بن أنس من برد
وقال الحسن خشب وقد روى أن النبي قال الألواح التي أنزلت على موسى من سدر الجنة وكان طول كل لوح منها اثني عشر ذراعا
وقال وهب بن منبه من صخرة صماء ألانها الله له فقطعها بيده ثم قطعها بأصابعه
واختلف في عددها فقيل سبعة رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وقيل لوحان رواه أبو صالح عن ابن عباس أيضا وجمعت على عادة العرب في

إيقاع الجمع على التثنية كما في قوله تعالى ( وكنا لحكمهم شاهدين ) يريد داود وسليمان عليهما السلام واختاره الفراء
وقيل عشرة قاله ابن منبه
وقيل تسعة قاله مقاتل
وقال أنس نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير
الثاني الرق بفتح الراء قال تعالى ( والطور وكتاب مسطور في رق منشور ) قال المبرد هو ما يرقق من الجلود ليكتب فيه
قال المعافي بن أبي السيار ومن ثم استبعد حمله على اللوح المحفوظ والمنشور المبسوط واختلف في الكتاب المسطور فيه فقيل اللوح المحفوظ وقيل القرآن وقيل ما كتبه الله تعالى لموسى وهو سيمع صرير الأقلام
الثالث القرطاس والصحيفة وهما بمعنى واحد وهو الكاغد
أما القرطاس فقال تعالى ( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) قال ابن أبي السيار القرطاس كاغد يتخذ من بردي مصر وكل كاغد قرطاس قال والجمهور على كسرها وضمها أبو زيد وعكرمة وطلحة ويحيى بن يعمر والذي حكاه الجوهري عن أبي زيد يخالف ذلك فإنه قال فيه قرطس بفتح القاف من غير ألف بعد الراء والمراد بالكتاب في الآية الكريمة المكتوب لا نفس الصحيفة قاله المعافي
وأما الصحيفة فإنها لم ترد إلا بلفظ الجمع
قال تعالى ( أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ) وقال جل وعز ( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى )

وتجمع أيضا على صحائف وسمي المصحف مصحفا لجمعه الصحف
قال الجوهري وسمي التصحيف تصحيفا للخطإ في الصحيفة

الجملة الثانية فيما كانت الأمم السالفة تكتب فيه في الزمن القديم
وقد كانت الأمم في ذلك متفاوتة فكان أهل الصين يكتبون في ورق يصنعونه من الحشيش والكلإ وعنهم أخذ الناس صنعة الورق وأهل الهند يكتبون في خرق الحرير الأبيض والفرس يكتبون في الجلود المدبوغة من جلود الجواميس والبقر والغنم والوحوش وكذلك كانوا يكتبون في اللخاف بالخاء المعجمة وهي حجارة بيض رقاق وفي النحاس والحديد ونحوهما وفي عسب النخل بالسين المهملة وهي الجريد الذي لا خوص عليه واحدها عسيب وفي عظم أكتاف الإبل والغنم
وعلىهذا الأسلوب كانت العرب لقربهم منهم
واستمر ذلك أن بعث النبي ونزل القرآن والعرب على ذلك فكانوا يكتبون القرآن حين ينزل ويقرأه عليهم النبي في اللخاف والعسب فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال عند جمعه القرآن فجعلت أتتبع القرآن من العسب واللخاف
وفي حديث الزهري قبض رسول الله والقرآن في العسب وربما كتب النبي بعض مكاتباته في الأدم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى
وأجمع رأي الصحابة رضي الله عنهم على كتابة القرآن في الرق لطول بقائه أو لأنه الموجود عندهم حينئذ
وبقي الناس على ذلك إلى أن ولي الرشيد الخلافة وقد كثر الورق وفشا عمله بين الناس أمر ألا يكتب الناس إلا في الكاغد لأن الجلود ونحوها تقبل المحو والإعادة فتقبل التزوير بخلاف الورق فإنه متى

محي منه فسد وإن كشط ظهر كشطه
وانتشرت الكتابة في الورق إلى سائر الأقطار وتعاطاها من قرب وبعد واستمر الناس على ذلك إلى الآن

الجملة الثالثة في بيان أسماء الورق الواردة في اللغة ومعرفة أجناسه
الورق بفتح الراء اسم جنس يقع على القليل والكثير واحده ورقة وجمعه أوراق وجمع الورقة ورقات وبه سمي الرجل الذي يكتب وراقا
وقد نطق القرآن الكريم بتسميته قرطاسا وصحيفة كما مر بيانه
ويسمى أيضا الكاغد بغين ودال مهملة ويقال للصحيفة أيضا طرس ويجمع على طروس ومهرق بضم الميم وإسكان الهاء وفتح الراء المهملة بعدها قاف ويجمع على مهارق وهو فارسي معرب قاله الجوهري
وأحسن الورق ما كان ناصع البياض غرقا صقيلا متناسب الأطراف صبورا على مرور الزمان
وأعلى أجناس الورق فيما رأيناه البغدادي وهو ورق ثخين مع ليونة ورقة حاشية وتناسب أجزاء وقطعه وافر جدا ولا يكتب فيه في الغالب إلا المصاحف الشريفة وربما استعمله كتاب الإنشاء في مكاتبات القانات ونحوها كما سيأتي بيانه في المكاتبات السلطانية
ودونه في الرتبة الشامي وهو على نوعين نوع يعرف بالحموي وهو دون القطع البغدادي ودونه في القدر وهو المعروف بالشامي وقطعه دون القطع الحموي ودونهما في الرتبة الورق المصري وهو أيضا على قطعين القطع المنصوري وقطع العادة والمنصوري أكبر قطعا وقلما يصقل وجهاه جميعا
أما العادة فإن فيه ما يصقل وجها يسمى في عرف الوراقين المصلوح
وغيره عندهم على رتبتين عال ووسط
وفيه صنف يعرف بالفوي صغير القطع خشن غليظ خفيف الغرف لا ينتفع به في الكتابة يتخذ للحلوى والعطر ونحو ذلك
وإنما نبهت على ذلك وإن كان واضحا لأمرين أحدهما ألا نخلي كتابنا

من بيان الورق الذي هو أحد أركان الكتابة الثاني أنه قد ينتقل الكتاب إلى إقليم لا يعرف فيه تفاصيل أمر الورق المصري كما لا يعرف المصريون ورق غير مصر معرفتهم بورق مصر فيقع الاطلاع على ذلك لمن أراده
ودون ذلك ورق أهل الغرب والفرنجة فهو رديء جدا سريع البلى قليل المكث ولذلك يكتبون المصاحف غالبا في الرق على العادة الأولى طلبا لطول البقاء
وسيأتي الكلام على مقادير قطع الورق عند أهل التوقيع وأهل الديونة عند ذكر ورق كل فن وما يناسبه من القطع إن شاء الله تعالى
تم الجزء الثاني ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث وأوله الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط
وفيه ثمانية أطراف
الطرف الأول في فضيلة الخط
قال تعالى ( إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) فأضاف تعليم الخط إلى نفسه وامتن به على عباده وناهيك بذلك شرفا
وقال جل وعز ( ن والقلم وما يسطرون ) فأقسم بما يسطرونه
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( أو أثارة من علم ) أنه الخط كما تقدم الكلام عليه
ويروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتا عن الكلام فقال ريح لا يبقى قال فما قيده قال الكتابة

