كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

إلا القليل النادر
ففي أول النهار يمد سماط أول لا يأكل منه السلطان شيئا ثم سماط ثان بعده قد يأكل منه السلطان وقد لا يأكل ثم سماط ثالث بعده يسمى الطاريء ومنه مأكول السلطان
وفي أخريات النهار يمد سماطان الأول والثاني المسمى بالخاص ثم إن استدعي بطاريء حضر وإلا فبحسب ما يؤمر به وفي كل هذه الأسمطة يسقى بعدها المشروب من الأقسما السكرية عقب الأكل وأما في الليل فيبيت بالقرب من مبيتة أطباق من أنواع المآكل المختلفة والمشروب الفائق ليتشاغل أصحاب النوب بالمأكول والمشروب عن النوم قال في مسالك الأبصار ولكل ذي إمرة بمصر من خواص السلطان عليه السكر والحلوى في شهر رمضان والضحية على مقادير رتبهم

المقصد السابع في اختصاص صاحب هذه المملكة بأماكن داخلة في نطاق مملكته
يمتاز بها على ملوك الأرض من المسلمين وغيرهم
منها الكعبة المعظمة داخلة في نطاق هذه المملكة واختصاصه بكسوتها ودوران المحمل في كل سنة
أما كسوة الكعبة فإنها كانت في الزمن الأول مختصة بالخلفاء وكانت خلفاء بني العباس يجهزونها من بغداد في كل سنة ثم صارت إلى ملوك الديار المصرية يجهزونها في كل سنة واستقرت على ذلك إلى الآن ولا عبرة بما وقع من استبداد بعض ملوك اليمن في بعض الأعصار بذلك في بعض السنين وهذه الكسوة تنسج بالقاهرة المحروسة بمشهد الحسين من الحرير الأسود مطرزة بكتابة بيضاء في نفس النسج فيها ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) الآية

ثم في آخر الدولة الظاهرية برقوق استقرت الكتابة صفراء مشعرة بالذهب ولهذه الكسوة ناظر مستقل بها ولها وقف أرض بيسوس من ضواحي القاهرة يصرف منها على استعمالها
وأما دوران المحمل فقد جرت العادة أنه يدور في السنة مرتين المرة الأولى في شهر رجب بعد النصف منه يحمل وينادي لأصحاب الحوانيت التي في طريق دورانه بتزيين حوانيتهم قبل ذلك بثلاثة أيام ويكون دورانه في يوم الإثنين أو الخميس لا يتعداهما ويحمل المحمل على جمل وهو في هيئة لطيفة من خركاه وعليه غشاء من حرير أطلس أصفر وبأعلاه قبة من فضة مطلية ويبيت في ليلة دورانه داخل باب النصر بالقرب من باب جامع الحاكم ويحمل بعد الصبح على الجمل المذكور ويسير إلى تحت القلعة فيركب أمامه الوزير والقضاة الأربعة والمحتسب والشهود وناظر الكسوة وغيرهم ويركب جماعة من المماليك السطانية الرماحة ملبسين المصفات الحديد المغشاة بالحرير الملون وخيولهم ملبسة البركستوانات والوجوه الفولاذ كما في القتال وبأيديهم الرماح عليها الشطفات السلطانية فيلعبون تحت القلعة كما في حالة الحرب ومنهم جماعة صغار بيد كل منهم رمحان يديرهما في يده وهو واقف على ظهر الفرس وربما كان وقوفه في نعل من خشب على ذباب سيفين من كل جهة وهو يفعل كذلك ويهيئوا من أزيار النفط وغيرها جملة مستكثرة ويطلق تحت القلعة في خلال ذلك ثم يذهب إلى الفسطاط فيمر في وسطه ثم يعود إلى تحت القلعة ويفعل كما في الأول إلا أنه أقل من ذلك ثم يحمل من جامع الحاكم ويوضع في مكان هناك إلى شوال وفي خلال ذلك كله الطبلخانات والكوسات السلطانية تضرب خلفه ويخلع فيه على جماعة مستكثرة وكذلك يفعل في نصف شوال إلا

أنه يرجع من تحت القلعة إلى باب النصر ويخرج إلى الريدانية للسفر ولا يتوجه إلى الفسطاط

المقصد الثامن في انتهاء الأخبار إليه وهو على ثلاثة أنواع النوع الأول
أخبار الملوك الواردة عليه مكاتبات منهم
وقد جرت العادة أنه إذا وصل رسول من ملك من الملوك إلى أطراف مملكته كاتب نائب تلك الجهة السلطان عرفه بوفوده واستأذنه في إشخاصه إليه فتبرز المراسيم السلطانية بحضوره فيحضر فإذا وقع الشعور بحضوره فإن كان مرسله ذا مكانة عظيمة من الملوك كأحد القانات من ملوك الشرق خرج بعض أكابر الأمراء كالنائب وحاجب الحجاب ونحوهما للقائه وأنزل بقصور السلطان بالميدان الذي يلعب فيه بالكرة وهو أعلى منازل الرسل وإن كان دون ذلك تلقاه المهمندار واستاذن عليه الدوادار وأنزله دار الضيافة أو ببعض الأماكن على قدر رتبته ثم يرتقب يوم موكب فيجلس السلطان بإيوانه وتحضر أعيان المملكة الذين شأنهم الحضور من أرباب السيوف والأقلام ويحضر ذلك الرسول وصحبته الكتاب الوارد معه فيقبل الأرض ويتناول الدوادار الكتاب منه فيمسحه بوجه الرسول ثم يدفعه إلى السلطان فيفضه ويدفعه إلى كاتب السر فيقرؤه على السلطان ويأمر فيه أمره
النوع الثاني الأخبار التي ترد عليه من جهة نوابه
عادة هذا السلطان أن يطالعه نوابه في مملكته بكل ما يتجدد عندهم من مهمات الأمور أو ما قاربها وتؤخذ أوامره وتعود أجوبته عليهم من ديوان الإنشاء بما يراه في ذلك أو يبتدئهم هو بما يقتضيه رأيه وينفذ على البرد أو أجنحة

الحمام الرسائلي على ما يأتي ذكره في المقالة الثالثة من الكتاب إن شاء الله تعالى
وقد جرت العادة أنه إذا ورد بريد من بلد من بلاد المملكة أو عاد المجهز من الأبواب الشريفة بجواب أحضره أمير جاندار والدوادار وكاتب السر بين يدي السلطان فيقبل الأرض ثم يأخذ الداوادار الكتاب فيمسحه بوجه البريدي ثم يناوله للسلطان فيفضه ويجلس كاتب السر فيقرؤه عليه ويأمر بأمره
وأما بطائق الحمام فإنه إذا وقع طائر من الحمام الرسائلي ببطاقة أخذها البراج وأتى بها الدوادار فيقطع الدوادار البطاقة عن الحمام بيده ثم يحملها إلى السلطان ويحضر كاتب السر فيقرؤها كما تقدم

النوع الثالث أخبار حاضرته
جرت العادة أن والي الشرطة يستعلم متجددات ولاياته من قتل أو حريق كبير أو نحو ذلك في كل يوم من نوابه ثم تكتب مطالعة جامعة بذلك وتحمل إلى السلطان صبيحة كل يوم فيقف عليها قال في مسالك الأبصار وأما ما يقع للناس في أحوال انفسهم فلا
المقصد التاسع في هيئة الأمراء بالديار المصرية وترتيب إمرتهم
واعلم أن كل أمير من أمراء المئين أو الطبلخانات سلطان مختصر في غالب أحواله ولكل منهم بيوت خدمة كبيوت خدمة السلطان من الطشت خاناه والفراش خاناه والركاب خاناه والزردخاناه والمطبخ والطبلخاناه خلا الحوائج خاناه فإنها مختصة بالسلطان ولكل واحد من هذه البيوت مهتار متسلم حاصله وتحت يده رجال وغلمان لكل منهم وظيفة تخصه وكذلك لكل منهم الحواصل من إصطبلات الخيول ومناخات الجمال وشون الغلال وله من أجناده

أستادار ورأس نوبه ودوادار وأمير مجلس وجمدارية وأميراخور وأستادار صحبة ومشرف وتوصف البيوت في دواوين الأمراء بالكريمة فيقال البيوت الكريمة كما يقال في بيوت السلطان البيوت الشريفة وكذلك كل فرد منها فيقال الطشت خاناه الكريمة والفراش خاناه الكريمة وكذا في الباقي ويوصف الإصطبل بالسعيد فيقال الإصطبل السعيد وكذلك المناخ وتوصف الشون بالمعمورة فيقال للشونة المعمورة قال في مسالك الأبصار ومن رسم الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث ركب وخلفه جنيب مسرج ملجم وربما ركب الأمير من أكابرهم بجنيبين سواء في ذلك الحاضرة والبر قال ويكون لكل منهم طلب مشتمل على أكثر مماليكه وقدامهم خزانة محمولة للطبلخاناه على جمل واحد يجره راكب على جمل آخر والألف على جملين وربما زاد بعضهم على ذلك وأمام الخزانة عدة جنائب تجر على أيدي مماليك ركاب خيل وهجن وركابة من العرب على هجن وأمامهم الهجن بأكوارها مجنونة للطبلخاناه قطار واحد وهو أربعة ومركوب الهجان والألف قطاران وربما زاد بعضهم قال وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه والجنائب المذكورة منها ما هو مسرج ملجم ومنها ما هو بعباءة لا غير انتهى كلامه
ومن عادتهم أيضا أن الأمير إذا ركب يكون أكابر أجناده من أرباب الوظائف كرأس نوبة والدوادار وأمير مجلس ومشاة الخدمة أمامه وكل من كان منهم أكبر كان إليه أقرب وتكون الجمدارية من مماليكه الصغار خلفه وأميراخوره خلف الجميع ومعه الجنائب والأوشاقية على قاعدة السلطان في ذلك
ومن عادة أكابر مجالس بيوتهم أنه ينصب للأمير بشتميخ خلف ظهره من

الجوخ الأحمر المزهر بالجوخ الملون برنك ذلك الأمير وطراز فيه ألقابه ويجلس على مقعد مسندا ظهره إلى البشتميخ وربما جلس أكابرهم على مدورة من جلد ورجلاه على الأرض وتكون الناس في مجلسه في القرب إليه على حسب مراتبهم
ومن عادة كل أمير من كبير أو صغير أن يكون له رنك يخصه ما بين هناب أو دواة أو بقجة أو فرنسيسية ونحو ذلك بشطفه واحدة أو شطفتين بألوان مختلفة كل أمير بحسب ما يختاره ويؤثره من ذلك ويجعل ذلك دهانا على أبواب بيوتهم والأماكن المنسوبة إليهم كمطابخ السكر وشون الغلال والأملاك والمراكب وغير ذلك وعلى قماش خيولهم من جوخ ملون مقصوص ثم على قماش جمالهم من خيوط صوف ملونة تنقش على العبي والبلاسات ونحوها وربما جعلت على السيوف والأقواس والبركصطوانات للخيل وغيرها
ومن عوائد أمراء العسكر بالحضرة السلطانية أنهم يركبون في يومي الإثنين والخميس في المواكب منضمين على نائب السلطنة الكافل إن كان وإلا فعلى حاجب الحجاب ويسيرون تحت القلعة مرات ثم يقفون بسوق الخيل وتعرض عليهم خيول المناداة وربما نودي على كثير من آلات الخيل والخيم والخركاوات والأسلحة قال في مسالك الأبصار وقد ينادى على كثير من العقارات ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية على ما تقدم
ومن قاعدة هذه المملكة أن أجناد الأمراء كافة تعرض بديوان الجيوش السلطانية وتثبت أسماؤهم مفصلة فيه وكانوا فيما تقدم يحلون بالديوان أما

الآن فقد ترك ما هنالك واكتفي بأوراق تكتب من دواوين الأمراء بأسماء اجناده وتخلد بديوان الجيوش ثم كلما مات واحد منهم أو فصل من الخدمة عرض بديوان الجيش واحد مكانه يعبر فيه عرض من ديوان ذلك الأمير
ومن عادتهم أن من مات من الأمراء والجند قبل استكمال سنة خدمته حوسب في مستحق إقطاعه على مقدار مدته وكتب له بذلك محاسبة من ديوان الجيوش ويكون ما يتحصل من المغل شركة بين المستقر وبين الميت أو المنفصل على حسب استحقاق القراريط كل شهر من السنة بقيراطين
ومن عادة الأمراء أنه إذا مر السلطان في متصيداته بإقطاع أمير كبير قدم له من الإوز والدجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو إليه همة مثله فيقبله منه ثم ينعم عليه بخلعة كاملة يلبسها وربما أمر لبعضهم بشيء من المال فيقبضه

المقصد العاشر في ولاة الأمور من أرباب السيوف بأعمال الديار المصرية وهم
على أربع طبقات الطبقة الأولى النواب والمستقر بها ثلاث نيابات
الأولى نيابة الإسكندرية وهي نيابة جليلة نائبها من الأمراء المقدمين يضاهي في الرتبة نيابة طرابلس وما في معناها أو يقاربها وبها حاجب أمير عشرة وحاجب جندي ووال للمدينة وأجناد حلقة عدتهم مائتا نفر يعبر عنهم بأجناد المائتين وبها قاضي قضاة مالكي وقاض حنفي مستحدث وربما كان بها قاض شافعي والمالكي أكبر الكل بها وهو المتحدث في أموال الأيتام والأوقاف على أنه ربما ولي قضاء قضاتها في الزمن الماضي شافعي وبها موقع يعبر عنه في البلد بكاتب السر وناظر متحدث في الأموال الديوانية ومعه مستوف وتحت يده كتاب وشهود وبها محتسب وليس بها قضاة عسكر ولا مفتو دار عدل ووكيل بيت المال بها نائب عن نائب بيت المال بالقاهرة وتركز بها أمراء المقدمين والطبلخانات في غير الزمن الذي يمتنع سير المراكب الحربية في البحر بشدة

الريح منها ووال للتركيز يسمى الحاجب وقد مر القول على معاملتها وذكر أحوالها في الكلام على قواعد الديار المصرية المستقرة فأغنى عن إعادته هنا
وهذه النيابة مع جلالة قدرها ورفعة محلها ليس لها عمل يحكم فيه نائبها ولا قاضيها ومحتسبها بل حكمهم قاصر على المدينة وظواهرها لا يتعدى ذلك بخلاف غيرها من سائر نيابات المملكة وبها كرسي سلطنة بدار النيابة وعادة الخدمة السلطانية بها في أيام المواكب أن يركب نائب السلطنة من دار النيابة وفي خدمته مماليكه وأجناد المائتين المتقدم ذكرهم ويخرج من دار النيابة عند طلوع الشمس ويسير في موكبه والشبابة السلطانية بين يديه حتى يخرج من باب البحر ويخرج الأمراء المركزون على حدتهم أيضا ويجتمعون في الموكب ويسيرون خارج باب البحر ساعة ثم يعودون ويتوجه النائب إلى دار النيابة في مماليكه وأجناد المائتين وقد فارقه الأمراء المركزون وتوجه كل منهم إلى منزلة فإذا صار إلى دار النيابة فإن كان في ذلك الموكب سماط وضع الكرسي في صدر الإيوان مغشى بالأطلس الأصفر ووضع عليه سيف نمجاة سلطانية ومد السماط تحته وأكل مماليك النائب وأجناد المائتين وجلس النائب بجنبة من الإيوان والشباك مطل على مينا البلد ويجلس القاضي المالكي عن يمينه والقاضي الحنفي عن يساره والناظر تحته والموقع بين يديه ورؤوس البلد على قدر منازلهم وترفع القصص فيقرؤها الموقع على النائب فيفصلها بحضرة القضاة ثم ينصرف الموكب
قلت وهذه النيابة مستحدثة وكان ابتداء ترتيبها في سنة سبع وستين وسبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرقها الفرنج وفتكوا بأهلها وقتلوا ونهبوا وأسروا وكانت قبل ذلك ولاية تعد في جملة الولايات الطبلخاناه وكان لواليها الرتبة الجليلة والمكانة العلية
الثانية نيابة الوجه البحري وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق ونائبها من الأمراء المقدمين وهو في رتبة مقدم العسكر بغزة الآتي ذكره في الممالك الشامية ومقر نيابتها مدينة دمنهور بالبحيرة وحكمه على جميع بلاد

الوجه البحري المتقدم ذكرها في الكلام على أعمال الديار المصرية المستقرة خلا الإسكندرية وليست على قاعدة النيابات في ركوب المواكب وما في معناها بل نائبها في الحقيقة كاشف كبير وليس فيها من رسوم النيابة سوى لبس التشريف وكتابة التقليد والمكاتبة بما يكاتب به مثل نائبها من النواب وقد كان القائم بها في الزمن الأول قبل استقرارها نيابة يعبر عنه بوالي الولاة
الثالثة نيابة الوجه القبلي وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق أيضا وكان مقر نائبها مدينة أسيوط وحكمه على جميع بلاد الوجه القبلي وهي في الترتيب والرتبة على ما تقدم من نيابة الوجه البحري غير أنها أعظم خطرا في النفوس وكان القائم بها قبل ذلك يسمى والي الولاة كما تقدم في الوجه البحري

الطبقة الثانية الكشاف
قد تقدم أنه قبل استحداث النيابة بالوجهين القبلي والبحري كان بهما كاشفان يعبر عن كل منهما بوالي الولاة ولما استقرا نيابتين جعل للوجه البحري كاشف من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدمة وهو في الحقيقة تحت أمر نائب الوجه البحري ومقرته منية غمر من الشرقية وجعل كاشف آخر للبهنساوية والفيوم وعطل الفيوم من الوالي وباقي الوجه القبلي أمره راجع إلى نائبه وللجيزية كاشف يتحدث في جسورها وسائر متعلقاتها ولا يتعدى أمره إلى غيرها من النواحي
الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين القبلي والبحري
وقد تقدم ذكر أعمالها ومراتب الولاة بهما لا تخرج عن مرتبتين :

المرتبة الأولى الولاة من أمراء الطبلخاناه وهي سبع ولايات بالوجهين القبلي والبحري على ما استقر عليه الحال
فأما الوجه القبلي ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة وهي ولاية البهنسي وولاية الأشمونين وولاية قوص وهي أعظمها حتى إن واليها كان يركب بالشبابة أسوة النواب بالممالك وولاية أسوان وهي مستحدثة في الدولة الظاهرية برقوق وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص يجعل فيها نائبا من تحت يده وكانت ولاية الفيوم طبلخاناه ثم استقرت كشفا على ما تقدم
أما أسيوط فلم يكن بها وال لكونها مقر نائب الوجه القبلي ومقر والي الولاة من قبله وسيأتي ما كان ولاية طبلخاناه من الوجه القبلي ثم نقل
وأما الوجه البحري ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة وهي ولاية الشرقية ومقر واليها بلبيس وولاية المنوفية ومقر واليها مدينة منوف وولاية الغربية ومقر واليها المحلة الكبرى وهي تضاهي ولاية قوص من الوجه القبلي إلا أن واليها لم يركب بالشبابة قط وولاية البحيرة ومقر واليها مدينة دمنهور وربما عطلت ولايتها لكونها مقرة النائب وقد تقدم أن ولاية النائب قبل أن تستقر نيابة كانت ولاية طبلخاناه
المرتبة الثانية من الولاة أمراء العشرات وهي سبع ولايات بالوجهين فأما القبلي ففيه من هذه الرتبة ثلاث ولايات ولاية الجيزة وكانت قبل ذلك طبلخاناه وولاية إطفيح ولم تزل عشرة وولاية منفلوط وولايتها عشرون وكانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية ابن قلاوون وما بعدها وال أمير عشرة يولى من قبل السلطان ويراجع والي قوص في الأمور المهمة
وأما الوجه البحري ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة ولاية منوف وولاية

أشموم وولاية دمياط وولاية قطيا وكانت قبل ذلك طبلخاناه

الطبقة الرابعة أمراء العربان بنواحي الديار المصرية
قد تقدم في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى ذكر أصول أنساب العرب وانقسامهم إلى قحطانية وهم العاربة وإلى عدنانية وهم المستعربة وبيان رجوع كل بطن من بطون العرب الموجودين الآن بالديار المصرية وغيرها إلى قبيلتهم التي إليها ينتسبون وبيان من بوجهي الديار المصرية القبلي والبحري من القبائل وأفخاذ كل قبيلة المتشعبة منها والمقصود بيان أمراء العربان بالوجهين المذكورين في القديم والحديث
فأما الوجه القبلي فقد ذكر الحمداني أن الإمرة كانت بالوجه القبلي في ثلاثة أعمال العمل الأول عمل قوص وكانت الإمرة به في بيتين من بلي من قضاعة بن حمير بن سبإ من القحطانية
الأول بنو شاد المعروفون ببني شادي وكانت منازلهم بالقصر الخراب المعروف بقصر بني شادي بالأعمال القوصية وتقدم هناك أنه قيل إنهم من بني أمية بن عبد شمس من قريش

الثاني العجالة وهم بنو العجيل بن الذئب منهم أيضا وكانوا معهم هناك
العمل الثاني عمل الأشمونين وكانت الإمرة به في بني ثعلب من السلاطنة وهم أولاد أبي جحيش من الحيادرة من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق من عقب الحسين السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكانت منازلهم بدروت سربام وغلب عليها الشريف حصن الدين بن ثعلب فعرفت بدروت الشريف من يومئذ واستولى عليها وعلى بلاد الصعيد وقد تقدم أنه كان في آخر الدولة الأيوبية فلما ولي المعز أيبك التركماني أول ملوك الترك بالديار المصرية السلطنة أنف من سلطته وسمت نفسه إلى السلطنة فجهز إليه المعز جيوشا فجرت بينهم حروب لم يظفروا به فيها وبقي على ذلك إلى أن كانت دولة الظاهر بيبرس فنصب له حبائل الحيل وصاده بها وشنقه بالإسكندرية
العمل الثالث البهنسى وكانت الإمرة فيه في بيتين
الأول أولاد زعازع بضم الزاي من بني جديدي من بني بلار من لواثة من البربر أو من قيس عيلان على الخلاف السابق عند ذكر نسبهم في المقالة الأولى قال الحمداني وهم أشهر من في الصعيد
الثاني أولاد قريش قال الحمداني وهم أمراء بني زيد ومساكنهم نويرة دلاص
قال وكان قريش هذا عبدا صالحا كثير الصدقة ومن أولاده سعد الملك المشهور بنوه هناك

وذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف أن الإمرة بالوجه القبلي في زمانه وهو سلطنة الناصر محمد بن قلاوون وما وليها كانت لناصر الدين عمر بن فضل ولم يذكر مقرته ولا من أي العرب هو وذكر أيضا أن إمرة فيما فوق أسوان كانت في عرب يقال لهم الحدارية في سميرة بن مالك قال وهو ذو عدد جم وشوكة منكية يغزو الحبشة وأمم السودان ويأتي بالنهاب والسبايا وله أثر محمود وفضل مأثور وفد على السلطان فأكرم مثواه وعقد له لواء وشرف بالتشريف وقلد وكتب إلى ولاة الوجه القبلي عن آخرهم وسائر العربان بمساعدته ومعاضدته والركوب للغزو معه متى أراد وكتب له منشور بما يفتحه من البلاد وتقليد بإمرة عربان القبلة مما يلي قوص إلى حيث تصل غايته وتركز رايته
قلت أما في زماننا فمذ وجهت عرب هوارة وجوهها من عمل البحيرة إلى الوجه القبلي ونزلت به انتشرت في أرجائه انتشار الجراد وبسطت يدها من الأعمال البهنساوية إلى منتهاه حيث أسوان وما والاها وأذعنت لهم سائر العربان بالوجه القبلي قاطبة وانحازوا إليهم وصاروا طوع قيادهم
والإمرة الآن فيهم في بيتين الأول بنو عمر محمد وإخوته ومنازلهم بجرجا ومنشأة إخميم وأمرهم نافذ إلى أسوان من القبلة وإلى آخر بلاد الأشمونين من بحري
الثاني اولاد غريب وبيدهم بلاد البهنسي ومنازلهم دهروط وما حولها

وأما الوجه البحري فقد ذكر الحمداني أن الإمرة فيهم في خمسة أعمال العمل الأول الشرقية قال والإمرة فيها في قبيلتين
الأولى ثعلبة وذكر أن الإمرة كانت فيهم في شقير بن جرجي من المصافحة من بني زريق وفي عمر بن نفيلة من العليميين
الثانية جذام وقد ذكر أن الإمرة كانت فيهم في خمسة بيوت
الأول بيت أبي رشد بن حبشي بن نجم بن إبراهيم من العقيليين بني عقيل بن قرة بن موهوب بن عبيد بن مالك بن سويد من بني زيد بن حرام بن جذام أمر بالبوق والعلم
الثاني طريف بن مكنون من بني الوليد بن سويد المقدم ذكره وإلى طريف هذا ينسب بنو طريف من بلاد الشرقية قال الحمداني وكان من أكرم العرب كان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفا تأكل عنده وكان يهشم الثريد في المراكب قال ومن بنيه فضل بن سمح بن كمونة وإبراهيم بن عالي أمر كل منهما بالبوق والعلم
الثالث بيت أولاد منازل من ولد الوليد المذكور كان منهم معبد بن مبارك أمر بالبوق والعلم
الرابع بيت نمي بن خثعم من بني مالك بن هلبا بن مالك بن سويد أقطع خثعم بن نمي المذكور وأمر واقتنى عددا من المماليك الأتراك والروم

وغيرهم وبلغ من الملك الصالح أيوب منزلة ثم حصل عند الملك المعز أيبك التركماني على الدرجة الرفيعة وقدمه على عرب الديار المصرية ولم يزل على ذلك حتى قتله غلمانه فجعل المعز ابنيه سلمى ودغش عوضه فكانا له نعم الخلف ثم قدم دغش دمشق فأمره الملك الناصر صاحب دمشق يومئذ من بني أيوب ببوق وعلم وأمر الملك أيبك أخاه سلمى كذلك
الخامس بيت مفرج بن سالم بن راضي من هلبا بعجة ابن زيد بن سويد بن بعجة من بني زيد بن حرام بن جذام أمره المعز أيبك التركماني بالبوق والعلم وذلك أنه حين أراد المعز تأمير سلمى بن خثعم المقدم ذكره امتنع أن يؤمر حتى يؤمر مفرج بن غانم فأمر
العمل الثاني المنوفية والأمرة فيها لأولاد نصير الدين من لواته ولكن إمرتهم في معنى مشيخة العرب
العمل الثالث الغربية والإمرة فيه في أولاد يوسف من الخزاعلة من سنبس من طيء من كهلان من القحطانية ومقرتهم مدينة سخا من الغربية
العمل الرابع البحيرة وقد ذكر في التعريف أن الإمرة في الدولة الناصرية ابن قلاوون كانت لخالد بن أبي سليمان وفائد بن مقدم قال في مسالك الأبصار وكانا أميرين سيدين جليلين ذوي كرم وإفضال وشجاعة وثبات رأي وإقدام
العمل الخامس برقة قال في التعريف ولم يبق من أمراء العرب ببرقة يعني في زمانه إلا جعفر بن عمر وكان لا يزال بين طاعة وعصيان ومخاشنة وليان والجيوش في كل وقت تمد اليه وقل أن تظفر منه بطائل أو رجعت منه بمغنم وإن أصابته نوبة من الدهر قال وآخر أمره أن ركب طريق الواح حتى خرج من الفيوم وطرق باب السلطان لائذا بالعفو ووصل ولم يسبق به خبر ولم

يعلم السلطان به حتى أستأذن له عليه وهو في جملة الوقوف بالباب فأكرم أتم الكرامة وشرف بأجل التشاريف وأقام مدة في قرى الإحسان وإحسان القرى وأهله لا يعلمون ما جرى ولا يعلمون أين يمم ولا أي جهة نحا حتى أتتهم وافدات البشائر وجاءت منه فقال له السلطان لم لا أعلمت اهلك بقصدك إلينا قال خفت أن يقولوا يفتك بك السلطان فأتثبط فاستحسن قوله وأفاض عليه طوله ثم أعيد إلى أهله فانقلب بنعمة من الله لم يمسسه سوء ولا رثى له صاحب ولا شمت به عدو
قلت والإمرة اليوم في برقة في عمر بن عريف وهو رجل دين وكان أبوه عريف ذا دين متين رأيته في الإسكندرية بعد الثمانين والسبعمائة واجتمعت به فوجدت آثار الخير ظاهرة عليه

الفصل الثاني من المقالة الثانية
في المملكة الشامية وما يتصل بها من بلاد الأرمن والروم وبلاد الجزيرة بين الفرات والدجلة مما هو مضاف إلى هذه المملكة وفيه أربعة أطراف
الطرف الأول في فضل الشام وخواصه وعجائبه وفيه مقصدان المقصد الأول في
فضل الشام
أعظم شاهد لذلك ما أخرجه الترمذي من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال كنا يوما عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع فقال رسول الله طوبى لأهل الشام فقلت لم ذاك يا رسول الله قال لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليه هذا وقد بعث به الكثير من الأنبياء عليهم السلام وفيه ضرائحهم الشريفة والمسجد الأقصى الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وهو أول القبلتين وبه ينزل المسيح عليه السلام بمنارة جامع دمشق وبه يقتل الدجال بمدينة لد وفي الحديث أن النبي قال إن الله بارك فيما

بين العريش إلى الفرات وخص فلسطين بالتقديس

المقصد الثاني في خواصه وعجائبه
أما خواصه فإن به الأماكن التي تعظمها الأمم على اختلاف عقائدهم كالصخرة التي هي قبلة اليهود والقمامة التي يحجها النصارى من سائر أقطار الأرض وطور نابلس الذي تحجه السامرة وبمدينة صور كنيسة تعتقد طائفة من النصارى أنه لا يصح تمليك ملوكهم إلا منها على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال صفد إن شاء الله تعالى وغير ذلك مما تنقاد به الأمم إلى صاحب هذه المملكة وتذعن لمسالمته
وأما عجائبه فكثيرة
منها حمة طبرية المشهورة وهي عين تنبع ماء شديد الحرارة يكاد يسلق البيضة يقصدها المترددون للاستشفاء بالإغتسال فيها قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات وليس فيها حمام يوقد فيه النار إلا الحمام الصغير
ومنها قبة العقارب بمدينة حمص وهي قبة بالقرب من مسجدها الجامع إذا اخذ شيء من تراب حمص وجبل بالماء وألصق بداخل تلك القبة وترك حتى يجف ويسقط بنفسه من غير أن يلقيها أحد ثم أخذت ووضع منها

شيء في بيت لم يدخله عقرب أو في قماش لم يقربه وإن ذر على عقرب منه شيء أخذها مثل السكر فربما زاد عليها فقتلها بل قيل إن ذلك لا يختص بالقبة بل عامة أرض البلد كذلك حتى لا يدخلها عقرب إلا مات بل لا يقرب ثيابا ولا أمتعة عليها غبارها وإلى ذلك أشار القاضي الفاضل في البشرى بفتوحها بقوله ودبت إليها عقارب المجانيق فخالفت عادة حمص في العقارب ورميت الحجارة بالحجارة فوقعت العداوة المعروفة بين الأقارب
ومنها عين فوارة داخل البحر الملح على القرب من ساحل مدينة طرابلس على قدر رمية حجر عن البئر تنبع ماء عذبا يطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر يتبين عند سكون الريح
ومنها وادي الفوار وهو واد بالقرب من حصن الأكراد من عمل طرابلس غربا عنه بشمال على الطريق السالكة قال في مسالك الأبصار وهي صفة بئر قائمة في الأرض وفي سفل الأرض سرداب ممتد إلى الشمال يفور في كل أسبوع يوما واحدا لا غير فتسقى به أرض ومزدرعات وينزل عليه التركمان ويردونه ويسمع له قبل فورانه دوي كالرعد وهو في بقية الأيام يابس لا ماء فيه قال وذكر لي من دخل السرداب أن في نهايته نهرا كبيرا آخذا من الغرب إلى الشرق تحت الأرض له جريان قوي وبه موج وريح عاصف لا يعرف إلى أين يجري ولا من أي جهة يأتي
ومنها حمام القدموس من قلاع الدعوة من عمل طرابلس يخرج منها أنواع كثيرة من الحيات تظهر من أنابيب مائها وتدخل في ثياب داخلها ولم يشتهر أنها أضرت احدا قط على ممر الدهور وتطاول الأزمنة حكاه

في مسالك الأبصار
ومنها صدع في سور الخوابي من قلاع الدعوة من عمل طرابلس أيضا إذا لدغ أحد بحية فأتى إلى ذلك الموضع فشاهده بعينه او أرسل رسوله فشاهده سلم من تلك اللدغة ولم يضره السم إلى غير ذلك من العجائب الظاهرة والمندرسة بمرور الزمان عليها
قال ابن الأثير وبقرى حلب قرية تسمى براق يقال إن بها معبدا يقصده أصحاب الأمراض ويبيتون به فإما أن يرى المريض في منامه من يقول له استعمل كذا وكذا فيبرأ أو يمسح عليه بيده فيبرأ قال في تاريخه وبقرية مبرون من قرى صفد مغارة يظهر فيها الماء في يوم من السنة تجتمع إليه اليهود في ذلك اليوم ويجلبون منه الماء إلى البلاد البعيدة وبوادي دلسه من عملها عين تعرف بعين الجن تفور لحظة كالنهر ثم تغور حتى لا يبقى فيها ماء ثم تفور كذلك ليلا ونهارا وبقرية بكوزا من قرى صفد عنب داخل العنبة عنبة أخرى وبقرية عدشيب من قراها بلوط يؤخذ الواحد منه من الشجرة فيوجد حضنها حجر وبقرية عياض تراب الجير إذا عمل منه كوز وسقي فيه الكسير من آدمي أو غيره جبر عظمه وبالناصرة من أعمالها كنيسة بها عمود إذا اجتمع عنده جماعة وعملوا سماعا عرق العمود حتى يظهر عرقه

الطرف الثاني في حدوده وابتداء عمارته وتسميته شاما وفيه مقصدان المقصد
الأول في حدوده
وقد اختلف في تحديده فذكر في التعريف أن حده من القبلة إلى البر المقفر تيه بني إسرائيل وبر الحجاز والسماوة إلى مرمى الفرات بالعراق قال

