كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

نفع ما فيه جناح فليقض في هذا كله إذا رآه بمقتضى مذهبه وليهتد في هذه الآراء وسواها بقمر إمامه الطالع أبي حنيفة وشبهه وليحسن إلى فقهاء أهل مذهبه الذين أدنى إليه أكثرهم الاغتراب وحلق بهم إليه طائر النهار حيث لا يحلق البازي وجناح الليل حيث لا يطير الغراب وقد تركوا وراءهم من البلاد الشاسعة والأمداد الواسعة ما يراعى لهم حقه إذا عدت الحقوق ويجمعه وإياهم به أبوه أبو حنيفة وما مثله من ينسب إلى العقوق
ويزاد المالكي
ومذهبه له السيف المصلت على من كفر والمذهب بدم من طل دمه وحصل به الظفر ومن عدا قدره الوضيع وتعرض إلى أنبياء الله صلوات الله عليهم بالقول الشنيع فإنه إنما يقتل بسيفه المجرد ويراق دمه تعزيرا بقوله الذي به تفرد ولم يزل سيف مذهبه لهم بارز الصفحة مسلما لهم إلى مالك خازن النار من مذهب مالك الذي ما فيه فسحة وفي هذا ما يصرح غدر الدين من القذى وما لم تطل دماء هؤلاء لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى وإنما نوصيه بالتحري في الثبوت والبينة التي لا يستدرك بها ما يفوت وإنما هو رجل يحيا أو يموت فليتمهل قبل بت القضاء وليعذر إليهم لاحتمال ثبوت تفسيق الشهود أو بغضاء حتى لا يعجل تلافا ولا يعجل بما لا يتلافى فكما أننا نوصيه أن لا ينقض في شد الوثاق عليهم إبراما فهكذا نوصيه أن لا يصيب بغير حقه دما حراما وكذلك قبول الشهادة على الخط وإحياء ما مات من الكتب وإدناء ما شط فهذا مما فيه فسحة للناس وراحة ما فيها باس إلا أنه يكون الثبوت بهذه البينة للاتصال لا لنزع يد ولا إلزام بمجردها بمال وهكذا ما يراه من ولاية الأوصياء وهو مما تفرد به هو دون البقية وفيه مصلحة وإلا فما معنى الوصية وهو زيادة احتراز ما تضر مراعاة مثلها في الأمور الشرعية وسوى هذا مثل إسقاط الريع في وقف استرد وقد بيع وعطل المشتري من التكسب

بذلك المال مدة لا يشتري ولا يبيع وهذا مما يبت قضاءه في مثله ويجعل عقاب من أقدم على بيع الوقف إحرامه مدة البيع من مغله وسوى ذلك مما عليه العمل ومما إذا قال فيه قال بحق وإذا حكم عدل وفقهاء مذهبه في هذه البلاد قليل ما هم وهم غرباء فليحسن مأواهم وليكرم بكرمه مثواهم وليستقر بهم النوى في كنفه فقد ملوا طول الدرب ومعاناة السفر الذي هو أشد الحرب ولينسهم أوطانهم ببره ولا يدع في مآقيهم دمعا يفيض على الغرب
ويزاد الحنبلي
والمهم المقدم وهو يعلم ما حدث على أهل مذهبه من الشناعة وما رموا به من الأقوال التي نتركها لما فيها من البشاعة ونكتفي به في تعفية آثارها وإماطة أذاها عن طريق مذهبه لتأمن السالكة عليه من عثارها فتعالى الله أن يعرف بكيف أو يجاوب السائل عنه بهذا إلا بالسيف والانضمام إلى الجماعة والحذر من الانفراد وإقرار آيات الصفات على ما جاءت عليه من الاعتقاد وأن الظاهر غير المراد والخروج بهم إلى النور من الظلماء وتأويل مالا بد من تأويله مثل حديث الأمة التي سئلت عن ربها أين هو فقالت في السماء وإلا ففي البلية بإثبات الجهة ما فيها من الكوارث ويلزم منها الحدوث والله سبحانه وتعالى قديم ليس بحادث ولا محلا للحوادث وكذلك القول في القرآن ونحن نحذر من تكلم فيه بصوت أو حرف فما جزاء من قال بالصوت إلا سوط وبالحرف إلا حتف ثم بعد هذا الذي يزع به الجهال ويرد دون غايته الفكر الجوال ينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صح نقله عن إمامه وأصحابه من كان منهم في زمانه ومن تخلف عن أيامه فقد كان رحمه الله إمام حق نهض وقد قعد الناس تلك المدة وقام نوبة المحنة مقام سيد تيم رضي الله عنه نوبة الردة ولم تهب به زعازع المريسي وقد هبت مريسا ولا

ابن أبي دواد وقد جمع له كل ذود وساق إليه من كل قطر عيسا ولا نكث عهدة ما قدم له المأمون في وصية أخيه من المواثق ولا روعه سوط المعتصم وقد صب عليه عذابه ولا سيف الواثق
فليقف على أثره وليقف بمسنده على مذهبه كله أو أكثره وليقض بمفرداته وما اختاره أصحابه الأخيار وليقلدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار وليحترز لدينه في بيع ما دثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله والاستبدال بما فيه المصلحة لأهله والفسخ على من غاب مدة يسوغ في مثلها الفسخ وترك زوجة لم يترك لها نفقة وخلاها وهي مع بقائها في زوجيته كالمعلقة وإطلاق سراحها لتتزوج بعد ثبوت الفسخ بشروطه التي يبقى حكمها به حكم المطلقة وفيما يمنع مضارة الجار وما يتفرع على قوله لا ضرر ولا ضرار وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه وطلعت به أهلة علماء لولاهم لما جلا الزمان جنح غيهبه وكذلك الجوائح التي يخفف بها عن الضعفاء وإن كان لا يرى بها الإلزام ولا تجري لديه إلا مجرى المصالحة بدليل الالتزام وكذل المعاملة التي لولا الرخصة عندهم فيها لما أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض ولا أخذ قسم الغلال والمعامل هو الذي يزرع البذور ويحرث الأرض وغير ذلك مما هو من مفرداته التي هي للرفق جامعة

وللرعايا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة فإذا استقرت الفروع كانت الأصول لها جامعة وفقهاء مذهبه هم الفقراء لقلة المحصول وضعف الأوقاف وهم على الرقة كالرماح المعدة للثقاف فخذ بخواطرهم ومد آمالهم في غائب وقتهم وحاضرهم واشملهم بالإحسان الذي يرغبهم ويقل به طلبهم لوجوه الغنى ويكثر طلبهم

الطبقة الثانية من أرباب الوظائف الدينية أصحاب التواقيع وتشتمل على
مراتب
المرتبة الأولى ما كان يكتب في النصف بالمجلس العالي كما كان يكتب للقضاة
الأربعة أولا وقد تقدم
المرتبة الثانية ما يكتب في قطع الثلث بالسامي بالياء
واعلم أن الأصل فيما يكتب من التواقيع أن يفتتح بأما بعد إلا أن الكتاب تسامحوا فيه فافتتحوا لمن علت رتبته حيث اقتضى الحال الكتابة له في الثلث بالحمد لله وأبقوا من انحطت رتبته عن ذلك على ما كان عليه من الافتتاح بأما بعد وها أنا أورد ما سنح من ذلك مما أنشأه الكتاب في ذلك من الافتتاحين جميعا ويشتمل على وظائف
الوظيفة الأولى قضاء العسكر
وقد تقدم في المقالة الثانية أن موضوعها التحدث في الأحكام في الأسفار السلطانية وأن له مجلسا يحضره بدار العدل في الحضر وقد جرت العادة أن

يكون قضاة العسكر أربعة من كل مذهب قاض
وهذه نسخة توقيع شريف بقضاء العسكر المنصور بالحضرة السلطانية وهي
الحمد لله الذي رفع للعلم الشريف في أيامنا الزاهرة منارا وزاد بإعلاء رتب أهله دولتنا القاهرة رفعة وفخارا وزان أحكامه الشريفة بحكامه الذين طلعوا في غياهب مشكلاته بدورا وتدفقوا في إفاضته في الأحكام الشرعية بحارا
نحمده على نعمه التي حلت فحلت ومننه التي أهلت الجود فاستهلت
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لقائلها ذخرا وتعلي للمتمسك بها في الملأ الأعلى ذكرا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو اسبق الأنبياء رتبة وإن كان آخرهم عصرا وعلى آله وصحبه الذين أضحوا للمقتدين بهم شموسا منيرة وللمهتدين بعلومهم نجوما زهرا صلاة لا تزال الألسن تقيمها والأسماع تستديمها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من نوهنا بذكره ونبهنا على رفعة قدره وأطلقنا ألسنة الأقلام في وصف مفاخره وشكره وأثلنا قواعد مجده التي لو رام بنان البيان استقصاءها حال الحصر دون حصره ونفذنا كلم حكمه ورفعنا في أندية الفضائل ألوية فنونه وأعلام نصره من لم يزل دم الشهداء يعدل مداد أقلامه وتقيم منار الهدى أدلة فضائله وشواهد أحكامه وتوضح الحق حتى يكاد المتأمل يلحظ الحكم لوضوحه ويبصره وينصر الشرع بأمداد علمه ولينصرن الله من ينصره وشيد مذهب إمامه الإمام الفلاني فأصبح فسيح الأرجاء وإن لم يكن فيه فسحة وجدد قواعد العدل في قضايا عساكرنا المنصورة فهو مشاهد من كلمه ومن نظره في لمحه ملحة
ولما كان فلان هو الذي نعتنا بما تقدم من الخطاب خلائقه الحسنى وأثنينا على ما هو عليه من الإقبال على جوهر العلم دون التعرض إلى العرض الأدنى مع ما حواه من مواد فضائل تزكو على كثرة الإنفاق وفرائد فوائد تجلب

على أيدي الطلبة إلى الآفاق وقوة في الحق الذي لا تأخذه فيه لومة لائم وعدل أحكام في الخلق ألذ من سنة الكرى في جفن نائم اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوطد في عساكرنا المنصورة قواعد أحكامه ونوطن كلا منهم على أنه تحت ما يمضيه في أقضيته النافذة من نقضه وإبرامه
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه قضاء العساكر المنصورة الشريفة على أجمل العوائد وأكمل القواعد وأن تبسط كلمته في كل ما يتعلق بذلك من أحكام الشرع الشريف فليحكم في ذلك كله بما أراه الله من علمه وآتاه من حكمه وحكمه وبين له من سبل الهدى وعينه لبصيرته من سنن نبيه التي من حاد عنها فقد جار واعتدى وليقف من الأحكام عند ما قررته الشريعة المطهرة من أحكام الله التي لا يعقلها إلا العالمون ويأمر كلا من المتقاضين بالوقوف عند ما حد له ( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) والوصايا وإن كثرت فمن مثله تفاد وإن جلت فسمعه في غنى عما يبدأ له منها ويعاد وملاكها تقوى الله تعالى التي هي شعار أنسه وحلية يومه وأمسه والله تعالى يسدده في القول والعمل ويوفقه لما يرضاه ويصونه من الخطإ والخطل
وهذه وصية لقاضي العسكر أوردها في التعريف وهي أن يقال
وهو الحاكم حيث لا تنفذ إلا أقضية السيوف ولا تزدحم الغرماء إلا في مواقف الصفوف والماضي قلمه وكل خطي يمد بالدماء والممضي سجله وقد طوى العجاج كالكتاب سجل السماء وأكثر ما يتحاكم إليه في الغنائم التي لم تحل لأحد قبل هذه الأمة وفي الشركة وما تطلب فيه القسمة وفي المبيعات وما يرد منها بعيب وفي الديوان المؤجلة وما يحكم فيها بغيب وكل هذا مما لا يحتمل طول الأناة في القضاء واشتغال الجند المنصور عن مواقف الجهاد

بالتردد إليه بالإمضاء فليكن مستحضرا لهذه المسائل ليبت الحكم في وقته ويسارع السيف المصلت في ذلك الموقف ببته وليعلم أن العسكر المنصور هم في ذلك الموطن أهل الشهادة وفيهم من يكون جرحه تعديلا له وزيادة فليقبل منهم من لا تخفى عليه سيما القبول ولا يرد منهم من لا يضره أن يرده هو وهو عند الله مقبول وليجعل له مستقر معروفا في المعسكر يقصد فيه إذا نصبت الخيام وموضعا يمشي فيه ليقضي فيه وهو سائر وأشهر ما كان على يمين الأعلام وليلزم ذلك طول سفره وفي مدد المقام ولا يخالفه ليبهم على ذوي الحوائج فما هو بالصالحية بمصر ولا بالعادلية الشام وليتخذ معه كتابا تكتب للناس وإلا فمن أين يوجد مركز الشهود وليسجل لذي الحق بحقه وإلا فما انسد باب الجحود وتقوى الله هي التي بها تنصر الجنود وما لم تكن أعلى ما يكون على أعلام الحرب وإلا فما الحاجة إلى نشر البنود

الوظيفة الثانية إفتاء دار العدل
وموضوعها الجلوس بدار العدل حيث يجلس السلطان لفصل الحكومات والإفتاء فيما لعله يطرأ من الأحكام بدار العدل وهي وظيفة جليلة لصاحبها مجلس بدار العدل يجلسه مع القضاة الأربعة ومن في معناهم
وهذه نسخة توقيع لمن لقبه جمال الدين ينسج على منوالها وهي الحمد لله جاعل العلم للدين جمالا وللدنيا عصمة وثمالا ولأسباب

النجاة والنجاح شارة إذا تحلى بها ذو التمييز كان أحسن ذوي المراتب حالا وأجلهم في الدارين مبدأ ومآلا وأحقهم برتبة التفضيل التي ضربت لها السنة المطهرة فضل البدر على الكواكب مثالا
نحمده على نعمه التي خصت دار عدلنا الشريف من العلماء بأكفائها واصطفت لما قرب من مجلسنا المعظم من دل على أن التأييد قرين اصطفائها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يفتر عن شنب الصواب ثغرها ويتفتح عن فصل الخطاب زهرها ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المخصوص بمحكم التنزيل المنصوص في الصحف المنزلة على ذكر أمته الذين علماؤهم كأنبياء بني إسرائيل وعلى آله وصحبه الذين هم كالنجوم المشرقة من اقتدى بهم اهتدى وكالرجوم المحرقة من اعتدى وجد منها شهابا رصدا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى ما ارتدنا له من رياض العلم من سما فيه فرعه ورحب بتلقي أنواع العلوم ذرعه وبسقت في فنون الفضائل أفنانه ونسقت فرائد الفوائد في سلك الطروس بنانه فتيا دار عدلنا الشريف التي أحكامنا لها تابعة وأغصان العدل بثمار فتاويها مورقة يانعة وأعيننا إلى أفواه مفتيها رامقة وآذاننا لمقالاتهم سامعة
ولما كان فلان هو ثمرة هذا الارتياد ونخبة هذا الانتقاد المعقود عليه في اختيار العلماء بالخناصر والعريق في أصالة العلوم بأصالة ثابتة الأواصر والذي إذا أجاب تدفقت أنواء الفوائد وتألقت أضواء الفرائد واتخذت مسائل فقهه قواعد تترتب الأحكام الشرعية عليها ومصادر وحيه موارد اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزين بهجة هذه الوظيفة بجماله وننزه إشراقها بنور فضائله التي لو قابلها بدر الأفق نازعته حلة كماله
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت أحكامه مع أوامر الشرع الشريف واقفة ومعدلته الشريفة باقتفاء آثار الحق لمشتكيات الظلم كاشفة أن يفوض إليه

كذا فليباشر هذه الوظيفة السنية مفجرا ينابيع العلوم في أرجائها محققا للفتاوى بتسهيل مواردها وتقريب أوجائها موضحا طرقها بإقامة براهينه وأدلته مبديا دقائقها التي يشرق بها أفق الفكر إشراق السماء بنجومها والأفق بأهلته مظهرا من غوامضها ما يقرب على الأفهام مناله ويفسح لجياد القرائح مجاله وينقح لكل ذي ترو رويته ولكل مرتجل بديهته وارتجاله فإنه الكامل الذي قطع إلى بلوغ الغاية مسالك الليالي والإمام الذي غاص فكره من كل بحر لجج المعاني فاستخرج منها مكنون اللآلي مع أن علمه المهذب غني عن تنبيه الوصايا ملي بما يلزم هذه الوظيفة من الخصائص والمزايا فإن البحر يأبى إلا تدفقا والبدر إلا تألقا والله تعالى يزيده من فضله ويزين به أفق العلم ويزيد منا دنوا قرب محله

الوظيفة الثالثة الحسبة
وقد تقدم أن موضوعها التحدث على أرباب المعايش والصنائع والأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح في معيشته وصناعته وحاضرة الديار المصرية تشتمل على حسبتين
الأولى حسبة القاهرة وهي أعلاهما قدرا وأفخمهما رتبة ولصاحبها مجلس بدار العدل مع القضاة الأربعة وقضاة العسكر ومفتى دار العدل وغيرهم وهو يتحدث في الوجه البحري من الديار المصرية في ولاية النواب وعزلهم
قلت ولم تزل الحسبة تولى للمتعممين وأرباب الأقلام إلى الدولة المؤيدية شيخ فولاها للأمير سيف الدين منكلي بغا الفقيه أمير حاجب مضافة

إلى الحجوبية على أن في سجلات الفاطميين ما يشهد لها في الزمن المتقدم وربما أسندت حسبة القاهرة إلى والي القاهرة وحسبة مصر إلى والي مصر
وهذه نسخة توقيع من ذلك وهي
الحمد لله مجدد عوائد الإحسان ومجري أولياء دولتنا القاهرة في أيامنا الزاهرة على ما ألفوه من الرتب الحسان ومضاعف نعمنا على من اجتنى لنا بحسن سيرته الدعاء الصالح من كل لسان
نحمده على نعمه التي لا تحصى بعدها ولا تحصر بحدها ولا تستزاد بغير شكر آلاء المنعم وحمدها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نقيمها في كل حكم وتحاول سيوفنا جاحديها فتنهض فتنطق بالحجة عليهم وهم بكم ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من ائتمر بالعدل والإحسان وأعدل آمر أمته بالوزن بالقسط وأن لا يخسروا الميزان وعلى آله وصحبه الذين احتسبوا في سبيل الله جل عتادهم واحتبسوا أنفسهم في مقاطعة أهل الكفر وجهادهم فلا تنتهب جنائبها في الوجود وتسري نجائبها في التهائم والنجود وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من دعاه إحساننا لرفع قدره وإناره بدره وإعلاء رتبته وإدناء منزلته وإعلام مخلص الأولياء بمضاعفة الإحسان إليه أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا وأن كرمنا لا يخيب لمن أسلف سوابق طاعته في أيامنا الشريفة أملا من لم تزل خدمه السابقة إلى الله مقربة وعن طرق الهوى منكبة

وبالله مذكرة وعلى الباقيات الصالحات من الأعمال موفرة مع ما أضافه إلى ذلك من أمر بمعروف وإغاثة ملهوف ونهي عن منكر واحتساب في الحق أتى فيه بكل ما تحمد خلائقه وتشكر واجتناب لأعراض الدنيا الدنية واجتهاد لما يرضي الله ويرضينا من اتباع سيرتنا السرية وشدة في الحق حتى يقال به ويقام ورفق بالخلق إلا في بدع تنتهك بها حرمة الإسلام أو غش إن لم يخص ضرره الخاص فإن ذلك يعم العام
ولما كان فلان هو الذي اختص من خدمتنا بما رفعه لدينا وأسلف من طاعتنا ما اقتضى تقريبه منا واستدعاءه إلينا ونهض فيما عدقناه به من مصالح الرعايا وكان مشكور المساعي في كل ما عرض من أعماله في ذلك علينا اقتضى رأينا الشريف أن يفوض إليه كذا فليستقر في ذلك مجتهدا في كل ما يعم البرايا نفعه ويجمل لديهم وقعه ويمنع من يتعرض باليسار إلى ما لهم بغير حق أو يضيق بالاحتكار على ضعفائهم ما بسط الله لهم من رزق ويذب عنهم بإقامة الحدود شبه تعطيلها ويعرفهم بالمحافطة على الحق في المعاملات قواعد تحريمها وتحليلها ويريهم بالإنصاف نار القسطاس المستقيم لعلهم يبصرون ويؤدب من يجد فيهم من المطففين ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) ويأمر أهل الأسواق بإقامة الجماعات والجمع ويقابل من تخلف عن ذلك بالتأديب الذي يردع من أصر فيه على المخالفة ويزع ويلزم ذوي الهيئات بالصيانة التي تناسب مناصبهم وتوافق مراتبهم وتنزه عن الأدناس مكاسبهم وتصون عن الشوائب شاهدهم وغائبهم ولا يمكن ذوي البيوع أن يغبنوا ضعفاء الرعايا وأغبياءهم ولا يفسح لهم أن يرفعوا على الحق أسعارهم ويبخسوا الناس أشياءهم
وليحمل كلا منهم على المعاملات الصحيحة والعقود التي غدت لها الشريعة الشريفة مبيحة ويجنبهم العقود الفاسدة والحيل التي تغر بتدليس

السلع الكاسدة وهو أخبر بالبيوع المنصوص على فسادها في الشرع الشريف وأدرى بما في عدم تحريرهم المكاييل والموازين من الإخسار والتطفيف فليفعل ذلك في كل ما يجب ويحتسب فيه ما يدخره عند الله ويحتسب ولتكن كلمته في ذلك مبسوطة ويد تصرفه في جميع ذلك محيطة وبما يستند إليه من أوامره محوطة وليوص نوابه بمثل ذلك ويوضح لهم بإنارة طريقته كل حال حالك ويقدم تقوى الله على كل أمر ويتبع فيه رضا الله تعالى لا رضا زيد وعمرو والخط الشريف أعلاه
وهذه نسخة توقيع من ذلك بحسبة الفسطاط المعبر عنه الآن بمصر عودا إليها وهي
الحمد لله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الشاهد بالعدل الذي تقوى به كلمة الإيمان وتنصر والغامر بالجود الذي لا يحصى والفضل الذي لا يحصر العامر ربوع ذوي البيوت بتقديم من انعقدت الخناصر على فضله الذي لا يجحد ولا ينكر
نحمده على نعمه التي لا تزال ألسنة الأقلام ترقم لها في صحف الإنعام ذكرا وتجدد لها بإصابة مواقع الإحسان العام شكرا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تصدع بنورها ليل الشرك فيؤول فجرا ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي قمع الله به من اغتر بالمعاصي وغرر وأقام بشريعته لواء الحق الأطهر ومنار العدل الأظهر وعلى آله وصحبه الذين سلكوا من الهداية بإرشاده منهج الحق الأنور واحتسبوا نفوسهم في نصرته ففازوا من رضاه بالحظ الأوفى والنصيب الأوفر
وبعد فإن الله تعالى لما جعل كلمتنا المبسوطة على العدل والإحسان مقصورة وأوامرنا الشريفة بإقامة منار المعروف مؤيدة منصورة وأحكامنا المشهورة بالإنصاف في صحائف الدهر بالمحاسن مسطورة وألهمنا من اتباع

الشرع الشريف ما غدت به قلوب الرعايا آمنة مسرورة قصدنا أن نختار لمراتب الديانة والعفاف من لم يزل بيته بالصدارة عليا ووصفه بأنواع المحامد والممادح مليا
ولما كان فلان هو الذي ورث السيادة عن سلف طاهر وتلقى السعادة عن بيت فروعه التقوى فأزرت بالروض الزاهي الزاهر وسرت سرائره بحسن سيرته وسيره وأبطن من الديانة ما أظهرته أدلة خيره وتنقل في المراتب الدينية فأربى في حسن السلوك على غيره وسلك من الأمانة الطريق المثلى واعتمد ما عدم به مضاهيا ومثلا وجنى ما نطق بإنصافه فضل الكيل والميزان ورجاه من أهل الخير كل ذي إحسان وخشية أهل الزيغ والبهتان وكانت الحسبة المباركة بمصر المحروسة قد ألفت قضاياه وأحكامه وعرفت بالخبر معروفه وشكرت نقضه وإبرامه وفارقها على رغمها منه اختيارا وعادت له خاطبة عقيلة نزاهته التي لا تجارى
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي أن يفوض إليه كذا فليقدم خيرة الله في مباشرة هذه الوظيفة وليقم منارها بإقامة حدودها الشريفة ولينظر في الكيل والميزان اللذين هما لسان الحق الناطق ولينشر لواء العدل الذي طالما خفقت بنوده في أيامنا حتى غدا قلب المجرم وهو خافق وليحسن النظر في المطاعم والمشارب وليردع أهل البدع ممن هو مستخف بالليل وسارب وفيه بحمد الله تعالى من حسن الألمعية ما يغني عن الإسهاب في الوصايا ويعين على السداد في نفاذ الأحكام وفصل القضايا وكيف لا وهو الخبير بما يأتي ويذر والصدر الذي لا يعدو الصواب إن ورد أو صدر والله تعالى يعمر به للعدل معلما ويكسوه بالإقبال في أيامنا الشريفة ثوبا بالثواب معلما والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه
وهذه وصية محتسب أوردها في التعريف وهي

وقد ولي أمر هذه الرتبة ووكل بعينه النظر في مصالح المسلمين لله حسبة فلينظر في الدقيق والجليل والكثير والقليل وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر وما يؤمر فيه بمعروف أو ينهى عن منكر وما يشترى ويباع وما يقرب بتحريره إلى الجنة ويبعد من النار ولو لم يكن قد بقي بينه وبينها إلا قدر باع أو ذراع وكل ما يعمل من المعايش في نهار أو ليل وما لا يعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلم فم الكيل وليعمل لديه معدلا لكل عمل وعيارا إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل وليتفقد أكثر هذه الأسباب ويحذر من الغش فإن الداء أكثره من الطعام أو الشراب وليتعرف الأسعار ويستعلم الأخبار في كل سوق من غير إعلام لأهله ولا إشعار وليقم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النظر ويطمئن به وإن غاب إذا حضر ويأمره بإعلامه بما أعضل ومراجعته مهما أمكن فإن رأي مثله أفضل ودار الضرب والنقود التي منها تنبث وقد يكون فيها من الزيف ما لا يظهر إلا بعد طول اللبث فليتصد لمهماتها بصدره الذي لا يحرج وليعرض منها على المحك من رأيه مالا يجوز عليه بهرج وما يعلق من الذهب المكسور ويروبص من الفضة ويخرج وما أكلت النار كل لحامه أو بعضه فليقم عليه من جهته الرقباء وليقم على شمس ذهبه من يرقب منه ما ترقب من الشمس الحرباء وليقم الضمان على العطارين والطرقية من بيع غرائب العقاقير إلا ممن لا يستراب فيه وهو معروف وبخط متطبب ماهر لمريض معين في دواء موصوف والطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان وكل إنسان سوء من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطان لا إنسان امنعهم كل المنع واصدعهم مثل الزجاج حتى لا ينجبر لهم صدع وصب عليهم النكال وإلا فما يجدي في تأديبهم ذات التأديب والصفع واحسم

كل هذه المواد الخبيثة واقطع ما يجدد ضعفاء الناس من هذه الأسباب الرثيثة ومن وجدته قد غش مسلما أو أكل بباطل درهما أو أخبر مشتريا بزائد أو خرج عن معهود العوائد أشهره في البلد وأركب تلك الآلة قفاه حتى يضعف منه الجلد وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب وعالمات النساء وغيرهما من الأنواع ممن يخاف من ذئبه العائث في سرب الظباء والجآذر ومن يقدم على ذلك ومثله وما يحاذر ارشقهم بسهامك وزلزل أقدامهم بإقدامك ولا تدع منهم إلا من اختبرت أمانته واخترت صيانته والنواب لا ترض منهم إلا من يحسن نفاذا ويحسب لك أجر استنابته إذا قيل لك من استنبت فقلت هذا وتقوى الله هي نعم المسالك وما لك في كل ما ذكرناه بل أكثره إلا إذا عملت فيه بمذهب مالك

الوظيفة الرابعة وكالة بيت المال
وهي وظيفة عظيمة الشان رفيعة المقدار وقد تقدم أن موضوعها التحدث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترواته من أرض وآدر وغير ذلك مما يجري هذا المجرى وأن متوليها لا يكون إلا من أهل العلم والديانة وأن له مجلسا بدار العدل تارة يكون دون مجلس المحتسب وتارة فوق مجلسه بحسب رفعة قدر كل منهما في نفسه وقد أضيف إليها في المباشرة نظر كسوة الكعبة الشريفة وصارا كالوظيفة الواحدة
وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال
الحمد لله جامع المناصب الدينية لمن خطبته لها رتبتان العلم والعمل ومكمل الرتب السنية لمن وجدت فيها أهبتان الورع والتقى وعدمت منه خلتان الحرص والأمل جاعل اختصاص الرتب بأكفائها حلية الدول

والنظر في مصالحها الخاصة والعامة زينة أيامنا التي تتلفت إلى محاسنها أجياد الأيام الأول
نحمده على نعمه التي عصمت آراءنا من اعتراض الخلل وأمضت أوامرنا من مصالح الأمة بما تسري به المحامد سري النجوم ويسير به الشكر سير المثل
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم نزل نستنطق بها في الجهاد ألسنة الأسل ونوقظ لإقامتها عيون جلاد لها الغمود جفون والسهام أهداب والسيوف مقل ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أظهر الله دينه على الأديان وشرف ملته على الملل وأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى وعاد ولم يكمل الليل بين السير والقفل وعلى أله وصحبه الذين هاجروا في المهاجر إليه الأحياء والحلل وشفوا بأسنة سنته العلل والغلل وتفردوا بكمال المفاخر فإذا خلعت الأقلام على أوصافهم حللا غدت منها في أبهى من الحلل صلاة تتوالى بالعشي والإبكار وتتواتر في الإشراق والطفل وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى الرتب بإنعام النظر في ارتياد أكفائها وانتقاد فرائد الأعيان لها وانتقائها واستخارة الله تعالى في اختيار من يكون أمر دينه هو المهم المقدم لديه واستنارة التوفيق في اصطفاء من يكون مهم آخرته هو المرئي المصور بين عينيه مع ما اتصف به من محاسن سجايا جبلت عليها طباعه وخص به من سوابق مزايا رحب بها في تلقي المصالح الدينية صدره وباعه رتبتان يعم نفعهما ويخص ويحسن وقعهما بما يبديه من أوصافه ويقص ويتعلق كل منهما بجماعة الأمة فردا فردا ويشتملان على منافعهم على

اختلافها بدأ وإعادة وعكسا وطردا ويكون المتصدي لهما مناقشا على حقوقهم وهم ساهون ومفتشا عن مصالحهم وهم عنها لاهون ومناضلا عنهم وهم غافلون ومشمرا للسعي في مصالحهم وهم في حبر الدعة رافلون ومتكلفا لاستماع الدعوى عنهم جوب فلوات الجواب ومتكفلا بالتحري في المحاورة عنهم وإصابة شاكلة الصواب ومؤديا في نصحهم جهده تقربا إلى مراضينا وله عندنا الرضا وابتغاء ثواب الله ( والله عنده حسن الثواب ) وهما وكالة بيت المال المعمور والحسبة الشريفة بالقاهرة المحروسة فإن منافع وكالة بيت مال المسلمين عائدة عليهم آئلة بأحكام الشريعة المطهرة إليهم راجعة إلى ما يعمهم مساره معدة لما تدفع به عنهم من حيث لا يشعرون مضاره صائنة حقوقهم من تعدي الأيدي الغاصبة حافظة بيوت أموالهم من اعتراض الآمال العاملة الناصبة وكذلك نظر الحسبة فإنه من أخص مصالح الخلق وأعمها وآكد الوظائف العامة وأكملها استقصائية للمصالح الدينية والدنيوية وأتمها يحفظ على ذوي الهيئات أقدارهم ويبين بتجنب الهنات في الصدر مقدارهم ويصون بتوقي الشبهات إيرادهم وإصدارهم وينزه معاملاتهم عن فساد يعارضها أو شبه تنافي كمال الصحة وتناقضها ويحفظ أقواتهم من غش متلف أو غلو مجحف إلى غير ذلك من أدوية لا بد من الوقوف على صحة ترتيبها وتركيبها وتتبع الأقوال التي تجري بها الثقة إلى غاية تجريبها ولذلك لا تجمعان إلا لمن أوقفه علمه على جادة العمل واقتصر به ورعه على مادة الحق فليس له في التعرض إلى غيره أمل وسمت به أوصافه إلى معالم الأمور فوجد التقى أفضل ما يرتقى وعرضت عليه أدواته جوهر الذخائر فوجد العمل الصالح أكمل ما ينتقد منها وما ينتقى وتحلى بالأمانة فصارت له خلقا وسجية وأنس بالنزاهة فكانت له في سائر الأحوال للنجاة نجية وأرته فضائله الحق حيث هو فتمسك بأسبابه وتشبث بأهدابه واتصف به في سائر أحواله فإن أخذ أخذ بحكمه وإن

أعطى أعطى به واحترز لدينه فهو به ضنين واستوثق لأمانته وإن لم يكن فيها بحمد الله متهما ولا عليها بظنين واجتنى ثمار المحامد الحلوة من كمام الأمانة المرة وعلم أن رضا الله تعالى في الوقوف مع الحق فوقف معه في كل ما ساءه للخلق وسره
ولما كان فلان هو الذي أمسكت الفضائل بما كملها من آداب نفسه ونفاسة آدابه وتجاذبته الرتب للتحلي بمكانته فلم تكن هذه الرتبة بأحق به من مجالس العلم ولا أولى به وشهدت له فضائله معنى بما شهدت له به الأئمة الأعلام لفظا ونوهت بذكره العلوم الدينية التي أتقنها بحثا وأكملها دراية وأثبتها حفظا فأوصافه كالأعلام المشتقة من طباعه والدالة بدوامها على انحصار سبب الاستحقاق فيه واجتماعه المنبهة على أنه هو المقصود بهذه الإشارات التي وراءها كل ما يحمد من اضطلاعه بقواعد هذه الرتب واطلاعه فهو سر ما ذكر من نعوت وأوصاف ومعنى ما شهر من معدلة وإنصاف ورقوم ما حبر من حلل أفيضت منه على أجمل أعطاف رسم أن يفوض تفويضا يقع به الأمر في أحسن مواقعه ونضع به الحكم في أحمد مواضعه ويحل من أجياد هذه المناصب محل الفرائد من القلائد ويقع من رياض هذه المراتب وقوع الحيا الذي سعد به رأي الرائد
فليباشر هاتين الوظيفتين مرهفا في مصالحهما همة غير همة مجتهدا من قواعدهما فيما تبرأ به عند الله منا ومنه الذمة محاققا على حقوق بيت المال حيث كانت محاققة من يعلم أنه مطلوب بذلك من جميع الأمة متحريا للحق فلا يغدو لما يجب له مهملا ولا لما يجب عليه مماطلا واقفا مع حكم الله تعالى الجلي في الأخذ والعطاء فإنه سيان من ترك حقا أو أخذ باطلا مجريا عوائد الحسبة على ما ألف من تدبيره وعرف من إتقانه وتحريره وشهر من

اعتماده للواجب في سائر أموره مكتفيا بما اطلع عليه قديما من مصالحها منتهيا إلى ما سبقت معرفته به من أسبابها ومناجحها والله تعالى يوفقه في اجتهاده ويعينه على ما يدخره لمعاده إن شاء الله تعالى
وهذه وصية وكيل بيت المال أوردها في التعريف
وهو الوكيل في جميع حقوق المسلمين وماله معهم إلا حق رجل واحد والمكلف بالمخاصمة عنهم حتى يقر الجاحد وهو القائم للدعوى لهم وعليهم والمطلوب من الله ومنا بما يؤخذ لهم أو يؤخذ من يديهم والمعد لتصحيح العقود وترجيح جهة بيت المال في العقار المبيع والثمن المنقود والمتكلم بكتاب الوكالة الشرعية الثابتة والثابت القدم والأقدام غير ثابتة والمفسوح المجال في مجالس الحكام والمجادل بلسان الحق في الأحكام والموقوفة كل دعوى لم تسمع في وجهه أو في وجه من أذن له في سماعها والمرجوع إليه في إماتة كل مخاصمة حصل الضجر من طول نزاعها وإبداء الدوافع ما لم يجد بدا من الإشهاد عليه بعدم الدافع والانتهاء إلى الحق كان له أو عليه ولا يقف عند تثقيل مثقل ولا شفاعة شافع وبوقوفه تحدد الحدود وتمتحن الشهود ويمشي على الطرق المستقيمة وتحفظ لأصحابها الحقوق القديمة وبه يتم عقد كل بيع وإيجار إذا كانت المصلحة فيها لعامة المسلمين ظاهرة ولهم فيما يوكل عنهم فيه الحظ والغبطة بحسب الأوقات الحاضرة
ونحن نوصيه في ذلك كله بالعمل بما علم والانتهاء في مقتضى قولنا إلى ما فهم وتقديم تقوى الله فإنه متى قدمها بين يديه سلم والوقوف مع رضا الله تعالى فإنه متى وقف معه غنم والعمل بالشرع الشريف كيفما توجهت به

