كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي

الإنسان بالناسوت ويطلقون العلم على الكلمة التي ألقيت إلى مريم عليها السلام فحملت منها بالمسيح عليه السلام ويخصونه بالإتحاد دون غيره من الأقانيم
وآجتمع منهم ثلثمائة وثمانية عشر وقيل وسبعة عشر أسقفا من أساقفتهم بمدينة نيقية من بلاد الروم بحضرة قسطنطين ملك الروم عند ظهور أريوش الأسقف وقوله إن المسيح مخلوق وإن القديم هو الله تعالى وألفوا عقيدة آستخرجوها من أناجيلهم لقبوها بالأمانة من خرج عنها خرج عن دين النصرانية ونصها على ما ذكره الشهرستاني في النحل والملل وآبن العميد مؤرخ النصارى في تاريخه ما صورته
نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد أيشوع المسيح آبن الله بكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بروح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام فيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء ونؤمن بروح القدس الواحد الحي الذي يخرج من أبيه

وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية وبقيام أبداننا وبالحياة الدائمة أبد الآبدين
ووضعوا معها قوانين لشرائعهم سموها الهيمانوت ثم آجتمع منهم جمع بقسطنطينية عند دعوى مقدونيوس المعروف بعدو روح القدس وقوله إن روح القدس مخلوق وزادوا في الأمانة المتقدمة الذكر ما نصه ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من الأب ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلام الأمانة أو ينقص منها
وآفترق النصارى بعد ذلك إلى فرق كثيرة المشهور منها ثلاث فرق

الفرقة الأولى الملكانية
قال الشهرستاني وهم أتباع ملكان الذي ظهر ببلاد الروم ومقتضى ذلك أنهم منسوبون إلى ملكان صاحب مذهبهم ورأيت في بعض المصنفات أنهم منسوبون إلى مركان قيصر أحد قياصرة الروم من حيث إنه كان يقوم بنصرة مذهبهم فقيل لهم مركانية ثم عرب ملكانية ومعتقدهم أن جزءا من اللاهوت حل في الناسوت ذاهبين إلى أن الكلمة وهي أقنوم العلم عندهم أتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته ومازجته ممازجة الخمر اللبن أو الماء اللبن لا يسمون العلم قبل تدرعه آبنا بل المسيح وما تدرع به هو الابن ويقولون إن الجوهر غير الأقانيم كما في الموصوف والصفة مصرحين بالتثليث

قائلين بأن كلا من الأب والابن وروح القدس إله وإليهم وقعت الإشارة بقوله تعالى ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) وهم يقولون إن المسيح قديم أزلي من قديم أزلي وإن مريم ولدت إلها أزليا فيطلقون الأبوة والبنوة على الله تعالى وعلى المسيح حقيقة متمسكين بظاهر ما يزعمون أنه وقع في الإنجيل من ذكر الأب والابن ( تكادالسموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )
ثم هم يقولون إن المسيح ناسوت كلي لا جزئي وإن القتل والصلب وقعا على الناسوت واللاهوت معا كما نقله الشهرستاني في النحل والملل وإن كان الشيخ شمس الدين بن الأكفاني في كتابة إرشاد القاصد قد وهم فنقل عنهم القول بأن الصلب وقع على الناسوت دون اللاهوت
ومن معتقدهم أيضا أن المعاد والحشر يكون بالأبدان والأرواح جميعا كما تضمنته الأمانة المتقدمة وأن في الآخرة التلذذات الجسمانية بالأكل والشرب والنكاح وغير ذلك كما يقوله المسلمون
ومن فروعهم أنهم لا يختتنون وربما أكل بعضهم الميتة وممن تمذهب بمذهب الملكانية الروم والفرنجة ومن والاهم
والملكانية يدينون بطاعة الباب وهو بطرك رومية المقدم ذكره قال في الروض المعطار من قاعدة الباب أنه إذا آجتمع به ملك من ملوك النصارى ينبطح على بطنه بين يديه ولا يزال يقبل رجليه حتى يكون هو الذي يأمره بالقيام

الفرقة الثانية اليعقوبية
وهم أتباع ديسقرس بطرك الإسكندرية في القديم وهو الثامن من بطاركتها من حين بطركية مرقس الإنجيلي نائب بطرس الحواري بها قال آبن العميد في تاريخه وسمي أهل مذهبه يعقوبية لأن آسمه كان في الغلمانية يعقوب وقيل بل كان له تلميذ آسمه يعقوب فنسبوا إليه وقيل بل كان شاويرش بطرك أنطاكية على رأي ديسقرس وكان له غلام اسمه يعقوب فكان يبعثه إلى أصحابه أن اثبتوا على أمانة ديسقرس فنسبوا إليه وقيل بل نسبوا إلى يعقوب البردغاني تلميذ سويرس بطرك أنطاكية وكان راهبا بالقسطنطينية فكان يطوف في البلاد ويدعو إلى مذهب ديسقرس قال آبن العميد وليس ذلك فإن اليعافبة ينسبون إلى ديسقرس قبل ذلك بكثير ومعتقدهم أن الكلمة آنقلبت لحما ودما فصار الإله هو المسيح
ثم منهم من قال إن المسيح هو الله تعالى قال المؤيد صاحب حماة ويقولون مع ذلك إنه قتل وصلب ومات وبقي العالم ثلاثة أيام بلا مدبر ومنهم من يقول ظهر اللاهوت بالناسوت فصار ناسوت المسيح مظهر الحق لا على طريق حلول جزء فيه ولا على سبيل آتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة بل صار هو هو كما يقال ظهر الملك بصورة إنسان وظهر الشيطان بصورة حيوان وكما أخبر التنزيل عن جبريل عليه السلام بقوله تعالى ( فتمثل لها بشرا سويا )
وأكثرهم يقول إن المسيح جوهر واحد إلا أنه من جوهرين وربما قالوا طبيعة واحد من طبيعتين فجوهر الإله القديم وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركب النفس والبدن فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا وهو إنسان كله وإله كله

فيقال الإنسان صار إلها ولا ينعكس فلا يقال الإله صار إنسانا كالفحمة تطرح في النار فيقال صارت الفحمة نارا ولا يقال صارت النار فحمة وهي في الحقيقة لا نار مطلقة ولا فحمة مطلقة بل هي جمرة
ويقولون إن الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي وربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج والادراع والحلول كحلول صورة الإنسان في المرآة
ومنهم من يقول إن الكلمة لم تأخذ من مريم شيئا لكنها مرت بها كمرور الماء بالميزاب وإن ما ظهر من شخص المسيح عليه السلام في الأعين هو كالخيال والصورة في المرآة وإن القتل والصلب إنما وقعا على الخيال
وزعم آخرون منهم أن الكلمة كانت تداخل جسد المسيح أحيانا فتصدر عنه الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وتفارقه في بعض الأوقات فترد عليه الآلام والأوجاع ثم هم يقولون إن المعاد إنما هو روحاني فيه لذة وراحة وسرور ولا أكل ولا شرب ولا نكاح
ومن فروعهم أنهم يختتنون ولا يأكلون الحيوان إلا بعد التذكية وقد حكى ابن العميد مؤرخ النصارى أن ديسقرس صاحب مذهب اليعقوبية حين ذهب إلى ما ذهب من مذهبه المقدم ذكره رفع أمره إلى مركان قيصر ملك الروم يومئذ فطلبه إلى مدينة خلقدونية من بلاد الروم وجمع له ستمائة وأربعة وثلاثين أسقفا وناظروه بحضرة الملك فسقط في المناظرة فكلمته زوجة الملك فأساء الرد فلطمته بيدها وتناوله الحاضرون بالضرب وأمر بإخراجه فسار إلى القدس فأقام به وأتبعه أهل القدس وفلسطين ومصر والإسكندرية وقد اتبعه على ذلك أيضا النوبة والحبشة وهم على ذلك إلى الآن

الفرقة الثالثة النسطورية
ومقتضى كلام ابن العميد أنهم أتباع نسطوريوس بطرك القسطنطينية ويحكى عنه ان من مذهبه أن مريم عليها السلام لم تلد إلها وإنما ولدت إنسانا وإنما اتحد في المشيئة لا في الذات وأنه ليس إلها حقيقة بل الموهبة والكرامة ويقولون بجوهرين وأقنومين وإن كرلس بطرك الإسكندرية وبطرك رومية خالفاه في ذلك فجمعا له مائتي أسقف بمدينة أفسس وأبطلوا مقالة نسطوريوس وصرحوا بكفره فنفي إلى إخميم من صعيد مصر ومات بها فظهر مذهبه في نصارى المشرق من الجزيرة الفراتية والموصل والعراق وفارس
والذي ذكره الشهرستاني في النحل والملل أنهم منسوبون إلى نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه وقال إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة الوجود والعلم والحياة وإن هذه الأقانيم ليست بزائدة على الذات ولا هي هي وإن الكلمة اتحدت بجسد المسيح عليه السلام لا على طريق الامتزاج كما ذهبت إليه الملكانية ولا على طريق الظهور كما قالته اليعقوبية ولكن كإشراق الشمس في كوة أو كظهور النقش في الخاتم قال الشهرستاني ويعني بقوله إنه واحد بالجوهر أنه ليس مركبا من جنس بل هو بسيط واحد ويعني بالحياة والعلم أقنومين جوهرين أي أصلين مبدأين للعالم قال ومنهم من يثبت لله تعالى صفات زائدة على الوجود والحياة والعلم كالقدرة والإرادة ونحوهما ومنهم من يطلق القول بأن كل واحد من الأقانيم الثلاثة حي ناطق إله ومنهم من يقول إن الإله واحد وإن المسيح ابتدأ من مريم عليها السلام

وإنه عبد صالح مخلوق خلقه الله تعالى وسماه ابنا على التبني لا على الولادة والاتحاد ثم هم يخالفون في القتل والصلب مذهب الملكانية واليعقوبية جميعا فيقولون القتل والصلب وقعا على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته لأن الإله لا تحله الآلام قال صاحب حماة وهم عند النصارى كالمعتزلة عندنا
وليعلم أن للنصارى أشياء يعظمونها وأشياء يستعظمون الوقوع فيها
فأما التي يعظمونها فإنهم يعظمون المسيح عليه السلام حتى انتهوا فيه إلى ما انتهوا من دعوى الإلوهية والبنوة لله سبحانه تعالى الله عما يشركون واسمه عندهم أيشوع فعرب عيسى وإنما سمي المسيح لكونه ممسوح القدمين لا أخمص له
ويعظمون مريم عليها السلام لولادتها المسيح عليه السلام ويعبرون عنها بالسيدة وبالبتول وبالعذراء
ويعظمون مريحنا المعمدان وهم عندهم يحيى بن زكريا عليه السلام ومعنى مر السيد ويحنا يعني يحيى ويسمونه المعمدان لأنهم يزعمون أن مريم عليها السلام حين عودها من مصر إلى الشأم ومعها السيد المسيح تلقاه يحيى عليه السلام فعمده في نهر الأردن من بلاد فلسطين يعني غمسه فيه ويجعلون ذلك أصلا للمعمودية وهو الماء الذي يغمسون فيه عند تنصرهم ويقولون أنه لا يصح تنصر نصراني دون تعمد ولماء المعمودية بذلك عندهم من التعظيم ما

لا فوقه وبعضهم يقول إن المراد بمر يحنا المعمدان غير يحيى بن زكريا عليهما السلام
ويعظمون الحواريين وهم أصحاب المسيح عليه السلام وقد تقدم أن عدتهم اثنا عشر حواريا ومعنى الحواري الخاص ومنه قيل للدقيق الناصع البياض دقيق حواري سموا بذلك لأن المسيح عليه السلام استخلصهم لنفسه
ويعظمون البطاركة لأنهم خلفاء الدين عندهم ويرون لهم من الحرمة ما لدين النصرانية عندهم من الحرمة بل يجعلون أمر التحليل والتحريم منوطا بهم حتى لو حرم البطرك على أحدهم زوجته لم يقربها حتى يحلها له وسيأتي ما لبطرك اليعقوبية عند صاحب الحبشة من الحرمة عند ذكر المكاتبة إليه فيما بعد إن شاء الله تعالى وكذلك يعظمون أرباب الوظائف الدينية عندهم من البطريق والأسقف والمطران والقسيس والشماس والراهب وقد تقدم تفسيرهم فيما مر
ويعظمون يوسف النجار وهو قريب لمريم عليها السلام يقال إنه ابن عمها كان معها في خدمة بيت المقدس وهو الذي استوهب المسيح بعد الصلب بزعمهم حتى دفنه واليهود يرمون مريم عليها السلام معه بالفجور على ما تقدم
ويعظمون مريم المجدلانية المقدم ذكرها ويزعمون أنها . . . . . أخرج منها سبعة شياطين وأنها أول من رأى المسيح حين قام من قبره
ومن عادتهم أنه إذا مات منهم أحد ممن يعتقدون صلاحه صوروا صورته في حيطان كنائسهم ودياراتهم يتبركون بها
ويعظمون قسطنطين بن قسطنطين ملك الروم وذلك أنه أول من أخذ بدين

النصرانية من الملوك وحمل على الأخذ به وقد اختلف في سبب ذلك فقيل إنه كان يحارب أمه البرجان بجواره وقد أعجزه أمرهم فرأى في المنام كأن ملائكة نزلت من السماء ومعها أعلام عليها صلبان فعمل أعلاما على مثالها وحاربهم بها فظهر عليهم وقيل بل رأى صورة صليب في السماء وقيل بل حملته أمه هيلاني على ذلك
ويعظمون هيلاني أم قسطنطين المقدم ذكره ويقولون إنها رحلت من قسطنطينية إلى القدس وأتت إلى محل الصلب بزعمهم فوقفت وبكت ثم سألت عن خشبة الصلب فأخبرت أن اليهود دفنوها وجعلوا فوقها القمامات والنجاسات فاستعظمت ذلك واستخرجتها وغسلتها وطيبتها وغشتها بالذهب وألبستها الحرير وحملتها معها إلى القسطنطينية للتبرك وبنت مكانها كنيسة وهي المسماة الآن بالقمامة أخذا من اسم القمامة التي كانت موضوعة هناك
ويعظمون من الأمكنة بيت لحم حيث مولد المسيح عليه السلام وكنيسة قمامة حيث قبره وموضع خشبة الصلب التي استخرجتها هيلاني أم قسطنطين بزعمهم
وكذلك يعظمون سائر الكنائس وهي أمكنة عباداتهم كالمساجد للمسلمين وأصلها في اللغة مأخوذ من قولهم كناس الظبي وهو المكان الذي يستتر فيه سميت بذلك لاستتارهم فيها حال عبادتهم عن أعين الناس وكذلك يعظمون الديارات وهي أمكنة التخلي والاعتزال كالزوايا للمسلمين
ويعظمون المذبح وهو مكان يكون في الكنيسة يقربون عنده القرابين ويذبحون الذبائح ويعتقدون أن كل ما ذبح عليه من القربان صار لحمه ودمه هو لحم المسيح ودمه حقيقة
ويعظمون من الأزمنة أعيادهم الآتي ذكرها عند ذكر أعياد الأمم كعيد

الغطاس من أعيادهم الكبار وموقعه في الحادي عشر من طوبه من شهور القبط وعيد السيدة من أعيادهم الصغار وموقعه في الحادي والعشرين من بؤونه منها وعيد الصليب وموقعه عندهم في السابع عشر من توت إلى غير ذلك من الأعياد الآتي ذكرها مع أعياد الأمم في الكلام على الأزمنة من هذه المقالة إن شاء الله تعالى
واما الأشياء التي يتعبدون بها فإنهم يصلون سبع صلوات في اليوم والليلة وهي الفجر والضحى والظهر والعصر والمغرب والعشاءونصف الليل ويقرأون في صلاتهم بمزامير داود عليه السلام كما تفعل اليهود والسجود في صلاتهم غير محدود العدد بل قد يسجدون في الركعة الواحدة حمسين سجدة وهم يتوضأون للصلاة ولا يغتسلون من الجنابة وينكرون الطهر للصلاة على المسلمين وعلى اليهود ويقولون الأصل طهارة القلب وإذا أرادوا الصلاة ضربوا بالناقوس وهو خشبة مستطيلة نحو الذراع يضرب عليها بخشبة لطيفة فيجتمعون وهم يستقبلون في صلاتهم المشرق وكذلك يوجهون إليه موتاهم قال الزمخشري ولعل ذهابهم إلى ذلك لأخذ مريم عليها السلام عنهم مكانا شرقيا كما أخبر تعالى بقوله ( إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا )
ولهم صيامات في اوقات متفرقة
منها صومهم الكبير وهو ستون يوما أولها يوم الإثنين وموقع أوله في

شباط أو أذار من شهور السريان بحسب ما يقتضيه حسابهم يفطرون من خلالها يوم الأحد تبقى مدة صيامهم منها تسعة وأربعون يوما
ومنها صومهم الصغير وهو ستة وأربعون يوما يصومونها بعد الفصح الكبير بخمسين يوما أولها يوم الإثنين أيضا وعندهم فيه خلاف
ومنها صوم العذارى وهو ثلاثة أيام أولها يوم الاثنين الكائن بعد كانون الثاني في صيامات أخرى يطول ذكرها ولكثرة صيامهم قيل إذا حدثت أن نصرانيا مات من الجوع فصدق
وأما ما يحرمونه فإنهم يقولون بتحريم لحم الجمل ولبنه كما يقوله اليهود ويقولون بحل لحم الخنزير خلافا لليهود وهو مما ينكره اليهود عليهم من مخالفة أحكام التوراة
ويحرمون صوم يوم الفصح الأكبر وهو يوم فطرهم من صومهم الأكبر
ويحرمون على الرجل أن يتزوج امرأتين في قرن واحد
ويحرمون طلاق الزوجة بل إذا تزوج أحدهم امرأة لايكون له منها فراق إلا بالموت
وأما الأشياء التي يستعظمون الوقوع فيها
فمنها جحود كون المسيح هو المبشر به على لسان موسى عليه السلام
ومنها إنكار قتل المسيح عليه السلام وصلبه فإنهم يعتقدون أن ذلك كان سببا لخلاص اللاهوت من الناسوت فمن أنكر عندهم وقوع القتل والصلب على المسيح خرج عن دين النصرانية بل إنكار رؤيته مصلوبا عندهم ارتكاب محظور على أنهم ينكرون على اليهود ارتكابهم ذلك ويستعظمون مشاركتهم في ذلك فيالها من عقول أضلها بارئها

ومنها كسر صليب الصلبوت وهو الخشبة التي يزعمون أن المسيح عليه السلام صلب عليها وقد تقدم أن هيلاني أم قسطنطين استخرجتها من القمامة وغسلتها وطيبتها وغشتها بالذهب وألبستها الحرير وحملتها معها للتبرك
ومنها الرجوع عن متابعة الحواريين الذين هم أصحاب المسيح عليه السلام
ومنها الخروج عن دين النصرانية أو التبري منه والقول بدين التوحيد أو دين اليهودية
ومنها الوقوع في حق قسطنطين وأمه هيلاني لقيامهما في إقامة دين النصرانية أولا على ما تقدم ذكره وكذلك الإستهانة بالبطاركة أو أحد من أرباب الديانات عندهم كالأساقفة ونحوهم ممن تقدم ذكره
ومنها القعود عن أهل الشعانين وهم أهل التسبيح اللذين كانوا حول المسيح عليه السلام حين ركب الحمار بالقدس ودخل صهيون يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهم حوله يسبحون الله تعالى ويقدسونه
ومنها صوم يوم الفصح الأكبر وصرف الوجه في الصلاة عن الشرق واستقبال صخرة بيت المقدس موافقة لليهود
ومنها هدم كنيسة قمامة لكونها عندهم في محل القبر بزعمهم وكذلك غيرها من الكنائس والديرة
ومنها تكذيب أحد من نقله الإنجيل الأربعة الذين كتبوه كمتى وغيره أو تكذيب أحد من القسوس وهم الذين يقرأون الإنجيل والمزامير وتكذيب مريم المجدلانية فيما أخبرت به عن المسيح من قيامه من قبره الذي كان دفن فيه بزعمهم فإنهم يزعمون أنها أول من رآه عند قيامه
ومنها القول بنجاسة ماء المعمودية وهو الماء ينغمسون فيه عند تنصرهم

ومنها عدم اعتقاد أن القربان الذي يذبح في المذبح لا يصير لحمه ودمه هو لحم المسيح ودمه ولعمري إن هذه لعقول ذاهبة
ومنها استباحة دماء أهل الديارات والمشاركة في قتل الشمامسة الذين هم خدام الكنائس
ومنها خيانة المسيح في وديعته وذلك أنهم يزعمون أن كل ما خالفت فيه فرقة من الفرق الثلاث الفرقة الأخرى كقول الملكانية بأن المعاد جسماني وقول اليعقوبية إن المعاد روحاني فإن الفرقة الأخرى يستعظمون الوقوع فيما ذهب إليه مخالفها وكذلك كل ما جرى هذا المجرى
وقد رتب الكتاب أيمان النصارى على هذه المعتقدات قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة وقد يذهب على كثير من الكتاب ما يستحلف به اليهود والنصارى عند الحاجة إلى ذلك منهم فيستحلفون بأيمان الإسلام وهم مستحلون للحرام ومجترئون على الآثام ويتأثمون من أيمانهم والاستقسام بأديانهم ثم أشار إلى أن أول ما رتبت الأيمان التي يحلف بها النصارى على هذه الطريقة في زمن الفضل بن الربيع فحكى عن بعض كتاب العراق أنه قال أراد الفضل بن الربيع يعني وزير الرشيد أن يستحلف كاتبه عونا النصراني فلم يدر كيف يستحلفه فقلت ولني استحلافه قال دونك فقلت له احلف بالهك الذي لا تعبد غيره ولا تدين إلا له وإلا فخلعت النصرانية وبرئت من المعمودية وطرحت على المذبح خرقة حيضة يهودية وقلت في المسيح ما يقوله المسلمون ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) وإلا فلعنك البطريك الأكبر والمطارنة والشمامسة والقمامسة والديرانيون وأصحاب الصوامع عند مجتمع الخنازير وتقريب القربان وبما استغاثت به النصارى ليسوع وإلا فعليك جرم ثلثمائة وثمانية عشر أسقفا الذين

خرجوا من نيقية حتى أقاموا عمود النصرانية وإلا فشققت الناقوس وطبخت به لحم جمل وأكلته يوم الاثنين مدخل الصوم واتحمت من كل بركة يوما ورميت الشاهد بعشرين حجرا جاحدا بها وهدمت كنيسة لد وبنيت بها كنيسة اليهود وخرقت غفارة مريم وكهنونة داود وأنت حنيف مسلم وهذه اليمين لازمة لك ولعقبك من بعدك قال فقال عون أنا لا أستحل أن أسمع هذه فكيف أقولها وخرج من جميع ما طالبه الفضل فأمر به الفضل فكتبت نسخا وفرقت على الكتاب وأمرهم بحفظها وتحليف النصارى بها
قلت وقد اكثر الناس من ترتيب نسخ الأيمان لتحليف النصارى فمن مطنب ومن موجز على اختلاف مقاصدهم فيما يقع به التحليف ويوافق آراءهم فيه وقد رتب المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف لهم أيمانا على مقتضى آراء فرقهم الثلاث المتقدمة الذكر من الملكانية واليعقوبية والنساطرة
فأما الملكانية فقال إن يمينهم والله والله والله العظيم وحق المسيح عيسى ابن مريم وأمه السيدة مريم وما أعتقده من دين النصرانية والملة المسيحية وإلا أبرأ من المعمودية وأقول إن ماءها نجس وإن القرابين رجس وبرئت من مريحنا المعمدان والاناجيل الأربعة وقلت إن متى كذوب وإن مريم المجدلانية باطلة الدعوى في إخبارها عن السيد اليسوع المسيح وقلت في السيدة مريم قول اليهود ودنت بدينهم في الجحود وأنكرت اتحاد اللاهوت بالناسوت وبرئت من الأب والابن وروح القدس وكذبت القسوس وشاركت في ذبح الشمامس وهدمت الديارات والكنائس وكنت ممن مال على قسطنطين ابن هيلاني وتعمد أمه بالعظائم وخالفت المجامع التي أجمعت الأساقفة برومية والقسطنطينية ووافقت البرذعاني بأنطاكية وجحدت مذهب الملكانية وسفهت

رأي الرهبان وأنكرت وقوع الصلب علىالسيد اليسوع وكنت مع اليهود حين صلبوه وحدث عن الحواريين واستبحت دماء الديرانيين وجذبت رداء الكبرياء عن البطريرك وخرجت عن طاعة الباب وصمت يوم الفصح الأكبر وقعدت عن أهل الشعانين وأبيت عيد الصليب والغطاس ولم أحفل بعيد السيدة وأكلت لحم الجمل ودنت بدين اليهود وأبحت حرمة الطلاق وخنت المسيح في وديعته وتزوجت في قرن بامرأتين وهدمت بيدي كنيسة قمامة وكسرت صليب الصلبوت وقلت في البنوة مقال نسطورس ووجهت إلى الصخرة وجهي وصديت عن الشرق المنير حيث كان المظهر الكريم وإلا برئت من النورانيين والشعشعانيين ودنت غير دين النصارى وأنكرت أن السيد اليسوع أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص وقلت بأنه مربوب وأنه ما رؤي وهو مصلوب وأنكرت أن القربان المقدس علىالمذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة وخرجت في النصرانية عن لاحب الطريقة وإلا قلت بدين التوحيدوتعبدت غير الأرباب وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص وقلت إن المعاد غير روحاني وإن بني المعمودية لا تسيح في فسيح السماء وأثبت وجود الحور العين في المعاد وأن في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية وخرجت خروج الشعرة من العجين من دين النصرانية وأكون من ديني محروما وقلت إن جرجس لم يقتل مظلوما
وأما اليعاقبة فقال إنه يبدل قوله اتحاد اللاهوت بالناسوت بقوله مماسة اللاهوت للناسوت ويبطل قوله ووافقت البرذعاني بأنطاكية وجحدت مذهب الملكانية ويبدل بقوله وكذبت يعقوب البرذعاني وقلت إنه غير نصراني وجحدت اليعقوبية وقلت إن الحق مع الملكانية ويبطل قوله وخرجت عن طاعة الباب ويبدل بقوله وقاتلت بيدي عمدشيون وخربت كنيسة قمامة وكنت أول مفتون

وإن كان من النساطرة أبدل القولين وأبقى ما سواهما وقال عوض مماسة اللاهوت للناسوت إشراق اللاهوت على الناسوت ويزاد بعد ما يحذف وقلت بالبراءة من نسطورس وما تضمنه الإنجيل المقدس
وهذه نسخة يمين حلف عليها ملك النوبة للسلطان الملك المنصور قلاوون عند استقراره نائبا عنه في بلاد النوبة وهي
والله والله والله وحق الثالوث المقدس والإنجيل الطاهر والسيدة الطاهرة العذراء أم النور والمعمودية والأنبياء والرسل والحواريين والقديسين والشهداء الأبرار وإلا أجحد المسيح كما جحده بودس وأقول فيه ما يقول اليهود وأعتقد ما يعتقدونه وإلا أكون بودس الذي طعن المسيح بالحربة إنني أخلصت نيتي وطويتي من وقتي هذا وساعتي هذه للسلطان الملك فلان وإني أبذل جهدي وطاقتي في تحصيل مرضاته وإنني ما دمت نائبه لا أقطع المقرر علي في كل سنة تمضي وهو ما يفضل من مشاطرة البلاد على ما كان يتحصل لمن تقدم من ملوك النوبة وأن يكون النصف من المتحصل للسلطان مخلصا من كل حق والنصف الآخر مرصدا لعمارة البلاد وحفظها من عدو يطرقها وأن يكون علي في كل سنة كذا وكذا وإنني أقرر على كل نفر من الرعية الذين تحت يدي في البلاد من العقلاء البالغين دينارا عينا وإنني لا أترك شيئا من السلاح ولا أخفيه ولا أمكن أحدا من إخفائه ومتى خرجت عن جميع ما قررته أو عن شيء من هذا المذكور أعلاه كله كنت بريئا من الله تعالى ومن المسيح ومن السيدة الطاهرة وأخسر دين النصرانية وأصلي إلى غير الشرق وأكسر الصليب وأعتقد ما يعتقده اليهود وإنني مهما سمعت من الأخبار الضارة والنافعة طالعت به السلطان في وقته وساعته ولا أنفرد بشيء من الأشياء إذا لم يكن مصلحة وإنني ولي من والى السلطان وعدو من عاداه والله على ما نقول وكيل
قلت وسيأتي ذكر أيمان الفرنج على الهدنة عند ذكر ما أهمله في التعريف من نسخ الأيمان في آخر الباب إن شاء الله تعالى

الملة الثالثة المجوسية وهي الملة التي كان عليها الفرس ومن دان بدينهم
وهم ثلاث فرق
الفرقة الأولى الكيومرتية نسبة إلى كيومرت ويقال جيومرت بالجيم بدل كاف وهو مبدأ النسل عندهم كآدم عليه السلام عند غيرهم وربما قيل إن كيومرت هو آدم عليه السلام وهؤلاء أثبتوا إلها قديما وسموه يزدان ومعناه النور يعنون به الله تعالى وإلها مخلوقا سموه أهرمن ومعناه الظلمة يعنون به إبليس ويزعمون أن سبب وجود أهرمن أن يزدان فكر في نفسه أنه لو كان له منازع كيف يكون فحدث من هذه الفكرة الردية أهرمن مطبوعا على الشر والفتنة والفساد والضرر والإضرار فخرج على يزدان وخالف طبيعته فجرت بينهما محاربة كان آخر الأمر فيها على أن اصطلاحا ان يكون العالم السفلي لأهرمن من سبعة آلاف سنة ثم يخلي العالم ويسلمه ليزدان ثم إنه أباد الذين كانوا في الدنيا قبل الصلح وأهلكهم وبدا برجل يقال له كيومرت وحيوان يقال له الثور فكان من كيومرت البشر ومن الثور البقر وسائر الحيوان
وقاعدة مذهبهم تعظيم النور والتحرز من الظلمة ومن هنا انجروا إلى النار فعبدوها لما اشتملت عليه من النور ولما كان الثور هو أصل الحيوان عندهم المصادف لوجود كيومرت عظموا البقر حتى تعبدوا بأبوالها
الفرقة الثانية الثنوية وهم على رأي الكيومرتية في تفضيل النور والتحرز من الظلمة إلا أنهم يقولون إن الاثنين اللذين هما النور والظلمة قديمان
الفرقة الثالثة الزرادشتية الدائنون بدين المجوسية وهم أتباع زرادشت الذي ظهر في زمن كيستاسف السابع من ملوك

الكيانية وهم الطبقة الثانية من ملوك الفرس وادعى النبوة وقال بوحدانية الله تعالى وأنه واحد لا شريك له ولا ضد ولا ند وأنه خالق النور والظلمة ومبدعهما وأن الخير والشر والصلاح والفساد إنما حصل من امتزاجهما وأن الله تعالى هو الذي مزجهما لحكمة رآها في التركيب وأنهما لو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم وأنه لا يزال الامتزاج حتى يغلب النور الظلمة ثم يخلص الخير في عالمه وينحط الشر إلى عالمه وحينئذ تكون القيامة وقال باستقبال المشرق حيث مطلع الأنوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الخبائث واتى بكتاب قيل صنفه وقيل أنزل عليه قال الشهرستاني اسمه زندوستا وقال المسعودي في التنبيه والإشراف واسم هذا الكتاب الإيستا وإذا عرب أثبتت فيه قاف فقيل الأيستاق وعدد سوره إحدى وعشرون سورة تقع كل سورة في مائتي ورقة وعدد حروفه ستون حرفا لكل حرف سورة مفردة فيها حروف تتكرر وفيها حروف تسقط قال وزرادشت هو الذي أحدث هذا الخط والمجوس تسميه دين تبره أي كتاب الدين
وذكر أنه كتب باللغة الفارسية الأولى في اثني عشر الف جلد ثور بقضبان الذهب حفرا وأن أحدا اليوم لا يعرف معنى تلك اللغة وإنما نقل لهم إلى هذه الفارسية شيء من السور في أيديهم يقرؤونها في صلواتهم في بعضها الخبر عن مبتدأ العالم ومنتهاه وفي بعضها مواعظ قال وعمل زرادشت لكتاب الإيستا شرحا سماه الزند ومعناه عندهم ترجمة كلام الرب ثم عمل لكتاب الزند شرحا سماه بادزنده وعملت علماؤهم لذلك الشرح شرحا سموه يازده
ومن حيث اختلاف الناس في كتاب زرادشت المقدم ذكره هذا نزل عليه أو صنفه قال الفقهاء إن للمجوس شبهة كتاب لأنه غير مقطوع بكونه كتابا منزلا

واتى زرادشت كيستاسف الملك بمعجزات
منها أنه أتى بدائرة صحيحة بغير إله وهو ممتنع عند أهل الهندسة
ومنها أنه مر على أعمى فأمرهم أن يأخذوا حشيشة سماها ويعصرونها في عينيه فأبصر قال الشهرستاني وليس ذلك من المعجزة في شيء إذ يحتمل أنه كان يعرف خاصة الحشيشة
وهم يقولون إن الله تعالى خلق في الأول خلقا روحانيا فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ الله تعالى مشيئته في صورة من نور متلأليء على تركيب صورة الإنسان وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض وبنو آدم حينئذ غير متحركين في ثلاثة آلاف سنة
ثم المجوس يفضلون الفرس على العرب وسائر الأمم ويفضلون مالهم من مدن وأبنية على غيرها من الأبنية فيفضلون إقليم بابل على غيره من الأقاليم ومدينته على سائر المدن من حيث إن أوشهنج أول طبقة الكيانية من ملوك الفرس هو الذي بناها ويقولون أنه أول من جلس على السرير ولبس التاج ورفع الأعمال ورتب الخراج وكان ملكه بعد الطوفان بمائتي سنة وقيل بل كان قبل الطوفان
ويفضلون الكتابة الفهلوية وهي الفارسية الأولى على غيرها من الخطوط ويزعمون أن أول من وضعها طهمورث وهو الذي ملك بعد أوشهنج المقدم ذكره
ويجحدون سياسة بني ساسان وهم الطبقة الثالثة من ملوك الفرس منسوبون إلى ساسان ويسخطون على الروم لغزوهم الفرس وتسلطهم

عليهم ببلاد بابل ويعبدون النار ويرون أن الأفلاك فاعلة بنفسها ويستبيحون فروج المحارم من البنات والامهات ويرون جواز الجمع بين الأختين إلى غير ذلك من عقائدهم
ويعظمون النيروز وهو أول يوم من سنتهم وعيدهم الكبير وأول من رتبه جمشيد أخو طهمورث ويعظمون أيضا المهرجان وهو عيد مشهور من أعيادهم
ويسخطون على بيوراسب وهو رابع ملوكهم وهو الضحاك يقال له بالفارسية الدهاش ومعناه عشر آفات وكان ظلوما غشوما سار فيهم بالجور والعسف وبسط يده بالقتل وسن العشور والمكوس واتخذ المغنين والملاهي وكان على كتفه سلعتان مستورتان بثيابه يحركهما إذا شاء فكان يدعي أنهما حيتان تهويلا على ضعفاء العقول ويزعم أن ما يأخذه من الرعية يطعمه لهما ليكفهما عن الناس وأنهما لا يشبعان إلا بأدمغة بني آدم فكان يقتل في كل يوم عددا كثيرا من الخلق بهذه الحجة ويقال إن إبراهيم الخليل عليه السلام كان في آخر أيامه
وكان من شأنه أنه لما كثر جوره وظلمه على الناس ظهر بأصبهان رجل اسمه كابي ويقال كابيان من سفلة الناس قيل حداد كان الضحاك قد قتل له ابنين فأخذ كابي المذكور درفسا وهو الحربة وعلق بأعلاها قطعة نطع كان يتقي بها النار ونادى في الناس بمحاربة الضحاك فأجابه خلق كثير واستفحل أمره وقصد الضحاك بمن معه فهرب الضحاك منه فسأله الناس أن يتملك عليهم فامتنع لكونه من غير بيت الملك وأشار بتولية إفريدون من عقب جمشيد المقدم ذكره فولوه فتبع الضحاك فقبض عليه وقتله وسار فيهم بسيرة العدل ورد ما اغتصبه الضحاك إلى أهله فصار لكابي المذكور عندهم المقام الاعلى وعظموا درفسه الذي علق به تلك القطعة من النطع وكللوه بالجواهر ورصعوه باليواقيت ولم يزل عند ملوكهم يستفتحون به في الحروب العظيمة حتى كان