وهذه المحادات كلها من جزيرة العرب
وحده من الشرق طرف السماوة والفرات
وحده من الشمال البحر الرومي
وحده من الغرب حد مصر المتقدم ذكره وذكر في تقويم البلدان أن حده من الجنوب من أول رفح التي في أول الجفار بين مصر والشام إلى حدود تيه بني إسرائيل إلى ما بين الشوبك وأيلة من البلقاء وحده من الشرق من البلقاء إلى مشاريق صرخد آخذا على أطراف الغوطة إلى سلمية إلى مشاريق حلب إلى بالس وحده من الشمال من بالس مع الفرات إلى قلعة نجم إلى البيرة إلى سميساط إلى حصن منصور إلى بهنسي إلى مرعش إلى بلاد سيس إلى طرسوس إلى بحر الروم وحده من الغرب من طرسوس المذكورة آخذا على ساحل البحر الرومي إلى رفح المتقدمة الذكر حيث وقع الإبتداء
قلت والخلف بينهما في شيئين أحدهما أنه في التعريف جعل حده الشمالي إلى البحر الرومي وحده الغربي حد مصر المتقدم ذكره وفي تقويم البلدان جعل حده الشمالي البلاد التي بين الفرات والبحر الرومي وحده الغربي البحر الرومي من طرسوس إلى رفح فيدخل حد مصر الذي حد به الجانب الغربي في التعريف في هذا الحد وكأن الموقع لهما في ذلك أن البحر الرومي عن الشام غربا بشمال فجنح كل منهما إلى جهة
الثاني أنه في تقويم البلدان أدخل بلاد الأرمن المتصلة بآخر بلاد حلب من الشمال في حدود الشام وفي التعريف أخرجها وهو التحقيق وقد صرح بذلك في التعريف فيما بعد فقال بعد أن أفرد الفتوحات الجاهانية التي هي أول بلاد الأرمن من جهة حلب بالذكر وأتيت بها ههنا إذ لم يكن لها تعلق

بمملكة تذكر فيها وليست من الشامات في شيء وإنما هي من بلاد الأرمن المسماة قديما ببلاد العواصم والثغور وسيأتي الكلام على بلاد الأرمن بمفردها في جملة أعمال حلب في الكلام على قواعد المملكة الشامية إن شاء الله تعالى
على ان ما ذكره من التحديد في التعريف وتقويم البلدان لا يخلو عن تساهل فقد قال في التعريف بعد ذكر الحدود التي أوردها وهذه الحدود هي الجامعة على ما يحتاج إليه وإذا فصلت تحتاج إلى زيادة إيضاح وقال في تقويم البلدان بعد ذكر الحدود التي أوردها أيضا وبعض هذه الحدود قد تقع شرقية عن بعض الشام وهي بعينها جنوبية عن بعض آخر مثل البلقاء فإنها جنوبية عن حلب وما على سمتها وشرقية عن مثل غزة وما على سمتها فليعلم العذر في ذلك
قال اب حوقل وطول الشام من ملطية إلى رفح خمس وعشرون مرحلة فمن ملطية إلى منبج أربع مراحل ومن منبج إلى حلب مرحلتان ومن حلب إلى حمص خمس مراحل ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل ومن دمشق إلى طبرية أربع مراحل ومن طبرية إلى الرملة ثلاث مراحل ومن الرملة إلى رفح مرحلتان

قال التيفاشي في سرور النفس وطوله أكثر من شهر قال ابن حوقل وأعرض ما فيه طرفاه فأحد طرفيه من الفرات من جسر منبج على منبج على قورس في حد قنسرين ثم على العواصم في حد إنطاكية ثم يقع على جبل اللكام ثم على المصيصة ثم على أذنة ثم على طرسوس وذلك نحو عشر مراحل وهذا هو السمت المستقيم والطرف الآخر يأخذ في البحر من حد يافا من جند فلسطين حتى ينتهي إلى الرملة إلى بيت المقدس ثم إلى أريحا ثم إلى زغر ثم إلى جبل الشراة إلى أن يأتي إلى معان وتقدير ذلك ست مراحل ثم قال أما ما بين هذين الطرفين من الشام فلا يكاد بين الأردن ودمشق وحمص يزيد على أكثر من ثلاثة أيام لأن من دمشق إلى طرابلس على بحر الروم غربا يوما وإلى أقصى الغوطة شرقا حتى يتصل بالبادية يوما ومن حمص إلى أنطرطوس على بحر الروم غربا يومين ومن حمص إلى سلمية على البادية شرقا يوما ومن طبرية من جند الأردن إلى صور على البحر الرومي غربا يوما ومنها إلى أريحا على حدود بني فزارة شرقا يوما

المقصد الثاني في ابتداء عمارته وتسميته شاما وما يلتحق بذلك
أما إبتداء عمارته فقد روى الحافظ بن عساكر في تاريخ الشام عن هشام

ابن محمد عن أبيه أن نوحا عليه السلام لما قسم الأرض بين بنيه لحق قوم من بني كنعان بن حام بن نوح عليه السلام بالشام فسميت الشام حين تشاءموا إليها يعني من أرض بابل كما جاء في الرواية الأخرى قال فكانت الشأم يقال لها لذلك أرض كنعان وجاء بنو إسرائيل فأجلوهم عنها وبقيت الشام لبني إسرائيل إلى أن غلب عليه الروم وانتزعوه منهم فأجلوهم إلى العراق إلا قليلا منهم ثم جاء العرب فغلبوا على الشام يعني في الفتح الإسلامي ثم الشأم مهموز مقصور . قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات وغيره ويجوز فيه فتح الشين والمد قال وهي ضعيفة وإن كانت مشهورة قال الجوهري ويجوز فيه التذكير والتأنيث قال النووي والمشهور التذكير وقد اختلف في سبب تسميته شاما فقيل لتشاؤم بني كنعان إليه كما تقدم في كلام ابن عساكر وقيل سمي بسام بن نوح لأنه نزل به واسمه بالسريانية شام بشين معجمة والعرب تنقلها إلى السين المهملة وقيل لأن أرضه مختلفة الألوان بالحمرة والسواد والبياض فسمي شاما لذلك كما يسمى الخال في بدن الإنسان شامة وقيل سميت شاما لأنها عن شمال الكعبة والشام لغة في الشمال قال أبو بكر بن محمد ويجوز فيه وجهان أحدهما أن يكون من اليد الشؤمى وهي اليسرى والثاني أن يكون فعلا من الشؤم

الطرف الثالث في أنهاره وبحيراته وجباله المشهورة وزروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره وفيه ستة مقاصد المقصد الأول في ذكر الأنهار العظام بالشام وما هو مضاف إليه مما يتكرر ذكره بذكر البلدان وهي أربعة أنهار
الأول نهر الفرات وهو أعظمها وقد تقدم في الكلام على النيل أنه شقيقه في الخروج من الجنة وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي قال لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلي أنا الذي أنجو به وأول ابتدائه من شمالي مدينة أرزن الروم وشرقيها وهي آخر بلاد الروم من جهة الشرق حيث الطول أربع وستون درجة والعرض اثنتان وأربعون درجة ونصف ثم يأخذ إلى قرب ملطية ثم يأخذ إلى سميساط ثم يأخذ مشرقا ويتجاوز قلعة الروم من شماليها وشرقيها ثم يسير إلى البيرة من جنوبيها ثم يمر مشرقا حتى يجاوز بالس ثم قلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرقة ثم يسير مشرقا ويتجاوز الرحبة من شماليها ويسير إلى عنة ثم يمتد إلى هيت ويمتد حتى يجاوز مخرج نهر كوثى الآتي ذكره فينقسم قسمين ويمر أحدهما وهو الجنوبي إلى الكوفة ويتجاوزها ويصب في بطائح العراق ويمر الآخر وهو أعظمها بإزاء قصر ابن هبيرة ويعرف هذا القسم بنهر سورا بضم السين المهملة وآخره ألف يمد ويقصر وهي قرية على النهر نسب إليها

ويتجاوز قصر ابن هبيرة ويسير جنوبا إلى مدينة بابل القديمة ويتفرع منه بعد أن يجاوز بابل عدة أنهر ويمر عموده إلى مدينة النيل ويجاوزها حتى يصب في دجلة ويسمى من بعد مجاوزة النيل نهر الصراة وعلى الفرات أنهار تصب فيه وأنهار تخرج منه ليس بنا حاجة إلى تفصيلها
الثاني نهر حماة ويسمى العاصي لأن غالب الأنهر تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير بل تركب البلاد بأنفسها ونهر حماة لا يسقي إلا بنواعير تنزع الماء منه ويسمى أيضا النهر المقلوب لجريه من الجنوب إلى الشمال وغالب الأنهر إنما تجري من الشمال إلى الجنوب واسمه القديم نهر الأرنط وأوله نهر صغير من ضيعة قريبة من بعلبك في الشمال عنها على نحو مرحلة تسمى الرأس ويمتد من الرأس شمالا حتى يصل إلى مكان يسمى قائم الهرمل بين قرية جوسية والرأس ويمر في واد هناك وينبع من هناك أكثر ماء النهر من موضع يسمى مغارة الراهب ويمتد شمالا حتى يتجاوز جوسية ويمتد حتى يصب في بحيرة قدس غربي حمص ويخرج من البحيرة ويتجاوز حمص إلى الرستن ويمتد إلى حماة ثم إلى شيزر ثم إلى بحيرة أفامية ثم يخرج من بحيرة أفامية ويمر على دركوش ويمتد إلى جسر الحديد وذلك جميعه شرقي جبل اللكام فإذا وصل إلى جسر الحديد انقطع الجبل المذكور هناك ويستدير النهر المذكور ويرجع ويسير جنوبا بغرب ويمر على سور أنطاكية ويسير كذلك مغربا بجنوب حتى يصب في بحر الروم عند السويدية
ويصب في العاصي عدة أنهر

منها نهر منبعة من تحت أفامية يسير مغربا حتى يصل إلى بحيرة أفامية ويختلط بالعاصي
ومنها نهر في شمال أفامية على نحو ميلين يعرف بالنهر الكبير يسير مدى قريبا ويصب في بحيرة أفامية ويخرج منها مع العاصي
ومنها النهر الأسود يجري من الشمال ويمر تحت دربساك ويمتد حتى يصب في بحيرة أنطاكية ويخرج منها ويصب في العاصي
ومنها نهر يغرا بفتح الياء المثناة تحت وسكون الغين المعجمة وفتح الراء المهملة ثم ألف مقصورة بلدة هناك يمر عليها ويصب النهر في الأسود المذكور
ومنها عفرين بكسر العين المهملة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحت ونون في الآخر وهو نهر يأتي من بلاد الروم ويمر على الراوندان إلى الجومة ويمر في الجومة إلى العمق ويختلط بالنهر الأسود
الثالث نهر الأردن والأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة أيضا وتشديد النون كذا ضبطه السمعاني في اللباب قال وهي بلدة من بلاد الغور من الشام نسب إليها النهر ويسمى الشريعة أيضا وأصله من أنهار تصب من جبل الثلج إلى بحيرة بانياس ثم يخرج من البحيرة المذكورة ويصب في بحيرة طبرية ويمتد جنوبا وهناك يصب في اليرموك بين بحيرة طبرية المذكورة وبين القصير ويمتد في وسط الغور جنوبا حتى يجاوز بيسان ويمتد في الجنوب كذلك إلى أريحا ولا يزال يمتد في الجنوب حتى يصب في بحيرة زغر

وهي البحيرة المنتنة المعروفة ببحيرة لوط
الرابع نهر العوجاء بفتح العين المهملة وسكون الواو وفتح الجيم وبعدها ألف ويسمى نهر أبي فطرس بضم الفاء وبالطاء والراء والسين المهملات وهو نهر شمالي مدينة الرملة من فلسطين باثني عشر ميلا ومنبعه من تحت جبل الخليل عليه السلام مقابل قلعة خراب هناك تسمى مجد اليابا ويجرى هذا النهر من الشرق إلى الغرب ويصب في بحر الروم جنوبي غابة أرسوف ومن منبعه إلى مصبه دون مسافة يوم قال في العزيزي وما التقى عليه جيشان إلا غلب الغربي وانهزم الشرقي وسيأتي الكلام على أنهار دمشق في الكلام على حاضرتها إن شاء الله تعالى إذ لا يتعداها إلى غيرها من البلاد
الخامس نهر جيحان بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون وتسميه العامة جهان بجيم وهاء مفتوحتين وألف ثم نون وربما زادوا ألفا بعد الجيم فقالوا جاهان وإليه تنسب الفتوحات الجاهانية الآتي ذكرها قال في رسم المعمور وأوله عند طول ستين درجة وعرض أربعين درجة وهو نهر يقارب الفرات في الكبر ويمر بسيس ويسير من الشمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم حتى يبلغ المصيصة من شماليها حيث الطول تسع وخمسون وكسر والعرض ست وثلاثون درجة وعرض خمس عشرة وجريانه عندها من المشرق إلى المغرب ويتجاوز

المصيصة ويصب بالقرب منها في بحر الروم
السادس نهر سيحان بفتح السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ثم نون قال في رسم المعمور وأوله عند طول ثمان وخمسين وعرض أربع وأربعين ويمر ببلاد الروم إلى الجنوب عند مجرى جيحان المتقدم ذكره ويسير حتى يمر ببلاد الأرمن ويمر على سور أذنة من شرقيها حيث الطول تسع وخمسون بغير كسر والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة ويتجاوز أذنة ويلتقي مع جيحان المتقدم ذكره ويصيران نهرا واحدا ويصبان في بحر الروم بين آياس وطرسوس على ما تقدم ذكره

المقصد الثاني في ذكر بحيراته وهي ثمان بحيرات
الأولى بحيرة طبرية قال الزجاجي سميت طبربة بطباري ملك من ملوك الروم وهي في أول الغور يدخل إليها نهر الشريعة المنصب في بحيرة بانياس الآتي ذكرها ودورها نحو مسيرة يومين ووسطها حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض اثنتان وثلاثون وهي قرعاء ليس بها قصب نابت وطبرية مدينة خراب على شاطيء البحيرة المذكورة من جانبها الغربي قال العثماني في تاريخ صفد ويقال إن قبر سليمان بن داود عليهما السلام بهذه البحيرة
الثانية بحيرة زغر وتعرف ببحيرة سدوم وبحيرة لوط وهي بحيرة منتنه ليس لها سمك ولا يأوي إليها طير وفيها مصب نهر الأردن المسمى بالشريعة عند

نهايته ويغيض الماء فيها ولا يخرج منها شيء من الأنهار وهي في آخر الغور من جهة الجنوب ودورها فوق مسيرة يومين ووسطها حيث الطول تسع وخمسون درجة والعرض إحدى وثلاثون
الثالثة بحيرة بانياس وهي بحيرة بالقرب من بانياس من مقابلة دمشق تصب فيها عدة أنهار من جبل هناك ويخرج منها نهر الشريعة ويصب في بحيرة البرية المتقدم ذكرها وبها غابة قصب
الرابعة بحيرة البقاع وهي مستنقع ماء في جهة الغرب عن بعلبك على مسيرة يوم منها بها هيش وغابات قصب
الخامسة بحيرة دمشق وهي بحيرية في شرقي غوطة دمشق بميلة يسيرة إلى الشمال يصب إليها فضلة نهر بردى وغيره وتتسع في أيام الشتاء وتضيق في أيام الصيف وبها غابات قصب وفيها أماكن تحمي من العدو
السادسة بحيرة قدس بفتح القاف والدال وفي آخرها سين مهملة
وهي بحيرة في أرض مستوية عن حمص في جهة الغرب على بعض يوم منها وطولها من الشمال إلى الجنوب نحو ثلث مرحلة وفي طرفها الشمالي سد ممتد في طولها مبني بالحجر من بناء الأوائل ينسب بناؤه إلى الإسكندر طوله شرقا وغربا ألف ومائتان وسبعة وثمانون ذراعا وعرضه ثمانية عشر ذراعا ونصف ذراع وعلى وسط السد برجان من حجر أسود
السابعة بحيرة أفامية وهي عدة بطائح في الغرب بميله إلى الشمال عن أفامية بين غابات من القصب يصب فيها النهر العاصي من جهة الجنوب وبها بحيرتان جنوبية وشمالية يصاد فيهما السمك فالجنوبية منهما بحيرة أفامية المذكورة وسعتها بالتقريب نحو نصف فرسخ وقعرها قريب قامة وأرضها

موحلة لا يقدر الإنسان على الوقوف فيها وبوسطها جمم قصب وبردي وحولها القصب والصفصاف وبها من أنواع الطير ما لا يحصى كثرة وينبت بها في زمن الربيع اللينوفر الأصفر حتى يستر الماء عن آخره بورقه وزهره والبحيرة الشمالية من عمل حصن برزوية بقدر بحيرة أفامية أربع مرات ووسطها مكشوف وينبت اللينوفر بجانبيها الجنوبي والشمالي وبينها وبين بحيرة أفامية المذكورة زقاق تسير فيه المراكب من إحداهما إلى الأخرى قال في تقويم البلدان ويعتبر طول هذه البطائح وعرضها بأفامية
الثامنة بحيرة انطاكية وهي بحيرة بين أنطاكية وبغراس وحارم في أرض تعرف بالعمق بفتح العين المهملة وسكون الميم من معاملة حلب شمالي أنطاكية على مسيرة يومين من حلب في جهة الغرب عنها وفيها مصب نهر عفرين والنهر الأسود ونهر يغرا المتقدم ذكرها ودورها نحو مسيرة يوم وآجام القصب محيطة بها وفيها من الطير والسمك نحو ما تقدم ذكره في بحيرة أفامية قال في تقويم البلدان وطولها طول انطاكية تقريبا وعرضها أكثر من عرضها بدقائق

المقصد الثالث في ذكر جباله المشهورة التي يتعلق بها كثير من المقاصد وهي
عدة أجبل
منها جبل الثلج بالثاء المثلثة والجيم وما يتصل به قال في تقويم البلدان والطرف الجنوبي لهذا الجبل بالقرب من صفد قال في رسم المعمور حيث الطول تسع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان ثم يمتد إلى الشمال ويتجاوز دمشق فإذا صار في شماليها سمي جبل سنير ويسمى جانبه المطل على دمشق جبل قاسيون ويتجاوز دمشق ويمر غربي بعلبك ويسمى الجبل المقابل لبعلبك جبل لبنان بلام مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مفتوحة

بعدها ألف ونون ثانية وإذا تجاوز بعلبك وصار شرقي طرابلس سمي جبل عكار بعين مهملة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة في الآخر إضافة إلى حصن بأعلاه يسمى عكارا ثم يمر شمالا ويتجاوز طرابلس إلى حصن الأكراد من عمل طرابلس ويسامت حمص من غربيها على مسيرة يوم ويمتد حتى يجاوز سمت حماة ثم سمت شيزر ثم سمت أفامية ويسمى قبالة هذه البلاد جبل اللكام بضم اللام قال في رسم المعمور وجبل اللكام يمتد إلى أن يصير بينه وبين جبل شحشبو اتساعه نصف يوم حتى يتجاوز صهيون والشغر وبكاس والقصير وينتهي إلى أنطاكية فينقطع هناك ويصير قبالة جبال الأرمن
قال في تقويم البلدان ويقابل جبل اللكام المذكور عند مسامتته لأفامية المتقدمة الذكر جبل آخر من شرقيه يسمى جبل شحشبو بشين معجمة مفتوحة وحاء مهملة ساكنة وشين ثانية مفتوحة بعدها باء موحدة مضمومة ثم واو إضافة إلى قرية هناك تسمى بذلك ويمر من الجنوب إلى الشمال على غربي المعرة وسرمين وحلب ثم يأخذ غربا ويتصل بجبال الروم
ومنها جبل عاملة وهو جبل ممتد في شرقي ساحل بحر الروم وجنوبيه حتى يقرب من مدينة صور وعليه شقيف أرنون نزله بنو عاملة بن سبإ من عرب اليمن عند تفرقهم بسيل العرم فعرف بهم
ومنها جبل عوف وهو جبل بالقرب من عجلون كان ينزله قوم من بني عوف من جرم قضاعة فعرف بهم وكانوا عصاة لا يدخلون تحت طاعة حتى بنى عليهم أسامة أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قلعة عجلون فدخلوا تحت الطاعة على ما سيأتي ذكره
ومنها جبل الصلت إضافة إلى مدينة الصلت الآتي ذكرها في أعمال

دمشق وهو جبل في شرقي جبل عوف وشماليه كان أهله عصاة حتى بنى عليهم المعظم عيسى بن العادل حصن الصلت فدخلوا في الطاعة

المقصد الرابع في ذكر زروعه وفواكهه ورياحينه
أما زروعه فغالبها على المطر قال في مسالك الأبصار ومنها ما هو على سقي الأنهار وهو قليل وفيه من الحبوب من كل ما يوجد في مصر من البر والشعير والذرة والأرز والباقلا والبسلة والجلبان واللوبياء والحلبة والسمسم والقرطم ولا يوجد فيه الكتان والبرسيم وبه من أنواع البطيخ والقثاء ما يستطاب ويستحسن وكذلك غيرها من المزروعات كالقلقاس والملوخيا والباذنجان واللفت والجزر والهليون والقنبيط والرجلة والبقلة اليمانية وغير ذلك من أنواع الخضروات المأكولة وقصب السكر في أغواره إلا أنه لم يبلغ في الكثرة حد مصر
وأما فواكهه ففيه من كل ما يوجد في مصر كالتين والعنب والرمان والقراصيا والبرقوق والمشمش والخوخ وهو المسمى بالدراقن والتوت والفرصاد ويكثر بها التفاح والكمثرى والسفرجل مع كونها أكثر أنواعا وأبهج منظرا ويزيد عليه فواكه أخر لا توجد بمصر وربما وجد بعضها في مصر على الندور الذي لا يعتد به كالجوز والبندق والإجاص والعناب والزعرور والزيتون فيه الغاية في الكثرة ومنه يعتصر الزيت وينقل إلى اكثر البلدان وغير ذلك وبأغوارها أنواع المحمضات كالأترج والليمون والكباد والنارنج ولكنه لا يبلغ

في ذلك حد مصر وكذلك الموز ولا يوجد البلح والرطب فيه أصلا قال في مسالك الأبصار وفيه فواكه تأتي في الخريف وتبقى إلى الربيع كالسفرجل والتفاح والعنب
وأما رياحينه ففيه كل ما في مصر من الاس والورد والنرجس والبنفسج والياسمين والنسرين ويزيد على مصر في ذلك خصوصا الورد حتى إنه يستقطر منه ماء الورد وينقل منه إلى سائر البلدان قال في مسالك الأبصار وقد نسي به ما كان يذكر من ماء ورد جور ونصيبين

المقصد الخامس في ذكر مواشيه ووحوشه وطيوره
أما مواشيه ففيه جميع ما تقدم من مواشي مصر من الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير إلا أن أبقاره لا تبلغ في العظم مبلغ أبقار مصر وأغنامه لا تبلغ في طيبة اللحم مبلغ أغنامها وحميره لم تبلغ في الفراهة مبلغ حميرها
وأما وحوشه ففيه الغزلان والأرانب والأسود وكثير من أنواع الوحوش المختلفة مما لا يوجد مثله في مصر
وأما طيوره ففيه الإوز والدجاج والحمام وأنواع طيور الماء المختلفة الأنواع قال في مسالك الأبصار ولا تكون الفراريج فيها إلا بحضانة ولا تنجع فيها المعامل التي تعمل لإخراج الفراريج في مصر قال ويذكر أن رجلا من أهل مصر عمل فيها معملا في حاضرة العقيبة فصعد له العمل فيه في الصيف دون الخريف
المقصد السادس في ذكر النفيس من مطعوماتها
فيها العسل بقدر متوسط ويعمل فيها السكر الوسط والمكرر والشراب

موجود فيها دون مصر وأكثر حلواها من العسل والمن

الطرف الرابع في ذكر جهاته وكوره القديمة وقواعده المستقرة وأعمالها وفيه
مقصدان المقصد الأول في ذكر جهاته وكوره القديمة
قد قسم المتقدمون الشام إلى خمسة أجناد جمع جند بضم الجيم وإسكان النون ودال مهملة في الآخر كما ضبطه الجوهري وغيره
الأول جند فلسطين وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وسكون الياء المثناة تحت ونون في الاخر قال الزجاجي سميت بفلسطين بن كلثوم من ولد فلان بن نوح بلدة كانت قديما نسبت الكورة إليها قال ابن حوقل وهو أول الأجناد الخمسة من جهة الغرب من رفح إلى حد اللجون وعرضه من يافا إلى أريحا نحو يومين قال ابن الأثير هي كورة كبيرة تشتمل على بلاد المقدس وغزة وعسقلان قال ابن حوقل وهي أرخى بلاد الشام
الثاني جند الأردن والأردن بلدة قديمة من بلاد الغور نسبت الكورة إليها وقد مر ضبطها في الكلام على نهر الأردن عند ذكر الأنهار وقد نسبت الكورة إليها كما نسب إليها النهر المتقدم ذكره قال ابن حوقل وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وإلى طبرية تسمى الغور لأنه بين جبلين وسائر بلاد الشام مرتفعة عليه قال وبعضها من الأردن وبعضها من فلسطين
الثالث جند دمشق وسيأتي الكلام عليها في قواعد الشام المستقرة
الرابع جند حمص وسيأتي الكلام عليها في الصفقة الشرقية من

صفقات دمشق
الخامس جند قنسرين قال في اللباب بكسر القاف وفتح النون المشددة وسكون السين وكسر الراء المهملتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ونون في الآخر قال الزجاجي وقد روي أنها سميت برجل من قيس يقال له ميسرة نزلها فمر به رجل فقال له ما أشبه هذا الموضع بقن سيرين فبني منه اسم للمكان فقيل قنسرين وقيل دعا أبو عبيدة ميسرة بن مسروق القيسي فوجهه في ألف فارس في أثر العدو فمر على قنسرين فجعل ينظر إليها فقال ما هذه فسميت له بالرومية فقال والله كأنها قنسرين قال وهذا يدل على أن قنسرين اسم مكان آخر عرفه ميسرة فشبه به هذا فسميت به
قال ابن الأنباري وفي إعرابها قولان : أحدهما أنها تجري مجرى قولك الزيدون فتجعلها في الرفع بالواو فيقول هذه قنسرون وفي الخفض والنصب بالياء فتقول مررت بقنسرين ودخلت قنسرين
القول الثاني أن تجعلها بالياء على كل حال وتجعل الإعراب في النون ولا تصرفها
وهي قاعدة من قواعد الشأم القديمة على القرب من حلب كان الجند ينزلها في ابتداء الإسلام ثم ضعفت بحلب وخربت وصارت قرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على حلب إن شاء الله تعالى
قال ابن الأثير وكل جند منها عرضه من ناحية الفرات إلى ناحية فلسطين وطوله من الشرق إلى البحر وحكاه في التعريف على وجه آخر فقال للناس

في الشأم أقوال فمنهم من لا يجعله إلا شاما واحدا ومنهم من يجعله شامات فيجعلون بلاد فلسطين والأرض المقدسة إلى الأردن شاما ويقولون الشام الأعلى ويجعلون دمشق وبلادها من الأردن إلى الجبال المعروفة بالطوال شاما ويقع على قرية النبك وما هو على خطها ويجعلون سوريا وهي حمص وبلادها إلى رحبة مالك بن طوق شاما ويجعلون حماة وشيزر من مضافاتها وثم من يجعل منها حماة دون شيزر ويجعلون قنسرين وبلادها وحلب مما يدخل في هذا إلى جبال الروم وبلاد العواصم والثغور وهي بلاد سيس شاما ثم قال أما عكا وطرابلس وكل ما هو على ساحل البحر فكل ما قابل منه شيئا من الشامات حسب منه قال ونبهنا على ذلك كله ليعرف ثم قال أما ما هو في زماننا وعليه قانون ديواننا فإنه إذا قال سلطاننا بلاد الشام ونائب الشام لا يريد به إلا دمشق ونائبها وسيأتي الكلام على حدود ولايته في الكلام على نيابة دمشق إن شاء الله تعالى
المقصد الثاني في ذكر قواعده المستقرة وأعمالها وهي ست قواعد كل قاعدة منها تعد مملكة بل كانت كل قاعدة منها مملكة مستقلة بسلطان في زمن بني أيوب القاعدة الأولى دمشق وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون الشين المعجمة وقاف في الآخر وتسمى أيضا جلق بجيم مكسورة ولام مشددة مفتوحة وقاف في الآخر وبذلك ذكرها حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدحه لبني غسان ملوك العرب بالشأم بقوله

( لله در عصابة نادمتهم ... يوما بجلق في الزمان الأول )
وحكى في الروض المعطار تسميتها جيرون بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر وسماها في موضع آخر العذراء بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها وموقعها في أواخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في القانون وطولها ستون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وقد اختلف في بانيها فقيل بناها نوح عليه السلام وذلك أنه لما نزل من السفينة أشرف فرأى تل حراف بين نهري حراف وديصاف فأتاه فبنى حراف ثم سار فبنى دمشق ثم رجع إلى بابل فبناها وقيل بناها جيرون بن سعد بن عاد وبه سميت جيرون ويقال إن جيرون وبريدا كانا أخوين وهما ابنا سعد بن لقمان بن عاد وبهما يعرف باب جيرون وباب البريد من أبوابها وقيل بناها العازر غلام إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام وكان حبشيا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار وكان اسمه دمشق فسماها باسمه
وفي كتاب فضائل الفرس لأبي عبيد أن بيوراسب ملك الفرس بناها وقيل إن الذي بناها ذو القرنين عند فراغه من السد ووكل بعمارتها غلاما له اسمه دمشقش وسكنها دمشقش ومات فيها فسميت به وهي مدينة عظيمة البناء ذات سور شاهق ولها سبعة أبوب باب كيسان وباب شرقي وباب توما

وباب الصغير وباب الجابية وباب الفراديس والباب المسدود
وروى الحافظ بن عساكر عن أبي القاسم تمام بن محمد أن بانيها جعل كل باب من هذه لكوكب من الكواكب السبعة وصور عليه صورته فجعل باب كيسان لزحل وباب شرقي للشمس وباب توما للزهرة وباب الصغير للمشتري وباب الجابية للمريخ وباب الفراديس لعطارد والباب المسدود للقمر وعلى كل حال فهي مدينة حسنة الترتيب جليلة الأبنية ذات حواجز بنيت من جهاتها الأربع وغوطتها أحد مستنزهات الدنيا العجيبة المفضلة على سائر مستنزهات الأرض وكذلك الربوة وهي كهف في فم واديها الغربي عنده تنقسم مياهها يقال إن به مهد عيسى عليه السلام وبها الجوامع والمدارس والخوانق والربط والزوايا والأسواق المرتبة والديار الجليلة المذهبة السقف المفروشة بالرخام المنوع ذات البرك والماء الجاري وربما جرى الماء في الدار الواحدة في أماكن منها والماء محكم عليها من جميع نواحيها بإتقان محكم وهي في وطاءة مستوية من الأرض بارزة عن الوادي المنحط عن منتهى ذيل الجبل مكشوفة الجوانب لممر الهواء إلا من الشمال فإنه محجوب بجبل قاسيون وبذلك تعاب وتنسب إلى الوخامة قال في مسالك الأبصار ولولا جبلها الغربي الملبس بالثلوج صيفا وشتاء لكان أمرها في ذلك أشد وحال سكانها أشق ولكنه درياق ذلك السم ودواء ذلك الداء وهي مستديرة به من جميع نواحيه قال في مسالك الأبصار وغالب بنائها بالحجر ودورها أصغر مقادير من دور مصر لكنها أكثر زخرفة منها وإن كان الرخام بها أقل وإنما هو أحسن انواعا قال وعناية اهلها بالمباني كثيرة ولهم في بساتينهم منها ما تفوق به وتحسن بأوضاعه وإن كانت حلب أجل بناء لعنايتهم بالحجر فدمشق أزين وأكثر رونقا لتحكم الماء على مدينتها وتسليطه على جميع نواحيها ويستعمل في عماراتها خشب

الحور بالحاء والراء المهملتين بدلا من خشب النخل إلا انه لا يغشى بالبياض ويكتفى بحسن ظاهره وأشرف دورها ما قرب وأجل حاضرتها ما هو في جانبيها الغربي والشمالي
فأما جانبها الغربي ففيه قلعتها وهي قلعة حسنة مرجلة على الأرض تحيط بها وبالمدينة جميعها أسوار عالية يحيط بها خندق يطوف الماء منه بالقلعة وإذا دعت الحاجة إليه أطلق على جميع الخندق المحيط بالمدينة فيعمها وتحت القلعة ساحة فسيحة بها سوق الخيل على جانب واد ينتهي فيه مما يلي القلعة إلى شرفين محيطين به في جهتي القبلة والشمال في ذيل كل منهما ميدان ممرج بالنجيل الأخضر والوادي يشق بينهما وفي الميدان القبلي منهما القصر الأبلق وهو قصر عظيم مبني من أسفله إلى أعلاه بالحجر الأسود والأصفر بتأليف غريب وإحكام عجيب بناه الظاهر بيبرس البندقداري في سلطنته وعلى مثاله بنى الناصر محمد بن قلاوون القصر الأبلق بقلعة الجبل بمصر وأمام هذا القصر دركاه يدخل منها إلى دهليز القصر وهو دهليز فسيح يشتمل على قاعات ملوكية مفروشة بالرخام الملون البديع الحسن مؤزر بالرخام المفصل بالصدف والفص المذهب إلى سجف السقوف وبالدار الكبرى به إيوانان متقابلان تطل شبابيك شرقيهما على الميدان الأخضر وغربيهما على شاطىء واد أخضر يجري فيه نهر وله رفارف عالية ناغي السحب تشرف من جهاتها الأربع على جميع المدينة والغوطة
والوادي كامل المنافع بالبيوت الملوكية والإصطبلات السلطانية والحمام وغير ذلك من سائر ما يحتاج إليه وبالدركاه التي أمام القصر المتقدم ذكرها جسر معقود على جانب الوادي يتوصل منه إلى إيوان براني يطل منه على الميدان القبلي استجده أقوش الأفرم في نيابته في الأيام الناصرية ابن قلاوون وتجاه باب القصر

باب يتوصل من رحبته إلى الميدان الشمالي وعلى الشرفين المتقدم ذكرهما أبنية جليلة من بيوت ومناظر ومساجد ومدارس وربط وخوانق وزوايا وحمامات ممتدة على جانبين ممتدين طول الوادي
ولهذه القلعة نائب بمفردها غير نائب بمفردها غير نائب دمشق يحفظها للسلطان ولا يمكن أحدا من طلوعها من النائب أو غيره وإذا دخل السلطان دمشق نزل بها وبها تخت ملك لغيرها من ديار الملك
وأما جانبها الشمالي ويسمى العقيبة فهو مدينة مستقلة بذاتها ذات أبنية جليلة وعمائر ضخمة يسكنها كثير من الأمراء والجند وبإزاء المدينة في سفح جبل قاسيون مدينة الصالحية وهي مدينة ممتدة في سفح الجبل بإزاء المدينة في طول مدى يشرف على دمشق وغوطتها ذات بيوت ومدارس وربط وأسواق وبيوت جليلة وبأعاليها مع ذيل الجبل مقابر دمشق العامة ولكل من دمشق والصالحية البساتين الأنيقة بتسلسل جداولها وتغني دوحاتها وبتمايل أغصانها وتغرد أطيارها وفي بساتين النزهة بها العمائر الضخمة والجواسق العلية والبرك العميقة والبحيرات الممتدة تتقابل بها الأواوين والمجالس وتحف بها الغراس والنصوب المطرزة بالسرو الملتف والحور الممشوق القد والرياحين المتأرجة الطيب والفواكه الجنية والثمرات الشهية والأشياء البديعة التي تغني شهرتها عن الوصف ويقوم الإيجاز فيها مقام الإطناب
ومسقى دمشق وبساتينها من نهر يسمى بردى بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملتين وبآخره ألف أصل مخرجه من عينين البعيدة منهما دون قرية تسمى الزبداني ودونها عين بقرية تسمى الفيجة بذيل جبل يخرج الماء من صدع في نهاية سفله قد عقد على مخرج الماء منه عقد رومي البناء ثم ترفده منابع في مجرى النهر ثم يقسم النهر على سبعة أنهر أربعة غربية وهي نهر داريا