أحكامه والحذر من الوقوف في طريقه إذا نفذت سهامه ومن مات له ورثة معروفة تستكمل بحقها ميراثه وتحوز بحظها تراثه لا يكلفهم ثبوتا يكون من باب العنت والمدافعة بحق لا يحتاج مستحقه إلى زيادة ثبت وإنما أنت ومن كانت قضيته منكرة والمعروف من مستحقي ميراثه نكرة فأولئك شدد في أمرهم وأوط شهداءهم في الاستفسار منهم على جمرهم وتتبع باطن الحال لعله عنك لا يتستر ولا يمشي عليك في الباطل ويمشي شاهد الزور بكميه ويتبختر فإن تحققت صحة شهاداتهم وإلا فأشهرهم في الدنيا ودعهم في الآخرة لا يخفف عنهم العذاب ولا يفتر وكل ما يباع أو يؤجر ارجع فيه إلى العوائد وتقلد أمر الصغير وجدد لك أمرا منا في الكبير وذلك بعد مراعاة ما تجب مراعاته والتأني كل التأني حتى يثبت ما ينبغي إثباته وشهود القيمة عليهم المدار وبشهادتهم يقدر المقدار وما لم يكونوا من ذوي الأقدار ومن أهل الخبرة بالبز والجدار وممن اشترى العقار واستغله وبنى الدار وإلا فاعلم أن مثله لا يرجع إليه ولا يعول ولا سيما في حق بيت المال عليه فاتفق مع ولاة الأمور من أهل الأحكام على تعيين من تعين لتقليد مثل هذه الشهادة وتعرف منهم من له كل الخبرة حتى تعرف أنه من أهل الزهادة ولك أن تدعي بحق المسلمين حيث شئت ممن ترى أن حقه عنده يترجح وأن بينتهم تكون عنده أوضح فأما الدعوى عليك فمن عادتها أن لا تسمع إلا في مجلس الحكم العزيز الشافعي أجله الله تعالى ونحن لا نغير العوائد ولا ننقض ما بنت الدول السالفة عليه القواعد فليكن في ذلك المجلس سماعها إذا تعينت وإقامة البينات عليها إذا تبينت والله الله في حق بيت المال ثم الله الله في الوقت الحاضر والمآل ومن تستنيبهم عنك بالأعمال لا تقر منهم إلا من تقر به عينك ويوفى به عند الله لا بما تحصله من الدنيا دينك ومن كان لعمله

مصلحا ولأمله منجحا لا تغير عليه فيما هو فيه ودعه حتى يتبين لك خافيه ولتستقص في كل وقت عنهم الأخبار ولتستعلم حقائق ما هم عليه بمن تستصحبه من الأخيار ولا تزال منهم على يقين وعمل بما فيه خلاص دنيا ودين

الوظيفة الخامسة الخطابة
وهي من أجل الوظائف وأعلاها رتبة في نفس الأمر وموضوعها معروف وتختص هذه الطبقة من التواقيع بخطابة الجوامع
وهذه نسخة توقيع بخطابة الجامع بقلعة الجبل المحروسة حيث مصلى السلطان من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
الحمد لله الذي أنار بالذكر قلوب أوليائه وكشف بالذكرى بصائر أصفيائه وأنال أهل العلم بالإبلاغ عنه إلى خلقه وراثة أنبيائه واختار لإذكارنا بآلاء الله من فرسان المنابر من يجاهد الأعداء بدعائه ويجاهر الأوداء من مواعظه بما يعلم كل منهم أن في مؤلم صوادعه دواء دائه فإذا افتتح بحمد الله أثنى عليه بمواد علمه حق ثنائه ونزهه بما ينبغي لسبحات وجهه وجلال قدسه وتقدس أسمائه وأثنى كما يجب على نبيه الذي آدم ومن بعده من الرسل تحت لوائه وإذا تليت على خيل الله خطبته تشوقت بلقاء أعداء الله إلى لقائه وخطبت الجنان من بذل نفوسها ونفائسها بما أقنته في سبيل الله لاتقائه
نحمده على أن جعلنا لذكره مستمعين ولأمره ونهيه متبعين وعلى حمده في كل ملأ من الأولياء مجتمعين

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال تختال بذكرها أعطاف المنابر وتتعطر ألسنة الأقلام بما تنقله منها عن أفواه المحابر ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هدى الله من تقدم من الأمة بخبره ومن تأخر بخبره وجعل روضة من رياض الجنة بين قبره ومنبره وعلى آله وصحبه الذين هم أول من عقدت بهم من الجمع صلواتها وأكرم من زهيت به من الجهاد والمنابر صهواتها صلاة لا نزال نقيمها عند كل مسجد ونديمها في كل متهم في الآفاق ومنجد وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى المنابر أن يرتاد له من أئمة العلماء علامة عصره ورحلة مصره وإمام وقته الذي يصدع بالحق وإن صدع وعالم زمانه الذي يقوم في كل مقام بما يناسبه مما يأخذ في الموعظة الحسنة وما يدع منبر نذكر بآلاء الله على أعواده وإن لم نزل لها من الذاكرين وننبه فيه على شكر الله بالرأفة على خلقه وإن لم نبرح لها بذلك وغيره من الشاكرين ونشوق عليه إلى الجهاد في سبيل الله بما أعد الله لنا على ذلك من النصر والأجر وإن كنا على الأبد إليه مبادرين وإلى إقامة دعوة الحق به مباكرين
ولما كان فلان هو الذي تعين لرقي هذه الرتبة فخطب لخطابتها وتبين أنه كفؤها الذي تتشوق النفوس إلى مواعظه فترغب في إطالتها لإطابتها اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلي بفضائله أعطاف هذا المنبر الكريم وأن نختص نحن وأولياؤنا بسماع مواعظه التي ترغب فيما عند الله بجهاد أعداء الله والله عنده أجر عظيم
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال يطلع في أفق المنابر من الأولياء شمسا منيرة ويقيم شعائر الدين من الأئمة الأعلام بكل مشرق العلانية طاهر السريرة أن يفوض إليه كذا فليحل هذه الرتبة التي لم تقرب لغيره جيادها

ويحل هذه العقيلة التي لا تزان بسوى العلم والعمل أجيادها ويرق هذه الهضبة التي يطول إلا على مثله صعودها ويلق تلك العصبة التي تجتمع للأولياء به حشودها وهو يعلم أنه في موقف الإبلاغ عن الله لعباده والإعلام بما أعد الله في دار كرامته لمن جاهد في الله حق جهاده والإنذار لمن قصر في إعداد الأهبة ليوم معاده وهو بمحضر من حماة الإسلام ومشهد ممن قلدناه أمر أمة سيدنا محمد فليقصر خطبه على طاعة لله يحض عليها وعزمة في سبيل الله يشوق إليها ومعدلة يصف ما أعد الله لولاة أمر قدمتها بين يديها وتوبة يبعث الهمم على تعجيلها وأوقات مكرمة ينبه الأمم على احترامها بتقوى الله وتبجيلها ودنيا ينذر من خداعها ويبين للمغتر بها ما عرف من خلائقها المذمومة وألف من طباعها وأخرى يوضح للمعرض عنها وشك قدومها ويحذر المقصر في طلابها من عذابها ويبشر المشمر لها بنعيمها وليعلم أن الموعظة إذا خرجت من الألسنة لم تعد الأسماع ولم يحصل منها على غير تعقل القرائن والأسجاع وإذا خرجت من القلوب وقعت في مثلها وأثمرت في الحال بالمحافظة على فرض الطاعة ونفلها وسكنت في السرائر طباع طاعة تأبى على محاول نقلها وقدحت في البصائر من أنواع المعرفة ما لم يعهد من قبلها وليجعل خطبه في كل وقت مناسبة لأحوال مستمعيها متناسبة في وضوح المقاصد بين إدراك من يعي غوامض الكلام ومن لا يعيها فخير الكلام ما قل ودل وإذا كان قصر خطبة الرجل وطول صلابته منبئين عن فقهه فما قصر من حافظ على ذلك ولا أخل وليوشح خطبه من الدعاء لنا وللمسلمين بما يرجى أن يوافق ساعة الإجابة وإذا توخى الغرض بدعائه لعموم الأمة فقد تعينت إن شاء الله الإصابة وهذه الوصايا على سبيل الذكرى التي تنفع المؤمنين وترفع المحسنين والله تعالى يجعله وقد فعل من أوليائه المتقين بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
وهذه وصية خطيب أوردها في التعريف

وليرق هذه الرتبة التي رفعت له ذرا أعوادها وقدمت له من المنابر مقربات جيادها وليصعد منها على أعلى درجة وليسعد منها بصهوة كأنما كانت له من بكرة يومه المشرق مسرجة وليرع حق هذه الرتبة الشريفة والذروة التي ما أعدت إلا لإمام فرد مثله أو خليفة وليقف حيث تخفق على رأسه الأعلام ويتكلم فتخرس الألسنة وتجف في فم الذرا الأقلام وليقرع المسامع بالوعد والوعيد ويذكر بأيام الله من ( كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ويلين القلوب القاسية وإن كان منها ما هو أشد قسوة من الحجارة والحديد وليكن قد قدم لنفسه قبل أن يتقدم وليسبل عليه درع التوبة قبل أن يتكلم وليجعل لكل مقام مقالا يقوم به على رؤوس الأشهاد ويفوق منه سهما لا يخطئ موقعه كل فؤاد وليقم في المحراب مقام من يخشى ربه ويخاف أن يخطف الوجل قلبه وليعلم أن صدفة ذلك المحراب ما انفلقت عن مثل درته المكنونة وصناديق الصدور ما أطبقت على مثل جوهرته المخزونة وليؤم بذلك الجم الغفير وليتقدم بين أيديهم فإنه السفير وليؤد هذه الفريضة التي هي من أعظم الأركان وأول الأعمال التي توضع في الميزان وأقرب القرب التي يجمع إليها داعي كل أذان وليقم بالصلاة في أوقاتها وليرح بها الناس في أول ميقاتها وليخفف مع الإتمام وليتحمل عمن وراءه فإنه هو الإمام وعليه بالتقوى في عقد كل نية وأمام كل قضية والله تعالى يجعله ممن ينقلب إلى أهله وهو مسرور وينصب له مع الأئمة المقسطين يوم القيامة عن يمين الرحمن منابر من نور بمنه وكرمه

الوظيفة السادسة الإمامة بالجوامع والمساجد والمدارس الكبار التي تصدر
التولية عن السلطان في مثلها
وهذه نسخة توقيع بالإمامة

أما بعد حمد الله على نعمه التي جعلت أيامنا الشريفة تزيد أهل الفضائل إكراما وتخص بالسيادة والتقديم من أنشأه الله تعالى قرة أعين وجعله للمتقين إماما وقدمه على أهل الطاعة الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والشهادة له بالوحدانية التي تكسو مخلصها جلالا وساما والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أم الناس وعلمهم الصلاة وأظهر في إقامة الدين مقالا محمودا ومقاما وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بسنته توثقا واعتصاما فإن خير الرتب في هذا العصر وفيما تقدم رتبة الإمامة حيث تقدم سيد البشر في محرابها على الأمة وأم فاختارها من اتبع الطريق المحمدية وشرعها وعلم سناءها ورفعها فزاد بذلك سموا إلى سموه وحصل على تضاعف الأجر ونموه وهو فلان
رسم لا زالت أيامه الشريفة تشمل ذوي الأصالة والصدارة بجزيل فضلها وعوائد إنعامه تجري بإتمام المعروف فتبقي الرتب الدينية بيد مستحقها وتسارع إلى تخليد النعم عند أهلها أن يستمر فلان في كذا جاريا فيه على أجمل العادات إعانة له على اكتساب الأجور بما يعتمده من تأهيل معهد العبادات ورعاية لتكثير المبار وترجيحا لما اشتمل عليه من حسن النظر في كل إيراد وإصدار وتوفيرا للمناجح التي عرفت من بيته الذي كم ألف منه فعل جميل وعمل بار ووثوقا بأنه يعتمد في عمارة مساجد الله سبحانه وتعالى أنه تشهد به الملائكة المتعاقبون بالليل والنهار والله تعالى يجعل النعم عنده مؤبدة الاستقرار إن شاء الله تعالى

الوظيفة السابعة التدريس وموضوعه إلقاء المسائل العلمية للطلبة
وهذه نسخة توقيع بتدريس كتب به للقاضي عز الدين ابن قاضي

القضاة بدر الدين بن جماعة عوضا عن والده في جمادى الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة وهي
الحمد لله متم فضله على كل أحد ومقر النعمة على كل والد وولد الذي خص أولياءنا ببلوغ الغايات في أقرب المدد واستصحاب المعروف فما ينزع منهم خاتم من يد إلا ليد
نحمده بأفضل ما يحمده به من حمد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة باقية على الأبد ونصلي على سيدنا محمد نبيه الذي جعل شريعته واضحة الجدد قائمة بأعلام العلماء قيام الأمد وعلى آله وأصحابه الذين شبههم في الهدى بالنجوم وهم مثلها في كثرة العدد وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن نعمنا الشريفة لا تتحول ومواهبنا الجزيلة لا تزال لأوليائنا تتخول وكرمنا يمهد منازل السعود لكل بدر يتنقل وشيمنا الشريفة ترعى الذمم لكل من أنفق عمره في ولائها وتحفظ ما لها من المآثر القديمة بإبقائها في نجباء أبنائها مع ما نلاحظه في استحقاق التقديم وانتخاب من ترقى منهم بين العلم والتعليم وحصل في الزمن القليل العلم الكثير واستمد من نور والده وهو البدر المنير وعلم بأنه في الفضائل سر أبيه الذي شاع وخليفته الذي لو لم ينص عليه لما انعقد إلا عليه الإجماع والواحد الذي ساد في رتبة أبيه وما خلت من مثله لا أخلى الله منه البقاع
وكان المجلس السامي القضائي الفلاني هو المراد بما قدمنا من صفاته الجميلة وتوسمنا أنه لمعة البدر وهي لا تخفى لأنها لا ترد العيون كليلة ورأى والده المشار إليه من استحقاقه ما اقتضى أن ينوه بذكره وينبه على المعرفة

بحق قدره فآثر النزول له عما باسمه من تدريس الزاوية بجامع مصر المحروسة ليقوم مقامه ويقرر فوائده وينشر أعلامه ويعلم أنه قد حلق في العلياء حتى لحق البدر وبلغ تمامه فعلمنا أن البركة فيما أشار وأن اليمن بحمد الله فيما رجحه من الاختيار
فلذلك رسم بالأمر الشريف زاد الله في شرفه وجعل أقطار الأرض في تصرفه أن يرتب في هذا التدريس عوضا عن والده أطال الله بقاءه على عادته وقاعدته إلى آخر وقت لأنه أحق من استحق قدره الرفيع التمييز وأولى بمصر ممن سواه لما عرفت به مصر من العزيز ثم من عبد العزيز
ونحن نوصيك أيها العالم وفقك الله بالمداومة على ما أنت بصدده والمذاكرة للعلم فإنك لا تكاثر العلماء إلا بمدده والعمل بتقوى الله تعالى في كل قصد وتصدير وتقريب وتقرير وتأثيل وتأثير وتقليل وتكثير ونص وتأويل وترتيب وترتيل وفي كل ما تزداد به رفعتك وتطير به سمعتك ويحسن به الثناء على دينك المتين ويقوم به الدليل على ما وضح من فضلك المبين
واعلم بأنك قد أدركت بحمد الله تعالى وبكرمنا وبأبيك وباستحقاقك ما ارتد به كثير عن مقامك ووصلت في البداية إلى المشيخة في زاوية إمامك فاعمل في إفادة الطلبة بما يرفع الرافعي لك به الراية ويأتم به إمام الحرمين في النهاية فقد أمسيت جار البحر فاستخرج جمانه واجتهد لتصيب في فتاويك فإن أوليائك سهام رميها من كنانة وسبيل كل واقف عليه العمل بمقتضاه والاعتماد
وهذه نسخة توقيع بتدريس زاوية الشافعي بالجامع العتيق أيضا من إنشاء

المولى زين الدين بن الخضر موقع الدست كتب به لتاج الدين محمد الإخنائي شاهد خزانة الخاص بالنيابة عن عمه قاضي القضاة تقي الدين المالكي في أيام حياته مستقلا بعد وفاته وهي
أما بعد حمد الله على أن زان مجالس المدارس في أيامنا الشريفة بتاجها وأقربها من ذوي الإنابة من يستحق النيابة عن تقي قوى الأحكام بإحكامها وإنتاجها ورفع قدر بيت مبارك طالما اشتهر علم علمه وصدر عن صدره فكان مادة مسرة النفس وابتهاجها وجعل عوارفنا ترعى الذرية الصالحة في عقبها وتولي كل رتبة من أضحى لأهلها بوجاهته مواجها والشهادة له بالوحدانية التي تنفي شرك الطائفة الكافرة ومعلول احتجاجها والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي استقامت به أمور هذه الأمة بعد اعوجاجها وتشرفت به علماؤها حتى صارت كأنبياء بني إسرائيل بحسن استنباطها للجمل وجميل استخراجها وعلى آله وصحبه الذين علموا وعملوا وأوضحوا لهذه الملة قويم منهاجها فإن أولى الأولياء ببلوغ الأمل وتعاهد مدارس العلم بصالح العمل وإظهار سر الفوائد للطالبين وحل عقود مشكلها بجميل الاطلاع وحسن اليقين من حوى معرفة الفروع والأصول وحاز من مذهبه المذهب خير محصول ونشأ في حجر الفضائل واقتدى بحكام بيته الذين لهم في العلوم بمصر والشام أوضح البراهين وأقوى الدلائل وله في الآباء والأبوة الديانة التي بلغ بها من الإقبال مرجوه طالما سارت أحكام عمه أجله الله في الأقطار وحكم فأبدى الحكم بين أيدينا أو في الأمصار وله العفاف والتقى والمآثر الجميلة وجميل الآثار والفتاوى التي أوضح لها مشكلا وفتح مقفلا والفصل بين الخصوم بالحق المجتلى والبركة التي لدولتنا الشريفة منها نصيب وافر والتصميم الذي اقترن بغزارة العلم والوقار الظاهر فهو أعز الله أحكامه من العلماء العاملين وله

البشرى بما قاله أصدق القائلين في النبإ الذي تتم به الزيادة والنمار ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )
ولما كان المجلس السامي هو الذي استوجب التصدير لإلقاء الدروس وأضحى مالكيا مالكا أزمة الفضائل حائزا من أثوابها أفخر ملبوس وله بخزانة خاصنا الشريف وإصطبلاته السعيدة الشهادة البينة والكتابة التي هي العز الحاضر فلا يحتاج معها إلى إقامة بينة والكفالة التي نطقت بها الأفواه مسرة ومعلنة والأمانة التي حذا فيها حذو أبيه واتبع سننه
فلذلك رسم لا زال يديم النعم لأهلها ويبقي المراتب الدينية لمن أضحى محله مناسبا لمحلها أن يستقر في تدريس زاوية الشافعي فلينب عن عمه في هذا التدريس وليقف ما يسر النفوس من أثره النفيس وليفد الطلبة على عادته وليبد لهم من النقول ما يظهر غزير مادته وليستنبط المسائل وليجب بالأدلة المسائل وليرجح المباحث وليكن لوالده رحمه الله أحق وارث وليستقل بهذه الوظيفة المباركة بعد وفاة عمه أبقاه الله تعالى وليتزيد من العلوم ليبلغ من صدقاتنا الشريفة آمالا والله تعالى يسدد له بالتقوى أقوالا وأفعالا بمنه وكرمه
وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية المجاورة لتربة الإمام الشافعي رضي الله عنه كتب به لقاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهي

الحمد لله شافي عي البحث بخير إمام شافعي والآتي منه في الزمن الأخير بمن لو كان في الصدر الأول لأثنى على ورعه ودينه كل صحابي وتابعي ومفيد الأسماع من وجيز قوله المحرر ما لولا السبق لما عدل إلى شرح وجيز سواه الرافعي
نحمده على نعم ألهمت وضع الأشياء في محلها واستيداعها عند أهلها وتأتيها بما يزيل الإشكال بانجذاب من شكله مناسب لشكلها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتزين بها المقال ويتبين بها الحق من الضلال ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيه موضح الطرق إلى الحق المبين وناهجها إلى حيث مجتمع الهدى ومرتبع الدين وعلى آله وصحبه صلاة تهدي إلى صراط الذين وB أصحابه الذين منهم من جاء بالصدق وصدق به فقوي سبب الدين المتين ومنهم من فرق بين الحق والباطل وكان إمام المتقين وسمي أمير المؤمنين ومنهم من جهز جيش العسرة فثبت جأش المسلمين ومنهم من أعطاه الراية فأخذها منه باليمين وB بقية الصحابة أجمعين
وبعد فلما كان مذهب الإمام الشافعي محمد بن إدريس رضي الله عنه هو شهدة المتلفظ وكفاية المتحفظ وبهجة المتلحظ وطراز ملبس الهدى وميدان الاجتهاد الذي لا تقف أعنة جياده عن إدراك المدى وقد تجملت ديار مصر من بركة صاحبه بمن تشد إليه الرحال وتفخر جبانة هو فيها حال وجيد هو بجواهر علومه حال ومن يحسن إلى ضريحه المنيف الاستناد وإذا قرئت كتبه لديه قيل ما أبعد هذا المرمى الأسنى وما أقرب هذا الإسناد وما أسعد حلقة تجمع بين يدي جدثه يتصدر فيها أجل حبر ويتصدى لنشر العلوم

بها من عرف بحسن السيرة عند السبر ومن لولا خرق العوائد لأجاب بالشكر والثناء عليه صاحب ذلك القبر كلما قال قال صاحب هذا القبر حسن بهذه المناسبة أن لا ينتصب في هذا المنصب إلا من يحمد هذا السيد الإمام جواره ومن يرضيه منه رضي الله عنه حسن العبارة ومن يستحق أن يتصدر بين نجوم العلماء بدارة تلك الخطة فيقال قد جمل الله به دارة هذا البدر وعمر به من هذا المدرس داره الذي يفتقر إلى تنويل نعمه وتنويه قلمه من الأئمة كل غني ويعجب ببلاغة خطبه وصياغة كتبه من يجتلي ومن يجتني ومن يهنا المستفيدون من عذوبة ألفاظه وصفاء معانيه بالمورد الهني ومن إذا سح سحابه الهطال اعترف له بالهمو والهمول المزني والذي لسعد جده من أبيه ليث أكرم به من ليث وأكرم ببنيه من أشبال وأعزز به من فاتح أبواب إشكالات عجز عن فتحها القفال ومن إذا قال سكت الناس ومن إذا قام قعد كل ذي شماس وإذا أخذ بالنص ذهب الاقتياس وإذا قاس قيل هذا بحر المذهب المشار إليه بالأصابع في مصره جلالة ولا ينكر لبحر المصر الإشارة بالأصابع ولا القياس ومن يزهو بتقى قلبه ورقى جوابه لسان التعويل ولسان التعويذ كما يميس بإحاطته وحياطته قلم الفتوى وقلم التنفيذ ومن يفخر به كل عالم مفيد إذا قال أنا بين يديه طالب وأنا له تلميذ ومن حيثما التفت وجدت له سؤددا جما وكيفما نظرت رأيت له من هنا وزارة ومن هنا خطابة ومن هنا مشيخة ومن هنا تدريسا ومن هنا حكما فهو الأصل ومن سواه فروع وهم الأثماد وهو الينبوع وهو مجموع السيادة المختار منه الإفادة فما أحسنه من اختيار وما أتمه من مجموع وكان قاضي القضاة سيد العلماء رئيس الأصحاب مقتدى الفرق قدوة الطوائف الصاحب تقي الدين عبد الرحمن ولد الصاحب قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز أدام الله شرفه ورحم سلفه وهو منتهى رغبة الراغب ومشتهى منية الطالب ومن إذا أضاءت ليالي النفوس بأقمار فتاويه قيل بياض العطايا في سواد المطالب ومن تتفق الآراء على أنه لسن الكهولة شيخ المذاهب ومن عليه يحسن الاتفاق وبه يجمل

الوفاق وإذا ولي هذا المنصب ابتهج بولايته إياه مالك في المدينة وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم في العراق واهتزت به وبمجاورة فوائده من ضريح إمامه جانب ذلك القبر طربا وقالت الأم لقد أبهجت رحم الله سلفك بجدك وإبائك جدا وأبا ولقد استحقيت أن يقول لك منصب سلفك رضي الله عنهم أهلا وسهلا ومرحبا وهذه نسمات صبا كانت الإفادة هنالك تعرفها منك من الصبا
فالحمد لله على أن أعطى قوس ذلك المحراب باريها وخص بشق سهامها من لا يزال سعده مباريها وجمل مطلع تلك السماء ببدر كم باتت عليه الدرر تحسد دراريها وألهم حسن الاختيار أن يجري القلم بما يحسن بالتوقيع الشريف موقعه ويجمل في أثناء الطروس وضعه وموضعه
فرسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني أجراه الله بالصواب وكشف بارتيائه كل ارتياب ولا زال يختار وينتقي للمناصب الدينية كل عالم بأحكام السنة والكتاب أن يفوض إليه تدريس المدرسة الصلاحية الناصرية المجاورة لضريح الإمام الشافعي بالقرافة رضي الله عنه فليخول ولينول كل ذي استفادة وليجمل منه بذلك العقد الثمين من علماء الدين بأفخم واسطة تفخر بها تلك القلادة وليذكر من الدروس ما يبهج الأسماع ويرضي الانتجاع ويجاد به الانتفاع ويحتلبه من أخلاف الفوائد ارتضاء الارتضاع ويتناقل الرواة فوائده إلى علماء كل أفق من البقاع وليقل فإن الأسماع لفوائده منصتة والأصوات لمباحثه خاشعة والقلوب لمهابته مخبتة ولينهض قوي المسائل بما يحصل لها أعظم انتعاش وليمت ما أماته إمامه من البدع فيقال به له هذا محمد بن إدريس مذ قمت أنت عاش وليسمع بعلومه من به من الجهل صمم وليستنطق من به من الفهاهة بكم وليحقق عند الناس

بتعصبه لهذا الإمام أنه قد قام بالتنويه به الآن الحاكم ابن الحاكم أخو الحاكم كما قام به فيما سلف بنو عبد الحكم
وأما غير ذلك من الوصايا فهو بحمد الله صاحب إلهامها وجالب أقسامها وجهينة أخبارها ومطلع أنوارها فلا يعاد عليه ما منه يستفاد ولا ينثر عليه در هو منظمه في الأجياد والله تعالى يعمر بسيادته معالم الدين وأكنافه ويزين بفضله المتين أوساط كل مصر وأطرافه ويضيف إليه من المستفيدين من بإرفاقه وإشفاقه يكون عيشه خفضا بتلك الإضافة ويجعله لا يخصص حنوه بمعهد دون معهد ولا بمسافة دون مسافة ويبقيه ومنفعته إلى سارية سارية الإطافة واللطافة وألطافه بهذه الولاية تقول لكل طالب في القرافة الق رافه
قلت ولما توفي قاضي القضاة بدر الدين بن أبي البقاء تغمده الله تعالى برحمته وكان من جملة وظائفه تدريس هذه المدرسة كان السلطان قد سافر إلى الشام في بعض الحركات فسافر ابنه أقضى القضاة جلال الدين حتى أدرك السلطان بالطريق على القرب من غزة فولاه الوظيفة المذكورة مكان أبيه وكان القاضي نور الدين بن هلال الدولة الدمشقي حاضرا هناك فأشار إليه القاضي فتح الدين فتح الله كاتب السر الشريف عامله الله بلطفه الخفي بإنشاء صدر لتوقيعه يسطر به للعلامة الشريفة السلطانية فأنشأ له سجعتين هما
الحمد لله الذي أظهر جلال العلماء الشافعية بحضرة إمامهم وأقام سادات الأبناء مقام آبائهم في بث علومهم وصلاتهم وصيامهم ولم يجاوز ذلك إلى

غيره فسطر التوقيع بهاتين السجعتين وعلم عليه العلامة السلطانية
وكان من قول نور الدين بن هلال الدولة للقاضي جلال الدين المذكور إن هذا التوقيع يبقى أبيض فإنه ليس بالديار المصرية من ينهض بتكملته على هذا الأسلوب فسمع القاضي كاتب السر كلامه فكتب لي بتكملته على ظهره وعاد به القاضي جلال الدين فأعطانيه وأخبرني بكلام ابن هلال الدولة وما كان من قوله فتلكأت عن ذلك ثم لم أجد بدا من إكماله وإن لم أكن من فرسان هذا الميدان فأنشأت له على تينك السجعتين ما أكملته به فجاء منه تلو السجعتين السابقتين اللتين أنشأهما ابن هلال الدولة
وخص برياسة العلم أهل بيت رأت كهولهم في اليقظة ما يتمنى شيوخ العلماء أن لو رأوه في منامهم
وجاء من وسطه
اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوه بذكره ونقدمه على غيره ممن رام هذا المقام فحجب دونه ( والله غالب على أمره )
وجاء في آخره
والله تعالى يرقيه إلى أرفع الذرا وهذه الرتبة وإن كانت بدايته فهي نهاية غيره وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
وقد أعوزني وجدان النسخة عند إرادة إثباتها في هذا التأليف لضياع مسودتها ولم يحضرني منها غير ما ذكرته وفيما تقدم من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر من توقيع القاضي تقي الدين ابن بنت الأعز ما لا ينظر مع وجوده إلى غيره

وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية بمصر المختصة بالمالكية المعروفة بالقمحية بمصر المحروسة أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين الأقفهسي وهي
الحمد لله الذي زين معالم المدارس من أعلام العلماء بجمالها وميز مراتب الكملة بإجراء سوابق الأفكار في ميادين الدروس وفسيح مجالها وعمر معاهد العلم بأجل عالم إذا ذكرت وقائع المناظرة كان رأس فرسانها وريس رجالها وناط مقاصد صلاح الدين بأكمل حبر إذا أوردت مناقبه المأثورة تمسك أهل الديانة منها بوثيق حبالها
نحمده على اختيار الجواهر والإعراض عن العرض والتوفيق لإدراك المرامي وإصابة الغرض
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي خص أهل العلم بكريم حبائه وشرف مقامهم في الخليقة فجعلهم في حمل الشريعة ورثة أنبيائه شهادة تعذب لقائلها بحسن الإيراد وردا وتجدد لمنتحلها بمواطن الذكر عهدا فيتخذ بها عند الرحمن عهدا ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبي علم وعلم وأكرم رسول فصل الأحكام إذ شرع وندب وأوجب وحلل وحرم وعلى آله وصحبه الذين عنوا بتفسير كتاب الله تعالى فأدركوا دقيق معانيه واهتموا بالحديث رواية ودراية ففازوا بتأسيس فقه الدين وإقامة مبانيه صلاة تحيط من بحار العلم بزاخرها وتأخذ من الدروس بطرفيها فتقارن الحمد في أولها وتصحب الدعاء في آخرها ما تتبع بالمنقول مواقع الأثر وعول في المعقول على إجالة الفكر وإجادة النظر وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى ما صرفت النفوس إليه هممها وأخلصت فيه نيتها

وخلصت من تبعاته ذممها وتبعت فيه آثار من سلف من الملوك الكرام وأعارته كلي نظرها وقامت بواجبه حق القيام أمر المدارس التي هي مسقط حجر الاشتغال بالعلم ومستقر قاعدته وقطب فلك تطلابه ومحيط دائرته وميدان فرسان المشايخ ومدار رجالها ومورد ظماء الطلبة ومحط رحالها لا سيما المدارس الأيوبية التي أسس على الخير بناؤها وكان عن صلاح الدين منشؤها فتألق برقها واستطار ضياؤها
ومن أثبتها وثيقة وأمثلها في الترتيب طريقة المدرسة القمحية بالفسطاط الآخذة من وجوه الخير بنطاقها والمخصوص بالسادة المالكية امتداد رواقها إن اعتبرت رعاية المذاهب قالت مالك وما مالك وإن عملت حسبة المدارس في البر كانت لها فذالك قد رتب بها أربعة دروس فكانت لها كالأركان الأربعة وجعلت صدقتها الجارية برا فكانت أعظم برا وأعم منفعة
ولما كان المجلس العالي القاضوي الشيخي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الإمامي الجمالي جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء زين الأمة أوحد الأئمة رحلة الطالبين فخر المدرسين مفتي الفرق لسان المتكلمين حجة المناظرين خالصة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو محمد عبد الله الأقفهسي المالكي ضاعف الله تعالى نعمته هو عين أعيان الزمان والمحدث بفضله في الآفاق وليس الخبر كالعيان ما ولي منصبا من المناصب إلا كان له أهلا ولا أراد الانصراف من مجلس علم إلا قال له مهلا ولا رمى إلى غاية إلا أدركها ولا أحاط به منطقة طلبة إلا هزها بدقيق نظره للبحث وحركها إن أطال في مجلسه أطاب وإن أوجز قصر محاوره عن الإطالة وأناب وإن أورد سؤالا عجز مناوئه عن جوابه أو فتح بابا في المناظرة أحجم مناظره عن سد بابه وإن ألم ببحث أربى فيه وأناف وإن أفتى بحكم اندفع عنه المعارض وارتفع فيه الخلاف فنوادره المدونة فيها البيان والتحصيل

ومقدماته المبسوطة إجمالها يغني عن التفصيل ومشارقه النيرة لا يأفل طالعها ومداركه الحسنة لا يسأم سامعها وتهذيبه المهذب جامع الأمهات وجواهره الثمينة لا تقاوم في القيمة ولا تضاهى في الصفات اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوه بذكره ونقدمه على غيره ممن حاول ذلك فامتنع عليه ( والله غالب على أمره )
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الزيني لا زالت مقاصده الشريفة في مذاهب السداد ذاهبة ولأغراض الحق والاستحقاق صائبة أن يستقر المجلس العالي المشار إليه في تدريس المدرسة الصلاحية بمصر المحروسة المعروفة بالقمحية عوضا عن فلان الفلاني على عادة من تقدمه
فليتلق ذلك بالقبول ويبسط في مجالس العلم لسانه فمن كان بمثابته في الفضل حق له أن يقول ويطول وملاك الأمر تقوى الله تعالى فهي خير زاد والوصايا كثيرة عنه تؤخذ ومنه تستفاد والله تعالى يبلغه من مقاصده الجميلة غاية الأمل ويرقيه من هضاب المعالي إلى أعلى مراتب الكمال وقد فعل والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع أيضا بتدريس المدرسة الصلاحية المذكورة أنشأته للقاضي شمس الدين محمد ابن المرحوم شهاب الدين أحمد الدفري المالكي في شعبان سنة خمس وثمانمائة وهو
الحمد لله مطلع شمس الفضائل في سماء معاليها ومبلغ دراري الذراري النبيهة الذكر بسعادة الجد غاية غيرها في مباديها وجاعل صلاح الدين أفضل

قصد فوقت العناية سهامها بأصابة غرضه في مراميها ومجدد معالم المدارس الدارسة بخير نظر يقضي بتشييد قواعدها وإحكام مبانيها
نحمده على أن صرف إلى القيام بنشر العلم الشريف اهتمامنا وجعل بخيرته العائدة إلى التوفيق في حسن الاختيار اعتصامنا
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مفيض نتائج الأفكار من وافر إمداده ومخصص أهل التحقيق بدقيق النظر تخصيص العام بقصره على بعض أفراده ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أوفر البرية في الفضل سهما والقائل تنويها بفضيلة العلم لا بورك لي في صبيحة يوم لا أزداد فيه علما وعلى آله وصحبه الذين حلوا من الفضل جواهره الثمينة والتابعين وتابعي التابعين الذين ضربت آباط الإبل منهم إلى عالم المدينة
وبعد فإن أولى ما صرفت إليهم الهمم وبرئت بتأدية حقه الذمم وغدت النفوس بالنظر في مصالحه مشتغلة والفكر لشرف محله منه إلى غيره منتقلة النظر في أمر المدارس التي جعلت للاشتغال بالعلم سببا موصولا ولطلبته ربعا لا يزال بمجالس الذكر مأهولا لا سيما المدارس التي قدم في الإسلام عهدها وعذب باستمرار المعروف على توالي الأيام وردها
ولما كانت المدرسة الصلاحية بفسطاط مصر المحروسة قد أسس على التقوى بنيانها ومهدت على الخير قواعدها وأركانها واختصت طائفة المالكية منها بالخصيصة التي أغنى عن باطن الأمر عنوانها وكان المجلس السامي هو الذي خطبته الرتب الجليلة لنفسها وعينته لهذه الوظيفة فضائله التي قد آن ولله الحمد بزوغ شمسها وعهدت منه المعاهد الجليلة حسن النظر فتاقت في يومها إلى ما ألفت منه في أمسها اقتضى حسن الرأي الشريف أن نفرده بهذه الوظيفة التي يقوم إفراده فيها مقام الجمع ونجمع له من طرفيها ما يتفق على حسنه

البصر ويقضي بطيب خبره السمع
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الزيني لا زال يقيم للدين شعارا ويرفع لأهل العلم الشريف مقدارا أن يستقر في الوظيفة المذكورة لما اشتهر من علمه وديانته وبان من عفته المشهورة ونزاهته واتصف به من الإفادة وعرف عنه من نشر العلوم في الإبداء والإعادة وشاع من طريقته المعروفة في إيضاحه وبيانه وذاع من فوائده التي قدمته على أبناء زمانه ورفعته إلى هذه المرتبة باستحقاقه على أقرانه
فليباشر تدريسها مظهرا من فوائده الجليلة ما هو في طي ضميره مضمرا من حسن بيانه ما يستغنى بقليله عن كثيره مقربا إلى أذهان الطلبة بتهذيب ألفاظه الرائقة ما يفيد موردا من علومه المدونة ما يجمع له بين نوادر المقدمات ومدارك التمهيد موفيا نظرها بحسن التدبير حق النظر موفرا رزقها بما يصدق الخبر فيه الخبر قاصدا بذلك وجه الله الذي لا يخيب لراج أملا معاملا فيه الله معاملة من يعلم أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا وملاك الوصايا تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه ويتخيلها في كل الأحوال أمامه والله تعالى يسدده في قوله وعمله ويبلغه من رضاه نهاية سؤله وغاية أمله إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بالتدريس بقبة الصالح أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي بعد أن كتب له بها مع قضاء القضاة المالكية في العشر الأخير من شعبان سنة أربع وثمانمائة وهي
الحمد لله الذي جعل للعلم جمالا تتهافت على دركه محاسن الفضائل