معهم أيام يزدجرد آخر ملوكهم عند محاربة المسلمين لهم في زمن عثمان فغلبهم المسلمون واقتلعوه منهم
وهم يعظمون أفريدون ملكهم المقدم ذكره لقيامه في هلاك الضحاك وقتله وفي أول ملك أفريدون هذا كان إبراهيم الخليل عليه السلام ويقال إنه ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم
وهم يعظمون أيضا من ملوكهم سابور الملقب بذي الأكتاف لأخذه بثار العجم من العرب وذلك أنه كان يتبع العرب بالجزيرة الفراتية وما جاورها وسار في طلبهم حتى بلغ البحرين ليهلكهم قتلا لا يقبل من أحد منهم فداء ثم أخذ في خلع أكتافهم فلذلك سمي ذا الأكتاف
ويعظمون ماني بن فاتن وهو رجل ظهر في زمن سابور بن أردشير بعد عيسى عليه السلام وادعى النبوة وأحدث دينا بين المجوسية والنصرانية وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام وقال إن العالم مصنوع من النور والظلمة وأنهما لم يزالا قديمين حساسين سميعين بصيرين وله أتباع يعرفون بالمانوية
ويتبرؤون من مزدك وهو رجل مشهور منسوب عندهم إلى الزندقة أيضا طهر في زمن قباذ أحد ملوك الفرس من الأكاسرة وادعى النبوة ونهى عن المخالفة والمباغضة وزعم أن ذلك إنما يحصل بسبب النساء والمال فأمر بالاشتراك والمساواة فيهما وتبعه قباذ على ذلك فتوصلت سفلة الرجال إلى أشراف النساء وحصل بذلك مفسدة عظيمة وكان يقول إن النور عالم حساس والظلام جاهل أعمى والنور يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق وإن امتزاج النور والظلمة كان بالاتفاق والخبط دون القصد والاختيار وكذلك الخلاص وله أتباع يقال لهم المزدكية ولم يزل على ذلك حتى قتله

شروان بن قباذ هو وأتباعه وقتل معهم المانوية أتباع ماني المقدم ذكره وعادت الفرس إلى المجوسية القديمة
وقد رتب في التعريف للمجوس يمينا على مقتضى ما عليه عقيدة المجوس أتباع زرادشت المقدم ذكره وهي
إنني والله الرب العظيم القديم النور الأول رب الأرباب وإله الآلهة ماحي آية الظلم والموجد من العدم مقدر الأفلاك ومسيرها ومنور الشهب ومصورها خالق الشمس والقمر ومنبت النجوم والشجر والنار والنور والظل والحرور وحق جيومرت وما أولد من كرائم النسل وزرادشت وما جاء به من القول الفصل والزند وما تضمنه والخط المستدير وما بين وإلا أنكرت أن زرادشت لم يأت بالدائرة الصحيحة بغير آله وأن مملكة إفريدون كانت ضلالة وأكون قد شاركت بيوراسب فيما سفك طعما لحيته وقلت إن كابيان لم يسلط عليه وحرقت بيدي الدرفس وأنكرت ما عليه من الوضع الذي أشرقت عليه أجرام الكواكب وتمازجت فيه القوى الأرضية بالقوى السماوية وكذبت ماني وصدقت مزدك واستبحت فضول الفروج والأموال وقلت بإنكار الترتيب في طبقات العالم وأنه لا مرجع في الأبوة إلا إلى آدم وفضلت العرب على العجم وجعلت الفرس كسائر الأمم ومسحت بيدي خطوط الفهلوية وجحدت السياسة الساسانية وكنت ممن غزا الفرس مع الروم وممن خطأ سابور في خلع أكتاف العرب وجلبت البلاء إلى بابل ودنت بغير دين الأوائل وإلا أطفأت النار وانكرت فعل الفلك الدوار ومالأت فاعل الليل على فاعل النهار وأبطلت حكم النيروز والمهرجان وأطفأت ليلة الصدق مصابيح النيران وإلا أكون ممن حرم فروج الأمهات وقال بأنه لا يجوز الجمع بين الأخوات وأكون ممن أنكر صواب فعل أردشير وكنت لقومي بئس المولى وبئس العشير

المهيع الثالث في الأيمان التي يحلف بها الحكماء
وهم المعبر عنهم بالفلاسفة جمع فيلسوف ومعناه باليونانية محب

الحكمة وأصله فيلاسوف ففيلا معناه محب وسوف معناه الحكمة وهم أصحاب الحكم الغريزية والأحكام السماوية فمنهم من وقف عند هذا الحد ومنهم من عرف الله تعالى وعبده بأدب النفس
قال الشهرستاني وهم على ثلاثة أصناف
الصنف الأول البراهمة وهم لا يقرون بالنبوات أصلا ولا يقولون بها
الصنف الثاني حكماء العرب وهم شرذمة قليلة وأكثر حكمتهم فلتات الطبع وخطرات الفكر وهؤلاء ربما قالوا بالنبوات
الصنف الثالث حكماء الروم وهم على ضربين

الضرب الأول القدماء منهم الذين هم أساطين الحكمة
وهم سبعة حكماء ثاليس الملطي وانكساغورس وانكسمانس وانباديقلس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون ومذاهبهم مختلفة وبعضهم عاصر بعض الأنبياء عليهم السلام وتلقف منه كانباديقلس كان في زمن داود عليه السلام ومضى إليه وتلقى عنه وآختلف إلى لقمان وآقتبس منه الحكمة وكذلك فيثاغورس كان في زمن سليمان عليه السلام وأخذ الحكمة من معدن النبوة
الضرب الثاني المتأخرون منهم وهم أصحاب أرسطاطاليس وهم ثلاث طوائف
طائفة منهم تعرف بالمشائين وهم الذين كانوا يمشون في ركابة يقرأون

عليه الحكمة في الطريق وهو راكب وطائفة تعرف بالرواقين وهم الذين كان يجلس لتعليمهم بالرواق والطائفة الثالثة فلاسفة الإسلام وهم حكماء العجم أما قبل الإسلام فإنه لم ينقل عن العجم مقالة في الفلسفة بل حكمهم كلها كانت مستفادة من النبوات أما من الملة القديمة وإما من غيرها من الملل ومعتقدهم أن الله تعالى واجب الوجود لذاته وأنه ليس بجوهر ولا عرض وأن ما سواه صادر عنه على ترتيب وأنه تعالى واحد فرد ليس له شريك ولانظير باق أبدي سرمدي وأنه الذي أوجد الأشياء وكونها ويعبرون عنه بعلة العلل وأنه قادر يفعل إن شاء ولا يفعل إن لم يشأ فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته مريد له إرادة وعناية لا تزيد على ذاته وانه أول لا بداية له آخر لا نهاية له وأنه يستحيل أن يتغير منزه عن أن يكون حادثا أو عرضا للحوادث حي متصف بصفات البقاء السرمدية وأنه حكيم بمعنى أنه جامع لكل كمال وجلال وأنه خالق الأفلاك بقدرته ومدبرها بحكمته ويقولون إن الأرض ثابتة لا تتحرك والماء محيط بها من سائر جهاتها على ما اقتضته الحكمة الإلهية وكشف بعض أعلاها لسكنى الخلق فيه فهي كبطيخة ملقاة في بركة ماء ويحيط بالماء الهواء ويحيط بالهواء النار ويحيط بالنار فلك القمر وهو الأول ويحيط بفلك القمر فلك عطارد وهو الثاني ويحيط بفلك عطارد فلك الزهرة وهو الثالث ويحيط بفلك الزهرة فلك الشمس وهو الرابع ويحيط بفلك الشمس فلك المريخ وهو الخامس ويحيط بفلك المريخ فلك المشتري وهو السادس ويحيط بفلك المشتري فلك زحل وهو السابع ويحيط بفلك زحل فلك الكواكب وهو الثامن وهو الذي فيه الكواكب الثابتة بأسرها وهي ما عدا الكواكب السبعة التي في الأفلاك السبعة المقدم ذكرها من البروج الاثني عشر ومنازل القمر الثمانية والعشرين وغيرها ويحيط بالكواكب الفلك الأطلس وهو الفلك التاسع والأفلاك التسعة دائرة بما فيها من المشرق إلى المغرب بحيث تقطع في اليوم والليلة دورة

كاملة والكواكب السبعة التي في الأفلاك السبعة الأولة وهي زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر متحركة بالسير إلى جهات مخصوصة الشمس والقمريسيران بين المشرق والمغرب وبقية الكواكب يختلف سيرها استقامة ورجوعا والكواكب التي في الفلك الثامن ثابتة لا تتحرك والله تعالى هو الذي يسير هذه الأفلاك والكواكب ويفيض القوى عليها
ويقولون إن الشمس إذا سخنت الأرض بواسطة الضوء صعد من الرطب منها بخار ومن البارد اليابس دخان ثم بعضه يخرج من مسام الأرض فيرتفع إلى الجو وبعضه يحتبس في الأرض بوجود ما يمنعه من الخروج منها من جبل ونحوه
فأما ما يخرج من مسام الأرض فإن كان من البخار فما تصاعد منه في الهواء يكون منه المطر والثلج والبرد وقوس قزح والهالة ثم ما ارتفع من الطبقة الحارة من الهواء إلى الباردة تكاثف بالبرد وانعقد غيما وإن كان ضعيفا أثرت فيه حرارة الشمس فاستحال هواء ومهما انتهى إلى الطبقة الباردة تكاثف وعاد وتقاطر وهو المطر فإن أدركها برد شديد قبل أن تجتمع جمدت ونزلت كالقطن المندوف وهو الثلج وإن لم تدركها برودة حتى اجتمعت قطرات من الجوانب أذهبت برودتها انعقدت بردا وإذا صار الهواء رطبا بالمطر مع أدنى صقالة صار كالمرآة فيتولد من ضوء الشمس الواقع في قفاه قوس قزح فإن كان قبل الزوال رؤي في المغرب وإن كان بعد الزوال رؤي في المشرق وإن كانت الشمس في وسط السماء لم يمكن أن يرى إلا قوسا صغيرا إن اتفق وفي معنى ذلك الهالة المحيطة بالقمر إلا أن الهالة إنما تحصل من مجرد برودة الهواء وإن لم يكن مطر
وإن كان ما يخرج من مسام الارض دخانا فإن تصاعد وارتفع في وسط البخار وضربه الريح في ارتفاعه ثقل وانتكس فحركه الهواء فحصل الريح وإن لم يضربه الريح تصاعد إلى عنصر النار واشتعلت النار فيه فصار منه نار تشاهد

وربما استطال بحسب طول الدخان فيسمى كوكبا منقضا وإن كان الدخان كثيفا واشتعل بالنار ولكنه لم يستحل على القرب بل يقي زمانا رؤي كأنه كوكب ذو ذنب وإن بقي شيء من الدخان في تضاعيف الغيم وبرد صار ريحا في وسط الغيم فيتحرك فيه بشدة فيحصل منه صوت وهو الرعد فإن قويت حركته اشتعل من حرارة الحركة الهواء والدخان فصار نارا مضيئة وهو البرق وإن كان المشتعل كثيفا ثقيلا محرقا اندفع بمصادفة الغيم إلى جهة الأرض وهي الصاعقة ( صنع الله الذي أتقن كل شيء )
ويقرون أن الله تعالى مكون الأكوان ومنمي المعادن والنبات والحيوان فأما المعادن فهي التي تتكون فيها جواهر الأرض من الذهب والفضة وغيرهما وذلك أن البخار والدخان في الأرض فإنها إن تجتمع وتمتزج فإن غلب الدخان كان الحاصل منه مثل النوشادر والكبريت وربما تغلب البخار في بعضه فيصير كالماء الصافي المنعقد المتحجر فيكون منه الياقوت والبلور ونحوه مما لا يتطرق تحت المطارق وإن استحكم امتزاج الدخان منه بالبخار وقلت الحرارة المحققة في جواهرها انعقد منه الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحوها مما تطرق بالمطرقة
وأما النبات فإنهم يقولون إن العناصر قد يقع بها امتزاج واختلاط أتم من امتزاج البخار والدخان المقدم ذكره وأحسن وأقرب إلى الاعتدال فيحصل من ذلك النمو الذي لا يكون في الجمادات
وينشأ عن ذلك ثلاثة أمور
أحدها التغذية بقوة مغذية وهي قوة محيلة للغذاء تنخلع عنها صورتها

وتكسوها صورة المتغذي فتنتشر في أجزائه وتلتصق به وتسد مسد ما تحلل من أجزائه
وثانيها التنمية بقوة منمية بأن يزيد الجسم بالغذاء في أقطاره على التناسب اللائق بالنامي حتى ينتهي إلى منتهى ذلك الشيء
وثالثها التوليد بقوة مولدة وهي التي تفصل جسما من جسم شبيه به
وأما الحيوان فإنهم يقولون إن تكونه من مزاج أقرب إلى الاعتدال وأحسن من الذي قبله من حيث إن فيه قوة النباتية وزيادة قوتين وهما المدركة والمتحركة ومهما حصل من الادراك انبعثت الشهوة والنزوع وهو إما لطلب ما يحتاج إلبيه في طلب الملائم الذي به بقاء الشخص كالغذاء أو بقاء النوع كالجماع ويسمى قوة شهوانية وإما للهرب ودفع المنافي وهي قوة غضبية فإن ضعفت القوة الشهوانية فهو الكراهة وإن ضعفت القوة الغضبية فهو الخوف
والقوة المدركة تنقسم إلى باطنة كالخيالية والمتوهمة والذاكرة والمفكرة وإلى ظاهرة كالسمع والبصر والذوق والشم واللمس فاللمس قوة منبثة في جميع البشرة تدرك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والصلابة واللين والخشونة والملامسة والخفة والثقل والشم في زائدتي الدماغ الشبيهتين بحلمتي الثدي والسمع في عصبة في أقصى الصماخ والذوق في عصبة مفروشة على ظاهر اللسان بواسطة الرطوبة العذبة التي لا طعم لها المنبسطة على ظاهر اللسان والإبصار يحصل عن انطباع مثل صورة المدرك في الرطوبة الجليدية التي تشبه البرد والجمد فإنها كالمرآة فإذا قابلها يكون انطبع فيها مثل صورته فتحصل الرؤية
ويرون أن النفس محلها العلو ويقولون إن النفس في اول الصبا تكون

عالمة بالمعقولات المجردة والمعاني الكلية بالقوة ثم تصير بعد ذلك عالمة بالفعل
ثم إن سعدت بالاستعداد للقبول انقطعت حاجتها عن النظر إلى البدن ومقتضى الحواس إلا أن البدن لا يزال يجاذبها ويشغلها ويمنعها من تمام الاتصال بالعلويات فإذا انحط عنها شغل البدن بالموت ارتفع عنها الحجاب وزال المانع ودام الاتصال وكمل حالها بعد فراق البدن والتذت به لذة لا يدرك الوصف كنهها وإن كانت النفس محجوبة عن هذه السعادة فقد شقيت
وعندهم إنه إنما تحجب باتباع الشهوات وقصر الهمة على مقتضى الطبع وبإقامته في هذا العالم الخسيس الفاني فترسخ في نفسه تلك العادة ويتأكد شوقه إليها فتفوت بالموت آلة درك ذلك الشوق ويبقى التشوق وهو الألم العظيم الذي لا حد له وذلك مانع من الوصال والاتصال وهذه نفس ناقصة بفقد العلم ملطخة باتباع الشهوات بخلاف النفس السابقة
ويقولون إن الهيولى قابلة لتركيب الأجسام ويخالفون أهل الطبيعة في قولهم بإنكار المعاد وفناء الأرواح فيذهبون إلى أن الأرواح باقية وأن المعاد حق
ويرون أن التحسين والتقبيح راجعان إلى العقل دون الشرع كما هو مذهب المعتزلة وغيرهم
ويقولون إن الإله تعالى فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته عالم بذاته وبسائر أنواع الموجودات وأجناسها لا يعزب عن علمه شيء وإنه يعلم الممكنات الحادثة
ويقولون بإثبات النبوات لأن العالم لا ينتظم إلا بقانون متبوع بين كافة الناس يحكمون به بالعدل وإلا تقاتلوا وهلك العالم إذ النبي هو خليفة الله في أرضه بواسطته تنتهي إلى الخلق الهداية إلى مصالح الدنيا والآخرة من

حيث أنه يتلقى عن الملك والملك يتلقى عن الله تعالى إلا أنهم يقولون إن النبوات غير متناهية وإنها مكتسبة ينالها العبد بالرياضات وهاتان المقالتان من جملة ما كفروا به بتجويز النبوة بعد النبي الذي أخبر تعالى أنه خاتم النبيين وقولهم إنها تنال بالكسب
وقد حكى الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إنما قتل عمارة اليمني الشاعر حين قام فيمن قام بإحياء الدولة الفاطمية بعد انقراضها على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية قي المقالة الثانية مستندا في ذلك إلى بيت نسب إليه من قصيدة وهو قوله
( وكان مبدأ هذا الدين من رجل ... سعى فأصبح يدعى سيد الأمم )
فجعل النبوة مكتسبة وهم مجمعون على أن الله تعالى ليس بجسم ولا جسماني وأنه ليس في جهة ولا يدخل تحت الحد والماهية
وهذه نسخة يمين رتبها لهم في التعريف وهي
إنني والله والله والله العظيم الذي لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد الأبدي السرمدي الأزلي الذي لم يزل علة العلل رب الأرباب ومدبر الكل القدير القديم الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية المنزه عن أن يكون حادثا أو عرضا للحوادث الحي الذي اتصف بصفات البقاء والسرمدية والكمال والمتردي برداء الكبرياء والجلال مدبر الأفلاك ومسير

الشهب مفيض القوى على الكواكب وباث الأرواح في الصور مكون الكائنات ومنمي الحيوان والمعدن والنبات وإلا فلا رقيت روحي إلى مكانها ولااتصلت نفسي بعالمها وبقيت في ظلم الجهالة وحجب الضلالة وفارقت نفسي غير مرتسمة بالمعارف ولا مكلمة بالعلم وبقيت في عوز النقص وتحت إمرة الغي وأخذت بنصيب من الشرك وأنكرت المعاد وقلت بفناء الأرواح ورضيت في هذا بمقالة أهل الطبيعة ودمت في قيد المركبات وشواغل الحس ولم أدرك الحقائق على ما هي عليه وإلا فقلت إن الهيولى غير قابلة لتركيب الاجسام وأنكرت المادة والصورة وخرقت النواميس وقلت إن التحسين والتقبيح إلى غير العقل وخلدت مع النفوس الشريرة ولم اجد سبيلا إلى النجاة وقلت إن الإله ليس فاعلا بالذات ولا عالما بالكليات ودنت بأن النبوات متناهية وأنها غير كسبية وحدت عن طرائق الحكماء ونقضت تقرير القدماء وخالفت الفلاسفة ووافقت على إفساد الصور للعبث وحيزت الرب في جهة وأثبت أنه جسم وجعلته فيما يدخل تحت الحد والماهية ورضيت بالتقليد في الألوهية

المهيع الرابع في بيان المحلوف عليه وما يقع على العموم وما يختص به كل
واحد من أرباب الوظائف مما يناسب وظيفته
اعلم أن المحلوف عليه في الأيمان الملوكية تارة يشترك فيه جميع من يحلف من أهل الدولة وتارة يختلف باختلاف ما يمتاز به بعضهم عن بعض مما لا تقع الشركة بينهم فيه
فأما ما يقع فيه الإشتراك كطاعة السلطان وما في معناها من إخلاص النية وإصفاء الطوية وما يجري مجرى ذلك فذلك مما يشترك فيه كل حالف يحلف

للسلطان على اختلاف عقائدهم من مسلم سني أو بدعي وكافر يهودي أو نصراني أو غيرهما فكل أحد يحلف بما تقتضيه عقيدته في التعظيم على ما تقدم بيانه في أيمان الطوائف كلها
فإذا انتهى إلىالمحلوف عليه قال إنني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مد الله في عمري قد أخلصت نيتي ولا أزال مجتهدا في إخلاصها وأصفيت طويتي ولا أزال مجتهدا في إصفائها في طاعة مولانا السلطان المالك الملك الفلاني فلان الدنيا والدين فلان ابن السلطان السعيد الشهيد الملك فلان الدنيا والدين فلان خلد الله تعالى ملكه وفي خدمته ومحبته ونصحه وأكون وليا لمن والاه عدوا لمن عاداه سلما لمن سالمه حربا لمن حاربه من سائر الناس أجمعين لا أضمر له سوءا ولا مكروها ولا خديعة ولا خيانة في نفس ولا مال ولا ملك ولا سلطنة ولا عساكر ولا جند ولا عربان ولا تركمان ولا أكراد ولا غير ذلك ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة وإنني والله العظيم أبذل جهدي وطاقتي في طاعة مولانا السلطان الملك فلان الدنيا والدين المشار إليه وإن كاتبني أحد من سائر الناس أجمعين بما فيه مضرة على ملكه لا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا عمل ولا نية وإن قدرت على إمساك الذي جاءني بالكتاب أمسكته وأحضرته لمولانا السلطان الملك فلان المشار إليه أو لنائبه القريب مني
وأما ما يقع فيه الاختلاف فما يتباين الحال فيه باختصاص رب كل وظيقة بما لا يشاركه فيه الآخر وقد أشار في التعريف إلى نبذة من ذلك فقال وقد يزاد نواب القلاع ونقباؤها والوزراء وأرباب التصرف في الأموال والدواداريةوكتاب السر زيادات يعني على ما تقدم
فأما نواب القلاع ونقباؤها فيزاد في تحليفهم وإنني أجمع رجال هذه القلعة على طاعة مولانا السلطان فلان وحدمته في حفظ هذه القلعة وحمايتها وتحصينها والذب عنها والجهاد دونها والمدافعة عنها بكل طريق وإنني أحفظ حواصلها

وذخائرها وسلاح خاناتها على اختلاف ما فيها من الأقوات والأسلحة وإنني لا أخرج شيئا منها إلا في أوقات الحاجة والضرورة الداعية المتعين فيها تفريق الأقوات والسلاح على قدر ما تدعو الحاجة إليه وإنني أكون في ذلك كواحد من رجال هذه القلعة وكل واحد ممن يتبعني كواحد ممن يتبع أتباع رجال هذه القلعة لا أتخصص ولا أمكن من التخصيص وإنني والله والله والله لا أفتح أبواب هذه القلعة إلا في الأوقات الجاري بها عادة فتح أبواب الحصون وأغلقها في الوقت الجاري به العادة ولا أفتحها إلا بشمس ولا أغلقها بشمس وإنني أطالب الحراس والدراجة وأرباب النوب في هذه القلعة بما جرت به العوائد اللازمة لكل منهم مما في ذلك جميعه مصلحة مولانا السلطان فلان وإنني لا أسلم هذه القلعة إلا لمولانا السلطان فلان أو بمرسومه الشريف وامارته الصحيحة وأوامره الصريحة وإنني لا أستخدم في هذه القلعة إلا من فيه نفعها وأهلية الخدمة لا أعمل في ذلك بغرض نفسي ولا أرخص فيه لمن يعمل بغرض نفس له وإنني أبذل في ذلك كله الجهد وأشمر عن ساعد الجد قال ويسمي القلعة التي هو فيها
وأما الوزراء وأرباب التصرف في الأموال فمما يزاد في تحليفهم وإنني أحفظ أموال مولانا السلطان فلان خلد الله ملكه من التبذير والضياع والخونة وتفريط أهل العجز ولا أستخدم في ذلك ولا في شيء منه إلا أهل الكفاية والأمانة ولا أضمن جهة من الجهات الديوانية إلا من الأمناء الأتقياء القادرين أو ممن زاد زيادة ظاهرة وأقام عليه الضمان الثقات ولا أؤخر مطالبة أحد بما يتعين عليه بوجه حق من حقوق الديوان المعمور والموجبات السلطانية على اختلافها وإنني والله العظيم لا أرخص في تسجيل ولا قياس ولا أسامح أحدا بموجب يجب عليه ولا أخرج عن كل مصلحة تتعين لمولانا السلطان فلان ولدولته ولا أخلي كل ديوان يرجع إلي أمره ويعدق بي أمر مباشرته من تصفح

لأحواله واجتهاد في تثمير أمواله وكف أيدي الخونة عنه وغل أيديهم أن تصل إلى شيء منه ولا أدع حاضرا ولا غائبا من أمور هذه المباشرة حتى أجد فيه وأبذل الجهد الكلي في إجراء أموره على السداد وحسن الاعتماد وإنني لا أستجد على المستقر إطلاقه ما لم يرسم لي به إلا ما كان فيه مصلحة ظاهرة لهذه الدولة القاهرة ونفع بين لهذه الأيام الشريفة وإنني والله أؤدي الأمانة في كل ما عدق بي ووليت من القبض والصرف والولاية والعزل والتأخير والتقديم والتقليل والتكثير وفي كل جليل وحقير وقليل وكثير
وأما الدوادارية وكتاب السر فيزاد فيهما وإنني مهما اطلعت عليه من مصالح مولانا السلطان فلان خلد الله ملكه ونصائحه وامر داني ملكه ونازحه أوصله إليه وأعرضه عليه ولا أخفيه شيئا منه ولو كان علي ولا أكتمه ولو خفت وصول ضرره إلي
ويفرد الدوادار بأني لا أؤدي عن مولانا السلطان رسالة في إطلاق مال ولا استخدام مستخدم ولا إقطاع إقطاع ولا ترتيب مرتب ولا تجديد مستجد ولا شاد شاغر ولا فصل منازعة ولا كتابة توقيع ولا مرسوم ولا كتاب صغيرا كان أم كبيرا إلا بعد عرضه على مولانا السلطان فلان ومشاورته ومعاودة أمره الشريف ومراجعته
ويفرد كاتب السر بأنه مهما تأخرت قراءته من الكتب الواردة على مولانا السلطان فلان من البعيد والقريب يعاوده فيه في وقت آخر فإن لم يعاوده فيه بمجموع لفظه لطول الطول الممل عاوده فيه بمعناه في الملخصات وأنه لا يجاوبه بشيء لم ينص المرسوم الشريف فيه بنص خاص وما لم تجر العادة بالنص فيه لا يجاوب فيه بأكمل ما يرى أن فيه مصلحة مولانا السلطان فلان ومصلحة دولته بأسد جواب يقدر عليه ويصل اجتهاده إليه وأنه مهما أمكنه

المراجعة فيه لمولانا السلطان فلان راجعه فيه وعمل بنص ما يرسم له به فيه هذا ما نتهى إليه كلامه
قال في التثقيف ويزاد النواب مثل قوله ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة وعلي أن أبذل جهدي وطاقتي في ذلك كله وفي حفظ المملكة التي استنابني فيها وصيانتها وحمايتها وما بها من القلاع والثغور والسواحل ثم يأتي بعده وإن كاتبني أحد الخ
قلت والمراد أنه يؤتى باليمين العامة التي يحلف عليها كل أحد ثم يزاد لكل واحد من أرباب الوظائف ما يناسبه مما تقدم ثم يؤتى على بقية اليمين من عند قوله وإنني أفي لمولانا السلطان بهذه اليمين إلى آخرها أو ما في معنى ذلك من أيمان أهل البدع وأصحاب الملل على ما تقدم ذكره
ثم قال في التثقيف وقد تتجدد وقائع وأمور تحتاج إلى التحليف بسببها تتغير صيغة المحلوف عليه بالنسبة إلى ما رسم به فيها ثم اشار إلى أنه لم ير مدة مباشرته بديوان الإنشاء أحدا ممن ذكره في التعريف من أرباب الوظائف حلف وإنما ذكرها لاحتمال أن تدعو الحاجة إليها في وقت من الأوقات أو أنها كانت مستعملة في المتقدم فيكون في تركها إهمال لبعض المصطلح
قلت وقد أهملا في التعريف والتثقيف ذكر يمينين مما رتبه الكتاب وحلفوا به في الزمن المتقدم مما لا غنى بالكاتب عنه
الأولى اليمين على الهدنة التي تنعقد بين ملكين أو نائبهما أو ملك ونائب ملك آخر على ما سيأتي ذكره في المقالة التاسعة إن شاء الله تعالى
وتقع اليمين فيها على ما فيه تأكيد عقد الهدنة والتزام شروطها والبقاء عليها

وعدم الخروج عنها أو عن شيء من ملتزماتها وغير ذلك مما يدخل به التطرق إلى النقض والتوصل إلى الفسخ
وهذه نسخة يمين حلف عليها السلطان الملك المنصور قلاوون علىالهدنة الواقعة بينه وبين الحكام بمملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها من الفرنج الاستبارية في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة في مباشرة القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر كتابة السر على ما أورده ابن مكرم في تذكرته وهي
أقول وأنا فلان والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله العظيم الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك عالم ما بدا وما خفي عالم السر والعلانية الرحمن الرحيم وحق القرآن ومن أنزله ومن أنزل عليه وهو محمد بن عبد الله وما يقال فيه من سورة سورة وآية آية وحق شهر رمضان إنني أفي بحفظ هذه الهدنة المباركة التي استقرت بيني وبين مملكة عكا والمقدمين بها على عكا وعثليث وصيدا وبلادها التي تضمنتها هذه الهدنة التي مدتها عشر سنين كوامل وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة للهجرة من أولها إلى آخرها وأحفظها وألتزم بجميع شروطها المشروحة فيها وأجري الأمور على أحكامها إلى انقضاء مدتها ولا أتأول فيها ولا في شيء منها ولا استفتي فيها طلبا لنقضها ما دام الحاكمون بمدينة عكا وصيدا وعثليث وهم كافل المملكة بعكا

ومقدم بيت الروم ومقدم بيت الاستبار ونائب مقدم بيت الاستبار إلى الآن ومن تولى بعدهم في كفالة مملكة أو مقدم بيت بهذه المملكة المذكورة وافين باليمين التي يحلفون عليها في ولدي الملك الصالح ولأولاده على استقرار هذه الهدنة المحررة الآن عاملين بها وبشروطها المشروحة فيها إلى انقضاء مدتها ملتزمين أحكامها وإن نكثت في هذه اليمين فيلزمني الحج إلى بيت الله الحرام بمكة حافيا حاسرا ثلاثين حجة ويلزمني صوم الدهر كله إلا الأيام المنهي عنها
ويذكر بقية شروط اليمين إلى آخرها ثم يقول والله على ما نقول وكيل
وهذه نسخة يمين حلف عليها الفرنج المعاقدون على هذه الهدنة أيضا في التاريخ المقدم ذكره على ما أورده ابن مكرم أيضا وهي
والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله وحق المسيح وحق المسيح وحق الصليب وحق الصليب وحق الأقانيم الثلاثة من جوهر واحد المكنى بها عن الأب والابن وروح القدس إله واحد وحق الصليب المكرم الحال في الناسوت وحق الإنجيل المطهر وما فيه وحق الأناجيل الأربعة التي نقلها متى ولوقا ويوحنا وحق صلواتهم وتقديساتهم وحق التلامذة الاثني

عشر والاثنين وسبعين والثلثمائة وثمانية عشر المجتمعين للبيعة وحق الصوت الذي نزل من السماء على نهر الأردن فزجره وحق الله منزل الإنجيل على عيسى بن مريم روح الله وكلمته وحق السيدة مارية أم النور ومارية مريم ويوحنا المعمودي ومرتمان ومرتماني وحق الصوم الكبير وحق ديني ومعبودي وما أعتقده من النصرانية وما تلقيته عن الآباء والأقساء والمعمودية إنني من وقتي هذا وساعتي هذه قد أخلصت نيتي وأصفيت طويتي في الوفاء للسلطان الملك المنصور ولولده الملك الصالح ولأولادهما بجميع ما تضمنته هذه الهدنة المباركة التي انعقد الصلح عليها على مملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها الداخلة في هذه الهدنة المسماة فيها التي مدتها عشر سنين كوامل وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها يوم الخميس ثالث حزيران سنة ألف وخمسمائة وأربع وتسعين للإسكندر بن فيلبس اليوناني وأعمل بجميع شروطها شرطا شرطا وألتزم الوفاء بكل فصل في هذه الهدنة المذكورة إلى انقضاء مدتها وإنني والله والله وحق المسيح وحق الصليب وحق ديني لا أتعرض إلى بلاد السلطان وولده ولا إلى من حوته وتحويه من سائر الناس أجمعين ولا إلى من يتردد منهم إلى البلاد الداخلة في هذه الهدنة بأذية ولا ضرر في نفس ولا في مال وإنني والله وحق ديني ومعبودي أسلك في المعاهدة والمهادنة والمصافاة والمصادقة وحفظ الرعية الإسلامية المترددين في البلاد السلطانية والصادرين منها وإليها طريق المعاهدين المتصادقين الملتزمين كف الأذية والعدوان عن النفوس والأموال وألزم الوفاء بجميع شروط هذه الهدنة إلى انقضائها ما دام الملك المنصور وافيا باليمين التي حلف بها على الهدنة ولا أنقض هذه اليمين ولا شيئا منها ولا أستثني فيها ولا في شيء منها طلبا لنقضها ومتى خالفتها ونقضتها فأكون بريئا من ديني واعتقادي ومعبودي واكون مخالفا للكنيسة ويكون علي الحج إلى القدس الشريف ثلاثين حجة حافيا حاسرا

ويكون علي فك الف أسير مسلم من أسر الفرنج وإطلاقهم وأكون بريئا من اللاهوت الحال في الناسوت واليمين يميني وأنا فلان والنية فيها بأسرها نية الملك المنصور ونية ولده الملك الصالح ونية مستحلفي لهما بها على الإنجيل الكريم لا نية لي غيرها والله والمسيح على ما نقول وكيل
وكذلك كتبت اليمينان من جهة السلطان الملك الظاهر بيبرس ويمين صاحب بيروت وحصن الأكراد والمرقب من الفرنج الاسبتارية في شهر رمضان سنة حمس وستين وستمائة
قلت ومقتضى ما ذكره ابن المكرم في إيراد هذه الأيمان أن نسخة اليمين تكون منفصلة عن نسخة الهدنة كما في غيرها من الإيمان التي يستحلف عليها إلا أن مقتضى كلام مواد البيان أن اليمين تكون متصلة بالهدنة والذي يتجه أنه إن تيسر الحلف عقب الهدنة لوجود المتحالفين كتب في نفس الهدنة متصلا بها وإلا أفرد كل واحد من الجانبين بنسخة يمين كما في غيرها من الإيمان وربما جردت الهدنة عن الأيمان كما وقع في الهدنة الجارية بين الظاهر بيبرس وبين دون حاكم الريدأرغون صاحب برشلونة من بلاد الأندلس في شهر رمضان سنة سبع وستين وستمائة على مقتضى ما أورده ابن المكرم في تذكرته
واعلم أنه قد يكتفى باليمين عن الهدنة باليمين في عقد الصلح
وقد ذكر القاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش في التثقيف أنه رتب يمينا حلف عليها الفرنج بالأبواب السلطانية بالديار المصرية عند عقد الصلح معهم في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة فيها زيادات على ما ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف وهي