ونهر المزة ونهر القنوات ونهر باناس واثنان شرقية وهما نهر يزيد ونهر ثورا ونهر بردى ممتد بينهما
فأما نهر باناس ونهر القنوات فهما نهرا المدينة حاكمان عليها ومسلطان على ديارها يدخل نهر باناس القلعة ثم ينقسم قسمين قسم للجامع وقسم للقلعة ثم ينقسم كل قسم منهما على أقسام كثيرة ويتفرق في المدينة بأصابع مقدرة معلومة وكذلك ينقسم نهر القنوات في المدينة ولا مدخل له في القلعة ولا الجامع ويجري في قني مدفونة في الأرض إلى أن يصل إلى مستحقاتها بالدور والأماكن على حسب التقسيم ثم تنصب فضلات الماء والبرك ومجاري الميضات إلى قني معقودة تحت الأرض ثم تجتمع وتتنهر وتخرج إلى ظاهر المدينة لسقي البساتين
وأما نهر يزيد فإنه يجري في ذيل الصالحية المتقدم ذكرها ويشق في بعض عمارتها
وأما بقية الأنهار فإنها تتصرف إلى البساتين والغيطان لسقيها وعليها القصور والبنيان خصوصا ثورا فإنه نيل دمشق عليه جل مبانيها وبه أكثر تنزهات أهلها من يخاله يراه زمردة خضراء لإلتفاف الأشجار عليه من الجانبين
وبها جامع بني امية وهو جامع عظيم بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان في سنة ثمان وثمانين من الهجرة وأنفق فيه اموالا جمة حتى يقال إنه أنفق فيه أربعمائة صندوق في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار وإنه اجتمع في ترخيمه اثنا عشر الف مرخم قال في الروض المعطار وذرعه في الطول من المشرق إلى المغرب مائتا خطوة وهي ثلثمائة ذراع وعرضه من القبلة إلى الشمال مائة خطوة وخمس وثلاثون خطوة وهي مائتا ذراع وقد زخرف بأنواع الزخرفة من

الفصوص المذهبة والمرمر المصقول وتحت نسره عمودان مجزعان بالحمرة لم ير مثلهما يقال إن الوليد اشتراهما بألف وخمسمائة دينار وفي المحراب عمودان صغيران يقال إنهما كانا في عرش بلقيس وعند منارته الشرقية حجر يقال إنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى عليه السلام فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا
وقد ورد أن المسيح عليه السلام ينزل على المنارة الشرقية منه ويقال إن القبة التي فيها المحراب لم تزل معبدا لابتداء عمارتها وإلى آخر وقت بناها الصابئة متعبدا لهم ثم صارت إلى اليونانيين فكانوا يعظمون فيها دينهم ثم انتقل إلى اليهود فقتل يحيى بن زكريا عليه السلام ونصب رأسه على باب جيرون من أبوابه فأصابته بركته ثم صار إلى النصارى فجعلتها كنيسة ثم افتتح المسلمون دمشق فاتخذوه جامعها وعلق رأس الحسين عليه السلام عند قتله في المكان الذي علق عليه رأس يحيى بن زكريا إلى أن جدده الوليد ويقال إن رأس يحيى عليه السلام مدفون به وبه مصحف عثمان الذي وجه به إلى الشام
قال في الروض المعطار ويقال إن أول من وضع جداره الأول هود عليه السلام وقد ورد في أثر أنه يعبد الله تعالى فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وما يدخل تحت حكم الولايات
وقد ذكر في " التعريف " أن ولايتها من لدن العريش : حد مصر إلى آخر سليمة مما هو شرق بشمال وإلى الرحبة مما هو شرق بجنوب قال : وقد أضيف إليها في زمن سلطاننا بلاد جعبر وكان من حقها أن تكون مع حلب وحينئذ فتكون ولايتها مشتملة على الشام الأعلى المتقدم ذكره وما يليه وما يلي ما يليه

حذف

وبعض الشام الأدنى وليس يخرج عنه من ذلك إلا حماة وما خرج مع صفد وطرابلس والكرك قال ويكون في نيابة نائبها غزة ونيابة حمص وبعض شيء مما يقتضي الحق أن يكون مع حلب
وتشتمل على بر وأربع صفقات فأما البر فالمراد به ضواحيها قال في التعريف وحدها من القبلة قرية الخيارة المجاورة للكسوة وما هو على سمتها طولا ومن الشرق الجبال الطوال إلى النبك وما على سمتها من القرى آخذا على عسان وما حولها من القرى إلى الزبداني ومن الغرب وما هو من الزبداني إلى قرى القران المسامتة للخيارة المقدم ذكرها قال ويدخل في ذلك مرج دمشق وغوطتها
وأما صفقاتها فأربع صفقات

الصفقة الأولى الساحلية والجبلية
وهي الصفقة الغربية عن دمشق قال في مسالك الأبصار وهي عبارة عن بلاد غزة وما جاورها سهلا ووعرا
قال في التعريف وهذه الصفقة هي الشام الأعلى ينتقص منه ما هو من نهر الأردن إلى حد قاقون ثم هذه الصفقة لها جهتان

الجهة الأولى الساحلية وهي التي بساحل بحر الروم المتقدم ذكره وتشتمل على
أربعة أعمال
الأول عمل غزة بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي المعجمة أيضا وفي آخرها هاء وهي مدينة من جند فلسطين في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال طولها ست وخمسون درجة وعشر دقائق وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وقال ابن سعيد طولها سبع وخمسون درجة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وهي على طرف الرمل بين مصر والشأم آخذة بين البر والبحر بجانبيها مبنية على نشز عال على نحو ميل من البحر الرومي متوسطة في العظم ذات جوامع ومدارس وزوايا وبيمارستان وأسواق صحيحة الهواء وشرب أهلها من الآبار وبها أمكنة يجتمع بها المطر إلا أنه يستثقل في الشرب فيعدل منه إلى الآبار لخفة مائها وبساحلها البساتين الكثيرة وأجل فاكهتها العنب والتين وبها بعض النخيل وبرها ممتد إلى تيه بني إسرائيل من قبليها وهو موضع زرع وماشية إلا أن أهل برها عشران بعضهم أعداء بعض ولولا خوف سطوة السلطنة لما أغمد سيف الفتنة بينهم ولاجتاحوا المدينة ومن فيها
قلت والحال فيها مختلف فأكثر الأحيان هي تقدمة عسكر مضافة إلى دمشق يأتمر مقدم العسكر فيها بأمر نائب السلطنة القائم بدمشق ولا يمضي أمرا دون مراجعته وإن كانت ولايته من الأبواب السلطانية وتارة تكون نيابة مستقلة

وتضاف إليها الصفقة الساحلية بكمالها فيكون لها حكم النيابات
الثاني عمل الرملة بفتح الراء المهملة وسكون الميم وفتح اللام وفي آخرها هاء وهي مدينة من جند الأردن موقعها في الإقليم الثالث قال في الأطوال طولها ست وخمسون درجة وخمسون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وعشر دقائق وقال في القانون طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة وقال في تقويم اللبلدان القياس أن طولها ست وخمسون درجة وست وعشرون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاث وعشرون دقيقة
وهي مدينة إسلامية بناها سليمان بن عبد الملك في خلافة أبيه عبد الملك قال في الروض المعطار وسميت الرملة لغلبة الرمل عليها وقال في مسالك الأبصار سميت بامرأة اسمها رملة وجدها سليمان بن عبد الملك هناك في بيت شعر حين نزل مكانها يرتاد بناءها فأكرمته وأحسنت نزله فسألها عن اسمها فقالت رملة فبنى البلد وسماها باسمها قال في العزيزي وهي قصبة فلسطين وهي في سهل من الأرض وبينها وبين القدس مسيرة يوم قال في الروض المعطار وبينها وبين نابلس يوم وبينها وبين قيسارية مرحلة وكان عبد الملك قد أجرى إليها قناة ضعيفة للشرب منها وأكثر شربهم الآن من الآبار ومن صهاريج يجتمع فيها ماء المطر وهي مقرة الكاشف بتلك الناحية
وميناها مدينة يافا بفتح المثناة من تحت وألف وفاء ثم ألف في الآخر وهي مدينة صغيرة بالساحل وهي في الغرب عن الرملة وبينهما ستة أميال
الثالث عمل لد بضم اللام وتشديد الدال المهملة وهي بلدة من

جند فلسطين واقعة في الإقليم الثالث شرقا بشمال عن الرملة وبينهما ثلاثة فراسخ ولم يتحرر لي طولها وعرضها غير أنها نحو الرملة في ذلك لقربها منها أو أطول وأعرض بقليل وهي مدينة قديمة كانت هي قصبة فلسطين في الزمن الأول إلى أن بنيت الرملة فتحول الناس إليها وتركوا لدا وقد ثبت في الصحيح أن المسيح عليه السلام يقتل الدجال ببابها
الرابع عمل قاقون بفتح القاف وبعدها ألف ثم قاف ثانية مضمومة وهي مدينة لطيفة غير مسورة بها جامع وحمام وقلعة لطيفة وشربها من ماء الآبار ولم يتحرر لي طولها وعرضها إلا أن بينها وبين لد مسيرة يوم فلتعتبر بها بالتقريب

الجهة الثانية الجبلية وبها ثلاثة أعمال
الأول عمل القدس والقدس بضم القاف والدال لفظ غلب على مدينة بيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المهملة وهو المسجد الأقصى وأصل التقديس التطهير والمراد المطهر من الأدناس وهي مدينة من جند فلسطين واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال طولها ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثلاثون درجة وهي مبنية على جبل مستدير وعرة المسلك وبناؤها بالحجر والكلس وغالب حجرها أسود وشرب أهلها من ماء المطر المجتمع بصهاريج المسجد الأقصى وعين تجري إليها عن بعد وكذلك عين سلوان وليس ماؤها بالكثير وكان بها آثار قلعة قديمة خربت فجددها الناصر محمد بن قلاوون في سنة ست عشرة وسبعمائمة وليس بها حصانة وكانت المدينة كلها قد غلب عليها الخراب من حين استيلاء الفرنج عليها ثم تراجع أمرها للعمارة وصارت في نهاية الحسن بها المدارس والربط والحمامات

والأسواق وغيرها والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وهو القبلة الأولى
قال في الروض المعطار وأول من بنى بيت المقدس وأري موضعه يعقوب عليه السلام وقيل داود والذي ذكره في تقويم البلدان أن الذي بناه سليمان بن داود عليهما السلام وبقي حتى خربه بختنصر فبناه بعض ملوك الفرس وبقي حتى خربه طيطوس ملك الروم ثم بقي ورمم وبقي حتى تنصر قسطنطين ملك الروم وأمه هيلانة وبنت أمه قمامة على القبر الذي يزعم النصارى أن المسيح عليه السلام دفن فيه وخربت البناء الذي كان على الصخرة وجعلتها مطرحا لقمامات البلد عنادا لليهود وبقي الأمر على ذلك حتى فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس فدل على الصخرة فنظف مكانها وبنى مسجدا وبقي حتى ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة فبناه على ما هو عليه الآن على أن المسجد الأقصى على الحقيقة جميع ما هو داخل السور وعلى القرب من المسجد الصخرة التي ربط النبي بها البراق ليلة الإسراء وهي حجر مرتفع مثل الدكة ارتفاعها من الأرض نحو قامة وتحتها بيت طوله بسطة في مثلها ينزل إليها بسلم وعليها قبة عالية بناها الوليد بن عبد الملك حين بنى المسجد الأقصى
قال المهلبي في كتابه العزيزي ولما بناها الوليد بنى هناك عدة قباب وسمى كل واحد منها باسم وهي قبة المعراج وقبة الميزان وقبة السلسلة وقبة المحشر
قال في مسالك الأبصار وإلى الصخرة المتقدمة الذكر قبلة اليهود الآن وإليها حجهم وبه القمامة التي تحجها النصارى من أقطار الأرض وبيت لحم الذي هو من أجل أماكن الزيارة عندهم وكان به كنيسة للروم يقال إن بها قبر حنة أم مريم بنت عمران عليها السلام ثم صارت في الإسلام دار علم فلما ملك الفرنج القدس في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة أعادوها كنيسة فلما فتح السلطان

صلاح الدين القدس بنى بها مدرسة وكان اسمها في الزمن الأول إيليا والأرض المقدسة مشتملة على بيت المقدس وما حوله إلى نهر الأردن المسمى بالشريعة إلى مدينة الرملة طولا ومن البحر الشامي إلى مدائن لوط عليه السلام وغالبها جبال وأودية إلا ما هو في جنباتها
الثاني عمل بلد الخليل عليه السلام واسمها بيت حبرون بإضافة بيت واحد البيوت إلى حبرون بحاء مفتوحة وباء موحدة ساكنة وراء مهملة مضمومة بعدها واو ساكنة ونون كذا ضبطه في تقويم البلدان وفي كلام صاحب الروض المعطار ما يدل على إبدال الحاء بجيم والباء الموحدة بمثناة تحت فإنه ذكرها في حرف الجيم في سياقه الكلام على تسمية دمشق جيرون وهي بلدة من جند فلسطين في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة طولها في بعض الأزياج ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وبها قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام ونسائهم وهي إحدى القرى التي أقطعها النبي لتميم الدراي كما سيأتي ذكره في الكلام على المناشير إن شاء الله تعالى
الثالث عمل نابلس بفتح النون وألف وضم الباء الموحدة واللام

وسين مهملة في آخرها مدينة من جند الأردن من الإقليم الثالث قال في كتاب الأطوال طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثلاثون درجة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها ست وخمسون درجة وأربع وعشرون دقيقة وعرضها على ما تقدم قال في مسالك الأبصار وهي مدينة يحتاج إليها ولا تحتاج إلى غيرها قال ابن حوقل وليس بفلسطين بلدة فيها ماء جار سواها وباقي ذلك شرب أهله من المطر وزرعهم عليه وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام وهي مدينة السامرة وكانت السامرة في الزمن المتقدم لا توجد إلا بها وبها الجبل الذي يحج إليه السامرة وسيأتي الكلام على الموجب لتعظيمه عندهم عند الكلام على تحليفهم في باب الأيمان إن شاء الله تعالى

الصفقة الثانية القبلية
سميت بذلك لأنها قبلي دمشق قال في مسالك الأبصار وتشتمل على بلاد حوران والغور وما مع ذلك قال في التعريف وحدها من القبلة جبال الغور القبلية المجاورة لمرج بني عامر ومن الشرق البرية ومن الشمال حدود ولاية بر دمشق القبلي ومن الغرب الأغوار إلى بلاد الشقيف قال والأغوار كلها داخلة في هذه الصفقة خلا ما يختص بالكرك
وتشتمل هذه الصفقة على عشرة أعمال الأول عمل بيسان بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة وألف ونون مدينة من جند الأردن من الإقليم الثالث قال في الأطوال طولها ثمان وخمسون درجة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسبع وعشرون دقيقة وهي

مدينة صغيرة بلا سور ذات بساتين وأشجار وأنهار وأعين كثيرة الخصب واسعة الرزق ولها عين تشق المدينة وهي على الجانب الغربي من الغور
قال في التعريف وهي مدينة الغور وبها مقر الولاية قال في مسالك الأبصار ولها قليعة من بناء الفرنج قال في الروض المعطار ويقال إن طالوت قتل جالوت هنالك
الثاني عمل بانياس بباء موحدة وألف ونون وياء مثناة تحت وألف ثم سين مهملة مدينة من جند دمشق واقعة في الإقليم الثالث قال في تقويم البلدان طولها ثمان وخمسون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة قال وهي على مرحلة ونصف من دمشق من جهة الغرب بميلة إلى الجنوب قال في العزيزي وهي في لحف الثلج وهو مطل عليها والثلج على رأسه كالعمامة لا يعدم منه شتاء ولا صيفا قال في مسالك الأبصار وهي مدينة الجولان وبها قلعة الصبيبة بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر قال في التعريف وهي من أجل القلاع وأمنعها
الثالث عمل الشعرا بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وفتح الراء المهملة وبعدها ألف وهي عن بانياس المتقدمة الذكر شرق بجنوب وطوله ما بين بانياس إلى جبل الثلج قال في التعريف والولاية بها تكون تارة بقرية حان بالحاء المهملة وتارة بقرية القنيطرة تصغير قنطرة ولم يتحرر لي طولهما وعرضهما فلتعتبرا بما قاربهما من الأعمال
الرابع عمل نوى بفتح النون والواو وألف في الآخر وهي بلدة صغيرة عن دمشق في جهة الغرب إلى الجنوب على نحو مرحلة وهي مدينة قديمة من أعمال دمشق بها قبر أيوب النبي عليه السلام وإليها ينسب الشيخ

محيي الدين النووي الشافعي رحمه الله ولم يتحرر لي طولها وعرضها فلتعتبر بما قاربها أيضا وهي عن يمين الشعرا المتقدم ذكرها شرق بجنوب أيضا
الخامس عمل أذرعات بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء والعين المهملتين وألف ثم تاء مثناة من فوق في الآخر قال في الروض المعطار ويجوز فيها الصرف وعدمه قال والتاء في الحالين مكسورة وقال الخليل بن أحمد من كسر الألف لم يصرف وهذا صريح في حكاية كسر الألف في أولها ويقال لها يذرعات بياء مثناة تحت بدل الألف وهي مدينة من أعمال دمشق من الإقليم الثالث قال في كتاب الأطوال طولها ستون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهي مدينة البثنية وبينها وبين الصنمين ثمانية عشر ميلا قال في التعريف وبها ولاية الحاكم على مجموع الصفقة وقد كان قديما بغيرها
السادس عمل عجلون بفتح العين وسكون الجيم وضم اللام وسكون الواو ونون في آخره قلعة من جند الأردن في الإقليم الثالث طولها ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق وعرضها ثلاثون درجة وعشر دقائق مبنية على جبل يعرف بجبل عوف المتقدم ذكره في جبال الشام المشهورة تشرف على الغور وهي محدثة البناء بناها عز الدين أسامة بن منقذ أحد أكابر أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ثمانين وخمسمائة قال في مسالك الأبصار وكان مكانها ديربه راهب اسمه عجلون فسميت به قال في التعريف وهو حصن جليل على صغره وله حصانة ومنعة منيعة ومدينة هذه القلعة الباعونة بفتح الباء الموحدة وألف بعدها ثم عين مضمومة وواو ساكنة ونون مفتوحة وفي آخرها هاء وهي على شوط فرس من عجلون قال في المسالك وكان مكانها دير أيضا به راهب اسمه باعونة فسميت المدينة به وهما شرقي بيسان

المتقدم ذكرها
السابع عمل البلقاء قال في الروض المعطار سميت بالبلقاء ابن سورية من بني عمان بن لوط وهو الذي بناها قال في تقويم البلدان وهي إحدى كور الشراة وهي عن أريحا في جهة الشرق على مرحلة ومدينة هذا العمل حسبان بضم الحاء وإسكان السين المهملتين وفتح الباء وبعدها ألف ونون وهي بلدة صغيرة ولها واد وأشجار وأرحية وبساتين وزروع
قال في مسالك الأبصار ومن هذا العمل الصلت وهي بألف ولام لازمين في أوله وفتح الصاد المهملة المشددة وسكون اللام وبعدها تاء مثناة بلدة لطيفة من جند الأردن في جبل الغور الشرقي في جنوب عجلون على مرحلة منها وبها قلعة بناها المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب وتحت القلعة عين واسعة يجري ماؤها حتى يدخل البلد وهي بلدة عامرة آهلة ذات بساتين وفواكة قلت : وكلامه في التعريف قد يخالف كلامه في مسالك الأبصار في جعل الصلت من عمل حسبان فإنه قال وأولها من جهة القبلة البلقاء ومدينتها حسبان ثم الصلت ثم عجلون وعجلون عمل مستقل كما تقدم ومقتضاه أن يكون الصلت أيضا عملا مستقلا وكذا رأيته في التذكرة الآمدية نقلا عن شهاب الدين بن الفارقي أحد كتاب الإنشاء بدمشق في الدولة الناصرية ابن قلاوون وأخبرني بعض كتاب الإنشاء أن المستقر الصلت فقط والبلقاء مضافة إليها وعليه يدل كلام القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف فإنه قال وممن كتب إليه من الولاة بالممالك الشامية في قديم الزمان ولعله في الأيام الشهيدية والي الصلت والبلقاء فيما نقل عن خط المرحوم نصر الدين بن النشائي كاتب الدست الشريف

الثامن عمل صرخد بفتح الصاد وإسكان الراء المهملتين وفتح الخاء المعجمة ودال مهملة في آخره بلدة صغيرة ذات بساتين وكروم وليس بها ماء سوى ما يجتمع من ماء المطر في الصهاريج والبرك قال ابن سعيد وليس وراء عملها من جهة الجنوب وإلى الشرق إلا البرية ومنها تسلك طريق تعرف بالرصيف إلى العراق يصل المسافرون منها إلى بغداد في نحو عشرة أيام قال في التعريف وبها قلعة وكان بها ملك من المماليك المعظمية قال في مسالك الأبصار وهي محدثة البناء بدئت قبل نور الدين الشهيد بقليل ولما وصلت عساكر هولاكو ملك التتار إلى الشأم هدموا شرفاتها وبعض جدرانها فجددها الظاهر بيبرس وهي على ذلك إلى الآن
التاسع عمل بصرى بضم الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة وألف في الآخر هكذا هو مقيد بالشكل في كتب اللغة والحديث والمسالك والممالك وجار على الألسنة ووقع في تقويم البلدان ضبطه بفتح أوله فلا أدري أهو سبق قلم أو غلط من النسخة أو أخذه من كلام غيره وهي مدينة بحوران من أعمال دمشق واقعة في الإقليم الثالث قال في كتاب الأطوال والقانون طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في مسالك الأبصار وهي مدينة حوران السفلى بل حوران كلها بل الصفقة جميعها وكلامه في التعريف يوافقه وهي مدينة أزلية مبنية بالحجارة السود ولها قلعة ذات بناء متين شبيه ببناء قلعة دمشق قال في التعريف وكانت دار ملك لبني أيوب وقد ثبت في الصحيح من حديث الخندق أنه قال " ثم ضربت الضربة الثالثة فلاحت لي منها قصور بصرى كأنها أنياب الكلاب " وهي التي وجد النبي بها بحيرا الراهب وآمن به حين قدم تاجرا لخديجة بنت خويلد قبل البعثة وقبر بحيرا هناك

مشهور يزار وقد تقدم الكلام عليها فأغنى عن إعادته هنا
العاشر عمل زرع بضم الزاي المعجمة وفتح الراء المهملة وعين مهملة في الآخر وهي بلدة من بلاد حوران لها عمل مستقل ولم يتحرر لي طولها وعرضها قال في التعريف وقد يتصل عمل بصرى بأذرعات لوقوع زرع متشاملة

الصفقة الثالثة الشمالية
سميت بذلك لأنها عن شمال دمشق قال في مسالك الأبصار وهي ساحلية وجبلية قال في التعريف وحدها من القبلة حد ولاية دمشق الشمالي وبعض الغربي وحدها من الشرق قرية جوسية التي بين القرية المعروفة بالقصب من عمل حمص وبين القرية المعروفة بالفيجة من عمل بعلبك وحدها من الشمال مرج الأسل المستقل عن قائم الهرمل حيث يمد العاصي بطرابلس وكل ما تشامل عن جبل لبنان إلى البحر وحدها من المغرب ما هو على سمت البحر منحدرا عن صور إلى حد ولاية بر دمشق القبلي والغربي
وتشتمل هذه الصفقة على خمسة أعمال الأول عمل بعلبك بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفتح اللام والباء الموحدة الثانية وفي آخرها كاف هكذا ضبطه في تقويم البلدان والجاري على ألسنة الناس فتح العين وإسكان اللام قال في الروض المعطار وكان لأهلها صنم يدعى بعلا فالبعل اسم للصنم وبك اسم الموضع فسميت بعلبك لذلك قال وإليهم بعث النبي إلياس عليه السلام

وكأنه يشير بذلك إلى ما قصه الله تعالى في سورة الصافات بقوله ( أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ) وكان فتحها في سنة أربع عشرة من الهجرة وهي مدينة من أعمال دمشق واقعة في الإقليم الرابع طولها ستون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي مدينة شمالي دمشق جليلة البناء نبيهة الشان قديمة البنيان يقال إنها من بناء سليمان عليه السلام قال في مسالك الأبصار وهي مختصرة من دمشق في كمال محاسنها وحسن بنائها وترتيبها بها المساجد والمدارس والربط والخوانق والزوايا والبيمارستان والأسواق الحسنة والماء جار في ديارها وأسواقها وفيها يعمل الدهان الفائق من الماعون وغيره ويحمل منها إلى غالب البلدان مع كونها واسعة الرزق رخيصة السعر وكانت دار ملك قديم ومن عشها درج نجم الدين أيوب والد الملوك الأيوبية رحمه الله وبها قلعة حصينة جليلة المقدار من أجل البنيان وأعظمه وهي مرجلة على وجه الأرض كقلعة دمشق قال في التعريف بل إنما بنيت قلعة دمشق على مثالها وهيهات لا تعد من أمثالها وأين قلعة دمشق منها وحجارتها تلك الجبال الثوابت وعمدها تلك الصخور النوابت
( قد يبعد الشيء من شيء يشابهه ... إن السماء نظير الماء في الزرق )
وبهذه القلعة من عمارة من نزل بها من الملوك الأيوبية آثار ملوكية جليلة ويستدير بالمدينة والقلعة جميعا سور عظيم البناء مبني بالحجارة العظيمة المقدار الشديدة الصلابة ويحف بذلك غوطة عظيمة أنيقة ذات بساتين مشتبكة الأشجار بها الثمار الفائقة والفواكة المختلفة وبظاهرها عين ماء متسعة الدائر ماؤها في غاية الصفاء بين مروج وبساتين يمتد منها نهر يتكسر على الحصباء في خلال تلك المروج إلى أن يدخل المدينة وينقسم في بيوتها وجهاتها وعلى البعد منها عين أخرى تعرف بعين اللحوج في طرف بساتينها منها فرع إلى الجانب

الشمالي من المدينة ويصب في قناة هناك ويدخل منه إلى القلعة وبخارجها جبل لبنان المعروف بعش الأولياء
الثاني عمل البقاع البعلبكي يوصف البقاع بكسر الباء الموحدة وفتح القاف وبعدها ألف ثم عين مهملة بالبعلبكي نسبة إلى بعلبك لقربه منها قال في التعريف وليس له مقر ولاية
الثالث عمل البقاع العزيزي يوصف البقاع بالعزيزي نسبة إلى العزيز عكس الذليل وكأنه نسبة إلى الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله قال في التعريف ومقر الولاية به كرك نوح عليه السلام قال وهاتان الولايتان الآن منفصلتان عن بعلبك وهما مجموعتان لوال جليل مفرد بذاته
الرابع عمل بيروت بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وواو وتاء مثناة من فوق في آخرها وهي مدينة من الإقليم الثالث بساحل دمشق قال في كتاب الأطوال طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشرون دقيقة وهي مدينة جليلة على ضفة البحر الرومي عليها سوران من حجارة وفيه كان ينزل الأوزاعي الفقيه المشهور وبها جبل فيه معدن حديد ولها غيضة من أشجار الصنوبر سعتها اثنا عشر ميلا في التكسير تتصل إلى تحت لبنان المقدم ذكره قال في تقويم البلدان وشرب أهلها من قناة تجري إليها وقال في مسالك الأبصار شرب اهلها من الآبار قال ابن سعيد وهي فرضة دمشق ولها مينا جليلة وفي شماليها على الساحل مدينة جبيل تصغير جبل قال في الروض

المعطار بينهما ثمانية عشر ميلا قال في العزيزي وبينها وبين بعلبك على عقبة المغيثة ستة وثلاثون ميلا
الخامس عمل صيدا بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة تحت وفتح الدال المهملة وألف مقصورة في الآخر وهي مدينة بساحل البحر الرومي واقعة في الإقليم الثالث ذات حصن حصين قال ابن القطامي سميت بصيدون ابن صدقا بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام وهو أول من عمرها وسكنها وقال في الروض المعطار سميت بامرأة وشرب أهلها من ماء يجري إليهم من قناة قال في العزيزي وبينها وبين دمشق ستة وثلاثون ميلا قال في مسالك الأبصار وكورتها كثيرة الأشجار غزيرة الأنهار قال في الروض المعطار وبها سمك صغار له أيد وأرجل صغار إذا جفف وسحق وشرب بالماء أنعظ إنعاظا شديدا قال في المسالك وهي ولاية جليلة واسعة العمل ممتدة القرى تشتمل على نيف وستمائة ضيعة

الصفقة الرابعة الشرقية وهي على ضربين
الضرب الأول ما هو داخل في حدود الشام وهو غربي الفرات
قال في التعريف وحدها من القبلة قرية القصب المجاورة لقرية

جوسية المقدم ذكرها آخذا على النبك إلى القريتين وحدها من الشرق السماوة إلى الفرات وينتهي إلى مدينة سلمية إلى الرستن وحدها من الغرب نهر الأرنط وهو العاصي وتشتمل على خمسة أعمال أيضا الأول عمل حمص بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وصاد مهملة في الآخر قال في الروض المعطار ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند لأن هذا اسم أعجمي قال وسميت برجل من العماليق اسمه حمص هو أول من بناها قال الزجاجي هو حمص بن المهر بن حاف بن مكنف وقيل برجل من عاملة هو أول من نزلها واسمها القديم سوريا بسين مهملة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة والف في الآخر وبه كانت تسميها الروم وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة وهي مدينة جليلة وقاعدة من قواعد الشام العظام قال في التعريف وكانت دار ملك للبيت الأسدي يعني أسد الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قال ولم يزل لملكها في الدولة الأيوبية سطوة تخاف وبأس يخشى وهي في وطاءة من الأرض ممتدة على القرب من النهر العاصي ومنه شرب أهلها ولها منه ماء مرفوع يجري إلى دار النيابة بها وبعض مواضع بها قال في مسالك الأبصار وبها القلعة المصفحة وليست بالمنيعة ويحيط بها وبالبلد سور حصين هو أمنع من القلعة قال في العزيزي وهي من أصح بلاد الشام هواء وبوسطها بحيرة صافية الماء ينقل السمك إليها من الفرات حتى يتولد فيها والطير مبثوث في نواحيها قال ابن حوقل وليس بها عقارب ولا حيات وقد تقدم في الكلام على خواص الشام وعجائبها أن بها قبة بالقرب من جامعها إذا ألصق بها طين من طينها وترك حتى

يسقط بنفسه ووضع في بيت أو ثياب لم يقربها عقرب وإن ذر منه علىالعقرب شيء أخذه مثل السكر وربما قتله ولها من بر بعلبك أنواع الفواكة وغيرها وقماشها يقارب قماش الإسكندرية في الجودة والحسن وإن لم يبلغ شأوه في ذلك قال في الروض المعطار ويقال إن بقراط الحكيم منها وإن أهلها أول من ابتدع الحساب وبها قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه ومقامه مشهور بها يزار
الثاني عمل مصياف بكسر الميم وسكون الصاد وهي بلدة جليلة ولها قلعة حصينة في لحف جبل اللكام الشرقي عن حماة وطرابلس في جهة الشمال عن بارين على مسافة فرسخ وفي جهة الغرب عن حماة على مسيرة يوم وبها أنهر صغار من أعين وبها البساتين والأشجار وهي قاعدة قلاع الدعوة الآتي ذكرها في أعمال طرابلس ودار ملكها وكانت أولا مضافة إلى طرابلس ثم أفردت عنها وأضيفت إلى دمشق
الثالث عمل قارا بقاف مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة وألف ثانية هكذا هو مكتوب في التعريف وغيره وهو الجاري على الألسنة ورأيتها مكتوبة في تقويم البلدان بهاء في الآخر بدل الألف الأخيرة وهي قرية كبيرة قبلي حمص بينها وبين دمشق على نحو منتصف الطريق تنزلها قوافل السفارة وبينها وبين حمص مرحلة ونصف وبينها وبين دمشق مرحلتان وغالب أهلها نصارى
الرابع عمل سلمية بفتح السين المهملة واللام وكسر الميم وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر وهي بلدة من عمل حمص من الإقليم الرابع قال في الأطوال طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة

وعرضها أربع وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان والقياس أن يكون العرض أربعا وثلاثين ونصفا قال أحمد الكاتب بناها عبد الله بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وأسكن بها ولده وهي بلدة على طرف البادية نزهة خصبة كثيرة المياه والشجر ومياهها من قني قال في الروض المعطار وبينها وبين حمص مرحلة
الخامس عمل تدمر بفتح التاء المثناة فوق وسكون الدال المهملة وضم الميم وراء مهملة في الآخر كذا ضبطه السمعاني في الأنساب والجاري على ألسنة الناس ضم أولها قال في التعريف وهي بين القريتين والرحبة وهي معدودة من جزيرة العرب واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال طولها اثنتان وستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة قال صاحب حماة وهي من أعمال حمص من شرقيها وغالب أرضها سباخ وبها نخيل وزيتون وبها آثار عظيمة أزلية من الأعمدة والصخور ولها سور وقلعة
قال في الروض المعطار وهي في الأصل مدينة قديمة بنتها الجن لسليمان عليه السلام ولها حصون لا ترام قال وسميت تدمر بتدمر بنت حسان ابن أذينة وفيها قبرها وإنما سكنها سليمان عليه السلام بعدها قال في العزيزي وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلا وبينها وبين الرحبة مائة ميل وميلان قال صاحب حماة وهي عن حمص على ثلاث مراحل