وتتوارد على ثبوت محامده المتواردة قواطع الدلائل وتحقق شواهد الحال من فضله ما يتلمح فيه من لوائح المخايل
نحمده على نعمه التي ما استهلت على ولي فأقلع عنه غمامها ولا استقرت بيد صفي فانتزعت من يده حيث تصرف زمامها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزهر بمعالم الدين غروسها وتينع بثمار الفوائد المتتابعة دروسها وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا وأولهم في علو المرتبة مكانا وإن كان آخرهم في الوجود عصرا وعلى آله وصحبه الحائزين بقربه أفخر المناقب والفائزين من درجة الفضل بأرفع المراتب صلاة تكون لحلق الذكر نظاما ولأولها افتتاحا ولآخرها ختاما وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن من شيمنا الشريفة وسجايانا الزاكية المنيفة أنا إذا منحنا منحا لا نستعيده وإذا أعطينا عطاء لا ننقصه بل نزيده وإذا قربنا وليا لا نقصيه وإذا أنعمنا على صفي إنعاما لا نعده عليه ولا نحصيه
ولما كان تدريس المدرسة المالكية بقبة الصالح من أعلى دروسهم قدرا وأرفعها لدى التحقيق ذكرا وأعظمها إذا ذكرت الدروس فخرا إذ بمجال جداله تنفطر المرائر وبميدان مباحثه تشتهر البلق من مضمرات الضمائر وبسوق مناظرته يتميز النضار عن الشبه وبمحك مطارحته تتبين الحقائق من الشبه وبمظان مجلسه يعرف العالي والسافل وبمعركة فرسانه يعرف من المفضول والفاضل ومن ثم لا يليه من علمائهم إلا الفحول ولا يتصدى لتدريسه إلا من أمسى بحسام لسانه على الأقران يصول ولم يزل في جملة الوظائف المضافة لقضاء القضاة في الأول والآخر تابعا لمنصب الحكم في الولاية كل زمن إلا في القليل النادر وكان المجلس العالي القاضوي الكبيري إلى آخر ألقابه أدام الله تعالى نعمته قد اشتملت ولايته عليه لابتداء الأمر استحقاقا وحفظه كرمنا عليه فلم يجد الغير اليه استطراقا اقتضى حسن الرأي

الشريف أن نتبع ذلك بولاية ثانية تؤكد حكم الولاية الأولى ونردفه بتوقيع يجمع له شرف القدمة والجمع ولو بوجه أولى
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الزيني لا زال يعتمد في مشاهد الملوك أتم المصالح ويخص الصالح منهم بمزيد النظر حتى يقال ما أحسن نظر الناصر في مصالح الصالح أن يستمر المجلس العالي المشار إليه على ما بيده من الولاية الشريفة بالتدريس بقبة الصالح المذكورة ومنع المعارض وإبطال ما كتب به وما سيكتب ما دام ذلك في يده على أتم العوائد وأكملها وأحسن القواعد وأجملها
فليتلق ما فوض إليه بكلتا يديه ويشكر إحساننا الشريف على هذه المنحة فإنها نعمة جديدة توجب مزيد الشكر عليه وليتصدر بهذا الدرس الذي لم تزل القلوب تتقطع على إدراكه حسرات ويتصد لإلقاء فوائده التي إذا سمعها السامع قال هنا تسكب العبرات ويبرز لفرسان الطلبة من صدره من كمينه ويفض على جداولهم الجافة ماسح به فكره من ينابيع معينه مستخرجا لهم من قاموس قريحته درر ذلك البحر الزاخر مظهرا من مكنون علمه مالا يعلم لمده أول ولا يدرك لمداه آخر وينفق من ذخائر فضله ما هو بإنفاقه ملي متفقدا بفضل غنائه من هو عن فرائده المربحة غير غني مقررا للبحث تقريرا يزول معه الالتباس مسندا فروعه النامية إلى أثبت الأصول من الكتاب والسنة والإجماع والقياس معتمدا لما عليه جادة مذهبه في الترجيح جاريا على ما ذهب إليه جهابذة محققيه من التصحيح مقبلا بطلاقة وجهه في درسه على جماعته باذلا في استمالتهم طاقة جهده محسنا إليهم جهد طاقته مربيا لهم كما يربي الوالد الولد موفيا من حقوقهم في التعليم ما يبقى له ذكره على الأبد منميا ناشئتهم بالتدريب الحسن تنمية الغروس جاهدا في ترقيهم بالتدريج حتى يؤهل من لم يكن تظن فيه أهلية الطلب لأن يتصدى للفتاوى وإلقاء الدروس

سالكا من مناهج التقوى أحسن المسالك موردا من تحقيقات مذهبه ما إذا لمحه اللامح لم يشك أنه لزمام المذهب مالك والله تعالى يجريه على ما ألفه من موارد إنعامه ويمتع هذه الرتبة السنية تارة بمجالس دروسه وتارة بمجالس أحكامه والاعتماد
وهذه نسخة توقيع بتدريس الحديث بالجامع الحاكمي من إنشاء الشهاب محمود الحلبي للشيخ قطب الدين عبد الكريم وهي
الحمد لله الذي أطلع في أفق السنة الشريفة من أعلام علمائها قطبا وأظهر في مطالعها من أعيان أئمتها نجوما أضاء بهم الوجود شرقا وغربا وأقام لحفظها من أئمة أعلامها أعلاما أحسنوا عن سندها دفاعا وأجملوا عن متونها ذبا وشرف بها أهلها فكلما بعدت راحلتهم في طلبها ازدادوا من الله قربا واختار لحملها أمناء شغفت محاسنهم قلوب أهل الفرق على اختلافها حبا وسلكوا باتباعها سنن السنن فأمنوا أن تروع لهم الشبه سربا وألهمنا من تعظيم هذه الطائفة ما مهد لهم في ظل تقربنا إليه مقاما كريما ومنزلا رحبا وعصم آراءنا في الارتياد له من الخلل فلا نختار له إلا من تسر باختياره طلبة وتغبط بتعيينه أئمة ونرضي بارتياده ربا

نحمده على نعمه التي صانت هذه الرتبة السنية بأكفائها وزانت هذه المرتبة الشريفة بمن لم تمل عينه في تأثيل قواعدها إلى إغفائها وجعلت هذه الدرجة العلية فلكا تشرق فيه لأئمة الحديث أنوار علوم تفنى الدهور دون إطفائها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مجادل عن سنته الشريفة بألسنة أسنته مجالد عن كلمتها العالية بقبض معاقد سيوفه وإطلاق أعنته باعث بالجهاد دعوتها الى كل قلب كان عن قبولها في حجب أكنته ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أوتي جوامع الكلم ولوامع السنة التي من اعتصم بها عصم ومن سلم بها سلم فهي مع كتاب الله أصل شرعه القويم وحبل حكمه الذي لا تتمكن يد الباطل من حل عقده النظيم وكنوز دينه التي لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم وعلى آله وصحبه الذين عضوا على سنته بالنواجذ وذبوا عن شريعته بسيوف الجلاد القواطع وسهام الجدال النوافذ صلاة لا يزال يقام فرضها ويملأ بها طول البسيطة وعرضها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى ما توجهت الهمم إلى ارتياد أئمته وتوفرت الدواعي على التقرب إلى رسول الله بتفويض مناصبه إلى البررة الكرام من أمته علم الحديث النبوي صلوات الله وسلامه على قائله وحفظه بدروسه التي جعلت أواخر زمنه في صحة نقله ومعرفة أسراره كأوائله وأن نختار لذلك من نشأ في طلبه حتى اكتهل وسرى في تحصيله سرى الأهلة حتى اكتمل وغذي بلبان التبحر فيه حتى امتزج بأديمه وجد في تحصيله واجتهد حتى ساوى في الطلب بين حديث عمره وقديمه وحفظ من متونه ما بمثله يستحق أن يدعى حافظا وغلب على فنونه حتى قل أن يرى بغير علومه والنظر في أحكامه لافظا فإنه بعد كتاب الله العزيز مادة هذا الدين الذي يحكم بنصوصه وتتفاوت

رتب العلماء في حسن العمل بمطلقه ومقيده وعمومه وخصوصه وعنهما تفرعت أحكام الملة فملأت علومها جميع الآفاق وزكت أحكامها الشرعية على كثرة الإنفاق وسرى الناس منها على المحجة التي استوى في الإشراق ليلها ونهارها وعلا على الملل بالبراهين القاطعة نورها ومنارها وكفى أهلها شرفا أنهم يذبون عن سنة نبيهم ذب الليوث ويجودون على الأسماع بما ينفع الناس في أمر دينهم ودنياهم منها جود الغيوث ويحافظون على ألفاظها محافظة من سمعها منه ويعظمون مجالس إيرادها ونقلها حتى كأنهم لحسن الآدب جلوس بين يديه ويغالون في العلو طلبا للقرب منه وذلك من أسنى المطالب ويرحلون لضم شوارده من الآفاق فياقرب المشارق عندهم من المغارب
ولما كان المجلس السامي الفلاني هو الذي عني بكل ما ذكر من وصف كريم وحديث ورع قديم وقدم هجرة في علم الحديث اقتضت له حسن أولوية ووجوب تقديم وتلقى هذا العلم كما وصف عن أئمته حتى صار من أعيانهم ولقي منهم علماء أضحى باقتفائهم كما كانوا رحلة زمانهم ونظر في علومه فأتقنها فكأنه ينطق فيها بلسان ابن الصلاح وأحرز غايات الكمال في أسماء الرجال فإلى اطلاعه يرجع في تجريح المجرح وتعديل الصحاح وكان منصب تدريس الحديث الشريف النبوي الذي أنشأناه بالجامع الحاكمي تكثيرا لنشر أحاديث من لا ينطق عن الهوى ونويناه لارتواء الرواة من بحر هذا العلم الشريف بالإعانة على ذلك وإنما لكل امرئ ما نوى قد استغرقت أوقات مباشره بتفويضنا الحكم العزيز على مذهبه إليه وتوفير زمانه على
قلت وتختلف أحوال التواقيع التي تكتب بالتداريس باختلاف

موضوعاتها من تدريس التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو وغير ذلك في براعة الاستهلال والوصايا وهو في الوصايا آكد
وهذه نسخ وصايا أوردها في التعريف
وصية مدرس وليطلع في محرابه كالبدر وحوله هالة تلك الحلقة وقد وقت أهداب ذلك السواد منه أعظم اسودادا من الحدقة وليرق سجادته التي هي لبدة جواده إذا استن الجدال في المضمار وليخف أضواء أولئك العلماء الذين هم كالنجوم كما تتضاءل الكواكب في مطالع الأقمار وليبرز لهم من وراء المحراب كمينه وليفض على جداولهم الجافة معينه وليقذف لهم من جنبات ما بين جنبيه درر ذلك البحر العجاج وليرهم من غرر جياده ما يعلم به أن سوابقه لا يهولها قطع الفجاج وليظهر لهم من مكنون علمه ما كان يخفيه الوقار وليهب من ممنون فضله ما يهب منه عن ظهر غنى أهل الافتقار وليقرر تلك البحوث ويبين ما يرد عليها وما يرد به من منعها وتطرق بالنقض إليها حتى لا تنفصل الجماعة إلا بعد ظهور الترجيح والإجماع على كلمة واحدة على الصحيح وليقبل في الدروس طلق الوجه على جماعته وليستملهم إليه بجهد استطاعته وليربهم كما يربي الوالد الولد وليستحسن ما تجيء به أفكارهم وإلا فكم رجل بالجبه لبنت فكر وأد هذا إلى أخذهم بالاشتغال وقدح أذهانهم للاشتعال ولينشئ الطلبة حتى ينمي منهم الغروس ويؤهل منهم من كان لا يظن منه أنه يتعلم لأن يعلم ويلقي الدروس
وصية مقرئ
وليدم على ما هو عليه من تلاوة القرآن فإنه مصباح قلبه وصلاح قربه

وصباح القبول المؤذن له برضا ربه وليجعل سوره له أسوارا وآياته تظهر بين عينيه أنوارا وليتل القرآن بحروفه وإذا قرأ استعاذ وليجمع طرقه وهي التي عليها الجمهور ويترك الشواذ ولا يرتد دون غاية لإقصار ولا يقف فبعد أن أتم لم يبق بحمد الله إحصار وليتوسع في مذاهبه ولا يخرج عن قراءة القراء السبعة ائمة الأمصار وليبذل للطلبة الرغاب وليشبع فإن ذوي النهمة سغاب ولير الناس ما وهبه الله من الاقتدار فإنه احتضن السبع ودخل الغاب وليتم مباني ما أتم ابن عامر وأبو عمرو له التعمير ولفه الكسائي في كسائه ولم يقل جدي ابن كثير وحم به لحمزة أن يعود ذاهب الزمان وعلم أنه لا عاصم من أمر الله يلجأ معه إليه وهو الطوفان وطفق يتفجر علما وقد وقفت السيول الدوافع وضر أكثر قراء الزمان لعدم تفهيمهم وهو نافع وليقبل على ذوي الإقبال على الطلب وليأخذهم بالتربية فما منهم إلا من هو إليه قد انتسب وهو يعلم ما من الله عليه بحفظ كتابه العزيز من النعماء ووصل سببه منه بحبل الله الممتد من الأرض إلى السماء فليقدر حق هذه النعمة بحسن إقباله على التعليم والإنصاف إذا سئل فعلم الله ما يتناهى ( وفوق كل ذي علم عليم )

وصية محدث
وقد أصبح بالسنة النبوية مضطلعا وعلى ما جمعته طرق أهل الحديث مطلعا وصح في الصحيح أن حديثه الحسن وأن المرسل منه في الطلب مقطوع عنه كل ذي لسن وأن سنده هو المأخوذ عن العوالي وسماعه هو المرقص منه طول الليالي وأن مثله لا يوجد في نسبه المعرق ولا يعرف مثله للحافظين ابن عبد البر بالمغرب وخطيب بغداد بالمشرق وهو يعلم مقدار طلب الطالب فإنه طالما شد له النطاق وسعى له سعيه وتجشم المشاق وارتحل له يشتد به حرصه والمطايا مرزمة وينبهه له طلبه والجفون مقفلة والعيون مهومة ووقف على الأبواب لا يضجره طول الوقوف حتى يؤذن له في ولوجها وقعد القرفصاء في المجالس لا تضيق به على قصر فروجها
فليعامل الطلبة إذا أتوه للفائدة معاملة من جرب ولينشط الأقرباء منهم ويؤنس الغرباء فما هو إلا ممن طلب آونة من قريب وآونة تغرب وليسفر لهم صباح قصده عن النجاح ولينتق لهم من عقوده الصحاح وليوضح لهم الحديث وليرح خواطرهم بتقريبه ما كان يسار إليه السير الحثيث وليؤتهم مما وسع الله عليه فيه المجال ويعلمهم ما يجب تعليمه من المتون والرجال ويبصرهم بمواقع الجرح والتعديل والتوجيه والتعليل والصحيح والمعتل الذي تتناثر أعضاؤه سقما كالعليل وغير ذلك مما لرجال هذا الشان به عناية وما ينقب فيه عن دراية أو يقنع فيه بمجرد رواية ومثله ما يزاد حلما ولا يعرف بمن رخص في حديث موضوع أو كتم علما
وصية نحوي
وهو زيد الزمان الذي يضرب به المثل وعمرو الأوان وقد كثر من

سيبويه الملل ومازني الوقت ولكنه الذي لم تستبح منه الإبل وكسائي الدهر الذي لو تقدم لما اختار غيره الرشيد للمأمون وذو السؤدد لا أبو الأسود مع أنه ذو السابقة والأجر الممنون وهو ذو البر المأثور والقدر المرفوع ولواؤه المنصوب وذيل فخاره المجرور والمعروف بما لا ينكر لمثله من الحزم والذاهب عمله الصالح بكل العوامل التي لم يبق منها لحسوده إلا الجزم وهو ذو الأبنية التي لا يفصح عن مثلها الإعراب ولا يعرف أفصح منها فيما أخذ عن الأعراب والذي أصبحت أهدابه فوق عمائم الغمائم تلاث ولم يزل طول الدهر يشكر منه أمسه ويومه وغده وإنما الكلمات ثلاث فليتصد للإفادة وليعلمهم مثل ما ذكر فيه من علم النحو نحو هذا وزيادة وليكن للطلبة نجما به يهتدى وليرفع بتعليمه قدر كل خبر يكون خبرا له وهو المبتدا وليقدم منهم كل من صلح للتبريز واستحق أن ينصب إماما بالتمييز وليورد من موارده أعذب النطاف وليجر إليه كل مضاف إليه ومضاف وليوقفهم على حقائق الأسماء ويعرفهم دقائق البحوث حتى اشتقاق الاسم هل هو من السمو أو من السيماء وليبين لهم الأسماء الأعجمية المنقولة والعربية الخالصة وليدلهم على أحسن الأفعال لا ما يشتبه فيه بصفات كان وأخواتها من الأفعال الناقصة وليحفظهم المثل وكلمات الشعراء ولينصب نفسه لحد أذهان بعضهم ببعض نصب الإغراء وليعامل جماعة المستفيدين منه بالعطف ومع هذا كله فليرفق بهم فما بلغ أحد علما بقوة ولا غاية بعسف
وهذه وصية لغوي أوردها في التعريف

الوظيفة الثامنة التصدير
وموضوعه الجلوس بصدر المجلس بجامع أو نحوه ويجلس متكلم أمامه على كرسي كأنه يقرأ عليه يفتتح بالتفسير ثم بالرقائق والوعظيات فإذا انتهى كلامه وسكت أخذ المتصدر في الكلام على ما هو في معنى تفسير الآية التي يقع الكلام عليها ويستدرج من ذلك إلى ما سنح له من الكلام وربما أفرد التصدير عن المتكلم على الكرسي
وهذه نسخة توقيع بتصدير أنشأته للشيخ شهاب الدين أحمد الأنصاري الشهير بالشاب التائب بالجامع الأزهر وهي
رسم لا زالت صدقاته الشريفة تخص المجالس بمن إذا جلس صدر مجلس كان لرتبته أجمل صدر يجتبى من علماء التفسير ومن إذا دقق لم يفهم شرحه إلا عنه وإذا سلك سبيل الإيضاح كان كلامه في الحقيقة تفسير تفسير وتصطفي من سراة الأماثل من دار نعته بين الشاب التائب والشيخ الصالح فكان له أكرم نعت على كل تقدير أن يستمر المجلس السامي أدام الله تعالى رفعته في كذا وكذا لأنه الإمام الذي لا تسامى علومه ولا تسام والعلامة الذي لا تدرك مداركه ولا ترام والحبر الذي تنعقد على فضله الخناصر وفارس الحلبة الذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده المناظر وآية التفسير التي لا تنسخ وعقد حقيقته الذي لا يفسخ والماهر الذي استحق بمهارته التصدير والجامع لفنونه المتنوعة جمع سلامة لا جمع تكسير وترجمان معانيه الآتي من غرائب تأويله بالعجب العجاب والعارف بهدي طريقه الذي إذا قال قال الذي عنده علم من الكتاب وزاهد

الوقت الذي زين بالعلم العمل وناسك الدهر الذي قصر عن مبلغ مداه الأمل
فليتلق ما ألقي إليه بالقبول وليستند إلى صدر مجلس يقول فيه ويطول وليبين من معاني كتاب الله ما أجمل ويوضح من خفي مقاصده ما أشكل وليسلك في تفسيره أقوم سنن ويعلن بأسراره الخفية فسر كتاب الله أجدر أن يكون عن علن وليجر فيه على ما ألف من تحقيقاته فإنه إذا لم يحقق المناظرة فمن وليأخذ مشايخ أهل مجلسه بالإحسان كما أحسن الله إليه فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ويحض شبابهم على التوبة ليحبهم الله فيتصل في المحبة سندهم فإن الشاب التائب حبيب الرحمن والله تعالى يرقيه إلى أرفع الذرا ويرفع مجلسه السامي على محل الثريا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا إن شاء الله تعالى

الوظيفة التاسعة النظر
وموضوعه التحدث في أمور خاصة بإباحة ضروراتها وعمل مصالحها واستخراج متحصل جهاتها وصرفه على الوجه المعتبر وما يجري مجرى ذلك
وتشتمل على عدة أنظار
منها نظر الأحباس جمع حبس وهو الوقف فقد تقدم في المقالة الثانية أنه كان أصل وضعه أراضي اشتراها الإمام الليث بن سعد رضي الله عنه ووقفها على جهات بر ثم تبعه الناس في إضافة الأوقاف إلى ذلك إلى أن كانت وزارة الصاحب بهاء الدين ابن حنا في سلطنة الظاهر بيبرس

البندقداري فأفرد للجوامع والمساجد والربط والزوايا ونحو ذلك رزقا وقصر تحدث ناظر الأحباس ومباشريه عليها وأفردت الأوقاف بناظر ومباشرين كما سيأتي
وهذه نسخة توقيع بتدريس الطب بالبيمارستان المنصوري كتب بها لمهذب الدين وهي
الحمد لله الذي دبر بحكمته الوجود وعم برحمته كل موجود وحال بنفع الدواء بين ضر الداء كما حالت عطاياه دون الوعود نحمده ونشكره وهو المشكور المحمود ونثني عليه خير الثناء قياما وقعودا وعلى الجنوب وفي السجود ونستزيده من فضله فإنه أهل الفضل والجود
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الله بها والملائكة وأولو العلم شهود ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبشر لأمته بالجنات والخلود وعلى آله وصحبه صلاة دائمة إلى يوم الوعود
وبعد فإنا لما أقام الله بنا شعائر الإيمان وأصبح دينه بحمد الله منصورا بنا على سائر الأديان وجاهدنا في الله حق الجهاد باليد والقلب واللسان وشيدنا لعلومه وشرائعه كل بديع الإتقان ورتبنا فيه من العلماء الأعيان كل رفيع الشان واخترنا له الأخيار من أهل العلم بالطب والفقه والحديث والقرآن ورأينا كل من تقدمنا من الملوك وإن سلك في سياسة الرعية أحسن سلوك قد اهتم بعلم الأديان وأهمل علم الأبدان وأنشأ كل منهم مدرسة ولم يحفل ببيمارستان وغفل عن قوله العلم علمان ولم يأخذ أحدا من رعيته بالاشتغال بعلم الطب المضطر إليه ولا وقف وقفا على طلبة هذا العلم

المنصوص عليه ولا أعد له مكانا يحضر من يشتغل بهذا الفن فيه ولا نصب له شخصا يتمثل هذا المشتغل لديه علمنا نحن بحمد الله تعالى من ذلك ما جهلوه وذكرنا من هذه القربة ما أهملوه ووصلنا من هذه الأسباب الدينية والدنيوية ما فصلوه وأنشأنا بيمارستانا يبهر العيون بهجة ويفوق الأبنية بالدليل والحجة ويحفظ الصحة والعافية على كل مهجة لو حله من أشفى لعوجل بالشفا أو جاءه من أكمده السقم لاشتفى أو أشرف عليه العمر بلا شفاء لعاد عنه بشفا ووقفنا عليه من الأوقاف المبرورة ما يملأ العينين ويطرف سماع جملته الاذنين ويعيد عنه من أمه مملوء اليدين وأبحنا التداوي فيه لكل شريف ومشروف ومأمور وأمير وساوينا في الانتفاع به بين كل صغير وكبير وعلمنا أن لا نظير لنا في ملكنا ولا نظير له في إبقائه فلم نجعل لوقفه وشرطه من نظير وجعلنا فيه مكانا للاشتغال بعلم الطب الذي كاد أن يجهل وشرعنا للناس إلى ورد بحره أعذب منهل وسهلنا عليهم من أمره ما كان الحلم به من اليقظة أسهل وارتدنا له من علماء الطب من يصلح لإلقاء الدروس وينتفع به الرئيس من أهل الصناعة والمرؤوس ويؤتمن على صحة الأبدان وحفظ النفوس فلم نجد غير رئيس هذه الطائفة أهلا لهذه المرتبة ولم نرض لها من لم تكن له هذه المنقبة وعلمنا أنه متى وليها أمسى بها معجبا وأضحت به معجبة
ولما كان المجلس السامي مهذب الدين هو الرئيس المشار إليه والوحيد الذي تعقد الخناصر عليه وكان هو الحكيم بقراط بل الجليل سقراط بل الفاضل جالينوس بل الأفضل ديسقوريدوس اقتضت الآراء الشريفة أن تزاد جلالته بتولية هذا المنصب الجليل جلالة وأن تزف إليه تجر أذيالها ويزف إليها يجرر أذياله وأن يقال لم يك يصلح إلا لها ولم

تك تصلح إلا له
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زال للدين ناصرا ولأعلام العلوم ناشرا أن يفوض إليه تدريس الطب بالبيمارستان المبارك المنصوري المستجد الإنشاء بالقاهرة المحروسة علما بأنه المتمهر في هذا الفن وأنه عند الفراسة فيه والظن وأنه سقراط الإقليم إذا كان غيره سقراط الدن وثقة بأنا للجوهر قد التقطنا وبالخير قد اغتبطنا وعلى الخبير قد سقطنا
فليتلق هذه النعمة بالشكر الجليل والحمد الجزيل والثناء الذي هو بالنماء والزيادة كفيل ولينتصب لهذا العلم المبارك انتصاب من يقوم بالفرض منه والسنة ويعرف له فيه الفضل ويتقلد له فيه المنة ويثنى على آثاره الجميلة فيه وتثنى إليه الأعنة وليبطل بتقويمه الصحة ما ألفه ابن بطلان وليرنا بتدبيره جبلة البر فإنه جالينوس الزمان وليبذل النجاة من الأمراض والشفاء من الأسقام فإنه ابن سينا الأوان وليجمع عنده شمل الطلبة وليعط كل طالب منهم ما طلبه وليبلغ كل متمن من الاشتغال أربه وليشرح لهم صدره وليبذل لهم من عمره شطره وليكشف لهم من هذا العلم المكنون سره وليرهم ما خفي عنهم منه جهره وليجعل منهم جماعة طبائعية وطائفة كحالين وجرائحيه وقوما مجبرين وبالحديد عاملين وأخرى بأسماء الحشائش وقوي الأدوية وأوصافها عالمين وليأمر كلا منهم بحفظ ما يجب حفظه ومعرفة ما يزيد به حظه وليأخذه بما يصلح به لسانه ولفظه ولا يفتر عنهم في الاشتغال لحظة وليفرد لكل علم من العلوم طائفة ولكل فن من فنونه جماعة بمحاسنه

عارفة وليصرف إليهم من وجوه فضائله كل عارفة وليكشف لهم ما أشكل عليهم من غوامضه فليس لها من دون إيضاحه كاشفة لينشر في هذا المكان المبارك من أرباب هذه العلوم قوم بعد قوم ويظهر منهم في الغد إن شاء الله أضعاف ما هو ظاهر منهم اليوم وليقال لكل من طلبته إذا شرع في إجازته وتزكيته لقد أحسن شيخه الذي عليه تأدب وإن من خرج هذا المهذب عاملا في ذلك بشروط الواقف أعز الله نصره واقفا عند أمره أمضى الله أمره والخير يكون إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بنظر الأحباس مفتتحة بأما بعد وهي
أما بعد حمد الله الذي أذن أن ترفع بيوته ويذكر فيها اسمه ويكثر فيها قسم ثوابه ويجزل قسمه والصلاة على سيدنا محمد الذي عظم به قطع دابر الكفر وكثر حسمه فإن خير من عول عليه في تأسيس بيوت الله وعمارة ربوعها ولم شعثها وشعب صدوعها والقيام بوظائفها وتسهيل لطائفها وتأهيل نواحيها لهبوط الملائكة لتلقي المصلين فيها من كان ذا عزم لا تأخذه في الله لومة لائم وحزم لا يلم بأفعاله لمم المآثم ونظر ثاقب ورغبة في اختيار جميل المآثر والمناقب ومباشرة ترعى قوانين الأمور وتكتنفها اكتناف مراقب
ولما كان فلان ممن هذه الأوصاف شعاره وإلى هذه الأمور بداره وكم كتب الله به للدولة أجر راكع وساجد وكم شكرته وذكرته ألسنة أعلام الجوامع وأفواه محاريب المساجد اقتضى منيف الملاحظة والمحافظة على كل قريب من بيوت الله وشاهد أن خرج الأمر الشريف لا برح يكشف الأوجال ويدعو له في الغدو والآصال رجال أن يفوض لفلان نظر ديوان الأحباس والجوامع

والمساجد المعمورة بذكر الله تعالى
فليباشرها مباشرة من يراقب الله إن وقع أو توقع وإن أطاع أو تطوع وإن عزل أو ولى وإن أدب من نهى عبدا إذا صلى وليجتهد كل الاجتهاد في صرف ريع المساجد والجوامع في مصارفها الشرعية وجهاتها المرعية وليأخذ أهلها بالملازمة في أحيانها وأوقاتها وعمارتها بمصابيحها وآلاتها وحفظ ما يحفظون به لأجلها ومعاملتهم بالكرامة التي ينبغي أن يعامل مثلهم بمثلها وليحرر في إخراج الحالات إذا خرجت وأخرجت وفي مستحقات الأجائر إذا استحقت وإذا عجلت وفي التواقيع إذا أنزلت وإذا نزلت وفي الاستئمارات التي أهملت وكان ينبغي لو أهلت وإذا باشر وظهر له بالمباشرة خفايا هذا الديوان وفهم ما تحتويه جرائد الإحسان فليكن إلى مصالحه أول مبادر ويكفيه تدبر قوله تعالى ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر )
قلت وقد كنت أنشأت توقيعا بنظر الأحباس للقاضي بدر الدين حسن الشهير بابن الداية مفتتحا بالحمد لله جاء فردا في بابه إلا أن مسودته غيبت عني فلم أجدها لأثبتها هاهنا كما أثبت غيرها مما أنشأته من البيعات والعهود والتواقيع والرسائل وغير ذلك
ومنها نظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروستين ويدخل فيه أوقاف الحرمين وغيرهما
وهذه نسخة توقيع بنظرها وهي
الحمد لله الذي حفظ معالم البر من الدثور وأحيا آثار المعروف

والأجور وصان الأوقاف المحبسة من تبديل الشروط على توالي الأيام والشهور
نحمده على فضله الموفور ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لها في القلوب نور على نور ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤيد المنصور الطالع البدور المبعوث بالفرقان والنور والمنعوت في التوراة والإنجيل والزبور وعلى آله وصحبه ما كرت الدهور وطلعت كواكب ثم تغور
وبعد فإن أهل الخير من المؤمنين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى من طيبات أموالهم بأوقاف وقفوها على وجوه البر وعرفوها وجعلوا لها شروطا ووصفوها فتقبل الله لهم ذلك ثم ماتوا فما انقطع عملهم بها وهم في برزخ المهالك ووليها بعدهم الأمناء من النظار فقاموا بحقوقها وحفظ الآثار وأجروا برها الدار في كل دار وصانوا معالمها من الأغيار وشاركوا واقفيها في الصدقة لأنهم خزان أمناء أخيار
ولما كان فلان هو الذي لا يتدنس عرضه بشائبة ولا تمسي المصالح وهي عن فكره غائبة ولا تبرح نجوم السعود طالعة عليه غير غائبة وهو أهل أن يناط به التحدث في جهات البر الموقوفة وأموال الخير المصروفة لأنه نزه نفسه عما ليس له فلو كانت أموال غيره غنما ما اختص منها بصوفة فلذلك رسم
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة التأثير جميلة التثمير مأمونة التغيير مخصوصة بالتعبير ولينظر في هذه الأوقاف على اختلافها من ربوع ومباني ومساكن ومغاني وخانات مسبلة وحوانيت مكملة ومسقفات معمورة وساحات مأجورة غير مهجورة وليبدأ بالعمارة فإنها تحفظ العين وتكفي البناء

دثوره وليتبع شروط الواقفين ولا يعدل عنها فإن في ذلك سروره ويندرج في هذه الأوقاف ما هو على المساجد ومواطن الذكر فليقم شعارها وليحفظ آثارها وليرفع منارها والوصايا كثيرة والتقوى ظلها المخطوب ومراقبة الله أصلها المطلوب ووصلها المحبوب والله تعالى يجمع على محبته القلوب بمنه وكرمه
ومنها نظر البيمارستان المنصوري بين القصرين لأرباب الأقلام وهو من أجل الأنظار وأرفعها قدرا ما زال يتولاه الوزراء وكتاب السر ومن في معناهم وهذه نسخة توقيع من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي
الحمد لله رافع قدر من كان في خدمتنا الشريفة كريم الخلال ومعلي درجة من أضفى عليه الإخلاص في طاعتنا العلية مديد الظلال ومجدد نعم من لم يخصه اعتناؤنا بغاية إلا ورقته همته فيها إلى أسنى رتب الكمال ومفوض النظر في قرب سلفنا الطاهر إلى من لم يلاحظ من خواصنا أمرا إلا سرنا ما نشاهد فيه من الأحوال الحوال
نحمده على نعمه التي لا تزال تسري إلى الأولياء عوارفها ومننه التي لا تبرح تشمل الأصفياء عواطفها وآلائه التي تسدد آراءنا في تفويض قربنا إلى من إذا باشرها سر بسيرته السرية مستحقها وواقفها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة رفع الإخلاص لواءها وأفاض الإيمان على وجوه حملتها إشراقها وضياءها ووالى الإيقان إعادة أدائها بمواقف الحق وإبداءها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بعموم

الشفاعة العظمى المقصوص في السنة ذكر حوضه الذي من شرب منه شربة فإنه بعدها لا يظما المنصوص على نبوته في الصحف المنزلة وبشرت به الهواتف نثرا ونظما وعلى آله وصحبه الذين فازوا من طاعته بالرتب الفاخرة وحازوا بالإخلاص في محبته سعادة الدنيا والآخرة وأقبلوا على حظهم من رضا الله ورضاه فلم يلوا على خدع الدنيا الساحرة صلاة دائمة الاتصال آمنة شمس دولتها من الغروب والزوال وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى الأمور بإنعام النظر في مصالحها وأحقها بتوفير الفكر على اعتبار مناهجها واعتماد مناجحها أمر جهات البر التي تقرب والدنا السلطان الشهيد قدس الله روحه بها إلى من أفاض نعمه عليه وتنوع في إنشائها فأحسن فيها كما أحسن الله إليه ورغب بها فيما عند الله لعلمه أن ذلك من أنفس الذخائر التي أعدها بين يديه وحل منها في أكرم بقعة نقله الله بها عن سريره إلى مقعد صدق عند ربه وعمر بها مواطن العبادة في يوم سلمه بعد أن عفى على معاقل الكفر في يوم حربه وأقام بها منار العلوم فعلا منالها وأعد للضعفاء بها من مواد البر والإلطاف ما لو تعاطته الأغنياء قصرت عن التطاول إليه أموالها وأن نرتاد لها من إذا فوضنا إليه أمرا تحققنا صلاحه وتيقنا نجاحه واعتقدنا تنيمة أمواله واعتمدنا في مضاعفة ارتفاعه وانتفاعه على أقواله وأفعاله وعلمنا من ذلك مالا نحتاج فيه إلى إخبار ولا اختبار ولا يحتاج في بيان الخيرة فيه إلى دليل إلا إذا احتاج إليه النهار لنكون في هذا بمثابة من ضاعف لهذه القرب أسباب ثوابها أو جدد لها وقفا لكونه أتى بيوت الإحسان في ارتياد الأكفاء لها من أبوابها
ولذلك لما كان فلان هو الذي صان أموال خواصنا وأبان عن يمن الآراء في استئثارنا به لمصالحنا الخاصة واختصاصنا واعتددنا بجميل نظره في اسباب التدبير التي تملأ الخزائن وتدل على أن من الأولياء من هو أوقع على المقاصد من سهام الكنائن وتحقق أنه كما في العناصر الأربعة معادن فكذلك في الرجال معادن ونبهت أوصافه على أنه ما ولي أمرا إلا وكان فوق ذلك قدرا