والله والله والله العظيم إله إبراهيم مالك الكل خالق ما يرى وما لا يرى صانع كل شيء ومتقنه الرب الذي لا يعبد سواه وحق المسيح وحق المسيح وأمه السيدة مريم وحق الصليب وحق الصليب وحق الصليب وحق الإنجيل وحق الإنجيل وحق الإنجيل وحق الأب والابن وروح القدس إله واحد من جوهر واحد وحق اللاهوت المكرم الحال في الناسوت المعظم وحق الأناجيل الأربعة التي نقلها متى ومرقس ولوقا ويوحنا وحق اللاهوت والناسوت وصليب الصلبوت وحق التلاميذ الاثني عشر والاثنين وسبعين والثلثمائة وثمانية عشر المجتمعين على البيعة وحق الصوت الذي نزل على نهر الأردن فزجره وحق السيدة مارية أم النور وحق بيعة وقديس وثالوث وما يقوله في صلاته كل معمداني وحق ما اعتقده من دين النصرانية والملة المسيحية إنني أفعل كذا وكذا ومتى خالفت هذه اليمين التي في عنقي أو نقضتها أو نكثتها أو سعيت في إبطالها بوجه من الوجوه أو طريق من الطرق برئت من المعمودية وقلت إن ماءها نجس وإن القرابين رجس وبرئت من مريحنا المعمدان والأناجيل الأربعة وقلت إن متى كذوب وإن مريم المجدلانية باطلة الدعوى في إخبارها عن السيد اليسوع المسيح وقلت في السيدة مريم قول اليهود ودنت بدينهم في الجحود وبرئت من الثالوث وجحدت الأب وكذبت الابن وكفرت بروح القدس وخلعت دين النصرانية ولزمت دين الحنيفية ولطخت الهيكل بحيضة يهودية ورفضت مريم وقلت إنها قرنت مع الإسخريوطي في جهنم وأنكرت اتحاد اللاهوت والناسوت وكذبت القسوس وشاركت في ذبح الشمامس وهدمت الديارات والكنائس وكنت ممن مال على قسطنطين بن هيلاني وتعمدت أمه بالعظائم وخالفت المجامع التي اجتمعت عليها الأساقف برومية والقسطنطينية وجحدت مذهب الملكانية وسفهت رأي الرهبان وأنكرت وقوع الصلب على السيد اليسوع وكنت مع اليهود حين صلبوه وحدت عن الحواريين واستبحت دماء الديرانيين وجذبت رداء الكبرياء عن البطريرك وخرجت عن طاعة الباب وصمت يوم

الفصح الأكبر وقعدت عن أهل الشعانين وأبيت عيد الصليب والغطاس ولم أحفل بعيد السيدة وأكلت لحم الجمل ودنت بدين اليهود وأبحت حرمة الطلاق وهدمت بيدي كنيسة قمامة وخنت المسيح في وديعته وتزوجت في قرن بامرأتين وقلت إن المسيح كآدم خلقه الله من تراب وكفرت بإحياء العيازرة ومجيء الفارقليط الآخر وبرئت من التلامذة الاثني عشر وحرم علي الثلثمائة وثمانية عشر وكسرت الصلبان ودست برجلي القربان وبصقت في وجوه الرهبان عند قولهم كير اليصون واعتقدت أن لعسه كفر الجون وان يوسف النجار زنى بأم اليسوع وعهر وعطلت الناقوس وملت إلى ملة المجوس وكسرت صليب الصلبوت وطبخت به لحم الجمل وأكلته في أول يوم من الصوم الكبير تحت الهيكل بحضرة الآباء وقلت في البنوة مقال نسطورس ووجهت إلى الصخرة وجهي وصديت عن الشرق المنير حيث كان المظهر الكريم وإلا برئت من النورانيين والشعشعانيين وأنكرت أن السيد اليسوع أحيا الموتى وابرأ الأكمه والأبرص وقلت إنه مربوب وإنه ما رؤي وهو مصلوب وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة غير الأرباب وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص وقلت إن المعاد غير روحاني وإن بني المعمودية لا تسيح في فسيح السماء وأثبت وجود الحور العين في المعاد وأن في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية وخرجت خروج الشعرة من العجين من دين النصرانية واكون من ديني محروما وأقول إن جرجيس لم يقتل مظلوما وخرقت غفارة الرب وشاركت الشرير في سلب ثيابه واحدثت تحت صليبه وتجمرت بخشبته وصفعت الجاثليق وهذه اليمين

يميني وأنا فلان والنية فيها بأسرها نية مولانا السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين شعبان ونية مستحلفي والإله والمسيح على ما أقول وكيل
قلت حلط في هذه اليمين بعض يمين اليعاقبة الخارجة عن معتقد الفرنج الذين حلفهم من مذهب الملكانية يظهر ذلك من النظر فيما تقدم من معتقدات النصرانية قبل ترتيب أيمانهم على أنه قد أتى فيها باكثر ما رتبه المقر الشهابي بن فضل الله في تحليفهم على صداقته وزاد ما زاد من اليمين المرتبة في التحليف على الهدنة السابقة وغيرها
اليمين الثانية مما أهمله في التعريف يمين أمير مكة
والقاعدة فيها أن يحلف على طاعة السلطان والقيام في خدمة أمير الركب والوصية بالحجاج والاحتفاظ بهم
وهذه نسخة يمين حلف بها الأمير نجم الدين أبو نمي أمير مكة المشرفة في الدولة المنصورية قلاوون الصالحي في شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة
ونسختها على ما ذكره ابن المكرم في تذكرته بعد استيفاء الأقسام
إني أخلصت نيتي وأصفيت طويتي وساويت بين باطني وظاهري في طاعة مولانا السلطان الملك المنصور وولده السلطان الملك الصالح وطاعة أولادهما وارثي ملكهما لا أضمر لهم سوءا ولا غدرا في نفس ولا ملك ولا سلطنة وإنني عدو لمن عاداهم صديق لمن صادقهم حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم وإنني لا يخرجني عن طاعتهما طاعة أحد غيرهما ولا أتلفت في ذلك إلى جهة غير جهتهما ولا أفعل أمرا مخالفا لما استقر من هذا الأمر ولا أشرك في تحكمهما علي ولا على مكة المشرفة وحرمها وموقف جبلها زيدا ولا عمرا وإنني ألتزم ما اشترطته لمولانا السلطان ولولده في أمر الكسوة الشريفة

المنصورية الواصلة من مصر المحروسة وتعليقها على الكعبة الشريفة في كل موسم وان لا يعلوها كسوة غيرها وان أقدم علمه المنصور على كل علم في كل موسم وأن لا يتقدمه علم غيره وإنني أسهل زيارة البيت الحرام أيام مواسم الحج وغيرها للزائرين والطائفين والبادين والعاكفين والآمين لحرمه والحاجين والواقفين وإنني أجتهد في حراستهم من كل عاد بفعله وقوله ومتخطف للناس من حوله وإنني أؤمنهم في سربهم وأعذب لهم مناهل شربهم وإنني والله أستمر بتفرد الخطبة والسكة بالاسم الشريف المنصوري وأفعل في الخدمة فعل المخلص الولي وإنني والله والله امتثل مراسيمه امتثال النائب للمستنيب وأكون لداعي أمره أول سامع مجيب وإنني ألتزم بشروط هذه اليمين من أولها إلى آخرها لا أنقضها

المهيع الخامس في صورة كتابة نسخ الأيمان التي يحلف بها
وقد جرت العادة أنه إذا استقر ملك في الملك يحلف له جميع الأمراء والنواب في المملكة وإذا استقر نائب من النواب في نيابة حلف ذلك النائب عند استقراره وربما اقتضت الحال التحليف في غير هذه الأوقات
ثم الأيمان التي يحلف بها على ضربين
الضرب الأول الأيمان التي يحلف بها الامراء بالديار المصرية
وقد جرت العادة ان كتاب ديوان الإنشاء يجتمع من يجتمع منهم بالقلعة ويتصدى كل واحد منهم لتحليف جماعة من الأمراء والمماليك السلطانية وغيرهم وينصب المصحف الشريف على كرسي أمام الحالفين ويحلف كل كاتب من كتاب الإنشاء من يحلفه تجاه المصحف بألفاظ اليمين المتقدمة الذكر على الوجه الذي يرسم تحليفهم عليه ويكتب كل واحد من أولئك الكتاب أسماء الذين حلفهم في ورقة ويؤرخها ويحملها إلى ديوان الإنشاء فتخلد فيه

الضرب الثاني الأيمان التي يحلف بها نواب السلطنة والأمراء بالممالك
الشامية وما انضم إليها
وقد جرت العادة أنه إذا أريد تحليف نائب من نواب الممالك الخارجة عن الحضرة بالديار المصرية أو أمير من أمرائها أن تكتب نسخة يمين من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية وتجهز إلى النائب أو الأمير الذي يقصد تحليفه فيحلف على حكمها متلفظا بألفاظها جميعا قال في التثقيف وصفة ما يكتب في النسخة بعد البسملة من يمين الورق أقول وأنا . . . . . . ثم يخلي بياضا قليلا بقدر أصبعين لموضع كتابة الحالف اسمه ثم يكتب تحته من يمين الورق بهامش دقيق جدا والله والله والله وتكمل تتمة النسخة على ما تقدم ذكره وتكون سطورها متلاصقة سطرا إلى سطر إلى عند قوله وهذه اليمين يميني وأنا . . . . . . . . فيخلي بعد ذلك بياضا قليلا لموضع كتابة اسم الحالف أيضا ثم يكتب من يمين الورق والنية في هذه اليمين بأسرها إلى آخر النسخة
قلت وكذلك نسخ الأيمان التي تكتب ليحلف بها في الهدن التي تفرد الأيمان فيها عن الهدن يخلى فيها بياض لكتابة الاسم بعد قوله أقول وأنا . . . . . وبعد قوله وهذه اليمين يميني وأنا . . . . . . سواء في ذلك اليمين التي يحلف بها السلطان أو الملك الذي تقع معه المهادنة من ملوك الإسلام أو ملوك الكفر
وقد جرت العادة أن يكون الورق الذي تكتب فيه نسخ الأيمان التي يحلف بها النواب وغيرهم من الأمراء الخارجين عن الحضرة في قطع العادة أما ما يحلف به على الهدن فلم أقف فيه على مقدار قطع الورق والذي يظهر أن كل يمين تكون في قطع الورق الذي يكاتب بها ذلك الملك الذي يحلف

المقالة التاسعة في عقود الصلح والفسوح الواردة على ذلك وفيها حمسة أبواب
الباب الأول في الأمانات وفيه فصلان
الفصل الأول في عقد الأمان لأهل الكفر
قال في التعريف وهو أقوى أمور الصلح دلالة على اشتداد السلطان إذ كان يؤمن الخائف امنا لا عوض عنه في عاجل ولا آجل وفيه طرفان
الطرف الأول في ذكر أصله وشرطه وحكمه
اعلم أن الأمان هو الأمر الأول من الأمور الثلاثة التي يرفع بها القتل عن الكفار
قال العلماء وهو من مكايد القتال ومصالحه وإن كان فيه ترك القتال لأن الحاجة داعية إليه والأصل فيه من الكتاب قوله تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) ومن السنة قوله المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم وهم يد على من سواهم

وقد ذكر الفقهاء له أركانا وشرائط وأحكاما
فأما أركانه فثلاثة
الأول العاقد للأمان من المسلمين وليعلم ان الأمان على ضربين عام وخاص فالعام هو عقده للعدد الذي لا يحصر كأهل ناحية ولا يصح عقد الأمان فيه إلا من الإمام أو نائبه كما في الهدنة والخاص هو عقده للواحد أو العدد المحصور ويصح من كل مسلم مكلف وإن لم تكن له أهلية القتال فيصح من العبد والمرأة والشيخ والهرم والسفيه والمفلس بخلاف أمان الصبي والمجنون
الثاني المعقود له ويصح عقده للواحد والعدد من ذكور الكفار وإناثهم نعم في تأمين المرأة عن الاسترقاق خلاف
الثالث صيغة العقد وهي كل لفظ يفهم الأمان كناية كان أو صريحا وفي معنى ذلك الإشادة المفهمة ويعتبر فيه قبول الكافر فلا بد منه حتى لو رد الأمان لم ينعقد وفيما إذا سكت خلاف نعم لو دخل للسفارة بين المسلمين والكفار في تبليغ رسالة ونحوها أو لسماع كلام الله تعالى لم يعتبر فيه عقد الأمان بل يكون آمنا بمجرد ذلك أما لو دخل لقصد التجارة بغير أمان فإنه لا يكون آمنا إلا أن يقول الإمام ونائبه من دخل تاجرا فهو آمن
وأما شرطه فأن لا يكون على المسلمين ضرر في المستأمن بأن يكون طليعة أو جاسوسا فإنه يقتل ولا يبالي بأمانه ويعتبر أن لا تزيد مدة الأمان على سنة بخلاف الهدنة فقد تقدم أنها تجوز عند ضعف المسلمين إلى عشر سنين

وأما حكمه فإذا عقد الأمان لزم المشروط فلو قتله مسلم وجبت الدية ثم هو جائز من جهة الكفار فيجوز للكافر نبذه متى شاء ولازم من جهة المسلمين فلا يحوز النبذ إلا أن يتوقع من المستأمن الشر فإذا توقع منه ذلك جاز نبذ العهد إليه ويلحق بمأمنه وبقية فقه الفصل مستوفى في كتب الفقه

الطرف الثاني في صورة ما يكتب فيه
والأصل ما رواه ابن إسحاق عن رفاعة بن زيد الجذامي قدم على رسول الله في هدنة الحديبية فأهدى لرسول الله غلاما وأسلم وحسن إسلامه وكتب له رسول الله كتابا إلى قومه فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله تعالى وإلى رسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين
فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا
ثم للكتاب فيه مذهبان
المذهب الأول أن يفتتح الأمان بلفظ هذا كتاب أمان أو هذا أمان وما أشبه ذلك كما افتتح النبي ما كتب به لرفاعة بن زيد على ما تقدم
وعلى ذلك كتب عمرو بن العاص رضي الله عنه الأمان الذي كتب به لأهل مصر عند فتحها ونصه بعد البسملة

هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص ولا تساكنهم النوبة وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم حمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدر هم وذمتنا ممن أبى برية وإن نقص نهرهم عن غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله مالهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم أثلاثا في كل ثلث جباية ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا بكذا وكذا فرسا على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة
شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه وكتب وردان وحضر
وعلى ذلك كتب الحافظ لدين الله أحد خلفاء الفاطميين الأمان لبهرام الأرمني حين صرف من وزارته وهرب عنه إلى بلاد الأرمن وكتب إلى الحافظ يظهر الطاعة ويسأل تسيير أقاربه فكتب له بالأمان له ولأقاربه

فأما ما كتب له هو فنصة بعد البسملة
هذا أمان أمر بكتبه عبد الله ووليه عبد المجيد أبو الميمون الحافظ لدين الله أمير المؤمنين للأمير المقدم المؤيد المنصور عز الخلافة وشمسها وتاج المملكة ونظامها فخر الأمراء شيخ الدولة وعمادها ذي المجدين مصطفى أمير المؤمنين بهرام الحافظي فإنك آمن بأمان الله تعالى وأمان جدنا محمد رسوله وأبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليهما وأمان أمير المؤمنين على نفسك ومالك وأهلك وجميع حالك لا ينالك سوء ولا يصل إليك مكروه ولاتقصد باغتيال ولا يخرج بك عن عادة الإحسان والإنعام والتمييز والإكرام وحراسة النفس والصون للحريم والأهل والرعاية في القرب والبعد ما دمت متحيزا إلى طاعة الدولة العلوية ومتصرفا على أحكام مشايعتها مواليا لمواليها ومعاديا لمعاديها ومستمرا على مرضاة إخلاصك فثق بهذا الأمان واسكن إليه واطمئن إلى مضمونه والله بما أودعه كفيل وعليه شهيد وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب
وأما الأمان الذي كتب لأقاربه فنصه
هذا أمان تقدم بكتبه عبد الله ووليه لبسيل وزرقا وبهرام ابن أختهما ومن ينتمي إليهم ويتعلق بهم ويلتزمون أمره ممن دونهم ومن يتمسك بسببهم مضمونة إنكم معشر الجماعة بأسركم لما قصدتم الدولة ووفدتم عليها وتفيأتم ظلها وهاجرتم إليها شملكم الصنع الجميل وغمركم الإنعام السابغ والإحسان الجزيل وكنفتم بالرعاية التامة والعناية الخاصة لا العناية العامة ووفر حظكم من الواجبات المقررة لكم والإقطاعات الموسومة بكم وكنتم مع ذلك تذكرون رغبتكم في العود إلى دياركم والرجوع إلى أوطانكم والتفاتا إلى من تركتموه من ورائكم وقد سرتم من الباب على قضية

المخافة وقد أمنكم أمير المؤمنين فأنتم آمنون بأمان الله تعالى وأمان جدنا محمد رسوله وأبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليهما وأمان أمير المؤمنين على نفوسكم وأهليكم وأموالكم وما تحويه أيديكم ويجوزه ملككم ويشتمل عليه إحتياطكم لا ينالكم في شيء من ذلك مكروه ولا سبب مخوف ولا يمسكم سوء ولا تخشون من ضيم ولا تقصدون بأذية ولا يغير لكم رسم ولا تنقض لكم عادة وأنتم مستمرون في واجباتكم وإقطاعاتكم على ما عهدتموه ولا تنقصون منها ولا تبخسون فيها هذا إذا رغبتم في الإقامة في ظلال الدولة فإن آثرتم ما كنتم تذكرون الرغبة فيه من العودة إلى دياركم عند انفتاح البحر فهذا الأمان لكم إلى أن تتوجهوا مشمولين بالرعاية ملحوظين بالعناية ولكم الوفاء بجميع ذلك والله لكم به وكيل وكفيل وكفى به شهيدا
المذهب الثاني أن يفتتح الأمان المكتتب لأهل الكفر بالتحميد ثم يقال ولما كان كذا وكذا اقتضى حسن الرأي الشريف كذا وكذا ثم يقال فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يكون كذا وكذا على نحو ما يكتب في الولايات
وعلى ذلك كتب عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أمان لفراكس صاحب السرب من ملوك النصارى بالشمال وزوجته ومن معهما من الأتباع عند طلبهم التمكين من زيارة القدس الشريف وإزالة الأعراض عنهم واستصحاب العناية بهم إلى حين عودهم آمنين على أنفسهم وأموالهم من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء
ونصه بعد البسملة
أما بعد حمد الله الذي أمن بمهابتنا المناهج والمسالك ومكن لكلمتنا المطاعة في الأقطار والآفاق والممالك وأعان على لساننا بدعوة الحق التي

تنفي كل كرب حاك وتكفي كل كرب حالك والشهادة له بالوحدانية التي تنفي المشابه والمشارك وتفي بالميعاد من الإصعاد على الارائك والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنجده ببعوث الملإ الأعلى من الملائك وأيده بالصون الملازم والعون المتدارك ووعده أن سيبلغ ملك أمته ما بين المشرق والمغرب وأنجز له ذلك وعلى آله وصحبه الذين زحزحوا عن المهالك ونصحوا الله ورسوله وأكرم بأولئك فإن كرمنا يرعى الوفود وشيمنا تدعى فتجود وذممنا بها لحظ الحقوق وحفظ العهود فبخدمنا ينجح كل مقصود وبنعمنا تمنح الأماني والمنى وهما أعظم نعمتين في الوجود فليس آمل عن أبواب سماحنا بمردود ولا متوسل إلينا بضراعة إلا ويرجع المرام ويعود
ولما كانت حضرة الملك الجليل المكرم المبجل العزيز الموقر إستيفانوس فراكس كبير الطائفة النصرانية جمال الأمة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين صاحب السرب أطال الله بقاءه قد شمله إقبالنا المعهود ووصله إفضالنا الذي يحجز عن ميامنه السوء وينجز الوعود اقتضى حسن الرأي الشريف أن نيسر سبيله ونوفر له من الإكرام جسيمه كما وفرنا لغيره من الملوك مسوله وأن يمكن من الحضور هو وزوجته ومن معهما من أتباعهما إلى زيارة القدس الشريف وإزالة الأعراض عنهم وإكرامهم ورعايتهم واستصحاب العناية بهم إلى أن يعودوا إلى بلادهم آمنين على بلادهم آمنين على أنفسهم وأموالهم ويعاملوا بالوصية التامة ويواصلوا بالكرامة والرعاية إلى أن يعودوا في كنف الأمن وحريم السلامة وسبيل كل واقف عليه أن يسمع كلامه ويتبع إبرامه ولا يمنع عنهم الخير في سير ولا إقامة ويدفع عنهم الأذى حيث وردوا أو صدروا فلا يحذروا إلمامه والله تعالى يوفر لكل مستعين من أبوابنا أقساط الأمن وأقسامه ويظفر عزمنا المحمدي بالنصر السرمدي حتى يطوق الطائع والعاصي حسامه والعلامة الشريفة اعلاه حجة فيه والخير يكون إن شاء الله تعالى

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة التاسعة في كتابة الأمانات لأهل الإسلام وما يكتب فيها ومذاهب الكتاب في ذلك في القديم والحديث وأصله وفيه طرفان

الطرف الأول في أصله
اعلم أن هذا النوع فرع ألحقه الكتاب بالنوع السابق وإلا فالمسلم آمن بقضية الشرع بمجرد إسلامه بدليل قوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وإنما جرت عادة الملوك بكتابة الأمان لكل من خاف سطوتهم لا سيما من خرج عن الطاعة وخيف استشراء الفساد باستمرار خروجه عن الطاعة خوفا حتى صار ذلك هو أغلب ما يكتب من دواوين الإنشاء
وقد ورد في السنة ما يدل لذلك وهو ما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير أنه قال كنا بالمربد ومعنا مطرف إذ أتانا أعرابي ومعه قطعة أديم فقال أفيكم من يقرأ قلنا نعم فأعطانا الاديم فإذا فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله لبني زهير بن أقيش من عكل إنكم إن شهدتم أن

لاإله إلا الله وان محمدا رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي والصفي أو قال وصفية فأنتم آمنون بأمان الله ورسوله

الطرف الثاني فيما يكتب في الأمانات
وللكتاب في ذلك مذهبان
المذهب الأول أن يفتتح الأمان بلفظ هذا كتاب أمان أو هذا أمان ونحو ذلك على ما تقدم في الفصل السابق
قال في مواد البيان والرسم فيه هذا كتاب أمان كتبه فلان بن فلان الفلاني أمير المؤمنين أو وزيره لفلان بن فلان الفلاني الذي كان من حاله كذا وكذا فإنه قد أمنه بأمان الله تعالى وأمان رسوله وأمانه فإن كان عن الوزير قال وامان أمير المؤمنين فلان بن فلان وأمانه على نفسه وماله وشعره وبشره وأهله وولده وحرمه وأشياعه وأتباعه وأصحابه وحاله وذات يده وأملاكه ورباعه وضياعه وجميع ما يخصه ويخصهم أمانا صحيحا نافذا واجبا لازما لا ينقض ولا يفسخ ولا يبدل ولا يتعقب بمخاتلة ولادهان ولا مواربة ولاحيلة ولاغيلة وأعطاه على ذلك عهد الله وميثاقه وصفقة يمينه بنية خالصة له ولجميع من ذكرمعه وعفا له عن كل جريرة متقدمة وخطيئة سالفة إلى يوم تاريخ هذا الأمان وأحله من ذلك كله واستقبله بسلامة النفس ونقاء السريرة وأوجب له من الرعاية ما أوجبه لأمثاله ممن شمله ظله وكنفته رعايته حاضرا وغائبا وملكه من اختيار قريبا وبعيدا وأن لا يكرهه على ما لا يريده ولا يلزمه بما لا يختاره

قلت هذا ما أصله صاحب مواد البيان في كتابة الأمانات ومقتضاه افتتاح جميع الأمانات المكتتبة عن الخليفة أو الوزير أو غيرهما بلفظ هذا وسيأتي أن الأمانات قد تفتتح بغير هذا الإفتتاح من الحمد وغيره على ما سيأتي بيانه ولعل هذا كان مصطلح زمانه فوقف عنده
وبالجملة فالأمانات المكتتبة لأهل الإسلام على نوعين

النوع الأول ما يكتب عن الخلفاء وفيه مذهبان
المذهب الأول طريقة صاحب مواد البيان المتقدمة الذكر وهي أن يفتتح الأمان بلفظ هذا وحينئذ فيقال هذا كتاب أمان كتبه عبد الله فلان ابو فلان أمير المؤمنين الفلاني أعز الله تعالى به الدين وأدام له التمكين لفلان الفلاني فإنه قد أمنه بأمان الله تعالى وأمان رسوله وأمانه على نفسه وماله وشعره وبشره وأهله وولده وحرمه وأشياعه وأتباعه وأصحابه وحاله وذات يده وأملاكه ورباعه وضياعه وجميع ما يخصه ويخصهم أمانا صحيحا نافذا واجبا لازما لا ينقض ولا يفسخ ولا يبدل ولا يتعقب بمخاتلة ولا دهان ولا مواربة ولا حيلة ولا غيلة واعطاه على ذلك عهد الله وميثاقه وصفقة يمينه بنية خالصة له ولجميع من ذكر معه وعفا له عن كل جريرة متقدمة وخطيئة سالفة إلى يوم تاريخ هذا الأمان واحله من ذلك كله واستقبله بسلامة النفس ونقاء السريرة وأوجب له من الرعاية ما أوجبه لأمثاله ممن شمله ظله وكنفته رعايته حاضرا وغائبا وملكه من اختياره قريبا وبعيدا وأن لا يكرهه على ما لا يريده ولا يلزمه بما لا يختاره وغير ذلك مما يقتضيه الحال ويدعو إليه المقام
المذهب الثاني أن يفتتح الأمان بخطبة مفتتحة بالحمد والرسم فيه أن

يستفتح الأمان بخطبة يكرر فيها الحمد مرتين أو ثلاثا فأكثر بحسب ما يقتضيه حال النعمة على من يصدر عنه الأمان في الاستظهار على من يؤمنه يحمد الله في المرة الأولى على آلائه وفي الثانية على إعزاز دينه وفي الثالثة على بعثة نبيه وفي الرابعة على إقامة ذلك الخليفة من بيت النبوة لإقامة الدين ويأتي مع كل واحدة منها بما يناسب ذلك ثم يذكر الأمان في الأخيرة
وهذه نسخة أمان من هذا النمط كتب به عن بعض متقدمي خلفاء بني العباس ببغداد أوردها أبوا الحسين أحمد بن سعيد في كتاب البلاغة الذي جمعه في الترسل
الحمد لله المرجو فضله المخوف عدله باريء النسم وولي الإحسان والنعم السابق في الأمور علمه النافذ فيها حكمه بما أحاط به من ملك قدرته وأنفذ من عزائم مشيئته كل ما سواه مدبر مخلوق وهو أنشاه وابتداه وقدر غايته ومنتهاه
والحمد لله المعز لدينه الحافظ من حرماته ما تربض المتربضون عن حياطته المذكي من نوره ما دأب الملحدون لإطفائه حتى أعلاه وأظهره كما وعد في منزل فرقانه بقوله جل ثناؤه ( وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )
والحمد لله الذي بعث محمدا رحمة للعالمين وحجة على الجاحدين فختم به النبيين والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين وجعله الداعي إلى دين

الحق والشهيد على جميع الخلق فأدى إليهم ما استودع من الأمانة وبلغهم ما حمل من الرسالة فلما أنقذ الله به من التورط في الضلالة والتهور في العمى والجهالة وأوضح به المعالم والآثار ونهج به العدل والمنار اختار له ما لديه ونقله إلى ما أعد له في دار الخلود من النعيم الذي لا ينقطع ولا يبيد ثم جعله في لحمته وأهله وراثة بما قلدهم من خلافته في أمته وقدم لهم شواهد ما اختصهم به من الفضيلة وزلفة الوسيلة في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق منها ما أخبر به من تطهيره إياهم ليجعلهم لما اختاره معدنا ومحلا إذ يقول جل وعز ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ومنها ما أمر الله به رسوله من مسألته أمته المودة فقد أوضح لذوي الألباب أنهم موضع خيرته بتطهيره إياهم وأهل صفوته بما افترض من مودتهم وولاة الأمر الذين قرن طاعتهم بطاعته
ولم يزل الله بعظيم منه وإنعامه يدعم أركان دينه ويشيد أعلام هداه بإعزاز السلطان الذي هو ظله في أرضه وقوام عدله وقسطه والحجاز الذائد لهم عن التظالم والتغاشم والحصن الحريز عند مخوف البوائق وملم النوائب فليس يكيد ولاته المستقلين بحق الله فيه كائد ولا يجحد ما يجب لهم من حق الطاعة جاحد إلا من انطوى على غش الأمة ومحاولة التشتيت للكلمة
والحمد لله على ما تولى به أمير المؤمنين في البدء والعاقبة من الإدلاء بالحجة والتأييد بالغلبة عند نشوه من حيز وطأة الخفض متبعا لكتاب الله حيث سلك به حكمه مقتفيا سنة رسول الله حيث انسابت أمامه باذلا لله نفسه لا يصده وعيد من تكبر وعتا ولا يوحشه خذلان من أدبر وتولى منتظرا لمن نكث عهده وغدر بيعته والتمس المكر به

في حقه الآيات الموجبة في قوله ( ثم بغي عليه لينصرنه الله ) ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) مكتفيا بالله ممن خذله مستعينا به على من نصب لا يستفزه ما أجلب به الشيطان من خيله ورجله وهو في أنصاره المعتصمين لا تستهويهم الشبه في بصائرهم ولا تخونهم قواعد عزائمهم في ساعة العسرة من بعد ما كادت تزيغ قلوب فريق منهم فكتبهم أمير المؤمنين وأنهدم لعدوه ينتظرون إحدى الحسنيين من الفلج المبين والفوز بالشهادة والسعادة فليس يلفتهم عن حقهم ما يتلقون به من الترغيب والترهيب ولا يزدادون على عظيم التهاويل والأخطار إلا تقحما وإقداما متمثلين لسير إخوانهم قبلهم فيما اقتص الله عليهم من شأنهم إذ يقول جل وعز ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )
وكان بداية جند أمير المؤمنين في حربهم التقدم بالإعذار والإنذار والتخويف بالله جل وعز وأيامه وما هم مسؤولون عنه في مقامه من عهوده المؤكدة عليهم في حرمه وبين ركن كعبته ومقام خليله المعلقةفي بيته الشاهد عليها وفوده
فكان أول ما بصرهم الله به حجته التي لا يقطعها قاطع ولا يدفعها دافع ثم ما جعلهم الله عليه من التناصر والتوازر الذي فت في أعضادهم ورماهم به من التخاذل والتواكل فكلما نجمت لهم قرون اجتثها الله بحد أوليائه وكلما مرق منهم مارق أسال الله مهجته وأورثهم أرضه ودياره
ومخلوعهم المبتديء بما عادت عليهم نقمته ونكاله قد أعلق بالردة وصرحت شياطينه بالغدر والنكث ويرى بذلك الذل في نفسه وحزبه وتنتقص

عليه الأرض من أطرافها وأقطارها ويؤتى بنيانه من قواعده ويرد الله جيوشهم مفلولة وجنودهم مخلاة عن مراكزها مقموعا باطلها وليس مع ما ناله من سخط الله جل وعز نازعا عن انتهاك محارمه ومآثمه ولا محدثا عن جائحة يحلها به إحجاما عن التقحم في ملاحمه الملبسة له في عاجل ما يرديه ويوبقه وآجل ما يرصد الله به المعاندين عن سبيله الناكبين عن سنة رسول الله
وأمير المؤمنين إذ جمع الله له متباين الألفة وضم له منتشر الفرقة على معرفته بحربه وحزبه وعدوه ووليه ومن سعى له أو عليه أو أطاع الله أو عصاه فيه من واف ببيعه أو خاتر بإل وذمة جدير أن يعم بجميل نظره كافة رعيته ويتعطف عليهم بحسن عائدته ويشملهم بمبسوط عدله وكريم عفوه وتقديم أهل الأفكار المحمودة في المواطن المشهودة بما لم تزل أنفسهم تشرئب إليه وأعينهم ترنو نحوه لتحمد عنهم عاقبة الطاعة ويعجل لهم الوفاء بما وعدهم من الجزاء إلى ما ذخره لهم من حسن المثوبة ومزيد الشكران وأمر لفلان بكذا ولمن قبله من أهل الغناء بكذا وأمن الأسود والأحمر ما خلا الملحد ابن الربيع فإنه سعى في بلاد الله وعباده سعي المفسدين والتمس نقض وثائق الدين
فجميع من حل مدينة السلام آمنون بأمان الله غير متبعين بترة ولا مطلوبين بإحنة فلا تدخلن أحدا وحشة منهم لضغينة يظن بأمير المؤمنين الانطواء عليها ولا يحملنه ما عفا له عنه من ذنبه على خلاف ما هو مستوجب من ثواب طاعته أو نكال معصيته فإن الله جل وعز يقول ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )

فاحمدوا الله على ما ألهم خليفتكم من إثابة أهل السوابق منكم بأوفى سعيهم والتطول على عامة جنده بما شملهم برفقه وحسنت عليهم عائدته وما تعطف به على أهل التفريط من إقالة هفواتهم وعثراتهم حتى صرتم بنعمة الله إخوانا مترافدين قد أذهب الله أضغانكم ونزع حسائك صدروكم ورد ألفتكم إلى أحسن ما يكون وصرتم بين متقدم بغناء ومقمع بإحسان فحافظوا على ما يرتبط به راهن النعمة ويستدعى به حسن المزيد إن شاء الله تعالى

النوع الثاني من الأمانات التي تكتب لأهل الإسلام ما يكتب به عن الملوك
وهو على ضربين
الضرب الأول ما كان يكتب من هذا النمط في الزمن السابق مما كان يصدر عن
وزراء الخلفاء والملوك المتغلبين على الأمر معهم ولهم فيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن يصدر بالتماس المستأمن الأمان
وهذه نسخة أمان من هذا الأسلوب كتب بها أبو إسحاق بن هلال الصابي عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه الديلمي لبعض من كان متخوفا منه وهو
هذا كتاب من صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة

وتاج الملة أبي شجاع بن ركن الدولة أبي علي مولى أمير المؤمنين لفلان بن فلان
أنك ذكرت رغبتك في الانحياز إلى جملتنا والمصير إلى حضرتنا والسكون إلى ظلنا والسكنى في كنفنا والتمست التوثقة منا بما تطيب به نفسك ويطمئن إليه قلبك فتقبلنا ذلك منك وأوجبنا به الحق والذمام لك وأمناك بأمان الله جل ثناؤه وأمان رسوله وأمان أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وأماننا علىنفسك وجوارحك وشعرك وبشرك وأهلك وولدك ومالك وذات يدك أمانا صحيحا ماضيا نافذا واجبا لازما ولك علينا بالوفاء به إذا صرت إلينا عهد الله وميثاقه من غير نقض له ولا فسخ لشيء منه ولا تأول عليك فيه على كل وجه سبب
ثم إنا نتناولك إذا حضرت بالإحسان والإجمال والإصطناع والإفضال موفين بك على أملك ومتجاوزين حد ظنك وتقديرك فاسكن إلى ذلك وثق به وتيقن أنك محمول عليه ومفض إليه ومن وقف على كتابنا هذا من عمال الخراج والمعاون وسائر طبقات الأولياء والمتصرفين في أعمالنا فليعمل بما فيه وليحذر من تجاوزه أو تعديه إن شاء الله تعالى
وعلى نحو من ذلك كتب أبو إسحاق الصابي عمن صمصام الدولة المقدم ذكره الأمان لجماعة عن عرب المنتفق بواسطة محمد بن المسيب وهو