الضرب الثاني من هذه الصفقة ما هو من بلاد الجزيرة بين الفرات والدجلة
على القرب من الفرات
وهو مدينة الرحبة قال في اللباب بفتح الراء والحاء المهملتين والباء الموحدة وهاء في الآخر وهي مدينة على الفرات بين الرقة وعانة واقعة في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وتعرف برحبة مالك بن طوق وهو قائد من قواد هارون الرشيد قيل إنه أول من عمرها فنسبت إليه قال السلطان عماد الدين صاحب حماة وقد خربت الرحبة المذكورة وصارت قرية وبها آثار المدينة من المآذن الشواهق وغيرها واستحدث شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي صاحب حمص من جنويها الرحبة الجديدة على نحو فرسخ من الفرات وهي بلدة صغيرة ولها قلعة على تل تراب وشرب أهلها من قناة من نهر سعيد الخارج من الفرات قال وهي اليوم محط القوافل من الفرات والشام وهي أحد الثغور الإسلامية في زماننا
قال في التعريف وبها قلعة نيابة وفيها بحرية وخيالة وكشافة وطوائف من المستخدمين ولم تزل إمرتها طبلخاناه بمرسوم شريف من الأبواب الشريفة من الإيام الناصرية ابن قلاوون إلى الآن
تنبيه قال في التعريف ومما أضيف إلى دمشق في زمن سلطاننا يعني الناصر بن قلاوون بلاد جعبر قال وحقها أن تكون مع حلب وهي مستمرة على ذلك إلى زماننا وسيأتي الكلام عليها في الأعمال الحلبية إن شاء الله تعالى وقد ذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في كتابه التثقيف أنه كان قد استقر بتدمر وسلمية والسخنة والقريتين نواب واستقر الحال على أن مكاتبة كل

منهم إن كان مقدما نظير النائب بالرحبة يعني صدرت والعالي وإن كان طبلخاناه فالاسم والسامي بالياء

القاعدة الثانية من قواعد البلاد الشامية حلب وفيها جملتان الجملة الأولى
في حاضرتها
قال في اللباب هي بفتح الحاء المهملة واللام وباء موحدة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال وطولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
واختلف في سبب تسميتها حلب على قولين حكاهما صاحب الروض المعطار أحدهما أنه كان مكان قلعتها ربوة وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يأوي إليها ويحلب غنمه ويتصدق بلبنها فسميت حلب بذلك والثاني أنها سميت برجل من العماليق اسمه حلب قال الزجاجي حلب بن المهر من ولد جان بن مكنف
قال في مسالك الأبصار وهي مدينة عظيمة من قواعد الشام القديمة وهي في وطاءة حمراء ممتدة مبنية بالحجر الأصفر الذي ليس له نظير في الآفاق وبها المساكن الفائقة والمنازل الأنيقة والأسواق الواسعة والقياسر الحسنة والحمامات البهجة ذات جوامع ومساجد ومدارس وخوانق وزوايا وغير ذلك من سائر وجوه البر وبها بيمارستان حسن لعلاج المرضى قال في مسالك الأبصار ولها نهران أحدهما يعرف بنهر قويق وهو نهرها القديم والثاني يعرف بنهر الساجور وهو نهر مستحدث ساقه إليها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته وحكمه عليها

وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة أن الملك الظاهر غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب ساق إليها نهرا في سنة خمس وستمائة ولعله نهر قويق المذكور قال في مسالك الأبصار ويجري إلى داخلها فرع ماء يتشعب في دورها ومساكنها ولكنه لا يبل صداها ولا يشفي غلتها وبها الصهاريج المملوءة من ماء المطر ومنها شرب أهلها ويدخل إليها الثلج من بلادها وليس لأهلها إليه كثير التفات لبرد هوائهم وقرب أعتدال صيفهم وشتائهم وبها الفواكه الكثيرة وأكرها مجلوب إليها من نواحيها لقلة البساتين بها وبظاهرها المروج الفيح والبر الممتد حاضرة وبادية وبها عسكر كثيف وأمم من طوائف العرب والأكراد والتركمان
قال في اللباب وكان الجند في أبتداء الاسلام ينزلون قنسرين وهي المدينة التي تنسب الكورة إليها على ما تقدم ذكره ولم يكن لحلب معها ذكر
قال ابن سعيد ثم ضعفت بقوة حلب عليها وهي الآن قرية صغيرة
قال في مسالك الأبصار وكانت حلب قد عظمت في أيام بني حمدان وتاهت بهم شرفا على كيوان جاءت الدولة الأتابكية فزادت فخارا واتخذت لها من بروج السماء منطقة وأسوارا ولم تزل على هذا يشار إليها بالتعظيم ويأبى أهلها في الفضل عليها لدمشق التسليم حتى نزل هولاكو بحوافر خيله فهدمت أسوارها وخربت حواضرها ولم تزل خالية من الأسوار عرية من الأبواب إلى أن كانت فتنة منطاش في سلطنة الظاهر برقوق والنائب بها من قبله الأمير كمشبغا فجدد أسوارها ورتب أبوابها وهي سبعة أبواب باب قنسرين من

القبلة وباب المقام من القبلة أيضا وباب النيرب من الشرق وباب الأربعين من الشرق أيضا وباب النصر من بحريها وباب الجنان من غربيها وباب أنطاكية من غربيها أيضا وهي الآن في غاية ما يكون من العمارة وحسن الرونق والبهجة ولعلها قد فاقت أيام بني حمدان ولم يزل نائبها من أكابر الأمراء المتقدمين من الدولة الناصرية فما قبلها إلى الآن وقد زادت رتبته عما كان عليه في الأيام الناصرية وهي ثانية دمشق في الرتبة ومعاملاتها على ما تقدم في دمشق من الدراهم والدنانير والفلوس وصنجة الذهب والفضة غير أن الفلوس الجدد لم ترج بها بعد ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بالصنجة الشامية كل أوقية ستون درهما ومعاملاتها معتبرة بالملوك ولا تعرف فيها الغرارة ولا في شيء من أعمالها وتختلف بلادها في المكوك اختلافا متباينا في الزيادة والنقص قال في مسالك الأبصار والمعدل فيها أن يكون كل مكوكين ونصف غرارة وما بين ذلك وكل ذلك تقريبا
قلت وأخبرني بعض أهلها أن المكوك بنفس مدينة حلب معتبر بسبع

ويبات بالكيل المصري والذراع القماش ذراع وسدس بذراع القماش القاهري ويزيد على ذراع دمشق بقيراطين وقياس دور أرضها بذراع العمل المعروف بالديار المصرية

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في مسالك الأبصار هي أوسع الشام بلادا متصلة ببلاد سيس والروم وديار بكر وبرية العراق قال في التعريف ويحدها من القبلة المعرة وما وقع على سمتها إلى الدمنة الخراب والسلسلة الرومية ومجرى القناة القديمة الواقع ذلك بين الحيار يعني بكسر الحاء المهملة والياء المثناة تحت وألف وراء مهملة والقرية المعروفة بقبة ملاعب ويحدها من الشرق البر حيث يحد بردى آخذا على جبل الثلج ثم الجلاب على أطراف بالس إلى الفرات دائرة بحدها قال وبهذا التقسيم تكون بلاد جعبر داخلة في حدودها ويحدها من الشمال بلاد الروم مما وراء بهسنى وبلاد الأرمن على البحر الشامي
ثم أعمالها على ثلاثة أقسام
القسم الأول ما هو داخل في حدود بلاد الممالك الشامية ولها بر وأعمال
فأما برها فهو ضواحيها على ما تقدم في دمشق وهو كالعمل المنفرد بنفسه
وأما أعمالها فقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابيه التعريف ومسالك الأبصار بها ستة عشر عملا على أكثرها وربما انفرد أحد الكتابين عن الآخر بالبعض دون البعض

الأول عمل قلعة المسلمين المسماة في القديم بقلعة الروم وهي قلعة من جند قنسرين في البر الغربي الجنوبي من الفرات في جهة الغرب الشمالي عن حلب على نحو خمس مراحل منها وفي الغرب عن البيرة على نحو مرحلة والفرات بذيلها وموقعها في الإقليم الرابع قال بعض أصحاب الأزياج وطولها آثنتان وستون درجة وعشرون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي من القلاع الحصينة التي لا ترام ولا تدرك ولها ربض وبساتين ويمر بها نهر يعرف بمرزبان يصب في الفرات قال في التعريف وكان بها خليفة الأرمن ولا يزال بها طاغوت الكفر فقصدها الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون فنزل عليها ولم يزل بها حتى فتحها وسماها قلعة المسلمين قال وهي من جلائل القلاع
الثاني عمل الكختا بفتح الكاف وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف في الآخر والألف واللام فيه غير لازمتين هي قلعة في أقاصي الشأم من جهة الشمال بشرق من حلب على نحو خمس مراحل منها وموقعها في الإقليم الرابع قال بعض أصحاب الأزياج طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي قلعة عالية البناء لا ترام حصانة ولها بساتين ونهر وملطية عنها في جهة الغرب على مسيرة يومين وكركر منها في جهة الشرق وكانت أحد ثغور الإسلام في وجوه التتار عند قيامهم قال في التعريف وهي ذات عمل متسع وعسكر تطوع مجتمع
الثالث عمل كركر بفتح الكاف وسكون الراء المهملة ثم كاف مفتوحة ثانية بعدها راء مهملة ثانية أيضا وهي قلعة من أقاصي الشأم في الشمال

عن حلب على نحو خمس مراحل أيضا وفي الغرب من الكختا المتقدمة الذكر على نحو يوم منها وموقعها في الإقليم الرابع قال في بعض الأزياج طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة وعرضها سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي قلعة حصينة شاهقة في الهواء يرى الفرات منها كالجدول الصغير وهو منها في جهة الشرق وكانت من أعظم الثغور في زمان التتار
الرابع عمل بهسنى بفتح الباء الموحدة والهاء وسكون السين المهملة ثم نون وألف وهي قلعة في شمالي حلب على نحو أربع مراحل منها وموقعها في الإقليم الرابع قال في بعض الأزياج طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي قلعة حصينة مرتفعة لا ترام حصانة بها بساتين ونهر صغير وأسواق ورستاق متسع وبها مسجد جامع ثم قال وهي بلدة واسعة كثيرة الخير والخصب وهي في الغرب والشمال عن عينتاب وبينهما نحو مسيرة يومين وبينها وبين سيس نحو ستة أيام قال في التعريف وهي الثغر المتاخم لبلاد الدروب والمشتعل في جمرة الحروب وبها عسكر من التركمان والأكراد ولا يزال لهم آثار في الجهاد قال ولنائبها مكانة جليلة وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة
الخامس عمل عينتاب بفتح العين وسكون الياء المثناة تحت والنون وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف وباء موحدة وهي مدينة من جند قنسرين شمالي حلب على نحو مرحلتين منها وموقعها في الإقليم الرابع قال في بعض

الأزياج طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهي مدينة حسنة واسعة الأرجاء كثيرة المياه والبساتين ذات أسواق جليلة مقصودة للتجار والمسافرين وبها قلعة حصينة منقوبة في الصخر وهي عن حلب في الشمال على نحو ثلاث مراحل منها وعن قلعة الروم في الجنوب على نحو ثلاث مراحل أيضا وعن بهنسي في جهة الشرق والجنوب على نحو ثلاث مراحل
السادس عمل الراوندان بألف ولام لازمتين وراء مهملة بعدها ألف ثم واو مفتوحة ونون ساكنة ودال مهملة ثم ألف ونون وهي قلعة من جند قنسرين واقعة في الإقليم الرابع طولها اثنتان وستون درجة وعرضها ست وثلاثون درجة وهي قلعة حصينة على جبل مرتفع أبيض ذات أعين وبساتين وفواكه وواد حسن ونهرها من تحتها نهر عفرين المتقدم ذكره آخذا من الشمال إلى الجنوب وهي في الغرب والشمال عن حلب وبينهما نحو مرحلتين وفي الشمال عن حارم
السابع عمل الدربساك بفتح الدال المهملة وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف وكاف والألف واللام فيه غير لازمتين وهي قلعة من جند قنسرين واقعة في الإقليم الرابع شمالي حلب على نحو ثلاث مراحل أو أربع منها قال في تقويم البلدان والقياس أن يكون طولها إحدى وستين درجة وعرضها ست وثلاثون درجة وهي قلعة حصينة ذات أعين وبساتين وبها مسجد جامع ولها من شرقيها مروج متسعة حسنة المنظر كثيرة العشب يمر بها النهر الأسود المتقدم ذكره
الثامن عمل بغراس بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وراء مهملة وألف ثم سين مهملة كذا ضبطه السمعاني فيه الأنساب ووقع في التعريف ومسالك الأبصار بالصاد المهملة بدل السين والجاري على ألسنة الناس ضم أوله وهي قلعة من جند قنسرين واقعة في الإقليم الرابع شمالي حلب على نحو أربع مراحل منها قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها

ستون درجة وخمس وخمسون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلاث وخمسون دقيقة وهي في الجبل المطل على عمق حارم قال ابن حوقل وكان بها دار ضيافة لزبيدة قال في تقويم البلدان وهي ذات أعين وبساتين وأشجار وبينها وبين الدربساك نحو بعض مرحلة وهي في جهة الجنوب عن الدربساك قال في العزيزي وبينها وبين أنطاكية اثنا عشر ميلا وبينها وبين إسكندرونة كذلك وبينها وبين حارم نحو مرحلتين وبغراس في الجنوب عن دربساك وبينهما بعض مرحلة وحارم في جهة الشرق عنها قال في التعريف وكانت هي الثغر في بحر الأرمن حتى استضيفت الفتوحات الجاهانية قال وبها رصص وهي عضو من أعضائها وجزء من أجزائها ورصص المذكورة براء مهملة مضمومة وصادين مهملتين الصاد الأولى مفتوحة وهي بلدة على الساحل وقد مر ذكرها في الكلام على بحر الروم على سواحل الأرمن
التاسع عمل القصير تصغير قصر قال في مسالك الأبصار وهي قلعة غربي حلب على نحو أربع مراحل منها قال في التعريف وهي لأنطاكية ولم يتحرر لي طولها وعرضها
العاشر عمل الشغر وبكاس اسمان لقلعتين بينهما رمية سهم
فالشغر بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم راء مهملة
وبكاس بفتح الباء الموحدة والكاف ثم ألف وسين مهملة في الآخر وهما من جند قنسرين وموقعهما في الإقليم الرابع قال في بعض الأزياج طولهما إحدى وستون درجة وعرضهما خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهما مبنيان على جبل مستطيل وتحتهما نهر يجري وبهما بساتين وأشجار وفواكه كثيرة ولهما رستاق ومسجد جامع قال في تقويم البلدان وهما في

الجنوب عن أنطاكية وبينهما الجبال
الحادي عشر عمل شيزر بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الزاي المعجمة وفي آخرها راء مهملة وهي مدينة من جند حمص غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان القياس أن طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي مدينة ذات أشجار وبساتين وفواكه كثيرة وأكثرها الرمان ولها ذكر في شعر امرئ القيس مع حماة قال في العزيزي وبينها وبين حماة تسعة أميال وبينها وبين حمص ثلاثة وثلاثون ميلا وبينها وبين أنطاكية ستة وثلاثون ميلا
الثاني عشر عمل حجر شغلان بلفظ حجر واحد الحجارة وإضافته إلى شغلان بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم لام ألف ونون وهي قلعة شمالي حلب على نحو ثلاث مراحل منها قال في مسالك الأبصار وهي بالقرب من بغراس في جهة الشمال على مسافة قريبة جدا ولم يتحرر لي طولها وعرضها ولكنها تعتبر ببغراس المتقدمة الذكر لقربها منها وهي الآن خراب
الثالث عشر عمل قلعة أبي قبيس بهمزة مفتوحة وباء موحدة مكسورة بعدهما ياء ساكنة ثم قاف مضمومة وباء موحدة مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة في الآخر وهي قلعة حصينة غربي حلب مما يلي الساحل على نحو ثلاث مراحل قصيرة من حلب كذا أخبرني به بعض أهل البلاد ولم يتحرر لي طولها وعرضها وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة أنها استقرت ولاية وربما أضيفت إلى غيرها
الرابع عشر عمل قلعة حارم بحاء مهملة مفتوحة وألف ثم راء مهملة

مكسورة وميم في الآخر قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي قلعة حصينة في جهة الغرب من حلب على نحو مرحلتين منها ذات بساتين وأشجار وبها نهر صغير وبينها وبين أنطاكية مرحلة وربضها بلد صغير قال ابن سعيد وقد خصت بالرمان الذي يرى باطنة من ظاهره مع عدم العجم وكثرة الماء
الخامس عشر عمل كفرطاب بفتح الكاف وسكون الفاء وراء مهملة ثم طاء مهملة بعدها ألف وباء موحدة على إضافة كفر إلى طاب هذا هو الجاري على الألسنة وهو الصواب وأصله من الكفر بمعنى التغطية والمراد مكان الزرع والحرث لتغطية الحب بالزراعة كما في قوله تعالى ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ) يريد الزراع ووقع في كلام صاحب حماة بفتح الفاء وهو وهم
وظاهر كلام صاحب الروض المعطار أن طاب في معنى الصفة لكفر فإنه قال وسمي بذلك لأن حوله أرض كريمة قال وأرضه صحيحة الهواء ومن سكنها لا يكاد يمرض وقيل إنه منسوب إلى رجل اسمه طاب وهي بلدة صغيرة من جند حمص غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس عشرة دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وهي على الطريق بين المعرة وشيزر قال في العزيزي وبينها وبين المعرة وشيرز اثنا عشر ميلا
السادس عشر عمل فامية بفتح الفاء وألف بعدها ثم ميم مكسورة

وياء مثناة تحت وهاء في الآخر قال في المشترك ويقال لها أفامية بهمزة في أولها يعني مفتوحة وهي مدينة من أعمال شيزر غربي حلب على نحو أربع مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وثلاث دقائق وعرضها خمس وثلاثون درجة قال في العزيزي وكورة فامية لها مدينة كانت عظيمة قديمة على نشز من الأرض ولها بحيرة حلوة يشقها النهر المقلوب
السابع عشر عمل سرمين بفتح السين وسكون الراء المهملتين وكسر الميم ثم ياء مثناة تحت ساكنة ونون بعدها وهي مدينة في الغرب من حلب على نحو مرحلتين صغيرتين منها واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها إحدى وستون درجة وخمسون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة وهي مدينة غير مسورة وبها أسواق ومسجد جامع وشرب أهلها من الماء المجتمع في الصهاريج من الأمطار وهي كثيرة الخصب وبها الكثير من شجر التين والزيتون وهي في جهة الجنوب عن حلب على مسيرة يوم منها وعملها متسع
ومن مضافاتها مدينة الفوعة بضم الفاء وفتح العين المهملة وهي مدينة على القرب من سرمين في الغرب منها وتسمى هذه الولاية الغربيات بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المثناة تحت المشددة وألف ثم تاء مثناة فوق في الآخر قال في التعريف وهي أجل ولايات حلب
الثامن عشر عمل الجبول بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة ثم واو ساكنة ولام في الآخر وهي بلدة شرقي حلب على نحو مرحلة كبيرة منها

وهي بالقرب من الفرات ولم يتحرر لي طولها وعرضها قال في تقويم البلدان ومنها ينقل الملح إلى سائر أعمال حلب وقد أخبرني بعض أهلها أن أصل هذا الملح نهر يصل إليها يعرف بنهر الذهب فيبقى ماء فيما يمر عليه من البلدان حتى ينتهي إليها فينعقد ملحا لوقته
التاسع عشر عمل جبل سمعان وضبطه معروف وهي في جهة الشمال من حلب على يوم منها ولم يتحرر لي طولها وعرضها
العشرون عمل عزاز بفتح العين المهملة والزاي المعجمة وألف ثم زاي ثانية مكسورة كذا ضبطه في اللباب والجاري على الألسنة أعزاز بهمزة مفتوحة في أولها وسكون العين والزاي الأخيرة في الوقف وهي بلدة شمالي حلب بشرق على نحو مرحلة منها قال في كتاب الأطوال وطولها إحدى وستون درجة وخمس وخمسون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وهي في شمالي حلب بميلة إلى الغرب قال ابن سعيد ولأعزاز جهات في نهاية الحسن والطيبة والخصب وهي من أنزه الأماكن
الحادي والعشرون عمل تل باشر بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام ثم فتح الباء الموحدة وألف بعدها شين معجمة مكسورة وراء مهملة في الآخر وهي حصن شمالي حلب على مرحلتين منها بالقرب من عينتاب المتقدم ذكرها قال ابن سعيد وهي ذات مياه وبساتين
الثاني والعشرون عمل منبج بفتح الميم وسكون النون وفتح الباء الموحدة وفي آخرها جيم كذا ضبطه ابن الأثير في اللباب وهي بلدة من جند قنسرين شرقي حلب على نحو مرحلتين منها واقعة في الإقليم الرابع قال

في تقويم البلدان والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال ابن سعيد بناها بعض الأكاسرة الذين غلبوا على الشأم وسماها منبه فعربت منبج وكان بها بيت نار للفرس وهي كثيرة القني السارحة والبساتين وغالب شجرها التوت وأكثرها خراب
الثالث والعشرون عمل تيزين بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وكسر الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر وهي بليدة صغيرة من أعمال حلب في جهة الغرب على نحو مرحلة منها
الرابع والعشرون عمل الباب وبزاعا وضبط الباب معروف وبزاعا بضم الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة وألف بعدها عين مهملة وألف مقصورة في الآخر كذا ضبطه في تقويم البلدان والجاري على الألسنة إبدال الألف في آخره بهاء وهما بلدتان متقاربتان من جند قنسرين على مرحلة من حلب في الجهة الشمالية الشرقية في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
أما الباب فبليدة صغيرة قال في تقويم البلدان بها مشهد به قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وبها أسواق وحمام ومسجد جامع وبها البساتين الكثيرة والنزه
وأما بزاعا فضيعة من أعمال الباب
الخامس والعشرون عمل دركوش بفتح الدال وسكون الراء

المهملتين وضم الكاف وسكون الواو وشين معجمة في الآخر وهي بلدة على النهر العاصي غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها وأكثر زرع أرضها العنب أخبرني بعض أهل تلك البلاد أن حبة العنب بها ربما بلغت في الوزن عشرة دراهم وبها قلعة عاصية استولى هولاكو على قلاع الشام ما عداها فإنه لم يصل إليها
السادس والعشرون عمل أنطاكية قال في اللباب بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة قال في تقويم البلدان ثم ألف وكاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت وهاء في الآخر قال ابن الجواليقي في المعرب وياؤها مشددة وخالف في الروض المعطار فذكر أنها مخففة الياء وهي مدينة عظيمة غربي حلب بشمال يسير على نحو مرحلتين منها قال في تقويم البلدان وهي قاعدة بلاد العواصم قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها ستون درجة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي مدينة عظيمة قديمة على ساحل بحر الروم بناها بطليموس الثاني من ملوك اليونان وقيل بناها ملك يقال له أنطاكين فعرفت به ولها سور عظيم من صخر ليس له نظير في الدنيا قال في العزيزي مساحة دورة اثنا عشر ميلا قال في الروض المعطار عدد شرفاته أربع وعشرون ألفا وعدد أبراجه مائة وستة وثلاثون

برجا قال ابن حوقل وهي أنزه بلاد الشام بعد دمشق ويمر بظاهرها العاصي والنهر الأسود مجموعين وتجري مياههما في دورها ومساكنها ومسجدها الجامع وماؤها يستحجر في مجارية حتى لا يؤثر فيه الحديد وشربه يحدث رياح القولنج والسلاح بها يسرع إليه الصدأ ويذهب ريح الطيب بالمكث فيها وهي أحد كراسي بطاركة النصارى ولها عندهم قدر عظيم وقد قيل في قوله تعالى ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم أتبعوا المرسلين ) إنها أنطاكية وان ذلك الرجل حبيب النجار وقبره بها مشهور يزار قلت وحينئذ فتصير ولايتها المذكورة في التعريف ومسالك الأبصار اثنتي عشرة ولاية
ومينا أنطاكية المذكورة السويدية بضم السين المشددة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وكسر الدال المهملة وفتح الياء المثناة تحت المشددة وهاء في الآخر قال في تقويم البلدان وموضعها حيث الطول ستون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعندها مصب النهر العاصي وهناك ينعطف البحر الرومي ويأخذ غربا بشمال على سواحل بلاد الأرمن

القسم الثاني من الأعمال الحبية البلاد المتصلة بذيل البلاد المتقدم
ذكرها في الأعمال الحلبية من الشمال وهي المعروفة ببلاد الأرمن
قال في التعريف في مكاتبة متملك سيس وهذه البلاد منها بلاد تسمى العواصم ومنها بلاد كانت تسمى قديما بالثغور سميت بذلك لمثاغرتها الروم

وإلى مثل ذلك أشار في تقويم البلدان أيضا
فالعواصم بفتح العين المهملة والواو وكسر الصاد المهملة وميم في الآخر قال ابن حوقل وهي اسم للناحية وليست موضعا بعينه يسمى العواصم قال وقصبتها أنطاكية قال وعد ابن خرداذبة العواصم فكثرها وجعل منها كورة منبج وكورة تيزين وبالس ورصافة هشام وكورة جومة وكذا شيزر وأفامية وإقليم معرة النعمان وإقليم صوران وإقليم تل باشر وكفر طاب وإقليم سلمية وإقليم جوسية وإقليم لبنان إلى أن بلغ إقليم قسطل بين حمص ودمشق
قلت وأول من سماها بذلك الرشيد هارون حين بنى بها مدينة طرسوس الآتي ذكرها في سنة سبعين ومائة والذي يظهر أنها سميت بذلك لعصمتها ما دونها من بلاد الإسلام من العدو إذ كانت متاخمة لبلاد الكفر واقعة في نحر العدو وعساكر المسلمين حافظة لها
والثغور جمع ثغر بفتح الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة وفي آخره راء مهملة قال في المشترك وهو اسم لكل موضع يكون في وجه العدو قال وثغور الشام كانت أذنة وطرسوس وما معهما فاستولى عليها الأرمن
وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه ان الرشيد في سنة سبعين ومائة عزل الثغور كلها من الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزا واحدا وسماها العواصم
قلت ومقتضى ذلك أن تكون الثغور والعواصم اسما على مسمى واحد وعليه ينطبق كلام المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف وقد حدد في التعريف هذه البلاد بجملتها فقال وحدها من القبلة وانحراف للجنوب بلاد

بغراس وما يلها وحدها من الشرق جبال الدربندات وحدها من الشمال بلاد ابن قرمان وحدها من الغرب سواحل الروم المفضية إلى العلايا وأنطاليا وسيأتي الكلام على أصل استيلاء الأرمن على هذه البلاد وانتزاعها منهم وعودها إلى الإسلام في الكلام على مكاتبة متملك سيس على ما كان عليه الأمر قبل عودتها إلى الإسلام في مكاتبات ملوك الكفر إن شاء الله تعالى
ويشتمل على عدة نيابات بعضها ذكره في التعريف وبعضها استجد بعد ذلك وهي على ضربين أيضا

الضرب الأول الأعمال الكبار وهي صفقتان ساحلية وجبلية
فأما الجبلية فثلاثة أعمال الأول عمل ملطية بفتح الميم واللام وكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر وهي مدينة شمالي حلب بميلة إلى الشرق على نحو سبع مراحل منها قال ابن سعيد وهي قاعدة بلاد الثغور وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال وطولها إحدى وستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة ووافقه في القانون على الطول وجعل العرض ثمانيا وثلاثين درجة وقد عدها ابن حوقل من جملة بلاد الشام وقال إنها من قرى بلاد الروم على مرحلة قال صاحب حماة والأليق عدها من بلاد الروم ثم قال وعدها بعضهم من الثغور الجزرية قال في الروض المعطار وكانت قديمة فخربتها الروم فبناها أبو جعفر المنصور يعني ثاني

خلفاء بين العباس في سنة تسع وثمانين ومائة وجعل عليها سورا محكما وهي بلدة ذات أشجار وفواكه وأنهار وهي مسورة في بسيط من الأرض والجبال محتفة بها من بعد ولها نهر صغير يمر بسورها ولها قني تدخلها وتجري في دورها إلا أنها شديدة البرد وهي في شمالي الجبل الدائر الذي بسيس في غربيه في الجنوب عن سيواس وبينهما نحو ثلاث مراحل وفي الغرب عن كختا وبينهما نحو مرحلتين وقد ذكر في تقويم البلدان انها فتحت في سنة خمس عشرة وسبعمائة
الثاني عمل درندة بفتح الدال والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال الثانية وهاء في الآخر وهي مدينة في جهة الغرب عن ملطية على نحو مرحلة ذات بساتين وأنهار وعيون ماء تجري وبينها وبين حلب نحو عشرة أيام
الثالث عمل دبركي بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الآخر وقد يقال دوركي بإبدال الباء واوا وهي مدينة في جهة الشمال والغرب من حلب على نحو عشر مراحل منها بها بساتين وأشجار وبينها وبين حلب نحو اثني عشر يوما
وأما الساحلية فإن بها خمسة أعمال الأول آياس بفتح الهمزة الممدودة والياء المثناة تحت ثم ألف وسين مهملة في الآخر وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل البحر وموقعها في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها تسع وخمسون درجة وعرضها ست وثلاثون درجة وهي فرضة تلك البلاد وبينها وبين بغراس المتقدم ذكرها مرحلتان قال في التعريف وقد جعلت نيابة جليلة نحو حمص وجعل أمرها إلى نائب الشام ثم جعلت إلى نائب حلب وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية إضافة إلى نهر جاهان المجاور لها وهو جيحان المتقدم ذكره وكانت

استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ولذلك قال في التعريف والعهد بفتحها قريب
الثاني عمل طرسوس بفتح الطاء والراء المهملتين جميعا وضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية هكذا ضبطه في اللباب والجاري على الألسنة سكون رائها وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل بحر الروم شمالا بغرب عن حلب وموقعها في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة وأربعون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في الروض المعطار وهي مدينة مسورة بناها الرشيد في سنة سبعين ومائة وأكملها في سنة اثنتين وسبعين ولها خمسة أبواب باب الجهاد وباب الصفصاف وباب الشام وباب البحر والباب المسدود والنهر يشق في وسطها وعليه قنطرتان داخل البلد قال ابن حوقل وهي في غاية الخصب وبينها وبين حد الروم جبال هي الحاجز بين الروم والمسلمين وبها دفن المأمون بن الرشيد وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون
الثالث عمل أدنة بهمزة ودال مهملة ونون مفتوحات وهاء في الآخر وهي مدينة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع قال في بعض الأزياج طولها تسع وخمسون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال أحمد بن يعقوب الكاتب في كتابه المسالك والممالك وهي

من بناء الرشيد قال ابن حوقل وهي مدينة حصينة عامرة وبينها وبين طرسوس ثمانية عشر ميلا
الرابع عمل سرفندكار بكسر السين وسكون الراء المهملتين وفتح الفاء وسكون النون وفتح الدال المهملة والكاف ثم ألف وراء مهملة هكذا ضبطه صاحب حماة ثم قال وقد يجعل موضع الفاء واوا فيقال سروندكار والموجود في الدساتير إسفندكار بهمزة في الأول وسقوط الراء الأولة وهي قلعة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي قلعة حصينة في واد على صخر وبعض جوانبها ليس له سور للاستغناء عنه بالصخر وهي على القرب من نهر جيحان من البر الجنوبي في الشرق عن تل حمدون على نحو أربعة أميال
الخامس عمل سيس بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت ثم سين مهملة ثانية هذا هو المعروف في زماننا ووقع في كلام الصاحب كمال الدين بن العديم أن اسمها سيسة باثبات هاء في آخرها وكلامه في العزيزي يوافقه وهي قاعدة بلاد الأرمن وموقعها في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وهي بلدة كبيرة ذات بساتين وأشجار ولها قلعة حصينة عليها ثلاثة أسوار على جبل مستطيل بناها بعض خدام الرشيد وهو الذي سماها قال ابن سعيد وكانت قاعدة الثغور الشمالية قال في العزيزي وبينها وبين المصيصة أربعة وعشرون ميلا وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين قلت وقد كانت سيس في أعقاب الفتح نيابة مستقلة ثم صارت تقدمة عسكر مضافة إلى حلب كما يقع في غزة في كونها تارة تكون نيابة مستقلة وتارة تقدمة عسكر مضافة

إلى دمشق على ما تقدم ذكره

الضرب الثاني من الأعمال الصغار بلاد الأرمن
وهي ثلاثة عشر عملا لثلاث عشرة قلعة لم تجر العادة بمكاتبة أحد من نوابها عن الأبواب السلطانية ذكر بعضها في التعريف وبعضها في التثقيف وبعضها في غيرهما من الدساتير
الأول عمل قلعة باري كروك بفتح الباء الموحدة وألف بعدها راء مهملة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم كاف مفتوحة و راء مهملة وواو ساكنة ثم كاف في الآخر وهي قلعة على رأس جبل بالقرب من طرسوس في الشمال على نحو نصف مرحلة قال في التثقيف استجدت في سنة ستين و سبعمائة قلت افتتحها بيدمر الخوارزمي نائب سيس في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون
الثاني عمل كاورا بفتح الكاف وبعدها ألف وواو وراء مفتوحة مشددة وألف في الآخر وهي قلعة في الشمال عن آياس على جبل مطل على البحر الرومي على نحو ساعة قال في التثقيف استجدت سنة تسع وستين وسبعمائة
الثالث عمل كولاك بفتح الكاف وسكون الواو ولام ألف بعدها كاف ثانية وهي قلعة مدورة على رأس جبل في الشمال عن طرسوس على نحو مرحلة يسكنها طائفة من التركمان
الرابع عمل كرزال بكاف مكسورة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وبعدها ألف ثم لام وهي قلعة صغيرة على رأس جبل بالقرب من كولاك المتقدم ذكرها على نحو مرحلة قال في التثقيف استجدت في سنة نيف وسبعين وسبعمائة

الخامس عمل كومي بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وياء مثناة تحت في الآخر
السادس عمل تل حمدون بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام وفتح الحاء المهملة وإسكان الميم وضم الدال المهملة وسكون الواو ونون في الآخر وهي قلعة ببلاد الأرمن وموقعها في الإقليم الرابع قال ابن سعيد طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة قال صاحب حماة كانت قبل أن يخربها المسلمون قلعة حصينة حسنة البناء على تل عال ولها سور مانع وربض وبساتين ونهر يجري وعلى القرب من جيحان في جهة الجنوب على نصف مرحلة وبينها وبين آياس نحو مرحلة وبينها وبين سيس نحو مرحلتين
السابع عمل الهارونيتين بفتح الهاء وألف بعدها ثم راء مهملة مضمومة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت مشددة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق بعدها ألف ونون قال في التعريف وهما حصنان بناهما هارون الرشيد وقال في المشترك الهارونية مدينة صغيرة اختطها هارون الرشيد بالثغور في طرف جبل اللكام وقال في العزيزي الهارونية آخر حدود الثغور الشامية مما يتصل بالحدود الجزرية وبينها وبين الكنيسة السوداء اثنا عشر ميلا قال في كتاب الأطوال وطولها ستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة
الثامن عمل قلعة نجمة بفتح النون وسكون الجيم وفتح الميم وهاء