وقال عبيد الله بن العباس الخط لسان اليد
وقال جعفر بن يحيى الخط سمط الحكمة وبه تفصل شذورها وينتظم منثورها
وقال النظام الخط أصل الروح له جسدانية في سائر الأعمال إلى ما يجري هذا المجرى
وقال إبراهيم بن محمد الشيباني الخط لسان اليد وبهجة الضمير وسفير العقول ووصي الفكر وسلاح المعرفة وأنس الإخوان عند الفرقة ومحادثتهم على بعد المسافة ومستودع السر وديوان الأمور
وقال مسلم بن الوليد من عجائب الله تعالى في خلقه وإنعامه عليهم من فضله تعليمه إياهم الكتاب المفيد للباقين حكم الماضين والمخاطب للعيون بسرائر القلوب على لغات متفرقة في معان معقولة بحروف مؤلفة

من ألف وباء وجيم ودال متباينات الصور مختلفات الجهات لقاحها التفكير ونتاجها التأليف تخرس منفردة وتنطق مزدوجة بلا أصوات مسموعة ولا ألسن مزورة ولا حركات ظاهرة ما خلا قلما جوف باريه بطنه ليعلق المداد به وأرهف جانبيه ليرد ما انتشر منه إليه وشق رأسه ليحتبس الاستمداد عليه وأربع من شفتيه ليجمعا حواشي تصويره إليه فهناك اشتد القلم برشفه وقذف المادة إلى صدره ثم مجها من شقه بمقدار ما احتملت شفتاه بتخطيط أجزاء النقط التي أراد بها الخطوط فالأبصار لها سامية فإذا حكتها الألسن فالآذان لها واعية وأولى أسمائها بها حينئذ الكلام الذي سداه العقل وألحمه اللسان وقطعته الأسنان ولفظته الشفتان وصداه الجو وجرعته الأسماع على أنحاء شتى وسميت بها الأشياء لتعريف متناكرها وتمييز متشابهها وتبيين معلومها من مجهولها فمن ذلك فضل الكتاب الصناعات
وبالجملة فليس يذكر ذاكر شيئا يجري به الخاطر أو يميل إليه العقل أو يلقيه الفهم أو يقع عليه الوهم أو تدركه الحواس إلا والكتاب والكلام موكلان به مدبران له معبران عنه
فلما أن تضمنت الحروف الدلالة وقامت الألفاظ بالعبارة نطقت الأفواه بكل لغة وتصرف المنطق بكل جهة فلم تكتف منه أمة بأمة ولم تستغن عنه ملة دون ملة فعرب ذلك بلغة العرب التي هي القاهرة لجميع اللغات المنظمة لجميع المعاني في وجيز الصفات
ولو لم يكن من شرف الخط إلا أن الله تعالى أنزله على آدم أو هود عليهما السلام كما تقدم ذكره وأنزل الصحف على الأنبياء مسطورة وأنزل الألواح على موسى عليه السلام مكتوبة لكان فيه كفاية

وأيضا فإن فيه حفظ الحقوق ومنع تمرد ذوي العقوق بما يسطر عليهم من الشهادات التي تقع في السجلات والمكاتبات بين الناس لحوائجهم من المسافات البعيدة التي لا ينضبط مثل ذلك لحامل رسالة ولا يناله الحاضر بمشافهة وإن كثر حفظه وزادت بلاغته ولذلك قيل الخط أفضل من اللفظ لأن اللفظ يفهم الحاضر فقط والخط يفهم الحاضر والغائب ولله القائل في ذلك يصف القلم
( وأخرس ينطق بالمحكمات ... وجثمانه صامت أجوف )
( بمكة ينطق في خفية ... وبالشام منطقه يعرف )

الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط
قال الشيخ شمس الدين بن الأكفاني في كتابه إرشاد القاصد في حصر العلوم وهو علم تتعرف منه صور الحروف المفردة وأوضاعها وكيفية تركيبها خطا أو ما يكتب منها في السطور وكيف سبيله أن يكتب ومالا يكتب وإبدال ما يبدل منها في الهجاء وبماذا يبدل
قال وبه ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل وامتاز عن سائر أنواع الحيوان وضبطت الأموال وترتبت الأحوال وحفظت العلوم في الأدوار واستمرت على الأطوار وانتقلت الأخبار من زمان إلى زمان وحملت سرا من مكان إلى مكان

وبهذه الفضائل حافظت الغريزة الإنسانية على قبوله بطلب تعلمه محافظة لم يحتج بها إلى تذكار بعد الغيبة ولهذه العلة استغنى عن كتاب يصنف فيه
ثم قال وجميع العلوم إنما تعرف بالدلالة عليها بالإشارة أو اللفظ أو الخط فالإشارة تتوقف على المشاهدة واللفظ يتوقف على حضور المخاطب وسماعه أما الخط فإنه لا يتوقف على شيء فهو أعمها نفعا وأشرفها
واعلم أنه قد تقدم في الكلام على اللغة في النوع الأول مما يحتاج إليه الكاتب أنه ينبغي للكاتب أن يتعلم لغة من يحتاج إلى مخاطبته أو مكاتبته من اللغات غير العربية فكذلك ينبغي أن يتعلم من الخطوط غير العربية ما يحتاج إليه من ذلك فقد قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة إنه يجب عليه أن يتعلم الهندية وغيرها من الخطوط العجمية
ويؤيد ذلك ما تقدم في الكلام على اللغة أن النبي أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم كتاب يهود من السريانية أو العبرانية فتعلمها وكان يقرأ على النبي كتبهم ويجيبهم عنه

الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان
الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه والموازنة بينه وبين اللفظ
أما بيان المقصود من وضعه فاعلم أن وضع اللفظ لأداء المعنى الحاصل في الذهن المشعور به للمسمع إذ لا وقوف على ما في الذهن ووضع الخط لأداء اللفظ المقصود فهمه للناظر فيه
فإذا أردت إيقافك أحدا على ما في ذهنك من المعاني تكلمت بألفاظ وضعت لها وإذا أردت تأدية ألفاظ لذلك الإيقاف إلى أحد

بغير شفاه نقشت النقوش الموضوعة لتلك الألفاظ فيطالع تلك النقوش ويفهم منها تلك الألفاظ ومن الألفاظ تلك المعاني ولا علاقة معقولة بين المعاني والألفاظ على الأمر العام ولا بين الألفاظ والنقوش الموضوعة ومن ثم جاء اختلاف اللغات والخطوط كالعربية والرومية وغيرهما
وأما الموازنة بينه وبين اللفظ فالأصل في ذلك أن الخط واللفظ يتقاسمان فضيلة البيان ويشتركان فيها من حيث إن الخط دال على الألفاظ والألفاظ دالة على الأوهام ولاشتراك الخط واللفظ في هذه الفضيلة وقع التناسب بينهما في كثير من أحوالهما وذلك أنهما يعبران عن المعاني إلا أن اللفظ معنى متحرك والخط معنى ساكن وهو وإن كان ساكنا فإنه يفعل فعل المتحرك بإيصاله كل ما تضمنه إلا الأفهام وهو مستقر في حيزه قائم في مكانه كما أن اللفظ فيه العذب الرشيق السائغ في الأسماع كذلك الخط فيه الرائق المستحسن الأشكال والصور وكما أن اللفظ فيه الجزل الفصيح الذي يستعمله مصاقع الخطباء ومفالق الشعراء والمبتذل السخيف الذي يستعمله العوام في المكاتبة والمخاطبة كذلك الخط فيه المحرر المحقق الذي تكتب به الكتب السلطانية والأمور المهمة وفيه المطلق المرسل الذي يتكاتب به الناس ويستعملونه فيما بينهم
وكما أن اللفظ يقع فيه لحن الإعراب الذي يهجنه كذلك الخط يقع فيه لحن الهجاء
وكما أن اللفظ إذا كان مقبولا حلوا رفع المعنى الخسيس وقربه من النفوس وإن كان غثا مستكرها وضع المعنى الرفيع وبعده من القلوب وكذلك الخط إذا كان جيدا حسنا بعث الإنسان على قراءة ما أودع فيه وإن كان قليل الفائدة وإن كان ركيكا قبيحا صرفه عن تأمل ما تضمنه وإن كان جليل الفائدة
ولما اشترك اللفظ والخط في الفوائد العامة التي جعلت فيهما وقع الاشتراك أيضا بين آلتيهما إذ آلة اللفظ اللسان وآلة الخط القلم وكل منهما يفعل فعل