هذا كتاب منشور من صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع بن ركن الدولة أبي علي مولى أمير المؤمنين لجماعة من العرب من المنتفق الراغبين في الطاعة والداخلين فيها مع أولياء الدولة
إن محمد بن المسيب سأل في أمركم وذكر رغبتكم في الخدمة والانحياز إلى الجملة والتمس أمانكم على نفوسكم وأموالكم وأهلكم وعشيرتكم على أن تلزموا الاستقامة وتسلكوا سبيل السلامة ولا تخيفوا سبيلا ولا تسعوا في الأرض فسادا ولا تخالفوا للسلطان وولاة أعماله أمرا ولا تؤوا له عدوا ولا تعادوا له وليا ولا تجيروا أحدا خرج عن طاعته ولا تذموا لأحد طلبه ولا تخونوه في سر ولا جهر ولا قول ولا عمل فرأينا قبول ذلك منكم وإجابة محمد إلى ما رغب فيه عنكم وتضمنته العهدة فيما عقد من هذا الأمان لكم على شرائطه المأخوذة عليكم في الكف عن الرعية والسابلة وأهل السواد والحاضرة وترك التعرض للمال والدم أو الانتهاك لذمة أو مجرم أو الارتكاب لمنكر أو مأثم
فكونوا على هذه الحدود قائمين وللصحة والاستقامة معتقدين ولأحداثكم ضابطين وعلى أيدي سفهائكم آخذين وأنتم مع ذلك آمنون بأمان الله جل جلاله وأمان رسوله وأمان مولانا أمير المؤمنين وأماننا على نفوسكم وأموالكم وأحوالكم وكل داخل في هذا الأمان وشرائطه معكم من أهلكم وعشيرتكم وأتباعكم ومن ضمته حوزتكم
ومن قرأ هذا الكتاب من عمال الخراج والمعاون والمتصرفين في الحمارة والسيارة وغيرهم من جميع الأسباب فليعمل بمتضمنه وليحمل جماعة هؤلاء القوم على موجبه إن شاء الله تعالى

الأسلوب الثاني أن لا يتعرض في الأمان لالتماس المستأمن الأمان
وهذه نسخة أمان على هذا الأسلوب أورده أبو الحسين بن الصابي في كتابه غرر البلاغة ونصه بعد البسملة
هذا كتاب من فلان مولى أمير المؤمنين لفلان
إننا أمناك على نفسك ومالك وولدك وحرمك وسائر ما تحويه يدك ويشتمل عليه ملكك بأمان الله جلت أسماؤه وعظمت كبرياؤه وأمان محمد رسوله وأماننا أمانا صحيحا غير معلول وسليما غير مدخول وصادقا غير مكذوب وخالصا غير مشوب لا يتداخله تأويل ولا يتعقبه تبديل قد كفله القلب المحفوظ وقام به العهد الملحوظ على أن تشملك الصيانة فلا يلحقك اعتراض معترض وتكنفك الحراسة فلا يطرقك اغتماض مغتمض وتعزك النصرة فلا ينالك كف متخطف ولا تمتد إليك يد متطرف بل تكون في ظل السلامة راتعا وفي محاماة الأمانة وادعا وبعين المراعاة ملحوظا ومن كل تعقب وتتبع محفوظا لك بذلك عهد الذي لا يخفر ومواثيقه التي لا تنكث وذمامه الذي لا يرفض وعهده الذي لا ينقض
المذهب الثاني مما يكتب به في الأمانات لأهل الإسلام أن يفتتح الأمان
بلفظ رسم كما تفتتح صغار التواقيع والمراسيم وهي طريقة غريبة
وهذه نسخة أمان على هذا النمط أوردها محمد بن المكرم أحد كتاب ديوان الإنشاء في الدولة المنصورية قلاوون في تذكرته التي سماها تذكرة اللبيب كتب بها عن المنصور قلاوون المقدم ذكره للتجار الذي يصلون إلى

مصر من الصين والهند والسند واليمن والعراق وبلاد الروم من إنشاء المولى فتح الدين بن عيد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية وهي
رسم أعلى الله الأمر العالي لا زال عدله يحل الرعايا من الأمن في حصن حصين ويستخلص الدعاء لدولته الزاهرة من أهل المشارق والمغارب فلا أحد إلا وهو من المخلصين ويهييء برحابها للمعتفين جنة عدن من أي أبوابها شاء الناس دخولا من العراق من العجم من الروم من الحجاز من الهند من الصين أنه من أراد من الصدور الأجلاء الأكابر التجار وأرباب التكسب وأهل التسبب من أهل هذه الأقاليم التي عددت والتي لم تعدد ومن يؤثر الورود إلىممالكنا إن أقام أو تردد النقلة إلى بلادنا الفسيحة أرجاؤها الظليلة أفياؤها وأفناؤها فليعزم عزم من قدر الله له في ذلك الخير والخيرة ويحضر إلى بلاد لا يحتاج ساكنها إلى ميرة ولا إلى ذخيرة لأنها في الدنيا جنة عدن لمن قطن ومسلاة لمن تغرب عن الوطن ونزهة لا يملها بصر ولا تهجر للإفراط في الخصر والمقيم بها في ربيع دائم وخير ملازم ويكفيها أن من بعض أوصافها أنها شامة الله في أرضه وأن بركة الله حاصلة في رحل من جعل الإحسان فيها من قراضه والحسنة من قرضه ومنها ما إذا أهبط إليها آمل كان له ما سأل إذ أصبحت دار إسلام بجنود تسبق سيوفهم العذل وقد عمر العدل أوطانها وكثر سكانها واتسعت أبنيتها إلى أن صارت ذات المدائن وأيسر المعسر فيها فلا يخشى سورة المداين إذ المطالب بها غير متعسرة والنظرة فيها إلى ميسرة وسائر الناس وجميع التجار لا يخشون فيها من يجور فان العدل قد أجار

فمن وقف على مرسومنا هذا من التجار المقيمين باليمن والهند والصين والسند وغيرهم فليأخذ الاهبة في الارتحال إليها والقدوم عليها ليجد الفعال من المقال أكبر ويرى إحسانا يقابل في الوفاء بهذه العهود بالأكثر ويحل منها في بلدة طيبة ورب غفور وفي نعمة جزاؤها الشكر وهل يجازى إلا الشكور وفي سلامة في النفس والمال وسعادة تجلي الأحوال وتمول الآمال ولهم منا كل ما يؤثرونه من معدلة تجيب داعيها وتحمد عيشتهم دواعيها وتبقي أموالهم على مخلفيهم وتستخلصهم لأن يكونوا متفيئين في ظلالها وتصطفيهم ومن أحضر معه بضائع من بهار وأصناف تحضرها تجار الكارم فلا يحاف عليه من حق ولا يكلف أمرا يشق فقد أبقى لهم العدل ما شاق ورفع عنهم ما شق ومن أحضر معه منهم مماليك وجواري فله في قيمتهم ما يزيد على ما يريد والمسامحة بما يتعوضه بثمنهم على المعتاد في أمر من يجلبهم من البلد القريب فكيف من البعيد لأن رغبتنا مصروفة إلى تكثير الجنود ومن جلب هؤلاء فقد أوجب حقا على الجود فليستكثر من يقدر على جلبهم ويعلم أن تكثير جيوش الإسلام هو الحاث على طلبهم لأن الإسلام بهم اليوم في عز لواؤه المنشور وسلطانه المنصور ومن أحضر منهم فقد أخرج من الظلمات إلى النور وذم بالكفر أمسه وحمد بالإيمان يومه وقاتل عن الإسلام عشيرته وقومه
هذا مرسومنا إلى كل واقف عليه من تجار شأنهم الضرب في الأرض ( يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ) ليقرأوا منه ما تيسر لهم من حكمه ويهتدوا بنجمه ويغتذوا بعلمه ويمتطوا كاهل الأمل الذي يحملهم علىالهجرة ويبسطوا أيديهم بالدعاء لمن يستدني إلى بلاده

الخلائق ليفوزوا من إحسانه بكل نضارةوبكل نظرة ويغتنموا أوقات الربح فإنها قد أدنت قطافها وبعثت بهذه الوعود الصادقة إليهم تحقق لهم حسن التأميل وتثبت عندهم أن الخط الشريف أعلاه الله حاكم بأمر الله على ما قالته الأقلام ونعم الوكيل
قلت هذا المكتوب وإن لم يكن صريح أمان فإنه في معنى الأمان كما أشار إليه ابن المكرم وفيه غرابتان إحداهما الافتتاح برسم والثانية الكتابة به إلى الآفاق البعيدة والأقطار النائية إشارة إلى امتداد لسان قلم هذه المملكة إليهم

الضرب الثاني من الأمانات التي تكتب لأهل الإسلام ما عليه مصطلح زماننا
وهي صنفان
الصنف الأول ما يكتب من الأبواب السلطانية
والنظر فيه من جهة قطع الورق ومن جهة الطرة ومن جهة ما يكتب في المتن
فأما قطع الورق فقد قال في التثقيف إن الأمان لا يكتب إلا في قطع العادة
قلت والذي يتجه أن تكون كتابة أمان كل أحد في نظير قطع ورق المكاتبة إليه فإن كان ممن تكتب المكاتبة إليه في قطع العادة كتب له في قطع العادة وإن كان في قطع فوق ذلك كتب فيه
وأما الطرة فقد قال في التثقيف إنه يكتب في أعلى الدرج في الوسط الاسم الشريف كما في المكاتبات وغيرها ثم يكتب من أول عرض الورق إلى آخره كما في سائر الطرر ما صورته

أمان شريف لفلان بن فلان الفلاني بأن يحضر إلى الأبواب الشريفة أو إلى بلده أو مكانه أو نحو ذلك آمنا على نفسه وأهله وماله ولا يصيبه سوء ولا يناله ضيم ولا يمسه أذى على ما شرح فيه
قلت والعلامة في الأمان الاسم والبياض بعد الطرة على ما في المكاتبات إما وصلان أو ثلاثة بحسب ما تقتضيه رتبة صاحب الأمان وبحسب ما يقتضيه الحال من مداراة من يكتب له الأمان لخوف استشراء شره وما يخالف ذلك
وأما متن الامان فإنه تكتب البسملة في أول الوصل الثالث أو الرابع بهامش من الجانب الأيمن كما في المكاتبات ثم يكتب سطر من الأمان تحت البسملة على سمتها ويخلى موضع العلامة بياضا كما في المكاتبات ثم يكتب السطر الثاني وما يليه على نسق المكاتبات
قال في التعريف ويجمع المقاصد في ذلك أن يكتب بعد البسملة هذا أمان الله تعالى وأمان نبيه محمد نبي الرحمة وأماننا الشريف لفلان بن فلان الفلاني ويذكر أشهر أسمائه وتعريفه على نفسه وأهله وماله وجميع أصحابه وأتباعه وكل مايتعلق به من قليل وكثير وجليل وحقير أمانا لايبقى معه خوف ولا جزع في أول أمره ولا آخره ولا عاجله ولا آجله يخص ويعم وتصان به النفس والاهل والولد والمال وكل ذات اليد فليحضر هو وبنوه وأهله وذووه وأقربوه وغلمانه كل حاشيته وجميع ما يملكه من دانيته وقاصيته وليصل بهم إلينا ويفد على حضرتنا في ذمام الله وكلاءته وضمانة هذا الأمان له ذمة الله وذمة رسوله أن لا يناله مكروه منا ولا من أحد من قبلنا ولايتعرض إليه بسوء ولا أذى ولا يرنق له مورد بقذى وله منا

الإحسان والصفاء بالقلب واللسان والرعاية التي تؤمن سربه وتهنيء شربه ويطمئن بها خاطره وترفرف عليه كالسحاب لا يناله إلا ماطره
فليحضر واثقا بالله تعالى وبهذا الأمان الشريف وقد تلفظنا له به ليزداد وثوقا ولا يجد بعده سوء الظن إلى قلبه طريقا وسبيل كل واقف عليه إكرامه في حال حضوره واجراؤه على أحسن ما عهد من أموره وليكن له ولكل من يحضر معه أوفر نصيب من الإكرام وتبليغ قصارى القصد ونهاية المرام والاعتماد على الخط الشريف أعلاه
وذكر في التثقيف بصيغة اخرى أخصر من هذه وهي
هذا أمان الله عز و جل وأمان رسوله وأماننا الشريف لفلان بن فلان الفلاني بأن يحضر إلى الأبواب الشريفة آمنا على نفسه وأهله وماله لا يصيبه سوء ولا يناله ضيم ولا يمسه أذى فليثق بالله وبهذا الأمان الشريف ويحضر إلى الأبواب الشريفة آمنا مطمئنا لا يصيبه سوء ولا يناله أذى في نفس ولامال ولا أهل ولا ولد والاعتماد على الخط الشريف أعلاه والله الموفق بمنه وكرمه
وزاد فقال ثم التاريخ والمستند والحسبلة ولا يكتب فيه إن شاء الله تعالى لأنها تقتضي الاستثناء فيما وقع من الأمان المذكور
ثم قال هذا هو الأمر المستقر من ابتداء الحال وإلى آخر وقت لم يكتب خلاف ذلك غير أن القاضي شهاب الدين ذكر النسخة المذكورة بزيادات حسنة لا بأس بها لكنني لم أر أنه كتب بها في وقت من الأوقات ثم قال وهي في غاية الحسن وكان الاولى أن لا يكتب إلا هي
قلت وقد رأيت عدة نسخ أمانات فيها زيادات ونقص عما ذكره في التعريف والتثقيف والتحقيق ما ذكره صاحب مواد البيان وهو أن مقاصد

الأمان تختلف باختلاف الأحوال والذي يضبط إنما هو صورة الأمان أما المقاصد فإن الكاتب يدخل في كل أمان ما يليق به مما يناسب الحال
وهذه نسخة أمان كتب بها الأسد الدين رميثة أمير مكة في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري وهي
هذا أمان الله سبحانه وتعالى وامان رسوله سيدنا محمد وأماننا الشريف للمجلس العالي الأسدي رميثة ابن الشريف نجم الدين محمد بن أبي نمي بأن يحضر إلى خدمة السنجق الشريف المجهز صحبة الجناب السيفي أيتمش الناصري آمنا على نفسه وماله وأهله وولده وما يتعلق به لا يخشى حلول سطوة قاصمة ولا يخاف مؤاخذة حاسمة ولا يتوقع خديعة ولا مكرا ولا يجد سوءا ولاضرا ولا يستشعر مهابة ولا وجلا ولا يرهب بأسا وكيف يرهب من أحسن عملا بل يحضر إلى خدمة السنجق آمنا على نفسه وماله وآله مطمئنا واثقا بالله وبرسوله وبهذا الأمان الشريف المؤكد الأسباب المبيض للوجوه الكريمة الأحساب وكل ما يخطر بباله أنا نؤاخذه به فهو مغفور ولله عاقبة الأمور وله منا الإقبال والتأمير والتقديم وقد صفحنا الصفح الجميل ( إن ربك هو الخلاق العليم )
فليثق بهذا الأمان الشريف ولا تذهب به الظنون ولايصغ إلى الذين لا

يعملون ولا يستشر في هذا الأمر غير نفسه ولا يظن إلا خيرا فيومه عندنا ناسخ لأمسه وقد قال فيما يرويه عن ربه أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا
فتمسك بعروة هذا الأمان فإنها وثقى واعمل عمل من لا يضل ولا يشقى ونحن قد أمناك فلا تخف ورعينا لك الطاعة والشرف وعفا الله عما سلف ومن أمناه فقد فاز فطب نفسا وقر عينا فأنت أمير الحجاز
قلت هذا الأمان إنشاء مبتكر مطابق للواقع وهكذا يجب أن يكون كل أمان يكتب
وهذه نسخة أمان كتب بها عن السلطان الملك الظاهر برقوق عند محاصرته لدمشق بعد خروجه من الكرك بعد خلعه من السلطنة أمن فيها أهل دمشق خلا الشيخ شهاب الدين بن القرشي وجردمر الطاربي كتب في ليلة

يسفر صباحها عن يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وهي
هذا أمان الله سبحانه وتعالى وأمان نبيه سيدنا محمد نبي الرحمة وشفيع الأمة وكاشف الغمة واماننا لكل واقف عليه من أهل مدينة دمشق المحروسة من القضاة والمفتين والفقهاء وطالبي العلم الشريف والفقراء والمساكين والأمراء والأجناد والتجار والمتسببين والشيوخ والكهول والشبان والكبار والصغار والذكور والإناث والخاص والعام من المسلمين وأهل الذمة إلا جردمر الطاربي وأحمد بن القرشي على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأهلهم وحرمهم وأصحابهم وأتباعهم وغلمانهم وقبائلهم وعشائرهم ودوابهم وما يملكونه من ناطق وصامت وكل ما يتعلق بهم من كثير وقليل وجليل وحقير أمان لا يبقى معه خوف ولا جزع في أول أمره ولا في آخره ولا في عاجله ولا في آجله ولا ضر ولا مكر ولا غدر ولا خديعة يخص ويعم وتصان به النفس والمال والولد والأهل وكل ذات يد
فليحضروا ببنيهم وأهلهم وذويهم وأقربائهم وغلمانهم وحاشيتهم وجميع ما يملكونه من ناطق وصامت ودان وقاص وليصلوا بهم إلينا وليفدوا بهم على حضرتنا الشريفة في ذمام الله تعالى وكلاءته وضمان هذا الأمان لهم ذمة الله تعالى وذمة رسوله سيدنا محمد نبي الرحمة أن لا ينالهم مكروه منا ولا من أحد من قبلنا ولا يتعرض إليهم بسوء ولا أذى ولا يرنق لهم مورد بقذى ولهم منا الإحسان والصفاء بالقلب واللسان والرعاية التي نؤمن بها

سربهم ونهنيء بها شربهم ويطمئن بها حاطرهم وترفرف عليهم كالسحاب لا ينالهم إلا ماطرهم
فليحضروا واثقين بالله تعالى وبرسوله الأمان الشريف وقد تلطفنا بهم ليزدادوا وثوقا ولا يجد سوء الظن بعد ذلك إلى قلوبهم طريقا وسبيل كل واقف عليه إكرامهم في حال حضورهم وإجراؤهم على أكمل ما عهدوه من أمورهم وليكن لهم ولكل من يحضر معهم وما يحضر أوفر نصيب من الإكرام والقبول والإحترام وتبليغ قصارى القصد ونهاية المرام والصفح والرضا والعفو عما مضى وليتمسكوا بعروة هذا الأمان المؤكد الأسباب الفاتح إلى الخيرات كل باب وليثقوا بعروته الوثقى فإنه من تمسك بها لا يضل ولا يشقى وليشرحوا بالصفح عما مضى صدرا ولا يخشوا ضيما ولا ضرا ولا يعرض كل منهم على نفسه شيئا مما جنى واقترف فقد عفا الله عما سلف
ونحن نعرفهم أن هذا أماننا بعد صبرنا عليهم نيفا وأربعين يوما مع قدرتنا على دوس ديارهم وتخريبها واستئصال شأفتهم ولكنا منعنا من ذلك الكتاب العزيز والسنة الشريفة فإننا مستمسكون بهما وخوفنا من الله تعالى ومن نبيه سيدنا محمد واليوم الآخر ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) وهم يغالطون أنفسهم ويظنون أن تأخيرنا عنهم عن عجز منا
فليتلقوا هذا الأمان الشريف بقلبهم وقالبهم وليرجعوا إلىالله تعالى وليصونوا دماءهم وأموالهم وأولادهم وحرمهم وديارهم فقد رأوا ما حل بهم من نكثهم وبغيهم قال الله عز و جل ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) وقال عز من قائل ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) في معرض المدح لمن وفى بعهده وقال جل وعلا

( ثم بغي عليه لينصرنه الله ) وقال تبارك وتعالى ( يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) وقال تعالى ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وقال النبي ثلاث من كن فيه كن عليه المكر والبغي والخديعة وقال عليه السلام المرء مجزي بعمله وقال عليه السلام الجزاء من جنس العمل وقال أهل التصوف الطريق تأخذ حقها وقال أهل الحكمة الطبيعة كافية وقال الشاعر
( قضىالله أن البغي يصرع أهله ... وأن على الباغي تدور الدوائر )
ثم إنهم يعللون آمالهم بعسى ولعل ويقولون العسكر المصري واصل إليهم نجدة لهم وهذا والله من أكبر حسراتنا أن تكون هذه الإشاعة صحيحة وبهذا طمعت آمالنا وصبرنا هذه المدة الطويلة وتمنينا حضوره ورجوناه فإنه بأجمعه مماليك أبوابنا الشريفة وقد صارت الممالك الشريفة الإسلامية المحروسة في حوزتنا الشريفة ودخل أهلها تحت طاعتنا المفترضة على كل مسلم يؤمن بالله تعالى وبنبيه سيدنا محمد وباليوم الآخر من حاضر وباد وعربان وأكراد وتركمان وقاص ودان وهم يتحققون ذلك ويكابرون في المحسوس ويتعللون بعسى ولعل ويقولون ياليت فيقال لهم هيهات
فليستدركوا الفارط قبل أن يعضوا أيديهم ندما وتجري أعينهم بدل الدموع دما وهذا منا والله أمان ونصيحة في الدنيا والآخرة والله تعالى رب النيات وعالم الخفيات يعلمون ذلك ويعتمدونه والله تعالى يوفقهم فيما يبدئونه ويعيدونه والخط الشريف شرفه الله تعالى وأعلاه وصرفه في الآفاق وامضاه اعلاه حجة فيه

قلت وهذا الأمان أوله ملفق من كلام التعريف وغيره وآخركلامي سوقي مبتذل نازل ليس فيه شيء من صناعة الكلام
تنبيه من غرائب الأمانات ما حكاه محمد بن المكرم في كتابه تذكرة اللبيب أن رسل صاحب اليمين وفدت على الأبواب السلطانية في الدولة المنصورية قلاوون في شهر رمضان سنة ثمانين وستمائة وسألوا السلطان في كتب أمان لصاحب اليمن وأن يكتب على صدره صورة أمان له ولأولاده فكتب له ذلك وشملته علامة السلطان وعلامة ولده ولي عهده الملك الصالح علي وأعلمهم أن هذا مما لم تجر به عادة وإنما أجابهم إلى ذلك إكراما لمخدومهم وموافقة لغرضه واقتراحه

الصنف الثاني من الأمانات الجاري عليها مصطلح كتاب الزمان ما يكتب عن
نواب الممالك الشامية
وهو على نحو ما تقدم ذكره مما يكتب عن الأبواب السلطانية إلا أنه يزاد فيه وأمان مولانا السلطان وتذكر ألقابه المعروفة ثم يؤتى على بقية الأمان على الطريقة المتقدمة ويقال في طرته أمان كريم ويقال في آخره والعلامة الكريمة كما تقدم في التواقيع
وهذه نسخة أمان كتب به عن نائب السلطنة بحلب في نيابة الأمير قشتمر المنصوري في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين لبعض من أراد تأمينه وهي
هذا أمان الله سبحانه وتعالى وأمان نبيه سيدنا محمد وأمان مولانا السلطان الأعظم العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد

المالك الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظالمين قامع الكفرة والمشركين قاهر الطغاة والمعتدين مؤمن قلوب الخائفين والتائبين ملك البحرين صاحب القبلتين خادم الحرمين الشريفين وارث الملك سلطان العرب والعجم والترك ملك الأرض الحاكم في طولها والعرض سيد الملوك والسلاطين قسيم أمير المؤمنين شعبان ابن الملك الأمجد جمال الدنيا والدين حسين ابن مولانا السلطان الشهيد الملك الناصر ناصر الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محمد ابن مولانا السلطان الشهيد الملك المنصور قلاوون خلد الله ملكه وجعل الأرض بأسرها ملكه إلى فلان بالحضور إلى الطاعة الشريفة طيب القلب منبسط الأمل آمنا على نفسه وماله وأولاده وجماعته وأصحابه ودوابه لا يخاف ضررا ولا مكرا ولا خديعة ولا غدرا وله مزيد الإكرام والاحترام والرعاية الوافرة الأقسام والعفو والرضا والصفح عما مضى
فليتمسك بعروة هذا الأمان المؤكد الأسباب الفاتح إلى الخيرات كل باب وليثق بعروته الوثقى فإنه من تمسك بها لا يضل ولا يشقى وليشرح بالصفح عما مضى صدرا ولا يخش ضيما ولا ضرا ولا يعرض على نفسه شيئا مما جنى واقترف فقد عفا الله عما سلف والخط الكريم أعلاه الله تعالى أعلاه حجة فيه
قلت ومما ينبغي التنبيه عليه في الأمانات أنه إن احتاج الأمر في الأمان إلى الايمان أتى بها بحسب ما يقتضيه حال الحالف والمحلوف له على ما تقدم ذكره في المقالة الثامنة

الباب الثاني من المقالة التاسعة في الدفن والمراد به دفن ذنوب من يكتب
له حتى لم تر بعد وفيه فصلان
الفصل الأول في أصله وكونه مأخوذا عن العرب
والأصل فيه ما ذكره في التعريف أن العرب إذا جنى أحد منهم جناية وأراد المجني عليه العفو عما وقع فالتعويل في الصفح فيها علىالدفن قال في التعريف وطريقتهم فيه أن تجتمع أكابر قبيلةالذي يدفن بحضور رجال يثق بهم المدفون له ويقوم منهم رجل فيقول للمجني عليه نريد منك الدفن لفلان وهو مقر بما أهاجك عليه ويعدد ذنوبه التي أخذ بها ولا يبقي منها بقية ويقر الذي يدفن ذلك القائل على أن هذا جملة ما نقمه على المدفون له ثم يحفر بيده حفيرة في الأرض ويقول قد القيت في هذه الحفيرة ذنوب فلان التي نقمتها عليه ودفنتها له دفني لهذه الحفيرة ثم يرد تراب الحفيرة إليها حتى يدفنها بيده قال وهو كثير متداول بين العرب ولا يطمئن خاطر المذنب منهم إلا به إلا أنه لم تجر للعرب فيه عادة بكتابة بل يكتفى بذلك الفعل بمحضر كبار الفريقين ثم لو كانت دماء أو قتلى عفيت وعفت بها آثار الطلائب

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة التاسعة فيما يكتب في الدفن عن
الملوك
قال في التعريف صورته أن يكتب بعد البسملة هذا دفن لذنوب فلان من الآن لا تذكر ولا يطالب بها ولا يؤاخذ بسببها اقتضته المراحم الشريفة السلطانية الملكية الفلانية ضاعف اله تعالى حسناتها وإحسانها وهي ما بدا من الذنوب لفلان من الجرائم التي ارتكبها والعظائم التي احتقبها وحصل العفو الشريف عن زللها وقابل الإحسان العميم بالتغمد سوء عملها وهي كذا وكذا وتذكر دفنا لم تبق معه مؤاخذة بسبب من الأسباب ومات به الحقد وهيل عليه التراب ولم يبق معه لمطالب بشيء منه مطمع ولا في إحيائه رجاء وفي غير ما وارت الأرض فاطمع وتصدق بها سيدنا ومولانا السلطان الأعظم ويذكر القابه واسمه تقبل الله صدقته وعفا عنها وقطع الرجاء باليأس منها وأبطل منها كل حق يطلب وصفح منها عن كل ذنب كان به يستذنب ودفنها تحت قدمه ونسيها في علم كرمه وخلاها نسيا منسيا لا تذكر في خفارة ذممه وجعله بها مقيما في أمن الله تعالى إلى أن يبعث الله تعالىخلقه ويتقاضى كما يشاء حقه لا يتعقب في هذا الأمان متعقب ولا ينتهي إلى أمد له نظر مترقب لا ينبش هذا الدفين ولا يوقف له على أثر في اليوم ولا بعد حين ولا يخشى فيه صبر مصابر ولا يقال فيه إلا وهبها كشيء لم يكن أو كنازح به الدار أو من غيبته المقابر ورسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي

الفلاني أعلاه الله تعالى وشرفه وغفر به لكل مذنب ما أسلفه أن يكتب له هذا الكتاب بما عفي له عنه وحفر له ودفن وأصبح بعمله غير مرتهن ودفن له فيه دفن العرب وقطع في التذكر له أرب كل ذي أرب ودرس في القبور الدوارس وغيب مكانه فيما طمر في الليالي الدوامس
وسبيل كل واقف على هذا الكتاب وهو الحجة على من وقف عليه أو بلغه خبره أو سمعه أو وضح له أثره ان يتناسى هذه الوقائع ويتخذها فيما تضمنته الأرض من الودائع ولا يذكر منها إلا ما اقتضاه حلمنا الذي يؤمن معه التلف وعفونا الذي شمل وعفا الله عما سلف
قال في التثقيف ولم أكن رأيت شيئا من هذا ولا وجدته مسطورا إلا في كتابة التعريف قال والذي أعتقده أنه لم يكتب به قط وإنما الرجل بسعة فضله وفضيلته أراد أن يرتب هذه النسخة لاحتمال أن يؤمر بكتابة شيء من هذا المعنى فلا يهتدي الكاتب إلى ما يكتبه ثم قال على أنه كرر فيها ذكر السلطان مرتين والثالثة قال رسم بالأمر الشريف فهي على غير نحو من النظام المعهود والمصطلح المعروف بحكم ان فيها أيضا توسعا كثيرا في العبارة والألفاظ التي تؤدي كلها معنى واحدا قال وكان الأولى بنا اختصار ذلك وعدم كتابته لكننا أردنا التنبيه على ما أشار إليه ليكون هذا الكتاب مستوعبا لجميع ما ذكر مما يستعمل ومما لا يستعمل
قلت ما قاله في التثقيف كلام ساقط صادر عن غير تحقيق فإنه لا يلزم من عدم اطلاعه على شيء كتب في هذا المعنى ولا سطر فيه أن لا يكون مسطورا لأحد في الجملة وماذا عسى يبلغ اطلاع المطلع فضلا عن غيره وإن كان صاحب التعريف هو الذي ابتكر ذلك كما أشار إليه في التثقيف فنعمت السجية الآتية بمثل ذلك مما لم يسبق إليه وأما إنكاره تكرير ذكر السلطان فيها

فلا وجه له بعد انتظام الكلام وحسن ما أتى به في التعريف سواء كان فيه مبتكرا أو متتبعا او منتزعا له من الأصل السابق
وأحسن ما يكتب في ذلك في تأمين العربان لأنه إنما أخذ عنهم فإذا صدر إليهم شيء يعرفونه ويجري على قواعدهم التي يألفونها تلقوه بالقبول واطمأنت إليه قلوبهم ووقع منهم أجل موقع وبالله المستعان

الباب الثالث من المقالة التاسعة فيما يكتب في عقد الذمة وما يتفرع على
ذلك وفيه فصلان
الفصل الأول في الأصول التي يرجع إليها هذا العقد وفيه طرفان
الطرف الأول في بيان رتبة هذا العقد ومعناه وأصله من الكتاب والسنة وما
ينحرط في سلك ذلك
أما رتبته فإنه دون الأمان بالنسبة إلى الإمام وذلك أنه إنما يقرره بعوض يأخذه منهم بخلاف الأمان
وأما معناه فقد قال الغزالي في الوسيط إنه عبارة عن التزام تقريرهم في ديارنا وحمايتهم والذب عنهم ببذل الجزية أو الإسلام من جهتهم
وأما الأصل فيه فمن الكتاب قوله تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فجعل الجزية غاية ما يطلب منهم وهو دليل تقريرهم بها

ومن السنة ما ورد أن النبي حين وجه معاذ بن جبل إلى اليمن قال إنك سترد على قوم معظمهم أهل كتاب فاعرض عليهم الإسلام فإن امتنعوا فاعرض عليهم الجزية وخذ من كل حالم دينار فإن امتنعوا فاقتلهم فجعل القتل بعد الامتاع عن أداء الجزية يدل على تقريرهم بها أيضا
وقد قرر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصارى الشام بإيالتهم على شروط اشترطوها في كتاب كتبوا به إليه مع زيادة زادها
قال الإمام الحافظ جمال الدين أبو صادق محمد ابن الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي في كتابه المرسوم بالزبد المجموعة في الحكايات والأشعار والأخبار المسموعة أخبرنا الشيخ الفقيه ابو محمد عبد العزيز بن عبد الوهاب بن إسماعيل الزهري المالكي وغير واحد من شيوخنا إجازة قالوا أنبأنا أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل الزهري قال أخبرنا أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي قراءة عليه قال أخبرنا قاضي القضاة الدامغاني أخبرنا محمد أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد التجيبي فيما قرأت عليه أخبرنا أبو سعيد أحمد بن عمر بن زياد الأعرابي بمكة سنة أربعين وثلثمائة أخبرنا محمد بن إسحاق أبو العباس الصفار أخبرنا الربيع بن تغلب ابو الفضل أخبرنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن سفيان الثوري والوليد بن روح والسري بن مصرف يذكرون عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال كتبت لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى الشام

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها قلية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ديرا ولا كنيسة ولا نخفي ما كان منها في خطط المسلمين ولا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم ولا نؤوي في منازلنا ولا كنائسنا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين ولا نعلم أولادنا لقرآن ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم في مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش على خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وان نجز مقادم رؤوسنا وأن نلزم ديننا حيث ما كنا وأن نشد زنانيرنا على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا ولا في شيء من حضرة المسلمين ولا نخرج سعانين ولا باعوثا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا

ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولانتخذ من الرقيق ما يجري عليه سهام المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم
قال عبد الرحمن فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه
ولا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق
وفي رواية له من طريق أخرى أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب
وفيها وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد في ليل ولانهار وأن نوسع أبوابها للمارة وآبن السبيل
وفيها وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمه
وفيها وأن لانظهر صليبا أو نجسا في شيء من طرق المسلمين وأسواقهم
وفيها وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم
قال أبو الصادق المقدم ذكره ومما ذكره أهل التاريخ أن الحاكم الفاطمي أمر اليهود والنصارى إلا الجبابرة بلبس العمائم السود وأن يحمل النصارى في أعناقهم من الصلبان ما يكون طوله ذراعا ووزنه خمسة أرطال وأن تحمل اليهود في أعناقهم قرامي الخشب على وزن صلبان النصارى وأن لا بركبوا شيئا من المراكب المحلاة وأن تكون ركبهم من الخشب وأن لا يستخدموا أحدا من المسلمين ولا يركبوا حمارا لمكار مسلم ولا سفينة نوتيها مسلم وأن يكون في أعناق النصارى إذا دخلوا الحمام الصلبان وفي أعناق اليهود الجلاجل

ليتميزوا بها من المسلمين وأفرد حمامات اليهود والنصارى عن حمامات المسلمين ونهوا عن الاجتماع مع المسلمين في الحمامات وخط على حمامات النصارى صور الصلبان وعلى حمامات اليهود صور القرامي
قال وذلك بعد الأربعمائة ثم قال ولقد أحسن فيما فعل بهم عفا الله عنا وعنه ورزقنا من ينظر في أمورنا وأمورهم بالمصلحة

الطرف الثاني في ذكر ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في عقد الذمة
واعلم أن ما يحتاج الكاتب إليه من ذلك يرجع إلى ثمانية أمور
الأمر الأول فيمن يجوز أن يتولى عقد الذمة من المسلمين ويختص ذلك بالإمام أونائبه في عقدها وفي آحاد الناس خلاف والأرجح أنه لا يصح منه لأنه من الأمور الكلية فيحتاج إلى نظر واجتهاد
الأمر الثاني معرفة من تعقد له الذمة ويشترط في المعقود له التكليف والذكورة والحرية فلا تعقد لصبي ولا مجنون ولا امرأة ولا عبد بل يكونون تبعا حتى لا تجب على أحد منهم الجزية وفيمن ليس أهلا للقتال كالشيخ الكبير والزمن خلاف والأصح صحة عقدها له ويعتبر في المعقود له أيضا أن يكون زاعم التمسك بكتاب كاليهودي يزعم تمسكه بالتوراة والنصراني يزعم تمسكه بالتوراة والإنجيل جميعا وفي المتمسك بغير التوراة والإنجيل كصحف إبراهيم

وزبور داود خلاف والأصح جواز عقدها له وكذلك المجوس لقوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب والسامرة إن وافقت أصولهم أصول اليهود عقد لهم وإلا فلا وكذلك الصابئة إن وافقت أصولهم أصول النصارى لا يعقد لزنديق ولا عابد وثن ولا من يعبد الملائكة والكواكب ثم إذا كملت فيه شروط العقد فلا بد من قبوله العقد ولو قال قررني بكذا فقال قررتك صح ولو طلبها طالب من الإمام وجبت إجابته
الأمر الثالث معرفة صيغة العقد وهي ما يدل على معنى التقرير من الإمام أو نائبه بأن يقول أقررتكم أو أذنت لكم في الإقامة في دارنا على أن تبذلوا كذا وكذا وتنقادوا لحكم الإسلام
الأمر الرابع المدة التي يعقد عليها ويعتبر فيها أن تكون بأن لا يقيدها بانتهاء أو بما شاء المعقود له من المدة ولا تجوز إضافة ذلك إلى مشيئة الإمام لأن المقصود من عقدها الدوام وقوله أقركم ما أقركم الله إنما ورد في المهادنة لا في عقد الذمة
الأمر الخامس معرفة المكان الذي يقرون فيه وهو ما عدا الحجاز فلا يقرون في شيء من بلاد الحجاز وهي مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها يعني قراها كالطائف بالنسبة إلى مكة وخيبر بالنسبة إلى المدينة ونحو ذلك وسواء في ذلك القرى والطرق المتخللة بينها ويمنعون من الإقامة في بحر الحجاز بخلاف ركوبه للسفر وليس لهم دخول حرم مكة لإقامة ولا غيرها إذ يقول تعالى ( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) فلو تعدى أحد منهم بالدخول ومات ودفن في الحرم نبش وأخرج منه ما لم يتقطع فإن تقطع ترك وقيل تجمع عظامه وتخرج وعليه يدل نص الشافعي رضي الله عنه في الأم