في الآخر وهي قلعة على القرب من الفرات بينها وبين جسر منبج خمسة وعشرون ميلا قال في تقويم البلدان وهذه القلعة في السحاب قال وكان يقال لذلك المكان حصن منبج فصارت تعرف بقلعة نجمة ثم قال وهي من بناء السلطان محمود بن زنكي قلت وفي التعريف ما يقتضي أنها من جملة بناء المأمون
التاسع عمل قلعة حميمص وهي قلعة خراب صغيرة بالقرب من نهر جيحان
العاشر عمل قلعة لؤلؤة وهي قلعة شمالي كولاك استعادها ابن عثمان
الحادي عشر عمل قلعة تامرون شمالي طرسوس بيد عيسى بن ألاس البرسقي التركماني
الثاني عشر عمل سنياط كلا شمالي طرسوس كانت داخل المملكة استولى عليها ابن قرمان في أيام المنصور بن الأشرف شعبان
الثالث عشر عمل بلسلوص غربي طرسوس على ساحل البحر بيد حسن بن قوسي البرسقي التركماني

القسم الثالث من الأعمال الحلبية البلاد المجاورة للفرات من شرقيه من
بلاد الجزيرة الواقعة بين الفرات ودجلة وهي ثلاثة أعمال
الأول عمل البيرة بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الراء المهملة وألف في الآخر وهي قلعة في البر الشرقي في الشمال عن الفرات في الشرق عن قلعة الروم المتقدم ذكرها على نحو مرحلة والفرات بينهما

وقد عدها في تقويم البلدان من جند قنسرين من أعمال الشام وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في بعض الأزياج طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي قلعة ذات ارتفاع وحصينة لا ترام قال في تقويم البلدان ولها سوق وعمل قال ابن سعيد وقلعتها على صخرة قال في التعريف ولها منعة وعسكر
الثاني عمل قلعة جعبر بفتح الجيم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر وهي قلعة من ديار بكر في البر الشرقي الشمالي من الفرات أيضا وموقعها في الإقليم الرابع قال في الأطوال طولها اثنتان وستون درجة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال القاضي جمال الدين بن واصل وكانت هذه القلعة تعرف قديما بالدوسرية نسبة إلى دوسر عبد النعمان بن المنذر وهو الذي بناها أولا لما جعله النعمان على أفواه الشأم ثم تملكها سابق الدين جعبر القشيري في أيام الملوك السلجوقية فعرفت به ثم انتزعها منه السلطان ملكشاه السلجوقي قال صاحب حماة وهي في زماننا خراب ليس بها ديار قلت وذلك في أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون ثم عمرت بعد ذلك في آخر الدولة الناصرية أو بعدها بقليل وقد أشار إلى ذلك في التعريف حين تعرض لذكرها في آخر مضافات الشأم قبل ذكر حلب بقوله وهي مجددة البنيان مستجدة الآن لأنها جددت منذ سنوات بعد أن طال عليها الأمد وأخنى عليها الذي أخنى على لبد وكان قد ذكر قبل ذلك في الكلام على تقاسيم الشأم أنها مضافة إلى دمشق ثم قال وحقها أن تكون مع

حلب وقد صارت الآن من مضافات حلب
الثالث عمل الرها بضم الراء المهملة وفتح الهاء وألف في الآخر وهي مدينة من ديار مضر في البر الشرقي الشمالي عن الفرات وموقعها في الإقليم الرابع بالقرب من قلعة الروم قال في الأطوال طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة وعرضها سبع وثلاثون درجة قال في العزيزي وهي مدينة عظيمة رومية فيها آثار عجيبة قال في الروض المعطار وهي مدينة ذات عيون كثيرة تجري منها الأنهار وبها البساتين والأشجار الكثيرة وعليها سور من حجارة ولها أربعة أبواب باب حران والباب الكبير وباب سبع وباب الماء قال وليس في بلاد الجزيرة أحسن منتزهات منها ولا أكثر فواكه والفرات منها في ناحية الغرب على مسيرة يومين وفي ناحية الشمال على مسيرة يوم قال في تقويم البلدان وكان بها كنيسة عظيمة وفيها أكثر من ثلثمائة دير للنصارى قال وهي اليوم خراب يعني في أثناء الدولة الناصرية ثم عمرت بعد ذلك قلت وهي اليوم عامرة آهلة والله سبحانه وتعالى أعلم

القاعدة الثالثة من قواعد المملكة الشامية حماة
وقد ذكرها في مسالك الأبصار بعد دمشق وهو أليق لقربها منها ولكنه قد ذكرها في التعريف بعد حلب فتبعته على ذلك وفيها جملتان
الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الحاء المهملة والميم وألف ثم هاء في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع بين حمص وقنسرين قال في تقويم البلدان وطولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة وهي مدينة قديمة أزلية قال في تقويم البلدان ولها ذكر في التوراة

وهي على ضفة العاصي مكينة البناء ولها سور جليل وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي وبها القصور الملوكية والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والربط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعا من الأنواع وبها قلعة مبنية بالحجارة الملونة وغالب مبانيها العلية وآثار الخير والبر الباقية فيها من فواضل نعم الدولة الأيوبية وبها نواعير مركبة على العاصي تدور بجريان الماء وترفع الماء إلى الدور السلطانية ودور الأمراء والأكابر والبساتين وفي بساتينها الغراس الفائق والثمار الغريبة ولم يكن لها في القديم نباهة ذكر وكان الصيت لحمص دونها ثم تنبه ذكرها في الدولة الأتابكية زنكي فلما آلت إلى ملوك بني أيوب مصروها بالأبنية العظيمة والقصور الفائقة والمساكن الفاخرة وتأمير الأمراء وتجنيد الأجناد فيها وعظموا أسواقها وزادوا في غراسها وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كل من فاق في فنه إلى أن كملت محاسنها وصارت معدودة من أمهات البلاد وأحاسن الممالك وهي في غاية رفاهة العيش إلا أنها شديدة الحر محجوبة الهواء ويعرض لها في الخريف تغير تنسب به إلى الوخامة ولا يبقى بها الثلج إلى الصيف كما يبقى في بقية الشام وإنما يجلب إليها مما يجاورها وحولها مروج فيح ممتدة يكثر فيها مصايد الطير والوحش وليس بالممالك الشامية بعد دمشق لها نظير ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاورتها قريب ولا بعيد قال في الروض المعطار وبينها وبين حمص أربعون ميلا ولم تزل بأيدي بقايا الملوك الأيوبية من جهة صاحب مصر يقيم ملوكهم فيها ملكا بعد ملك إلى أن كان بها منهم آخر الأيام الناصرية محمد بن قلاوون المتقدم ذكره واستقر فيها بالأمير طغيتمر الحموي أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية نائبا واستمرت بأيدي النواب يليها مقدم ألف بعد مقدم ألف إلى الآن

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة مدينة الرستن وماسامتها آخذا بين سلمية وقبة ملاعب إلى حيث مجر النهر والآثار القديمة وحدها من الشرق البر آخذا على سلمية إلى ما استفل عن قبة ملاعب وحدها من الشمال آخر حد المعرة من العرايا وحدها من الغرب مضافات مصياف وقلاع الدعوة وليس بها نواب قلاع البتة ولها ثلاثة أعمال الأول عمل برها وهو ظاهرها وما حولها كما تقدم في دمشق وحلب
الثاني عمل بارين بفتح الباء الموحدة وألف بعدها وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر وهي بلدة على مراحلة من حماة في الغرب عنها بميلة يسيرة إلى الجنوب وموقعها في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة
الثالث عمل المعرة بفتح الميم والعين المهملة ثم راء مهملة مشددة مفتوحة وهاء في الآخر وهي مدينة من جند حمص واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها إحدى وستون درجة وأربعون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس

وأربعون دقيقة وتعرف بمعرة النعمان قال البلاذري إضافة إلى النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه قال في العزيزي وهي مدينة جليلة عامرة كثيرة الفواكه والثمار والخصب وشرب أهلها من الآبار قال في الروض المعطار ولها سبعة أبواب باب حلب والباب الكبير وباب شيث وباب الجنان وباب حمص وباب كذا قال ويذكر أن قبر شيث بن آدم عليه السلام عند الباب المنسوب إليه فيها وداخلها قبر يوشع بن نون عليه السلام وعلى ميل منها دير سمعان الذي به قبر عمر بن عبد العزيز قال السمعاني والنسبة إليها معرنمي قال وبالشام بلدة أخرى تسمى معرة نسرين بالنون والسين المهملة والنسبة إليها معرنسي قال صاحب حماة والمشهور في الثانية أنها معرة مصرين بميم وصاد مهملة

القاعدة الرابعة من قواعد المملكة الشامية أطرابلس وفيها جملتان الجملة
الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة ولام مضمومتين وسين مهملة في الآخر قال السمعاني وقد تسقط الألف منها فرقا بينها وبين أطرابلس التي في الغرب وأنكر ياقوت في المشترك سقوطها وعاب على المتنبي حذفها منها في بعض شعره قال في الروض المعطار

ومعنى أطرابلس فيما قيل ثلاث مدن وقيل مدينة الناس وهي مدينة من سواحل حمص واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها تسع وخمسون درجة وأربعون دقيقة وعرضها أربع وثلاثون درجة وكانت في الأصل من بناء الروم فلما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وستمائة في الأيام الأشرفية خليل بن قلاوون رحمه الله خربوها وعمروا مدينة على نحو ميل منها وسموها باسمها وهي الموجودة الآن ولما بنيت هذه المدينة الجديدة كانت وخيمة البقعة ذميمة السكن فلما طالت مدة سكنها وكثر بها الناس والدواب وصرفت المياة الآسنة التي كانت حولها وعملت بساتين ونصبت بها النصوب والغروس خف ثقلها وقل وخمها
قال في مسالك الأبصار ولما ولي نيابتها أستدمر الكرجي كان لا ينفك عن كونه وخما فشكا ذلك إلى سليمان بن داود المتطبب فأشار عليه أن يستكثر فيها من الإبل وسائر الدواب ففعل فخف وخمها قال وقد سألت عن علة ذلك الكثير من الاطباء فلم يجيبوا فيه بشيء
قلت لا خفاء أن المعنى في الإبل ما أشار به النبي في أمر العرنيين حين استوخموا المدينة أنهم يقيمون في إبل الصدقة ويشربون من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذلك فصحوا فكأن ذلك من خاصة الإبل ولعل التأثير في ذلك للإبل خاصة دون سائر الدواب وهي الآن مدينة متمدنة كثيرة الزحام وبها مساجد ومدارس وزوايا وبيمارستان وأسواق جليلة وحمامات حسان وجميع بنائها بالحجر والكلس مبيضا ظاهرا وباطنا وغوطتها محيطة بها وتحيط بغوطتها مزدرعاتها وهي بديعة المشترف ولها نهر يحكم على ديارها وطباقها

يتخرق الماء في مواضع من أعالي بيوتها التي لا يرقى إليها إلا بالدرج العلية وحولها جبال شاهقة صحيحة الهواء خفيفة الماء ذات أشجار وكروم ومروج ومواشي وميناها مينا جليلة تهوي إليها وفود البحر الرومي وترسو بها مراكبهم وتباع بها بضائعهم وهي بلدة متجر وزرع كثيرة الفائدة وقد تقدم في الكلام على عجائب الشام أن داخل البحر بالقرب منها على نحو رمية حجر عن البر عينا فوارة عذبة الماء تطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر يتبين ذلك عند سكون الريح

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة جبل لبنان ممتدا على ما يليه من مرج الأسد حيث يمتد النهر العاصي وحدها من الشمال قلاع الدعوة وحدها من الغرب البحر الرومي وأعمالها على قسمين
القسم الأول الأعمال الكبار التي يكاتب نوابها عن الأبواب السلطانية وهي
على ضربين
الضرب الأول مضافاتها نفسها وهي ست نيابات
الأول عمل حصن الأكراد بإضافة حصن واحد الحصون إلى الأكراد الطائفة المشهورة وهي قلعة من جند حمص موقعها في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها أربعة وثلاثون درجة قال في المشترك وهي قلعة حصينة مقابل حمص من غربيها على الجبل المتصل بجبل لبنان نحو مرحلة من حمص قال في التعريف وهي حصن جليل وقلعة شماء لا تبعد منها السماء قال وكانت محل النيابة ومقر العسكر قبل فتح طرابلس

الثاني عمل حصن عكار بإضافة حصن إلى عكار بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وبعدها ألف ثم راء مهملة وهي قلعة على مرحلة من طرابلس في جهة الشرق بوسط جبل لبنان في واد والجبل محيط بها وشرب أهلها من عين تجري إليها من ذيل لبنان المذكور ولها ربض ليس بالكبير
الثالث عمل بلاطنس بفتح الباء الموحدة وبعدها لام ألف ثم طاء مهملة ونون مضمومتان وسين مهملة في الآخر وهي قلعة بالقرب من مدينة مصياف في جهة الغرب منها على نصف مرحلة وفي جهة الشمال من طرابلس على نحو مرحلتين
الرابع عمل صهيون بفتح الصاد المهلمة وسكون الهاء وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو ثم نون في الآخر وهي قلعة من جند قنسرين في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعشر دقائق وعرضها خمس وثلاثون درجة وعشر دقائق وهي من القلاع المشهورة ذات حصانة ومنعة مبنية على صخر أصم في ذيل جبل يظهر من اللاذقية وبينهما نحو مرحلة وهي في الشرق عن اللاذقية بميلة إلى الجنوب وبها المياه الكثيرة حاصلة من الأمطار
الخامس عمل اللاذقية بألف ولام لازمتين وذال معجمة وقاف مكسورتين وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في آخرها وهي مدينة من سواحل الشأم واقعة في الإقليم الرابع قال في الأطوال طولها ستون درجة وأربعون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعدها في

العزيزي من أعمال حمص ثم قال وهي مدينة جليلة بل هي أجل مدينة بالساحل منعة وعمارة ولها مينا حسنة ومنها إلى أنطاكية ثمانية وأربعون ميلا وقد عدها في التعريف في جملة ولايات طرابلس على ما كانت عليه إذ ذاك ثم استقرت بعد ذلك نيابة وهي الآن أعظم نيابات طرابلس
السادس عمل المرقب بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وباء موحدة في الآخر وهي قلعة بالقرب من ساحل البحر الرومي وموقعها في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهي قلعة حصينة حسنة البناء مشرفة على البحر وعلى نحو فرسخ منها مدينة بلنياس بكسر الباء الموحدة واللام وسكون النون وياء مثناة تحت وألف وسين مهملة وفي الغالب تضاف إليها فيقال المرقب وبلنياس وهي مدينة حسنة على الساحل ذات مياه وأعين تجري وفواكه كثيرة قال في العزيزي وبينها وبين أنطرطوس اثنا عشر ميلا ولم يتعرض لذكر المرقب في التعريف ولا في مسالك الأبصار

الضرب الثاني قلاع الدعوة بفتح الدال
سميت بذلك لأنها كانت بيد الإسماعيلية من الشيعة المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر الصادق وهم يسمون أنفسهم أصحاب الدعوة الهادية وهؤلاء هم المعروفون في ديوان الإنشاء بالقصاد وبين العامة بالفداوية وسيأتي الكلام على معتقدهم في الكلام على القصاد ثم في الكلام على تحليف أهل البدع في باب الإيمان إن شاء الله تعالى وهي سبع قلاع عظيمة الشأن رفيعة المقدار لا تسامى منعة ولا ترام حصانة وكانت أولا كلها مضافة إلى طرابلس ثم نقلت مصياف منها إلى دمشق على ما تقدم ذكره والبقية على ما كانت عليه من إضافتها إلى طرابلس

وهي ستة أعمال الأول عمل الرصافة بألف ولام لازمتين في أولها وراء مهملة مضمومة وصاد مفتوحة بعدها ألف ثم فاء وهاء وهي قلعة بالقرب من مصياف وبالشأم بلدة أخرى يقال لها الرصافة أيضا وتعرف برصافة هشام على أقل من مسافة يوم من الجانب الغربي من الفرات
الثاني عمل الخوابي بفتح الخاء المعجمة والواو ثم ألف وباء موحدة مكسورة وياء في الآخر وهي قلعة في جهة الشمال من طرابلس على نحو مرحلتين وقد تقدم في الكلام على خواص الشأم أن بسورها مكانا لا ينظره ملسوع أو رسوله إلا برأ ذلك الملسوع ولم يضره السم
الثالث عمل القدموس بفتح القاف والدال المهملة وضم الميم وسكون الواو وسين مهملة في الآخر وهي قلعة بالقرب من الخوابي المقدمة الذكر وقد تقدم في الكلام على خواص الشأم ان بها حماما يظهر منه أنواع من الحيات وتمشي بين الناس لا تضر احدا البتة
الرابع عمل الكهف بفتح الكاف وسكون الهاء وفاء في الآخر وهي قلعة بالقرب من القدموس على نحو ساعة على نشز جبل مرتفع عال يرى على بعد
الخامس عمل المينقة بفتح الميم وسكون الياء المثناة تحت وفتح النون والقاف وهاء في الآخر وهي قلعة بالقرب من الكهف على نحو ساعة على جبل مرتفع أيضا
السادس عمل العليقة بضم السين المهملة وفتح اللام المشددة وسكون الياء المثناة تحت وفتح القاف وهاء في الآخر وهي قلعة على الجبل المذكور على نحو ساعة من المينقة

القسم الثاني من أعمال طرابلس الأعمال الصغار وهي ستة أعمال
قال في التعريف سوى ما نقل في تلك القلاع مما له ولاية
الأول عمل أنطرطوس قال في اللباب بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وضم الطاء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر قال في كتاب الأطوال وموضعها حيث الطول ستون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة وعشر دقائق وهي بلدة بالساحل قال في تقويم البلدان وهي ثغر لأهل حمص فتحها المسلمون وخربوا أسوارها وهي الآن آهلة قال وكان بها مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه
الثاني عمل جبة المنيظرة بإضافة جبة بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وتاء التأنيث إلى المنيظرة بضم الميم وفتح النون وسكون الياء المثناة تحت وفتح الظاء المعجمة والراء المهملة وهاء في الآخر
الثالث عمل الظنيين بألف ولام لازمتين وظاء معجمة مفتوحة مشددة ونون مشددة مكسورة وياء مثناة تحت مكسورة بعدها ياء ثانية ساكنة ثم نون وهي كورة بين مصياف وفامية وليس بها مقر ولاية
الرابع عمل بشريه بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة المشددة وسكون الياء المثناة تحت وهاء في الآخر هكذا مكتوب في التعريف والجاري على الألسنة بشراي بابدال الهاء ياء مثناة تحت
الخامس عمل جبلة بفتح الجيم والباء الموحدة واللام ثم هاء في الآخر وهي بلدة صغيرة بساحل البحر الرومي من الإقليم الرابع قال في الأطوال طولها ستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس

وخمسون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها ستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في العزيزي ولها أعمال واسعة وبينها وبين اللاذقية اثنا عشر ميلا وبينها وبين أنطاكية ثمانية وأربعون ميلا وبها مقام إبراهيم بن أدهم رحمه الله
السادس عمل أنفة بفتح الهمزة المقصورة والنون والفاء وبهاء في الآخر وهي بلدة على البحر الرومي تردها المراكب بقلة

القاعدة الخامسة من قواعد المملكة الشامية صفد وفيها جملتان الجملة
الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الصاد المهملة والفاء وتاء مثناة فوق في آخرها هكذا ضبطه في تقويم البلدان ثم قال والمشهور على ألسنة الناس أن مكان التاء دالا مهملة وهي مدينة من جند الأردن واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة
قال في الزيج طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وعرضها أثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي بلدة متوسطة بين الكبر والصغر وذكر العثماني في تاريخ صفد أنه كان مكانها أولا قرية وأصل الصفت في لغتهم العطية سميت بذلك لأن الفرنج أعطتها

للطائفة الدموية منهم لا يشاركهم فيها أحد قال وقد تكون سميت بذلك أخذا من الصفد وهو الغل لأن صاحب الغل يمتنع من الحركة ويلزم موضعه وكذلك هذا البلد لأنها في جبل عال لا يتمكن ساكنه من الحركة في كل وقت إن ركب تعب وإن مشى على قدمه اختلط لحمه بدمه لصعود الربوة وهبوط الوهدة فيستقر في مكانها ويقنع بالنظر وربضها منتشر العمارة على ثلاثة أجبل واكثر ما يدخل أهلها حمامات الوادي لقلة الماء بها وسوء بناء حماماتها وبساتينها تحتها في الوادي إلى جهة طبرية وكل ما يوجد في دمشق يوجد فيها إما من بلادها وإما مجلوب إليها من دمشق ونيابتها نيابة جليلة ونائبها من أكبر الأمراء المقدمين ولها قلعة حصينة ذات بساتين تشرف على بحيرة طبرية يحف بها جبال وأودية قال ابن الواسطي بنتها الفرنج سنة خمس وتسعين وأربعمائة ولما فتحها الظاهر بيبرس رحمه الله عظم شأنها ورفع مقدارها قال في مسالك الأبصار وهي جديرة بالتعظيم فقل أن يوجد لها شبيه ولا يعلم لها نظير ولهذه القلعة نائب مستقل من قبل السلطان يولى من الأبواب الشريفة بمرسوم شريف وعادته أن يكون من أمراء الطبلخاناه ولا حكم لنائب السلطنة بالبلد عليه بل هو مستقل بنفسه كما في نائب قلعتي دمشق وحلب

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة الغور حيث جسر الصنبرة من وراء طبرية وحدها من المشرق الملاحة الفاصلة بين بلاد الشقيف وبين حولة بانياس وحدها من الشمال نهر ليطا وحدها من الغرب البحر وليس في

أعمالها نيابة أصلا وقد ذكر لها في مسالك الأبصار أحد عشر عملا الأول عمل برها كما في دمشق وحلب وغيرهما من القواعد المتقدمة
الثاني عمل الناصرة بالألف واللام اللازمتين ونون مفتوحة بعدها ألف ثم صاد مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر وهي بليدة صغيرة قال في الروض المعطار على ثلاثة عشر ميلا من طبرية قال ويقال إن المسيح عليه السلام ولد بها وأهل القدس ينكرون ذلك ويذكرون أنها ولدته بالقدس والمعروف أن أمه حين عادت به من مصر إلى الشأم وعمره يومئذ اثنتا عشرة سنة نزلت به القرية المذكورة وهي اليوم منبع الطائفة النصيرية والذي ذكره العثماني في تاريخ صفد أن أهل هذه البلاد منسوبون إلى الدين
الثالث عمل طبرة بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة وكسر المهلمة وفتح الياء المثناة تحت وتشديدها وهاء في الآخر وهي مدينة من جند الأردن بناها طبريون أحد ملوك اليونان البطالسة فعرفت به ثم عربت طبرية والنسبة إليها طبراني للفرق بينها وبين طبرستان من نواحي بلاد الشرق حيث ينسب إليها طبري وموقعها في الإقليم الثالث قال في الأطوال وطولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وقال في رسم المعمور طولها سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وتبعه ابن سعيد على ذلك وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهي في الغور في سفح جبل على بحيرتها المتقدمة الذكر في بحيرات الشام قال في مسالك الأبصار ومن

عملها قدس قال وكان معها قديما السواد وبيسان ثم خرجا عنها قال العثماني في تاريخ صفد ومن ولايتها البطيحة وكفر عاقب
الرابع عمل تبنين وهونين بعطف الثاني على الأول
فأما تبنين فبتاء مثناة فوق مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر
وأما هونين فبهاء مضمومة وواو ساكنة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر قال في مسالك الأبصار وهما حصنان بنيا بعد الخمسمائة بين صور وبانياس بجبل عاملة المتقدم ذكره جبال الشام المشهورة وجعل العثماني في تاريخ صفد قلعة هونين من عمل الشقيف وأهل هذا العمل شيعة رافضة
الخامس عمل عثليث بفتح العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وثاء مثلثة في الآخر وهي كورة بين قاقون وعكا فيها قرى متسعة وليس بها مقر ولاية معلوم قال العثماني في تاريخ صفد وفي آخر هذا العمل بلاد قاقون وهو آخر الأعمال الصفدية
السادس عمل عكا بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وألف في الآخر وهي مدينة من سواحل الشام قال العثماني في تاريخ صفد بناها عبد الملك بن مروان ثم غلبت عليها الفرنج ثم انتزعها منهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم غلبوا عليها ثانيا ثم استرجعت وهي واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال طولها ثمان وخسمون درجة

وخمس وعشرون دقيقة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشرون دقيقة وقيل غير ذلك وقد خربت بعد أن استرجعها المسلمون من الفرنج في سنة تسعين وستمائة في الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون وبها مسجد ينسب لصالح عليه السلام وبينها وبين طبرية أربعة وعشرون ميلا وكانت هي قاعدة هذا الساحل قبل صفد فلما خربت أقيمت صفد مقامها وصارت هي ولاية
السابع عمل صور بضم الصاد المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر وهي مدينة قديمة بساحل دمشق واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال طولها ثمان وخسمون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثنتان وثلاثون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمس دقائق وبناؤها من أعظم أبنية الدنيا وكانت من أحصن الحصون التي على ساحل البحر فلما فتحها المسلمون في سنة تسعين وستمائة مع عكا خربوها خوفا أن يتحصن بها العدو وهي خراب إلى الآن ويقال إنها أقدم بلد بالساحل وإن عامة حكماء اليونان منها قال الشريف الإدريسي وكان بها مرسى يدخل إليه من تحت قنطرة عليها سلسلة تمنع المراكب من الدخول قال في التعريف وبصور كنيسة يقصدها ملوك من البحر عند تمليكهم فيملكون ملوكهم بها إذ لا يصح تمليكهم إلا منها قال وشرطهم أن يدخلوها عنوة ولذلك لا يزال عليها الرقبة ومع ذلك يأتونها مباغتة فيقضون أربهم منها ثم ينصرفون وسكان هذا العمل رافضة لا يشهدون جمعة ولا جماعة
الثامن عمل الشاغور بألف ولام لازمتين وشين معجمة مشددة

مفتوحة بعدها ألف ثم غين معجمة مضمومة بعدها واو ساكنة وراء مهملة في الآخر وهي كورة بين عكا وصفد والناصرة بها قرى متسعة وليس بها مقر ولاية معروف وعدها العثماني في تاريخ صفد شاغورين
أحدهما شاغور النعبة وهو جبل به قرى عامرة قال وبالنعبة دير به مصطبة إذا بات عليها من به جنون شفي بإذن الله
والثاني شاغور غرابة وفيه عدة قرى وبه مقام أولاد يعقوب عليه السلام وهو من المزارات المشهورة
التاسع عمل الإقليم بكسر الهمزة وسكون القاف وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر وهي كورة بين دمشق والشغر والخربة بها قرى متسعة وليس بها مقر ولاية
العاشر عمل الشقيف بفتح الشين المعجمة وكسر القاف وسكون الياء المثناة تحت ثم فاء ويعرف بشقيف أرنون بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو ثم نون في الآخر قال في المشترك وهو اسم رجل أضيف الشقيف إليه ويعرف أيضا بالشقيف الكبير وهو حصن بين دمشق والساحل بعضه مغارة منحوتة في الصخر وبعضه له سور وهو في غاية الحصانة وعلى القرب منه شقيف آخر يعرف بشقيف تيرون بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر وهي قلعة حصينة من جند الأردن على مسيرة يوم من صفد في سمت الشمال قال في مسالك الأبصار وليست من بلاد صفد وأهل هذا العمل رافضة

الحادي عشر عمل جينين بجيم مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة ونون مكسورة ومثناة تحت ثانية ساكنة ونون في الآخر وهي بلدة قديمة متسعة وهي مركبة على كتف واد لطيف به نهر ماء يجري وهي في الشمال عن قاقون على نحو مرحلة في رأس مرج بني عامر وبها مقام دحية الكلبي صاحب رسول الله
ومن أعمالها اللجون قال في تقويم البلدان بفتح اللام المشددة وضم الجيم المشددة وهي قرية قديمة في جهة الغرب عن بيسان على نصف مرحلة منها قال في كتاب الأطوال موضعها حيث الطول سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وباللجون مقام الخليل عليه السلام وبها ينزل الملوك على مصطبة هناك معدة لذلك قال في مسالك الأبصار ومن عملها قدس وكان معها قديما السواد وبيسان وخرجا عنها ثم قال ومما يذكر فيها حيفا وهي خراب على الساحل وقلعة كوكب وهي التي يقول فيها العماد الأصفهاني راسية راسخة شماء شامخة وقلعة الطور وهي مفردة على جبل الطور بناها العادل أبو بكر بن أيوب ثم غلبه عليها الفرنج فهدمها
قلت واقتصر في التعريف على ولاية بر صفد وولاية الشقيف وولاية جينين وولاية عكا وولاية الناصرة وولاية صور من غير زيادة على ذلك

القاعدة السادسة من قواعد المملكة الشامية الكرك وفيها جملتان الجملة
الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الكاف والراء المهملة ثم كاف ثانية والألف واللام في أولها غير لازمتين وتعرف بكرك الشوبك لمقاربتها لها قال في تقويم البلدان وهي من البلقاء وهما وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد وطولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس دقائق وهي مدينة محدثة البناء كانت ديرا يتديره رهبان ثم كثروا فكبروا بناءه وأوى إليهم من يجاورهم من النصارى فقامت لهم به أسواق ودرت لهم فيه معايش وأوت إليه الفرنج فأداروا أسواره فصارت مدينة عظيمة ثم بنوا به قلعة حصينة من اجل المعاقل وأحصنها وبقي الفرنج مستولين عليه حتى فتحه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله على يد أخيه العادل أبي بكر
قال في التعريف وكانوا قد عملوا فيه مراكب ونقلوها إلى بحر القلزم لقصد الحجاز الشريف لأمور سولتها لهم انفسهم فأوقع الله تعالى بهم العزائم الصلاحية والهمم العادلية فأخذوا وأمر بهم السلطان صلاح الدين فحملوا إلى منى ونحروا بها على جمرة العقبة حيث تنحر البدن بها واستمرت بأيدي المسلمين من يومئذ واتخذها ملوك الإسلام حرزا ولأموالهم كنزا ولم يزل الملوك يستخلفون بها أولادهم ويعدونها لمخاوفهم وهو بلد خصب بواديه حمام وبساتين كثيرة وفواكه مفضلة قال البلاذري في فتوح البلدان وكانت مدينة هذه الكورة في القديم الغرندل

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة عقبة الصوان وحدها من الشرق بلاد البلقاء وحدها من الشمال بحيرة سذوم المتقدم ذكرها وحدها من الغرب تيه بني إسرائيل ولها أربعة أعمال الأول عمل برها المختص ببلادها كما في غيرها من القواعد المتقدمة
الثاني عمل الشوبك بألف ولام لازمتين وفتح الشين المعجمة المشددة وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وكاف في الآخر قال في تقويم البلدان وهي من جبل الشراة وموقعها في الإقليم الثالث قال ابن سعيد طولها ست وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وهي بلدة صغيرة أكثر دخولا في البر من الكرك ذات عيون وجداول تجري وبساتين وأشجار وفواكه مختلفة قال في العزيزي ولها قلعة مبنية بالحجر الأبيض على تل مرتفع أبيض مطل على الغور من شرقيه قال في تقويم البلدان وينبع من تحت قلعتها عينان إحداهما عن يمينها والأخرى عن يسارها كالعينين للوجه يجريان للبلد ومنهما شرب أهلها وبساتينها قال وكانت بأيدي الفرنج مع الكرك وفتحت بفتحها وأقطعها السلطان صلاح الدين مع الكرك لأخيه العادل فأعطاهما لابنه المعظم عيسى فاعتنى بأمرهما وجلب إلى الشوبك

غرائب الأشجار حتى تركها تضاهي دمشق في بساتينها وتدفق أنهارها وتزيد بطيب مائها
قلت وذكر في مسالك الأبصار لها عملين آخرين
الثالث عمل زغر بضم الزاي وفتح الغين المعجمتين وفي آخرها راء مهملة وهي مدينة قديمة متصلة بالبادية سميت بزغر بنت لوط عليه السلام قال في تقويم البلدان وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشر دقائق والعرض ثلاثون درجة وكسر
الرابع عمل معان بضم الميم وفتح العين المهملة وألف ثم نون قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة كان يسكنها بنو امية ومواليهم قال في مسالك الأبصار وقد خربت هي وعملها ولم يبق بها أحد وتعرف بمعان بن لوط عليه السلام قال في كتاب الأطوال وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ثلاثون درجة قال في تقويم البلدان وبينها وبين الشوبك مرحلة

الطرف الثاني من الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة الثانية فيمن
ملك البلاد الشامية وملكوها على قسمين القسم الأول ملوكها قبل الإسلام
ولم يزل مجموعا قبل الإسلام لملك واحد إما بمفرده وإما مع غيره وملوكه في الجاهلية على أربع طبقات

الطبقة الأولى ملوكها من الكنعانيين
وهم بنو كنعان بن مازيع بن حام بن نوح عليه السلام وقيل هم من ولد سام ابن نوح وكان كنعان قد نزل الشام بجهة فلسطين عند تبلبل الألسنة بعد الطوفان وتوراثها بنوه بعد ذلك وكان كل من ملك منهم يلقب بجالوت إلى أن انتهى الملك إلى رجل منهم اسمه كلياذ وهو جالوت الذي قتله داود عليه السلام وبقتله تفرق بنو كنعان وباد ملكهم وزال وكان في خلال ذلك بتيماء من أطراف الشأم ملوك من العمالقة وهم بنو عمليق بن ولاذ بن سام بن نوح عليه السلام انتقلوا إليه من الحجاز وهم الذين قاتلهم موسى عليه السلام وكان آخر من ملك منهم الشأم والحجاز والأرقم بن الأرقم الذي قتله بنو إسرائيل حين وجههم موسى عليه السلام في آخر عمره إلى الحجاز على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك المدينة إن شاء الله تعالى
الطبقة الثانية ملوكها من بني إسرائيل
وأولهم طالوت الذي ذكره الله تعالى في القران بقوله ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) واسمه شاول بن قيس ولم يكن لهم قبل ذلك ملك بل حكام وقضاة يحكمون وبقي حتى قتل في قتال الفلسطينيين
وملك بعده داود عليه السلام وكانت دار ملكه بالقدس وفتح فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وعمان ومأرب وحلب ونصيبين وغير ذلك فأقام في الملك أربعين سنة

وتولى ذلك بعده ابنه سليمان عليه السلام وعمره اثنتا عشرة سنة وعمر بيت المقدس وفرغ منه في سبع سنين وتوفي لأربعين سنة من ملكه
وملك بعده ابنه رحبعم على سبطين من بني إسرائيل خاصة وخرج عنه عشرة أسباط فملكوا عليهم غيره وبقي في الملك سبع عشرة سنة
وملك بعده ابنه أثيا وهلك لثلاث سنين
وملك بعده ابنه أسا إحدى وأربعين سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يهو شافاظ خمسا وعشرين سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يهورام ثمان سنين وتوفي
فملك بعده ابنه أحزياهو ستين سنة وتوفي فبقي الملك شاغرا فحكمت فيه امرأة ساحرة اسمها غثليا فأقامت في الملك سبع سنين
ثم ملك بعدها بؤاش فأقام في الملك أربعين سنة ومات
فملك بعده ابنه أمصياهو تسعا وعشرين سنة وتوفي
فملك بعده عزياهو اثنتين وخمسين سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يؤثم ست عشرة سنة ويقال إن يونس عليه السلام كان في زمنه
ثم ملك بعده ابنه آحاز ست عشرة سنة أيضا وكانت الحرب بينه وبين ملك دمشق وفي زمنه كان شعيب عليه السلام وتوفي
فملك بعده ابنه هوحزقيا وانقاد له بقية الأسباط فملك جميعهم وأقام في الملك تسعا وعشرين سنة ثم توفي