الآخر في الإبانة عن المعاني إلا أن اللفظ لما كان دليلا طبيعيا جعلت آلته آلة طبيعية والخط لما كان دليلا صناعيا جعلت آلته آلة صناعية ولما تقاسمت الآلتان الدلالة نابت إحداهما مناب الأخرى فأوقعوا اسم اللسان على القلم فقالوا الأقلام ألسنة الأفهام وشركوا بينهما في الاسم فقالوا القلم أحد اللسانين

الجملة الثانية في أصل وضعه وفيه مسلكان
المسلك الأول في وضع مطلق الحروف
قيل إن أول من وضع الخطوط والكتب كلها آدم عليه السلام كتبها في طين وطبخه وذلك قبل موته بثلثمائة سنة فلما أظل الأرض الغرق أصاب كل قوم كتابهم
وقيل أخنوخ وهو إدريس عليه السلام
وقيل إنها أنزلت على آدم عليه السلام في إحدى وعشرين صحيفة
وقضية هذه المقالة أنها توقيفية علمها الله تعالى بالوحي والمقالتان الأوليان محتملتان لأن تكون توقيفية وأن تكون اصطلاحية وضعها آدم وإدريس عليهما السلام
على أنه يحتمل أن يكون بعض ذلك توقيفيا علمه الله تعالى بالوحي وبعضه اصطلاحيا وضعه البشر واحد أو جماعة فيصير الخلاف فيه كالخلاف في اللغة هل هي توقيفية أو اصطلاحية على ما هو مقرر في علم الأصول والله سبحانه وتعالى أعلم

المسلك الثاني في وضع حروف العربية
قال الشيخ أبو العباس البوني رحمه الله في كتابه لطائف الإشارات في أسرار الحروف المعلومات
يروى عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال سألت رسول الله فقلت يا رسول الله كل نبي مرسل بم يرسل قال بكتاب منزل
قلت يا رسول الله أي كتاب أنزل على آدم
قال أ ب ت ث ج إلى آخره
قلت يا رسول الله كم حرف
قال تسع وعشرون
قلت يا رسول الله عددت ثمانية وعشرين فغضب رسول الله حتى احمرت عيناه ثم قال يا أبا ذر والذي بعثني بالحق نبيا ما أنزل الله تعالى على آدم إلا تسعة وعشرين حرفا
قلت يا رسول الله فيها ألف ولام
فقال عليه السلام لام ألف حرف واحد أنزله على آدم في صحيفة واحدة ومعه سبعون ألف ملك من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل على آدم ومن لم يعد لام ألف فهو بريء مني وأنا بريء منه ومن لا يؤمن بالحروف وهي تعسة وعشرون حرفا لا يخرج من النار أبدا
وهذا الخبر ظاهر في أن المراد منه حروف العربية فقط إذ قد أجاب أبا ذر رضي الله عنه بحروف أ ب ت ث وأثبت منها لام ألف وليس ذلك في غير

حروف العربية وقضية ذلك أن حروف العربية أنزلت على آدم عليه السلام وهو الموافق لما في أول الفصل قبله لكن في كتاب التنبيه على نقط \ المصاحف وشكلها للشيخ أبي عمرو الداني رحمه الله أنها أنزلت على هود عليه السلام ولا تباين بينهما لجواز أن تنزل على آدم مرة وعلى هود أخرى فربما نزلت الآية على نبي ثم نزلت على نبي آخر كما قيل في قوله تعالى ( حمعسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ) إنه ما بعث الله تعالى نبيا إلا وأنزل عليه ( حمعسق )
وقد أنزلت ( بسم الله الرحمن الرحيم ) على سليمان عليه السلام ثم أنزلت على النبي وربما أنزلت الآية الواحدة على النبي مرتين كما في الفاتحة فإنها نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة على أحد الأقوال
وعلى الجملة فقضيته أنها توقيفية وهو الموافق لأحد الأقوال في مطلق الحروف
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أول من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من بولان وبولان قبيلة من طيء نزلوا مدينة الأنبار وهم مرامر ابن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة اجتمعوا فوضعوا حروفا مقطعة وموصولة ثم قاسوها على هجاء السريانية فأما مرامر فوضع الصور وأما أسلم ففصل ووصل وأما عامر فوضع الإعجام ثم نقل هذا العلم إلى مكة وتعلمه من تعلمه وكثر في الناس وتداولوه

ونقل الجوهري عن شرقي بن القطامي أن أول من وضعه رجال من طيء منهم مرامر بن مرة وأنشد عليه
( تعلمت باجاد وآل مرامر ... وسودت أثوابي ولست بكاتب )
قال الجوهري وإنما قال آل مرامر لأنه كان قد سمى كل واحد من أولاده بكلمة من أبي جاد وهم ثمانية
وذكر غيره نحوه فقال أول من اخترعه وألف حروفه ستة أشخاص من طسم كانوا نزولا عند عدنان بن أدد وكانت أسماؤهم أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت فوضعوا الكتابة والخط على أسمائهم فلما وجدوا في الألفاظ حروفا ليست في أسمائهم ألحقوها بها وسموها الروداف وهي الثاء المثلثة والخاء والذال والظاء والغين والضاد المعجمات على حسب ما يلحق من حروف الجمل ثم انتقل عنهم إلى الأنبار واتصل بأهل الحيرة وفشا في العرب ولم ينتشر كل الانتشار إلى أن كان المبعث
وقيل إن نفيسا ونصرا وتيما ودومة بني إسرائيل وضعوا كتابا واحدا وجعلوه سطرا واحدا موصول الحروف كلها غير متفرق ثم فرقه نبت وهميسع وقيذار وفرقوا الحروف وجعلوا الأشباه والنظائر
وعن هشام بن محمد عن أبيه قال

أخبرني قوم من علماء مصر أن أول من كتب الكتاب رجل من بني النضر بن كنانة فكتبته العرب حينئذ
وقضية هذه المقالات أنها اصطلاحية
وفي السبرة لابن هشام أن أول من كتب الخط العربي حمير بن سبإ علمه في المنام قال وكانوا قبل ذلك يكتبون بالمسند سمي بذلك لأنهم كانوا يسندونه إلى هود عليه السلام
وهو مخالف لما تقدم من كلام أبي عمرو الداني أن العربي أنزل على هود عليه السلام
قال السهيلي رحمه الله في التعريف والإعلام والأصح ما رويناه من طريق أبي عمر بن عبد البر رحمه الله يرفعه إلى النبي قال أول من كتب بالعربية إسماعيل عليه السلام قال ابن عبد البر وهذا أصح من رواية أول من تكلم بالعربية إسماعيل وهذا محتمل للتوقيف أيضا بأن يكون إسماعيل علمها بالوحي وللاصطلاح بأن يكون وضعه من نفسه
ثم أول ما ظهرت الكتابة العربية بمكة من قبل حرب بن أمية
قال المدائني حدثني حسان بن عبد الملك الأنصاري قال حدثني سليمان بن سعيد المري قال سمعت الفراء يقول حدثني العمري أنه قيل لابن عباس من