الأمر السادس معرفة ما يلزم الإمام لهم بعد عقد الذمة إذا عقد لهم الإمام الذمة فينبغي أن يكتب أسماءهم ودينهم وحلاهم وينصب على كل جمع عريفا لمعرفة من أسلم منهم ومن مات ومن بلغ من صبيانهم ومن قدم عليهم أو سافر منهم وإحضارهم لأداء الجزية او شكوى من تعدى الذمي عليه من المسلمين ونحو ذلك وهذا العريف هو المعبر عنه في زماننا بالديار المصرية بالحاشر ثم يجب الكف عنهم بأن لا يتعرض متعرض لأنفسهم ولا أموالهم ويضمن ما أتلف منها ولا تراق خمورهم إلا أن يظهروها ولا تتلف خنازيرهم إذا أخفوها ولا يمنعون التردد إلى كنائسهم ولا ضمان على من دخل دار أحد منهم فأراق خمره وإن كان متعديا بالدخول وأوجب أبو حنيفة عليه الضمان ويجب ذب الكفار عنهم ما داموا في دارنا بخلاف ما إذا دخلوا دار الحرب
الأمر السابع معرفة ما يطلب منهم إذا عقد لهم الذمة ثم المطلوب منهم ستة أشياء
منها الجزية وهي المال الذي يبذلونه في مقابلة تقريرهم بدار الإسلام قال الماوردي في الأحكام السلطانية وهي مأخوذة من الجزاء إما بمعنى أنها جزاء لتقريرهم في بلادنا وإما بمعنى المقابلة لهم على كفرهم
وقد اختلف الأئمة في مقدارها فذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أنها مقدرة الأقل وأقلها دينار او اثنا عشر درهما نقرة في كل سنة على كل حالم ولا يجوز الاقتصار على أقل من الدينار وغير مقدرة الأكثر فتجوز الزيادة على الأقل برضا المعقود له ويستحب للإمام المماكسة بأن يزيد عليهم بحسب ما

يراه ونقل ابن الرفعة عن بعض أصحاب الشافعي أنه إذا قدر على العقد غاية لم يجز أن ينقص عنها ويستحب أن يفاوت فيها فيأخذ من الفقير دينار ومن المتوسط دينارين ومن الغني أربعة دنانير
وذهب أبو حنيفة إلى تصنيفهم ثلاثة أصناف أغنياء يؤخذ منهم ثمانية وأربعون درهما وأوساط يؤخذ منهم أربعة وعشرون درهما وفقراء يؤخذ منهم اثنا عشر درهما فجعلها مقدرة الأقل والأكثر ومنع من اجتهاد الإمام ورأيه فيها
وذهب مالك إلى أنه لا يتقدر أقلها ولا أكثرها بل هي موكولة إلى الاجتهاد في الطرفين
ومنها الضيافة فيجوز للإمام بل يستحب أن يشترط على غير الفقر منهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين زيادة على الجزية ويعتبر ذكر مدة الإقامة وأن لا تزيد على ثلاثة أيام وكذلك يعتبر ذكر عدد الضيفان من فرسان ورجالة وقدر طعام كل واحد وأدمه وقدر العليق وجنس كل منهما وجنس المنزل
ومنها الانقياد لأحكامنا فلو ترافعوا إلينا أمضينا الحكم بينهم برضا خصم واحد منهم ونحكم بينهم بأحكام الإسلام
ومنها أن لا يركبوا الخيل ولهم ان يركبوا الحمير بالأكف عرضا بأن يجعل الراكب رجليه من جانب واحد وفي البغال النفيسة خلاف ذهب الغزالي وغيره إلى المنع منها والراجح الجواز إلا أنهم لا يتخذون اللجم المحلاة بالذهب والفضة

ومنها أن ينزلوا المسلمين صدر المجلس وصدر الطريق وإن حصل في الطريق ضيق ألجئوا إلى أضيقه ويمنعون من حمل السلاح
ومنها التمييز عن المسلمين في اللباس بأن يخيطوا في ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونها سواء في ذلك الرجال والنساء والأولى باليهود الأصفر وبالنصارى الأزرق والأكهب وهو المعبر عنه بالرمادي وبالمجوسي الأسود والأحمر ويشد الرجال منهم الزنار من غير الحرير في وسطه وتشد المرأة تخت إزارها وقيل فوقه ويميزون ملابسهم عن ملابس المسلمين وتغاير المرأة لون خفيها بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أسود ونحو ذلك ويجعل في عنقه في الحمام جلجلا او خاتما من حديد وإن كان على رأس أحدهم شعر أمر بجز ناصيته ويمنعون من إرسال الضفائر كما تفعل الأشراف ولهم لبس الحرير والعمامة والطيلسان والذي عليه عرف زماننا في التمييز ان اليهود مطلقا تلبس العمائم الصفر والنصارى العمائم الزرق ويركبون الحمير على البراذع ويثني أحدهم رجله قدامه وتختص السامرة بالشام بلبس العمامة الحمراء ولا مميز يعتادونه الآن سوى ما قدمناه
ومنها أنهم لا يعرفون ما يبنونه على بنيان جيرانهم من المسلمين ولا يساوونه به ولو كان في غاية الانخفاض ويمنع من ذلك وإن رضي الجار المسلم لأن الحق للدين دون الجار وله أن يرفع ما بناه بمحلة منفصلة عن أبنية المسلمين ولو اشترى بناء عاليا بقي على حاله فلو انهدم فأعاده لم يكن له الرفع على المسلم ولا المساواة
ومنها أنهم لا يحدثون كنيسة ولا بيعة فيما أحدثه المسلمون من البلاد كالبصرة والكوفة وبغداد والقاهرة ولا في بلد أسلم أهلها عليها كالمدينة واليمن فإن أحدثوا فيها شيئا من ذلك نقض نعم يترك ما وجد منها ولم يعلم

حاله لاحتمال اتصال العمارات به وكذلك لا يجوز إحداث الكنائس والبيع فيما فتح عنوة ولا إبقاء القديم منها لحصول الملك الاستيلاء أما ما فتح صلحا بخراج على أن تكون الرقبة لهم فيجوز فيها إحداث الكنائس وإبقاء القديمة منها فإن الأرض لهم وإن فتحت صلحا على أن تكون لنا فإن شرط إبقاء القديمة بقيت وكأنهم استثنوها ويجوز لهم إعادة المتهدمة منها وتطيين خارجها دون توسيعها
الأمر الثامن معرفة ما ينتقض به عهدهم
وينتقض بأمور
منها قتال المسلمين بلا شبهة ومنع الجزية ومنع إجراء حكمنا عليهم وكذا الزنا بمسلمة أو إصابتها باسم نكاح والاطلاع على عورات المسلمين وانهاؤها لأهل الحرب وإيواء جاسوس لهم وقطع الطريق والقتل الموجب للقصاص وقذف مسلم وسب نبي جهرا وطعن في الإسلام أو القرآن إن شرط عليهم الانتقاض وإلا فلا أما لو أظهر ببلد الإسلام الخمر أو الخنزير أوالناقوس أو معتقده في عزير والمسيح عليهما السلام أو جنازة لهم أو سقى مسلما خمرا فإنه يعزر

الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة التاسعة ما يكتب في متعلقات أهل
الذمة عند خروجهم عن لوازم عقد الذمة
واعلم أنه ربما خرج أهل الذمة عن لوازم عقد الذمة وأظهروا التمييز والتكبر وعلو البناء إلى غير ذلك مما فيه مخالفة الشروط فيأخذ أهل العدل من الخلفاء والملوك في قمعهم والغض منهم وحط مقاديرهم ويكتبون بذلك كتبا ويبعثون بها إلى الآفاق ليعمل بمقتضاها غضا منهم وحطا لقدرهم ورفعة لدين الإسلام وتشريفا لقدره إذ يقول تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )
وهذه نسخة كتاب كتب به عن المتوكل على الله حين حج سمع رجلا يدعو عليه فهم بقتله فقال له الرجل والله يا أمير المؤمنين ما قلت ما قلت إلا وقد أيقنت بالقتل فاسمع مقالي ثم مر بقتلي فقال قل فشكا إليه استطالة كتاب أهل الذمة على المسلمين في كلام طويل فخرج أمره بأن تلبس النصارى واليهود ثياب العسلي وأن لا يمكنوا من لبس البياض كي لا يتشبهوا بالمسلمين وأن تكون ركبهم خشبا وأن تهدم بيعهم المستجدة وأن تطلق عليهم الجزية ولا يفسح لهم في دخول حمامات خدمها من أهل الإسلام وأن تفرد لهم حمامات خدمها من أهل الذمة ولا يستخدموا مسلما في حوائجهم لنفوسهم وأفردهم

بمن يحتسب عليهم وقد ذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن المتوكل أول من ألزمهم ذلك وهي
أما بعد فإن الله تعالى اصطفى الإسلام دينا فشرفه وكرمه وأناره ونضره وأظهره وفضله وأكمله فهو الدين الذي لا يقبل غيره قال تعالى ( ومن يبتغ غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) بعث يه صفيه وخيرته من خلقه محمدا فجعله خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد المرسلين ( لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ) وأنزل كتابا عزيزا ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) أسعد به أمته وجعلهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله ( ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) وأهان الشرك وأهله ووضعهم وصغرهم وقمعهم وحذلهم وتبرأ منهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة فقال ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) واطلع على قلوبهم وخبث سرائرهم وضمائرهم فنهى عن ائتمانهم والثقة بهم لعداوتهم للمسلمين وغشهم وبغضائهم فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) وقال

تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ) وقال تعالى ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتحذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
وقد انتهى إلى أمير المؤمنين أن أناسا لا رأي لهم ولا روية يستعينون بأهل الذمة في أفعالهم ويتخذونهم بطانة من دون المسلمين ويسلطونهم على الرعية فيعسفونهم ويبسطون أيديهم إلى ظلمهم وغشهم والعدوان عليهم فأعظم أمير المؤمنين ذلك وأنكره وأكبره وتبرأ منه وأحب التقرب إلى الله تعالى بحسمه والنهي عنه ورأى أن يكتب إلى عماله على الكور والأمصار وولاة الثغور والأجناد في ترك استعمالهم لأهل الذمة في شيء من أعمالهم وأمورهم والإشراك لهم في أماناتهم وما قلدهم أمير المؤمنين واستحفظهم إياه إذ جعل في المسلمين الثقة في الدين والأمانة على إخوانهم المؤمنين وحسن الرعاية لما استرعاهم والكفاية لما استكفوا والقيام بما حملوا بما أغنى عن الإستعانة بأحد من المشركين بالله المكذبين برسله الجاحدين لآياته الجاعلين معه إلها آخر ولا إله إلا هو وحده لا شريك له ورجا أمير المؤمنين بما ألهمه الله من ذلك وقذف في قلبه جزيل الثواب وكريم المآب والله يعين أمير المؤمنين على نيته على تعزيز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه
فلتعلم هذا من رأي أمير المؤمنين ولا تستعن بأحد من المشركين وأنزل

أهل الذمة ومنازلهم التي أنزلهم الله بها واقرأ كتاب أمير المؤمنين على أهل أعمالك وأشعه فيهم ولا يعلم أمير المؤمنين أنك استعنت ولا أحد من عمالك وأعوانك بأحد من أهل الذمة في عمل الإسلام
وفي أيام المقتدر بالله في سنة خمس وتسعين ومائتين عزل كتاب النصارى وعمالهم وأمر أن لا يستعان بأحد من أهل الذمة حتى أمر بقتل ابن ياسر النصراني عامل يونس الحاجب وكتب إلى عماله بما نسخته
عوائد الله عند أمير المؤمنين توفي على غاية رضاه ونهاية أمانيه وليس أحد يظهر عصيانه إلا جعله الله عظة للأنام وبادره بعاجل الاصطلام ( والله عزيز ذو انتقام ) فمن نكث وطغى وبغى وخالف أمير المؤمنين وخالف محمدا وسعى في إفساد دولة أمير المؤمنين عاجله أمير المؤمنين بسطوته وطهر من رجسه دولته ( والعاقبة للمتقين )
وقد أمر أمير المؤمنين بترك الاستعانة بأحد من أهل الذمة فليحذر العمال تجاوز أوامر أمير المؤمنين ونواهيه
وفي أيام الآمر بأحكام الله الفاطمي بالديار المصرية امتدت أيدي النصارى وبسطوا أيديهم بالخيانة وتفننوا في أذى المسلمين وإيصال المضرة إليهم واستعمل منهم كاتب يعرف بالراهب ولقب بالأب القديس الروحاني

النفيس أبي الآباء وسيد الرؤساء مقدم دين النصرانية وسيد البتركية صفي الرب ومختاره وثالث عشر الحواريين فصادر اللعين عامة من الديار المصرية من كاتب وحاكم وجندي وعامل وتاجر وامتدت يده إلى الناس على اختلاف طبقاتهم فخوفه بعض مشايخ الكتاب من خالقه وباعثه محاسبه وحذره من سوء عواقب أفعاله وأشار عليه بترك ما يكون سببا لهلاكه وكان جماعة من كتاب مصر وقبطها في مجلسه فقال مخاطبا له ومسمعا للجماعة نحن ملاك هذه الديار حرثا وخراجا ملكها المسلمون منا وتغلبوا عليها وغصبوها واستملكوها من أيدينا فنحن مهما فعلنا بالمسلمين فهو قبالة ما فعلوا بنا ولا يكون له نسبة إلى من قتل من رؤسائنا وملوكنا في أيام الفتوح فجميع ما نأخذه من أموال المسلمين وأموال ملوكهم وخلفائهم حل لنا بعض ما نستحقه عليهم فإذا حملنا لهم مالا كانت المنة لنا عليهم وأنشد
( بنت كرم يتموها أمها ... وأهانوها فديست بالقدم )
( ثم عادوا حكموها بينهم ... ويلهم من فعل مظلوم حكم )
فاستحسن الحاضرون من النصارى والمنافقين ما سمعوه منه واستعادوه وعضوا عليه بالنواجذ حتى قيل إن الذي احتاط عليه قلم اللعين من أملاك المسلمين مائتا ألف واثنان وسبعون ألفا ومائتا دار وحانوت وأرض بأعمال الدولة إلى أن أعادها إلى أصحابها أبو علي بن الأفضل ومن الأموال ما لا يحصيه إلا الله تعالى
ثم انتبه من رقدته وأفاق من سكرته وأدركته الحمية الإسلامية

والغيرة المحمدية فغضب لله غضبة ناصر للدين وثائر للمسلمين فألبس أهل الذمة الغيار وأنزلهم بالمنزلة التي أمر الله أن ينزلوا بها من الذل والصغار وأمر أن لا يولوا شيئا من أعمال الإسلام وأن ينشأ في ذلك كتاب يقف عليه الخاص والعام
وهذه نسخته
الحمد لله المعبود في أرضه وسمائه والمجيب دعاء من يدعو بأسمائه المنفرد بالقدرة الباهرة المتوحد بالقوة الظاهرة وهو الله الذي لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة هدى العباد بالإيمان إلى سبيل الرشاد ووفقهم في الطاعات لما هو أنفع زاد في المعاد وتفرد بعلم الغيوب فعلم من كل عبد إضماره كما علم تصريحه ( يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) الذي شرف دين الإسلام وعظمه وقضى بالسعادة الأبدية لمن انتحاه ويممه وفضله على كل شرع سبقه وعلى كل دين تقدمه فنصره وخذلها وأشاده وأخملها ورفعه ووضعها وأطده وضعضعها وأبى أن يقبل دينا سواه من الأولين والى الأخرين فقال تعالى وهو أصدق القائلين ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وشهد به بنفسه وأشهد به ملائكته وأولي العلم الذين هم خلاصة الأنام فقال تعالى ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام )
ولما ارتضاه لعباده وأتم به نعمته أكمله لهم وأظهره على الدين كله

وأوضحه إيضاحا مبينا فقال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
وفرق به بين أوليائه وأعدائه وبين أهل الهدى والضلال وأهل البغي والرشاد فقال تعالى ( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن أتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد آهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد )
وأمر تعالى بالثبات عليه إلى الممات فقال وبقوله يهتدي المهتدون ( يا أيها الذين آمنوا آتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وهي وصية إمام الحنفاء لبنيه وإسرائيل ( يا بني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون )
وشهد على الحواريين عبد الله ورسوله وكلمته عيسى بن مريم وهو الشاهد الأمين قال تعالى ( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريين نحن أنصار الله آمنا بالله وآشهد بأنا مسلمون )
وأمر تعالى رسوله أن يدعو أهل الكتاب إليه ويشهد من تولى منهم بأنه عليه فقال تعالى وقوله الحق المبين ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا آشهدوا بأنا مسلمون )

وصلى الله على الذي رفعه بآصطفائه إلى محله المنيف وبعثه للناس كافة بالدين القيم الحنيف
أما بعد فإن الله سبحانه ببالغ حكمته وتتابع نعمته شرف دين الإسلام وطهره من الأدناس وجعل أهله خير أمة أخرجت للناس فالإسلام الدين القويم الذي أصطفاه الله من الأديان لنفسه وجعله دين أنبيائه ورسله وملائكة قدسه فارتضاه وآختاره وجعل خير عباده وخاصتهم هم أولياءه وأنصاره يحافظون على حدوده ويثابرون ويدعون إليه ويذكرون ويخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما بؤمرون فهم بآيات ربهم يؤمنون وإلى مرضاته يسارعون ولمن خرج عن دينه مجاهدون ولعباده بجهدهم ينصحون وعلى طاعته مثابرون وعلى صلواتهم يحافظون وعلى ربهم يتوكلون وبالآخرة هم يوقنون ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون )
هذا وإن أمة لله هداها إلى دينه القديم وجعلها دون الأمم الجاحدة على صراط المستقيم توفي من الأمم سبعين هم خيرها وأكرمها على رب العالمين حقيقة بأن لا نوالي من الأمم سواها ولا نستعين بمن حاد الله خالقه ورازقه وعبد من دون الله ومعلوم أن اليهود والنصارى موسومون بغضب الله ولعنته والشرك به والجخد لوحدانيته وقد فرض الله على عباده في جميع صلواتهم أن يسألوا هداية سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ويجنبهم سبيل الذين أبعدهم من رحمته وطردهم عن جنته فباءوا بغضبه ولعنته من المغضوب عليهم والضالين
فالأمة الغضبية هم اليهود بنص القرآن وأمة الضلال هم النصارى المثلثة عباد الصلبان وقد أخبر تعالى عن اليهود بأنهم بالذلة والمسكنة والغضب

موسومون فقال تعالى ( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )
وأخبر بأنهم باؤوا بغضب على غضب وذلك جزاء المفترين فقال ( بئس ما أشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين )
وأخبر سبحانه أنه لعنهم ولا أصدق من الله قيلا فقال ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا )
وحكم سبحانه بينهم وبين المسلمين حكما ترتضيه العقول ويتلقاه كل منصف بالإذعان والقبول فقال ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل )
وأخبر عما أحل بهم من العقوبة التي صاروا بها مثلا في العالمين فقال تعالى ( فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين )
ثم حكم عليهم حكما مستمرا عليهم في الذراري والأعقاب على ممر

السنين والأحقاب فقال تعالى ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب ) فكان هذا العذاب في الدنيا بعض الاستحقاق ( ولعذاب الآخرة اشق وما لهم من الله من واق ) وأنهم انجس الأمم قلوبا وأخبثهم طوية وأرداهم سجية وأولاهم بالعذاب الأليم فقال ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) وأنهم أمة الخيانة لله ورسوله ودينه وكتابه وعباده المؤمنين فقال ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين )
وأخبر عن سوء ما يسمعون ويقبلون وخبث ما يأكلون ويحكمون فقال تعالى ( سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين )
وأخبر تعالى أنه لعنهم على ألسنة أنبيائه ورسله بما كانوا يكسبون فقال ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون )
وقطع الموالاة بين اليهود والنصارى وبين المؤمنين وأخبر أن من تولاهم فإنه منهم في حكمه المبين فقال تعالى وهو أصدق القائلين ( يا أيها الذين آمنوا

لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
وأخبر عن حال متوليهم بما في قلبه من المرض المؤدي إلى فساد العقل والدين فقال ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين )
ثم أخبر عن حبوط أعمال متوليهم ليكون المؤمن لذلك من الحذرين فقال ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين )
ونهى المؤمنين عن اتخاذ أعدائه أولياء وقد كفروا بالحق الذي جاءهم من ربهم وإنهم لا يمتنعون من سوء ينالونهم به بأيديهم وألسنتهم إذا قدروا عليه فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون )
وجعل سبحانه لعباده المسلمين أسوة حسنة في إمام الحنفاء ومن معه من المؤمنين إذ تبرأ ممن ليس على دينهم امتثالا لأمر الله وإيثارا لمرضاته وما عنده فقال تعالى ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا

وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) وتبرأ سبحانه ممن اتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين فقال ( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير )
فمن ضروب الطاعات إهانتهم في الدنيا قبل الآخرة التي هم إليها صائرون ومن حقوق الله الواجبة أخذ جزية رؤوسهم التي يعطونها عن يد وهم صاغرون ومن الأحكام الدينية أن يعم جميع الأمة إلا من لا تجب عليه باستخراجها وأن يعتمد في ذلك سلوك سبيل السنة المحمدية ومنهاجها وأن لا يسامح بها أحد منهم ولو كان في قومه عظيما وأن لا يقبل إرساله بها ولو كان فيهم زعيما وأن لا يحيل بها على أحد من المسلمين ولا يوكل في إخراجها عنه أحدا من الموحدين بل تؤخذ منه على وجه الذلة والصغار إعزازا للإسلام وأهله وإذلالا لطائفة الكفار وأن تستوفى من جميعهم حق الاستيفاء وأهل خيبر وغيرهم في ذلك على السواء
وأما ما ادعاه الجبابرة من وضع الجزية عنهم بعهد من رسول الله فإن ذلك زور وبهتان وكذب ظاهر يعرفه أهل العلم والإيمان لفقه القوم البهت وزوروه ووضعوه من تلقاء أنفسهم ونمقوه وظنوا أن ذلك يخفى على الناقدين أو يروج على علماء المسلمين ويأبى الله إلا أن يكشف محال المبطلين وإفك المفترين وقد تظاهرت السنن وصح الخبر بأن خيبر فتحت عنوة وأوجف عليها رسول الله والمسلمون على إجلائهم عنها كما أجلى إخوانهم من أهل الكتاب فلما ذكروا أنهم أعرف بسقي نخلها ومصالح أرضها أقرهم فيها كالأجراء وجعل لهم نصف الارتفاع وكان ذلك شرطا مبينا وقال نقركم فيها ما شئنا فأقر بذلك الجبابرة صاغرين وأقاموا على هذا الشرط في الأرض عاملين ولم يكن للقوم من الذمام والحرمة ما يوجب إسقاط الجزية عنهم دون من عداهم

من أهل الذمة وكيف وفي الكتاب المشحون بالكذب والمين شهادة سعد بن معاذ وكان قد توفي قبل ذلك بأكثر من سنتين وشهادة معاوية بن أبي سفيان وإنما أسلم عام الفتح بعد خيبر سنة ثمان وفي الكتاب المكذوب أنه أسقط عنهم الكلف والسخر ولم تكن على زمان خلفائه الذين ساروا في الناس أحسن السير
ولما اتسعت رقعة الإسلام ودخل فيه الخاص والعام وكان في المسلمين من يقوم بعمل الأرض وسقي النخل أجلى عمر بن الخطاب اليهود من خيبر بل من جزيرة العرب حتى قال لا أدع فيها إلا مسلما
وفي شهر رجب سنة سبعمائة وصل إلى القاهرة المحروسة وزير صاحب المغرب حاجا فاجتمع بالملك الناصر محمد بن قلاوون ونائبه يومئذ الأمير سلار فتحدث الوزير معه ومع الأمير بيبرس الجاشنكير في أمر اليهود والنصارى وأنهم عندهم في غاية الذلة والهوان وأنهم لا يمكن أحد منهم من ركوب الخيل ولا الاستخدام في الجهات الديوانية وأنكر حال نصارى الديار المصرية ويهودها بسبب لبسهم أفخر الملابس وركوبهم الخيل والبغال واستخدامهم في أجل المناصب وتحكيمهم في رقاب المسلمين وذكر أن عهد ذمتهم انقضى من سنة ستمائة من الهجرة النبوية فأثر كلامه عند أهل الدولة لا سيما الأمير بيبرس الجاشنكير فأمر بجمع النصارى واليهود ورسم أن لا يستخدم أحد منهم في الجهات السلطانية ولا عند الأمراء وأن تغير عمائمهم فيلبس النصارى العمائم الزرق وتشد في أوساطهم الزنانير ويلبس اليهود العمائم الصفر ويدقوا . . . . . . في البيع في إبطال ذلك فلم يقبل منهم وغلقت الكنائس بمصر والقاهرة وسمرت أبوابها ففعل بهم ذلك وألزموا بأن لا يركبوا إلا الحمير وأن

يلف أحدهم إحدى رجليه إذا ركب وان يقصر بنيانهم المجاور للمسلمين عن بناء المسلم وكتب بذلك إلى جميع الأعمال ليعمل بمقتضاه وأسلم بسبب ذلك كثير منهم وألبس أهل الذمة بالشام النصارى الأزرق واليهود الأصفر والسامرة الأحمر
ثم عادوا إلى المباشرات بعد ذلك فانتدب السلطان الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر في سنة خمس وخمسين وسبعمائة لمنعهم من ذلك وألزمهم بالشروط العمرية وكتب بذلك مرسوما شريفا وبعث بنسخته إلى الأعمال فقرئت على منابر الجوامع
وهذه نسخته صورة ما في الطرة
مرسوم شريف بأن يعتمد جميع طوائف اليهود والنصارى والسامرة بالديار المصرية والبلاد الإسلامية المحروسة وأعمالها حكم عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن مضى من أهل ملتهم وهو أن لا يحدثوا في البلاد الإسلامية ديرا ولا كنيسة ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب منها ولا يؤوا جاسوسا ولا من فيه ريبة لأهل الإسلام ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قرابة من الإسلام إن أرادوه ولا يتشبهوا بالمسلمين في لباسهم ويلبسون الغيار الأزرق والأصفر وتمنع نساؤهم من التشبه بنساء المسلمين ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا ولا يركبوا الخيل ولا البغال ويركبون الحمير بالأكف عرضا ولا يبيعوا الخمور وأن يلزموا زيهم حيث كانوا ويشدوا زنانيرهم غير الحرير على أوساطهم والمرأة البارزة من النصارى تلبس الإزار الكتان المصبوغ أزرق واليهودية الإزار الأصفر ولا يدخل أحد منهم الحمام إلا بعلامة تميزه عن المسلمين في عنقه من خاتم

حديد أو رصاص أو غير ذلك ولا يعلوا على المسلمين في البناء ولا يساووهم بل يكونون أدون منهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا ولا يرفعوا أصواتهم في كنائسهم ولا يخدموا في دولتنا الشريفة ثبت الله قواعدها ولا عند أحد من أمرائها أعزهم الله تعالى ولا يلو وظيفة يعلو أمرهم فيها على أحد من المسلمين وأن يحمل الأمر في مواريث موتاهم على حكم الشريعة الشريفة المحمدية وتوقع عليهم الحوطة الديوانية أسوة موتى المسلمين وأن لا يدخل نسوة أهل الذمة الحمامات مع المسلمات ويجعل لهن حمامات تخصهن يدخلنها عملا في ذلك بما رجحه علماء الشرع الشريف على ما شرح فيه
ونصه بعد البسملة الشريفة
الحمد لله الذي بصر سلطاننا الصالح باعتماد مصالح الدين والدنيا ويسر لرأينا الراجح توفير التوفيق إثباتا ونفيا وتحرير التحقيق أمرا ونهيا وقهر بأحكام الإسلام من رام نكث العهد ونقض الذمام بتعدي الحدود عدوانا وبغيا وجسر على اقتحام ذنوب عظام تحل به في الدارين عذابا وخزيا وتكفل للأمة المحمدية في الأولى والأخرى بالسعادة السرمدية التي لا تتناهى ولاتتغيا وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا
نحمده أن أصحب فكرنا رشدا وأذهب بأمرنا غيا ونشكره على أن جبر بأحكام العدل للإيمان وهنا وآثر لذوي البهتان بالانتقام وهيا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحد أحد فرد صمد خلق ورزق وأنشأ وأفنى وأمات وأحيا وتقدس وتمجد عن الصاحبة والولد وأوجد عيسى بن مريم كما أوجد آدم ولم يكن شيئا وجعله عبدا صالحا نبيا زكيا ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه مع الروح الأمين قرآنا ووحيا واستأصل به شأفة الكفار وأنزل بهم

من الأخطار الداهية الدهيا واتبع ملة أبيه إبراهيم الذي أري الصدق وصدق الرؤيا وجمع الله به الشتات فهدى قلوبا غلفا وأسماعا صما وأبصارا عميا وبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فبشرى لمن وفق من أمته فرزق لحكمته وعيا ورفع الضلالة ورد الضالة وأجمل للعهد حفظا وللذمام رعيا ونسخت شريعته الشرائع وسدت الذرائع وشمخت على النجوم الطوالع فهي أسمى منها رفعة وأنمى عددا وأسنى هديا وعلى آله فروع الزهراء الذين عنوا بقوله تعالى ( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) أمرع سقيا خصوصا صديقه ورفيقه في الممات وفي المحيا ومن استخلفه في الصلاة عنه إشارة إلى أنه أحق لرتبة الخلافة بالرقيا ومن فرق منه الشيطان ووافق الفرقان له رأيا ويسر الله تعالى في أيامه المباركة من الفتوحات ما لا اتفق لغيره ولا تهيا وذا النورين الذي قطع الليل تسبيحا وقرآنا وأحيا واستحيت منه ملائكة السماء لما من الله استحيا وعلى الصهر وابن العم المجاهد الزاهد الذي طلق ثلاثا الدار الفانية التي ليس لها بقيا وسره لما قضى على الرضا نحبه فوجد الأحبة محمدا وحزبه وحمد اللحاق واللقيا وعلى تتمة بقية العشرة الأبرار وبقية المهاجرين والأنصار رحمة تديم لمضاجعهم صوبها الدار السقيا صلاة وافرة الأقسام سافرة القسمات باهرة المحيا وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فأحكام الشرع الشريف أولى بوجوب الاتباع وذمام الدين الحنيف يبير من عصى ويجير من أطاع وحرمات الملة المحمدية أحق بأن تحفظ فلا تضاع ومن المهمات التي تصرف إليها الهمة ويرهف لها حد العزمة وتقام على متعدي حدودها بالانتقام الجزية اعتبار أحوال الملتين من أهل الذمة الذين حقن منهم الدماء حكم الإسلام وسكن عنهم الدهماء ما التزموه من الأحكام مع القيام بالجزية في كل عام وسلموا لأوامر الشريعة المطهرة التي لولا الانقياد إليها والاستسلام لأغمد في نحورهم حد الحسام فهم تحت قهر سلطان

الإيمان سائرون ولأمر دين الحق الذي نسخ الله به الأديان صائرون وهم المعنيون بقوله تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )
ولما فتح الله تعالى ببركة سيدنا رسول الله ما فتح من البلاد واسترجع بأيدي المهاجرين والأنصار من أيدي الكفار العادية كثيرا من الأمصار واستعاد وأكثر ذلك في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنها كانت للفتح مواسم وبالمنح بواسم وتظافرت فيها للمسلمين غرائز العزائم التي أعادت هزاهزها الكفار يجرون ذيول الهزائم عقد أمرأوه الفاتحون لها بأمره رضي الله عنه وعنهم لأهل الكتاب عهدا وحدوا لهم من الآداب حدا لا يجوز أن يتعدى ولم تزل الخلفاء بعد ذلك والملوك في جميع بلاد الإسلام يجددونها وبالمحافظة والملاحظة يتعهدونها وآخر من ألزمهم أحكامها العادلة وعصمهم بذمتها التي هي لهم ما استقاموا بالسلامة كافلة والدنا السلطان الشهيد الملك الناصر ناصر الدنيا والدين سقى الله تعالى عهده عهاد الرحمة ولقى نفسه الخير لنصحه الأمة فإنه قدس الله روحه جدد لهم في سنة سبعمائة لباس الغيار وشدد عليهم بأس النكال والإنكار وعقد لهم ذمة بها الاعتبار وسطر في الصحائف منها شروطا لهم بالتزامها إقرارا وبأحكامها أمكنهم في دار الإسلام الاستقرار وخذل الفئتين المفتريتين عملا بقول الله تعالى ( وما للظالمين من أنصار )
ولما طال عليهم الأمد تمادوا على الإغترار وتعادوا إلى الضر والإضرار وتدرجوا بالتكبر والاستكبار إلى أن أظهروا التزين أعظم إظهار وخرجوا عن المعهود في تحسين الزنار والشعار وعتوا في البلاد والأمصار وأتو من الفساد بأمور لا تطاق كبار

ولما وضح عندنا منهم الاستمرار على ذلك والإصرار أنكرنا عليهم أشد إنكار ورأينا أن نتبع فيهم ما أمر الله تعالى به في الكتاب والسنة وأبينا إلا معاملتهم بإحكام الملة المحمدية التي كم لها على الملتين العيسوية والموسوية من منة وادخر الله تعالى لنا هذه الحسنة التي هي من جملة الفتوحات التي يفتح الله تعالى بها لنا في الدنيا أبواب السعادة وفي الآخرة أبواب الجنة فاستفتينا في أمرهم المجالس العالية حكام الشريعة المطهرة واقتدينا بأقوال مذاهبهم المحررة التي لنا بهديها إلى إصابة الصواب تبصرة وعقدنا لهم مجلسا بدار عدلنا الشريف وألزمناهم أحكام أهل الذمة التي بالتزام أوائلهم لها جرى عليهم حكم هذا التكليف وأخذناهم بالعهد الذي نسوه وألبسناهم ثوب الهوان الذي لبسوا لما طال عليهم الزمان نزعوه ولم يلبسوه وأجرينا عليهم والآن شروطه المظبوطة وقوانينه التي هي من التبديل والتغيير محوطة فمن جاوزها فقد شاقق الشريعةالشريفة وبارزها ومن خالفها فقد عاند الملة الاسلامية وواقفها ومن صدف عن سبلها وتنكبها فقد اقترف الكبائر وارتكبها وحظرنا عليهم أن يجعل أحد منهم له بالمسلمين شبها وصيرنا عليهم الذلة التي ضربها الله تعالى عليهم وأوجبها
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الصالحي الصلاحي لازال أمره الممتثل المطاع وزجره به عن المآثم امتناع وارتداع ورأيه الصالح يريد الإصلاح ما استطاع أن يعتمد جميع طوائف النصارى واليهود والسامرة بالديار المصرية وجميع بلاد الاسلام المحروسة وأعمالها من سائر الأقطار والآفاق وما أخذ على سالفيهم في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أكيد العهد العهد ووثيق الميثاق
وهو أن لا يحدثوا في البلاد الإسلامية وأعمالها ديرا ولا كنيسة ولا قلابة ولا صومعة راهب ولا يجددوا فيهاما خرب منها ولا يمنعوا كنائسهم التي عوهدوا