فملك بعده ابنه منشا خمسا وخمسين سنة ثم توفي
فملك بعده ابنه أمون سنتين وقيل ثنتي عشرة سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يوشيا إحدى وثلاثين سنة وجدد عمارة بيت المقدس ثم توفي
فملك بعده ابنه يهوياجور ثلاثة أشهر وغزاه فرعون مصر فأخذه أسيرا
وملك بعده أخوه يهو ياقيم إحدى عشرة سنة ودخل تحت طاعة بخت نصر ثم استخلف بخت نصر مكانه ابنه يخنيو بن يهو ياقيم فأقام مائة يوم
ثم استخلف مكانه عمه صدقيا إحدى عشرة سنة فأقام على طاعة بخت نصر تسع سنين ثم عصى عليه فجهز إليه جيشا ففتح المقدس بالسيف وحرقه وهدم بيت المقدس الذي بناه سليمان عليه السلام وأخذ صدقيا المذكور أسيرا وهو آخر من ملك منهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد ) الآية

الطبقة الثالثة ملوكها من الفرس
قد تقدم في الكلام على ملوك مصر أن بخت نصر كان نائبا لبهراسف ملك الفرس إلى حين غلبته على الشام فاستقر الشأم في مملكة الفرس مع مصر من لدن بهراسف المذكور إلى غلبة الإسكندر على دارا ملك الفرس على ما تقدم في الكلام على ملوك مصر وفي خلال ذلك عمر بيت المقدس بعد أن بقي سبعين سنة خربا من تخريب بخت نصر واختلف فيمن عمره فقيل أردشير وقيل ابنه

دارا واليهود تسمي الذي عمره من الفرس كيرش ويقال كورش

الطبقة الرابعة ملوكها من اليونان
وأول من ملك الشأم منهم الإسكندر بن فيلبس حين ظهر على ملوك الفرس مضافا إلى مصر وبقي على ذلك حتى مات فملك بعض الشام مع العراق انطياخس وملك بعضه مع مصر البطالسة من ملوك اليونان من ولد بطليموس المنطيقي إلى حين انقراضهم بقتل أغشطش ملك الروم قلوبطرا آخر ملوكهم بمصر على ما تقدم ذكره في الكلام على ملوك الديار المصرية
الطبقة الخامسة ملوكها من الروم
وأول من ملكها منهم أغشطش المقدم ذكره حين غلب على قلوبطرا آخر ملوكهم وبقي بأيدي الروم إلى حين الفتح الإسلامي يتداولونه مع مصر ملكا بعد ملك على ما تقدم في الكلام على ملوك الديار المصرية
القسم الثاني من ملوك الشام ملوكه في الإسلام وهم على ضربين الضرب الأول عمال الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من نواب الخلفاء إلى حين استيلاء الملوك عليه
وأول من وليه في الإسلام أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عند فتحه في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم صرف عنه ووليه

معاوية بن أبي سفيان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا فبقي إلى أن سلم الحسن إليه الأمر ونزل له عن الخلافة في سنة إحدى وأربعين من الهجرة وتوالت عليه خلفاء بني أمية واختاروه دارا لخلافتهم من لدن معاوية وإلى انقراض دولتهم بقتل مروان بن محمد آخر خلفائهم على ما تقدم ذكره في الكلام على من ولي الخلافة
ثم كانت دولة بني العباس فوليها في خلافة السفاح عمه عبد الله بن علي ابن عبد الله بن عباس في سنة اثنتين وثلاثين ومائة فبقي أيام السفاح وبعض أيام المنصور بعده ثم صرفه المنصور بولاية أبي مسلم الخراساني الشام ومصر في سنة سبع وثلاثين ومائة ثم قتله المنصور بعد ذلك في السنة المذكورة توالى عليه بعد ذلك عمال خلفاء بني العباس إلى أن وليها عبد الصمد بن علي ثم عزله الرشيد وولى مكانه إبراهيم بن صالح بن علي ثم توالت عليه العمال إلى أن غلب عليه أحمد بن طولون مع مصر على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى

الضرب الثاني من وليها ملكا
قد تقدم أن القواعد العظام بالشأم ست قواعد وهي دمشق وحلب وحماة وأطرابلس وصفد والكرك وكل قاعدة من القواعد الست تشتمل على مملكة
فأما دمشق فأول ملوكها أحمد بن طولون صاحب مصر بعد موت مقطعها أماجور في سنة أربع وستين ومائتين وذلك أول اجتماع مصر والشأم

لملك واحد في الإسلام ثم ملكها بعده مع مصر ابنه خمارويه ثم هارون بن خمارويه وكان طغج بن جف نائبا عنهما بها وفي أيام هارون تغلبت القرامطة على دمشق ثم انتزعها منهم المكتفي بالله خليفة بغداد في سنة إحدى وتسعين ومائتين وأقام عليها أحمد بن كيغلغ أميرا فبقي بها بقية أيام المكتفي ثم أيام المقتدر ثم أيام الظاهر فلما ولي الراضي الخلافة عزله عنها في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة وولى عليها الأخشيد وهو محمد بن طغج بن جف وذلك قبل أن يلي مصر في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة فاستناب على دمشق بدرا الأخشيدي فانتزعها منه محمد بن رائق في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة واستخلف عليها أبا الحسين أحمد بن علي بن مقاتل في سنة تسع وعشرين وثلثمائة ثم انتزعها منه الأخشيد المقدم ذكره بعد ذلك وبقيت معه حتى مات في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فوليها بعده ابنه انوجور وهو صغير وقام بتدبير دولته كافور الأخشيدي الخادم ثم انتزعها منه سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب الآتي ذكره ثم انتزعها منه كافور الأخشيدي المقدم ذكره وولى عليها بدرا الأخشيدي الذي كان بها أولا فأقام بها سنة ثم وليها أبو المظفر بن طغج ثم لما مات أنوجور بن طغج ملكها مع مصر أخوه علي بن طغج ثم كافور بعده ثم أحمد بن علي بن الأخشيد بعده وهو آخر من ملك منهم على ما تقدم في الكلام على ملوك مصر
ثم كانت الدولة الفاطمية بمصر فملكها جوهر قائد المعز الفاطمي وخطب بها لمولاه المعز وأذن بحي على خير العمل في سنة تسع وخمسين

وثلثمائة وقطعت الخطبة العباسية منها وأقام بها جعفر بن فلاح نائبا ثم تغلبت القرامطة عليها في سنة ستين وثلثمائة ثم اقتلعها منهم المعز وولى عليها ريان الخادم ثم غلب عليها افتكين مولى معز الدولة بن بوية الديلمي وقطع الخطبة منها للمعز الفاطمي وخطب لخليفة بغداد في سنة أربع وستين وثلثمائة ثم انتزعها المعز الفاطمي بعد ذلك وقبض عليه وأحضره معه إلى مصر ثم بعد موت المعز وولاية ابنه العزيز تغلب عليها شخص اسمه قسام إلا أنه كان يخطب فيها للعزيز ثم انتزعها منه العزيز وقرر فيها بكتكين في سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة ثم انتزعها منه بكجور مولى قرعوية صاحب حلب بأمر العزيز الفاطمي صاحب مصر في سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة ثم انتزعها منه وقرر فيها منيرا الخادم في سنة سبع وسبعين وثلثمائة ثم استعمل الحاكم بن العزيز الفاطمي عليها أبا محمد الأسود في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة ثم انتزعها منه أنوش تكين الدزبري بأمر المستنصر الفاطمي في سنة تسع وعشرين وأربعمائة ثم أمر بالخروج عن

طاعته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة فخرج عنها وفسد أمرها بذلك ثم تغلب عليها أتسز بن أرتق الخوارزمي أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي في سنة ثمان وستين وأربعمائة وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي العباسي ومنع من الأذان بحي على خير العمل ولم يخطب بعد ذلك بالشام لأحد من الفاطميين ثم غلب عليها تتش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وملكها في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتوفي فملكها بعده ابنه دقاق وأشرك معه في الخطبة أخاه رضوان صاحب حلب مقدما لرضوان في الذكر في الخطبة بعد حرب جرت بينهما وتوفي دقاق سنة تسع وتسعين وأربعمائة فخطب طغتكين أتابك دولته لابن دقاق وهو طفل عمره سنة واحدة ثم قطع الخطبة له وخطب لعمه بلتاش بن تتش ثم قطع الخطبة لبتاش وأعاد الخطبة للطفل وهو آخر من خطب له بدمشق من بني سلجوق ثم استقر طغتكين المقدم ذكره في ملك دمشق بنفسه وبقي حتى توفي في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وملك بعده ابنه تاج الملوك توري بعهد من أبيه وتوفي سنة ست وعشرين وخمسمائة وملك بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل بعهد من أبيه
ثم ملك بعده أخوه شهاب الدين محمود بن توري فبقي حتى قتل في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وملك بعده ابنه مجير الدين أرتق وفي أيامه تغلبت الفرنج على ناحية دمشق

ثم انتزعها منهم الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي المعروف بنور الدين الشهيد وملكها في سنة تسع وأربعين وخمسمائة واجتمع له ملك سائر الشام معها وهو الذي بنى أسوار مدن الشام حين وقعت بالزلازل كدمشق وحماة وحمص وحلب وشيرز وبعلبك وغيرها وتوفي فملك بعده ابنه الملك الصالح إسماعيل وعمره إحدى عشرة سنة وبقي بها حتى انتزعها منه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر في سنة سبعين وخمسمائة وقرر فيها أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب ثم استخلف عليها السلطان صلاح الدين بعد ذلك ابن أخيه عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب في سنة ست وسبعين وخمسمائة ثم صرفه عنها وقرر فيها ابنه الملك الأفضل نور الدين عليا وهو الذي وزر له الوزير ضياء الدين بن الأثير صاحب المثل السائر
ثم انتزعها منه أخوه الملك العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين صاحب مصر بعد وفاة أبيه بمعاضدة عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة والخليفة يومئذ ببغداد الناصر لدين الله وكان يميل إلى التشيع فكتب إليه الأفضل علي يستجيشه على أخيه العزيز عثمان وعمه العادل أبي بكر من شعره
( مولاي إن أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غضبا بالسيف حق علي )
( فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول )
فكتب إليه الناصر لدين الله في جوابه
( غصبوا عليا حقه إذ لم يكن ... بعد النبي له بيثرب ناصر )
( فاصبر فإن غدا عليك حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام الناصر )
ولكنه لم يجاوز القول إلى الفعل ثم سلمها العزيز بعد ذلك لعمه العادل أبي بكر فقرر فيها ابنه الملك المعظم عيسى مضافة إلى ما بيده من الكرك والشوبك وكان يخطب فيها لأبيه العادل ثم لأخيه الكامل محمد صاحب مصر وبقي حتى توفي في سنة أربع وعشرين وستمائة وملك بعده ابنه الملك الناصر

صلاح الدين داود وهو صغير
ثم انتزعها منه الملك الناصر محمد بن العادل أبي بكر صاحب مصر واستخلف فيها أخاه الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل أبي بكر فبقي حتى توفي في سنة خمس وثلاثين وستمائة
وملكها بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بعهد منه فانتزعها منه الملك الكامل بن العادل أبي بكر في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة وتوفي في السنة المذكورة
فملك بعده الملك الجواد يونس بن مودود بن العادل أبي بكر
ثم انتزعها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن العادل أبي بكر في سنة ست وثلاثين وستمائة ثم أقام فيها الملك المغيث فتح الدين عمر نائبا عنه
ثم انتزعها منه الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر صاحب بعلبك في سنة سبع وثلاثين وستمائة
ثم انتزعها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد صاحب مصر وتسلمها له معين الدين بن الشيخ في سنة ثلاث وأربعين وستمائة وتوفي قبل أن يتسلمها فتسلمها له حسام الدين بن أبي علي في السنة المذكورة ولم تزل بيد نواب الصالح أيوب حتى مات في سنة سبع وأربعين وستمائة
ثم ملكها بعد وفاته الملك الناصر يوسف بن العزيز محمد صاحب حلب في سنة ثمان وأربعين وستمائة فبقي بها إلى أن غلب عليها هولاكو في سنة

ثمان وخمسين وستمائة وكان آخر أمر الناصر المذكور أنه لحق بهولاكو المذكور فأقام عنده مدة ثم قتله
ثم كانت الدولة التركية فملكها منهم الملك المظفر قطز صاحب مصر حين غلبته التتار على عين جالوت ثم توالى عليها نواب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى سلطنة الناصر فرج بن الظاهر برقوق في زماننا على ما تقدم ذكره في الكلام على ملوك الديار المصرية ولم أقف علىأسماء نوابها لطول المدة وقلة اعتناء المؤرخين بذكر أسمائهم
وأما حلب فقد تقدم أن منزل الجند في ابتداء الإسلام كان بقنسرين ثم طرأت عليها حلب بعد ذلك وأضعفتهاولعل ابتداء أمرها كان في ابتداء الدولة الطولونية وقد كان أحمد بن طولون استولى عليها حين استيلائه على دمشق وصارت في ملكه تبعا للديار المصرية كدمشق وكان بها نوابه ثم نواب ابنه خمارويه ثم نواب جيش بن خماروية ثم هارون بن خمارويه في نيابة طغج ابن جف عن هارون وجيش المذكورين ثم كانت مع دمشق في نيابة أحمد بن كيغلغ ثم في نيابة الأخشيد محمد بن طغج بن جف قبل أن يلي مصر ثم في نيابة بدر الأخشيدي على ما تقدم في الكلام على مملكة دمشق
ثم انتزعها من بدر الأخشيدي سيف الدولة بن حمدون التغلبي الربعي وملكها في سنة ثلاث وثلثمائة وبقي بها حتى توفي في سنة ست وخمسين وثلثمائة وملكها بعده ابنه سعد الدولة أبو المعالي شريف
ثم انتزعها منه قرعوية غلام أبيه في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ثم غلب عليها بكجور غلام قرعوية المذكور بعد ذلك واقتلعها منه

ثم انتزعها منه سعد الدولة المقدم ذكره ثم تقلد بها أبو علي بن مروان من الخليفة الفاطمي يومئذ بمصر في سنة ثمانين وثلثمائة ولم يدخلها وبقيت بيد سعد الدولة المذكور حتى توفي بالفالج في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة
ثم ملك بعده ابنه أبو الفضل مكانه
ثم انتزعها منه أبو نصر بن لؤلؤ وخطب بها للحاكم الفاطمي ثم أمره الحاكم بتسليمها إلى نوابه بها فتسلموها منه واستقرت بأيديهم حتى انتهت إلى نائب من نوابه اسمه عزيز الملك فبقي بها بقية أيام الحاكم وبعض أيام ابنه الظاهر ثم وليها عن الظاهر رجل يقال له ابن شعبان ثم تغلب عليها صالح بن مرداس أمير بني كلاب في سنة أربع وعشرين وأربعمائة ثم قتل في أيام الظاهر الفاطمي فملكها بعده شبل الدولة نصر بن صالح
ثم انتزعها منه أنوش تكين الدزبري بأمر المستنصر العلوي في شعبان سنة تسع وعشرين وأربعمائة وبقي حتى توفي في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وملكها بعده معز الدولة ثمال بن صالح بن مرداس ثم ملك قلعتها بعد ذلك في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ثم تسلمها منه مكين الدولة الحسن بن علي بن ملهم في سنة تسع وأربعين وأربعمائة بصلح وقع بينه وبين الفاطميين على ذلك
ثم انتزعها منه محمود بن شبل الدولة بن صالح المقدم ذكره وملك قلعتها في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
ثم انتزعها منه معز الدولة ثمال بن صالح في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة وبقي بها حتى توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة
وملكها بعده أخوه عطية بن صالح في السنة المذكورة
ثم انتزعها منه ابن اخيه محمود بن شبل الدولة المقدم ذكره في رمضان

سنة أربع وخمسين وأربعمائة وبقي بها حتى توفي في ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة
وملكها بعده ابنه نصر بن محمود ثم قتله التركمان
وملكها بعده أخوه سابق بن محمود
ثم انتزعها منه شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وقتل في صفر سنة سبع وسبعين وأربعمائة
وملكها بعده أخوه إبراهيم بن قريش
ثم انتزعها منه تتش بن ألب أرسلان السلجوقي صاحب دمشق في السنة المذكورة
ثم انتزعها منه السلطان ملكشاه السلجوقي وسلمها إلى قسيم الدولة اقسنقر ثم استعادها تتش بن ألب أرسلان القمدم ذكره بعد موت ملكشاه واستضافها إلى دمشق وانبسط ملكه حتى ملك بعد ذلك أذربيجان وبقي حتى قتل في صفر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
وملكها بعده ابنه رضوان في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وبقي حتى توفي في سنة سبع وخمسمائة
وملكها بعده ابنه سلطان شاه بن رضوان
ثم انتزعها منه ايلغازي بن أرتق صاحب ماردين وسلمها إلى ولده حسام

الدين تمرتاش ثم غلب عليها سليمان بن أرتق وعصى بها على أبيه فانتزعها أبوه منه وسلمها إلى ابن أخيه سليمان بن عبد الجبار بن أرتق في رمضان سنة ست وعشرة وخمسمائة
ثم انتزعها منه عمه بلك بن بهرام بن أرتق وبقي بها حتى قتل في سنة سبع عشرة وخمسمائة وملكها بعده ابن عمه تمرتاش بن ايلغازي في ربيع الأول من السنة المذكورة ثم حاصرها الفرنج وهي في يده فخلصها منهم أقسنقر البرسقي صاحب الموصل وملكها مع ماردين في السنة المذكورة وبقي حتى قتلته الباطنية في سنة عشرين وخمسمائة
وملكها بعده ابنه عز الدين مسعود واستخلف بها اميرا من أمرائه اسمه قايماز ثم استخلف عليها بعده رجلا اسمه كيغلغ
ثم انتزعها منه سليمان بن عبد الجبار بن أرتق المقدم ذكره
ثم انتزعها منه عماد الدين زنكي صاحب الموصل في المحرم سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وملك معها حماة وحمص وبعلبك وبقي حتى قتله غلمانه في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
ثم ملك بعده ابنه الملك العادل نور الدين محمود وبقي إلى أن توفي
وملك بعده ابنه الصالح إسماعيل فبقي بها بعد ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق حتى توفي بها في سنة سبع وسبعين وخمسمائة
وملكها بعده بوصية منه ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن مودود في السنة المذكورة
ثم انتزعها منه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة وقرر فيها ابنه الظاهر غياث الدين غازي
ثم انتزعها منه وسلمها لأخيه العادل أبي بكر بن أيوب في السنة المذكورة ثم أعاد إليها ابنه الظاهر غازي المقدم ذكره في سنة اثنتين وثمانين

وخمسمائة فبقي بها حتى توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة
وملكها بعده ابنه الملك العزيز محمد فبقي بها حتى توفي في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة
ثم ملكها بعده ابنه الملك الناصر يوسف وعمره سبع سنين ولم تزل بيده حتى استولت عليها التتار في سنة ثمان وخمسين وستمائه
ثم كانت الدوله التركية فكان أول من ملكها من ملوك الترك المظفر قطز حين كسر التتار على عين جالوت على ما تقدم ذكره في الكلام على مملكة دمشق ثم توالى عليها نواب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى زماننا في سلطنة الناصر فرج بن الظاهر برقوق على ما تقدم ذكره في الكلام على مملكة الديار المصرية
وأما حماة فقد تقدم في الكلام على قواعد الشام أن الذكر في القديم إنما كان لحمص وإنما تنبهت حماة في الذكر في الدولة الأتابكية عماد الدين زنكي وذلك أن حماة كانت تبعا لغيرها من الممالك تارة تضاف إلى دمشق وتارة إلى حلب
فكانت مع دمشق بيد طغتكين أتابك دولة رضوان بن تتش السلجوقي في سنة تسع وخمسمائة
ثم انتزعها منه السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي في السنة المذكورة وسلمها للأمير فيرخان بن قراجا
ثم ملكها توري بن طغتكين وقرر بها ابنه سونج فبقيت بيده حتى انتزعها منه عماد الدين زنكي في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة
ثم انتزعها منه بعد ذلك تاج الملوك إسماعيل بن توري بن طغتكين السلجوقي في سنة سبع وعشرين وخمسمائة
ثم ملكها العادل نور الدين محمود بن زنكي مع دمشق وحلب وغيرهما

في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ثم صارت بعده مع غيرها من البلاد الشامية إلى ابنه الصالح إسماعيل فبقيت بيده حتى انتزعها منه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة سبعين وخمسمائة وقرر فيها خاله شهاب الدين الحارمي ثم قرر فيها أخاه تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب في سنة أربع وسبعين وخممسائة فبقيت بيده حتى توفي في سنة سبع وثمانين وخمسمائة
فوليها بعده ابنه الملك المنصور ناصر الدين محمد فبقي بها حتى انتزعها منه أخوه الملك المظفر محمود في سنة ست وعشرين وستمائة فبقي بها حتى توفي في سنة ثلاث وأربعين وستمائة
ووليها بعده ابنه الملك المنصور محمد فبقي حتى غلب عليها هولاكو ملك التتار مع دمشق وحلب وغيرهما فقرر بها المظفر قطز صاحب مصر بعد هزيمة التتار فبقي بها حتى توفي في سنة ثلاث وثمانين وستمائة
فوليها بعده ابنه المظفر شادي عن المنصور قلاوون صاحب مصر بعهد منه وبقي بها حتى توفي في سنة ثمان وتسعين وستمائة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية
فولى الملك الناصر مكانه قراسنقر أحد أمرائه نائبا عليها وكان العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة قد استقر نائبا بصرخد فنقله الملك الناصر محمد بن قلاوون إليها بعد هزيمة غازان ملك التتار وجعله نائبا بها في سنة اثنتين وسبعمائة ومات بعد ذلك
فولى الملك الناصر مكانه في نيابتها قبجق أحد أمرائه ثم صرفه عنها وولى مكانه أستدمر الكرجي ثم صرفه عنها بعد عوده من الكرك
وولى فيها الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن المظفر عمر سلطنة على عادة من تقدمه فيها من الملوك الأيوبية وكتب له بذلك عهدا عنه فبقي بها إلى أن توفي في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة

فولى السلطان الملك الناصر مكانه ابنه الملك الأفضل محمد وكتب له بذلك عهدا أيضا فبقي بها حتى أزله قوصون أتابك العساكر في سلطنة المنصور أبي بكر بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
وولى مكانه الأمير طقزدمر نائبا بها واستقرت نيابة إلى الآن يتوالى عليها نواب ملوك مصر نائبا بعد نائب إلى زماننا كغيرها من الممالك الشامية وانقطعت مملكة بني أيوب من الشام بذلك
وأما أطرابلس فكان قد تغلب عليها قاضيها أبو علي بن عمار وملكها وطالت مدته فيها
ثم انتزعها منه المستنصر الفاطمي خليفة مصر مع غيرها من السواحل الشامية فبقيت بيده حتى غلب عليها القومص فملكها في سنة ثلاث وخمسمائة فبقيت في أيدي الفرنج من حينئذ إلى ان فتحها الملك المنصور قلاوون أحد ملوك الديار المصرية في سنة ثمان وثمانين وستمائة بعد ان مضى عليها في يد الفرنج مائة وخمس وثمانون سنة وأعجز فتحها من مضى من ملوك بني أيوب فمن بعدهم ومن حين فتحها جعلت نيابة وتوالى عليها نواب ملوك مصر من لدنه إلى زماننا
وأما صفد فقد تقدم في الكلام على قواعد الممالك الشامية أنها كانت في القديم قرية وأن الفرنج الدموية بنتها واستحدثت حصنها في سنة خمس وسبعين وأربعمائة

ثم فتحها الظاهر بيبرس بعد ذلك في رابع عشر شوال سنة أربع وستين وستمائة وقرر بها الأمير كيغلدي العلائي نائبا وتوالى عليها بعد ذلك نواب ملوك مصر من لدن الظاهر بيبرس وإلى زماننا في سلطنة الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق
وأما الكرك فقد تقدم أن قلعتها كانت ديرا لرهبان وكانت بيد الفرنج وأن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فتحها وقرر فيها أخاه الملك العادل أبا بكر بن أيوب فبقيت بيده إلى أن مات السلطان صلاح الدين فقرر فيها ابنه الملك المعظم عيسى فبقيت في يده إلى أن استضاف إليها دمشق وتوفي في سنة أربع وعشرين وستمائة
وملكها بعده ابنه الملك الناصر صلاح الدين داود في سنة ست وعشرين وستمائة وبقي إلى سنة سبع وأربعين وستمائة فاستخلف عليها ابنه الملك المعظم عيسى بعد أن أخذ منه غالب بلاده وفر بنفسه
ثم انتزع الصالح نجم الدين أيوب الكرك من المعظم عيسى بن الناصر داود في السنة المذكورة وأقام بها بدر الدين الصوابي نائبا عنه وبقي الناصر داود بعد ذلك مشردا في البلاد إلى أن مات في سنة خمس وخمسين وستمائة وكان من أهل العلم والورع وله شعر رائق منه
( ألا ليت أمي أيم طول دهرها ... ولم يقضها ربي لمولى ولا بعل )
( ويا ليتها لما قضاها لسيد ... لبيب أريب طيب الفرع والأصل )
( قضاها من اللاتي خلقن عواقرا ... ولا بشرت يوما بانثى ولا فحل )
( ويا ليتها لما غدت بي حاملا ... أصيب من احتفت عليه من الحمل )

( ويا ليتني لما ولدت وأصبحت ... تشد إلي الشدقميات بالرحل )
( لحقت بأسلافي فكنت ضجيعهم ... ولم أر في الإسلام ما فيه من ثكل )
وكان الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب معتقلا بالشوبك فأخرجه الصوابي نائب الملك الصالح وملكه الكرك فبقي بها حتى قبض عليه الملك الظاهر بيبرس وقتله في سنة إحدى وسبعين وستمائة وهو آخر من ملكها من بني أيوب
قلت وأما غير هذه الممالك كحمص وبعلبك فإنما كانت في الغالب تبعا لغيرها حتى إن حمص وبعلبك حين استولت التتار على الشام في آخر الدولة الايوبية كانتا مضافتين إلى دمشق
واعلم أن غالب أطراف البلاد الشامية ومضافاتها كانت بأيدي ملوك متفرقة من قديم الزمان وبعضها حدث انفراده ثم تنقلت بها الأحوال حتى استولى على كثير منها أهل الكفر وصارت بأيديهم إلى أن قيض الله تعالى لها من فتحها ثم استعاد أهل الكفر منها ما استعادوا ثم فتح ثانيا على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى
من ذلك القدس كانت بيد تتش بن ألب أرسلان السلجوقي صاحب دمشق المتقدم ذكره كان قد أقطعها للأمير أرتق جد ملوك ماردين الآن فلما توفي أرتق المذكور صار القدس لولديه ايلغازي وسقمان وبقي بيديهما إلى أن انتزعه منهما المستنصر الفاطمي في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وبقي بيده إلى أن ملكه الفرنج منه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بعد أن بذلوا السيف في المسلمين نحو سبعة أيام وقتلوا في المسجد الأقصى ما يزيد على تسعين ألف

نفس وبقي بيديهم حتى فتحه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة أربع وثمانين وخمسمائة ثم استعاده الفرنج من الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بمهادنة جرت بينهم في سنة ست وعشرين وستمائة
ثم انتزعه منهم الملك الناصر داود صاحب الكرك في سنة سبع وثلاثين وستمائة
ثم سلمه الصالح إسماعيل صاحب دمشق والناصر داود صاحب الكرك المتقدم ذكره للفرنج بعد ذلك ليكونوا عونا لهما على الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر في سنة إحدى وأربعين وستمائة
ثم فتحه الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر واقتلعه من أيديهم في سنة اثنتين وأربعين وستمائة فاستمر بأيدي المسلمين إلى الآن
ومن ذلك بلاد السواحل الشامية كانت بأيدي أناس متفرقة
فأما أطرابلس وصفد فقد تقدم الكلام عليهما في الكلام على ملوك الممالك الشامية وأما غيرهما من بلاد السواحل وما والاها فإن غالبها كان بيد الفاطميين خلفاء مصر إلى أن ضعفت دولتهم في أيام المستنصر أحد خلفائهم فقصدت الفرنج هذه السواحل من كل جهة واستولوا على بلادها شيئا فشيئا
فاستولوا على عكا وجبيل في سنة تسع وتسعين وأربعمائة وعلى صيدا في سنة أربع وخمسمائة واستشرى فسادهم حتى ملكوا بيروت وعسقلان وصور وأنطرسوس والمرقب وأرسوف واللاذقية ولدا والرملة ويافا ونابلس وغزة وبيت لحم وبيت جبريل وغير ذلك من بلاد السواحل وما جاورها فبقيت في أيديهم حتى فتحها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فيما بين الثلاث والثمانين والخمسمائة إلى الثمان والثمانين والخمسمائة
ثم عقد الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ثمان وثمانين على أن تكون يافا وأرسوف وعكا وقيسارية وأعمالها بيد الفرنج وأن تكون لد والرملة مناصفة بينهم

وبين المسلمين
ثم استولوا على بيروت في سنة أربع وتسعين وخمسمائة ثم وقعت الهدنة بعد ذلك بين الفرنج وبين العادل أبي بكر بن أيوب في سلطنته في سنة إحدى وستمائة على أن تستقر بيد الفرنج يافا وتترك لهم مناصفة لد والرملة
ثم استعاد الفرنج عكا في سنة أربع عشرة وستمائة في أيام العادل أبي بكر المذكور
ثم استولوا على صيدا وما معها في أيام ابنه الكامل محمد في سنة ست وعشرين وستمائة قبل تسلميه القدس لهم
ثم سلمهم الصالح إسماعيل صاحب دمشق صفد والشقيف على أن يعاونوه على الصالح أيوب صاحب مصر في سنة ثمان وثلاثين وستمائة
ثم سلمهم الصالح إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك عسقلان وطبرية حين سلماهم القدس في سنة إحدى وأربعين وستمائة
ثم فتح الصالح أيوب صاحب مصر غزة واستولى عليها في سنة اثنتين وأربعين وستمائة
ثم فتح الظاهر بيبرس في سنة اثنتين وستين وستمائة قيسارية وأرسوف وصفد ويافا في سنة أربع وستين وستمائة وفتح صهيون في سنة ست وستين وستمائة وأطرابلس في سنة ثمان وثمانين
ثم فتح ابنه الأشرف خليل عكا في سنة تسعين وستمائة وتتابعت فتوحه ففتح صيدا وبيروت وعثليث في السنة المذكورة وبفتوحه تكاملت بلاد السواحل بأجمعها ولما فتحت هدمت جميعها خوفا أن يملكها الفرنج ثانيا وبقيت بأيدي المسلمين إلى الآن

ومن ذلك أنطاكية التي هي قاعدة العواصم فإنها كانت بيد باغي سيان ابن محمد بن ألب أرسلان السلجوقي إلى أن غلب عليها الفرنج في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وقتلوا باغي سيان المذكور وقتل فيها ما يزيد على مائة ألف نفس بعد حصار تسعة أشهر وملكوا معها كفر طاب وصهيون والشغر وبكاس وسرمين والدربساك وغيرها من بلاد حلب وبالغوا حتى جاوزوا الفرات إلى بلاد الجزيرة وملكوا الرها وسروج وغيرهما من بلادها حتى فتح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الشغر وبكاس وسرمين وغيرها في سنة أربع وثمانين وخمسمائة
ثم استعادتها الفرنج بعد فتحه ثم فتح أنطاكية الظاهر بيبرس في سنة ست وستين وستمائة فبقيت في أيدي المسلمين إلى الآن
ومن ذلك باقي بلاد الثغور والعواصم كآياس وأذنة والمصيصة وطرسوس وبغراس وبهسني والدربساك وسيس وغيرها من بلاد الثغور فإن الأرمن وثبوا عليها قبل الأربعمائة واستولوا على نواحيها ومنعوا ما كانوا يؤدونه من الإتاوة للمسلمين واستضافوا إلى ذلك قلعة الروم وما قاربها فبقيت في أيديهم حتى فتح الظاهر بيبرس بغراس وبهسنى والدربساك وغيرها وانتزعها من الأرمن في سنة ثمان وستين وستمائة
وفتح الأشرف خليل بن قلاوون قلعة الروم وانتزعها من يد خليفتهم في سنة إحدى وتسعين وستمائة وسماها قلعة المسلمين على ما تقدم في الكلام على الأعمال الحلبية
وفتح الناصر محمد بن قلاوون في سلطنتة الثالثة آياس وما والاها

في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
وفتح الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون سيس وسائر بلاد الأرمن على يد قشتمر المنصوري نائب حلب
ومن ذلك قلاع الدعوة التي هي الآن من أعمال طرابلس وهي مصياف والعليقة والمنيقة والكهف والقدموس والخوابي فإنها كانت بأيدي الإسماعيلية المعروفين الآن بالفداوية قبل دخلوهم في طاعة ملوك الديار المصرية فبقيت بأيديهم حتى انتزعها منهم الملك الظاهر بيبرس في سنة ثمان وستين وستمائة وانتزع منهم العليقة في سنة تسع وستين
ثم انتزعت منهم باقي القلاع في سنة إحدى وسبعين ودخلوا تحت طاعة ملوك مصر من حينئذ وصاروا شيعة لهم
وهذا آخر ما يحتمله الكتاب مما يحتاج إلى معرفته
الطرف الثالث من الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر احوال المملكة الشامية وفيه مقصدان المقصد الأول في ترتيب نياباتها على ما هي مستقرة عليه
قد تقدم أن الممالك المعتبرة بالبلاد الشامية ست ممالك في ست قواعد وكل مملكة منها قد صارت نيابة سلطنة مضاهية للمملكة المستقلة

النيابة الأولى نيابة دمشق وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر أحوالها في
المعاملات ونحوها
أما الأثمان المتعامل بها فيها فعلى ما تقدم في الكلام على معاملات الديار المصرية من المعاملة بالدنانير المصرية ونحوها وزنا والدنانير الافرنتية عدا والدراهم النقرة وزنا لا تختلف النقود في ذلك إلا أن الصنجة في أوزان الذهب بالديار المصرية تخالف الصنجة الشامية في ذلك فتنقص الصنجة الشامية عن المصرية كل مائة مثقال وربع مثقال وتنقص صنجة الدراهم الشامية عن الصنجة المصرية كل مائة درهم درهم والمعاملة فيها بفلوس صغار وكان يتعامل بها في الديار المصرية في الزمن الأول قبل ضرب الفلوس الجدد حسابا عن كل درهم أربعة وستون فلسا وكل أربعة فلوس منها يعبر عنها عندهم بحبة ثم راجت الفلوس الجدد عندهم بعد سنة ثنتين وثمانمائة إلا أن كل بدرهم بخلاف ما تقدم في الديار المصرية من أن كل أربعة وعشرين فلسا منها بدرهم