أين تعلمتم الهجاء والكتابة والشكل قال علمناه من حرب بن أمية قيل ومن أين علمه حرب بن أمية قال من طارئ طرأ علينا من اليمن قيل ومن أين علمه ذلك الطارئ قال من كاتب الوحي لهود عليه السلام
وذكر أبو عمرو الداني في كتاب التنبيه على النقط والشكل نحوه
وقيل أول ما ظهرت باليمن من قبل أبي سفيان بن أمية عم أبي سفيان بن حرب وأتته من قبل رجل من أهل الحيرة قال أهل الحيرة أخذناها من أهل الأنبار
وقال أبو بكر بن أبي داود عن علي بن حرب عن هشام بن محمد بن السائب قال تعلم بشر بن عبد الملك الكتابة من أهل الأنبار وخرج إلى مكة وتزوج الصهباء بنت حرب
وقيل إنه لما تعلم أبو سفيان بن حرب الخط من أبيه تعلمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من قريش وتعلمه معاوية ابن أبي سفيان من عمه سفيان
أما الأوس والخزرج فقد روى الواقدي بسنده إلى سعد بن سعيد قال كانت الكتابة العربية قليلا في الأوس والخزرج وكان يهودي من يهود ماسكة

قد علمها فكان يعلمها الصبيان فجاء الإسلام وفيهم بضعة عشر يكتبون منهم سعيد بن زرارة والمنذر بن عمرو وأبي بن كعب وزيد بن ثابت يكتب الكتابين جميعا العربية والعبرانية ورافع بن مالك وأسيد بن حضير ومعن بن عدي وأبو عبس بن كثير وأوس بن خولي وبشير بن سعد
قال صاحب الأبحاث الجميلة في شرح العقيلة والخط العربي هو المعروف الآن بالكوفي ومنه استنبطت الأقلام التي هي الآن وقد ذكر ابن الحسين في كتابه في قلم الثلث أن الخط الكوفي فيه عدة أقلام مرجعها إلى أصلين وهما التقوير والبسط
فالمقور هو المعبر عنه الآن باللين وهو الذي تكون عرقاته وما في معناها منخسفة منحطة إلى أسفل كالثلث والرقاع ونحوهما
والمبسوط هو المعبر عنه الآن باليابس وهو ما لا انخساف وانحطاط فيه كالمحقق وعلى ترتيب هذين الأصلين الأقلام الموجودة الآن
ثم قد ذكر صاحب إعانة المنشئ أن أول ما نقل الخط العربي من الكوفي إلى ابتداء هذه الأقلام المستعملة الآن في أواخر خلافة بني أمية وأوائل خلافة بني العباس

قلت على أن الكثير من كتاب زماننا يزعمون أن الوزير أبا علي بن مقلة رحمه الله تعالى هو أول من ابتدع ذلك وهو غلط فإنا نجد من الكتب بخط الأولين فيما قبل المائتين ما ليس على صورة الكوفي بل يتغير عنه إلى نحو هذه الأوضاع المستقرة وإن كان هو إلى الكوفي أميل لقربه من نقله عنه
قال أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب ويقال إن جودة الخط انتهت إلى رجلين من أهل الشأم يقال لهما الضحاك وإسحاق بن حماد وكانا يخطان الجليل وكأنه يريد الطومار أو قريبا منه
قال صاحب إعانة المنشيء وكان الضحاك في خلافة السفاح أول خلفاء بني العباس وإسحاق بن حماد في خلافة المنصور والمهدي
قال النحاس ثم أخذ إبراهيم يعني السجزي عن إسحاق بن حماد

الجليل واخترع منه قلما أخف منه سماه قلم الثلثين وكان أخط أهل دهره به ثم اخترع من قلم الثلثين قلما سماه قلم الثلث
قال صاحب الأبحاث الجميلة وأخذ يوسف أخو إبراهيم السجزي القلم الجليل عن إسحاق أيضا واخترع منه قلما أدق منه وكتبه كتابة حسنة فأعجب به ذو الرياستين الفضل بن سهل وزير المأمون وأمر أن تحرر الكتب السلطانية به ولا تكتب بغيره وسماه القلم الرياسي
قال بعض المتأخرين وأظنه قلم التوقيعات
قال النحاس ثم أخذ عن إبراهيم السجزي الأحول الثلثين والثلث واخترع منهما قلما سماه قلم النصف وقلما أخف من الثلث سماه خفيف الثلث وقلما متصل الحروف ليس في حروفه شيء ينفصل عن غيره سماه المسلسل وقلما سماه غبار الحلية وقلما سماه خط المؤامرات وقلما سماه خط القصص وقلما مقصوعا سماه الحوائجي
قال وكان خطه يوصف بالبهجة والحسن من غير إحكام ولا إتقان وكان عجيب البري للقلم وكان وجه

النعجة مقدما في الجليل
قال وكان محمد بن معدان يعني المعروف بأبي درجان مقدما في خط النصف وكان قلمه مستوى السنين وكان يشق الطاء والظاء والصاد والضاد بعرض النصف ويعطف مثل ياء ويصل كل ياء من يساره إلى يمينه بعرض النصف لا يرى فيه اضطراب
وكان أحمد بن محمد بن حفص المعروف بزاقف أجل الكتاب خطا في الثلث
وكان ابن الزيات في أيام ابن طولون وزير المعتصم يعجبه خطه ولا يكتب بين يديه غيره
وانتهت رياسة الخط بمصر إلى طبطب المحرر جودة وإحكاما
قال النحاس وكان أهل مدنية السلام يحسدون أهل مصر على طبطب وابن عبد كان يعني كاتب الإنشاء لابن طولون ويقولون بمصر كاتب ومحرر ليس لأمير المؤمنين بمدينة السلام مثلهما
قلت ثم انتهت جودة الخط وتحريره على رأس الثلثمائة إلى الوزير أبي علي محمد بن مقلة وأخيه أبي عبد الله
قال صاحب إعانة المنشئ وولدا طريقة اخترعاها وكتب في زمانهما جماعة فلم يقاربوهما
وتفرد أبو عبد الله بالنسخ والوزير أبو علي

بالدرج وكان الكمال في ذلك للوزير وهو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها وعنه انتشر الخط في مشارق الأرض ومغاربها ولله قول القائل
( سبق الدمع في المسير المطايا ... إذ روى من أحب عنه بقله )
( وأجاد السطور في صفحة الخدولم ... لا يجيد وهو ابن مقله )
وقول الآخر
( تسلسل دمعي فوق خدي أسطرا ... ولا عجب من ذاك وهو ابن مقله )
ثم أخذ عن ابن مقلة محمد بن السمسماني ومحمد بن أسد وعنهما أخذ الأستاذ أبو الحسن علي بن هلال المعروف بابن البواب وهو الذي أكمل قواعد الخط وتممها واخترع غالب الأقلام التي أسسها ابن مقلة ولما مات رثاه بعضهم بقوله
( واستشعر الكتاب فقدك سالفا ... فجرت بصحة ذلك الأيام )
( فلذاك سودت الدوي وجوهها ... أسفا عليك وشقت الأقلام )
وممن أخذ عنه محمد بن عبد الملك وعن محمد بن عبد الملك أخذت الشيخة المحدثة الكاتبة زينب الملقبة بشهدة ابنة الإبري وعنها أخذ أمين الدين ياقوت وعنه أخذ الولي العجمي وعليه كتب العفيف وعن