وثبت عهدهم لديها أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يؤوا جاسوسا ولا من فيه ريبة لأهل الاسلام ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قرابة من الاسلام إن أرادوه وإن أسلم أحد منهم لا يوذوه ولا يساكنوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا من مجالسهم إن أرادوا الجلوس وأن لا يتشبهوا بشيء من المسلمين في لباسهم قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر بل يلبس النصراني منهم العمامة الزرقاء عشرة أذرع غير الشعرى فما دونها واليهودي العمامة الصفراء كذلك وتمنع نساؤهم من التشبه بنساء المسلمين ولبس العمائم ولا يتسموا بأسماء المسلمين ولا يتكنوا بكناهم ولا يتلقبوا بألقابهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا ولا يركبوا الخيل ولا البغال ويركبون الحمير بالأكف عرضا من غير تزين ولا قيمة عظيمة لها ولا يتخذوا شيئا من السلاح ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رؤوسهم وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا ويشدوا زنانيرهم غير الحرير على أوساطهم والمرأة البارزة من النصارى تلبس الإزار الكتان المصبوغ أزرق واليهودية الإزار المصبوغ أصفر ولا يدخل أحد منهم الحمام إلا بعلامة تميزه عن المسلمين في عنقه من خاتم نحاس أو رصاص أو جرس أو غير ذلك ولا يستخدموا مسلما في أعمالهم وتلبس المرأة البارزة منهم خفين أحدهما أسود والآخر أبيض ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يرفعوا بناء قبورهم ولا يعلوا على المسلمين في البناء ولا يساووهم ولا يتحيلوا على ذلك بحيلة بل يكونون أدون من ذلك ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا ولا يرفعوا أصواتهم في كنائسهم ولا يخرجوا شعانين ولا يرفعوا أصواتهم على موتاهم ولا يظهروا النيران ولا يشتروا مسلما من الرقيق ولا مسلمة ولا من جرت عليه سهام المسلمين ولا منشؤه مسلم ولا يهودوا ولا ينصروا رقيقا ويجتنبون أوساط توسعة للمسلمين ولا

يفتنوا مسلما عن دينه ولا يدلوا على عورات المسلمين ومن زنى بمسلمة قتل ولا يضعوا أيديهم على أراض موات للمسلمين ولا غير موات ولا مزدرع ولا ينسبوه لصومعة ولا كنيسة ولا دير ولا غير ذلك ولا يشتروا شيئا من الجلب الرقيق ولا يوكلوا فيه ولا يتحيلوا عليه بحيلة ومتى خالفوا ذلك فقد حل منهم ما يحل من أهل النفاق والمعاندة
وكذلك رسمنا أن كل من مات من اليهود والنصارى والسامرة الذكور والإناث منهم يحتاط عليهم من ديوان المواريث الحشرية بالديار المصرية وأعمالها وسائر البلاد الإسلامية المحروسة إلى أن تثبت ورثته ما يستحقونه من ميراثه بمقتضى الشرع الشريف وإذا أثبتوا ما يستحقونه يعطونه بمقتضاه ويحمل ما فضل بعد ذلك لبيت المال المعمور ومن مات منهم ولا وارث له يستوعب حمل موجوده لبيت المال المعمور ويجرون في الحوطة على موتاهم من دواوين المواريث ووكلاء بيت المال المعمور مجرى من يموت من المسلمين ليتبين أمر مواريثهم ويحمل الأمر فيها على حكم الشرع الشريف عملا بالفتاوى الشرعية المتضمنة إجراء مواريث موتاهم على حكم الفرائض الشرعية بحكم الملة الاسلامية المحمدية من إعطاء كل ذي فرض وعصبة ما يستحقه شرعا من غير مخالفة ولا امتناع ولا مواقفه ولا دفاع فإن ذلك مما يتعين ان يكون له إلى بيت المال المعمور فيه إرجاع ولتعلق حقوق المؤمنين بذلك ولأنه يعيد حيث تفيا إلى المسلمين ما يستحقه بيت المال من مال كل هالك ولأنا المطالبون بما يؤول إلى ميراث المسلمين من تراث أولئك لتكون هذه الحسنة في صحائفنا مسطرة وإن كانت الأيام قد تمادت عليها ومعرفتها نكرة وتعادت إليها أيديهم العادية فاختلست من الذهب والفضة القناطير المقنطرة

ورسمنا أن لا يخدم نصراني ولا سامري ولا يهودي في دولتنا الشريفة ثبت الله قواعدها ولا في دواوين الممالك المحروسة والأعمال ولا عند أحد من أمرائنا أعزهم الله تعالى ولا يباشر أحد منهم وكالة ولا أمانة ولا ما فيه تأمر على المسلمين بحيث لا يكون لهم كلمة يستعلون بها على أحد من المسلمين في أمر من الأمور فقد حرم الله ذلك نصا وتأويلا وضمن حكمه في الحال والاستقبال قرآنا وتنزيلا فقال تعالى ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) وأوضح في اجتنابهم للمتقين علم اليقين فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين )
وقد نهى الله موالاتهم وأضاف بسخطه كل خزي إليهم ( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم )
وقد أذلهم الله جل وعز لافترائهم وأجترائهم من كتابه العزيز في مواضع عدة فقال تعالى ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) فوجب أن لا يكونوا على الأعمال أمنة ولا للأموال خزنة لقول رسول الله اليهود والنصارى خونة وقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ولا تستعملوا اليهود والنصارى فإنهم أهل رشا في دينهم ولا تحل الرشا فباعتزالهم واختزالهم يؤمن من مكرهم وخيانتهم ما يختشى
ولما قدم عليه أبو موسى الأشعري من البصرة وكان عاملة بها دخل عليه المسجد واستأذن لكاتبه وكان نصرانيا فقال له أمير المؤمنين عمر وليت ذميا على المسلمين أما سمعت قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا

اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) هلا اتخذت حنيفيا فقال أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه فأنكر أمير المؤمنين عليه ذلك وقال لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله فاتبعنا في صرفهم الكتاب والسنة والأثر ومنعنا عن المسلمين بغل أيديهم عن المباشرة الأذى والضرر ودفعنا عن أمير المؤمنين من سوء معاشرتهم ما ألموا له من الأذى مع شر معشر
فليعتمد حكم هذا المرسوم الذي هو بالعدل والإحسان موسوم وليخلد في صحائف المثوبات ليستقر ويستمر ويدوم وليشع ذكره في الممالك وليذع أمره في المسالك وعلى حكام المسلمين أيدهم الله تعالى وقضاتهم ومتصرفيهم وولاتهم أن يوقعوا بمن تعدى هذه الحدود من النصارى واليهود ويردعوا بسيف الشرع كل جهول من أهل الجحود ويحلوا العذاب بمن حمله العقوق على حل العقود ويذلوا رقاب الكافرين بالإذعان لاستخراج الحقوق وإخراج الأضغان والحقود
وقد رسمنا بأن يحمل الأمر في هذا المرسوم الشريف على حكم ما التزم في المرسوم الشريف الشهيدي الناصري المتقدم المكتتب في رجب سنة سبعمائة المتضمن للشهادة على بطركي النصارى اليعاقبة والملكية ورئيس اليهود بالتحريم وإيقاع الكلمة على من خالف هذا الشرط المشروط والحد المحدود وأن يحلوا ما انبرم من محكم العقود فيحل عليهم عذاب غير مردود والله تعالى يعين سلطان الحق على ما يرجع بنفع الخلق ويعود ويزين بصالح المؤمنين ملك الاسلام وممالك الوجود ويهين ببأسه أعداء الدين الذين لهم عن السبيل المبين صدوف وصدود ويسلك به شرعة الشرع الشريف ومنهاجه من إماتة البدع وإحياء السنن وإدامة الصون

وإقامة الحدود ويهلك بسطوته الكافرين كما هلك بدعوة صالح النبي ثمود والعلامة الشريفة أعلاه حجة فيه
تم الجزء الثالث عشر يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع عشر وأوله الباب الرابع من المقالة التاسعة
والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه

الباب الرابع من المقالة التاسعة في الهدن الواقعة بين ملوك الإسلام
وملوك الكفر وفيه فصلان
الفصل الأول في أصول تتعين على الكاتب معرفتها وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في بيان رتبتها ومعناها وذكر ما يرادفها من الألفاظ
أما رتبتها فإنها متأخرة عند قوة السلطان عن عقد الجزية لأن في الجزية ما يدل على ضعف المعقود له وفي الهدنة ما يدل على قوته
وأما معناها فالمهادنة في اللغة المصالحة يقال هادنه يهادنه مهادنة إذا صالحه والاسم الهدنة
وهي إما من هدن بفتح الدال يهدن بضمها

هدونا إذا سكن ومنه قولهم هدنة على دخن
أي سكون على غل أو تكون قد سميت بذلك لما يوجد من تأخير الحرب بسببها
ويرادفها ألفاظ أخرى
أحدها الموادعة ومعناها المصالحة أيضا أخذا من قولهم عليك بالمودوع يريدون بالسكينة والوقار فتكون راجعة إلى معنى السكون
وإما أخذا من توديع الثوب ونحوه وهو جعله في صوان يصونه لأنه بها تحصل الصيانة عن القتال
وإما أخذا من الدعة وهي الخفض والهناء لأن بسببها تحصل الراحة من تعب الحرب وكلفه
والثاني المسالمة ومعناها ظاهر لأن بوقوعها يسلم كل من أهل الجانبين من الآخر
الثالث المقاضاة ومعناها المحاكمة مفاعلة من القضاء بمعنى الفصل والحكم
الرابع المواصفة سميت بذلك لأن الكاتب يصف ما وقع عليه الصلح من الجانبين
على أن الكتاب يخصون لفظ المواصفة بما إذا كانت المهادنة من الجانبين ولاشك أن ذلك جار في لفظ الموادعة والمسالمة والمقاضاة أيضا لأن المفاعلة لا تكون إلا بين اثنين إلا في ألفاظ قليلة محفوظة على ما هو مقرر في علم العربية
أما لفظ الهدنة فإنه يصدق أن يكون من جانب واحد بأن يعقد الأعلى الهدنة لمن هو دونه
على أنها عند التحقيق ترجع إلى معنى المفاعلة إذ لاتتصور إلا من أثنين

وأما في الشرع فعبارة عن صلح يقع بين زعيمين في زمن معلوم بشروط مخصوصة على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى
والأصل فيها أن تكون بين ملكين مسلم وكافر أو بين نائبيهما أو بين أحدهما ونائب الآخر
وعلى ذلك رتب الفقهاء رحمهم الله باب الهدنة في كتبهم
قال صاحب مواد البيان وقد يتعاقد عظماء أهل الإسلام على التوادع والتسالم واعتقاد المودة والتصافي والتوازر والتعاون والتعاضد والتناصر ويشترط الأضعف منهم للأقوى تسليم بعض ما في يده والتفادي عنه بمعاطفته والانقياد إلى اتباعه والطاعة والاحترام في المخاطبة والمجاملة في المعاملة أو الإمداد بجيش أو امتثال الأوامر والنواهي وغيرها مما لا يحصى
قلت وقد يكون الملكان متساويين في الرتبة أو متقاربين فيقع التعاقد بينهما على المسالمة والمصافاة والموازرة والمعاونة وكف الأذية والإضرار وما في معنى ذلك دون أن يلتزم أحدهما للآخر شيئا يقوم به أو إتاوة يحملها إليه ولكل مقام مقال والكاتب الماهر يوفي كل مقام حقه ويعطي كل فصل من الفصول مستحقه

الطرف الثاني في أصل وضعها
أما مهادنة أهل الكفر فالأصل فيها قوله تعالى ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) الآية وقوله ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها )
وما ثبت في صحيح البخاري من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه

أن قريشا وجهت إلى النبي وهو بالحديبية حين صده قريش عن البيت سهيل بن عمرو فقال للنبي هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا النبي الكاتب فقال النبي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتب إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله ثم قال النبي على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب أنا قد أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب قال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل يرسف في قيوده وقد خرج من مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي

فقال النبي إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا قال النبي فأجزه لي قال ما أنا بمجيزه لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل
قال مكرز بن حفص بلى قد أجزناه لك
قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله تعالى
قال عمر بن الخطاب فأتيت النبي فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري
قلت هذا ما أورده البخاري في حديث طويل
والذي أورده أصحاب السير أن الكاتب كان علي بن أبي طالب وأن نسخة الكتاب
هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه
وأشهد في الكتاب على الصلح رجالا من المسلمين والمشركين

الطرف الثالث فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الهدن
قال في مواد البيان وهذا الفن من المكاتبات له من الدولة محل خطير ومن المملكة موضع كبير ويتعين على الكاتب أن يخلي له فكره ويعمل فيه نظره ويتوفر عليه توفرا يحكم مبانيه ويهذب معانيه
والذي يلزم الكاتب في ذلك نوعان
النوع الأول ما يختص بكتابة الهدنة بين أهل الإسلام وأهل الكفر
وهي الشروط الشرعية المعتبرة في صحة العقد بحيث لا يصح عقد الهدنة مع إهمال شيء منها
وهي أربعة شروط
الأول في العاقد
ويختلف الحال فيه باختلاف المعقود عليه فإن كان المعقود عليه إقليما كالهند والروم ونحوهما أو مهادنة الكفار مطلقا فلا يصح العقد فيه إلا من الإمام الأعظم أو من نائبه العام المفوض إليه التحدث في جميع أمور المملكة
وإن كان على بعض القرى والأطراف فلآ حاد الولاة المجاورين لهم عقد الصلح معهم
الثاني أن يكون في ذلك مصلحة للمسلمين بأن يكون في المسلمين ضعف أو في المال قلة أو توقع إسلامهم بسبب اختلاطهم بالمسلمين أو طمع في قبولهم الجزية من غير قتال وإنفاق مال
فإن لم تكن مصلحة فلا يهادنون بل يقاتلون حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها
الثالث أن لا يكون في العقد شرط يأباه الإسلام كما لو شرط أن يترك بأيديهم مال مسلم أو أن يرد عليهم أسير مسلم انفلت منهم أو شرط لهم على المسلمين مال من غير خوف على المسلمين أو شرط رد مسلمة إليهم فلا يصح العقد مع شيء من ذلك بخلاف ما لو شرط رد الرجل المسلم أو

المرأة الكافرة فإنه لا يمنع الصحة
قال الغزالي وقد جرت العادة أن يقول نهادنكم على أن من جاءكم من المسلمين رددتموه ومن جاءنا مسلما رددناه
فإن كان في المسلمين ضعف وخيف عليهم جاز التزام المال لهم دفعا للشر كما يجوز فك الأسير المسلم إذا عجزنا عن انتزاعه
الرابع أن لا تزيد مدة الهدنة عن أربعة أشهر عند قوة المسلمين وأمنهم ولا يجوز أن تبلغ سنة بحال وفيما دون سنة وفوق أربعة أشهر قولان للشافعي رضي الله عنه أصحهما أنه لا يجوز أما إذا كان في المسلمين ضعف وهناك خوف فإنه تجوز المهادنة إلى عشر سنين فقد هادن رسول الله أهل مكة عشر سنين كما رواه أبو داود في سننه
ولا تجوز الزيادة عليها على الصحيح وفي وجه تجوز الزيادة على ذلك للمصلحة
فلو أطلق المدة فالصحيح من مذهب الشافعي أنها فاسدة وقيل إن كانت في حال ضعف المسلمين حملت على عشر سنين وإن كانت في حال القدرة فقد قيل تحمل على الأقل وهو أربعة أشهر وقيل على الأكثر وهو ما يقارب السنة
ولو صرح بالزيادة على ما يجوز عقد الهدنة عليه فإن زاد على أربعة أشهر في حال القوة أو على عشر سنين في حال الضعف صح في المدة المعتبرة وبطل في الزائد فإن احتيج إلى الزيادة على العشر عقد على عشر ثم عشر ثم عشر قبل تقضي الأولى قاله الفوراني وغيره من أصحابنا الشافعية
وذهب أصحاب مالك رحمهم الله إلى أن مدتها غير محدودة بل يكون موكولا إلى اجتهاد الإمام ورأيه

النوع الثاني ما تشترك فيه الهدن الواقعة بين أهل الكفر والإسلام وعقود
الصلح الجارية بين زعماء المسلمين وهي ضربان
الضرب الأول الشروط العادية التي جرت العادة أن يقع الاتفاق عليها بين
الملوك في كتابة الهدن خلا ما تقدم
وليس لها حد يحصرها ولا ضابط يضبطها بل بحسب ما تدعو الضرورة إليه في تلك الهدنة بحسب الحال الواقع
فمن ذلك أن يشترط عليه أن يكون لوليه مواليا ولعدوه معاديا ولمسالمه مسالما ولمحاربه محاربا ولا يواطيء عليه عدوا ولا يوقع عليه صلحا ولا يوافق على ما يقدح في أمره ولا يقبل سؤال سائل ولا بذل باذل ولا رسالة مراسل مما يخالف الاتفاق الجاري والأخذ على يد من سعى في نقض الصلح ونكث العهد إن كان من أهل طاعته والمقاتلة إن كان من المخالفين له وأنه إذا جنى من أهل مملكتهم جان كان عليه إحضاره أو الأخذ منه بالجناية
ومن ذلك أن يشترط عليه أن يكف عن بلاده وأعماله ومتطرف ثغوره وشاسع نواحيه أيدي الداخلين في جماعته والمنضمين إلى حوزته ولا يجهز لها جيشا ولا يحاول لها غزوا ولا يبدأ أهلها بمنازعة ولا يشرع لهم في مقارعة ولا يتناوبهم بمكيدة ظاهرة ولا باطنة ولا يعاملهم بأذية جلية ولا خفية ولا يطلق لأحد ممن ينوب عنه في إمارة جيشه ومن ينسب إلى جملته ويتصرف على إرادته عنانا إلى شيء من ذلك بوجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب وأن لا يجاوز حدود مملكته إلى المملكة الأخرى بنفسه ولا بعسكر من عساكره
ومن ذلك أن يشترط عليه أن يفرج عمن هو في حوزته ممن أحاطت به

ربقة الأسر ويمكنهم من المسير إلى بلادهم بأنفسهم وخدمهم وعيالهم وأتباعهم وأصناف أموالهم في أتم حراسة وأكمل خفارة دون كلفة ولا مؤونة تلحقهم على إطلاقهم ونحو ذلك
ومن ذلك أن يشترط عليه مالا يحمله إليه في كل سنة أو أن يسلم إليه ما يختاره من حصون وقلاع وأطراف وسواحل مما وقع الاستيلاء عليه من بلاد المسلمين أو أحب انتزاعه أو استضافته من بلاد من يهادنه من ملوك الكفر وأن يبقي من بها من أهلها ويقررهم فيها بحرمهم وأولادهم ومواشيهم وأزوادهم وسلاحهم وآلاتهم دون أن يلتمس عن ذلك أو عن شيء منه مالا أو يطلب عنه بدلا وما ينخرط في هذا السلك
ومن ذلك أن يشترط عليه عدم التعرض لتجار مملكته والمسافرين من رعيته برا وبحرا بنوع من أنواع الأذية والإضرار في أنفسهم ولا في أموالهم وللمجاورين للبحر عدم ركوب المراكب الحربية التي لا يعتاد التجار ركوب مثلها
ومن ذلك أن يشترط عليه إمضاء ما وقعت عليه المعاقدة وأن لا يرجع عن ذلك ولا عن شيء منه ولا يؤخر شيئا عن الوقت الذي اتفق عليه
ومن ذلك أن يشترط عليه أنه إذا بقي من مدة الهدنة مدة قريبة مما يحتاج إلى التعبيء فيه أن يعلمه بما يريده من مهادنة أو غيرها
ومن ذلك أن يشترط عليه أنه إذا انقضى أمد الهدنة على أحد من الطائفتين وهو في بلاد الآخرين أن يكون له الأمن حتى يلحق مأمنه
ومن ذلك أن يشترط مالا يحمله إليه في الحال أو في كل سنة أو حصونا أو بلادا يسلمها من بلاده أو مما يغلب عليه من بلاد مهادنه إلى غير ذلك من الأمور التي يجري عليها الاتفاق مما لا تحصى كثرة

الضرب الثاني مما يلزم الكاتب في كتابة الهدنة تحرير أوضاعها وترتيب
قوانينها وإحكام معاقدها
وذلك باعتماد أمور
منها أن يكتب الهدنة فيما يناسب الملك الذي تجري الهدنة بينه وبين ملكه ولم أر من تعرض في الهدن لمقدار قطع الورق وإن كثرت كتابتها في الزمن المتقدم بين ملوك الديار المصرية وبين ملوك الفرنج كما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
والذي ينبغي أن يراعى في ذلك مقدار قطع الورق الذي يكاتب فيه الملك الذي تقع الهدنة معه من قطع العادة أو الثلث أو النصف
ومنها أن يأتي في ابتدائها ببراعة الاستهلال إما بذكر تحسين موقع الصلح والندب إليه ويمن عاقبته أو بذكر السلطان الذي تصدر عنه الهدنة أو السلطانين المتهادنين أو الأمر الذي ترتب عليه الصلح وما يجري هذا المجرى مما يقتضيه الحال ويستوجبه المقام
ومنها أن يأتي بعد التصدير بمقدمة يذكر فيها السبب الذي أوجب الهدنة ودعا إلى قبول الموادعة
فإن كانت الهدنة مع أهل الكفر احتج للإجابة إليها بالائتمار بأمر القرآن والانقياد إليه حيث أمر الله رسوله بالمطاوعة على الصلح والإجابة إلى السلم بقوله ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) وما وردت به السنة من مصالحته قريشا عام الحديبية وذكر ما سنح له من آيات الصلح وأحاديثه وما جرى عليه الخلفاء الراشدون من بعده وكفهم عن القتال وقوفا عند ما حد لهم وأنه لولا ذلك لشرعوا الأسنة

إلى مخالفيهم في الدين وركضوا الجياد إلى جهاد من يليهم من الملحدين
وإن كان الصلح بين مسلمين احتج بنحو قوله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) وبأحاديث التحذير من تقاتل المسلمين كقوله ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار ) وما يجري هذا المجرى
ومنها أن يراعي المقام في تبجيل المتهادنين أو أحدهما بحسب ما يقتضيه الحال ووصف كل واحد منهما بما يليق به من التعظيم أو التوسط أو انحطاط الرتبة بحسب المقام ويجري على حسب ذلك في الشدة واللين
فإن كانت الهدنة بين متكافئين سوى بينهما في التعظيم وجرى بهما في الشدة واللين على حد واحد إلا أن يكون أحدهما أسن من الآخر فيراعي للأسن ما يجب له على الحدث من التأدب معه ويراعي للحدث ما يجب له على الكبير من الحنو والشفقة
وإن كانت الهدنة من قوي لضعيف أخذ في الاشتداد آتيا بما يدل على علو الكلمة وانبساط القدرة وحصول النصرة واستكمال العدد وظهور الأيد ووفور الجند وقصور الملوك عن المطاولة وعجزهم عن المحاولة ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك لا سيما إذا كان القوي مسلما والضعيف كافرا فإنه يجب الازدياد من ذلك وذكر ما للإسلام من العزة وما توالى له من النصرة وذكر الوقائع التي كانت فيها نصرة المسلمين على الكفار في المواطن المشهورة والأماكن المعروفة وما في معنى ذلك
وإن كانت الهدنة من ضعيف لقوي أخذ في الملاينة بحسب ما يقتضيه الحال مع إظهار الجلادة وتماسك القوة خصوصا إذا كان القوي

المعقود معه الهدنة كافرا
وإن شرط له مالا عند ضعف المسلمين للضرورة أتى في كلامه بما يقتضي أن ذلك رغبة في الصلح المأمور به لا عن خور طباع وضعف قوة إذ الله تعالى يقول ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم )
ومنها أن يتحفظ من سقط يدخل على الشريعة نقيصة إن كانت المهادنة مع أهل الكفر أو يجر إلى سلطانه وهيصة إن كانت بين مسلمين ويتحذر كل الحذر من خلل يتطرق إليه من إهمال شيء من الشروط أو ذكر شرط فيه خلل على الإسلام أو ضرر على السلطان أو ذكر لفظ مشترك أو معنى ملتبس يوقع شبهه توجب السبيل إلى التأول وأن يأخذ المأخذ الواضح الذي لا تتوجه عليه معارضة ولا تتطرق إليه مناقضة ولا يدخله تأويل
ومنها أن يبين أن الهدنة وقعت بعد استخارة الله تعالى وتروية النظر في ذلك وظهور الخير فيه ومشاورة ذوي الرأي وأهل الحجى وموافقتهم على ذلك
ومنها أن يبين مدة الهدنة
فقد تقدم أن الصحيح من مذهب الشافعي أنه إذا لم تبين المدة في مهادنة أهل الكفر فسدت الهدنة
قال في التعريف وقد جرت العادة أن يحسبوها مدة سنين شمسية فيحرر حسابها بالقمرية
ويذكر سنين وأشهرا وأياما وساعات حتى يستوفي السنين الشمسية المهادن عليها
أما في عقد الصلح بين مسلمين فإنه لا يشترط ذلك بل ربما قالوا إن ذلك صار لازما حتى في الولد وولد الولد

ومنها أن يبين أن الهدنة وقعت بين الملكين أنفسهما أو بين نائبيهما أو بين أحدهما ونائب الآخر ويستوفي ما يجب لكل قسم منها
فإن كانت بين الملكين أنفسهما بغير واسطة بين ذلك ذكر ما أخذ عليهما من العهود والمواثيق والأيمان الصادرة من كل منهما وذكر ما وقع من الإشهاد بذلك عليهما وما جرى من ثبوت حكمه إن جرى فيه ثبوت ونحو ذلك
وإن كانت بين المكتوب عنه ونائب الآخر بين ذلك وتعرض إلى المستند في ذلك من حضور كتاب من الملك الغائب بتفويض الأمر في ذلك إلى نائبه وأنه وصل على يده أو يد غيره والإشارة إلى أنه معنون بعنوانه مختوم بختمه المتعارف عنه أو وكالة عنه
ويتعرض إلى قيام البينة بها وثبوتها بمجلس الحكم ونحو ذلك من المستندات
وإن كانت بين نائبين بين ذلك وذكر مستند كل نائب منهما على ما تقدم ذكره
ويتعرض إلى أن النائب في ذلك قام فيه باختياره وطواعيته لا عن إكراه ولا إجبار ولا قسر ولا غلبة بل لما رأى لنفسه ولمستنيبه في ذلك من المصلحة والحظ وأن كتاب الهدنة قريء عليه وبين له فصلا فصلا وترجم له بموثوق به إن كان لا يعرف العربية ونحو ذلك
ومنها أن يتعرض إلى ما يجري من التحليف في آخرها على الوفاء وعدم النكث والإخلال بشيء من الشروط أو الخروج عن شيء من الالتزامات أو محاولة التأويل في شيء من ذلك أو السعي في نقضه أو في شيء منه وما في معنى ذلك
فإن كانت بين ملكين تعرض إلى تحليف كل منهما على التوفية بذلك
وإن كانت بين أحدهما ونائب الآخر حلف الملك كما تقدم وستأتي

صورة الحلف الذي يقع في الهدن في الكلام على الأيمان فيما بعد إن شاء الله تعالى
ومنها أن يحرر أمر التاريخ بالعربي وما يؤرخ به في مملكة الملك المهادن من السرياني والرومي وغيرهما
قال في التعريف ولهم عادة أن يحسبوها مدة سنين شمسية فيحرر حسابها بالقمرية ويذكر سنين وأشهرا وأياما وساعات حتى يستكمل السنين الشمسية المهادن عليها
وقد تقدم في الكلام على التاريخ من المقالة الثالثة كيفية معرفة التواريخ واستخراجها
ومنها أن يقع الإشهاد على كل من المتعاقدين بذلك ولا بأس بإثبات ذلك
وقد جرت العادة أنه يشهد على كل ملك جماعة من أهل دولته ليقضى على ملكهم بقولهم وإن كان مخالفا في الدين
وقد ثبت في الصحيح أن النبي أشهد على مصالحته مع قريش رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين
وربما طلب النائب عن الملك الغائب إحضار نسخة مهادنة من جهة مستنيبه على ما وقع به العقد مشمولة بخط الكتاب مشهودا عليه فيها بأهل مملكته أو تجهز إليه نسخة يكتب عليها خطه ويشهد عليه فيها أهل مملكته
والغالب الاكتفاء بالرسل في ذلك

الفصل الثاني في صورة ما يكتب في المهادنات والسجلات ومذاهب الكتاب في
ذلك وفيه طرفان
الطرف الأول فيما يستبد ملوك الإسلام فيه بالكتابة عنهم وتخلد منه نسخ
بالأبواب السلطانية وتدفع منه نسخ إلى ملوك الكفر
ثم ما يكتب في ذلك على نمطين
النمط الأول ما يكتب في طرة الهدنة من أعلى الدرج
وقد جرت العادة أن يفتتح بلفظ هذا أو لفظ هذه وما في معنى ذلك مثل أن يكتب هذا عقد صلح أو هذا كتاب هدنة أو هذه موادعة أو هذه مواصفة وما أشبه ذلك
وربما حذف المبتدأ وهو هذا واكتفي بالخبر عنه مثل أن يقال كتاب هدنة أو كتاب موادعة أو عقد مصالحة وما أشبه ذلك

وهذه نسخة بعقد صلح أنشأتها لينسج على منوالها وهي
هذا عقد صلح انتظمت به عقود المصالح وانتسقت بواسطته سبل المناجح وتحدث بحسن مقدمته الغادي وترنم بيمن نتيجته الرائح عاقد عليه السلطان فلان فلانا القائم في عقد هذا الصلح عن مرسله فلان حسب ما فوض إليه الأمر في ذلك في كتابه الواصل على يده المؤرخ بكذا وكذا المعنون بعنوانه المختوم بطابعه المتعارف عنه على أن يكون الأمر كذا وكذا
ويشرح ملخص ما يقع من الشروط التي يقع عليها الاتفاق بينهما في الصلح إلى آخرها ثم يقال على ما شرح فيه

النمط الثاني ما يكتب في متن الهدنة وهو على نوعين
النوع الأول ما تكون الهدنة فيه من جانب واحد
بأن يكون الملكان متكافئين فيتعاقدان إما على حصن وإما على مال يعطيه الملك المعقودة له الهدنة لعاقدها كما كان يكتب عن صاحب الديار المصرية
وللكتاب فيه مذهبان
المذهب الأول أن تفتتح الهدنة بلفظ هذا ما هادن عليه أو هذه هدنة أو موادعة أو مواصفة أو سلم أو صلح أو نحو ذلك على نحو ما تقدم في الكلام على الطرة
وعلى ذلك كتب كتاب القضية بين النبي وبين قريش عام

الحديبية على ما تقدم ذكره في الكلام على أصل مشروعيتها
وهذه نسخة هدنة كتب بها عن سلطان قوي لملك مضعوف باشتراط مال يقوم به المضعوف للقوي في كل سنة أو حصون يسلمها له أو نحو ذلك وهي
هذا ما هادن عليه وأجل إليه مولانا السلطان فلان خلد الله سلطانه وشرف به زمانه الملك فلانا الفلاني هادنه حين ترددت إليه رسله وتوالت عليه كتبه وأمله ليمهله وسأله ليكف عنه أسله حين أبت صفاحه أن تصفح وسماء عجاجه بالدماء إلا أن تسفح فرأى سدد الله آراءه أن الصلح أصلح وأن معاملة الله أربح وهادن هذا الملك ويسميه على نفسه وأهله وولده ونسله وجميع بلاده وكل طارفه وتلاده وماله من ملك ومال وجهات وأعمال وعسكر وجنود وجموع وحشود ورعايا في مملكته من المقيم والطاريء والسائر بها والساري هدنة مدتها أول تاريخ هذه الساعة الراهنة وما يتلوها مدة كذا وكذا من سنين وأشهر وساعات يحمل فيها هذا الملك فلان إلى بيت مال المسلمين وإلى تحت يد مولانا السلطان فلان قسيم أمير المؤمنين في هذه المدة كذا وكذا يقوم به هذا الملك من ماله ومما يتكفل بجبايته من جزية أهل بلاده وخراج أعماله على أقساط كذا وكذا قياما لا يحوج معه إلى تكلف مطالبة ولا إلى تناوله بيد مغالبة
على أن يكف مولانا السلطان عنه بأس بأسائه وخيله المطلة عليه في صباحه ومسائه ويضم عن بلاده أطراف جنوده وعساكره وأتباعهم ويؤمنه من بطائهم وسراعهم ويمنع عن بلاد هذا الملك المتاخمة لبلاده والمزاحمة لدوافق أمداده ويرد عنها وعمن جاورها من بقية ما في مملكته وهي كذا وكذا أيدي النهب ويكف الغارات ويمنع الأذى ويرد من نزح من رعايا هذا الملك إليه ما لم يدخل في دين الإسلام ويشهد الشهادتين

ويقر بالكلمتين المعتادتين ويؤمن جلابة هذا الملك وتجاره المترددين من بلاده إلى بلاد الإسلام في عوارض الأشغال ولا يحصل عليهم ضرر في نفس ولا مال وإن أخذت المتجرمة منهم مالا أو قتلت أحدا أمر بإنصافهم من ذلك المتجرم وأن يؤخذ بحقهم من ذلك المجرم
وعليه مثل ذلك فيمن يدخل إليه من بلاد الإسلام وأن لا يفسح لنفسه ولا لأحد من جميع أهل بلاده في إيواء مسلم متنصر ولا يرخص لذي عمى منهم ولا متبصر
وأنه كلما وردت إليه كتب مولانا السلطان فلان أو كتب نوابه أو أحد من المتعلقين بأسبابه يسارع إلى امتثاله والعمل به في وقته الحاضر ولا يؤخره ولا يمهله ولا يطرحه ولا يهمله
وعليه أن لا يكون عينا للكفار على بلاد الإسلام وإن دنت به أو بعدت الدار ولا يواطيء على مولانا السلطان فلان أعداءه وأولهم التتار وأن يلتزم ما يلزمه من المسكة بالمسكنة ويفعل ما تسكت عنه به الأسنة وما أشبهها من الألسنة وعليه أن ينهي ما يتجدد عنده من أخبار الأعداء ولو كانوا أهل ملته وينبه على سوء مقاصدهم ويعرف ما يهم سماعه من أحوال ما هم عليه
هذه هدنة تم عليها الصلح إلى منتهى الأجل المعين فيه ما استمسك بشروطها وقام بحقوقها ووقف عند حدها الملتزم به وصرف إليها عنان اجتهاده وبنى عليها قواعد وفائه وصان من التكدير فيها سرائر صفائه سأل هو في هذه الهدنة المقررة وأجابه مولانا السلطان إليها على شروطها المحررة وشهد به الحضور بالمملكتين وتضمنته هذه الهدنة المسطرة وبالله التوفيق
قلت الظاهر أنه كان يكتب بهذه النسخة عن صاحب الديار المصرية

والممالك الشامية لمتملك سيس فإن في خلال كلام المقر الشهابي بعد قوله ولا يواطيء على مولانا السلطان فلان أعداءه وأولهم التتار وقد تقدم في الكلام على الممالك أن متملك سيس كان يماليء التتار ويميل إليهم ويساعدهم في حرب المسلمين ويكثر في سوادهم
وعلى مثل ذلك يكتب لكل ملك مضعوف في مهادنة الملك القوي له
وهذه نسخة هدنة من هذا النمط كتب بها أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه الديلمي بأمر أمير المؤمنين الطائع لله الخليفة العباسي ببغداد يومئذ لوردس المعروف بسفلاروس ملك الروم حين حيل بينه وبين بلاده والتمس أن يفرج له طريقه إلى بلاده على شروط التزمها وحصون يسلمها على ما سيأتي ذكره وهي
هذا كتاب من صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع بن ركن الدولة أبي علي مولى أمير المؤمنين كتبه لوردس بن بينير المعروف بسفلاروس ملك الروم