وأما رطلها الذي يعتبر به موزوناتها فستمائة درهم بدرهمهم المتقدم تقديره وأواقية إثنتا عشرة أوقية كل أوقية خمسون درهما
وأما كيلها الذي يعتبر به مكيلاتها فبالغرارة وهي اثنا عشر كيلا كل كيل ستة أمداد ينقص قليلا عن ربع الويبة المصري ونسبة الإردب من الغرارة أن كل غرارة ومد ونصف ثلاثة أرادب بالكيل المصري تحريرا على الدمشقي ثم قال لكن كيل دمشق ورطلها هو المعتبر وإليه المرجع
وأما قياس قماشها فبذراع يزيد على ذراع القماش بالقاهرة بنصف سدس ذراع وهو قيراطان
وأما قياس أرض الدور بها وما في معناها فإنه يعتبر بذراع العمل المتقدم الذكر في الديار المصرية
وأما سعرها فقال في مسالك الأبصار سعر اللحم بها أرخص من مصر والدجاج والإوز أغلى من مصر وكذلك السكر ولم يتعرض لغير ذلك ولا خفاء في أن الفاكهة فيها أرخص من مصر بالقدر الكبير والقمح والشعير والباقلاء نحو من سعر مصر وذلك كله عند اعتدال الأسعار أما حالة الغلاء فيختلف الحال بحسبه

الجملة الثانية في ترتيب مملكتها وهو ضربان الضرب الأول في ترتيب حاضرتها
أما جيوشها فعلى ما تقدم في الديار المصرية في اجتماعها من الترك

والجركس والروم والروس والآص وغير ذلك من الأجناس المضاهية للترك في الزي ويزيد بها التركمان المتميزون عن صفة الترك وزيهم وجندها ينقسمون إلى ما تقدم في الديار المصرية من الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشرات ومن بين المقدمين والطبلخانات كأمراء السبعين والخمسين وما بين العشرات والطبلخانات كالعشرينات ونحوهم وكذلك مقدموا الحلقة وجندها ولا وجود فيها للمماليك السلطانية لأنهم لا يكونون إلا بحضرة السلطان وقد أخبرني من له خبرة بحال مملكتها أن الأمراء المقدمين بها كانوا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون عشرة غير النائب بها وربما نقصوا الآن عن ذلك وأن أمراء الطبلخانات بها كانوا إذ ذاك أربعين وأنهم الآن نيف وخمسون وأن أمراء العشرات كانوا بها ألفين ومائة وخمسين بما فيهم من البحرية
وأما إقطاعاتها فقال في مسالك الأبصار إن إقطاعاتها لا تقارب إقطاعات مصر بل تكون على الثلثين منها إلا في أكابر الأمراء المقربين بحضرة السلطان فإن إقطاعاتهم خارجة عن العادة فلا يعتد بها قال ولا أعرف بالشأم ما يقارب ذلك إلا ما هو لنائب دمشق
وأما بيوتاتها السلطانية فقال في مسالك الأبصار بها خزانة تخرج منها الإنعامات والخلع وخزائن سلاح وزردخاناه وبيوت تشتمل على

حاشية سلطانية مختصرة حتى لو جهز السلطان إليها جريدة وجد بها من كل الوظائف القائمة بدولته قال وكل أمير أمر فيها أو في غيرها من الشام أو رب وظيفة ولي وظيفة من عادة متوليها لبس خلعة أو خدم أحد خدمة في مهم من المهمات أو أمر من الأمور يستوجب خلعه أو إنعاما ولم يخلع عليه من مصر كان من دمشق خلعته وإنعامه ومنها تخرج أعلام الإمرة وطلائعهن وشعار الطبلخانات وفي خزائن السلاح بها تعمل المجانيق والسلاح ويحمل إلى الشام وتعمر به البلاد والقلاع ومن قلعهتا تجرد الرجال وأرباب الصنائع إلى جميع قلاع الشام وتندب في التجاريد والمهمات
قلت أما باقي البيوت كالفراش خاناه والإصطبلات السلطانية وما شاكلها فلا وجود لها فيها مما ينسب إلى السلطان بل يكون ذلك للنائب قائما مقام السلطان لأنه في الحقيقة السلطان الحاضر وكان بها مطابخ السكر السلطانية فأضيفت إلى من يتحدث في الأغوار من النائب أو غيره من الأمراء الأكابر

الضرب الثاني في بيان أرباب الوظائف بدمشق على تباين مراتبهم ووظائفها
المعتبرة على خمسة أصناف الصنف الأول وظائف أرباب السيوف
وهي مضاهية لوظائف أرباب السيوف بالحضرة السلطانية في كثير منها وهي عدة وظائف منها نيابة السلطنة بها وهي أجل نيابات المملكة الشامية وأرفعها في

الرتبة ونائبها يضاهي النائب الكافل بالحضرة السلطانية في الرتبة والألقاب والمكاتبة ويعبر عنه في المكاتبات السلطانية وغيرها بكافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس ويكتب له من الأبواب السلطانية تقليد شريف من ديوان الإنشاء الشريف وهو قائم بدمشق مقام السلطان في أكثر الأمور المتعلقة بنيابته ويكتب عنه التواقيع الكريمة ويكتب عنه المربعات بتعيين إقطاعات الجند وتجهز إلى الأبواب الشريفة فيشملها الخط الشريف السلطاني ويترتب حكم المربعات المصرية والمناشير على حكمها كما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعها إن شاء الله تعالى وهو يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد ومعه يكون نظر البيمارستان النوري بدمشق كما يكون نظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة مع أتابك العساكر وكذلك يكون معه نظر الجامع الأموي بها
ومنها نيابة القلعة بها وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة ليس لنائب السلطنة عليها حديث وولايتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف يكتب من ديوان الإنشاء الشريف قال في التثقيف وكان عادة نائبها في الأيام المتقدمة مقدم ألف ثم استقرت بعد ذلك طبلخاناه وهي على ذلك إلى الآن ومن شأنه حفظ القلعة وصونها ولا يسلم مفتاحها لأحد إلا لمن يتولاها مكانه أو لمن يأمره السلطان بتسليمه له ولنائبها أجناد بحرية مقيمون في القلعة لخدمته ولا يحضر هو ولا أحد منهم دار النيابة بالمدينة ولا يركبون في الغالب وقد أخبرني بعض أهل المملكة أن بالقلعة طبلا مرتبا لاستعلام أوقات الليل إذا أذن للعشاء الآخرة ضرب عليه عند مضي كل أربع درج ضربة واحدة إلى أن ينقضي ثلث الليل الأول فإذا دخل الثلث الثاني ضرب عليه عند مضي كل أربع درج ضربتين إلى انقضاء الثلث الثاني فإذا دخل الثلث الثالث ضرب عليه عند مضي كل أربع

درج ثلاث ضربات إلى أن يؤذن للصبح قال وهكذا شأن سائر القلاع بالممالك الشامية
ومنها الحجوبية وكان بها في الأيام الناصرية آبن قلاوون فيما يقال ثلاثة حجاب أحدهم حاجب الحجاب ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بأمير حاجب وعادته أن يكون مقدم ألف من الزمن القديم وهلم جرا وهو التربة الثانية من النائب ومن شأنه الجلوس بدار العدل ولا يقف كما يقف حاجب الحجاب بين يدي السلطان بالديار المصرية وإذا خرج النائب عن دمشق في مهم أو غيره كان هو نائب الغيبة عنه وإذا برز مرسوم السلطان بالقبض على نائب السلطنة بها كان هو الذي يقبض عليه ويفعل فيه ما يؤمر به من سجن أو غيره ويقوم بأمر البلد إلى أن يقام نائب آخر والحاجبان الآخران طبلخانتان أو طبلخاناه وعشرة وربما كانوا أربعة حاجب الحجاب وثلاث طبلخانات أو طبلخانتان وعشرون أو عشرة أو غير ذلك ورتبهم في المواكب أن يكون حاجب الحجاب والذي يليه في الرتبة ميمنة والثاني ميسرة ثم صاروا في الأيام الظاهرية برقوق خمسة أو ستة ولم تجر العادة بأن يكتب لأحد منهم مرسوم شريف من الأبواب الشريفة عند ولايته ولا مدخل للنائب بها في كتابة ما يوقع لأحد منهم
ومنها شد المهمات وهي رتبة جليلة وموضوعها التحدث في أمور الاحتياجات السلطانية وتارة لنائب السلطنة بدمشق وتارة لحاجب الحجاب وتارة لبعض الأمراء من المقدمين والطبلخانات بحسب ما يقتضيه رأي السلطان
ومنها نقابة القلعة بها وهي إمرة عشرة بمرسوم شريف يكتب له من الأبواب الشريفة
ومنها نقابة النقباء وهما نقيبان نقيب للميمنة ونقيب للميسرة
ومنها الخزندارية وموضوعها التحدث على الخلع والتشاريف السلطانية بالقلعة وعادتها أربعة طواشية خصيان بعضهم أعلى من بعض أحدهم في رتبة أمير طبلخاناه أو أمير عشرين والثاني دونه والثالث دون والرابع دونه

وكل منهم له توقيع كريم من نائب السلطنة بدمشق على قدر رتبته
ومنها نقابة الجيش وفيها ثلاثة نفر أكبرهم يعبر عنه بنقيب النقباء تارة يكون أمير طبلخاناه وفي غالب الأوقات أمير عشرة ودونه اثنان من جند الحلقة ويكتب لكل منهم توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته
ومنها شد الدواوين وموضوعها التحدث في استخراج الأموال السلطانية رفيقا للوزير كما في الديار المصرية وكانت في الأيام المتقدمة إمرة طبلخاناه ثم استقرت إمرة عشرة وهي الآن جندي من أجناد الحلقة ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد الأوقات وموضوعها التحدث على أوقاف المسلمين بدمشق وعادتها إمرة عشرة وربما كانت طبلخاناه ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد الخاص وعادته طبلخاناه أو عشرة أيضا
ومنها شد الزكاة وموضوعها التحدث على متجر الكارم ونحوه وكانت في الزمن المتقدم إمرة عشرة وهي الآن جندي ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد العشر وموضوعها التحدث في واصل الفرنج وكانت إمرة عشرة وهي الآن جندي ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد الطعم وهي بمثابة الوكالة بالديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وعادتها إمرة عشرة أو مقدم حلقة أو جندي ويكتب بها توقيع كريم عن النائب

ومنها ولاية المدينة وموضوعها التحدث في أمر الشرطة كما في سائر الولايات وعادتها إمرة عشرة وربما وليها جندي ويكتب بها توقيع كريم عن النائب
ومنها المهمندارية وموضوعها تلقي الرسل الواردين في أمور أخرى كما في الديار المصرية وقد أخبرني بعض أهل المملكة أنه كان بها في الأيام الناصرية ابن قلاوون في نيابة الأمير تنكز مهمندار واحد مقدم ألف ثم استقرت في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين نفرين وهي على ذلك إلى زماننا وهما الآن أمير عشرة وجندي ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته
ومنها أميراخورية البريد وموضوعها التحدث على خيول البريد بدمشق ونواحيها وأخبرني بعض أهل هذه المملكة أنه لم يزل بها أمير عشرة من الأيام الناصرية ابن قلاوون وإلى الآن
ومنها تقدمه البريد وموضوعها التحدث على جماعة البريدية بدمشق وأخبرني بعض أهل المملكة أنها كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون منحصرة في واحد من جملة البريدية ثم استقر فيها الآن اثنان إما إمرة عشرة وإمرة خمسة أو إمرة خمسة وجندي أو نحو ذلك ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر مرتبته
ومنها شدود صغار متعددة يولى بها أجناد بتواقيع لهم عن النائب كشد دار البطيخ والفاكهة وشد المسابك من الحديد والنحاس والزجاج وغير ذلك وشد المواريث الحشرية ونحو ذلك وكان لمطابخ السكر شد مفرد يولى بتوقيع كريم عن النائب ثم استقر ذلك مضافا لمن يتحدث على الأغوار من النائب أو غيره

قلت أما سائر أرباب الوظائف من الأمراء المستقر مثلهم بالحضرة السلطانية كرأس نوبة وأمير مجلس وأمير سلاح وأمير اخور وأمير جاندار وأستادار المباشرة وأستادار الصحبة وشاد الشراب خاناه والجاشنكير ومقدم المماليك ونحوهم فلا وجود لهم هناك وإنما يكون للنائب مثلهم من أجناده كغيره من سائر الأمراء

الصنف الثاني الوظائف الديوانية وهي عشر وظائف
منها الوزارة وهي تارة تعلو رتبة صاحبها بأن يكون جليل القدر كما إذا كان قد تقدمت له ولاية وزارة بالديار المصرية أو نحو ذلك فيصرح له بالوزارة وتارة تقصر رتبته عن ذلك فيطلق عليه ناظر المملكة الشامية ولا يسمح له من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية باسم الوزارة وإن كان الجاري على ألسنة العامة إطلاق لفظ الوزير عليه وكيفما كان فإنما يوليه السلطان من الأبواب الشريفة إن كان وزيرا كتب له تقليد وإن كان ناظر المملكة كتب له مرسوم قلت وقل أن يليها أرباب السيوف فإن وقع ذلك احتاج معه إلى ناظر مملكة كما يكون ناظر الدولة مع الوزير رب السيف بالديار المصرية
ومنها كتابة السر ويعبر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بصاحب ديوان الإنشاء بالشام المحروس ولا يقال فيه صاحب دواوين الإنشاء كما في الديار المصرية على أنها تضاهي كتابة السر بالديار المصرية في الرياسة ورفعة القدر وموضوعها على نحو ما تقدم في الديار المصرية وكيفما كان فإنما يولى من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف ويحترز السلطان فيها على أن يكون كاتب السر من خاصته الموثوق بهم ليطالعه بخفيات أمور المملكة وما

يحدث بها مما لعل النائب قد يخفيه عن السلطان وبديوانه كتاب الدست وكتاب الدرج كما بالديارالمصرية ويقال إنه كان عدة كتاب الدست في الأيام الناصرية ابن قلاوون نفرين وكتاب الدرج جماعة يسيرة ثم زاد الأمر كما في الديار المصرية وولايات كتاب الدست وكتاب الدرج يتواقيع كريمة عن النائب دون الأبواب الشريفة
وأخبرني بعض أهل دمشق العارفين بأحوال المملكة أن كاتب السر في الزمن المتقدم لم يكن يحضر دار العدل مع النائب وإنما كان يحضر كتاب الدست فقط فيوقعون بما يحتاج إليه في المجلس وينصرفون إلى كاتب السر فيخبرونه بما اتفق وكاتب السر يجتمع بالنائب في أوقات مخصوصة فيما يتعلق بالأمور السلطانية فقط وكان كاتب السر ربما داجى عليه الموقعون فيما يقع بدار العدل فيلحقه بعض الخلل فلما ولي كتابة السر القاضي سعى السعي العظيم حتى إذن له في الحضور بدار العدل والتوقيع فيه واستمر ذلك إلى الآن
ومنها نظر الجيش وموضوعه التحدث في الإقطاعات إما في كتابة مربعات تكتب بما يعينه النائب من الإقطاعات المتوفرة عن أربابها بالموت ونحوها وتكميلها بخطوط ديوانه ويجهزها النائب إلى الأبواب الشريفة ليشملها الخط الشريف السلطاني وتحمل إلى ديوان الجيوش بالديار المصرية فتجعل

شاهدا مخلدا فيه وتكتب منه مربعة بمقتضاها يخرج المنشور على نظيرها كما تقدمت الإشارة إليه وإما في إثبات المناشير الشريفة التي تصدر إليه من الأبواب السلطانية بديوانه حفظا لحسبانات المقطعين وليس بالشام كتابة مناشير أصلا بل ذلك مختص بالأبواب السلطانية فإن كان فيه كتابة الدست وقع بدار العدل في جملة الموقعين وإلا فلا وإذا كان موقعا جلس مجلس ناظر الجيش وإن كان متأخرا في القدمة عن غيره من الموقعين وولاية هذا الناظر من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف وبديوانه عدة مباشرين من صاحب ديوان وكتاب وشهود ولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة وناظر الجيش هو الذي يحكم في المحاكمات الديوانية كما يحكم فيها مستوفي المرتجع بالديار المصرية
ومنها نظر المهمات الشريفة وهي وظيفة جليلة يكون متوليها من أرباب الأقلام رفيقا لشاد المهمات المتقدم ذكره من أرباب السيوف من النائب أو حاجب الحجاب أو غيرهما وهي تارة تضاف إلى الوزارة وتارة تفرد عنها بحسب ما يراه السلطان وولايتها من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف وبهذا الديوان عدة مباشرين من كتاب وشهود فيوليهم النائب يتواقيع كريمة
ومنها نظر الخاص وموضوعه هناك التحدث فيما يتعلق بالمستأجرات السلطانية وغيرها من الأغوار وما يجري مجراها وربما أضيف نظرها للوزير
ومنها نظر الخزانة ويعبر عنها بالخزانة العالية ومتوليها يكون رفيقا للخازندارية من الطواشية المتقدم ذكرهم فيكون متحدثا في أمر التشاريف والخلع وما معها وهي وظيفة جليلة يوليها النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر البيمارستان النوري وقد صار النظر عليه معدوقا بالنائب

يفوض التحدث فيه إلى من يختاره من أرباب الأقلام
ومنها نظر الجامع الأموي وفي الغالب يكون مع قاضي القضاة الشافعي
ومنها نظر خزائن السلاح وموضوعها كما في الديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر البيوت وموضوعها على ما تقدم في الديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وأخبرني بعض الدمشقيين أن هذه الوظيفة اسم على غير مسمى لا حقيقة لها ولا مباشرة لعدم البيوت السلطانية هناك
ومنها نظر بيت المال وحكمها كما في الديار المصرية
ومنها نظر ديوان الأسرى وهو التحدث في الأوقاف التي تفدى بها الأسرى
ومنها نظر الأسواق وموضوعها كما تقدم في الديار المصرية من التحدث على سوق الرقيق والخيل ونحوها وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر مراكز البريد ومتوليها يكون رفيقا لأميراخور البريد المقدم ذكره وولايته عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر الحوطات وهو على نحو من استيفاء المرتجع بالديار المصرية في تحصيل الأموال السلطانية
أما الحكم في المحاكمات الديوانية فيختص بناظر الجيش كما تقدم ذكره
ومنها نظر المسابك ومتوليه يكون رفيقا لشاد المسابك المتقدم ذكره في أرباب السيوف وولايته عن النائب بتوقيع كريم قلت ويضم إلى كل نظر من هذه الأنظار مباشرون من شهود وغيرهم يكتب لذوي الصوب منهم تواقيع كريمة عن النائب بوظائفهم في أنظار أخرى لا يسع استيفاؤها كنظر المواريث

الحشرية وغيرها ومما أهمل من الأنظار بها نظر مطابخ السكر كما أهمل شدها لإضافتها إلى المتحدث في الأغوار على ما تقدم ذكره في الكلام على وظائف أرباب السيوف

الصنف الثالث من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية وهي عدة وظائف أيضا
منها قضاء القضاة وبها أربع قضاة من المذاهب الأربعة على الترتيب المتقدم في الديار المصرية فأعلاهم الشافعي وهو المتحدث على الموازع الحكمية والأوقاف وأكثر الوظائف ويختص بتولية النواب في النواحي والأعمال بجميع أعمال دمشق حتى في غزة ويليه في الرتية الحنفي ثم المالكي ثم الحنبلي وكان استقرار القضاة الأربعة بها بعد حدوث ذلك بالديار المصرية لكن لم تستقرالأربعة دفعة واحدة كما وقع في الديار المصرية في الدولة الظاهرية بيبرس بل على التدريج وأقدمهم فيها الشافعي وولاية الأربعة من الأبواب الشريفة بتواقيع شريفة
ومنها قضاء العسكر وموضوعه كما تقدم في الديار المصرية وبها قاضيا عسكر شافعي وحنفي وليس بها مالكي ولا حنبلي وولايتهما من الأبواب الشريفة السلطانية بتواقيع شريفة
ومنها إفتاء دار العدل وهي على ما تقدم في الديار المصرية أيضا وبها مفتيان شافعي وحنفي كما في قضاء العسكر وولايتهما عن النائب بتواقيع كريمة
ومنها وكالة بيت المال وموضوعها ما تقدم في الديار المصرية وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف ووكالته مثبوتة على الحكام منفذة ولكن لا جلوس له بدار العدل كما يجلس وكيل بيت المال بالديار

المصرية إلا أن يكون كاتب دست فيجلس بواسطتها في جملة الموقعين لا بالوكالة
ومنها نقابة الأشراف والأمر فيها كما في الديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وقد تقدم عليها في الديار المصرية أنه كان من حقها أن تورد في جملة وظائف أرباب السيوف إذ يكتب في توقيع متوليها الأميري وإن كان متعمما وإنما التغليب العرفي اقتضى ذكرها في جملة وظائف أرباب الأقلام
ومنها مشيخة الشيوخ وموضوعها كما في الديار المصرية من التحدث على جميع الخوانق والفقراء بدمشق وأعمالها والعادة أن يكون متوليها شيخ الخانقاه الشميصاتية بدمشق وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنهاالحسبة وهي كما تقدم في الديار المصرية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وولايتها عن النائب بتوقيع كريم ولا مجلس لمتوليها بدار العدل كما يجلس محتسب القاهرة بدار العدل في الديار المصرية وإليه ولاية نواب الحسبة بجميع أعمال دمشق
ومنها الخطابات المعدوقة بنظر النائب فيولى فيها بتواقيع كريمة حتى إنه ربما كتب عنه التواقيع بخطابة الجامع الأموي وإن كان الغالب أنها لا تولى إلا من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف وقد صارت مضافة لقاضي القضاة الشافعي
ومنها التداريس وتختلف باختلاف حال من يتولاها في الرفعة وغيرها وولاياتها عن النائب بتواقيع كريمة غالبا والله أعلم

الصنف الرابع من الوظائف بدمشق وظائف أرباب الصناعات
فمنها رياسة الطب ورياسة الكحالين ورياسة الجرائحية وكلها على نحو ما تقدم في الديار المصرية وولاية كل منها بتوقيع كريم عن النائب أما مهتارية البيوت وما في معناها فهناك تختص بالنائب لقيامه مقام السلطان

واختصاص البيوت به

الصنف الخامس وظائف زعماء أهل الذمة بها
وفيها بطرك النصارى اليعاقبة وبطرك النصارى الملكانيةورئيس اليهود القرايين والربانيين ورئيس السامرة ولكنه مقيم بمدينة نابلس التي هي مدينتهم المعظمة عندهم وإلى طورها حجهم وله نائب مقيم بدمشق قلت وربما كتب عن السلطان من الأبواب الشريفة بتواقيع ومراسيم بالحل على ما تصدر ولايته عن النائب وربما كتب به عنه ابتداء
الجملة الثالثة في ترتيب النيابة بها
وتوافق ترتيب السلطنة في الديار المصرية في بعض الأمور وتخالفها في

بعض وكان عادة النائب بها في المواكب أن يركب في العسكر من الأمراء ومقدمي الحلقة وأجنادها في كل يوم اثنين وخميس ويخرجون الى سوق الخيل تحت القلعة فيسيرون خيولهم وتعرض عليهم خيول المناداة وغيرها من آلات السلاح ونحوها وينادى بينهم على العقار من الدور والضياع وغيرها ولا يتعدون سوق الخيل الى غيره أما الآن فإنهم قد رفضوا التسيير بسوق الخيل وصار النائب يخرج بالعسكر إما الى ميدان ابن أتابك وإما الى قبة يلبغا قبلي دمشق وإما الى المزة غربي دمشق وإما الى القابون شمالي دمشق على حسب ما يختاره فيسيرون هناك بدلا من تسيرهم بسوق الخيل ولا يسيرون بسوق الخيل إلا في يوم مهم من حضور رسل من بعض الملوك الغرباء ونحو ذلك فإذا فرغوا من التسيير عند ارتفاع النهار عاد النائب في موكبة حتى يأتي باب الحديد من ابواب القلعة ويقف الأمراء على ترتيب منازلهم وينادى بينهم على العقار والدور وغيرها وكذلك الخيول والسلاح ثم يسير النائب الى دار النيابة فإن كان في المواكب سماط تقدم الأمراء في خدمته ويترجل مماليكه من سوق الخيل ثم الأمراء على القرب من دار النيابة على ترتيب منازلهم حتى يكون ترجل المقدمين على باب النيابة ويبقى النائب راكبا وحده حتى ينتهي الى قاعة عظيمة معدة للجلوس في المواكب بمثابة الإيوان الذي يجلس فيه السلطان بقلعة الجبل بالديار المصرية ويصدر بها كرسي من خشب مغشى بغشاء من الحرير الأطلس الأصفر وعليه سيف نمجاة مسند الى صدره فيجلس النائب بصدر القاعة على مقعد مختص به لا يشاركه أحد في الجلوس عليه وخلفه بشتميخ منصوب وراء ظهره كعادة الأمراء ويكون الكرسي المذكور على نحو ثلاثة أذرع منه ويجلس قاضي القضاة الشافعي عن يمين النائب على نحو ثلاثة أذرع منه مسندا ظهره الى جدار صدر القاعة ويجلس قاضي القضاة الحنفي عن يمينه وقاضي القضاة المالكي عن يمين الحنفي وقاضي القضاة الحنبلي عن يمين

المالكي وقاضي العسكر الشافعي عن يمين قاضي القضاة الحنبلي وقاضي العسكر الحنفي عن يمين قاضي العسكر الشافعي صفا مساويا للنائب في صدر القاعة ويجلس كاتب السر من جهة يسار النائب ملاصقا لمقعده الذي هو جالس عليه جاعلا يمينه إلى جدار صدر القاعة وظهره الى جهة الكرسي بانحراف قليل لمواجهة النائب وكتاب الدست بالميسرة تحته بالتدريج على حسب القدمة صفا ممتدا من كاتب السر الى جهة باب القاعة ويجلس الوزير مقابل كاتب السر من الجانب الآخر على سمت يمين قاضي القضاة الحنبلي ويجلس ناظر الجيش تحته وكتاب الدست بالميمنة تحت ناظر الجيش على الترتيب بالمقدمة ايضا آخذا من الوزير الى جهة باب القاعة فيصير كاتب السر والوزير ومن يسامتهما صفين متقابلين ويجلس أتابك العساكر من الأمراء في رأس الميمنة خلف الوزير على بعد وبقية الأمراء المقدمين تحته على الترتيب بحسب القدمة وأمراء الطبلخاناه بالميمنة تحتهم كذلك حتى يصيروا صفا آخر كصف الوزير ومن معه ويجلس المقدمون من أمراء الميسرة خلف كاتب السر ومن معه وتحتهم الطبلخاناه على الترتيب المتقدم صفا آخر مقابلا لصف الميمنة بحيث يكون اوله خارجا عن يسار الكرسي ويكون بين النائب ورأس الميمنة نحو خمسة أذرع وبينه وبين رأس الميسرة نحو عشرة أذرع وتقف طائفة من أمراء العشرات والخمسات ومقدمي الحلقة بالميمنة صفا مستقيما خلف الأتابك والأمراء الجلوس في صفه على ترتيب منازلهم ويقف مماليك النائب عن يسار الكرسي صفا آخذا من خلف أول مقدمي الميسرة بانحراف فيه الى خلف وطائفة من مقدمي الحلقة خلف الأمراء الجالسين في الفرجة الواقعة بينهم وبين مماليك النائب ويجلس حاجب الحجاب أمام النائب في آخر صفي الموقعين الممتدين من كاتب السر والوزير بميلة الى صف الميمنة ويقف بقية الحجاب خلفه ونقباء الجيش خلفهم وترفع القصص فيتناولها نقباء الجيش ويوصلونها الى حاجب الحجاب فيتناولها ويقوم فيوصلها الى كاتب السر فيفرقها على الموقعين ويبتدئ هو بالقراءة فيقرأ ما بيده من القصص ويوقع عليها بما يرسم به النائب ثم يقرأ الذي

يليه ثم الذي يليه الى آخر صفه فإذا فرغ ذلك الصف من القراءة قرأ من هو أول الصف الذي في جانب الوزير ثم الذي يليه ثم الذي يليه الى آخر الصف فإذا انتهت القراءة قام القضاة ومن في صفهم وكاتب السر والوزير وناظر الجيش وسائر أرباب الأقلام فينصرفون فإذا انقضى المجلس وانصرف القضاة ومن معهم مد السماط ويجلس النائب على رأس السماط والأمراء ومقدمو الحلقة على ترتيب منازلهم فيأكلون ثم يرفع السماط ويتحول النائب الى طرف الإيوان فيجلس فيه ويجلس قدامه كاتب السر وناظر الجيش وتأتي المحاكمات فيفصلها ويقرأ عليه كاتب السر ما يرفع في ذلك المجلس من القصص ويتكلم مع ناظر الجيش فيما يتعلق بأمر الجيش والإقطاعات ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف كاتب السر وناظر الجيش
قال في مسالك الأبصار وتزيد عساكر الشام على غيرها ركوب يوم السبت
قلت وهو ركوب مجرد ليس فيه دار عدل ولا سماط على انه ربما أهمل حضور دار العدل ومد السماط في يومي الأثنين والخميس أيضا كما في الديار المصرية

المقصد الثاني في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة دمشق وهو على ضربين
الضرب الأول ما هو خارج عن حاضرتها من النيابات والولايات
قد تقدم أن لدمشق أربع صفقات غربية وهي الساحلية وقبلية وشمالية وشرقية ففي الصفقة الأولى وهي الغربية نيابتان وخمس ولايات
فأما النيابتان
فالأولى نيابة غزة أو تقدمة العسكر بها على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى

ومعاملاتها بالدنانير وبالدراهم النقرة وصنجتها في الذهب والفضة كصنجة الديار المصرية وكان بها فلوس كل ثمانين منها بدرهم ويعبر عن كل اربعة منها بحبة ثم راجت بها الفلوس الجدد في أوائل الدولة الناصرية فرج بن برقوق ولكن كل ستة وثلاثين فلسا منها بدرهم ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بالدرهم المصري وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية ستون درهما ومكيلاتها معتبرة بالغرارة وكل غرارة من غرائرها ثلاثة أرادب بالمصري وقياس قماشها بالذراع المصري وأرضها معتبرة بالفدان الإسلامي والفدان الرومي على ما تقدم في دمشق وجيوشها مجتمعة من الترك ومن في معناهم ومن العرب والتركمان وبها من الوظائف النيابة ثم تارة يصرح لنائبها بنيابة السلطنة وبكل حال فنائبها أو مقدم العسكر بها لا يكون إلا مقدم ألف وبها أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومن في معناهم وفيها من وظائف أرباب السيوف الحجوبية وحاجبها أمير طبلخاناه وولاية المدينة وولاية البر وشد الدواوين والمهمندارية ونقابة النقباء وغير ذلك
وبها من الوظائف الديوانية كاتب درج وناظر جيش وناظر مال وولايتهم من الأبواب السلطانية
ومن الوظائف الدينية قاض شافعي وولايته من قبل قاضي دمشق إذا كانت غزة تقدمة عسكر وإلا فهي من الأبواب السلطانية وقاض حنفي قد استحدث وولايته من الأبواب السلطانية وبها المحتسب ووكيل بيت المال ومن في معناهم وكلهم نواب لأرباب هذه الوظائف بدمشق كما في القاضي الشافعي وليس بها قضاء عسكر ولا إفتاء دار عدل
الثانية نيابة القدس وقد تقدم أنها كانت في الزمن المتقدم ولاية صغيرة وأن النيابة استحدثت فيها في سنة سبع وسبعين وسبعمائة ونيابتها إمرة طبلخاناه وقد جرت العادة أن يضاف اليها نظر القدس ومقام الخليل عليه السلام

ومعاملتها بالذهب والفضة والفلوس على ما تقدم في معاملة دمشق ورطلها وكيلها يعتبر بالغرارة وغرارتها وقياس قماشها بذراع وبها من الوظائف غير النيابة ولاية قلعة القدس وواليها جندي وكذلك ولاية المدينة وكانت توليتها أولا من جهة نائب السلطنة بدمشق ثم أخبرني بعض أهل المملكة الشامية أن ولاية والي القلعة وولاية البلد صارتا الى نائب القدس من حين استقر نيابة وكذلك ولاية بلد الخليل عليه السلام وبها قاض شافعي ومحتسب نائبان عن قاضي دمشق ومحتسبها وكذلك جميع الوظائف بها نيابات عن أرباب الوظائف بدمشق
وأما الولايات فالأولى ولاية الرملة وكانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون من الولايات الصغار بها جندي ثم استقر بها دولة الظاهر برقوق كاشف امير طبلخاناه ثم حدثت مكاتبته عن الأبواب السلطانية بعد ذلك
الثانية ولاية لد وقد كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون ولاية صغيرة بها جندي ثم أضيفت الى الرملة حين استقر بها الكاشف المقدم ذكره
الثالثة ولاية قاقون وكان بها في الايام الناصرية جندي ثم أضيفت الى كاشف الرملة عند استقراره
الرابعة ولاية بلد الخليل عليه السلام وكان في الأيام الناصرية بها جندي ثم أضيفت الى القدس حين استقر النائب به
الخامسة ولاية نابلس وهي باقية على حالها في الانفراد بالولاية وواليها تارة يكون أمير طبلخاناه وتارة أمير عشرين وتارة أمير عشرة
وأما الصفقة الثانية وهي القبلية فيها نيابتان وثمان ولايات

فأما النيابتان
فالأولى منهما نيابة قلعة صرخد قال في التعريف قد يجعل فيها من ينحط عن رتبة السلطنة أو تكون نيابة معظمة وذكر نحوه في مسالك الأبصار وكأنه يشير الى ما كانت عليه في زمانه فإنه من جملة من كان نائبا بها العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة ثم انتقل منها الى نيابة حماة واعلم ان بصرخد المذكورة قلعة لها وال خاص قال في التثقيف وهي من القلاع التي يستقل نائب الشأم بالتولية فيها
الثانية نيابة عجلون وقد أشار في التثقيف الى أنها نيابة حيث قال وعجلون إن كانت نيابة فإن نائب الشأم يستقل بالتولية فيها ولم تجر له عادة بمكاتبة من الأبواب الشريفة
وأما الولايات فالأولى ولاية بيسان وواليها جندي
الثانية ولاية بانياس وواليها جندي تارة وتارة إمرة عشرة
الثالثة ولاية قلعة الصبيبة وكانت ولاية صغيرة وبها جندي ثم أضيفت الى بانياس
الرابعة ولاية الشعرا وكانت في الأيام الناصرية مضافة الى بانياس وهي الآن ولاية مفردة وواليها جندي
الخامسة ولاية أذرعات قال في التعريف وبها مقر ولاية الحاكم على جميع الصفقة ثم الحاكم على جميع الصفقة تارة يكون طبلخاناه وتكون ولايته عن نائب الشأم وتارة يكون مقدم ألف فتكون ولايته من الأبواب السلطانية أخبرني بعض كتاب دست دمشق أنه إن كان مقدم ألف سمي كاشف الكشاف وإن كان طبلخاناه سمي والي الولاة وهو الغالب