العفيف أخذ ولده الشيخ عماد الدين ويقال إنه كان كابن البواب في زمانه وعن الشيخ عماد الدين بن العفيف أخذ الشيخ شمس الدين بن أبي رقيبة محتسب الفسطاط وهو ممن عاصرناه وأخذ عنه شيخنا الشيخ شمس الدين محمد بن علي الزفتاوي المكتب بالفسطاط وصنف مختصرا في قلم الثلث مع قواعد ضمها إليه في صنعة الكتابة أحسن فيه الصنيع وبه تخرج صاحبنا الشيخ زين الدين شعبان بن محمد بن داود الآثاري محتسب مصر ونظم في صنعة الخط ألفية وسمها ب العناية الربانية في الطريقة الشعبانية لم يسبق إلى مثلها ثم توجه بعد ذلك إلى مكة ثم إلى اليمن والهند ثم عاد إلى مكة فأقام بها ونبغ
قلت وقد علم مما تقدم ذكره أن ألقاب الأقلام من الثلثين والنصف والثلث وخفيف الثلث والمسلسل والغبار قديمة وإن وقع في أذهان كثير من الناس أنها من مخترعات ابن مقلة وابن البواب فمن بعدهما

الطرف الرابع في عدد الحروف وجهة ابتدائها وكيفية ترتيبها وفيه خمس جمل
الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات
واعلم أن الحروف تختلف باختلاف اللغات بحسب تعدد مخارجها فحروف السريانيين والروم والفرس والصقلب والترك من أربعة وعشرين حرفا إلى ستة وعشرين حرفا وحروف العبرانيين واليونانيين والقبط الأول والهنود وغيرهم من اثنين وثلاثين إلى ستة وثلاثين فيوجد في غير العربية من الحروف ما لا يوجد في العربية كما يوجد في العربية ما لا يوجد في غيرها من

اللغات ويكثر في الاستعمال فيها ما لا يكثر في غيرها فالحاء المهملة والظاء المعجمة مما أفردت بها العرب في لغاتها واختصت بها دون غيرها من أرباب اللغات والعين المهملة قليلة في كلام بعض الأمم ومفقودة في كلام كثير منهم وكذلك الصاد والضاد والذال المعجمة ليست في الفارسية والثاء المثلثة ليست في الرومية ولا في الفارسية والفاء ليست في التركية
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله ولذلك يقولون في فقيه بقيه بالباء الموحدة المشربة الفيوية

الجملة الثانية في حروف العربية
واعلم أنا لما كنا بحمد الله أمة وسطا خير أمة أخرجت للناس وكان خير الأمور أوساطها وكانت حروف اللغات ما بين أربعة وعشرين حرفا إلى ستة وثلاثين كما تقدم كانت حروف الكلام العربي التي بها رقم القرآن الكريم ثمانية وعشرين حرفا في اللفظ متوسطة بين حروف اللغات وهي ا ب ت ث إلى آخره وتسمى حروف الهجاء وحروف التهجي ويسميها سيبويه والخليل حروف العربية أي حروف اللغة العربية وهي التي يتركب منها الكلام العربي وتسمى أيضا حروف المعجم إما لأنها مقطعة لا تفهم إلا بإضافة بعضها إلى بعض وإما لأن منها ما ينقط النقط المعروف أو تنقط كلها أي تشكل إذ النقط قد يكون بمعنى الشكل
وقال بعض أهل اللغة العجم النقط بالسواد كمثل التاء عليها نقطتان يقال منه أعجمت الحروف ومعناه حروف الخط المعجم
وبعضهم

يجعل المعجم مصدرا بمعنى الإعجام من أعجمت الشيء إذا بينته فكأنها مبينة للكلام وتكون الهمزة في أعجمت للإزالة أي أزلت عجمته إما بنقطه أو شكله
قال الشيخ عبد الخالق بن أبي القاسم المصري وإذا اعتبرت سائر اللغات بالتحقيق فلن يزيد ذلك على ثمانية وعشرين حرفا يريد غير اللام ألف في الحروف العربية والقائل بذلك يجعل اللام ألف مركبا من حرفين فلا يعده حرفا مستقلا
قال علماء الحرف وجعلت ثمانية وعشرين حرفا على عدد منازل القمر الثمانية والعشرين
قالوا ولما كانت المنازل القمرية يظهر منها فوق الأرض أربع عشرة منزلة ويغيب تحت الأرض أربع عشرة كانت هذه الحروف ما يظهر منها مع لام التعريف أربعة عشر بعدد المنازل الظاهرة وهي الألف والباء والحاء المهملة والخاء المعجمة والعين المهملة والغين المعجمة والفاء والقاف والكاف واللام والميم والهاء والواو والياء المثناة تحت
تقول الألف والباء والحاء فتظهر اللام في لفظك وكذلك في البواقي
وما يندغم منها أربعة عشر حرفا أيضا بعدد المنازل الغائبة وهي التاء المثناة من فوق والثاء المثلثة والدال المهملة والذال المعجمة والراء والزاي والسين المهملة والشين المعجمة والصاد المهملة والضاد المعجمة والطاء المهملة والظاء المعجمة والنون
تقول التاء والثاء والدال فتخفى في لفظك وكذلك في البواقي
وقد تقدم في خبر أبي ذر رضي الله عنه أنها نزلت على آدم عليه السلام تسعة وعشرين حرفا عد منها اللام ألف وهو الموجود في التصوير فلا يعول إلا عليه إن صح الحديث

ثم للحروف العربية فروع توجد في اللفظ دون الكتابة مستحسنة ومستقبحة تبلغ بها الحروف العربية سبعة وأربعين حرفا ولا يوجد ذلك في لغة أمة من الأمم أضربنا عن ذكرها لعدم تعلقها بالخط الذي نحن بصدده وبالله المستعان

الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف
واعلم أن أصحاب الأقلام اختلفوا باعتبار مقاصدهم في البداءة بالحروف
فمنهم من يبدأ من اليمين إلى اليسار كالعرب والعبرانيين والهنود وأهل الطبيعة والسريانيين آخذا فيه على سير الفلك من المشرق إلى المغرب والمشرق عندهم يمين الفلك ويقال له مأخذ كوري وقيل لأن فيه الاستمداد من الكبد إلى القلب
ومنهم من يبدأ من اليسار إلى اليمين كالرومية واليونانية والقبطية وفن من الفارسية آخذا فيه على سير الكواكب السبعة السيارة من المغرب إلى المشرق
ويقال له مأخذ دوري وقيل لأنه ناشئ عن حركة القلب إلى الكبد
الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف
واعلم أن ترتيب الحروف على ضربين مفرد ومزدوج وبين أهل الشرق وأهل الغرب في كل من النوعين خلاف في الترتيب
أما المفرد فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب
أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و لا ي
وأما أهل الغرب فإنهم يرتبونه على هذا الترتيب

أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش ه و لا ي
وأما المزدوج فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب
أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ
وأهل الغرب يرتبونه على هذا الترتيب
أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ظغش
على أنه قد اختلف في كلمات أبجد هل لها معنى أم لا وهل يكره تعلمها أم لا وأكثر الناس في الشرق والغرب على تعلمها
وقد جاء أنها كانت تعلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويشهد لذلك قول الأعرابي في أبياته
( آتيت مهاجرين فعلموني ... ثلاثة أسطر متتابعات )
( وخطوا لي أبا جاد وقالوا ... تعلم سعفصا وقريشات )
وقيل إن ابجد وهوز وحطي كلمن كانت أسماء ملوك مدين وإن وكلمن كان في زمن شعيب عليه السلام
وقد تقدم أن الأربعة المذكورة كانت أسماء واضعي الخط العربي على قول والله أعلم

الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها
قد تقدم أن الحروف العربية على تسع عشرة صورة وهي صورة الألف وصورة الباء والتاء والثاء وصورة الجيم والحاء والخاء وصورة الدال والذال وصورة الراء والزاي وصورة السين والشين وصورة الصاد والضاد وصورة الطاء والظاء وصورة العين والغين وصورة الفاء والقاف وصورة الكاف

وصورة اللام وصورة الميم وصورة النون وصورة الهاء وصورة الواو وصورة اللام ألف وصورة الياء وفرقوا بينها بالنقط كما سيأتي وقصدوا بذلك تقليل الصور للاختصار لأن ذلك أخف من أن يجعل لكل حرف صورة فتكثر الصور
ثم ترجع الصور التسع عشرة بعد ذلك إلى خمس صور وهي الألف والجيم والراء والنون والميم ففي صورة الألف إحدى عشرة صورة ألف قائمة وهي أ وسبع ألفات مسطوحة وهي ب ت ث ك ل ي فكل هذه على صورة الألف غير أن فيها ما تكرر فيه صورة الألف وهي الكاف واللام وألفان مبطوحتان وهما ط ظ وألف معطوفة وهي لا وفي الجيم سبع صور جيم مرفلة وهي ج ح خ وجيمان محذوفتان وهما د ذ وجيمان شاخصتان وهما ع غ وفي الراء ثلاث صور وهي ر ز ز ووفي النون ست صور وهي ن س ش ص ض ق وفي الميم صورتان وهما م ه

الطرف الخامس في تحسين الخط وفيه جملتان
الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط
لا خفاء أن حسن الخط من أحسن الأوصاف التي يتصف بها الكاتب وأنه يرفع قدره عند الناس ويكون وسيلة إلى نجح مقاصده وبلوغ مآربه مع ما ينضم إلى ذلك من الفوائد التي لا تكاد تحصى كثرة
وقد قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه الخط الحسن يزيد الحق وضوحا
وقال بعض العلماء الخط كالروح في الجسد فإذا كان الإنسان جسيما

وسيما حسن الهيئة كان في العيون أعظم وفي النفوس أفخم وإذا كان على ضد ذلك سئمته النفوس ومجته القلوب فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف مليح الرصف مفتح العيون أملس المتون كثير الائتلاف قليل الاختلاف هشت إليه النفوس واشتهته الأرواح حتى إن الإنسان ليقرؤه وإن كان فيه كلام دنيء ومعنى رديء مستزيدا منه ولو كثر من غير سآمة تلحقه وإذا كان الخط قبيحا مجته الأفهام ولفظته العيون والافكار وسئم قارئه وإن كان فيه من الحكمة عجائبها ومن الألفاظ غرائبها
ويقال إن الخط مواز للقراءة فأجود الخط أبينه كما أن أجود القراءة أبينها ولا يخفى أن الخط الحسن هو البين الرائق البهج
ثم قد تقدم قي الكلام على أصل الخط أن الخط واللفظ يتقاسمان فضيلة البيان ويشتركان فيها
قال في مواد البيان ولما كان الخط قسما للفظ في البيان الذي امتن الله تعالى بتعليمه على الإنسان وجب على الكاتب أن يعنى بأمر الخط ويراعي من تجويده وتصحيحه ما يراعيه من تهذيب اللفظ وتنقيحه ليدل على سرعة وسهولة كما يدل اللفظ البليغ البين لأن الخط وإن كان على الإطلاق في المنزلة التي لا تساوي من الشرف فإنما تحصل فضائله للجيد منه كما أن المنطق وإن كان من الشرف في هذا الحد فإنما تحصل فضائله التامة لمنطق البليغ اللسن دون منطق العيي الألكن وكذلك سائر الصنائع الفاضلة على الإطلاق إنما يحصل فضلها للماهر فيها دون المبتدئ
قال فينبغي للكاتب ألا يقدم على تهذيب خطه وتحريره شيئا من آدابه فإن جودة الخط أول الأدوات التي ينتظم بحصولها له اسم الكتابة ويحكم عليه إذا

حازها بأنه من أهلها
وقد دخل بحسن الخط في الصناعة من إذا فحص عن مقدار معرفته وجب أن تنزه الكتابة عن نسبته إليها
ويجب مع ذلك أن يراعي تأسيس الخط على الوضع الذي اصطلح عليه المجيدون من الكتاب فقد قسم أهل الصناعة الخط إلى قسمين محقق ومطلق
فأما المحقق فما صحت أشكاله وحروفه على اعتبارها مفردة
قال في مواد البيان وهذا القسم هو الذي يستعمل في الأمور الجسيمة ككتب العهود والإسجالات والتمليكات التي تبقى على الأعقاب والمكاتبات الصادرة عن الملوك إلى الملوك الدالة على قدر المكتوب عنه والمكتوب إليه
وأما المطلق فهو الذي تداخلت حروفه واتصل بعضها ببعض
قال في مواد البيان وهو خط مولد من المحقق يستعمل في تنفيذ ما لا يمكن تأخيره من المكاتبات المهمة والأمور العامة
قال ويجب أن يلزم الطريقة في كل واحد من الخطين ولا يخلط حروف أحدهما بحروف الآخر

الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط ويتوصل إلى ذلك بأمور
الأول معرفة تشكيل الحروف
قال في مواد البيان وهو الأصل في أدب الخط لأن الخط إنما يسمى جيدا إذا حسنت أشكال حروفه وإنما يسمى رديئا إذا قبحت أشكال حروفه
وحسن صور حروف الخط في العين شبيه بحسن مخارج اللفظ العذب في السمع
قال والوجه في تصحيح الحروف أن يبدأ أولا بتقويمها مفردة مبسوطة

حذف 0

لتصح صورة كل حرف منها على حالها ثم يؤخذ في تقويمها مجموعة مركبة وأن يبدأ من المركب بالثنائي والثلاثي ثم بالرباعي ثم بالخماسي فإن هذه هي أمثلة الأسماء والحروف الأصلية وأن يعتمد في التمثيل على توقيف المهرة في الخطوط العارفين بأوضاعها ورسومها واستعمال آلاتها فإن لكل خط من الخطوط قلما من الأقلام يصلح لذلك الخط وهذه الأقلام المختلفة نظير آلات الصنائع المختلفة التي يصنع الصانع بكل آلة منها جزءا من صناعته لا يصنع به غيره ولا يعول على كتابة خط من الخطوط بنقل مثاله بنفسه فإن ذلك لا يكفيه إذ لو كان ذلك كافيا لاستغني في جميع الصنائع عمن يوقف عليها
على أن كثيرا من أصحاب الخطوط قد كتبوا طبعا دون التوقيف من أحد على طريقة من طرق المحررين إلا أن الأفضل أن يبنى الخط على أصل يكون له أساسا فإذا فصلت أحواله انكشف فساد كثير من حروفه

الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن
معرفتها وفيه جملتان
الجملة الأولى في هندسة الحروف ومعرفة اعتبار صحتها ونحن نذكرها على
ترتيب الحروف
الألف
قال الوزير أبو علي بن مقلة وهي شكل مركب من خط منتصب يجب أن يكون مستقيما غير مائل إلى استلقاء ولا انكباب
قال وليست مناسبة لحرف في طول ولا قصر
قال الشيخ شرف الدين محمد ابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وهي