إنك سألت بسفارة أخينا وعدتنا وصاحب جيشنا أبي حرب ربار بن شهراكويه تأمل حالك في تطاول حبسك واعتياقك عن مراجعة بلدك وبذلت متى أفرج عنك وخلي طريقك وأذن لك في الخروج إلى وطنك والعود إلى مقر سلطانك أن تكون لولينا وليا ولعدونا عدوا ولسلمنا سلما ولحربنا حربا من جميع الناس كلهم على اختلاف أحوالهم وأديانهم وأجناسهم وأجيالهم ومقارهم وأوطانهم فلا تصالح لنا ضدا مباينا ولا تواطيء علينا عدوا مخالفا وأن تكف عن تطرق الثغور والأعمال التي في أيدينا وأيدي الداخلين في طاعتنا فلا تجهز إليها جيشا ولا تحاول لها غزوا ولا تبدأ أهلها بمنازعة ولا تشرع لهم في مقارعة ولا تتناولهم بمكيدة ظاهرة ولا باطنه ولا تقابلهم بأذية جلية ولا خفية ولا تطلق لأحد ممن ينوب عنك في قيادة جيوشك ومن ينسب إلى جملتك ويتصرف على إرادتك الاجتراء على شيء من ذلك على الوجوه والأسباب كلها وأن تفرج عن جميع المسلمين وأهل ذمتهم الحاصلين في محابس الروم ممن أحاطت بعنقه ربقة الأسر واشتملت عليه قبضة الحصر والقسر في قديم الأيام وحديثها وبعيد الأوقات وقريبها المقيمين على أديانهم والمختارين للعود إلى أوطانهم وتنهضهم بما ينهض به أمثالهم وتمكنهم من البروز والمسير بنفوسهم وحرمهم وأولادهم وعيالاتهم وأتباعهم وأصناف أموالهم موفورين مضمونين متبذرقين محروسين غير ممنوعين ولا معوقين ولا مطالبين بمؤونة ولا كلفة صغيرة ولا كبيرة
وأن تسلم تتمة سبعة من الحصون وهي حصن أرحكاه المعروف بحصن الهندرس وحصن السناسنة وحصن حويب وحصن أكل وحصن أنديب وحصن حالي وحصن تل حرم برساتيقها ومزارعها إلى من نكاتبك

بتسليمها إليه مع من بها من طبقات أهلها أجمعين المختارين لسكناها والاستقرار فيها بحرمهم وأولادهم وأسبابهم ومواشيهم وأصناف أموالهم وغلاتهم وأزوادهم وسلاحهم وآلاتهم ليكون جميعها حاصلا في أيدينا وأيدي المسلمين على غابر الأيام والسنين من غير أن تلتمس عنها أو عن شيء منها مالا ولا بدلا ولا عوضا من الأعواض كلها
وعلى أنك تمضي ما عقدته على نفسك من ذلك كله بابا بابا وتفي به أولا أولا منذ وقت وصولك إلى أوائل أعمالك وإلى غاية استيلائك عليها ونفاذ أمرك فيها ولا ترجع عن ذلك ولا عن بعضه ولا تؤخر شيئا من الوقت الذي تقدر فيه عليه ولا ترخص لنفسك في تجاوز له ولا عدول عنه
ومتى سعت طائفة من الطوائف التي تنسب إلى الروم والأرمن وغيرهم في أمر يخالف شرائط هذا الكتاب كان عليك منعهم من ذلك إن كانوا من أهل الطاعة والقبول منك أو مجاهدتهم وممانعتهم إن كانوا من أهل العنود عنك والخلاف عليهم حتى تصرفهم عما يرومونه وتحول بينهم وبين ما يحاولونه بمشيئة الله وإذنه وتوفيقه وعونه
واشترطت علينا بعد الذي شرطته لنا من ذلك التخلية عن طريقك وطريق من تضمنته جملتك واشتملت عليه رفقتك من طبقات الأصحاب والأتباع في جميع أعمالنا حتى تنفذ عنها إلى ما وراءها غير معوق ولا معتقل ولا مؤذى ولا معارض ولا مطالب بمؤونة ولا كلفة ولا ممنوع من ابتياع زاد ولا آلة ولا نؤثر عليك أحدا ناوأك في أعمالك ونازعك سلطان بلادك ودافعك عنه وناصبك العداوة فيه ممن ينتسب إلى الروم والأرمن والخزرية وسائر الأمم المضادة لك ولا نوقع معه صلحا عليك ولا موافقة على ما يعود بثلمك أو قدح في أمرك ولا نقبل سؤال سائل ولا بذل باذل ولا رسالة مراسل فيما خالف شرائط هذا الكتاب أو عاد بإعلاله أو إعلال وثيقة من وثائقه

ومتى وفد إلينا رسول من جهة أحد من أضدادك راغبا إلينا في شيء يخالف ما انعقد بيننا وبينك امتنعنا من إجابته إلى ملتمسه ورددناه خائبا خاليا من طلبته
وإذا سلمت الحصون المقدم ذكرها إلى من نكاتبك بالتسليم إليه كان لك علينا أن نقر من فيها رساتيقها على نعمهم ومنازلهم وضياعهم وأملاكهم وأن لا نزيلهم عنها ولا عن شيء منها ولا نحول بينهم وبين ما تحويه أيديهم من جميع أموالهم وأن نجريهم في المعاملات والجبايات على رسومهم الجارية الماضية التي عوملوا عليها على مر السنين وإلى الوقت الذي يقع فيه التسليم من غير فسخ ولا تغيير ولا نقض ولا تبديل
فأنهينا إلى مولانا أمير المؤمنين الطائع لله ما سألت والتمست وضمنت وشرطت واشترطت من ذلك كله واستأذناه في قبوله منك وإيقاع المعاهدة عليه معك فأذن أدام الله تمكينه لنا فيه وأمرنا بأن نحكمه ونمضيه لما فيه من انتظام الأمور وحياطة الثغور وصلاح المسلمين والتنفيس عن المأسورين
فأمضيناه على شرائط وتراضينا جميعا به وعاقدناك عليه وحلفت لنا باليمين المؤكدة التي يحلف أهل شريعتك بها ويتحرجون من الحنث فيها على الوفاء به وأشهدنا على نفوسنا وأشهدت على نفسك الله جل ثناؤه وملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين وأخانا وعدتنا أبا حرب ربار بن شهراكويه مولى أمير المؤمنين ومن حضر المجلس الذي جرى فيه ذلك باستقرار جميعه بيننا وبينك ولزومه لنا ولك
ثم حضر بعد تمام هذه الموافقة واستمرارها وثبوتها واستقرارها قسطنطين بن بينير أخو وردس بن بينير وأرمانوس بن وردس بن بينير فوقعا على هذا الكتاب وأحاطا به علما واستوعباه معرفة وشهدا على وردس ابن بينير ملك الروم بإقراره والتزامه إياه
ثم تبرع كل واحد منهما بأن

أوجب على نفسه التمسك به والمقام عليه متى قام وردس بن بينير فيما هو موسوم به من ملك الروم وجعل جميع الشرائط الثابتة في هذا الكتاب المعقود بعضها ببعض أمانة في ذمته وطوقا في عنقه وعهدا يسأل عنه وحقا يطالب في الدنيا والآخرة به وصار هذا العقد جامعا لهم ولنا ولأولادنا وأولادهم وعقبنا وعقبهم ما عشنا وعاشوا يلزمنا وإياهم الوفاء بما فيه علينا وعليهم ولنا ولهم على مرور الليالي والأيام واختلاف الأدوار والأعوام
أمضى وأنفذ صمصام الدولة وشمس الملة أبو كاليجار ذلك كله على شرائطه وحدوده والتزمه وردس بن بينير المعروف بسفلاروس ملك الروم وأخوه قسطنطين وابنه أرمانوس بن وردس بن بينير وضمنوا الوفاء به وأشهدوا كل واحد منهم على نفوسهم بالرضا به طائعين غير مكرهين ولا مجبرين ولا علة بهم من مرض ولا غيره بعد أن قرأه عليهم وفسره لهم وخاطبهم باللغة الرومية من وثق به وفهموا عنه وفقهوا معنى لفظه وأحاطوا علما ومعرفة به بعد أن ملكوا نفوسهم وتصرفوا على اختيارهم وتمكنوا من إيثارهم ورأوا أن في ذلك حظا لهم وصلاحا لشأنهم وذلك في شعبان سنة ست وسبعين وثلثمائة
وقد كتب هذا الكتاب على ثلاث نسخ متساويات خلدت اثنتان منها بدواوين مدينة السلام وسلمت الثالثة إلى وردس بن بينير ملك الروم وأخيه وابنه المذكورين معه فيه
وهذه نسخة هدنة من ملك مضعوف لملك قوي كتب بها الفقيه أبو عبد الله بن . . . . . . أحد كتاب الأندلس عن بعض ملوك الأندلس من المسلمين من أتباع المهدي بن تومرت القائم بدعوة الموحدين مع دون

فرانده صاحب قشتالة من ملوك الفرنج بعقد الصلح على مرسية من بلاد الأندلس وهي
هذا عقدنا بعد استخارة الله تعالى واسترشاده واستعانته واستنجاده نيابة عن الإمارة العلية بحكم استنادنا إلى أوامرها العالية وآرائها الهادية عقدناه والله الموفق لقشتالة مع فلان النائب في عقده معنا عن مرسله إلينا الملك الأجل الأسنى المبجل دون فرانده ملك قشتالة وطليطلة وقرطبة وليون وبلنسية أدام الله كرامته وميزته بتقواه حين وصلنا من قبله كتاب مختوم بطابعه المعلوم له والمتعارف عنه تفويضا منه إليه في كل ما يعقد له وعليه وعاقدنا على أن يكون السلم بيننا وبين مرسله المذكور لعامين اثنين أولهما شهر المحرم الذي هو أول سنة تاريخ هذا الكتاب الموافق من الأشهر العجمية شهر كذا على جميع ما تحت نظرنا الآن من البلاد الراجعة إلى الدعوة المهدية أسماها الله تعالى حواضرها وثغورها مواسطها وأطرافها من جزيرة شقر إلى بيرة والمنصورة وما يليها

حرس الله جميعها سلما محافظا عليها من الجهتين محفوظا عهدها عند أهل الملتين لا غدر فيها ولا إخلال في معنى من معانيها ولا تشن في مدنها غارة ولا تذعر سيارة ومهما وقع إغوار أو حدث إقدار على جهة المجاهرة إذا اتصلت والمساترة فإن كان من جهة النصارى فعلى ملك قشتالة تسريح الأسارى ورد الغنائم والنهب والإنصاف من الغنيمة إن عدمت العين وأعوز الطلب وعلينا مثل ذلك سواء ليقابل بالوفاء هذا بعد أن يتبع الأمر ويعلم من أين كان
ومن هذه المهادنة أن لا يتسبب إلى الحصون بالغدر ولا بالشر ولا يتجاوز النصارى حدود بلادهم وأرضهم بشيء من البناء ولا يصل من بلد قشتالة مدد لمخالفنا ولا معونة لمفاتننا
وكل ما يرجع إلى هذه الدعوة ويدخل في الطاعة من البلاد بعد هذا العقد فداخل في السلم بزيادة نسبته من المال الذي هو شرط في صحة هذا الحكم وإذا بقي من مدة هذه المسالمة شهران اثنان فعلى ملك قشتالة أن يعلمنا بغرضه في المهادنة أو سواها إعلاما من مذاهب الوفاء أوفاها
وقد التزم رسول المذكور لنا هذه الشروط وأحكم معنا نيابة عنه فيها العقود والربوط على كل ما ذكرناه
والتزمنا في هذا السلم لملك قشتالة المذكورة مكافأة عن وفاء عهده وصحة عقده مائة ألف دينار واحدة وأربعين ألف دينار في كل عام من عامي هذا الصلح المقدم الوصف مقسما ذلك على ثلاثة أنجم في العام ليتقاضاها ثقاته ويوفى عينها على التمام والكمال قبض منها كذا ليوصلها إلى مرسله والتزم له تخليص باقي كذا عند انقضاء كذا على أوفى وجه وأكمله فإن وفي له بذلك بعد الأربعين

يوما المؤقتة فالسلم باقية وحكمها ثابت وإلا فالسلم مفسوخة ولا حكم لها إن عجز عن الوفاء له بحصول ما بقي من الشروط في استصحاب الحكم واتصال العمل إن شاء الله تعالى
وعلى ما تضمنه هذا الكتاب أمضى فلان أعزه الله بحكم النيابة عن الأمر العالي أسماه الله هذا العقد الصلحي وأشهد بما فيه على نفسه وحضره المعسل طور المذكور فترجم له الكتاب وبينت له معانيه وقرر على مضامينه فالتزم ذلك كله عن مرسله ملك قشتالة حسب ما فوض إليه فيه وأشهد بذلك على نفسه في صحته وجواز أمره في كذا والله الموفق لما يرضاه ومقدم الخير والخيرة فيما قضاه بمنه والسلام

المذهب الثاني أن تفتتح المهادنة قبل لفظ هذا ببعدية
وهذه نسخة هدنة بين ملكين متكافئين دون تقرير شيء من الجانبين كتب بها الفقيه المحدث أبو الربيع بن سالم من كتاب الأندلس في عقد صلح على بلنسية وغيرها من شرق الأندلس وهي وبعد فهذا كتاب موادعة أمضى عقدها والتزمه وأبرم عهدها وتممه فلان لملك أرغون وقومط برجلونة ويرنسب مقت بشلى حافظة بن

بطرة بن أدفونش بن ريموند أدام الله كرامته بتقواه له خاتما وعنوانا المعهود صدوره في أمثالها من المراوضات الصلحية تضرعا وإعلانا متضمنا من الإحالة في عقد المسالمة عليه والتفويض في إبرام أسبابها والتزام فصولها وأبوابها إليه ما أوجب صحيح النظر وصريح الرأي المعتبر مقاربة فيه وموافقة منه على ما يحفظ حق المسلمين ويوفيه جنوحا منه إلى ما جنح إليه من ذلك متقاضيه وتحريا للعمل على شاكلة الصواب والإيثار لما يقتضيه بعد محاولات بلغ منها النظر غايته من الاجتهاد وإراغات قرن بها من استخارة الله تعالى واستنجاده ما رضي فيه من فضله العميم معهود التسديد والإنجاد فأجلى ذلك عن إمضاء عهد السلم لملك ارغون على بلنسية وكافة جهاتها أطرافا ومواسط وثغورا وبسائط وكذلك شاطبة ودانية وما ينتظم معهما من أحوازهما ويرجع إلى حكم بلنسية وحالها من الجهة النائية والدانية لمدة عامين اثنين شمسيين متصلين وأيام متصلة بهما كذلك
وهذا يحصر أمره ويحقق عدده أن نفتتحه بيوم الأحد الرابع والعشرين لشهر نوبر الموافق لعاشر ذي القعدة المؤرخ به

هذا الكتاب الذي هو من عام أحد وعشرين وستمائة بتاريخ الهجرة مسالمة تضع بها الحرب بين الجانبين أوزارها وتمهد للهدنة بين الطائفتين آثارها وترفع اللبنة عمن ذكر من الملتين أذيتها وأضرارها البر والبحر في ذلك سيان والمساترة فيها بالأذى والمجاهرة ممنوعان وحقيقة اللازم من ذلك غني ببيانه ووضوحه عن الإيضاح والتبيان لا التباس ولا إشكال ولا غائلة ولا احتيال ليس إلا الأمن الكافل لكافة من تشتمل عليه كافة المواضع المذكورة من المسلمين ومن تحويه بلاد ملك أرغون من الطوائف أجمعين
وكل منتم إلى خدمة هذه المملكة الأرغونية بما كان من وجوه الانتماء أو ناظر في جزء منها كائنا ما كان من الأجزاء فهو في هذا الحكم داخل وتحت هذا الربط الصلحي واصل ولا حجة لمن كان له منهم حصن ينفرد به عن هذه المملكة على ما لهم في ذلك من العوائد المتعارفة
فإن نقض بجزء منه وذهب إلى أن يكون في حصنه منفردا فهو وما اختار إذا تنكب الإضرار فإن رام التطرق بشيء إلى أحد الجانبين كان على المسلمين وعلى أهل أرغون التظافر على استنزاله والتظاهر على قتاله حتى يكفوا ضرره ويعفوا أثره
والحدود الفاصلة بين الجزأين هي أوساط المسافات على ما عرف من متقدم المسالمات ويد كل فريق منهم مطلقة فيما وراء حده بما شاء من انتشاء برسم الإصلاح والإنشاء وكل من قصد المسلمين من رجال المملكة الأرغونية بريئا من تبعة الفساد فقبول قصده مباح وليس في استخدامه والإحسان إليه جناح والطريق للتجار المعهود وصولهم من بلاد أرغون إلى بلنسية في البر والبحر مباحة الانتياب محفوفة بالأمنة التامة في الجيئة والذهاب على تجار البحر منهم أن يتجنبوا ركوب الأجفان الحربية التي

يمكن بها الإضرار ويستغني عن ركوبها التجار والاسترهاب مرفوع عن هؤلاء الواصلين برسم التجارة على اختلافهم وتباين أصنافهم فيما لم تجنه أيديهم ولا كان منسوبا إلى تعديهم وكل معتقل من الطائفتين بأدنى شيء يطرق إلى حكم هذه السلم خلافا أو يلحق بعهدها إخلافا فعلى أهل موضعه الإنصاف ممن جناه وصرف ما سلبته يداه وإحضاره مع ذلك ليعاقب بما أتاه
وليس لأحد من الطائفتين أن يتسبب باسترسال إلى الإنصاف من جناية حال بل يقوم بدفع ذلك حيث يحب ويطلبه في الموضع الذي ينبغي فيه الطلب حتى يخاطب الناظر على المملكة التي نسبت إليها هذه الإذاية وصدرت عن أهلها تلك الجناية بطلب الإنصاف من عدوانها وتعاد عليه الأعذار في شانها وعليه ولابد التخليص منها عملا بالوفاء الذي يجب العمل به وقياما بحق العهد الذي أكد الاعتلال بسببه ومتى غادر مغادر من أحد الملتين حصنا من حصون الأخرى فله الأمن على الكمال والرعي الحافظ للنفس والمال حتى يلحق بمأمنه ويعود سالما إلى وطنه
فعلى هذه الشروط المحققة والربوط الموثقة انعقد هذا السلم وعلى من ذكر من المسلمين وأهل أرغون الحكم وهذا الكتاب ينطق في ذلك بالحق اللازم للطائفتين ويعرب عن حقيقة ما انعقد بين من سمي من أهل الملتين والتزم كله عن ملك أرغون النائب عنه بتفويضه إليه واستنابته إياه عليه الزعيم بطره ابن فدانف بكدريش على أتم وجوه الالتزام وأبرم ذلك ملك أرغون بأوثق علائق الإبرام وكل ذلك بعد أن بينت له الفصول المتقدمة غاية التبيين وأفهمها حق الإفهام وألزم نفسه مع ذلك وصول كتاب هذا الملك الذي تولى النيابة عنه في هذا العقد مصرحا

بالتزامه وإمضائه فيه عمله وفق ما تضمنه كتابه الذي أرسله وأشهد مع ذلك زعماء دولته وكبراء القائمين عليه تحقيقا لمعناه وتوثيقا لمبناه إن شاء الله تعالى

النوع الثاني من الهدن الواقعة بين ملك مسلم وملك كافر أن تكون الهدنة من
الجانبين جميعا
وفيها للكتاب ثلاثة مذاهب
المذهب الأول أن تفتتح الهدنة بلفظ هذه هدنة ونحو ذلك
قال في التعريف وسبيل الكتابة فيها أن يكتب بعد البسملة هذه هدنة استقرت بين السلطان فلان والسلطان فلان هادن كل واحد منهما الآخر على الوفاء عليه وأجل له أجلا ينتهي إليه لما اقتضته المصلحة الجامعة وحسمت به مواد الآمال الطامعة تأكدت بينهما أسبابها وفتحت بهما أبوابها وعليهما عهد الله على الوفاء بشرطها والانتهاء إلى أمدها ومد حبل الموادعة إلى آخر مددها ضربا لها أجلا أوله ساعة تاريخه وإلى نهاية المدة وهي مدة كذا وكذا على أن كل واحد منهما يغمد بينه وبين صاحبه سيف الحرب ويكف ما بينهما من السهام الراشقة وتعقل الرماح الخطارة وتقر على مرابطها الخيل المغيرة
وبلاد السلطان فلان كذا وكذا وبلاد السلطان فلان كذا وكذا وما في بلاد كل منهما من الثغور والأطراف والمواني والرساتيق والجهات والأعمال برا وبحرا وسهلا

وجبلا ونائيا ودانيا ومن فيها من ملكها المسمى وبنيه وأهله وأمواله وجنده وعساكره وخاص من يتعلق به وسائره ورعاياه على اختلاف أنواعهم وعلى انفرادهم واجتماعهم البادي والحاضر والمقيم والسائر التجار والسفارة وجميع المترددين من سائر الناس أجمعين
على أن يكون على فلان كذا وعلى فلان ويعين ما يعين من مال أو بلاد أو مساعدة في حرب أو غير ذلك يقوم بذلك لصاحبه وينهض من حقه المقرر بواجبه وعليهما الوفاء المؤكد المواثيق والمحافظة على العهد والتمسك بسببه الوثيق هدنة صحيحة نطقا بها وتصادقا عليها وعلى ما تضمنته المواصفة المستوعبة بينهما فيها وأشهدا الله عليهما بمضمونها وتواثقا على ديونها وشهد من حضر مقام كل منهما على هذه الهدنة وما تضمنته من المواصفة وجرت بينهما على حكم المناصفة رأيا فيها سكون الجماح وغض طرف الطماح
وعلى أن على كل منهما رعاية ما جاوره من البلاد والرعية وحملهم في قضاياهم على الوجوه الشرعية ومن نزح من إحدى المملكتين إلى الأخرى أعيد وما أخذ منها باليد الغاصبة استعيد وبهذا تم الإشهاد وقريء على المسامع على رؤوس الأشهاد

المذهب الثاني أن تفتتح الهدنة بلفظ استقرت الهدنة بين فلان وفلان ويقدم
فيه ذكر الملك المسلم
وعلى ذلك كانت الهدن تكتب بين ملوك الديار المصرية وبين ملوك الفرنج المتغلبين على بعض البلاد الشامية

وهذه نسخة هدنة على هذا النمط دون تقرير من الجانبين كتبت بين الملك الظاهر بيبرس البندقداري صاحب الديار المصرية وبين الاسبتار بحصن الأكراد والمرقب في رابع شهر رمضان سنة خمس وستين وستمائة وهي استقرت الهدنة المباركة الميمونة بين مولانا السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبي الفتح بيبرس الصالحي النجمي وبين المقدم الكبير الهمام فلان مقدم بيت الاسبتار الفلاني بعكا والبلاد الساحلية وبين فلان مقدم حصن الأكراد وبين فلان مقدم حصن المرقب وجميع الإخوة الاسبتار لمدة عشر سنين متوالية وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها يوم الاثنين رابع رمضان سنة خمس وستين وستمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام الموافق لليوم الثلاثين من أيام . . . . . سنة ألف وخمسمائة وتسعة وسبعين للإسكندر بن فيلبس اليوناني على أن جميع المملكة الحمصية والشيزرية والحموية وبلاد الدعوة المباركة واقع عليها الاتفاق المبارك ومستقرة لها هذه الهدنة الميمونة بجميع حدود هذه الممالك المعروفة وبلادها الموصوفة وقراها وضياعها وسهلها وجبلها وعامرها وغامرها ومزروعها ومعطلها

وطرقاتها ومياهها وقلاعها وحصونها على ما يفصل في كل مملكة ويشرح في هذه الهدنة المباركة للمدة المعينة إلى آخرها
وعلى أن المستقر بمملكة حمص المحروسة أن جميع المواضع والقرى والأراضي التي من نهر العاصي وتغرب إلى الحد المعروف من الغرب لبلد المناصفات عامرا وداثرا وبما فيها من الغلات صيفيا وشتويا والعداد وغيرها من الفوائد جميعها تقرر أن يكون النصف من ذلك للسلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين أبي الفتح بيبرس والنصف لبيت الاسبتار
وعلى أن كلا من الجهتين يجتهد ويحرص في عمارة بلد المناصفات المذكورة بجهده وطاقته ومن دخل إليها من الفلاحين بدواب أو من التركمان أو من العرب أو من الأكراد أو من غيرهم أو الفناة كان عليهم العداد كجاري العادة ويكون النصف للسلطان والنصف لبيت الاسبتار
وعلى أن الملك الظاهر يحمي بلد المناصفات المقدم ذكرها من جميع عسكره وأتباعه وممن هو في حكمه وطاعته ومن جميع المسلمين الداخلين في طاعته كافة
وكذلك مقدم بيت الاسبتار وأصحابه يحمون بلاد مولانا السلطان الداخلة في هذه الهدنة
وعلى أن جميع من يتعدى نهر العاصي مغربا لرعي دوابه سواء أقام أو لم يقم كان عليه العداد سوى قناة البلد ودوابه ومن يخرج من مدينة حمص ويعود إليها ومن غرب منهم ومات كان عليه العداد

وعلى أن يكون أمر فلاحي بلد المناصفات في الحبس والإطلاق والجباية راجعا إلى نائب مولانا السلطان باتفاق من نائب بيت الاسبتار على أن يحكم فيه بشريعة الإسلام إن كان مسلما وان كان نصرانيا يحكم فيه بمقتضى دولة حصن الأكراد
وأن يكون الفلاحون الساكنون في بلاد المناصفات جميعها مطلقين من السخر من الجانبين
وعلى أن الملك الظاهر لا يأخذ في بلد المناصفات المذكورة من تركمان ولاعرب ولا أكراد ولا غيرهم عدادا ولا حقا من حقوق بلد المناصفات إلا ويكون النصف منه للملك الظاهر والنصف الآخر لبيت الاسبتار
وعلى أن الملك الظاهر لا يتقدم بمنع أحد من الفلاحين المعروفين بسكنى بلاد المناصفات من الرجوع إليها والسكن فيها إذا اختاروا العود وكذلك بيت الاسبتار لا يمنعون أحدا من الفلاحين المعروفين بسكنى بلاد المنصفات من الرجوع إليها والسكن فيها إذا اختاروا العود
وعلى أن الملك الظاهر لا يمنع أحدا من العربان والتركمان وغيرهم ممن يؤدي العداد من الدخول إلى بلد المناصفات إلا أن يكون محاربا لبعض الفرنج الداخلين في هذه الهدنة فله من ذلك
وأن تكون خشارات الملك الظاهر وخشارات عساكره وغلمانهم وأهل بلده ترعى في بلد المناصفات آمنة من الفرنج والنصارى كافة
وكذلك خشارات بيت الاسبتار وخشارات عسكرهم وغلمانهم وأهل بلدهم ترعى آمنة من المسلمين كافة في بلد المناصفات
وعند خروج الخشارات من المراعي وتسليمها لأصحابها لا يؤخذ فيها حق ولا عداد ولا تعارض من الجهتين
وعلى أن تكون مصيدة السمك الرومية مهما تحصل منها يكون النصف منه للملك الظاهر والنصف لبيت الاسبتار وكذلك المصايد التي في الشط الغربي من العاصي يكون النصف منه للملك الظاهر والنصف لبيت

الاسبتار ويكون لبيت الاسبتار في كل سنة خمسون دينارا صورية عن القش ويكون القش جميعه للملك الظاهر يتصرف نوابه فيه على حسب اختيارهم ويكون اللينوفر مناصفة النصف منه للملك الظاهر والنصف لبيت الاسبتار
وتقرر أن الطاحون المستجد المعروف بإنشاء بيت الاسبتار الذي كان حصل الحرب فيه والبستان الذي هناك المعروف بإنشاء بيت الاسبتار أيضا يكون مناصفة وأن يكون متولي أمرهما نائب من جهة نواب السلطان ونائب من جهة بيت الاسبتار يتوليان أمرهما والتصرف فيهما وقبض متحصلهما
وتقرر أن مهما يجدده بيت الاسبتار على الماء الذي تدور به الطاحون ويسقي البستان من الطواحين والأبنية وغير ذلك يكون مناصفة بين الملك الظاهر وبين بيت الاسبتار
وأما المستقر بمملكة شيزر المحروسة فهي شيزر وأبو قبيس وأعماله وعينتاب وأعمالها ونصف زاوية بغراس المعروفة بحماية بيت الاسبتار وأعمالها وجميع أعمال المملكة الكسروية والبلاد المذكورة بحدودها المعروفة بها وقراها المستقرة بها وسهلها وجبلها وعامرها وغامرها
وما استقر بمملكة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر أبي الفتح محمود بن الملك المنصور محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب فهي حماة المحروسة وقلاعها ومدنها والمعرة وقراها وسهلها وجبلها وأنهارها ومنافعها وثمارها وعامرها وغامرها وبلاد رقيبة وبلاد بارين بحدودها وتخومها وعامرها وداثرها وجميع من فيها وما فيها على أن الملك المنصور لا يرخص للتركمان ولا للعرب أن ينزلوا بلد رقيبة وبارين سوى

ثلاثين بيتا يحملون الغلة لقلعة بارين وإن أرادوا الزيادة يكون بمراجعة الإخوة الاسبتارية والاتفاق معهم على ذلك
وعلى أنه إن تعدى أحد من أصحابه بأذية أو تعدى أحد من الفرنجة في بلاده بأذية كانت المهلة في ذلك خمسة عشر يوما فإن انكشفت الأخيذة أعيدت وإلا تحلف الجهة المدعى عليها أنها ما علمت وما أحست وكما لهم كذلك عليهم
والمستقر لمملكة الصاحبين نجم الدين وجمال الدين والأمير صارم الدين نائبي الدعوة المباركة وولد الصاحب رضي الدين وهي مصياف والرصافة وجميع قلاع الدعوة وحصونها وسهلها ووعرها وعامرها وداثرها ومدنها وبلادها وضياعها وطرقاتها ومياهها ومنابعها وجميع بلاد الإسماعيلية بجبلي بهرا واللكام وكل ما تشتمل عليه حدود بلاد الدعوة وتخومها أن يكون الجميع آمنين من على الرصيف الذي بشيزر إلى نهاية الأراضي التي بحصون الدعوة وبلادها
وحماية القرية المعروفة بعرطمار يكون له أسوة الإسماعيلية
وإن علم الأصحاب أن أحدا من الإسماعيلية قد عبر إلى بيت الاسبتار لأذية أعلموا بيت الاسبتار قبل أن تجري أذية وما لم يعلموا به عليهم اليمين أنهم ما علموا به وإن لم يحلفوا يردوا الأذية التي تجري
وتقرر أن يكون فلاحو بيت الاسبتار رائحين وغادين ومتصرفين في بيعهم وشرائهم مطمئنين لا يتعدى أحد عليهم
وكذلك جميع فلاحي بلاد الإسماعيلية لا يتعدى أحد عليهم وأن يكونوا آمنين مطمئنين في جميع بلاد

الاسبتارية وإن تعدى أحد من الجهتين في سوق أو طريق في ليل أو نهار تكون المهلة خمسة عشر يوما فإن ردت الشكوى كلها فما يكون إلا الخير بينهم ومن توجهت عليه اليمين حلف ومن لم يفعل يحلف وإلا يرد الأذية
وتكون الضيعة التي رهنها عبد المسيح رئيس المرقب الاسبتار وهي المشيرقة تكون آمنة إن كان الحال استقر عليها إلى آخر وقت عند كتابة هذه الهدنة المباركة بين الأصحاب وأصحابهم
ويحمل الأمر في الحقوق
ويبطل ما هو على بلاد الدعوة المباركة من جميع ما لبيت الاسبتار على حماية مصياف والرصافة وهو في كل سنة ألف ومائتا دينار قومصية وخمسون مدا حنطة وخمسون مدا شعيرا ولا تبقى قطيعة على بلاد الدعوة جميعها ولا يتعرض بيت الاسبتار ولا نوابهم ولا غلمانهم إلى طلب قديم من ذلك ولا جديد ولا منكسر ولا ماض ولا حاضر ولا مستقبل على اختلافه
وتقرر أن تكون جميع المباحات من الجهتين مطلقة مما يختص بالمملكة الحمصية يسترزق بها الصعاليك وأن نواب الملك الظاهر يحمونهم من أذية المسلمين من بلاده المذكورة وأن نواب بيت الاسبتار يصونونهم ويحرسونهم ويحمونهم من النصارى والفرنج من جميع هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة
ولا يتعرض أحد من المسلمين كافة من هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة إلى بلاد الاسبتارية بأذية ولا إغارة ولا يتعرض أحد من جميع الفرنجة من هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة بحدودها الجارية في يد نواب الاسبتار وفي أيديهم إلى بلاد الملك الظاهر بأذية ولا إغارة
وعلى أنه متى دخل في بلاد المناصفات أحد ممن يجب عليه العداد

وامتنع من ذلك وكان عداد إحدى الجهتين حاضرا إما عداد ديوان الملك الظاهر وإما عداد بيتت الاسبتار فلنائب العداد الحاضر من إحدى الجهتين أن يأخذ من ذلك الشخص الممتنع عن العداد أو الخارج من بلد المناصفات رهنا بمقدار ما يجب عليه من العداد بحضور رئيس من رؤساء بلد المناصفات ويترك الرهن عند الرئيس وديعة إلى أن يحضر النائب الآخر من الجهة الأخرى ويوصل إلى كل من الجهتين حقه من العداد
وإن خرج أحد ممن يجب عليه العداد وعجز النائب الحاضر عن أخذ رهنه فإن دخل بلدا من بلاد الملك الظاهر كان على النواب إيصال بيت الاسبتار إلى حقهم مما يجب على الخارج من العداد وكذلك إن دخل الخارج المذكور إلى بيت الاسبتار كان عليهم أن يوصلوا إلى نواب الملك الظاهر حقهم مما يجب على الخارج من العداد
وكذلك يعتمد ذلك في المملكة الحموية وبلاد الدعوة المحروسة
وعلى أن التجار والسفار والمترددين من جميع هذه الجهات المذكورة يكونون آمنين من الجهتين الجهة الإسلامية والجهة الفرنجية والنصرانية في البلاد التي وقعت هذه الهدنة عليها على النفوس والأموال والدواب وما يتعلق بهم يحميهم السلطان ونوابه ويتعاهدون البلاد الداخلة في هذه الهدنة المباركة الواقع عليها الصلح وفي بلد المناصفات من جميع المسلمين ويحيمهم بيت الاسبتار في بلادهم الواقع عليها الصلح وفي بلد المناصفات من الفرنج والنصارى كافة
وعلى أن يتردد التجار والمسافرون من جميع المترددين على أي طريق اختاروه من الطرق الداخلة في عقد هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة المباركة المختصة بالملك الظاهر وبلاد معاهديه وبلاد المناصفات وخاص بيت الاسبتار والمناصفات يكون الساكنون والمترددون في الجهتين آمنين مطمئنين على النفوس والأموال تحمي كل جهة الجهة الأخرى

وعلى أن ما يختص بكل جهة من هذه الجهات الإسلامية والفرنجية الاسبتارية لا يكون عداد على مالها في المناصفات من الدواب والغنم والبقر والجمال وغيرها على العادة المقررة في ذلك
وعلى أن إطلاق الرؤساء يكون باتفاق من الجهتين الإسلامية والفرنجية الاسبتارية
ومتى وقعت دعوى على الجهة الأخرى وقف أمرها في الكشف عنها أربعين يوما فإن ظهرت أعيدت على صاحبها وإن لم تظهر حلف ثلاثة نفر ممن يختارهم صاحب الدعوى على ما يعلمونه في تلك الدعوى وإن ظهرت بعد اليمين أعيدت إلى صاحبها وإن كان قد تعوض عنها أعيد العوض
وعلى أن يكشفوا عن الأخيذة بجهدهم وطاقتهم
ومتى تحققت أعيدت إلى صاحبها فإن حلفوا يبرؤون من الدعوى وإن ظهرت بعد اليمين أعيدت على صاحبها وإن امتنع المدعى عليه من اليمين حلف المدعي ولا يستحق عوض ما عدم من كل شيء مثله
وكذلك يجري الأمر في القتل عوض الفارس فارس وعوض الراجل راجل وعوض البركيل بركيل وعوض التاجر تاجر وعوض الفلاح فلاح
وإذا انقضت الأربعون يوما المذكورة لكشف الدعوى ولم يحلف المدعى عليه للمدعي وجب عليه العوض حتى يرد وإن رد اليمين على المدعي ومضى على ذلك عشرة أيام ولم يحلف صاحب الدعوى بطلت دعواه وحكمها وإن حلف أخذ العوض
ومتى هرب من إحدى الجهتين إلى الأخرى أحد ومعه مال لغيره أعيد جميع ما معه وكان الهارب مخيرا بين المقام والعود
وإن هرب عبد وخرج عن دينه أعيد ثمنه وإن كان باقيا على دينه أعبد