ولا اعتمد عليه فيما تضيق عنه همم الأولياء إلا رحب به صدرا ولا طلع في أفق رتبة هلالا إلا وتأملته العيون في أجل درج الكمال بدرا يدرك ما نأى من مصالح ما يليه بأدنى نظر ويسبق في سداد ما يباشره على ما يجب سداد الآراء ومواقع الفكر فنحن نزداد كل يوم غبطة بتدبيره ونتحقق أن كل ما عدقنا به إليه من أمر جليل فقد أسندناه إلى عارفه وفوضناه إلى خبيره اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق بجميل نظره أمر هذا المهم المقدم لدينا وأن نفوض إليه نظر هذه الأوقاف التي النظر في مصالحها من آكد الأمور المتعينة علينا
فرسم بالأمر الشريف لا زال فضله عميما وبره يقدم في الرتب من كان من الأولياء كريما أن يفوض إليه كيت وكيت
فليل هذه الرتبة التي أريد بها وجه الله وما كان لله فهو أهم وقصد بها النفع المتعدي إلى العلماء والفقراء والضعفاء ومراعاة ذلك من أخص المصالح وأعم ولينظر في عموم مصالحها وخصوصها نظرا يسد خللها ويزيح عللها ويعمر أصولها ويثمر محصولها ويحفظ في أماكنها أموالها ويقيم معالم العلوم في أرجائها ويستنزل بها مواد الرحمة لساكنها بألسنة قرائها ويستعيد صحة من بها من الضعفاء بإعداد الذخائر لملاطفة أسقامها ومعالجة أدوائها ويحافظ على شروط الواقف قدس الله روحه في إقامة وظائفها واعتبار مصارفها وتقديم ما قدمه مع ملاءة تدبيره باستكمال ذلك على أكمل ما يجب وتمييز حواصلها لما يستدعي إليها من الأصناف التي يعز وجودها ويجتلب وضبط تلك الحواصل التي لا خزائن لها أوثق من أيدي أمنائه وثقاته ولا مودع لها أوفق من أمانة من يتقي الله حق تقاته وليفعل في ذلك جميعه ما عرفناه من تدبيره الجميل خبرا وخبرا وحمدناه في كل ما يليه وردا في المصالح وصدرا فإنه بحمد الله الميمون نظرا وتصرفا المأمون نزاهة وتعففا الكريم سجية وطباعا الرحيب في تلقي المهمات الجليلة صدرا وباعا فلذلك وكلناه في الوصايا إلى حسن معرفته واطلاعه ويمن نهوضه بمصالحنا واضطلاعه والله تعالى يسدده في قوله وعمله ويحقق بالوقوف مع مراضي

الله تعالى ومراضينا غاية أمله إن شاء الله تعالى
ومنها نظر الجامع الناصري بقلعة الجبل
وهذه نسخة توقيع بنظره كتب به للقاضي جلال الدين القزويني وهو يومئذ قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية وهي
الحمد لله الذي زاد بنا الدين رفعة وجلالا وجعل لنا على منار الإسلام إقبالا وأحسن لنظرنا الشريف في كل اختيار مآلا ووفق مرامي مرامنا لمن أخلصنا عليه اتكالا
نحمده حمدا يتواتر ويتوالى ويقرب من المنى منالا وتنير به معاهد نعمه عندنا وتتلالا ونديمه إدامة لا نبغي عنها حولا ولا انتقالا
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نصدقها نية ومقالا ونرجو بالتغالي فيها القبول منه تعالى ويتراسل عليها القلب واللسان فلا يعتري ذاك سهو ولا يخاف هذا كلالا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي كرم صحابة وآلا ودلهم على الرشد فورثوه علماء الأمة رجالا وعليهم صلاة نسترعي عليها من الحفظة أكفاء أكفالا ونستمد لرقمها المذهبات بكرا وآصالا وتسمو إليه الأنفاس سمو حباب الماء حالا فحالا ما مدت الليالي على أيامها ظلالا وما بلغ سواد شبابها من بياض صبح اكتهالا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن من بنى حق عليه أن يشيد ومن أراد أن سنته الحسنى تبقى فليتخذ معينا على ما يريد ومن أنشأ برا فلا بد من مباشر عنه يضمن له

التجديد ويظن به مع تأثيره التخليد ومن تاجر لله بمعروف فما يسخو بالمشاركة فيه لمن يقوم مقام نفسه أو يزيد ومن بدأ جميلا فشرط صلاحه أن يسنده إلى من له بالمراقبة تقييد فيما يبدئ ويعيد وأي إشادة أقوى من التأسيس على التقوى أو معين أجل من حاكم استخلصناه لنا ولإخواننا المسلمين أو مباشر أنفع من سيد ارتدى بالمجد وتلفع وتروى بالعلوم وتضلع أو مشارك في الخير أولى من ولي قلدناه ديننا قبل الدنيا وأعليناه بالمنصبين الحكم والخطابة فتصرف منهما بين الكلمة العالية والدرجة العليا أو أحسن مراقبة من حبر يعبد الله كأنه يراه وإمام يدعو إليه دعاء أواب أواه قد انفرد بمجموع المحاسن يقينا وأصبح قدره الجلي الجليل يعنينا وعن المدائح يغنينا فحسبنا الوصف إيضاحا وتبيينا ولكن نصرح باسمه تنويها وتعيينا وتحسينا لسيرة أيامنا الشريفة بعالم زمانها وتزيينا لا عذر لفكر لم ينضد مناقبه وقد تمثلت معاليه جواهر وقلم لم يوش الطروس بمعانيه بعد ما زان من فنونها أنواع الأزاهر وهو المجلس العالي القضائي الإمامي العالمي العاملي العلامي الكاملي الفاضلي القدوي المفيدي الخاشعي الناسكي الورعي الحاكمي الجلالي حجة الإسلام والمسلمين قدوة العلماء العاملين في العالمين بركة الأمة علامة الأئمة عز السنة مؤيد الدولة سيف الشريعة شمس النظر مفتي الغرر خطيب الخطباء إمام البلغاء لسان المتكلمين حكم الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة سعد الدين ابي القاسم عبد الرحمن بن عمر بن أحمد القزويني قاضي القضاة الشافعية أدام الله عزة الشرع الشريف بأحكامه وترفيه سيوف الجلاد وأسله بلسان جداله وأقلامه قاض يفرق بين المهترجين برأي لا يطيش حلمه ولا يزل حكمه ويتقي الشبهات بورع يتبعه عمله ويهديه علمه ما لحظ جهة إلا حظيت ببركة داره مزنها سارية مناجحها سار يمنها ولا

أقبل على بيت من بيوت الله إلا حن منه إلى سبحات الجلال ولا تكلم في وقف إلا أجراه في صالح الأعمال على أقوم مثال ونحن لهذه المزايا نرد إلى نظره الكريم ما أهمنا من عمارة مسجد وجامع ونقلده من أوقافنا ما يخلفنا فيه خيرا فإن الأوقاف ودائع
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري لا زال يصيب الصواب ولا يعدو أولي الألباب أن يفوض إليه نظر الجامع الناصري المعمور بذكر الله تعالى بقلعة الجبل المحروسة وأوقافه والنظر على التربة والمدرسة الأشرفيين وأوقافهما
ومنها نظر مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه بالقاهرة المحروسة
وقد تقدم في الكلام على خطط القاهرة في المقالة الثانية أن الصالح طلائع بن رزيك حين قصد نقل رأس الإمام الحسين إلى القاهرة بنى لذلك جامعه خارج بابي زويلة فبلغ ذلك الخليفة فأفرد لها هذه القاعة من قاعات القصر وأمر بنقلها إليها
وهذه نسخة توقيع بنظره من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي الحمد لله الذي جعل مواطن الشرف في أيامنا الزاهرة محصورة في أكفائها ومشاهد السيادة في دولتنا القاهرة مقصورة على من حبته أوامرنا باعتنائها وخصته آلاؤنا باصطفائها الذي أجرى حسن النظر في مظان الآباء الطاهرة على يد من طلع في أفق العلياء من أبنائها وعمر معاهد القربات بتدبير من بدأ بقواعد دينه وأجاد إحكام تشييدها وإتقان بنائها

نحمده على ما خصت به أيامنا من رفع أقدار ذوي السيادة والشرف واتصف به إنعامنا من مزيد بر علم بحسن ظهوره على الأولياء أن الخير في السرف
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعرف بها من اعترف ويشرف قدر من له بالمحافظة عليها شغف ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي طهر الله بضعته الزاهرة وبنيها وخصهم بمزية القربى التي نزهه أن يسأل على الهداية أجرا إلا الموده فيها وعلى آله الذين هم أجدر بالكرم وأحق بمحاسن الشيم وما منهم إلا من تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم وعلى آله وأصحابه الذين أنعم الله به عليهم واتبعوه في ساعة العسرة فمنهم الذين أخرجوا من ديارهم والذين يحبون من هاجر إليهم وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من زينت به مواطن الشرف وعدقت به العناية بخدمة من درج من بيت النبوة وسلف وعمرت به مشاهد آثارهم التي هي في الحقيقة لهم غرف ونالت الدولة من تدبيره الجميل بعض حظها وخصت بقعته المباركة من نظره بما ينوب في خدمة محله الشريف عن مواقع لحظها وجعلت به لابن رسول الله من خدمة أبيه معها نصيبا وفعلت ذلك إذ خبرت خدمته أجنبيا علما أنها تتضاعف له إذا كان نسيبا وحكمت بما قام عندها مقام الثبوت وأمرته أن يبدأ بخدمة أهل البيت فإن لازمها لديها مقدم على البيوت من طلع شهاب فضله من الشرف السني في أكرم أفق وأحاطت به أسباب السؤدد من سائر الوجوه إحاطة الطوق بالعنق وزان الشرف بالسؤدد والعلم بالعمل والرياسة باللطف فاختارته المناصب واختالت به الدول وتقدم بنفسه ونفاسة أصله فكان شوط من تقدمه وراء خطوه وهو يمشي على مهل واصطفته الدولة

القاهرة لنفسها فتمسك من الموالاة بأوثق أسبابها واعتمدت عليه في بث نعمها وبعث كرمها فعرف في ذلك الأمور من وجهها وأتى البيوت من أبوابها وحمدت وفود أبوابنا العالية لحسن سيرته في إكرامهم السري واكتفت حتى مع ترك الكرامة إليهم ببشاشة وجهه التي هي خير من القرى وصان البيوت عن الإقواء بتدبيره الذي هو من مواد الأرزاق وزاد الحواصل بتثميره مع كثرة الكلف التي لو حاكتها الغمائم لأمسكت خشية الإنفاق
ولما كان فلان هو الذي تليت مناقب بيته الطاهر وجليت مفاخر أصله الزاهر وتجملت بشرف خلاله خلال الشرف التي تركها الأول للآخر وكان مشهد الإمام السيد الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام بالقاهرة المحروسة بقعة هي منتجع الرحمة ومظنة إجابة الأمة وروضة من شرفت بانتقاله إليها وتربة شهيد الزهراء صلوات الله على أبيها وعليها وبه الآن من رواتب القربات ووظائف العلوم وجهات الخير ما يحتاج إلى اختيار من يجمل النظر فيه ويسلك نهج سلفه في الإعراض عن عرض الدنيا ويقتفيه رأينا أن نختار لذلك من اخترناه لأنفسنا فكان الكفء الكريم واختبرناه لمصالحنا فخبرنا منه الحفيظ العليم وأن نقدم مهم ذلك البيت على مهم بيوتنا فإن حقوق آل بيت رسول الله أحق بالتعظيم
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت مكارمه بتقريب ذوي القربى جديره ومراسيمه على إقدار ذوي الرتب على ما يجب قديرة أن يفوض إليه النظر على مشهد الإمام الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام بالقاهرة المحروسة على قاعدة من تقدمه في ذلك بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف لما قدمناه من أسباب رجحته لذلك وبيناه من أمور أوضحت في اختيارنا له المسالك ومن أولى منه بهذه الرتبة التي شهدت له باستحقاقها مناصبه ومناسبه أو أقدر منه على أمثال هذه الوظيفة وقد أقرت بكماله وكرم خلاله مراتب الباب الشريف ورواتبه

فليمعن النظر في مباشرة أوقاف هذه البقعة المباركة مظهرا ثمرة تفويضها إليه مبينا نتيجة تعرضها له وعرضها عليه منبها على سر التوفيق فيما وضع أمرنا من مقاليد أمرها في يديه مجتهدا في تمييز أموال الوقف من كل كاتب حديث موضحا من شفقة الولد على ما نسب إلى الوالد ما شهدت به في حقها الأحاديث سالكا من خدمة ذلك المشهد ما يشهد له به غدا عند جده ناشرا من عنايته به لواء فضل رفعه في الحقيقة رفع لمجده وليلحظ تلك المصالح بنظره الذي يزيد أموالها تثميرا ورباعها تعميرا وحواصلها تمييزا وتوفيرا وأرج أيها السيد الشريف عند الله تعالى بذلك عن كل حسنة عشرا إن ذلك كان على الله يسيرا وصن ما بيدك عن شوائب الأدناس ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) وقد خبرنا من سيرتك وسريرتك ما لا نحتاج أن نزداد به خبرا ولا أن نبلوه بعد ما سلف مرة أخرى ولكن نذكرك بتقوى الله التي أنت بها متصف وبوجودها فيك معروف وبوجوبها عليك تعترف فقدمها بين يديك واجعلها العمدة فيما اعتمدنا فيه عليك إن شاء الله تعالى

المرتبة الثالثة من الوظائف الدينية ما يكتب في قطع العادة الصغيرة
مفتتحا برسم بالأمر الشريف
وهو لمن كانت رتبته مجلس القاضي وربما كتب فيه بالسامي بغير ياء لمن قصد تعظيمه وهو قليل وبه يكتب لأرباب الوظائف الصغار من الخطباء والمدرسين ونظار الأوقاف وغيرهم ممن لا ينحصر كثرة
وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان العتيق الذي رتبه السلطان صلاح

الدين يوسف بن أيوب في بعض قاعات قصر الفاطميين وهي
رسم بالأمر الشريف لا زالت أيامه تفيد علاء وتستخدم أكفاء وتضفي ملابس النعماء على كل علي فتكسوه بهجة وبهاء أن يستقر فلان في نظر البيمارستان الصلاحي بالقاهرة المحروسة بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت لكفاءته التي اشتهر ذكرها وأمانته التي صدق خبرها خبرها ونزاهته التي أضحى بها علي النفس فغدا بكل ثناء مليا ورياسته التي أحلت قدره أسمى رتبة فلا غرو أن يكون عليا
فليباشر نظر البيمارستان المذكور مباشرة يظهر بها انتفاعه وتتميز بها أوضاعه ويضحى عامر الأرجاء والنواحي ويقول لسان حاله عند حسن نظره وجميل تصرفه الآن كما بدا صلاحي وليجعل همته مصروفة إلى ضبط مقبوضه ومصروفه ويظهر نهضته المعروفة بتثمير ريعه حتى تتضاعف مواد معروفه ويلاحظ أحوال من فيه ملاحظة تذهب عنهم الباس ويراع مصالح حاله في تنميته وتزكيته حتى لا يزال منه شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس وليتناول المعلوم الشاهد به الديوان المعمور من استقبال تاريخه بعد الخط الشريف أعلاه
واعلم أن من تواقيع أرباب الوظائف الدينية ما يكتب في هيئة أوراق الطريق أو على ظهور القصص وقد تقدم
وهذه نسخة توقيع بالتحدث في وقف
رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني أعلاه الله تعالى وشرفه وأنفذه وصرفه أن يستقر القاضي فلان الدين فلان في التحدث في الوقف الفلاني بما لذلك من المعلوم الشاهد به كتاب الوقف

فليعتمد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه ويعمل بحسبه وبمقتضاه بعد الخط الشريف إن شاء الله تعالى

الضرب الثالث من الولايات بالحضرة السلطانية بالديار المصرية الوظائف
الديوانية
وهي على طبقتين
الطبقة الأولى أرباب التقاليد في قطع الثلثين ممن يكتب له الجناب العالي
وفيها وظيفتان
الوظيفة الأولى الوزارة إذا كان متوليها من أرباب الأقلام كما هو الغالب
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية نقلا عن مسالك الأبصار أن ربها ثاني السلطان لو أنصف وعرف حقه إلا أنها لما حدثت عليها النيابة تأخرت وقعد بها مكانها حتى صار المتحدث فيها كناظر المال لا يتعدى الحديث فيه ولا يتسع له في التصرف مجال ولا تمتد يده في الولاية والعزل لتطلع السلطان إلى الإحاطة بجريان الأحوال في الولاية والعزل وقد تقدم ذكر ألقابه مستوفاة في الكلام على مقدمة الولايات في الطرف الأول من هذا الفصل والكلام على طرة تقليده في الكلام على التقاليد
وهذه نسخة تقليد بالوزارة كتب بها للصاحب بهاء الدين بن حنا من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهي
الحمد لله الذي وهب لهذه الدولة القاهرة من لدنه وليا وجعل مكان

سرها وشد أزرها عليا ورضي لها من لم يزل عند ربه مرضيا
نحمده على لطفه الذي أمسى بنا حفيا ونشكره على أن جعل دولتنا جنة أورث تدبيرها من عباده من كان تقيا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نسبح بها بكرة وعشيا ونصلي على سيدنا محمد الذي آتاه الله الكتاب وجعله نبيا وعلى آله وصحبه صلاة نتبع بها صراطا سويا
وبعد فإن أولى ما تنغمت ألسنة الأقلام بتلاوة سوره وتنعمت أفواه المحابر بالاستمداد لتسطير سيره وتناجت الكرام الكاتبون بشكر مجمله ومفصله وتناشدت الرواة بحسن لسنه وترنمت الحداة بطيب غزله وتهادت الأقاليم تحف معجله ومؤجله وعنت وجوه المهارق لصعود كلمه الطيب ورفع صالح عمله ما كان فيه شكر لنعمة تمنها على الدولة سعادة جدودها وحظوظها وإفادة مصونها ومحفوظها وإرادة مرموقها بحسن الاستيداع وملحوظها وحمد لمنحة أفاءتها بركات أحسنت للمملكة الشريفة مآلا وقربت لها منالا وأصلحت لها أحوالا وكاثرت مدد البحر فكلما أجرى ذاك ماء أجرت هي مالا وإن ضنت السحب أنشأت هي سحبا وإن قيل بشح سيحنا رونق الأرض ذهب عوضت عنه ذهبا كم لها في الوجود من كرم وكرامة وفي الوجوه من وسوم ووسامة كم أحيت مهجا وكم جعلت للدولة من أمرها مخرجا وكم وسعت أملا وكم تركت صدر الحزن سهلا وكم تركت صدر الخزائن ضيقا حرجا كم استخدمت جيش تهجد في بطن الليل وجيش جهاد على ظهور الخيل وكم أنفقت في واقف في قلب بين صفوف الحروب وفي واقف في صفوف المساجد من أصحاب القلوب كم سبيل يسرت وسعود كثرت وكم مخاوف أدبرت حين درت وكم آثار في البلاد والعباد آثرت وأثرت وكم وافت ووفت وكم كفت وكفت وكم أعفت وعفت وعفت وكم

بها موازين للأولياء ثقلت وموازين للأعداء خفت كم أجرت من وقوف وكم عرفت بمعروف كم بيوت عبادة صاحب هذه البركات هو محرابها وسماء جود هو سحابها ومدينة علم هو بابها تثني الليالي على تغليسه إلى المساجد في الحنادس والأيام على تهجيره لعيادة الفقراء وحضور الجنائز وزيارة القبور الدوارس يكتن تحت جناح عدله الظاعن والمقيم وتشكر مباره يثرب وزمزم ومكة والحطيم كم عمت سنن تفقداته ونوافله وكم مرت صدقاته بالوادي فسح الله في مدته فأثنت عليه رماله وبالنادي فأثنت عليه أرامله ما زار الشام إلا أغناه عن منة المطر ولا صحب سلطانه في سفر إلا قال نعم الصاحب في السفر والحضر
ولما كان المنفرد بهذه البركات هو واحد الوجود ومن لا يشاركه في المزايا شريك وإن الليالي بإيجاد مثله غير ولود وهو الذي لو لم نسمه قال سامع هذه المناقب هذا الموصوف عند الله وعند خلقه معروف وهذا الممدوح بأكثر من هذه الممادح والمحامد من ربه ممدوح وممنوح وهذا المنعوت بذلك قد نعتته بأكثر من هذه النعوت الملائك وإنما نذكر نعوته التذاذا فلا يعتقد خاطب ولا كاتب أنه وفى جلالته بعض حقها فإنه أشرف من هذا وإذا كان لا بد للمادح أن تجول وللقلم أن يقول فتلك بركات المجلس العالي الصاحبي السيدي الورعي الزاهدي العابدي الوالدي الذخري الكفيلي الممهدي المشيدي العوني القوامي النظامي الأفضلي الأشرفي العالمي العادلي البهائي سيد الوزراء في العالمين كهف العابدين ملجأ الصالحين شرف الأولياء المتقين مدبر الدول سداد الثغور صلاح الممالك قدوة الملوك والسلاطين يمين أمير المؤمنين علي بن

محمد أدام الله جلاله من تشرف الأقاليم بحياطة قلمه المبارك والتقاليد بتجديد تنفيذه الذي لا يساهم فيه ولا يشارك فما جدد منها إنما هو بمثابة آيات فتردد أو بمنزلة سجلات في كل حين بها يحكم وفيها يشهد حتى تتناقل ثبوته الأيام والليالي ولا يخلو جيد دولة من أنه يكون الحالي بما له من فاخر اللآلي
فلذلك خرج الأمر العالي لا برح يكسب بهاء الدين المحمدي أتم الأنوار ولا برحت مراسمه تزهو من قلم منفذه بذي الفقر وذي الفقار أن يضمن هذا التقليد الشريف بالوزارة التامة العامة الشاملة الكاملة من المآثر الشريفة الصاحبية البهائية أحسن التضمين وأن ينشر منها ما يتلقى رايته كل رب سيف وقلم باليمين وأن يعلم كافة الناس ومن تضمه طاعة هذه الدولة وملكها وسلكها من ملك وأمير وكل مدينة ذات منبر وسرير وكل من جمعته الأقاليم من نواب سلطنة وذي طاعة مذعنة وأصحاب عقد وحل وظعن وحل وذي جنود وحشود ورافعي أعلام وبنود وكل راع ورعية وكل من ينظر في الأمور الشرعية وكل صاحب علم وتدريس وتهليل وتقديس وكل من يدخل في حكم هذه الدولة الغالبة من شموسها المضيئة وبدورها المنيرة وشهبها الثاقبة في الممالك المصرية والنوبية والساحلية والكركية والشوبكية والشامية والحلبية وما يتداخل بين ذلك من ثغور وحصون وممالك أن القلم المبارك الصاحبي البهائي في جميع هذه الممالك مبسوط وأمر تدبيرها به منوط ورعاية شفقته لها تحوط وله النظر في أحوالها وأموالها وإليه أمر قوانينها ودواوينها وكتابها وحسابها ومراتبها ورواتبها وتصريفها ومصروفها وإليه التولية والصرف وإلى تقدمه البدل والنعت والتوكيد والعطف فهو صاحب الرتبة التي لا يحلها سواه وسوى من هو مرتضيه من السادة الوزراء بنيه وما سمينا غيره وغيرهم بالصحوبية فليحذر

من يخاطب غيره وغيرهم بها أو يسميه فكما كان والدنا الشهيد رحمه الله يخاطبه بالوالد قد خاطبناه بذلك وخطبناه وما عدلنا عن ذلك بل عدلنا لأنه ما ظلم من أشبه أباه فمنزلته لا تسامى ولا تسام ومكانته لا ترامى ولا ترام فمن قدح في سيادته من حساده زناد قدح أحرق بشرر شره ومن ركب إلى جلالته ثبج سوء أغرق في بحره ومن فتل لسعادته حبل كيد فإنما فتله مبرمه لنحره فلتلزم الألسنة والأقلام والأقدام في خدمته أحسن الآداب وليقل المترددون حطة إذا دخلوا الباب ولا يغرنهم فرط تواضعه لدينه وتقواه فمن تأدب معه تأدب معنا ومن تأدب معنا تأدب مع الله وليتل هذا التقليد على رؤوس الأشهاد وتنسخ نسخته حتى تتناقلها الأمصار والبلاد فهو حجتنا على من سميناه خصوصا ومن يدخل في ذلك بطريق العموم فليعملوا فيه بالنص والقياس والاستنباط والمفهوم والله يزيد المجلس الصاحبي الوزيري البهائي سيد الوزراء من فضله ويبقيه لغاب هذه الدولة يصونه لشبله كما صانه لأسده من قبله ويمتع بنيته الصالحة التي يحسن بها إن شاء الله نماء الفرع كما حسن نماء أصله بمنه وكرمه
وهذه نسخة تقليد بالوزارة كتب به للصاحب تاج الدين محمد بن فخر الدين ابن الصاحب بهاء الدين علي بن حنا في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وستمائة من إنشاء المولى شهاب الدين محمود الحلبي تغمده الله برحمته وهي
الحمد لله مكمل شرف الوزارة بطلعة تاجها ومشرف قدرها بمن تشرق عليها أشعة سعده إشراق الكواكب على أبراجها ورافع لواء مجدها بمن تلقته

بعد الجفاء في حلل سرورها وحلي ابتهاجها وتحلت بعد العطل من جواهر مفاخره بما تتزين عقود السعود بازدواجها وترفل من انتسابها إلى أبهة بهائه بما يود ذهب الأصيل لو امتزج بسلوك انتساجها الذي شيد قواعد هذه المرتبة السنية في أيامنا وجددها وبعث لها على فترة من الأكفاء من حسم الأدواء فكان مسيحها وشرع المعدلة فكان محمدها وردها بحكم الاستحقاق إلى من لا يختلف في أنه صاحبها ورجعها إلى من خطبته لنفسها بعد أن أحجم لشرف قدرها خاطبها
نحمده على أن شد أزر ملكنا بأكرم وزير وأيمن مشير وأجل من ينتهي إلى بيت كريم وحسب صميم ومن إذا قال لسان ملكنا ( ائتوني به استخلصه لنفسي ) قالت كفايته ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نقر بها سرا وعلنا ونقر بها هذه العقيلة الجليلة عند من يكسوها مجده رفعة وسنا ويلبس جفن الدهر عنها وسنا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بكل صاحب شهد الكتاب والسنة بفضله وقام بعضهم بحسن مؤازرته مقام من شد الله به عضد من سأله وزيرا من أهله وعلى آله وصحبه صلاة لا تغرب شمسها ولا يعزب أنسها ولا يتفاوت في المحافظة عليها غدها وأمسها وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن أولى من خطبت بحمده الأقلام وافتتحت به الدولة التي ابتسمت بنسيمها ثغور الأيام وودت مسكة الليل لو مازجت أنفاسه وأمل بياض النهار لو أخذ من غير سمة عوض ورق الورق قرطاسه وتحاشدت النجوم

لتنتسق في سلك معانيه وطارت بذكره في الآفاق أنباء السعود وحكمت الجدود بأنه في اقتبال إقباله نهاية الآباء وغاية الجدود وافترت به ثغور الممالك عن أحسن الدر النضيد وسرت بذكره رفاق الآفاق ففي كل ناد مناد وفي كل بر بريد واختالت به أعطاف الدولة القاهرة فأوت من الرأي السديد إلى كل ركن شديد ونطق به العدل والحق فخرس الظلم وما يبدئ الباطل وما يعيد وجرت به أقدار ذوي الرتب على أجمل مناهجها فأما أهل العدل فيقربون نجيا وأما أهل الظلم فأولئك ينادون من مكان بعيد وبدت به وجوه المصالح سافرة بعد الحجاب بارزة بعد طول الانتقال إلى الانتقاب داخلة بوفود المحامد من كل باب إلا الظلم فإنه بحمد الله قد سد ذلك الباب وأقر منصب الوزارة الشريفة أنا أعدنا به الحق إلى نصابه ورددناه إلى من هو أولى به بعد اغتصابه وألبسناه من بهجة أيامنا تاجا رد عليه عزا لا تطمع يد الذهب في انتزاعه عنه ولا استلابه وتقليده لمن يود الفرقد لو عقد به إكليله ويتمنى الطرف لو أدرك غاية مجده وإن رجع وهو حسير البصر كليله وتفويض ذلك إلى من كان له وهو في يد غيره ومن به وببيته تمهدت قواعده فما كان فيه من خير فهو من سيرتهم وما كان من شر فمن قبل المقصر من عثارهم في سيره وما أحدث فيه من ظلم فهو منه براء إذ إثم ذلك على من اجترأ عليه وما أجري به من معروف فإلى طريقهم منسوب وإن تلبس منه بما لم يعط من نسب إليه وما خلا منهم هذا الدست الكريم إلا وهم بالأولوية في صدره الجلوس ولا تصدى غيرهم لتعاطيه إلا وأقبلت عليه في أيامه الجسوم وعلية النفوس
ولذلك لما كانت هذه الدولة القاهرة مفتتحة بالبركات أيامها ماضية بكف الظلم ونشر العدل سيوفها وأقلامها مستهلة بالأرزاق سحب فضلها التي لا يقلع غمامها اقتضت الآراء الشريفة اختيار خير صاحب يعين على الحق بآرائه ويجمل الدست ببهجته وروائه ويجري الأرزاق بوجه لو تأمله امرؤ ظامئ الجوانح لارتوى من مائه وكان المجلس العالي الصاحبي الوزيري التاجي أدام الله تعالى نعمته ورحم سلفه هو المخطوب لفضله

والمطلوب لهذا الدست الذي تعين له دون الأكفاء وإن لم يكن غير أهله من أهله وما زال يتشوف إليه تشوف البروج إلى نجوم السعود ويتطلع إلى محياه الذي هو كنور الشمس في الدنو وكمحلها في الصعود وما زالت الأدعية الصالحة ترتفع في أيامه لمالك عصره والآراء تقام منها جنود لتأييده وحشود لنصره والأموال تحمل منها إلى خزائنه بأشبه بموج البحر في الحضر دون حصره
فلذلك رسم بالأمر الشريف ضاعف الله مواهبه العميمة وكمل جلال دولته بتفويض أمورها إلى ذوي الأصول العريقة والبيوت القديمة أن تحلى منه هذه الرتبة العلية بما حلي به الدين وتعقد له راية فضلها المتين ليتلقاها شرقا وغربا وبعدا وقربا وبرا وبحرا وشاما ومصرا ويحلى حلاه علم وعلم وسيف وقلم ومنبر وسرير ومأمور وأمير
فليتلق أمره بالطاعة كل مؤتمر بأمرنا الشريف جار في طاعتنا المفروضة بين بيان التقليد وعنان التصريف وليبادر إلى تدبير أمور الأقاليم بأقلامه المباركة ويمض القواعد على ما تراه آراؤه المنزهة عن المنازعة في الأمر والمشاركة ولينشر كلمة العدل التي أمر الله بإضافة الإحسان إليها ويمت بدع الظلم فإن الله يشكره على تلك الإماتة ويحمده عليها ويسهل رزق الصدقات ووظائف القربات فإن ذلك من أجل ما قدمته الطائفة الصالحة بين يديها وليكثر بذلك جنود الليل فإنها لا تطيش سهامها ويتوق من محاربتها بظلم فإنه لا يداوى بالرقي سمامها وليعوذ بتمائم التيسير مواهبنا فإن تمام النعمة تمائمها وليطلق قلمه في البسط والقبض وليعد بتدبيره على هذا المنصب الشريف بهجته ويتدارك بآرائه ذماءه وبدوائه مهجته ويصن عن شوائب الظلم حرمته ويخلص ذمتنا من المآثم وذمته وليعلم أن أمور المملكة الشريفة منوطة بآرائه

وأحكامه مضبوطة بأقواله وأقلامه فليجعل فكره مرآة تجلو عليه صورها ويقم آراءه صحفا تتلو لديه سورها ويأمر النواب بما يراه من مصالحنا ليلبوه سامعين ويسهر جفنه في مصالح البلاد والعباد لترقد الرعايا في مهاد الأمن وادعين ويعضد الشريعة المطهرة بتنفيذ أحكامها وإعلاء أعلامها وإظهار أنوارها وإقامة ما رفعه الله من منارها ولا يعدل في أمور مباشرتها بالممالك الشريفة عن آرائه ولا يمضي فيها عزلا ولا ولاية إلا بعد تتبعه الواجب في ذلك واستقرائه وهو أعلم بما يجب لهذه الرتبة من قواعد إليه يرجع في أوضاعها وعليه يعول في اصطلاحها لانفرادها فيه واجتماعها فليفعل في ذلك ما هو عليه بحسن الثناء جدير وليعتصم بالله في أموره فإنه نعم المولى ونعم النصير إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بالوزارة كتب به للصاحب ضياء الدين بالاستمرار على الوزارة من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
الحمد لله الذي شد أزر ملكنا الشريف بمن أضاء في أفق الدين علمه وشيد قواعد عدلنا المنيف بمن أعلت منار الحق آياته في أحكام الممالك وحلمه ووطد أركان دولتنا القاهرة بمن يفعل في نكاية أعداء الله فعل الحرب العوان سلمه وأجرى الأرزاق في أيامنا الزاهرة على يد من كفت أقلامه كف الحوادث فلا عدوان تغشى ظلمه ولا عاد يخشى ظلمه وصان ممالكنا المحروسة بآراء من إن صرف إلى نكاية أعداء الله حد يراعه لم ينب موقعه ولم يعف كلمه وإن صرفه في حماية ثغر لم يشم برقه ولم يدق بالوهم ظلمه وإن حمى جانب إقليم عز على الأيام ثل عروش ما حماه وشمه وإن أرهفه لذب

عن دين الله راعت عدو الدين منه يقظته وسله عليه حلمه
نحمده على نعمه التي زانت أسنى مناصب الدنيا في أيامنا الزاهرة بضياء الدين وأعلت أقدار الرتب العليا بتصرفها بآراء من أصبح علمه علما للمتقين وعمله سننا للمقتدين وفجرت ينابيع الأرزاق في دولتنا القاهرة بيد من أغنى بيدنا المعتفين وقمع بمهابتنا المعتدين
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أعاد يمنها على سمع المنابر من نعوتنا ما فقد وأطفأ إعلانها عن حملتها لهب العناد وقد وقد وفوض اعتناؤنا بمصالح أهلها أمورهم إلى أكمل من انتقى لنا التأييد من ذخائر العلماء وأفضل من انتقد ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا الله للذب عن أمته وجلا بنور جهادنا لأعدائه عن قلب كل مؤمن ما أظله من غمه وران عليه من غمته وعضدنا من أئمة ملته بمن أردنا مصالح العباد والبلاد في إلقاء كل أمر إليه بأزمته وعلى آله وصحبه الذين منهم من فاز بسبقه وحاز بتصديقه قدم صدقه واختصه الله بمؤازرة نبيه دون من اجتباه من خلقه ومنهم من كان الشيطان ينكب عن طرقه ونطق من الصواب بما نزل الذكر الحكيم على وفقه وسمي الفاروق لتمييزه بين الحق والباطل وفرقه ومنهم من قابل المعتدين برفقه وقتل شهيدا على حقه وكانت ملائكة الرحمن تستحيي من خلقه الكريم وكرم خلقه ومنهم من طلع لامع نور الإيمان من أفقه وكان سيفه م5ن كل ملحد في دين الله بمثابة قلادة عنقه وطلق الدنيا تورعا عنها وبيده مفاتيح ما بسط الله للأمة من رزقه صلاة يقيم الإيمان فرضها ويملأ بها الإيقان طول البسيطة وعرضها وتزين كواكب ذكرها ومواكب نصرها سماء الدنيا وأرضها وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن أولى من رقمت لأعطاف فضله حلل الكلام ونظمت لأجياد

ذكره فرائد المعاني المستخرجة من بحار الفكر على ألسنة الأقلام ووشحت التقاليد من مناقبه بما هو أحسن من اتساق الدراري على هالات البدور وجلي على المسامع مفاخره بما هو أبهى من النور في العيون وأحلى من الأمن في القلوب وأوقع من الشفاء في الصدور وأطلع في أفق الطروس من أوصافه شمس أسفر بأنواع العلوم ضياؤها وأنشئت في أثناء السطور من نعت مآثره سحب إذا قابلتها وجوه الحيا سترها بحمرة البرق حياؤها وأودعت المهارق من ذكر خلاله لطفا يود ذهب الأصيل لو ناب عن أنفاسها ومنحب صدور المعاني من معاليه طرفا تتمنى الرياض العواطر لو تلقت عن أنفاسها من سمت الوزارة باستقرارها منه في معدن الفضائل واتسمت منه بالصاحب الذي أعادت أيامه ما فقد من محاسن السير الأوائل وابتسمت من علومه بالعلامة الذي تتفرع من أحكامه أحكام الفروع وتتفجر من تواقيعه عيون المسائل واتصفت من معدلته بالمنصف الذي هجر في أيامه هجير الحيف والظلم فالأوقات في أيامه المباركة كلها أسحار وأصائل وابتهجت من إنصافه بالعادل الذي سهل على ذوي المطالب حجاب بابه فلا يحتاج أن يطرق بالشفاعات ولا أن يستفتح بالوسائل وأشرقت من مفاخره بالكامل الذي حسنت به حلل الثناء فكأنها ابتسام ثغور النور في أثناء الخمائل فالعدل في أيامه كالإحسان شامل والمعروف بأقلامه كالسحب المتكفلة بري الأرض الهامل والظلم والإنصاف مفترقان منه بين العدم والوجود فلا يرى بهذا آمرا ولا يرد عن هذا آمل قد أعطى دست الوزارة الشريفه حقه فالأقدار بآياته مرفوعة والمضار بمعدلته مدفوعة وكلمة المظلوم بإنصاف إنصاته مسموعة وأسباب الخيرات بحسن نيته لنيته الحسنة مجموعة والأقاليم بكلاءة أقلامة محوطة وأحوال المملكة بآرائه المشتملة على مصالحها منوطة والثغور بحسن تفقده مفترة المباسم مصونة بإزاحة الأعذار عن مر الرياح النواسم آهلة النواحي بموالاة الحمول التي لا تزال عيسها بإدامة السرى دامية المناسم والبلاد بما نشرت أقلامه من العدل معمورة والرعايا بما بسطت يد إحسانه من الإحسان مغمورة وأرباب التصرف بما تقتضيه أقلامه عن الحيف