قاعدة الحروف المفردة وباقي الحروف متفرعة عنها ومنسوبة إليها
ثم الذي ذكره صاحب رسائل إخوان الصفا في رسالة الموسيقى عند ذكر حروف المعجم استطرادا أن مساحتها في الطول تكون ثمان نقط القلم الذي تكتب به ليكون العرض ثمن الطول
والذي ذكره الشيخ شرف الدين محمد ابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنها مقدرة بست نقط
والذي ذكره الشيخ زين الدين شعبان الآثاري في ألفيته أنها مقدرة بسبع نقط فما زاد على ذلك كان زائدا عن مقدارها وما نقص كان ناقصا عنه
قال ابن عبد السلام وتكون النقطة مربعة
قال ويكون ابتداؤها بنقطة وآخرها بشظية
قال ابن مقلة واعتبارها أن تخط إلى جابنها ثلاث ألفات أو أربع ألفات فتجد فضاء ما بينها متساويا
قال ابن عبد السلام وتكون تلك الألفات المخطوطة إلى جانبها مناسبات لها في الطول متساويات الرؤوس والأذناب

الباء
قال ابن مقلة هي شكل مركب من خطين منتصب ومنسطح
قال ونسبته إلى الألف بالمساواة \
قال ابن عبد السلام ويكون المنتصب طوله بمقدار ثلث ألف خطه
قال ويبدأ أوله بنقطة وكذلك آخره إن كان مرسلا فإن كان معطوفا فليكن بسن القلم اليسرى والمستدير فيه مثل المنتصب ولكن يكون المنتصب أرجح من المستدير بنزر يسير وتكون السنة المبتدأ بها مترجحة في الطول على آخرها المعطوف
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن تزيد في أحد سنيها ألفا فتصير لاما وزاد ابن عبد السلام في إيضاحه فقال أن تزيد المنتصب تكملة ألف بحيث يكون طول جملته كطول المنسطح لا أطول ولا أقصر
ثم قال وهذا الحرف وما يجري مجراه من يمنة إلى يسرة وكل ما كان كذلك فينبغي أن يمال القلم فيه نحو اليسرة قليلا
ولا يخفى أن التاء والثاء في معنى الباء في ذلك جميعه
الجيم
قال ابن مقلة هي كشل مركب من خطين منكب ونصف دائرة وقطرها مساو للألف
وأبدل ابن عبد السلام المنكب بالمنسطح ثم قال والمنسطح كثلثي ألف من خطه وربما يكون أنقص بنقطة
قال ومساحة نصف الدائرة كألف ونصف ألف من قلم الكتابة ورأسها يكون من يسرة إلى يمنة على استقامة تقريبا وكل ما كان كذلك ينبغي أن يمال برأس القلم فيه إلى اليمنة قليلا يبدأ أوله بشظية بالسن اليمنى من القلم وآخر تعريجها بالسن اليسرى منه
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن تخط عن يمينها وشمالها خطين فلا تنقص عنهما شيئا يسيرا ولا تخرج
وقال ابن عبد السلام واعتبار صحة رأسها أن تكتبه من يسرة إلى يمنة على

استقامة تقريبا
قال وحسنها أن تخفضها من الجهة اليمنى قليلا وميزانها أن تسطر سطرا وتأخذ عليه من يسرة إلى يمنة مقدار ثلثي ألف من قلم الكتابة بحيث لا يرتفع أولها عن آخرها إلا يسيرا ولا آخرها عن أولها بل تكون منسبكة فيه واعتبار نصف الدائرة أن تقابله بنصف آخر فيصير دائرة
ثم قال وليقصد أن يجعل رأس الجيم سواء آخذا ابتداء الدائرة في جسد ثلث الرأس منسبكا فيه بحيث يكون الثلث ضلعا واحدا
ولا يخفى أن الحاء والخاء في معنى الجيم في جميع ما تقدم

الدال
قال ابن مقلة هي شكل مركب من خطين منكب ومنسطح مجموعهما مساو للألف
وجعل ابن عبد السلام منها شكلا آخر مركبا من ثلاثة خطوط منكب ومنسطح ومستدير
وكأنه يريد الدال المجموعة
ثم قال فالمنكب طوله بمقدار نصف ألف خطه لا غير وكذلك المنسطح
وابتداء أولها بنقطة وآخرها إن كان مرسلا بقطة وإن كان معطوفا بسن القلم اليسرى
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن تصل طرفيها بخط فتجده مثلثا متساوي الأضلاع
ولا يخفى أن الذال في معنى ما تقدم
الراء
قال ابن مقلة وهي شكل مركب من خط مقوس هو ربع الدائرة التي قطرها الألف وفي رأسه سنة مقدرة في الفكر
قال ابن عبد السلام وتبدأ أولها بنقطة وآخرها إن كان مرسلا فبسن القلم اليمنى وإن كان معطوفا فبسنه اليسرى
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن تصلها بمثلها فتصير نصف دائرة
ولا يخفى أن الزاي في معناها

السين
قال ابن مقلة وهو شكل مركب من خمسة خطوط ومنتصب ومقوس
ومنصب ومقوس ومنتصب
قال ابن عبد السلام ومساحة رأس السين من أول سن منها إلى ثالث سن كثلثي ألف خطه
قال ومساحة قوسها إن كان معطوفا مساحة ألف من خطه وإن كان مرسلا مساحة ألفين من خطه
وطول كل سنة مثل سدس ألف خطه يبدأ أولها بنقطة أما آخرها فإن كان مرسلا فبسن القلم اليمنى وإن كان معطوفا فبسنه اليسرى
قال وإذا ابتدأت بالسنة وطلعت إلى الثانية فخذ إلى الثالثة من أعلاها ليصير بياض من أسفلها فإنك متى أخذت رأس سنة من أسفلها صار أسفلها مصطحبا وبكون البياض الذي بين السنات على السوية في البياض
قال ابن مقلة واعتبار صحتها يعني صحة رأسها أن تمر بأعلاها وأسفلها خطين فلا تخرج عنهما شيئا ولا تنقص
ولا يخفى أن حكم الشين أيضا كذلك
الصاد
قال ابن مقلة هي شكل مركب من ثلاثة خطوط مقوس ومنسطح ومقوس
قال ابن عبد السلام وابتداؤه بشظية أما انتهاؤه فإن كان مرسلا فبسن القلم اليمنى وإن كان معطوفا فبسنه اليسرى
قال ومساحة رأس الصاد في

الطول كثلثي ألف خطه ومساحة قوسها إن كان معطوفا مساحة ألف الكتابة وإن كان مرسلا فمساحة ألفين من قلم خطه
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن تجعلها مربعة فتصير متساوية الزوايا في المقدار
وقال ابن عبد السلام اعتبار صحتها أن يكون أعلاها كراء معلقة والمنسطح كباء والمقوس كنون ويكون رأس النون مشرفا على آخرها
ولا يخفى أن الضاد كذلك

الطاء
قال ابن عبد السلام هو شكل مركب من ثلاثة خطوط منتصب ومقوس ومنسطح يبدأ أوله بنقطة وآخره بنقطة
قال ومساحة ضوء الطاء في الطول كثلثي ألف خطه
قال ابن مقلة واعتبارها كاعتبار الصاد
وقال ابن عبد السلام اعتبار صحتها أن يكون المنتصب كألف من خطه في الانتصاب والطول والمقوس كراء معلقة والمنسطح كباء مرسلة
ولا يخفى أن حكم الظاء في ذلك كالطاء
العين
قال ابن مقلة وهي شكل مركب من خطين مقوس ومنسطح أحدهما نصف الدائر
وقال ابن عبد السلام هي شكل مركب من ثلاثة خطوط مقوس ومنكب