السادسة ولاية حسبان والصلت من البلقاء أخبرني القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب كاتب السر بدمشق أنهما إن جمعا لوال واحد كان أمير طبلخاناه أو أمير عشرة وإن أفرد كل منهما لوال كان جنديا
السابعة ولاية بصرى وواليها جندي أيضا
الصفقة الثانية الشمالية وفيها نيابة واحدة وثلاث ولايات فأما النيابة فنيابة بعلبك وقد كانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون إمرة عشرة ثم صارت الآن إمرة طبلخاناه وبكل حال فنائب الشام هو الذي يستقل بولايتها وربما وليت من الأبواب السلطانية قال في التعريف ولها ولاية خاصة يعني غير ولاية المدينة وقد كانت في الدولة الأيوبية مفردة في الغالب بملك بمفردها
وأما الولايات فالأولى منها ولاية البقاع البعلبكي قال في التعريف وهاتان الولايتان الآن منفصلتان عن بعلبك وهما مجموعتان لوال واحد جليل مفرد بذاته وهما على ما ذكره من جمعهما لوال واحد الى الآن إلا أنه تارة يليهما مقدم حلقة وتارة جندي
الثانية ولاية بيروت وولايتها الآن إمرة طبلخاناه
الثالثة ولاية صيدا قال في مسالك الأبصار وهي ولاية جليلة وهي على ما ذكره الى زماننا تارة يليها أمير طبلخاناه وتارة أمير عشرة
الصفقة الرابعة الشرقية وبها ثلاث نيابات وأربع ولايات

فأما النيابات فالأولى نيابة حمص وهي نيابة جليلة وقد كانت في الأيام الناصرية فما بعدها تقدمة الف قال في التثقيف ثم استقرت طبلخاناه بعد ذلك
قال ونائب قلعتها من المماليك السلطانية وقد تقدم أن الذكر في الزمن القديم كان لها دون حماة وقد كانت في الدولة الأيوبية مملكة منفردة تارة وتضاف الى غيرها أخرى
الثانية نيابة مصياف وقد تقدم أنها كانت أولا من مضافات أطرابلس في جملة قلاع الدعوة ثم أضيفت بعد ذلك الى دمشق واستمرت على ذلك الى الآن ونيابتها تارة تكون إمرة طبلخاناه وتارة إمرة عشرة وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية ونائبها لا يكتب له إلا في المهمات دون خلاص الحقوق أيضا
الثالثة ولاية صيدا والغالب في نيابتها أن تكون تقدمة ألف وأشار في التثقيف الى أنها قد تكون طبلخاناه قال في التعريف وبقلعتها بحرية وخيالة وكشافة وطوائف من المستخدمين

الضرب الثاني من الخارج عن حاضرة دمشق العربان والإمرة بها في بطون من
العرب
البطن الأولى آل ربيعة من طيئ من كهلان من القحطانية
وهم بنو ربيعة بن حازم بن علي بن مفرج بن دغفل بن جراح وقد تقدم نسبه مستوفى مع ذكر الاختلاف فيه في الكلام على ما يحتاج اليه الكاتب في المقالة الأولى قال في العبر وكانت الرياسة عليهم في زمن الفاطميين خلفاء مصر لبني جراح كان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح وكان من إقطاعه الرملة ومن ولدة حسان وعلي ومحمود وحرار وولي حسان بعده فعظم أمره وعلا صيته وهو الذي مدحه الرياشي الشاعر في شعره قال الحمداني وكان مبدأ ربيعة أنه نشأ في أيام الأتابك زنكي صاحب الموصل وكان أمير عرب الشام أيام طغتكين السلجوقي صاحب دمشق ووفد على السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشأم فأكرمه وشاد بذكره قال وكان له أربعة أولاد وهم فضل ومرا وثابت ودغفل ووقع في كلام المسبحي أنه كان له ولد اسمه بدر قال الحمداني وفي آل ربيعة جماعة كثيرة أعيان لهم مكانة وأبهة أول من رأيت منهم ماتع بن حديثة وغنام بن الطاهر على أيام الملك الكامل

محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب قال ثم حضر بعد ذلك منهم الى الأبواب السلطانية في دولة المعز أيبك وإلى أيام المنصور قلاوون زامل بن علي بن حديثة وأخوه أبو بكر بن علي وأحمد بن حجي وأولاده وإخوته وعيسى بن مهنا وأولاد وأخوه وكلهم رؤساء أكابر وسادات العرب ووجوهها ولهم عند السلاطين حرمة كبيرة وصيت عظيم الى رونق في بيوتهم ومنازلهم
( من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري )
ثم قال إلا انهم مع بعد صيتهم قليل عددهم قال في مسالك الأبصار لكنهم كما قيل
( تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل )
( وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل )
ولم يزل لهم عند الملوك المكانة العلية والدرجة الرفيعة يحلونهم فوق كيوان وينوعون لهم أجناس الإحسان قال الحمداني وفد فرج بن حية على المعز أيبك فأنزله بدار الضيافة وأقام أياما فكان مقدار ما وصل إليه من عين وقماش وإقامة له ولمن معه ستة وثلاثين ألف دينار قال واجتمع أيام الظاهر بيبرس جماعة من آل ربيعة وغيرهم فحصل لهم من الضيافة خاصة في المدة اليسيرة أكثر من هذا المقدار وما يعلم ما صرف على يدي من بيوت الأموال والخزائن والغلال للعرب خاصة إلا الله تعالى
واعلم أن آل ربيعة قد انقسموا الى ثلاثة أفخاذ هم المشهورون منهم ومن عداهم اتباع لهم وداخلون في عددهم ولكل من الثلاثة أمير مختص به
الفخذ الأول آل فضل وهو فضل بن ربيعة المقدم ذكره وهم رأس الكل وأعلاهم درجة وأرفعهم مكانة قال في مسالك الأبصار وديارهم من حمص الى قلعة جعبر الى الرحبة آخذين على شقي الفرات وأطراف العراق حتى ينتهي

حدهم قبلة بشرق الى الوشم آخذين يسارا الى البصرة ولهم مياه كثيرة ومناهل مورودة
( ولها منهل على كل ماء ... وعلى كل دمنة آثار )
وقد ذكر في مسالك الأبصار نقلا عن محمود بن عرام من بني ثابت ابن ربيعة أن آل فضل تشعبوا شعبا كثيرة منهم آل عيسى وآل فرج وآل سميط وآل مسلم وآل علي قال وأما من ينضاف اليهم ويدخل فيهم فرعب والحريث وبنو كلب وبعض بني كلاب وآل بشار وخالد حمص وطائفة من سنبس وسعيدة وطائفة من بربر وخالد الحجاز وبنو عقيل من كدر وبنو رميم وبنو حي وقران والسراجون ويأتيهم من البرية من عربه غالب وآل أجود والبطنين وساعدة ومن بني خالد آل جناح والصبيات من مياس والحبور والدغم والقرسة وآل منيحة وآل بيوت والعامرة والعلجات من خالد وآل يزيد من عابد والدوامر الى غير هؤلاء ممن يخالفهم في بعض الأحيان قال المقر الشهابي بن فضل الله على أني لا أعلم في وقتنا من لا يؤثر صحبتهم ويظهر محبتهم وسيأتي ذكر قبائل أكثر هذه العربان التي تنضاف اليهم في مواضعها إن شاء الله تعالى
قال في مسالك الأبصار وأسعد بيت في وقتنا آل عيسى وقد صاروا بيوتا بيت مهنا بن عيسى وبيت فضل بن عيسى وبيت حارث بن عيسى وأولاد محمد بن عيسى وأولاد حديثة بن عيسى وآل هبة بن عيسى قال وهؤلاء آل

عيسى في وقتنا هم ملوك البر فيما بعد واقترب وسادات الناس ولا تصلح الا عليهم العرب
وأما الإمرة عليهم فقد جرت العادة أن يكون لهم أمير كبير منهم يولى من الأبواب السلطانية ويكتب له تقليد شريف بذلك ويلبس تشريفا أطلس أسوة النواب إن كان حاضرا أو يجهز اليه ان كان غائبا ويكون لكل طائفة منهم كبير قائم مقام أمير عليهم وتصدر اليه المكاتبات من الأبواب الشريفة الا انه لا يكتب له تقليد ولا مرسوم قال في مسالك الأبصار ولم يصرح لأحد منهم بإمرة على العرب بتقليد من السلطان إلا من أيام العادل أبي بكر أخي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر منهم حديثة يعني ابن عقبة بن فضل بن ربيعة والذي ذكره قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخه أن الإمرة عليهم في ايام العادل ابي بكر بن ايوب كانت لعيسى بن محمد بن ربيعة ثم كان بعده ماتع ابن حديثة بن عقبة بن فضل وتوفي سنة ثلاثين وستمائة وولي عليهم بعده ابنه مهنا وحضر مع المظفر قطز قتال هولاكو ملك التتار وانتزع سلمية من المنصور ابن المظفر صاحب حماة وأقطعها له ثم ولى الظاهر بيبرس عند مسيرة الى دمشق لتشييع الخليفة المستعصم الى بغداد عيسى بن مهنا بن ماتع ووفر له الإقطاعات على حفظ السابلة وبقي حتى توفي سنة اربع وثمانين وستمائة فولى المنصور قلاوون مكانة ابنه مهنا بن عيسى ثم سافر الأشرف خليل بن قلاوون الى الشام فوفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليهم وبعث بهم الى قلعة الجبل بمصر فاعتقلوا بها وبقوا في السجن حتى افرج عنهم العادل كتبغا عند جلوسه على التخت سنة اربع وتسعين وستمائة ورجع الى إمارته ثم كان له في ايام الناصر بن قلاوون نصرة واستقامة تارة وتارة وميل الى التتر بالعراق ولم يحضر شيئا من وقائع غازان ووفد اخوه فضل بن عيسى على السلطان الملك الناصر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فولاه مكانه وبقي مهنا مشردا ثم لحق سنة ست

عشرة بخدابندا ملك التتار بالعراق فأكرمه وأقطعه بالعراق وهلك خدابندا في تلك السنة فرجع مهنا الى الشأم وبعث ابنيه محمدا وموسى واخاه محمد بن عيسى الى الملك الناصر فأكرمهم واحسن اليهم ورد مهنا الى إمارته وإقطاعه ثم رجع الى موالاة التتر فطرد السلطان الملك الناصر آل فضل بأجمعهم من الشأم وجعل مكانهم آل علي وولى منهم على احياء العرب محمد بن ابي بكر بن علي وصرف اقطاع مهنا وأولاده اليه والى اولاده واقام الحاسب على ذلك مدة ثم وفد مهنا على السلطان الملك الناصر صحبة الأفضل بن المؤيد صاحب حماة فرضي عنه السلطان واعاد إمرته اليه ورجع الى اهله فتوفي سنة اربع وثلاثين وسبعمائة وولي مكانه اخوه سليمان فبقي حتى توفي سنة اربع واربعين وسبعمائة عقب موت الملك الناصر وولي مكانه اخوه سيف بن فضل فبقي حتى عزله السلطان الملك الكامل شعبان بن قلاوون سنة ست واربعين وولى مكانه احمد بن مهنا بن عيسى فبقي حتى توفي في سنة سبع واربعين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن بن محمد بن قلاوون المرة الأولى وولي مكانه اخوه فياض فبقي حتى مات سنة ستين وسبعمائة وولي مكانه اخوه جبار من جهة الناصر حسن في سلطنته الثانية ثم حصلت منه نفرة في سنة خمس وستين وسبعمائة وأقام على ذلك سنتين الى ان تكلم بسببه مع السلطان نائب حماة يومئذ فأعيد الى إمارته ثم حصل منه نفرة ثانية سنة سبعين في الدوله الأشرفية شعبان بن حسين فولى مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى فكانت بينهم حروب قتل في بعضها قشتمر المنصوري نائب حلب فصرفه الأشرف وولى مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى ثم بعث معيقل في سنة إحدى وسبعين يستأمن لجبار المتقدم ذكره من السلطان الملك الأشرف فأمنه ووفد جبار على السلطان في سنة خمس وسبعين فرضي عنه وأعاده الى إمرته فبقي حتى توفي سنة سبع وسبعين فولي مكانه أخوه قنارة وبقي حتى مات سنة إحدى وثمانين فولي مكانه معيقل بن فضل بن

عيسى وزامل بن موسى بن عيسى المتقدم ذكرهما شريكين في الإمارة ثم عزلا في سنتهما وولي مكانهما محمد بن جبار بن مهنا وهو نعير ثم وقعت منه نفرة في الدولة الظاهرية برقوق فولى مكانه بعض آل زامل ثم اعيد نعير المذكور الى إمرته وهو باق على ذلك الى الآن وهو محمد بن جبار بن مهنا بن عيسى بن مهنا ابن ماتع بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار أمراء آل فضل في زمانه فذكر ان امير آل عيسى وسائر آل فضل احمد بن مهنا وامير بيت فضل ابن عيسى سيف بن فضل وامير بيت حارث بن عيسى قناة بن حارث ثم قال اما اولاد محمد بن عيسى واولاد حديثة بن عيسى وآل هبة بن عيسى فأتباع
وذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف انهم صاروا بيتين وهما بيت مهنا بن عيسى وفضل بن عيسى وذكر من اكابرهم عساف بن مهنا وأخاه عنقا وزامل بن موسى بن مهنا ومحمد بن جبار وهو نعير قبل الإمرة وعواد بن سليمان بن مهنا وعلي بن سليمان بن مهنا واما بنو فضل بن عيسى فذكر منهم فضل بن عيسى ومعيقل بن فضل وقال كان قبلهما سيف وابو بكر ثم قال وممن لم يكاتب اولاد فياض وبقية اولاد جبار ورقيبة بن عمر بن موسى ونحوهم
الفخذ الثاني من آل ربيعة آل مرا نسبة الى مرا بن ربيعة وهو أخو فضل المتقدم ذكره قال في التعريف ومنازلهم حوران وقال في مسالك الأبصار ديارهم من بلاد الجيدور والجولان الى الزرقاء والضليل الى بصرى ومشرقا الى الحرة المعروفة بحرة كشت قريبا من مكة المعظمة الى شعباء الى نيران

مزيد الى الهضب المعروف بهضب الراقي وربما طاب لهم البر وامتد بهم المرعى أوان خصب الشتاء فتوسعوا في الأرض وأطالوا عدد الأيام والليالي حتى تعود مكة المعظمة وراء ظهورهم ويكاد سهيل يصير شامهم ويصيرون مستقبلين بوجوههم الشام وقد تشعب آل مرا ايضا شعبا كثيرة وهم آل احمد بن حجي وفيهم الإمرة وآل مسخر وآل نمي وآل بقرة وآل شماء
وممن ينضاف اليهم ويدخل في إمرة أمرائهم حارثة والحاص ولام وسعيدة ومدلج وقرير وبنو صخر وزبيد حوران وهم زبيد صرخد وبنو غني وبنو عز قال ويأتيهم من عرب البرية آل طفير والمفارجة وآل سلطان وآل غزي وآل برجس والخرسان وآل المغيرة وآل ابي فضيل والزراق وبنو حسين الشرفاء ومطين وخثعهم وعدوان وعنزة قال وآل مرا ابطال مناجيد ورجال صناديد وأقيال قل كونوا حجارة او حديدا لا يعد معهم عنترة العبسي ولا عرابة الأوسي الا ان الحظ لحظ بني عمهم مما لحظهم ولم تزل بينهم نوب الحرب ولهم في اكثرها الغلب قال الشيخ شهاب الدين ابو الثناء محمود الحلبي رحمه الله كنت في نوبة حمص في واقعة التتار جالسا على سطح باب الإصطبل السلطاني بدمشق إذ اقبل آل مرا زهاء اربعة آلاف فارس شاكين في السلاح على الخيل المسومة والجياد المطهمة وعليهم الكزغندات الحمر الأطلس المعدني والديباج الرومي وعلى رؤسهم البيض مقلدين بالسيوف وبأيديهم الرماح كأنهم صقور على صقور وأمامهم العبيد تميل على الركائب ويرقصون بتراقص المهارى وبأيديهم الجنائب التي اليها عيون الملوك صورا ووراءهم الظعائن والحمول ومعهم مغنية لهم تعرف بالحضرمية

طائرة السمعة سافرة من الهودج وهي تغني
( وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ... ليالي لاقينا جذاما وحميرا )
( ولما لقينا عصبة تغلبية ... يقودون جردا للمنية ضمرا )
( فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض ابت عيدانه ان تكسرا )
( سقيناهم كأسا سقونا بمثله ... ولكنهم كانوا على الموت اصبرا )
وكان الأمر كذلك فإن الكسرة اولا كانت على المسلمين ثم كانت لهم الكرة على التتار فسبحان منطق الألسنة ومصرف الأقدار
الفخذ الثالث من آل ربيعة آل علي وهم فرقة من آل فضل المقدم ذكرهم ينتسبون الى علي بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة قال في مسالك الأبصار وديارهم مرج دمشق وغوطتها بين إخوتهم آل فضل وبني عمهم آل مرا ومنتهاهم الى الحوف والجبابنة الى السكة الى البرادع قال في التعريف وإنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة الى عيسى بن مهنا وبقي جار الفرات في تلابيب التتار قال في مسالك الأبصار وهم أهل بيت عظيم الشأن مشهور السادات الى اموال جمة ونعم ضخمة ومكانة في الدولة عليه وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في مسالك الأبصار أنه كان اميرهم في زمانه رملة بن جماز بن محمد بن ابي بكر بن علي بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة ثم قال وقد كان جده اميرا ثم ابوه قلد الملك الأشرف خليل بن قلاوون جده محمد بن ابي بكر إمرة آل فضل حين امسك مهنا بن عيسى

ثم تقلدها من الملك الناصر اخيه ايضا حين طرد مهنا وسائر إخوته واهله قال ولما أمر رملة كان حدث السن فحسده اعمامه بنو محمد بن ابي بكر وقدموا على السلطان بتقادمهم وتراموا على الأمراء وخواص السلطان وذوي الوظائف فلم يحضرهم السلطان الى عنده ولا ادنى احدا منهم فرجعوا بعد معاينة الحين بخفي حنين ثم لم يزالوا يتربصون به الدوائر وينصبون له الحبائل والله تعالى يقيه سيئات ما مكروا حتى صار سيد قومه وفرقد دهره والمسود في عشيرته المبيض لوجوه الأيام بسيرته وله اخوة ميامين كبرا هم امراء آل فضل وآل مرا وقد ذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف أن الأمير عليهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان عيسى بن زيد بن جماز

البطن الثانية
جرم بفتح الجيم وسكون الراء المهملة قال الحمداني واسمه ثعلبة وجرم اسم امه وقد تقدم ذكر نسبة في الكلام على ما يحتاج اليه الكاتب في المقالة الأولى قال في مسالك الأبصار وهم ببلاد غزة والداروم مما يلي الساحل الى الجبل وبلد الخليل عليه السلام قال الحمداني وجرم المذكورة شمجان وقمران وجيان قال والمشهور منهم الآن جذيمة ويقال إن لهم نسبا في قريش وزعم بعضهم انها ترجع الى مخزوم وقال آخرون بل من جذيمة بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر ثم قال وجذيمة هذه هم آل عوسجة وآل احمد وآل محمود وكلهم في إمارة شاور بن سنان ثم في بنيه وكان لسنان المذكور اخوان فيهما سودد وهما غانم وخضر ومن جذيمة جابع

الرايديين وبنو أسلم ويقال إن اسلم من جذام لا من جذيمة ولكنها اختلطت بها ومن جذيمة ايضا شبل ورضيعة جرم ونيفور والقذرة والأحامدة والرفثة وكور جرم وموقع وكان كبيرهم مالك الموقعي وكان مقدما عند السلطان صلاح الدين بن ايوب وأخيه العادل ومنهم بنو غور ويقال إنهم من جرم بن جرمز من سنبس ومن هؤلاء العاجلة والضمان والعبادلة وبنو تمام وبنو جميل ومن بني جميل بنو مقدام ومن بني غور آل نادر ومن بني غوث بنو بها وبنو خولة وبنو هرماس وبنو عيسى وبنو سهيل وأرضهم الداروم وكانوا سفراء بين الملوك وجاورهم قوم من زبيد يعرفون ببني فهيد ثم اختلطوا بهم قال الحمداني فهذه جرم الشام وحلفاؤهم ومن جاورهم ولاذ بهم
وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في التعريف أن الإمرة على عرب غزة في زمانه كانت لفضل بن حجي وعرب غزة هم جرم المذكورون والمعروف أن جرما يكون لهم مقدم لا أمير وعليه جرى القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف وذكر أن مقدمهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان علي بن فضل

البطن الثالثة
ثعلبة من طيئ ايضا قال في مسالك الأبصار وديارهم مما يلي

مصر الى الخروبة وقد تقدم في سياقة الكلام على جرم أن ثعلبة هذه من بقايا ثعلبة المنتقلين الى مصر وتقدم في الكلام على عرب الديار المصرية أن ثعلبة الذي ينسبون اليه ثعلبة بن سلامان وأن سلامان بطن من بطون طيئ وأن ثعلبة المذكورين بطنان وهما درما وزريق ابنا عوف بن ثعلبة وقيل ابنا ثعلبة لصلبه وأن اسم درما عمرو ودرما اسم امه فغلب عليه وأن من درما الجواهرة والحنابلة والصبيحيين قال الحمداني وثعلبة الشام من درما آل غياث الجواهرة ومن الحنابلة ومن بني وهم من الصبيحيين ومن أحلافهم فرقة من النعيميين ومن العار والجمان وتقدم في الكلام على ثعلبة مصر ايضا أن بكل من ثعلبة مصر والشام قوما من خندف وقيس ومراد ويمن
قلت ولم يكن في التعريف ولا التثقيف لثعلبة المذكورين ذكر لعدم من يكاتب منهم إذ لم يكونوا في معنى من تقدم

البطن الرابعة
بنو مهدي بفتح الميم وسكون الهاء والدال المهملة قد تقدم في الكلام على عرب الديار المصرية انهم اخولخم وهو جذام بن عدي بن عمرو بن سبإ من العرب العاربة إما من عمرو بن سبإ من القحطانية كما يقتضيه كلام مسالك الأبصار وإما من عذرة من قضاعة من حمير بن سبإ من القحطانية ايضا كما صرح به في التعريف قال في التعريف ومنازلهم البلقاء وقال في مسالك الأبصار منازلهم البلقاء الى بابن الى الصوان الى علم اعفر قال الحمداني ومن بني مهدي المشابطة الذين منهم اولاد عسكر والعناترة والنترات واليعاقبة والمطارنة والعفير والرويم والقطاربة وأولاد الطائية وبنودوس وآل يسار والمخابرة والسماعة والعجارمة من بني

طريف وبنو خالد والسلمان والقرانسية والدرالات والحمالات والمساهرة والمغاورة وبنو عطا وبنو مياد وآل شبل وآل رويم وهم غير الرويم المتقدم ذكرهم والمحارقة وبنو عياض ومنهم طائفة حول الكرك يأتي ذكرهم في الكلام على عرب الكرك قال الحمداني ويجاورهم بالبلقاء طائفة من حارثة ولهم نسب بقرى بني عقبة
وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في التعريف أن إمرتهم مقسومة في اربعة منهم لكل واحد منهم الربع ولم يسم امراء زمانه منهم وذكر في التثقيف مثل ذلك وسمى امراءهم في زمانه فقال وهم بر بن ذئب بن محفوظ العنبسي وسعيد بن بحري بن حسن العنبسي وزامل بن عبيد بن محفوظ العنبسي ومحمد ابن عباس بن قاسم بن راشد العسري

البطن الخامسة
زبيد بضم الزاي قال في مسالك الأبصار وهم فرق شتى وذكر من بالشام وغيره ولم يتعرض لنسبهم في أي احياء العرب وذكر الجوهري ان زبيدا اسم قبيلة ولم يزد على ذلك قلت والموجود في كتب التاريخ عد زبيد من بطون سعد العشيرة من مذحج بن كهلان بن سبإ من العرب العاربة وهم عرب اليمن على ما تقدم ذكره وقد ذكر في مسالك الأبصار ان بالشام منهم فرقة بصرخد وفرقة بغوطة دمشق وذكر في التعريف منهم زبيد المرج وزبيد حوران وزبيد الأحلاف وذكر مثله في التثقيف ومقتضى الجمع بين كلامه في المسالك والتعريف أن تكون زبيد خمس فرق زبيد المرج وزبيد الغوطة وزبيد صرخد وزبيد حوران وزبيد الأحلاف وليس كذلك بل زبيد الغوطة وزبيد المرج واحدة فإن المراد غوطة دمشق ومرجها وهما متصلان والنازلون فيهما كالفرقة الواحدة وزبيد صرخد هي زبيد حوران كما صرح به في موضع آخر من مسالك الأبصار إذ صرخد من جملة بلاد حوران أما زبيد

الأحلاف فديارهم بالقرب من الرحبة بجوار آل فضل قال الحمداني والذين بصرخد منهم آل مياس وآل صيفي وآل برة وآل محسن وآل جحش وآل رجاء والذين بالمرج والغوطة آل رجاء وآل بدال والدوس والحريث وهم في عداد آل ربيعة المتقدم ذكرهم وذكر معهم المشارقة جيرانهم ثم قال وإمرة زبيد هؤلاء في نوفل وليس للمشارقة إمرة ولكن لهم شيوخ منهم وأمر الفريقين الى نواب الشأم ليس لأحد من أمراء العرب عليهم إمرة وديارهم متصلة في المرج والغوطة الى أم أوعال الى الدريشدان وعليهم الدرك وحفظ الأطراف
وأما العرب المستعربة وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام على ما تقدم بيانه في الكلام على عرب الديار المصرية فالمشهور بأعمال دمشق منهم قبيلة واحدة وهم بنو خالد عرب حمص قال الحمداني وهم يدعون النسب الى خالد بن الوليد رضي الله عنه وقد أجمع أهل العلم بالنسب على انقراض عقبه قال في مسالك الأبصار ولعلهم من ذوي قرابته من مخزوم وكفاهم ذلك فخارا أن يكونوا من قريش وقد تقدم ذكر نسب مخزوم في قريش في الكلام على بني خالد في جملة عرب الديار المصرية فأغنى عن إعادته هنا
قلت ومن جملة من عده في التعريف من عرب الشام غزية ولم يتحرر لي هل هي من العرب العاربة أو العرب المستعربة فلذلك ذكرتها بمفردها وقد ذكر الحمداني انهم متفرقون في الشأم والحجاز وبغداد وفيما بين العراق والحجاز ولم يذكر واحد منهما منازلهم من الشأم بل ذكر الحمداني منازلهم بالبرية والعراق خاصة وقال هم بطون وأفخاذ ولهم مشايخ منهم من وفد على السلاطين في زماننا وأشار في التعريف الى أن الغالب عليهم عدم الطاعة ومنهم أحلاف لآل فضل قد تقدم ذكرهم وهم غالب وآل أجود والبطنين وسأذكرها

ببطونها ومنازلها ومياهها من البرية في جملة عرب الحجاز

النيابة الثانية من نيابات السلطنة بالممالك الشامية نيابة حلب وفيها
جملتان
الجملة الأولى في ذكر احوالها في المعاملات ونحوها
أما الأثمان المتعامل بها من الدنانير والدراهم والصنجة فعلى ما تقدم في دمشق من غير فرق ولم ترج الفلوس الجدد فيها الى الآن وإنما يتعامل فيها بالفلوس القديمة ورطلها سبعمائة وعشرون درهما وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل اوقية ستون درهما وفي اعمالها ربما زاد الرطل على ذلك وتعتبر مكيلاتها بالمكوك في حاضرتها وسائر اعمالها والمكوك المعتبر في حاضرتها سبع ويبات بالكيل المصري وأما في نواحيها وبلادها فيختلف اختلافا متباينا في الزيادة والنقص قال في مسالك الأبصار والمعتدل منها أن يكون كل مكوكين ونصف غرارة وما بين ذلك كل ذلك تقريبا ويقاس القماش بها بذراع يزيد على ذراع القماش المصري سدس ذراع وهو اربعة قراريط وتعتبر ارض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وأرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في دمشق وخراج ارض الزراعة بها كما في دمشق وأسعارها على نحو سعر دمشق الا في الفواكه فإنها في دمشق ارخص لكثرتها بها
الجملة الثانية في ترتيب مملكتها وهي على ضربين
الضرب الأول ترتيب حاضرتها
أما جيوشها فعلى ما تقدم في دمشق من اشتمال عسكرها على الترك

والجركس والروم والروس وغير ذلك من الأجناس المشابهة للترك وانقسامها الى الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشرات ومن في معناهم من العشرينات والخمسات وكذلك اجناد الحلقة ومقدموها وإقطاعاتها على نحو ما تقدم في دمشق في المقدار وربما زاد إقطاع الحلقة بها على إقطاع الحلقة بالديار المصرية بخلاف إقطاعات الأمراء بها فإنها لا تساوي إقطاعات الأمراء بالديار المصرية
وأما وظائفها فعلى اربعة اصناف

الصنف الأول وظائف ارباب السيوف وهي عدة وظائف
منها نيابة السلطنة وهي نيابة جليلة في الرتية الثانية من نيابة دمشق ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنائب السلطنة الشريفة ولا يقال فيه كافل السلطنة كما يقال لنائب دمشق ويكتب عن نائبها التواقيع الكريمة بأكثر وظائف حلب وأعمالها وكذلك يكتب عنه المربعات الجيشية بالديار المصرية والمناشير الإقطاعية على حكمها كما تقدم في دمشق وكذلك يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد ويزيد على نائب دمشق بسرحتين يسرحهما للصيد الأولى منها يسرحها في بلاد حلب من جانب الفرات الغربي يتصيد فيها الغزلان يقيم فيها نحو عشرة ايام والثانية وهي العظمى يعبر فيها الفرات الى بر الجزيرة شرقي الفرات ويتنقل في نواحيها مما هو داخل في مملكة الديار المصرية وما حولها يتصيد فيها الغزلان وغيرها من سائر الوحوش ويقيم فيها نحو شهر
ومنها نيابة القلعة بحلب وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة بها وليس لنائب السلطنة على القلعة ولا على نائبها حكم كما تقدم في قلعة دمشق وعادة نائبها ان يكون امير طبلخاناه وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف وفيها من الأجناد البحرية المعدين لحراستها نحو اربعين نفسا مقيمون

بها لا يظعنون عنها بسفر ولا غيره يجلس منهم في كل نوبة عدة في الباب الثاني منها من حين فتح الباب في اول النهار وإلى حين قفله في آخر النهار وبها الحرس في الليل وضرب الطبلة على مضي كل اربع درج كما تقدم في قلعة دمشق
ومنها الحجوبية والعادة ان يكون بها اربعة حجاب احدهم مقدم الف وهو حاجب الحجاب ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة في المكاتبات وغيرها بأمير حاجب بحلب كحاجب الحجاب بدمشق وهو ثاني نائب السلطنة في الرتبة ولا يدخل أحد دار النيابة راكبا غير النائب وغيره وهونائب الغيبة إذا خرج نائب السلطنة في مهم أو متصيد او غير ذلك واليه ترد المراسيم السلطانية بقبض نائب السلطنة إذا اراد السلطان القبض عليه ويكون هو المتصدي لحال البلد الى ان يقام لها نائب والثلاثة الباقون اما ثلاث طبلخانات او طبلخانتان وعشرة او ما في معنى ذلك وولاية حاجب الحجاب والحاجب الثاني من الأبواب الشريفة السلطانية بغير تقليد ولا مرسوم ومن عداهما ولايته عن نائب حلب وفيها اثنان واحد بالميمنة وواحد بالميسرة فالذي في الميمنة في الغالب يكون امير عشرة وربما كان امير خمسة والذي بالميسرة جندي من اجناد الحلقة وولايتهما عن النائب كل منهما بتوقيع كريم
ومنها شد الأوقاف وهي بها رتبة جليلة اعلى من شد الأوقاف بدمشق وعادتها تقدمة الف او طبلخاناه تولى من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف كذا اخبرني بعض اهلها ومتوليها يتحدث على سائر اوقاف المملكة الحلبية
ومنها المهمندارية وموضوعها على ما تقدم في الديار المصرية ودمشق وبها اثنان فأحدهما تارة يكون امير طبلخاناه وتارة يكون امير عشرة والآخر جندي حلقة وولاية كل منهما بكل حال عن النائب بتوقيع كريم
ومنها شد الدواوين وموضوعها كما تقدم في الديار المصرية ودمشق وعادته إمرة عشرة وربما وليها جندي وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها شد مراكز البريد وموضوعها كما تقدم في دمشق وعادتها إمرة

عشرة وربما كان مقدم حلقة او جنديا وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها ولاية المدينة وموضوعها التحدث في الشرطة كما تقدم في الديار المصرية ودمشق وعادتها إمرة عشرة وربما وليها مقدم حلقة وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها شد الأقواد وموضوعها التحدث على الأموال التي تساق قودا من المملكة في كل سنة وعادتها إمرة عشرة وربما وليها مقدم حلقة وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
قلت وسائر وظائف الأمراء ارباب السيوف المستقر مثلهم بالحضرة السلطانية كرأس نوبة وأمير مجلس ومن في معناهما ممن يجري هذا المجرى المختص بالنائب يكون له مثلها من اجناده لقيامه مقام السلطان هناك كما تقدم في دمشق
وأما الوظائف الديوانية بها لأرباب الأقلام فمنها الوزارة ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنظر المملكة ليس الا ولا يصرح له باسم الوزارة بحال وإن كان الجاري على السنة العامة تلقيب متوليها بالوزير ولم تجر العادة بأن يتولاها الا ارباب الأقلام وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف ولديوان هذا النظر عدة مباشرين اتباع لناظرها كصاحب الديوان والمستوفي والكتاب والشهود وسائر فروع الوزارة والنائب يولي كلا من هؤلاء المباشرين بتواقيع كريمة
ومنها كتابة السر ويعبر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بصاحب ديوان المكاتبات بحلب ولا يسمح له بصاحب ديوان الإنشاء بحلب كما في دمشق وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف وبديوانه كتاب الدست وكتاب الدرج كما في دمشق والديار المصرية
ومنها نظر الجيش والحكم فيه كما تقدم في دمشق من كتابة المربعات

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39