منهية وبالرفق مأمورة والأيدي بالأدعية الصالحة لأيامنا الزاهرة مرتفعة والرعية لتقلبها في مهاد الأمن والدعة بالعيش منتفعة وبيوت الأموال آهلة على كثرة الإنفاق والغلال متواصلة مع التوفر على عمارة البلاد والحمول متوالية مع أمن من صدرت عنهم على ما في أيديهم من الطوارف والتلاد والأمور بالتيقظ لها على سعة الممالك مضبوطة والنفوس بالأمن على ما هي عليه من التملي بالنعم مغبوطة والمناصب مصونة بأكفائها والمراتب آهلة بالأعيان الذين تنبهت لهم في أيامه عيون الحظ بعد إغفائها ومجالس المعدلة حالية بأحكام سيرته المنصفة ومواطن العلم عالية بما يملى فيها من فوائده التي أتعب ألسنة الأقلام ما فيها من صفة
ولما كان الجناب العالي الصاحبي الوزيري الضيائي وزير الممالك الشريفة هو الذي كرمت به مناسبها وعظمت بالانتماء إليه مناصبها وتحلت بعلمه معاطفها ونزلت على حكم حلمه عوارف برها العميمة وعواطفها وزهت بجواهر فضائله أجيادها واستوت في ملابس حلل المسرة أيامها الزاهية وأعيادها وأنارت بمعدلته لياليها وأشرقت بالانتظام في سخاب إيالته لآليها فكم من أقاليم صان قلمه أموالها وممالك حلى عدله أحوالها وبلاد أعان تدبيره السحب على ريها وأعمال أبان عن استغنائها بتأثيره عن منة الحيا حسن مسموعها ومرئيها وأرزاق أدرها ورزق أجراها على قواعد الإحسان وأقرها وجهات بر أعان واقفيها عليها وأسباب خير جعل أيامنا بإدامة فتحها السابقة إليها وقدم سعاية أزالها وأزلها وكلمة حادثة أذالها وأذلها ووجوه مضرة ردها بيد المعدلة وصدها وأبواب ظلم لا طاقة للرعية بسلوكها أغلقها بيمنى يمنه وسدها فدأبه أن يسدد إلى مقاتل العدا باتخاذ اليد عند الفقراء سهام

الليل التي لا تصدع الدروع وأن يجدد لأوليائنا من عوارف آلائنا أخلاف بر تروي الآمال وهي حافلة الضروع اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزين بمجده غرر التقاليد ونجدد إليه في أمور وزارتنا الشريفة إلقاء المقاليد وأن نوشي الطروس من أوصافه بما يجدد على أعطافها الحبر ونردد على ألسنة الأقاليم من نعوته ما لا تمل المسامع إيراد الخبر منه بعد الخبر
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني لا زال الدين في أيامه الشريفة مشرقا ضياؤه آهلة باعتلائه مرابع الوجود وأحياؤه ممدودة على الأمة ظلاله الوارفة وأفياؤه أن يجدد هذا التقليد باستقراره تجديدا لا يبلي الدهر حلله ولا تقوض الأيام حلله بل يشرق في أفق الممالك إشراق النجوم الثوابت ويتفرع في مصالح الملك تفرع الأفنان الناشئة في الأصول النوابت وتختال به مناصب الدولة القاهرة في أسنى ملابسها وتضيء به مواطن العلوم إضاءة صباحة المصباح في يد قابسها وتسترفع لنا به الأدعية الصالحة من كل لسان وتجتلى به لأيامنا الزاهرة من كل أفق وجوه الشكر الحسان
فلتجر أقلامه في مصالح دولتنا الشريفة على أفضل عادتها ويرسلها في نشر العدل على سجيتها وفي إجراء الجود على جادتها ويكف بها أكف الحوادث فإنما تزال أسباب الظلم بحسم مادتها ولينطقها في مصالح الأموال بما تظل له مسامع الحمول مصغية ويطلقها في عمارة البلاد بما تغدو له ألسنة الخصب حافظة ولما عداه ملغية وكذلك الخزائن التي هي معاقل الإسلام وحصونه وحماه الذي لا يبتذل بغير أمرنا الشريف في مصالح الملك والملة مصونه فليجعلها بتدبيره كالبحار التي لا تنقص بكثرة الوارد جمامها ولا تنزحها السحب لكثرة ما تحمل إلى الآفاق غمامها ولتكن كلمة العدل من أهم

ما تفتتح به مجالسه وآكد ما يؤمر به محاضره من الأولياء ومجالسه وأزكى ما يستجيد به لاستثمار الدعاء الصالح مغارسه وأوثق ما يحوط به حمى الملك الذي إذا غفا جفن عينه كان حارسه وأول ما ينبغي أن ينافس عليه حاضر دسته وغائبه وأولى ما يعد على إهماله نكاله ويعد على إقامته رغائبه
وليلاحظ من مصالح كل إقليم ما كأنه ينظر إليه بعين قلبه ويمثل صورته في مرآة لبه فيقر كل أمر على ما يراه من سداده ويقرر حال كل ثغر على ما يحصل به المراد في سداده فيغدو لأعذاره بموالاة الحمول إليه مزيحا ويمسي بسد خلله لخواطر أهل الكفر متعبا ولخواطرنا الشريفة مريحا وينظر في أحوال من به من الجند والرجال بما يؤكد الطاعة عليهم ويجدد الاستطاعة لديهم ويزيل أعذارهم واعتذارهم بوصول حقوقهم إليهم ويوفرهم على إعداد الأهبة للأعداء إذا أتوهم من فورهم ويكفهم بإدار الأرزاق عليهم عن اعتدائهم على الرعايا وجورهم ويتفقد من أحوال مباشريها وولاة الحكم والتحكم فيها ما يعلمون به أنه مناقشهم على الأمور اليسيرة والهفوات التي يرونها قليلة وهي بالنسبة إلى كثرة الرعايا كثيرة ويتعاهد أمر الرتب الدينية فلا تؤخذ مناصبها بالمناسب ولا تغدو أوقافها المعدة لاكتساب العلوم في المكاسب بل يتعين أن يرتاد لها العلماء الأعيان حيث حلوا ويقرر في رتبها الأئمة الأكفاء وإلا اتخذ الناس رؤوسا جهالا فضلوا وأضلوا ولتكن أقلامه على كل ما جرت به العوائد في ذلك محتوية وأيامه على أكمل القواعد في ذلك وغيره منطوية فما ثم شيء من قواعد الوزارة الشريفة خارج عن حكمه فليكتب يمتثل وليقل في مصالح دولتنا القاهرة يكن قوله أمضى من الظبا وأسرى من الصبا وأسير من المثل فلا تمضى في ذلك ولاية ولا عزل ولا منع ولا بذل ولا عقد ولا حل إلا وهو معدوق بآرائه متوقف على تنفيذه وإمضائه متلقى

ما يقرر فيه من تلقائه وفي الاكتفاء بسيرته ما يغني عن إطرائه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بالوزارة
الحمد لله الذي شد لدولتنا القاهرة باصطفاء أشرف الوزراء أزرا وخص أيامنا الزاهرة باجتباء من حماها عدله أن تضع أو تحمل وزرا وأفاض إنعامنا على من طلع في أفق خدمتنا هلالا واستقل بحسن السير والسيرة بدرا وضاعف إحساننا لمن لا نرفعه إلى رتبة شرف إلا وكان أجل الأكفاء على ذلك قدرة وقدرا وجمل ملكنا بمن إذا افتخرت الدول ببعض مناقبه كفاها ذلك جلالا وفخرا وإذا ادخرت تدبيره وبذلت ما عداه فحسبها ما أبقته وقاية للملك وذخرا وبسط عدلنا في الأقاليم بيد من حين أمرنا القلم بتقليده ذلك سجد في الطرس شكرا وافتتح بحمد الله يذكر النعمة به على آلائه إن في ذلك لذكرى وأخذ في وصف درر مفاخره التي تمثلت له فنضدها دون أن يستدعي روية أو يعمل فكرا
نحمده حمد من والى إلى أوليائه مواد النعم وأضفى على أصفيائه ملابس الكرم وحفظ لمن أخلص في طاعته معارف معروفه التي هي في أهل النهى ذمم ونبه لمصالح رعاياه من عم عدله وإن لم يغف عن ملاحظة أمورهم ولم ينم
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعلنها ونعليها ونرخص أرواح جاحديها ونغليها ونوالي النعم على المتمسك بها ونوليها ونقرب بيمنها رتب الأولياء من إحساننا وندنيها ونجدد لهم بتأييدها ملابس المنن نظهر عليهم آثار النعم السنية فيها ونرفعهم بحسن عنايتنا إلى أشرف غاية كانوا يسرون أهليتهم لها والله يبديها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا لنصر دينه فقمنا به كما أمر وأبقى على أيامنا حكم أيامه فاستمر الحال على ما

سبقت به دعوته من تأييد الدين بعمر وخصنا ممن ينتمي إلى أصحابه بأجل صاحب ينوب عن شمس عدلنا في محو ظلمة الظلم مناب القمر وعلى آله وصحبه الزهر الغرر وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من اختيرت جواهر الكلام لرصف مفاخره وانتخبت غرر المعاني لوصف آثاره في مصالح الإسلام ومآثره وقامت خطباء الأقلام على منابر الأنامل بشيرة بيمن أيامه وتطلعت مقل الكواكب مشيرة إلى ما أقبل على الأقاليم من إقباله وسحت سحب أقلامه وتبرجت زهر النجوم لينتظم في عقود مناقبه سعودها وتأرجت أرجاء المهارق إذ تبلج من ليل عن فجر عمودها وسارت به أنباء السعود والقلم الناطق بذكره وهو المحلق الميمون طائره والطرس الموشع بشكره وهو المخلق الذي تملأ الدنيا بشائره من استخلصته الدولة القاهرة لنفسها فتملاها عينا وسر بها قلبا واختصته بخواصها الشريفة فرحب بها صدرا ولباها لبا وكلف بمؤازرتها بذاتها حتى قيل هذه ( تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا ) وأحلته من وزارتها الشريفة بالمكان الأسنى والحرم الحريز وأثنت على فضله الأسمى بلسان الكرم البسيط الوجيز واعتمدت في أمور رعاياها على ما فيه من عدل وورع لا ينكر وجودهما من مثله وهو في الحقيقة عمر بن عبد العزيز وأدنته عنايتنا منا لما فيه من فضل عميم وحسب صميم ونسب حديث مجده قديم وأصالة إذا افتخرت يوما تميم بقومها قالت أين تميمك من جده صاحب رسول الله تميم وغرسته لنفسها وطال ذلك الغرس وطاب الثمر واعتضدت بتدبيره فكان له عند أطراف العوالي في مكانه الأعز أظرف سمر ووثقت بما فيه من عدل ومعرفة لا ينكر من نحا الصواب اجتماعهما في عمر واشتقت له بإحساننا من نسبته وصفا جميلا ونعتا جليلا وخصته لمزية ذلك الاشتقاق بمزيد قربنا فأمسى في خدمتنا جليلا وأصبح خليلا ورعت له ما قد تم من تدبير أتى عليه بنفسه وسداد ظهرت مزية

كل يوم منه على أمسه وسعي جميل ما برح في مصالح الإسلام رائحا وغاديا واجتهاد في أمور أهل الجهاد ما برح يدأب فيه علما بما أعد الله لمن جهز غازيا ودان له من حسن ملاحظته الأمور ما ليس للوصف به من قبل وتأملت ما يكشف له على البعد من المصالح التي يأمر بالصواب فيها وكيف لا وعمر الذي شاهد السرية على البعد من سارية الجبل وأيقنت ببسط العدل في الرعايا إذ هو مؤتمر والعادل آمر وتحققت عمارة البلاد على يديه لأن عمر بحكم العدل عند الحقيقة عامر
ولذلك لما كان المجلس العالي الفخري ضاعف الله نعمته هو الذي قربته طاعتنا نجيا ورفعته ولايتنا مكانا عليا وحقق له اجتهاده في مصالح الإسلام الأمل من رضانا وكان عند ربه مرضيا وأخلص في خدمة دولتنا الشريفة فاتخذته لخاص الأمور وعامتها صفيا وأظهر ما بطن من جميل اجتهاده فجعلته لمصالح الملك وزيرا وصاحبا ووليا وأنجزت منه لتدبير أمور الممالك ما كان الزمن به ماطلا وأجرت على يده التي هي ملية بتصريف الأرزاق ما لا يبرح غمامه هاطلا وقلدته رعاية الأمور وأمور الرعايا علما أنه لا يترك لله حقا ولا يأخذ باطلا وقلدت جيده بأسنى حلى هذه الرتبة الجليلة وإن لم يكن منها بحكم قربه منا عاطلا ورفعت له لواء عدل ما زال له بالمنى في أيامنا الشريفة حاملا وكملت له ببلوغ الغاية من أفق العلو رفعة قدره وما زال المؤهل للكمال باعتبار ما يؤول إليه كاملا ونوهت بذكره وما كان لظهور مخايل هذا المنصب الجليل عليه في وقت خاملا ونظرت الرعايا فما عدلت بهم عن بر رفيق وصاحب شفيق ووزير عمري السيرة ما سلك طريقا إلا وعدل شيطان الظلم عن ذلك الطريق وكان هذا المنصب الجليل غاية مدار الممالك عليها وقبلة توجه وجوه أهل الطاعة فيما يفاض عليهم من نعمنا إليها وهو الذي يتدرع صاحبه من أنواع الطاعات لبوسا ويعالج من أدواء المهام ما بغير عزائمه لا يوسى ويتردد في المخالصة والمناصحة من مالك أمره بمنزلة هارون من موسى اقتضت آراؤنا الشريفة أن نفوض ذلك إلى من نهض في طاعتنا الشريفة

بما يجب وعلمنا تحرزه لدينه ولنا فيما يأتي ويجتنب ومن تزاد به مع فخره أيامنا الشريفة فخرا ويصبح له مع ماله من الجلالة في نفسه رتب جلالة أخرى
ولهذا رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني لا زال يصرف الأقدار بيمين أيامه ويشرف الأقدار ببره وإنعامه ويدر على الأولياء وابل جوده الذي تخجل الديم من دوامه أن تفوض إليه الوزارة الشريفة الكاملة على جميع الممالك الإسلامية شرقا وغربا وبعدا وقربا وبرا وبحرا وشاما ومصرا على أجمل القواعد في ذلك وأكملها وأسنى الفوائد وأفضلها وأتم الأحوال التي يستغنى بمجملها عن مفصلها
فليعط هذه الرتبة من جلالته حظا كانت من إبطائه على وجل ويجار الغمائم بوابل إنعامنا الذي يعلم به أن حمرة البرق في أثنائه خجل ويطلق قلمه في مصالح الدولة القاهرة بسطا وقبضا وإبراما ونقضا وتدبيرا يعين النيل والغمام على تتبع المحل ما وجد كل منهما أرضا ويعمل آراءه المباركة تدبيرا للمناجح وتدريبا وتقريرا للقواعد وتقريبا ونظرا يجعل لكل عمل من ملاحظته نصيبا وفكرا يحاسب به على حقوق الله وحقوق خلقه فإن الله هو المناقش على ذلك ( وكفى بالله حسيبا )
ويبدأ بالعدل الذي رسم الله به وبالإحسان في ملكنا الشريف ويخفف مع الجمع بين المصالح عن خلق الله الوطأة فإن الإنسان ضعيف وينجز لأولياء دولتنا مواد الأرزاق فإن سيف المنع الذي نحاشي أيامنا عن تجريده أقل نكاية من التسويف ويمنع الولاة من ظلم الرعايا باعتبار أحوالهم دون أقوالهم فإن منهم من يدعي العدل ويجور ويظهر الرفق ويحيف وليتتبع أدواء المحل تتبع طبيب خبير ويصرف الأمور بجميل تدبيره فإن البركة معدوقة بحسن

التدبير ويستقبل ري البلاد إن شاء الله تعالى بسداد حزم يغتفر به هذا القليل لذلك الكثير ويستخلف بالرفق والعدل أضعاف ما فات في أمسه فإن ذلك على الله يسير وليهتم ببيوت الأموال فيوالي إتيان الحمول إليها من أبوابها ويضاعف بها الحواصل التي لا يطلع بغير حسن التدبير على أسبابها فإنها معادن الذخائر وموارد الرجال وإذا أعد منها جبالا شوامخ تلا إنفاقنا في سبيل الله ( ويسألونك عن الجبال )
وكذلك الخزائن التي هي معاقل الإسلام وحصونه وحماه الذي لا يبتذل بغير أمرنا الشريف في مصالح الملك والملة مصونة فيجعلها بتدبيره الجميل كالبحار التي لا تنقص بكثرة الوارد جمامها ولا تنزحها السحب على كثرة ما تحمل إلى الآفاق غمامها وليلاحظ من مصالح كل إقليم بما تمثله له على البعد أفكاره ويأمر في أحوال من به من الجند بما يؤكد الطاعة عليهم ويجدد الاستطاعة لديهم ويزيح أعذارهم واعتذارهم بوصول حقوقهم إليهم ويوفرهم على أعداد الأهبة للأعداء إذا أتوهم من فورهم ويكفهم بإدرار الأرزاق عليهم عن اعتدائهم على الرعايا وجورهم ويجعل ثغور كل جانب بتيسير محصولها وتثمير ذخائرها التي هي من موارد رجالها مصفحة بالصفاح مشرقة بأسنة الرماح مسدودة من جهة العدو عنها مسالك الرياح ويتفقد من أحوال مباشريه وولاة الحكم والتحكم فيه ما يعلمون به أنه مناقشهم على الأمور اليسيرة والهفوات التي يرونها قليلة وهي بالنسبة إلى كثرة الرعايا كثيرة والأحوال التي إذا عددها الكتاب عليهم قالوا ( يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) ويتعاهد أمور الرتب الدينية فلا تؤخذ مناصبها بالمناسب ولا تعد رزقها المعدة لاكتساب العلم في المكاسب بل يتعين أن يرتاد لذلك العلماء الأعلام حيث حلوا ويقرر في مراتبها الأكفاء وإلا اتخذ

الناس رؤوسا جهالا فضلوا وأضلوا وقد جعلنا أمره في ذلك جميعه من أمرنا فليقل يمتثل وينشر كلمة عدلنا التي يسير بطريقتها المثلى المثل ولا تمضي ولاية ولا عزل ولا منع ولا بذل ولا عقد ولا حل إلا وهو معدوق بآرائه متلقى من تلقائه متوقف على تنفيذه وإمضائه وقد اختصرنا الوصايا اكتفاء بما فيه من حسن الشيم واقتصرنا على ذكر بعض المزايا إذ مثله لا يدل على صواب ولا يزاد ما فيه من كرم لكن تقوى الله أولى ما ذكر به من لم يزل لربه ذاكرا وأحق ما شكر على التوفيق من لم يبرح له به شاكرا والله يزيد قدره اعتلاء ويضاعف للدولة الشريفة احتفالا بشكره واعتناء
وهذه نسخة تقليد بالوزارة
الحمد لله الذي شد أزر الملك من الوزراء بالمكين الأمين وأشرك في أمر ملكه من هو على صلاح الجمهور خير معين وألقى مقاليد حسن تدبيره لمن دلت عليه بركة الاستخارة وصوب أمر دقيقه وجليله لمن هو لجميل الثناء المعنى وإليه ببنان الاجتباء الإشارة وناول كتابها لمن هو أحق بتحمل أعبائه ورقى منصبها لمن لا شبهة بأنه الحقيق باستعلائه وناول قلم إعطائها ومنعها لواضع الإشارة في محلها وعدق تثمير أموالها بمن لا يأخذها بمقتضى يبديه إلا من حلها
نحمده على حسن إلهامه وشريف إفهامه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد مخلص في أدائها محق في إعادتها وإبدائها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من هو بالحق مبعوث وبالصدق منعوت وعلى آله وصحبه صلاة لا تزال مستمرة في كل وقت موقوت وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن يد الوزارة هي اليد الباسطة فيما قل وجل والمتحكمة فيما عدق بالملك من كل عقد وحل والموقوف عند إشارة بنانها وإليها التحكم في

كل إعطاء ومنع وتفريق وجمع وعزل وولاية ونهاية كل نهي وأمر وما لها من غاية وربها من الملك كالروح الباصرة من العين واللسان المعبر عن كل زين وشين وحسبه أنه في المحل من ذات اليمين ومن مكانة التمكن في الحرز الحصين ولهذا لا يؤهل لها إلا من انعقد على سؤدده الإجماع وانقطعت دون لحاق شرفه الأطماع وتأصل في فخارها وتفرع وقام بفروض كفاية كفالتها وتطوع وسار حديث مناقبه في الآفاق وجاء بالاختيار والاختبار بالوفاق وحسن صورة ومعنى وتعددت مناقبه فدلت على أنه الفرد إذا اتسقت عقوده مثنى مثنى وكان المجلس العالي الفلاني رب حوزتها وسريرها وروح بصر مرتمق هذه المحامد وإليه أمر مصيرها والذي حكمت له السيادة بمنالها وحكمته وأوضحت بأصالتها وجه الصواب في اختياره لها وأحكمته وقد حاز من متفرق لوازمها ما تفرق فيمن سواه وحوى من أدواتها ما دل على أن الله خلقه فسواه إن قال فالصواب موكل بمنطقه أو صمت فعظم مهابته قائم مقامه بجميل الخلق لا تخلقه قد جمع إلى التواضع فرط المهابة وإلى الابتداء بالمعروف حسن الإجابة إن ذكرت الصدارة فهو مالك زمامها أو الرياسة فهو غرة لثامها أو الكفالة فهو مصرف عنانها أو الوزارة فهو عين أعيانها لم تزل رتبتها متشوقة لحلوله ممهدة لشريف تأهيله
ولما تحلى منها بهذه الحلى وسار حديث ملاءته بتخويلها في الملا وتلا لسان القلم سور هذه المحاسن وتلا الثاني بالأول منها إذا تلا رسم بالأمر العالي أمتعه الله بما وهبه من حسن مؤازرته وشد عضد مملكته بالإمتاع بربح حسن معاملته لله وله ولمتاجرته أن تفوض الوزارة المفخمة المكرمة المبجلة المعظمة للمشار إليه تفويضا عاما للقريب من مصالحها والبعيد والطارف والتليد والمقيم والنازح والغادي والرائح والسانح والبارح والباغم والصادح

فليباشر ما فوض إليه منها مباشرة مثله لمثلها وليعطها من نيله مناسب نيلها وليأخذ أمرها بكلتا يديه وليعرها جانبا من احتفاله ليظهر عليها آثار سؤدده كما ظهر شريف تخويلها عليه وليطلق فيها لسان نهيه وأمره وليعمل في مصالحها صالح فكره فقد عدقت به مهامها جليلها وحقيرها وقليلها وكثيرها وأميرها ومأمورها وخليلها وضريرها وناعقها وناعبها وكاسيها وكاسبها ودانيها وقاصيها وطائعها وعاصيها ومستقبلها وحالها وماضيها وواليها وقاضيها ثقة بتمام تدبيره وحميد تأثيره وأنه إن حكم فصل وإن قطع أو وصل كان الحزم فيما قطع ووصل إذ هو الوزير الذي قد صرف عن عمل الأوزار وسار إلا أنه في كل منهج سار تقطر السيادة من معاطفه وتجني ثمر المنى من أغصان قلمه يد قاطفه لا شيء يخرج عن حكمه ولا مصلحة تعزب عن علمه فولاية الحكام معدوقة بإشارته موقوفة على ما يثبته ببليغ عبارته ومع جلالة قدره لا يحتاج إلى التأكيد في الأموال واستدرار أخلافها والرعايا والاستدامة بالإحسان ود أحلافها وبيوت الأموال واستيداء حقوقها ومراعاة جانبها إذ هي الأم الحنونة بتجنب عقوقها والخزائن فهو أدرى بما يجب من تضييق صدرها بالمناقيص عن الانشراح والاهتمام بحواصل تشريفها المستجلبة إفاضة ملابسها قلب من غدا وراح وثم دقائق هو أدرى بمالها من طرائق وحقائق هو أعرف إذ كان فيها الفاتق الراتق فهو أجله الله غني عن تفصيلها وذهنه أشرف عن الوصايا المندوبة لتوصيلها والله تعالى يقدر له وبه الخير ويمتع بحسن تدبيره المقرون بجميل السريرة والسير والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه وصية وزير أوردها في التعريف وهي
يوصى بتقوى الله فإنه عليه رقيب وإليه أقرب من كل قريب فليجعله أمامه وليطلب منه لكل ما شرع فيه تمامه وليجل رأيه في كل ما تشد به الدولة أزرها

وتسند إليه ظهرها وليجعل العدل أصلا يبني على أسه والعمل في أموره كلها لسلطانه لا لنفسه وليدع منه الغرض جانبا وحظ النفس الذي لا يبدو إلا من العدو ليصدق من دعاه صاحبا وليبصر كيف يثمر الأموال من جهاتها وكيف يخلص بيوت الأموال بالاقتصار على الدراهم الحلال من شبهاتها ولينزه مطاعم العساكر المنصورة عن أكل الحرام فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يرى به من العين إلا ما يحرم الهجوع وليحذر من هذا فإن المفاجئ به كالمخاتل وليتجنب إطعام الجند منه فإن آكل الدراهم الحرام ما يقاتل وليحسن كيف يولي ويعزل ويسمن ويهزل وعليه بالكفاة الأمناء وتجنب الخونة وإن كانوا ذوي غناء وإياه والعاجز ومن لو رأى المصلحة بين عينيه ألفى بينه وبينها ألف حاجز وليطهر بابه ويسهل حجابه ويفكر فيما بعد أكثر مما قرب مقدما للأهم فالأهم من المصالح وينظر إلى ما غاب عنه وحضر نظر المماسي والمصابح ولا يستبدل إلا بمن ظهر لديه عجزه أو ثبتت عنده خيانته ولا يدع من جميل نظره من صحت لديه كفايته أو تحققت عنده أمانته وليسلك أقصد الطرق في أمر الرواتب التي هي من صدقاتنا الشريفة وصدقات من تقدم من الملوك وهي إما لمن وجب له حق وإن كان غنيا أو عرف صلاحه وهو صعلوك وكذلك ما هو لأيتام الجند الذين ماتوا على الطاعة وأمثالهم ممن خدم دولتنا القاهرة بما استطاعه فإن غالب من مات منهم لم يخلف لهم إلا ما نسمح لهم به من معروف ونجريه لهم من جار هو أنفع من كثير مما يخلفه الآباء للأبناء من المال المتملك والوقف الموقوف وليصرف اهتمامه إلى استخلاص مال الله الذي نحن أمناؤه وبه يشغل أوقاته وتمتلئ كالإناء آناؤه فلا يدع شيئا يجب لبيت المال المعمور من مستحقه ولا يتسمح في تخلية شيء منه كما أننا نوصيه أنه لا يأخذ شيئا إلا بحقه وليبق لأيامنا الزاهرة بتواقيعه ذكرا لا يفنى وبرا لا

يزال ثمره الطيب من قلمه يجنى ليكون من رياح دولتنا التي تغتنم ما يثيره من سحابها المطير وحسنات أيامنا التي ما ذكرنا وذكر معنا إلا وقيل نعم الملك ونعم الوزير

الوظيفة الثانية كتابة السر ويقال لصاحبها صاحب دواوين الإنشاء
وقد تقدم في الكلام على ترتيب الوظائف أن موضوعها قراءة الكتب الواردة على السلطان وكتابة أجوبتها وأخذ خط السلطان عليها وتسفيرها وتصريف المراسيم ورودا وصدورا والجلوس لقراءة القصص بدار العدل وأنه صار يوقع فيما كان يوقع فيه بقلم الوزارة
قلت وقد كان فيما تقدم يكتب له توقيع في قطع النصف بلقب المجلس العالي ثم استقر أن يكتب له تقليد في قطع الثلثين بلقب الجناب العالي وقد تقدم الكلام على تقليده في الكلام على التقاليد
وهذه نسخة تقليد بكتابة السر كتب بها للمقر المحيوي محيي الدين بن فضل الله عند عوده إلى كتابة السر بالديار المصرية في جمادى الأولى سنة ثلاث من إنشاء الشريف شهاب الدين أحد كتاب الدرج الشريف وهي

الحمد لله المان بفضله المستعان به في الأمر كله الذي رفع أول الأولياء من العلياء إلى محله ووضع النعم عند من ينص الاستحقاق على تقديمه بمنصبه ويجل ما فوض إليه من أجله وأبدع نظام السؤدد بأجمل حال ما دام يحيى جامع شمله وأودع سر ملكنا الشريف عند الحفيظين منه ومن نجله وأرجع الرياسة إلى من سما ثباتا ونما نباتا وعلا عزما ووفى حزما فبيمن آثاره تضرب الأمثال ولا تجد في يمن سجاياه كمثله
نحمده على أن أعاد بنا الحق إلى أهله ونشكره على أن جاد روض الآمال بواكف سحاب كرمنا ووبله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من وفق للصواب في قوله وفعله وتحقق منه جميل الإخلاص في جميع مذاهبه وسبله ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤوي يوم الجزاء إلى سابغ ظله والمروي يوم العطش الأكبر بسائغ نهله والنبي الذي بعثه خاتم رسله وآتاه من الكرامة ما لم يؤت أحدا من الأنبياء من قبله والمجتبي من علماء صحابته من أهله لإيداع سره وصونه وإبلاغ أمره وحمله وعلى آله الذين سبقوا إلى غايات الفخار وخصوا بخصله وB أصحابه المجاهدين في حبه المعتصمين بحبله خصوصا الصديق الذي أحسن الخلافة من بعده وقاتل من ارتد بقتله ومن فرق بين الحق والباطل بحسن سيرته ومحض عدله ومن تلقى عنه آيات الكتاب فأحسن في ترتيبه وجمعه وأدائه ونقله ومن كان فارس حربه وحارس سربه وكاتب وحيه وخاطب كفله وعن بقية المهاجرين والأنصار الذين انفردوا بأكمل الفضل وأجله صلاة ورضوانا وضح بهما نور الهدى لمستدله ما شفى كرمنا الصدور بصدور إقباله إلى من قام بفرض ولائه ونفله وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فنعمنا لا تزال للعهود حافظة وبالجود متحفة وبالسعود

ملاحظة وعلى المعهود من كرم شيمها محافظة وللخدم مكافية وللقسم موفية وبالنعم موافية وبمألوف الكرم ملافية اتباعا لسبيل الصواب وإيداعا للمنحة عند من لحقه في استحقاقها إيجاب فلمحله اقتران بالاقتراب ولفعله إنجاز لوعود الصعود وإنجاب ولفيض الله تعالى عليه من القبول أبهى جلباب وله سبق ولاء لملكنا بعد جفاء فيه السنين والأحقاب وصدق ود ما ضاع لدينا ولا خاب وقدم هجرة كم لها في تأييد الدين انتصار وانتصاب وتعدد مناقب هي في الإشراق والرفعة كالنجوم وفي الكثرة عدد الرمل والحصى والتراب فما دعاه سلطاننا إلا استجاب ولا استوعاه سره إلا غدا به يصان ولا يصاب ولا استنطقنا قلمه إلا كفى الخطب بأملح خطاب ولا استثرنا رأيه إلا حضر الرشد وما غاب فكم فرق للأعداء من كتيبة بكتاب وقرب من ظفر والسيف في القراب فبدعواته يستنزل من النعماء أهمر سحاب وببركاته جاء نصر الله والفتح وكان كيد الكافرين في تباب وبأقلامه إنعامنا يهب وانتقامنا يهاب فهي على الممالك أمنع سياج ولها في مسالك الخير أبدع منهاج وللدولة به وبولده استغناء وإليهما احتياج فكم ضمنا درر كلامهما الأدراج وأطلعا زهر أقلامهما من المهارق في أبراج وكم واصلت في ليل النقس السرى والإدلاج حتى أبدت صباح النجاح ذا ابتلاج فلا عجب أن كان للنعم إليهما معاد ومعاج ولضيق الخطب عند باعهما الرحب فسحة وانفراج
ولما كان المجلس العالي المحيوي هو أسرى من تلقى إليه الأسرار وتبقى منه عند أحرى الأحرار فكم لها صان أين صار وكم لخواطرنا الشريفة من أفعاله سار حيث سار وكم له من كرمنا دار في كل دار فمنا لقربه إيثار ولأثنيتنا عليه إكبار ولنا بفضائله إقرار يوجب للنعم عنده الإقرار اقتضى

حسن الرأي الشريف أن نعيد إليه منصبه ونزيد لديه الموهبة ونجعل وجود تفضيله لدولتنا أعظم مزية ومنقبة ونراه أجل كفء لاستجلاء عقائل الأسرار المحجبة وإن كان لنزاهته لا يخطبها فهي لوجاهته ترغب أن تخطبه
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني لا برح بفضل الله يحيي الدين وبتأييده يبين أنه الحق المبين وبتسديده يصيب عين الصواب في التعيين أن نفوض للمشار إليه صحابة ديوان الإنشاء الشريف بالأبواب الشريفة شرفها الله وعظمها على أجمل عوائده وأكمل قواعده وأحسن حالاته في حسن مقاصده ونفوذ ما يبلغه من رسائل عدلنا في مصادر كل أمر وموارده وليستقر باسمه من المعلوم كذا وكذا
فليتلق منصبه المبارك بأمل في كرمنا مبسوط ورتبته التي يحمي حماها ويحوط ممضيا للمهمات والمراسم مبقيا من يمن آثاره ما تضحى به ثغور الثغور بواسم معيدا لمن عنده من كتابنا أوقات الأنس فأيامهم به كلها مواسم وبها لهم من الخيرات أجزل المقاسم وقد وفروا دواعيهم إلى الخدمة إذ وفر على نفقتهم دواعيه وهو لسان الدولة وهم أذن صون لما يلقيه إليهم واعية فحق لهم إلى وداده أن يجنحوا وبإسعاده أن ينجحوا وعن ولائه لن يبرحوا ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) فلسرير الملك به سرور وللدولة من أشعة إيابه وطلعة شهابه نور على نور وبهما عماد الشرف الأعلى مرفوع وبيت الفضل الأوفى مغمور وهو وبل هذا الغيث الغمر وشبل هذا الليث الهصور طالما هزم الصفوف من كتبنا بالسطور وجهز بردا سرها بالصون مكتوم وعلمها بالنصر منشور وهو كنز الفضائل وكتابه الذهب شذور ومن هذه الأسرة العمرية بأفق العلياء نجوم وأهلة وبدور وللنير الأكبر إشراق وأتلاق وسفور وغيره بالوصايا المأمور وسواه نبين له قصد السبيل حتى لا يضل ولا يجور ولا

نحتاج أن نذكره بما هو من علمه مذكور وفي صحائفه مسطور ولا نعلمه سدادا إذ هو عليه مجبول ومفطور بل الهدى منه ملتمس ومقتفى ومقتبس ومأثور وبحمد الله ما في حزمه قصور ولا في عزمه فتور وهو بحر العلم المحيط وثبير الحلم الموفور وليس التقديم له بمستغرب بل فضله المعروف المشهور والله تعالى يرعى له في خدمتنا عهدا قديما ويبقيه للدعاء مواصلا ومديما ويوزعه شكر فضل الله على ذلك ( وكان فضل الله عليك عظيما ) إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بكتابة السر كتب بها للقاضي شهاب الدين بن فضل الله وهي
الحمد لله على عناية حفظت ملكنا الشريف بمعقباتها وصانته بصاحب تصريف تقوم كتبه وآراؤه مقام الكتائب وراياتها وسنت لنا الخيرة لمن نجتني بقلمه النصر من ثمراتها وبينت الحسنى في طريقته المثلى حتى انقسم الصبح من قسماتها واقتسم النجح من عاداتها واتسم فكره بالنصح وقد ضلت الأفكار عن إصاباتها فظلت في غفلاتها
نحمده حمدا يهب مع الأنفاس في هباتها ويهب من اللطائف الحسان أفضل هباتها وينبه القلوب لتقييد شوارد النعم بصدق نياتها وينافس الكرام الكاتبين على نفائس الثناء في تسبيح لغاتها بصفيح سماواتها ونشهد أن لا إله

إلا الله وحده لا شريك له شهادة تملأ الصحف بحسناتها وتملي الوجوه بالأنوار في توجهاتها وتلوح من سماتها سيمياء لا تشق على الأبصار في توسماتها وتفخر برقمها الأقلام بأنه لا طعن في اعتدال حركاتها على الرماح في اعتدال قاماتها ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أدى الرسالة بما تحمله من أماناتها ورعى العهود لمن أخلص في مراعاتها ودعا الأمة بإذن الله إلى سبيل نجاتها واستأمن على الوحي كتابا سبقوا في السعادة إلى غاياتها وبلغوا عنه السنة بإباناتها والسور وآياتها وعلى آله وأصحابه فرسان البلاغة ورواتها وحفظة الأسرار وثقاتها وصاغة المعاني في الألفاظ الغر بنفثاتها وأولي الأحلام التي لا تطيشها وقائع الدهر بروعاتها ولا تذهلها عن الأوراد في أوقاتها وتلقي الوفود بأقواتها والأخلاق التي اتسع نطاقها في تصرفاتها وامتنع حجابها أن تتخطاه الخدع بهفواتها صلاة تزيد الأعمار بزكاتها وتزين الأعمال ببركاتها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن الملك عمود بناؤه بسره وارتفاعه بالتأسيس لمستقره وامتناعه بعد العساكر المنصورة بكاتب يخاتل العدو في مكره قبل مكره ويقاتل في الحرب والسلم بنفاذ رأيه ونفاث سحره ويقابل كل حال بما يحسن موقعه من صدمه بصدره أو صده بصبره وينظر في العواقب نظر البصير بأمره الواعي لاحتيال عذره قبل اختيال الباغي في غدره إذا جادل فبالحجة البالغة وإذا جاوب أبطل الأهوال الزائغة وإذا أمرنا بالعدل والإحسان سيرهما عنا كالشمس البازغة وملأ بهما حبا لنا القلوب الفارغة وقد جربنا على طول المدى كتابا وانتخبنا منهم كثيرا ارتضيناهم أصحابا ومارسنا جماعة ازددنا بهم إعجابا ورأينا طوائف فيهم من إن أجاد اجتناء لزهرات القول حاد عن الجادة اجتنابا وإن كلف نفسه مذاهب الكتاب أخل بمقاصد الملوك إن كتب عنهم كتابا
ولم نظفر بمن تمت فيه الشروط المشروطة ومت بالدائرة المحيطة إلى