ومنسطح يبدأ أولها بشظية وآخر تعريجها بسن القلم اليسرى والتعريجة نصف دائرة ومساحة القوس كألف وثلث من قلم الكتابة ومساحة الرأس في الطول كثلثي ألف خطه ويصور من رأسها رأس صاد
قال ابن مقلة واعتبار صحتها كاعتبار الجيم
وقال ابن عبد السلام اعتبارها أن تخط عن يمينها خطا من أعلاها إلى منتهى تعريجها فلا يقصر ظهر القوس عن يسارها يسيرا بنقطة تكون سدس ألف خطها لا غير
ولا يخفى أن الغين في الحكم كذلك

الفاء
قال ابن مقلة هي شكل مركب من أربعة خطوط منكب ومستلق ومنتصب ومنسطح
قال ابن عبد السلام تبدأ أوله بنقطة وتأخذه على سطر إلى جهة اليسار ثم تأخذ المستلقي إلى أن تنتهي إلى قبالة المنسطح بحيث يصير كالدال المقلوبة
ثم تأخذ من حيث انتهت إلى أن تلصق بالمنسطح فيبقى مثلثا متساوي الأضلاع مساحة ضوئه نقطة بمقدار سدس ألف خطه ثم إن كان معطوفا ختمته بسن القلم وإن كان مرسلا فبقطته
قال ابن مقلة واعتبار صحته أن تصل بالخط الثاني منها خطا فيصير مثلثا قائم الزاوية

القاف
قال ابن مقلة هو شكل مركب من ثلاثة خطوط منكب ومستلق ومقوس
قال ابن عبد السلام هو مركب من أربعة خطوط رأسها كرأس الفاء سواء بجميع ما تقدم وإرسالها كالنون على ما سيأتي ذكره فإن كان آخرها معطوفا فبسن القلم اليسرى وإن كان مرسلا فبسنه اليمنى
قال ومساحة ضوء القوس من أوله إلى آخره إن كان معطوفا كألف قلم الكتابة وإن كان مرسلا فكألفين
قال ابن مقلة واعتبار صحتها كاعتبار النون وسيأتي ذكره
الكاف
قال ابن مقلة شكل مركب من أربعة خطوط منكب ومنسطح ومنتصب ومنسطح
وقال ابن عبد السلام وهو مركب من أربعة خطوط مستلق ومنسطح طوله مقدار ألف وثلث ألف من قلم الكتابة ومنكب طوله مقدار ثلث ألف من خطه ومنسطح طوله مقدار ألفين من خطه يفصل منتهى المنسطح ما بين المنسطحين
قال ولك أن تزيد الأسفل عن رأس الكاف بمقدار ثلث ألف الكتابة بسبب ما يتصل به فيصير فضاء ما بين ما اتصل بآخرها إلى رأس الكاف مثل الفضاء الذي بين المنسطحين
قال ولا يجوز أن تكتب مختلسة إذا لم يتصل آخرها بحرف بل إذا كانت آخر كلمة تكتب منتصبة قائمة لا غير وتكتب إذا كانت منتصبة كاللام على ما سيأتي بيانه
قال وتبدأ أولها بشظية فإذا انتهيت إلى اتصال رأسها بالمنسطح تشير بتدويرها دون تحديدها

قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن ينفصل منها باءان
قال ابن عبد السلام يعني مستقيمة ومقلوبة

اللام
قال ابن مقلة هي شكل مركب من خطين منتصب ومنسطح
قال ابن عبد السلام فالمنسطح ألف والمنتصب ياء فإن كان مع \ طوفا فبسن القلم اليسرى وإن كان مرسلا فبقطه
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن تخرج من أولها إلى آخرها خطا يماس الطرفين فيصير مثلثا قائم الزاوية
قال وتكتب على الأنواع الثلاثة التي تكتب عليها الباء
الميم
قال ابن مقلة هي كشل مركب من أربعة خطوط منكب ومستلق ومنسطح ومقوس
وقال ابن عبد السلام مركب من أربعة خطوط منكب ومقوس ومستلق بتقويس ومقوس كالراء يكون ربع دائرة فإن كان آخرها منتصبا فهو في الوضع والطول مثل ألف من خطه غير مائل إلى استلقاء ولا انكباب تبدأ أول الميم بشظية وآخرها بشظية
قال ومساحة ضوئها مثل سدس ألف خطها وهو مستطيل مستدير كالبيضة منتصب إلى جهة اليمين
قال ابن مقلة واعتبارها كاعتبار الهاء وسيأتي
النون
قال ابن مقلة هو شكل مركب من خط مقوس هو نصف الدائرة وفيه سنة مقدرة في الفكر

قال ابن عبد السلام يبدأ أوله بنقطة وآخره إن كان معطوفا فبسن القلم اليسرى ومساحة ضوئه ألف من قلم خطه وإن كان مرسلا فبسن القلم اليمنى ومساحة ضوئه ألفان من قلم خطه
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن يوصل بها مثلها فتكون دائرة

الهاء
قال ابن مقلة هي شكل مركب من ثلاثة خطوط منكب ومنتصب ومقوس
وقال ابن عبد السلام من ثلاثة خطوط منكب ومنسطح بترطيب ومستلق تبدأ أولها بنقطة وآخرها إرسالة بسن القلم اليمنى طول المنكب كطول نصف ألف من خطه وطول المنسطح كثلث ألف من خطه وطول المستلقي كنصف ألف قلم خطه
قال ابن مقلة واعتبار صحتها أن تجعلها مربعة فتتساوى الزاويتان العلياوان كتساوي الزاويتين السفلاوين
وقال ابن عبد السلام اعتبار صحتها أن تجعل ردتها في ثلثيها فإذا كمل وضعها فاجعلها مربعة فتتساوى الزاويتان العاليتان والزاويتان السافلتان
الواو
قال ابن مقلة هي شكل مركب من ثلاثة خطوط مستلق ومنكب ومقوس
وقال ابن عبد السلام هي مركبة من أربعة خطوط رأسها كرأس الفاء وتقويسها كالراء وهو ربع دائرة تبدأ أولها بنقطة وآخرها إن كان معطوفا فبسن القلم اليسرى وإن كان مرسلا فبسنه اليمنى
اللام ألف
قال ابن عبد السلام هي شكل مركب من ثلاثة خطوط منكب ومنسطح

مستقيم ومستلق طول المنكب كطول ألف من قلم الكتابة وطول المنسطح كثلثي ألف الكتابة وطول المستلقي كطول ألف الكتابة تبدأ أول المنكب بنقطة وكذلك المستلقي
قال واعتبار صحتها أن يكون ثلثها من أسفلها والثلثان من أعلاها وأن تخط من رأس اللام إلى رأس الألف خطا مستقيما وأن تخط من أعلاها إلى أسفلها خطا فلا يقصر عنها ولا يخرج
قال ومنها نوع آخر مركب من ثلاثة خطوط منكب ومستدير يقارب ألفا ومستلق يقابل طرفه طرف المنكب

الياء
قال ابن مقلة شكل مركب من ثلاثة خطوط مستلق ومنكب ومقوس
قال ابن عبد السلام وهي كالنون وتبدأ أولها بشظية رأسها كدال مقلوبة طول المستلقي منها كنصف ألف من خطه وكذلك المنكب على ما تقدم في الدال
قال والمقوس وإن كان معطوفا فمساحته كألف من خطه وآخره بسن القلم اليسرى وإن كان مرسلا فمساحته كألفين من خطه وآخره بسن القلم اليمنى
قال ومنها نوع كرأس الكاف المستلقي والمنسطح سواء
قال ابن مقلة واعتبارها كاعتبار الواو

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39