وعلى أن لا يدخل أحد من القاطنين في بلد المناصفات من الفلاحين والعرب والتركمان وغيرهم إلى بلاد الفرنج والنصارى كافة لإغارة ولا أذية بعلم الملك الظاهر بلاد معاهديه ولا يدخل أحد بلاد المسلمين لإغارة ولا أذية بعلم بيت الاسبتار ولا رضاهم ولا إذنهم
وعلى أن الدعاوى المتقدمة على هذا الصلح يحمل أمرها على شرط المواصفة التي بين الملك الظاهر وبين معاهديه وبين بيت الاسبتار
وعلى أن هذه الهدنة تكون ثابتة مستقرة لا تنقض بموت أحد من الجهتين ولا وفاة ملك ولا مقدم إلى آخر المدة المذكورة وهي عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها يوم تاريخه
وعلى أن نواب الملك الظاهر ومعاهديه لا يتركون أحدا من التركمان ولا من العربان ولا من الأكراد يدخل بلاد المناصفات بغير اتفاق من بيت الاسبتار أو رضاه إلا أن يكفلوه على نفوسهم في هذه الطوائف المذكورة ويعلموا حاله لئلا تبدو منهم أذية أو ضرر أو فساد ببلد المناصفات وببلد النصارى
ولنواب مولانا السلطان أن تتركهم على شرط أنهم يعلم بهم بيت الاسبتار في غد نزولهم المكان إن كان المكان قريبا
وإن ظهر منهم فساد كان النواب يجاوبون بيت الاسبتار
وعلى أن المهادنة بحدودها يكون الحكم فيها كما في المناصفات والحدود في هذه البلاد جميعها تكون على ما تشهد به نسخ الهدن وما استقر الحال عليه إلى آخر وقت
وعلى أن تخلى أمور المملكة الحمصية على ما كان مستقرا في الأيام الأشرفية على ما قرره الأمير علم الدين سنجر

هذا ما وقع الاتفاق والتراضي عليه من الجهتين وبذلك جرى القلم الشريف السلطاني الملكي الظاهري حجة بمقتضاه وتأكيدا لما شرح أعلاه
كتب في تاريخ كذا وكذا
وهذه نسخة هدنة من هذا النمط عقدت بين السلطان الملك الظاهر بيبرس أيضا وبين ملكة بيروت من البلاد الشامية في شهور سنة سبع وستين وستمائة حين كانت بيدها وهي
استقرت الهدنة المباركة بين السلطان الملك الظاهر ركن الدين

بيبرس وبين الملكة الجليلة المصونة الفاخرة فلانة ابنة فلان مالكة بيروت وجميع جبالها وبلادها التحتية مدة عشر سنين متوالية أولها يوم الخميس سادس رمضان سنة سبع وستين وستمائة الموافق لتاسع أيار سنة ألف وخمسمائة وثمانين يونانية على بيروت وأعمالها المضافة إليها الجاري عادتهم في التصرف فيها في أيام الملك العادل أبي بكر بن أيوب وأيام ولده الملك المعظم عيسى وأيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز والقاعدة المستقرة في زمنهم إلى آخر الأيام الظاهرية بمقتضى الهدنة الظاهرية بمقتضى وذلك مدينة بيروت وأماكنها المضافة إليها من حد جبيل إلى حد صيدا وهي المواضع الآتي ذكرها جونية بحدودها والعذب بحدودها والعصفورية بحدودها والراووق بحدودها وسن الفيل بحدودها والرح والشويف بحدودها وأنطلياس بحدودها والجديدة بحدودها وحسوس بحدودها والبشرية بحدودها والدكوانة وبرج قراجار بحدودها وقرينة بحدودها والنصرانية بحدودها وجلدا بحدودها والناعمة بحدودها ورأس الفيقة والوطاء المعروف بمدينة بيروت وجميع ما في هذه الأماكن من الرعايا والتجار ومن سائر أصناف الناس أجمعين والصادرين منها والواردين إليها من جميع أجناس الناس والمترددين إلى بلاد السلطان فلان وهي الحميرة

وأعمالها وقلاعها وبلادها وكل ما هو مختص بها والمملكة الأنطاكية وقلاعها وبلادها وجبلة واللاذقية وقلاعها وبلادها وحمص المحروسة وقلاعها وبلادها وما هو مختص بها ومملكة حصن عكا وما هو منسوب إليه والمملكة الحموية وقلاعها وبلادها وما هو مختص بها والمملكة الرحبية وما هو مختص بها من قلاعها وبلادها والمملكة البعلبكية وما هو مختص بها من قلاعها وبلادها والمملكة الدمشقية وما هو مختص بها من قلاعها وبلادها ورعاياها وممالكها والمملكة الشقيفية وما يختص بها من قلاعها وبلادها ورعاياها والمملكة القدسية وما يختص بها والمملكة الحلبية وما يختص بها والمملكة الكركية والشوبكية وما يختص بها من القلاع والبلاد والرعايا والمملكة النابلسية والمملكة الصرخدية ومملكة الديار المصرية جميعها بثغورها وحصونها وممالكها وبلادها وسواحلها وبرها وبحرها ورعاياها وما يختص بها والساكنين في جميع هذه الممالك المذكورة وما لم يذكر من ممالك السلطان وبلاده وما سيفتحه الله تعالى على يده ويد نوابه وغلمانه يكون داخلا في هذه الهدنة المباركة ومنتظما في جملة شروطها ويكون جميع المترددين من هذه البلاد وإليها آمنين مطمئنين على نفوسهم وأموالهم وبضائعهم من الملكة فلانة وغلمانها وجميع من هو في حكمها وطاعتها برا وبحران ليلا ونهارا ومن مراكبها وشوانيها
وكذلك رعية الملكة فلانة وغلمانها يكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم وبضائعهم من السلطان ومن جميع نوابه وغلمانه ومن هو تحت حكمه وطاعته برا وبحرا ليلا ونهارا في جبلة واللاذقية وجميع بلاد السلطان ومن مراكبه وشوانيه

وعلى أن لا يجدد على أحد من التجار المترددين رسم لم تجر به عادة بل يجرون على العوائد المستمرة والقواعد المستقرة من الجهتين
وإن عدم لأحد من الجانبين مال أو أخذت أخيذة وصحت في الجهة الأخرى ردت إن كانت موجودة أو قيمتها إن كانت مفقودة
وإن خفي أمرها كانت المدة للكشف أربعين يوما فإن وجدت ردت وإن لم توجد حلف والي تلك الولاية المدعى عليه وحلف ثلاثة نفر ممن يختارهم المدعي وبرئت جهته من تلك الدعوى
فإن أبى المدعى عليه عن اليمين حلف الوالي المدعي وأخذ ما يدعيه
وإن قتل أحد من الجانبين خطأ كان أو عمدا كان على القاتل في جهته العوض عنه نظيره فارس بفارس وبركيل ببركيل وراجل براجل وفلاح بفلاح
وإن هرب أحد من الجانبين إلى الجانب الآخر بمال لغيره رد من الجهتين هو والمال ولا يعتذر بعذر
وعلى أنه إن تاجر فرنجي صدر من بيروت إلى بلاد السلطان يكون داخلا في هذه الهدنة وإن عاد إلى غيرها لا يكون داخلا في هذه الهدنة
وعلى أن الملكة فلانة لا تمكن أحدا من الفرنج على اختلافهم من قصد بلاد السلطان من جهة بيروت وبلادها وتمنع من ذلك وتدفع كل متطرق بسوء وتكون البلاد من الجهتين محفوظة من المتجرمين المفسدين
وبذلك انعقدت الهدنة للسلطان وتقرر العمل بهذه الهدنة والالتزام بعهودها والوفاء بها إلى آخر مدتها من الجهتين لا ينقضها مرور زمان ولا يغير شروطها حين ولا أوان ولا تنقض بموت أحد من الجانبين
وعند انقضاء الهدنة تكون التجار آمنين من الجهتين مدة أربعين يوما ولا يمنع أحد منهم من العود إلى مستقره وبذلك شمل هذه الهدنة المباركة الخط الشريف حجة فيها والله الموفق في تاريخ كذا وكذا
وهذه نسخة هدنة عقدت بين السلطان الملك الظاهر بيبرس وولده

الملك السعيد وبين الفرنج الاسبتارية على قلعة لد بالشام في سنة تسع وستين وستمائة وهي
استقرت الهدنة المباركة بين السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي قسيم أمير المؤمنين وولده الملك السعيد ناصر الدين محمد بركه خاقان خليل أمير المؤمنين وبين المباشر المقدم الجليل افريز أولدكال مقدم جميع بيت اسبتار سرجوان بالبلاد الساحلية وبين جميع الإخوة الاسبتارية لمدة عشر سنين كوامل متواليات متتابعات وعشرة أشهر أولها مستهل رمضان سنة تسع وستين وستمائة للهجرة النبوية المحمدية الموافق للثامن عشر من نيسان سنة ألف وخمسمائة واثنتين وثمانين للإسكندر بن فيلبس اليوناني على أن تكون قلعة لد بكمالها وربضها وأعمالها وما هو منسوب إليها ومحسوب منها بحدودها المعروفة بها من تقادم الزمان وما استقر لها الآن وما يتعلق بذلك من المواضع والمصايد والملاحات والبساتين والمعاصر والطواحين والجزائر سهلها وجبلها وعامرها وداثرها وما يجري بها من أنهار وينبع بها من عيون وما هو مبني بها من عمائر وما استجد بها من القراح وغير ذلك

وكل ما عمر في أراضي المناصفات على دورها وأنهارها وما بحدود ذلك من نهر بدرة إلى جهة الشمال وما استقر لبلدة من هذه الجهات إلى آخر الأيام الناصرية من الحدود المعروفة بها والمستقرة لها وحصن برغين وما ينسب إلى ذلك من البلاد والضياع والقرى التي كانت مناصفة تكون جميع بلدة وهذه الجهات خاصا إلى آخر الزائد للملك الظاهر ولا يكون لبيت الاسبتار ولا للمرقب فيها حق ولا طلب بوجه ولا سبب إلى حين انقضاء مدة الهدنة وما بعدها إلى آخر الزائد ولا لأحد من جميع الفرنجة فيها تعلق ولا طلب بوجه ولا سبب
وكذلك مهما كان مناصفة كقلعة العليقة في بلادها لبيت الاسبتار يكون ذلك جميعه للديوان المعمور والخاص الشريف ولا يكون للمرقب فيها شيء ولا لبيت الاسبتار
وكذلك كل ما هو في بلاد الدعوة المباركة جميعها وقلاعها من القرى لا تكون فيها مناصفة لبيت الاسبتار ولا للمرقب ولا حق ولا رسم ولا شرط ولا طلب في جميع بلاد الدعوة مصياف المحروسة والكهف والمنيقة والقدموس والخوابي والرصافة والعليقة وكل ما هو في هذه

القلاع وفي بلادها من مناصفة يكون ذلك خاصا للملك الظاهر وليس لبيت الاسبتار ولا الفرنجة فيه حديث ولا طلب
وعلى أن تكون بلاد المرقب وحدودها من نهر لد ومقبلا ومغربا إلى حدود بلاد مرقبة المعروفة بها الداخل جميعها في الفتوح الشريف واستقرارها بحكم ذلك في الخاص المبارك الشريف وحد البيوت المحاذية لسور الربض تستقر جميعها مناصفة بين السلطان وبين بيت الاسبتار نصفين بالسوية وما في جميع هذه البلاد من بساتين وطواحين وعمائر ومصايد وملاحات ووجوه العين والمستغلات الصيفية والشتوية والقطاني والحقوق المستخرجة وما هو مزروع من الفدن لأهل الربض وبيادرها يكون ذلك مناصفة بين السلطان وبين بيت الاسبتار سرجوان بالسوية نصفين
وما هو داخل الربض وداخل المرقب فإنه مطلق من الملك الظاهر للمقدم الكبير افريز أولدكال مقدم بيت الاسبتار سرجوان وخيالته ورجاله وحمالته ورجالته ورعيته برسم إقامتهم وسكناهم من داخل الأسوار وعن سور الربض المحاذية للسور تكون مناصفة جميعها بما فيه حقوق طرقات وأحكار ومراعي المواشي على اختلاف أصوافها وأوبارها وجميع السخريات وكل أرض مزروعة أو غير مزروعة مهما أخذ منه من حق أو عداد يكون مناصفة
وكل ما هو من المواني والمراسي البحرية المعروفة جميعها بحصن المرقب من منيا بلدة إلى مينا القنطرة المجاورة لحدود مرقبة تكون هي وما يتحصل منها من الحقوق المستخرجة من الصادرين والواردين والتجار وما ينعقد عليه ارتفاعها وتشهد به الحسبانات جميعه مناصفة
وما يدخل في

ذلك من أجناس البضائع على اختلافها يؤخذ الحق منه مناصفة على العادة الجارية من غير تغيير لقاعدة من حين أخذ بيت الاسبتار المرقب إلى تاريخ هذه الهدنة المباركة مناصفة على العادة الجارية بل تجري التجار في الحقوق على عادتهم في البضائع التي يحضرونها والمتجر كائنا من كان
يعتمد ذلك في كل ما يصل للمترددين والمقيمين بالقلعة والربض من عامة وغير عامة وخيالة وغير خيالة على اختلاف أجناسهم خلا ما يصل للإخوة ولغلمانهم المعروفين بالإخوة الاسبتارية من الحبوب والمؤونة والكسوة والخيل التي هي برسم ركوبهم خاصة لا يكون عليها حق بشرط أنه لا يكون فيها للتجار شيء من ذلك وما خلا ذلك جميعه يؤخذ الحق منه مناصفة على ما شرحناه
وعلى أنه لا يحمي أحد من الإخوة الخيالة والوزراء والكتاب والنواب والمستخدمين شيئا على اسم بيت الاسبتار ليستطلق الحق ويمنع من استيدائه ولو أنه أقرب أخ إلى المقدم أو ولد المقدم إذا ظهر منه خلاف ما وقع عليه الشرط أخذ جميع ماله مستهلكا للجهتين للديوان السلطاني المعمور ولبيت الاسبتار إن كان خارجا من البحر أو نازلا إلى البحر صادرا وواردا وكذلك في البر صادرا وواردا بعد المحاققة على ذلك وصحته
وعلى أن نواب المباشر المقدم الكبير لبيت الاسبتار وولاته وكتابه ومستخدميه وغلمانه يكونون آمنين مطمئنين على نفوسهم وأموالهم وجميع ما يتعلق بهم
وكذلك غلماننا وولاتنا ونوابنا ومستخدمونا وكتابنا ورعايا بلادنا يكونون آمنين مطمئنين على نفوسهم وأموالهم متفقين على مصالح البلاد وأخذ الحقوق وسائر المقاسمات والطرقات والبساتين والطواحين

والحقوق المقررة على الفدن على اختلاف أجناسها
وكذلك الرآسة واستخراج وجوه العين والحبوب والتصاريف الجاري بها العادة المقررة على الفدن من جميع ما يتعلق بها
وعلى أن جميع الضمانات يكون نواب السلطان ونواب بيت الاسبتار متفقين جملة على ذلك لا ينفرد أحد منهم بشيء إلا باتفاق وتنزيل في دفاتر الديوان المعمور وديوان بيت الاسبتار ولا يطلق ولا يحبس إلا باتفاق من الجهتين ولا ينفرد واحد دون آخر
وعلى أن أي مسلم تصدر منه أذية يحكم فيه بما يقتضيه الشرع الشريف في تأديبه يعتمد ذلك فيه نائبنا من شنق يجب عليه أو قطع أو أدب بحكم الشرع الشريف من شنق وقطع وكحل أعين بحيث لا يعمل ذلك إلا بحضور نائب من جهة بيت الاسبتار حاضر يعاين ذلك بعينه ويكون قد عرف الذنب وتحققه
وإن كان ذنبه يستوجب جناية أو غرامة دراهم أو ذهب أو مواش أو غير ذلك على اختلاف أجناسه يكون ما يستأدى مناصفة للديوان المعمور ولبيت الاسبتار وصاحب المرقب
فإن كان فيها قماش وبضائع على اختلاف أجناسه وصاحبه مسلم يأخذ بضاعته من غير اعتراض من الجهتين بعد أداء الحق للديوان المعمور ولبيت الاسبتار
وإن لم يعرف صاحب البضاعة وكانت لمسلم أعيدت للخزانة السلطانية ولا يكون لبيت الاسبتار فيها تعلق
وإن كان صاحب البضاعة نصرانيا على اختلاف أجناس النصارى تؤخذ بضاعته من غير اعتراض من جهتنا بعد أداء الحق وإن لم يعرف صاحب البضاعة وكانت لنصراني تبقى تحت يد بيت الاسبتار خلا من كان من بلاد مملكة السلطان على

اختلاف دينه إن كان نصرانيا أو ذميا على اختلاف جنس دينه ليس لبيت الاسبتار عليهم اعتراض ويحمل ذلك جميعه على اختلاف أجناس البضائع للديوان المعمور
وعلى أنه متى انكسر مركب وظهر إلى بر المواني بضاعة وقصد صاحبه شيله إلى جهة يختارها في البر والبحر ولا يتبع فيؤخذ الحق منه إن باع يؤخذ الحق وإن حمل يؤخذ الحق ويكون الحق للجهتين وهو الحق المعروف الجاري به العادة
وعلى أن التجار السفارة والمترددين بالبضائع من بلاد المسلمين والنصارى متى ما خرجوا من المواني المحدودة أعلاه يتوجهون بخفارة الجهتين من غير حق لا يتناول من الخفارة شيء منسوب إلى نفوسهم إلى أن يخرجهم ويحضرهم إلى بر حدود المرقب آمنين مطمئنين تحت حفظ الجهتين
ومتى وصل التجار من مملكة السلطان إلى بلاد المرقب وموانيها فالترتيب على الخفارة من الجهتين مع تدرك الرؤساء الحفظ للطرقات صادرا وواردا بحيث إنهم يحضرون إلى بلاد المرقب وإلى المواني بالمرقب المحدودة أعلاه طيبين آمنين على أرواحهم وأموالهم بالخفارة من الجهتين على ما شرحناه
وعلى أن غلمان المباشر المقدم لبيت الاسبتار والإخوة والخيالة والرعية المقيمين بقلعة المرقب والربض يكونون آمنين مطمئنين على أنفسهم وأموالهم ومن يلوذ بهم ويتعلق في حال صدورهم وورودهم إلى بلادنا الجارية في مملكتنا في البر منا ومن نوابنا بالمملكة والبلاد الجارية في حكمنا ومن ولدنا الملك السعيد ومن أمرائنا وعساكرنا المنصورة
وإن قتل قتيل أو أخذت أخيذة في حدود المناصف ببلاد المرقب فيقع الكشف

عن ذلك عشرين يوما فإن وجد فاعل ذلك يؤخذ الفاعل بذنبه وإن لم يظهر فاعل ذلك مدة عشرين يوما فيمسك رؤساء مكان قطع الطريق وأخذ الأخيذة وقتل القتيل إن كان أخذ وقتل مكان من قتل القتيل أو أخذ الأخيذة أقرب القرباء إلى الذي قطع عليه الطريق أو قتل قتيلا فإن خفي الفاعل لذلك وعجز عن إحضاره بعد عشرين يوما يلزم أهل نواب الجهتين من القرباء الأقرب لذلك المكان بألف دينار صورية للديوان السلطاني النصف ولنقيب الاسبتار النصف ولا تتكاسل الولاة في طلب ذلك ويكون طلبه يدا واحدة ولا يختص الواحد دون الآخر ولا يحابي أحد منهم لأخذ الفلاح في هذا أو غيره في مصلحة عمارة البلاد واستخراج الحقوق ومقاسمة الغلال وطلب المفسدين ليلا ونهارا
وعلى أن لا تغير الهدنة المباركة بأمر من الأمور لا من جهتنا ولا من جهة ولدنا الملك السعيد إلى انقضاء مدتها المعينة أعلاه وفروعها ولا تتغير بتغير المقدم المباشر لبيت الاسبتار الحاكم على المرقب وغيره
وإذا جرت قضية في أمر من الأمور يعرفهم نوابنا ويحقق الكشف إلى مدة أربعين يوما فمن يكون للبداية يخرج منها على من يثبت ويكون قد عرف دينه الذي بدا من جهة كل واحد
وإذا تغير النواب بالمرقب وحضر نائب مستجد يعتمد ما تضمنته هذه الهدنة ولا يخرج عن هذه المواصفة
وإذا تسحب من المسلمين أحد على اختلاف أجناسه إن كان مملوكا أو غير مملوك أو معتوقا أو غير معتوق أو كائنا من كان من المسلمين على اختلاف منازلهم وإن كان غلاما أو غير غلام يرد بجميع ما يوجد معه إن كان قليلا أو كثيرا يرد
ولو أن المتسحب دخل الكنيسة وجلس فيها يمسك بيده ويخرج ويسلم لنوابنا بجميع ما معه وإن كان خيلا أو قماشا أو دراهم أو ذهبا وما يتعامل الناس به يسلم بما معه إلى نوابنا على ما شرحناه
وكذلك إذا تسحب أحد

من جهتهم من الفرنج أو النصارى إلى أبوابنا الشريفة أو وصل إلى جهة نوابنا يمسك ويسلم بما يحضر معه من الخيل والأقمشة والعدة وجميع ما يصل إن كان قليلا أو كثيرا يمسكه نوابنا ويسلمون ذلك بما معه لنائب المقدم الماستر المقيم بالمرقب وأخذوا الخطوط بذلك بتسليمه بما حضر معه
وعلى أنهم لا يكون لهم حديث مع قلعة العليقة ولا الرعية الذين فيها ولا مع نواب ابن الرديني المقيمين فيها لا بكتاب ولا بمشافهة ولا برسالة ولا بقول ولا يطلع أحد من جهتهم إليهم ولا يمكن أحد من الحضور إليهم والوصول إلى جهتهم من القلعة المذكورة ولا تسير إليهم مؤونة ولا تجارة ولا جلب على اختلاف أجناسه ولا تكون بينهم معاملة
وإن حضر من جهة قلعة العليقة إليهم يمسكون ويسلمون لنوابنا ويأخذوا بذلك خطوطهم
وعلى أنهم لا يجددون عمارة قلعة ولا في القلعة عمارة ولا في البدنة ولا في أبراجها ولا يعتمدون إصلاح شيء منها إلا إذا عاينه نوابنا أو أبصروا أنه يحتاج إلى الضرورة في ترميم يرممونه بعد أن يعاينه نوابنا من هذا التاريخ ولا يجددون عمارة في ربضها ولا في سورها ولا في

أبراجها ولا يجددون حفر خندق وعمارة خندق أو تجدد بناية خندق أو قطع جبل أو تحصن عمارة أو تحصن بقطع جبل منسوبا لتحصين يمنع أو يدفع
ولم نأذن لهم بسوى البناية على أثر الدور التي أحرقت عند دخول العساكر صحبة الملك السعيد
وقد أذنا لهم في عمارة باطن الربض على أثر الأساس القديم
وعلى أن صهيون وأعمالها وبرومه وأعمالها والقليعة وأعمالها وعيدوب وأعمالها الجارية تحت نظر الأمير سيف الدين محمد ابن عثمان صاحب صهيون يجري حكم هذه البلاد المختصة به حكم بلادنا في المهادنة بحكم أن بلاده المذكورة جارية في ممالكنا الشريفة
وعلى أنه لا يمكن بيت الاسبتار من دخول رجل غريبة في البر ولا في البحر إلى بلادنا بأذية ولا ضرر يعود على الدولة وعلى بلادنا وحصوننا ورعيتنا إلا أن يكونوا يدا غالبة صحبة ملك متوج
وعلى أن البرج الداخل في المناصفة وهو برج معاوية الذي عند المحاصة الداخلة في مناصف المرقب الآن يخرب ما يخصنا منه وهو النصف من البرج المذكور أعلاه وأن الجسر المعروف بجسر بلدة لم يكن لبيت الاسبتار فيها شيء من البرين وأنه خالص للديوان المعمور دون بيت الاسبتار وأن الدار المستجدة عمارتها بقلعة المرقب برسم الماستر المقدم الكبير الذي هو عايز تكميل عمارة سقف القبو بالحجارة والكلس لا

تكمل عمارتها ويبقى على حاله وهو في وسط القلعة الظاهر منه قليل إلى البر الشرقي وهو المذكور أعلاه
وعلى أن نواب الاسبتار بالمرقب لا يخفون شيئا من مقاسمات البلاد ولا شيئا من حقوقها الجارية بها العادة أن بيت الاسبتار يستخرجونه ولا يخفون منه شيئا وكل ما كان يستأدى من البلاد في أيدي الاسبتار قبل هذه الهدنة يطلعون نوابنا عليه ولا يخفون منه شيئا قليلا ولا كثيرا من ذلك
وعلى أن السلطان يأمر نوابه بحفظ مناصفات بلاد المرقب الداخلة في هذه الهدنة من المفسدين والمتلصصين والحرامية ممن هو في حكمه وطاعته
وكذلك الماستر المقدم افريز أولدكال يلزم ذلك من الجهة الأخرى
ومتى وقع والعياذ بالله فسخ بسبب من الأسباب كان التجار والسفار آمنين من الجهتين إلى أن يعودوا بأموالهم ولا يمنعون من السفر إلى أماكنهم من الجهتين وتكون النهاية لهم أربعين يوما
وتكون هذه الهدنة منعقدة بشروطها المذكورة مستقرة بقواعدها المسطورة للمدة المعينة وهي عشر سنين وعشرة أشهر كوامل أولها مستهل رمضان سنة تسع وستين وستمائة إلى آخرها متتابعة متوالية لا تفسخ بموت أحد من الجهتين ولا بعزل وال وقيام غيره موضعه ولا زوال رجل غريبة ولا حضور يد غالبة بل يلزم كلا من الجهتين حفظها إلى آخرها ومن تولى بعد الآخر حفظها إلى آخرها بالشروط المشروطة فيها أولا وآخرا
والخط أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
في تاريخ كذا وكذا
وهذه نسخة هدنة عقدت بين السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية وولده الملك الصالح علي ولي عهده وبين حكام الفرنج بعكا وما معها من بلاد سواحل

الشام في شهور سنة اثنتين وثمانين وستمائة وهي يومئذ بأيديهم وصورتها
استقرت الهدنة بين مولانا السلطان الملك المنصور سيف الدين أبي الفتح قلاوون الملكي الصالحي وولده السلطان الملك الصالح علاء الدين علي خلد الله تعالى سلطنتهما وبين الحكام بمملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها التي انعقدت عليها هذه الهدنة وهم الشيخان أو دهيل المملكة بعكا وحضرة المقدم الجليل افريز كاسام دننا حول مقدم بيت الديوية وحضرة المقدم الجليل افريز مكفل للورن مقدم بيت الاسبتارية والمرشان الأجل افريز كورات نائب مقدم بيت الاسبتار الآمن لمدة عشر سنين كوامل وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة للهجرة النبوية صلوات الله على صاحبها وسلامه الموافق للثالث

من حزيران سنة ألف وخمسمائة وأربع وتسعين لغلبة الإسكندر بن فيلبس اليوناني على جميع بلاد السلطان وولده وهي التي في مملكتهما وتحت حكمهما وطاعتهما وما تحويه أيديهما يومئذ من جميع الأقاليم والممالك والقلاع والحصون الإسلامية وثغر دمياط وثغر الإسكندرية المحروستين ونسترو وسنترية وما ينسب إليها من المواني والسواحل وثغر فوة وثغر رشيد والبلاد الحجازية وثغر غزة المحروس وما معها من المواني والبلاد والمملكة الكركية والشوبكية وأعمالها والصلت وأعمالها وبصرى وأعمالها ومملكة بلاد الخليل صلوات الله عليه وسلامه ومملكة القدس الشريف وأعمالها وبيت لحم وأعماله

وبلاده وجميع ما هو داخل فيها ومحسوب منها وبيت جبريل ومملكة نابلس وأعمالها ومملكة الأطرون وأعمالها وعسقلان وأعمالها وموانيها وسواحلها ومملكة يافا والرملة وميناها وقيسارية وميناها وسواحلها وأعمالها وأرسوف وأعمالها وقلعة قاقون وأعمالها وبلادها وأعمال العوجاء وما معها من الملاحة والفتوح السعيد وأعمالها ومزارعها وبيسان وأعمالها وبلادها والطور وأعماله واللجون وأعماله وجينين وأعمالها وعين جالوت وأعمالها والقيمون

وأعماله وما ينسب إليه وطبرية وبحيرتها وأعمالها وما معها والمملكة الصفدية وما ينسب إليها وتبنين وهونين وما معهما من البلاد والأعمال والشقيف المحروس المعروف بشقيف أرنون وما معه من البلاد والأعمال وما هو منسوب إليه وبلاد الفرن وما معه خارجا عما عين في هذه الهدنة المباركة ونصف مدينة إسكندرونة ونصف ضيعة مأرب بفدنهما وكرومهما وبساتينهما وحقوقهما وما عدا ذلك من حقوق إسكندرونة المذكورة يكون جميعه بحدوده وبلاده للسلطان الملك المنصور ولولده النصف والنصف الآخر لمملكة عكا
والبقاع العزيزي وأعماله وشعرا وأعمالها وشقيف تيرون وأعماله والعامر جميعها ولا نا

وغيرها وبانياس وأعمالها وقلعة الصبيبة وأعمالها وما معها من البحيرات والأعمال وكوكب وأعمالها وما معها وقلعة عجلون وأعمالها ودمشق والمملكة الدمشقية حرسها الله تعالى وما لها من القلاع والبلاد والممالك والأعمال وقلعة بعلبك المحروسة وما معها وأعمالها ومملكة حمص وما لها من الأعمال والحدود ومملكة حماة المحروسة ومدينتها وقلعتها وبلادها وحدودها وبلاطنس وأعمالها وصهيون وأعمالها وبرزية وأعمالها وفتوحات حصن الأكراد المحروس وأعماله وصافيثا وأعمالها وميعارو أعمالها والعريمة وأعمالها وقدقيا وأعمالها وحلبا وأعمالها والقليعة وأعمالها وحصن عكار وأعماله وبلاده وقلعة شيزر وأعمالها وأفامية وأعمالها وجبلة وأعمالها وأبو قبيس وأعماله والمملكة الحلبية وما هو مضاف إليها من القلاع والمدن والبلاد والحصون وأنطاكية وأعمالها وما دخل في الفتوح

المبارك وبغراس وأعمالها والدربساك وأعمالها والراوندان وأعمالها وعينتاب وأعمالها وحارم وأعمالها ويبرين وأعمالها وسيح الحديد وأعماله وقلعة نجم وأعمالها وشقيف دركوش وأعماله والشغر وأعماله وبكاس وأعماله والسويداء وأعمالها والباب وبزاعا وأعمالهما والبيرة وأعمالها والرحبة وأعمالها وسلمية وأعمالها وشميمس وأعمالها وتدمر وأعمالها وما هو منسوب إليها وجميع ما هو منسوب لمولانا السلطان ولولده من البلاد التي عينت في هذه الهدنة المباركة والتي لم تعين
وعلى جميع العساكر وعلى جميع الرعايا من سائر الناس أجمعين على اختلافهم وتغير أنفارهم وأجناسهم وأديانهم للقاطنين فيها والمترددين في البر والبحر والسهل والجبل في الليل والنهار يكونون آمنين مطمئنين في حالتي صدورهم وورودهم على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وحريمهم وبضائعهم وغلمانهم وأتباعهم ومواشيهم ودوابهم وعلى جميع ما يتعلق بهم وكل ما تحوي أيديهم من سائر الأشياء على اختلافها من الحكام بمملكة عكا وهم كفيل المملكة بها والمقدم

افريز كليام دننا حول مقدم بيت الديويه والمقدم افريز بيكوك للورن مقدم بيت الاسبتار وافريز اهداب نائب مقدم بيت الاسبتار الامن ومن جميع الفرنج والإخوة والفرسان الداخلين في طاعتهم وتحويه مملكتهم الساحلية ومن جميع الفرنج على اختلافهم الذين يستوطنون عكا والبلاد الساحلية الداخلة في هذه الهدنة من كل واصل إليها في بر أو بحر على اختلاف أجناسهم وأنفارهم لا ينال بلاد السلطان وولده ولا حصونهما ولا قلاعهما ولا بلادهما ولا ضياعهما ولا عساكرهما ولا جيوشهما ولا عربهما ولا تركمانهما ولا أكرادهما ولا رعاياهما على اختلاف الأجناس والأنفار ولا ما تحويه أيديهم من المواشي والأموال والغلال وسائر الأشياء منهم غدر ولا سوء ولا يخشون من جميعهم أمرا مكروها ولا إغارة ولا تعرضا ولا أذية
وكذلك ما يستفتحه ويضيفه السلطان وولده على يديهما وعلى يد نوابهما وعساكرهما من بلاد وحصون وقلاع وملك وأعمال وولايات برا وبحرا سهلا ووعرا
وكذلك جميع بلاد الفرنج التي استقرت الآن عليها هذه الهدنة من البلاد الساحلية وهي مدينة عكا وبساتينها وأراضيها وطواحينها وما يختص بها من كرومها وما لها من حقوق حولها وما تقرر لها من بلاد في هذه الهدنة وعدتها بما فيها من مزارع ثلاثة وسبعون ناحية خاصا

للفرنج وهي البصة ومزرعتها مجدل حمصين رأس عبده المنواث ومزرعتها الكابرة ومزرعتها نصف وفيه جعون كفر بردى ومزرعتها كوكب عمقا ومزرعتها المونية كفر يا سيف ومزرعتها توسيان مكر حرسين ومزرعتها الحديدة الغياضة العطوانية مرتوقا الحارثية ثمرا الطرة الرنب البانوحيه ومزرعتها العرج ومزرعتها المزرعة السميرية البيضاء دعوق والطاحون كردانه والطاحون حدرول تل النحل الغاز الرخ والمجدل تل كيسان البروة الرامون ساسا السياسية الشبيكة المشيرقة العطرانية المنيير اكليل هرياسيف

العربية هوشة الزراعة الجديدة الشمالية الرحاحيه قسطه كفرنبتل الدويرات ماصوب متماس العباسية سيعانه عين الملك المنصورة الرصيفة جباتا سرطا كفرتا أرض الزراعة رولس صغد عدي سفرعم هذه البلاد المذكورة تكون خاصا للفرنج
حيفا والكروم والبساتين التي لها جميعها والقصر وهو الحوش وكفر توثا وهي الكنيسة والطيرة والسعبة

والسعادة والمعر والباجور وسومرا
تكون حيفا وهذه البلاد المذكورة بحدودها وأراضيها خاصة للفرنج
وكذلك قرية مارسا ناره بها المعروفة بها وكرومها وغروسها يكون خاصا للفرنج
ودير السياح ودير مارلياس بأراضيهما المعروفة بهما وكرومهما وبساتينهما يكون خاصا للفرنج
وعلى أن يكون للسلطان الملك المنصور ولولده الصالح من بلاد الكرمل وهي الدالية ودونه وضريبة الريح والكرك ومعليا والرامون ولوبية وبسور وخربة يونس وخربة خميس ورشميا ودوانه يكون يكون خاصا للفرنج في بلاد أخرى ذكرها
وما عدا ذلك من البلاد الجبلية جميعها للسلطان ولولده بكمالها
وتكون جميع هذه البلاد العكاوية وما عين في هذه الهدنة المباركة من البلاد الساحلية آمنة من السلطان الملك المنصور وولده الملك الصالح

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39