الفضائل المبسوطة وامتاز بفهم لا يقبل على الفساد ولا يقبل الأغلوطة إن أمليناه إملاء ذكره وإن حمنا حول معنى لا تؤدي إليه العبارة فسره وإن سردنا عليه فصلا مطولا خبره وربما رأى المصلحة في اختصاره فاختصره وإن أودعناه سرا ستره وصانه بمحو غيب أثره وكتمه إما بخطه عن قلبه فلم يدركه أو بقلبه عن لحظه فلم يره وإن خلينا بينه وبين غرض من أغراضنا الشريفة استخرجه كما في خواطرنا وأظهره كالمجلس العالي القضائي الأجلي الكبيري العالمي العادلي العوني العلامي القوامي النظامي المدبري المشيري الفاضلي الكاملي الأوحدي المفوهي الخاشعي السفيري الشهابي صلاح الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين قدوة العلماء والعاملين إمام الفضلاء والمتكلمين رئيس الأصحاب ملاذ الكتاب سفير الأمة عماد الملة لسان السلطنة مدبر الدول مشيد الممالك مشير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أحمد بن فضل الله ضاعف الله نعمته فإنا خطبناه لهذه الوظيفة واستخلصناه على كثرة المتعينين لأنفسنا الشريفة وامتحناه في الأمور الجليلة واللطيفة وحملناه الأعباء الثقيلة والخفيفة وأوقفناه مرة وأخرى أطلقنا تصريفه وأنعمنا النظر في حاله حتى تحققنا تثقيفه وكتب واستكتب عنا سرا وجهرا فملأ قلبا وسمعا وباشر مراسمنا العالية مصرا وشاما وصلا وقطعا فعز رفعة وعم نفعا وأنشأ التقاليد وقلدها ونفذ المهمات وسددها ووقع التواقيع وأطلق بها وقد قيدها ومشى المصالح باحتراز ما بددها واحتراس ما عقدها وجهز البرد بهمة ما قيدها طلب الراحة ولا أقعدها وهو كاتب ملوك وصانع سلوك وشارع سلوك وصائغ ذهب مسبوك وناسج وشي محوك وجامع صفات ما سواها هو المتروك لا يعدو

بالكلمة محلها ولا يؤاخي بالقرينة إلا شكلها ولا يسمح بمخاطبة إلا لمن تعين لها ولا يعامل بالغلظة إلا من استوجبها ولا يخص بالحسنى إلا أهلها نأمره بالتهويل فيزلزل قواعد العدو ونشير إليه بالتهوين فيفيد مع بقاء المهابة الهدو وقد رضيناه حق الرضا وأضربنا به عمن بقي من أكابر الكتاب ونسينا من مضى وتعين علينا أن نحكم له بهذا الاعتبار ونحمله على هذا المقتضى وأن نطلعه في سماء دستنا الشريف شهابا أضا وأن نقلده مهما ما زال هو القائم بتنفيذ أشغاله والساعي بين أيدينا الشريفة في تدبير مقاصده وجملة أحواله إلى ما له من بيت أثلوا مجده وأثروا سعده وأرثوا عندنا وده وبنى كما بنوا واجتنى من السؤدد ما اجتنوا ورمى في خدمة الدول إلى ما رموا إلا أن مذهبه في البيان أحلى وأسلوبه أجلى وقيمة كلامه أغلى وقدحه في الكمال هو المعلى وأدبه بحمد الله قد لحظته سعادة أيامنا الزاهرة فما فيه لو ولا لولا سوى أنه اتفق معارض اعترض بين السهم والهدف وسفه نفسه فوقف في مواقف التلف ودق عنه شأن كاتب السر فسقط من حيث طمع في السقوط وما عرف ورام الدخول بين

الملك وبين يده وبين اللسان وما يحدثه به الضمير من حقيقة معتقده والاطلاع على ما لو لم يكن للإنسان لما أداره في خلده والتعدي بما ليس له من لفظه متوقع وسرى في مسرى لو طمح إليه طرف السها لتقطع وما علم أن كاتب السر هو مستودع الخبايا ومستطلع الخفايا وقلمه ابن جلا وطلاع الثنايا وفي استمداده يعرف بالمنى ويرعف بالمنايا وله الكتابة والتوقيع والتصرف فيما للتنفيذ من التحسين والتنويع وغير ذلك من التفريق والتجميع والتأصيل والتفريع والترغيب والترهيب والتأمين والترويع
ولما دل ذلك المعترض بإكباره وأطال المطار في غير مطاره وقال الناس إن أبوابنا العالية جنة حفت من سوء أخلاقه بالمكاره رمينا به من شاهق وأبعدناه لآخرته أزهد ما هدر من تلك الشقاشق وتقدمنا بإنشاء هذا التوقيع الشريف تقوية لكاتب سرنا الشريف في تصريفه وبينا أنه لا يقاس به أحد فإنه لسان السلطان ويده وكفى بذلك دلالة على تشريفه
فرسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري لا زال إذا عزم صمم وإذا بدأ المعروف تمم وإذا استخار الله في شيء رضي بخيرته وسلم أن يستقل المجلس العالي القضائي الشهابي أحمد بن فضل الله المشار إليه بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة رفيقا لأبيه المجلس العالي القضائي المحيوي ضاعف الله تعالى نعمته وبركته في المباشرة وشريكا بل منفردا ليقوم معه ودونه بما قام به من كتابة باطنة وظاهرة استقل كل منهما بها فيما بعد وقرب مما يضمه نطاق الدولة القاهرة مع ما هو مستقر فيه من كتابة السر الشريف

والتصرف في المهمات الشريفة والتصريف وهو المنفرد بتقديم البريد وعرضه ومباشرة ختمه وفضه وقراءته بين أيدينا واستخراج مراسمنا الشريفة في كل مناب ومشافهة وخطاب وابتداء وجواب وملطف ومكبر ومقدم ومؤخر ومكمل ومشطر وإليه أمر البريد والقصاد والنجابة ومن اشتمل من الدجى جلبابه أو ألقته إلى ملاءة الصباح المنشورة يد ليلة منجابة وتعيين من يرى تعيينه منهم في المهمات الشريفة السلطانية والمصالح المقدسة الإسلامية وإليه الحمام الرسائلي وتزجيته وزجالته ومدرجته ومن يصل من رسل الملوك إلى أبوابنا العالية وجميع من يكاتب الدولة الشريفة من كل منتسب وغريب وبعيد وقريب وقراءة القصص لدينا والكتابة على ما يسوغ كتابه مثله وأخذ العلامة الشريفة من يده
وأما من نستكتبهم عنا في ممالكنا الشريفة فهو المقلد لأعبائهم والمخلى بينه وبين ما يراه في اجتبائهم يستكتب كل أحد فيما يراه ويرفع بعضهم فوق بعض درجات منهم مستيقظ ومنهم نائم في غمرات كراه كل هذا من غير معارضة له فيه ولا اعتراض عليه في شيء منه يبلغنا مهماتنا الشريفة ويتلقى عنا ومنه إلينا وإليه منا
وأما ما يرد عليه من الرسائل عنا بما يكتب به فيمشي ما لا يمكن وقوفه ويراجعنا فيما لا يكون إلا بعد مراجعتنا تصريفه فليمش على هذه القاعدة وليستقل بهذه الوظيفة استقلالا هو كالخبر محل الفائدة ولينشر من إقبالنا الشريف عليه

بالصلات العائدة ونحن نختصر له الوصايا لأنه الذي يمليها ونقتصر منها على التقوى فإنها الذخيرة النافعة لمن يعانيها والباقية الصالحة خير لمن يقتفيها والله تعالى يقوي أسبابه وينير شهابه ويزيد من المعالي اكتسابه ويغنينا بقلمه عن سنان يتقدم عامله وبلسانه عن سيف يفارق قرابه والاعتماد على الخط الشريف أعلاه
وهذه نسخة تقليد بعود القاضي شهاب الدين بن فضل الله إلى كتابة السر من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء الشريف وهي
الحمد لله الذي أحمد العقبى بفضله وأكد النعمى بوصله وأودع سر ملكنا الشريف عند أهله وأطلع شهاب الدين من أفق العلياء في محل شرفه وشرف محله ورفع قدره في سيره إلى بروج السعود وحلوله بدرجات الصعود ونقله وأرجع الموهبة منه إلى من يشكرها بقوله وفعله وأينع الفرع الزاكي الذي يحيا أصله بواكف سحاب كرمنا ووبله وأتم النعمة عليه كما أتمها على أبويه من قبله وضم له أطراف الرياسة وجمع شملها بشمله وعم بفضله وفضلنا أهل هذا البيت الذين فطروا على السؤدد وبصروا من رضانا باتباع سبله
نحمده على إضفاء ظله ونشكره على إصفاء نهله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أشرق نور هداها بمستدله وأغدق نوء نداها بمستهله ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله خاتم رسله وجعل له الفضل على الخلق كله وألهم به سبل هديه وسنن عدله وأرشده إلى فرض دينه ونفله وأودعه السر الذي لم يودعه سواه وحمله من أعباء الرسالة ما لم ينهض غيره بحمله وعلى آله أغصان الشجرة الزهراء التي هي بضعة منه ونبعة من أصله وB أصحابه الذين أجلهم من أجله

خصوصا من بادر إلى الإيمان فخص من السبق بخصله ومن أيد به الدين وفر الشيطان من ظله ومن جهز جيش العسرة حتى غزا العدا بخيله ورجله ومن كان باب مدينة العلم ومانح جزله وفاتح قفله وعن بقية المهاجرين والأنصار الذي ما منهم إلا من جاهد حتى قام الدين بنصره ونصله صلاة دائمة يجعلها اللسان أهم شغله ويتلقى قادمها من مواطن القبول بأكرم نزله ما رمى قوس العزم بصائب نبله وحمى حمى الملك بليثه وشبله وفوض أجل المناصب إلى فاضل العصر وأجله
أما بعد فإن آراءنا لا تزال للمصالح مراعية ولا تبرح بالإسعاد إلى الأولياء ساعية فتدعو إلى مقامها من وفر على الإخلاص دواعيه وتدني من ملكها من له بالخفايا أعظم بصيرة وفي جميل القضايا أجمل طواعية وتلقي أسرارها إلى من له لسان حق ناطق وأذن خير واعية وتقدم من له قدم صدق ثابتة ويد بيضاء طولى في المهمات عالية لتغدو سهام أقلامه إلى الأغراض رامية وصوائب أفكاره عن حمى الملك محامية وتكون عبارته للمقاصد موفية وإشارته لموعد اليمن موافية وتضحي ديم نعمنا الواكفة لسوابق خدمه مكافية لما يتصل بذلك من المصالح وتناجي خواطرنا الشريفة به المناجح ويقبل عليه وجه الإقبال في كل حال ويغدو إليه طرف الإجلال وهو طامح فنجمل به ممالكنا مصرا وشاما ونسدد به مرمى ونصيب مراما ونحفظ له ولأبيه في خدمتنا حقا وذماما ونكون له في الحالتين برا وإكراما ونعلي محله إعلانا بعلو مكانه وإعلاما فيؤلف للرياسة نظاما ويضاعف للرتبة إعظاما ويعمل يراعا بل حساما ويجلو وجه المنى طلقا ويبدو بعد البشر بساما ويحسن بأعباء المهمات قياما وحيث نقلته أوطانه هضاب المجد وقلته وأين وجهته أعلت قدره ونوهته وكلما أوفدته أفاضت عليه ملبس العز وجددته واختصته بالتصرف وأفردته

وانتضت ماضي اجتهاده وجردته وأجرته من إجراء فضلها على ما عودته واستقلت له منائحها من كثير المواهب ما خولته ومن كبير المناصب ما قلدته
ولما كان فلان هو الذي أودع الأسرار فحفظها وأطلع على الدقائق فرعاها ببصيرته ولحظها وباشر مهماتنا فأمضاها وسر خواطرنا وأرضاها وظهرت منه بين أيدينا كفاية لا تضاهى وقلد أجياد أوليائنا من تقاليده عقودا وأدنى من المقاصد بلطف عبارته بعيدا وأغنى الدولة أن تجهز جيشا وجهز بريدا وأبان بمقاله عما في أنفسنا فلم يبق مزيدا وصان الأسرار فجعل لها في خلده خلودا وجمع أشتات المحاسن فأضحى فريدا كم لعمه في خدمتنا من هجرة قديمة ولأبيه من موالاة هي للمخالصة مواصلة ومديمة وكم لهما أسباب في الرياسة قوية وطرائق في الهداية قويمة وكم كاتب يسر الله بهداهما تعليمه وتفهيمه وقدر على يديهما وصوله إلى رتب العلياء وتقديمه فمنفعتهما عميمة ونبعتهما صميمة ولهما في الشام ومصر أجمل شيمة وكم له هو أيضا من تقدمات اقتضت تكريمه وكفاية عند علومنا الشريفة معلومة وكتابة حلل المهارق بوشيها مرقومة فلو قابله الفاضل عبد الرحيم لبادر إلى فضله إقراره وتسليمه أو عبد الحميد لكانت مناهجه الحميدة بالنسبة إلى مذاهبه ذميمة أو سمع عبد الرحمن مقاله لضمن ألفاظه معانيه العقيمة أو أدركه قدامة لعرف تقديمه واقتدى بسبله المستقيمة أو حوى الجوهري فرائد ألفاظه لعرف أن صحاحه إذا قرنت بها سقيمة أو رأى ابن العديم خطه لاستغنت منه بسلاسل الذهب نفسه العديمة أو الولي لاستجدى من صوب إجادته أغزر ديمة أو نظره ابن مقلة لوجدت مقلته نضرة خطه ونعيمه أو ابن البواب لكان خدين بابه وخديمه فهم صدور صدورهم سليمة وأماثل

معدودة وأمثالهم معدومة
اقتضى حسن رأينا الشريف أن نلقي إليه منصبا هو أولى به ونقر عينه بدنوه منا واقترابه ونمتع البصر والسمع بخطه وخطابه
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني لا برح يعيد نعمه كما بدأها أول مرة ويسر القلوب بكاف أودعه سره ويحمد لأحمد الأولياء عوده ومستقره
فليتلق هذه النعمة بشكرها وليترق منصبا رفيعا يناسب رفعة قدره وليبسط قلمه في تنفيذ مهم الممالك من نهيه وأمره وليحفظ ما أودعه من خفي سره وليلاحظ المهمات بفكره وليحافظ على ما يعرفه من رضانا طول دهره ونحن نعلم من صواب أفعاله وتسديدها ما لا نحتاج معه إلى تكثير الوصايا وتعديدها ولا إلى تكريرها وترديدها لا سيما وقد سلفت له بها خبرة لا نفتقر إلى استيعاب ذكراها ولا إلى تجديدها وتقدمت له مباشرة استبشرنا بميمونها وأثنينا على حميدها واستدنينا سناها واستغنينا عن سواها بوجودها وله بحمد الله توفر التوفيق وهو التحقيق بما فوضنا إليه على الحقيق وفضله من الشوائن عري وفي المجانبين عريق وقدره بتجديد النعم جدير وبخلال الكرم خليق والله

تعالى يوضح به من الخير أبين طريق ويسر بمقدمه الولي والصديق ويفرق به بين الحق والباطل فجده الفاروق وهو من أكرم فريق بمحمد وآله
وهذه نسخة تقليد بكتابة السر
الحمد لله الذي أظهر لتدبير دولتنا شهابا يعلو على فرقد الفراقد وكمل به عقود الممالك فسمت جواهر فرائدها على الدراري إذ كان واسطة تلك الفرائد ومعيد إحساننا إلى خير ولي أغنى تدبيره عمن سواه فكان بالألف ذلك الواحد ومخول مواد كرمنا لمن هو صدر أسرارنا ويمين مملكتنا في كل صادر عنها ووارد ومنقل الأكفاء إلى مراتب سعودهم فتصبح ألوية محامدهم في معاقل العز أفخر معاقد ومحلي ملكنا الشريف بأكمل كاف ما أم مصرا إلا تلقته بالهناء ولا فارق شاما إلا أسفت عليه تلك الربوع والمعاهد
نحمده على نعم أقرت عيون الأولياء لما أقرتهم من مواد جودنا على أكمل القواعد ونشكره على ما بلغنا من جميل المآرب وبلوغ المقاصد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من جميع الشدائد ونشهد أن سيدنا محمدا سيد البشر عبده ورسوله الذي جاد بهدايته فكان أكرم جائد وعلى آله وصحابته خصوصا على أول الخلفاء أبي بكر الصديق الذي لا فخر كفخاره وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حامل أسراره وفاتح أمصاره وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان مبدل عسره بيساره وعلى ابن عمه علي بن أبي طالب أعز نسبائه وأخص أصهاره وعلى بقية مهاجريه وأنصاره صلاة سهلة المشارع عذبة الموارد
وبعد فإن من سجيتنا إذا تيمنا بولي لا نزال نلحظه ونرعى حقوق خدمه

في القرب والبعد ونحفظه ونقابل ما أسلفه لدينا بنفائس النعم ونفيض عليه ملابس الجود والكرم لا سيما من لم يزل يظهر لنا كل يوم تعبدا جديدا ومن أصبح في الفصاحة والبلاغة وحيدا ومن جمع أطراف السؤدد والرياسة فلم يبرح بهما فريدا ومن تحسن النعم بإفاضتها عليه وتكمل المنن بإضافة محاسنها إليه وتزهو فرائد البلاغة بانتظامها في سلك مجده وتشرق كواكب اليراعة في اتساقها في فلك سعده وكان للبابته في الاختصاص بنا اليد الطولى وتلا عليه لسان اعتنائنا في الحالين ( وللآخرة خير لك من الأولى )
ولما كنت أيها الصدر شهاب الدين أحق الناس بهذا المنصب لما لوالدك أبقاه الله تعالى ولعمك رحمه الله تعالى من الحقوق ولما أسلفاه من الخدم التي لا يحسن التناسي لها ولا العقوق ولأنك جمعت في المجد بين طارف وتالد وفقت بأزكى نفر وعم وإخوة ووالد وجلالة ما ورثتها عن كلالة وخلال ما لها في السيادة من إخلال ومفاخر تكاثر البحر الزاخر ومآثر يعجز عن وصفها الناظم والناثر ولما نعلمه من فضائلك التي لا تجحد رعيناك في عودك لوظيفتك وعود أحمد أحمد
ولما كان فلان هو الذي تقطر الفصاحة من أعطاف قلمه وتخطر البلاغة في أثواب حكمه وتنزل المعاني الممتنعة من معاقل القرائح على حكمه وتقف جياد البداهة المتسرعة حيرى قبل التوسط في علمه إن وشى الطرس فرياض أو أجرى النقس فحياض أو نظم فقلائد أو نثر ففرائد لا يتجاسر المعنى المطروق أن يلم بفكره ولا يقدم المعنى المتخيل المسبوق للمرور بذكره ولا يجوز زيف الكلام على ذهنه المتقد ولا يثبت غثاء الكلام لدى

خاطره المنتقد فعبد الحميد كعبد الرحيم في العجز عن لحاق علومه التي يجد الراغب على نورها هدى والأصمعي لو أدركه لتلا عليه ( هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ) والطغرائي لو عاصره لزاد نظمه وازداد على نوره هدى والحريري لو رافقه لأمن في مقاماته من التجريح والردى قد قصرت عن غاية كماله جياد القرائح وعجزت عن وصف صفاته جميع المدائح وشرف منصبه بانتسابه إليه ورفع قدره بمثوله لديه مع ما تميز به من نزاهة صرف بها عن الدنيا طرفه وزهادة زانت بالسعد صدره وملاءة ملأت بالعفة كفه فهو واحد زمانه وأوحد أوانه والبحر الذي يحدث عن فضله ولا حرج والروض الذي ينقل عن فضله إلى الأسماع أطيب الأرج وكان قد مال عن منصبه وهو يذكره وفارقه وهو يشكره ونادى غيره وبقوله يلبي وشغل بغيره وهو يقول حسبي شهاب الدين حسبي ( فلما رءاه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ) فلما حصل له الاستئناس وزال عنه القلق والالتباس قال ( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ) اقتضى حسن الرأي الشريف أن نخصه باستقرار رتبته لديه وأن نستمر به على وظيفته السنية استمرار السعود المقبل عليه
فرسم بالأمر الشريف لا زال شهاب سعده لامعا وسحاب كرمه هامعا ومطاع أمره لمصالح الدين والدنيا جامعا لمناقبه التي وفرت ميامنها

وأسفرت بوصف آثاره الحسنة كوامنها وأن يعاد إليها كما يعاد السوار إلى الزند أو كما يعود نسيم الصبا إلى الرند فليؤنس منصبا كان إليه مشتاقا ومجلسا كان منتظرا أن يزر من ملابس جلاله على عنقه أطواقا وليجمل هالة كانت متشوقة إلى عقود درره فاحمد الله على ما خصصناك به من مزيد الاعتناء وأن السعادة في أيامنا الشريفة متصلة فتشمل الآباء والأبناء ويكفيك بهذا التوقيع الشريف إذ بلغت به جميع الأماني وتوجناه بيميننا الشريفة لقرب عهدها بمصافحة الركن اليماني واصطفيناك بقلم عظم شأنا بتلك الستور وغدا معمورا بالهداية ببركة البيت المعمور وازداد بمشافهة الحرم الشريف نورا على نور فليحسن نظره المبارك في ذلك كله وليبد ما يحسن في هذه الوظيفة من مثله وفي تقدم مباشرته في هذه الوظيفة وعلمه ما يغني عن كثرة الوصايا وملاكها تقوى الله تعالى وهي أكمل المزايا وليحمد أفعاله ويصل أسباب اعتماده بسببها والله تعالى يجمل له مواهب تخويله ويجعل له الخير في تنقله وتحويله والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة تقليد بكتابة السر
الحمد لله الذي جعل خواطر أوليائنا بإقرار نعمنا مستقرة ومواطر آلائنا على ذوي الإخلاص في ولائنا دائمة الديم مستمرة وبشائر رضانا تجدد لكل من ذوي الاختصاص ابتهاجه وبشره وسوافر أوجه إقبالنا لأولي الاصطفاء والوفاء مشرقة الأوضاح متهللة الأسرة مودع أسرار ملكنا الشريف من آل فضل الله عند أكرم أسرة وممتع دولتنا بخير كاف دقق في مصالحنا فكره وأنفق في مناجحنا عمره ومجمع آرائنا على أعلى علي حل من بهر بيته بمعرفه وبهر خيره ومطلع أنجمهم بأفق تقريبنا مرة بعد مرة فنحيي نيرهم الأكبر وقد شيدنا بارتقائهم بيته وشددنا بعلائهم أزره
نحمده على أن جبل سجايانا على الإحسان والمبرة ونشكره على أن

أجزل عطايانا لمن لم يزل يعرف حقه ويألف خيره ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشرح لمؤمنها صدره وتصلح لموقنها أمره ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أسمى على الخلائق قدره وتولى في المضايق نصره وأعلى في المشارق والمغارب ذكره وعلى آله أعز عترة وB أصحابه الذين أسدوا المنة وسدوا الثغرة صلاة ورضوانا متواصلين في كل أصيل ومكررين في كل بكرة ما وهب فضل الله مستحقا فسر بالعواطف والعوارف سره وعقب في سماء الإسعاد كوكب كوكبا فحل محله وقر مقره وسلم تسليما كثيرا
وبعد فشيمنا ترعى لأوليائها حقوقا ونعمنا الغامرة تسني صدقاتها لمن لم يزل في ولائها صدوقا وتزيد هباتها توفيرا لمن عهدت منه لمراضيها توفيقا وتجدد بتعاهدها معهد الفضل فلا يمسي خليا بل يضحي بإكرامها خليقا وتشيد بإحسانها بيتا أسس على تقوى الله وطاعة سلطانها فغدا بالحفظ حقيقا وتحمي باعتنائها جوانبه من الغير فلا يرهب حماه لها طروقا ولا تجد بفضل الله لها عليه طريقا وتطلع في بروج سعودها زهرا تروق شروقا وتجمع على مهماتها من عظموا فضلا وكرموا فريقا وتودع أسرارها عند سراتهم ركونا إليهم وسكونا ورضا بهم ووثوقا وتشفع منائحها بمنائح تزيد آمالهم نجاحا وتفيد أمانيهم تحقيقا وترفع مكانا عليا إلى حيث اتسع السرار من ملكها من كان بالميامن مليا وفي المحاسن عريقا ويخلف في خدمها شقيق منهم شقيقا ويصرف أوامرها ونواهيها من أعيانهم من تأمن المصالح مع اجتهاده تفويتا وتخاف الأعداء لسداده تعويقا طالما ائتمناهم على إيداع أسرارنا فحلت من سرائرهم مستودعا وثيقا وعينوا للمعالي فصادفت طويتنا من يقظتهم ونهضتهم تصديقا فهم أولى أن نجعل لأجيادهم بعقود جودنا تطويقا وأحق أن نرفع بنعمنا محلهم ونجمع في خدمتنا شملهم فلا يخشون نقضا ولا تفريقا
ولما كان المجلس العالي الفلاني هو الذي لحظته عنايتنا فعلا فعلا

وأيقظته إشارتنا فغدا في الحكم كهلا وحفظته رعايتنا فعمرت بيته العمري الذي ما زال بالعوارف ملموحا وللقبول أهلا وأحظته سعادتنا في إقامته مقام أبيه في حفظ أسرارنا التي هو أحق بإيداعها وأولى اقتضى حسن الرأي الشريف أن نجري بمراسمنا أقلامه ونوفر من إنعامنا أقسامه
فلذلك رسم بالأمر الشريف لا برحت سحائبه عامة ومواهبه لها مزيد وإدامة ورعايته إذا ابتدأت فضلا رأت إتمامه وكواكبه تسير في منازل عزها ولنيرها الأكبر الإرشاد والإمامة أن يفوض إليه كذا وكذا على أجمل العوائد وأكمل القواعد نظير ما كان مستقرا لأخيه
فليباشر هذه الوظيفة التي لها به وبأهله أعظم فخار وليحل هذه الرتبة التي ما منهم إلا من يجتبى ويستخار وليجمل هذا المنصب الذي إليهم مصيره في جميع الأمصار وليحل المهارق بإنشاءاته التي شان مطاولها عن شأوها الإقصار وليتوقل هذه الهضبة التي لها على عليائهم اقتصار وفي آبائهم وأبنائهم لها تعيين وانحصار وليدبج الطروس من خطه بالوشي الرقيم وليبهج النفوس من خطابه بالدر النظيم وليسرج الشموس من أوضاع كتابته التي تبرز من إبريز كنوزها ابن العديم وليجهز البرد التي تقدمها مهابتنا فلم يكبتها من كتائب الأعداء هزيم وليزين مقاصدها التي قرن بها الفتح القريب والنصر العزيز والفضل العظيم وهو بحمد الله غني عن الإرشاد بالوصايا والتفهيم علي القدر لا يحتاج مع ألمعيته إلى تنبيه ولا إلى تعليم وهم أئمة هذه الصناعة ولهم الفضل القديم وسبيلهم السوي وصراطهم القويم والله تعالى يوفر لهم فضلنا العميم ويظفر أقدارهم من لدنا بتكرير التكريم ويسني أمرهم في آفاق العلياء يسعد ويقعد ويقيم ويديم لكل منهم في ظل نعمنا المزيد والتأكيد والتقديم والعلامة الشريفة أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه وصية لكاتب السر أوردها في التعريف وهي

وليأمر عنا بما يقابل بالامتثال ويقال به السيوف لأقلامه مثال ويبلغ من ملوك العدا ما لا تبلغه الأسنة ولا تصل إليه المراكب المشرعة القلوع والخيول المطلقة الأعنة وليوقع عنا بما تذهب الأيام ويبقى ويخلد من الحسنات ما يلفى آخرة ويلقى وليمل من لدنه من غرر الإنشاء ما يطرز كل تقليد وتلقى إليه المقاليد ولينفذ من المهمات ما تحجب دونه الرماح وتحجم عن مجاراة خيل البريد به الرياح وليتلق ما يرد إلينا من أخبار الممالك على اتساع أطرافها وما تضمه ملاءة النهار ملء أطرافها وليحسن لدينا عرضها وليؤد بأدائها واجب الخدمة وليتم فرضها وليجب عنا بما استخرج فيه مراسمنا المطاعة وبما وكل إلى رأيه فسمع له الصواب وأطاعه وليمض ما يصدر عنا مما يجوب الآفاق ويزكو على الإنفاق ويجول ما بين مصر والعراق ويطير به الحمام الرسائلي وتجري الخيل العتاق ولير النواب ما أبهم عليهم بما يريهم من ضوء آرائنا وليؤكد عندهم أسباب الولاء بما يوالي إليهم من عميم آلائنا وليأمر الولاة بما يقف به كل منهم عند حده ولا يتجاوزه في عمله ولا يقف بعده على سواه بأمله وليتول تجهيز البريد واستطلاع كل خبر قريب وبعيد والنجابة وما تسير فيه من المصالح وتأخذ منه بأطراف الأحاديث إذا سالت منه بأعناق المطي الأباطح وأمور النصحاء والقصاد ومن يظل سرهم عنده إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها وهم شتى في البلاد وليعرف حقوق ذوي الخدمة منهم وأهل النصيحة الذين رضي الله عنهم ولا ينس عوائدهم من رسوم إحساننا الموظف وكرمنا الذي يستميل به القلوب ويتألف وليصن السر بجهده وهيهات أن يختفي وليحجبه حتى عن مسمعيه فسر الثلاثة غير الخفي والكشافة الذين هم ربيئة النظر وجلابة كل خبر ومن هم أسرع طروقا من الطيف وأدخل في نحور الأعداء من ذباب السيف وهم أهل الرباط

للخيل وما منهم إلا من هو مقبل ومدرك كالليل والديادب والنظارة ومن يعلم به العلم اليقين إذا رفع دخانه أو ناره وهم في جنبات حيث لا يخفى لأحد منهم منار ولا يزال كل نبإ بتنويرهم كأنه جبل في رأسه نار والحمام الرسائلي وما يحمل من بطائق ويتحمل من الأنباء ما ليس سواه له بطائق ويخوض من قطع الأنهار ويقطع إلينا ما بعد مسافة شهر وأكثر منه في ساعة من نهار ويعزم السرى لا يلوي على الرباع ويعلم أنها من ملائكة النصر لأنها رسل ولها أجنحة مثنى وثلاث ورباع وغير هذا مما هو به معدوق وإليه تحدى به النوق من رسل الملوك الواردة وطوائف المستأمنين الوافدة وكل هؤلاء هولا مالهم المترجم والمصرح عن حالهم المحمحم فليعاملهم بالكرامة وليوسع لهم من راتب المضيف ما يحبب إليهم في أبوابنا العالية الإقامة وليعلم أنه هو لدينا المستشار المؤتمن والسفير الذي كل أحد بسفارته مرتهن وهو إذا كتب بناننا وإذا نطق لساننا وإذا خاطب ملكا بعيد المدى عنواننا وإذا سدد رأيه في نحور الأعداء سهمنا المرسل وسناننا فلينزل نفسه مكانها ولينظر لدينا رتبته العلية إذا رأى مثل النجوم عيانها
فليراقب الله في هذه الرتبة وليتوق لدينه فإن الله لا يضيع عنده مثقال حبة وليخف سوء الحساب وليتق الله ربه وجماعة الكتاب بديوان الإنشاء بالممالك الإسلامية هم على الحقيقة رعيته وهداهم بما تمدهم به من الآلاء ألمعيته فلا تستكتب إلا من لا تجد عليه عاتبا ولا يجد إلا إذا قعد بين يديه كاتبا والوصايا منه تستملى

الطبقة الثانية من أرباب الوظائف الديوانية بالحضرة السلطانية أصحاب
التواقيع وهم على ثلاث درجات
الدرجة الأولى ما يكتب في قطع النصف بالمجلس العالي وكلها مفتتحة بالحمد
لله
وتشتمل على ثلاث وظائف سوى ما تقدم أنه نقل إلى رتبة التقاليد وهو كتابة السر
الوظيفة الأولى نظر الخاص
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنها وظيفة محدثة أحدثها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون حين أبطل الوزارة وأن أصل موضوعها التحدث فيما هو خاص بمال السلطان وأن صاحبها صار كالوزير لقربه من السلطان وتصرفه في تدبير جملة الأمور وتعيين المباشرين إلا أنه لا يقدر على الاستقلال بأمر بلا لا بد له من مراجعة السلطان وقد تقدم ذكر ألقابه في الكلام على مقدمة الولايات من هذا الفصل وعلى طرة توقيعه في الكلام على التواقيع
وهذه نسخة توقيع بنظر الخاص كتب به للقاضي شمس الدين موسى بن عبد الوهاب في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون وهي
الحمد لله الذي جعل كل جرح بنا يوسى وعجل كل نعمة تبدل بوسا وتغير بالسرور من المساءة لبوسا
نحمده حمدا يشرح صدورا ويسر نفوسا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع لقائلها رؤوسا وتطلع في آفاق ممالكنا الشريفة شموسا وتنشئ في أيامنا الزاهرة غروسا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بشر به

موسى وعلى آله واصحابه صلاة تملأ طروسا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن العمل بالسنة أولى ما يتمسك به المتمسك وقد قال ابدأ بنفسك وكانت الخواص الشريفة هي المصلحة الخاصة بنا المتعلقة دون كل شيء بأنفسنا لأن من خزائنها العالية تتفرق مواهبنا الشريفة في الوجود وتتحلى معاطف الأمراء والجنود وكان فيها من لم يزل هو وبنوه قائمين بها أحسن قيام وفيها من ممالكنا الشريفة ما يضاهي بمدده الغمام من حضر منهم لا يتفقد معه من غاب ومن كتب منهم في شيء من مصالحها قال الذي عنده علم من الكتاب كم أجرت صدقاتنا الشريفة بأقلامهم من إنعام وتقسموا في مصالحنا الشريفة هذا في الخاص وهذا في العام طالما انقطع والدهم رحمه الله تعالى بعذر فمشوا الأمور على أكمل سداد وأجمل اعتماد وأتم مالو حضر أبوهم وكان هو المتولي لما زاد فما خلت في وقت منه أو من أحد منهم لما غاب من بقي يسد عنه فلم يزل منهم ربعها مأنوسا ولا سئل فيها عن قصة إلا وأنبأت بها صحف إبراهيم وموسى
وكان المجلس العالي فلان هو الذي تفرد آخرا بهذه الوظيفة واستقل فيها بين أيدينا الشريفة وسافر فيها إلى ثغر الإسكندرية حرسها الله تعالى فافتر بيمن تصرفه وحسن تعففه وعدم فيها المضاهي لأنه لا شيء يضاهي الشمس إذا حل سرها في منازل شرفه كم كفت له كفاية وبدت بداية وكم بلغ من غاية كم له من همم وكم تقدمت له قدم وكم اعترف السيف ببز القلم كم له في خدمة المقامات العالية أولادنا أثر جميل وفعل جلي جليل وسلوك فلا يحتاج في الشمس إلى دليل كم أحسن في مرة كم رددناه إلى الكرك كرة كم غلب على السحاب فرقى إليها وبلغ النجوم وله قدوم عليها فلما انتقل والده القاضي تاج الدين عبد الوهاب إلى رحمة الله تعالى احتاج إلى توقيع شريف بالاستقلال في وظيفة نظر الخاص الشريف التي خلت عن أبيه ليعلم كل متطاول إليها أنه لا يصل إليها مع وجود بنيه فما عاد إلا وعاد

بعين العناية محروسا ولا أقبل على كرمنا إلا قال ( قد أوتيت سؤلك يا موسى )
فلذلك رسم بالأمر الشريف زاد الله شرفه ومكن في الأرض تصرفه أن يفوض إليه نظر الخاص الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة على عادة والده رحمه الله في هذه الوظيفة وقاعدته في رتبتها المنيفة ليقضي ما كان في خاطر أبيه من الوطر ولأنه في أمثاله عين الأعيان والعين أولى بالنظر
فليباشر ما أنعمت به صدقاتنا العميمة عليه على ما عهد منه بالأمس وعرف به من حسن السلوك كمن يمشي في ضوء الشمس وليقدم تقوى الله والأمانة فهما أفضل ما يقدم وأجمل ما يعمل به من تقدم والنهضة فإنها هي التي تقوم بها المصالح والتصدي لما هو بصدده فإن به يتم كل عمل صالح وليحتفظ على الخزائن العالية وليكن فيها كواحد من رفقته عملا بالعادة فيها وإلا فنحن نعلم من كفايته أنه يكفيها وليثمر الجهات التي إليه مرجعها والأموال التي يدوم إليه من العين تطلعها وليستجلب خواطر التجار بإيصال حقوقهم إليهم والقائمين في خدمة أبوابنا الشريفة بتعجيل ما تنعم به صدقاتنا الشريفة عليهم وليكن إلى ما تبرز به مراسمنا الشريفة مسارعا ولها في كل ما أشكل عليه من الأمور مراجعا وبقية هذا من كل ما يحتاج أن نوصيه بتعلمه فقد علم مما جرت به عادتنا الشريفة بأن نقوله في مثله ولهذا نختصر في الوصايا التي تشرح اكتفاء بما آتاه الله بنا من فضله والله تعالى يأخذ به إلى النجاح ويفتتح له بنا أحسن الافتتاح والاعتماد على الخط الشريف أعلاه إن شاء تعالى

وهذه نسخة توقيع بنظر الخاص
الحمد لله الذي جعل خواص النعم لملكنا الشريف لأجلها ونفائس الذخائر من دولتنا القاهرة بمحلها وأخاير المفاخر مبسوطا في أيامنا ظلها
نحمده بمحامده التي لا نملها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة اشرق مستهلها ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختمت به أنبياؤها ورسلها وبعثه الله للأرحام يبلها وللأولياء يجلها وللأعداء يذلها ولسيوف النصر من الغمود يسلها وعلى آله وصحبه ما شد على مطية رحلها وولي المراتب أهلها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن خزائن ملكنا الشريف مستودع كل ثمين وممالكنا المعظمة لا تعدق إلا بالثقة الأمين ومتاجر خواصنا الشريفة لا يثمرها إلا من رأيه يعضد قلمه في اليمين والمتجر المحروس لا يقوم بنماء محصوله إلا من له حزم سديد وعزم متين ونظر الخواص هو الذروة العالية فمرتقيها على كل ما يعترضه معين
ولما كان فلان هو المختار على يقين والمخطوب لهذا المنصب ليزيده في التحسين والتحصين والذي إن نظر في القليل عاد كثيرا بالألوف والمئين فإن دبر تدبيرا حفظ وحرس وصين وضبط في حسن الاعتماد بلغ إلى الصين وإن توجه إلى الثغر المحروس تفجر له عن أمواله الجمة وأخرج له من فاخر الحلل ما حسن راقمه رقمه وصدر عنه إلى أبوابنا الشريفة بالتحف المثمنة والحمول التي أوقرت السفن في النيل والإبل في السبيل فأزال الغمة وأنار الأمور المدلهمة ونشر ما طواه لدينا فشكرنا له ما تقدم به مما أتمه
فلذلك رسم بالأمر الشريف فليباشر هذا المنصب الكريم بتدبير يصلح الفاسد وينفق الكاسد ويكبت الحاسد ويكثر الأموال ويسعد

الأحوال ويثمر الذخائر ويسر السرائر ويوفر حاصل الجواهر ويكثر التحف من كل صنف فاخر ويوفي المهمات الشريفة حقها في الأول والآخر وينشر التشاريف كالأزاهر وليختر الأمناء الثقات وليحرر كل منهم الميقات وليبع لخاصنا الشريف ويشتر بالأرباح في سائر الأوقات وليتلق تجار المكارم الواردين من عدن باستجلاب الخواطر وبسط المنن ونشر المعدلة عليهم ليجدوا من اليمن مالم يجدوه في اليمن وكذلك تجار الجهة الغربية الواردين إلى الثغر المحروس من أصناف المسلمين والفرنج فليحسن لهم الوفادة وليعاملهم بالمعدلة المستفادة فإن مكاسب الثغر منهم ومن الله الحسنى وزيادة والوصايا كثيرة وهو غني عن الإعادة وملاكها تقوى الله فليقتف رشاده وليصلح مآبه ومعاده ولا يتدنس بأقذار هذه الدنيا فإنها جمرة وقادة والله تعالى يحرس إرفاقه وإرفاده بمنه وكرمه بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه إن شاء الله تعالى

الوظيفة الثانية نظر الجيش
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أن موضوعها التحدث في الإقطاعات بمصر والشام والكتابة بالكشف عنها ومشاورة السلطان عليها وأخذ خطه وقد تقدم ذكر ألقابه في جملة الألقاب في الكلام على مقدمات الولايات من هذا الفصل وتقدم ذكر ما يكتب في طرة تقليده في الكلام على التواقيع

وهذه نسخة توقيع بنظر الجيش
الحمد لله الذي عدق بالأكفاء مصالح الجنود وصرف أقلامهم فيما نقطعه من الجود واجتبى لمراتب السيادة من تحمده الأقلام في العطايا البيض والسيوف في الخطوب السود
نحمده وهو المحمود ونشكره شكرا مشرق الميامن والسعود ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عذبة الورود يجد المخلص بركتها يوم العرض ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أضحت به جيوش الإسلام منشورة الألوية والبنود منصورة السرايا في التهائم والنجود وعلى آله وصحبه ما أورق عود وأولج نهار السيوف في ليل الغمود وسلم تسليما
وبعد فإن أجل رتب هذه الدولة الشريفة مرتقى وأجملها منتقى وأكرمها هاديا حلى بعقد السيادة مفرقا رتبة حكمنا مرتقيها في أرزاق الجيوش الذين هم حماة الدين وأنصاره ولهم رواح الظفر وابتكاره ولهذا لا يحظى بتسنمها إلا من علا مقدارا وشكرت الدولة الشريفة له آثارا وجيبت عليه السعادة أثوابها وأوكفت عليه سحابها وأنزلته ساحاتها ورحابها وغدت لأحاديث عليائه تروي وحمده الميسور والمنشور والمطوي
ولما كان فلان هو الذي نمت مآثره وكرمت مفاخره واستوت على العلياء مظاهره وشكر استبصاره وحياطته وكمل سلوكه منهج الفخار وجادته وأحصى الجنود عددا وإن كاثروا النجوم مددا وأحاط بالأرض المقطعة فلم تكن نواحيها عنه ممتنعة ولم يغادر منها شيئا إلا أحصاه واتبع سبب مراضينا

حتى بلغ أقصاه فالعلم يثني عليه والعلم والحرب والسلم يشكرانه لمناسبة نظره القرطاس والقلم اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرقيه هضبة سامية العلى فاخرة الحلى ومنبع أرزاق أئمة الفضل وأبطالها ورتبة شهد منالها بعدم مثالها
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه نظر الجيش الخ
فليباشر هذه الوظيفة المباركة وليحل ذراها الأسمى وليجمل أطلاعه على الجيوش المنصورة حتى لا يغادر منها اسما لتغدو مصالحها وريقة الغراس باسقة وعقودها نفيسة الفرائد متناسقة وليجر نظره المبارك فيما صرفناه فيه آخذا بيمن السداد من فعله وحسن التنفيذ من فيه ملزما من تحت نظره بإتقان ما هم بصدده من العروض والأمثلة حتى تغدو لديه ممثلة محررا للإقطاعات وعلم خفاياها فيما نهبه ونقطعه ونصله ونقطعه والمقايضات وإن اختلفت والإفراجات وإن اكتنفت والمغلات الآتية والأخرى التي سلفت وما يخص المتصل من فعل المنفصل والمتحصل والعبرة والخاص والعدة لذوي الإمرة ومنها مصري لا غنى عن تحريره وشامي يفتقر إلى الإتقان في قليله وكثيره ولينظر فيمن له جامكية أو إقطاع مجزل وكلاهما في دولتنا سماك هذا رامح وهذا أعزل
هذه وصايا جمة وأنت غني عن أن يستقصي القلم ذكرها أو يتمه والله

تعالى يجمل به رتبه ويبلغه أربه ويرفع عليه لواء المجد وعذبه بعد العلامة الشريفة أعلاها الله تعالى أعلاه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بنظر الجيش
الحمد لله الذي أعز الجيوش المنصورة وجز أعناق العدا بالسيوف المشهورة وهز ألوية التأييد المنشورة وجعل الجحافل مشرفة وأجنحتها خافقة وساقتها محدقة وقلوبها مسرورة
نحمده بمحامده المذكورة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مأثورة موصولة غير مهجورة ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أبطل من الشيطان غروره وصان للإسلام حوزته وثغوره وسن لأمته الاستخارة والمشورة وعلى آله وصحبه صلاة نورت من الليل ديجوره وكثرت لقائلها أجوره وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أحوال جيوشنا يتعين حسن النظر في أمرها والقيام بمواد نصرها وإسعافها بناظر يحرر جهات أرزاقها ويضبطها مخافة افتراقها ويأمر بنظم جرائد أسمائهم واتفاقها ويتقن الحلى ويبين يوم العرض محله في ارتقاء العلى ويصون المحاسبات لكل منفصل ومتصل من الحلل ويسرع في الدخول والخروج ما يصل به لكل حقه عند استحقاق الأجل
ولما كان فلان هو الممدوح بألسنة الأقلام والرئيس بين الأنام والمشكور بين أرباب السيوف وذوي الأقلام والمأمون فيما يعدق به من مهام والعزيز المثال والسائر بمجده الأمثال والمنشور فضله في كل منشور والظاهر أثره وتحريره في الديوان المعمور والذي شكرته المملكة الشريفة

فهو من صدورها في الصدور
فلذلك رسم بالأمر الشريف الخ فليباشر نظر هذا المنصب السعيد بأمانة تحفظ أرزاق العساكر وتجلو الظلام العاكر وليحرر جرائد التجريد وليصن العدة الكاملة من التبديد ولتكن أوراق البياكر نصب عينيه حتى إذا طلبت منه أحضرها محررة وإذا وقع فيهم حركة كانت أقلامه غير مقصرة وليرغب في اقتناء الثناء حتى يصبح عنده منه جملة من الألوف وليكن للأمانة والنصح نعم الألوف وليتق الله مع أصحاب السيوف وليستجلب خواطر أرباب الصفوف وليجعل له برا في كل أرض يطوف وتقوى الله فهي السبيل المعروف فلينعم بجنتها الدانية القطوف وليلبس بردتها الضافية السجوف والله تعالى ينجيه من المخوف بمنه وكرمه
وهذه وصية ناظر جيش أوردها في التعريف قال
وليأخذ أمر هذا الديوان بكليته ويستحضر كل مسمى فيه إذا دعي باسمه وقوبل عليه بحليته وليقم فيه قياما بغيره لم يرض وليقدم من يجب تقديمه في العرض وليقف على معالم هذه المباشرة وجرائد جنودنا وما تضحي له من الأعلام ناشرة وليقتصد في كل محاسبة ويحررها على ما يجب أو ما قاربه وناسبه وليستصح أمر كل ميت تأتي إليه من ديوان المواريث الحشرية ورقة وفاته أو يخبره به مقدمه أو نقيبه إذا مات معه في البيكار عند موافاته وليحرر

ما تضمنته الكشوف ويحقق ما يقابل به من إخراج كل حال على ما هو معروف حتى إذا سئل عن أمر كان عنه لم يخف وإذا كشف على كشف أظهر ما هو عليه ولا ينكر هذا لأهل الكشف وليحترز في أمر كل مربعة وما فيها من الجهات المقطعة وكل منشور يكتب ومثال عليه جميع الأمر يترتب وما يثبت عنده وينزل في تعليقه ويرجع فيه إلى تحقيقه وليعلم أن وراءه من ديوان الاستيفاء من يساوقه في تحرير كل إقطاع وفي كل زيادة وأقطاع وفي كل ما ينسب إليه وإن كان إنما فعله بأمرنا المطاع فليتبصر بمن وراءه وليتوق اختلاق كل مبطل وافتراءه وليتحقق أنه هو المشار إليه دون رفقته والموكل به النظر والمحقق به جملة جندنا المنصور من البدو والحضر وإليه مدارج الأمراء فيما تنزل وأمر كل جندي له ممن فارق أو نزل وكذلك مساوقات الحساب ومن يأخذ بتاريخ المنشور أو على السياقة ومن هو في العساكر المنصورة في الطليعة أو في الساقة وطوائف العرب والتركمان والأكراد ومن عليهم تقدمة أو يلزمهم روك بلاد أو غير ذلك مما لا يفوت إحصاؤه القلم وأقصاه أو أدناه تحت كل لواء ينشر أو علم فلا يزال لهذا كله مستحضرا وعلى خاطره محضرا لتكون لفتات نظرنا إليه دون رفقته في السؤال راجعة وحافظته الحاضرة غنية عن التذكار والمراجعة

الوظيفة الثالثة نظر الدواوين المعبر عنها بنظر الدولة
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أن موضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه الوزير وأن كل ما كتب فيه الوزير يكشف مثلا كتب فيه يكشف عما رسم به ونحو ذلك وتقدم ذكر ألقابه في الكلام على مقدمات الولايات من هذا الفصل وتقدم ذكر ما يكتب في طرة توقيعه في الكلام على التواقيع
وهذه نسخة توقيع بنظر الدواوين كتب به لتاج الدين بن سعيد الدولة وهي
الحمد لله الذي خص من أخلص في الطاعة من آلائنا بحسن النظر وأجنى من غرس في قلبه أصل الإيمان من عوارف أيامنا الزاهرة يانع الثمر ورفع من استضاء في دولتنا القاهرة بأنوار الهدى من حجول الرتب إلى مكان الغرر وأظهر لوامع السعادة من نعمنا على من أضاء له الرشد فرآه بعين البصيرة قبل البصر
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أرفع ما يقتنى وأنفع ما يدخر وأفضل ما نجت به الفرقة الموحدة وهلكت به الفرق الأخر ونشهد أن محمدا عبده ورسوله اشرف البشر وأرأف البدو والحضر والمبعوث إلى الأمم كافة لما قضاه الله تعالى من سعادة من آمن وشقاوة من كفر وعلى آله وصحبه الميامين الغرر صلاة دائمة الورد والصدر باقية العين والأثر وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من خصه برنا بالنظر الحسن وشمله كرمنا من الرتب بما يهجر في بلوغ مثله الوسن واشتمل عليه معروفنا بما يجعل يراعه في

مصالح الدولة القاهرة جميل العبارة حسن اللسن من سمت به نفسه إلى سعادة الآخرة فأتته سعادة الدنيا تابعة وسلك في مراضي الدولة القاهرة طريق الإخلاص فغدت لكل خير حاوية ولكل يمن جامعة مع كفاءة جاءت المناصب على قدر ومعرفة ما لحظت المصالح بأقرب نظر إلا نمت الأموال وبدرت البدر وخبرة ما اعتبرت فيها محاسن سيرته في كل ما يباشره إلا صغر خبرها الخبر ونزاهة سلكت به في كل ما يليه أحسن المسالك وعفة رفعته من الرتب الديوانية إلى مفارقها ولا رتبة للتاج إلا ذلك
ولما كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى وانتمى من أدوات نفسه إلى كمال المعرفة والعفة وهما أفخر ما يدخر للرتب الجليلة وأنفس ما يقتنى وعني من أسباب استحقاقه المناصب بما اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى
فلذلك رسم أن يفوض إليه نظر الدواوين المعمورة فليباشر ذلك محليا هذه الرتبة بعقود تصرفه الجميل ومجليا في هذه الحلبة بسبق معرفته الذي لا يحتاج إلى دليل ومبينا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار ومن كوامن اطلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النهار فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا ولسان قلمه لما دق من أمور الأقاليم محققا ورسم خطه لما يستقر في الدواوين المعمورة مثبتا ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا ولدر أخلاف الأعمال بحسن الاطلاع محتلبا ولوجوه الأموال بإنفاق التوجه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا فإن الأمور معادن يستثيرها التصرف الجميل ومنابت ينميها النظر الجلي والإتقان الجليل وملاك كل أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه ويتخيلها في كل حال أمامه والله تعالى يوفقه بمنه وكرمه

قلت وربما أضيف إلى نظر الدواوين المعمورة نظر الصحبة الشريفة الآتي ذكرها وكتب بهما جميعا لشخص واحد
وهذه نسخة توقيع بهما جميعا كتب بها لتاج الدين بن سعيد الدولة على أثر إسلامه من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي
الحمد لله الذي خص من أخلص في الطاعة من آلائنا بحسن النظر وأجنى من غرس في قلبه أصل الإيمان من عوارف أيامنا الزاهرة يانع الثمر ورفع من استضاء في دولتنا القاهرة بأنوار الهدى من حجول الرتب إلى مكان الغرر وأظهر لوامع السعادة من نعمنا على من أضاء له الرشد فرآه بعين البصيرة قبل البصر
نحمده على إحسانه الذي عمر وامتنانه الذي بهر وفضله الذي عم كل من ظهر له الهدى فلم يعارض الحق إذا ظهر
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أرفع ما يقتنى وأنفع ما يدخر وأوضح ما نجت به الفرقة الموحدة وهلكت به الفرق الأخر ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف البشر وأرأف البدو والحضر والمبعوث إلى الأمم كافة لما قضاه الله من سعادة من آمن وشقاوة من كفر وعلى آله وصحبه الميامين الغرر صلاة دائمة الورد والصدر باقية العين والأثر وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من خصه برنا بالنظر الحسن وشمله كرمنا من الرتب بما يهجر في بلوغ مثله الوسن واشتمل عليه معروفنا بما يجعل يراعه في مصالح الدولة القاهرة جميل العبارة حسن اللسن من سمت به نفسه إلى سعادة الآخرة فأتته سعادة الدنيا تابعة وسلك في مراضي الدولة القاهرة طريق

الإخلاص فغدت لكل خير حاوية ولكل يمن جامعة مع كفاءة جاءت المناصب على قدر ومعرفة ما لحظت المصالح بأقرب نظر إلا نمت الأموال وبدرت البدر وخبرة ما اعتبرت فيها محاسن سيرته في مباشرة إلا صغر خبرها الخبر ونزاهة سلكت به في كل ما يليه أحسن المسالك وعفة رفعته من الرتب الديوانية إلى غررها ولا رتبة للتاج إلا ذلك
ولما كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى وانتمى من أدوات نفسه إلى كمال المعرفة والعفة وهما أفخر ما يدخر للرتب الجليلة وأنفس ما يقتنى وعني من أسباب استحقاقه المناصب والرتب بما اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه نظر الدواوين المعمورة ونظر الصحبة الشريفة
فليباشر ذلك محليا هذه الرتبة بعقود تصرفه الجميل ومجليا في هذه الحلبة بسبق معرفته التي لا تحتاج إلى دليل ومبينا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار ومن كوامن اطلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النهار فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا ولسان قلمه لما دق وجل من أمور الأقاليم محققا ورسم خطه يستقر في الدواوين المعمورة مثبتا ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا ولدر أخلاف الأعمال بحسن الاطلاع محتلبا ولوجوه الأموال بإنفاق التوجه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا فإن الأمور معادن يستثيرها التصرف الجميل ومنابت ينميها النظر الجلي والإتقان الجليل وملاك كل أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه ويتخيلها في كل وقت أمامه والله تعالى يوفقه بمنه وكرمه والخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه

الوظيفة الرابعة نظر الصحبة
وموضوعها أن صاحبها يتحدث مع الوزير في كل ما يتحدث ويشاركه في الكتابة في كل ما يكتب فيه ويوقع في كل ما يكتب فيه الوزير
وهذه نسخة توقيع بنظر الصحبة كتب به للشريف شهاب الدين ناظر الصحبة من إنشاء الشهاب محمود الحلبي وهو
الحمد لله الذي جعل الشرف حيث حل ركابنا مصاحبا وأطلع للفضل في أفق خدمتنا من أولياء دولتنا شهابا ثاقبا وعدق النظر في صحبتنا بمن لم يزل لمصالحنا ملاحظا ولأوامرنا مراقبا وفوض أمور مباشرة حال من اجتهد أو قصر في خدمتنا إلى من لم يزل بنفسه في واجب الطاعة منافسا وعلى فرض الموالاة محاسبا
نحمده حمد من أجمل في أوليائنا نظرا وخص بالنظر في صحبتنا من اختبرت خدمته فتساوت في الطاعة والمناصحة سفرا وحضرا واعتمد في ملاحظة مباشري ما يمر عليه من ممالكه على من لا يهمل له حقا ولا يحدث له ضررا
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال جيوشنا لإعلاء منارها مجهزة وسرايانا إلى مقاتل جاحديها البارزة مبرزة ووعود النصر على من ألحد فيها لنا معجلة وعلى أيدينا منجزة ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنهضنا الله من جهاد أعداء دينه بما فرض وأيقظنا لرفع أقدار أهل بيته فلم يقصر بأحد منهم في أيامنا أمل ولا بعد عليه غرض وخصنا منهم بمن تمسك بجوهره الأعلى فلم يتعرض من هذا الأدنى إلى عرض وعلى آله

وصحبه الذين ما منهم إلا من يكاد يمسكه عرفان راحته وإلا المؤثر طاعة الله ورسوله وأولي الأمر على راحته صلاة دائمة الاتصال آمنة شمس خلودها من الغروب والزوال وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من اخترناه لصحبتنا الشريفة على علم وأعددناه لمهماتنا الكريمة لما فيه من تسرع إدراك وتثبت في حكم وبسطنا له فيما عدقناه به من ذلك لسانا ويدا وحفظنا به الأحوال من وصول مسترق السمع إليها ( فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) وادخرنا أقلامه لمصالح كل إقليم يمر ركابنا الشريف عليه وفوضنا مناقشة مباشريه على ما أهملوه من حقوق الله تعالى وحقوق الرعايا إليه وأقمناه لتصفح ذلك بنفسه وتلمح زيادة كل يوم على أمسه وانتزاع الحق ممن مد يده إلى ظلم بكف كفه عنه ورفع يده وارتجاع الواجب ممن أقدم عليه بالباطل في يومه واطرح المؤاخذة به في غده وغير ذلك مما أحصاه الله ونسوه واعتمدوا فيه على المصلحة فاجتنوا ثمرة ما غرسوه من كان له في المناصحة قدم صدق عند ربه وفي خدمة الدولة القاهرة قدم هجرة تقتضي مزيد قربه فكان أبدا بمرأى من عنايتنا ومسمع ومن إحساننا بالمكان الذي ليس لأحد من الأكفاء في بلوغ غايته أمل ولا مطمع وتفرد باجتماع الدين والمنصب والأصالة والعلم والكرم وهذه خلال الشرف أجمع
ولما كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى وانتمى من أدوات نفسه ونسبه إلى كمال المعرفة والعفة وهما أفخر ما يدخر للرتب الجليلة وأنفس ما يقتنى وعني من أسباب استحقاقه المناصب والرتب بما

اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه نظر الصحبة الشريفة
فليباشر ذلك محليا هذه الرتبة بعقود تصرفه الجميل ومجليا في هذه الحلبة بسبق معرفته التي لا تحتاج إلى دليل ومبينا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار ومن كوامن اطلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النهار فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا ولسان قلمه لما دق وجل من أمور الاقاليم محققا ورسم خطه لما يستقر في الدواوين المعمورة مثبتا ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا ولدر أخلاف الأعمال بحسن الاطلاع محتلبا ولوجوه الأموال بإنفاق التوجه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا فإن الأمور معادن يستثيرها التصرف الجميل ومنابت ينميها النظر الجلي والاتقان الجليل وملاك كل أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه ويتخيلها في كل حال أمامه والله تعالى يسدده ويوفقه بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
قلت وربما أضيف إلى نظر الصحبة نظر الدواوين الشريفة وحينئذ فيحتاج الكاتب أن يأتي في براعة الاستهلال بما يقتضي الجمع بينهما ويورد من الوصايا ما يختص بكل منهما والكاتب البليغ يتصرف في ذلك على وفق ما يحدث له من المعاني ويسنح له من الألفاظ

الدرجة الثانية من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بالحضرة بالديار المصرية ما يكتب في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء مفتتحا بالحمد لله إن قصد تعظيم المكتوب له على ما هو الأكثر أو بأما بعد حمد لله جريا على الأصل لما يكتب في قطع الثلث على ما تقف عليه في النسخ
وتشتمل على وظائف

الوظيفة الأولى كتابة الدست
والمراد دست السلطنة وقد تقدم الكلام عليها في مقدمة الكتاب في الكلام على ديوان الإنشاء وتقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أن موضوعها أن يجلس أصحابها بدار العدل أيام المواكب خلف كاتب السر ويقرأون القصص على السلطان بعد قراءة كاتب السر ويكتبون عليها بما تقتضيه الحال بعد إشارة السلطان بالكتابة ثم يحمل ما يكتبون عليه من القصص إلى كاتب السر فيعينها وأن هذه الوظيفة كانت من أجل الوظائف وأرفعها قدرا منحصرة في عدد قليل نحو الثلاثة فما حولها ثم وقع التساهل في أمرها ودخل فيها العدد الكثير حتى جاوز عددهم العشرين وبقيت الرياسة فيهم لعدد مخصوص منهم وقنع الباقون بالاسم وقد تقدم ذكر طرة توقيعه في الكلام على التواقيع
وهذه نسخة توقيع بكتابة الدست وهي
الحمد لله الذي فضل الكرام الكاتبين وأحيا بفضائل الآخرين الأولين

الذاهبين وأنزل في القصص ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين )
نحمده وهو المحمود المعين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة قوم مخلصين ونشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين ورسول رب العالمين والشافع في المذنبين من المؤمنين وعلى آله وصحبه صلاة باقية إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن العدل الشريف دار جدرانها الأمر المطاع وأبوابها الخير الذي لا يضاع وسقفها الرحمة والاتضاع وصدرها الإحسان المديد الباع وصحنها الأمن والسرور فلا يخاف أحد فيه ولا يراع وجلساؤها الكاتبون عارضو الرقاع وهم معدن الصدارة وموطن الكتابة والكناية والإشارة وأقلامهم تأتي بحسن التشبيه والاستعارة وتطرز حواشي الرقاع بوشي بادي الإنارة ما اختير أحدهم للجلوس في دسته إلا وقد أرضى من اختاره وتميز بحسن السمت والوفاء والوقار والشارة
ولما كان فلان هو الذي له في السؤدد أصل عريق وفي الفضائل له قلم مطيق وفي البلاغة له لسان منطيق وإذا دبج قرطاسه فهو للروض شقيق ونباته الجوهر لا الآس والشقيق وأصبح للجلوس في الدست الشريف أهلا على التحقيق
فلذلك رسم أن يستقر في كتابة الدست الخ فليحل هذا الدست الشريف مبهجا ببيانه مثلجا للصدور بعرفانه متبلجا بنور يده ولسانه قارئا من قصص الناس وظلاماتهم في إيوانه كل شيء في أوانه لا يكتم ظلامة مكتوبة في رقعة بل يعرف ملكه بها ويبلغها سمعه فإنه في هذا المحل أمين والأمين محل النصح والخير والرفعة وإذا وقع فهو مأمور فليأت بما يبهج الصدور

ويشفي غليل الشاكي بلفظه الزاكي والوصايا كثيرة لكن سنلم ببعضها الحاكي وهو تقوى الله فهي تاجها المجوهر وبدرها المنور وكوكبها الأزهر والله تعالى يمتعه بالفضل الذي لا يحول ولا يتغير بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع من ذلك ايضا وهي
الحمد لله الذي أفاض على الأولياء من فضله وأهمى عليهم من مواهبه ما يقصر عنه الغمام في وبله وطله ومنح دست الملك الشريف من الألفاظ المجيدة والفضائل المفيدة
نحمده على نعمه التي أجزلت إحسانها وأجملت امتنانها وبزغت مزهرة فقدمت من الدولة أعيانها ونشكره على عوارفه التي ألقي لأهل الثناء عنانها ورحب لذوي البيوت صدرها وفض عنوانها
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشهد القلوب إيمانها ويدخر القائل لها ليوم المخاف أمانها ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أظهر الله به الشريعة المطهرة وأبانها وشرف به هذه الأمة ورفع على جميع الأمم شانها وبعثه رحمة إلى كافة الخلق فأقام بمعجزاته دليل الهداية وبرهانها وأطفأ بنور إرشاده شرر الضلالة ونيرانها وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من نزه نفسه النفيسة وصانها وسلك في خدمته وصحبته الطريقة المثلى فأحسن إسرار أموره وإعلانها صلاة دائمة باقية تجمل بالأجور اقترانها وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإنه لما كانت وظيفة توقيع الدست الشريف من أجل الوظائف وأسناها وأنفسها وأعلاها وأجملها وأبهاها القائم بها سفير الرعية إلى الملك

في حاجتهم وترجمان معرب عن شكايتهم وكاشف أحسن ناشر عن ظلامتهم جالس على بساط الأنس بقرب الحضرة منفذ نهي مليكه وأمره مبلغ ذا الحاجة من إنعامه جوده وبره تعين أن يندب رئيس وابن رئيس وجوهر بحر نفيس ذو أصل في السؤدد عريق ولسان في الفضائل طليق وقلم حلي الطروس بما يفوق زهر الرياض وهو لها شقيق وفاضل لا يقاس بغيره لأنه الفاضل على التحقيق وكان المقر العالي الفلاني هو المشار إليه بهذه الأولوية والمراد من سطور هذه المحامد اللؤلؤية فلذلك رسم بالأمر العالي أن يستقر المشار إليه في وظيفة توقيع الدست الشريف عوضا عن فلان بحكم وفاته
فليباشر ذلك مباشرة تشكر مدى الزمان وتحمد في كل وقت وأوان وليدبج المهارق بوشي يفوق قلائد العقيان وليملأ بالأجور لنا صحفا بما يوحيه عنا من خيرات حسان ونحن فلا نطيل له الوصايا ولا نحليه بها فهي له سجايا مع ما أدبه به علمه الجم وعمله الذي ما انصرف إلى شيء إلا تم ويجمعها تقوى الله تعالى وهي عقد ضميره وملاك أموره وما برح هو وبيته الكريم مصابيح أفقها ومفاتيح مغلقها ولهم جدد ملابسها وللناس فواضل مخلقها والله تعالى يزيده من إحسانه الجزيل ونعمه التي يرتدي منها كل رداء جميل ويمتعه بإمارته التي ما شكر بها إلا قال أدبا حسبنا الله ونعم الوكيل والاعتماد في مسعاه على الخط الكريم أعلاه

الوظيفة الثانية نظر الخزانة الكبرى
وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أن هذه الوظيفة كانت كبيرة الموضع من حيث إنها مستودع أموال المملكة إلى أن حدثت عليها خزانة الخاص فانحطت رتبتها حينئذ وسميت الخزانة الكبرى باسم هو أعلى

منها وأنه لم يبق فيها سوى خلع تخلع وتصرف أولا فأولا وقد تقدم ما يكتب في طرة توقيع ناظرها
وهذه نسخة توقيع بنظر الخزانة
الحمد لله الذي جعل الخزائن لذخائرنا كهوفا وملابس إقبالنا شنوفا ومواهبنا تجزل عطاء ومعروفا وإقبالنا على محسن التدبير ومجمل التأثير عطوفا وأيادينا في إسكان جنتها قطوفا
نحمده حمدا مألوفا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أوضحت معروفا ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أزال مخوفا وأقام الصلاة والجهاد صفوفا وشهر على العدا عند تأييد الهدى سيوفا وعلى آله وصحبه ما سدل الليل سجوفا وسلم تسليما
وبعد فإن الملك الشريف له تحف مصونة وذخائر مكنونة وأصناف حسان في خزائننا مخزونة وجواهر عالية القيمة ثمينة لا يقوم عليها إلا من لا يمد عين عفافه إلى المال وإن كثرت آلافه وولج لجة هذه الذخائر ولم تلم بالبلل أطرافه وهو فلان العريق في انتسابه الوثيق انتماؤه إلى فضل الله وجنابه النقي ثوب عرضه التقي بتمسكه بسنته وفرضه الوفي نظره بغضه المستمسك بجميع الخير دون بعضه من بيت السيادة ومن هو من بيت السيادة فالسؤدد نجم سمائه وطود أرضه فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقر
فليباشر هذه الوظيفة بعمل ونية متسلما ذخائر هذا الخزانة العلية وأمورها وأحوالها وتفصيلها وإجمالها وحمولها وأحمالها وحللها المرقومة وذخائرها المعلومة وجواهرها المنظومة وأكياسها المختومة

وصناديقها المركومة ما عن علمه فيها شيء خاف وصونه لها كاف وأمر الله بين النون والكاف
وليعلم أن خزائننا تصب فيها سحائب التحف والأموال والأصناف من سائر الممالك والمدن والثغور والأطراف ومنها يخرج بجهاز مواهبنا وإنعامنا للأولياء الأشراف وإنما هي لمصالح المسلمين في الجمع والائتلاف وتقوية أهل الطاعة على أهل الاختلاف فليضبط ما تطلقه وإن كانت الأقلام لا تستطيع ذلك لكثرة الإسعاف ولتكن التشاريف المثمنة الكاملة حاصلة بمناطقها المجوهرة الهائلة وطرزها الطائلة وتعابيها الفاضلة حتى إذا أنعمنا منها على أحد بشيء يأتي بحموله وقد حمد فاعله والوصايا كثيرة وتقوى الله نظام عقدها وغمام رفدها وزمام مجدها وتمام سعدها فليكن متلفعا ببردها متضوعا بندها وهو غني عن الوصايا ومدها والله تعالى يؤيد حركاته في قصدها والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
وهذه وصية لناظر الخزانة أوردها في التعريف
وليملأ بنظره صدور الخزائن وليجمع فيها اشتات المحاسن وليعد فيها كل ما يدخر للإنفاق ويحتفظ به للإطلاق ويحصل ما يضاهي البحر بالتفريع والتأصيل والجمل والتفاصيل وما لا يوزن إلا بالقناطير ولا يحصي منه ملء

الأساطير وما يهيأ من التشاريف الشريفة التي تباهي أشعة الشموس بلمعها وتحاسن وشائع الروض بخلعها وما فيها من مخلقات ألوان لا تماثل بتصوير ولا يظنها الأولياء إلا الجنة ولباسهم فيها حرير وما تحتوي عليه من عتابي وأطلس ومشربش ومقندس وكل طراز مذهب وباهي وما هو من ذهب أو له يضاهي وكل ما يتشرف به صاحب سيف وقلم ويعطى إنعاما أو عند أول استخدام في خدم وما هو مع هذا من أنواع المستعملات والنواقص والمكملات وما يحمل من دار الطراز ويحمد مما يأتي من المبتاع من بز وبزاز وما هو مرصد للخزانة العالية من الجهات التي يحمل إليها متحصلها لينفق في أثمان المبيعات وما يستعمل وما يعلم منه بالطرز ويعمل وبقية ما يدخر في حواصلها من مال بيت المال الذي يحمل وذلك كله فهو الناظر عليه والمناظر عنه مما خرج من عنده ووصل إليه والمحاجج عنه بالمراسيم التي تشك للحفظ وتنزل لديه فليراع ذلك جميعه حق المراعاة وليحرر قدر ما ينفق من الأثمان وقيمة المبيعات وليحترز فيما يزكي بعضه بعضا من شهادة الرسائل المكتتبة إليه بالحمول وما يكتب بها من الرجعات وليعر المعاملين من نظره مالا يجدون معه سبيلا ولا يقدرون معه على أن يأخذوا فوق قدر استحقاقهم كثيرا ولا قليلا وليقدم تحصيل كل شيء قبل الاحتياج إليه ويدعه لوقته ولا يمثل لديه إلا سرعة الطلب الذي متى تأخر أخر لوقته والأمانة الأمانة والعفاف العفاف فما كان منهما واحد رداء امرئ إلا زانه ولولاهما لما قال

له الملك إنك اليوم لدينا مكين أمين وسلم إليه الخزانة

الوظيفة الثالثة نظر خزانة الخاص
وهي الخزانة التي استحدثت في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون عند استحداث وظيفة نظر الخاص وقد انتقل ما كان يحمل إلى الخزانة الكبرى ويصرف منها إلى هذه الخزانة سوى الخلع كما تقدمت الإشارة إليه في الكلام على توقيع ناظر الخزانة الكبرى
وهذه نسخة توقيع بنظر خزانة الخاص كتب به للقاضي شرف الدين محمد بن علاء الدين الجوجري في مستهل شهر رجب الفرد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وهي
الحمد لله الذي زاد بنظرنا الشريف شرف من لمحه من أوليائنا ولحظه وأفاد المستأنف من برنا من عهدنا له الفطرة السليمة وتيقنا منه الفكرة واليقظة وأعاد للخلف الكريم من المشايخ ما كان للسلف القديم الصالح من التقديم الذي شملهم بالتكريم وجعلهم على خزائن جودنا العميم لأنهم العلماء الحفظة وجاد بالطرف من خاص إنعامنا العام لمن لقلمه عند الإدناء من سرير الملك إنجاز عدة وللسانه عند ارتقاء منبر النسك إبراز عظة
نحمده على أن أجزل لمن عول على شامل كرمنا جزاءه وعوضه ونشكره على أن تطول بنوافل نعمنا لمن قام بعد أبيه بلوازم خدمتنا المفترضة وعكف أعمالنا على بيت مبارك ما منهم إلا من شمل من إحساننا بالمنح لما بذل لسلطاننا من النصح ومحضه
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يودع مصونها في الأرائك

المتعلية ويقطع يقينها الشكوك المعترضة ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي عظمت عطايا بذله فالبحار المرتفعة عنها منخفضة وكرمت سجايا فضله فليست بمنتقلة وأبرمت قضايا عدله فليست بمنتقضة وعمت البرايا يده البيضاء التي هي بالأرزاق في الآفاق منبسطة وليست عن الإنفاق خشية الإملاق منقبضة وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من أقرض الله قرضا حسنا فضاعف له ما أقرضه صلاة تدني لقائلها في الأولى من النعمة والأمان أمله وتؤتيه في الأخرى من الرحمة والرضوان غرضه وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من رفع بإكرامنا إلى رتبة علائه وانتفع من مقامنا الشريف باختصاص خدمته وإخلاص ولائه من شفع مزاياه بجمع أشتات العلوم في أبكاره وآنائه واستودع ذخائر ملكنا المصونة فكان حفيظا عليما عند اقترابه منا وإدنائه وصدع القلوب بإيداع وعظه وإبدائه واتبع سبيل والده القويم في الشدة في الحق والتصميم وسلك طريقته التي هداه الله إليها بتوفيقه فأدرك غايته في ابتدائه وقنع بما آتاه الله تعالى فآثرت مكارمنا رفعة محله وتوسعة حبائه وبرع في إتقان الفضائل التي آذنت بإصطفائه واجتبائه ووقع عليه اختيارنا الذي نستخير الله تعالى له في إبرام كل أمر وإمضائه وأجمع عليه رأينا الذي كم أصاب الصواب في تعيين العلماء الأنجاب فنص عليه الاستحقاق بإيجاب الترجيح واقتضائه
وكان المجلس السامي الشرفي هو الذي قدمناه بعد أبيه لشهادة خزائننا الشريفة فشاهدنا من حسن سيره ما أبهج ونظمناه في سلك أولياء الملك فسلك من الخير أقوم منهج ثم أردنا الآن أن هلاله ينتقل إلى رتبة الكمال لما تدرب وتدرج وأعدنا له تام الإقبال حيث شرف دولتنا الأعلى زاد الله تعالى تأييده بذكره لدينا وبشكره عندنا يلهج فاقتضى حسن الرأي الشريف أن هذا النظر

الجميل عنه لا يخرج وهذا الوقر الجليل لا يعدل به عن فرع منجب لأصل طيب أثمر الولاء والدعاء لأيامنا الشريفة وأنتج
فلذلك رسم بالأمر الشريف الخ لا زالت الصدور بصدور أحكامه تثلج والأمور بمرور إنعامه تفضل على الحق الأبلج أن يستقر في نظر خزانة خاصنا الخ فلينطق لسان كلمه بالإخلاص في حمد الخاص والعام من هذا الإكرام الذي بمطارفه تسربل وبعوارفه تتوج وليطلق سنان قلمه في تبييض المصاحف بذكر إنعام المقام الذي هو كالبحر ويفصح عن حمده فهو بحمد الله لا يتلجلج وليحقق ببيان حكمه ضبط الأصل والخصم والواصل والحاصل والمحضر والمخرج ولينفق في أوليائنا من عوائد صلات نعمائنا التي تقبضها أيدي ملوك المدائن ببسط ومن بعضها صدور الخزائن تحرج وليسلك سنن أبيه التي بها يستظهر ويفتخر ويستدل ويحتج ويستمسك بسببه الأقوى من الديانة التي بابها من النجاة في الدارين غير مرتج ونترك له تفصيل الوصايا لأنه قرين كفيل ملكنا القوي الأمين ذي الإرشاد والسداد فمع مرافقته في الإصدار والإيراد والتكرار والتعداد لم يحتج والله تعالى يجعل الطروس بذكر تقديمه تحبر وتدبج والدروس تنشر وعلومه تعطر وتتأرج بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى

الوظيفة الرابعة نظر البيوت والحاشية
وقد تقدم أن موضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه أستاد الدار وتقدم الكلام على ما يكتب في طرة تقليد ناظرها

وهذه نسخة توقيع بنظر البيوت والحاشية
الحمد لله الذي عمر البيوت بنواله وكثر فيها أصناف النعم بأفضاله وجعل فيها الخير يتضاعف مع كل يوم بتجدده ومع كل شهر بإقباله
نحمده على مديد ظلاله ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد صادق في مقاله ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي رحم الله العالمين بإرساله وسقى الجيش من كفه بنبع زلاله وأوى إلى المدينة دار هجرته وانتقاله وعلى آله وصحبه الناصرين لهذا الدين في كل حاله وسلم تسليما
وبعد فإن طراز الملك الشريف البيوت الكريمة فمنها يتفجر ينبوع الرزق الجاري ومنها يضيء سقط الزند الواري ومنها تبسط الخوانات وتمد الأسمطة في المهمات ومنها يقوم للسعد نصبات وأي نصبات ومنها تقسم ألوان الطيبات على مقترح الشهوات وعماد أمرها على ناظر يقوم بتأصيلها وتفريعها وتجنيسها وتنويعها وتكثير حاصلها واستدعاء واصلها وجمع كل ما فيه مرغوب وادخار كل ما هو محبوب وتأليف القلوب على شكره وجل ما فيها عمل القلوب
ولما كان فلان هو الرشيد في فعله المأمون في فضله الأمين في عقده وحله المسدد في الحال كله المعطي المباشرة حقها على ما ينبغي في الشهر من مستهله فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقر في نظر البيوت الخ فليباشر هذه الوظيفة الكريمة مستجلبا المنافع مشنفا بحسن سيرته المسامع طالعا من العفاف في أبهى المطالع مستدعيا ما جرت العادة باستدعائه من

أصناف المتجر السعيد من أصناف متعددة وأنواع منضدة وليزح أعذار المصالح السعيدة من كل صنف على حدة وليستجلب خواطر المعاملين بوفائهم وإنجازهم كل عدة والرواتب اليومية ليصرفها لمستحقها والبيوتات فليسد خللها حتى لا يظهر نقص فيها ومرتبات الآدر الشريفة فلتكن نصب عينيه على ما يرضيها وما اخترناه لهذه الوظيفة إلا لأنه أنسب من يليها والوصايا كثيرة وتقوى الله فلتكن أطيب ثمرات يجتنيها وأحسن منحات يجتليها وأزين زينة يحتليها وهو غني عما تشافهه به الأقلام من فيها والله تعالى يصون هممه ويعليها بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة توقيع بنظر البيوت
الحمد لله الذي جدد لأوليائنا ملابس السعود وشيد لهم مباني العز وضاعف لقدرهم الترقي والصعود ووالى إليهم سحائب الفضل المستهلة بالكرم والجود
نحمده على نعمه الضافية البرود ومننه الصافية الورود ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرغم بها أنف الجحود ونشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب الحوض المورود واللواء المعقود وعلى آله وصحبه الذين جاد كل منهم بماله ونفسه في رضاه والجود بالنفيسين أقصى غاية الجود صلاة دائمة الإقامة في التهائم والنجود مستمرة الإدامة ما تعاقب السحاب روضا بجود وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أولى من غدت البيوت آهلة بوفود نظره عامرة بسداده وجميل

فكره مشيدة بما يبديه من أوضاح التقرير وغرره من سما همة وحسن سمتا وسلك في الأمانة طريقا لا عوج فيها ولا أمتا وحل في الرتب فحلاها وتنقل فيها فما قالت له إيه إلا وقال الذي فارقها آها وكان فلان هو الذي استحق بكفايته حسن التنقل واستوجب الصلة والعائد لما فيه من جميل التأتي والتوصل اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننقله إلى رتب السعادة وأن نخصه كل حين من نعمنا بالحسنى وزيادة فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقر
فليضبط أصولها وفروعها ومفردها ومجموعها وليؤنس بحياطة اجتهاده ربوعها وليكفلها بأمانة تضم أطرافها ونزاهة تحلي أعطافها وكتابة تحصر جليلها ودقيقها ونباهة توفي شروطها وحقوقها وليحرر واردها ومصروفها ليغدو مشكور الهمم موصوفها وليلاحظ جرائد حسابها ويحفظ من الزيغ قلم كتابها حتى ينمي تصرفه فيها على الأوائل ويشكر تعرفه وتعطفه على كل عامل ومعامل والله تعالى يبلغه من الخير ما هو آمل بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى

الوظيفة الخامسة نظر خزائن السلاح
وقد تقدم أن موضوعها التحدث فيما يستعمل ويبتاع من أنواع السلاح الذي يحمل للزردخاناه السلطانية وقد جرت العادة أن يحمل ما يتحصل من

ذلك في كل سنة إلى الزردخاناه مرة واحدة وقد تقدم ما يكتب في طرة توقيع ناظرها
وهذه نسخة توقيع بنظر خزائن السلاح من إنشاء المولى شمس الدين بن القيسراني كتب به لفخر الدين أخي جمال الدين ناظر الخاص وهي
أما بعد حمد الله تعالى الذي ضاعف فخر المناصب بمتوليها ورفع قدر المراتب بمن يكبرها بقدره العلي ويعليها وأمد المقانب بنظر ذي المناقب الذي يزين بمرهف حزمه أسلحتهم ويحليها ويمضي بماضي عزمه كل فرند فريد ليسعر نار صليله بنظره السعيد ويجليها جاعل أيامنا الشريفة تقدم لخدمها كل سري تسري به هممه إلى العلياء وتنتخب لحسن ناظرها من يعلو بكرم الذات وجمال الإخاء وتولي من الأولياء من يعد للأعداء خزائن سلاح تبيدهم بها جيوشنا المؤيدة في فيافي البيداء إذا دارت رحى الحرب الزبون وثارت وغى الغارة الشعواء والشهادة له بالوحدانية التي اتسق بدرها في سماء الإخلاص وأشرق فجرها بضياء القرب والاختصاص وسما فخرها بجلال الجمال فأصبح بحمد الله آخذا في المزيد آمنا من الانتقاص وعلا ذكرها بما درعنا به من دروع التوحيد وأسبغ علينا منه كل سابغة دلاص والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي خصه الله بالتكريم والتعظيم وختم به الرسل الكرام بما منحه من الاصطفاء والتقديم وأوحى إليه في الكتاب الحكيم ( أن اتبع ملة إبراهيم ) وعلى آله وصحبه الذين هم ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وقرب قربهم لديه وأذهب بينهم فإن من شيم أيامنا

الشريفة أن تبلغ أولياءها مراما وترعى لأصفياءها ذماما وتصطفي لولاية الرتب من أضحى ثغر ولائه بساما وتجرد لحسن النظر من يجرد بهممه حساما حساما لا سيما من اقتفى سنن أخيه أجله الله فيما يأتي ويذر واهتدى بهديه في كل ورد وصدر وحذا حذوه السديد الأثر السعيد النظر واتبع رشده الساطع البلج اللامع الغرر وسار سيره الذي تتأرج به أرجاء الممالك فحيث سار سر إذ هو جمال الجود جلال الوجود مقيل عثار الملهوف والمجهود موئل التهائم والنجود مستجلب الدعاء لنا من الطائفين والعاكفين والركع السجود ذو المآثر التي ذكرها أعطر من الروض المجود الموجود والمناقب التي يساوي فيها الكواكب ويسامتها في السعود والصعود
ولما كان المجلس العالي الفخري قد أصبح فخره بأخوته ناميا وقدره بأبوته ساميا وأصبحت مفاخره به خالدة وجمع مزايا وسجايا جمعت له طارف السعد وتالده اقتضى رأينا الشريف أن نشدد به أزرا ونجدد له في إصلاح السلاح نظرا ليكون لأخيه أعزه الله تعالى النظر على الخاص والعام وبيده مقاليد خزانتنا التي يشمل منها البرايا بصنوف الإنعام وتدبير خواصنا الشريفة وجيوشنا المؤيدة وله النظر على أعمال لبوس تقي من الجيوش البوس البيض ذات القوانس واليلب المدار والسمر المداعس والبيض المهندة
فلذلك رسم لا زال يجمع لأوليائه على آلائه شملا ويرفع أقدار أهل الكرم باستقرار النعم إذ كانوا لها أهلا وبها أولى أن يستقر فلان في

نظر خزائن السلاح المنصورة على عادة من تقدمه وقاعدته وبمعلومه الشاهد به الديوان المعمور لهذه المآثر التي بثها القلم والمفاخر التي اشتهرت كالنار على العلم فليكشف ما بهذه الخزائن من عدة الحرب والآلات المعدة في الهيجاء للطعن والضرب ويشمر في تكثيرها عن ساعد اجتهاده ويعزز مواد الإمداد بها بحسن نظره ويمن اعتماده ويستعمل برسم جهاد الأعداء كل نصل صقيل وصمصام له في الهام صليل وصفيحة بيضاء تبيض بها بين أيدينا الصحيفة ولبوس ترهب عدو الله وتضاعف تخويفه وزاعبي يرعب وسمهري يزهق بلسان سنانه النفوس ويذهب وخرصان تكلم الأبطال بأسل ألسنتها في الحروب وقواصل لها في سماء العجاج شروق وفي تحليء الكفار غروب وبدن يقد الأبدان ولأمة لم تبار في تحصينها وتخييرها ولم تدان وفضفاضة على جنود الإسلام تفاض وسابغة تسبغ على كل راجل من أهل الإيمان ليقضي من أهل الشرك ما هو قاض
وليحفظ ما ينفق على هذا العدد من الضياع ويأت بما تأتي به الضياع على أحسن الوجوه وأجمل الأوضاع وليضبط ما يصرف عليها من الأموال ويعتمد في نظرها ما تحمد عاقبة أمره في سائر الأحوال ويتيمن في سائر أفعاله

بميامن كماله ويسترشد بمراشده في أموره باليمن والرشد من خلال جماله ويسلك بحسن نظره لهذه الخزائن ما ينتظر به أن يفوق أنظار الأنظار ويرتقب ويعلم أن هذا أول إقبالنا عليه وأول الغيث قطر ثم ينسكب والله تعالى يجعل خزائن الإسلام بجمال فخره آهلة ويوردها موارد العز الدائم ويصفي من أكدار الاقذار لها مناهله والعلامة الشريفة أعلاه حجة بمقتضاه

الوظيفة السادسة استيفاء الصحبة
وصاحبها يتحدث في كل ما يتحدث فيه ناظر الصحبة المقدم ذكره
وهذه نسخة توقيع من ذلك من إنشاء القاضي ناصر الدين بن النشائي وهي
الحمد لله الذي زاد فخار أوليائنا رفعة المقدار وأفاد الصحبة الشريفة خير كاف استوجب منا بجميل خدمته جزيل الإيثار وجاد بالجود وابتدأ السعود لمن حسن فيه الاختيار وحمد الاختبار وارتاد للمناصب العلية كل مستوف للمحاسن له حقوق وفاء لا تضاع وقدم ولاء أجمل فيه الإيراد والإصدار
نحمده على نعم أجزلت الآثار ونشكره على منن أجملت المسار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص يترشف ساح ثوابها الدار في تلك الدار ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أيد الله به المؤمنين وأخمد نار الكفار وبعثه رحمة للعالمين فأقام بناء الإسلام بعد ما كاد ينهار وأسرى به إلى السبع الطباق فطبق نبأ معجزاته الأرض وملأ الأقطار

صلاة باقية لا تزال أغصان أجورها دانية القطوف زاكية الثمار وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن أجل النعم ما علت ملابسها وأجمل المنن ما غلت نفائسها وأكمل المنح ما زكت في رياض الإقبال غرائسها وأجزل العطايا ما جليت في حلل الفخار عرائسها وأولى الأولياء بتحويل ذلك لديه وتخويل هذه المواهب إليه وإسباغ أثواب الامتنان عليه واجتبائه لرتب علت محلا واختياره لمنصب يصبح به جيده من عقود العناية محلى من شكرت أوصافه واشتهر عفافه وحسن منا إسعاده وإسعافه وحمدت خلاله ومآثره وجاز فخر نعته وفخر ذاته فلا غرو أن تعددت مفاخره وأسلفنا من خدمته ما استوجب أن يجني به ثمار الإحسان وقدم بين أيدينا الشريفة من يمن تصرفه ما أنتج له مضاعفة الآلاء الحسان
ولما كان فلان هو الذي تحلى من هذه الأوصاف بعقودها وتجلى في مطارف برودها وأثنت على خصاله ألسنة الأقلام وأثبتت جميل خلاله في صحف أوراقها وصحائف الأيام وحاز من الأمانة والنزاهة كل ما يشكر به على الدوام وامتاز بحسن الكتابة التي تقر النواظر وتسر الخواطر وتزري بالروض البسام ما باشر رتبة إلا وفى بها وحفظ أموالها وغلالها وضبط أمورها وكفى بها اقتضى رأينا الشريف أن ننقله إلى درجات السعادة ونمنحه من إقبالنا الشريف زيادة الحسنى وحسن الزيادة ونخصه بوظيفة تدنيه منا قربا لنكون قد أجملنا له الابتداء والإعادة
ولذلك رسم بالأمر الشريف لا زال فخر أوليائه بمزيد آلائه ساميا وقدر أصفيائه بمديد عطائه ناميا أن يستقر في كذا
فليتلق هذا الإحسان بيد الاستحقاق وليتقلد عقود الامتنان الذي طالما قلد جوده الأعناق وليباشر ذلك مباشرة يسر خبرها ويسير خبرها ويشنف الأسماع تأثيرها وأثرها وليسلك فيها من السداد ما يؤكد حمده ومن

حسن الاعتماد ما يؤيد سعده وليعتمد فيها من الأمانة ما هو المشهور من اعتماده ومن العفاف ما صح عنه نقل إسناده وليدبج المراسيم الشريفة بقلمه السعيد وليوشها بكتابته التي بها الحسن مبدئ ومعيد وليضبط جميع أموال الديوان المعمور وغلاله وسائر أموره وأحواله وليستوف بقلمه على مباشريه وعماله وليحط علما بخراج بلاده وأعماله وليسترفع الحساب شاما ومصرا وليتصفح الرقاع بالممالك الشريفة المحروسة ليحوي بجميعها خبرا وليتعين جملها وتفصيلها ليكون بمخرجها أدرب وبمردودها أدرى وليحصر متحصلها ومصروفها ومعجلها وموقوفها حتى لا يخرج شيء عن علمه ولتكن جملة هذا الأمر محررة في ذهنه ليجيب عنها عند السؤال بتحقق فهمه والوصايا كثيرة وهو بها خبير عليم حائز منها أوفى وأوفر تقسيم وملاكها تقوى الله تعالى فليجعلها عمدته وليتخذها في كل الأمور ذخيرته والله تعالى يضاعف له من لدنا إحسانا ويرفع له قدرا وشانا والاعتماد على الخط أعلاه
وهذه وصية لمستوفي الصحبة أوردها في التعريف وهي
فهو المهيمن على الأقلام والمؤمن على مصر والشام والمؤمل لما يكتب بخطه من كل ترتيب وإنعام والملازم لصحبة سلطانه في كل سفر ومقام وهو مستوفي الصحبة والمستولي بالهمم على كل رتبة والمعول على تحريره والمعمول بتقريره والمرجوع في كل الأمور إلى تقديره به يتحرر كل كشف ويكف كل كف وبتنزيله وإلا ما يكمل استخدام ولا صرف وهو المتصفح عنا لكل حساب والمتطلع لكل ما حضر وغاب والمناقش لأقلام الكتاب والمحقق الذي إذا قال قال الذي عنده علم من الكتاب والمظهر للخبايا والمطلع للخفايا والمتفق على صحة ما عنده إذا حصل الخلاف ووصل الأمر فيه إلى التلاف وليلزم الكتاب بما يلزمهم من الأعمال ويحررها

بمستقر إطلاقه وضرائب رؤوس المال وعمل المكلفات وأن يكلفوا عملها وتقدير المساحات وليتتبع خللها وليلزمهم بتمييز قيمها بعض عن بعض وتفاوت ما بين تسجيل الفدن في كل بلد بحسب ما تصلح له زراعة كل أرض وبمستجد الجرائد وما يقابل عليه ديوان الإقطاع والأحباس وغير ذلك مما لا يحصل فيه التباس
ومثلك لا يزود بالتعليم ولا ينازع فكل شيء يوخذ منه بالتسليم وما ثم ما يوصى به رب وظيفة إلا وعنده ينزل علمه وفيه ينزه فهمه وملاك الكل تقوى الله والأمانة فهما الجنتان الواقيتان والجنتان الباقيتان وقد عرف منهما بما يفاض منه عليه أسبغ جلباب وأسبل ستر يصان به هو ومن يتخذهم من معينين ونواب والله تعالى يبلغه من الرتب أقصاها ويجري قلمه الذي لا يدع في مال ممالكنا الشريفة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
الدرجة الثالثة من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بالديار المصرية ما يكتب في قطع العادة إما في المنصوري مفتتحا بأما بعد حمد الله أو على قدر المكتوب له في القطع الصغير مفتتحا برسم بالأمر الشريف إن انحط قدره عن ذلك
وفيها وظائف
منها كتابة الدرج بديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة
وهذه نسخة توقيع بكتابة الدرج الشريف كتب به للقاضي تاج الدين

عبد الرحيم بن الصاحب فخر الدين بن أبي شاكر وهي
رسم بالأمر الشريف لا زالت صدقاته الشريفة تشمل نجباء الأبنا ومبراته الجسيمة تجزل للولد البار حسن الزيادة وزيادة الحسنى وهباته الكريمة تقبل بوجه الإحسان على فرع الأصل الأسمى وترصع تاجه بجوهر فخره الأسنى وسماته الوسيمة تجمل شد أزر الوزارة الفخيمة بأكفإ نجل ثنى الزمان عنان الرياسة إليه وعليه أثنى أن يستقر فلان في كذا وكذا لأنه ربي في حجر الرياسة واجتنى من الروض المجد الذي أعلى السعد غراسه ونشأ من محل السؤدد والفخار وبزغ من بيت حقت له رفعة الأقدار وبسق غصن فرعه من أصل ثابت وسما بدوح عز في مواطن المعالي نابت وهمى ندى قلمه بانتسابه إلى سراة الكتاب فناهيك من كاتب لأبي الخلل كابت تعترف الدولة لسلفه بسالف العهود وتغترف من منهل تدبيرهم المورود وتتحلى من تاجهم بأسنى العقود وتسمو من فخر وزارتهم ووزارة فخرهم بما يملأ الوجود بالجود وتختال من تصريف أقلامهم وأقلام تصريفهم في روض التنفيذ المجود فإن ذكرت مآثر جده قصرت عن إدراكها الجدود وإن شكرت مناقب والده أجله الله ففجرها الباذخ مشهود وهو بلسان العام والهاص ممدوح محمود وإلى معاني خطه تنتهي درجات الصعود والسعود فلا غرو لهذا الفرع الناجب أن يتبع أصله وأن يسلك فضائله وفضله وأن يقفو منهجه ويحذو في الكتابة طريقته المبهجة ويأتي من البراعة بسننها القويم ويبرز من اليراعة وشي خطه الرقيم وأن يحلي أجياد المهارق بجوهر تاجه النضيد النظيم وأن تحلو ألفاظه في الإنشاء حين تمر على الأسماع مرور النسيم سيما وقد ظهرت عليه من مخايل الرئاسة دلائل وشرعت له مناهل الأدب والفضائل وحاز من حسن النشأة ما سار بشكره المثل وحصل من الاشتغال على كنز المعرفة واشتمل وغدا جديرا

بكل مرتبة سنية وكل رفعة هي بأعدائها مبنية
فليباشر ذلك مباشرة يجعلها لباب المعالي مفتتحا وللزيادة من كل خير سببا كلما أبدى الدهر مساء وضحى ولينقل في اتباع مهيع المجد عن والده وجده أبقاهما الله تعالى وليدأب للتحلي بأخلاقهما الحسنة أقوالا وأفعالا وليبهج الطروس بوشي قلمه ولينمق المكاتبات ببلاغة كلمه وليتخذ الصون شعاره والعفاف دثاره والأمانة معتمده والنزاهة مستنده وضبط القول مادته وحفظ اليد واللسان جادته والوصايا كثيرة وملاكها التقوى وهي حليته الحقيقية وعقيدته العقلية والمنطقية فليجعلها دأبه وليرض في إعلانه لها ربه والله تعالى يعلي قدره وجده ويحفظه وأباه وجده
وهذه نسخة توقيع شريف بكتابة درج تجديدا وهي
رسم لا زال يمنح الأولياء بتجديد النعم إحسانا ويولي البلغاء فضلا يعلي لهم رتبة وشانا ويبدي لهم في ديوان إنشائه الشريف فضائل جمة وبيانا أن يجدد هذا التوقيع الشريف باسم فلان تجديدا لأنوار الإحسان إليه وتأكيدا لمزايا الامتنان لديه وتسديدا لمستنده الذي ألقاه وجه الإقبال إليه لما حازه من فضيلة تامة وبلاغة ملأت ببديع المعاني ومعاني البديع ألفاظه وكلامه وكتابة أجرت في حواشي الطروس بمحقق التوقيعات أقلامه وأمانة بنت على الصدق والعفاف أقسامه ورياسة تأثل مجدها فبلغ مرامه واتصل سعدها فلا يخشى انفصامه وبعد شأوها فهي السامية إلى رفع المنازل من غير سآمة قد اتصف من البراعة بجميل الأوصاف وظهر استحقاقه فهو باد غير خاف وتروى من بحر البلاغة حيث ورد منهلها الصاف وسلك طرق الخير فتضاعف له الإسعاد والإسعاف وامتاز بمزايا التجمل في أموره

والعفاف واستحق بذلك أن نجدد له فضل الألفة ونؤكد له بكرمنا نيلا اعتاده وعرفه
فليستمر في ذلك استمرارا به أسباب الخير مؤتلفة ووجوه الفضائل عن صنوف الكتابة غير منصرفة وليبد من البلاغة بيانها البديع ويجمل منزل العلياء الرفيع ويسلك مسلكه في الأمانة ويتق الله تعالى بملازمة المراقبة والديانة والله تعالى يعلي مكانه ويزيد في اقتناء الفضائل إمكانه والاعتماد على العلامة الشريفة أعلاه إن شاء الله تعالى
قلت وربما كتب التوقيع لكاتب الدرج بزيادة معلوم فيحتاج الكاتب إلى أن يأتي بعبارة تجمع إلى ما تقدم من براعة الاستهلال ما يليها من موجب الاستحقاق وسبب الزيادة وترادف الإحسان
وهذه نسخة توقيع بشهادة الخزانة كتب به لابن عبادة وهي
أما بعد حمد الله الذي أفاض على الأولياء من خزائن فضله وأفاء لهم أوفر نصيب من إحسانه المشكور فيه عدل قسمه وقسم عدله وأهمى عليهم من سحب مواهبه ما يقصر عنه الغمام في وبله وطله وأسبغ عليهم من جوده العميم ما يصفو لديهم المرح في وارف ظله والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه ورسوله أشرف رسله وخاتم من جاء من الأنبياء من قبله والعادي ببعثته الشريفة إلى طرق الحق وسبله وعلى آله وصحبه الذين تابعوه في قوله وفعله وبايعوه على المظاهرة في نصرة الدين الحنيف وأهله وجمعوا هممهم على التئام كلمة الإيمان وجمع شمله وأرهف كل منهم في نصره ماضي عزمه ونصله فإن أولى من رعيت له حقوق ذمامه ومنح أجزل العطاء الذي تقضي الأقدار

بدوامه ولوحظ بعين الإقبال ما أسلفه من حسن الطاعة لله ولرسوله ولإمامه من جد في الخدمة فأضحى الجد له خادما وداوم على المناصحة فغدا سعده دائما وأخذ من كل فضل بزمامه ومت بما له على الدولة الشريفة من حرمته وذمامه وسلك في أداء الأمانة السنن القويم وجعل على خزائن الأرض بما تلا لسان فضله ( إني حفيظ عليم ) وتمسك من الإخلاص بأقوى الأسباب وجعلت له التقوى محلا يدخل عليه ملائكة القبول من كل باب وزين سماء المعالي بكواكب مجده فما تشوف إليها طرف متطاول إلا واتبعه شهاب
ولما كان فلان هو الذي غدا حسن مناقبه إلى شكره مرشدا وإلى ذكره بالجميل مسعدا وألهج لسان القلم في وصفه منشدا واختص من هذه المحامد بأوفرها قسما وطلع في أفق هذا الثناء الجميل نجما فلذلك رسم
ومنها استيفاء الدولة
وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه الوزير وناظر الدولة وضبط الأموال الديوانية وكتابة الحسبانات وكل ما يجري مجرى ذلك وقد جرت العادة أن يكون فيها مستوفيان
وهذه نسخة توقيع باستيفاء الدولة
أما بعد حمد الله الذي صان الأموال بالأقلام المحررة والدفاتر المسطرة والحسبانات المصدرة والجوامع المسيرة والتيقظ الذي استخرج

البواقي المنكسرة والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أزال ظلام الظلم ونوره ومحا الجور وغيره وأيد الحق وأظهره وعلى آله البررة وصحبه خصوصا العشرة المبشرة فإن للدولة الشريفة من الأقلام ضابطا ولها من الحساب نظاما أصبح عليها سياجا وحائطا يصون الأموال أن تكون بأيدي الخائنين نهبى ويحرز المطلقات بعدا وقربا وقلم الاستيفاء هو الذي إذا طاشت أقلام الكتاب كان في رأسها لجاما وإذا خصم المباشرون بالمصروف قبل السائغ الصحيح ورد ما كان سقيما وخرج ما لم يكن تماما
ولما كان فلان هو الذي في الرئاسة كبير معروف وفي السعادة حميد موصوف وفي قلمه تصحيح كل مصروف وله في الدولة آثار مرضية تشكرها الأقلام والسيوف ما نظر في حساب إلا أزال عنه ما به يعاب ولا رأى فذالك إلا وأوضح فيها المسالك ولا عرض باقي إلا استخرج ما يتعين استخراجه بقلمه الراقي وفهمه الواقي فلذلك رسم أن يستقر
فليباشر هذه الوظيفة بتحريره وتحبيره وتمييزه وتثميره وتوفيره وتكثيره وإيراده وتصديره وتسهيله وتيسيره وإزالة تعسيره وإذا أمسك دفاتره أظهر مآثره وإذا نسيت الجمل أبدى تذاكره والعمدة على شطبه في الحسبانات الحاضرة فلا يخرج من عنده شيء بغير ثبوت فإن التواقيع الشريفة والمراسيم الشريفة هي كالأمثال سائرة ولا يتخذ المعين إلا الأمين ولا يستعين إلا بمن هو مأمون اليمين والوصايا كثيرة وهو غني عن التبيين فليتق الله رب العالمين وليستجلب لنا الأدعية من الفقراء الصالحين فإن صدقاتنا الشريفة تنعم عليهم بمرتبات وأرزاق ونعم وأطلاق فليسهل عليهم الصعب في كل

باب وإطلاق والله تعالى يمده بالإرفاق بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
قلت وقد يكتب لوظيفة استيفاء الدولة مفتتحا برسم
وهذه نسخة توقيع من ذلك باستيفاء الدولة كتب به لعلم الدين بن ريشة وهي
رسم بالأمر الشريف لا برحت أيامه الشريفة ترفع لذوي الكفاءة من إحسانها علما وترجع مصالح الدولة إلى من أحسن فيها خطابا وأعمل في مهماتها قلما وتختار من دأب في تكميل أدواته حتى صار على أنظاره متقدما أن يرتب فلان علما بكفايته التي وضحت ودرايته التي فاقت مناظرها ورجحت وأمانته التي حصلت النماء وأربحت وهمته التي ميزت الأموال بإحرازها فعلى السداد ختمت وبالتحري افتتحت
فليباشر هذه الوظيفة التي تحتاج إليه باحتراز مثله والرتبة التي يتعين على مباشرها إيصال كل حق إلى أهله فقد أرجعنا ضبطها وتحريرها إليه واعتمدنا في تيسير أموالها وسد أحوالها عليه فهو جدير ببلوغ القصد فيما قررناه لديه وحررناه بقلمه ويديه
فليبسط في مصالح الديوان المعمور وأمواله قلمه وليعمل بما هو عالم من تبيين حقائق أحوال وظيفته ويخلص فيه قوله وكلمه وليصن الأموال ويتفقد ما يلزم العمال ويحث على حمول بيت المال وليسترفع الحسبانات من جهاتها على العادة وليستودع دفاترها وجرائدها من يتحقق تحرزه وسداده وليتخذ معينيه من أرباب الحذق والدراية والاطلاع على كل نقص وزيادة وإبداء وإعادة وله من نفسه ما لا يحتاج معه إلى زيادة الوصايا وتكثيرها ومن ألمعيته ما يدرك به الفصل في جليل الأمور وحقيرها فإنه قد تخلق بأخلاق أهل

الأدب وشارك في جليل الخطب وسد ما إليه عزمه انتدب والله تعالى يبلغه من الجود غاية الأرب ويعينه على صالح العمل وانتهاز القرب والاعتماد الخ
ومنها استيفاء الخاص وصاحبها في الخاص كمستوفي الدولة في ديوان الوزارة
وهذه نسخة توقيع باستيفاء الخاص لمن لقبه أمين الدين وهي
رسم بالأمر الشريف لا زالت أيامه الشريفة تقدم بمهماتها أمينا وتقدم في خدمتها من أضحى معلى شمالا ويمينا وتولي الرتب السنية من جعل التحرز لقلمه مصاحبا ولكلمه معينا أن يستقر فلان في كذا لما عرف من رئاسته التي ميزته وأمانته التي جمعت الرفع فأحرزته وضبطه الذي ترقى به في المراتب وتنقل وإدراكه الذي يصون به غوامض المصالح ويعقل ولما سلف له من خدمة ملك فيها السداد ومباشرة علم بها ما هو متصف به من حسن الاعتماد
فليباشر هذه الوظيفة التي وليها وليشهر من همته فيها ما يرفع مكانته ويعليها وليدم المراقبة لمصالح ديوان الخاص الشريف في كل قول وعمل وليسارع إلى ما يفيد المناجح ويبلغ من الضبط والتحرز غاية الأمل وليصن الأموال من ضياعها ويحافظ على سلوك طرائق الحق واتباعها وليسترفع الحسبانات من أربابها ويتفقد محرراتها التي هو أعلم وأدرى بها ويتخذ من معينيه من أضحت معرفته للدقائق جامعة ويحتفل بمتحصلات أموال الخاص بعزمته التي أضحت لمكانته رافعة لا سيما ثغر الإسكندرية التي قد أصبحت جهاتها لطلب أقلامه متابعة طائعة وليلزم كل عامل بتحرير ما يجب عليه وما

تنبغي فيه المراجعة فإنا قد أقمناه لذلك مستوفيا وليتصفح أموره الجليلة والحقيرة مستوضحا مستقصيا وليتق الله الذي يبلغه من زيادة منحنا الأمل ويعينه على صالح العمل والله تعالى يمنحه من الخير ما ينجح مسعاه وينزهه عن الزيغ والزلل والاعتماد الخ
وهذه نسخة توقيع في المعنى لمن لقبه بدر الدين وهي
رسم بالأمر الشريف لا زال يطلع لذوي الكفاية من إحسانه في سماء الإقبال بدرا ويرفع لمن أم الأبواب من أوليائه ذوي الرئاسة قدرا ويشفع لمن شكرت معرفته بنجح القصد فانشرح له بالمنن الجمة صدرا أن يستقر فلان في كذا لكفايته التي خطب بسببها إلى مقره ودرايته التي استوجب بها أن نطق لسان القلم بذكره ونزاهته التي أجمعت بها أمثاله على شكره وأمانته التي تستدعي الحق في حلو الأمر ومره وديانته التي هي أصل في كل أمره وصيانته التي يعتمدها في سره وجهره ومشارفته المصالح بعين يقظته التي يلوح لها وجه الصواب فيقف عند حده وقدره
فليباشر هذه الوظيفة التي أسلفها حسن الاعتماد وليوفها من معهود يقظته يمن الاجتهاد وليحقق حسن ظن المباشرين ورغبتهم فيه من الإنصاف في الإرفاق والإرفاد وليعمر جهات الأموال بجميل الاقتصاد وينجز الأحوال على سبيل السداد وليتبع منهاج الخير في كل ما يأتيه من إصدار وإيراد فقد رجع ضبط هذه الجهة إليه واعتمد في تحريرها عليه فليصن الأموال ويتفقد ما تحسن به العقبى والمآل وليتحر في جميع ما هو لازم له أن يكون على الحق الواضح والسنن القويم فإنه المتجر الرابح والمآب الناجح وتقوى الله تعالى

فهي عمدة كل عبد صالح والوصايا كثيرة مبينة تغني عن إفصاح الشارح والله تعالى يلهمه الطريق السديدة ويرشده ويعينه بالتوفيق وينجده إن شاء الله تعالى
ومنها استيفاء البيوت والحاشية
وهذه نسخة توقيع بذلك كتب بها لعلم الدين شاكر عوضا عن تاج الدين بن الغزولي في الأيام الأشرفية شعبان بن حسين وهي
رسم بالأمر الشريف لا زالت صدقاته الشريفة تمنح الأكفاء من إحسانها نعما وتضاعف لهم من عطائها كرما وأيامه الشريفة تعم البيوت الكريمة بكاف قد نشرت له الأمانة في دولته الأشرفية علما ومواهبه تقدم للوظائف من أضحى شاكرا لله تعالى وتبسط له في دواوين أعز الأنصار قلما أن يستقر المجلس السامي القاضي فلان الدين في كذا وكذا لأمانته الموفورة ومعرفته المشهورة ومحاسنه المذكورة وسيرته المشكورة وكتابته التي أضحت في صفحات الحسبانات مسطورة وديانته التي جددت بهجته وسروره وخبرته بمنازل البيوت المعمورة وقدم هجرته في الوظائف التي أوجبت نقلته إلى أجلها وصدارته التي رفعته إلى أرفع محلها كم له في دواوين أعز الأنصار من أقلام منفذة وآراء مسددة ونظر أصلح به كل فاسد وكبت به كل حاسد وضبط لأصول الأموال وتتبع للمصالح في البكر والآصال
فليباشر هذه الوظيفة المباركة التي هو أخبر بمباشرتها وأعلم بأحوال البيوت الكريمة وعمارتها وليظهر في الحاشية السعيدة مآثره الحسنة ونزاهته التي نطقت بشكرها الألسنة وليبد في مباشرته من كل شيء أحسنه وليسلك طرائق الأمانة وليقف آثار ذوي العفاف والصيانة وليلازم مباشرة أعز ولي في

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39